|
للمهتمين بالفن الغنائي السوداني - مقال أول
|
هذا المقال هو الأول من مجموعة مقالات، منها ما هو جاهز للنشر، ومنها ما يحتاج الى تنقيح. هذا المقال يهدف إلى توضيح رؤية الكاتب.
حديث قليل عن الفن الغنائي
للفن الغنائي في السودان وضعه الخاص والمتفوق، فالأغنية تملك حظا أوفر و إمكانية أكبر في الانتشار والترديد تزيد على تلك التي تحظى بها أضراب أخرى من الفنون منها ما قد يدخل كجزء من مكونات الأغنية مثل الشعر (الكلمات) والموسيقى (اللحن). ورغم أن أنواع أخرى من الفنون تدخل في تركيب الفن الغنائي–مثلما ذكرنا سابقا- لكن الفن الغنائي فرض نفسه كنوع منفصل ومستقل من الفنون ارتبط به أهل السودان ارتباطا وثيقا الأمر الذي يحتم علينا جميعا التعامل مع تلك المكانة التي يحظى بها الفن الغنائي بما يناسبها من جدية واهتمام. في البدء أحب أن أوضح أنني بصدد تعاطي موضوع الفن الغنائي بشكل عام، و دون تناول أمثلة أو التركيز على تفصيلة بعينها، كما أنني أكتب وجهة نظري الخاصة دون افتراض أن ما أكتبه يندرج تحت بند النقد الفني، فبالرغم من أنني مهتم ومتابع ولصيق بهذا المجال وأحوز معرفة جيدة، ولكني غير متخصص ولا أجرؤ على ادعاء أن بمقدوري النقد جريا على عادة من يفترضون أن إبراز وجهة النظر الخاصة في موضوعات الفن –بصرف النظر عن منطقيتها من عدمه- تعتبر نقدا فنيا. من ناحية أخرى ورغم أن هذا المقال يتضمن محاولة لتشريح طبيعة وأدوات (أو عناصر) وأغراض الفن الغنائي، إلا أنه لا يحتمل التعامل معه بعقلية كتيب إرشادات، فهو ليس إلا محاولة لترتيب قاعدة لنقاش قد يساهم في وضع ثوابت تفيد في تحليل أو تقييم العمل الغنائي. وهنا أحب أن ألفت النظر إلى أنه –وحتى هذه اللحظة- ليس لدينا أي أدوات أو قواعد متفق عليها –ومسقطة على واقعنا- لتحليل أو تقييم أو نقد العمل الفني الغنائي، مما يجعل كل المحاولات والتجارب غير خاضعة لقواعد عامة، وبالتالي غير متسقة منهجيا وتعتمد بشكل أساسي على شخصية وخلفية كاتبها. قبل الدخول في موضوع هذا المقال أود أن ألفت النظر إلى أنه ينبغي علينا أن نكون قادرين على تمييز ما يمكن أن نطلق عليه عملا فنيا، وهو المعني في هذا المقال، لأن الكثير من الإنتاج "الغنائي" في الوقت الراهن بما يعاني من العبثية وعدم المسئولية والخواء الفني لايستحق أن يطلق عليه فنا، وكثير من الناس لا يستنكف إنتاج أعمال لا ترقى لمستوى طرحها للجمهور، متذرعين بمبررات مكررة ،عادة لا تخرج عن أثنين: المبرر الأول أن هذا ما يطلبه –أو يتفاعل معه- الجمهور، والثاني أن أذواق المستمعين مختلفة ومن حق أي مجموعة أن تجد من يعبر عنها. في وجهة نظري أن هذه الفكرة مردودة دون الحاجة للخوض هنا في تفصيلات حول رسالة الفن أو المبدعين -وهي فكرة أساسية سنتطرق لها لاحقا- فالفنان يفترض فيه أنه مبدع وأن لديه ما يقدمه للجمهور، وليس مجرد مرآة ينعكس فيها ذوق الجمهور بحذافيره، وحتما تنتفي صفة المبدع عمن ليس لديه ما يقدمه، كما أن التعبير عن مجموعات ذات ذوق معين –دونما اعتبار لمسئولية ترقية هذا الذوق- ليس بالضرورة أن يصنف كفن على الإطلاق. من ناحية أخرى ازداد تواتر انتاج أعمال غنائية "وقتية"، ورغم أن بعض هذا النوع من الأعمال غير مستفز على نحو أو آخر، إلا أنها أعمال للاستهلاك المباشر وليس لديها مقومات البقاء والتأثير على أذن وحس المتلقي رغم أن بعضها قد ينجح في تحقيق انتشار ساحق في وقت محدد، وهذا النوع من الأعمال بالرغم من أنه لا يمكن اتهامه بتسبيب ضرر مباشر، إلا أنه يمكن أن يكون ضارا على المدى الطويل بتعويد المستمع على سطحية الاستماع، وتحجيم الأغنية في إطار غريزي مباشر وآني. هناك ظاهرة أخرى وهي ظاهرة إعادة انتاج أو تقديم أعمال موجودة ومعروفة؛ مبدئيا لا يمكن تبرئة تلك الظاهرة من الكسل والتقاعس عن الانتاج الجديد، كما ولا يمكن تبرئتها من الانتهازية المتمثلة في استغلال أعمال الآخرين سهلة التقبل -باعتبار تعوُّد الأذن والوجدان عليها- لتحقيق الانتشار الشخصي، ولكن رغم ذلك لا أستطيع إنكار أنه في كثير من الأحيان تخرج لنا مثل هذه التجارب بشكل أكثر اكتمالا لأعمال ما كان لها حظ التناول بشكل حرفي مكتمل العناصر بسبب زمن انتاجها أو ظرفه، كما تخرج لنا أيضا بإبداع على مستوى بعض عناصرها الفنية مثل التوزيع الموسيقي أو الأداء الفني الصوتي أو الآلي أو كلاهما، مما يجعل التعامل معها بعقلية الرفض أمر غير منطقي، وإن كنا نرفض أن يستهلك أي منتِج فني كل إبداعه في مثل هذا النوع من النشاط، فنحن بحاجة إلى الجديد. طبيعة العمل الفني الغنائي هي طبيعة إنتاج جماعي، حيث أنه عادة ما يتداخل في إنتاج العمل الفني الغنائي شخصين فأكثر، ورغم أنه في تاريخ الإنتاج الغنائي السوداني تجارب انتاج كامل بواسطة شخص واحد، إلا أن ذلك لم يكن القاعدة بل الاستثناء، فضلا عن أن ذلك لم يعد ممكنا في الوقت الراهن بطبيعة الاتجاه نحو التخصص، وأيضا مع تطور وتعدد عناصر العمل الفني والتي كانت تقتصر سابقا على الكلمة واللحن والأداء الصوتي. طبيعة تعدد عناصر العمل الفني الغنائي، وبالتالي تعدد المبدعين المشاركين في إنتاج العمل، تحرم العمل الغنائي من أن يخلق داخل مخيلة واحدة -مثل اللوحة أو القصيدة- وبالتالي فأنه ليس بمقدور أحد من المشاركين في إنتاج العمل الفني الغنائي تصور العمل بكامله من العدم داخل مخيلته منفردا. هذه الطبيعة تجعل تفاعل وتناسق وتكامل عناصر العمل الفني الغنائي مهمة صعبة بتعدد المشاركة فيه واختلاف طبيعتها ودرجتها، ولكن هذا في النهاية ما يكسب العمل الفني الغنائي طعمه كعمل متكامل (أغنية) وليس كقالب يحتل فيه كل عنصر مكانا مستقلا داخل هذا القالب المشترك. لذلك في اعتقادي أن جودة عناصر العمل الغنائي منفردة لا تنتج بالضرورة عملا غنائيا جيدا، فالعمل الغنائي الجيد توليفة منسجمة ومتكاملة من جميع العناصر حتى ولو لم تكن أيا من العناصر بدرجة متفوقة من الجودة في الحالة المنفردة. تكامل وانسجام عناصر العمل الغنائي تجعل العمل الغنائي كل متكامل، وتحتم على المتلقي استقبال العمل ككل واحد، وعلى الرغم من أن مدخل العديد من المتلقين –إن لم يكن الأغلبية- للعمل الفني يكون عادة عن طريق أحد عناصره، مثل الكلمة –كما اعتدنا تاريخيا- أو اللحن أو الصوت -وفقا للمزاج الشخصي- إلا أن العمل المتكامل يؤدي بالمتلقي –بعد تخطي المدخل- إلى عدم المقدرة على الفصل بين عناصر العمل أو التعامل معها بشكل تشريحي انتقائي، ويعتاد بالتالي على سماع (أغنية) وليس عنصر أو تشكيلة عناصر. في وقتنا الراهن مازال العديد من المتلقين يستقبلون العمل الغنائي بأذن متحيزة ومشرذِمة (بكسر الذال) تستقبل عنصرا واحد أو أثنين أو قل ثلاثة كل على حدة، وهنا قد لا يكون العيب فقط في المتلقي، فالمنتجين أنفسهم يساهموا في هذا الاتجاه بعقلية الاستسهال –إن لم نقل الإنتهازية- وذلك بعدم التركيز أو المقدرة على إنتاج عمل متكامل، أو بالإشفاق على أنفسهم من الخوض في مجهود ومعاناة انتاج عمل متكامل، ومن ثم يقومون بالتركيز على عنصر محدد من عناصر الأغنية يستطيع أن يلقى رواجا، ثم يستكملوا قالب الأغنية ببقية العناصر الضرورية كيفما اتفق ودون كثير عناية، هادفين إلى صرف انتباه المتلقي تجاه هذا العنصر الواحد ليس كمدخل ولكن كمحور للأغنية، وكعنصر طاغي على كل العناصر الأخرى التي توجد فقط بغرض استكمال قالب الأغنية، آملين -بل مفترضين-أن يقوم المتلقي بتقييم الاغنية بناء على هذا العنصر وحده. هذه العقلية ساهمت –وتساهم- في تبديد مجهود الكثيرين ممن قدموا –ويقدمون- العمل الفني الغنائي المتكامل، ويبذلون الكثير من الجهد لأجل ترقية أذن المستمع تجاه تلقي العمل الغنائي كعمل متكامل وليس فقط كقصيدة أو موسيقى أو خلافه. إستخدمت كثيرا عبارة عناصر العمل الفني، وهنا أود أن أفصل قليلا في هذا الجانب. تاريخيا في السودان هناك اتفاق عام على أن عناصر العمل الفني الغنائي هي الكلمة واللحن والصوت البشري (دون تفصيل)، وإن كانت الشخصية المسيطرة هي للكلمة و الصوت البشري أكثر من اللحن والذي لم يحظ بعناية إلا لاحقا. في اعتقادي أن هذا التصنيف أصبح مبسطا لدرجة مخلة مع التطور الذي صاحب عملية الإنتاج الفني عالميا وأنعكست آثاره علينا، ومع الاتجاه نحو الاحتراف الفني، وأيضا مع تعود أذن المتلقي على استقبال أعمال أكثر حرفية. الآن أصبح من غير الممكن إهمال وجود عناصر أخرى، كما أصبح من الضروري التفصيل عند تناول بعض العناصر، وهنا أعتقد أن العمل الفن الغنائي حاليا يقوم على الشعر واللحن والتوزيع الموسيقي وهندسة الصوت والتسجيل والأداء الآلي والأداء الصوتي. عند تناول تلك العناصر بشئ من التفصيل لا أجد حاجة للحديث عن الشعر و اللحن، فتلك عناصر ثابتة متفق عليها ولا يثور حولها خلاف إلا على صعيد تقييمها الفني في صلب العمل، أما بالنسبة للبقية فأعتقد أن قليل من التفصيل يكون مهما. بالنسبة للتوزيع الموسيقي، فقد بدأ الاتجاه نحو عدم التعامل مع الألحان بشكلها الخام، ومحاولة توظيف الأداء الآلي لكل آلة وفق رؤية محددة (لشخص أو مجموعة) بدلا عن ترك تلك المهمة لكل عازف على حدة وفق رؤيته وخياله الشخصي، وبالفعل بدأ جمهور المتلقين في الإستجابة لهذا الشكل الذي يخرج عن إطار المألوف سابقا، البعض انتقد، والبعض الآخر حبذ هذا الاتجاه حتى وإن كان دافعه فقط سماع أداء آلي منتظم ومنسق بصرف النظر عن التوزيع في حد ذاته. ورغم ذلك ما زال التوزيع الموسيقي الآلي في المهد، والتوزيع الموسيقي الصوتي حبيس تجارب منفردة متقدمة بمراحل على الاستعداد العام مما يجعله أقرب إلى الظاهرة من التطوير العام. أما هندسة الصوت والتسجيل فقد فرضت وجودها بسبب اعتماد شريط الكاسيت كوسيط أول وكاسح لانتشار الأعمال الغنائية مما أجبر الكل على محاكاة القواعد العالمية في التسجيل وذلك عن طريق أستديو الصوت، وهذا طريق ذو إتجاه واحد، لأنه بعد ذلك يصبح من الصعب على من يستمع لأعمال مسجلة داخل أستوديو صوت التفريط في نقاء الاستماع مرة أخرى، وهذا أبسط المناقب، لأن هندسة الصوت والتسجيل فن في ذاتها ولا تقل عن كونها مكمل للتوزيع الموسيقي بما تحتويه من وسائل الضبط والمؤثرات التي تجعلها، عندما توظف وفق رؤية فنية مبدعة وحرفية علمية، جزءا لا يتجزأ من العمل الفني لا يكتمل إلا به. هنا تجدر الإشارة إلى نقطتين أساسيتين؛ أولهما أننا مازلنا نفتقد الحرفية والدقة في هندسة الصوت داخل الأستوديو، والثانية إننا متخلفين تماما في مجال هندسة الصوت والتسجيل خارج الأستديو، وهذا ما يخلق عدم تشابه العمل المسجل في الأستوديو عندما يقدم حيا. أما عن الأداء الآلي، فقد شهد تطويرا نحو تجويد فنيات الأداء لدى كثير من العازفين، وبالتالي شهدنا أعمالا تنفذ بدرجة معقولة من دقة الأداء الموسيقي الآلي ساهمت في رفع مقاييس قبول الأداء الآلي، وهنا لا نستطيع نكران دور المعهد العالي للموسيقى والمسرح. ولكن واقع الحال يقول أن الاعتماد على الأداء السمعي ساهم ويساهم في تقليل الدافع لدى كثير من العازفين السمعيين –حتى المهتمين منهم- للإتجاه نحو الدراسة، ويساهم في نفس الوقت في ما يقرب من الارتداد إلى الأمية الموسيقية لدى بعض الدارسين، فضلا عن أنه يساهم في إهمال التفكير في كتابة الأعمال الموسيقية القديمة والحديثة، الأمر الذي يكرس الأداء السمعي ويحافظ على تخلفنا الفني ويزيد في محلٍّيتنا. لنا وقفة مع الأداء الصوتي، وبشئ من التفصيل نقول أن الأداء الصوتي يتضمن جمال الصوت ودقته الموسيقية وخياله في الأداء إضافة إلى المقدرة الفنية على التحكم في الصوت والتنفيذ الجيد لإضافات تحلية العمل (الحليات الصوتية). تاريخيا لدينا مبدعين متفوقين في الأداء الصوتي عموما، جاء تفوقهم من موهبة مجردة في الخيال والأداء أوقفت الكثير من المتلقين عند حدود الاستمتاع بهذا الصوت دون أن ينقبوا عما ميز هذا الصوت وجعله أقرب إلى الإحساس. لدينا الآن المقدرة على تشريح مكونات الأداء الصوتي، كما أن بعض تلك المكونات قابلة للاكتساب –والإكساب- بالتدريب العلمي، مما ينفي أي مسوغات قد تساق لنبرير الاستماع لأداء صوتي سيئ. أما عن أغراض ومرامي العمل الفني (الغنائي كمثال)، فإنني أعتقد أن هذا الموضوع يحتاج إلى كثير من الدراسة والنقاش، حيث أن الوصول إلى نقاط إجماع، أو قل اتفاق عام، يمكن أن ترسي قواعد جيدة لتحليل وتقييم الأعمال الفنية وفق أسس عامة متفق عليها. في وجهة نظري أن أغراض العمل الفني هي أغراض متدرجة: تبدأ أولا بترقية استماع المتلقي بحيث لا تعود أذنه قادرة على احتمال النشاز أو التشويش ويفقد –المتلقي- المقدرة على التعايش مع الكلمة المسفة أو التافهة، ولا يعود بإمكانه التصالح مع التنفيذ الآلي أو الصوتي السيئ، كما يصبح قادرا على التمييز بين المريح والمزعج من درجات وأنواع الصوت. ثانيا ترقية ذوق وحس المتلقي بحيث يصبح قادرا على استقبال العمل الغنائي كوحدة منسجمة وهضمه وتمييز الجيد منه والاستمتاع بمكامن الإبداع فيه، و يصبح بمقدوره تمييز طابع كل عمل و نقاط التشابه والتمايز ومواقع الاقتباس أو التأثر، وإدراك تأثير هذا العمل أو ذاك عليه والإحساس بذلك التأثير. أما المرحلة الثالثة فهي التأثير على فكر المتلقي بحيث يصبح العمل الفني قادرا على إثارة المتلقي ذهنيا وفكريا وقادرا على توليد مشاعر تقود المتلقي ليس فقط للتفكر فيما يدور في داخله وفي مجتمعه وفي البشرية، ولكنها تدفعه أيضا للتفاعل معها وفق ما ينعكس بداخله. في الختام، أستطيع الجزم بأن هذا الموضوع شائك ومعقد باعتبار موقعنا المتأخر في مسيرة التطور الفني الإنساني رغم زخم القاعدة التي نقف عليها، ولكن عل هذا التعقيد يكون دافعا لا مثبطا تجاه مزيد من التحليل والدراسة لواقعنا الفني الغنائي كي نهتدي إلى سبل التطوير.
عبد الحليم أبو قصيصة
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: للمهتمين بالفن الغنائي السوداني - مقال أول (Re: محمد مكى محمد)
|
مرحب بالأساتذة وشكرا على العناية بقراءة هذا المقال. أستاذ يوسف أحسدك على مقدرتك العالية على متابعة كل ما يخص الفن الغنائي والموسيقي الجاد والمسئول، التحية لك وللعائلة. شكرا أستاذ محمد مكي على التوجيه، وأعدك -إذا نجحت في هزيمة الكسل- بمقال آخر مكرس لمسيرة تطور الفن باتجاه تكامل عناصر الفن الغنائي والذي لا أشك في أنه سيتناول مسيرة الفن الغنائي بشكل مختلف عن الشكل المعتاد، فالعلاقة بين المراحل الزمنية المختلفة ووتائر التطور و المحطات الهامة ستكون كلها مختلفة عما درج الجميع على اعتباره مسلمات. هناك أيضا النية للتطرق -في مقال مختلف- إلى التدهور المريع الذي شهدته الساحة الغائية السودانية في الفترة السابقة. شكرا لكم مرة أخرى.
عبدالحليم أبوقصيصة
| |
|
|
|
|
|
|
Re: للمهتمين بالفن الغنائي السوداني - مقال أول (Re: Haleem Abu-Gusseisa)
|
العزيز عبدالحليم أبوقصيصة
و الله جيدا جيتا.... و الجابك يجيب صنوك ود محجوب عتيق....
المقال ممتاز و يمكن حقيقة أن يساهم في وضع قاعدة عامة متسـقة وممنهجة لنقد و تقييم و تحليل الأعمال الفنية على جميع المستويات الغنائي و الموسيقي منها.
أتقق معك حول: - مفهوم رسالة الفن و المبدعين - وتعريفك للفنان المبدع و ليس المرآة - تشريحك لظاهرة الإجترار‘ ما لها و ما عليها و تأكيدك على أننا في حاجة للجديد - أعجبتني منطقية تحليلك لعناصر العمل الكامل و المتكامل و التخصصية و تعريفك للعناصر الجديدة و التي إنضمت مؤخرا للعمل الفني هي فعلا تحتاج لدربة و رصد و تنظير و تنظيم. -أوافقك على أن الآداء الآلي قد تطور كثيرا...... و أيضا على ما ذهبت إليه من عيوب الآداء و التنفيذ و الحفظ عن طريق السمع
و أختلف معك في جزئية صغيرة و هي: أن الجمال لا يتم إلا عندما يتحرر الموسيقي الجيد من عبء التقييد بالنظر إلى النوتة الموسيقية إلا في حالة التقييد بالنظام العام و خطة سير اللحن و توزيع الأدوار....
تحليلك لما تعاني منه الساحة حقيقة و يسلط الضوء على الكثير من المشاكل.... و أني شخصيا قد إستفدت كثيرا من هذا الرصد الجيد الواعي و المطلوب و الذي ظلت تعاني من غيابه الساحة الفنية كثيرا و أرجو صادقا إستمراريتك على هذا المنوال....
مع صادق ودي و إحترامي
| |
|
|
|
|
|
|
Re: للمهتمين بالفن الغنائي السوداني - مقال أول (Re: صلاح شعيب)
|
دعني أواصل استاذ عبدالحليم لمقالكم حيث تقول أن
Quote: الأمر الأكثر إدهاشا –وإزعاجا- أن الكثيرين من متحمسي مصطفى الأكثر معقولية ومنطقية يحاجوا أن مصطفى كان يعلم أن حياته قصيرة (حقيقة تأكدنا منها لاحقا بوفاته)، لذلك فأنه كان يلاحق الزمن لينتج وليرسخ وجوده في الوجدان السوداني فنيا، وكان يرى أن ذلك لن يتأتى إلا إذا كان لديه السيطرة الكاملة على العمل وخصوصا الشقين الإبداعيين الأساسيين: الكلمة؛ والتي لا يحتاج لإبداعها فهو من ناحية يفتقر إلى تلك الموهبة، ومن ناحية أخرى الشعراء المجيدين موجودين يعانوا شظف العيش وصعوبة الوصول للجماهير وأشعارهم الجيدة موجودة تنتظر الاختيار، وفي هذا راحة للبال وتوفير للزمن، ثم هي صلب الموضوع وعين الأغنية! أما اللحن، والذي تفاديا لأن يكون تحت رحمة مشاركين آخرين يمكن أن يتحكموا في خطة ووتائر انتاج الأعمال |
وهنا وجدتك تقول أن متحمسي مصطفي الاكثر معقولية يأتون بالاكثر إدهاشا وإزعاجا في مسألة قصر حياته ثم ما تلبث أن تقول "حقيقة تأكدنا منها لاحقا" ومن ثم بنيت الافتراض الذي يغيب فيه الوضوح.
Quote: بصرف النظر عن احتجاجات جمهور مصطفى، فأنا أعتقد أن هذا الأسلوب من الانتاج الفني الذي انتهجه مصطفى، وبارتباطه بالحجم الكبير من الإنتاج في فترة ضيقة، لا يترك مجالا سوى لافتراضين: أولهما أن مصطفى ضل الطريق واختلط عليه سبيل إنتاج أغنية جيدة، وثانيهما أنه قد أشفق على نفسه وعلى وتائر انتاجه من المجهود الكبير الذي ينبغي بذله لكل عمل حتى يخرج بالشكل الجيد (والذي يقلل من وتائر الإنتاج بالضرورة)، وقرر بالتالي الاعتماد على الكلمة (سهلة المنال) واهمال إعطاء بقية عناصر العمل الغنائي العناية الكافية، اعتمادا على جودة النص الذي نجح في تعويد المستمع على اعتباره صلب الأغنية. هذا الأسلوب إذا لم يوصف بالانتهازية فلا أقل من أن يوصف بالتقاعس |
كيف يستقيم الافتراض يا أخ عبدالحليم أن مصطفي قد ضل طريقه وإختلطت عليه سبل إنتاج أغنية جيدة، هذا رأي لا يليق بمن يصنف الفنان نفسه إنه جاد وملتزم إمتلك الساحة لعقدين، هل يعني هذا أن الفنان المفترض في ضلاله إنه ضللنا كذلك وأن حكم أذواقنا هو شكل من الضلال..؟ ثم ما هو المعني بالاعتماد علي الكلمة "السهلة المنال" وإهمال بقية العناصر..فالمغني يلحن الكلام وربما نجح في إعطائه اللحن المناسب أو فشل فيه، ولا يمكن أن نصف الفنان بالانتهازي أو المتقاعس لمجرد إنه فشل في مقاربة الكلمة باللحن..يمكننا أن نقول إنه فشل في هذا اللحن ولا يمكن أن نتصور أمرا إنتهازيا في العملية الفنية لمجرد أن الفنان سواء كان مصطفي أو غيره قد أخطأ موازاة الكلمة بالحن المناسب..
عموما أري أن هناك أحكاما حادة بغير سند كاف أردت بها نقد مصطفي سيد أحمد وحاولت أن تجرده من الابداعية اللحنية حتي للاعمال التي أداها لملحنيين أكفاء منهم الاساتذة محمد سراج الدين ويوسف السماني وفتحي المك وبدرالدين عجاج وسليمان عبدالقادر وعبدالتواب عبدالله وعلي السقيد ولعل أثر هؤلاء بائن في ما أضافوه للاغنية السودانية ..هذا إذا إفترضنا أن كل تجربة مصطفي سيد احمد اللحنية تساوي لديك صفرا كبيرا أو صغيرا لا يهم..والحقيقة أن الاعمال اللحنية لمصطفي في تصوري متقدمة جدا لا بالقياس إلي أبناء جيله وإنما بالنسبة للمجري التاريخي للحن السوداني. أما مسألة إنه لم يضف جديدا في جمال ألحان من سبقوه فذلك يحتاج دراسة موسيقية لاعماله مدعمة بالحقائق بدلا أن ننهب تراثه بهذا الاستسهال في الحكم وفي يقيني أنه لم نعثر علي نقد موسيقي معلمن لا لتجربته ولا للتجارب الاخري، وإنا راينا بعض آراء إنطباعية لبعض الموسيقيين الذي اشادوا بالتجربة وكذلك الذين قللوا من قيمتها. والشكر الجزيل يا أخ عبدالحليم وآمل أن أكون قد ساهمت في إبتدار النقاش.
| |
|
|
|
|
|
|
تحليل منطقي (Re: Haleem Abu-Gusseisa)
|
أخي / حليم أبو قصيصه تحياتي ظللت ومنذ أن أصبحت عضواً في هذا المنبر أبحث عن مواضيع "مفيدة" ومقنعة للقارئ ، ولا أنكر أنني وجدت أقلاماًمتميزة على قلتها ومن بينها قلمكم الرائع هذا المقال يحمل تحليلاً منطقياً ونقداً هادفاً لمسيرة الأغنية بالرغم من وصفكم في مقدمة المقال بما أنه عباره عن تداعيات متابع ولكنكم متابع بدرجة أكثر من ممتاز . وأرجو أن يستمر هذا المقال ويتضمن أيضاً أرشفة لمسيرة الأغنية السودانية مروراً بجميع (حقبها الفنية) وأن يشارك فيه كل المختصين والعارفين وأصحاب العلاقة دون تمييز . واسمح له بأن اضمن رأيي في مسألة قراءة النوتة الموسيقية وأقول ما هي إلا وسيلة مريحة لتحفيظ العمل الموسيقي فعلى العازف الدارس المجيد لقراءة النوتة أن يسعى لحفظ العمل الموسيقي من خلالها وليس بالضرورة وضعها أمامه (مذاكرة) أثناء التنفيذ ، فمن حفظ العمل الموسيقي (جودة) فيما بعد وقد يضيف إليه . وأنتهز الفرصة وأدعو الزميل الأستاذ "موصلي" ليدلي بدوله فيما يتعلق بتخصصه في مجال التوزيع الموسيقي ما يثري هذا البوست أخوكم / عادل التجاني
| |
|
|
|
|
|
|
Re: للمهتمين بالفن الغنائي السوداني - مقال أول (Re: Haleem Abu-Gusseisa)
|
تحياتي أخي عبدالحليم .. شكراً لك على هذا المقال الجميل .. وهذه لعمري من البوستات التي نحتاج لها في شكل المضمون والحوار والتي إفتقدناها كثيراً في المنبر .. نحتاج أن نتعمق في الفن والغناء السوداني لمعرفته أكثر .. ونحتاج أيضاً لنقد بناء يفيد المتلقي والمحاور كذلك ..
فليكن هذا البوست في النصف الثاني من 2007 وعدم أرشفته .. طلب من العزيز بكري ..
تحية وشكر مجدداً
| |
|
|
|
|
|
|
Re: للمهتمين بالفن الغنائي السوداني - مقال أول (Re: Haleem Abu-Gusseisa)
|
الصديقين صلاح شعيب الناقد والكاتب الصحفي الشاعر وحليم ابو قصيصة الموسيقي العازف لعدة الات حواركم سيكون بالقطع جميل ومفيد ========== صديقي صلاح يبدو انك انزلت الرد في المكان غير الصحيح لذا ارجو منك نسخه وانزاله هناك ============== صديقنا الفنان الموهوب عادل التجاني لك الود وانا متابعكم
| |
|
|
|
|
|
|
Re: للمهتمين بالفن الغنائي السوداني - مقال أول (Re: Haleem Abu-Gusseisa)
|
Quote: أما عن أغراض ومرامي العمل الفني (الغنائي كمثال)، فإنني أعتقد أن هذا الموضوع يحتاج إلى كثير من الدراسة والنقاش، حيث أن الوصول إلى نقاط إجماع، أو قل اتفاق عام، يمكن أن ترسي قواعد جيدة لتحليل وتقييم الأعمال الفنية وفق أسس عامة متفق عليها. في وجهة نظري أن أغراض العمل الفني هي أغراض متدرجة: تبدأ أولا بترقية استماع المتلقي بحيث لا تعود أذنه قادرة على احتمال النشاز أو التشويش ويفقد –المتلقي- المقدرة على التعايش مع الكلمة المسفة أو التافهة، ولا يعود بإمكانه التصالح مع التنفيذ الآلي أو الصوتي السيئ، كما يصبح قادرا على التمييز بين المريح والمزعج من درجات وأنواع الصوت. ثانيا ترقية ذوق وحس المتلقي بحيث يصبح قادرا على استقبال العمل الغنائي كوحدة منسجمة وهضمه وتمييز الجيد منه والاستمتاع بمكامن الإبداع فيه، و يصبح بمقدوره تمييز طابع كل عمل و نقاط التشابه والتمايز ومواقع الاقتباس أو التأثر، وإدراك تأثير هذا العمل أو ذاك عليه والإحساس بذلك التأثير. أما المرحلة الثالثة فهي التأثير على فكر المتلقي بحيث يصبح العمل الفني قادرا على إثارة المتلقي ذهنيا وفكريا وقادرا على توليد مشاعر تقود المتلقي ليس فقط للتفكر فيما يدور في داخله وفي مجتمعه وفي البشرية، ولكنها تدفعه أيضا للتفاعل معها وفق ما ينعكس بداخله. |
موضوع للنقاش:
بين ظهرانينا تجربة جديرة بالإحترام و التقدير كانت قد قدمت في سهرة ليالي النغم ليلة الخميس الماضي من على الفضائية السودانية مع الفنان الشاب وليد زاكي الدين. و تلبية لدعوة كاتب المقال أرجو مناقشتها بأمانة و صدق. شخصيا تلقيت من هذه التجربة الآتي:
* التنفيذ الآلي كان بدرجة ممتاز و كان هو المسيطر * التوزيع محترم و معقول و يعكس وجهة نظر أصحابه المحترمين * الآداء الصوتي لم أنتبه لشئ مميز * أما المرحلة الثالثة كما رتبها كاتب المقال و هي المهمة: أنه لم يثر هذا العمل شئ في فكري و لا في نفسي... لدرجة أنني لم أدندن بأي من الأفكار الموسيقية و التي وردت فيه...و الله أعلم ربما لعيب ما في فكري أو في نفسي... * و يغمرني إحساس غريب بأنني قد إستمعت لعمل واحد مطول.....
| |
|
|
|
|
|
|
|