الأستاذة ندى أمين
شكراً لك لأن فتحت جرحاً ما يزال نازفاً لدي، فلذات الأسباب بعاليه انتحب على زميلين راحا شهيدين برصاص القوات الأمريكية فيبغداد.. وربما نعود ذات يوم فنفتح باب ما يحدث للصحفييين في العراق على مصراعيه.. دونك الآن هذا الموضوع المنقول أيضاً:
عن:
http://www.islammemo.cc/taqrer/one_news.asp?IDnews=139الإعلام في عام المحنة : من العصا والجزرة إلى الرصاصة والدولار كانت الذريعة المعلنة لاحتلال العراق تتلخص في النقاط التالية :
1- امتلاك العراق أسلحة دمار شامل .
2- استمرار تهديد العراق لشعبه وجيرانه وللأمن القومي الأمريكي .
3- انتهاك النظام العراقي السابق لحقوق الإنسان في معاملته لمواطنيه ومعارضيه على وجه الخصوص .
4- انتهاك العراق لقرارات مجلس الأمن .
وإزاء ذلك ومن أجل تحقيق ' الأهداف النبيلة ' تم اجتياح العراق بجيش من العسكريين وجيوش من الإعلاميين , كانت أمريكا تعلم أنها لكي تربح الحرب يجب أن تحسن إدارتها إعلاميا , وفي المقابل كان الجانب العراقي يدير حربا إعلامية اقرب إلى الكاريكاتير عبر شخصية الصحاف الذي استدعى من القواميس مصطلحات أربكت المترجمين ولكنها لم تمنع الغازين , وفي الحالتين كانت الحقيقة هي الضحية , ودفع بعض من حاولوا اكتشافها حياتهم ثمنا لها .
وبعد مرور ما يزيد على سنة على غزو العراق، نقبت القوات الأمريكية خلالها كل شبر فيه، وبحثت في القصور الرئاسية وجيوب الناس، ووضعت أحدث أجهزة التنصت على آذانهم وألسنتهم، لا يزال بوش يصر على أن أسلحة الدمار الشامل موجودة، بل إنه ظهر قبل أيام على شاشة التلفزيون يبحث بين أثاث البيت الأبيض، وتحت السجاجيد، ويقول ساخرا: “أسلحة الدمار الشامل لا بد أن تكون موجودة في مكان ما”.
عشية الغزو , وبينما كان الإعلام الأمريكي بجوقته يهلل للمستقبل الباهر الذي ينتظر العراقيين , كتب أحد الصحافيين العرب مذكرا بقصة الساق الثالثة التي تتلخص في أن سلطات الاحتلال في إحدى الدول أصدرت قراراً بقطع الساق الثالثة لكل رجل يمتلك ثلاث سيقان، وأثار القرار حالة ذعر بين الناس، ودفعهم إلى الجري في كل مكان، في محاولة للنجاة بسيقانهم من القطع، وعندما استغرب أحد الذين يدعون الواقعية والعقلانية والتفكير المنطقي أن خوف الناس غير مبرر، لأن كل واحد منهم له ساقان فقط، ولا ساق ثالثة له، ولذلك فإن القرار لا يشمله، قال الناس له: “المشكلة هي أن سلطات الاحتلال تقطع الساق أولا، ثم تعدّ”. وكعادة العراقيين أبناء الرافدين انقلب السحر على الساحر من جديد , ومزق العراقيون أشلاء الأمريكيين المحترقة ومسحوا بها شوارع الفلوجة من دون أن تهمهم مسألة العد هذه .
وبعيدا عن الميدان , وفيما يخص إدارة الحرب إعلاميا نستطيع أن نرصد بعض المفاصل الرئيسية _ على سبيل المثال لا الحصر _ والتي يمكن أن نوجزها في النقاط التالية :
أولا : كيف تمت إدارة الحرب إعلاميا من أطرافها الرسمية .
ثانيا :كيف تعامل الإعلام العربي مع القضية .
ثالثا : واجبنا في التعامل مع الاحتلال الأمريكي للعراق .
أولا : كيف تمت إدارة الحرب إعلاميا من أطرافها الرسمية :
أ-التحالف الانجلو أمريكي :
تعامل التحالف مع الحرب كفيلم سينمائي أعد له بإتقان .. الفرق الوحيد هو أن الممثلين كانوا في معظمهم فاشلين .. كما أن البطل الرئيسي _ بوش الابن _ كان غالبا يفسد المشاهد برعونته .
جرى أولا تقسيم الإعلاميين إلى ' معنا ' وهم الوحيدون الذين يمكن أن يضمن التحالف سلامتهم , و ' الآخرون ' الذين كانت تصوب إلى رؤوسهم الرصاصات وتصيبهم الصواريخ الذكية , وسقط عدد كبير من الصحفيين والمراسلين ضحية الكاوبوي الأمريكي
ورغم أن معاهدة جنيف تمنح الصحفيين في مناطق الحروب نفس الحماية القانونية التي تمنحها للمدنيين، أي أنه يجب ألا يكونوا أهدافا للمقاتلين إلا أن القوات الأمريكية كانت تصر على استهدافهم ويكفي أن نذكر أن ما يقارب نصف الصحفيين الذين قتلوا عام 2003 سقطوا في العراق.
وعلى السياق الإعلامي الجماهيري ظن المخرج الأمريكي أن العراق كرومانيا
.. ويذكر التاريخ أن الرئيس الروماني السابق نيكولاي شاوشيسكو سقط وقتل بسبب صورة بدا وكأنها تمثل مجزرة جماعية ارتكبها بحق شعبه.
والصورة عرضتها شبكة تلفزيون رومانية محلية، ومنها انتقلت لتعرض عبر شاشات العالم أجمع لتؤلب الرأي العام العالمي ضد شاوشيسكو وهي تمثل عددا من الجثث. قال خصوم شاوشيسكو إنها “التقطت سرا لضحايا نظام الديكتاتور الغاشم”، وتبين فيما بعد أنها صورة عادية لأموات جيء بجثامينهم من مشرحة مستشفى رسمي، وجرى التقاط صورة لهم لحفظها في الملفات والسجلات، ولكنها قدمت، كذبا، كدليل على أن شاوشيسكو كان يرتكب مجازر جماعية، الأمر الذي أشعل الشارع الروماني بالغضب، ودفع الناس في مظاهرات حاشدة إلى الشوارع، وقد انتهت المظاهرات بقلب النظام واعتقال شاوشيسكو وقتله.
ويشعر الرومانيون الآن بأنهم تعرضوا لخديعة كبيرة، فرومانيا، في عهد رئيسهم الراحل، هي الدولة الوحيدة في العالم التي تمكنت من تسديد ديونها لصناديق النقد الدولية، أما الآن، فإن محلات الهمبورجر والبيتزا تنتشر في كل مكان، ولكنهم لا يملكون المال لشراء هذه الأغذية، وهم يغنون الآن أغنية مطلعها “سامحنا يا نيكولاي، لم نكن نعرف”.
وعلى خطى رومانيا ركز الإعلام الأمريكي على صور ما يزعم أنه مقابر جماعية , وجرى تدبير السقوط المريع للتمثال وضربه بالأحذية في الصورة التي تبين فيما قبل وما بعد أنها كانت معدة سلفا كرمز , بدليل زوايا التصوير التي لم تكن أبدا عفوية ..
وبدلا من أن يستقبل العراقيون الأمريكيين بالترحاب كمحررين استقبلوهم بالقنابل ولم تنجح صورة التمثال المهان ولا المقابر الجماعية وتبين أن العراق يختلف تماما عن رومانيا ..
اعتمد الأمريكيون وحلفاؤهم على التعتيم ومحاولة التستر على خسائرهم وسعوا بقوة للسيطرة على وسائط الصوت والصورة في هذه الحرب، واقتنعت معظم وسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية مع أول رصاصة أطلقت باتجاه العراق أن الحرب على العراق واجب قومي يتوجب دعمه بالصوت والصورة حتى لو غضت الطرف عن أجزاء واسعة من المشهد.
ويهمنا أن نشير هنا إلى المصطلحات التي ابتكرها الإعلام الغربي التابع للتحالف أثناء الحرب مثل ' الحرب النظيفة ' و' النيران الصديقة ' و' تحرير العراقيين ' و' نشر الأخلاق والقيم النبيلة ' .. إلى غير ذلك من المصطلحات .
أخيرا حاول أساطنة الإعلام الغربي تحسين الصورة وجرى تدبير بعض المشاهد ..التي أفسدها دائما الممثل الفاشل برعونته .. فقد جرى تصوير الرئيس الأمريكي بين جنوده أمام ديك رومي ضخم في قلب العراق الجريحة .. لكن الكاوبوي الأرعن بعينيه الزائغتين وتصريحاته اللاحقة عن الديك البلاستيكي وتسلله تحت جنح الظلام .. كلها أفسدت المشهد.. وبدلا من أن يوحي بالأمن أظهر بوضوح أن العراق لن يكون أبدا مسرحا يحتفل عليه جنود التحالف بانتصارهم.
المعلم البارز بجانب الكذب والتعتيم هو التناقض , فبينما أقامت أمريكا الدنيا احتجاجا على صور أسراها التي بثها التلفزيون العراقي .. جرى تصوير عملية اعتقال الرئيس العراقي صدام حسين بصورة مزرية .. وحتى القصة المعلنة لاعتقاله لم تخل من الثغرات , بدليل التمر الناضج الذي ظهر في خلفية الصورة المنشورة والذي تردد أنه يستحيل وجوده في ذلك الوقت في العراق !
ب- الإعلام العراقي الرسمي :
كان التعامل العراقي الرسمي مع الحرب أقرب إلى الكاريكاتير عبر شخصية مثيرة للجدل هي وزير الإعلام الصحاف , فقد استدعى الوزير من قواميس اللغة العربية مصطلحات أربكت المترجمين والمراسلين العرب والأجانب على السواء.. وتحولت مصطلحات مثل ' العلوج الأمريكان ' و' الذبح ' و' الأساليب غير التقليدية ' إلى فاكهة الشارع العربي .. كان الصحاف يقدم معلومات بدا أنه واثق تماما منها بينما كانت الحقيقة على الأرض مغايرة ..
وحتى عندما عرض التلفزيون العراقي صور أسرى التحالف لم يتم التعامل معها احترافيا ..
الثغرة الأهم في الموضوع هي أن الإعلام العراقي ركز على شخص الرئيس في وقت كان العراق كله مهددا .. وتحول التلفزيون العراقي إلى نشرة فاشلة تركز على تمجيد الفرد في وقت كانت الأمة كلها تنهار فيها .. حتى الصور التي بثت للرئيس العراقي جاءت باهتة وغير معدة جيدا لا على صعيد الصوت ولا الصورة .. وكان المضحك المبكي معا هو ظهور بعض وزراء الحكومة العراقية بأسلحتهم الرشاشة في المؤتمرات الصحفية !
لم يحسن الإعلاميون العراقيون إدارة الحرب إعلاميا .. لم يفكروا مثلا في بديل إذا تم قصف التلفزيون الرسمي وإخماد صوته ..كان الدرس المستفاد قاسيا فالإعلام الذي تعود على مدى عقود إلى أداة لتمجيد فرد واحد تبين انه لا يحسن غير ذلك وافتقده العراقيون حين احتاجوه في مواجهة مصيرهم المحتوم .
جـ - المقاومة العراقية :
رغم النجاحات اللافتة التي حققتها المقاومة العراقية على الأرض إلا أن أداء المقاومة إعلاميا كان باهتا إلى حد كبير فلم تظهر قيادة موحدة تتبنى العمليات وتوضح الموقف مما يشوبها , وجرى الخلط لفترة طويلة بين مقاومة تسعى لتحرير العراق و' ثارات ' تنسب لأتباع زعيم حاول الإعلام الغربي بذكاء الربط بين المقاومة العراقية وبقايا حزب البعث .. وجرى تصوير الرئيس العراقي كقائد للمقاومة ومحرك لها .. ووزعت قوات التحالف صور المطلوبين على أوراق اللعب وإعلان الجوائز المالية الضخمة لمن يشي بهم .. وتساقط معظم أوراق اللعب لكن المقاومة ظلت مستمرة حتى بعد سقوط المطلوب رقم واحد ' الرئيس العراقي '.
الخطأ الثاني للمقاومة العراقية إعلاميا هو السكوت عن تضخيم دور القاعدة المتعمد في المشهد العراقي .. إن تصوير المقاومة على أنها تابعة لتنظيم مهما كانت قيمته خطأ كبير والواقع على الأرض يشهد أن معظم المقاومين هم من أبناء العراق .. و الربط بين المقاومة والقاعدة قد يفقد المقاومة تعاطف جمهور كبير من العراقيين العاديين معها.
الخطأ الثالث هو في عدم توضيح الموقف بجلاء من استهداف مدنيين بطرق وحشية أثناء احتفالاتهم الشركية , ونحن لا نعتقد بتورط المقاومة العراقية في تلك الأحداث ولكن سكوت المقاومة عن بيان موقفها يعطي الفرصة للآخرين في توريطها.
أخيرا وفيما يخص المشهد الإعلامي للعراق المحتل لا يمكن أن نغض الطرف عما حدث في الفلوجة .. إن الصور المنشورة لما حدث هناك ورغم عدم وجود محترفين وراءها كانت أقوى من المشاهد كلها .. لقد أرسلت الصورة المطلوبة للشعب الأمريكي .. والراجح أن انتفاضة الكاوبوي الأمريكي الجريح لن تطول كثيرا وسيسرع بالفرار من المستنقع العراقي ' القصعة سابقا ' .
ثانيا : كيف تعامل الإعلام العربي مع القضية :
الإعلام العربي جزء من منظومة أكبر تحكمه .. ولا يمكن أن نتصور منه أن يكون حرا ومستقلا تماما , ورغم ذلك حاول الإعلام العربي اختراق حصار الوهم الأمريكي وتقديم صورة مغايرة عن المشهد العراقي .. ولكن رد الفعل الأمريكي كان عنيفا ومباشرا .. كانت الرصاصة في مواجهة الكاميرا , والصاروخ في مواجهة الفكرة .. لم تكن هناك حصانة لأحد سقط مراسل الجزيرة ومراسل العربية ومصورها . ورغم الإرهاب الأمريكي رفع الصحفيون العراقيون شعارا يلخص المسألة كلها 'أقلامنا أقوى من بنادقكم'، وذلك أثناء مسيرة حاشدة تعبيرا عن غضبهم واستنكارهم لإقدام جنود الاحتلال الأمريكي على قتل اثنين من زملائهم هما مراسلا قناة العربية.
والمؤسف في الأمر هو أنه بينما توفر قنوات الأخبار العالمية المحترمة حدا أدنى من الحماية والحقوق لمراسليها فإن مثيلاتها العربية لا تزال حتى الآن في غفلة عن الأمر، ولعل هذا ما يسهل اقتناص صحفيي هذه القنوات.
ورغم بعض الاستثناءات , إلا أن الإعلام العربي في معظمه حاول التكيف مع المشهد عبر نشر وجهة النظر الأمريكية بعد التقليل من حدتها ورعونتها .. ولكن المشهد على الأرض وأخبار القتلى الأمريكيين التي ملأت قنوات إعلامية غربية شجعت الإعلام العربي على التمرد ولو على استحياء .. وبدأ الإعلاميون العرب الحديث مجددا عن ' المقاومة ' و' الاحتلال ' , بل إن قتل المراسلين واستهدافهم لم يمنع الآخرين من المغامرة , حتى أن صحافيا كبيرا كأحمد منصور ينتقل إلى الفلوجة في أوج أزمتها ليقدم للعالم صورة مغايرة تماما عن المقاومة والصمود واستهداف بيوت الله بالطائرات.
ثالثا : واجبنا في التعامل مع الاحتلال الأمريكي للعراق :
أ- عدم تصديق الشائعات الكاذبة التي يروجها الإعلام الغربي وتابعوه .
ب- متابعة أخبار المقاومة العراقية ونشرها وتوفير المنابر الإعلامية للمقاومين لنشر وجهة نظرهم وتوضيح موقفهم من الأحداث.
ت- على الإعلاميين المخلصين من أبناء هذه الأمة إشاعة روح التفاؤل والتبشير بالنصر دفعا لليأس عن نفوس أمة تخوض معركة وجود لا معركة حدود .
ث- ما حدث ويحدث يلفت الانتباه إلى أهمية الإعلام في المعركة وتقصير كثير من المخلصين في هذا الجانب , وقد يصل الأمر إلى فرضية العين على كل مستطيع في هذا الميدان .. ومن ثم يجب التركيز على بناء إعلامي إسلامي صلب يعتمد الحرفية العالية في التعامل مع الأحداث ويعمل على تكوين جيل إعلامي مخلص لقضايا أمته يسانده في معركتها المصيرية التي لم تبدأ في العراق , والتي قطعا لن تنتهي فيه
أيمن جمال الدين
[email protected]