دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
من جوبا.. قرنق ، لانبكيك ولكنا نغني لك / عارف الصاوي - جوبا
|
من جوبا.. قرنق ، لانبكيك ولكنا نغني لك جوبا : عارف الصاوي صبايا : الغناء والدموع قبل ان تهبط الطائرة التي تحمل جثمان الفقيد قرنق قادمة من بور مسقط رأس الفقيد «وهي طائرة امريكية» كانت مجموعة الصبايا في قمة حماسهن يغنين اغنيات تمجيدية للسلام ورافضة للحرب واغنيات اخري تعلق على قوة الحركة الشعبية وقوة سلفاكير. لكن الاغنيات في غالبها كانت «تمجد شعار الوحدة» وكان فاقان اموم الذي لم يهدأ مطلقا متجولا على امتدد المطار في حركة دؤوبة يقف في معظم الاوقات بجوار فرقة الصبايا وكأنه يثمن الاغنيات بطريقته الخاصة فرقة الصبايا ، كانت حماسية للغاية وانفعالية للغاية ومنسجمة في الغناء والاداء والاختيار. ورغم الغناء الحزائني الا ان الارتياح كان باديا على وجوههن ، وفي رأيي انه التعبير الخلاق يسعدك وجدانيا ولكنه يطغي علي الوجوه حزناً عميقا .. وعندما يتمكن الارهاق منهن .. تسقط احداهن على الارض في نحيب مستمر وصراخ عميق. على امتداد اكثر من ساعتين كان الغناء مستمرا والدموع مستمرة في التدفق. نظرا لارتفاع درجة الحرارة والانتظار الطويل كان الارهاق باديا على الجميع باستثناءات قليلة فاقام اموم مثلا كان حماسيا والطيب ابراهيم محمد خير تحرك كثيرا . وبيدور اسود مسؤول الاستخبارات العسكرية لم يهدأ لحظة لكنهم جميعا كانوا في حالة حزن ما ان تقترب من احدهم حتي تشعر بالحزن قريبا من عيونهم وفي نظراتهم بالذات اسود الذي كان دائما مرافق قرنق الاول والمتواجد بقربه في كل الاماكن والمواقع. في المطار لم يكن هناك حشد كبير ، بعض من الناس والضيوف والاعلاميين لكن عندما تخرج من المطار ستجد الشوارع مليئة حتي قبل ان يخرج الجثمان من المطار خرجنا بسيارة تابعة للامم المتحدة وعلى طول الطريق كانت الجماهير متسلقة على اسوار المنازل والاشجار وعلى الارض لن نبالغ لو قلنا انهم اما يبكون بصوت عال او صامتون ينظرون فقط الى بعضهم بحسرة قبل ان نصل الى الكنيسة الكاتدرائية التي ستقام فيها مراسم الصلوات رأينا14 حالة اغماء والمشهد الغالب هو الدموع في خدود الجميع. من على الحافلة التي تقلنا كانت صبية تصرخ وتتمرغ على الارض وثلاثة من متطوعي الصليب الاحمر يحملونها وهي لا تهدأ ابدا اقتربت من امرأة كانت صامتة واجمة والدموع تنهمر من عينيها حاولت ان اعزيها ببعض الكلمات مدت يدها فقط وتناستني سألتها ان تهدأ فلم تعرني اهتماماً. قلت لصحفي يرافقني هل تعتقد انها تعرف قرنق جيدا ... فقال : «وهل تعتقد ان تلك الصبية المحمولة على رقاب رجال الاسعاف تصدق ان قرنق مات» ؟؟ * العالم في جوبا ... الآن الوقت التاسعة صباحاً بالضبط من يوم امس الاول . والمكان أليف للجميع .. هي جوبا او هكذا يعرفها الناس القادمون اليها للتو من اماكن متفرقة . مدينة لم تسلم من جو الحرب فأخذت طابعا امنيا جعلها تتعامل مع الحزن بحذر «والحذر مألوف» كانت الصورة في الصباح الباكر «مختزنة» في كاميرات الصحافيين والمراسلين وكان الزي اسود ودرجة الحرارة تفوق الـ 40 او تنقص قليلا .. وفي هذا الهجير كان الجميع ينتظر ان تصل جثمان القائد قرنق. بدا على المشهد وكأنه اسطورة يجادل الناس انفسهم لتصديقها لان الناس في اللحظة عبر المناسبة تجدهم يغنون ويحملون الورود ثم فجأة يسترجعون الذاكرة ويتذكرون ان هذا الرجل الممدد في صندوق يحمله الناس كان بالامس قريبا من الحلم وقريبا من النفس وقريبا من المكان ، فيسقطون صرعى لحزنهم الداخلي. المطار كان مسرحا للحزن باجراءات امنية لا تستطيع ان تحبسه ، ولكنها تحاول ان تجعله معقولا لكنه في الغالب كان يخرج عن الخطة فيتساقط الناس بعد ان لفهم الوجوم والدهشة والتعبير الصامت وبسرعة فائقة يتصدى للمهمة ذوي جلابيب بيضاء كتب عليها بخط اسود (splai) «رجال الاسعاف». وعندما بدأت مؤشرات الساعة تشير الى العاشرة سرى انطباع تحول الي استفهام ابعد العالم من هذا الحدث في ذلك الوقت بالضبط كانت طائرتان تابعتان للامم المتحدة تحملان الدفعة الاولى من الضيوف الي مطار جوبا وبعد ذلك مباشرة كان كيباكي في المدرج برفقة ثمانية من كبار مستشاريه ووزرائه على المدرج قادمين من كينيا ثم جنوب افريقيا برئاسة الرئىس مبيكي فعمرو موسي من الجامعة العربية بطائرة مصرية فصفوت الشريف من مصر فهيلدا جونسون من النرويج وثلاثة وزراء من السويد فزيناوي من اثيوبيا وبدون ضوضاء جاء دانيال اراب موي يرافقه الجنرال لازاراس سيمبويو وطائرة امريكية كتب عليها (united stad of america) نزلت علي مقربة من نهاية المدرج. كان الجميع يذهب مباشرة الى (هناك) والمقصود قاعة صغيرة في مطار جوبا استقبلت الجميع كنا نحن الصحافيون في الخارج نكتب اسماء القادمين (فقط) ثم نكمل الانطباعات التي تظهر على وجوههم حينما يبدأون في الهبوط من سلم الطائرة .. لم نجد شيئا غير الحزن الذي هو مختلف عن اى حزن آخر. كان الحضور افريقي الملمح مع قليل من المزيج الاوربي والامريكي وكان خفيفا واستثنائىا عربيا وبمثل ما كان المفكر المصري حنا مينا الذي تربطه علاقة صداقة بالحركة الشعبية يري ان مصر لم تفهم استراتيجية التعامل مع الجنوب او على الاقل لم تتقن تطبيق هذه الاستراتيجية البديهية يعمم اللوم على مجمل الخريطة العربية. لم يصل الي جوبا رئىس عربي واحد وباستثناءات قليلة لم نر طائرة عربية تنزل في مدرج جوبا. هذه المرة لم يعلق احد من الحركة الشعبية علي الغياب العربي لكن اذكر انهم كانوا مستائىن من الحضور العربي الضعيف لحفل التوقيع في نيروبي في التاسع من يناير الماضي. وبينما كان العالم الافريقي والاوروبي والامريكي في جوبا يشاهد هذه الدموع كانت اوراق الصحافيين تنتبه الي الآتي : ـ مجموعة من القيادات اليسارية جاءت الى مطار الخرطوم في الرابعة صباحا بعينهم محمد ابراهيم نقد سكرتير عام الحزب الشيوعي السوداني ليجدوا الطائرة التي يفترض ان تقلهم الي جوبا قد غادرت وانتظروا طويلا طائرة بديلة .. لكن في النهاية عادوا ادراجهم ولم يتمكنوا من المشاركة . ـ اوفد حزب الامة ممثلين عنه كان من بينهم عبد النبي علي احمد وسارة نقدالله تساءل الجميع عن غياب الصادق المهدي ؟؟؟ ـ غاب تمثيل المؤتمر الشعبي او على الاقل لم يظهر ممثلوه على المسرح .. هل حرية التنقل مازالت مضروبة على الترابي ؟ مولانا محمد عثمان الميرغني غاب وسط دهشة الجميع باعتباره حليفا وصديقا لقرنق وقد اوفد موفده الدائم لقرنق الدكتور جعفر عبد الله . تعليقات برزت في ساحة المطار ان الذي منع مولانا الميرغني من حضور التشييع الشديد القوي ؟ وقد بدا لي ان الحضور سيدفعون «ربع» عمرهم ليعرفوا «السبب». كل الرؤساء والضيوف كانوا يرتدون ملابس سوداء بدلة + قميص وكانت هيلدا جونسون اكثرهم سوادا . سلفاكير ارتدي زيا من غرب افريقيا قيل انه هدية من ربيكا قرنق. * عودة جيشوا عندما عبر سيدنا موسي ببني اسرائىل البحر متجها الى ارض الميعاد مات النبي موسي قبل الوصول الى ارض الميعاد فانبري للمهمة نائبه جيشوا قائد الجيوش ورئىس اركان حربه واستطاع ان يخوض حروبا صعبة وقاسية انتهت بوصوله الى ارض الميعاد مع بني اسرائىل. هكذا تحدث (الكتاب المقدس) وهكذا استدعى مطران الكنيسة الكاتدرائية في جوبا القس وهو يصلي علي جثة قرنق. وقد قام المطران بمقاربة شبه سلفاكير ميارديت بجيشوا الذي مهمته الوصول الى «ارض الميعاد». حدثت المقاربة حماسة في الوجدان الديني لمعظم الحضور في صيوان العزاء وطالما ان قرنق بدأ المشوار بالطبع يصبح اخلاقيا من واجب سلفاكير اكمال المهمة ليصل بشعب جنوب السودان الى ارض الميعاد او الى احلامهم السعيدة ومبتغاهم ، لكن كانت الاشارة من سلفاكير ان ارض الميعاد تسع للجميع وانهم سيكونون سعداء هناك. المؤمنون انتهوا الي حقيقة جديدة اذ بدأت المقاربة مطمئنة جدا والعقلانيون ايضا (صدقوا) ان سلفا سيقود الناس الى المكان الذي كان يقصده قرنق بالضبط. وجه الشبه بين جيشوا وسلفاكير في انهما يشبهان بعضهما في طبيعتهما العسكرية ولعل الملمح الابرز ان قرنق مات بعد سريان الاتفاقية مباشرة. الرب اعطي والرب اخذ شعار تردد كثيرا داخل الكنيسة الكاتدرائىة في جوبا. بعد كلمة المطران بدأت ثقة الكثيرين تعود في سلفاكير . اظهرت الحركة الشعبية سلفاكير كقائد حوله اجماع جنوبي ولديه تأىيد شعبي. فباقان اموم الذي قدمه ليلقي كلمته بوصفه رئىس الحركة الشعبية وقائد الجيش الشعبي سلفاكير ميارديت اظهر قدرا كبيرا من اجتذاب الاهمية للقائد الجديد. * ماما ربيكا قرنق .. تجاوزت بالناس المصيبة لا يختلف اثنان ان ربيكا وحدها كانت استثنائىة في تشييع قرنق. فعندما جاءت مرافقة جثة قرنق الى مطار جوبا نزلت من الطائرة بالباب الخلفي للطائرة وبرفقة عدد من قيادات الحركة سارت سريعا على ارض المطار لا تنسوا انها جنرال في الجيش الشعبي. وقيل انها تدخلت لانهاء الجدل الذي كان دائرا حول العلم الذي كان مغطى به الجثمان لصالح (العلم السوداني) بدلا من علم الحركة الشعبية. ثم خرجت مع الضيوف الي ساحة المطار مرة اخري لتشهد خروج موكب الجثمان من المطار الى الكنيسة، واجهت ربيكا المشهد الحزين بشخصية قوية ، وفي كلمتها قالت انها فخورة بهذا الرجل الذي يرقد امامها الآن. وتوجهت الى البشير وسلفاكير ببعض النصائح (القومية) ، قالت قدما السعادة للناس ، حسنوا حياة الناس ، حاربوا الفقر ، واقضوا على الجوع ، واهتموا بالمهمشين ، وحاربوا الفساد. ثم قالت انها عادت الى جوبا التي شهدت فيها حياتها الاولى . ربيكا باجماع الحضور كانت قوية واظهرت «شيئا من قرنق» قوة الشخصية ، الافق الواسع ، الحماسة وجذب الناس باريحية. * لن ننسى اياما مضت في كل لحظة يتعاهد رجال الجيش الشعبي بأنهم متمسكون بالمبادئ ، الصبايا في المطار كن يرددن قرنق رئىس بتاعنا والشعارات المكتوبة في لافتات المطار تبدأ على الدرب نمشي وللشهيد ذكري فينا حتي صور قرنق كانت تعبر عن تمسك بالقيم ، ربيكا قبل ان تصل جوبا كانت تقول لو اردتم قرنق فهاهو جثة هامدة امامكم .. وان اردتم المبادئ التي كان يحملها فهي في قلوبكم جميعاً. باقان اموم قال ان التنصل عن المبادئ التي كان يحملها قرنق خيانة للرجل وعندما حمل ثمانية ضباط عظام اربعة من الحركة واربعة من القوات المسلحة الجثمان في المطار كانت فرقة سلاح الموسيقي تتقدم الموكب وهي تعزف : لن ننسى اياما مضت. وفي الاحتفال الذي اقيم بالكنيسة للصلوات والتعازي كان معظم الحديث عن تماسك الحركة وعن مبادئ قرنق الوحدة ، المساواة ، الحقوق اعطاء الناس حقها في الحياة الكريمة. حدثني قيادي في الحركة الشعبية ان قرنق في ايامه الاخيرة كان يتحدث معهم عن تحويل الاتفاقية الى واقع يلامس حياة الناس ، تحسين الدخول ، الحريات ، وقال في اكثر من مرة «لو لم يصدق الناس السلام فذلك يعني اننا فشلنا في تغيير حياتهم.
تعليق
شكرا عارف
|
|
|
|
|
|
|
|
|