|
تغريـــبة الأبــنوس والـريـح
|
الاهـداء الى الاستاذة الانسانة وداد وقيع اللـه.. التي رأيت في عينيها أكثر الأشياء غرابة ..ثـم لم نستطع أن نكون في مساحة الصمت سوى عابرين في اتجاهين متضادين ثــم ..الى صـديقتي مــنال..التي لا أستطيع أن أحتفل بها الا في زمان الكلمة وغابة الأحــزان..
مـــدخــل حينما رآها ..كانت ملامح صديقته منال تبدو في تقاسيم وجهها..منال تلك الأفريقية السمراء النحيلة التي تاهت ملامح هويتها في شوارع الخرطوم بحري الصغيرة..تلك الميراوية المتطرفة جدا في حميميتها..كانت دوما تهزمه بابتسامتها الانسانية..تحاوره في صدر المساء ، فيكون الحرف مدخلا جميلا الى لغة الغضب والخروج...اعجبها كثيرا حـزنه وكراهيته للـظل.. قالت منـال تحدثه يومـا..لـماذا يجعل منا هذا الوطن قطيع من الجبناء؟..صرخت في وجهه حينها..ولكنها بكت كثيرا يوم أمطرت سـمائهم دخان البـمبان..أحست يومها بأنها تكره الوطن.. هـو حدق كثيرا فيها..ثـم قال لها .. ان وطن يوسع في دواخل ابنائه مساحات الشتات والضياع والزيـف ..حتما هو وطــن معتــوه.. انسبلت دمعة من وجهها الحمـيم ..التقطها هو ونظـم بها عقد جـميل ..وضعه على صدره..ثـم تنازل عن تـمرده..لا يسـتطيع ان يهـادن أي أنــثى كانت..ولكن تهزمه حـميمية الأشياء المتطرفة في انسانيتها..
الأبــنوســة
تركض في عينيها مساحات الشجن الـمخبوء منذ بدء الاشياء ..لا تستطيع أن تعطي سوى الابتسامة الغريبة في اضـوائها..ثـم تتضاءل خيوط الحزن في تقاسيم وجهها ..ودفء مداري بطعم الكاكاو يترنح في ابتسامتها..و من صمت الأشياء تأتي الأشياء..وريح الحزن تبذر الهواجس في مسامات الصمت ..وتجـئ ملامح العابر الآتي في زحمة الراهن الخسيس.. كيف لنا أن نضحك في فجاجة الزيف والضياع؟..كيف لنا أن نكـون انسانيين ..وزماننا يهبنا كل مواسم الرخاوة واللزوجة والسماجة؟ تجلس هي.. تحاور سمرتها الأفريقية العنيدة.. وتروض شراسة الأشياء..عينيها ترسم معالم الضوء الـمتألق..وتغني..نعم تغني..تجئ الأغنية في زمن الحروف الـمالحة.. الأبـنوس.. لا يستطيع الا النبض احتواءا لملامحه الخرافية.. في حزنها تعطي الدنيا سر العفوية ..وخريفا اضافيا لـتنمو الأشواق للفرح الآتي.. تــبا لهذا الصـمت الـمخاتل ..الذي لـم يستطع أن يقول لنا ماهـي مـلامح الأبــنوس..
الـــــــر يـح
مـوهومة..تركض بحقدها في الطرقات السائبة..تزرع الرعب..صـفراء تكرج اسنانها لؤما.. يـوما قالت لي مـنال.. أن الريح مذعورة من حياتها السرية وأشيائها التافهة جدا.. هـوي يا منال هوي..الريح غدارة.. نعم..ساذج هو نـمل الحواري الذي تخيفه صرخة الأطفال الجماعية.. الريح ..درق الزيف الـمارق من عهر ليلة مسكونة بالجنون والطيش .. ما يهـمني ويهمـك ..ويهم منال أيضا..ماذا ستقول الريح للأبـنوس؟..قال لـي نورس الجبال البنفسجية..عرفت الأبنـوس صامدا كنخل الصحراء..راسخ كعمق أفريقيا وسحر غاباتها..الأبنوس هو ابن الوجد والأشواق والصبر والمعاني الـقيم.. قلت له..الريح ملعونة.. قالت قـمرية مشغولة بصغارها..لا تخف الأبنوس يحميه صدقه.. اسـقاط أول كانت تـحدق في أوراقها الكثيرة..عليها ان تنجز اعمالها..تلميذاتها يزحـمن عليها صمتها..ومشغولياتها..ربـما تكون هي سعيدة جدا بهذا الزحام الطفولي المشاغب..طفلة شقت جـموع التلميذات الصبايا..ثـم ألقت سؤالها بلا مبالاة..صـح يا أبلة الأمن ح يجي يسـوقك؟..انتبهت هي فجأة ..همست لذاتها..وما ذنب هؤلاء الصغار ليشعروا بكل هذه الأحزان؟..ثـم حاولت جاهدة أن ترسخ حوار مـتماسك مع هذه الطفلة..فقالت ..بعد صـمت متأرجح.. وليه يجي الأمن يسوقـني؟.. قالت الطفلة..انا عارفة يا أبلة؟..ما قالوا الأمن بيجي يقبض كل المدرسين والـمدرسات.. آهـ ..منك يا زمان الضياع.. ثـم حدقت في السقف..من أين لنا بوطـن لا يزرع في وجدان أطفاله مفاهيـم الـمرارة؟ اضـاءة جـانبية
التوجس الـموبوء بالانتظار ..أكثر لحظات العـمر خيبة..الخطوة القادمة مطموسة الـملامح..فقط الذاكرة متوترة..الخوف يـموت في الدواخل مهموما..فالحـق لا يقتله تعنت الأغبياء..
اسقاط ثـاني مـمزق بين الأسئلة والصـمت الغبي..قال لها..ألـم تذهبي بعد؟..ضحكت وقالت..لا زلت أتوقعهم.. حرص على ألا يكون مجاملا فقط.. دائـما يهرب من الأسئلة الشرسة التي تصادمه كل ما أصابه هذا الوطن بفجيعة..كان يبرر كل العنف الذي تقابله به شرطة الاحتياطي الـمركزي وقوات الأمن..نعم لأنهم كانوا طلاب مطاليق لا هم لهم سوى المظاهرات ضد السلطة..هو يفهم ذلك جيدا..ولكن لـماذا يقتلنا هذا الوطن بأشيائه القبيحة؟..انكفأ على ذاته وهرب من هاجس أن تذهب الأبنوسة الى الاستجواب..ثـم صرخ في نفسه..فلتذهب..هي لا تختلف كثيرا عن بنات هذاالبلد وأولاده.. حـينما تصرخ بالحق تعتبرك السلطة خارج عن ارادتها.. هأ ..هأ..هأ سـجل عندك يا زمان الـمهازل..فكل الدنيا تصرخ ضد دولة لا تحترم انسانها.. آهـ منك يا هذيان السياسة الصفيق..
اسقاط ثـالث قالت لها تلميذة قطة..أمبارح يا أبلة شفت حلم غريب خلاص.. قالت هي..بعد ان وضعت القلم مؤقتا..انشاء الـلـه خير.. قالت التلميذة..شفتك حفيانة والـموية جاية عليك..تتصوري يا أبلة.. الـموية برضو ماشة حفيانة..والشوارع ..مليانة بعربات كتيرة من غير لوحات أرقام..ودراجات نارية ما فيها أرقام..كل شئ من غير هوية.. قالت هي بلا وعي..اها..فيها ناس العربات دي؟ قالت الطفلة..أبدا..فيها نـمل وريح مجنونة.. حدقت هي في صمتها جيدا..فمنظر الريح الاسينة اصبح اسقاط نفسي يراود الصبيات في الاحلام..أخذت نفس عميق وفي ذاكرتها شقيقتها التي أعتقلت..ثـم ارتسمت دائرة التسـآل بحجم الجرح والأحزان..لـماذا لا يحترم فينا هذا الوطن صدقنا ووضوحنا؟
اضاءة جانبية خافتة جدا في زمن الحزن الـمجاني تغدو المعاني النبيلة نوع من الدجل والشعوذة..الشوارع الآن لا تحتـمل الا أصحاب الأقنعة الـمتعددة..زمان الهوس وشم كل الخطى بالـمرارة والاحباط والانهيار..فكيف لنا أن نحافظ على نقائنا..
اسقاط رابع وأخير مشدوهة الضحكة في عينيها..تبدأ مواسم الصدق في العودة الى زمن الحلم والغضب..تنهض زفة معاني ..ترسم وجودها في دواخل الذات..و الأبنوس يـمارس صفائه الجـميل..الزمن هو الذي يعبر..والزيف تتراجع خطوطه خلف الهضاب والـملامح الكضب.. قد تستجوبها ركاكة الراهن بدعوى مخالفتها للسلطة وقد تحلم تلميذاتها بالهواجس المرعبة وقد تذهب شقيقتها الى المعتقل وقد يعذب زميلها فجأة وبلا مبرر وقد..وقد..وقد لكنها تنتظر صوت أصيل يحي فيها كل هذا التوجس بالحقيقة و الانحياز لها..والصوت لا يـجئ من عمق البحر ..و لكن من صدى الآتي اليركض في تقاسـيـم الوجع العابر..الوجع الـمسكون بالصدق..
الدلــنج..23 شباط1994 محمد النور كبر
همسة احبابي في المنبر الحر اسمحوا لي ان أحي باسمكم واسم اهلنا الطيبيين في السودان..اهالي مدينة الدلنج ..والاصدقاء والصديقات الذين يكتبون بصمت وصبر ملمح من عمقنا..على رأسهم المدرسين والمدرسات..الاستاذات وداد وقيع الله..مريم جديد كباشي..نوال وقيع الله..تابيتا عمر كومي..سيد منوفل.. عاطف التاج ..احمد ابوهم العشا..يوسف حسين بادكو..عبدالله ابوهم العشا.. لقد مركاسبر بيرو من هنا ...ولكنه كان بغرض تناول وجبة الغداء الفارهة لا أكثر دعونا نقول لهولاء الاحباب ..لا زال في الوقت متسع لنمارس ركضتنا المحببة نحو الشمس لنعمق معنى أن نكون ودمتم كبر
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: تغريـــبة الأبــنوس والـريـح (Re: Kabar)
|
الاخ المبدع كبر شكرا علي تلك اللحظات طربت وانا الهث خلف الاحرف ايما طرب .يمثل هذ النص مهرجانا لبساطة اللغة وابداع الاحرف اخذتني بعمق الي اقصي ساحات الجمال وقسوة التعبير عن الحال لك الود والشكر عبدالله جعفر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تغريـــبة الأبــنوس والـريـح (Re: Kabar)
|
اخي الاستاذ عبد اللـه جعفر..حبابك احيانا كثيرة تتسرب تفاصيل حياتنا وذاكرتنا بهدوء نحو مجالي الصمت..هي مفرحة ان نحياها بوعي لكن الأجمل ان نكتبها.. لك كل المحبة وكتر خيرك كتير ودمت كبر
| |
|
|
|
|
|
|
Re: تغريـــبة الأبــنوس والـريـح (Re: Kabar)
|
تخط الكلمات اصرارا عنيدا عزيمة من قلب الاحزان خارجة لتقول لنا ان زمان الفرح اتى وعتى سيكون شكرا كبر على القصة والخواطر النابعة من عمق المعاناة وغدانحيا فجرا ديمقراطيا... ننعم فيه بالسلام
| |
|
|
|
|
|
|
|