|
إشراقات في أوقات العتمة ! عن يوم الثلاثاء الأسود/ الحاج وراق
|
إشراقات في أوقات العتمة !
الحاج وراق
* قلادة شرف لأبطال الإنسانية: * في يوم الثلاثاء، ودخان حرائق الإثنين ما يزال يحجب الأبصار والبصائر، وحين انفلتت الغرائر البدائية من عقالها، وبينما كان ادعياء الاسلام يكشفون عن جاهليتهم البغيضة المضمرة، ويجيرون المساجد لما يمكن وصفه بخيانة شاملة وكاملة لقيم الاسلام ، كقيمة المساواة في الكرامة الإنسانية: (... كرمنا بني آدم ...) (.. كلكم لآدم وآدم من تراب)، (لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى)، (... إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، وقيمة حرمة الحياة الإنسانية: (من قتل نفسا بغير حق كأنما قتل الناس جميعا)، وقيمة المسؤولية الفردية : (لا تزر وازرة وزر اخرى) ... إلخ ، وبينما كانت الافاعي السامة تزحف خارجة من جحور المظالم والاستبداد والجهل، والمنبر العنصري الجاهلي يتلمظ في شماتة (حان القطاف، حان القطاف) قطاف نتائج سمومه العنصرية، وقطاف ارواح الابرياء من ضحايا الفتنة، وقطاف اوصال الوطن! في يوم الثلاثاء ذاك، كان اناس عاديون يكشفون عن ارفع القيم الإنسانية والاخلاقية ، ويسجلون مآثر جديرة بالتوثيق والتقدير: - في قرية ود البخيت شمال ام درمان ، حكت احدى الجنوبيات ، واسمها سلوى من منطقة أبيي ، بأن شيخ الحلة، شيخ عبدالله وقف بنفسه امام احدى تجريدات الانتقام العنصري، وانذر بأنه لن يسمح ابدا لأحد بأن يحرق بيوت الجنوبيين ، كما لن يسمح بطردهم من القرية، حتى ولو كلفه ذلك حياته ! ولم يكتفِ شيخ عبد الله بذلك، بل وفتح احد دوره وآوى فيها عشرات الاسر من الجنوبيين طيلة أيام الأزمة ! - وفي الكلاكلة الخرطوم، حيث اكثر المناطق السكنية التهابا وتوترا، وفي اقسى لحظات الفجيعة ، وحين كانت تسري الشائعات عن استعداد كل طرف لمهاجمة الطرف الآخر، نادى إمام مسجد الشيخ دفع الله بالكلاكلة، الشيخ فاروق حاج عبدالله ، نادى في سكان المنطقة بالدفاع عن انفسهم وعروضهم وممتلكاتهم، ولكنه استدرك ، فطالبهم بذات القوة بعدم الاعتداء على احد، وبعدم اخذ البريء بجريرة المذنب ، وبعدم استهداف الناس على اساس الهوية العرقية. ولقد كانت لرسالة الاستدراك هذه اكبر الأثر في تهدئة الخواطر وتطويق الفتنة ! - وفي الكلاكلة ايضا، تقدمت احدى الشابات الجنوبيات - لم اتمكن من الحصول على اسمها، واتمنى ان تتصل بي في الصحيفة - نحو عدد من الشباب الجنوبيين وكانوا يتجمعون حول احد الجنوبيين المصابين ويتهيأون للثأر من كل الشماليين الموجودين في سوق (اللفة)، تقدمت نحوهم ودعتهم بدلا من اضاعة الوقت في الانتقام على اساس الهوية العرقية، دعتهم الى الاهتمام بالأولوية الماثلة، اي اسعاف المصاب الى احد المستشفيات ! ولولا تدخل هذه الشابة ، وفي اللحظة المناسبة، لانفجر صدام عرقي واسع بسوق اللفة ! - وفي الثورة ، مدينة الواحة، وقد تجمع عشرات من الشباب الشماليين بعصيهم وسيخهم، تقدم نحوهم الفاتح عباس العجب، وبعد مناقشة حامية مع رؤوس ركبتها (لوثة) الانتقام العنصري ، اقنعهم بالبؤس الاخلاقي لاستهداف الناس بلا ذنب سوى هويتهم العرقية، وتمكن من ردهم عن الشر الذي عزموا عليه ! * هذه عينة رمزية للعشرات من السودانيين، شماليين وجنوبيين، ارتفعوا فوق غرائزهم البدائية، ليتطابقوا مع القيم الانسانية والاخلاقية الرفيعة، وارجو من كل شخص يعرف اشخاصاً كهؤلاء ان يكتب لي عنهم، لتوثيق تجربتهم من جانب، ولتكريم هؤلاء الابطال، ابطال الانسانية والوحدة الوطنية. * وبهذه المناسبة فإنني اقترح على الزملاء في (النفير الثقافي لأجل السلم الاهلي) ان يعنوا بهذه النماذج، وان يخصصوا جائزة سنوية باسم الشهيد الدكتور قرنق لثقافة السلام والتراضي الوطني، لتمنح هذه الجائزة لكل من يساهم سواء بفكره او انتاجه الثقافي او الفني او بممارسته العملية في نشر ثقافة السلام وثقافة المساواة في الكرامة الانسانية، وان يبتدروا نشاط هذه الجائزة بتوثيق وتكريم هؤلاء الناس العاديين، والذين اعطونا امثلة في البطولة الانسانية، حقيقة بالاعتزاز والتقدير. * قلق على الحريات وعلى السلام: * يوم السبت الماضي دعت المجموعة السودانية لحقوق الانسان لمؤتمر صحفي تحدث فيه الاساتذة/ غازي سليمان - رئيس المجموعة - وعز الدين عثمان، وخلف الله، عن تداعيات احداث الاثنين والثلاثاء. ومن اهم ما قيل في المؤتمر، ويستحق اليقظة والانتباه ، ما ذكره الاستاذ/ غازي بأن هناك جهات ترى بأن غياب الشهيد قرنق يشكل فرصة ملائمة للارتداد على اتفاقية السلام، وعلى الدستور الديمقراطي الذي تأسس عليها. ومن المؤشرات الدالة على نية الارتداد هذه، تقييد حرية التعبير، وتجديد سيئة الذكر (الكشات) ، واقتحام بعض البيوت والمناطق دون قواعد قانونية واجرائية سليمة، ومطالبة البعض - على اساس الهوية العرقية - بإثبات ملكيتهم للأجهزة الكهربائية في منازلهم ! وسخر الاستاذ/ غازي من ذلك قائلا بأنه شخصيا، مثله مثل غالبية السودانيين، لا يملك فاتورة شراء لتلفزيونه ، فهل يعني هذا انه سرقه؟! وهذا اضافة الى الاعتقالات التحفظية، والطواريء الممارسة عمليا بدون سند دستوري او قانوني ! * وقد اكد جمع المتحدثين بأن حفظ الأمن، وهو اولوية متفق عليها، يستدعي اعمال القوانين الجنائية بحزم وحيدة وموضوعية، ولكنه لا يستدعي (الاستفزازات)، او الاجراءات التي يشتم منها استهداف مجموعة على اساس السحنة او (اللون)، او العرق!.. وقطعا لا يستدعي (الصياح) و (الصفافير) في الشوارع فيما يعرف باستعراض القوة! فالقوة الحقيقية انما هي قوة حكم القانون وقوة هيبة المؤسسات النظامية، ومثل هذه القوة المعنوية لا تتحقق بالصياح الغوغائي في الشوارع !! وكذلك لا يستدعي حفظ الأمن انتهاك الحريات العامة او الخاصة. ولكن، كما هو واضح، فان قوى الاستبداد تريد تجيير المخاوف العامة والمبررة من انفلات امني جديد، تريد تجييرها لاستعادة قبضتها القمعية بخناق البلاد! نعم كلنا نريد الأمن، ولكننا لا نريد أمن المقابر، ولذا نريد الأمن والحرية معا، وذلك لسبب بسيط وواضح: فالأمن بلا حرية انما هو السبب الأساسي في الإفقار والتهميش، حيث جرد الفقراء من مؤسساتهم وادواتهم اللازمة للدفاع عن مصالحهم، وبالتالي فإن الامن بلا حرية انما هو السبب الأعمق للانفلات الامني ! و سبب المشكلة لا يمكن ان يشكل حلا لها !! * التحية للمجموعة السودانية لحقوق الإنسان، فهي أول منظمة تصدر بيانا لاحتواء الفتنة، ثم كانت احد اهم مؤسسي (النفير الثقافي لأجل السلم الاهلي)، وأكاد اجزم بأن لو كان الاستاذ/ غازي سليمان موجودا في البلاد يومي الاثنين والثلاثاء لكان من الممكن استنهاض المجتمع المدني مباشرة لاحتواء الفتنة ! والتحية لها الآن، وهي تدعو لليقظة والانتباه من مخططات قوى الاستبداد للاستفادة من اجواء الفتنة، وبما يجعل من الفتنة إطارا دائما للعيش في البلاد !!
|
|
|
|
|
|