|
الدستور المقترح ،، وعبارة ( وفق القانون ) د. زهير السراج
|
مناظير القانون فوق الدستور!!
زهير السراج بريد إلكتروني:
* بنظرة سريعة الى «وثيقة الحقوق» التي جاءت في الباب الثاني من الدستور المقترح، والتي تضم 22 مادة، نجد انها - ما عدا المادة 28 «الحياة والكرامة الانسانية»- قد رهنت نفسها لقوانين ربما ألغت تماماً او قيدت الحقوق التي تضمنتها الوثيقة.. إذ ذُيلت معظم المواد بعبارة «وفقاً للقانون»، وهو خلل خطير يضع القانون في مرتبة اعلى من الدستور.. ويعطيه الشرعية لمصادرة الحقوق الدستورية، بدون ان يتمكن احد من الاعتراض او الطعن في دستورية هذا القانون، لانه يكتسب شرعيته من الدستور نفسه الذي نص على ان هذه الحقوق تُعطى وفقاً لقانون يمكن ان يكون متعسفاً، فيصادر هذه الحقوق.. وهو نفس الوضع الذي نعاني منه الآن.. وعلى سبيل المثال فإن دستور 1998م، وهو الدستور المعمول به الآن، يكفل للموطنين حرية التعبير وتلقى المعلومة والنشر وفق ما يفصله القانون «المادة 25».
* غير ان هذا القانون «قانون الصحافة 2004م» الذي ينظم العمل الصحافي، يُقيِّد هذه الحرية بشكل كبير لدرجة انه يسمح بايقاف الصحف لفترات غير محددة، بل ويسحب رخصة الصحافي والصحيفة لأسباب واهية ومبهمة وغير موضوعية، ويضع عقبات كثيرة جداً أمام إصدار الصحف، وقيامها بالعمل المطلوب منها في الحصول على المعلومة وتمليكها للمواطنين!!
* وكذلك الحال بالنسبة لبقية الحقوق، مثل حق التنقل «المادة 23» وحرية العقيدة والعبادة «المادة 24»، وحرية التوالي والتنظيم «المادة 26»، وحرمة الاتصال والخصوصية «المادة 29»، فكل هذه الحقوق مقيَّدة بعبارة «وفق القانون».. وللأسف الشديد فإن كل القوانين التي صدرت لتنظيم هذه الحقوق، قوانين تعسفية صادرت هذه الحقوق تماماً، وألغت نظرياً وعملياً الدستور نفسه، الذي رهن نفسه لتعبير «وفق القانون».. فانتهز القانون الفرصة وكان اول من اطاح به هو الدستور نفسه.
* والآن.. فإن نفس الخطأ يتكرر، ويرهن الدستور المقترح نفسه لنفس العبارة.. التي تضع القانون في مرتبة أعلى من الدستور، وتجعل مصير الحقوق التي احتوت عليها الوثيقة غامضاً ومجهولاً ومعلقاً بقوانين مجهولة الهوية.. وخاضعة لرغبات وأهواء الذين يضعونها ويستنونها!! وعلى سبيل المثال فإن المادة 39 «1» «حرية التعبير والاعلام» تنص على ان «لكل مواطن الحق في حرية التعبير وتلقي المعلومات.. الخ، كما يحدد القانون» وكذلك بقية المواد التي تحتوي عليها وثيقة الحقوق في الباب الثاني من الدستور.
* لقد كان من المفترض ان ينص الدستور على عدم اصدار قوانين تحد وتعوق حريات الناس وحقوقهم الاساسية وليس العكس بأن يرهن نفسه لقوانين، ربما تكون تعسفية.. وتصادر حقوق وحريات الناس.. واذا كان لابد من وجود تعبير «وفق القانون». حيث ان صدور قوانين لتنظيم حياة الناس امر ضروري، كان لابد من النص بألا تتعارض هذه القوانين مع الحقوق الدستورية.
* واذا اخذنا مثالاً واحداً من الدستور الاميركي، لاتضح لنا الفرق الهائل في التفكير بين الذين وضعوا مسودة الدستور السوداني في القرن الـ 21، والذين وضعوا الدستور الاميركي وتعديلاته قبل أكثر من مائتي عام.. حيث نجد أن التعديل رقم «1» «الحرية الدينية والسياسية» الذي أُدخل على الدستور الاميركي في عام 1791م، ينص على.. «لا يجوز للكونجرس أن يصدر قانوناً يمنع حرية الممارسة الدينية، أو يحد من حرية التعبير أو النشر، أو حق الناس في التجمع السلمي».. الخ.
* ولم يقل الدستور الاميركي.. أن تُنظم هذه الحريات وفق قانون -لا يدري أحد كيف سيكون!!
|
|
|
|
|
|