|
الصراع في دارفور بين أشرار وأشرار .. ليس من شأننا (شارلس ريس)
|
ليس من شأننا
تشارلي ريس*
لجورج كلوني والأمريكيين الآخرين الذين تظاهروا وطالبوا بأن تتدخل الولايات المتحدة في إقليم دارفور في السودان، لدي رسالة بسيطة وواضحة: "اشتروا لأنفسكم أسلحة والكثير من الذخائر واذهبوا وتدخلوا بأنفسكم". في الثلاثينيات من القرن الماضي، لم تكتف مجموعة أكثر قسوة وشدة من الأمريكيين بمجرد التظاهر. فقد شكلوا فرقة أطلقوا عليها لواء إبراهام لنكولن، وذهبوا إلى إسبانيا، وقاتلوا في الحرب الأهلية الإسبانية. وهناك نجم سينمائي مشهور، اسمه إرول فلين، خاطر بحياته وتعرض لإصابات، وهو يحمل الأموال عبر خطوط العدو إلى القوات الموالية. بالطبع، لم يكن فلين جباناً. قبل أن يصبح ممثلاً، كان بحاراً في المياه العميقة ومهرباً من الدرجة الممتازة. كان رجلاً حقيقياً، وليس صورة لرجل. اللبراليون هذه الأيام مصنوعون من مادة أكثر ليونة. إنهم لا يريدون أن يقاتلوا أو يتعرضوا لإطلاق النار. إنهم أثرياء جداً، ويعيشون حياة رغدٍ ورخاء. إنهم يريدون شاباً أمريكياً فقيراً يكسب 1.200 دولار في الشهر كي يذهب إلى الصحراء الإفريقية، ويتعرض للقتل هناك. إن من المعيب أن يحاول الأثرياء أن يريحوا ضمائرهم بإرسال فتيان فقراء للقتال والموت، بدل أن يذهبوا هم أنفسهم. إذا تطلب الأمر، سيكون على كلوني أن يتخلى عن مساعده الخاص ومقطورته المكيفة، وبدلائه، ولكن من يدري، قد يجد المعركة الحقيقية ممتعة. الصراع في دارفور ليس بين الأشرار والجيدين. إنه بين أشرار وأشرار. كلا الطرفين مسلح. كلا الجانبين ارتكب فظائع. كلا الجانبين يظهر تعاطفاً ورحمة تجاه الطرف الآخر، كما تظهر الأفعى المجلجلة تجاه الفأر. إنها ليست معركة بين أبيض وأسود. كلا الجانبين من الأفارقة السود. وهي ليست بين مسلم ومسيحي. كلا الجانبين من المسلمين. وربما بدأ الصراع هناك كما بدأت حروب المساحة في وايو مينج في القرن الـ19. أحد الأطراف من الرعيان الرحل، والطرف الآخر من المزارعين. عندما يحاول المزارعون إبعاد قطعان الماشية عن العشب والماء، سيحدث إطلاق نار بالتأكيد، سواء كان ذلك في السودان أو في وايومينج في القرن الـ19. إن الصراع، فوق كل شيء، ليس من شأننا. إنه لا يؤثر على الولايات المتحدة مطلقاً. إذا استمر لـ10 سنوات فإنه لن يؤثر على الولايات المتحدة. إذا تم حل الصراع غداً، فإنه لن يؤثر على الولايات المتحدة. ليس لنا أي مصالح استراتيجية أو قومية في السودان. إذا كان الناس في السودان يريدون أن يقتتلوا فهذا من شأنهم، وليس من شأننا. لقد حان الوقت للشعب الأمريكي كي يطالب الكونجرس والرئيس بألا يرسلا الشبان الأمريكيين ليموتوا في حروب الآخرين. إن فكرة استخدام الشبان الأمريكيين كقوات شرطة إنسانية منافقة هي فكرة قذرة، وغير دستورية في الوقت نفسه. هؤلاء الشبان والشابات ينضمون إلى الجيش الأمريكي للدفاع عن أمريكا، وليس لكي يحشروا أنفسهم في صراعات الشعوب الأخرى المحلية. إذا أرسل جورج بوش قوات عسكرية إلى السودان، فإن أسامة بن لادن سوف يقفز من الفرح. لقد حذر بالفعل من أن التدخل الغربي في السودان سيكون هجوماً آخر على الإسلام. ستجد قواتنا نفسها مرة أخرى في "عش للدبابير". وماذا سيفعلون؟ يختارون جانباً ويطلقون النار على الجانب الآخر؟ أم يطلقون النار على الناس في الجانبين؟ مهما فعلوا، فإن تدخلنا سوف يزيد المعاناة الإنسانية، ولن يجعلها أفضل. إن إحصائيات الضحايا التي نسمعها باستمرار ليست موثوقة، مع أنني لا أشك أنها مرتفعة. بالنسبة للإبادة، فقد تم تعريف تلك الكلمة بشكل مطاط لدرجة يمكن اتهام المرء بها إذا أطلق النار على لص. لم نفعل شيئاً عندما كان ستالين وماوتسي تونج يذبحان الملايين، ولم نفعل شيئاً عندما قتل بول بوت ثلث إلى نصف سكان كمبوديا. لم نفعل شيئاً عندما مسح شعب الأيبوس في الحرب الأهلية في نيجيريا. ما يحدث في السودان ليس شيئاً، مقارنة مع كل جرائم القتل الجماعي التي تجاهلناها. على الأمريكيين أن يتذكروا مقديشو. الناس في غرب السودان فقراء جداً لدرجة أنهم مستعدون لقتل المرء من أجل زوج من الأحذية. لكن رجلاً حافياً فقيراً يحمل سلاحاً يعتبر بنفس خطورة شاب أمريكي تعلم في الجامعة. هناك جيوب كبيرة من المعاناة الإنسانية في جميع أنحاء العالم، ونحن لسنا بالتأكيد شرطي العالم. لا أدري لماذا قرر اللبراليون أن يتحمسوا من أجل دارفور. لن أفاجأ إذا علمت أن مجموعة المتمردين استأجرت شركة علاقات عامة. في جميع الأحوال، دعوا أولئك الذين يتحرقون للتدخل يذهبون بأنفسهم ويضعون أجسادهم في مرمى الخطر. ليس لديهم أي حق لحرمان أم أمريكية من ابنها، حتى يشعروا براحة أكبر مع أنفسهم في حفلة الكوكتيل المقبلة. هؤلاء الإنسانيون المزيفون يجعلون المرء يحس بالغثيان.
*كاتب أمريكي - خدمة كينج فيتشر (خاص "الوطن") المصدر: جريدة الوطن
|
|
|
|
|
|