|
قال مصطفى سيد احمد لولده للصغير اريدك ان تواجه ذئاب هذا الزمن بغير سكين
|
نواصل اليوم الكتابة عن ذلك الهرم الفنى مصطفى سيد احمد ونلقى مزيداً من الضوعلى جوانب مخفية من حياته ونسرد ذكريات دامعة كما رواها صديقه عفيف اسماعيل .وكما رواها الكثيرون ..
لن ابك بعد اليوم .. لقد نفذت حصتى من الدمع بعد ان أهديت يا مصطفى نزيف "ابو ذكرى" "ايها الراحل فى الليل وحيدا " الى الغائب أبوذر الغفارى الذى كتب ضجة الشوق والهواجس ثم تاه الىغير رجعة ... لن ابك.. ساكتفى فقط بفيضك الدافئ الذى لم يكن الا طيفاً عابراً ..لم تكن الا كذلك النجم الذى جاء فجأة الى كوكبنا واضاء سمانا برهة ثم ارتحل ..
*** سيد احمد الصغير وقصة تلك السكين ***
تتداعى تلك الذاكرة ولم يغب عنها يوماً ما , وفى ذلك الصباح الصيفى دخل علينا (سيد احمد) الصغير يتعثر فى خطواته يبتسم فى شقاوة , براءة وذكاء نفاذ يطل من عينيه يحمل فى يده سكيناً التقطها من المطبخ أثناء سيره المتأرجح , حينها قفز مصطفى من فوق فراشه وطار البشكير الذى لا يفارقه أبداً ويدثرعنقه وبخاخ الدواء الذى يستنشقه فى تلك اللحظة , تناثرت الاوراق من على الطاولة , الحبوب, الاشرطة ,أمسك بيد سيد احمد الصغيرة وقال له بلهجة مظفرية :- (اريدك أن تواجه ذئاب هذا الزمن بغير سكين ) , قلت له دعه يتعلم فربما احتاج فى زمانه الى كلاشنكوف .. حينها قال لى عندئذ ساكون قائد الدبابة التى تسبقه ..
مضى سيد احمد متعثراً يعلمنا بخطواته تعرجات الحياة ويمارس هوايته فى إخفاء أحذيتنا فى الدولاب والثلاجة وبين أغصان شجيرة الشطة الصغيرة و... لقد توارى منا جميعاً واختبأ بعيداً يا سيد احمد فى لجة الصمت الداكن والغياب.
***غنى لاول مرة رائعة الدوش سحابات الهموم عند وفاة أخته مريم ***
بينه وبين شقيقته الراحلة مريم ود جامح تختلج كل مسامه عندما يجئ ذكراها , طرقت عليه بابه فى آخر مساء بعد رحيلها بثلاث أسابيع صافحنى وأجلسنى ثم تناول عوده تقوس حوله بعشق حان , تماوهت الأوتار مع أصابعه , مع ضربات الريشة , تسرب اللحن شفيفاً , اطلق خيول صوته فى كل الاتجاهات ..وكانت تلك المرة الاولى التى يغنى فيها رائعة الدوش سحابات الهموم بكن يا ليل
** عندما غنى لاول مرة عجاج البحر و الشعر المعطار بقاعة الصداقة
" اهلاً وسهلاً " تقول بثينة ببشاشتها المعهودة وبتلك اللكنة الريفية التى اخذتها منه ..كنا ندخل عليهم فى كل الاوقات و بلا استئذان .. فلا نجد الا هذه الابتسامة كانت على غير العادة نهار ذلك اليوم فى حركة دائبة كفراشة نزقة ..أدركت سريعاً سرهذا النشاط , فمصطفى سيشدوا هذا المساء بقاعة الصداقة ومفاجأة الحفل أغنيتان جديدتان (عجاج البحر و اذا عادت بنا الايام ) كان هو يتدفق حيوية وانفعال وقلق .. مرت ساعات النهار ولم يرتاح الا ان حان موعد الحفل وجدنا المسرح قد ضج بالحضور فى الزمن المعلن .. كان مصطفى فى ذلك الحفل يصدح بشموخ إستمر لمدة ساعتين ونصف يوزع نبضه علينا ويزرع النشوة فينا.. عدنا بعد نهاية الحفل عاد هو أكثر توتراً يسأل عن الاداء الموسيقى كيف كان ؟؟ هل فنى الصوت إستطاع ان يتحكم جيداً ؟؟ وعن سعر التذكرة هل كان باهظاً أم مقبولاً بالنسبة لـ جمهور تعود مجانية جلسات الاستماع ؟؟ ولكل اسئلته المشروعة كانت إجابتى هى حساسيته المفرطة لكل شى تجاه جمهوره وأحترامه له وقلت له ان كل اللذين إمتلأ بهم المسرح على سعته قد خرجوا كانهم عشاق فرحين يوحدهم ما تسرب من رحيقك الى مسامهم , ظللنا نتجادل طويلاً هو غير راضىعن نفسه يبحث عن نواقص هنا وهناك .. وفى تلك الاثناء كانت بثينة تعد وجبة العشاء البسيط ويبدو أنها كانت تنادى علينا ولم ننتبه لندائها فى غمرة حديثنا المحموم فما كان منها إلا ان صاحت بأعلى صوتها :- تعالوا أيها الفقراء تعالوا أيها الجوعى .. فقراء نحن الآن يا بثينة بإلحاح أكثر مما مضى فقد عاد هو فقيراً كما جاء الى رحم أمنا الارض .. الذى اعرفه جيدا إنه ينظر الينا الآن هازئاً من ضفة لا نرها
من الذى اغتال مصطفى سيد احمد صباح الخميس 18 يناير 1996..لا أظنه مرض الكلى .. كلنا قتلناه لأنه ظل يعطينا كالنهر ونحن نقتات من دمه النحيل ولا نرتوى أبداً , بل نطالبه بالمزيد ولا نرد هذا العطاء إلاّ نهماً فظاً , نمتصه ألف مرة "بدراكولية " أصيلة لا تعرف سوى النهش المزمن ولا زالت فقد كنا نغنى معه أوان الصراخ ..والآن نبكى معه أون الغناء ..
|
|
|
|
|
|