دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
العميــد و عـش أم تركّـشْ: قـراءة ثانية في اٍعتقال عبد العزيز خالد
|
اٍهداء : الى صديقي ..جمال على التـوم.. كان يمكن أن يكون لك ، أو لي ، قبر وحيد في مكان بعيد عن الوطن و الحبيبة.. و كان يمكن أن يتسـنى لنا التفاكر في زمن بعيد ، بصورة أفضل و أوسع.. ولكن ..! نحن جيل قدره أن تكون كل أشيائه مؤجلة ..كلامه ..حواره..طموحه..حلمه.. كل شــئ.. كل شــئ ..يا صديقي
1. هــذا الحكي :
هذا السرد ، هو خواطر لقارئ عادي ، خارج التحالف كتنظيم .. و أظنه سيفيد التحالف كشهادة بعيدة عن دوائر التحالف.. وذلك من موقع المواطن الذي يستهدفه التحالف بأطروحاته و أدبياته السياسية.. و هو أيضا تصوير لحالة حزن تجاه ما حدث و ما يحدث للتحالف ، و سيجد الأصدقاء و الصديقات بعض من التفاصيل التي جاءت بصورة عجلى و بنفس قايم في محاولة يائسة لملاحقة تواتر الأحداث ووضع تصور لها بغرض فهمها و التجاوب معها سلبا و ايجابا.. و هو أيضا يشكل تضامن مع العميد كسجين سياسي ، بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا معه .. فالرجل في محنة يصورها المثل الكردفاني الذي يقول " الراجل في ايد الرجال مثل الطوير في ايد العيال" ..
2. أم تـرّكـشْ :
و قبل المواصلة في القراءة ، أود ان اشرح اسم الكائن العجيب الذي تصدر عنوان هذا الكلام .. و هي أم تركش ( بتشديد الراء و تسكين الكاف) و التي جاء ذكرها كنموذج مقاربة لحالة استعصت علىّ كثيرا من ناحية فهمها و تفسير خباياها ، هذه واحدة و الثانية ، لغرابة الإسم ، الذي قد لا يعلم عنه البعض منا.. و بالتأكيد ، من خلال القراءة سيعرف الجميع ماذا نقصد بعش أم تركش هنا .. و ام ترّكش ، هي نوع من النحل الأسود ، يكثر تواجده في جنوب كردفان ..و له خلايا عسل صغيرة في حجمها (في حجم علبة الكبريت ابوتمساح) قياسا بخلايا عسل النحل العادي . و تضع أم تركش خلاياها في الأطراف القصية من فروع الأشجار بصورة تشبه أعشاش بعض الطيور الصغيرة ..و ذلك خلافا لسلوك النحل العادي الذي يبني خلاياه في تجويف الأشجار أو كراكير الجبال.. و أمترّكش كائن عدواني ، وشرس و مؤذي لأي كائن كان ، سواءا كان انسان أم حيوان.. فالنحل العادي لا يهاجم الإ بعد أن تلمس خلاياه ، و ان حدث ذلك فيمكن أن تتخلص منه ببعض الحيل التي يبدعها الرعاة ، كالركض ، استخدام الساتر بالإنبطاح على الأرض ، او باٍشعال دخان .. أما أم ترّكشْ ، فلا مجال للنجاة من لسعاتها ، و لا تفرز بين اعدائها..فلو لمست عشها بقرة مثلا ، وبدون قصد ، فالكل سيهلك.. و بعض الناس من ذوي الحساية العالية قد تؤدي بحياتهم لسعة ام ترّكش ..
3. التحالف في ذاكرة الشارع السوداني :
في عام 96 – 1997 كان التحالف يشكل حضورا في ذاكرة الشارع السوداني ، و لقد كانت الحكاوي تنسج حول بطولات أفراده .. خصوصا ابّان الحملات التفتيشية التي كان يقودها جهاز الأمن السوداني ، والإعلان المستمر ، بينة الفينة و الأخرى ، عن احباط ما يسمى بالمحاولات التخريبية لتفجير المواقع الحيوية مثل محطات الكهرباي ، قاعة الصداقة ، و غيرها.. و كنا نسمع عن السيارات الفارهة التي ضبطت في كباري العاصمة المثلثة ، و هي مشحونة بالأسلحة الأتوماتيكية المتطورة ، و التي تقودها مجموعات من الشباب تترواح بين الثلاثة الى الخمسة افراد.. و سلوك أولئك الشباب الذي يشبه سلوك نجوم السنما الأمريكية في أوضح تجلياتها .. و الرسائل القصيرة التي كانت تترك في منزل الهادي بشرى .. و اختطاف سيارته .. و سيارات بعض االوزراء.. و ما حدث لوالي الأقليم الشرقي بكسلا.. وغيرها من الحكاوي التي تشبه نسج الخيال الجامح.. و كانت مثل تلك الحكاوي ، سواءا بقصد أو بدون قصد ، تخدم بعض الغراض ن بالنسبة للحكومة و للشارع الحالم بالتغيير.. بالنسبة للحكومة ، فلقد مثل تلك الحكاوي ترفد عمل أجهزة و المخابرات السودانية، وتبرر أفعالها المتلاحقة .. و بالنسبة للشارع ، فلقد كانت تعمل كمسكن أو مبرر للأمل في التغيير.. و لكن لماذا التحالف التحديد؟و لماذا لم تكن التنظيمات الأخرى تشكل حضورا في تفاصيل حياة المواطن العادي؟ التضامن و الإحتفاء بالتحالف ، كحقيقة أو خيال ، يرجع لعدة أسباب ، منها أن التحالف قوة سياسية جديدة .. برزت حديثا في المسرح السياسي السوداني، خصوصا بعد اليأس الذي عم خيال المواطن العادي من جدوى التنظيمات السياسية و فعاليتها ، و ذلك لتشابهها في برامجها ووسائلها للتغيير.. ثانيا ، أستطاع التحالف أن يجمع من حوله أصوات الشباب الرافض لكل التنظيمات السياسية ، و ذلك بجمع بانوراما غنية من كل الطامحين و الطامحات لإحداث التغيير الإجتماعي و السياسي و الإقتصادي .. ثالثا ، كان التحالف يشكل باب أمل لكل من يعتقد حقيقة أن مسـألة فصل الدين عن الدولة مفتاح أساسي لبناء دولة المؤسسات و القانون في السودان ..اضافة لإعتبار الهامش و منحه ، نظريا ، فرصة للمشاركة في الحياة العامة و على كافة مستوياتها.ز رابعا ، كان التحالف بديل للمركز ، و نابع من المركز نفسه ، و ذلك بعد أن يئست غالبية الناس من التنظيمات السياسية ن يسارها و يمينها ، و في نفس الوقت كان ، في وجهة نظر البعض ، بثابة المعادل العملي لبروز دور الحركة الشعبية ، خصوصا في جانب العمل المسلح.. و كمواطن سوداني عادي ، مثلي و مثل الغير ، لم يفكر احدا ، مطلقا ، في التساؤل عن شخصة قائد التحالف العميد عبد العزيز خالد.. فالأمر بالنسبة للجميع ، لم يكن أبعد من البحث عن مخلص أو مبادر له القدرة على احداث التغيير..
4. نكهــة الجيش في العمل السياسي:
و أيضا فات على البعض منا ، ايجاد اجابة للسؤال المهم ، و هو لماذا تلجأ الصفوة السودانية دوما للتحالف مع عناصر الجيش؟ الجيش هو بهار العمل السياسي السوداني .. فهنالك اسطورة مغلوطة في الخيال السياسي و الشعبي في السودان ، تقول بأن الجيش دوما هو مفتاح أو صمام الأمان للتغيير السياسي و الإجتماعي في السودان.. و للأسف ، لقد عملت التنظيمات السياسية ، بكافة فصائلها و تشيكلاتها المختلفة ، تذكية و ترسيخ تلك الأسطورة المغلوطة وجودا و تفكيرا و عملا.. فمنذ تحالف عبد الله خليل (حزب أمة ) مع الجنرال عبود في أواخر خمسينات القرن المنصرم ، أصبحت حقيقة لا مفر منها ، أن أي تغيير سياسي في السودان لابد أن تكون في واجهته شخصية عسكرية.. و مايو ســارت في نفس النهج ..و كذلك كل الحركات المناهضة لها ..بدءا من حركة هاشم العطا في 1971 ..حركة حسن حسين عثمان 1975 ..حركة محمد نور سعد 1976 ..انتفاضة مارس – ابريل 1985 ..لغاية انقلاب الجبهة الإسلامية 1989.. و حتى الحركة الشعبية لم تسلم هي الأخرى من تلك الآفة..و المتأمل سيشهد بسيطرة الشخصية العسكرية على المدنية في شخصية قائدها دكتور جون قرنق.. لذلك لم يكن التحالف استثناءا ، بالرغم من خطابيته العالية و طرح اطروحاته كجديد و مغاير للتقاليد السياسية في السودان.. ولقد تم قبوله في ذاكرة الشارع السوداني بهذه الصفة.. و بالتالي ، بصم ،كما الأخرين ، على عجز السياسي و المدني و تأهله لقيادة التغيير الحقيقي..
5.آفـة الإنقســام السياسي:
و لأن التحالف ، في اعتقادنا ، بدأ بداية خاطئة ، في مسألة تحالفه مع الجيش ، فانه لم يسلم من الأثار اللاحقة لهذه المسألة..و نعني بها افة الإنشطار و الإنقسام..و هي ظاهرة ترسخت في مسرح السياسة السودانية ولم تنل حظها حتى الآن من القراءة الدقيقة لتكييفها و استخلاص اسبابها و بالتالي محاولة معالجتها.. و نكتفي هنا بالتوصيف لتلك الحالة/الظاهرة ، املا أن نتصدى لها لاحقا بصورة منفصلة.. فالتنظيمات السياسية عن بكرة ابيها لم تسلم من آفة الإنقسام تلك.. وكلنا يعلم ما حدث لتنظيمات الحركة الإتحادية في عهد الإستقلال و مكومة الخمسينات، و لغاية اللحظة ، لازالت ، تلك الحركة تعاني الإنشقاقات المتوالية.. و مثلها في نفس الهم ، نديديتها التقليدية في الطائفية ، طائفة الأنصار و حزب الأمة ، التي عانت أخطر انقسام لها في اواخر الستينات ، ابان انشقاق الصادق المهدي عن عمه الهادي أو انشقاق الأخير عن الحزب بحسب ما يكون .. اضافة للإنقسامات الحديثة و التي يعلمها الجميع.. و الحزب الشيوعي السوداني ، كان هو الآخر ضحية للإنقسامات ، بدءا من باٍنشقاق 1971 لغاية انشقاق التسعينات الشهير.. و كذلك انشقاقات الجبهة الإسلامية ، بدءا من انشقاق صادق عبد الله عبد الماجد ، مرورا بانشقاق داؤود يحي بولاد .. لغاية انشقاق دكتور الترابي الأخير.. و الحركة الشعبية ايضا ، لم يشفع لها وضعها كحركة في حالة نضال مسلح من معاناة الإنشقاقات المتوالية ، و التي أشهرها كان انشقاق 1993 ، و ما يليه من احتمالات عديدة لمعاودة الإنقسام تحت أي لحظة.. و حتى حزب البعث العربي الإشتراكي ، هو الاخر عاني من الإنقسام ، بالرغم من مرارة تجربته في انتخابات 1986 و التي لم يوفق في نيل أي من دوائرها الإنتخابية.. و ظاهرة انقسام حزب البعث السوداني محيرة لكل متأمل ، اذ القاعدة في احزاب الشمال ، أن الإنقسام يصيب التنظيمات التي ذاقت طعم السلطة ، و لم يحتمل افرادها سكر تلك السلطة .. و لكن لا مستحيل في مسرح السياسة السودانية .. و شبيهة بحالة انقسام البعث السوداني ، ما عاناه الحزب الجمهوري ، وان كان غياب الحزب عن الساحة السودانية بعد اغتيال الأستاذ محمود محمد طه ، قد جعل من امر ذلك الإنقسام خفي و غير ظاهر للعيان.. و أيضا تنظيمات الهامش ، تلك التي راهنت على الهامش كقضية جوهرية ، هي الأخرى صابها مرض الإنقسام العضال.. فعاني الحزب القومي السوداني ما عانى ، ولازال الخطر محدق بمؤتمر البجا ، خصوصا تنازع التيارات العلمانية في مواجهة الإسلامية ، و محاولة صرف الحزب عن قضاياه المصيرية.. و كذلك التحالف الفيدرالي ، ذلك الذي قام على تشكيلات دارفور السياسية و التأريخية ، و التنازع عبر فصيل الجبهة الإسلامية المنشق بقيادة خليل ابراهيم .. و لن يصدق أي مواطن عادي أن فصائل الجبهة الإسلامية و بأيّ هوية كانت يمكن أن تتنازل عن هوية الدولة الدينية.. والإنقسام أيضا ، اصاب تشيكلات حديثة ، كحركة العدالة التي كان في قيادتها لام اكول و مكي بلايل و أمين بناني .. و أخيرا انقسام التحالف ، كفصيل سياسي حديث .. و أيضا مثله و مثل الحركة و البعث و العدالة ، لم يشفع له وجوده خارج السلطة في تفادي الإنقسام.. و يظل هنالك فرق جوهري بين انقسامات التنظيمات السياسية و انقسام التحالف.. و هذا الفرق هو تعرض قائده العميد عبد العزيز خالد للإعتقال بواسطة حكزمة الجبهة الإسلامية، تلك التي حمل السلاح في مواجهتها .. و لن نبحث هنا في علاقة الإنقسام باعتقال العميد ، و نترك ذلك لمؤرخي السياسة السودانية ، و حتما البحث سيفيد كثيرا في هذه الناحية.. و نكتفي هنا بالإشارة فقط .. و لكن هنالك سؤال يطرح نفسه ، و هو ، في كافة تلك الإنقسامات السياسية ، تحديدا انقسامات التسعينات و ما تلاها ، ماهو دور حكومة الجبهة الإسلامية فيها ؟ و ماهو دور التنظيمات السياسية الأخرى فيها؟ و ماهو دور التنظيمات السياسية في ذات نفسها في احداث انقساماتها؟ و هل فكرت التنظيمات السياسية في خلق ألية تجنبها آفة الإنقسامات تلك؟ و هي تساؤلات نتمنى أن تجد نصيبها من البحث و التقصي .. 6. اٍحبـــاط:
المهم في أمر التحالف ، أنه شكل لحظة اٍحباط في وجدان المواطن العادي ، خصوصا بالنسبة لمن هم خارج التحالف كتنظيم.. فلقد كان التحالف مصدر أمل للكثيرين ، و أستطاع من خلق حالة تضامن وجداني في أوساط الشارع السوداني .. بقبول اطروحاته .. و كاد أن يكسر الأسطورة المغلوطة التي تقول بعدم فعالية أي تنظيم سياسي دون وجود سند جماهيري له ، علما بأن الوزن الجماهيري في السودان يقاس بنتائج اخر انتخابات سياسية شرعية .. وأول الإحباطات ، تبلورت مباشرة بعد خطوة اعلان التحالف ، تحديدا قرار قائده العميد خالد ، تذويب كيانه في الحركة الشعبية.. و بغض النظر عن مبررات ذلك التذويب ، فهو كان خطوة غير موفقة و سبب للإحباط.. و مصدر هذا الإحباط ليس تشكيكا في مقدرة الحركة الشعبية و فعاليتها في احداث التغيير ، و لكن يجئ من مصدر أن الحركة في حد ذاتها لا تختلف كثيرا عن التنظيمات السياسية الأخري ، هذه واحدة و الثانية ، تكمن في كون التحالف قد قام على دعائم كانت لها كبير الأثر في العمل المدني و النقابي ، و جرأتها في ابتدار التفكير بصوت عالي نحو تقديم البديل السياسي ، خصوصا خلال فترة الإنتفاضة و الديموقراطية الثالثة ، اضافة لكل ذلك وجود الكادر البشري المتميز نوعيا .. و احباط اخر ، كان بعد ظهور انقسام التحالف على السطح ، و ما تبادلته كوادره من حروب التشنيع الكلامية ، تلك التي أكثر ممن تأذى منها هو المواطن العادي الذي تجرأ و حلم بالتحالف كبديل سياسي .. و لم ينتهي الإحباط هنا ، بل استمر لغاية اعتقال العميد.. و أمر هذا الإعتقال يثير كثير من الأسئلة ، أهمها لماذا كان في هذه اللحظة بالتحديد؟ و لماذا لم تفعل الحركة الشعبية و التجمع الوطني أي شئ لتجنب أمر ذلك الإعتقال؟
7. العميــد و عش أم ترّكش :
و مهما يكن من أمر اتصال العميد بنظام الجبهة الإسلامية في الخرطوم ، أو اعتبار ان الإعتقال في حد ذاته عبارة عن سناريو مرتب ، الإ أن امر هذا الإعتقال يثير عدة ملاحظات في خيال المتأمل .. فاٍعتقال العميد يشكل سابقة سياسية و قانونية جديدة في نوعها في مسرح الأحداث السوادنية .. و تأريخنا السياسي و القانوني ، لم يشهد مطلقا عملية تبادل قائد سياسي وفقا لمعاهدات تبادل المجرمين العاديين بين السودان و غيره من الدول .. و اتمام عملية الإعتقال بتلك الكيفية ، تؤكد حقيقة واضحة ، الكثير منا يهرب من الإعتراف بها و اقرارها ، و هي أننا كسودانيين ، سياسيين و مواطنين ، لم نقرأ الجبهة الإسلامية القراءة الصحيحة و المعقولة .. ولازلنا ندفن رؤوسنا في رمال الحلم الكاذبة ، بأن الجبهة الإسلامية مجرد فقاعة كبيرة ، وأي ريح ستفجرها و تنهي أمرها.. و حتى الآن لم تتم قراءة تقصي حقيقية للجبهة الإسلامية كتنظيم .. و نقترح هنا بعض المداخل ، التي نظن في فائدتها ، و نرجو من البعض الإهتمام بها و محاولة مواصلة تتبع أثارها .. لأننا نؤمن بأن أي تغيير سيجانب التوفيق ، ان لم يتمكن من قراءة الواقع واختباره في سبيل ابتداع وسائل التغيير.. فالجبهة الإسلامية استفادت كثيرا من كونها تنظيم عاش لفترة طويلة بعيدا عن السلطة ، سواءا كان بعد حقيقيا أو تواطؤيا .. و كلنا نذكر أن أول ما فعلته الجبهة الإسلامية حين استلابها مقاليد الحكم أن عمدت بجد و نشاط لفعل شيئين : أولا : ضرب مداخل العمل المدني ، من نقابات و غيرها ، و ذلك بغرض سد باب ذريعة العصيان المدني ، و بالتالي الجام مد الحركة الجماهيرية .. ثانيا : عمدت الى تدجين الجيش ، لأنها مثلها مثل غيرها من التنظيمات السياسية في السودان ، تؤمن بفعالية الجيش في احداث التغيير السياسي .. و لقد ابتدعت الجبهة الإسلامية ، كثير من الوسائل لإنجاز تلك الخطوات ، و منها بالتحديد سن القوانين التي من خلالها يتم قمع المعارض السياسي .. واذكر جيدا ، عندما كنا طلاب بكلية القانون بجامعة الخرطوم ، أننا كنا نتندر من القانون الجنائي السوداني لسنة 1991 .. و مصدر تندرنا كان هو الفصل الخاص بما يسمى بالجرائم الموجهة ضد الدولة.. و الذي كنا نسميه فصل الفريق فتحي أحمد علي ..و ذلك لإيماننا التام بأن المشرع السوداني حينما صاغ نصوص تلك المواد ، كان في خياله شخص واحد ، مهم و أساسي ، و هو شخص الفريق فتحي .. معظمنا لم يفكر أبعد من اطار تلك النادرة ، و قليل قليل منا كان له تصور أعمق للإشياء ، و هو أن الجبهة الإسلامية جادة جدا و لها تصور و تخطيط بعيد المدى و لها تقييم معقول لمقدرات خصومها السياسيين .. و بالتالي ابتداع الوسائل التي يمكن لها أن تعلمل بها خصمها السياسي .. ولأن وصولها الى سدة الحكم كان عن طريق عناصر المركز بالجيش ، فأنها كانت تخشى من عناصر المركز العسكرية ، خصوصا تلك التي اختارت العمل المسلح كنهج لإحداث التغيير .. و اعتقال العميد ، و بهذه الكيفية ، يضعنا أما تســاؤل كبير ، و هو هل يقبل المركز تغيير نفسه بنفسه ؟ ممارسات الجبهة الإسلامية ، كمظهر من مظاهر المركز ، للأسف تدعم السلب في الإجابة على مثل هذا التساؤل.. و هنا يمكن للمرء أن يسجل ملاحظتين : الأولي ، طالما كان العمل المسلح في الهامش ، فانه لا يعني المركز جغرافية و فكرا ، و انما يقدم له خدمة مجانية ، وهي مهمة اسنهاك و اٍفناء الهامش تماما .. الثانية ، أن الجبهة الإسلامية لا يهميها خطر التنظيمات السياسية ، تنظيمات المركز تحديدا ، و ذلك لقناعتها أن تلك التنظيمات لا تملك القدرة على احداث التغيير بدون الجيش ، و بالتالي لن يتسنى لها (التنظيمات) في القريب ايجاد شخصيات عسكرية تصلح كواجهة لعملها و نضالها .. و في ذلك أيضا ، فائدة للجبهة الإسلامية ، اذ سيكفيها ذلك كثيرا من العناء .. و بالتالي يكون اعتقال العميد ، في هذا الوقت بالتحديد ، بمثابة قفل اخر ابوب الريح الخطرة .. و اعتقال العميد خالد ، اضافة لكونه رسالة الى القوى السياسية المعارضة ، فهو ايضا يحقق مكسب داخليا للجبهة الإسلامية .. لقد أثبت هذا الإعتقال مصداقية جهاو الأمن السوداني ، و أضاف مبررا لزيادة ميزانيته و تحقيق مطالبه ..فلقد عاني الجهاز كثيرا من عدم المصداقية في السنوات القليلة الماضية..خصوصا اعلانه المستمر عن احباط العديد مما يسميه بمحاولات التخريب .. سواءا كانت تلك المحاولات حقيقة ، أو اشاعة ، أو حتى مجرد تخريجات تكتيكية يعرف جيدا كيف يبدعها و يسوقها .. و الجبهة الإسلامية لازالت تعتقد في الشارع السوداني ، و تحرص كل الحرص على ابتداع المسكنات لخطر ، في حساباتها ، أكبر من خطر القوى السياسية .. فاٍعتقال العميد، في هذا الوقت ، يؤكد للجبهة و لغيرها ، بأنها لازالت قادرة على الإمساك بمقاليد الأمور على صيغة ..Everything is under control.. و لكن بالرغم من كل ذلك ، قد يتسائل المرء ، بصورة ساذجة ، اٍذا كانتن الجبهة الإسلامية قد توفقت في توقيع اتفاقيات سلام مع الحركة الشعبية ، و اذا كان العميد لغاية اخر لحظة ، جزء من الحركة ، فلماذا اعتقاله هو بالتحديد؟ و قبل محاولة اجابة هذا التساؤل الساذج ، أرجو أن اشارك الجميع هنا مصدر حيرتي ، و أنا أتابع امر اعتقال العميد .. لماذا ذهب العميد تجديدا الى دولة الأمارت العربية المتحدة؟ قد يقول البعض ، ببساطة لأنها الدولة الوحيدة التي سمحت بمنحه تأشيرة دخول الى أراضيها .. أو قد يقول العميد بنفسه ، كما في حواره الهاتفي من سجنه مع صديقنا الصحفي خضر عطا المنان ، بأنه ذهب الى المشاركة في ندوة سياسية .. و كل ذلك رأي وجيه .. و لكن ..!! البعض منا قد يذكر مقالة صديقنا خضر عطا المنان عن أوجلان السودان في الأيام الماضية ، و التي نشرت في سودانيز اونلاين و منتدى سودانيات .. و حضور ذكرى القائد الكردي عبد اللـه اوجلان ، له كثيرا من الدلالات .. و يثير كثير من الشكوك حول عملية اعتقال العميد .. فهذا الإعتقال أكبر من قدرات و حدود مصلحة الجبهة الإسلامية .. اٍن اعتقال العميد خالد ، قبل أن يكون اعتقال رجل ، هو في الأساس اعتقال فكرة .. و نقول بذلك ، لأن التحالف قد أحدث نقلة نوعية في مجريات العمل المسلح و تأريخه في السودان.. و تلك النقلة يمكن ملاحظتها في شيئين : اولا ، اصرار التحالف على تأسيس لبنات المجتمع المدني في ما يسمى بالمناطق المحررة ، و محاولة تقديم نموذج عملي للمجتمع المدني .. و نهج الناشطين و الناشطات فيه لتأسيس ذلك النموذج .. ثانيا ، و هو الأهم ، استهداف التحالف لمنشاءات حيوية ، كخظ البترول مثلا .. و هو ما يهم قراءتنا هنا .. فمصلحة البترول في تقديرها الحقيقي ، هي أكبر من تصور نظام حكومة الجبهة الإسلامية في الخرطوم ، و بالتالي ضربها لا يعني فقط احداث خسائر لنظام الخرطوم ، و انما ضرب للمصلحة الأمريكية في المنطقة.. و امريكا لن تقبل بذلك مطلقا.. و هذا هو عش أم تركش الذي نقصده .. و الدلالات كثيرة وواضحة للمشاهد العادي ، دعك من الحصيف المدقق .. فتكالب أمريكا المستمر على بترول السودان حقيقة يعلمها الجميع .. و له ما يبرره من أسباب عملية..خصوصا قراءة الأوضاع الدولية و الإقليمية في الراهن ، و رهان امريكا الخاسر على السيطرة على بترول العراق.. اضافة لشعور الإدارة الأمريكية بضرورة خلق مراكز انتاج جديدة ، غير تلك التقليدية في الخليج .. و ذلك لتحقيق أهداف مزدوجة ..منها توفير احتياطي استراتيجي لمواجهة نهم حيتان الإستهلاك الأمريكي المتواصل .. و في نفس الوقت سحب البساط من دويلات العرب الخليجية ، خاصة بعد احداث سبتمبر 2001 ، و ماتلاها من ضغط متواصل من قبل جماعات نشطاء و ناشطات العمل المدني في الولايات المتحدة الأمريكية ، تلك التي تطالب بضرورة اعادة النظر في العلاقات الأمريكية مع دول مصدرة لعناصر الجماعات الإسلامية المتطرفة .. و نفس القراءة تعطي تفسير لإصرار الإدارة الأمريكية على محاصرة شركات صناعة البترول الأمريكية العاملة في السودان.. و هي شركات غير أمريكية ..و التي لازالت أمريكا تنتظر بترقب لحظة الإنقضاض المناسبة عليها.. فتخطيط امريكا يتجه نحو وجهة معينة وواضحة ، و هي أنها (امريكا) لن تضغط على تلك الشركات الآن ، و أنما تتركها لغاية اكمال تأسيس البنيات الأساسية لصناعة البترول ، و من ثمّ تأتي و تكزش على الأمور.. فاٍن يـأتي العميد ، و بكل بساطة ،بفكرة عمل مسلح يستهدف البترول، فتلك مســألة لن تمر بسلام .. و لإيضاح هذا الأمر ، امر اعتقال العميد و المصلحة الأمريكية ، نلفت نظر القارئ/ة الى تأمل سلوك الحركة الشعبية في عملياتها العسكرية..فبالرغم من أن الحركة بدأت يسارية ماوية في اطروحاتها ووسائلها النضالية ، الإ انها تدريجيا تيمنت نحو بؤر الرأسمال..لذلك لم و لن تجازف ، مطلقا ، بخوض عمليات عسكرية محدودة تستهدف ضرب البترول رغما عن قدرتها على فعل ذلك.. و هي التي استطاعت أن توجه كوادرها في أمريكا الشمالية بالتظاهر ضد شركة تلسمان الكندية و اجبارها على الإنسحاب من عمليات تنقيبها في السودان .. و هنالك أيضا دلائل أخرى ، تشير الى ان ضرب المصلحة الأمريكية سبب من اسباب اعتقال العميد في هذا الوقت تحديدا .. و من تلك الدلائل ذهاب العميد الى دولة الأمارات العربية المتحدة.. و هي ظل من ظلال أمريكا العديدة في هذا الكوكب ..ووفائها للمصالح الأمريكية يفوق وفاء جارود كلب الحكامة .. و دولة الأمارات تلك ، لو أشار اللـه عليها بفعل شئ ، لن تستجيب بمثل السرعة التي تستجيب بها للأوامر الأمريكية ..!! و ذهاب العميد الي تلك الدولة ، يكشف لنا كمواطنين عاديين و للحكومة الجبهة ، حقيقة خطيرة نصوغها في التساؤل التالي : هل التجمع قادر على حماية أفراده؟ و هل يعقل أن قائد تنظيم سياسي تتم دعوته لشرح موقف تنظيمه، و لم تكن له القدرة على تحديد مكامن الخطر؟ و ما هو دور كادر التحالف المقيم في دولة الأمارات في تنبيه العميد بخطورة حضوره؟ و هل يعقل عدم اٍلمام التجمع بالنشرات الجنائية الصادرة في حق عبد العزيز خالد و عبد الرحمن سعيد و أماكن توزيعها و سريانها؟ فلو أن التجمع الوطني وافراد التحالف ، اصحاب دعوة العميد خالد الى الأمارات ، يعلمون بما يمكن أن يحدث للعميد و تجاهلوا تنبيهه في الوقت المناسب ، تكون تلك خيانة.. و لو كانوا ، التجمع و افراد التحالف ، لا يعلمون بحقيقة حجم الخطر ، فهي مصيبة أكبر من مصيبة التآمر في ذات نفسها ..!! اضافة لتلك الدلائل ، فاٍن حكزمة الجبهة الإسلامية في الخرطوم مدينة لأمريكا بدين قديم، و ذلك عرضها تسليم اسامة بن لادن من قبل و تفريط أمريكا ، بقصد أو بدون قصد ، في ذلك العرض السخي .. و الشاهد يؤكد أن حكومة الجبهة ، و منذ مجيئها الى السلطة في السودان ، كانت و لازالت في حالة تكالب مسعورة و مستمرة لتأمين شر امريكا.. و الوجه الاخر للقول ، هو أن العميد بالرغم من كونه كان يمكن أن يكون من ضمن حسابات امريكا في المنطقة ، الإ أن امريكا لها ايضا قناعاتها تجاه تصور التحالف للأشياء .. و ذلك اصرار التحالف على طرح اطروحات و وسائل سياسية يهمها كثيرا احداث تغيير يهم امر السودانيين اكثر من أمر المصالح الأمريكية في المنطقة .. و بالطبع مثل هذا الأمر لن يتم الإ فوق جثة أمريكا ..!!
خاتمة : أمنياتنا الصادقة للعميد عبد العزيز خالد أن يتجاوز محنته بسلام .. و أمنياتنا للتحالف ، أيضا ، تجاوز محنته و اعادة ترتيب أوراقه .. فأفراده ، رجالا و نساءا ، يملكون ما يمكن أن يحدث الإختلاف في الساحة السياسية السودانية ..
محمد االنور كبر
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: العميــد و عـش أم تركّـشْ: قـراءة ثانية في اٍعتقال عبد العزيز خالد (Re: Abdel Aati)
|
العزيز كبر تحياتي وشكرا جزيلا على إهداء هذه المداخلة الموضوعية لشخصي الضعيف ، والتي تحتوي قدرا كبيرا من الالغام المضادة للافراد وحتى المضادة للاليات في ظل المناخ الحالي للحوار حول التحالف وازماته المفتوحة على الرغم من اللغة الجزلة والرفيعة ولكنها تحتاج لقدر أكبر من المناقشة الموضوعية التي تستوجب التجهيز والتنقيب في الذاكرة ولنا عودة.
| |
|
|
|
|
|
|
|