|
معيقات الإصلاح :ومافيا (( كلو تمام سعادتك )) / الحاج وراق
|
دائما تكون مسارب الحاج وراق في الصحافة مضيئة وتعطي لنا مزيدا من القراءات والرؤي
معيقات الاصلاح لدى الانقاذ عديدة، منها عدم وجود مرجعية سياسية واحدة ، وارتباك صفوف الحزب الحاكم والدولة بين مراكز القوى المتضاربة ، وضعف تأثير القواعد في السياسات الحكومية بسبب الطابع غير الديمقراطي وغيرالمؤسسي للحزب الحاكم من جهة، ومن الجهة الاخرى بسبب عُزلة حلقة اتخاذ القرار الضيقة - عزلتها عن المزاج الشعبي، وعن الواقع الحقيقي وتوهانها في تلافيف الواقع المتوهم لمافيا «كلو تمام سعادتك» !! وعزلتها كذلك في متاهة (مافيا) المصالح الخاصة ، والتي استطاعت التسلل إلى قدس أقداس السياسة الرسمية ! وكذلك من معيقات الاصلاح ذهول حلقة اتخاذ القرار عن حقائق العالم المعاصر ، سواء تياراته الفكرية والثقافية ، أو توازناته السياسية والاقتصادية والعسكرية ! * ورغم وجود مايشبه الاجماع وسط أهل السودان حول العديد من قضايا الاصلاح ، مثل ضرورة إعادة النظر في السياسة الاقتصادية القائمة، أو ضرورة تعميم نيفاشا على الشرق والغرب، أو مراجعة المناهج التعليمية، الا ان الانقاذ لم تبادر الي مجرد الدعوة الي مؤتمرات جامعة حقيقية لمناقشة مثل هذه القضايا ، وظلت ومنذ الرابع من رمضان 1999م عاجزة عن اجتراح اىة مبادرة سياسية ذات شأن ، والاستثناء الذي يؤكد القاعدة، التوقيع على اتفاقية السلام، فقد اقدمت علي ذلك تحت ضغوط دولية كثيفة، ومن يومها تؤكد الانقاذ انها لا تقدم على اية خطوة صحيحة الا اذا اضطرت الى ذلك اضطرارا، في الوقت الضائع، وبعد ان تواجه ضغوطاً لا قبل لها بها ! * ويرجع ضعف المبادرة السياسية للانقاذ إلى سببين اساسيين: الاول (فوبيا) ـ (الخوف المرضي) من الترابي ، ولهذا اسبابه الفكرية، حيث ان المجموعة الحاكمة والتي تمايزت عن الترابي لم تطور اطروحاتها الفكرية والسياسية، بحيث تتلاءم مع ممارستها السياسية، وظلت الى الآن في غالبها تتعيش على ذات الزاد القديم ، مما جعلها تُعبِّر عن (ترابية بلا ترابي) !! ولان المجموعة الحاكمة لا تزال ترابية ، فإنها تتخوف عند الاقدام على اية خطوة جديدة ان يحمل عليهم الترابي بصيحة حربه : «باعوا المشروع» ! وقد اصابت هذه القابلية للابتزاز الانقاذ بمرض الشيزوفرينيا ـ انفصام الشخصية ـ السياسي . فمن ناحية تدفعها ايديولوجيتها في اتجاه ، بينما تدفعها مصالحها وممارستها السياسية في اتجاه آخر ! من ناحية تتعاون مع الجهود الدولية لمكافحة الارهاب ، بل وتنظم مؤتمراً اقليميا في ذلك ، ولكن وفي ذات الوقت، يروج خطابها الفكري والاعلامي للارهاب الذي تتعاون في مكافحته! وبينما توقع على اتفاقية السلام ـ وهي اتفاقية مع (المسيحي) المحلي ، وبوساطة وتدخل كثيف من (الآخر) الدولي ، فإن الانقاذ تواصل بث دعايتها لكراهية (الآخر) في وسائل الاعلام المختلفة ! وهي كراهية كانت مفهومة في ظروف الحرب، ولكنها وفي اجواء السلام المفترضة تشابه نشاز تقديم التعازي في زفة العرس بدلا عن التباريك! ولذا ليس غريبا أن خطاب الانقاذ يفسد يوميا زفة عرس السلام في البلاد ! وان مثل هذه التناقضات لا تتعايش بهذه الصورة الكاريكاتورية الا في عقل يعاني فصاما حادا ! وبالطبع فإن مثل هذه (الشيزوفرينيا) لا يمكن ان تحقق هدفها المضمر، وهو ازاحة الترابي من التعبير عن مشروعية (المشروع)، وهذا هدف مستحيل اصلا، لانه اذا كانت (الترابية) صالحة دون اى إصلاح، فالافضل تأهيلاً للتعبير عنها الترابي نفسه ! اما اذا كانت غيرصالحة ، وهي حقا كذلك ، وبالتالي تستدعى تعديلات جذرية ، فإن من مطلوبات الاصلاح ان يتأسس وفق رؤية فكرية مغايرة وجديدة ! وفي غياب مثل هذه الرؤية الجديدة ، وفي ظل تناقض الممارسة السياسية الطارئة مع الرؤية القديمة، بما في ذلك تناقضها مع (عراب) المشروع وزجه في المعتقل ، فإن الاستمرار في التبشير بالرؤية القديمة لا يضفي مشروعية على الانقاذ، وانما يعطي تأكيدا بالنفاق وعدم الاتساق ! والانكي ان (فوبيا) الترابي، كثيرا ما تدفع المجموعة الحاكمة الى الانخراط في طقوس مزايدة على المشروعية الاسلامية، الى الدرجة التي تدفعها الى التساوق مع طرائق تفكير وممارسات ممعنة في الظلامية والتخلف ، سبق وتجاوزها الاسلاميون السودانيون منذ نهاية الستينات !! * واضافة الى (فوبيا) الترابي، يرجع غياب المبادرة السياسية الي طبيعة التدريب السياسي لقيادات الانقاذ الحاكمة ، فقد ظلت ولسنين عديدة في وضعية مسؤولي التنفيذ لمبادرات الترابي ، واذ ازاحت (الشيخ) عن مكانه، فإنها لم تنتقل بعد، فكريا ونفسيا، من وضعية المنفذ الى وضعية المخطط !! ولهذا لم تستشعر بعد، بأن (التدابير) التي حذقتها طيلة السنين السابقة، لابد لها وان تندرج في سياق استراتيجي من التفكير! كما لم تتفهم بعد بأن (التاكتيكات) الأمنية ستظل بلا معنى، إذا لم تصمم لخدمة خطة سياسية محددة !! ولأن (التدابير) تحولت من كونها وسيلة الي وسيلة وغاية معا، فقد تحولت الممارسة السياسية للانقاذ الى محض «تدابير» للحفاظ على السلطة ! أما الحفاظ على السلطة لأجل ماذا؟ وماهو مشروع البناء الوطني المطروح ؟ وماهي الخطط لتنفيذ هذا المشروع ؟! فلا احد في الانقاذ يملك الاجابة على مثل هذه الاسئلة ! وبالطبع، فإن هراء كهراء ما يسمي بالاستراتيجية القومية او الربع قرنية، لا يصلح لتقديم اية اجابة ذات معنى. ولسبب بسيط، فالاستراتيجية التي يؤبه لها حقا، خلاف تبشيرها بحلم، واشتمالها على رؤية، خلاف ذلك، لابد وان تحدد اشكاليتها، وطرق حلها ، وعناصر حلها، وكيفية توفير الموادر اللازمة لحلها ،ولكن استراتيجية (التدبيريين) لا تكلف نفسها عناء مخاطبة هذه القضايا الجوهرية ، وفي المقابل، تضع اهدافا جزافية، تحدد لها آجالا زمنية جزافية هي الأخرى، والطبيعي ان مثل هذه الجزافية لم ولن تحقق شيئا ذا بال !! * والاخطر من كل ذلك، ان عقلية (التدابير) لم تعد تعني بكلفة تدابيرها على الوطن : يُضعف المجتمع لتقوى الاجهزة، وتُضعف الاحزاب لتقوي الجهويات والاعراق ! وتُشجّع الاساليب الفاسدة التي لوثت مناخ العمل العام في البلاد- يُشجّع الكذب والتدليس والمنافقة ، ويقمع الصدع بالحق، وتموّل شهادات الزور، ويُصرف على الوشاة وبائعي ضمائرهم ! ومع ذلك، تُفقر الغالبية، فتنتشر قيم التطفل والتكسب غير المشروع، والتسول والرشاوي وقبول المهانة والاذلال وبيع الكرامة ! وبعد كل ذلك، يتغنون صباح مساء بالقيم الرسالية والدولة الرسالية! وقد قصُرت هذه القيم في الممارسة العملية الى مجرد ملاحقة الفتيات علي الزي المحتشم ! حقا لقد تقاصرت الاحلام الي بصلة! وبالنتيجة، فإن (الداخل) يُضعف ليتقوى موضوعيا (الخارج) ! ومن بعد ذلك يلتحفون هم انفسهم اثواب (الوطنية)، فيولولون من تنامي دور يان برونك، في السودان !! لقد صارت كلفة المحافظة على سلطة (التدبير) باهظة، كلفتها (تصحير) البلاد وطنيا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا واخلاقيا !. * ويستند الاصلاح عادة على تحليل صحيح للوضعية القائمة ، ولكن آفة الانقاذ، واهم معيقات الاصلاح لديها، انها تتبنى تحليلا خاطئا للوضعية السياسية القائمة في البلاد، وهذا ما سأناقشه غدا بإذنه تعالى.
|
|
|
|
|
|