|
الصورة النمطية والتنميط : من الطباعة إلى القانون والممارسة السياسية
|
الصورة النمطية والتنميط : من الطباعة إلى القانون والممارسة السياسية
مقدمة :
أتت الرغبة في تناول هذا الموضوع نتيجة لعلو صوت التنميط في الفترة الأخيرة ، سواء في الممارسة السياسية أو النشاط العام ككل ، فما يدور حالياً في المنبر الحر لموقع سودانيز اون لاين حول قضية التجاني المشرف ، وما سبقها من تناول الأستاذة فاطمة احمد إبراهيم لموضوع الجندر والنسوية ، وما هو دائر اصلاً ـ منذ وقت طويل ـ في ممارسة السياسية ، يرفع من حدة تلك النغمة وذلك الصوت ويبين في نفس الوقت الغلو أو المغالاة التي وصل إليها . سنستعرض في البداية تعريف المصطلح وتبلوره و انتقاله إلى بعض الحقول المعرفية ، ثم نحاول الإجابة عن إمكانية انتقاله واستخدامه في حقل القانون و نتطرق إلى استخدامه في الممارسة السياسية والنشاط العام . وسيكون من باب التكرار والإعادة ، التأكيد على تعويلي على مداخلتكم / ن في إضاءة ما عتم علي أو ما مسسته دون الولوج ، سأنتظر منكن / م الكثير .
أولاً : تعريف الصورة النمطية والتنميط لا توجد ترجمة عربية واحدة تقابل لـ " stereotype" لكن سنستخدم " الصورة النمطية " لوردها بهذا الشكل عند أوائل من كتب في هذا الموضوع كإدمون غريب ، هشام شرابي ، إدوارد سعيد ، مخائيل سليمان وغيرهم .
" يرجع استخدام الـ " stereotype" إلى عالم الطباعة ، إذ تعني الصفيحة المعدنية المطبوعة التي تصب في قالب أو آلة سباكة طباعية . ويتم استخدام القالب في إنتاج السطور المطبوعة التي يمكن استخدامها آلاف المرات من دون الحاجة إلى إعادتها " (1) .
ويعتبر الصحفي الأمريكي والتر ليبمان أول من استخدم هذا المصطلح بوصفه مفهوم يراد به القول ان الشعور الوحيد الذي يحمله أي شخص حول حدث لم يجربه هو شعور نابع من تصوره الذهني للحدث وأن ما يقوم به لا يعتمد على معرفة معينة أو مباشرة بل على صورة صنعها أو أعطيت له (2) .
يعرف الباحث غردون اليوت الصورة النمطية بأنها " اعتقاد مبالغ فيه يرتبط بفئة ، وظيفته تبرير السلوك إزاء تلك الفئة " (3) .
ويعرفها بعض الباحـثون بأنهـا " رأي ثابت ذو طبيعة تقيمية وتعميمية ، يشير إلى فئة من الناس ( سكان محليين أو عنصـر أو جماعة معينة .. الخ ) الذين يجـدهم متشابهين ضمــن اعتبار معين" (4).
والفرق بين التنميط والتصنيف يرتكز أساساً على خلو التصنيف من حكم القيمة ، فعندما نقول ألمان أو سودانيين فهذا تصنيف ، لكن بمجرد الانتقال إلى الأحكام القيمية نكون قد انتقلنا إلى التنميط كالقول بان الألمان أذكياء أو السودانيين كسالى..
ويسهم كل من التصنيف ( Categorization ) والعزو ( Attribution ) بشكل كبير في رسم الصورة النمطية أو عملية التنميط ، لحد ان بعض الباحثين /ات يرون فيه شكل من أشكال السلوك التصنيفي ، حيث تستخدم سمة أو صفات مفردة لاستنباط مجموعة من التوقعات أو الصفات المعزوة ، التي تكون بسيطة جداً إلى درجة يصعب معها وصف المجموعة المعينة ( أو عضو / ة من أعضاءها / عضواتها ) بدقة وفي ذات الوقت فهي معممة بصورة واسعة على الأفراد حد الافتقار إلى قدر من الصحة ؛ كعزو الذكاء إلى الألمان والكسل إلى السودانيين مثلاً . هذا إلى جانب ارتكاز عملية التنميط على التعميم ( Generalization) ، كتعميم الذكاء على كل الألمان والكسل على كل السودانيين .
يبدو أن ثمة تقارب بين مفهوم الصورة النمطية والأحكام المسبقة ، فالأحكام المسبقة هي مواقف سلبية أو إيجابية تتخذ تجاه شخص أو جماعة ويصعب تصحيحها بسبب الجمود والشحنات الانفعالية حسب تعريف الباحث الألماني أيريل ديفيس (5) ، وبذلك تدخل الأحكام المسبقة في نسيج وتكوين الصورة النمطية .
وعرفتها الأستاذة إرادة الجبوري بأنها " حكم قيمة ـ سلبي أو إيجابي ـ بالغ البساطة والتعميم يقترن بفئة من الناس ( قومية ، ديانة ، جنس ، جماعة معينة .. الخ ) متجاهلاً الفروق الفردية بين أعضاء تلك الفئة ويصعب تغييره في معظم الأحيان" (6) ، ويتضح ان تعريف الأستاذة إرادة الجبوري هو دمج وتلخيص لعدة تعريفات استعرضنا بعضها بعاليه .
ثانياً : الصورة النمطية والتنميط في حقول معرفية متنوعة ولدت دراسات الصورة النمطية في الولايات المتحدة الأمريكية وتأثرت بظروف موطنها واهتماماته ، فوالتر ليبمان الذي يعد أول من طرح مفهوم الصورة النمطية ، كان صحفياً أمريكيا إلا انه اهتم بالفلسفة والسياسة ويعد كتابه الرأي العام الذي حاول فيه الإجابة على الأسئلة التي أثارتها الحرب العالمية الأولى من أشهر مؤلفاته .
كانت الدراسات الاجتماعية من أولى الحقول التي انتقل إليها المفهوم وكانت الدراسات والبحوث الاجتماعية في ثلاثينيات وأربعينيات القرن المنصرم تنصب بشكل أساسي على الصورة النمطية العرقية (Racial Stereotype ) كاستجابة مباشرة للصراعات العرقية والتعصب العرقي الذي كان سائداً في تلك الفترة .
وفي أثناء الحرب العالمية الثانية دخلت الصورة النمطية إلى مجال البحث الاجتماعي ضمن الاهتمام بدراسة الشعوب الأخرى ، كما دخل مفهوم الصورة النمطية إلى حقل العلوم السياسية وخاصةً ما يعرف بدراسات السلوك الدولي ( International Behavior ) وذلك ضمن الاهتمام بما يسمى بالشخصية القومية فظهر مفهوم الصورة النمطية القومية التي توصف بأنها " السمات الشائعة الثابتة التي تسري على شعب ما من جانب شعب آخر ، والتي تأخذ شكل العقيدة العامة الجماعية والتي تصاغ على أساس غير عملي أو موضوعي ، تأثراً بأفكار متعصبة تتسم بالتبسيط في تصورها للآخر " (7) وفي الستينيات شهدت الدراسات حول الصورة النمطية خاصة في مجال الإعلام ازدهاراً كبيراً نتيجة لإقرار الحقوق المدنية ومن ثم تم تنظيم الندوات والمؤتمرات وورش العمل من قبل وسائل الإعلام المختلفة لتقدم نقداً للكيفية التي عكست وروجت بها تلك الوسائل الصور النمطية للزنوج والأقليات الأخرى . وقد كانت هذه حقبة بمثابة التمهيد لدخول الصورة النمطية إلى ميدان علم الاجتماع الإعلامي من أوسع الأبواب في السبعينيات ، وظهرت ما عرف بالصورة النمطية الاجتماعية ( Social Stereotype) كمقابل للصورة النمطية الشخصية في علم النفس ( Person - Stereotype) .
برزت الدراسات الخاصة بالتنميط الجندري (Gender Stereotyping) في الثمانينات والتسعينات من القرن الفائت ضمن الاهتمام الكبير بهذا الحقل الجديد ، ونتيجة لتعاظم دور المنظمات الدولية العاملة في مجالات التنمية واهتمامها بهذه الدراسات التي تساعدها في وضع خططها. بل وامتد انتشار الاهتمام بالصورة النمطية ليصل إلى اللغة والآداب ، وظهرت كثير من الدراسات النقدية التي تهتم بدراسة الصورة النمطية في النصوص الأدبية من قصة ورواية ، وانتقل هذا الاهتمام إلى المسرح وغيره من الفنون .
نلاحظ من مما سبق ان مفهوم الصورة النمطية تطور منذ عشرينات القرن الماضي إلى يومنا هذا ، ودخل إلى حقول معرفية مختلفة كالفلسفة ، وعلم النفس ، وعلم الأعراق ، والسلوك الدولي ، وعلم الاجتماع ، وعلم النفس الاجتماعي ، والإعلام، والإعلام الاجتماعي والجندر ، وعلم اللغة والآداب والفنون .
ثالثاً : التنميط والقانون
بالرغم من ان التنميط وجد له موطئ قدم في بداية نظريات علم الإجرام والعقاب عندما قال لومبوروز (Lombroso ) ( بأن المجرم يولد مجرم في كتابه ( الإنسان الإجرامي) ، الذي نشره عام 1876، و ان لديه خصائص فيسيولوجية تجعله مجرماً ، وانتهى لومبروزو من ذلك إلى أن المجرم نمط من البشر يتميز بملامح عضوية خاصة، ومظاهر جسمانية شاذة يرتد بها إلى عصور ما قبل التاريخ أو أن الإنسان المجرم وحش بدائي يحتفظ عن طريق الوراثة بالصفات البيولوجية والخصائص الخلقية الخاصة بإنسان ما قبل التاريخ ومن بين هذه الخصائص صغر الجمجمة، وعدم انتظامها، وطول الذراعين، وكثرة غضون الوجه، واستعمال اليد اليسرى وضخامة الكفين والشذوذ في تركيب الأسنان إلى جانب عدم الحساسية في الشعور بالألم.
وبالإضافة إلى تلك الصفات العامة وقف لومبروزو على بعض الملامح الفسيولوجية التي تميز بين المجرمين. فالمجرم القاتل يتميز بضيق الجبهة، وبالنظرة العابسة الباردة، وطول الفكين وبروز الوجنتين، بينما يتميز المجرم السارق بحركة غير عادية لعينيه، وصغر غير عادي لحجمهما مع انخفاض الحاجبين وكثافة شعرهما وضخامة الأنف وغالباً ما يكون اعسراًً(9 (؛ مقدماً بذلك صورة نمطية لإنسان ما قبل التاريخ وجاعلاً منه مجرماً .
وقد راجت هذه الصورة النمطية للشخصية الإجرامية عبر المجلات المصورة ، والأفلام السينمائية ؛ إلا ان تصدي القانونين لهذه النظرية بقوة جعل صاحبها نفسه يتراجع عنها ، وبات من العسير إيجاد منفذ لتنسرب منه الصورة النمطية والتنميط إلى مجال الدراسات القانونية ، كما أن خصائص القواعد القانونية نفسها فيما يتعلق بالجريمة والعقاب وقواعد إثبات الجريمة والمسئولية الجنائية وانحصار التبعات القانونية على شخص أو أشخاص مرتكبيها ... الخ تجعلها بحكم تلك الخصائص غير قابلة للتنميط .
فالتحيز الناتج عن التنميط سواء كان سلباً أو إيجابا مرده الأحكام القيمية التي تدخل في نسيج الصورة النمطية وآلية التنميط ، وهو أمر ترفضه تماما ً وتسعى للعكس منه القواعد القانونية ، التي يحتم عليها سعيها لتحقيق العدالة الحياد التام ، منذ عملية صياغة القاعدة القانونية مروراً بإثبات مخالفتها أو عدمه ، وانتهاءً بتطبيق الجزاء الواجب عن تلك المخالفة . والتحيز أيضاً يأتي ناسفاً لقاعدة قانونية تقرها معظم الدساتير ، وهي المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وأمام القانون دون تمييز بسبب الدين أو الجنس أو العرق أو اللون .
والأحكام المسبقة والتبسيط اللذان يشكلان إحدى عناصر الصورة النمطية ، أمران يناقضهما تماماً بنية القواعد القانونية ، فمن الصعب ان تجد للأحكام المسبقة والتبسيط وجود عند تطبيق القواعد القانونية ، إذ لابد ان تأتي الأحكام في خاتمة سلسلة طويلة من الإجراءات شديدة الدقة فيما يتعلق بقيام الجريمة وانطباق أركانها مثلاً ، وفي إثبات هذا الفعل المجرم إلى الجاني بوسائل إثبات مقرة قانوناً ، وبعد دراسة دقيقة لكل الوقائع تأتي الأحكام في الخاتمة لتتوج سلسلة الإجراءات التي ابسط ما يقال عنها بعدها عن التبسيط والذي يميز الصورة النمطية .
وبالرغم من كل الاختلافات التي حاولنا تبيانها بين الصورة النمطية والقواعد القانونية وصعوبة المواءمة بينهما ، إلا ان الممارسة السياسية لا تفتأ تحاول جر رجل الصورة النمطية لهذا الطريق الشائك ، في محاولة لبعث لومبروزو من قبره ، كما سنحاول إيضاحه في الفقرة رابعاً .
رابعاً : التنميط في الممارسة السياسية
يبدو التنميط في ظاهره فعلاً غير مقصوداً أو تعسفياً , ويظهر كطريقة لتبسيط نظرتنا للعالم واختصاره لمجرد صور جاهزة وأنماط للتعامل ، إلا انه ونتيجة لتكونه على أساس الشائعات أو الصورة التي تنقلها وسائل الإعلام أو تلك التي نعممها داخل رؤوسنا دون الاستناد إلى تجربة دقيقة ، يصبح مبرراً لتعصبنا الشخصي أو قسوتنا أو إيثارنا للسهولة والتهرب من فضيلة التدبر وإرجاع البصر كرتين . بل ينحو لان يكون أداة في الصراع السياسي ، لقهر الخصوم السياسيين ودمغهم بصور منمطة ذات مضمون سالب بهدف التنكيل بهم ، وتمهيداً لحرقهم كلياً وتدميرهم ، في تجلي شديد القسوة والوحشية لهذه الممارسة ونزوعها شديد التطرف لنفي الآخر وتدميره .
وقد كان التنميط ممارساً في العمل السياسي ، بإطلاق الأحكام القيمية سلبية كانت أم إيجابية كالقول بان الشيوعيين عفيفي اليد أ وانهم إباحيين ، أو أن الجمهوريون متسامحون أو انهم زنادقة إلى آخر سلسلة التنميط . لكن الإتيان بالأفعال المجرمة قانوناً والتي يمكن ان يكون قد أدين بها أحد منتسبي / ات التيار السياسي أو الفكري المحدد وتعميم تلك الجريمة على بقية التيار وجعلها صفة لصيقة به لهو جنوح بالتنميط إلى تخوم لم يحم حولها من قبل . فالسكر ، والمثلية الجنسية أو الاعتداء الجنسي ... الخ أفعال مجرمة بموجب قانون العقوبات السوداني ، لكنها تبقى هذه هي حدودها يمارسها فرد ما نشز ، سواء كان هذا الفرد منتمي لجهة سياسية أو تيار فكري محدد أو لم يكن وتبقى هذه هي حدودها ، و تبقى محاولات جرها إلى دائرة التنميط ما هي إلا مغالاة في فحش الخصومة .
أود في خاتمة هذا المقال ان أعيد ما رواه ا لدكتور أبكر آدم إسماعيل عن معاونته لزميل له من الاتجاه الإسلامي في إلصاق الجريدة الحائطية لحزبه بجامعة الخرطوم ، أتساءل هل يبدو هذا النوع من السلوك مجرد سلوك فردي لسياسي أوغل في الأحلام باحترام الآخر والاعتراف بحقه في التعبير والوجود ؟ أم لا زال هناك بصيص أمل في أن ننعم بمثل هذه القدرات .
المراجع : (1) John Harding “ stereotype” in International Encyclopedia of the Social Sciences,Vol.4,New York : Macmillian company & the Free Press, 1968,p.259 . ( عن إرادة الجبوري ، محاضرات في الصورة النمطية لطلبة كلية الإعلام جامعة صنعاء ، غير منشورة ) . (2) إرادة الجبوري ، مرجع سابق (3) Gordon W.Allport, The Nature of Prejudoce, New York: Doubleday, 1954,p.141. عن إرادة الجبوري مرجع سابق . (4) H.C.J Duijker and N.H. Fridje, National Character and National Stereotype. Amesterdam: North – Holland Publishing Co., 1961,p.115. عن إرادة الجبوري ، مرجع سابق .
(5) نقلاً عن إدارة الجبوري ، مرجع سابق. (6) السيد ياسين ، الشخصية العربية بين صورة الذات ومفهوم الآخر ، بيروت ، دار التنوير ، 1981م ، ص 41 . (7) إرادة الجبوري ، مرجع سابق . (7) لومبروزو واسمه تشيزاريه (1835 ـ 1909) هو طبيب إيطالي ومؤسس علم الجريمة ، عن موقع http://m274k.jeeran.com/soal73.html) ( عوامل السلوك الإجرامي بين الشريعة والقانون ، حيدر البصري ، مجلة النبأ العدد 52 ، شهر رمضان 1421، كانون الأول 2000 (http://www.cdhrap.net/text/bohoth/13.htm )
(عدل بواسطة الجندرية on 05-06-2004, 10:37 PM)
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: الصورة النمطية والتنميط : من الطباعة إلى القانون والممارسة السياسية (Re: elfaki)
|
الجندرية سلام وكده الكلام المفيد ساحاول قراءته بتأنى وبجيك بمداخلة والبهار الاول.. هل هناك علاقة بين التنميط والعنصرية التى تمارس بوعى او من غير وعى، بمعنى انها فى المخيخ...
حكاية:
مرة ومعى ايوب فى قطار الانفاق ومعنا واصل ومرافىء وكنا فى طريقنا الى البيت مساء، فى قطر الانفاق وقف قبالتنا شاب صينى.. نظرت بصوره خاطفة اليه وعلقت لايوب بالآتى: { محيرنى سؤال، ليه الصنين ديل رأسهم كبير كده؟}.. لم اتوقع رد ايوب ولكنه رد جعلنى اقف مع نفسى كثيرا ومراجعتها دائما حتى لا انزلق فى دائة العنصرية.. قال: { أعملى حسابك.. من هنا تبدأ العنصرية!} واردف سائلا: هل رأسك هو المعيار وبالتالى هو الطبيعى وكل رأس أكبر شوية وتجاوز معيارك يبقى ... وضحكنا ولكنى وقفت كثيرا عند هذا الحوار القصير.. باختصار ماهى العلاقة بين النمطية والمركزية الاوربية، بمعنى كل مايتجاوز معياريتها كنموذج ايديال كاتجاوز راسى الصينى الذى قابلنا يبقى دخلنا فى النمطية او تمنيط الآخر
وبجيك.. طبعا كان الله سهل لانو الموضوع ده عندى فيه باع ممكن يكون مفيد
مع محبتى وبركة الجيتى زى نجماتنا المشتهينها
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الصورة النمطية والتنميط : من الطباعة إلى القانون والممارسة السياسية (Re: الجندرية)
|
الجندرية سلام عليك ، الموضوع هام ، ومتعوب عليه ،، وهناك كثيرون يعانون من تعميم الأحكام ، وخير مثال على ذلك نوعية التنميط الذي يمارس على كثير من الشعوب في أزمان الهجرة التي نعيشها ، إذ ألصقت صفة أو مجموعة صفات على كل شعب من الشعوب ، أو حتى على قسم محدد من شعب ما ،، والمهاجرون أنفسهم أطلقوا بعض أشكال التنميط على الشعوب التي هاجروا إليها أو على بعض المجموعات من هذه الشعوب ،، وأنا أقرأ طرحك ، كان في بالي مثال الرباطاب ، لكن الأخ خالد الأيوبي خطفه قبلي وأراحني من سجيمان وشره ،، لكن المسألة ليست ضيقة لدرجة التباكي على إفلات مثال الرباطاب من اليد ، ولا لدرجة الفرح بسبب الإفلات من شر سجيمان ،، هناك مجموعات بعينها في كثير من البلدان يتم تنميطها سلبا أو إيجابا ،، وكمثال : وفي السودان أصبحت صفة الكرم والشجاعة في السودان مرتبطة بالجعليين ، وصفة الحنّية والرقة المفضية إلى الشعر مرتبطة بالشايقية ،، وصفة التخلف مرتبطة بأهل العوض ،، ويصيب التنميط الصعايدة في مصر ، وأهل الحوطة في السعودية ، وأهل حمص في الشام ، والهنود الحمر في أمريكا ، ، وعموما يمارس البدو التنميط تجاه الحضر ، ويمارس الحضر التنميط تجاه البدو ، ويمارس المتعلمون التنميط تجاه الأميين ، وهؤلاء أيضا يمارسون التنميط تجاه المتعلمين ،، لكني أيضا هنا أميل إلى الاتفاق مع الأخ خالد الأيوبي ،، وأعتقد أنه ليس جديدا أن نقول أن لكل مجموعة متعايشة ثقافة تحتوي على نوع من التميز ،، حتى شلة الطلبة ، أو العزابة ، أو فريق كرة القدم بالحي ، أو أي تجمع صغير مشابه ، يكوّن أفراده مفردات ونوعية من التعاملات تحتوي على شئ من التميز والخصوصية ،، لذا فإن التنميط ليس خطأ كله ، وبالطبع ليس صحيحا كله ،، لكنه حكم ينطلق من ملاحظة عبر تجربة طويلة ، ويمر بمراحل إعلامية متعددة فيتناقله الناس فيصبح نمطا غالبا يعمم على المجموعة المعينة ،، وكمثال ، لو وجدت أحد الجعليين يتسم بصفة البخل ، فإنك ببساطة ستتهمه بأنه ليس جعليا أصيلا ،، ومن إحدى مسببات اتساع دائرة الصفة التي تنمط بها مجموعة معينة ، هي أنها تصبح صفة جاذبة لأفراد المجموعة فيسيرون في اتجاه تطوير اكتساب المزيد منها ،، فصفة سرعة البديهة طورت ذكاء لدى الرباطاب ودفعتهم إلى تطوير هذا الذكاء لإثبات التفوق وإثبات التميز ،، وكذا الكرم والشجاعة عند الجعليين ،، وصفة البخل عند اليهود حققت لهم المزيد من المدخرات ففتحت لهم آفاق العمل التجاري ،، لكن هذا أمر خاص بالتنميط العرقي ، أما التنميط السياسي ففي اعتقادي أنه أمر مرتبط بسيكولوجية الفرد ، وتربيته ، وتأثيرات البيئة الاجتماعية حوله ،، وهكذا تصبح مجموعة ما جاذبة لشخص ما يبحث عن الاستمتاع بالصفات النمطية للمجموعة المعينة ،، والاستمتاع ليس بالضرورة أن يكون أمرا عقلانيا وإنسانيا مستقيما في كل حالاته ، إنما في كثير من الحالات يكون أمرا مدمرا أو لا أخلاقيا بالمقاييس الإنسانية السائدة ،، كالشذوذ الجنسي ، أو تعاطي المخدرات ، ، وهناك مفاهيم دينية ، سياسية ، اجتماعية تدفع الفرد إلى وجهة معينة ، تجعله يتعامل مع الصفات النمطية السالبة باعتبار أنها يمكن أن تكون أمرا مؤقتا ، كالتوبة في الدين ، وكالنقد الذاتي والاعتذار في الممارسات السياسية والاجتماعية ،، وهي وغيرها أمور تدفع بعض الأفراد إلى الانضمام إلى مجموعة معينة تمارس صفة نمطية محددة بالرغم من السلبيات التي تكتنف هذه الصفة ..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الصورة النمطية والتنميط : من الطباعة إلى القانون والممارسة السياسية (Re: الجندرية)
|
الجندرية.. التحية لك..
معجبة بها أنا هذه الدراسة.. ولو أني كنت اتنمى ان يكون الحديث عن التنميط في الممارسة السياسية بوجه عام ومن ثم الممارسة السياسية السودانية..
السؤال: هل أنه في كل العالم يظل التنميط سلباً صفة ملازمة للممارسة السياسية طالما أنه يراد تحقير الآخر وكسب أغلية؟؟؟؟؟؟؟
النقطة التي اريد ان اشير إليها هي أن التنميط في السياسة السودانية حتمي وذلك لأهمية القدوة في الممارسة السياسية السودانية.. فتطابق الشعار والممارسة للقيادات في السياسة السودانية مطلوب بذات المفهوم القدوة(على سبيل المثال حرية التعبير وقبول الآخر ) فإن إنهار سلوك القيادة بالتأكيد انهار كيان التنظيم أو الجماعة.. لأن القول يجب ان يلازمه فعل حتى صبح في إطار الممكن.. لا اريد ان اقول ان سلوك القياديين يجب ان تكون أكثر شبهاً بسلوك انبياء الديانات السماوية .. ولكن شيء من هذا القبيل يمر بخاطري..
معزتي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الصورة النمطية والتنميط : من الطباعة إلى القانون والممارسة السياسية (Re: الجندرية)
|
الأخت/ الجندرية.
شكراً للبحث الجميل المفيد.
أتمنى من الاخوة والأخوات المشاركين بأن يحولوا موضوع البحث وربطه بالواقع السوداني المعاش. كما نعلم جميعاً أن المجتمع السوداني مازال مجتمع قبلي شبه متخلف وتمارس فيه تلك الصورة النمطية بشكل طبيعي وعادي, وهذه الممارسة تشمل الذين يقال لهم متعلمين أيضاً. أما في ما زكرتي يا الجندرية فيما يتعلق بالممارسة السياسية, فالذين يمارسون السياسة في السودان هم ضحايا لذلك المجتمع السوداني أيضاً فممارستهم السياسية والثقافية لن تخلوا من تلك الصورة النمطية التي عالقة بأذهانهم أبداً.
دينق
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الصورة النمطية والتنميط : من الطباعة إلى القانون والممارسة السياسية (Re: الجندرية)
|
Quote: في محاولة لبعث لومبروزو من قبره ، كما سنحاول إيضاحه في الفقرة رابعاً . |
وحتي لمبروزو لو بعث من قبره يا جندرية لبعث حاكا رأسه...وسوف لن يجد له مخرجا ...بعد دفن نظريته قبل موته...
ولكن لاضاءة هذا البحث القيم ...ارجو ان تضيفي عليه علاقة المتبوع بتابعه.....فقد ظهرت في معظم التشريعات الوضعية مبدأ المسئولية الادارية الجنائية...القانون الايطالي علي سبيل المثال...ومع ان المبدأ العام في تلك القوانين هو شخصية المسئولية...الا ان المسئولية عن الفعل الجنائي للغير قد تأخذ وصف الجريمة الادارية
ففي القانون الايطالي مثلا اذا ارتكب حدثا يقل عمره عن 18 سنة جريمة جنائية فان ولي امره يسأل اداريا وكذلك اذا ارتكب شخص مريض عقليا جريمة جنائية فان الشخص المعهود اليه بحراسته يسأل اداريا...
فهلا اضئت لنا قليلا هنا يا الجندرية...وانا اعرف انك قادرة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الصورة النمطية والتنميط : من الطباعة إلى القانون والممارسة السياسية (Re: طيفور)
|
الجندرية سلامات الموضوع معقد و متشابك و اكبر من مقدراتنا على التفكير خصوصا بعد ان نمطتنا الحياة اليومية على سلوكيات الوثوقية و الكسل الفكرى
الموضوع فجر فى داخلى ذكريات تساؤلات عدة لم اجد لها اجابات حتى الان رغم انى لا اكف عن التفكير فيها
اضع بين يديك مقال شيق لطارق حجى الكاتب المصرى المعروف فى كتاب له بعنوان
تأملات في العقل المصري
اتمنى اجد براحا من الوقت للعودة هنا مرة اخرى
لك منى عميق المحبة و للاخ تراث
*****************************************************************************************
ثقافـة "الأفكـار النمطية" .(*) "الأفكارُ النمطية" هي ترجمتي الخاصة لتعبير (Stereotype) الإنجليزي وأُرحبُ من البدايِة بأن أعرف أن هناك ترجمةً أو مصطلحاً عربياً أفضل من ذلك (وقد أستبعدت أن أسميها الأفكار الإكليشيهاتية – لأن كلمة "إكليشيهات" وإن كانت مستعملة في حديثنا اليومي إلاِّ أنها من أصل فرنسي). وما أقصده بالأفكارِ النمطيِة، تلك الصيّغ التي تشيع بين الناسِ بحيث يرددها كثيرون دون أن يتصدى معظمُهم لفحصِها وتمحيصِها وعرضِها على "العقلِ" و "المحصولِ المعرفي" لرفضِها أو قبوِلها. و"الأفكارُ النمطية" ظاهرةٌ إنسانيةٌ – بمعنى أَنها توجد (بدرجاتٍ مختلفةٍ) في كلِ المجتمعاتِ – وإن كان ذلك "الشيوع" أو "الذيوع" لا يمنع من وصفِها بأنها "ظاهرةٌ إنسانيةٌ سلبيةٌ".ففي الغربِ، عشراتُ "الأفكارِ النمطيةِ" عن المجتمعاتِ والحضاراتِ والثقافاتِ الأخرى. ولدينا أيضاً الكثير من هذا الفيضِ من الأفكارِ التي يكررها الناسُ لا لسببٍ إلاَّ لشيوعِها وذيوعِها. والذي يحضني على وصفِ هذه الظاهرةِ بأنها وإن كانت "إنسانية" إِلاَّ أنها "سلبية" أنها ظاهرةٌ تعمل لصالحِ "النقلِ" (وهو الوقود الأكبر لها) وتعمل في نفسِ الوقتِ ضد مصلحةِ العقلِ (وهو الذي كان يستوجب عرض تلك الأفكار عليه وعلى المحصولِ المعرفي (من تراكماتِ العلمِ والتجربةِ الإنسانيةِ) للرفضِ أو القبولِ. وفي إعتقادي أن الإنسانيةَ لن تتخلص بشكلٍ مطلقٍ من "الأفكارِ النمطيةِ" ولكن بوسعِها أن تحد من ذيوعِها. وفي تصوري أن أهم مصادر إستفحال حجمِ وعددِ وتأثيرِ "الأفكارِ النمطيةِ" هي أربعةُ مصادرٍ أساسيةٍ.أما المصدرُ الأول فهو عدم وجود محصولٍ معرفي ثري ومتعددٍ الجوانب وعصري. وأما المصدر الثاني فهو عدم شيوع "الحوارِ الحرِ والمتواصلِ" بصفته –في ظني- أكبر أعداء "الأفكار النمطية".وأما المصدر الثالث فهو عدم خروج (عولمة إنسانية) من رحمِ إرهاصات العولمةِ الحاليةِ والتي تقف على أرضيةٍ "إقتصاديةٍ/سياسيةٍ" أكثر بكثيرٍ من وقوِفها على أرضيةٍ "إنسانية/ثقافية" .وأما المصدرُ الرابع فهو التواجد نفسياً في حالةِ دفاعٍ عن النفسِ متفاقمة – وسأحاولُ إلقاء بعض الضوءِ على تلك المصادر الأساسية وعلى الأدوات الفكرية التي أظنُ أنها ذات قدرةٍ عاليةٍ وفعاليةٍ كبيرةٍ في "تحجيمِ" و"تقزيمِ" "ثقافةِ الأفكارِ النمطيةِ". أًما المصدرُ الأول من مصادرِ شيوعِ "ثقافة الأفكار النمطية" فهو إتسام المحصول المعرفي لأفرادِ أي مجتمعٍ بوجهٍ عام وأعضاءِ النخبةِ المتعلمةِ والمثقفةِ بوجهٍ خاص إما بهزالِ التكوينِ أو بمحليةِ التكوينِ أو بعدمِ الإتساعِ الأفقي للتكوين – وهي كلها عناصر تجعل العقول غير مزودةٍ بالآراءِ الأُخرى العديدة المحتملة في كلِ حالةٍ . وقد يكون حتى أعضاء النخبة المتعلمة والمثقفة أصحابَ محصولٍ معرفي لا بأس به ولكنه قد يكون من جهةٍ "محصول تقليدي" أي لا يضم مستحدثات المعرفة ولا سيما في العلومِ الإجتماعيةِ .. وقد يكون محصولُهم المعرفي لا بأس به ولكنه إما مغرق في الماضويةِ (بقرونٍ) أو نسبي الماضوية (بعقودٍ) - فما أكثر المثقفين (لا سيما في العالم الثالث) الذين ينتمي محصولُهم المعرفي لعقدِ الخمسينيات والستينيات أكثر من إنتماءهِ للزمنِ الآني . كذلك قد تحول ظروفٌ عديدةٌ دون إتسام محصولهم الثقافي بالتخلي عن الإغراقِ في المحليةِ والإبحارِ في ما وراء حدود ذلك . كذلك قد يكون المحصولُ المعرفي ثرياً في جوانبٍ ومفتقراً لجوانبٍ عديدةٍ لا سيما من جوانبِ العلومِ الإجتماعية الأحدث . وهكذا يتضح أن وجودَ محصولٍ معرفي (لأفرادِ أي مجتمعٍ بوجهٍ عامٍ ولأعضاءِ النخبةِ المتعلمةِ والمثقفةِ بوجهٍ خاصٍ) متسم بثراء التكوين وعدم الإستغراق في المحلية والإتساع الأفقي بما يعنيه من ضم مناطقٍ جديدةٍ من مناطقِ المعرفةِ هي عوامل تجعل العقلَ أكثر تحصناً (بشكل نسبي) من المجاراةِ الكاملةِ (أو شبه الكاملة) لصيغِ الأفكارِ النمطيةِ - إذ يكون متاحاً لهذا العقلِ التعرف على بدائلٍ فكريةٍ قد تكون (عند التمحيص والمفاضلة) هي إختياره عوضاً عن ترديد ما لا قوة دفع له في الكثير من الحالات إلاِّ الشيوع والذيوع والإنفراد بالساحة . وأًما المصدرُ الثاني من مصادرِ شيوعِ "ثقافةِ الأفكارِ النمطيةِ" فهو عدم قيام الحياةِ التعليميةِ والثقافيةِ والإعلاميةِ على أساسٍ متينٍ من ثقافةِ الحوارِ (الديالوج) . فكلما كانت أساليبُ التعليمِ على دربِ التلقينِ وإختباراتِ الذاكرةِ وكلما كانت العلاقاتُ في دنيا التعليمِ بل وفي المجتمع بوجهٍ عامٍ هي علاقات تقوم على المنولوج (أي مرسل ومستقبل) ولا تقوم على الحوار (الديالوج) فإن شيوعَ الأفكارِ النمطيةِ يجد مناخَه الأمثل ، إذ أن "المنولوج" هو أداةُ إنتقالِ وشيوعِ وسيادةِ الأفكارِ النمطيةِ . والعكسُ صحيح : فالحوارُ (الديالوج) هو أداةُ تحجيمِ فرصِ شيوعِ الأفكارِ النمطيةِ . وأًما المصدرُ الثالث من مصادرِ شيوعِ "ثقافةِ الأفكارِ النمطيةِ" فهو أن أنصارَ ودعاة العولمة لم ينجحوا بعد في تحويلها من ظاهرةٍ تقف على "أرضيةٍ سياسيةٍ/إقتصاديةٍ" إلى ظاهرةٍ تقف (في نفسِ الوقتِ) على "أرضيةٍ إنسانيةٍ/ثقافيةٍ" . فلا تزال مفاهيمُ العولمة بحاجةٍ ماسةٍ لبعدٍ إنساني وبعدٍ ثقافي يجعلها في عيونِ أبناءِ العالمِ غير المتقدم أقل توحشاً وأقل قابلية للفتكِ بمجتمعاتهم (سواء كان الفتكُ هنا سياسياً أو إقتصادياً أو ثقافياً) . ورغم عدم وجود حساسية عندي للإيمان بأن "الغرب" (وهو منبع مفاهيم العولمة) هو الجهة التي تجلس اليوم على مقعد قيادة التقدم (بكل المعاني) فإن ذلك لا يمنعني من أن أؤمن بوجودِ حاجةٍ ماسةٍ لأن يقوم الغربُ بإضافةِ بعدين على نفسِ الدرجةِ من الأهميةِ لمفاهيمِ العولمةِ ، وهما البعد الإنساني والبعد الثقافي – وأتصوَّر أن وجودَ قيادةِ العالم اليوم في يدِ الولايات المتحدة الأمريكية هي من أسبابِ هذا القصور الكبير – وإن كنت أتصورُ أيضاً أن تجاوز هذا القصور يكون بالحوارِ لا بالعداءِ والمقاطعةِ وكيلِ التهم (من الجانبين). وهذا القصور لا يعتري فقط "مفاهيمَ العولمةِ" ولكنه يعتري مفاهيماً أخرى مثل "حقوق الإنسان" و"الحريات العامة" و"الديمقراطية": فلا شك عندي أن الغربَ (الذي طوّر هذه المفاهيم في مجتمعاته) بحاجةٍ لأن يدرك حتمية إضفاءه بعداً إنسانياً على هذه المفاهيم ، بمعنى أن يتعامل معها كمفاهيمٍ عامة سامية (غير إقليمية) ينبغي أن تعم وتضم سيادتها كل الإنسانية ، وإلاِّ يشوب ذلك ما هو متواتر اليوم من كيلٍ بمكيالين حتى لا تكفر شعوبُ العالمِ بهذه المفاهيم (أو "القيم") التي تسمع عن وجودِها في الغرب ولكنها لم تر حرصاً كبيراً من الغرب (خلال نصف القرن الأخير) على أن تكون "منافع إنسانية عامة" . وفي تصوري ، أن عدمَ تطويرِ مفاهيمِ العولمةِ بحيث تكون وحداتُ بناءِها الإنسانية والثقافية مماثلة لوحداتِ بناءِها السياسيةِ والإقتصاديةِ هو أحدُ أهم مصادر شيوع الأفكار النمطية – لأننا (مرةً أُخرى) بصدد حالةِ دفاعٍ بالغةِ الذعرِ عن النفسِ . وأًما المصدرُ الرابع من مصادرِ شيوعِ "ثقافةِ الأفكارِ النمطيةِ" فهو وجود مناخ ثقافي ونفسي عام متسم بالرغبةِ الملحةِ في الدفاعِ عن النفسِ . فالشعورُ بالإنجازِ وصنع التقدم يعطي أبناء أي مجتمعٍ رغبةً أقل في أمرين: الأول هو الدفاع عن الذات ، والثاني هو إلصاق تهمة عدم الإنجاز والتقدم بالآخرين . ونحن هنا أمام مصدرين كبيرين ليس فقط من مصادر الشعور القوي بالرغبة في الدفاعِ عن النفسِ بل والإمعانِ في الإيمانِ بنظريةِ المؤامرةِ . ويخلق هذان العاملان مناخاً أمثل للأفكارِ النمطيةِ ، إذ تكون الأفكار النمطية عادةً في خدمةِ درءِ الشعورِ بلومِ الذاتِ (عن عدم الإنجاز والتقدم) وتفعيلِ عمليةِ الدفاعِ عن الذاتِ وإلقاءِ مسئوليةِ الأوضاعِ (أوضاع عدم الإنجاز وعدم التقدم) على "الآخرين" . وإذا كانت تلك – في تصوري – هي أهم مصادرِ شيوعِ ثقافةِ الأفكارِ النمطيةِ ، وإذا كان القضاءُ المبرم على الأفكارِ النمطيةِ مستحيلاً (لوجودها في كلِ المجتمعاتِ بنسبٍ متفاوتةٍ) فإن أدواتِ التعاملِ مع هذه المصادر تبقى واضحة وإن كانت نسبيةَ الأثرِ . وهنا ، فإنني أعتقدُ أن المهمةَ الكبرى منوطةٌ بالتعليمِ (البرامج والفلسفة والمعلم والمناخ التعليمي العام) إذ أنه القادرُ على بذرِ قيمةِ "التعدديةِ" من جهةٍ وقيمةِ "العقلِ النقدي" من جهةٍ ثانيةٍ وقيمةِ "العقلانيةِ" (أي عرض الأفكار على العقلِ من جهةٍ ثالثةٍ) – وكلها أدوات تحد من إمكانيةِ سيادةِ ثقافةِ الأفكارِ النمطيةِ . إلاِّ أن دورَ وسائلِ التثقيفِ والإعلامِ أكثرُ جدوى على المدى القصير والمتوسط: فهي القادرة على فضحِ تهافت ثقافةِ الأفكارِ النمطيةِ وخلوها من الحجة والمنطق - وإيضاح الصلة بينها وبين عيوب أخرى في التفكيرِ مثل "ظاهرة الكلام الكبير" و"المغالاة في مدحِ الذاتِ" و"الإيمان المتطرف بنظريةِ المؤامرةِ" – إذ أن هناك علاقات جدلية لا شك في وجودِها بين كل تلك الظواهر الفكرية السلبية . (*) نُشرت بجريدة الأهرام القاهرية عدد 12 أبريل 2003 .
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الصورة النمطية والتنميط : من الطباعة إلى القانون والممارسة السياسية (Re: الجندرية)
|
الأخت يمني قوتة شكرا علي المقال. و لكن الظاهر أنو " البيت محروس و ستو تكوس " ورغم أني وعدت العزيزة الجندرية بالعودة لمناقشة أكثر و لكن لا بأس أن أعرج علي هذا المقال للكاتب طارق حجي بقليل من التحليل ريثما عادت الجندرية.
أتفق مع كاتب المقال في أن (" الإنسانيةَ لن تتخلص بشكلٍ مطلقٍ من "الأفكارِ النمطيةِ" ولكن بوسعِها أن تحد من ذيوعِها.) ولكني لم أجد فيه أكثر مما قلته أنا في مداخلتي السابقة عن أن الإعلام هو سبب إنتشار و تفشي الأفكار المسبقة - حسب الجندرية – أو الأفكار النمطية – حسب كاتب هذا المقال. فمن المصادر الأربعة التي إعتبرها الكاتب سببا في إستفحال حجمِ وعددِ وتأثيرِ "الأفكارِ النمطيةِ" أجد أن السبب الثاني ( عدم شيوع "الحوارِ الحرِ والمتواصلِ" ) الأقرب إلي الإقناع و إلي قناعاتي الشخصية . ثم يليه السبب الأول "عدم و جود محصول معرفي ثري " .
و بتأمل هذين المصدرين – أو السببين – الذين أوردهما الكاتب نجدهما لا يخرجان عن السبب الذي أوردته أنا في مداخلتي السابقة وهو "الإعلام" الذي أشرت في مداخلتي إلي أنه يمثل العامل الرئيسي وراء إنتشار الأفكار المسبقة. فقول الكاتب أن المعلومة و الثقافة كانت تنتقل عن طريق المنلوج – مرسل و مستقبل –و لا تقوم علي الحوار ، هو نفس ما أشرت إليه أنا بقولي إن الناس كانت تتلقي المفاهيم و الأفكار عن طريق إنتقال الكلمة و الفكرة و المعلومة بين الناس (مرسل وناقل و متلقي ) وكان ذلك هو الأعلام الموجود في الأزمنة السابقة قبل تطور الإعلام إلي الصورة التي وصل إليها الآن ( المقابلات والحوارات أصبح لها منابر في الإذاعات ثم التلفزيون ثم الفضائيات و الإنترنت) فأستمرت و تواصلت عملية الإنتقال ولكن بطرق متطورة تواكبت مع تطور مع التكنلوجيا الإعلامية و فتمت المجال أمام الآراء و الأفكار المتعددة و المتباينة. و قلت إن مفكري العالم اليوم يعولون علي الإعلام اليوم كوسيلة أساسية يمكن إستثمارها للتخلص من كثير من الأفكار المسبقة و النمطية. وضربت مثلا بتوصيات الأمم المتحدة حول تحسين وضع المرأة و تأصيل الدور الإجتماعي و الثقافي لها بعيدا عن القالب التي سجنت فيها منذ آماد بعيدة.
وكذلك المصدر الثاني الذي أورده الكاتب و الذي لخصه في ضعف أو محلية أو عدم إتساع المحصول المعرفي فإني أجده جد مرتبط كذلك بمسألة الإعلام إرتباطا وثيقاً. فالمحصول المعرفي - الحصيلة المعرفية - يتوفر و يتنامي و يتوسع عن طريق التعليم النظامي أولا ثم عن طريق إنتشار المعرفة عبر طرق وسائل أخري متعددة – لا تحتاج منا إلي تفصيل - و من ضمنها الوسائل الإعلامية. و هنا أيضا أجد أن الأعلام يقف في مقدمة الصف متحملا العب الأكبر من مسئولية شيوع الأفكار المسبقة النمطية . ولن أكلف نفسي عناء البحث عن دليل أقوي و أوضح من تلك الأفكار الشائعة والصور النمطية التي يحتفظ بها و يتمسك بها الشعب الأمريكي عن الشعوب الأخري، خاصة الشعوب في دول العالم الثالث. فهل هنالك قصور في التعليم النظامي في إميريكا أم إنه قصور "متعمد" من الإعلام الأمريكي. ومن عاش في أميريكا لا تدهشه مقولتي أن نظام الحياة في أميريكا لا يتيح للمواطن أن فرص المعرفة أو البحث عن الحقيقة في أبعد الجرعات التي يتلقاها من تلفزيونه و جريدته المحلية. الإعلام يا أخت يمني و يا أخت الجندرية هو سبب الداء و هو أيضا فيه الدواء لكثير من معضلات الإنسان. وسأعود للمصدرين الثالث و الرابع إذا وجدت الوقت إن شاء الله
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الصورة النمطية والتنميط : من الطباعة إلى القانون والممارسة السياسية (Re: الجندرية)
|
خالد الأيوبي سلام شكراً على حراسة الدكان ، لكن لقيته قرب يفلس ، واقع في الصفحة الكم كدا ما عارفة، بس برضو كتر خيرك راجعة لمداخلاتك الفوق ديك بالتفصيل .
******
العزيز عبد اللطيف مرحب وشكراً على المداخلة السريعة . لكني لا أتحدث عن الممارسة الأخلاقية عند التجاني المشرف ، أتحدث عن محاولة تعميم جريمته وإدخالها ضمن الصورة النمطية لإسلامي السودان . اعتقد انك أشرت إلى جزئية مهمة بقولك "ان التنميط يتعلق بموقع الخطاب " ، واطمع في عودة تفصيلية منك لهذا الجانب ، لكني أظن ان ذلك يتمظهر أو يتجلى في الممارسة الكلامية لفاطمة أو الذين / اللواتي تعاطوا / ن مع قضية التجاني المشرف بذات الطريقة ، فوصم الأستاذة فاطمة للنسويات أو للمتبنيات لمفاهيم الجندر بالتغريب ومحاولتها ربط ذلك بالمثلية والانحلال الأخلاقي وتعميم هذه الصورة عليهن ، يشبه الطريقة التي حاول بها البعض تعميم جريمة التجاني وعلى كافة تيار الإسلام السياسي في السودان بل وجعلها ضمن عقيدتهم السياسية ، كل هذا يصلح مثال لما أردت الحديث عنه .
*******
شروق الغالية
أقوى علاقة بين التنميط والعنصرية تظهر فيما يعرف بالصورة النمطية العرقية (Racial Stereotype ). إشارتك للعلاقة بين التنميط والنمذجة مهمة وقوية ، النموذج الأوربي يستمد سطوته من أوروبا والغرب كلك ، لكن دوائر النمذجة تنداح من الشخصي كما أشار أيوب ( هل المعيار هو رأسك ) إلى القبلي كما أشار الأخوان خالد الأيوبي و ود قاسم إلى القومي إلى العالمي . شكراً لمرورك واثق تماماً في باعك ، وانتظر عودتك للإسهام مجدداً .
**** ود قاسم شكراً لك وسأعود للمداخلتك أنت والأخ خالد بالتفصيل لأنكم بصراحة دخلتوا لي في الغويط
***** ندى على
شكراً لمرورك وربك يسهل عشان تجينا تاني .
****** منى عبد الحفيظ
شكراً لمرورك ومداخلتك .
Quote: ولو أني كنت أتمنى ان يكون الحديث عن التنميط في الممارسة السياسية بوجه عام ومن ثم الممارسة السياسية السودانية.. |
طبعاً هناك نواقص كثيرة بهذه الدراسة ، لذا طلبت من المتداخلين / ات ، إضاءة الجوانب المعتمة ، وتعميق الجوانب التي مسسناها ، من خلال الحوار .
حديثك عن القدوة الحسنة ، وتطابق الشعار والممارسة اتفق معك فيه تماماً ، لكن يبدو لي ان ذلك لا يدخل ضمن الحديث عن التنميط الذي يمكن ان يمارس كادة في الصراع السياسي من أجل حرق الأخر ولنيل مكاسب آنية ، فعمومية التنميط وافتقاده للدقة والموضوعية ـ بل والأخلاقية أحيانا ـ يجعل الممارسة السياسية تنحط إلى مستوى دون طموحنا الساعي للاعتراف بالآخر والدفاع عن حقوقه في الوجود والتعبير ، حينما يستخدم التنميط كأداة في الصراع السياسي .
***** الغالية ندى أمين
يلا تعالي منتظرنك
******
العزيز دينق
شكراً لعبورك من هنا ومثلك انتظر ذلك من المشاركين / ات
****
نزار حسين
شفت الجزئية دي عليك بيها أنت ومال نستفيد كيف منكم ؟
***** طيفور
حترجع متين ؟ ما تتأخر سمح
****
العزيزة يمنى
شكراً لطارق حجى ومنتظرين عودتك
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الصورة النمطية والتنميط : من الطباعة إلى القانون والممارسة السياسية (Re: الجندرية)
|
العزيزة الجندرية
احب قرأت ما تكتبينه حتى من قبل ان اصبح عضوة في البورد...
فكتاباتك متميزة بثراء المعلومات والاختيار الجيد للموضوعات فالتحية لك...
اما مساهمتي في موضوع النمطية فهو على حد قولك...ما مسستيينه دون الولوج...
ماهو رائك الشخصي في المصطلح؟؟؟فهل هو مرفوض لديك؟؟؟ وغير قابل للاستعمال في اين من مجالات البحوث العلمية؟؟؟
استخدامك للمصطلح لتحليل وتفسير ظاهرة المشرف والاستاذة فاطمه احمد ابراهيم لم يكن كاقي وفي اعتقادي غير دقيق...حيث افرتي الجزء الاعظم من المقالة لتعريف المصطلح وتاريخ استخداماته في العلوم المختلفة...
فانا في انتظار تحليلك الجيد وتفسيرك للظاهرتين...وكلي شقف.
التحية للمجهود الجبار والحوار الجاد.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الصورة النمطية والتنميط : من الطباعة إلى القانون والممارسة السياسية (Re: Nada Amin)
|
العزيزة ندي أمين
ذلك نموذج جيد علي كيفية للتنميط في مجال السياسة. وكما ترين فالإعلام الذي في يد السلطة يمكنها أن تستغله لترديد ما تشاء عمن تشاء. و كلما طال عمر السلطة كلما رسخت الصور التي يريدون لها أن ترسخ في عقول الناس بالكيفية التي يريدونها.
نعم، الإعلام - أو الميديا إن تشائين - هو الوسيلة الأقوي لخلق الصور النمطية و الأفكار النمطية في أذهان الناس . لذلك فهو أيضا سيكون الوسيلة الأقوي لهدم و تفتيت السالب من تلك الأفكار. و ما أكثر الأفكار النمطية السالبة.
فيا ندي و يا جندرية ..... إرجعوا لقراءة موضوعي عن "كل يوم تتجندري" .. ومعا لمحاربة الأفكار النمطية السالبة البائدة عن المرأة. فونقـــــــة : ................ و كل يوم تتجـندري
| |
|
|
|
|
|
|
|