|
المرض الهولندي
|
أربعة أسابيع كاملة هي عمر الاقنطاع عنكم احباءنا وقراءنا الأعزاء لأسباب مختلفة منها ماهو خاص وماهو متعلق بجمع المعلومات حول الكثير من القضايا التي سنتطرق لها قريباً إن شاء الله تعالى وما أصعب لحظات الانقطاع عنكم فلكم العتبى حتى ترضوا.
أعود فأقول اندهشت كثيراً عندما سارع وزير المالية الزبير أحمد الحسن بنفي حدوث انهيار في الميزانية العامة للدولة وأن السودان لم يستجد أية جهة لسد هذا العجز المزمن، مصدر دهشتي هو أن ما ذهبنا إليه وتوقعناه وما أكده الخبراء على صفحات (السوداني) قبل عدة أشهر لكن المدهش حقاً هو أن تظهر أعراض الانهيار في الربع الأول من العام المالي مقارنة بانهيار ميزانية العام 2006 في الربع الثالث منه.
ونؤكدها ثانية أن الميزانية معرضة للانهيار في أية لحظة لأنها تواجه اختناقات مالية حادة نتج عنها خلل هيكلي كبير وهذا ناتج بشكل أساسي عن سوء التقديرات في اعداد الموازنة، وقد تحوط وزير المالية للأمر عندما ترك البابا موارباً أمام زيادات أخرى في أسعار السكر والمحروقات تصل قيمتها إلى 50% من حجم الزيادات التي فرضت في 31 أغسطس من العام الماضي وهذا هو الخيار السهل-الخطأ الذي ستلجأ له وزارة المالية مما يزيد من درجة الاحتقان والغبن في صدور قوم مؤمنين على الرغم من وجود العديد من البدائل خاصة وأن الاقتصاد هو علم البدائل.
كان أحد أهم أسباب انهيار ميزانية العام الماضي هو سوء التقدير أيضاً، حيث تم ادراج عائدات 200 ألف برميل كايرادات حقيقية في الموازنة قبل استخراجها وبعد اجازة الميزانية من قبل مجلس الوزراء في ديسمبر 2005، كنت قد سألت وزير الطاقة د. الجاز عن مدى امكانية استخراج هذه الكمية في الوقت المحدد والمطلوب بعد أن ادرجت عائداتها في الموازنة؟!، فرد ضاحكاً مؤكداً استخراج النفط في موعده المعلن إلا أنه عاد وأعلن عن ثلاثة تواريخ مختلفة لاستخراجه وهو ما لم يحدث في حينه فشكل ضربة قاضية لميزانية 2006م.
خطأ فادح هذا الذي ارتكبه من هم منوط بهم اعداد الموازنة ويعكس تماماً ويوضح بجلاء كيف تدار شؤوننا الاقتصادية، أما الخطأ هذه المرة فهو ما لم تتحسب له وزارة المالية بعد أن ظلت تغض الطرف مراراً عن توجيه عائدات البترول لاحياء القطاعات الانتاجية الأخرى فقد بحت أصواتنا للنداءات المتكررة لوزارة المالية لأهمية هذه القطاعات التي قد تسهم في دعم الميزانية بأكثر من عائدات البترول، فقد انخفضت كميات النفط المنتجة اضافة لانخفاض السعر العالمي وتدني جودة بعض خاماتنا التي يباع البرميل منها بـ(14) دولاراً فقط.
إن تأثر اقتصادنا بالتقلبات السعرية العالمية للبترول إلى هذه الدرجة يؤكد حقيقة مهمة هي أن اقتصادنا أصيب بالمرض الهولندي وتغلغل في مفاصله بسبب الاهمال المتعمد لقطاعات الصناعة والزراعة وسوء إدارة عائدات البترول وعدم الالتزام بمعايير الشفافية والافصاح والمحاسبة وعلينا إذن أن نتهيأ لانتاج الزهور والألبان.
|
|
|
|
|
|