|
جهاز المغتربين: "ولا ينفقون الا وهم كارهون ، د. عبد الله علي إبراهيم
|
سودانايل
جهاز المغتربين: "ولا ينفقون الا وهم كارهون" د. عبد الله علي إبراهيم
هذا قدحي في الحملة الخيرة التي تتنامى لتلجم جهاز المغتربين الذي فات الحدود. وهذا باب في استئناس الدولة التي ورثناها ضرائبية قحة من لدن المستعمر وما سبقه ويتهافت الآن على خاناتها الشاغرة أهل الطبقة الحاكمة والمهمشة بغير وقار.
خطفت رجلي للسودان بكثرة في الوقت الأخير لعيادة الوالدة في كبرها. وأكبر قصدي أيضاً أن أشد من أزر اختي الحاجة بخيتة وأسرتها التي تتعهد الوالدة بعناية غراء جعلها الله لهم في ميزان حسناتهم. وقد ساقتني هذه الزيارات للإحتكاك بجهاز المغتربين الذي يتحصل ضرائبي وزكاتي. لما كانت زياراتي الأخيرة هي من باب البر بالرحم لم أملك إلا التفكير في مهمة الجهاز في دولة إسلامية تستحصل فريضة إسلامية البر أصل وفصل فيها. ولم اجد من بين البينات المطلوبة مني بينة تعتبر أوجه صرفي في البلاد لتقدير زكاتي. وبينما يعتم الجهاز علي مغازي البر في الفريضة تجده يدعونا الي ماديات قحة من شراء أرض وأسهم أو دفع هذه الدمغة او الي مؤتمرات عن هجرة العقول.
فلم يرتب الجهاز مثلاً مؤتمراً عن المعاني الروحية التي تشغل قطاع المغتربين. وعلي رأس هذه المعاني البر بالأهل في زمن الخصخصة الذي تنصلت الحكومة به عن كل تبعة تجاه المواطن. ولست ازيد علي ما كتبه الأستاذ جعفر عباس عن هذا القطاع من الناس. فالقطاع يحول 800 مليون دولار للسودان بما يجعله أهم من البترول كثروة. بل يدفع المغتربون المزيد بتغطية ما عجزت عنه ميزانية الأسر في التعليم والصحة والسكن والمعدات والفياغرا كما قال. فلم يخطر للجهاز أن يتحري إن كان مما سيعمق معني البر ويحض عليه في هذا القطاع أن يفترع إعفاءات ضريبية حسنة التوثيق. فقد كانت الزكاة مما يصرف المستطيع أكثره علي الفقراء من خاصة أهله قبل ان تستولي عليها الدولة وتدرجها في نظام الجباية الباشبوزكي التركي الموروث. مبدأ هذه الباشبوزكية أن تدفع عن يد وأنت صاغر ولا رقابة لك علي الأوجه التي تنفق فيها الدولة مال ضريبتك أو صدقتك. فمن أوجه الصرف التي شغلتني طويلاً إن كان رجال الدولة ما زالوا يعتمرون ويحجون علي مال دافع الضريبة والزكاة. فقد أزعجني مثلاً ما تردد ان الوفد الحكومي في نيفاشا قد قطع التفاوض ليذهب للحج. واستغربت إن يقرر وفد ما أن يذهب للحج عن بكرة أبيه لو لم تكن الدولة هي التي تسدد الفاتورة. وهذه مفاوضة وحجة وتجرة. وقرأت أسماء مسوؤلين في الأخبار ذهبوا ايضاً لأداء الفريضة. لو كان لنا وجه رقابة علي صدقاتنا لفعلنا. ففضح خصلة الحج البلوشي وشبه البلوشي في الحكوميين سهل كما اتضح من فضيحة تحجيج الوزير السابق لأهله.
وقد أهانتني ضروب من هذه الباشبوزكية خلال ترددي علي الجهاز. فقد رفض الجهاز ان ينوب عني أحدهم في الحصول علي المطلوب مني لهم. ولو كنا في نظر الجهاز مواطنين لا رعايا لبعث لنا مطلوباته علي عناويننا حيث كنا في وقت معلوم من السنة. وربما ضمن في رسالته هذه وجوه التيسيير في الدفع أو التقسيط. ولكن الجهاز من الدولة الباشبوزكية الأجنبية المتعالية التي يؤتي اليها ولا يسعدها غير وقوف الغبش وغير الغبش . . صفوف من باب الهانة. وأصل هذا الإخصاء للرعايا في "فعل الهر". فقد كان الترك يربطون للخالف عن دفع الضريببة قطة في لباسه تاكل من خشاش ذكورته أدبة له.
وجربت من سوء أدب الجهاز اشياء اخري. فقد رفض الجهاز ان يستلم مطلوبه مني بالدينار السوداني. وركب جزيمو إلا أن يقتطع حقه بالأصلع الليموني وكأن الله لم يخلق سعر الصرف . ولا اعرف دولة أزرت بعملتها كما فعل الجهاز معي. كما مارس علي الجهاز لعبة التربص (مصطلح راشد عبدالرحيم) المعروفة في جهاز الدولة. وهي لعبة لاتعرف فيها بالضبط متي ستروح جهودك المخلصة لإستيفاء أرانيك الدولة أدراج الرياح. فقد اعطوني دفتراً أزرق اللون بالقيمة قيدوا عليه ما دفعت وما تبقي علي. ثم لما عدت لهم بالدفتر لسفرة أخري قالوا ولكن أين الوصل. والوصل عادة ما يحتاج له المواطن حين يغالط الدولة. ولا داع له إذا لم يكن للدولة مأخذ علي المواطن وحقيقة الدفع مثبتة في كمبيوترها.
من بين أهل الجهاز من يريد له غير ذلك. ولكن هيهات فقد دخله المرض الكعب: الباشبوزكية وقانا الله
|
|
|
|
|
|