سمير عطاالله يرثى البدوى الأخير

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 08:25 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثاني للعام 2007م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-11-2007, 10:09 PM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 30720

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
سمير عطاالله يرثى البدوى الأخير

    Quote: البدوي الأخير

    كان فيه من معالم البادية وملامحها وصفاتها حتى بدا كأنه «البدوي الأخير». فقد كانت قامته من علو كثبانها، وشجاعته من قدرية تحدياتها، وفي نهجه كان مثل سيوفها، مغمدة إلا في الذود. وكانت البادية تسكن فيه كأنها تريده نموذج «البدوي الأخير». رمح قائم على حراسة عاداتها وتقاليدها ولهجتها ونخوتها وعلى حكاياتها وأماسيها والعشيات الخوالي في المضارب.

    نقل البادية معه إلى الرياض. ونقل حكايات عشياتها إلى ضفاف بحيرة الليمان. ومن خوفه عليها راح يدونها في الكتب مثل «حاطب ليل ضجر». أو هكذا كان يحلو له أن يتكنى بفوضويات الصحراء وسرى الليل الطويل. لكنه لم يكن حاطباً ولا ضجراً. كان مذهل التنظيم، عديد الكفاءات، كثير التوقد والانفتاح أدرك مبكرا أن البادية للجذور والتطور للتقدم. وكان، خصوصاً، دؤوبا بلا تعب. في سمان السنين وعجافها. وكان يفاخر أن المدرسة الوحيدة التي تعلم فيها وفيها درس وفيها تخرج، كانت مدرسة موحد الجزيرة ورافع علم الوحدة الأول منذ سقوط غرناطة.

    كان الرمح الحارس أيضاً أشبه بأمين متحف على التراث المروي لسيد الجزيرة. أمضى عمره يلتقط الكلمات، ويصغي إلى المقابلات، ويدقق في المنسوبات، ويقارن في المقولات، وكأنما رسالته أن يرد أي خطأ يمكن أن ينسب إلى الملك الذي رعاه شاباً وجعله في المكلفين والمقربين.

    «البدوي الأخير». أو ربما آخر الرعيل الأول، من أولئك الذين قدر لهم العمل مع عبد العزيز بن عبد الرحمن. وقد كانت أوسمة هؤلاء في مجرد الانتساب إلى المرحلة التاريخية التي شهدت، في تراكم الرمال والأرباع الخالية، قيام الدولة التي سوف تصبح رمز العمران وقد كان عبد العزيز التويجري شاهدا وعاملا في مراحل النشوء والنهوض. وكان موضع ثقة الملك الأب والملوك الأبناء.

    كلفوه المهام وأوكلوا إليه. وفي سنواته في «الحرس الوطني» كان ثقة الملك عبد الله بن عبد العزيز. وبسبب آدابه وشغفه بالمعرفة وحبه للتاريخ والكتابة، أعطى «الحرس الوطني» الكثير من هذه الصورة. وارتبط اسمه في أذهاننا بمهرجان الجنادرية. وخلال المهرجان كانت الاحتفالات تقام في المقرات، أما اللقاءات الثقافية الدافئة فكانت في حديقة الشيخ عبد العزيز الذي كان، بكل قامته التي تشبه الرماح، يحرص على أن يستقبل ضيوفه على مدخل الحديقة، ويودعهم بعده بقليل.

                  

06-11-2007, 10:29 PM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 30720

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سمير عطاالله يرثى البدوى الأخير (Re: jini)

    Quote: رحيل مدرسة

    كيف يكون الحديث عن رجل بقامة الشيخ عبد العزيز التويجري ـ رحمه الله ـ كيف يكون الحديث عن رجل موسوعي متعدد المواهب والمقدرات؟ رجل عاش هذا الزمان بمتغيراته المتسارعة.. وخبر الماضي بنقائه وقسوته.. فاجتمعت به وله ثروة من الخبرة والحنكة التي صقلتها التجربة وعمقتها الرغبة الملحة في معرفة المزيد.. لقد كان من حسن الطالع أن أتيحت لي فرصة امتدت لقرابة الثلاثين عاماً كنت فيها على مقربة اجتماعية وإنسانية وعملية من هذا الشيخ الجليل، الذي قيل وسيقال عنه الكثير.. وإذا جاز لي أن ابدأ حديث الذكريات هذا فإن أفضل مكان لهذه البداية هو اللحظة التي سمعت فيها صوته الرزين ينداح عبر الهاتف في يوم دافئ من أيام دراستي في واشنطن.. سألني ولم أكن قد رأيته من قبل، عن أحوالي وأحوال زملائي وسأل عن الأهل والأقارب.. ثم دعاني لمرافقته إلى غداء اقامته شخصية أميركية مرموقة على شرفه، ودعي اليها أحد أنصار العدل الكبار في واشنطن.. وأقصد بذلك السناتور جيمس فولبرايت.. كانت رؤية فولبرايت والحديث إليه حلم كل عربي، خصوصا أن مواقفه من حرب السويس وحرب فيتنام كانت منسجمة مع ما كنا نقول به ونتطلع إليه.. ها أنذا إذاً في حضرة رجلين جمعا أحلام الشرق وموضوعية الغرب..
    بدأ الشيخ عبد العزيز مداخلته القوية بحديث شيق عن القواسم المشتركة بين بني البشر.. وكيف أن الأديان السماوية، والإبراهيمية منها بالذات، تدعو إلى العدل والتسامح ونشر قيم الخير والإحسان.. ثم انطلق من هذا إلى حديث مؤثر عن عذابات وأشواق الشعوب العربية والإسلامية ومعاناة الشعب الفلسطيني، وكيف أن اتفاقية كامب ديفيد (التي وقعت منذ أيام) لا تلبي طموحات هذا الشعب..

    كنت خلال هذا الحديث أرصد وأراقب رد فعل السناتور فولبرايت فرأيت علامات التأثر بادية على ملامحه وكانت تلك بداية لصداقة عميقة بين الرجلين..

    ادركت منذ تلك اللحظة انني ازاء مثقف ملتزم بقضايا أمته يدافع عنها رغم سنه المتقدم بحيوية واسلوب لا يجيده سواه.. أمر آخر لفت انتباهي في مداخلات هذا الشيخ وملاحظاته.. فقد كان حريصا على عودة الشباب السعودي والعربي لاوطانهم ليساهموا في خدمتها.. وكان ايضا مهموما بما يمكن عمله لتقديم الرؤية والمعاناة العربية على الساحة الامريكية... وكان تواقا لمعرفة الآخرين والوقوف على رؤاهم وانجازاتهم واخفاقاتهم ايضا.

    المثالي الواقعي

    الذين قدر لهم ان يقتربوا من هذا الشيخ الجليل انفتحت اعينهم على شخصية جمعت في مزيج عجيب ونادر بين الواقعية بكل ما تحمله من صلابة وتماسك.. والمثالية المسكونة ببساطة الحياة وسمو النفس ورهافة الاحاسيس، حتى انه يخيل اليك احيانا انك امام شاعر غير معني بحقائق الحياة ومتطلباتها القاسية.. تنصت اليه وهو يتحدث برومانسية متناهية عن عمرو بن أبي ربيعة وعن غيره من الصعاليك وعن زهدهم في الحياة، فيخيل اليك ان الرجل افلت من اسار الزمان والمكان.. وتسأل نفسك أليس هذا هو ذات الرجل الذي يكلفه ولاة الأمر بأدق المهمات واثقلها..

    فتحت هذا الجسد النحيل كانت تتصارع وتختلف وتتحاور وتأتلف عشرات التيارات والآراء والرؤى.. فقلبه الذي اتسع لتيارات الفكر والعقل المختلفة لم يكن يضيق سوى بالخرافة والنظرة الضيقة للناس والاشياء، يقرأ مذكرات رجل كميشيل روكار الوزير والمثقف الفرنسي النابه فيراسله ويفتح معه حوارا جريئا وحضاريا، تود لو انه أطره ونشره.. انت في ذات الوقت امام الرجل المعجب بقوة بانجازات العلم والعلماء المتابع لقفزات الطب وعلوم الفضاء.

    بنفس السهولة والاريحية يجالس عبد العزيز التويجري شيخ قبيلة يشاركه حديث الذكريات والمعارك مع بطله عبد العزيز... ثم تراه في لحظة اخرى في حديث شيق مع مسؤول غربي كبير يناقشه بوعي وبصيرة حول متغيرات العصر وحوار الثقافات وتطلعات الشعوب وحقها في حياة كريمة، لا يستقيم الكون ولا يهنأ العيش بدون مراعاتها..

    يحدثك عن حياة طه حسين ومعاناة وعبقرية المتنبي بحميمية مذهلة.. ثم تدلف الى مجلسه العامر دائماً لتجده مسترسلا في حديث من القلب مع أحد أعيان قرى نجد، التي خبرها صغيراً يسأل عن العوائل والاشخاص.. عن ابنائهم واحوالهم وكأن المسؤوليات لم تحمله بعيداً عن هذه القرية وأهلها منذ زمن بعيد..

    قد يكون مجلسه مكتظاً بالضيوف والأصدقاء لكنه كان قادراً على أن يشعر كل واحد فيهم بأنه محط اهتمامه الشخصي.

    كل هذا الحب لعبد العزيز

    رأيته وسمعته يناقش وفوداً أجنبية كثيرة في مواضيع مختلفة، لكن موضوعاً واحداً كانوا يلحون على سماع المزيد عنه.. أقصد بذلك الحديث عن بطله وبطل هذا الشعب، الذي استطاع أن يذلل الصعاب الجغرافية والقبلية ليحقق وحدة هي اليوم مضرب الأمثال.. فقد كانت احلى وأجمل ساعاته تلك التي يقضيها مع وفد أجنبي أو مع مثقف غربي أو مع شاب سعودي يحدثه عن عبد العزيز وما واجهه من تحديات.. يروي القصة تلو الأخرى عن أيام خبرها.. كان المرء لا يأمن فيها على نفسه أو عرضه.. وفي كل هذا الحديث عن عبد العزيز فهو لا ينسى استحضار معاركه.. مراتعه.. انتصاراته.. وانتكاساته.. وقدرته على الجمع بين الرحمة المتناهية وحزم قد من حديد.. أحد الضيوف الأجانب سألني ذات مرة عن سر هذا التعلق بعبد العزيز.. قلت له إن شعبنا يرى في عبد العزيز جملة أمور عبر عنها الشيخ في مواقع مختلفة وفي كتب متعددة.

    فهو يرى فيه خلاصة شرعية حقيقية امتدت لمئات السنين..

    وهو يرى فيه الرجل الذي استطاع أن يمسح جراح اناس روعتهم الحروب والغزوات.. وانهكتهم الصراعات القبلية.

    اناس فقدوا ابناءهم في صراعات عبثية.. واختطف المرض والكمد ما تبقى من احلامهم.. ثم يحدثك عن شخصية عبد العزيز التي جمعت الحكمة والحلم وفهم طبائع قومه وآمالهم.. فقد استطاعت شخصية عبد العزيز ان تجمع فيها وحولها كل العناصر المكونة لهذا النسيج الوطني الفريد.. وهو يرى ان عبد العزيز ربما كان آخر الزعماء التاريخيين الذين تمكنوا من تحقيق المعجزات الكبرى في ظروف ليس بعد قسوتها قسوة...

    سألني اكثر من صديق عن سر هذه الحيوية المتدفقة في شخصية شيخنا.. قلت له: لا أدري.. لكنني اعجبت منذ وقت طويل بشوقه الكبير للمعرفة. فقد كان الرجل حتى آخر ايامه المديدة منبهرا بالحياة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى:

    * كان منبهرا بعبد العزيز وبملحمته..

    * كان منبهرا بالمتنبي وعبقريته..

    * كان منبهرا بالعلم والعلماء..

    * كان منبهرا بالطب وانجازاته.

    * كان منبهرا بالفضاء والكون.. سعته ومعجزاته.

    * وفوق هذا وقبله فقد كان منبهرا بالقرآن.. حكمته.. مفرداته وآدابه.

    * كان هذا الانبهار او ان شئت الدقة حب المعرفة هو الينبوع الذي ـ بعد مشيئة الله ـ منحه هذه الاطلالة القوية والطويلة على الحياة.. هذا الحب للحياة وللناس تمثل ايضا في الكثير من عمل الخير..

    * فقد كانت يد الرجل تمتد في الخفاء لعائلات وأرامل وايتام بدون ضجيج او جلبة.

    احد المثقفين الغربيين قال ذات مرة: ان هذا الرجل ثروة قومية.. كم كان صادقا!

    * رحم الله شيخنا.. وشمله وأموات المسلمين بعفوه ورحمته..

    عبد الرجمن حمد السعيد


    التعليــقــــات
    ماجد الخالدي، «المملكة العربية السعودية»، 11/06/2007
    سمعت في أحد الأيام أن الراحل كانت له اهتمامات فكرية متعددة يستغرب من كان مطلعاً على ملامح ثقافة الجزيرة العربية التقليدية المحافظة اهتمام أبنائها وقراءاتهم لتلك الموضوعات والأفكار ولكن الحقيقة هي أن (الإهتمام هو سر العبقرية) حين يصل إلى درجة الهوس عند بعض الأفراد الذين وصفوا بتلك الصفة الجدلية (العبقرية) يمكننا القول إن الشيخ الراحل المخضرم كان محظوظاً حين شاء الله أن يرافق نشأة المملكة على يد الراحل الملك عبد العزيز رحمه الله وغفر له فقد عاش مرحلتين من الزمان السعودي مرحلة التأسيس ومرحلة الإنطلاق في ركب الدول الحديثة ولهذا كان الشيخ التويجري من أقدر من رصد ووثق رحلة الدولة والشعب بين جميع من كتبوا عن هذه الدولة الفتية في قلب الوطن العربي.

    العقيد الركن المتقاعد مجاهد جميل سمعان، «مصر»، 11/06/2007
    صدقت يا دكتور عبد الرحمن، فأنت أجدر من أي إنسان آخر لوصف سيرة هذا الإنسان المارد في أفعاله والشجاع في مواقفه والمعطاء طوال حياته، فلقد عشت إلى جانبه بالحرس الوطني الذي أعطاه الشيخ الراحل إلى جنات النعيم كل حيويته وخبرته وإبداعاته الإدارية والثقافية والسياسية ,,,,
    عرفت الفقيد الكبير على مدى ثلاثون حولاً، ومع ذلك فلن أستطيع إرضاء ضميري في وصف خصاله وسيرته كما فعلت في هذه المقالة الرسالة....
    رحم الله أبا عبد المحسن وأسكنه فسيح جنانه وليتابع أشباله - عبد المحسن وخالد و.. و..رسالته الوطنية والعربية والإسلامية إلى جانب الملك عبد الله، خادم الحرمين الشريفين، من حيث ترك والدهم لتقر عينه في الجنة كما كانت في الدنيا


                  

06-12-2007, 06:31 PM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 30720

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سمير عطاالله يرثى البدوى الأخير (Re: jini)

    اتوقع ان نقرأ نعيا موثرا عن الاديب الراحل بقلم صديقه ونديمه العملاق الطيب صالح
    جنى
                  

06-19-2007, 06:20 AM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 30720

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سمير عطاالله يرثى البدوى الأخير (Re: jini)

    Quote: التويجري.. الإنسان الملهم الذي تقمصته روح المتنبئ

    لم أكن أنشط ذاك المساء لقراءة الصحف والمجلات العربية التي تتراكم كالهم على القلب، وتتزايد وتتضخم من دون حاجة واضحة، فقد بدأ لي أنني أعرف ما بداخلها حتى وهي مغلقة ومغطاة بالقدر الذي يجعلها تستعصي على مطالعة المتطفلين والمحتاجين، وما كان في نفسي من إحباط لا يتحمل المزيد. ومع ذلك وجدت نفسي من دون إرادة مني ـ وربما بحكم العادة ـ أمام ركن عرض الصحف العربية في مجمع المدينة التجاري بالدوحة، ورغم أن الصحف كانت ترقد فوق بعضها، فقد رأيت الخبر بل أحسسته يتصدر الصفحة الأولى لجريدة «الشرق الأوسط»، وقد غطت بعض جوانبه الصحف الأخرى. الفقرة الأولى تحمل نعي خادم الحرمين الشريفين. وفي السطر الثاني ظهرت كلمة «التويجري» وسحبت الصحيفة، وأنا استعصم بالوهم أن يخيب الظن المفجع في ذهني، كما استعصم المتنبئ بالتكذيب حين فجعه الخبر:

    طوى الجزيرة حتى جاءني خبر... فزعت فيه بآمالي إلى الكذب

    نعم الموت الحق، وقد كنت أعرف أن الرجل العظيم كان يصارعه لبعض الوقت، ولكن الموت يفاجئنا ويفجعنا وإن وتوقعناه.

    وللحظة بقيت مذهولاً أتلفت يمنة ويسرة، أبحث عن شخص أشاركه لذعة المصاب. وقد هالني أن أحسست بهذا الكم الهائل من البشر في شغل عني بمشترياتهم ومشاغلهم. ما سمعوا بالشيخ الذي رحل عن عالمهم، وما قرأوا له وما أحسوا بفقده حينئذ فقط تتجلى لك نعمة الجهل. وامتدت يدي الى الهاتف النقال أطلب الطيب صالح في لندن. لا أدري إن كنت أنوي تعزيته، أو التمس منه العزاء أم أزف اليه خبراً أعلم أنه قد وصله.

    كان الشيخ التويجري يعني للطيب صالح وأنا، أكثر مما يعني للكثيرين، كنا نلتقي به كلما جمعتنا الظروف في الرياض ولندن ونيويورك، نتجاذب الحديث في الفن والأدب والفكر. وكثيراً ما كنا نتوقف عند أبي الطيب. وكان ذهنه متوقداً دائماً وقلمه نشطاً يسابق ما تبقى له ولنا من زمن. كان ذلك قبل أن يدهمه أصحاب الحاجات والأقلام. وحين اتصلت، كان الطيب قد قضى شطراً من ذلك اليوم، يعد مقالاً عن الراحل العظيم لمجلة «المجلة» ثم منعه المرض من المواصلة، ولم يكن في وضع يسمح له بالحديث معي. وبقيت وحدي مع الخبر والذكريات.

    كان معالي الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري واحدا من أبرز أعلام السعودية الكبار، وهو واحد من ثلاثة مبدعين لم يفلح المنصب الكبير في كف ألسنتهم وتغييب مشاركاتهم الأدبية والفكرية. وهم أصحاب المعالي الشيخ عبد العزيز التويجري والدكتور عبد العزيز الخويطر والشيخ عبد العزيز سالم. اذا قدر لك أن تعرف واحداً منهم فقد كتب لك حظ عظيم. وهبهم الله قدراً من الانسانية والرجولة والوفاء والوعي والعمق، لم يتح الا لنفر نادر في هذه الدنيا. وتشربوا بحب هذا الوطن وتراثه وترابه ووهبوا حياتهم لخدمته في تفان لا يتطرق اليه التردد والوهن.. وكتب لثلاثتهم أن يحملوا نفس الاسم، وان يخدموا بلدهم في أدق مراحل تطوره من مواقع قيادية مسؤولة، في نزاهة وتجرد وبعد عن الصغار. اختارتهم لمواقعهم قيادة راشدة تعرف كيف تختار، وتعرف كيف تضع الرجال في موضع الرجال.

    وراء مظهرهم الرسمي. ومواقعهم الحساسة تكمن عند كل واحد من الثلاثة، قدرة فائقة على العطاء الفكري الثقافي الثر. تفجره موهبة إبداعية فذة، وقدرة على التعبير الذكي اللماح، ورأي ثاقب أنضجته التجارب. وأصالة متصلة بالأرض والتراث.

    وكل واحد منهم حريص أشد الحرص على أن ينأى بموهبته الادبية بعيداً عن الأضواء، تواضعاً وزهداً في الشهرة، وبعداً عن التباهي وحماية لمواقعهم أن تخدش من قريب أو بعيد، من المتسكعين في الطريق العام، وضنا بموهبتهم من لغو الدهماء وسدنة الملق والزيف والتهريج من أصحاب الاقلام.

    أما الراحل العظيم التويجري، فقد احتفظ بموهبته لنفسه لا يدري أحد حتى اقرب المقربين اليه، كيف استطاع ان يكبح جماح هذه الموهبة، وان يسجن هذه القدرة الابداعية في اعماق ذاته. وحتى عندما تكشفت بعض جوانبها ـ قطرة من بحر واسع بلا قرار ـ رفض أن يعرضها على الناس ضنا بها من تأويل المتأولين وتخرصات المتخرصين. ولولا حفنة من أخلص أصدقائه والمقربين إليه، وكلهم يضعونه في حدقات العيون ظلوا يلحون عليه الحاحاً فوق احتمال البشر، لظلت هذه الموهبة قابعة في غيابات الذات، ولما قدر لها أن ترى النور.

    وفي لندن تعرفت بمعالي التويجري، سمعت عنه كثيرا قبل ذلك من نفر من الأدباء، وحدثني عنه باستفاضة صديقي الروائي الكبير الطيب صالح. حدثني عن أدبه في انبهار ما لمسته فيه من قبل. وهو الأديب الذي تفتحت عيناه على آداب شكسبير وروسو وموبسان والجاحظ وامرئ القيس والمتنبئ وشوقي وطه حسين والعقاد. حدثني بعد ان اطلع على بعض ما كتبه الشيخ التويجري في بعض رسائله. حدثني عن اصالته ورصانته وفكره المضيء في اعجاب كمن يتحدث عن معجزة، وفي فرحة كمن وقع على كنز، وما كان صاحبي ممن يلقي القول على عواهنه.

    وحين ساقني القدر اليه ذات صباح ممطر في لندن، بدأت تتضح امام عيني شيئا فشيئا اسباب هذا الانبهار. وجدتني فجاة في حضرة موهبة طبيعية فذة، توشك ان تكون غريزة مطبوعة، فهي ليست صدى لقراءات أو ظلا لمؤثرات تطل برأسها من وراء أرفف المكتبات المغبرة، فهي موهبة تعب من نفس النبع الطبيعي الأصيل، الذي عب منه كبار شعرائنا وكتابنا كأمرئ القيس والنابغة والجاحظ، ففي صوره وأخيلته ومنحى تعبيره وتفكيره نكهة الصحراء وروح الصحراء في اصالة ما ظننتها ممكنة في هذا العصر: اصالة مرتبطة بالأرض دون ان يعوقها هذا الارتباط عن التحليق في اجواز الفضاء. وأدركت ما كان يكرره شيخنا الراحل في تواضع لا يخلو من اعتزاز انه تخرج من مدرسة الحياة. ما لم يقله، ان الحياة قد كشفت له عن اسرارها وخباياها، وعلمته اسماءها وكان ذلك مصدر نبوغه وتفرده.

    واجهتني هذه الموهبة الفذة منذ اللحظة الاولى، حين جلس يملي على جليسه كلمات إهداء لشخصي تموج بتساؤلات عميقة عن الكون والوجود ورسالة الإنسان. وكانت كلماته تنساب في اقتدار ووضوح رؤية، كما لو كان يقرأ من كتاب مفتوح. وعندما ذهبت بعد ذلك مدفوعا بحب الاستطلاع لأقرأ بعض الذي كتب، تملكني الذهول والعجب. وقرأت وأعدت الذي قرأت وازداد العجب: العجب ان تظل هذه القدرة الإبداعية حبيسة عبر كل تلك الاعوام الطويلة. كيف لم تنفجر وتحطم امامها كل سدود الحذر والشك والحياء لتغمر الجبال وتسيل في الصحاري والوديان التي نضبت وجفت من كثرة ما ترسب فيها من هذر أجوف؟ كيف لم تتمرد على قيود التواضع والكبرياء التي حبستها كل هذه السنين؟

    ولست أدعي لما اكتب غير انه مجرد انطباعات في خضم الاحساس بالفجيعة والفقد، فلم يكن الراحل المغفور له بإذن الله الشيخ عبد العزيز التويجري، مجرد انسان موهوب، بل كان نموذجاً من نماذج العطاء الذي يرفض أن يعلن عن نفسه في عالم مليء بالصخب والضوضاء واللافتات المضيئة. هذا العطاء يحتاج الى أكثر من كلمات التأبين، وهو ما نرجو أن نتفرغ له في لحظات قادمة ان شاء الله.

    رحم الله فقيد الأمة الشيخ عبد العزيز بن عبد المحسن التويجري، وجعلنا على الأقل أهلاً لنتأمل ما تركه لنا من فكر وإبداع. والعزاء لابنه صاحب المعالي الشيخ عبد المحسن وإخوته الابرار، الذين أصبحوا لنا بفضله ورعايته أخوة وأحبة وأشقاء.

    * كاتب وأديب سوداني
                  

06-19-2007, 08:30 AM

Ahmed Yousif Abu Harira
<aAhmed Yousif Abu Harira
تاريخ التسجيل: 10-19-2005
مجموع المشاركات: 2030

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سمير عطاالله يرثى البدوى الأخير (Re: jini)

    صباح الخير يا جني

    Quote: كاتب وأديب سوداني



    من هو؟

    سقط الاسم سهوا لا شك.

    بس عايزين نعرف الكاتب لو سمحت


    ولك الشكر مقدما
                  

06-19-2007, 04:21 PM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 30720

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: سمير عطاالله يرثى البدوى الأخير (Re: Ahmed Yousif Abu Harira)

    Quote:

    من هو؟

    سقط الاسم سهوا لا شك.

    بس عايزين نعرف الكاتب لو سمحت


    ولك الشكر مقدما



    اشكرا للتنبيه الكاتب هو دكتور محمد ابراهيم الشوش
    جنى
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de