|
صحوة رجل الكهف السوداني المؤقتة
|
اجتاحت اهل السودان النوائب بأيدي اهل الجبهة الذين حطوا من العدم علي ارض السودان الخضراء فأحالوها الي يباب , كما تحط جائحة الجراد فتجعل كل شئ أثراً من بعد عين في الزرع اليانع النضر , واصابت الناس غيبوبة شعورية ليست كغيبوبة الرجل الذي نام ثمانية عشر عاماً , وصحا بعدها ليجد شأن المجتمع والناس قد تغير وتبدل , ولكن الي الأسوأ , واستقر الانحدار في القاع فهّمَ ان يطلب المغيَّب من زوجته الوفية ان يرجع الي غيبوبته كما صوره اخي عدنان في مقاله متخيلاً حال الرجل الذي دخل في غيبوبة نتيجة لحادث وتصادف ذلك انقلاب الجبهة المشؤوم , وصحا الرجل بعد ثمانية عشر عاماً هي حكم الجبهة باسمها الجديد وهو المؤتمر الوطني , وهو الاسم الذي سطت عليه من حزب المؤتمر الوطني ورئيسه المرحوم طيب الذكر القاضي عبدالمجيد امام احد قادة ثورة اكتوبر المجيدة . وربما كان الرجل الصاحي محقاً في رجعته الي الغيبوبة , فما عادت الدنيا هي الدنيا التي عهدها , ولا الناس هم الناس الذين ألفهم , وصار العذاب في العيش والحياة الكريمة مقرراً في كل يوم . ففي السودان اصبح حال الناس في غيبوبة احساس وليست غيبوبة فقدان وعي , او كما يقال غاب عن الوعي , او غيبوبة سريرية كالموت السريري , ولكن تبلدت الاحاسيس , (واندبغ الجلد) , او كما جاء في المثل ( ضربوا الاعور علي عينو قال بايظة بايظة ) , او كما قال الشاعر واحسبه المتنبي ان لم تخني الذاكرة : اصابني الدهر بالأرزاء حتي فؤادي في غشاء من نبال وكنت اذا اصابتني سهام تكسرت النصال علي النصال ينام الرجل السوداني في داره بعد كد وشقاء النهار في كسب العيش المحدود , فما يهنأ بالنوم وتنتابه كوابيس تؤرقه وكلها تتمثل في كيفية تدبير ( كيس الملاح ) وليس ( قفة الملاح ) التي انقرضت واصبحت من آثار الماضي السعيد ! وكيف يدبر مصاريف الفطور والمواصلات لأبنائه التلاميذ في الغد ؟ وفي الصباح يرجح ذهاب الاولاد بدون افطار ويعطيهم قروش المواصلات . وقد ذكر في وقت سابق وزير التربية والتعليم بولاية الخرطوم ان خمسين في المئة من طلاب ولاية الخرطوم غير قادرين علي شراء وجبة افطار , وخنسين في المئة غير قادرين علي امتلاك الزي المدرسي , و 135000 بلا مصروف يومي ( عن صحيفة الايام العدد 7830 بتاريخ 2 ديسمبر 2003) . شاهد رجل الكهف السوداني المفترض اناساً يمشون كالأشباح من الهزال , ويرتدون ثياباً كالأسمال , وينتعلون نعالاً (كالبراطيش) , وقد فارقت البسمة شفاههم , واكتست وجوههم سحابات من التجهم والكآبة والحزن , كما رأي آخرين تنتفض صدورهم وتكاد تتصدع من السعال المُلّح من المرض , وآخرين يحدثون انفسهم ولا مستمع اليهم كأن بهم مّس من الجنون , كما شاهد علي جانب الطرق والارصفة فتيات في عمر الزهور يلوحن بأطراف اصابعهن لأصحاب العربات الفخيمة ويركبن معهم نهاراً جهاراً , وشاهد ايضاً جماعات من الاطفال المشردين اولاداً وبنات تجئ بعضها في أثر بعض ولا يعلم عددها الا الله وكأنها جحافل منهزمة , ويجوبون الشوارع والازقة كالكلاب الضالة في النهار الحار مثلهم كمثل تلك النملة الكبيرة السوداء التي يطلق عليها اسم كلب الحر , او تراهم ينبشون في براميل القمامة باحثين عن بقايا طعام يسدون به جوعهم ! وشاهد سياسيين في غيبوبة عن الحق , ويتغابون عنه ويزينون الباطل , ويصمون آذانهم عن صرخات وأنات الوجعي من ابناء شعبهم , وفتحوا عيونهم وقلوبهم وجيوبهم للمال المستخلص من شقاء البؤساء بالجبايات والتفنن في الضرائب , وهذه الاموال الهائلة تكنز في البنوك التي أسموها بالأسلامية وليس يجمعها مع الاسلام الا الاسم ! وتظهر تلك الاموال في عمارات سامقة وفيلات فاخرة وعربات لا يقتنيها سوي اصحاب المليارات والملايين في امريكا واوروبا , وحصة هائلة من المال تذهب في حسابات خاصة في بنوك ماليزيا وسويسرا , ويقرأ رجل الكهف السوداني من مصادر رسمية ان 95 % من الشعب السوداني اصبحت تحت خط الفقر وهذا يعني حسب معايير الامم المتحدة للفقر ان من كان دخله دولارين في اليوم يقع في دائرة الفقر , وما دون ذلك اي اقل من دولارين في اليوم يقع تحت خط الفقر . اذاً , يستحوذ علي ثروات السودان خمسة في المائة من سكانه , وهؤلاء هم من حزب واحد وهو حزب المؤتمر الوطني ومنسوبيه ومحاسيبه والاكلين من فتات كل الموائد من مرتزقة السياسة وعلماء السلطان الدينيين والمنتفعين المتعلقين بكل حكومة , وصار المال دولة بين الاثرياء الجدد والذين كانوا الي امس قريب ( يا مولاي كما خلقتني ) , فأنهالت عليهم بركات الجبهة الاسلامية مع انهم لم يؤمنوا بشعبهم ولم يتقوا فيه ربهم ! فهل يستيقظ رجدل الكهف السوداني وينبذ اللامبالاة وعدم الاكتراث ويجد له مخرجاً , ام يتشاور مع زوجته الوفية ليعود الي غيبوبته بلا عودة ؟!
|
|
|
|
|
|