ثلاث رسالات مؤداة إلى ثلاثة أقلام سودانية ساهرة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 03:38 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-18-2007, 10:57 AM

KalamSakit


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
ثلاث رسالات مؤداة إلى ثلاثة أقلام سودانية ساهرة

    الأخوة وألأخوات أعضاء المنتدى

    تحية طيبة

    هذه الرسائل للاستاذ والأديب / صـلاح دهب فضل - مسقط - سلطنة عمان وقد طلب مني نشرها بالمنتدى مع خالص ودي .

    عمر ابراهيم
    مسقط - سلطنة عمان


    ثلاث رسالات مؤداة إلى ثلاثة أقلام سودانية ساهرة - صلاح دهب فضل

    ( الأستاذ عبدالمنعم خليفة خوجلي ، الدكتور محمد عثمان الجعلي ،
    الأستاذ محمد أحمد الخضر )

    (1) الرسالة الأولى
    (عبدالمنعم خليفة خوجلي ، ويا لما سطرت
    عن محمد عيد العريمي ومذاق الصبر)

    كعهدك سباق إلى النور حيث كانت مساقطه . سَّباق إلى جليل الخير وفلاح العمل واستواء الوجدان على ذرى العطاء .
    هذا الرجل الذي كان من مفاتيح الخدمة المدنية السودانية ، وكيلاً لوزارة التجارة والصناعـة في السودان ثم الآن مستشاراً للوزارة السمية في السلطنة ، لم تأسره بيروقراطية الوظيفة لا وجاهة المنصب التي تخفّى خلفها العد العديد من رجال " الميري " في السودان فقتلت فيهم خصب العطاء الحق ، بل كل ملكات الإبداع والمشاركة عدا زهو السلطة وخلق المسافات الاجتماعية المتباعدة بينهم وبين عباد الله . هذا الرجل لا يزال مع إبداعات القلم وصريره على القرطاس نثراً وشعراً بذات العنفوان الذي يتملك حماس الشباب في المقتبل ، لا ينى يرتفقه رسالةً إلى كل سوداني أينما كان ؛ حبلاً شديد العروة للتواصل والاتصال .
    وأقول عن "سبَّا قيته " فهي في كل أمر حسن وصنيع وجميل ؛ وإن كنت أعني في هذا الموضع أنه سبقني إلى محمد عيد العريمي وحكايته عن الإعاقة وكتابه "مذاق الصبر" ، إذ فاجأني بمقاله الرائع على "سودانايل" . وكنت بعد لقاء المهندس محمد عيد في محاضرته بنادي الجالية السودانية في مسقط وإثر إهدائه إياي كتابه العظيم بتوقيعه ، أفكر في الكتابة عنه وعن قصته وعن كتابه ودونت أشتاتاً من الخواطر ورؤوس الأقلام على حواشي الكتاب نفسه بغية الاستنارة بها فيما قصدت .. سبقني أستاذي عبدالمنعم وأبطـل "مشروعي" بسحر البيان وإنى لمغتبطه .
    لا مزيد على ما قاله "منعم" وعنده يقين القول وفصله .. فقط فإن الحديث عن محمد عيد العريمي لاينتهي ولاينبغي أن يقف عند حد .. فحياته حتى قبل حادث الإعاقة دروس يتملاها الرشد عبراً ومواعظ ، وفي ذلك فلا بد من الإحاطة بما في دفتيّ الكتاب (مذاق الصبر) سطراً سطراً ، ولعل النادي السوداني ومجلس إدارته والأستاذ الزاكي عبدالحميد ، سكرتير مكتب الثقافة والإعلام ، يطلقون سراح المحاضرة المسجلة إلى أبناء السودان في الشتات وداخل أسوار الوطن .
    ملحمة محمد عيد مع الإعاقة ملحمة بطولية ؛ الإدارة فيها "منجنيق" بمفهوم معارك التاريخ الغابرة ، وراجمات صاروخية للعجز الكلي الذي شل جسده بمفهوم معارك العصر . فما حدث حدث ، ولكن قصة الإنسان تبدأ بعد ذلك الحدث المفجع . يا ترى أين كان يدخر كل تلك القوى المتحدية ، إعجاز الإرادة ، الصمود الخرافي ، الحرب الطويلة المعلنة على العجز ، استحضار القدرات الغائبة ؟ مواصلة الحياة كأن لم يكن من فَقْدٍ أو تحوّلٍ إلى تراجيديا فوق احتمال كائن بشري ؟ .. الزوجة الوفية فاطمة ، وهي لا تزال عروساً ، وقفت إلى جانبه بعزم الأبطال ، فنكب فيها ، في شدة حاجته إليها ، حيث انتقلت إلى الرفيق الأعلى وتركته في وحدته .
    حكى محمد عيد واقعة طريفة في محاضرته بنادينا : بيده المشلولة كان يتناول طعامه في طبق من الأرز فهوت الملعقة إلى الأرض من بين أصابعه ، واستحال عليه التقاطها ، ولم يكن من أحد يناديه ، فما كان منه إلا أن يواصل طعامه ، بأن رفع الطبق بمشقة كبيرة وأدخل فمه فيه بهيئة من يشرب .
    جاء النادي على كرسي متحرك ، مشرقاً مفعماً بالحيوية قدر ما أذن به الحال ، تعلو محياه بسمة أو ضحكة صافية لا تفارقه ؛ بإقبال صادق وملهم على الحياة . في مرح ظاهر خاطب الجمع ؛ كان صريحاً للغاية وطالبنا بألا نتحرج من أي استفسار وسؤال هو على أتم الاستعداد للرد مهما كانت درجة خصوصيته .
    لقد إستحيينا السماح لأنفسنا أن نشعر ، مجرد الشعور ، بالعطف أو الشفقة عليه أو الإحساس بمأساته .. هو أقوى منا جميعاً وأكثر سلامة وصحة بفولاذيته التي لا تلين ...
    لقد مرت على الإنسـان عبر تاريخ وجوده شاكلات من المآسي والعجز ، لكن قلَّ من لم يستسلم لها .. ومن هذه القلة المعدودة شاهدنا : المهندس محمد عيد العريمي العماني والبروفيسور عبدالسلام جريس في السودان ، والأخير ملحمته تطول ، وقد كتبت عن ذلك سلفاً في مواقع الانترنت عندما نال جائزته العلمية الرفيعة من الجامعات الأمريكية . وسأعود أكتب عنه من وحي صداقة الطفولة وأواصر القربى الوثيقة وزمالة المدرسة الصغرى في عكاشة والمدرسة الوسطى في عبري .

    وقفة : ألا يستحق المهندس محمد عيد العريمي جائزة باسمه للمعاقين مثلاً تمنحها السلطنة سنوياً لأبنائها المتفوقين من هذه الفئة ؟



    (2) الرسالة الثانية
    الفوتك مود حين
    (الدكتور محمد عثمان أحمد الجعلي يؤبن الطيب محمد الطيب)

    هاتفني "بالنبأ" – نبأ ما كتبه الدكتور محمد عثمان الجعلي في "سودانايل" عن الراحل الطيب – الأخ الأستاذ دهب أحمد خيري ، وطلب مني أن أستعين بالأخ الاستاذ كمال قرشي ، الخبير الاقتصادي بمجلس الشورى العماني ، ليستخرج لي نسخة من هذه الرائعة . وقال إن الموضوع أخذه فلم يكتف بالقراءة الأولى فثناها بالرغم من طول المادة وضخامتها .
    وهكذا فالأخ دهب بحاسة إلتقاطه العالية للروائع الإبداعية في المواقع الإلكترونية يجود عليَّ مرة بعد أخرى لأنه يعرف جهلي المزري في التعامل مع الحاسوب وشبكات الاتصال وجملة الأجهزة والتقنيات الحديثة .
    وربما أبدى الأستاذ دهب أحمد خيري نوعا من الارتياح أو الدهشة على المصادفة عندما قلت له عن معرفتي الجيدة وصداقتنا التي تجمعنا الاستاذ الأخ عبدالعظيم محمد احمد عكاشة وشخصي بالدكتور الجعلي . وقد طلبت من الأخ دهب أن يكتب عما فاضت به خواطره وعنَّ له حول ما خطه هذا القلم الأنور ، مشاطرة منه ومنا جميعا في "المتاوقة" .
    كما الأخ دهب ، فقد عشت هذه البكائية النادرة التي تخطى فيها الكاتب فجيعة الفقد إلى إعلاء شرف البذل وشأن تكريس الحياة من أجل وطن وشعب آمن بمقدراته ومستودعاته الثقافية والتراثية رجل متفرد يأبى القدر أن يهب مثله لأمة إلا اقتسارا وكظاهرة دهرية لا تتكرر .
    تسامي الدكتور الجعلي في رائعته (يا الفوتك مو دحين) على هذه المناحية السودانية المشهورة ، وأخذ ينتقل بنا في حديث آسر إلى دنياوات الراحل ، من مأثرة لأخرى ومن حكاية لحكاية مؤرخا ، دون أن يقصد ، حياة إنسان وقف كل عمره على العطاء لشعبه . لعل الدكتور ترسم خطى الراحل في ألوانه السردية التي ظل يبهر بها مستمعيه في (صور شعبية) أو قراءه في (المسيد) مثلا ، دون أن يتراخى عن الإمساك بخيوط العقد وحباته المنظومة .. في تناغم وإتساق وربط . ولا أحاول أن أثمن هذا المقال في مكنته الفنية الفائقة بقدر ما أود أن أنوه بوجدانيته الصادقة التي جاءت مزجا بين الخاص والعام ، وبين حميمية الصداقة والعلاقات الفردية وخلود الرسالة التي أداها الراحل على مستوى قطر بحجم السودان ؛ بل إن الخاص المحكي على لسان الكاتب يحمل في طياته دلالات رسالة الرجل إلى كل الوطن ، عبر المعرفة وتوظيفها ، والتثقيف الذي ناله والخبرة الطويلة التي صقلته ، ورفعته فوق أقدار الدارسين الأكاديميين . والطيب نهل من المعين الشعبي على الميادين المفتوحة أمامه ، متقصيا ومستقصيا ، وكانت شخصيته تلازمت مع هذه الوجهة التي انتهجها فطبعتها بطابع "ود البلد" وبساطته ، وأدوات ومفردات لغته وحتى نبرات صوته ومخارجه ، وتمثله في مسلكه اليومي بقيمه وحكمه وفكاهاته .
    عرفت محمد عثمان الجعلي أخا أعز ، وباحثا وأديبا يتشرف به السودان ، ولكني لم أكن أعرف "خوته" للراحل المقيم الطيب وبهذه الحميمية والتواصل ، ويبدو أن درجته العلمية لم تكفه فدخل هو وشقيقه الأخ عبدالوهاب الجعلي بمعية صديق كدودة المحامي مدرسة الطيب النهارية والليلية الـSudanology .
    وكانت بدايته قطار كريمة المتجه للشمالية الذي جمعهما في "قمرة" واحدة والطرائف التي حكاها . كذلك جمعتني محامد الصدف في الثمانينات الأولى بسادن التراث في قطار الشمال المتجه للعاصمة بعد فراغي من قضية في الدامر ، وعلى نقيض الدكتور (المليان حيوية ونشاطا) فقد كنت مؤدبا غاية الأدب فقد ظللت أنصت إلى حديثه الشيق بتلك التنغيمة الجعلية المحببة ، بعد أن إستدرجناه لـ "قك الجراب) . ولغبائي الشديد لم أحاول أخذ عناوينه وأرقام هواتفه في نهاية السفرية فضاعت علي سانحة العمر التي أهتبلها بالمقابل الأخ الجعلي .
    في سرديات الدكتور (واسمحوا لي أن أخرج قليلا عن السياق) يستطيل ذكر صديق على كدودة المحامي مع الطيب ، ولاأدري أهو حسد أم اغتباط ما أحس به نحو هذه الكوكبة الجميلة التي عايشت هذا الرمز العظيم ، إن لم يكن ذلك نحو الشقيقين / الجعلي اللذين أعرفهما فعلى الأقل نحو الزميل كدودة الذي أتساءل أيضا عن سر (عمديته) ، ومن أين له هذا الاسم (المستعار) ؟ أصحاب الاسم من عندنا وهـم ثوار وطنيون (7 نجوم) من عهد المناضل الاتحادي عبدالرحيم كدودة (عبري – سكوت المحس) ولا يتلافقون مع العمد وسلطتهم . ربما كنتم قد أوجدتم الجواب عند الطيب في فذلكة تراثية ولغوية ، ولكن من جانبنا نؤكد أن (كدودة) لقب نوبي يعني ، تحبيبا ، (صغير أو صغيرون) . والمفارقة بيننا أنه قد يكون عربيا من مشتقات (كدَّ) إما من العامية السودانية أو العربية الفصحى .
    على كل حال فقد استأثرت هذه الكوكبة بنبع ثرار لا ينضب ، ولولا ذلك ما كان للدكتور محمد عثمان الجعلي أن يشعل لنا عود الذكريات العبقة مع راحل عظيم خالد هو من الخاص إلى عموم أهل السودان .. رحمه الله وجزاه خير الجزاء بقدر ما سعى وأسدى وألهم محمد عثمان وعبدالوهاب وكدودة وذويه ومواطنيه جميل الصبر والسلوان .








    (3) الرسالة الثالثة
    محمد أحمد الخضر واتحاد المغتربين

    - هل جاء هذا النداء آخر الخيل ؟ لا بأس إذا كانت العزائم في المقدمة.
    - ما حدود رسالة الاتحاد وما صفته ؟ نقابية تنظم مصالح المغتربين وتتصدى لمشاكلهم وحلها وتحقيق مطالبهم ؟ أم إلى جانب ذلك وفوق هذا الضمن يكون كياناً تنظيمياً دائماً ، في إطار منظمات المجتمع المدني ، يسهر على تحقيق وإنجاز مشروعات ثقافية – اجتماعية مخططة تنهض بالسودان إلى مصاف الحضارات الحية المعاصرة ؟
    - من هم الذين سنلقي عليهم عبء الرسالة في المهاجـر والمنافي والشتات ؟ أي نوع من الرجال والنساء والرموز ، صلابة وإيماناً وفكراً وعلماً ومقدرة ؟ ما هي وكيف هي الضمانات المستدامة التي نوفرها للكفاءات التي ستدير أعمال الاتحاد لحياة كريمة مؤمنة في المسكن والعيش والانتقال والتأمين الصحي وتعليم الأبناء ؟
    - ما هي أصلاً مشروعات الاتحاد ووسائل وأساليب برمجتها وتنفيذها ؟ وكيف نؤسس كادراً فنياً وإدارياً وتنفيذياً لمجلس إدارة الاتحاد وأمناء الأجهزة ؟
    - أين تكون دولة المقر ليس للاتحاد فقط بل للفكرة التي يخدمها الاتحاد أو أي تنظيم أو عمل مؤسسي آخر في الخارج لصالحنا ولصالح البلد ؟ ما معايير اختيار هذه الدولة ؟ ولماذا في الخارج وليس داخل الوطن ؟

    كتب الأستاذ محمد أحمد الخضر (الزعيم كما أسميه ويسميه غيري) خلال الأيام السابقة مقالاً بعنوان (شئون السودانيين بالخارج بين الواقع والأحلام) ، في (سودانايل) جريدتنا الالكترونية ؛ ذلك المقال من وحي لقاء الجالية السودانية في ناديهم بسلطنة عمان وفداً حكومياً ضم نائب رئيس جهاز المغتربين السودانيين . وكان لود الخضر كعادته قدح معلى في هذه الليلة أتى على ملخصه في مقاله الإلكتروني .. ولولا ضيق المجال لاستعرضت طرفاً من المداخلات الجريئة التي كانت فاتحتها المبينة لمولانا القاضي صادق سليمان ، رئيس النادي ، تلاه عدد من المتحدثين أذكر منهم الأستاذ طه جعفر الريفي والمهندس صلاح حسين ومولانا الدكتور الطاهر الدرديري والأستاذ عمار محجوب والأستاذة زينب أبوشوك .
    ما أضافه الأستاذ محمد أحمد الخضر إلى المظالم والمآخذ وسوء المعاملة وفرض الأتاوات التي جأر بها المتحدثون ، أنه دعا إلى إنشاء اتحاد للمغتربين يتولى رعاية مصالحهم بدلاً من أو عوناً للجهاز الذي لا يتعدى اختصاصه إختصاصات مجمعة للوزارات المعنية بالجوازات والجمارك والضرائب والزكاة في مقر واحد .
    وفي مقاله المشار إليه ، لم يضن الأستاذ على القارئ بمقترح عملي يقوم عليه الاتحاد من حيث الإمكانات المالية والدور المنوط به ، ويتلخص ذلك في :
    1- خصم مائة دولار من الرسوم التي يدفعها المغترب للحكومة لصالح صندوق الاتحاد .
    2- تخصيص هذا الخصم أو جزء منه لأسهم المغترب في شركات استثمارية ومؤسسات مالية وتجارية وتربوية لتخدم أهداف المغتربين الفردية والجماعية والوطنية يؤسسها الاتحاد .. وبما يوفر فرص عمل للعائدين .
    3- أنظمة الاتحاد وتشكيلاته ولوائحه التنفيذية تخضع للنقاش والتداول ومبادلة الرأي بين المغتربين .

    وفي رأيي المتواضع ، (بل المتعاظم لكثرة ما فكرت وناقشت وكتبت في الهم السوداني وأحوالنا وقضايانا) فإن فكرة الاتحاد في ذاتها فكرة عملية تحتاج إلى قليل من المساعي والتدابير التي تتحد حولها كلمة السودانيين في مهاجر المعمورة . تختزل هذه الفكرة (المؤسسية) أهم ما تَطلَّعَ إليه المثقف والمفكر السوداني الملتزم من حلول لمعضلات الوطن الثقافية والاجتماعية والحياتية ، على الأقل فيما يخص المغتربين من مسئوليات منسوبة إليهم طبعيا نحو بلدهم ونحو أنفسهم . عبر ما عاشوه من انتكاسات وطنهم ، وهم حضور أو في حالة فرار متتابع من جحيم التسلط وتغييب الحريات وإذلال العقول والملكات أو في أدنى سلم الإهانات إفقار الطبقة الوسطى وحرمانها من لقمة العيش اليومية ، أدرك الفارون إلى (أي خارج) مدى مصيبتهم في أهلهم وأرضهم .. والذين غاب وعيهم عندما أحسوا بالنجاة المتماهية الوقتية في المهاجر والمنافي ربما صمتوا وأسرُّوا في مكنوناتهم (أنا مالي فقد نجوت) . كل هؤلاء معنيون بعمل كبير مسنود إلى الجماعية والشراكة يصب عبر ذواتهم ومصالحهم في إعطاء معنى لوجود وطن له تاريخه العريق ونضالاته المريرة من أجل البقاء الكريم . وكفانا قعودا وموت همة إدمان "الفرجة" على "حرق وطن" بأيد إستلبت لنفسها أثمن ما فيه . إن مشكلتنا الحقيقية في الطبقة المتعلمة التي وصلت إلى أعلى مراتب التعليم بعقل محور محصور على الأداء الوظيفي المكتبي (الأفندية) ، وهي المسئولة ، بتخليها عن دورها الاجتماعي ، في استخفاف الأنظمة الدكتاتورية بالسودانيين وفرض إرادتها وتسلطها عليهم عبر ثلاثة انقلابات حكمت السودان كيفما أرادت . ولأن "السياسة" إمتدت واستطالت لتملأ فراغ العمل المؤسسي الاجتماعي والثقافي الذي لم تنهض به قوى المجتمع المدني المستنيرة ، في بيئة خربة من الإنجاز والبناء ، كان من البدهي أن تفرز هذه السوالب أنظمة حكم الفرد وطغيانها طالما كانت تحمل السلاح ، وإن كان حامله في أدنى سلم المعرفة بأصول الحكم والسلطة .
    إن اعترافنا الجمعي بأخطائنا وجريرتنا التي أدت إلى شل الحراك الوطني وجموده وتراجعه ، واستسلام النخبة إلى واقعنا الاجتماعي المختل والعقيم دون مسعى نابع من ذاتنا لتغيير حقيقي أفضل ، هو بوابة المرور لعهد جديد من الحركة لرص الصفوف ، خارج أطر السلطة ، وخارج النشاط السياسي .. لإحداث معادل يناظر سلطة الدولة ؛ وسيلته وغايته العمل الاجتماعي الثقافي المحقق للتقدم والتنمية وبناء السودان . لا بد من صحوة نطرد بها أسباب الإنكسار وانعدام الثقة بالذات ونكبح بها استصعابنا الذي لازمنا طويلا وأعاق قيامنا بأي عمل أو مشروع جمعي . فقط لو نظرنا إلى بعض رواد السودان في العمل الاجتماعي – رغم قلتهم وتواضع إمكاناتهم الشخصية والتعليمية – كالرائد بابكر بدري ، لأحسنَّا استخلاص الدروس لإرادتنا المعتلة . وربما فإن نخبنا من كبار الأساتذة في الجامعات ومحافل العلم والمهن الصفوية لبلغهم الحياء والخجل على عجزهم ونكوصهم عن أداء رسالة إجتماعية أدنى مما قام به رمز كبابكر بدري ، في الحقل الذي إختاره .. وبمبادرة فردية تحدى بها كل عوامل التخلف والبدائية التي وقفت في طريقه – بيئةً وبشراً وموارد .
    والآن فالدعوة إلى إتحاد للمهجريين تقيل النخبة التي ذكرناها من أية مهمة فردية فيها عنت وأثقال ، فالطريق أمامهم يسر نسبيا ، لا كالذي أدمى قدميّ بابكر بدري .. ليس عليهم إلا تعزيز هذه الدعوة والمسارعة إلى احتضان الفكرة والسهر قليلا لتنفيذها ومباشرتها . والاتحاد مثل يجسد توجها أصيلا لعمل الجماعة الحرة المبادرة للبناء نقيضا للهدم ؛ وظني أن الفكرة جاءت متأخرة من مثقف سوداني تتمثّل فيه طبائع القيادة والزعامة الغريزية ، بعد أن غفل عن هذه الفكرة السامقة زهاء ثلاثة عقود أمضاها في المهجر .والخلاف الوحيد بينه وبيني أنه ركز على الجوانب النفعية للاتحاد الذي يدعو إليه ، حين إني أقتنص هذا الاتحاد ضمن فكرة المؤسسة الجماعية التي يمتد شأوها لتشمل إلى جانب "النفعيات والاستثمارات" خلق بنى ثقافية تصدق لنهضة البلد وتقدمه وتوحيد شعب ما زال يتنفس في عصر الدويلات القبلية (ولكن بظاهر دولة مبتسرة التشكل) . والاهتمام بالثقافـة ليس من عندي ، بل إجماع من الفكر العلمي أنها تتقدم على الاقتصاد وقوة المال والعتاد كمقوم أكبر وأساسي في حـركة تقدم الشعوب وقوة حضارتها ومنعة وجودها . كذلك فالمعنى من "الثقافة المؤسسية بصنع وفعاليات وتصميم الأشخاص المدنية المبادرة" ليس حصرا على الآداب والفنون والعلوم الإنسانية كما يتبادر للذهن ولكنه يشمل العلوم التطبيقية والتقنية والأبحاث العلمية والطبية وإشاعة تهيئة وتأهيل الكوادر الوطنية من الأيدي الماهرة في مجالات التصنيع والمهن الفنية ... الخ .

    = (للموضوع بقية في عدد آخر : للإجابة على الاستفسارات في صدر الحديث وذلك لكشف الخطوات العملية التي تؤمَّن قيام هذا الاتحاد) .
                  

06-18-2007, 11:39 AM

KalamSakit


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: ثلاث رسالات مؤداة إلى ثلاثة أقلام سودانية ساهرة (Re: KalamSakit)

    **
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de