دعواتكم لزميلنا المفكر د.الباقر العفيف بالشفاء العاجل
|
بحيرة بحجم ثمرة البابا (Re: الجندرية)
|
كل شئ فيها كان يذكرني بشجرة الباباي المنتصبة في فناء بيتنا الواسع ، طولها الفارع ، وقفتها المستقيمة رغم شيخوختها. لا المس في جدتي أي جماليات ، كنت اراها قبيحة جداً مثل الغوريلا ، شفتاها غليظتان ، رأسها كبير يصلح للجلوس دون أي متاعب ، كان يزين شفتها السلفى ثقب هائل تسده بقطعة من الخشب نحتتها لتكون صالحة لهذا الغرض ، عندما تخرج تلك القطعة فإن لعابها كان يسيل عبره ، أشهر شئ قبيح فيها أنفها الأفطس ، عندما تسمع تعليقاً عن فطاسة أنفها ، كانت تقول دون أي جهد في التفكير : يكفي أنني أتنفس به . كنت أرى الافق عبر ثقب اذنها الهائل ايضاً ، الذي اخذ مساحة كبيرة من حلمة الاذن ، وهناك ايضاً ثقب في انفها الافطس ثم مساحة كبيرة من لثتها في الفك الاسفل نتيجة لقلع اربعة اسنان ، اما عنياها فكانتا حمراوتين ، تجثم فوقهما جفون منتفخة. الشئ الذى عرفته عن جدتي أن لها مقدرة فائقة لتحمل الالم ، ذات يوم ذهب لتقضى حاجتها في العراء ، عندما عادت كانت تحك كعبها الذى اخذ يتورم شيئاً فشيئاً ، دون أن يبدو عليها الالم ، سألتها في براءة عما بها قال: يبدو أن أفعي لدغتني ، ثم أخذت مشرطاً وفصدت موضع اللدغة كأنها تفصد شخصاً آخر أو كأن المشرط يصنع أخاديده المؤلمة في جسم غير جسمها ، إزددت اضطراباً وأنا اري دماً اسوداً يخرج من تلك الاخاديد ، لتصنع بركة سوداء ، بركة بلون سم ودم. ثم اخذت ترياقاً مثل الحجر ابيض اللون ، وسحقته وبقسوة اخذت تملأ تلك الأخاديد بالحجارة الصغيرة ذات الاثر الحارق في الجروح ، حدث كل ذلك هكذا وانا ابحث عن اثر للالم بين خلجاتها ، فجأة نظرت الي ، كنت منكمشة فإزددت إنكماشاً ، خفت اردت الهرب وأنا أتذرع بإعذار واهية لأنهض من قربها لاني اعرف عادتها ، إذا اخذت دواء أي كان نوعه فأنها كانت ترغمني على اخذه خوفاً من انتقال الداء اليّ. فشلت في الهرب لانها كانت قد اطبقت قبضتها الفولاذية على معصمي ، وبالمشرط صنعت خطين على ظهر يدي وكذا على قدمي ، لم تعطني حتى فرصة الصراخ ، احسسن بألم يتسلل عبر دمي ثم قطرات من الدم تنساب عبر الفتحات الثمانية ، أخذت التريقا ودعكته بنفس القسوة كأنها تريد إدخال تلك القطع الصغيرة عبر أوردتي ، قالت راطنة وهي تمارس قسوتها عليّ وعليها بصوتها الذي بالكاد يشبه صوت النساء: - هذا حتى لا تجرؤ تلك الحبائل المتحركة على لدغك إذا رأتك واحدة فأنها لا تقوى على الحركة حتى تذهبي أنت مبتعدة. وهذا ما يحدث دائماً عندما اكون وحدي او معها ، ومنذ ذاك اليوم لم تلدغ أفعى أي منا رغم انها كانت تتحرك في كل مكان حتى في فناء بيتنا الواسع الملئ بالاشجار والخضروات وشجرة الباباي ذات الأثداء الكثر والكبيرة ، كانت غرفتنا من القش ذات جدار دائري وباب قصير بحيث يركع من اراد الدخول فيها على ركبتيه وعندما تدخل تلاقيك ثلاثة مدرجات لتنزل الى عمق الغرفة ، وهناك في نهاية البيت حظيرة تضم اكثر من ثلاثين بقرة ، فتزدحم في فتحتي انفك روائح الروث والفواكة والخضروات ورائحة جدتي. كنا انا وهي ، في كل هذا الصخب ، عائلة تتكون من جدة وحفيدة ، توفت أمي وهي تلدني ، توفي أبي في رحلة صيد عندما سحقته جاموسة هائجة بقرونها ، أما جدي فقد أعدم عندما قتل أحد الانجليز ممزقاص نحره بالرمح لان نظرات الانجليزي لم ترق له ، بقيت مع جدتي منذ عمر يوم ، أرضعتني حتى العاشرة من عمري كانت ثدياها مثل ثمرة الباباي في الضخامة وما تحوي من لبن طازج ذو طعم غير مفهوم ولكنه جميل. كنت ارضع قبل الذهاب بالابقار الى المرعى وبعد ان أعود فلا اشتاق إلا لثمرة الباباي الموجودة على صدر جدتي ، كنت حينها في الثامنة من عمري ، حضرت ذات يوم ولم اجدها في البيت ، ادخلت الابقار الحظيرة وانا اناديها مرات ولكنها لم تجب اعماني إدماني عن رؤية أي شئ ، ناديتها بأعلى صوتي فردت علي من بيت جارتنا التي كان يفصل بيننا وبينها جدار من البوص والأخشاب. - نعم هل حضرتي يا ابنتي ؟. رأتني في حالة عصيبة والدموع واقفة على جفوني وانا اقول لها في صوت مخنوق بالعبرة والغضب. - اسرعي اريد ان ارضع.. قلتها بصوت حازم وفي غيظ ، فتأتي وتجلس على الحصير ، أتناول ثديها في نهم ولهفة غريبين ، متجاهلة تعليق جارتنا وهي تضحك علينا ومؤنبة جدتي على كيفية نهمي على الرضاعة في هذا العمر المتأخر. لم تكن جدتي ترتدي أي شئ ، سوي جزء ضئيل من الجلد مكون من قطعتين ، معلق بحبل جلدي لفته تحت السرة يتدلي من الامام ومن الخلف ساتراً عورتيها ، انا حتى ذاك العمر كنت أتساءل لم تضع جدتي تلك الفروة في هذه المواضع ، لم لا تكون مثلي ؟. عندما بلغت العاشرة من عمري حدثت تغيرات أثرت على مجري حياتي ، صنعت لي جدتي شريحتين من الجلد لأغطي المواضع التي تسترها هي ، ومنعتني من الرضاعة ، كانت أيام صعبة ، كنت لا أنام الليل أشعر بلهفة عارمة لأرضع ، كما أشعر بنفس الرغبة لأتعرى ، عشت أياماً لأتخلص من هذه المشاعر المخجلة ، كنت أعود اليها كلما سنحت لي فرصة ، مثلاً .. عندما تسكر جدتي بذلك الخمر البلدي مع صديقاتها العجائز ، كانت لا تدري من الدنيا شئ ولكنها كانت تتعبني جداً ، خاصة بعد ذهاب صديقاتها ، بعد صخب من الرقص والغناء الفاتر ، كانت تتكلم مع الموتى مثلاً كانت تقول لأمي: أنت يا ربيكا يا إبنتي لولا خوفك من الولادة وربطك الولادة بالموت لما مُتي .. وأنت يا ماريو فقد قتلك التحدى رغم خوفك ، اما انت يا زوجي العزيز فقد قتلك جهلك ، ثم تلتفت الىّ قائلة وقد ألتوى لسانها في الحديث وعيونها أكثر إحمراراً وجفونها متورمة لدرجة الانفجار ، وهي تحرك تلك القطعة الخشبية التي اصبحت جزء من شفتها المترهلة اكثر من ما ينبغي بلسانها المتحرك في قلق. : أتعلمين قصة موت جدك ؟ : لا يا جدتي. رغم أنني كنت اعرف القصة واحفظها عن ظهر قلب ، إلا ان ردي لا يعني لها شئ ، سوى كان بلا أو نعم ، لانها كانت ستسردها في الحالتين ، ثقل لسانها وأخذت الكلمات تخرج ملتوية ومقطوعة ، كنتُ اسمعها كأنها محشورة في قلة كبيرة ، فيخرج صوتها بعيداً .. قوياً .. ومشوشاً . :لقد قتل جدك احد الانجليز في زمن الاستعمار ، فحكمت عليه المحكمة بالاعدام وهو لا يدي ذلك ، كُتب الحكم في ورقة ، وكان عليه ان يقطع مسافة كبيرة لتنفيذ الحكم في مكان آخر ، كان جدك الغبي سعيد لان الانجليز اعطون ورقة وقالوا له اذهب سوف يلقاك أناس هناك اعطيهم هذه الورقة. حمل الرسالة وقد وضعها بين شقي عود من البوص حتى لا تتسخ. فصنع لنفسه راية صغيرة ، وهو لا يدري انها راية موته ، عندما وصل نفذ الحكم فمات والدهشة مرتسمة على وجهه الغبي. ثم تضحك في هستريا وتعيد القصة مرة أخرى بعد السؤال ذاته ، وبعد دهر من الكلمات والجمل الملتوية ، ثم تباعد بين الجمل وتباعد بين الكلمات يليه تباعد بين الحروف ، ثم صمت وأنفاس ثقيلة وشخير مزعج يضج في انحاء بيتنا الواسع بعد ان تبكي على موتاها بنفس هستريا ضحكها حتى تنحدر الدموع على صدرها. كنت افرح ويرقص قلبي طرباً ، لاني سأمارس أشيائي التي حُرمت منها دون ان أواجه عيون حمراء أو صوت رجالي يأمرني بالابتعاد. انزع ذلك الغطاء الجلدي الساخن والقيه في أبعد مكان ، اقترب من جدتي التي نامت ملقيه اطرافها في كل مكان حتى تلك الشريحتين لا تفلحان في تغطية شئ من جسمها الضخم الممدد على ارضية غرفتنا العميقة ، أتناول ثديها وأشرع في ممارسة رضاعتي في نهم محموم ، عندما امس حلمتها للوهلة الأولى ، اتذوق طعماً مالحاً ، طعم دموعها ، رغم قبحها لم اكن أتقزز منها ، فإني أحبها ، أزال في تلك الحالة وأنا اسمع صوت الرعد بالخارج وامطار غزيرة تضرب السقف المصنوع من القش في اصرار ثائر ، اتجاهل كل هذا الصخب ، صخب الطبيعة المفاجئة ، لاعيش في عالمي ، عالم يتكون من بحيرة في حجم ثمرة الباباي ، بحيرة غزتها الشيخوخة فنضبت وترهلت حتى وصلت السرة. ذات يوم وانا اسير خلفها في طريقنا لجلب الماء من النهر ونحن نتخذ شريطاً من الطريق الذى صنعته اقدام البشر بين الحشائش التي تغطي نصفنا الاسفل ، بلغت حينها الخامسة عشر من عمري ، كانت تضع قلة كبيرة سوداء على رأسها الكبيرة ممسكة بها بيدها اليسرى فيظهر شعر أبطها الاحمر الذي احترق بالعرق ن وانا ارى الافق عبر ثقب اذنها ، وأعدد خطوط الشيخوخة التي اصبحت واضحة في مشيتها السريعة المتعثرة ، وترهل بطنها وثدياها اللذان عندما تصطدمان بالبطن تصدران صوت كالتصفيق في حالتي المشى والرقص. كانت كغير عادتها ، هائمة صامتة ، كنت احاول اللحاق بها بين حين وآخر بهرولة خفيفة، فجاءة توقفت لان هناك افعى ملونة ترفرف حولها فراشات تحمل ذات الالوان الطيفية، اندهشت لذلك وقلت مازحة: منذ متى تقف جدتي لرؤيتها أفعى؟ قالت بعد ان تنهدت بعمق ولاول مرة المح خوفاً مخلوطاً بالحزن قد جثم على اخاديد وجهها الكثيرة والعميقة وقالت:هذه الافعى نذير شؤم .. تابعنا سيرنا دون ان تتحدث احدانا، قالت جدتي بعد ان فقدت الامل في ان تتحدث: - أتعلمين أني رأيت جدك قبل ايام ؟ - في الحلم ؟ - لا .. بل في الواقع ؟ - ولكن يا جدتي .. جدي قد مات كيف ترينه مرة أخرى ؟ - رأيته في صورة تمساح .. ضحكت ولكني سرعان ما صمت عندما رأيت الجدية على وجهها. -وكيف عرفتي أنه جدي؟ - من تلك العرجة التي كان مشهوراً بها ، وصفات أخرى اعرفها أنا فقط ، عرفت أننا نموت بل نتحول الى أشياء أخرى نحمل الصفات التي كنا عليها ، نتحول ولكن دون ذاكرة فجدك لا يذكرني عندما تحول الى تمساح. - وماذا تريد ان تكون جدتي بعد عمر طويل؟ - لا ادري الى ما سأتحول ، ولكني أتمنى أن اتحول الى نسر. - ومنذ ان ماتت جدتي وعلاقتي بالنسور قوية ، كلما ألمح واحداً أتمله في تحلقه عسى ان اجد بعض صفات جدتي، ثدي بحجم ثمرة باباي، عيون حمراء، جفون منتفخة، ولبن بطعم الملح.
ستيلا قايتانو 15/6/1998م
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خريف ستيلا فايتانو : تعالو / ن نستستقي عساه يهطل (Re: الجندرية)
|
بنت أمي يا حبيبه ، يا أماني يا تراثيه ،
كامل الشوق ، و مجمل الشكر على هذه الإضاءات الحميمه ..
ستيلا ، تنساب كالتيار الوابلي الفكتوري لهذا النهر الحياة ، أو الحياة النهر الذي يأسرنا بنقائه ، و انتقائه للذي يجمع ..
آآآآآآآآآآآآآآخٍ من السرد الحياة ، و حياة السرد !!!
| |
|
|
|
|
|
|
Re: خريف ستيلا فايتانو : تعالو / ن نستستقي عساه يهطل (Re: الجندرية)
|
الأخت الجندرية
لك الشكر لتفقد الاعزاء وحثهم على العودة ودعينا نشاطرك ونحاول اثارتهم لكى يعودوا لنا ويواصلوا ابداعهم الذى بدأوه ونحن نود له ان يستمر ويكتمل بيننا ومعنا ..
يوم شكرك ان شاء الله ما يجى
Quote: اولير» اسمه يعني العراء، ذلك لان امه انجبته هناك عندما داهمها المخاض وهي تحتطب ، بلدته محاطة بالغابة والسماء |
Quote: بدأت النسوة نصف العاريات في التحرك مثل سرب النحل، يشرعن في نقل ما نشرنه من بافرا وذرة نابت الي داخل الاكواخ، |
Quote: جلس الرجال تحت سقيفة ضخمة تجاور ساحة الرقص تتوسطهم مدفأة من الاخشاب الجافة لاشعالها عند هطول الامطار في صخب من الضحك والغناء، |
Quote: عالم اخر طفولي ، تشده شجرة عرديب ضخمة مغرية اياه بالثمار الرطبة التي تساقطت بفعل الرياح، بعضهم كان باسطا ذراعيه مثل طائر منشدين اغنية المطر: ما ترا تالي.. سكي سكي ما تجي .. ماترا تالي.. سكي يكي ما تجي . |
Quote: النسوة تراقبن ام الطفلين اللتان كانتا تتدحرجان علي الارض حتي لا تؤذي حداهما نفسها ، تم تمديد الجثتين والقاء ورق الموز عليهما لحين تجهيز القبر... |
Quote: تم الدفن في صمت مهيب اذ يجب ان يتم الدفن دون بكاء، اطبق السكون علي المكان سوي من نهدات اولير في حجر جدته |
Quote: نمت مكان القبر شجرة عرديب اكثر ضخامة من تلك ذات ثمار حلوة، |
Quote: كانوا علي استعداد لرحلة صيد في الغابة، حاملين الرماح والفؤوس والسكاكين، خرجوا من القرية تاركين خلفهم النسوة منهمكات في اعداد الطعام والمريسة المصنوعة من الذرة النابت في جو احتفالي. |
Quote: اعترضهم نهر كبير ينحدر من قمة جبل عالي ذا مياه قوية، قرروا اجتيازه الي الضفة الاخري ، لان الحيوانات الكبيرة تقبع هنا مثل الجواميس والغزلان والافيال |
| |
|
|
|
|
|
|
|