تضرجت جبهة الشمس بحمرة صباحية قانية..لكي تخرج من بعدها.. من مخبأها..ناصعة نقية..و توزع ما تبقى من أشعتها المدخرة..على قلب هذا الزمن .. و ترسم الظلال علامات جانبية .. تحمل كثيرا من الدلالات و الحواشي..فيمتلئ الأفق جرذانا و احزانا.. و قطط صغيرة تكبر..و تسمن.. و تمارس الإيمان.. و أدعية ضد الخوف و الرعب..و هوس الكوابيس ، المبثوثة في جنح الظــلام.. و حينما تخفت الريح الغريبة.. و ترتاح أمواج النهر العنيد ، من رحلات الفيضان السائبة ، تخرج قوافل النمل الأبيض.. تتصيد الأنجم و ما تبقى من ســلالة القمر..
قالت امرأة عجوز تحدث.. أن القمر .. كان من سلالة جنس يسكن الأرض.. و لكنه رفض أن يكون شاهدا على تلال البراز التي تســوّد وجه الأرض .. بمكر لا يضاهيه مكر.. فصعد نحو السماء.. و حينما فتحوا له بواب السموات العليا.. شعر بالغربة و الوحدة الموحشة.. فطلب أن يجعلوه في سماء تمكنه من رؤية الأرض.. فكان أن أجيب على طلبه ذاك..فعزّ على الخنفســاء .. صديقته الحبيبة ، فراقه.. فظلت تجوب أبواب السلاطين و أصحاب القدرة .. على أن يعينوها..و يخطبوا لها حبيبها و صفيها الأوحد: القمر..!
و لما علمت الخفنساء.. أن القمر قد اٍختار منفاه.. بناءا على ذلك السبب.. آلت الخنفساء على نفسها .. أن تجمع كل براز وضع بقصد ، أو غير قصد ، على وجه الأرض..و هي على قناعة تامة .. بأنها حينما تفرغ من مهمتها تلك.. ستكون الأرض حينها نظيفة..و تليق بأقدام القمر.. و لكن.. الأدهى.. أن تلال البراز تلك.. ما تناقصت يوما..و لا أصاب الإعياء .. الفتحات التي تخرجها بشهية مفرطة..و لم يغشى الملل أو الكلل .. الخنفساء.. و ظلت تذهب في كل مساء.. تتجول في المدن و القرى و الفرقان.. و هي في أدائها لمهمتها الجليلة تلك..دوما ما تتقاطع مع قوافل النمل الأبيض..ذلك لأنها اختارت أن تؤدي مهمتها ليلا..و بصمت..! لكنها .. في الآونة الأخيرة.. لاحظت الخنفساء .. أن قوافل النمل الأبيض .. قد زادت عددا.. و ظلت تجوب ، مثلها ، الشوراع في الليل..الى اللحظات الأولى من الفجر..فظلت الخنفساء تغوص في داخل هم جديد.. اخر.. غير همها الأول و الأساسي.. حاولت الخنفساء .. أن تتحاشى .. قوافل النمل الأبيض.. لأنها .. كانت تعلم جيدا .. أن ذاك النمل خطير و صعب المراس.. و لكن ذاك النمل.. قد تطور امره جدا.. فمنذ قرنين من الزمان قال احد الرحالة الأجانب في وصفه: " أما النمل الأبيض.. فيوجد بكثرة و هو متلاف للغاية.. فلا يصل الى شئ ..الإ و يأكله..سواءا كان أخضرا او قماشا أو جلدا.. أو ورقا.. أو مواد غذائية.. أو غير ذلك.. و جلد الثور.. اذا لم يغطى بطبقة من القطران.. فاٍنه لا يقوى على مقاومته .." كان ذلك قبل قرنين من الزمان.. ولازال النمل الأبيض .. يتناسل و يتكاثر.. و مثلما كانت آفة الخنفساء .. هي تكاثر البراز.. فاٍنها لم تجد في ذاكرتها شيئا يصلح للمقارنة بتكاثر النمل الأبيض.. الإ تكاثر البراز نفسه..! فالليل .. لم يعد يصلح لأعمال الخفافيش..و العشق..و الخنفساء .. الذاهبة في اداء مهامها بصبر تحسد عليه.. فهاهو النمل الأبيض.. قد صار يلتحي.. و يمتطي صهوة العربات الفارهة.. و ينتشر آناء الليل و اطراف النهار الغضة.. تماما مثل السيدة الخنفساء.. و هي نفسها .. تلك العربات الفارهة.. التي يمتطيها ذاك النمل الأبيض .. قد أسقطت هوياتها.. و أصبحت مثل بنات الحرام.. لا اسم لها.. لا عنوان لها.. تجوب الشوارع و الحواري.. و الفرقان ..و الأحزان.. ! تذكرت الخنفساء.. أن النمل الأبيض .. في تطوراته الأخيرة.. قد عمد ، عن قصد ، الى التكتل و التكاتف..و أن أول ما فعله.. أنه قام بدلق مواعين القطران كافة.. حتى لا تسول نفس البشر .. لها .. بأن تمسح به ما يعتمد عليه النمل في غذائه..!
و ذات مســاء.. رأت الخنفساء.. وجه حبيبها .. القمر.. شاحبا حزينا.. و لما كان الحديث بينهما.. عن طريق نبض القلوب الشواهد.. فلقد حدثها القمر.. موضحا لها .. أن ما جاء به الى منفاه البعيد ذاك.. هو كونه .. في يوما ما.. قد اختار أن يكون شاهدا على تدفق تلال البراز فوق وجه الأرض.. فكان ما كان.. لذلك.. فهو يحذرها.. من أن تكون شاهدة على شئ..و عليها أن تصمت و تصمت و تصمت.. الى أن يرث الرب الأرض و ما عليها.. ! اخذت الخنفساء .. تعد عدتها.. للإختباء.. و الصمت الموغل في عمقه.. و التملص من المشاهدة.. و الشهادة..على أي نوع من الوقائع كان..! و تركت المجال و الليل.. لقوافل النمل الأبيض.. تخرج بلا رقيب..لتتصيد الأنجم.. و ما تبقى من ســلالة القمر..! فعلت الخنفساء كل ذلك.. دونما أن تكلف نفسها..عناء الفضول..و شهادة ما يحدث..و لكن..! هل كان النمل الأبيض.. يكره الضوء.. و يحب الظلام.. الى هذا الحد؟ حقيقة.. هذا ما لم تجد الخنفساء.. مزيدا من الوقت.. لكي تحدث عنه..و يبدو.. أن هذا السؤال.. لم يدركها في الوقت المناسب.. لأن وصية القمر لها.. حتما قد سبقته بزمن.. و لو أن الخنفساء.. امتلكت مثل هذه الحكمة..فاٍنها حتما.. كانت ستقول لنا عن عباس..! اٍلإ أنه ، أي عباس ، قد جاء في زمن.. اختارت فيه.. كل الكائنات .. الصمت العميق..!
نواصل..
كبر
01-06-2007, 11:08 PM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
في مدخل كلية القانون ، بجامعة الخرطوم ، كانت سعاد باهي.. تراجع بعض من دروس القانون الدولي الخاص.. و تكتب على حواشي الكتاب.. بعض من الملاحظات العابرة.. منها ، مثلا ، مطلع لمرثية زمان لم يأتي بعد.. ثم رسم تخطيطي لوجه جانبي الملامح.. و بعض من تفاصيل الحوادث الصغيرة .. المهمة..و غير المهمة.. مثلا.. موعدها مع حماد على سنما النيل الأزرق.. ثم عتاب موجه لإمرأة ما.. و بعض من النكات الخفيفة.. و وصف لشخصيات غير مهمة.. و لكنها .. بالتأكيد.. مثل تلك الشخصيات.. هي تعني الكثير لسعاد باهي..و غير ذلك.. فهي تفاصيل شخصية.. عادية جدا..!
لكن..
وردت الأخبار التالية..في كتاب القانون الدولي الخاص..و الذي كانت تملك نسخته سعاد باهي .. حينما كانت طالبة بكلية القانون..حيث كتبت بقلم الرصاص ، في الصفحة 263، المعنونة بالفصل الرابع ، حيث توجد صفحة بيضاء ناصعة.. واسعة .. تغرى كثيرا بكتابة الخواطر و الأخبار المدهشة..
كتبت سعاد باهي تقول: " في هذا اليوم.. اشتد الغبار.. بحثت عن حماد..و كالعادة.. لم أجده.. اٍنه تافه.. تعيس.. قال لا يؤمن بالصداقة التي تتحول الى حب.. و لكنه يؤمن بالحب الذي يتحول الى صداقة..لأن الصداقة عنده.. أعلى مرتبة من الحب..!..قال كمان..ود الكلب..! حماد.. أسمعني جيدا.. اٍني أحتاجك جسدا و روحا.. ولا تهمنى كثيرا مثل تلك المسميات..و التصنيفات.. و أرتال الحدود الهلامية.. لأن مثل ذاك.. من مهام لجان الرقابة و التصنيف..هل تسمعني يا حماد؟ هو هو الغبار قادما.. اٍنك تكرهه..و لا أدري لماذا.. كأنك ولدت في بلاد لم يغشاها الغبار يوما ما.. ماذا تظن نفسك يا مليكي؟.. قصائدك حفظتها جيدا.. و علمت الدروب معنى النقاء..! أحذرك يا حماد..فاٍن الصدق ما عاد يجدي .. سيقتلك صدقك يوما ما..و ليس في وسعي الآن..أو مستقبلا.. البكاء على سيد شهداء الصدق.. يا ود الكلب..! الشمس.. غابت.. و هي لا تزال تمارس الخيبة.. و ترفض أن تغيب عن زمن تكاثرت فيه أبواق الهتاف اللعين.. الكاذب.. هل ذهبت الى الديوم؟.. أنا أعرف بأنها كانت تعرف بديوم بحري.. لكن الزمان غيرها.. كما بقية الأشياء.. و صارت سعد قشرة.. هل ذهبت الى الحبشيات؟ أنا أعلم.. أنك تحتاج جسدا.. و لكن أي جسد هذا الذي تحتاجه؟ حماد .. هل تسمعني..؟.. أرجوك لا تتذوق خمرا.. أرجوك كف عن ألاعيبك تلك.. و حجة أن العرق..وحده.. قادر على أن يمنحك زمن الغيبوبة البهي.. و اللاادراك..و لماذا تختار انت زمن الغيبوبة؟ هاهو الغبار.. يتكاثف..و يزداد .. السماء تلبدت بالغيوم الداكنة.. يبدو انها سوف تمطر..هل تذكر مقولاتك العجيبة..أن السماء تمارس الفساء.. فتطلق ريحا تثير الغبار..ثم تتبول على رؤوسنا..و لأنها كبيرة.. حينما تتبول تكثر المياه..! أنا لا أصدق.. أن النيل هو مستراح السماء..الذي امتلأ ببولها لحد الفيضان..! حماد أرجوك.. كف عن اطلاق مثل تلك المقولات..و اٍلإ سأقيم عليك دعوى قضائية.. أساسها.. اٍشانة السمعة..و اٍهانة كريم المعتقدات..فأنا ، و كما تعلم ، أعتقد جيدا في الوطن.. و لا اسمح لك باٍصدار مثل تلك الإهانات ضده..! أليس أنت من يقول: دق الكلب في عين سيدو حقارة؟..فأنا أقول : اهانة الوطن قدام بناتو حقارة.. حماد.. هل ستقبلني يوما ما؟.. أرجوك أن تفعلها.. بعد أن تغسل فمك..و تنظفه جيدا من الخمر و لعاب فتيات الحبش..أو نساء البيوت الرسمية اٍياها..!
هل قلت انك سوف تأتي؟.. لقد هطلت الأمطار بغزارة..و ذهبت أنا الى أطراف العاصمة..الحاج يوسف..امبدة..مرزوق..مايو..ياااه.. حاجة فوق التصور يا حماد..لقد ذهبت السيول و الفيضانات ببيوت الناس الطيبين..اولئك الذين.. يشكلون المتاريس الهشة.. أمام الكوارث و الفواجع..تلك التي لا يعجبها..سوى الضحايا التعساء..و المساكين البسطاء..الذين يتكدسون في علب الطين الصغيرة.. لقد ذهبت الفيضانات..ببيوت الطيبين.. في اطراف العاصمة المثلثة..و هوامشها..في ضاحية الحاج يوسف..و امبدة بكل حاراتها.. و اطراف مدينة الثورات.. و مرزوق.. و رأس الشيطان..
لقد اختفت البيوت في لمحة.. و ذابت اسرارها الصغيرة.. الحزينة.. في السيول و الفيضانات العمياء.. كما تذوب فصوص البسكويت في كباية لبن هندوية الحنكوشة..! لقد ذهبنا .. مع اتحاد طلاب الجامعة.. تتصور يا حماد.. قال لي صديقك جبريل المجنوني.. حينما ذهبنا الى حي النصر.. الشهير بحي مايو.. و لم نجد شيئا سوى بقايا الناس التعساء.. فقال جبريل المجنوني: يبدو أن السيول و الأمطار .. هي أكثر من صدق دعوة كنس أثار مايو.. فكنست حي مايو بمهارة عجيبة..! قلت له ، وقتها ، : انها الإرادة العليا يا جبريل..! فقال مغموما: السيادة له وحده..و الدوام للأحزان..! و انت تعلم يا حماد..و أنا أيضا اعلم.. بأن جبريل المجنوني هذا.. لا يؤمن باٍله قط..!
بالمناسبة.. حدث حادث طريف و عجيب.. فلقد اكتشف الطلاب .. أن من بين اعضاء المجلس الأربعيني.. لإتحاد طلاب جامعة الخرطوم.. شخص لا يمت للجامعة بأي صلة كانت.. مع انه يملك بطاقة جامعية ، مزورة ، و يقال انه مسجل بكلية الإقتصاد و الدراسات الإجتماعية.. و دخل الإتحاد عن طريق قائمة بعض المجموعات السياسية.. التي بادرت الى نكرانه نكرانا مبينا..و اصدار بيان في مواجهته.. و سبه بأقزع عبارات الغش و التدليس و الغرر و الغبن..و ملحقاتها.. من جنس الشتائم تلك.. فكانت مناسبة.. مارست فيها جامعة الخرطوم .. الضحك السياسي البرئ جدا..! بالمناسبة.. ذاك الشاب الشجاع.. اسمه عباس..!
قل لي يا حماد .. متي ستقبلني؟.. ملعونة حبوبتك في السموات السبع..ألم تجد لها شيئا تخترعه في هذه الدنيا.. ســوى المريــسة؟ لو كنت حاضرا.. لصرخت فيهم بصراحتك الرعناء اياها.. و لقالوا عنك.. شيوعي .. كافر.. زنديق.. ملعون في كل الحكومات.. ما مضى منها ..و ما هو آت.. يا وارث ســلالة مدمني الإنقلابات..! هل تصدق.. أن عميد كلية القانون.. لم ينجو هو الآخر.. من مثل تلك النعوت.. لأنه اعترض.. على بعض الإزعاج..الذي سببته مكبرات الصوت..بالقرب من قاعات الدراسة.. أيام حملة انتخابات الإتحاد ، اياها ، تلك التي جاءت بعباس الى مجلسنا الأربعيني.. حفظه اللــه .. حماد.. كف عن ألاعيبك هذى.. و تعال.. تعال.. قابلت محمد هاشم.. و قال.. أنك مهموما بتأسيس جمعية اسمها .. الرفق بالبنات الدميمات.. و انك سوف تسجلها.. و تدعو كافة اصدقائك للإنتماء لها.. لأنك.. في قرارة نفسك الدنيئة..تؤمن بأن هناك بعض الطالبات.. اللائي لا يجدن من يفرج عنهن..و يؤانس وحدتهن.. و يعزمهن على ليمون اسكول اوف بيزنس..الفاخر.. ذاك..!
ود الكلب يا حماد..
انت عارف.. و صلني ما قاله .. محمد هاشم ..ذاك.. عني.. بأني أمارس العادة السرية..أو ربما اني سحاقية..! أستغفر اللــه العظيم..مؤكد هذه .. ليست أنا.. سعاد بت باهي.. التي أرسلها أبوها لدراسة القوانين و الإجراءات..و التي ليس من بينها ..اجراء يماثل اجراء تلك العادة السيئة..! ارجوك يا حماد.. متى ستقبلني؟..أم تراك.. أصبحت مزورا في مشاعرك .. مثل تزوير ذاك الشاب الشجاع .. عباس؟ تأكد .. يا صديقي .. أن التزوير لا يصلح الإ .. في بطاقات الطلاب الجامعية.. اوه.. يا حماد.. اٍن لم تأتي.. سوف أذهب الى دار الإذاعة.. و اقول انك.. خرجت و لم تعد..!.. أوصافك.. أوصافك.. أوف.. لا يمكن.. هل نسيت أوصافك؟ آخ.. كيف تستطيع المرأة.. أن تصف ملامح رجل يقف في دواخلها.. كنخلة صامدة.. تقاوم كل رياح التذبذب و التلجلج و التردد الباهت؟ اوف..! أقول ليك حاجة؟.. ود حرام..وستين ود حرام.. 7أب1988.."
و للأمانة.. فاننا من جانبنا.. لم نقم بحذف أي شيئ من كلمات سعاد باهي تلك.. و انما تركناها كما هي..فقد تفيد .. اذا اقتضت الضرورة وجود شهادة ما..أو قد.. نحتاج الى قراءتها في سياق اخر..!
نواصل..
كبر
01-07-2007, 08:42 PM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
و بعد ثلاث سنوات.. شاءت الظروف و الأقدار..أن ينتقل نفس ذلك الكتاب ، كتاب القانون الدولي الخاص ذاك ،الذي دونت فيه سعاد باهي ، الطالبة بكلية القانون بجامعة الخرطوم ، بعض من خواطرها تلك، الى ايدي طالبة اخرى .. اسمها نوال عثمان.. الشهيرة بنوال الموج.. و سميت بنوال الموج.. لأنها..في ذات مساء..كانت ترتدي بلوز أزرق و تنورة بيضاء..و اطلقت سراح خصلات شعرها..و كانت تلك الخصلات تتراقص بتناسق عجيب.. أشبه بجفلات غزلان وادي بيشة..و كان ذلك في زمان.. لم تجبر فيه بعد .. خصلات شعر البنات على الإختباء بنص القانون.. فصعب على حماد .. ذلك المنظر .. لأن احتمال رؤية الجمال مثل الصعقة القوية.. فحدث ابراهيم الشيوعي قائلا: اٍن لم تخرج نوال هذي .. من المكتبة..سوف أصرخ و اعتنق الجنون الكافر..! و لما كان ابراهيم ، ذاك ، طيبا.. فقد هدأ من روع حماد المرعوب بجمال..ثم نادى على نوال.. فقال لها ما قاله حماد بضبانته.. فشقلبت .. هي.. عيونها ببراءة.. و تماوجت في حركة.. لم يستطع حماد وصفها..اٍلإ بكونها تشبه الموج العالي.. و قالت: في شنو يا شباب؟ فقال حماد و ابراهيم الشيوعي في لحظة واحدة: المــوج..! و ظل حماد يردد .. الموج.. الموج..و هو في طريقه للبحث عن عرق.. يجعله يمشي خطوات واسعة في زمن الغيبوبة..! و لكن الأهم من كل ذلك.. و بلا شك.. هو ما كتبته نوال الموج تلك.. على الصفحة رقم 380.. من كتاب القانون الدولي الخاص..والذي كتبت فيه سعاد باهي اخبارها تلك.. و كانت الصفحة في هذه المرة مكتوب عليها الفصل الخامس..و نفس نوع القلم المستخدم..استخدمته ايضا نوال الموج.. فكتبت بقلم الرصاص تقول: " نحن في دواخلنا نحتاج شــوقا.. يا سلام.. الراجل ده.. دمو تقيل خلاص.. فاصلة..حيث وعدتني اشراقة بأنها سوف تذهب معي لشراء بعض المستلزمات من سوق سعد قشرة..و في مثل هذه الحال..لا يجوز الجهر بأسمائها.. و لابد من استخدام اختراع لغوي اسمه التورية..التي تفرعت من جنس المجاز اللغوي.. فاصلة.. لماذا لا تقوى الديموقراطية على الصمود في هذا الوطن؟ سؤال عابر .. جدير بالإعتبار..! اني صغيرة على الحب.. فاصلة.. لماذا لا يسمح لنا بزيارة غرف الأولاد في البركس؟..على الأقل نتمكن من قراءة تعليقاتهم التي يكتبونها على جدران الغرف.. يقال انهم يكتبون اسماء حبيياتهم.. التذكار شيئ جميل..و حميم.. تذكار من سيدة البر و البحار.. يا ســلام..! انهم يقتتلون الآن..و يتعاركون في لا شئ.. صراع.. تشكيل وزاري..اعادة تشكيل وزاري..اضراب.. تمديد اضراب.. نقابات تسعى جاهدة لتقنع اتباعها بضرورة الإضراب.. هي الديموقراطية هكذا.. و نغدو جمهورية الأضراب الديموقراطية..! اوف.. ماذا .. لو كوّن العشاق نقابة..و أعلنوا عن استمرارية الحب الأبدية..بدلا عن كل تلك الإضرابات الهباب..! ياه.. فكرة هايلة.. حاجة تجنن..! أين انت يا حبيبي؟.. لماذا احس .. أنا .. بكل هذا التعب..؟..حبك بالجد متعب..! اكتشف احد المحاضرين.. أن هنالك طالب بكلية القانون بجامعة الخرطوم.. ليست له علاقة بالجامعة او الكلية.. يعني اساسا لم يستوفي اشروط الدخول.. و لكنه كان يحضر كافة المحاضرات..و يتمتع بكافة الحقوق و الإمتيازات..الممنوحة لأي طالب بالجامعة.. و يجلس للأمتحانات..!.. ربما كان يفعل ذلك..! ثم..و بعد أن وصل الى السنة الرابعة.. اكتشفه المحاضر اياه..! ياااه.. يا لهم من قساة..! لماذا لم يقدروا فيه روح المثابرة..تلك..و يتركوه .. ليتخرج..؟.. ما هو كل الناس بتعمل كده يا بدوي..! هل ذكرت أن اسمه عباس؟ وعدتني جميلة..أن نذهب سويا الى خالتها.. فاٍنها تستطيع ان تعمل بتزا تجنن..! أنا و نفسي في صراع.. اين انت يا حبيبي..ارجوك لا تدعني.. للقلق النهاب..و التفكير الجاد في ان اعلن عليك الإضراب..! الخوف يتمشى في دواخلي.. و الفجر مجهول غامض..لا تزعجه سوى ابواق الزعيق و الهتاف في لا شيئ.. تشكيل وزاري..اعادة تشكيل وزاري.. ثم اعادة اعادة تشكيل وزاري..! أوف.. ألأ يغري هذ بعض المغامرين.. بالإسراع بفعل شيئا ما..؟ اللامسئولية .. مبدأ..يستطيع الكل الإمتثال له في هذه اللحظة..!..فالمال السائب يغري بالسرقة.. مالي ..و انا ..و مثل هذي الأحزان..!! حبيبي ..الآن.. أنا اكثر جدية.. أرجوك أظهر..و لو في الطيف.."
و لقد اهملت نوال عثمان ، الشهيرة بنوال الموج ، تدوين تأريخ تلك اللحظة..التي دونت فيها تلك و الخواطر..و الأخبار الصغيرة الغير مهمة..هذا ما جعل البعض يسعى جاهدا.. الى مصادر اخرى، مستقلة او تابعة، للمعلومات.. التي تستطيع ان توضح لنا بعض من حقيقة عباس..
ذهب الراوي ، لأنه مشغول بهذه الفكرة.. الى بعض الطلاب الذين عاصروا سعاد باهي و نوال الموج.. عسى أن يجد ما يشفي غليله التأريخي و العرفاني و الفضولي .. في هذه الناحية.. سمع عن ابراهيم الشيوعي.. و حماد..و محمد هاشم.. و لكن لا اثر يدل على هؤلاء.. و لم تظهر اسمائهم في امتحانات تنظيم مهنة القانون.. الشهيرة بالمعادلة.. ولا حتى كشوفات نقابة المحاميين أو حتى المرخصين .. حديثي الإنضمام الى تلك المهنة الشريفة..! ربما تفرقت بهم الأقدار.. ربما هم الآن يعاركون الحياة..و مشاكلها الصغيرة.. في تفاصيل الواقع الأغبر.. و ربما تبخروا .. كأي فرح صغير.. لا يستطيع مقاومة مد الأحزان الهادر.. هذا..!
لم يجد الراوي.. حتى من يتذكر هؤلاء الناس.. فنحن لا نملك ذاكرة جيدة.. و لو كنا نملكها.. لكنا اجبنا.. على سؤال نوال عثمان ، الشهيرة بنوال الموج ، حينما قالت : لماذا لا تقوى الديموقراطية على الصمود في هذا الوطن؟ و لكن يبدو أن مثل هذا التفكير .. هو انحراف عن جادة النهج الخاص بمسألة عباس.. و لكن الهواجس أحيانا.. تجتاح المء بلا مقدمات ، حتى لو كان هذا المرء.. راو.. يروي سيرة غيره بتفاصيلها المحزنة جدا..!
نواصل..
كبر
01-07-2007, 08:58 PM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
ظل الراوي في بحث دائم ، و أتصل بجهات عديدة و افراد كثر.. و كل ذلك بلا جدوى..حتى دب الملل في خلاياه دبيبا جعله عرضة لرياح اليأس و قلة الصبر..و فكر بصورة جادة في التخلي عن الفكرة تماما ، و البحث عن أي شئ اخر يرويه .. قصة حب ناجحة –او حتى فاشلة- .. حلم جميل..مقالات في الحب و السياسة..أو أي شئ من هذا القبيل.. خلافا لسيرة عباس النكد ذاك..
و في يوم .. رفض فيه الراوي الخروج.. و فضل التقوقع داخل منزله.. أو قل داخل نفسه ، ان دعت الضرورة لذلك.. و مد يده و تناول التلفون..و اتصل بمكان عمله..معتذرا بأن وعكة طارئة ألمت به..و أعجزته عن المشي..و كاد أن تقطع طاريه..و أنه حتى الآن لم يقضي حاجته ذات المواعيد الصباحيه..و أنه لم يستحم بعد.. و لم يؤدي صلاة الفجر..و لم يقرأ أوراده.. لذلك لن يستطيع الحضور الى العمل اليوم.. و يرجو قبول اعتذاره و تقدير حالته الشعورية .. التي تدعوه الى الإحساس بلهيب عارم يجتاح ضميره في كونه .. ربما .. تسبب في تأخير دوران عجلة الإنتاج في الوطن..!!
ثم وضع التلفون جانبا.. و بدأ في مواجهة صوت داخلي تدفق فيه كالنهر الهادر.. و أكتشف أنه .. لا يصلي أي وقت سوي ذلك الذي يدركه في مكان العمل.. لاسيما اٍن كان الإمام هو رئيسه المباشر..و أكتشف أنهم يعملون لسنوات عديدة و عجلة الإنتاج لم تبارح مكانها .. كأنما الصدأ أصاب تروسها..و أنه لا أحد بينهم يقدر و يحترم قيمة العمل الأساسية..و انما هي عبارات و أشياء تطلق على سبيل المجاملة و النفاق الإجتماعي المنظم.. حزن الراوي لهذه المشاعر الدفاقه..ثم رجاها أن تنتحي جانبا داخل وجدانه.. و أنه سوف يثور على نفسه و يمارس الصدق –و لو مرة – عما قريب..! ثم تناول رواية بدأها بالأمس..و غاص في تفاصيلها..
عند الظهيرة.. رن التلفون.. و حمل الراوي السماعة بحذر.. أكتشف أن محدثته على الطرف الأخر من الخط .. كانت هي رجاء سالم .. زميلته في المكتب.. و بعد التحيات الطيبات و عبارات المجامله.. سألته رجاء .. عن سبب غيابه ..و عن بعض الحكاوي.. التي بدأ يحكيها لها في الآونة الأخيرة.. عن الحب و الممارسات الجميلة.. و بعد أن فرغت من تلك التفاصيل.. قالت له.. حضر احدهم الى المكتب..و قال عاوز يقابلك..! رد الراوي قائلا: بس أنا تعبان شويه.. قالت: يقول ان أمره ملح للغايه.. و اٍن لم تتمكن من لقائه ، فيرجو أن يحدثك على التلفون.. ليحدد معك موعد.. قال الراوي ، بنفاد صبر ، : مهما يكن.. أنا اليوم تعبان.. و بصفة رسمية.. خارج المكتب..! قالت تقاطعه :و لكنه يريدك في امر شخصي..! قال الراوي بغضب: خلي يعدي علي اخر الشهر..هو أنا ناقص..! و قبل أن يضع الراوي سماعة التلفون.. جاءه الصوت من الطرف الآخر.. قويا و هادئا: حتى لو كان الأمر يتعلق بعباس..! انتبهت حواس الراوي..و تعفرت بهمة..و قال بلهفة .. خرجت دفعة واحدة كالشهيق: لأ.. عباس ده حاجة تانية خالص.. عندك عنو فكرة؟ قالت الصوت من الطرف الآخر: نعم.. كان يسبقني بفصلين دراسيين..و نحن أبناء كلية واحدة و تخصص واحد..
لم يصدق الراوي هذا الفتح الكنزي.. فقال بشغف: طيف كيف أقدر الاقيك؟ قال صاحب الصوت: نتفق على موعد..! قال الراوي: أي وقت تختاره.. أنا جاهز.. قال صاحب الصوت: هذا يتوقف عليك انت.. قال الراوي: ممكن نلتقي اليوم.. مساءا؟ قال صاحب الصوت: مكن جدا.. بس وين؟ قال الراوي: ان كنت تحب المسرح.. فممكن نلتقي في المسرح القومي.. قال صاحب الصوت: لا مانع..و بالمناسبة.. أنا اسمي حسن.. حسن الأصلي..ستجدني على جانب المدخل الأيمن قبل العرض بربع ساعة.. و لم ينتظر حسن الأصلي .. بل وضع السماعة لينهي المكالمة مع الراوي..
أندهش الراوي.. لهذه الصدفة العجيبة.. و غمره فضول كاسح.. و لم يفكر كثيرا..و لأن مسألة عباس هي فوق الإعتبارات كافه.. فانه قرر المسير..
كبــــر حبابــك .. وحبــاب أيامك أول حاجة مشتاقين ... ومبسوط انك رجعت لي الحكي الممتع الزمــان .. لسه انا ما هبشت حاجة من الحكي الفوق ده .. جيت اطايبك .. والحكي ده بقعد ليهو نهاية الأسبوع ما حسع دي .. بقعد ليهو بي مهلة .. عجبني الاهداء .. وجيت اسلم على ـ عصام جبر الله صاحبي .. سعيد بي رجعتك للكتابة الزمان يا كبر والجابك يجيب الخــال ابكــر آدم اسماعيل..
01-08-2007, 04:01 PM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
كتر خيرك على المرور من هنا..و نتمني نشوفك دايما.. لازم تستدعي الوقائع يا صديقي.. لأن هناك تناص مع وقائع بعينها .. حدثت ذات يوم.. رهان هذا الحكي.. كسر الفرضية التي تقول أن شعب السودان .. شعب يدمن النسيان..او هو شعب بلا ذاكرة.. نعم يا صديقي.. نتذكر..و نتذكر التفاصيل الصغيرة.. التي يظن البعض.. أنها سوف تمضى مع الزمن على غرار مبدأ " باروكوها يا جماعة"..
ما تنقطع يا عصام..
كبر
01-08-2007, 04:04 PM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
ايوه يا ها التاية ذاتها.. لمن كانت صدور البنات تحب جدا أن تعانق الرصاص..ووين؟.. في قلب شوارع جامعة الخرطوم.. ثبت الموقف.. و صارت.. الذكرى.. و ما بينهما.. أشياء كثيرة .. يحاول عنت المتعنتين أن يمسحها من التأريخ.. اشواق و أشواق يا تمبس.. طعم الحاجات بقى شغال بالإستدعاء.. أكثر من القدرة على نسج الحاجات بتفاصيل حية.. هي الحياة هكذا يا صديق.. الخال.. مضهب ضهب الدهشة..و متجدع جديع السنين..و اكيد في جعبته الكثير.. يبقى نشوفك..و ما تمشينا بقصة واقف هنا..و ح أرجع تاني.. لك الود .. يا تمبس.. و ما تنقطع..
01-08-2007, 04:11 PM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
ذهب الراوي الى موعده.. و عند مدخل المسرح القومي.. و على الجانب الأيمن تحديدا.. لمح شخص يجلس على الرصيف.. يحدق في اللاشئ.. و بسرعة قارن الراوي بين الصوت الذي سمعه..و ملامح الشخص الوحيد الجالس على الرصيف.. فلم يجد أي شبه يذكر.. فهذا شخص منكوش الشعر.. يرتدي ملابسه بصورة تنم عن الإهمال..و يبدو قذر الى حد ما.. و بنطاله الجينز .. متسخ بصورة فاضحة.. و قميصه.. أحمرّت يا قته .. من العرق الممزوج بالغبار و الطبقة الميته من جسد لابسه..و ينتعل حذاء مهترئ بصورة مزعجة..!..و عيونه جاحظة.. ذكرت الراوي بحكاية حكاها له..احمد الإمام ، ابن خالته ، عن بعض منفذي الإنقلابات الفاشلة..حيث كان احمد الإمام ذاك .. جنديا في المظلات.. فحكي له .. أنهم ذات مرة قاموا باحباط محاولة انقلابية فاشلة..فوصف اصحابها بأنهم كانوا كالديوك المذعورة.. التي داهمها الفجر قبل أن تدرك الصياح..فقبضوا عليهم كالدجاج قبل شروق الشمس..! و هذا الشخص الذي يجلس امام الراوي.. صورة طبق الأصل.. أشبه بالديك المذعور..و رغم ذلك لم يقترب منه الراوي..!..و لكن ذاك الشخص.. بادر الراوي.. بصوت قوي و هادئ.. و قال: يبدو أنك الأستاذ الراوي..؟! قال الراوي: بالضبط..لكن .. ما اظن اتلاقينا من قبل؟ فقال الشخص: نعم.. أنا حسن .. حسن الأصلي..! قال الراوي: عظيم الشرف.. أقترح حسن الأصلي .. أن يجلسا في مكان هادئ..و أثنى الراوي على الفكرة.. و ذهبا الى الكافتيريا..جلسا على ركن هادئ..
ابتدر حسن الأصلي السؤال: تحب تشرب شنو؟ قال الراوي: لأ.. هذا الأمر علي أنا.. و انت تقول تحب تشرب شنو؟ اعتذر حسن الأصلي بلقاة ادهشت الراوي في ذات نفسه.. ثم جلسا وجها لوجه.. قال حسن الأصلي: انت عاوز من حكاية عباس .. دي شنو؟ قال الراوي بحماس: ظاهرة مهمة جدا.. لازم تدرك اسسها التأريخية و الإجتماعية.. ابتسم حسن الأصلي .. ابتسامة عريضة.. و قال: بس عباس ده شخص فرد..! قال الراوي: اتفق معك..و لكنه فرد صار في طور الظاهرة.. قال حسن الأصلي .. مستدركا..: انت عارف عباس ده .. الآن وين؟ قال الراوي: نعم.. عشان كده.. أنا عاوز اعرف ..هو زمان كان وين..و كان كيف.. قال حسن الأصلي: و ما هو المطلوب مني؟ قال الراوي ، و قد زاد حماسه درجة ،: انت ذكرت أنه عاصرك في الدراسة.. عاوزك تحكي لي عن تفاصيل حياته عندما كان بالجامعة.. نشاطه السياسي..و الإجتماعي.. , أي حاجة عنه..! قال حسن الأصلي مبتسما: بس المسألة دي ح تفيد في شنو؟ قال الراوي: بالنسبة لي مهمة جدا جدا.. و انت احكي على راحتك.. و اذا حسيت بأي شئ ما عاوز تقولو.. يمكنك أن تتجاهله ببساطة..! قال حسن اصلي: أنا لا اخشى شئ حول الحديث عن تفاصيل عباس ذاك..! صمت الأثنان.. و بعد برهة أخرج حسن الأصلي.. علبة شجائر البرنجي.. و علبة ثقاب باهتة اللون.. و استئذن ألراوي في أن يدخن..و أشعل سيجارة.. ثم بدأ يحكي..
نواصل..
كبر
01-08-2007, 04:23 PM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
بدأ الحديث همسا.. و هذيانا مبتور الملامح.. أشبه بالطنطنطة..
" الطمي ذاكرة.. و النيل مأفونا.. سكرانا يمارس اختيار الغيبوبة بلا وعي.. في منعطف الثانية ، التي تتمدد كفقاعة كبيرة .. قطرها التعب و التفاصيل / الفجيعة.. لا تصف ما ترى بلغة الجرح.. و لا تحكيه بحس الحزن المالح.. قد تحتاج الى صبر .. و صمت صفو.. و جلد يعين على مكاره الحكي و الإستماع.. لكن.. قل ما سمعت.. ما رأيت.. و مارس شهادتك بكل تفاصيلها الحارقة..
اٍن كنت تبغي الحقيقة.. فهي عارية.. ارتمت في حضن الشوارع الطيبة.. تلك التي تحمل على أكتافها معاناة الناس و الحياة..
تغرب الشمس.. و نتمنى الأ تشرق مرة أخرى.. نتمنى غيبوبة عرضها السموات و الأرض.. واسعة كوهم السكارى..و الحيارى .. الذين أضناهم دوار الحيرة..و الأسئلة الشرسة النزوح.. الليل.. آفة.. أنه صمت خصوصي.. يغري الفضيحة بأن تضاجع النسيان.. لينجبا مسخا و هلام.. و نجتهد .. نحن بتأتأة و عناء.. لكي نسميها ذاكرتنا..أو قد لا نحتاج أساسا للتذكر.. فالحلم كذبة كبرى.. ظللت رؤانا.. و خاصبت طموحنا و سعينا الدؤوب لحياة أجمل.. ننسى ما بدأناه الليلة الماضية.. ننسى ما قلناه اللحظة الفائتة..ننسى..و ننسى..و ننسى.. و في عتمة نسياننا و سهونا الطويل ذاك.. يحيا عباس..!"
قاطعه الراوي قائلا: كلام جميل يا استاذ حسن.. بس يا ريت نبدأ بالتفاصيل..
مط حسن الأصلي شفتيه ..و زام زومة كبيرة .. تحمل في ثناياها كتلة من الإستياء و الإستهزاء.. و قال للراوي: لابد من هذه المقدمة التي تحمل في طياتها الإطار النظري لأصل الحكاية..!
أحس الراوي بالحنق..و قال: أنا اقدر ملكة ابداعك و موهبتك في الكتابة و القول الجميل..و لكنك الآن لست أمام صفحة بيضاء تؤانس سطورها.. أنت امام انسان باحث عن حقيقة..! قال حسن الأصلي: الإنسان اٍن لم يكن مستمعا جيدا و امينا كالسطور..لا يستحق الحكي..! قال الراوي بحذلقة فاضحة: فلنتفق على مبدأ تقسيم للعمل.. قل أنت ما عندك من تفاصيل..و سأتولى أنا حكايتها للسطور التي يمكن أن يقرأها كل الناس..!
صمت حسن الأصلي باستياء ما بعده استياء.. ثم قال مباغتا الراوي: علاقتك شنو بالسلطة؟ قال الراوي مندهشا: أي سلطة يا استاذ؟ قال حسن الأصلي ، منططا عيونه ، : السلطة.. السلطة؟
طار السؤال محلقا في فضاء المسرح القومي .. كطيارة الأطفال في زمن الخماسين.. كان العرض قد بدأ منذ برهة داخل المسرح القومي..و بدأ الجمهور يقاطع العرض بالتصفيق و هتاف الإستحسان.. قال حسن الأصلي ، باٍحساس مشتت ،: لازال في الناس بقية من وفاء للمسرح..!
أحس الراوي بضرورة الإنفراد بذاته لحظة.. لتقييم الموقف برمته.. ظلال الناس .. باهتة في قاعة المسرح الوسطى.. خفت حركة العابرين أمام كافتيريا المسرح.. و اصبح جو اشبه بجو المؤامرات ..و حياكة الدسائس و الخطط الجهنمية..! أشاح وجدان الراوي عن تلك الهواجس..و لكنها كانت كطواف الليل..تجره من تلابيبه بلا رحمة..و جن خاطره.. حينما أعاد على نفسه .. سؤال حسن الأصلي : علاقتك شنو بالسلطة؟ الهواجس دائما تبدأ من هذه النقطة/ العلاقة.. و تنتهي عندها..
و هو في تلك الدوامة المتشابكة.. باغته صوت حسن الأصلي قائلا: اسف يا استاذ.. بس الناس .. اليومين ديل .. كلهم شغالين مع أمونة سليمان..!
أعترت عيون الراوي.. سحب من دخان المتاهة الكثيف..و بحور متداخلة السواحل..كأنما الدنيا كلها أصبحت متاهة متشابكة الخطوط..فقال مستدركا: و أمونة سليمان دي .. تطلع منو؟ ضحك حسن الأصلي بصفاء لا يشبه مظهر البؤس الكابي عليه..ثم قال: دي واحدة خطيرة جدا جدا..! قال الراوي: ما فهمت حاجة؟ قال حسن الأصلي: عندما تلتقي عباس ، و حتما ستلتقيه ، سيخبرك من هي أمونة سليمان..!
أحس الراوي.. أن ألأمر برمته بدأ اشبه بمكيدة هايفة..و تكشف له أن حسن الأصلي هذا قد لا يعلم عن عباس أي شئ.. سوى الحقائق العامة.. التي لا تغيب عن عامة الناس.. بل قال الراوي في نفسه.. أن ماسحي الأحذية..و شماسة المجاري..و لا عبي الضالة في زمن العصاري..يعرفون مثل هذه الحقائق..و أكثر كمان..!!
فكر الراوي بصورة جادة أن ينهي مقابلته مع حسن الأصلي..و لكن حس الدعابة ملأ عليه جوانحه و فاض قليلا..خصوصا حينما أحس بالغبن البرئ تجاه هذا الحسن الأصلي..فبادر الراوي يرد على حسن الأصلي بضاعته من شاكلة الأسئلة المحرجة .. قائلا: و انت ليه اسمك حسن الأصلي؟ امتلأت عيون حسن الأصلي يعصبية تفوق عصبية مشجعي نادي الهلال الرياضي الثقافي الإجتماعي..و أحس بأنه سوف يفقد مزيدا من أعصابه..و بصورة لا شعورية أشعل سيجارة البرنجي الخامسة..ثم انتهر الراوي بسؤال غامض و قال: و دي دايرة سؤال؟ قال الراوي .. مستطيبا هذا الفتح الجانبي: بس أنا في نفس الوضوح..و أتمنى أن ترد على سؤالي باٍجابة واضحة..
تلفت حسن الأصلي كالديك المذعور الذي فاتت عليه صيحة الفجر.. ثم همس: للتمييز.. للتمييز يا استاذ.. ما انت كلك فهم..! قال الراوي .. ببرود..: زدني ايضاحا..الله يزيدك نور..! قال حسن الأصلي.. مقتربا..و حريصا ألأ تحمل ليلة امدرمان الهادئة تلك.. حروف كلماته..: أصل البلد دي كلها حسن في حسن..تلاقي مليون واحد اسمو حسن.. و ليس في هذا ضير..و لا يضايقني في شئ..و لكن هناك اخطر حسنين..أحتاج و اصر أن اميز عنهما.. قال الراوي: و من هما؟ طنطن حسن الأصلي و قال: حسن أبو الراجل..و حسن شيخ الراجل..!! أحس الراوي بانه امام غابة متشابكة الأشواك..و لا تقل كثافة عن غابات الكتر و الهشاب في ديار كردفان.. حاول الراوي أن يستجمع ما تفرق من خواطر.. و أن يعود لأساس الحوار و المقابلة.. فقال لحسن الأصلي ، بحنق واضح : كتر خيرك يا استاذ حسن.. قاطعه حسن الأصلي قائلا: حسن ألأصلي .. من غير أي حواشي و زوائد جانبية..!
نواصل..
هامش: كانت الأهالي في مدينة الدلنج .. تطلق مصطلح (أمونة سليمان) على ناس أمن (أمونة)..السودان (سليمان)..و ذلك تمييزا لهم عن أسم ( أمونة طلبة) و هي شخصية معروفة بالدلنج.. لها أنداية مشهورة..و أعمال اخرى نمسك عن الإفصاح عنها ..(الكاتب)
قال الراوي: انت عارف يا حسن الأصلي.. أنا كنت جاي ألاقيك.. بشوق معرفي غامر.. و لكن..! ضحك حسن الأصلي ..و قال: تأمل ما قلته لك.. و أذهب الى مدينة غشفروا..! قال الراوي مستغربا و مستفسرا: غشفروا؟..و هل هذه مدينة على قيد الوجود؟ قال حسن الأصلي: هي مسقط رأس عباس.. يقال أن أسلافه الأوائل قد مروا بتلك المدينة.. و التي كانت هادئة..طيبة..وديعة.. و أهلها مساكين.. تأكل الغنم عشائهم ولا يسائلون.. فدخلها اجداد عباس..و ظلوا يغشون أهلها.. يغشونهم ..و يغشونهم..و يغشونهم..حتى جاء زمان شعروا فيه أن اهل المدينة سوف يدركون تفاصيل ذاك الغش اللعين..الذي لا يمكن أن يصدر الإ من سلالة اللعنة و الكذب المبين..ففرّ أجداد عباس..و منذ ذاك الفرار الأكبر.. صارت تعرف المدينة باسمها الحالي.. غشفروا.. أي غشوا..و فرّوا..!! قال الراوي متسائلا ببراءة: و هل يعني ذلك.. أن عباس من سلالة الغشاشين؟ قال حسن الأصلي: ليس هذا هو المهم..هنالك أهم مما هو مجرد غش للناس..تأمل وجوه الشوارع الطيبة..و سوف تعرف الكثير المثير..! قال الراوي: و لكن الشوارع الطيبة هذى..قد امتلأت بالدفارات و البصات السياحية..! قاطعه حسن الأصلي .. قائلا: و هذه أول المغشوشات..! قال الراوي: و ما علاقة كل هذا بنشأة عباس؟ قال حسن الأصلي: ألم اقل لك من قبل.. أننا ننسى ما بدأناه الليلة الماضية.. ننسى ما قلناه اللحظة الفائتة..ننسى..و ننسى.. و في عتمة نسياننا يحيا عباس..!!
نواصل..
كبر
01-09-2007, 03:47 PM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
عاد الراوي عند منتصف الليل تماما.. و كان ذهنه مشوشا و عكرا.. كالنيل في لحظة الفيضان العتي.. دخل المنزل متسللا..و صورة حسن الأصلي تقترب و تبتعد في ثنايا ذاكرته.. حاول أن يستعيد و يتأمل بعض مما قاله حسن الأصلي.. و في معمعة ذاك التأمل المضطرب.. طفر سؤال صغير من النواحي الخلفية للمخيلة.. و ملأ عليه حالة التشوش تلك.. و سأل نفسه: من هو حسن ألأصلي هذا؟..و لماذا أدعى انه يعرف عباس؟..و لماذا هو تعيس الهيئة هكذا؟..
و قبل أن يجيب الراوي على هذه الأسئلة المتبعثرة باٍزعاج.. لمح ورقة .. على هيئة مذكرة صغيرة.. بها أرقام تلفونات و اسماء.. ووصية تؤكد ضرورة الإتصال بهذه الأسماء..! تعرف الراوي على هيئة الخط اليدوي المكعوج..أنه خط اشراقة..تلك الصابرة.. التي تتصور أن الراوي لابد أن يكون من نصيبها.. أو لابد أن يكون..!!
تحسس الراوي رأسه الذي كاد أن ينفجر.. و بدأت الأشياء.. تتزاحم عليه.. فهو لم يكن يعرف هذا العدد الهائل من الناس.. و أن معارفه محدودة جدا جدا.. لكن ما الذي يبغيه هؤلاء الناس فيه؟ طفرت ملامح حسن الأصلي.. و أسئلته المتبعثرة طرا.. علاقتك شنو بالسلطة؟..و أمونة سليمان..و مدينة غشفروا..!
أعاد قراءة القائمة على الورقة الصغيرة.. و كان يتمنى أن تكون أمونة سليمان من بينهم.. و لكنه لم يجد .. حتى اسم يشبهها حرفا أو معنى..
فكر برهة و قرر في نفسه قائلا: لابد أن أكلم اشراقة.. عسى أن يكون عندها شئ يفيد.. و لم يمهل نفسه أو يمنحهها فرصة لمزيد من التفكير..و اتصل على اشراقة..!
من الطرف الآخر على التلفون .. جاءه صوت عشمانة بت قسم السيد ، والدة اشراقة .. و بعد السلام و قليل الكلام .. أستأذنها في التحدث الى اشراقة..
تحدثت اليه اشراقة.. و هي مكسورة الخاطر..مبعثرة الوجدان.. ابتدرته بالعتاب المعهود.. طلعت و ما كلمتني ليه؟.. انت اصلك ما واضع لي أيتها قيمة.. و بقيت كمان عندك مشاوير مشبوهة..!!
طيّب هو من خاطرها.. و دخل في لب الموضوع.. مستفسرا عن الأسماء الواردة في تلك القائمة..
قالت اشراقة.. أنها حضرت اليه في المنزل.. و عز عليها أن تعود دون لقائه.. فذهبت الى غرفته في الناحية الثانية من الحوش.. و جلست بين تلال الجرائد و مشاريع الكتابة المؤجلة .. التي تشبه حلم التنمية المؤجل لسنين عددا.. في الوطن طبعا..!!
لكنها.. يا ليتها لم تذهب الى تلك الغرفة اللعينة.. اذ انهالت عليها المكالمات التلفونية.. من حيث لا تدري.. و كل من يتصل عليها.. يؤكد ضرورة لقائه بالأستاذ الراوي..! فكانت هي ترد بعبارة واحدة : الأستاذ غير موجود.. ارجوك معاودة الإتصال عليه لاحقا.. و ترد عليها تلك الأصوات فرد فردا.. من الأطراف الأخرى .. أيضا بعبارة واحدة : خلي يتصل على هذا الرقم .. أو ذاك الرقم..!!
و لما أستاءت اشراقة ، حاولت أن تفصل خط التلفون .. درءا لتلك المكالمات..خاصة حينما بلغ بها التأزم ذروته..و ذلك حين اكتشافها أن الراوي بلغت جرأته أن يطلب من بعض النساء الإتصال عليه في المنزل.. و على المكشوف كمان..! كل ذلك جعلها.. تفكر بصورة أكثر جدية في فصل خط التلفون.. و لكنها عدلت عن تلك الفكرة المجنونة.. و فضلت التسلي بالرد على تلك المكالمات.. عسى و لعل يشرف الأستاذ الراوي..و لكن..! يبدو أن الإنتظار.. قد طال.. فكتبت له تلك الورقة الصغيرة و خرجت..
حاول الراوي.. أن يستجمع منها ..و لو رأس خيط صغير.. يدله على معنى تلك المكالمات و أصحابها..و صاحباتها.. مسألة صاحباتها تلك.. قد أزمّت اشراقة للمرة الثانية.. أزمة حادة.. و جعلتها محبطة و يائسة.. اذ تصورت أن الراوي هذا.. لا يصلح لأي شئ مفيد.. سوى الخزعبلات و حديث الأحلام .. الذي يشبه قصب السكر في طعمه..و حزنت على نفسها .. حينما تذكرت أن اهل الراوي يتندرون عليه و يسمونه عنكوليب الحديث..! لكنها لابد أن تصبر على مكارهه..فسوف يرعوي و يعود الى رشده يوما ما..!
حاولت اشراقة بعد هذه الخاطرة الإسترجاعية..ان تنهي المكالمة مع الراوي..لأنه قد وضح لها تماما.. أنه معني بأشيائه القبيحة فقط..فحتى اللحظة.. لم يكلف نفسه بسؤالها عن حالة الأشواق..تلك التي ، عادة ، ما يزيدها الغياب نموا و تكاثفا.. و حتى اللحظة لم يفكر بوعدها بلقاء يزيل ألم الفراق و البين..أو حتى مكالمة أخرى..!
أحست أشراقة بالإختناق.. و زاد من كل ذلك البؤس.. حينما قال لها الراوي: طيب انتي كان فايدة وجودك شنو؟
الشئ الأنسب في مثل تلك اللحظة..و الذي يمكن أن يفعله اي انسان في موقف اشراقة الصابرة تلك.. هو أن يقفل الخط في وجه الراوي..!و ليحدث ما يحدث.. دون حساب للنتائج التي يمكن أن تترتب على مثل ذلك السلوك..! و فعلا فعلتها اشراقة الصابرة تلك.. و قفلت الخط في وجه الأستاذ الراوي.. بعد أن قالت عبارة غامضة: انت انسان اناني.. كاتلك عشق ذاتك.. دمك تقيل..!
الغريب في الأمر.. أن الراوي.. أحس بتأنيب ضمير حارق.. مالح.. و أستدرك فجأة .. أنه دوما ما يسئ السلوك مع اشراقة الصابرة تلك.. و لكنه قال في نفسه: اشراقة حاجة مهمة في حياة الواحد.. لكن حكاية عباس هي الأهم..!
نواصل.. كبر
01-09-2007, 03:52 PM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
مد الراوي يده الى الورقة الصغيرة.. و قرر مواجهتها بصلابة.. كتب أمام كل اسم رقم متسلسل.. و أكتشف أن السلسلة قد تجاوزت العشرين بقليل.. و قرر الإتصال فورا.. فخير البر عاجله.. و لم ينتبه قط الى أن الوقت قد تأخر.. أختار ارقام بصورة عشوائية.. و كانت هي.. 3،11،7،18..
أمام الرقم 3.. كان اسم صابر الأول..و أمام الرقم11.. كان اسم نجاة الصبارة..و امام الرقم7 .. كان اسم درق السيد عبد الله.. و امام الرقم 18.. كان اسم تعبان أيوب..! تساءل الراوي في قرارة نفسه قائلا: معقولة بس؟.. في ناس حقيقية بمثل هذه الأسامي؟..أم هي مجرد أسماء حركية؟..
تجاهل الراوي هذه الخاطرة بسرعة البرق..لأنه كان يعلم جيدا بأن مثل هذه الخواطر.. سوف تنتهي به الى دوامة التردد.. و هو يعلم تماما بأننا أمة مترددة..و لو لم نكن كذلك.. لما عاش عباس بيننا..!! و بدأ أول مكالمة.. مع صابر الأول.. جاءه الصوت من الطرف الأخر:عليكم السلام .. مين معاي؟ : لو سمحت ممكن أكلم صابر الأول.. :نعم صابر معاك.. انت مين؟ : أنا الأستاذ.. : الأستاذ منو؟ : الراوي..
اعترت الصوت الأخر موجة من النشاط و الحيوية الدافئة.. النضرة.. و التي أحسها الراوي في الأنفاس المتلاحقة العابرة للأثير..!! و قال صابر الأول: ازيك يا استاذ.. و الله ود حلال.. : كتر خيرك..انشاء الله خير؟ : خير و الله.. بس عرفت أنك عاوز تعرف عن عباس..!
تماما .. احتشد الراوي ، هو الآخر ، بالحيوية.. قال: فعلا.. هل عندك عنو أي فكرة؟ : ايوه انا عارف عنو كويس خالص.. بس يا ريت تحدد موعد لقاء بخصوص هذا الموضوع الهام..! و قبل أن يحدد الراوي موعد مع صابر الأول.. تذكر حكاية حسن الأصلي.. و أنه طوال المساء كالن في دوامة و متاهة عاتية..فقال: خلاص يا اخ صابر.. أنا ح اتصل عليك بعد اسبوع.. قال صابر الأول: اسبوع كتير خالص.. أنا لازم أحكي ليك..أنا من زمان بفتش عن انسان مسئول و عندو ضمير عشان اقول ليهو عن عباس ده..! استغرب الراوي من هذه اللهجة المفاجئة..و بعد اخذ و رد.. دام قرابة الساعة.. اتفق أن يقابل صابر الأول في مساء اليوم التالي مباشرة.. بعد أنهى الراوي .. مكالكته تلك.. تساءل بدهشة: كيف علم صابر الأول هذا.. عن قصة بحثي في حياة عباس الأولى؟ ثم زجر نفسه قائلا: بلاش تردد.. فيما بعد سوف تعرف..!
أغرت هذه المغامرة الصغيرة.. الراوي.. في المسير فيما بدأه.. و نظر الى ساعة يده.. فوجدها تشير الى الثالثة صباحا.. و قال سوف يتصل بتعبان ايوب..و يؤجل نجاة الصبارة الى الضحى.. لأنه لا يجوز ..ووفقا للأصول اياها.. أن يحدث سيدة في هذا الوقت المتأخر من الهجيع..و الإ سوف تقوم القيامة..! قرر ان يتصل بتعبان ايوب..رتب الحديث في ذاكرته..سوف يؤكد على مسألة كيف تعرف عليه تعبان أيوب هذا.. : ألو.. ممكن أكلم تعبان ايوب؟ :نعم أنا تعبان.. انت منو؟ : أنا الراوي.. و قبل أن يكمل الراوي حديثه.. أنفجر شلال من الكلمات السريعة.. المتلاحقة الأنفاس.. : انت وين يا اخي.. متوقع اتصالك تحت أي لحظة.. أنا عرفت انك عاوز تعرف عن سيرة عباس.. أنا مستعد أقول ليك عن كل الحكاوي..التي تغنيك عن سؤال أي شيطان اخر..! حاول الراوي ان يقاطع تعبان ايوب..و لكن دون فائدة تذكر..اذ انفجر هذا.. كالإسهال أيام الدسنتاريا في القرى التعيسة التي دوما ما تغشاها مثل تلك الآفات اللعينة..! أصبح الحديث في طور الهذيان..الشئ الذي جعل الراوي فاقدا لزمام المبادرة تماما.. و حينما نظر الى ساعته ..وجدها قد تجاوزت السادسة صباحا..وزال تعبان ايوب يتحدث..و يتحدث.. ويتحدث..! عند السابعة..قرر الراوي أن يقفل الخط في وجه تعبان ايوب..و ليحدث ما يحدث..و لكن داهمه الصوت من الطرف الآخر معتذرا: آسف يا استاذ.. أخدت من زمنك شوية..لكن اديني وصف البيت.. أو المكتب.. عشان أجيك بنفسي..! قال الراوي : سوف اتصل عليك.. : لا مسألة التلفونات دي غير مريحة.. و أنا على يقين.. بأنو .. لو عباس علم..بمثل هذه الإتصالات.. ح يجند الجند الخفية للمراقبة..ده اذا ما لحق و قصر اجل الواحد فينا..! قال الراوي: ما في عوجة انشاء الله..و ما تقوم به ليس فيه ضرر لأي انسان..لكن قل لي انت.. كيف عرفت عن حكاية سؤالي عن عباس هذه؟ و قبل أن يجيب تعبان أيوب..على هذا السؤال.. فجأة تدخلت قوة خفية .و فصلت المكالمة تلقائيا.. اندهش الراوي لتلك المسألة.. و انتابه احساس قوي و جامح.. بأن خط تلفونه قد يكون مراقب من قبل جهة ما.. و لكن لماذا؟ استعاد .. في ذاكرته.. سيرة حياته كلها.. و اكتشف أنه لم يقترب من المظاهرات يوما..او الإنتفاضات..أو الإضرابات..بل هو من اكثر الناس حرصاو مواظبة على ارضاء كافة الجهات الرسمية و غير الرسمية.. و لكن ، و رغما عن كل ذلك، ركبه جن العناد..و أصر على مواصلة ما بدأه..
نواصل..
كبر
01-10-2007, 05:09 AM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
كانت الشمس قد أشرقت تماما.. و اصبح الوقت مناسبا لكي يتصل بنجاة الصبارة.. أدرا الرقم المدون أمام اسم نجاة.. جائه الصوت من الطرف الآخر مليئا بطراوة النميمة: نعم نجاة.. منو معاي؟ قال الراوي: صباح الخير سيدتي.. قاطعته: آنسة لو سمحت.. : آسف .. يا انسة نجاة .. أنا الراوي.. قالت نجاة بلهفة من "وجدتها..وجدتها"..: ازيك يا استاذ الراوي..كيفك يا اخي..ووينك انت؟ :موجود.. بس امبارح مشيت ألاقي واحد.. : ده منو كمان؟ : واحد من المعارف.. :خير انشاء الله..!
أحس الراوي أن مثل هذه المكالمات دوما ما تكون ذات طبيعة مطاطية..يمكن أن تمط و تمط ..و تفوت عليه المناسبة..أو ربما تنجرف الى دروب أشدة وعورة من قصة البحث في سيرة عباس تلك..! حسما لخاصية المط تلك.. قال الراوي: عرفت انك .. امبارح اتصلت علي في البيت.. : نعم ..و عرفت انك بتسأل عن عباس.. : فعلا.. هل عندك عنو أي فكرة..؟ : معقولة يا استاذ الراوي.. حد في هذه الديار لا يعرف عباس؟ :نعم.. أنا معاك عباس ده مشهور و معروف.. لكنها معرفة لا تتعدى العام و المظهر..! قالت نجاة بلهجة ملؤها الإغواء و الترجي و الجهنمية:عرفت عن مشروعك عن عباس.. عشان كده قلت احسن اساهم و لو بالبسيط.. عشان التأريخ بعدين ما ينسانا..! قال الراوي في سره: كويس .. لسه في ناس عندها امل تعمل حاجة لوجه التأريخ.. ثم واصل جهرا : طبعا التأريخ ذاكرة قوية.. لا يستطيع الزمن التأثير عليها.. قالت نجاة: لكن سلالة عباس.. تستطيع ..و تستطيع..!! : و هل لعباس سلالة.. أقصد يعني.. ممكن أن تكون له سلالة لكي تصبح حالة من حالات الديمومة و الصيرورة الغير منقطعة؟ : عجيبة يا استاذ.. انت فاكر عباس ده مقطوع من شجرة.. لا نسب ولا حسب..لا ورا لا قدام.. لا تالي لا والي..؟.. بالعكس ده من سلالة.. و سوف يؤول الى سلالة..! : كلام جميل و مفيد يا آنسة نجاة.. بس يا ريت تفيديني بتفاصيل اكثر.. : تفاصيل ..و تفاصيل حية كمان..! :طبعا.. طبعا.. اذن كيف اقدر الآقيك؟.. يعني متين ووين؟ : منذ اللحظة..اذا اردت..و بالمناسبة أنا عندي حبوبتي في غشفروا..!! : يعني عندك فكرة عن غشفروا؟ : بالضبط..
تداخلت خطوط المعلومات..و تشابكت على الراوي.. و ألتبست على ذهنه المشوش أصلا..و دونما أن يشعر بنفسه سألها: و هل بتعرفي واحد اسمو حسن الأصلي؟ : أهـ .. ده واحد مجنون و مهبوش ساكت.. فاكر نفسو أحسن من خطّر الخواطر..و فصّل المقالات..و قصّد القصائد..! : يعني انتي عارفاهو كويس؟
أمتلأت نبرة نجاة الصبارة .. من الطرف الآخر.. بطراوة تستطيب هذا العرض المغري بنميمة صباحية قلما تتأتي مناسبتها عما قريب.. خصوصا و أن طرفها رجل..و انها عبر اسلاك التلفون.. دون تحسب او تلفت..فأخرجت ما عندها دفعة واحدة: اصلا يا سيدي.. عباس ذات مرة.. أخطر سلطات الأمن الوطنية "حماك الله".. بأن حسن الأصلي هذا من أخطر المعارضين و المارقين.. من جنس الشيوعيين و اليساريين و من لف لفيفهم..و أنه هو المسؤل عن المظاهرات..و الإنتفاضات..و الإضرابات.. و تحريض العامة و الخاصة .. ضد السلطة الوطنية ، الحاكمة باٍحسان الى يوم الدين .. فنصبوا له كمين في احدى الجامعات.. و تم اعتقاله.. و مكث مدة في المعتقل.. بعدها خرج لا عارف راسو من قعرو..! قال الراوي: بس ده انسان.. عاقل.. عارف ما يقول و ما يفعل..! : عارف انت يا استاذ..!.. عارف ايه؟.. حسن الأصلي ده .. زي ما قلت ليك .. كهبوش ساكت..! : طيب عندك فكرة عن واحد اسمو صابر؟ : صابر مين؟.. الأول؟..ولا الثاني؟..ولا .. الثالث؟ : يعني هناك اكتر من واحد بهذا الإسم؟ : نعم.. في الحقيقة كل موكلي عباس.. حينما كان محاميا.. يعرفون بهذا الإسم.. و يميزون بالترتيب.. صابر الأول.. صابر الثاني.. صابر الثالث.. الخ.. : طيب .. و تعبان أيوب؟ : ابدا.. أول مرة اسمع بهذا الإسم..! : طيب ..و انتي عرفتي كيف عن حكايتي مع حكاية عباس دي؟ قالت نجاة الصبارة بنفاد صبر و احساس من ضبط متلصصا على الممنوع: المسألة لا تحتاج الى هذا التدقيق..و الظروف ما معروفة.. المتغيرات جاهزة .. تحت أي لحظة.. لتحل محل الثوابت.. أصلا يا ابوي.. نحن امة تشابهت عليها الثوابت.. و زادها التردد غبشا في الرؤيا و البصيرة.. و صرنا نحن من غير ما ندري.. في زمن ايقاع المتغيرات السريع.. مش مهم كيف عرفت عن حكايتك مع عباس.. لكن المهم انك تعرف كيف كان عباس.. كيف كان يفكر.. كيف كان يحيا..! : كلام جميل يا آنسة نجاة..و لابد أن نلتقي..و أسمع منك أكتر.. : يديك العافية..
نواصل..
كبر
01-10-2007, 05:16 AM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
ألتقى الراوي.. بنجاة الصبارة..و صابر الأول.. و تعبان أيوب.. و اخرون كثر.. فلقد سافر كثيرا في كل أنحاء الوطن السعيد.. شرقه..غربه.. شماله..و جنوبه.. و زار مدينة غشفروا ، تلك التي مزاجها من تراب..و بيوتها من تراب.. و احزانها تتنامي كذرات الغبار في مواسم الهبباي و صهيل العتامير.. تلك التي يثيرها أدنى هبوب أو ريح..
غشفروا تحتضن أضلاعها الثلاثة.. كرمادي الأزرق..و كرمادي الأغبش..و ام أحزان..و تنام على الفاقة و التعب..
أكتشف الراوي.. أن كل أفراد الشعب يعرفون عباس.. و انهم عن بكرة ابيهم ، قد مزق الغيظ مصارينهم من الأحزان التي سببها ، و يسببها ، لهم عباس هذا..!..و مواقفه التي يعجز الخيال البشري الشاطح عن استيعابها..!!
رتب الراوي حصيلة ما جمع من اخبار و اثار و حكاوي .. مباشرة و غير مباشرة .. عن عباس.. ووجد أن الجامع بينها كلها.. أن عباس دوما في مركزها.. منه تبتدي..و عنده تنتهي.. فبوبها و سماها احاديث عباس.. أو حكاوي الغبن..!
نواصل..
كبر
01-10-2007, 03:36 PM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
الـنظرية في وصف الكتـكوت: أي الفرخ الذي لم يغادر عشه بعد
في وصف غشفروا..و كونها هي.. هي..:
بدت سماء مدينة غشفروا.. عابسة كوجه امرأة أضناها الإنتظار الممل ..و دوار العنوسة.. أو كوجه رب الأسرة في اخر الشهر..!
الآفاق فيها.. تحمل بوادر موج الغبار القادم.. هي غشفروا هكذا.. ولا تسألني عنها.. تصفو بمزاجها ، و ذلك نادرا ، و تتعكر بمزاجها ، و هذا دائما.. بيوتها من تراب عتيق..و مزاجها من تراب أعتق..!
الخطوات اللاهثة بلا جدوى.. تتقاطع في شوارع السوق العربي الصغيرة.. و الدروب الخلفية المملوءة بتفاصيل يعجز الخيال الجامح عن استيعابها.. من المتاجرة في العملات الصعبة "دولار.. ريال.. شيك سياحي.." .. لغاية الصياغات الأولى للبيان رقم واحد..!
كان السوق العربي في الأصل .. سوق الحمير الكبير.. و ذلك في قديم الزمان..و حينما مضت السنوات.. و صارت غشفروا عضو دائم في جامعة الدول العربية.. تحول اسمه الى السوق العربي.. كأنما غشفروا .. بذلك كانت تستجدي العروبة ..وجهة و هوية..!
و يقال أنه..و في احدى المرات..أتى الحكم في غشفروا.. حاكم من أصول أفريقية.. فحـوّل اسم ذاك السوق الى السوق الأفرنجي.. أو الأفريقي.. لا أدري بالضبط.. و امعانا في الغيظ.. سمح ذاك الحاكم لمواطنيه الذين ينحدرون من اصول أفريقية .. بتسمية أحد أحيائهم ، التي غالبا ما تنمو و تتمدد في الأطراف.. خصوصا ناحية أم أحزان ، بحي أو امتداد " كُسم العرب"..!
و لكن .. حينما أتى حاكم اخر .. من أهالي الوسط..و الذي كان مغرما بترديد عبارة " نحن لسنا من اليسار المتطرف..ولا اليمين المتخلف"..فعز عليه أن يحزن طرف من اطراف الصراع في غشفروا..فقسم..ذاك السوق الى قسمين.. مناصفة.. نصف يحمل اسم السوق العربي..و نصف يحمل اسم السوق الأفرنجي..و تحت تحت السوق الأفريقي..!
و غشفروا هي غشفروا.. تتخيلها قبل خمسين سنة.. أو بعد خمسين سنة أخرى.. ثابتة في ملامحها.. السنوات تزيدها كدا و ارتخاء.. اطرافها تتمدد..و تتمدد..و احزانها هي هي.. أقوى من الزمن و الذاكرة و الإنفلات.. يحزن أهاليها ..و ينامون - عن بكرة ابيهم – بلا عشاء ان هزم فريق رياضي..فأهلها يحبون الصراع..ولا يهم ماذا يكون محتوى ذاك الصراع..! وقفت أمام سوق الذهب.. ذاك المبنى الفاخر.. الذي نبت في غفلة من الزمن.. و استطال ليعانق سموات الغبار.. هكذا هي الأشياء في غشفروا.. تنبت العمارات و تستطيل كما الأحزان.. و في ظلالها .. يتكئ المساكين و الفقراء و الحزاني ..و ابناء السبيل.. و كل اصناف الزكاة المحددة شرعا و قانونا..!
قد تتبدل الملامح فيها.. أحيانا ببطء شديد.. و أحيانا بسرعة الصاروخ..ولا شئ يجعلك تحس بالتغيير.. هي .. مغرمة بتبديل حكامها.. عمالها.. أمرائها.. ووجهاتها و مسيراتها..و لكنها.. لا تهتم مطلقا.. بتبديل حالة البؤس المخيمة على أفرد شعبها النشــامى..! السيارات فيها.. تركض بميوعة يزيدها الهجير و صخب اللاتوازن.. و في كل منعطف يطل وجه عباس.. شخصه و روحه.. فالأشياء – في غشفروا – كلها منه و اليه..!
نواصل
كبر
01-10-2007, 03:46 PM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
الـنظرية في وصف الكتـكوت: أي الفرخ الذي لم يغادر عشه بعد
2.
النظرية العامة للنسـاء:
و في كل منعطف يطل وجه عباس.. شخصه و روحه.. فالأشياء – في غشفروا – كلها منه و اليه..!
يقال أنه .. كان يعمل بالمحاماة.. و له قدرة باهرة في الإقناع.. فلقد اشتهر في ايام صباه الأولى.. و بداية حياته العملية.. بالبديهة الحادة..و الخيال الشاطح..الذي له القدرة الفائقة على التنظير و تقعيد الكلام.. ولقد أفاد كثيرا من هذه الخاصية..التي جعلت كل من يفكر في حكم غشفروا.. لابد له أن يستعين بعباس.. لأنه يعرف مطايب الحديث..و الخطب القيافة.. تلك التي تستطيع أن تقنع الكافة..فحديث عباس .. حجة قاطعة.. بأسنانها أو بأظافرها.. او حتى بوسائلها الأخرى.. التي برعت ، و دوما ما تبرع ، مخيلة عباس في ابتداعها و تطبيقها..!!
و عباس هذا.. له احاديث و اقوال.. عديدة و متفرقة.. منها ما طوره ليصبح نظرية.. مثل النظرية العامة للنساء..The Common Theory of Chicks و منها ما لا زال في طور التطور و الفحص و الجمع..و الذي مؤكدا.. سوف يصير نظرية في يوم ما من أيام غشفروا..!
و عن ذكر نظرية النساء العامة تلك.. فلقد كان عباس يسمى الفتيات الصغيرات المليحات .. Chicks..أي زغب الدجاج.. أي الفراخ.. أو الكتاكيت .. كما يحلو لأهالي غشفروا تسميتها..!
بسبب هذه الفكرة.. كان عباس يعتقد جازما.. بأن مفردة " فرخة " تحديدا.. ينحدر معناها الأصلي من اصول لغة غشفروا و استخداماتها.. فعباس دوما ما يذكر مريديه و حوارييه ، حينما يتحدث عن هذه النظرية ، بالقول: " أن التأريخ ذاكرة..و كل مفردة لها أصلها التأريخي ..و جذورها الإثنية و القبلية و الجغرافية و السياسية و الإقتصادية.. فاٍنهم – اي اهالي غشفروا – كانوا يقولون عن المرأة الصغيرة المسترقة.. فرخة..!"
و لما كان اليوم أشبه بالأمس.. في تأريخ غشفروا.. فأن عباس لا يرى أي تطور أو تقدم في واقع غشفروا..و أن الأمس فيها هو اليوم ..و لا يفرق حتى لوكان ذلك الأمس قرنا زمانيا..!
و كما حدثني تعبان أيوب.. فاٍن لعباس.. مقولات أساسية حول تلك النظرية العامة للنساء.. بل أنه في كثير من الأحيان.. كان يسعى لإقناع بعض الساسة بضرورة تبنيها منهجا و دراستها.. لأن كل من أتى الحكم منهم في غشفروا.. دوما ما يأتي بلا نظر أو نظرية..!
من تلك المقولات الأساسية في النظرية العامة للنساء..مثلا.. كان يقول: " ان المرأة ملح الحياة..ولا يوجد في هذه الدنيا من لايحب الملح..!و لقد أثبتت الثورة العلمية و التكنولوجية –و هذه هي الثورة الوحيدة التي لم يشارك فيها أو يصنعها أهالي غشفروا ، بالرغم من أنهم لهم ثوراتهم العديدة جدا – أن الذين لا يحبون الملح في طعامهم مصابون بمرض العجز النسائي..!..و هم اكثر الناس تعرضا للإكتئاب المسخي.. أي الماسخ المسيخ كما في لغة أهالي غشفروا..!"
بل أكثر من ذلك.. أن أهالي غشفروا.. دوما ما يطلقون على الأشياء سهلة المنال .. مصطلح " ملح"..خصوصا الأشياء المجانية..و هذا الـ " ملح"..يتدرج من سؤال العابرين من ملاك السيارات الفارهة.. التوصيل الى جهة ما ، لغاية اعتلاء كراسي السلطة و حكم البلاد..و ادارة شئون العباد..فمن المعروف.. أن كل حكام غشفروا قد نالو الحكم عن طريق مبدأ الـ"ملح" ذاك.. و لم يجتهد احدهم في أن يدفع ثمنا مقابل ذلك.. حتى لو كان ذلك الثمن هو الإحتكام الى لعبة " غمدت.. لبدت" .. المعروف علميا و عالميا بصناديق الإقتراع.. أو ممارسة "سكج..بكج"..المعروفة عالميا بالديموقراطية..تلك التي كثيرا ما يجتهد الحكام.. في اقناع أهالي غشفروا.. بأنها رجس من عمل الشيطان.. و آفة من آفات المجوس..و بلاد أهل الكفر و العصيان..و هي – أي الديموقراطية- لا تجوز في بلاد قد ملأ اللـه قلوب قاطنيها بالإيمان والإحسان..و طاعة أولي السلطان..!
و يقال ، كما ذكر تعبان أيوب باصرار عجيب ، أن هذا المصطلح .. مصطلح الـ "ملح"..تقف من ورائه مقولات عباس الأساسية تلك..التي تسنده نظريا و سياسيا و جغرافيا ..و تأريخيا كمان..!
نواصل
كبر
01-10-2007, 03:52 PM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
الـنظرية في وصف الكتـكوت: أي الفرخ الذي لم يغادر عشه بعد
3.
مدى اهتمام المشرع الوطني بالنظرية العامة للنساء:
و لأن عباس هو حجة زمانه..فانه .. له العديد من المبررات و الحجج.. التي يسوقها كقطيع الماشية نحو حظيرة الإقناع..و اخراس معارضيه من محترفي الكلام.. لذلك.. فهو يرى – أي عباس-.. بأن تلك النظرية قد عني بها المشرع الوطني أيما اعتناء – و بالمناسبة هذه واحدة من أهم حجج عباس في الإقناع..أي اضفاء الشرعية و الركون الى السلطة ، أي سلطة كانت ، في اثبات أن مقولاته دوما ما تتفق مع وجهات النظر الرسمية.. دون الشعبية..!
فلقد عني المشرع الوطني بنظرية عباس تلك – كما يقول عباس بنفسه- فاوردها ضمنيا في صلب كثير من القوانين السارية في غشفروا..!
فاٍن عباس.. له تفسير هام جدا لنص الملكية العقارية..الوارد في صلب قانون المعاملات المدنية في غشفروا..و الذي يقرأ " من ملك ارضا، جاز له التمتع بها علوا و عمقا .. الى الحد المفيد من الإستمتاع"..و دوما ما يربط عباس بين هذا النص القانوني المبين..و نص اخر ورد في صلب قانون الأحوال الشخصية..و الذي يعرف الزواج البشري السوي .. بأنه " عقد يحل فيه للرجل التمتع بالمرأة .. الخ"..لقد قرن عباس هذين النصين بقران متين ، يقال أنه من مسد ، و استولد نصا متينا.. مرجعيته النظرية العامة للنساء..و قال فيه " من ملك امرأة ، جاز له التمتع بها علوا و عمقا.. الى الحد المفيد من التمتع.."..!!
كثيرا ما يصر عباس.. و يزيد في الإصرار عتوا.. بالتأكيد على أن النصوص القانونية تلك.. يفسر بعضها البعض.. و أن العام منها يقيد بالخاص..و يواصل في اصراره على ذلك النحو.. بالتأكيد أيضا.. على أن للمشرع الوطني قصد ظاهري ..و أخر باطني ..و هو الأساس الذي لا يتأتى للعوام من شماسة المجاري..و كمساريو الدفارات دون الحافلات.. و مشجعي دار الرياضة في مدينة أم أحزان .. بالتوصل اليه..و فهمه الفهم الصحيح..! فهذا القصد الباطني – الذي لا يدركه الإ خاصة الخاصة من أمثال عباس – هو قصد المشرع الوطني الحقيقي.. لأنه – أي المشرع الوطني – مهذب و خجول.. تأبى عليه أخلاقه الوطنية الرفيعة .. من الجهر بمثل تلك المقاصد..!!
و كثيرا ما يدلل عباس.. على أن النظرية العامة للنساء.. هي نظرية صحيحة مئة بالمئة..و أن لها اتباعها الكثر..و جمهورها العريض.. خصوصا بين طلاب الجامعات و طالباتها..الذين يؤمنون بها ايمانا قاطع.. و يؤكد ذلك.. باصراره.. على أن من يمر بالجامعات في غشفروا.. دوما ما يلحظ مودة و اٍلفة ..بالغة..و ظاهرة للعيان.. بين طلابها و طالباتها..بل حتى.. حينما يخرجون في المظاهرات و الإضربات –و ذلك حينما تغر بهم فرق المعارضة.. طبعا – فاٍنهم يصرون على الخروج ديموقراطيا..رجالا و نساءا.جنب الى الى جنب..الكتف يحك الكتف.. و الصوت يهز الصوت.. و النبرة تجر النبرة.. و الثورة مستمرة.. و الخاين يطلع بره.. أو كما قال..!!
نواصل
كبر
01-10-2007, 10:42 PM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
حـكاوي الغبـن: الزهيرة بنت الجبــوري.. تعـد خطـاوي الغشـاشين..
1.
حديث الإشارات المشفرة بذكاء:
تقوس ظهر الزهيرة بنت الجبوري .. بحنو .. نحو الأرض.. و أصبحت تحدق نحو التراب.. تعد خطاوي الغشاشين.. و المذنبين.. و عديمي الذمة.. الذين دنسوا تراب غشفروا..! تعاقر صمتها المفتعل.. و تتحاشى نظرات البصاصين..و المختلسين النظر باسفاف..و قوافل النمل الأبيض..التي تجوب الطرقات.. أناء الليل..و أطراف النهار الغضة.. و تستطيب السكوت ، كما غيرها من الناس.. بالمناسبة.. الزهيرة بنت الجبوري هذي.. هي حبوبة نجاة الصبارة.. عيونها تصارع الطشاش و غبش السنين..أو ربما هي غشاوة الأحزان الكئيبة..
هي نحيفة الجسد – أفي ذلك غرابة؟- قالت .. النحافة اختيار عند أهالي غشفروا..اذ أن النحافة هي خصيصة العامة و ميزتهم الأساسية.. و أن البدانة..هي صفة الخاصة ، من سلاطين و عمال و أمراء..و عباس ربما..!
تشد الزهيرة بنت الجبوري.. على فردة الدمور أم زيق.. تحاول أن تستر ما يتعرى صدفة من جسدها النحيل..و تصر على المضي في الحياة بعناد جبار.. تهش الذباب عن وجهها.. و لم تفكر يوما أن تهش الغبن..! قلت لها: هل رأيت عباس؟ قالت: يغباني السم.. كن غبيت عباس..!
تجاهلت أنا هذه الخاطرة التي تشكل مدخلا مؤاما للإنفجار الغبين.. و سألتها أن تحكي..! قالت: يا ولدي عباس ده الهول.. و الهول عمرو ما بنحكي..! ضحكت أنا بفجاجة .. لا تستطيع مطلقا أن تبرر الضحك في مثل هاتيك المواقف.. و صرت هي خلقتها استغرابا..!
أنزلتُ عن كتفي حقيبتي.. و مددت يدي نحو الأوراق المبعثرة باهمال.. لجت الزهيرة بنت الجبوري بحزم مدهش.. و حس حذر دقيق التوقع.. و اعترضتني بيدها النحيلة..قائلة: يا ابوي.. المكتوب .. دايما بجيب اللوم..! أبتسمتُ.. بغرض أن أهبها قليل من الطمأنينة.. و قلت لها: لا تخافي.. ليك الأمان يا بت الجبوري..! صبت هي .. قليل من القهوة .. و عزمتني على الشاي.. فلها منطقها الخاص في ذلك.. قالت مبررة: القهوة كعبة للشبان..!(1) قلت: ما ها.. اكعب من الماجي الرزية..!(2) ضحكت هي..و أردفت: رجال التابا.. اللحم بقى زي الحجوة.. و المطايب شالوها ناس عباس..! حاولت أن أنتهز هذه السانحة .. لجرجرتها الى مضارب الحكي.. و قلت: دي مناسبة.. يللا قولي لي..! تلفتت هي .. تحسب خطاوي العابرين.. بحس بدوي حذر.. ثم قالت: بت بتي ساكنة في بيت في شارع الثورة بالنص..!! استغربت أنا .. لهذا المدخل/الإستدراك.. أهي بادرة هذيانا.. أشبه بحديث الخرف.. أم هي اشارة ذات مضمون؟ حاشية جانبية: بالمناسبة.. في الآونة الأخيرة.. اصبح حديث اهالي غشفروا من جنس الإشارة المشفرة بذكاء..!
نواصل..
كبر
هامش: 1. اشارة للمثولوجيا الشعبية التي تؤكد أن شراب القهوة ، بالنسبة للشبان ، ينقص من قوتهم الجنسية. 2. في النصف الأول من تسعينات القرن المنصرم.. ظهر نوع من أنواع مرقة الدجاج ، خلافا للنوع المألوف..كان ابيض اللون و على هيئة حبات تشبه حبات الأرز في شكلها..و انتشرت مثيولوجيا شعبية تؤكد أن الإكثار من استخدام هذا النوع من مرقة الدجاج يؤدي الى نقصان القوة الجنسية في الرجال..(الكاتب)
01-10-2007, 10:50 PM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
حـكاوي الغبـن: الزهيرة بنت الجبــوري.. تعـد خطـاوي الغشـاشين..
2.
يصيح ديك حي على الثورة.. يصيح ديك غابت الثورة:
حدقتُ في الفراغ.. الغبار يسكن الفضاء بروح الإحتلال الأعمى الزحف.. قالت الزهيرة بنت الجبوري ، قارئة لما يجول بخاطري : كل الدنيا ماشة لي قدام.. و نحن لينا الغبار يا ولدي..! قلت: و متى سنمضي نحن .. و نترك الغبار من خلفنا؟! قالت: حلم..!.. شوقنا للمرقة أم دهن..!..اصلا يا ابوي.. ناس عباس ماسكين اللجام بالمعكوس..! قلت: كيف؟ قالت: شدوا ضنب جوادنا لي..ورا..! قلت: الناس في زمن الإنترنت.. يا حاجة.. يا بت الجبوري.. قالت: تحج للخير يا يابا.. لكن الدواس لزومو شنو؟ قلت: هي مرحلة تأريخية.. لابد من العبور بها.. الصراع مرحلة مهمة في حياة الأمم.. و من بعده يأتي السلام و الإستقرار.. و التقدم..! قالت: عمري ما شفت لي ..و لا سمعت لي.. بأمة مخلوقة للصراع.. دواس في دواس.. عباس يديني العصاة..و يديك العصاة.. و يفضل بعيد يعدد في المصالح الذاتية..! قلت: ما يا هو.. انتي فاهمة الحاصل بصورة كويسة.. قالت: قبال سنين.. جانا يرغي و يزبد.. يهدر زي الجمل الفحل الودر نوقو.. قال لينا.. انتو يا اما.. ناس بقر.. يا اما ناس زراعة.. ابدا لسانو ما عتر على كلمة صناعة.. حلف باليمين المغلظة..بأننا تب ماشين صاح.. و الثورة جات .. عشانا..و عشان عيالنا.. قامت فضة بت جاد الكريم.. زمانها يا ولدي حكامة لسانها طرين..و سألت عباس.. الثورة دي شني.. يا جنابك عباس؟.. ضحك الفاتي بلا خجلة..و قال ليها: بتعرفي التور يا الحكامة..؟.. قالت فضة: ربيت في البقر.. بعرف التور .. بالحيل..! قال عباس يخاطب الجمعية: يا اخواناو اخواتنا.. يا ايها الجماهير الفتية الوفية.. اصلا كلمة ثورة دي جات من كلمة الثور..!
جنس كلام ياولدي.. في ذاك الزمان كتير.. و ما بتقال.. يصبح الصباح.. يصيح ديك : حي على الثورة..يمسي المسأ.. يصيح ديك : غابت الثورة..! الثورات يا ولدي في دارنا دي.. زي غنم الضاي ولد غبوش..يتوالدن صباح و مسا.. لا بيعرفن مواسم خريف..لا مواسم صيف..ولا مواسم شتأ.. يوم سألت ولد بتي.. الزين الرقيق..و كان مشى يقرا الرسم في بلاد بره.. قلت ليهو: دحين يا الزين يا وليدي.. الثورات دي بتجي من وين؟.. ضحك الزين.. لمن وقع على قفاهو.. و قال لي: من زرايب الجيش.. القصاد وادي سيدنا الفكي ابو النو الخمجان..! أهي دي حالنا يا ولدي.. من ما اللـه خلق الوادي ده.. خلق جنبو الناس البيقوموا بالثورات..! قلت: هل عباس أحدهم؟ ضحكت بنت الجبوري بصفاء يتحدى عتو السنين الكابي على ظهرها المقوس..و قالت: ناس عباس غنايين ساكت.. و الغنا عمرو ما بسوي شي..! قلت : كيف الكلام ده؟ قالت: اللـه يخلق البنات السمحات.. الغناي يشـكّر جمال البنات السمحات..! قلت: و هل كل البنات اشبه بالبنات السمحات؟ قالت: ابدا.. لكن كل ثورة و ليها غنــاي.. اٍلإ عباس بـدّع..! قلت: هو معني بثورة واحدة فقط.. قالت: وهم.. كضب..!.. أني من تبيت في غشفروا دي.. عباس ما سكت من الغنا للثورات.. كل ما تهب ثورة ، يطرّق حنجرة الغنا..و يفضل يقعد في الكلام..و يغني..! قلت: نحن أمة تحب تمجيد ثوراتها..! قالت: ما غابيني شي.. الروادي تجعجع صباح و مسا.. صيف و شتا.. الثورة الظافرة.. الثورة المجيدة.. الثورة الخالدة.. و الثورة بالنص..! قلت مراجعا لها: ظني الخرف صابك يا بت الجبوري.. الثورة بالنص اسم شارع..و ليس اسم ثورة وطنية..! قالت بعناد المغالطة الفتية : اسم ثورة وطنية..! قلت: وحياة ربنا ده اسم شــارع.. قالت ، و هي تستجمع حجج الإقناع و صلابة الموقف : شن خبرك انت كمان.. هسع دي وريني ليه سموها الثورة بالنص..! قلت: تمييزا لهذا الشارع.. لأن هناك الثورة بالوادي ..و الثورة بالشنقيطي..! قالت: اسمع مني جنس الحكي ده.. في زمان فات يا ولدي.. جانا عباس..و لملم الناس لجمعية كبيرة و حاشدة.. بغرض مراجعة دعم الجماهير الوفية لواحدة من الثورات.. قام حسين ود ملاح و سأل عباس :دحين شواهد التأريخ .. رأيها شنو في الثورة بالنص..؟
ضحك عباس.. اصلا يا ولدي عباس ده عمرو ما كشر خلقة.. و قطب جبين.. يوت مبسوط.. وقال لحسين : في احدى الثورات العديدة .. التي انتابت هذا الوطن.. بفعل بنيه.. أو بفعل الغبار .. مرّ احد قواد تلك الثورات بهذا الطريق .. متوغلا داخل الحارات - حيث أن المكان الذي تهب منه الثورات بالقرب من تلك الحارات- و ذلك تفاديا للوشاة و المتآمرين..و الغلاة المأجورين..و حينما هب اهالي الحارة يستنكرون فعلته الشنيعة..و جبنه الذي لا يعجب الحكامات.. قال لهم.. فلنتفق!.. قالوا .. كيف؟.. قال.. يا اخوانا الثورة دي النص بالنص.. مناصفة بيننا و بينكم.. منا أمير و منكم والي.. و منكم محافظ و منا ضابط محلية.. و تخليدا لهذا الإتفاق التأريخي.. اطلق على هذا الشارع اسم الثورة بالنص..! صفق ناس الجمعية في هداك الحين.. لأن كل صفقة و ليها تمنها.. خصوصا لو كان عباس هو المتكلم..! قلت: و هل اكتفى عباس بهذا التوضيح.. فقط؟ قطبت الزهيرة بنت الجبوري تجاعيد وجهها الصغير.. و قالت: عباس يا ولدي .. بيشكر الما بتشكر.. صاح في الجمعية.. هز يمينو بأمجاد الثورة و الوطن.. و قال لينا: لابد أن يملك المرء منا.. بعد النظر..و القدرة على التفسير.. الصحيح.. الثاقب.. للتأريخ..! فاٍن تأريخ هذا الوطن لم يكن مصادفة.. أو عبث أقدرا .. يأتي خبط عشواء..و انما سطره الأبناء الوطنيين.. قلت ، مقاطعا : و من هم هؤلاء الأبناء الوطنيين؟ قالت: عباس هو الميزان.. و الفصل الخطاب.. براهو يحدد عيال الوطن..و المواطنين الصالحين.. و يحسب ناس الثورات فردا فردا.. قاطعتها للمرة الثانية و قلت: و انتي عمرك ، يا بت الجبوري ، ما فكرتي تسوي ليك ثورة عشان عباس يتغنى بأمجادك..و أمجاد ثورتك؟ قالت ، باٍستهزاء : الشكر البيجي من عباس.. ما بينفع الا مع زول اٍضينة ساكت..! ضحكت و قلت لها: يعني قصدك ناس الثورات الوطنية ديل.. اٍضينات ساكت؟ قالت: ما تقولني الما قلتو.. يا ولدي عباس شي..و ناس الثورات ، رضي الله عنهم ، شي تاني..!
نواصل..
كبر
01-11-2007, 04:06 PM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
حـكاوي الغبـن: الزهيرة بنت الجبــوري.. تعـد خطـاوي الغشـاشين..
3.
عـيـد الكـوانين.. في أيلـول شهر الكوانين:
تمدد الحديث نضرا.. مخضرا.. تزيده حكاوي الزهيرة بنت الجبوري .. طراوة و لين.. تقرأ في عيونها سرد الزمن الحميم.. و تطفر دمعة خفية.. تعجز في تكييف معانيها.. أهي حسرة على زمن جميل مضى..أم هي اٍدانة لدهور السكوت التي أدمناها لحد الإسفاف و التلاشي؟!..
الدروب تحمل ما تحمل.. هموم متناثرة على القوارع.. الناس في غشفروا لها هوية واحدة.. ثابتة : الفجيعة و الغيظ..!
اهرب .. متقوقعا داخل سؤالاتي الجموحة.. حاولت أن ارسم السؤال بوضوح كافي.. و لكنه يصبح كعجينة..يتلوى.. يتملص..و يتماهي .. يتسعذب السكوت و التردد..! بنت الجبوري.. تنسج زمانها بخصوصية نادرة.. تشاهد ، مثلها و مثل الاف الناس ، و تمشي دونما تفكر أن تقول..! هزت الموقد المهترئ.. ايقظت ثبات جمره.. لتدفئة القهوة.. سألتها: ألم تفكري في شراء موقد جديد؟ قالت: الكوانين بقت غالية السنة دي.. قلت: سوف اصنع لك كانونا متينا.. خصيصا للقهوة.. ضحكت بخبث .. وقالت: اصلك بقيت عباس..؟! استغربت..و باٍندهاشة عظيمة قلت لها: و شنو علاقة عباس بالكوانين؟ ندهت الزهيرة بنت الجبوري على جدها الصالح .. قائلة: يا حجاجو الراقد جبل الكدر..(1) ظني الخرف صابك يا ولدي.. بسم اللـه الرحمن الرحيم.. يا ولدي ات.. عمرك ما سمعت بي عيد الكوانين؟ قلت: و ليها عيد كمان؟ قالت: انتو اصلكم.. عيال الزمن ده.. مهبوشين ساكت.. الواحد فيكم ينسى نفسو.. خليك من أعياد غشفروا..! قلت: اٍحتمال.. قالت: أسمع مني جنس الحكي ده.. في أيام فاتت.. جاتنا ثورة في عز الصيف.. جابت معاها الغبار و المعامل الفاسدة.. أصلا عباس دخل في هديك الثورة.. بالطول قبل العرض.. و عقد ليهو فيها صفقات كتيرة .. أكتر من شيب الراس.. فكر و قدر و دبر..و قال .. البلد دي اصلا ما فيها غير البقر و النيل.. البقر نعمل ليها معامل جبنة.. تنبثق منها معامل و تعم القرى و الفرقان.. و النيل نعمل فيهو معامل فسيخ..و منها الأمة تشبع و تحتفل بعيد شم النسيم.. و مواسم أفراح الثورة الظافرة أبدا..! مشى عباس لبلاد بره.. و أشترى معامل ، ناسها جدعوها من زمن بعيد في الكوشة.. و صارت غشفروا .. في رأس كل شارع تلاقي معمل جبنة قصادو معمل فسيخ.. المعامل كترت..و صار الإنتاج وفير.. و الصفايح ملت البلد كلها.. قام سيد الثورة في هداك الحين.. و قال لعباس: لازم كل فرد من أفراد الجماهير الوفية.. يشتري ليهو صفيحة جبنة..و صفيحة فسيخ.. في كل يوم من أيام شهر الثورة..و على الثورة أن تدعم محدود الدخل/مهدودي الحيل .. في ذلك الأمر.. ! و بقينا.. كل ما يجي زمان شهر عيد الثورة..نشتري الجبنة و الفسيخ..!
في سنة من السنوات.. بارت بضاعة الفسيخ و الجبنة.. اصلا ناس عشفروا ، يا ولدي ، مصارينهم أنهرت من أكل الجبنة و الفسيخ.. و الغيظ اليوماتي..!.. في هداك الحين..قام عباس و قال.. خلاص ما دام الأمر كذلك ، انتاج المصانع كلو يتحول للمدارس..رد عليهو حسين ود ملاح ، مراجعا :لكن يا سيد عباس .. المدارس الثانوية طلابها صايمين..! قال عباس.. ناس الثانويات خلوهم..لكن ادوهو ناس الثانوي العام..و الإبتدائي..! يا ولدي .. البنات و البنين جاهم الغم المتالي..و بعد شوية نسمع ليك .. المدرسة الفلانية .. تلاميذها اتسمموا بالجملة.. و المدرسة العلانية.. ارتفع فيها عدد الوفيات بسبب اكل الفسيخ و الجبنة..الغيظ قرب يشق عباس..التجارة خسرت..و الداخل على جيبو و كرشو.. قل ..قال .. خلاص .. حفاظا على سلامة الأرواح.. يجب ابادة المنتوج.. و المحافظة على الصفايح..! بعد يومين فقط.. قام سيد الثورة و قال: الصفايح كلها توزع على النسوان..خاصة ربات البيوت.. عشان تسويها كوانين..!..و من هداك الخطاب التأريخي.. اصبحت الكوانين ليها عيد خصوصي في غشفروا..! قلت: و هل أعجب ذلك.. عباس؟ قالت: كل البيجي من سيد الثورة .. دايما بيعجب عباس..! ثم .. تلفتت الزهيرة بنت الجبوري .. بقلق حولها..و نططت عيونها بذعر واضح..! قلت: هل أنت خائفة؟ قالت: اقول ليك حكوة.. لكين خليها بيني و بينك..اصلا اولاد امونة سليمان ديل.. أضانهم سنين.. تسمع دبيب الدابي في جحرو..! عند ذكر امونة سليمان.. شعرت بالقشعريرة و اللهفة..و لكن الزهيرة عاجلتني..و قالت: سيد الثورة في هداك الحين.. سوا لينا..ايلول شهر الكوانين..و الثورة في ذات نفسها.. قام عباس و سوا ليها.. كانون كبير و عظيم.. يشبه مقامها و عزها..و ذلك خصيصا للشيّة..!
نواصل
كبر
هامش: 1- حجاجو..و يكنى النو أبو أم جاهين.. هو جد دار بخوتة ، بطن من بطون الحوازمة..و قبره مزار يزار باٍنتظام و هو بالقرب من جبل الكُـُدر شمال مدينة الدلنج .
01-11-2007, 04:13 PM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
حـكاوي الغبـن: الزهيرة بنت الجبــوري.. تعـد خطـاوي الغشـاشين..
4.
محنة محمود الصالح ولد عجبان:
و قالت: سيد الثورة في هداك الحين.. سوا لينا..ايلول شهر الكوانين..و الثورة في ذات نفسها.. قام عباس و سوا ليها.. كانون كبير و عظيم.. يشبه مقامها و عزها..و ذلك خصيصا للشيّة..!
غشفروا في هداك الحين..يا ولدي.. صابها القحط..و كان الجفاف ضارب بأطنابو..الفي السما..وقفت في أبواب السمأ..و الفي ارض.. غابت في باطن الأرض و ابت تمرق..!.. البقر ماتت..الإبل ماتت.. الزراعة حرقت بالعطش.. غشفروا ضاقت بينا يا ولدي.. الناس بقت تآكل في بعضها البعض..!..
قام سيد الثورة..و قال لعباس: شوفوا ليكم مخرج لهذه الجماهير الوفية الفتية..! قام عباس..و سافر لبلاد بره.. يشحد في الأكل..ظني ناس بلاد بره.. برضك صابهم جفاف..اصلا يا ابوي .. نهار خياسها .. كلبها ما نبيح..! و في صباح يوم أغبر..ملتو الكتاحة من شرقة الشمس..سمعنا ليك عباس يلعلع في الراودي..و قال لينا: غشفروا الآن في محنة عظيمة.. نسأل اللـه أن يرفع عننا البلاء..و يكفينا شر المحن الحقيرة.. و كما تقول الحقائق العلمية و الشرعية باٍباحة المحظور في حالات الضرورة القصوى .. لذلك نوجه افراد شعبنا النشامى بفعل كل شئ لإنقاذ أفراد أسرهم من شر الجوع..فيجوز أكل لحم الكلاب و الحمير و القطط ..و الثورة الظافرة ما قصرت.. و قد أهدت في عيدها الفات الكوانين للأسر كافة..!
بعد يوم.. قام واحد من أهالي غشفروا رسل جواب لعباس و قال ليهو..الكلاب أجهزت على القطط..ثم هي و الحمير ، عن بكرة أبيها ، نفقت قبال شهور..! رجع عباس تاني لدار الراوادي..و قال مزبدا هادرا..الضرورة تبيح المحظور..و المعنى واضح..كل الدول و البلدان تأكل لحم بنيها في حالة الجوع..لأن الجوع كافر يا اهلي و عشيرتي..و افتكر كل جماهيرنا الوفية.. تعلم جيدا أن جارنا السلطان أبو كاسا.. سلطان الديار الغربانية.. قد امتلأت ثلاجاته و حلله و صحونه بلحوم أبناء عشيرته و داره.. و هم ليسوا في حال مجاعة أو كربة.. فما بالك بأهالي غشفروا..! قلت: أيعني عباس بذلك.. أن يأكل اهالي غشفروا لحم أخوتهم و بنهيم..؟ قالت: بالواضح المافاضح..! قلت: ألم يستنكر أهالي غشفروا مثل ذاك الكلام الغريب؟ قالت: قام محمود الصالح ولد عجبان.. و كان زمانو يا ولدي..ولدا نقي و تقي.. دغري و حقاني.. و قال لعباس.. قول لسيد الثورة ..شيل كوانينك و غور من غشفروا بسراع..! سمع سيد الثورة ديك.. بكلام محمود الصالح من عباس.. الذي يتواني قط في توصيل مثل هذه المعلومات..و قال سيد الثورة اياها لعباس.. الراجل ده لازم تشوفو ليهو صرفة.. قال عباس.. حاضر يا سعادتك..
بعد يومين .. سمعنا عباس يلعلع في الروادي ..و قال لينا.. أن غشفروا قد أمتلأت بالكفار الفجار..عبدة النار..فبالأمس القريب.. ضبطت شرطتنا الباسلة الفتية الساهرة.. محمود الصالح ولد عجبان.. يوزع المناشير..و يدعو أهالي غشفروا .. أن يتخلوا عن عبادة اللـه.. لأن اللـه قد تخلى عنهم في محنتهم تلك.. و انزل عليهم الجفاف..و زاد أكثر من ذلك بأن أساء اسأءة بالغة الى الرمز الوطني العالي.. المنزه عن الصغائر بقدرة ربنا.. لقد خان محمود هذا..أهالي غشفروا.. و طعن في ثورتهم الظافرة المنتصرة أبدا..و في قائدها الملهم.. ذلك الرائد الذي لا يكذب أهله..! و طالما أن الجماعة لها الحق في حماية نفسها و ثورتها.. فاٍن الثورة قررت ردع كل من تسول له نفسه في الطعن فيها و في أهاليها..! قلت: و هل قبل أهالي غشفروا بذلك؟ قالت: قبل ما تحصل الشورة.. بين أهالي غشفروا.. لحقوا ناس عباس قطعوا ليهم ايدين كم نفر كدي..و شووها في كوانين الثورة المنتشرة..في الحقيقة يا ولدي.. الناس خافت و صابها الذهول.. بتك تمرق مشوار و ايديك في قلبك لمن ترجع.. ولدك يمرق..تسمع بيهو قطعت ايدو و تم شيها في كانون من كوانين الثورة العظيمة المنتشرة كالهم.. قلت: و هل قطعت ايد محمود ولد عجبان؟ قالت: ايدو و بس..!.. الشغلانة زادت.. ساقوهو يا ولدي.. في التلت الأخراني من الليل.. قطعوهو حتة حتة.. و شووهو في كانون الثورة الأعظم.. ! قلت: و ماذا فعلوا بشيّة لحمه؟..هل أكله سيد الثورة كما يفعل السلطان أبو كاسا؟ قالت ، بمرارة: عباس صاح في الروادي و قال لينا.. أن لحم محمود ولد عجبان .. نجس..لآ يجوز أكله حتى و لو في حالة الضرورة القصوى.. لذلك قررت الثورة حرقه و دفن رماده في مدافن النفايات النووية التابعة للولايات الأمريكية..! قلت: و لماذا مدافن الولايات الأمريكية؟ قالت: من باب المكاواة الدينية البينة..عباس افتي بعدم جواز دفن محمود في جبانة الإمة المسلمة..! قلت: و هي مدافن الولايات الأمريكية دي وين؟ قلت: شن خبرني بيها يا ولدي.. سألت منها ولد بتي الزين الرقيق.. و قلت ليهو.. دحين يا الزين يا وليدي..مدافن الولايات الأمريكية دي دارها وين؟..ضحك الزين في وسط البلية تلك.. و قال لي.. في دار سافل..! قلت ليهو.. سافل منو؟..قال لي.. سافل على جهة وادي الملك و درب الأربعين..!.. قلت ليهو في الصقيعة الصحرا دي؟.. قال لي.. أصلا يا حبوبة.. ناس عباس قالوا.. الصقيعة الصحرا دي مافي زول ساكن فيها..و ناس عباس تب ما محتاجين ليها..عشان كده لازم يستفيدوا منها .. انشاء الله يؤجروها لزول ساكت..عشان كده أدوها للولايات المتحدة الأمريكية..ووثق عقد الأجارة في مكتب عباس.. ايام كان محامي و موثق للعقود..! قلت لها: هذه مغالطة تأريخية يا بت الجبوري.. لأ يمكن أن تشتري أو تستأجر دولة .. من دولة أخرى.. قطعة أرض..و توثقها في مكتب محامي..! قالت ، بسخرية: كلمتك و ما سمعتني.. دوبك وضح لي .. انك مهبوش ساكت..!.. عباس لحق باع الناس الفلاشا في الدار الصبحانية.. ما يقدر يبيع أرض الصقيعة للولايات الأمريكية..؟؟!! قلت: يا بت الجبوري ما تجيبي لينا هوا ساكت.. الولايات الأمريكية دي.. قط.. لم تدفن نفايات في غشفروا .. قالت: شن عرفك..الولايات دي.. السوتو في غشفروا.. قط.. مو هين..!
حـكاوي الغبـن: الزهيرة بنت الجبــوري.. تعـد خطـاوي الغشـاشين..
4.
محنـة الفكـي مـوسى .. الشهير بموسى التعبان:
شعرت بالحزن و المرارة.. يتمددان كبطانية كثيفة تغطي الرؤى و الروح و الجسد.. فكرت للمرة المليون.. أن أصرف النظر عن هذى الحكاوي/الغبينة.. و لكن شيئا ما.. في اخر الحنايا.. بدأ يتحرك كالوسواس الخناس.. كالأكلان .. كالهاجس اللئيم المشاكس.. و دونما أشعر ..وجدتني أواصل الحديث مع الزهيرة بنت الجبوري.. التي بدأ..أن الحكي.. يفش قليلا من غيظها و غبنها المدفون لسنين عددا في أم الفؤاد..!
قلت: عرفت انك بتعرفي ناس غشفروا كويس.. هل سمعتي بتعبان ايوب تعبان؟ قالت: بالحيل.. جدو الفكي موسى التعبان.. قلت: و من ما ولدوهو .. كان اسمو موسى التعبان؟ قالت: ابدا.. لكن.. كان عندو صاراياه كبيرة في ضهر الوادي.. وادي سيدنا الفكي ابو النو الخمجان.. لكن الأذي صابو كتير خلاص..! قلت: و منو الكان بيسبب ليهو الأذى؟ قالت: كان الفكي موسى يزرع..و يزرع.. يعشي الماشي و الغاشي.. صارت ليهو حلة كبيرة و عريضة.. و في سنة من السنوات.. جات أم زين التمتامة..و سكنت في طرف الحلة.. كانت ممسوخة بتصفي المريسة.. جاها الفكي موسى و قال ليها.. يا خادم اللـه .. أرض اللـه واسعة.. قومي و فوتي الحلة دي بسراع.. قامت ام زين التمتامة و ردت عليهو..و قالت.. دي أرض اللـه يا عبد الله.. كن الله هداك و سواك تقي.. الله مسخني و سواني منجوهة في القبايل كافة..دي قسمتي مع الخلق..و دي الأرض القسمها لي ربي سيدي..تب ماني فايتاها.. يفوت عليك اليوم اليقصر أجلك..! حزن الفكي موسى..و مشى خلااها.. و من هداك الحين .. بدأ دهر الثورات في غشفروا..! قلت: و ما علاقة الفكي موسى بكل ذلك؟ قالت: أصلا يا ولدي.. ناس الزرايب اياها.. في كل ليلة جمعة.. يكسروا الزرايب و يردوا فريق أم زين التمتامة.. يشربوا المرايس..و يسرقوا غنم الفكي موسى التعبان.. و يضبحوها و يسووها مزة السكرة..و كلما تكتر الضبايح .. يطول السهر الماعقبو نوم.. و بكرية اليوم التالي .. تسمع البيان رقم واحد..! قلت ، ساخرا: قصدك .. كلما تشتد السكرة .. تهب الثورة..! قالت: أفهم زي ما تفهم.. أني.. بحكي ليك حكوة الفكي موسى التعبان.. ما حكوة هبوب الثورات..! قلت: هذا ما تقولين به..! قالت: أسمع باقي الحكوة الفيهو الثمرة.. لما الحكاية طالت على الفكي موسى التعبان.. قاموا جماعة من ناس غشفروا و مشوا ليهو.. و قالوا ليهو.. ارحل من خشم الوادي.. على بره شوية.. عشان تزح من مرحال ضعاين الثورات اياها.. عاند الفكي موسى ..و قال ليهم.. الصبر أولى..!..و امعانا في صبرو.. انجب ولد سماهو أيوب.. ليكون صابرا على فعايل ام زين التمتامة..و أهل الزرايب كمان.. و من هداك الحين .. سموهو ناس غشفروا.. موسى التعبان..!! ضحكت و قلت لها: هذا تأريخي وهمي يا بنت الجبوري..! قالت: قال كمان..!..انتو شن عرفكم بالتواريخ يا ولدي.. أركبوا الدفارات..و اتغالطوا في الكورة..و سخنوا الصفقات لأسياد الثورات..! ثم بدأت تدندن.. بنغم مبتور الملامح.. الماشي.. لي .. عباس جيب لي.. معاك قرطاس شرطا يكون كراس.. يشيل كلام الراس
قلت ، مستطيبا دندنتها..: يا سلام.. غنا جميل..! قالت: أصلا ناس غشفروا .. تحت تحت.. بيقولوا عليهو عباس القدة..! قلت: قدة كيف يعني؟ قالت: قداد مصارين الناس بالغيظ..و الحكي الماسخ..! قلت: و لماذا لا يقولون ذلك في وجهه؟.. لأن الشاهد .. أن كل أهالي غشفروا .. تستطيب ما يفعله عباس.. و تصفق له استحسانا..! قالت: دي صفقة الخوف يا ابوي.. اصلا نحن.. ناس يوت.. لآبسين توب الإختشا..و لينا القدرة على المجاملات..! قلت: و هل تجوز المجاملة في مصير غشفروا..؟ قالت: غشفروا دي مكة المجاملات..و قبلة سياد الثورات.. عشان كدي.. صارت دار لعباس..! قلت: و هل تذكرين بعض الغناء عن عباس؟ قالت: تحت تحت.. الحكامة غبيشة بت عبد الملك.. قالت فيه: عباس.. قداد الناس كن نايم .. أخير من حاس كن حاس.. بيقد الناس..
قلت: هل هو مخرز؟ قالت: هو خازوق..يقد الناس بالغبينة و الغيظ..!
نواصل..
كبر
01-11-2007, 08:48 PM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
حـكاوي الغبـن: الزهيرة بنت الجبــوري.. تعـد خطـاوي الغشـاشين..
5.
في كون السهو ، هو الفريضة الحاضرة:
أعتراني شئ من السهو.. تذكرت تفاصيل واقعة حدثت لي قبل أيام..و ذلك قبل أن التقي الزهيرة بنت الجبوري..و كان ذلك في احدى مواصلات مدينة أم أحزان الداخلية.. قابلت فيها ناهد الصديق..بادرتني بالسؤال عن المستوى الذي بلغته حكاية عباس من الجمع و الحكي عبر السطور..فهي كانت تكرهه بشدة عمياء..و تسبه بمناسبة و بدون مناسبة..وصفته ، في حضرتي طبعا ، بأوصاف لاذعة..و قالت عنه..هو الأخطبوط..و العنقاء و الغول..و الحية ذات الرؤوس السبعة..و في رواية اخرى.. القطة ذات الأرواح السبع..و لما اشتد بها الغيظ و رمى طرحتها من كتفها، و أفقدها قواعد اللباقة و اتيكت المجاملات.. قالت عنه.. انه كارثة.. طاعون..و هو المسئول الأول عن ثقب الأوزون..!..
ثم قالت ، تخاطبني بوضوح غير ملتبس: تصور.. ذات مرة استاءت السلطة الثورية من عباس و خزعبلاته..فأرسلته الى امريكا.. ليبعد عن غشفروا و عن معارفه.. و حينما وصل أمريكا.. بطريقة أو بأخرى.. صار صديقا ملازما للرئيس الأمريكي..فظهر معه في الشوراع..و شاشات التلفزيون..و الصفحات الأولى في الصحف..و اغلفة المجلات..حتى استغرب افراد الشعب الأمريكي ..و تساؤلوا بدهشة: من هذا الذي يمشي مع عباس و يظهر معه في كل مكان..!
قلت لناهد الصديق ، حينها : هذه مبالغة لا تخلو من غرض..! قالت بغيظ..و حنق حار: و هل يوجد فرق بين عباس و المبالغة؟!!
طالت لحظة سهوي تلك..و لم أخرج منها ..اٍلإ و صوت الزهيرة بنت الجبوري.. ينبهني..: الشاي برد.. مالك سارح كدي يا ولدي؟.. قلت: تذكرت بعض الكلام عن عباس.. قالت: ما قلت ليك.. عباس ده الهول.. و الهول عمرو ما بنحكي..!!
نواصل..
كبر
01-11-2007, 10:22 PM
Shams eldin Alsanosi
Shams eldin Alsanosi
تاريخ التسجيل: 12-18-2003
مجموع المشاركات: 2135
Hi Kabbar I'm here since five days ago refusing to come out with any comment and this not to distract you ,as well as I'm just like Abbas decided to choose the time of silence but you force me to come out and say; this is a very astonishing way of writting which carrying with it a great warm from Ghashufro people by the way I know Abbas too and for sure you are going to belive me if I told you that we use to be in the same class, so please do not hesitate to plan for a future visit to Toronto and I can tell you alot about him.
say Hi to Shahd and the rest of you,and because I'm at work now I apologize for the non-arabic letters shams
01-13-2007, 08:35 PM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
زمن السكوت ، حالة ادمان لها خصوصيتها .. للدرجة التي تجعلك في نسيج النسيان المتشابك..
أو.. ربما هي دوامة الغيظ العاتية..و الغيظ يا شمس الدين ، قوة عين.. تجعلك تدي ربك العجب..و تعجز أن تقول..
عارف.. كونك تكون لاقيت عباس .. بطريقة أو باخرى.. هي حقيقة عادية..لكن الماعادي.. أنك تكون مريت بغشفروا... ذات وقت ما..و يكون عباس ما وقع في عينك..!
بقى يا صديق.. لازم تعرف انو.. في كل الوجوه التي يمتطيها.. سيظل هو هو.. و مسألة اكتشافه.. بسيطة و ما دايرة ليها درس عصر.. لكن .. الحيرة.. أنو باقي و ح يبقى .. لغاية أن يرث الرب الأرض و ما عليها..! هي سرمدية الأقنعة ..و ما اطولها..!
نشوفك يا صديق..
كبر
01-13-2007, 08:43 PM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
أحيانا .. تلملم غشفروا أطرافها..و تفعل كما تفعل الثمرة الناضجة..تطبق أضلاعها على أسرارها الصغيرة المحزنة..تجتهد أن تتناسى.. كأمة ، كجغرافيا ، أو كتفاصيل راهن ، بعض من المغائص.. و لكنها.. هي أرض المغائص باٍمتياز..ليس لأن المغائص تزرع و تحصد فيها ، و لكن لطيبة أهلها المساكين.. الذين يسكن الإباء جوانحهم و يرفضون احراج أي من كان..! لقد تربى هؤلاء الأهالي.. لكي يكون أولاد ناس.. بحق و حقيقة..! و لكن..!
أن تكون طيبا الى هذا الحد ، المفرط في الطيبة.. قد يشكل ذلك نقطة ضعف و ثغرة .. يستغلها الغير..خصوصا لو كان ذلك الـ (غير) من قليلي الحياء..! تنمو غابة الأسئلة في قسمات الوجوه..و تتشابك اغصانها .. حيرة و اٍستغراب.. ولا احد يود أن يمارس فضيلة التساؤل صراحة.. فالناس هنا .. لا يحبون كثرة التســآل..و ذلك تأدبا..! الشوارع ..ملؤها الخطى المكبلة بسلاسل الغيظ المتينة.. في كل خطوة خطوتها .. في أصقاع غشفروا.. يجلجل صوت حسن الأصلي في تعريفها .." كانت بلدة طيبون.. تأكل الغنم عشائهم..".. ألتبست عليّ المفاهيم.. هل هي الطيبة.. أم الغشم؟ و كلما تذكرت هذه الحقيقة .. انتفضتُ في دواخلي.. لا يمكن أن تكون بلد بحالها مأهولة بالغشامى.. "الغشماء اٍن شئت"..؟ ماذا سيقول عني أهلي.. لو علموا أنني قد علقت نقاط ضعفهم .. كالغسيل المنشور في بصر الماشي و الغاشي..؟ ثم.. ألأ يكون ذلك سبب من أسباب اخراجي عن ملة الزطن و المواطنة..و الوطنية ..و ملحقاتها؟ اٍرتضاء الظلم.. قد يكون سببه الخوف العميق.. أو ربما هو الزهد..!!
تحاججت مع مسار ولد الدحل..و هو رجل أزرق اللون..كما أهالي غشفروا.. ناصع السريرة.. تجلجل ضحكته القوية في الأصداء كافة.. توشي بحب الفرح و الحياة بقوة و عناد.. و لكنه يرى خلافا لذلك..! قال لي ذات مرة.. أن ضحكته هذه.. هي نوع من أنواع الإدانة لكل ثورة هبتْ في غشفروا.. أو تنتظر دورها لكي تهب..! يسميها الضحكة " كُسم الثورة"..!
قال يحدثني.. أهل الثورات.. هم بشر من لحم و دم.. و تشكل ذهنيتهم..عوامل بناء الذهنية لدى كافة أهالي غشفروا.. لذلك يغيظهم ضحك الشماتة..و يقطع مصارينهم بالحزن و المغصة..! قلت..لا يمكن أن يحارب الناس الثورات.. بالضحكات المجلجلة..و الشاهد أن أهاليها – أي الثورات – دوما ما يفسرون ضحك الجماهير الوفية ، من شاكلتك ، بأنه استطابة لفعائلهم و تشجيعا لهم.. كلما ضحكت الجماهير الوفية ، مثل ضحكتك هذه يا مسار ،كلما ترجمتها الثورة بأنها اشارة .. سيروا و نحن من خلفكم نسير..! أصر مسار ولد الدحل.. ألأ يتخلى عن ضحكته..!! قلت ، و قد أصاب الإعياء حجتي : يعجبني أيما اٍعجاب.. أن يضحك أهالي غشفروا..و هذا في نظري تمجيدا لأهاليها.. و نوع من ممارسة حق الضحك في الحياة.. و ليتهم كلهم.. أمتلكوا القدرة على الضحك من الأعماق.. ضحكا حقيقيا..و ليس ضحك المقاومة هذا..!
قال لي.. رأيتك مهموما بهبوب الثورات في غشفروا هذى.. و هذا في نظري تمجيدا لأهالي تلك الثورات ..و دليل على أنها ظاهرة أساسية في مكون غشفروا الإرثي و التأريخي.. و لكنك تتحاشى البحث في الطرق التي تنتهي بها هاتيك الثورات..! أعلم يا صاحبي.. اٍن كان هبوب الثورات أمر فوقي - تفرضه القلة الباغية - .. فاٍن انتهاء أجلها أمر تحدده جماهير غشفروا لوحدها..! قلت.. نعم.. هذا أمر هام.. و هي نقطة أساسية .. تشكل حقيقة ناصعة لأن يتجاوزها الإ مكابر..و لكن..قل لي..لماذا لم تقرر هذه الجماهير اٍنهاء حالة عباس.. تلك الحالة ذات الصيرورة المرعبة..! ضحك مسار ولد الدحل..بصورة أقنعتني فعلا..بأن ما يفعله من ضحك.. ذي معني كبير..! أنتظرت حتى فرغ من ضحكته..و قلت.. حسنا يا مسار.. دعنا من هذا الكلام.. و أحكي لي عن عباس.. يقولون أنك تعرفه جيدا.. كسى مسار ولد الدحل وجهه بالجدية.. و قال.. قبل أن أحكي لك بعض من حكاياه.. أرجوك أن تسجل لي موقفا واحد فقط.. هي كلمة أحب أن أقولها لك..و لأهالينا الطيبين في غشفروا هذى.. عليكم أن تفكروا بيقظة..و أن تكلموا شوط التفكير الى اخره.. فالنفْس القصير في هذا الأمر..يجعل الطاقة مهلهلة و سريعة التعب.. يبدو عليها الإرهاق أما كل سؤال كبير و جاد..! قاطعته قائلا.. لم ترهقنا الأسئلة الصعبة..و اٍنما الثورات..! قال.. الثورات ، و التفكير فيها أمر انصرافي.. تدل ممارسته على الكسل الوطني.. و بالمناسبة يا صاحبي..مفهوم الوطني الذي أعنيه.. ليست له علاقة ، البتة، بمفهوم الوطنية الذي يدعو له و يمارسه ديك الشيطان المسمى عباس ذاك..! قلت.. ها انت .. اخيرا تعبر عن غيظك المكتوم..! ضحك مسار ولد الدحل..و قال لي.. هل تعلم.. أن أكثر من الشيطان شيطنة.. هو ديكه..! أشحت عن هذا الصفاء المنسرب بغتة.. فالحكي على روعته .. مسئولية..
نواصل..
كبر
01-13-2007, 08:56 PM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
سألني مسار.. مباغتا..هل تعرف شيئا عن هامش المدن؟ قلت.. قصدك العشوائي؟
ضحك مسار .. كأنما يسبني بضحكته تلك.. و قال .. مركز الأشياء في غشفروا.. دوما ما يكون عباس في قلبه.. و هو الذي يفرّخ المفاهيم و المعاني .. و تسمية أحوال أهالي غشفروا و تصنيفهم..!
قلت.. العشوائية.. جغرافية .. تعني السكنية التي نمت خارج التخطيط.. قال يقاطعني.. ألأ ينطبق هذا الحال على الثورات التي .. دوما.. ما تنبت عكس تيار تخطيط الجماهير؟ قلت.. قد يكون ذلك صحيحا..
كسى الضيق معالم وجهه.. و قال بتبرم ظاهر.. أرجوك لا تصححني.. بل جادلني و راجعني.. لكي نثبت صورة يرتضيها العقلاء..! قلت .. العقل ميزان يرتضيه كل انسان صادق مع نفسه.. و لكن تداعي الأشياء في غشفروا.. قد غلّب العاطفة عليه..!
ضحك مسار ولد الدحل ضحكة عريضة.. و أدرك في غرارة نفسه.. بأنه ليست لي القدرة على المماحكةو الإستمرار في مثل ذلك الجدل.. و أنني مهني.. مهموم جدا بمهنة حكاية تفاصيل عباس..
ثم قال لي.. قد تكون هذه الحكاوي مهمة..و أن أصدقك ما ترى.. لأن عباس .. هو عبارة عن صورة زئبقية..رجراجة.. لا يستطيع شخص واحد الإلمام بكل تفاصيلها.. و نحن نراها من زوايا عديدة و مختلفة.. فما تراه الزهيرة بنت الجبوري.. قد لا يراه صابر الأول.. أو تعبان أيوب.. أو النور الكاكانيت..أو حتى مسار ولد الدحل.. لكن عندما تتجمع هذه الأشياء المتناثرة.. قد تعطي فكرة أكثر وضوحا عن ديك الشيطان هذا.. قلت..و ربما .. تنبه أهالي غشفروا بضرورة تأمل تلك الصورة بعقلانية أكثر جدية..!
ضحك مسار..الذي يصر دوما على ضحكته المقاومة تلك.. انبسطت أساريره..و امتدت نظرته كأنها تقرأ من كتاب من كتاب مفتوح..يمتدعلى افق غشفروا..كالقدر الذي لا فكاك من منه.. ثم بدأ ينهل بسهولة ..و قال يحدثني..
غشفروا تتمدد أطرافها.. و تمتلئ تلك الأطراف بالهوام البشر..كما يرى عباس.. تتزاحم علب الطين الصغيرة..تبدو الأرض الليلة فضاء اسع.. يغري الرباطين و قطاعي الطرق بممارسة أدوراهم العجيبة تلك..و أيضا الذين داهمتهم الحاجة الملحة ، التي تحتاج لقضائها صمت مريب و أبريق ماء لغسول السبيلين..و لكن..عند الصبح .. تكون مثل تلك الفضاءات قد امتلأت بعلب الطين الصغيرة تلك..التي تشبه في نموها المتسارع ، قناطير وادي العمد(1)..التي تفور و تفور..و تستطيب النمو العجول.. تشكل هذه الفضاءات .. المملوءة بعلب الطين الصغيرة تلك.. صورة تشوش على ذهن عباس.. و توخذ ضميره..و تقف رمزا للإساءة الدائمة في حق غشفروا..تلك التي ارتكبها ، و يرتكبها في حق غشفروا.. قلت مقاطعا.. و لكن .. ما هي العلاقة يا مسار.. بين نزوح الناس الى قلب غشفروا..و بين تلك الإساءات المرتكبة في حقها؟ قال مسار.. الأسباب عديدة.. الدواس (2).. الجفاف.. المجاعات.. شح التنمية.. و الكذب القذر الذي دنس صورة الأطراف.. و جعلها هامشا مملوءا بجدري الخوف..و الغبن..و الإقصاء..و المحو المستمر..أو ربما هي الممارسة المستمرة.. للإغراء الأجوف.. بأن المركز أفضل من الهامش بسبع مرات..! قلت.. المركز بلا شك أهم.. حيث وفرة الماء..و الكهرباء..و سرعة الإغتناء..و البنات الجميلات ..ذوات الضفائر الناعمة.. الطويلة الفاحمة..و السيقان التي يمكن أن يرى المرء فيها ذاته..! ضحك مسار ولد الدحل.. الضحكة اياها.. و قال متسائلا.. و لماذا لا تنتقل مثل تلك الأشياء .. الى الأصقاع البعيدة في غشفروا؟ قلت ساخرا و متهكما.. نحن نحب الزحمة.. لأن الزحمة فيها الرحمة..! قال.. بلاش استهبال معاك.. دعنا في دوامة التفكير الموضوعي..واٍلا سيجرفنا الإنحراف نحو مدارات الجنون..! قلت.. أقصد حقيقة ما ذكرت.. و اٍلا.. لماذا يحب أهالي غشفروا.. الزحف زمرا الى قلبها..و مبارحة أطرافها في كل ثورة هبتْ؟ قال مسار.. و لماذا لا تنتقل الثورات من قلب غشفروا.. الى أطرافها؟
حقيقة .. لم تكن لي قدرة على مثل تلك المماحكات.. و التي يبدو أن مسار ولد الدحل من محترفيها المهرة..! حاولت أن أتجنب هذه الأسئلة المريرة..المالحة..وولد الدحل يمارس ضحكته تلك.. بقوة و دهشة.. دبّتْ الحيوية في حديثه .. حينما فرغ منها.. ثم قال صفاء غريب.. تنمو أطراف المدينة.. ثم تغدو عشوائي.. تسمى هكذا.. استصغارا لشأنها.. أو ربما هو نوع من انواع .. اثارة البغضاء ضد تلك الأطراف..و تبخيسها..! و لكن.. حينما يعلم عباس و صحبه .. بأمرها.. فجأة تجد أمامك الألات الزاحفة.. من جنس قريدر..لودر.. يلدوزر..كراكات..و ماشابهها من ألات الهدم و التدمير..و تزحف .. كما النمل.. نحو تلك العشوائيات.. يصدر قرار.. باٍعادة التخطيط.. كأنما التخطيط كان موجودا أصلا.. و هي ذريعة هايفة..تجد من خلفها.. يدخل عباس و صحبه الملاعين.. و يبدأ الهدم.. تدمر علب الطين بلا رحمة.. فيضطر البسطاء .. على التقهقر نحو امتدادات جديدة للهامش..و يخلقوا لهم.. فضاءات تشبه أشيائهم.. فضاء للبؤس..لصناعة المريسة.. للسباب.. للشتم..للمشاجرات الصغيرة اللانهائية..و للبعد عن أضواء السلطة و الثورة الجاهرة..! هذه هي حقيقة العشوائي.. ذلك المفهوم الأشمط.. الذي فرّخته عقلية عباس.. لإبعاد مثل اولئك الناس..! قلت مقاطعا.. ألأ يذهب عباس الى تلك الأطراف "العشوائية"؟ ضحك مسار ولد الدحل .. ضحكة .. شعرتُ بأنها اٍدانة لعباس.. قبل أن تكون شيئا اخر..! و قال..أنه يذهب الى مايو..و سوق ستة..و العشش..و الإنقاذ.. و كراتين باروناو كسلا..و زقلونا..و جبرونا وشيكان.. و مرزق..و رأس الشيطان..!(3)
يطوفها عن بكرة ابيها..و يغيظه الأهالي.. حينما يصنعون حياتهم و مواقفهم الغنية بالمعاني و التفاصيل البهية..! عباس. يا صاحبي..كثيرا ما يمارس النفاق المنمق..و يذهب الى تلك الأطراف.. بحثا عن عصيدة الدخن..و الأقاشي..و عروق المحبة..! و كثيرا ما يحتسي العرق الداشر..و يحمل معه.. حاجة الذين يختشون من الذهاب الى مثل تلك الأماكن.. نهار جهارا..! ضحكتُ..و قلت أسأله.. و لماذا يختشون؟ قال مسار.. و لماذا يذهبون الى الشبهات.. طالما يوجد من هو مستعد للقيام بأي واجب.. من تجهيز المؤتمرات و تأسيس المنسقيات..و التنظير و التخطيط.. لغاية ممارسة التعريص في الليل البهيم..و جلب العرق و توابعه..!
صمتنا برهة.. و ظللنا نستمتع بخفقات الصمت.. ذات التواقيع المنتظمة.. أعتدل مسار ولد الدحل .. قليلا.. , أما طاقيته الحريرية الحمراء.. ثم واصل حديثه قائلا..في غشفروا هذه.. دائما ما تبدو الأشياء ذات نسيج متوحد..و عباس .. سبحان الله..له الوجوه كافة..و الأقنعة كافة..و القدرة على ركوب جمل الشيطان..! ضحكت أنا.. بشدة..و قلت له:قبل قليل جعلته ديك الشيطان..و الآن تجعله في مستوى واحد مع الشيطان؟! قال مسار ولد الدحل بجدية أرعبتني.. الشيطان الآن مهموم في ذات نفسه.. لأنه ظهر من هو أشد منه حرفنة و اٍستهبال..يا اخي ..و اللـه.. الشيطان ذاتو عرف حاجة..!
نواصل..
كبر
هامش:
1.القنطور ، و يجمع قناطير.. نوع من الأرض تفور و تنبت في شكل مخروطي..أحيانا تسمى أبو الفوار..يبلغ ارتفاع الواحد منها نصف متر..و لكن في بعض المناطق يصل ارتفاعه الى مترين و نصف..و تسكن فيه بعض الثعابين الكبيرة..و يقال أن هناك نوع من النمل الأبيض (ألأرضة) يقوم ببناء القناطير.. وادي العمد.. وادي مشهور في جنوب غرب مدينة أبي زبد في غرب كردفان.. 2. الدواس.. مفهوم يعني الحرب و القتال..وهو مفهوم شائع في كردفان.. 3. أسماء أحياء شعبية في العاصمة الخرطوم..
01-14-2007, 07:47 PM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
التــأصيـلي :حينما تركب بعض الثورات جواد التقوى بليل
قلت.. حسنا يا مسار.. و لكنك لم تقل لي حتى الآن عنه.. قال بمرارة.. يذهب عباس الى ستات العرقي..و يأنف عن ذكر ذلك.. أو ربما أحيانا .. يتباهى بقوة عينه في فعل ذلك.. خصوصا حينما تركب احدى الثورات.. موجة التقوى بليل..فتصبح صبحها.. تسب السكر و السكيران و السكيرات..!.. عباس .. كما تعلم.. يحب التخفي في البدء.. ثم ركوب الموجة فيما بعد..!
ذات ثورة.. انفجرت فينا الروادي بنزيف الحديث صباحا.. و امتلأت عبارات العاملين فيها.. بمفردات مثل التأصيل و الطهر و ضبط النظام العام.. حقيقة.. صاحب تلك الثورة كان مهموما بضبط رزم الأشياء .. حتى تغدو الحياة في غشفروا..أشبه بالنغم المضبوط التواقيع.. وقتها.. أحتار عباس في تكييف موقعه و رؤاه الثورية..ففي السابق.. كانت الثورات تبدأ فجرها بعبارات من جنس النضال و التأميم و الترميم و الوطنية الإشتراكية و محاربة الطائفية..في مثل تلك اللحظات.. كان عباس يكتفي برشوة صغيرة لبعض ماسحي غبار الكلام في الصحف اليومية..لكي يطلق عليه لقب " المناضل الجسور"!!
أما في هذه اللحظة.. فالأمر قد أختلف تماما..اذ يصعب عليه أن يقنع أحدهم في الصحف اياها.. بأن يدعوه " التأصيلي"..ذلك.. لكون أن المفردة دقيقة..ولا تحتمل التأويل و التخريجات المفهومية.. تلك التي يسهل على عباس انتاجها..!
مفردة المناضل.. مطاطة..و يمكنه أن يدخل من كل أبوابها الواسعة.. و احتمالات تأويلها المتناهية العدد..مناضل من أجل الرفاهية..الإشتراكية..الجمهورية..و الرياضة الجماهيرية..أما " التأصيلي" هذه..يصعب اللف و الدوران حولها..فهي مفردة تعني أشياء محددة و مضبوطة .. يعلمها كافة أهالي غشفروا..
كظم عباس هواجسه تلك..و ذهب يستشير ظلامه..و القواميس كافة.. عسى أن تعينه بفهم سهل .. أو زئبقي رجراج..يحتمل التأويلات و التخريجات..!.. فقال لنفسه..التأصيل يعني ضبط المظهر و الجوهر..و المنبع الصافي ..و أحادية الوجه و اللسان و الضمير..و هذه أشياء عسيرة عليّ..
أخيرا توصل عباس..الى مفهوم وسطي..يقيه شر أهل تلك الثورة..و يرفعه مقاما عندهم..فلقد توصل عباس..الى أن تأصيل صاحب تلك الثورة..قد يعني فيما يعني..الإمساك بقشور الأشياء..مثلا..أن تكثر ،و من باب الإتيكيت و المجاملة ، من ذكر عبارة توحي بالتأصيلية..كبدء الحديث بعبارة انشاء الله..و ختمه بعبارة جزاك اللـه خير.. و أن تستحن الرأي بعبارة .. ألله أكبر..و ان تعدل مقياتك الطبيعي..و تربطه بأوقات الصلوات الخمس..!
في البدء لم تستسيغ ذائقة عباس الثورية..مثل تلك العبارات..و لكنه راجع نفسه..و أقنعها بضرورة امتطاء الموجة.. التي كان يظن أنها سهلة و جزيلة العطاء..!
صار التأصيل هاجس يلازمه..في صبحه و في مسائه..حتى صار تأصيليا هماما..أكثر تأصيلية من أصحاب تلك الثورة.. فأوعز لأهلها .. بضرورة اطلاق يده في ممارسة التأصيل .. لأنه أحس بأنه يمتلك اجتهادات عميقة في هذا الشأن..
صار عباس يصدر اللوائح و الأوامر التأصيلية.. و استغل ، تماما ، دعوة الصاحب الأكبر في تلك الثورة..بشأن التأصيل و ضبط المظهر العام.. صار عباس يهتف.. حتى يبح صوته..و تتقطع حباله من أوصالها..بعبارة " الله أكبر"..بلغ به الأمر.. أن يهتف بها.. داخل الحمامات العامة(1)..و في دور الرياضة..و المستشفيات..و جلسات الضالة(2) في زمن العصاري..! راجعه أحدهم ذات مرة..بأن مثل تلك العبارة ذات قدسية..و هي اٍلتزام قبل أن تكون مجرد هتاف أجوف تغلفه عفونة الزبد و البصاق..فيجب مراعاة ذلك..و احترامها..و عدم اطلاقها جزافا..!..و بعد أيام.. أختفى ذلك المراجع المسكين.. الذي ذهب ضحية ايمانه القوي بالقعدة الأصولية التي تؤكد أن الدين النصيحة..!! بلغت اجتهادات عباس التأصيلية.. ذروتها.. بعد أن زين الشوارع باللافتات التأصيلية..و اجبار المحلات التجارية و الدكاكين القطاعية و الطبالي و الحافلات و البصات المحلية و السفرية.. بضرورة طلائها بالألوان التأصيلية..!
نواصل..
كبر
هامش:
1.في النصف الأول من تسعينات القرن المنصرم.. دعي والي ولاية كردفان ، عبد الكريم الحسيني الى افتتاح بعض المنشآت..في مدينة الأبيض ..و كان من بينها مباني دورة مياه عامة..و بعد قص شريط الإفتتاح .. تقدم خطوتين و دخل أحد الحمامات..و هتف مستحسنا (اللـه أكبر)..!
2. الضالة.. لعبة شعبية تكثر في مناطق كردفان..جوهر فكرتها أشبه بجوهر لعبة الشطرنج..فهي معركة بين شخصين.. قطعها عبارة عن أعواد في حجم قلم الرصاص..و تبرى بنفس طريقة قلم الرصاص..و كل شخص له 12 قطعة..و عدد النقاط (في شكل حفر اشبه بحفر السيجة) يكون ستة و ثلاثين نقطة..و عادة ما تكون مباريات الضالة في زمن الأصيل بعد نهاية يوم العمل.. و هناك مجمع كبير في نهاية سوق أبو شرا بالأبيض.. يجتمع فيه كثير من الأفراد للتسلية بلعب الضالة..
01-14-2007, 08:02 PM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
كان الضحك يغلبني..و أنا أتابع كلمات مسار ولد الدحل..فأنفجرت ضاحكا و مقاطعا مسار بالسؤال : و ما هي تلك الألوان التأصيلية؟!
قال مسار بجدية أزعجتني: أخرج عباس الأحاديث و شوارد الفقه النادرة..و قواعد الأصول الشرعية.. التي تؤكد بأن طلاء الأشياء باللون الأخضر .. هو أمر من أمور الإحسان و التقوى و الإيمان..!
قلت: و لماذا الإصرار على اللون الأخضر تحديدا؟..لماذا لا يكون ..مثلا.. اللون الأبيض الذي يرمز الى السلام.. أو اللون الأحمر الذي يرمز الى الحب؟.. قال مسار ولد الدحل.. ألمر ليس ما تعنيه الألوان..او ما اتفق عليه أهل المعمورة من معاني تضفى عليها.. انما الأمر عند عباس.. دائما ما يربط بحساب الربح و الخسارة..! قلت .. مستهزئا .. ربح و خسارة في أمور التأصيل و الألوان؟
قال مسار ساخرا.. تأصيل أنت ياخي.. اصل الحكاية و ما فيها.. أن أحد الأصحاب الأتقياء.. حظي باٍعفاء جمركي كبير.. و لم يكن يفقه قيمة ذلك الكنز.. فحاول أن يدخل السوق .. كما تفعل كافة خلق الله.. و قرر ارتكاب كافة أفعال السوق من مرابحة و مضاربة و مناقصة و مجازفة..فأشترى دهان أخضر اللون.. و لما كانت الكمية كبيرة.. فلقد بارت بضاعته.. و كاد أن يخرج من السوق بالضربة التجارية القاضية.. فألتقاه أحد حواري عباس.. من العبابيس الصغار.. الذي استطاع أن يقنع صاحبنا التقي.. بالخسران المبين..و ضرورة التخلص من تلك البضاعة بأسرع ما يمكن.. لأن السوق لا يحتاج مثل تلك السلعة الغريبة.. " دهان أخضر؟..ياخي انت قايل البلد عندها زار؟..!!"..فأرتعدت فرائص ذلك الصاحب – الذي صار غلبان في مواجهة العبابيس- الذي صار همه يتركز في القاعدة العامة " المال تلتو ولا كتلتو"..و اجزل العطاء لذلك الحوار.. حتى يأتيه بخطة التخلص المحكمة..!
ذهب ذاك الحوار الى عباس و عرض عليه الأمر.. فأبتسم عباس ابتسامة كبيرة تمنح النفس الطمأنينة و الهدوء..و أمر حوارهبأخذ تلك البضاعة.. عاد الحور بعد أيام حوالك الى ذاك التاجر المسكين..و أكد له أن الحل الوحيد هو أن تدلق تلك الدهانات في النيل..لأنها لا تصلح لشئ في هذه الدنيا الفانية.., أن الناس في غشفروا ، خاصة هذه الأيام، لها مزاجين فقط .. لون أحمر أو لون أزرق..ما عد ذلك ، من ألوان ، فهو خارج الذائقة اللونية و الجمالية في احاسيس أهالي غشفروا ..!!
أقتنع ذاك التاجر المسكين..و دخل في هم آخر..هو هم كيفية التخلص من هذه النفايات .. التي تأكد له فسادها و عدم شرعيتها..!..عرض عليه ذاك الحور.. أن يأخذ منه تلك الكميات و يتكفل بالتخلص منها..بدفنها او دلقها..و حرق ما تبقى منها.. و أصر على أن يكون ذلك الأمر في غاية السرية ، من باب و اقضوا حوائجكم بالكتمان ،تفاديا للوشاة و المتآمرين..و الغلاة المأجورين.. الذين لا يتوانون قط..في توصيل مثل هاتيك الأخبار للطليعة البئيين ، اولئك الذين اعتنقوا ديانة جديدة اسمها حماية البيئة..!
أرتعد فرائص ذلك التاجر.. اٍرتعادة أخرى .. كادت أن تسبب زلزال في مدينة أم أحزان.. ذلك لأنه تذكر أن سيد عباس في أحدى أحاديثه..أو مخاطباته الجماهيرية.. قد حذر أهالي غشفروا من ظهور المتطرفين المتعصبين الجدد..و كان يقصد بذلك أنصار طائفة حماية البيئة تلك..!
أغتنم الحوار فرصة الهم الذي كسا وجه التاجر المسكين..و تعهد بالقيام بذلك الواجب نيابة عنه..بالصورة التي تؤكد التكافل و التعاضد عند أهل غشفروا..خصوصا في النوائب و الملمات .. مثل تلك النائبة التي ألمت بذاك الأخ التاجر..و في نفس الوقت .. اٍمتثالا للقاعدة الأصولية اذا بليتم فأستتروا..و هل هناك بلية أشد من تخزين المواد التجارية الفاسدة..!! و بعد تلك الخطب و الحجج الدامغة..التي لايأتيها البطلان من بين ايديها أو رجليها.. تسلم ذاك الحوار الهمام.. البضاعة بأكملها.. و التي كانت تقبع في مخازن كبيرة جاوزت الستين عددا..
طار الحوار بالخبر الى عباس.. الذي ذهب ، بدوره ، مباشرة الى دار مجلس الثورة في ذاك الحين.. و طلب اصدار تفويض بتأسيس مرسوم تشريعي جديد.. و قال للصاحب الأكبر حينها: البلد دي.. يا ريس.. أخدت ليها صنه.. وولاء الجماهير الفتية دبّ فيه شيئا من الخفوت.. فلابد من أصدار مرسوم تشريعي جديد.. حتى تشغل به الجماهير نفسها..! قال الصاحب الأكبر ، في تلك الثورة ،: لقد نفدت مواضيع التشريع..و لقد أجهز عليها أخونا النائب العام في ثورته التشريعية الفائتة.. و التي كانت نعم الثورة في داخل الثورة.. فمن أين نجئ بموضوع يستاهل التشريع؟
فقال له عباس ، متصنعا التواضع و التأدب ،: يا ريس حواء الثورة والدة.. و الثورة فيها عبقريات لا تعجز عن ابتداع المواضيع التي تستأهل التشريع و التنظيم.. و صمت.. فهذا الصمت .. هو خاصية التأدب.. التي لابد منها. لكي تمنح الصاحب الأكبر فرصة في التفكير و التدبير..! و بعدها قال لعباس: انت لو عندك فكرة ، يا عباس ، حقو تقولها لي..و أنا ح أقوم بعرضها على الإخوة الميامين .. في اجتماع مجلس الثورة الإسبوعي..! و لما كان عباس .. يعلم تماما.. بأن ذاك الصاحب مغرم بالظهور التلفزيوني..و حب الإبتداع و الإدعاء..أغتنم تلك الفرصة بمهارة القناص..
لقد كان عباس يعلم في قرارة نفسه .. بأن الأمر لا فيه اجتماع ولا يحزنون..فهؤلاء الرفاق الميامين.. دوما ما يتسلمون أوامر تسيير شئون اداراتهم و مجلسهم الموقر.. من أحاديث الرئيس في دار الروادي..بل حتى أن البعض منهم كان يغط في نوم عميق و شخير هدار..حينما ايقظوه..ليبثوا له نبأ تعيينه في ذاك المجلس..!
أخفى عباس تلك الهواجس في ذهنه..و أقترح على صاحب تلك الثورة .. قائلا: غشفروا هذى.. تحتاج الى تزيين.. فلابد أن نصدر مرسوم تشريعي نسميه..مرسوم تزيين وجه غشفروا..! فقال صاحب الثورة الأكبر :حلاقة شنو يا خي في الصيف ده..!! كظم عباس ضحكته..التي تسب جهل ذاك الصاحب الأكبر..و لكنه قرر في قرارة نفسه.. أن يستغل هذا الجهل الفاحش و يمتصه حتى النخاع..لكي يغذي به عروق مصالحه الخاصة..و قال: الحلاقة امر مهم..و دي نقطة فاتت علي..و ممكن أن نضعها في باب منفصل في المرسوم القادم..لكن قصدي كان الزينة و الجمال..! أخذ الصاحب الأكبر يمسد كرشه التي زادت طوفين كما بناء الجالص النامي ..و بدأ بترنم بصوت مشروخ:ابو جمال زينة.. أحلا ما رأينا..! و ضاعت منه بقية الأغنية و اللحن..! ألتفت نحو عباس قائلا: خلاص يا عباس باشا.. أنا أديتك كل الصلاحيات و التفويض في اعداد مسودة ذلك المرسوم..و بعد الفراغ منها.. لآبد عرضها علي لإجازتها..!
أعد عباس ، بهمة و نشاط ، تلك المسودة و التي كانت حاوية لكل دقيقة..تفصيلة..شاردة وواردة.. فيما يختص بالجمال و الزينة و الحلاقة في وجه غشفروا الفتية..! و كانت تلك الثورة الجمالية الملهمة..تلف و تدور حول شئ واحد..و هو ضرورة أن تجديد ألوان طلاء الأبواب ، الجدران، السرائر، الترابيز ، الدولايب ،و الواجهات العامة و الخاصة..و الحافلات و الدفارات و البصات..و ترك أمر تحديد الأولوان المناسبة . للمناقشة في جلسة منفصلة من جلسات المجلس الثوري في ذاك الحين..! و فعلا تمت المناقشة فيما بعد..و التي كانت تختزل في عبارة واحدة: أوافق..!
و لكن ، و كما توقع عباس ، فلقد ثار جدل حول تحديد اللون.. أقترح أحد الأصحاب من الثوريين الميامين.. اللون الأحمر.. و لكن أعترض عليه البعض بحجج دامغة.. فقال أحد المعترضين .. موبخا : انت عاوز الجماهير تقول علينا شنو؟ فقال صاحب الإقتراح :اللون الأحمر هو لون الحب يا رفيق..! قال اخر .. معترضا : نحن ما صدقنا.. اننا انفكينا من الشيوعيين و أهل اليسار كافة.. يا اخي الحمرة دي حقت الشيوعيين براهم..و هي في ذات نفسها أباها المهدي عليه السلام.. شوف ليك لون تاني..!! قال الصاحب الأكبر .. واعظا: جنبونا أي شبهة .. تدعو الجماهير الى تصنيف ثورتنا هذه في خانة اليسار و الكفار الفجار..!! أقترح صاحب آخر.. اللون الأزرق.. اعترض عليه صاحب اخر قائلا: يا خي ده لون اليهود..انت عارف يا رفيق .. اليهود هم الملة الوحيدة التي رفضت الإنضواء تحت منظمة الصليب الأحمر..و قاموا بتأسيس منظمة خاصة بهم..و سموها الصليب الأزرق..!(1) فقال صاحب ثوري .. كثير النوم و الشخير..يعرف في الأوساط الثورية بالصاحب النوام :الزراق هو لون السلطنة الزرقاء..هو شيئا من عبق التأريخ..!
همس عباس في اذن الرئيس.. بضرورة التفريق بين الألوان.. خاصة اللونين الأسود و ألأزرق..فأغتنمها الصاحب الأكبر فرصة ذهبية..ووجه اللوم لعضو مجلسه النوام..قائلا: انت يا النوام.. عندك عمى ألوان ولا شنو؟..ياخي..لون السلطنة ديك هو اللون الأسود..يا اخوانا.. حقوا تكونوا في مستوى المسئولية الوطنية الملقاة على عواتقكم..قصة الإختلاف في الألون هذه..هي نوع من الجدل الهايف و اللف و الدوران على الفارغ..هو نحن ناقصنكم..ناس المعارضة كل يوم طالعين و نازلين..يتندرون بعدم جديتنا..أنا قررت اٍجازة هذا المرسوم التشريعي..و انت يا عباس اختار ليك أي لون و السلام..يلا بلا لمة.. انتهى الإجتماع..و ما عاوز أسمع أي سيك ميك(2)..لا تعقيب لا مناقشة ولا يحزنون..العجبو عجبو..و الماعجبو يدينا عرض أكتافو..!!
صمت الصاحب الأكبر .. بعد أن غطى الزبد وجهه..و ناش نثاره المتطاير..مسودة المرسوم الدستوري..و محى بعض من عباراته و فقراته..!! صفق الحضور .. تشجيعا و استحسانا لذلك الحسم الثوري الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه او رجليه على السواء..!
لم يصدق عباس نفسه..و أنطلق يبشر باللون الأخضر فكرا و مظهرا ..و جمالا و قانونا..و زينة و أيدولوجيا..!(3)
و منذ ذلك الحين..صار اللون الأخضر أمر قانوني..حتى صرنا أشد حرصا في اٍنتقاء الثياب التي نرتديها..بل أكثر من ذلك .. خرج علينا عباس بتخريجة مفادها.. الدعوة الى محاربة الطبقية من جنس أرستقراطية و برجوازية و حبشية..و كان عماد تلك الدعوة.. اٍزالة الفوارق في الملبس و المظهر.. اضافة الى ضرورة الحفاظ على الوحدة الوطنية في غشفروا..تلك التي ناشها –أي الوحدة – سهم من سهام الفرقة و الشتات و الخسران المبين..!
ضحكتُ للمرة المليون..و قلت لمسار ولد الدحل: و ما دخل الوحدة الوطنية بالألوان؟ قال مسار ، دون أن يلتفت و كأنما يقرأ من كتاب الأحزان المقدس: تأكيدا لإيمان عباس بقشورية التأصيل..ظن أن الوحدة في غشفروا قد أصبحت في خطر..و أن بوادر الفرقة قد بدت تظهر.. خصوصا بعد أن دخلت مفردات اليسار و اليمين..و الشيوعية و البعثية..و الحركة الشعبية.. من ضمن مفردات قاموس غشفروا..الفكري و السياسي.. فقال في نفسه..الجماهير الوفية في غشفروا هذي..بسيطة .. يسهل التحكم عليها..و هم أهل توحيد و أحادية صمدية.. يكرهون التعدد و التعددية..و الفرقة و التشرزم..لذلك جاء بتخريجة..وحدة الصف و ضبط الإيقاع السياسي ..و المعيار في ذلك..هو ضرورة أن يرتدي كافة الأهالي زيا أخضر اللون..!
قلت لمسار .. مراجعا: لكن زينا القومي و الوطني هو الجلابية البيضاء..و العمة الأكثر بياضا..! قاطعني قائلا: أبيض انت ياخي.. ما سمعت المغنيين الذين ركبوا موجة التأصيل تلك .. بليل.. و صاحوا ملئ عقائرهم: جلابية خضرا..و مكويّة.. يا حبيبي صوّت ليّ..
و.. عمة خضرا..ولا لبن بقره..
نواصل..
كبر
هامش:
1.في كندا..توجد شركة تأمين كبيرة بأسم " الصليب الأزرق". 2.سيك ميك.. عبارة شعبية تعني الأمر بالسكوت.. 3.في النصف الأول من تسعينات القرون المنصرم.. صدر توجيه في ولاية الخرطوم بضرورة استخدام اللون الأخضر في طلاء واجهات المحلات التجارية..
01-15-2007, 01:00 AM
ابوعسل السيد احمد
ابوعسل السيد احمد
تاريخ التسجيل: 12-12-2005
مجموع المشاركات: 3416
أيها الصديق النبيل كبر! إنه فتح كبير، و أدبي، و حر ضد المسكوت عنه (من جبن و من عسف و مما لا نعلم ) في أزمنة الحكماء المرتزقة. ظللتُ منذ اليوم الأول أتابع هذا العمل المتماسك و الماسك بإبداع بمجموع تلابيب الحكي البواح، و ثابرت على قراءته بتلذذ جميل حدا بي أن أتمنى إلاّ ينتهي هذا السرد الممتع و المليئ بالرؤى.! في يوم بعيد مضى كتبت عن نبوءة الكاتب ، و اليوم أرى أن هذا النص قد شيد على أساس من رؤية فلسفية تستشرف ما تراه العين البسيطة و ما يغافلها لتتصيده العين الفاحصة لأديب من الناس الغبش و ملح الأرض. الأحداث و أسماء الشخوص لا تكف عن الادهاش و ربط القارئ بحميمية الأصالة و عبق الأرض الحنون التي هي أم الجميع. اللغة أنيقة.. مباشرة.. حميمة حد السخرية اللاذعة في جد مذهل. كل هذه الأشياء مجتمعة تنبئ عن مخزون هائل من التجربة و اللغة و أيام غابرة من حياة طلابية نستحضرها من آن لآخر. أما عباس فلن يكون بمقدوره يوما أن يمكث في حضن هذه الأم.. ذلك أن ما ينفع الناس، و بخاصة البسطاء منهم، هو ما يمكث في الأرض. أو هكذا أتمنى أن تكون نبوءة الكاتب. هذا العمل يجب أن يتم نشره، يا كبّر! و أظن ظنا أن كتابته قد اكتملت عندك منذ زمن. عشت مبدعا كدأبك!
01-16-2007, 03:13 AM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
كتر خيرك على هذا المرور الشهادة..و هي عبارة أعتز بها كثيرا.. و حتما ستفيدني كثيرا.. هكذا هي الأمور يا صديقي.. صمت يشكل فضاء الفراغ العريض.. ثم يتماهي في دوائر النسيان..لتمضي الأشياء و هي تمارس تدليسها.. كأننا خلقنا من لحمة الغفلة و النسيان..
نبوءة الكاتب/الكتابة.. هي حقيقة يا صديق.. و كم من نصوص قرأت مستقبلها في حاضرها..و قد تصدق هذه المقولة حينما يتم الإفصاح عن تأريخ هذا الحكي الشخصي..و تكون هي مسألة قد تدعو للإستغراب.. حينما نعلم و يعلم الأصدقاء و الصديقات هنا.. أن هذا المشروع قد بدأت كتابته منذ منتصف تسعينات القرون الماضي..و لكن لظروف عديدة .. لم يرى النور.. كنت يا أبو عسل بيني و بين نفسي أسميها الكتابة المفتوحة.. و هي حيلة لو اتقنتها جيدا .. مؤكد ستكشل فتح في فضاء الكتابة السودانية.. هي محطات لا متناهية..و في كل لحظة تحدث الإضافة التي لا تؤثر مطلقا في سيروة الحكي و استمراريته..
الأسماء.. الأماكن.. هي ارث قد شكل رؤاي ذات مرة ..و ربما مرات .. و عوصها في الغرائبية.. هو تأكيد لغرائبية الواقع الذي يمحو و يمحو..و يحتفظ فقط بسيرة القلة القليلة.. أنا سعيد يا ابوعسل.. في توقفك أمام السخرية.. حتى اللغة حرصت على أن تحمل أخطائها و خطاياها.. ببساطة لأنها كانت هكذا و عاشت هكذا..و عبر عنها أولئك الناس بصورتها تلك.. هي حيلة ضد الزخرف و الحدود المرسومة سلفا للغة ووظيفتها ( أرأيت كم هي قاسية تلك الحدود؟).. هي احتفالية..و قد لا يغيب عنك سبب توقيتها.. لأن النسيان يمحو جهارا نهارا..
مفرح حضورك يا ابوعسل..
01-16-2007, 03:36 AM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
تأصيل أسماء ستات العرقي في حي مايو.. الشهير بحي النصر لنا:
أحسستُ بأن ما ينتابني من ضحك.. اصبح نوع من المرض..أكثر من الإحساس بالمتعة و الفرح..! صمتْ مسار ولد الدحل..يستجمع أنفاسه من كثرة الركض في سرد المغائص تلك..و أحسستُ بأن شرايينه..كادت أن تنفجر من ضغط الدم الذي.. غالبا.. ما يرتفع في مثل هذه المناسبات.. قلتُ له: انت تعبت ..ولا شنو يا ولد الدحل؟ قال..و قد اغرورقت عيناه بدمع حبيس :دعني أقول شهادتي.. و ليأتي الموت من بعدها..! قلتُ: حاشا اللـه..سلامة يا مسار..و الحكي سيبدد كتل الأحزان الداخلية..
قال مواصلا: أنتابتْ عباس نشوة التأصيل تلك.. و ذا مرة ذهب لجلب العرق من أطراف المدينة.. دخل حي النصر الشهير بحي مايو و الحزام الأخضر.. و اعجبته ، في الحقيقة أغاظته ، اٍنبساطة الناس هناك .. فهم لهم القدرة على بناء عوالمهم .. تلك التي تمتد ضحكة قوية في وجه كل ثورة هبتْ.. أو في طريقها لأن تهب..! دخل منزل شيخة من شيخات العرقي..و سألت احدي الفتيات قائلا.. كاكا الطرشاء مشت وين؟ قالت.. قصدك مكـة؟ قال متسائلا: و مكة دي تطلع منو كمان؟ قالت البنت ، و التي لم تكن تعرف من تخاطب :أصلا ناس الحيكومة اصدروا قرار و قالوا فيهو.. كل شئ لله .. لازما يكون بالتحصيل (و كانت تقصد التأصيل).. عشان كدي.. كاكا الطرشا ، سابقا ، حصـّلتْ نفسها و سمتها مكة..!
ابتسم عباس لهذا العمق الثوري..الذي دوما .. ما يجعل أهالي غشفروا يبدون أكثر ثورية و استجابة للقرارات الثورية..فقال للبنت : خلاص اجري نادي لي مكـة..
عندما حضرت اليه مكـة ، و التي منعت الناس من مناداتها بالطرشا من باب ولا تنابذوا بالألقاب ، عرضت عليه مسيرة التطور و التحول التي غشت كافة ستات العرقي و بائعات المريسة و الهوى و الأقاشي و عروق المحبة.. فصارت أسمائهن .. من جنس مدينة و عرفة و مزدلفة وجدة و الجنة بت رمضان..و ذلك تيمنا بثورة سيد عباس التأصيلية..!.. فأولئك النسوة لا يعرفن مطلقا أصحاب الثورات الحقيقيون..و كل ما يعلمن و يدركن من مصير الوطن .. هو ما يجعجع به عباس ..و ما ينـظـّر له و يطبقه..ذلك لأنه ، و في قرارة أنفسهن ، يدركن تماما الإدراك .. بأن الثورات و أهلها في غشفروا هذى.. دوما ما تغشاهم موجة الزوال و قصر الأجل.. أما عباس فهو الباقي في كل موجة .. في كل ثورة ..و في كل حركة ..!
تآنس عباس مع الشيخة مكة.. في شتى المواضيع حينها.. و لم يفت عليها أن تعرض عليه مشروع الفكي اسحق سيد المبروكة..الذاهب الى ضرورة انشاء وزارة لها القدرة على سحر كافة اهالي غشفروا بضرورة محبة سيد الثورة الأكبر ..!.. قفلم يفت الأمر على عباس..و الذي وجدها منجم جديد للتخريج و التوليف..و قال لها : واجبنا أن نحمل أراء الجماهير الى أهل السلطة و القرار.. و انشاء الله لن تخيب الثورة عشم الجماهير فيها..!
بعد أيام.. خرجت علينا الدعوة -و التي يقف عباس من خلفها بدعم من جماهير حي النصر الشهير بحي مايو- بالمناداة لتاسيس وزارة " الفقرا أم بتارا"(1) و مؤتمرات تسخير الجن و غيره من القوى الثورية الخفية..!! طالت ليالي السهر و السمر.. و في جلسة من جلسات الصفاء..و الإستكانة على ايقاعات الكؤوس المترعة بأحدث و أجود ما أنتجته مكة شيخة عموم ستات العرقي..كان عباس يترنم بكلام أشبه بالزجل..و ذلك أمام حوارييه من العبابيس الصغار الذي يحق لهم ، وحدهم ، حضور مثل تلك الجلسات.. و التي كثيرا ما تحوي أحاديث و أفعال غير صالحة للنشر تماما..!! فزجل عباس مترنما: اهل مايو .. اصلناهم أهل يوينو.. أصلناهم اهل اكتوبر.. أصلناهم اهل كوبر.. اصلناهم اهل ابريل .. أصلناهم اهل يوليو.. اصلناهم اهل ستمبر.. أصلناهم اهل غشفروا.. فصـّلناهم(2)
أستطاب مسار ولد الدحل ذاك الزجل المنغم .. هو الآخر.. حتى ظننت أنه بدأ يهذى بهذيان المحموم الذي غشته الملاريا سيدة آفات أهالي غشفروا..!
قلت أسأله..دعك من التأصيل و أمره ..و قل لي عن وزارة الفقرا أم بتارا.. تلك.. استجمع خواطره ..و قال لي: هذه اخطر وزارة في تأريخ غشفروا.. قلت : نعم.. و هي احدث ما توصلت اليه و تفتقت عنه ذهنية عباس.. قال مسار : بناءا علة توصية مكة شيخة عموم ستات العرقي.. المسنودة بتوجيه من الفكي اسحق سيد المبروكة.. تهللت ذهنية عباس..و زاد في تفتحها و تجليها .. ما كانت تجود به انتاجات مكة الوفيرة.. فرسم و خطط ..و هندس و أسس.. تلك الوزارة العجيبة.. التي كان وزيرها في الظاهر .. ذلك الصاحب الثوري النوام ، الذي شهدت كل الوزارات التي مر عليها بفشله الذريع ..و كسله ..و كثرة نومه.. ووكيلها ، و ربانها الحقيقي.. هو الفكي اسحق سيد المبروكة.. أما عباس .. فكان يديرها و يوجهها بالريموت كنترول..و من على البعد..!
في تلك السنة .. اصاب غشفروا دوار الحصار و المقاطعات و المكايدات .. خاصة من أهالي الولايات المتحدة ألأمريكية.. فأهل تلك الولايات.. قد التبس عليهم امر ثورة غشفروا في ذاك الأوان.. و احتاروا في تصنيفها.. جمعوا كل معارفهم و معلوماتهم..و لم يتوصلوا الى نتيجة واضحة..و لما ألتبس عليهم الأمر و ادلهم بهم خطبه..لجأوا الى استشارة الكمبيوتر في امر تلك الثورة الغامضة..في بحثهم ، أدخلوا مفردة غشفروا..فأبتسم الكمبيوتر و انشرحت أساريره..و انهالت المعلومات الغزيرة.. عن الحغرافيا و التأريخ و السكان و السياحة و الإقتصاد و الموسيقى و العلم الوطني و منتديات النقاش في النت..و الأكلات و مزاجات الناس..!..كان الكمبيوتر منشرحا و هو يستعرض هذه المعلومات القيمة..! و بعد قليل.. أدخلوا عليه مفردة ثورة..فجن جنونه..لأن كمبيوتر تلك الولايات .. له حساسية مفرطة تجاه مثل تلك المفردات.. فرد بسرعة و هو يبدي تبرمه الواضح و انزعاجه البين..راسما عبارة ثورة..هي ذريعة هايفة يمتطيها العسكر و اهل المعسكر الشرقي – رحمه الله رحمة واسعة – في الصعود الى سدات الحكم..و كلهم في خانة التصنيف خطرين..تجب ازالتهم..!! و لما كان أهالي تلك الولايات.. يحرصون على الدقة في تصنيف الأمور و تحديدها ، و ذلك بغرض بناء ألية شفافة للتعامل معها.. فعادوا و ادخلوا على الكمبيوتر عبارة " ثورة غشفروا الحالية"..فلم يحتمل الكمبيوتر هذا الأمر..و انفجر و تناثر الى شظايا عديدة..!! ذعر أهل الولايات الأمريكية حينها ، ذعرا أيما ذعر ، و صابهم الهلع..و خرجوا بحقيقة واحدة .. هي أن تلك الثورة هي خطر على السلام العالمي..الذي تنعم به المعمورة تحت حماية تلك الولايات..و التي صدقت نفسها بأنها الولي الصالح .. الذي له القدرة على حماية الديموقراطية و الحرية ..و مشتقاتها و توابعها..من جنس حقوق الحيوان..و الإنسان..و المرأة..و البيئة..و الأحزان..!!
قاطعتُ مسار ولد الدحل ضاحكا: لم اسمع ..قط .. بحقوق الأحزان تلك ؟ تجاهل مسار ضحكتي و قال: لهذه الولايات الحق في حماية كافة الحقوق..و من ضمنها.. ايمانها بحق الناس في الحزن..و تراكم الأحزان..لذلك..فهي تدعو جميع الحكومات في كل الدول .. بضرورة توفير هذا الحق لمواطنيها و جماهيرها الوفية.. ذلك لقناعتها –أي الولايات الأمريكية – بأن تلك الحكومات لن تقصر في هذه المهمة الإنسانية الجليلة.. و اذا حصل.. فشلت حكومة ما أو تقاعست في اداء تلك المهمة.. فسوف تتدخل هذه الولايات ..و تساعد في توفير أسباب الحزن.. حتى يسهل على الناس ممارسة حقوق الأحزان كاملة..!!
حقيقة راعني..و هالني ما يقول به مسار ولد الدحل.. الذي بدت لي ذهنيته أكثر صفاءا و نقاءا..أمام حالة الإنفجار هذه..و التي .. فيما يبدو.. أتاحت له فش غبائنه بالحكي و القول/الشهادة..! واصل مسار الحكي..و هو يقول.. لملمت تلك الولايات.. أطرافها و اقاصي أمرها.. و حزمته بضرورة محاربة غشفروا.. و ثورتها الظافرة الملهمة.. و صارت تدس المكائد ..و تنسج حبال الفتنة.. و تبث الذعر بالخطر القادم من غشفروا.. فصارت محطات البث المباشر ، مرئيا و مسموعا و مقراوءا ، تطبل من خلف زفة تلك الولايات.. ضد غشفروا و ثورتها المجيدة..!
بلغ الأمر ذروته.. حينما أصدرت منظمة الأمم المتحدة ، باٍيعاز من الولايات أياها ، قرارا تدين فيه ثورة غشفروا.. تلك التي قصّرت في أن توفر لأهلها أبسط حقوق الأحزان..ناهيك عن حقوق الإنسان..و تبع ذلك الحصار و المقاطعة..و صر الخلقة..و اظهار العين الحمرة لغشفروا و ثورتها..!
صعب الأمر على الصاحب الأكبر في تلك الثورة..و صابه الهم.. و لكن عباس هدأ من روعه..و بدأ في تكثيف و تفيعل أبحاثه و اتصالاته.. و خرج علينا بنظرية ..ضرورة عقد المؤتمرات التي من خلالها يمكن أن يخرج علينا المبدعين و العباقرة بالحلول الناجعة في مواجهة الكارثة.. فقعدت مؤتمرات عدة مؤتمرات في غشفروا و ضواحيها قاطبة.. من مؤتمر القضايا الإستراتيجية .. الى غاية مؤتمر تسخير الجن ، خصوصا الثوري منه..ثم مؤتمر الدجالين و المشعوذين .. الذين وقفوا لتلك الأمم المتحدة.. بالمرصاد..و السبح..و العروق(3)..و البخرات..و الدعوات الصالحات..و غير الصالحات..! نشط أولئك القوم في استخدام الجن للتصدي للأمم المتحدة.. و منعها من تطبيق أي قرار صدر منها ضد غشفروا و أهاليها و ثورتهم المنتصرة أبدا.. بل أكثر من ذلك .. حلف عباس ، بأغلظ الإيمان ، بأن يسقط حجر الأمين العام لتلك الأمم المتحدة.. و الذي سولت له نفسه باٍصدار مثل تلك القرارات.. التي يصعب التمييز بينها و بين توجيهات أهل الأمر في الولايات المتحدة الأمريكية..!!
و بعد ايام .. أقنع عباس..الصاحب الأكبر في تلك الثورة ، بأن ما حدث لذلك ألأمين العام من اٍزاحة ، لم يكن بفعل اكتمال اجل دورته و مدته في قيادة تلك المنظمة ، و انما تم ذلك بفعل دعوات الرجال الصالحين .. الذين جلبهم عباس خصيصا لذلك الأمر الجلل..!(4)
و من يومها.. أعلنت السلطة الوطنية في غشفروا.. انشاء تلك الوزارة الهميمة ..وزارة الفقراء أم بتارا..و التي اوكل لها أمر هزيمة جيوش التمرد و المعارضة..و العمل على سحر الخارجين و المارقين..و المعارضين المأجورين.. الأحياء منهم و الميتين..و الباقيين منهم و الذاهبين.. و النائمين منهم و الصاحيين..!!
و يقال .. أنه..و بفعل تلك الوزارة..و نشاطها الكثيف.. تكالب أفراد المعارضة الى حظيرة الوطن.. جملة و قطاعي..!(5)
كل ذلك ..و عباس يمجد في قرارة نفسه.. الوعي الثوري لجماهير حي النصر.. الشهير بحي مايو.. الذين تفتقت عبقريتهم عن فكرة انشاء تلك الوزارة الخطيرة..!
لقد نجحت تلك الوزارة في خطف الأضواء الإعلامية..و صار وزيرها ، الصاحب النوام.. يظهر في صدر كل نبأ..اذاعي أو تلفزيوني ..و صارت صورته.. هي الدرة الفريدة التي تزين صدور كل الصحف الوطنية في غشفروا..!
و كان من بين صحابة ذلك المجلس الثوري.. من يبقر و يغير على انجازات الصاحب النوام ذاك..فأخذ يدس بينه و بين الصاحب الأكبر في تلك الثورة الطاهرة..!! و حينما عجز هذا الصاحب الدساس..عن جلب حيلة يهدم بها الصاحب النوام.. لجأ الى المكائد الدنيئة.. تلك التي توصف بأنها نوع من أنواع الضرب تحت الحزام.. فأوعز لصاحب أخر .. أن يطلب من تلك تقديم وصفة أو عمل كتابة أو محاية.. لزوجته التي وهن منها العظم..و صارت في عمر عتيا..حتى تنجب له طفل.. تقر به عينيها و عين السلطة الوطنية و الوطن و جماهير غشفروا الوفية..! و لما فشلت تلك الوزارة في حل معضلة زوجة ذاك الصاحب.. ذهب بدوره الى الصاحب الأكبر في تلك الثورة..و أقنعه بضرورة حل تلك الوزارة و فرزعتها نثارا.. و ذلك تقليصا للصرف الوزاري المحاصر..و تسريح عمالها و موظفيها.. كفائض عمالة..!
و لأمر ما.. أقتنع الصاحب الأكبر بتلك الحجة.. و اصدر قرارا ثوريا جمهوريا بحلها..! و ذهبتْ..!!!
نواصل..
كبر
هامش:
1. الفقرا ام بتارا.. فقرا جمع فكي ..و هي المعادل الشعبي لمفردة فقيه..و رجل الدين في القرى..و مفردة (أم بتارا) تطلق من باب التحقير..و الوصف بالجهل المدقع بأمور الدين و التدين..و يصفون هكذا لبترهم لعلوم الدين..و لا ينفي ذلك استخدام المفردة في سياق علم الباطن.. حيث يستخدم البعض أيات القرأن الكريم من باب السحر..أو جلب المنفعة.. 2. في لغة السودان العامية.. يقولون (فلان فصل) أي انكسرت شوكته..و السياق هنا يعني القهر و الإذلال و الغلبة قوة.. 3. عرق المحبة..و العروق.. نوع من السحر الأسود تستخدم فيه جذور اشجار بعينها..و هي ما يسمى بالعمل.. 4. حينما أكمل الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة ، دكتور بطرس بطرس غالي ، دورته.. كان هناك من يروج في السودان.. أن ذلك كان بفعل السحر الأسود الذي أستخدمه اهل الأمر في السودان..! 5. يتناص هذا الحكي في هذه النقطة بالتحديد.. مع واقعة عودة بعض المعارضين ، أمثال الشريف زين العابدين الهندي ..و الهادي بشرى..و غيرهم .. الذين تقاطروا الى الداخل..
01-17-2007, 05:00 AM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
ترقية أعمال الدواس، و توزيع درجاته على المداوسين شديدي البأس ، في غشفروا و ضواحيها:
1.
ترتبت ملامح الصورة الواضحة الفاضحة في غشفروا.. بصورة انبنتْ تلقائيا على التمايز..صورة رتيبة حزينة..يطعنك وخزها الواخز .. من أي زاوية نظرت اليها..ألوانها العديدة ، الغير سعيدة ، تناثرتْ في أنحائها..و عمتْ الأفاق.. أهاليها ، يكسوهم النحول الجارف..و الفقر من أكثر الثياب وفرة..و يمكن للإنسان ، بهسولة ويسر ، لبسه..!
الدروب تملأها الخطى المتعبة.. و العيون التي غارتْ من التلصص نحو الضوء القادم من آخر النفق.. العجيبة ، ظل الضوء في مكانه البعيد ذاك.. منذ أن خلقت غشفروا ، و الكل قد أدمتْ الأشواك و الثورات خطاه..في سبيل الظفر به.. أو قل حتى التمكن من لمسه و التمسح به..! حسرة تسد الحلوق جميعها.. و ثمة بقية من عطش دائم يصعب بلّه و لو بملمح السراب المخاتل..!
الزعيق يعلو.. و يعلو .. كما أبواق السيارات المجنونة.. عند زحام الظهيرة في قلب غشفروا المنهك..و مثله أيضا تزعق الطبول.. طبول الدواس تقرع في الحوافي كافة.. تستجدي الناس الروح..و هلا فعلا تبقى لهم شيئا غير الروح؟! و هكذا آفة غشفروا..تدمى الأطراف منها و تكاد أن تتقطع أوصالها..يوخزها أحد الأبناء عنوة..و يظل يتلذذ بالنزيف الحار المتدفق من أثر تلك الوخزة..!!
و ما أسهلها طبول الدواس تلك..فاٍن غاب سبب لقرعها ، تجد من يتفضل بخلق ذلك السبب و لو من عدم.. و أكثر من ذلك.. في بعض الأحيان يبدو الدواس مثله و مثل المولد النبوي الشريف.. تعج مهرجاناته..و تخـرّج أحاديث الفقه و شوارده.. حتى يلبس الدواس حلة دينية قشيبة..! و الفرد البسيط من أهالي غشفروا هذى ، يمكن أن تأخذ أطفاله و زوجه سبايا..و لكن لن يقبل – مطلقا- أن تساومه في دينه و ايمانه النقي..!
و لكن..!
أيضا هناك.. من أستطاع التماس هذه الخاصية النادرة في أهالي غشفروا..و أجاد العزف على هذا الوتر المقدس.. بمهارة لا تضاهى..! و من تلك المعزوفات الفريدة.. معزوفة الدواس المقدس تلك..!
الكرنفالات السائبة .. تنبتُ كما ريح العصار اللعينة.. تبدأ من نسمة رقيقة.. و تشتد..ثم تلوي ذيلها الرفيع الطويل.. ثم تدور حول نفسها .. دورات سريعة و عظيمة.. و متلاحقة.. ! تأخذ بتلابيب التلاميذ الصغار.. و تفرق كراساتهم و كتبهم .. التي أرتوت من زيت الطعام.. ثم تواصل تلك الريح فش غيظها الكظيم.. و تأخذ كافة قطع القراطيس التي رميت في القمامة.. و تعلو بها في الآفاق عاليا.. عاليا فوق الأبنية الشاهقة..! قالت امرأة تحدث.. أن الريح ، فيما مضى.. كانت وديعة في غشفروا ..هادئة تساعد الأهالي في ارسال بذورهم الى الأرض البعيدة البوار.. و يقال أنها.. كانت في بعض الأحيان تسعى بالبريد فيما بينهم.. و ذات مرة تشاجرتْ الريح مع الخنفساء.. قالت الخنفساء ، تغيظ الريح و تعايرها ، لقد جاء الزمان بما هو أخف منك و أكثر رقة..! تهدجتْ الريح بالزعيق.. لأنها كانت لا تجيد فن الحوار الهادئ المقنع.. و سألت الخنفساء ، بوعيد مبطن ، عن ذلك الكائن الذي هو أخفّ منها..! قالت الخنفساء .. جاءت الأوراق و القراطيس.. و هي تحمل الرسائل و الكلام الذي لا يستطيع شيئا حمله أو تحمله..! و منذ ذاك الحين.. صارت ريح العصار مصابة بالحالة تلك.. يجن جنونها كلما أمتلأت صناديق القمامة و تنادلها بالأوراق و القراطيس.. فتهجم عليها و تجعلها في قلب الدوار.. حتى يلف رأسها و تفقد التوازن.. و أحيانا تستمتع الريح تلك .. بخفة الأوراق..فتحملها الى علو شهيق.. ثم تتركها لتهوى الى الأرض بلا سند..!
و لما ألتبس الأمر على الأهالي في غشفروا ، لم يجدوا شيئا يمكنهم أن يقارنوا به كرنفالات الدواس الحديثة النابتة.. سوى ريح العصار اللفيفة تلك..!..و الخبثاء يضيفون بالقول.. أن الريح .. مقطوعة أصل و سبب ..و كذا هي تلك الكرنفالات..!!
ترقية أعمال الدواس، و توزيع درجاته على المداوسين شديدي البأس ، في غشفروا و ضواحيها:
2.
الإصابة بعسر الفرح:
تقرع الطبول تلك في كل مواسم السنة... في الصيف .. في الشتاء.. في الخريف.. في الصباح.. في القيلولة .. في المساء..و في الليالي الحالكة .. تلك التي تغري كثيرا باٍثارة الثورات في غشفروا..!
هبتْ ثورة مجيدة من وادي سيدنا الفكي أبو النو الخمجان على أهالي غشفروا.. و لما توطدت أقدام صاحبها الأكبر على صيوان السلطة المنصوب في ناصية أحزان غشفروا.. بدأ يدعو الناس الى الدواس..فالحزن أصبح العلامة الوحيدة التي يمكن أن نميز بها الأشياء..و من كثرو توفره.. أصبح كالفرح له عدة صيوانات و معالم تنبئ عن وجوده..!..و بالطبع لا يعدم من يأخذ به و يضيف له أسباب الوجود العديدة.. حتى يظل كنار التقابة المتقدة لأبد الدهر..فالحزن هو تقابة غشفروا السرمدية..!!
كان ذاك الصاحب.. صاحب دعوة الناس الى الدواس.. يرى أن أهالي غشفروا..كسالى..لا يجيدون شئ سوى الشجار حول الفرق الرياضية.. و انشطتها العجيبة.. تلك التي تشبه حجوة أم ضبيبنة..! لقد كان أمر تلك الفرق بالجد عجيب و غريب.. و محير للعقل المتأمل.. تجد فريق يخرج ليلاعب أهل الخارج..و يعود مهزوما..و يدخل غشفروا يجرجر ذيول الخيبة الطويلة..و ليس هناك من يجرؤ على السؤال عن أسباب الهزيمة..و بدلا عن ذلك.. يقوم فريق اخر..و يمارس الخروج نفسه..ليمارس طقوس الهزيمة بكل تفاصيلها..و يعود..حتى أصبح الخبثاء يتندرون ..بالقول .. بأن أفراد تلك الفرق الرياضية..يخرجون للفرجة على الدنيا..و تناول الأطعمة الفارهة..و الشراب النادر الوجود في غشفروا..و يغشون مضارب اللهو البهية..و البعض منهم لا يتورع عن المضاربة و المتاجرة.. فيبدو الأمر .. كأنما.. غشفروا ترسل بتجار قطاعي بدلا عن لعيبة كرة قدم مهرة..!
و لكنها هي غشفروا هكذا.. تتقاتل تلك الفرق في ملاعبها..و تتعارك الى حد الدم و سل الأرواح..!
حدثني النور الكاكانيت قائلا: انتصارات الفرق الرياضية داخل غشفروا دون خارجها .. يعود لسبب رئيسي و هو غضب الجماهير الوفيه..ذلك الغضب الكامن في الأعماق لدهور طويلة..!
كنت في سريرتي .. أعلم أن النور الكاكانيت يرمي لما هو أبعد من ذلك.. فحديثنا لن يقتصر على مشاجرة رياضية مطاطية النهايات.. و لكنها شهادة عن غشفروا و أحوالها.. أضف الى ذلك.. أن أهالي غشفروا..لا يجيدون القء الحقائق مباشرة.. بل لابد من مقدمات..و قصص ذات مغزى.. كثيرا ما تعفي المتحدث/الشاهد عن التفاصيل المملة..! تصنعت الغباء.. اذ لابد لي أن أسأل عن مزيد من التفاصيل.. قلت للكاكانيت: و كيف يكون ذلك؟ قال بمرارة: أنت تعرف..و غيرك يعرف.. أن أهالي غشفروا هذى .. يكسنهم الغيظ و الغبين و الحنق على أفعال عباس ذاك..فصاروا كلهم مصابين بعسر الفرح..تجدهم قد ضاقت أرواحهم و نفوسهم..لذلك يسعدون و يغتنمون كل فرصة تسمح لهم بفش غبائنهم الجمة تلك..! و لما كانت كرة القدم..هي المساحة الوحيدة التي توفر لهم مثل تلك السانحة الطيبة.. تجدهم يتراكضون نحو دور الرياضة لحضور مبارياتها العديدة.. فمثل تلك المباريات .. شئ مهم عند أهالي غشفروا.. و هي اهم من الفطور و الغداء و العشاء و الأولاد و الزوج و الحبوبات و القطط و الكلاب..ولا يفوق زحامها الإ زحام الدفارات و المواصلات كافة..
كنت أتأمل النور الكاكنيت بأعين عطشى.. تطلب المزيد من الحكي المر.. و في قرارة نفسي عرفت أننا.. فعلا في غشفروا هذى لا نملك أي من وسائل اللهو المبدع الخلاق..فمثلا.. حتى الرياضة لا نفهم فيها شيئا.. ناهيك عن مبدأ تأصيلها الذي نادي به أحد الصحابة الثوريين و الذي تفتقت عبقريته أن كرة القدم فيه بدعة تتمثل في التنابذ بالألقاب..فالطفل منا.. ينشأ على الدافوري..و في نصب أعينه امنية الإلتحاق بفريق ما.. و مثل هذا النوع .. فهو قليل.. اذ لا يجوز أن كل الأهالي لعيبة كرة قدم..! أشحت عن هذه الخاطرة اللئيمة.. و كنت أتمنى أن يواصل النور الكاكانيت تدفقه المالح هذا..!
قلت للنور الكاكانيت : لم أتمكن من فهم المغزى .. حتى الآن..! قال موضحا: ألأ تلاحظ أن أهالي غشفروا.. في مباريات كرة القدم تلك .. يتجمهرون بأعداد غفيرة عند ساعات المباريات تلك؟.. فهذه الجمهرة.. يا سيدي .. ليست بغرض مشاهدة اللعبة..و الإ وصفونا بالشعب الهايف اللاهي.. و حاشانا من ذلك.. لكن هذه الجمهرة ، انما تكون بغرض فش الغبينة.. و أظنك تعلم أن مدارس علم النفس في ذات نفسها .. تتبع مثل تلك الوسائل في علاج الإنسان الصموت.. فتسمح له بفضاء يمكنه من الصراخ و الشتم و السباب حتى يبدد كتل المشاعر السلبية المتنامية في دواخله.. ! و لأننا في غشفروا هذى .. لا نملك مثل هاتيك العيادات النفسية.. ولآن أعداد الصموتين كبيرة.. فلابد من التوجه نحو كرة القدم تلك..فهي علاج مجاني و ناجع..! مثلا.. هناك مباريات بعينها.. و غالبا ما تأتي حينما يشتد الحزن و الغيظ من فعائل عباس .. يؤمها قوم كثر..و تجد الزعيق و الهتاف يبدأ من الساعة الثانية عشر منتصف النهار ..و يستمر حتى الحادية عشر ليلا..!
قلت متداخلا: هي استحسان لجمال اللعبة..و مهارات اللاعبين الفنانين..! زام النور الكاكنيت .. زومة تحمل في طياتها استياء السنين الطويلة..و قال: و لماذا لا يتجلى هذا الفن في المباريات التي تقام خارج غشفروا؟ قلت مماحكا: ربما هي رهبة الأمكنة.. فلاعبي كرة القدم في غشفروا.. قد تعودوا على الغبار و ثوراته العديدة.. و اذا اعتاد الإنسان على وضع .. كيّف نفسه عليه.. و تجد من الصعوبة.. تبديل مثل ذاك الوضع..! قاطعني النور الكاكانيت .. بجملة باترة و قال: نحن في غشفروا هذى.. لا نطمح في أي كأس من الكاسات..فيكفي ما أخذه عباس ..ووضعه في بيته و شرب فيه..!!!
قلت .. مصححا ، و أنا أغالب ضحكة حبيسة و مرارة غريبة ،: و لكن يا الكاكانيت..كأسات لعبة كرة القدم ليست للشراب..و انما هي معيار للتفوق و القياس الذي تقاس به المنافسات..! قال ، وزال على حال الإستياء العظمى تلك ،: انهم يقولون بذلك..عجبي..! أسمع مني هذه الحكوة و تأملها جيدا..و احكم بعدها على ختلي و قلة عقلي.. قلتُ مقاطعا: حاشاك من ختل العقل يا صديقي..و لك من الرجاحة ما يوزن عقول كثيرة..و لكن.. أرجوك أن تكمل حديثك..و لن أقاطعك مرة اخرى.. و لم يكن هو في حاجة لهذه الحاشية.. اذ كان يعلم جيدا بأني أريد أن اسمع منه ..و ايضا يعلم بأنه يحتاج لمن يسمع لشهادته هذه..
قال النور الكاكانيت .. مواصلا حديثه: لقد جاءت سنة من السنوات الفلتة..سنة نادرة الملامح.. حتى حسبناها قد ضلّتْ طريقها و خرجت من مدارات الزمن الواسعة..و ظللتْ تأريخ غشفروا.. في تلك السنة العجيبة..فازت غشفروا بكأس يتيمة..و جلبوا تلك الكأس..و لم يجدوا لها مكانا أمين لحفظها.. فغشفروا ، لم تمارس الإنتصار يوما ما.. لذلك لم تكن مهيأة لمثل تلك الحالة..! بعد مجابدات و مكابدات عديدة.. اتفق الأهالي على أن تترك تلك الكأس مع أحد مواطني أو مواطنات غشفروا الأوفياء.. و استقر الرأي أن توضع تلك الكأس في مخلاة امرأة عجوز لا تنام قط..و ظلت قائمة عليها بالوفاء و الأمانة و الصدق.. الى أن وافتها المنية ، بعد أن أخذ صاحب الأمانة أمانته..و في ساعة تجهيز جنازتها..أغتنم عباس فرصة انشغال الناس باعداد الجنازة..و قام بسرقة تلك الكأس..! في اليوم التالي .. صاح مناد ينادي فينا و يحدثنا عن كرامة تلك العجوز .. التي ذهبتْ الى ربها و هي تحمل معها تلك الكأس اليتيمة..! و صدق أهالي غشفروا ذلك القول.. ذلك.. لأن تلك المرأة.. كانت فعلا تقية..تحفظ فروضها وواجباتها تجاه الرب..! و بعد سنوات.. هبتْ علينا ثورة أخرى من ذاك الوادي العجيب.. و كان لها أكثر من صاحب.. و اكثر من سيد..فتشابهت الولاءات على عباس.. فقدم ولائه الأول و تأييده الصارخ المنقطع النظير..مصحوبا بالهدايا.. التي من بينها كانت تلك الكأس اليتيمة..! و لما كان الصاحب الأكبر في تلك الثورة.. لا يفقه في لعبة كرة القدم..و لعب العيال الهايفين.. فلم يتسنى له فهم و تقدير قيمة تلك الكأس..! ألتبس الأمر على عباس وقتها.. و في النهاية.. أقنع صاحب الثورة تلك .. بأن تلك الكأس هي هدية أهالي غشفروا لذلك الصاحب.. حتى يتسنى له الشرب فيها..و ليس مهما محتوى أو نوع ذاك الشراب..! و قد كان ذاك الصاحب.. مغرما بالظهور في كافة وسائل الإعلام التي تتيح له الظهور بجلاء..لذلك كان يكاشف أهالي غشفروا في كل مساء من امسيات يوم الخميس..و في أول لقاء تلفزيوني له..ظهرت تلك الكأس على يمينه..!
قلتُ ضاحكا بمرارة و استغراب: و لماذا ليلة الخميس بالذات؟ حدقني النور الكاكانيت .. بنظرة ملؤها الغيظ و التهكم..و قال: ليضمن أن كافة اهالي غشفروا.. في تلك الليلة.. قابعون في منازلهم .. يشاهدونه في التلفزيون..! في بادئ الأمر .. أعلن ذلك الصاحب.. حظر التجول في انحاء غشفروا كافة في مساء الخميس..خاصة بعد منتصف الليل..! قلتُ : لم أفهم بالضبط ما هو قصدك..! قال موضحا: لأن تلك الليلة.. هي التي يحبها أهالي الثورات حبا جما..لأنها ذات مزاج غباري.. يساعد كثيرا في هبوب الثورات و يشعلها..!
نواصل..
كبر
08-06-2007, 12:21 PM
Biraima M Adam
Biraima M Adam
تاريخ التسجيل: 07-04-2005
مجموع المشاركات: 30262
ترقية أعمال الدواس، و توزيع درجاته على المداوسين شديدي البأس ، في غشفروا و ضواحيها:
3.
في الفرق بين الشكلة ساكت و الدواس:
مرتْ لحظة صمت عابرة.. و حفتْ نبض الحكي قليلا.. أغتنمها النور الكاكانيت..ليجدد برم شاربه الطويل..ووجهه امتلأ زرقة و غما..
طافتْ خاطرة في ذهني..لماذا كل أهالي غشفروا.. يسكن الهم قسمات وجوههم الزرقاء(1)؟ أرهقتني مثل تلك الأسئلة الفجة.. التي تشبه ثمار المانجو التي فاتها أوان النضج ... فظلتْ على تلك الحالة من عدم الإكتمال..!
الدروب تحمل خطاوي العائدين في أول المساء..غادر الفرح غشفروا..و لم يعد هناك ما يغري بالتسكع.. أشحتُ عن تلك الخاطرة اللئيمة..و شعرتُ برغبة جارفة.. في الإستماع الى حكاوي النور الكاكانيت..الذي يفهم جيدا في شئون الدواس.. سواءا كان في ميادين كرة القدم.. أو في أرض المعارك الناشبة في اطراف غشفروا..
و يبدو أن ألنور الكاكانيت.. قد كان في نفس نبضة التخاطر تلك.. فأبتدر الحكي بصورة تلقائية.. قال لي: عباس هذا.. يحتاج فقط الى رأس خيط..و يقوم بعد ذلك ، بكل شئ نيابة عن أهالي الثورات هاتيك..!
حينما أتى الى غشفروا ذلك الصاحب المغرم بالدواس..أستغل عباس تلك السانحة..و أصبح يجلّد طبول الدواس..يسخنها في نيران شديدة الحرارة..ثم يعـيّن لها القارعين المهرة..! قلتُ : و ما سبب ذلك الدواس؟ قال النور الكاكانيت ، بعد أن كسى ملامح وجهه الأزرق بتعابير تسبُ جهلي : الزهج..الزهج..الزهج..!
قلتُ :ولكن الدواس بلا غبينة لا يفضي الى شئ..فلابد أن تكون للمداوس غبينة حقيقية..و لابد أن يرشّدها حتى تصل الى مراميها و غاياتها النبيلة..! قال: و ما هو شكل هذه الغبينة؟..هل هي شخصية .. أم جماعية تحملها الجماهير الوفية كافة في غشفروا هذي؟ قلتُ: الغبينة الشخصية..تفضي الى شكلة(2) ساكت..و ليس الى دواس حقيقي له معاني و قيم..! قال مستعجبا: سبحان اللـه..!..أصرت أنت مثل عباس تدعو الى علو قيم الدواس؟.. يا راجل الدواس خراب..و الخراب عمره لا يبني قطية.. دعك من غشفروا بحالها..! قلتُ : غشفروا مبنية..و لكنها تحتاج فقط الى ترتيب..! قال: دعك من هذا الهرف.. نحن أهالي غشفروا هذي..لا نحب البحث في مثل تلك الأشياء..و لا تعجبنا قط .. حكاية الأسئلة اللجوجة و اثارتها.. دعها تمشي.. كما يحلو لها المشي..و سوف تصل..! قلتُ : من هي؟ قال غشفروا..!
ترقية أعمال الدواس، و توزيع درجاته على المداوسين شديدي البأس ، في غشفروا و ضواحيها:
4.
محنـة ضوة بت حمدان و حبيبها الرحيمة الدود:
كان النور الكاكانيت..يود أن يواصل الحكي في المباحث التي حددها سلفا..و قد بد لي جليا..أنه لا يرغب في أي مداخلة أو مقاطعة من شأنها أن تبدد عليه متعة الحكي تلك..و الأهم من كل ذلك..أن مثل تلك المقاطعات قد تفسد عليه فش غبينته و غيظه..! احترمتُ فيه تلك الرغبة..و تمنيت ُ لو أن لي القدرة على أجالس كل اهالي غشفروا.. فردا فردا.. لأمنحهم مثل تلك اللحظات.ز التي تساعدهم كثيرا في فش غبائنهم المتراكمة..! و لكني ..مثلما قلتُ.. بي عطش جموح لأسمع كثيرا من الكاكانيت..فقلتُ متسائلا: و ماذا حدث بعد أن جهز عباس طبول الدواس..؟ قال الكاكانيت ، بعد أن انشرحت أساريره..و تهللتْ : صار يردد في الروادي..و الملمات..و جلسات الضالة..و ملاعب كرة القدم..و القرى و الفرقان.. بأن صاحب الثورة تلك.. جاء ليجعل غشفروا مرفوعةالرأس..و لن ترفع رأسها الإ بعد أن يقوم جميع أهاليها و يذهبون الى الدواس..! لقد غاظ عباس بشدة..أن يكون جمهور الرياضة.. خصوصا لعبة كرة القدم.. أكثر عددا و حماسا..من المداوسين..و أفراد الدواس الشعبي و العسس الشعبي..و الوجع الشعبي أيضا..! فكل من قامر و كسب ثورة ما.. بادر الى اضفاء صفة الشعبية عليها..حتى يقنع نفسه بأنه كائن مقبول..و ليس بجيفة تعافها الناس..و الناس بطبعها تحب امتطاء صهوات النفاق و الخوف و المجاملة..! اوعز عباس الى اهالي تلك الثورة المدواسة..بضرورة استغلال ذاك الجمهور الرياضي العريض في قوات الدواس الإلزامية..! و صحونا ذات صباح..و صاح عباس ، من دغش الرحمن ، ينادي أهالي غشفروا و يدعوهم الى الدواس.. و لما .. كان الأهالي.. لا ناقة لهم ولا جمل في مثل تلك الخزعبلات.. ففضلوا الصمت و تجاهل تلك الدعوة الغامضة..!..ربما كان ذلك بسبب احساهم القوي..بأن هذه واحدة من منافذ التجارة السائبة التي سيكسب عباس من ورائها .. المكاسب الجمة..و لكنهم صهينوا..! و لما صهينوا لمدة طويلة.. لم يعجب ذلك عباس..الذي بدى له أم أمر مثل تلك الحقارات يعنيه هو شخصيا..و ليس موقف من الثورة تلك..و صاحبها..! أوغر الغل صدره..و صار كالكلب المسعور..يطارد الأهالي بغرض تجنيدهم للدواس..و كانت أيام عصيبة..كستْ أهالي غشفروا.. حلة من الغم المرير الفاقع اللون..و صاروا يخافون على اولادهم..فلذات أكبادهم التي تمشي على الأرض حزنا و خوفا..يخرج الولد منهم.. ليحوم و يتجول في أسواق غشفروا ..ولا يعود..تخرج البنت لشراء أغراضها.. ثم تختفي..و بعد أيام تسمع نعيها و استشهادها في صفوف الدواس الأمامية..! صار عباس.. يطوف الأسواق و دور الرياضة..و ملمات المآتم..و نزلاء المستشفيات..و ركاب الدفارات و البصات..
ترقية أعمال الدواس، و توزيع درجاته على المداوسين شديدي البأس ، في غشفروا و ضواحيها:
4(1)
محنـة ضوة بت حمدان و حبيبها الرحيمة الدود:
قاطعت الكاكانيت ضاحكا : خلق الله الدواس للرجال..ولا شأن للعوين فيه..!
قال الكاكانيت ، متجاهلا هذا الإعتراض : اسمع مني جيدا.. تقدم عباس ليخطب ضوة بت حمدان..و كانت جميلة خلقة و اخلاق..و هي عين الفرقان الضواية..ذهبت لتدرس في دار صباح.. لكي تصير حكيمة تداوي المرضى و المهمومين..و لما كانت قد أعطت كلمتها للرحيمة الدود(1) ..و سلمته مفاتيح قلبها ،فلقد ظلتْ وفيه على عهدها المقدس ذاك.. الى أن جاء نجم النحس بعباس في افقها الوضاء..و قلب عليها نعيمها جحيما..و ألبسها حلة غم داكنة و ثقيلة..!
فعندما علم عباس.. بأمرها مع الرحيمة الدود.. قام بخطوات و افعال عديدة.. اولها.. سـقّط حجر الرحيمة الدود..وطفّشه طفشة نهائية بلا عودة.. تحت تحت.. يقال أنه وضعه في كانون من كوانين الثورة..و ذلك حينما أعلن صاحبها أيلول شهر الكوانين..و هو عهد مضى كما تعلم.. و يقول فيق اخر.. أن الرحيمة الدود قد أُرسل الى الدواس..و لم يعد بعد..و لن يعود..! و هنالك فريق ثالث.. يقول .. بأن عباس بنى سجن في باطن الأرض..و رمى فيه الرحيمة الدود..كبقايا الفضلات الزائدة عن الحاجة تلك التي تسد عفونتها طريق التائه..ثم سلم مفتاح ذلك السجن الأرضي الى أحد الأشخاص..فذهب ذلك الشخص المأمون على المفتاح..الى فريق أم زين التمتامة في ضهر الوادي..وادي سيدنا الفكي ابو النو الخمجان..فبادلها المريسة بسلسلة مفاتيح كان من بينها مفتاح ذاك السجن..و انت تعلم جيدا الخرمة..و آفة الفلس في اواخر الشهر..!
و لكن فريق اخر يذهب الى رأي اخر..و يقول بأن ذلك المفتاح .. كان في عهدة شخص كان ذا حظوة لدي عباس..و لكنه ذات مرة أتى ما اغضب عباس..فأرسله الى الدواس..ثم ارسل ، خصيصا ، من يجهز عليه..فأدى هذا المرسال مهمته بحذافيرها..!
و لكن ظني يذهب الى منحى اخر..فلقد قام صاجبٌ ما بثورة قصيرة العمر و الأجل..و تم كبتها قبل أن تخرج رأسها بصورة جيدة.. لأنها كانت مترددة و شديدة التلفت.. أو ربما..قد كان.. أن وشى بها واشي من اولئك الوشاة عديمي الذمة..و اغتنم عباس فرصة كبت الثورة المسكينة تلك..و أوعز لمن قام بدحرها..بضرورة قتل افرادها حتى لا تسول نفوس الأخرين لهم محاولة اقتراف مثل تلك المؤمرات الدسيسة الدنيئة..
و في جلسة أنس بهية .. أشار عباس لصاحب الثورة المنتصرة الباقية.. بأن الرحيمة الدود هو احد افراد تلك الثورة المكبوتة المندحرة..فضاع الرحيمة في الزحمة..! و بعد أن تأكد عباس من اختفاء الرحيمة الدود..اختفاءا محكما و بلا عودة..ذهب قليل الحياء ليخطب ضوة بت حمدان.. حبيبة الرحيمة الدود..! و لما كانت هي نجيضة(2) و نبيهة..فلقد أدركت فعائل عباس بأهالي غشفروا عامة..و بحبيبها الرحيمة الدود خاصة..و عرفت مراميه الخبيثة.. فردت عباس هذا..و هزءته تهزيئا شنيعا..!
غضب عباس من ذلك الرد الحارق..و لكنه كظم غيظه في سره..و ابدى مشاعر الديموقراطية في تقبله لشاكوش ضوة بت حمدان..و اظهر روحا رياضية عالية في تقبل الهزيمة..و عاد الى قواعده..! و في صباح اليوم التالي.. صدر قرار ثوري مفاده ..ضرورة أن تسجل كافة البنات اسمائهن لدي أي شيخ أو عمدة أو رئيس محلية.. ذلك لحاجة غشفروا الماسة بأن تكون بناتها الوفيات جزء من دواسها المقدس..!
قلتُ للكاكانيت ، و أنا اتصنع غباءا باهتا : و ماذا يفعلن في الدواس؟هل معنى ذلك أنهن سيحملن السلاح؟
قال الكاكانيت ساهما : عباس له القدرة البارعة في ابتداع الأدوار و تفصيلها على مختلف المقاسات و التفاصيل..و لا تنسى أنهم يقولون أن جده الأول كان ترزيا ماهرا.. أورثه تلك الخبرة العجيبة.. لم يفت على عباس أمر تلم المهارة.. و فصّل دور هام للبنات.. فكان عليهن تجليد الدلاليك الدواسية..و قرعها حتى تثار حمية المداوسين..! و بعض منهن.. كان عليه قطع السفاريق..و تجهيز العصي من شجر القنا الأخضر..و بعض اخر يقوم بكسوة تلك العصي بجلد البقر الأصلي و توضيبها..! قلتُ مستغربا: و لكن من أين اتى اهالي غشفروا بتلك الجلود الوافرة.. التي من شأنها أن تكفي لهذا الأمر الجلل؟
قال الكاكانيت: في ذاك الحين.. أمر صاحب الثورة تلك.. باٍيعاز من عباس طبعا .. بأن تقطع أذيال الأبقار كافة في غشفروا..و لم يفت عليه أن يطبخ طبخة الحجة و السند.. حتى يضفي على امره شيئا من الشرعية و العلمية.. و في فعل ذلك.. أستند عباس على فتوى بيطرية .. تؤكد عدم فائدة ذنب البقر.. سواء للبقر أم للناس.. فهو جزء زائد عن القيمة .. مثله و مثل الخراج الواجب ازالته..! لذلك.. كان لابد من استغلاله في شئ مفيد.. و لم يجد عباس شئيا مفيدا .. في تلك اللحظة التأريخية.. سوى تجهيز العصي و السفاريق و توضيبها للدواس..! في تلك الأيام.. كل من كانت لها ذيل.. خافت عليه خوفا عظيما..و كانت لي كلبة و كلب انتحرا.. خوفا من أن تؤخذ اذيالهما و تستغل في سل أرواح البشر..!
ضحكتُ بصفاء أدهشني و قلتُ له: و لكنك ذكرت بأن ذلك القرار العجيب.. كان يشمل أذيال البقر فقط..!
قال النور الكاكانيت بحماس: تلك الكلبة ، عليها الرحمة ، كانت تملك بعد النظر و نفاذ البصيرة الثاقبة..و لها حس شفاف في التوقع.. فأقنعت زوجها الكلب.. بأن الدواس في غشفروا سيطول أمده..و سياتي يوم يحمل فيه كل فرد عصى أو سفروق مضبب بجلد الحيوان..و سوف تنعدم أذيال البقر و الحمير و الجمال و الضأن..و بعدها..ستكون الأذيال الوحيدة الصالحة لذلك الأمر.. هي أذيال الكلاب..!..فالموت أولى و أفضل ، يا حبيبي ، من انتظار زمان المهازل ذاك..!!!
نواصل..
كبر
1. الدود : الأســد 2. نجيضة: ذات ذكاء و نباهة و تقدير جيد للأمور
01-22-2007, 04:56 PM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
ترقية أعمال الدواس، و توزيع درجاته على المداوسين شديدي البأس ، في غشفروا و ضواحيها:
4(3)
محنـة ضوة بت حمدان و حبيبها الرحيمة الدود:
اعجبتني كثيرا ملامح صفاء النور الكاكانيت.. و حرصتُ على ألأ افسد عليه مباهج الحكي / العلاج تلك..! و قلتُ : و ما هو الدور الذي كانت تقوم به ضوة بت حمدان تلك؟
قال الكاكانيت مهموما: الزمن بهدلها بهدلة عظيمة.. في بادئ الأمر.. كان دورها يقتصر على قرع طبول الدواس..و بعد ذلك أُمرت بقطع العصي و السفاريق(1).. ثم أمرت أن تترك كل ذلك..و تقوم بدور دباغة الجلود..!
قلتُ مراجعا : و لكن أهالي غشفروا..لا يجـلّدون العصي بالجلد المدبوغ..و انما بالجلد النيء!
زام النور الكاكانيت زومة عظيمة و قال: انت الظاهر عليك راجل انصرافي ساكت..و نحن الآن لسنا في تحديد نوع الجلد النيئ أم الناضج..و لكن الشاهد أن ضوة بت حمدان قد تبهدلت.. هذا يكفي..!
قبلتُ بتلك الحجة.. خاصة بعدما لمستُ الضيق في حديثه.. و قلتُ متسائلا: و لماذا تدرجتْ ضوة في كل تلك الوظائف؟
قال ، بلا تردد : بأمر من عباس..!.. في البدء لم ينقطع عشمه في ضوة بت حمدان..و ذهب اليها ذات مرة .. سرا.. و قال لها.. ان قبلت بي زوجا.. سألقي أمر تجنيد البنات في أعمال الدواس..فهذا أفضل لهن و لنا..! و لكنها رفضتْ بشدة ذلك العرض.. و بناءا على ذلك الرفض.. صارت تحظى بتدرج المشقة..و كانت تزداد مشقة في ادوارها تلك..و اصبحت تتدرج من مشقة الى مشقة..!
قلتُ متسائلا: لقد ذكرت لي.. أنها درست الطب.. فلماذا لم يستفيدوا منها في تطبيب الجرحى و علاجهم؟ قال الكاكانيت ، بأسف و حنق : أصحاب الثورات ، يا صاحبي ، لا يؤمنون بالتخصص العلمي.. فيمكن للطبيب من أهالي غشفروا أن يكون قارعا لطبول الحرب..و يمكن له أن يهتم بأشياء لا علاقة لها البتة بمهنته.. مثلا.. أن يصير عمدة.. أو شيخ ربع.. او رئيس محلية.. أو حتى وكيل أجب..!
نواصل
كبر
هامش 1. السفاريق: مفردها سفروق .. نوع من العصي.
01-23-2007, 04:03 PM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
ترقية أعمال الدواس، و توزيع درجاته على المداوسين شديدي البأس ، في غشفروا و ضواحيها:
(4)4
محنـة ضوة بت حمدان و حبيبها الرحيمة الدود:
ران الصمت برهة..و في خاطري الصورة التي يمكن أن تكون عليها ضوة بت حمدان تلك..! و يبدو أن النور الكاكانيت.. أيضا .. أنتابته أمواج ذكراها العاتية..!
قلتُ له بحنق ظاهر: و لماذا لا يذهب عباس بنفسه الى أرض الدواس؟
ضحك النور الكاكانيت بشهوة عميقة للضحكة الصفو..و قال: حينما جاء ذلك الصاحب المغرم بالدواس .. الى رئاسة حكم غشفروا.. عمد الى جمع كافة مؤيديه البررة.. الذين صدقوا و افوا بعهدهم لنجاح تلك الثورة..و كانت كلمة السر بينهم هي (هيا الى الدواس)..! و لما كان ذلك الصاحب يعلم جيدا بعباس و فعائله التي يدري بها الغاشي و الماشي..فلقد احتار في امره..و كان يعلمون بأن عباس هذا مفيد للغاية و مهم لكل ثورة من ثورات غشفروا..لما له من الدراية بكافة الأجحار و مصادر المأكلة في غشفروا..و فوق ذلك قدرته الماهرة في التحدث الى الجماهير الوفية.. فهو بحق و حقيقة كليم من الدرجة الممتازة..!
و لما كان ذلك الصاحب يدرك في قرارة نفسه الجوانية.. بأنه لا يقل استهبالا عن عباس.. فقال يحدث نفسه.. يجب أن نستفيد من عباس فائدة قصوى..و لكن في نفس الوقت .. يجب ألأ نترك له حبل على قارب..ولابد أن نوجد له يد نعصره عليها كلما حاول ليّ ذيله علينا..!
أكتشف ذلك الصاحب خصلة عجيبة في عباس.. و هي أنه جبان لا يحتمل الهرشات و سيرة الدواس و الموت المجاني.. ففكر الصاحب في امر..و جمع أصحابه و مؤيديه و مريديه البررة.. بمن فيهم عباس.. و قال لهم.. أسلافنا ممن قاموا بالثورات في غشفروا هذي.. كانت لهم معايير في تحديد الولاء و حب الثورة.. أي ثورة كانت.. و لما كنا نحن من غشفروا لحما و دما .. فلابد لنا أن نستفيد من هذا الإرث التأريخي الهام..!
فتسائل المؤيدين :و كيف يكون ذلك يا ريس؟ قال الصاحب الأكبر ، بصوت جهوري أهتزت له أرجاء المكان : من كان منكم محبا لثورتي هذه ..عليه بالدواس في شأنها..فمن وافته المنية منكم .. خلعت عليه لقب شهيدها..و من خدش أو جرح .. فقد فعل ذلك دفاعا عني و عنها..و طالما نحن القدوة.. فلابد لنا أن نبدأ بأنفسنا..!
توجس عباس ، حينها ، خيفة.. و فكر بصورة جادة في أن يصرف النظر عن مسألة ولائه لتلك الثورة العجيبة.. فقال لنفسه.. الناس ديل مجانين ولا شنو؟.. و عاد الى منزله..مهموما مغموما.. و خلا الى نفسه في غرفة مظلمة.. و ذلك ليك يستشير ظلامه في ذلك الأمر الجلل..!
في صباح اليوم التالي.. ذهب عباس الى صاحب الثورة ذاك.. و قال له بأدب و حال تنم عن الخنوع و المذلة الواجبة امام السلاطين و اولى الأمر.. انت عارف يا ريس.. البلد دي فيها طاقة هايلة للدواس.. و لكنها غير مرشدة..و يمكن ترشيدها و الإستفادة منها.. أما أهل الثورة في ذات أنفسهم.. فهم الدرر الغوالي التي يجب الحفاظ عليها.. حتى يقوموا بدورهم الثوري و التأريخي.. فهم يا سعادتك.. هبة من اللـه وهبها لأهالي غشفروا.. جزاءا لصبرهم و انتظارهم الذي طال توقعا لقدوم سعادتكم المشرف..!
طرب ذاك الصاحب لهذا الإطراء المنمق و المزوق بمهارة فريدة.. فكما تعلم ، و يعلم الكافة ..أن أصحاب الثورات هؤلاء.. قلوبهم خفيفة ..سريعة الطرب لكل تصفيق أو تقريظ..! و قال ذاك الصاحب لنفسه ، بكل غرور و عجرفة.. لقد توقعت بأن نهدد عباس..و لكن حقا .. العصر بجيب الزيت..!..هذا شئ جميل..و الحمد لله الذي سخر لنا عصاة نرفعها في وجه عباس.. كلما حرك ذيله تماطلا..! ثم قال لعباس .. بلهجة العارف بألأمور .. أنا أعرف ذلك جيدا..و الثورة لها خطة محكمة في استغلال كافة الإمكانيات.. و صمت.. علم عباس في ذلك الحين.. أن مثل هذا الصمت التأئه.. يعني شيئا واحدا فقط..و هو أن ذاك الصاحب الثوري لا يملك تصور واضح للأمور.. , ان الدرب قد راح منه في ألـّمي(1)..! فقال عباس بأدب جم.. انت تعلم ، سعادتك ، أن اهالي غشفروا يحبون الدواس..و الشاهد على ذلك الطاقات المهدرة في زحام الدفارات..و تشجيع المباريات..و الزعيق العالي..و حب الصراع بكافة أشكاله.. من مغالطة كمسارية الحافلات.. الى غاية مرحلة الإنقلابات..!
و منذ ذلك الحين.. خرجتْ الدعوة الى تجييش الناس في غشفروا..و ارسالهم في قوافل الدواس و ارتاله اللانهائية العدد.. و ذلك لأمور ثلاثة.. ألأول.. أن يكون هناك ما يشغلهم عن التفكير في القيام بالثورات..و الثاني أن يقطع رأس خيط كل من تسـوّل له نفسه الطعن في الثورة و أصحابها..و الثالث.. حتى يخرب بيت أحد الأصحاب الثوريين.. الذي ذهب يبشر بالثورة في دار فرنسا..و حلف بالطلاق أمام جمهرة من الصحفيين و المراسلين.. بأنه قد انتهت لعبة القط و الفأر في تأريخ غشفروا..و لن تعود وهمة الديمقراطية الى ابد الآبدين.. لأنهم سيجعلون كل مواطني غشفروا عساكر في ارتال الدواس الشعبي..(2)!
و ظل الأمر على ذاك الحال.. فكلما شعر صاحب الثورة .. بان عباس بدأ في غزل الأحابيل و المكائد السرية.. قال له.. عباس اخانا.. عليك بالدواس.. ان كنت تحبنا حقا و تحب ثورتنا الظافرة هذه..!
بعد التكرار المستمر لهذه الفكرة المدهشة.. فكرة أن يداوس عباس دفاعا عن ثورة ذاك الصاحب الأهوج.. راقت الفكرة لعباس.. راقت الفكرة لعباس في ذات نفسه..!و صار يحلم بها في غفوة.. في كل نومة.. في كل صحوة .. في كل خطوة..! أحزنه الأمر..خاصة و أن ناس الثورة تلك كلهم يتحدثون عن المداوسين..و شهداء الثورة الظافرة تلك.. باٍحسان و احترام ما بعده احترام..و ان البعض منهم ، خصوصا من اضنته المذاكرة و قلبت حياته جحيم .. يتزاوغ من امتحاناته بالدواس..و يختفي ايام.. ثم يعود..و قد حظي بوضعية خاصية.. و درجات تضاف لدرجاته من باب مباصرة النجاح و نيل الدرجات العلمية..و ادهي من ذلك .. أن بعضهم كان مشروع تخرجه الذهاب الى الدواس..! تأمل عباس كل ذلك ..و قال في نفسه.. الناس ديل قربوا يعنعون بجدوى الموت في سبيل ثورتهم المجنونة هذى..و لكن هيهيات..! ظل عباس هكذا..و في دواخله شوق عارم للحديث عن الدواس و فضائله العديدة.. و لكنه للأسف الشديد.. قد كان يجهل جغرافية مناطق الدواس.. جهلا فظيعا.. ذلك.. لأن الدواس في غشفروا .. دوما ما يكون في الأصقاع البعيدة.. حفاظا على ألأرواح و سلامة ممتلكات الثورات..! و لكن آفة غشفروا الأساسية.. أن الدواس مثله و مثل لهيب النار البرية المتوحشة.. تلك التي تسري في الغابات بجنون و سرعة.. حتى تصل و تعم الأطراف كافة..!
و حينما انتقل الدواس الى مناطق قريبة من قلب غشفروا و مركزها النابض بالهم و الحزن.. فلقد فرح عباس فرحا عظيما.. لأنه كان يعرف بعض من ملامح ذاك المكان المحترق.. و اخذ ينسج القصص و الحكايات الملفقة عن دواسه الشريف المقدس.. و كلما خاطب الجماهير الوفيه .. و ذلك في غياب صاحب الثورة الأكبر و مشاغله الجسيمة .. كلما اغتنم مثل تلك السوانح..و حدث الناس عن كونه مداوس وفيا لا يشق له غبار..! و مثل تلك الأحاديث .. كثيرا ما حفظتها الناس و تداولتها فيما بينها.. من باب التسلية و التهكم.. خاصة حليمة قمر.. المن دار مصر جوار النيل..! فقالت تحكي .. أن عباس ذات مرة.. كان يقود سيارته داخل أحد الأحياء الشعبية في أطراف مدينة أم أحزان..فدخل منزل عن طريق الخطأ.. و لما كانت الدنيا ليل.. فلقد ظنه اهل الدار لصا.. و ابروحوه ضربا قاسيا موجعا..و اوسعوه شتما و سباب لاذع.. فحاول الهروب.. و لكن هيهات..قفز فوق حائط..و انكسرت رجله اليمنى في الساق..! كانت الدنيا ظلام اخر شهر.. و لم يتمكن الأهالي من التعرف هو هويته تماما..و هذا أسعده ايما سعادة..! و بعد أن هدأت ثورتهم و اكتشفوا فيه.. أنه انسان ضل سبيله.. بادروا بالإعتذار.. و لكنه قال لهم.. أنه لا يريد تدخل البوليس..ولا بلاغات.. لأن ما حدث له هو قضاءا و قدرا .. يصيب أي انسان كان..و هو مؤمن بذلك و يقدره جيدا.. و عفى عنهم و عن حقه في رد الإعتبار و المطالبة بأي نوع من انواع التعويضات..مادية كانت أم معنوية..! و لكنه.. طلب منهم أن يحملوه الى منزله مباشرة.. و بلاش مستشفيات ..و أرانيك جنائية..و ما لف لفيفها من تعقيدات دون طائل.. و لما كان الأهالي .. يتميزون بالطيبة و المروءة.. فقد حملوه الى منزله..! و بعد أن خرجوا منه.. دعا اليه خاله..و امره ان يذهب الى بصير ليأتي و يعالجه..و ذهب ذلك الخال الى البصير و لم يجده.. فدعي بدلا عن ذلك.. أحد أصدقاء عباس من الأطباء عديمي الذمة.. الذي قام بواجبه دون أن يسأل عن سبب الحاصل.. أو حتى مطالبة عباس بضرورة احضار اورنيك جنائي..! مكث عباس في منزله برهة من الزمان.. و لما طال غيابه.. و اختفائه غير المعلن ذاك.. جلس ذات لحظة في غرفته..و أخذ يكتب خطاب طويل و عريض.. يحكي فيه عن مآثر الدواس و أفضاله..و قداسة الحرب الدائرة في اطراف غشفروا البعيدة.. و ذرف الدمع الهتون في ذيل ذاك الخطاب..متحسرا على أنه ذهب يبغي الشهادة في سبيل غشفروا و ثورتها الظافرة أبدا..و لكنه ..و يا للحسرة.. قد منّ اللـه عليه بربع الشهادة..!! و اعتذر .. في خطابه.. للإخوة في المحلية..و اللجان الشعبية..الرئيسية منها و الفرعية..بأنه تغيب عن أداء مهامه في المحلية..لأن منادي الدواس و الوطن.. كان صوته أعلا من صوت واجبات المحلية..!!
و حينما خرج عباس عن غيابه غير المقصود ذلك.. احتفلت به غشفروا احتفال أيما احتفال..و حظي بلقب الأمير المداوس.. ليزداد عدد ألقابه الرسمية .. لقبا جديدا هاما..!!
نواصل
كبر
هامش:
1. ألمي: الماء..يقولون الدرب راح ليهو في ألمي.. أي اصابته حيرة عظيمة.. 2. في سنة 1990 .. كان احد أعضاء مجلس ثورة الإنقاذ في زيارة الى فرنسا..و سألته مذيعة من راديو مونت كارلو عن وضع السودان.. فيما يتخص بالديموقراطيات الضعيفة.. التي تعقبها حكومات عسكرية.. فأجاب بأنهم ، أي أهل الإنقاذ ، جاؤا الى انهاء لعبة القط و الفأر تلك..و ذلك بتجييش كل الشعب السوداني..و حينماتساءلت المذيعة عن امكانية تمدين (مدنية) الجيش السوداني .. تضايق ذلك العضو..و قطعت المقابلة مباشرة..
01-24-2007, 04:00 AM
عبدالرحمن عزّاز
عبدالرحمن عزّاز
تاريخ التسجيل: 10-31-2005
مجموع المشاركات: 2521
الأديب كبر يا صديقي، لعل وراء الغياب استراحة من هذا الجمال و إنها لعمري مفارقة أن يستريح مبدع من اجتراح الجمال. لكننا نعلم أن مثل هذا الاجتراح يكون خصما على الروح و الطمأنينة. إنه قلق المبدعين و مخاض الفن الحر الأصيل.
إلى أن تعود حتى تتواصل أنفاس الابداع يجدر بهذا العمل أن يظل عاليا للعيون المستبصرة.
مودتي حد الأبد
02-10-2007, 09:01 PM
عبدالرحمن عزّاز
عبدالرحمن عزّاز
تاريخ التسجيل: 10-31-2005
مجموع المشاركات: 2521
شكرا لكل الأصدقاء و الصديقات..الذي هاتفوا أو راسلوا .. متسائلين عن هذه الحكاوي.. و حرصكم/ن على متابعتها هو زاد لي و لها.. و سوف اواصل ما تبقى من فصولها في الأيام القادمات..
و كل سنة و انتم بخير
كبر
02-24-2007, 08:27 PM
عبدالرحمن عزّاز
عبدالرحمن عزّاز
تاريخ التسجيل: 10-31-2005
مجموع المشاركات: 2521
زهجتْ غشفروا ذات ثورة من ثوراتها العديدة.. و صابها زلزال جعلها تتململ غبنا و غيظا ..و حسرة و مغصة.. أرتجفتْ أوصالها.. و اهتزت بعنف كاد أن يساقط بيوتها فوق رؤوس جماهيرها الوفيه.. النيل.. تلجلتْ أمواجه و اندلقت نحو الشوارع.. تطارد الناس .. كما تفعل قوات السواري و العسس الليلي ، تلك التي تمارس الطواف الليلي.. و تفتش قلوب الناس و سرائرهم بغرض التأكد من الولاء الثوري.. الواجب طاعة .. على المكلفين من أهالي غشفروا..!! و رغما عن كل ذلك ، أي طبيعية ذاك الزلزال ، خرج عباس يخطب في أهاليها.. بأنها – أي غشفروا – قد رقصتْ طربا حينما دقت طبول تلك الثورة الظافرة..!!
ترنحت خطاي من التعب.. و الغيظ و الغبينة..أحسست بأن مصراني الكبير كاد أن ينفقع.. المرارة سدت منافذ الحلق كافة.. أرهقتني الأسئلة الملحة..كيف تبدو الأشياء واضحة الى حد الفضيحة..و مستورة في نفس الوقت.. أحيانا تبدو واضحة كالحزن..و احيانا تتخفى خلف الملامح و قسمات الوجوه.. تلك التي تستطيع التلون و اٍجادة تعددية الأقنعة .. بقدرة تفوق التصور و الخيال الشاطح..!
كان اليأس يدب رويدا رويدا في أوصالي..خصوصا بعد أن وافت المنية الضاحك الجميل مسار ولد الدحل.. بعد الحكاية السابقة مباشرة.. فلقد كان يحكي و يحكي بمرارة.. جعلت شرايين الدم في دورة دمائه تتفجر بغتة.. لتعلن عجزها عن استيعاب انفعال الحكي ذاك..الشئ الذي جعله مصاب بجلطة دموية من اثر ذاك الحكي المغييت..! لم يفت على عباس ذلك الأمر..فقد بدأ يشعر بما كنت أجمعه عنه و عن سيرة حياته..فلم يعجبه ذلك..لسبب بسيط ، لأنه لم يكن يدري بالضبط عن حقيقة ما أكتبه في سيرته ، هل هو تمجيد أم تنقيب عن بعض النقائص التي لا يسره ذكرها أو حتى معرفتها.. أم ربما هي صفارة تنبيه لأهالي غشفروا كافة .. فاٍن كان الأمر كذلك..فسوف تكون المسألة بالجد خطيرة.. خطورتها تكمن في التهديد الصارخ ضد وجوده و كينونته ، قبل أن تكون ضربا لمصالحه..!
علمت من بعض الصحاب .. ما صار يتحدث به عباس في مجالسه الخاصة..فأخذ يردد كالبوق الناشز..بأن هناك ظواهر بدت تظهر في مجتمع غشفروا و تسعى الى طمس رؤية التوحد و صدق الولاء الثوري في ذهنية أهالي غشفروا..ووصف تلك الظواهر بأنها مناورة رخيصة لغسيل أدمغة الجماهير الوفية في غشفروا..و كان يقصدني بذلك.. و لقدرته البارعة في المقاومة و تصفية الآخر ، من أي نوع كان ، فلقد سعى عباس بين الناس لتوريطي مباشرة .. كسبب في وفاة مسار ولد الدحل ، الضاحك الجميل ، اذ خرجت بعض الصحف الوطنية المأجورة في اليوم التالي .. تهاجمني ضمنا .. و صراحة ، بأنني سعيت بصورة حثيثة لإغتيال مسار ولد الدحل ، لاحظ اغتيال مرة واحدة..!!
أصبحت مجالس الأنس في غشفروا .. خاصة ناحية مدينة أم أحزان .. تتحدث عن باشر الراوي .. الذي صار يغتال الناس بقنابل الكلام الموقوته و جرجرتهم للحكي القاتل..!! تجاهلت كل ذلك..و بدأت أحس بأنني في دائرة قلق مرعب ..و أنني أسابق الزمن ..خاصة و أن عبقرية عباس صارت تتفتق عن مخالبها الوحشة الضارية ..تلك التي لها القدرة على اثارة الذعر و الرعب في نفس أي من كان..! بعض الناس صار يختفي تلقائيا..و البعض منهم يرسل في جحافل الدواس في الأصقاع البعيدة ولا ينتظر أن يعود..ربما بسبب خطورة الدور الذي يمكنهم أن يلعبوه في شهاداتهم لي حول وقائع حياة عباس .. و ربما كان بهم رغبة شديدة في أن يقولوا افادات خطيرة عن عباس..فلم يفت مثل ذلك الأمر على عبقرية عباس الإستراتيجية.. فأخذ يطاردهم و يجهز عليهم بوسيلة أو بأخرى.. أختفى حماد ..و محمد هاشم ..و ابراهيم الشيوعي..و سعاد الباهي..و نوال عثمان الشهيرة بنوال الموج..و عدد غفير من أولئك الذين يحملون اسم صابر..!!
الخوف يتمشى في الدروب مثلنا تماما.. حتى صرخ فينا المغني بصوت نقي يحدثنا عن ضرورة الغناء في زمن الخوف هذا (1)..!
نواصل..
كبر
هامش: 1. اشارة لديوان "الغناء زمن الخوف" للأستاذ فضيلي جماع..و هو مسمى على قصيدة بنفس الأسم و صادر في منتصف الثمانينات..
03-02-2007, 01:03 AM
عبدالرحمن عزّاز
عبدالرحمن عزّاز
تاريخ التسجيل: 10-31-2005
مجموع المشاركات: 2521
ذات مرة كنت أتجول في بعض الحواري الخلفية ..تلك البعيدة عن مراكز الضوء و الصخب الجنوني الذي يعلو ليمحو ملامح كل صوت يحاول القول الشفيف.. دعك من الشهادة ضد هذا الزمان المختل التواقيع..
ذهبت الى تلك الحواري لأن حب الهامش ، هامش المدائن في غشفروا.. مدار عشق خالص علمتني اياه الزهيرة بنت الجبوري و النور الكاكانيت.. طالت جولتي تلك..و المشي يبدد طاقة الهم المختزنة في دواخلي و يحولها الى حبات عرق نضاحة..
البيوت الصغيرة كانت تغلق أبوابها على أحزانها و أسرارها الصغيرة..لقد صدقت السلطة الوطنية في غشفروا..دعوة الولايات الأمريكية.. في ضرورة اشاعة حقوق الأحزان ..و التطبيل لمبادئها و تفاصيلها..فأصبحت من أهم الحقوق التي يتمتع بها أهالي غشفروا قاطبة.. الدرب الصغير يحمل خطاوي الناس المتعبة..و معاناتهم السرمدية ..و همومهم و كل تعاريجها العصية..!
العيون المكدودة تشيح عني ..و تتهرب من مواجهتي..!
الأطفال يكفون عن اللعب و الصراخ البرئ بمجرد أن يشعروا بقدومي..أصبحت كالحيوان الأجرب الذي تعافه كافة الخلائق..!
وقفت أمام طفل صغير..في العاشرة من عمره.. عيونه تتحداني و تعبر عن رغبة قوية في الإفصاح.. قلت: اسمك منو يا شاطر؟ قال بجدية أرعبتني : محمود.. قلت: بتعرف محمود الصالح ولد عجبان؟ ضحك الطفل بصفاء أزعجني و قال: ده واحد اتلحس زمان يا فردة..! قلت: انت بتقرا في سنة كم؟ قال: سنة تالتة حزن..!
انتفضت خلايا القشعريرة في كافة نواحي جسدي..و ظلت رجفة خفيفة أخذت تتمدد في مسارب الحس في دواخلي ..بلعت الريق الجاف و مارست الصمت.. قال الطفل بغتة : ما قالوا بقيت شغال مع ناس امون سليمان..! شعرت بخوف و رعب حقيقي..و بدات أوصالي تمارس الإرتعاد غصبا عني..و تهتز بصورة بائنة بينونة كبرى..كدت أن أسال الطفل محمود عن حسن الأصلي..و لكني أمتلأت بالخوف بحق و حقيقة..! و بدلا عن ذلك .. قلت متسائلا: ناس أمونة سليمان ديل منو؟ جرى الطفل و هو يضحك .. و يقول لي من خلال الركض: انت قايلني دقوس ولا شنو يا فردة؟ .. نحن ناس تفتيحة..!
في قمة تلك الورطة.. أطل تعبان أيوب.. سليل الصالح الفكي موسى التعبان.. كان يحمل قنينة .. يجتهد بشدة على حمياتها من عيون الناس و الهوام و آفات الطواف الليلي القناصة..! جذبني تعبان نحو زقاق غميس..و كان معروق.. حتى سيجارته البحاري التي كانت في يده..هي الأخرى ابتلت بالعرق ..ولا أدري منه أم منها..! مشينا خطاوت صامتة.. صمتها يهد الجبال..و دخلنا على منزل مهترئ.. خاصمت حوائطه الزبالة لسنين عددا..و بدأت تتشرم بعناد..كانها ادانة صامتة لدهور الفقر و السكوت و الصبر على مغبات الزمن الزنيم.. في اخر الحوش .. قبعنا داخل حجرة يسكنها طنين الذباب.. افترشنا الأرض على برش ممزق..و اعتذر تعبان قائلا: معليش يا استاذ السرائر كلها بعناها في الدلالة..! قلت ساهما: عليك ديون ولا شنو؟ تمتم تعبان بغبن دفين: ديون و بس ..دي لحقت لقمة العيش يا ابوي..!
نواصل..
كبر
03-04-2007, 06:05 PM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
صمتنا.. اللحظة تنسجها الأنفاس و الخواطر و الهواجس التي غيمت سموات الرؤى و الخيال.. ابتدرني تعبان قائلا: انا ما عارف..لكني حاسي اني مفارق خلاص..الأيام قرّبت..! قلت: سمعت عن مسار ولد الدحل؟ بالرغم من حزن تلك اللحظة الماطر.. ضحك تعبان و قال: مسكين.. كان يظن بالضحك وحده يحيا الإنسان..! قلت: لقد حكي لي عن بعض من سيرة الأحزان و فعائل عباس.. قال عتبان مهموما: عباس ده .. ح يجيب أجلك و اجلي و اجل الكافة..! قلت: هل قرأت ما كتبوه عني في الجرائد اليومية؟ قال: أنا بطلت أقراها من زمن.. الكذب ديدنها..و الخوف و التملق..و فوق ذلك سعرها الخرافي..لكن حكت لي عفاف عجوبا.. عن كل ذلك.. قلت هاذئا: و عجوبا ده اسم راجل ولا مرا؟ قال: لا هذه ولا ذاك.. اسمها عفاف قمر الدين..و لكنها كانت تسعي بالخراب و الفتن و القولات بين الناس.. لذلك سموها عجوبا .. تيمنا بتلك التي خربت سوبا..! قلت : و ماذا قالت عني؟ قال: قالت ما تقول به طبول عباس أبواقه..بأنك سممت مسار ولد الدحل.. حينما اختلف عنك في الرأي..! قلت: و أي رأي ذاك الذي اختلفت فيه مع مسار و لد الدحل .. رحمه الله؟ قال: أوعز عباس لذوي الألسنة الناعمة.. تلك التي تجيد لحس بوت العسكر و نشر غسيل النميمة المتعفنة.. بأن مسار عليه الرحمه.. كان ناقد فذا.. فمارس حقه في نقد أحدى رواياتك.. فلم يعجبك ذلك النقد.. فسعيت الى تقصير أجله..!
نواصل
كبر
03-04-2007, 06:09 PM
Kabar
Kabar
تاريخ التسجيل: 11-26-2002
مجموع المشاركات: 18547
ملأ الإستغراب قسمات وجهي المهموم.. و كنت ازداد غرقا في الإحساس بأني فعلا صرت أسابق الزمن..فالشهود صاروا يتساقطون تباعا في بئر الغياب.. و الإختفاء القسري..و التصفيات الجسدية المقصودة و غير المقصودة.. زد على كل ذلك.. خطة عباس المحكمة.. و التي ترمي الى حصاري في مربع ضيق.. لأنتهي عنده بالدفاع عن نفسي و السعي الى نفي و تفنيد الإشاعات المضروبة حولي..و حول شهودي..!
قلت لتعبان:عندك علم باٍختفاء حماد.. محمد هاشم.. ابراهيم..سعاد..و نوال الموج؟ قال تعبان بضيق و تبرم: دعك من قصة الإختفاءات تلك.. و لكن خلينا في الأهم..! قلت: مثل ماذا؟.. يعني هل هناك ما هو أهم من مسألة الإختفاءات تلك؟ قال تعبان مطرقا: الشمس تختفي و تعود..القمر يختفي و يعود.. النجوم تختفي و تعود.. ثم ركنا الى الصمت.. بعده.. هب تعبان..و كنت أسمع صرير مفاصله.. و اتجه نحو الركن الشرقي من الغرفة.. و عاد يحمل زجاجة العرق..اخذ منها جرعة كبيرة.. و ناولنا لها قائلا.. بوّذ..!
كانت الشمس قد غابت تماما.. الجو حار خانق.. الغبار يستعد في الأفق الشرقي.. يرجو لحظة التمدد فوق جسد غشفروا.. فهي بلدة تعشق مضاجعة الغبار بشبق حار و لهفة جنونية فالتة..!
وضعت الزجاجة بيني و بين تعبان.. و صمت كي أمنحه هدوء المدخل.. أخذ تعبان جرعة أخرى.. و بدأت أساريره تنفرج قليلا.. و صرخ يسألني : بتعرف سوق الإخوان؟ و قبل أن اجيب على هذا السؤال المباغت.. أنفجر تعبان بالقول.. الذي يسب تلكؤي..و قال: فس دهر من دهور غشفروا القشيبة.. كثر الباعة المتجولين..و مستلمي المال المسروق.. و تجار القمامة القادمة من وراء البحار ، تجاه الخليج.. و كان عباس حينها يمارس التجارة.. و لما كان يخشى على رأسماله من الضرائب و الأتاوات التي تفرضها الحكومة بغرض و بلا غرض.. خصوصا حينما يفلس أحد ولاة الأمر..فيسعي لتقنين درب من دروب الضرائب الباهظة..فأبتدع عباس تلك السوق العجيبة.. لكي يمارس فيه نشاطه.. بعيدا عن سلطات الضرائب و عيون الحكومة الجاحظة خوفا من المظاهرات يوم كان بعض الأهالي مفتون بتلك الأشياء..!! كان عباس.. يستعين في تنظيم ذاك السوق الهلامي بأفراد شرطة مزيفين.. بل بلغ به الأمر أن ينشئ خيمة سماها محكمة القضايا المستعجلة..كأنما العدالة لفيفة لجوجة..الشئ الذي جعل السلطات المحلية في غاية التصديق و الإيمان بأنها فعلا محكمة رسمية..! فكما تعلم.. فاٍن غشفروا هذه كثيرا ما تصاب بدوار الإختصاص..و تتشابه عليها الإختصاصات.. امن البلد..أمن الثورة.. امن الولاية.. أمن الإقتصاد.. امن الثقافة.. أمن الغذاء..و أمن زوجة الخليفة عليه السلام..!
و لكن كل هذه لا يهمنا كثيرا..
لقد أمتد ذلك السوق.. و اصبحت له فروع في كافة نواحي غشفروا.. تمدد كعروق تبلدية ضخمة تسقي العطاشى في الروابي البعيدة و الوهاد النجاد.. كانت ساحات تلك السوق.. تعج بنشاطات جمة.. كالتسوق و التبضع.. حتى في بضاعة الكلام الخارم بارم..فلقد كانت تقام في ساحاته الواسعة الوافرة..ندوات الدعوة المنظمة.. الدعوة الشاملة.. الدعوة الخاملة.. و التي تسمح لجميع الفئات بحق الكلام المنضبط..و اصبح سوق الأخوان أشبه بالهايد بارك.. يتحدث فيه كل من يغوى الكلام..و يسوم الحبة السوداء..و قد تستغرب في صباح حزين.. تذيع فيه اذاعة الببي سي نبأ فرض العقوبات الصارمة على غشفروا..و يتجاهل هواة الكلام مثل ذلك الأمر الجلل..و يطفقون يتحدثون عن رأي الشرع في حكم ناكح البهيمة الميتة..!
الإ أن مصلحة و ضرورة حفظ التوازن الكلامي بين فئات المتكلمين السائبة تلك.. حدت بعباس أن يفكر في تنظيم تلك الحوارات ، التي يرى أهميتها و قدرتها على احداث مشغولية للجماهير الوفية ، حتى لا يدخل في حيص بيص..! فلقد أهتدى لأن يكون قطبي مثل تلك الندوات.. جماعة الطرق الصوفية في مواجهة أنصار السنة المحمدية..جنبا الى جنب من بائعي الغرائب من جنس الحبة السوداء ، تلك الدواء لكل داء ، و الفياغرا..و عروق المحبة.. و ما شاكلها من آفات قارضة .. لها القدرة البارعة في قد جيوب العباد المستهلكين المساكين..
في تلك الناحية.. لم يكتفي عباس بذلك التنظيم.. بل جادت قريحته الإستثمارية المليئة بتلافيف الأفكار.. تلك التي تتفتق كل واحدة منها مدخل للأخريات.. فلقد اهتدى حضرته الى بيع ماء الوضوء لجماهير تلك الندوات.. حرصا على تطبيق ندأء اهل الثورة في ضرورة أن يهتم أهل غشفروا بأداء صلواتهم و المحافظة عليها.. حتى لو كان في الأسواق ..و المركبات العامة.. و العابرين الذين أدركتهم اوقات الصلاة في سوق الأخوان.. في البدء كانت الفكرة وجيهة.. أعني توفير ساحات الكلام للناس.. فأنت تعلم أن جماهير غشفروا هذى ينقصها مثل تلك الساحات..و لأن عباس حريف..و مهندس بارع في اللف و الدوران.. فلقد حرص على أن يجنب ساحات سوقه تلك الحديث في شيئين .. السياسة و الكورة.. لأن مثل تلك المواضيع كثيرا ما تفضي الى معارك تثير البلبلة و حفيظة أهل السلطان..!
انتشرت البضائع.. حلالها و حرامها ..و تحت تحت.. كان عباس يستأجر القتلة المحترفين.. تلك التي تتولى مهمة الإجهاز على كل غير مرغوب فيه.. و دوما ما تكثر مثل الأحداث..و دوما ما يقيد الحادث ضد مجهول..ناهيك عن بيع البودرة..و الملفوفة الملبوكة بعسل النحل..و منتجات العرق..و السجائر الفاخر المهرب..! لقد كان سوق الأخوان ذاك.. فعلا سوق اخوان بحق و حقيقة.. حتى صارت بلاغات السرقة تدوين توجيه مفاده..ضرورة البحث عن المسروقات في تلك السوق..ناهيك عن سلعة نادرة أسمها رؤساء الدول..حيث يتم توفير رؤساء لبعض الدول المجاورة..و لقد اشترت احدى الدول الغربانية رئيسها الحالي من سوق الأخوان تلك.. خاصة فرعه المقام في ناحية مدينة أم أحزان..!
و نواصل
كبر
03-04-2007, 06:26 PM
معاذ الدخري
معاذ الدخري
تاريخ التسجيل: 12-28-2005
مجموع المشاركات: 299
5. كان تعبان يهذى بصورة مرعبة.. حتى ظننت أن ما يقوله هو شئ من باب السكر..و الغيبوبة اللعينة..! قلت أقاطعه : أن يكون عباس تاجر .. فهذه فلاحة متاحة لكافة الأهالي.. و لكن ما أبحث عنه .. هو علاقة عباس بالثورات في غشفروا.. زام تعبان باٍستياء و قال لي: صبرا يا اخي.. مالي أراك قد عيل صبرك و كاد أن ينفد.. قلت: بلا سفسطة معاك.. قال: دينك يا باشا.. انت عاوز تمنعني الشهادة؟ قلت: أنا انسان ديموقراطي جدا.. و لكني لا أريد شهادة تحمل في طياتها شبهة الضغينة.. فالتجارة فلاحة مثلما قلت لك..! قال: و لكنها ستصبح خطرا .. لو عملت أيدولجيتها لتأسيس فقه الثورات الإقتصادي..! قلت: ما فاهم قصدك شنو بالضبط؟ كرع تعبان ما تبقى في قاع الزجاجة من عرق العيش الردئ.. و مسح فمه بكمه متمتما : اللهم أدمها نعمة..ثم قال يخاطبني: ما في شجرة ما عندها جذور.. عباس شجرة..و جذورها ما كان في ماضيه.. من سوق الإخوان بدأ زحفه.. نحو صهوات المكاسب..و ضهور الثورات الوهيطة..! عليك أن تأخذ بالأحاديث جملة..و بعدها مارس فيها ما شئت من السنسرة..أو قل بقدر مايمليه عليك الخوف و الجبن.. سوق الأخوان لم يكن فقط بيع و شراء.. و انما كان أشياء و اشياء يا هذا..! قلت بضيق و نكد: لذلك أريد ن أعرف أشياء أخرى غير البيع و الشراء.. قال تعبان: في حوافي تلك الأسواق.. أسواق الأخوان.. دوما ما ينصب عباس مكاتبه التي يدعي فيها ممارسة المحاماة.. قاطعته قائلا: كل شئ ولا ناس القانون ديل يا اخي.. تجاهل تعبان هذه الإفادة..وواصل انفجاره.. يمارس النصب في النهارات القائظة..و صدر المسااءات .. حيث تسكن عيون المارة و الهوام و ممارس الفضول..فتصفو الأجواء للمؤامرات.. يبيع أرضي بأوراق مزورة.. يبيع سيارات مسروقة.. يضارب في العملة الصعبة..حيث يذهب اليه كل من اكتنز مالا من أهل الثورات.. أو جاء بعملة مهربة..و يتولى عباس مهمة التسليك و التوزيع..و ينشئ عيادات طبية للإجهاض..!
أحسست تماما.. بأن عتبان هذا قد صار سكرانا.... و فاقدا لأهليته المعتبرة شرعا و قانونا..و بالتالي أصبح لا يدري ماهية أقواله و أفعاله..
قلت له: نحن لسنا في مقام اتهام الناس بالباطل...
تجاهلني تماما.. و قال: من تلك الأسواق .. بنى الملعون فيلاته و منتجعاته..و اسطوا سياراته.. اتفق مع عدة أطباء ..ولا أدري من أين اتي بهم..و فتح العيادات الخاصة ..و فروعها.. تبني للصاحب الثوري الذي دعى الناس لخصصة الأشياء و التعاملات..بلا رقيب أو حسيب.. و كانت عياداته تلك تؤمها بنات الذوات..و الخاصة..و خاصة الخاصة.. و طالبات الجامعات و الأقاصي..اولئك اللائي أغرت بهن لحظات الشبق و اللذة العابرة..لم يكن الإجهاض مباحا بحكم القانون في غشفروا هذى.. و لكنه مباحا و منتشر بحكم التعامل..و تلك واحدة من تخريجات عباس.. بدأت قصته في ذاك النشاط..بعد أن قام بتمثيل احدى الفتيات في المحكمة في دعوى اقيمت ضدها من ..و بعدها صار يستغلها و يستغل غيرها.. قال لها.. حرام أن تحد المحاكم مثل هذا الجمال..ولابد من ايجاد مخرج.. فأبتدع تلك العيادات التي تأخذ الشئ الفلاني في مثل تلك العمليات العجيبة.. في البدء كان يدعي أن قصده نبيل..و يتقييد بالقاعدة الأصولية " اذا بليتم فأسستروا"..و لكن فتح الله عليه بمفردة الأستثمار و فقه الإستثمار الذي صار يستغله في سل أرواح البشر دون وازع..!
قلت: اذن .. يلزمنا توسيع البحث و مدار التحقيق.. ليشمل مهن أخرى..و شخصيات اخرى.. ضحك تعبان بوعي تام و صرخ في وجهي: تحقيق ايه..هؤلاء الأطباء مزيفين..عباس أستطاع أن يزيف الشرطة و المحاكم.. ما يقدر يزيف دكاترة..! قلت: يعني قصدك.. حتى أولئك الأطباء غير مسجلين في النقابة..؟ حدق تعبان فيّ بنظرة نفذة الى دواخل الظلمة الممتدة بيني و بينه..و قال هامسا: كلمني عاوز شهادة في أيتها مجال أكاديمي.. و سوف آتيك بها قبل شروق الشمس..! قلت هاذئا: عاوز دكتوراة في الإقتصاد..! ضحك تعبان و قال: طموحك بسيط.. القصة عند عباس لا تعدو أن تكون شوية أوراق و أختام و تواقيع.. قلت: هل هو مؤسسة تزوير؟ قال: سمها ما شئت.. تزوير .. تلفيق.. تسهيل.. فقه خدمات.. ذات مرة .. قابلت واحدة اسمها نهى.. كانت لطيفة و جميلة و حليوة.. حلفت بدين أبوها .. أنها سوف تجيب أجل عباس.. و كانت تعلن عت تلك الرغبة باستمرار لخاصتها..فلقد رأت فيه ما يستوجب هدر الدم و تسييحه..! قلت: يكون غشاها ولا شنو؟ قال: لا تستعجل و أسمع باقي الحكاية.. نهى هذى.. كانت تدس علوم كمبيوتر في احدى جامعات غشفروا التي أصبحت اكثر من غنم ابليس عددا.. و لأنها كانت متسلقة ووصولية و انتهازية.. فلقد تقاربت وجهات نظرها مع عباس.. و قاما بتنفيذ عمليات واسعة.. من تزوير للشهادات و الإعفاءات.. لغاية اعداد اوراق العملة الأجنبية.. و لكي يزداد القرب .. أو قل.. و لكي يضمن احدهما الآخر.. قررا تتويج علاقات العمل تلك بواصر أشد متانة .. فكان الزواج.. تزوجها العرص..و كانت الثانية و السبعين من عدد النساء الغريرات اللائي كن في حبله.. و بني لها فيلا جميلة في طرف الحي الراقي المقابل لسوق الأخوان.. في تلك الفيلا.. كان هناك حناحا محرم على نهى دخوله.. احتارت نهىفي امر ذلك الجناح.. فلقد كان مكونا من ثلاث غرف كاملة الأناقة..و غرفة جلوس فاخرة..و مطبخ..و حمام أفرنجي حديث..و سجاد عجمي ناعم.. و كان أمر الحجر يحز في نفسها.. و ظلت تراقبه بكافة الطرق المتاحة.. بعد سنتين من المراقبة الدقيقة.. اكتشفت نهى .. أن ذلك الجناح معد للمضاربات في الزئبق الأحمر و اللبان الذكر..و سبحة اليسر..! حينما فاتحت عباس في ذلك الأمر.. ضحك و قال لها.. هي سبب من أسباب جمع المال و كنزه..فلا تقلقي..فغضت هي الطرف عنه..! و ظل عباس على تلك الحال.. يلم الفقراء و الدجالين..من كل جنس و لون.. و أحيانا يصدرهم الى ماوراء البحار تجاه الخليج.. و لكن بعد فترة انقطعت تلك الأفواج.. فلقد استطاعت السلطات القبض على معظم أعوان عباس.. و كان حينها لم يهتدي الى فكرة ترويض الثورات من الداخل..! خافت نهى.. خوفا عظيما.. و ظنت أن عباس يرقب في التزوج بمليحة أخرى.. ثارت نيران غيرتها و تأججت.. تأكل دواخلها البهية الغريرة.. و باتت مهمومة تسهر في التجسس على ذلك الجناح..
لاحظت نهى.. حضور كثيف لبعض الغلمان المليحين الملس..كانت وجوههم ناعمة..تنم عن أنواع الكريمات النسائية العديدة.. في البدء سألت عباس عن أمرهم..فقال لها.. هوؤلاء طلاب مساكين ساكت..و هو يقوم بمساعدتهم لا غير..! كان احدهم يدعى هيثم سبنجة.. ودود بشوش..تقاربت الخطوط بينه و بين نهى.. و صارت الإلفة عميقة.. و كانت تتعامل معه كطالب ليس الإ.. و ذات ليلة وجدته أمام الفيلا مهموما مغموما.. و يبكي بحرقة.. هدأت من روعه.. و ادخلته على جناحها الخاص.. و كان لازال يبكي بغنج يفوق دلال الحرائر.. قالت تسأله: نحن بقينا زي التيمان يا سبنجة.. وريني شنو الحاصل ليك..و أنا زي اختك...! قال لها ببراءة حملانية بينة.. اخوك عباس ده تافه و خاين..!
لجت نهى في دواخلها..و لكن مكر الأنثى ألجم فيضان تلك العاطفة العابرة..و كبته التدفق.. و قالت تستدرجه.. اخوي عباس ده أنا عارفاهو كويس.. أصلو حال أولاد الأبو كده.. كست ملامح الدهشة و الحيرة وجه هيثم سبنجة.. يعني هو ما اخوك ود امك و ابوك..؟.. ده غاشيني الوكت ده كلو.. على أساس انك اختو الصغيرة.. شقيقتو بت امو و ابو..! قالت نهى بنفاد صبر.. مافي مشكلة ..هو ود أبوي .. لكنو زي ود أمي.. مالو خانك في شنو؟ قال لها سبنجة ببجاحة فاجرة.. قام جكس صاحبي..!! شعرت نهى بالدنيا تميد تحت أقدامها.. في الحقيقة .. غشت عيونها ظلمة كثيفة..و كادت أن تصرخ..و لكنها كظمت غلبها.. بعد صمت قصير..واصل سبنجة بجاحته..و قال.. اصلا صلاح باسطة ده.. كان صاحبي موت.. و جبتو معاي البيت ده كم مرة..و بعد شوية اكتشفت انو عندو حركات ما كويسة مع عباس..! قالت نهي باٍستغراب.. حركات زي شنو يعني..؟ همهم هيثم سبنجة..و قال لها.. بصراحة أن انسان مرح .. يعني..قي gay و عشقت عباس ده.. حبيتو حب واحد و الله واحد.. و هو ما كان مقصر معاي خالص.. لكن بعد شوية بدأ يخوني..و مع منو؟.. مع أعز أصحابي..! قالت نهى ساهمة: و صاحبك ده شنو؟ مرح زيك؟ قال سبنجة..و قد تهللت اساريره للأخر.. ايوه نعم.. كان عندو واحد وزير كبير في ثورة مضت.. و لما الثورة مشت.. حالتو برضك مشت.. و اصبح مشسط.. عشان كده باسطة فرّ منو..! قالت نهي..و قد تفجرت فيها أحاسيس البوليسية للآخر.. و انت علاقتك بعباس من متين؟ قال لها بدلال.. وحياتك .. ليها قريب السنتين..! فقالت بلهفة..و انت بتدرس في ياتو جامعة..؟ ضحك هيثم سبنجة بخبث..و قال لها.. جامعة شنو يا بت الحلال.. نحن في درب و القراية في درب.. انا بطلت القراية من زمان..و الجهجهجة الفي الفرغة.. تدخل الجامعة يودوك الدفاع الشعبي.. تمرق من الجامعة يودوك الخدمة الإلزامية.. موت ساكت ملح..و أنا كل شئ ولا الموت الهملة..و بعداك.. جزمتك تتقطع في الجري ورا الوظيفة.. عشان كده قلنا ناخدها من قصيرها..و نعيش بمتعة ..عشرومية سنة في القراية ما توفرها ليك..!! قالت نهي.. أها و اهلك وين؟ استغرب سبنجة من هذه الأسئلة التي تنم عن جهل سائلها الفاضح..و بعد صمت قال لها.. اصلا عباس كتب لي جزء من الفيلا دي في اسمي..! غامت الدنيا في وجه نهى تماما.. و انفجرت بالبكاء الحار.. و صارت تهزى.. الخاين التافه..اللئيم الكلب.. الحقير السافل..! في البدء ظن هيثم سبنجة.. أن نهى تلك انسانة عاطفية و نبيلة.. تجاوبت مع محنته .. فطفق يواسيها و يقول لها.. خليهو لي.. أنا بعرف كيف أوريهو الأدب و الإخلاص..! انفجرت نهي صارخة: التافه الخاين ده.. يطلع راجلي مش اخوي..!! انبهم سبنجة..و صاح فيها.. راجلك كيف يا بت الناس.. انتي مرة مجنونة ولا شنو؟ و بكت نهى بكل ما في دواخلها من حرقة و مغصة عظيمة كظيمة.. افاد هيثم سبنجة باٍفادة تبريرية عابرة..و لم تنتبه لها نهي.. حيث قال هامسا.. الغريبة.. كان بيقول لي انك زي زيك..و عندك واحدة كبيرة.. بتجيك طوالي و عايشة معاك بهجة و حبور..! و لكنه تجاوز ذلك..و بدأ اكثر براغماتية من نهى و قال لها.. خلاص يا ستي.. بدال ما نقعد نعزي في بعض كده.. خلينا نكون عمليين شوية.. قالت نهي بذهول عارم.. كيف يعني؟ قال لها.. أنا معاي نسخة مفتاح و يلا بينا على الجناح التاني.. و خرجا نحو الجناح الآخر من الفيلا.. و بخطة محكمة داهما عباس..و هو في وضع لا يستطيع انسان وصفه.. في البدء ذهل العرص..و لكن ذهنه تحرك بسرعة..و فاجأ نهى و سبنجة بخطة لا تقل خطورة و احكاما..و رفع سماعة التلفون.. و فجأة انشقت الأرض عن نمل افراد الشرطة و الإحتياطي المركزي و القوات الخاصة..فاقتادو نهي و سبنجة نحو اقرب نقطة شرطة..و فتح بلاغ تعدي جنائي عليهما.. و منذ تلك اللحظة.. خرجت نهي للشارع مباشرة..و انتحر هيثم سبنجة..و ظل عباس يواصل الحياة بنهم غريب..!!!
أصابني الغثيان و أنا اتابع هذه التفاصيل..برعب و خوف.. طال الصمت بيني و بين تعبان..فكيف يمكن لي أن أعلق على هذه الوقائع..و لكني تقهقرت الى ابعد ركن في ذاتي..و ظللت أبحث عن اسباب و مبررات و قلت لنفسي.. تعبان هذا سكرانا حيرانا..و هو يهذى بكلام بره من راسو..! ضحك تعبان.. كأنما قرأ ما جال بخاطري..و قال لي: عارفك ما ح تصدق.. لكن الزهيرة بنت الجبوري قالت ليك عباس ده الهول و الهول عمرو ما بنحكي..!!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة