|
ماما امريكا أم حبوبة اوربا؟
|
Dr. Abd El-lateef Al-Boony "Rayaam Newspaper" Email: [email protected]
عندما اندلعت الثورة الايرانية عام 1979م اهتم العالم الغربي بها كثيراً وسعى للاحاطة بابعادها الفكرية حتى يتمكن من التعامل معها طلبت اوربا من كبار مفكريها دراسة تلك الثورة وتعريف صانع القرار الاوربي بها.. ففرنسا مثلاً بعثت ماكسيم ردونسون وهو مستشرق كبير يعرف كل لغات الشرق الأوسط وكان عمره فوق السبعين فقدم دراسة عن الثورة مكنت فرنسا مع التعامل معها بتوفيق كبير، وفي ذات الوقت بعثت امريكا بصحافيين شباب كانت رسائلهم تتحدث عن فرض الحجاب على النساء ومنع الرقص المختلط واطلاق اللحى لذلك عجزت امريكا من التعامل مع الثورة فدفعت ثمن ذلك رهائن وتحطم طائرات وفقدان منطقة استراتيجية الى يومنا هذا.
في السودان وبعد ان فقد الانجليز سلطانهم في البلاد تقدم مستثمر امريكي يدعى ل. هنن. لزراعة القطن في مشروع الزيداب فرفض الاعتماد على العمالة المحلية واستقدم معه امريكان سود ففشل فشلاً زريعاً وجاءت بعده شركة انجليزية وادارت ذات المشروع ونجحت نجاحاً شجع الحكومة للعمل قدماً في مشروع الجزيرة..
شركة شيفرون وهي شركة امريكية نفطية معتبرة اكتشفت النفط في السودان وبدأت التنقيب في مساحات واسعة وباموال كبيرة ولكن لتقديرات سياسية انسحبت وباعت امتيازها وجهدها لحكومة السودان فجاءت شركات من الصين وماليزيا وكندا والنرويج وبدأت تُعب من بترول السودان الواعد.
هذه الشواهد اعلاه توضح ان الامريكان ورغم عظمة دولتهم الا ان لهم «جلايطهم» وانهم ومهما «عملوا فيها مقددنها» الا ان قصورهم وضيق افقهم لا يحتاج الى درس عصر، قد يقول قائل ان في ذلك تطاولاً على اسياد الدنيا ولكننا نقول نحن هنا لان نتحدث عن امريكا الدولة انما عن امريكا «البني آدم» وفي هذا كلنا اولاد تسعة. ومناسبة هذا الحديث هي ان الامريكان كما هو معلوم قد اتجهوا الآن لبلادنا ليحلوا مشاكلها ليس عن طريق المبادرات بل وبطريقة الـ (NON - PAPER) اي طريقة اللا ورقة واي بالدراجية: «امسك لي واقطع ليك» فهذه طريقتهم في الحياة وهم يفتخرون بها ويعتبرونها ضرباً من ضروب البراغماتية لانهم يكرهون التنظير والثرثرة، والشاهد اننا في السودان رمينا ثقلنا على الامريكان - لاحظ انهم لم يرموا ثقلهم في السودان انما السودانيون هم الذين «تشعبطوا في رقبة امريكا» طوعاً كان ذلك ام كرهاً.
من المؤكد ان كل المعطيات الدولية والتاريخية منذ نهاية الحرب الباردة واحداث 11/9/2001 هي التي اعطت امريكا تلك المكانة وبالتالي لا احد ينكر على السياسيين شماليين كانوا ام جنوبيين حكاماً كانوا ام معارضين تسابقهم نحو امريكا ليس بطريقة «سيد الرايحة بيفتح خشم البقرة» بل لان البقرة فعلاً موجودة في مزرعة الكابوي الامريكي، ولكن هذا لا يمنع من اللجوء لاوروبا لوزن اللعبة والتقليل من خطر الانفراد الامريكي، فبلد مثل بريطانيا - امنا القديمة - تعرف السودان ليس اكثر من امريكا بل ربما اكثر من السودان نفسه، يمكن اللجوء اليها ولا نقول الرهان عليها، فمنذ ان عين توني بلير ألن قولي مبعوثاً عنه للسودان وزار الرجل السودان، لمن نسمع عنه كثير شئ مع ان السيد دانفورث وتقريره ملأ الدنيا وشغل الناس، فالسؤال هو هل بريطانيا زهدت في السودان؟ ام ان السودان هو الذي زهد فيها؟ ام ان بريطانيا تعمل خلف الكواليس الامريكية؟ هذا الاحتمال الاخير وارد بشدة ونتمنى ان يكون ذلك كذلك. فالانجليز كما هو معلوم اكثر رزانة واكثر دراية. لكن الذي لا يطمئن هو توقف الحوار الاوربي السوداني فلم نعد نسمع عنه شيئاً خاصة بعد ان صوت الاتحاد الاوروبي ضد السودان في لجنة حقوق الانسان علماً بان السودان لايزال يتفاوض مع يوغندا التي فعلت نفس الشئ بل كانت هي القشة التي «خنقت البعير السوداني» كل الذي نتمناه ان يكون هنالك سعي نحو اوروبا واخراجها من العباءة الامريكية اذا كانت موجودة داخلها، فاوروبا هي القادرة على «قولبة» القرار الامريكي اذا كان متجهاً نحو السودان بشفرته الحادة. فمن قبل طلب شاعر البطانة الفحل الحاردلو عندما ضاق ذرعاً بالمهدية النجدة من «الانجليز او المسيح اب عين» ..نقول ذلك ليس حباً في اوروبا ولكن ضيق الخيارات جعلها «خيار ام خير لا هي خير ولا الموت اخير».
|
|
|
|
|
|