|
|
 ينصــــــر ديــــن الأمـــــة..!! بقلم رباح الصادق المهدى
|
في الفترة ما بين 21-22 مايو الجاري، عقد حزب الأمة القومي اجتماع هيئته المركزية وعضويتها تبلغ الستمائة بالكاد، انتخبوا بين حوالي أربعة آلاف مؤتمر في المؤتمر العام السادس للحزب. توفى منهم 15 شخصا، رحمهم الله، وانحتَّ منهم برياح «كشكش تسد» أو انجذب بمغناطيس «بريق السلطة» 23 عضوا، هداهم الله، قال رئيس الحزب: «هذا مع أن ما صرفه المؤتمر الوطني على الاختراق والاستمالة والتوظيف دفعه واحدة، وشهريا، وفي عرقلة زياراتنا للأقاليم، لا يقل عن «20» مليار جنيه. هذه الأرقام أرجو أن تنشر بعد مراجعتها، لأنها شهادة قوية لصمود عناصر هذا الكيان». حضر حوالي 74% من عضوية الهيئة المركزية من ولايات السودان المختلفة للاجتماع، ورابطوا طيلة يومين كاملين محتقبين أوراق وخطابات رئيس الحزب ومسؤوليه التنفيذي والتشريعي. ناقشوا بشفافية واختلفوا بأسلوب حضاري.. ونحن اليوم نتداول حول الاجتماع التاريخي المذكور.
كان الاجتماع قد عقد بعد غياب طال، فالحزب أثقلت كاهله ديون المؤتمر العام السادس «أبريل 2003م» الذي زادت تكلفته عن المليار جنيه، وأعلنت عليه الإنقاذ حرب السبعة عشر عاما الطويلة التي مهما اختلفت في درجاتها السياسية، أبقت على قمة التضييق الاقتصادي على قياداته وكوادره العاملة، حتى تذعن وتركعها رقة الحال.. تعمل وسطهم تذكرهم بعيالهم وتمنيهم.. وهي ذاتها الحرب الاقتصادية المسلطة على كافة الشعب السوداني بأن انضموا لطوابير «الإنقاذ» المائلة حائلة اللون، أو موتوا جوعا وعيالكم!، إلا أن نصيب الأمة منها كان الأكثر والأشد ضراوة.. عقد الاجتماع برغم ذلك مكلفا أكثر من مائتي مليون جنيه سوداني، دفعها الأمة برغم ضيق الإمكانات ليمول بها اجتماع الوقفة مع الذات الحزبي، والبحث في الشأن الوطني.
دخل الأمة الاجتماع والهواجس في الرؤوس كثيرة، بعضها دفع البعض حتى للتوصية بأن يوضع للاجتماع سقف في الصلاحيات وخطوط حمراء فلا يناقش إلا القضايا المطروحة عليه، ولكن الإرادة الغالبة داخل الحزب كانت أن تمارس الهيئة كامل صلاحياتها وبدون فيتو من الرئيس أو المكتب السياسي أو الأمانة العامة.. فالهيئة مثل الرئيس شرعيتهما تنبع من المؤتمر العام، والأمانة العامة والمكتب السياسي شرعيتهما تنبع من الهيئة المركزية نفسها، وقد قامت بانتخابهما ولا يمكن أن يقيدها أو يضع سقوفا لصلاحياتها إلا المؤتمر العام نفسه.
أول مناسبة لاختلاف الآراء داخل الهيئة كانت انتخاب رئيس الهيئة ومقررها. وكانت بعض الجهات التابعة للمؤتمر الوطني قد توقعت للاجتماع أن يحيي الاستقطاب داخل الحزب ويشق صفوفه على أساس جهوي «أولاد الغرب وأولاد البحر». ولكن تلك كانت أمانيهم.. فقد ترشح اثنان أحدهما من الغرب «السيد بكري أحمد عديل من كردفان» رشحه أحد أعلام البحر وهو السيد علي عبد الله تمرة من الجزيرة «النائب البرلماني في آخر انتخابات عامة شرعية»، وثناه الناظر محمد علي الناير من قيادات الحزب المرموقين بـ «بحر أزرق»، وكلاهما أعلام من «البحر».. أما المرشح الثاني وهو الأستاذ علي قيلوب المحامي «من الشمالية» فبالرغم من أن ترشيحه وتثنيته كانتا من قيادات بحرية أيضا (السيد ياسر جلال أحد القيادات الشبابية من الشمالية والسيد علي «العمدة» عبد الماجد النائب البرلماني، والقيادي المرموق بـ «بحر أبيض») إلا أن التصويت انقسم على أسس لا علاقة بالنيل والغرب فيها. وبالرغم من فوز قيلوب بالرئاسة لم يحظ بكل أصوات «البحر» وبعضها صوت لعديل، كذلك لم يحظ الأخير بكل أصوات الغرب وبعضها صوت لقيلوب، فكان التنافس على أشده وفارق الأصوات قليلا، ومجملا فإن الانشقاق الجهوي الذي توقعه أعداء الأمة راح في خبر كان. وهو الذي يؤكد ما ظل الحزب يقوله إنه «مسمار النص» في السودان، والكيان السياسي الوحيد الذي يجمع بين سوداني سنار والفاشر جمعا لا فكاك منه!.!
والخبر الثاني الذي نزفه مع تهانينا لجمهور نساء السودان، هو ترشيح رجل وامرأة لمنصب المقرر، وفوز الأستاذة زينب علي العمدة بمقررية الهيئة المركزية بفارق كبير في الأصوات، داخل اجتماع غالبية عضويته من الولايات النائية وغالبتهم من الذكور.. وهذا يهزم دعاة الخطاب الذكوري من انعدام أهلية المرأة، أو عدم ارتقاء مجتمعنا لخطاب المساواة..
وسيرا نحو العدالة النوعية، فقد أقرت الهيئة بضرورة استيفاء النسبة الدستورية الدنيا لتمثيل النساء في المكتب السياسي، وقررت تصعيد سبع نساء لرفع الفارق بين النسبة الموضوعة في الدستور «20% كحد أدنى لتمثيل النساء» وبين عدد النساء في المكتب السياسي.
وحينما ناقشت الهيئة أداء جهازي الحزب التنفيذي والتشريعي، تحدث الأعضاء بلا مداراة أو مواراة أو وجل، ولم يكن من سقف للمطالبات بالإصلاح، وتعرضوا لكل شاردة وواردة، ولكن حينما طرحت مسألة الثقة في الجهازين التشريعي والتنفيذي، جددت الهيئة الثقة فيهما بأغلبية ساحقة، ووضعت لهما قرارات عديدة للإصلاح والتطوير وتحسين الأداء.. وقال أحد الأحباب: تعاملت الهيئة مع الأجهزة بأبوية فيها من القسوة والعطف معا، فحينما تكلمت كانت كمن تخوض معركة وأم المعارك مع الأجهزة التي انتخبتها: تعنّف وتلوم، وحينما نظرت في صلاحيتها للاستمرار قالت: بالتأكيد.. يرتجى منها.. وتشبيه الهيئة المركزية وتعاملها مع أجهزة الحزب كتعامل الوالد مع الولد، ذكرنا بقول الشاعر:
وقسا ليزدجروا ومن يك حاسما فليقس أحيانا على من يرحم
نعم الاستقطاب داخل كادر الحزب الخرطومي على وجه الخصوص كان واضحا للعيان، وكان محط استنكار بعض الولائيين، كما كان سبب بعض المبالغة في النقد أحيانا.. لذلك قال حكيم الأمة: كانت الاجتماعات تمرينا ديمقراطيا حقيقيا، وكان النقد فيها ثلاثة أنواع: بعضه تطلع للمشاركة نشبعه، وبعضه كيدي نسقطه، وبعضه حقيقي نستمع إليه.. وكانت فكرة توسيع مواعين المشاركة من الأفكار المجمع عليها من جميع الأطراف، فأمنت الهيئة على مقترح الأمين العام المقدم بالتوسعة في الدوائر، والأمانات التنفيذية، وأضافت إليه أمانات أخرى. أما النقد الحقيقي للأداء فقد أثمر توصيات أنزلت للأجهزة المعنية للتنفيذ.
وحينما اطلعت الهيئة على جهود جمع الصف الحزبي، أجمعت على مباركتها وأيضا الالتزام بالشرعية والمؤسسية.. وكان البعض يتمنى أن تلغي الهيئة قرار المؤسسات بفعل عاطفة القواعد، ولكن الهيئة أكدت أن عواطف القواعد مع الحزب ومبادئه أكثر من أي شيء آخر!.
ونظرت الهيئة في القضايا الوطنية الملحة: قضية دارفور «واستمعت فيها لتنوير من القيادات الدارفورية، عكست مبلغ الضيم والبؤس وانعدام الأمن هناك»، وقضية الشرق، والبؤر المتفجرة والكامنة في الشمال، ووثيقة جمع الصف الوطني «القومية»، ومسألة الانتخابات وقانونها، وقانون الأحزاب، وغير ذلك من القضايا التي ناقشتها الهيئة وبتت في أمرها، مؤكدة على ضرورة الإسراع بإنهاء المآسي الماثلة، والضغط على نظام الإنقاذ للاستجابة لمطالب الشعب المشروعة.. فرأت ضرورة العمل على أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة أو الضغط لإلغائها، الشيء الذي فهمه «نافع الإنقاذ» كتهديد للأمن أو تلويح باستخدام القوة، بينما الحزب قال ويقول إن بلادنا اليوم قد دمرها حوار السلاح «الطرشان»، والخيارات التي طرحت لا تحتاج لمزيد شرح: إما انتفاضة انتخابية، أو انتفاضة شعبية، مع تفضيل الأولى، فمن أين أتى حديث القوة والسلاح؟:
وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم..!!
الشاهد، لقد كان اجتماع الهيئة المركزية تمرينا في الديمقراطية الحقيقية بلا قيود ولا خطوط حمراء ولا وصاية من منصة أو من رئيس.. وحينما قال أحد الأحباب إن الهيئة لا تملك الشرعية وعلى الرئيس أن يتخذ ما يراه مناسبا، تصدى له الرئيس بنفسه وقال له إن شرعية الهيئة والرئيس مستمدة من منبع واحد، والهيئة هي الجهة ذات الشرعية الآن، فلا يحد من سلطاتها شيء أو شخص حتى ينعقد المؤتمر العام السابع المخطط له قبل نهاية العام بإذن الله.
وحينما انعقدت الهيئة المركزية حنى لها الجميع هاماتهم وخاطبوها بخطاب الولد للوالد، وعاملتهم تعامل الوالد مع الولد، وعنفتهم فيما رأته تقصيرا، ودعتهم للتوازن النوعي منصفة النساء بالمكتب السياسي، وربتت على أكتافهم في النهاية مجددة ثقتها ومودعة آمالها بالتوفيق.
إن كسر حواجز الإمكانات بعزيمة لا تلين، والعمل الدؤوب الذي اتصل للتحضير للاجتماع في لجان المالية والخدمات والعضوية والإعلام والسكرتارية والأمن والسلامة، والصورة المشرفة التي خرجت بها الاجتماعات في مختلف أوجه التحضير، واللغة التي سادت في اجتماعات هيئة الأمة المركزية، والنقد الذي مهما بلغ ومن أي نبع نبع التزم بأدب الخلاف، ونصرة النساء.. كلها جعلتنا، ومهما اختلفنا مع بعض قرارات الهيئة أو مجرياتها نقول: ينصر دين الأمة!.!
وليبق ما بيننا.
|
|
 
|
|
|
|
|
| |
محمد عادل
معتصم مصطفي الجبلابي
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست