الرحيل إلى جنة الجراد فصول من رواية سيمفونية الجراد((2

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 03:26 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2001م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-28-2002, 11:22 AM

khider
<akhider
تاريخ التسجيل: 03-17-2002
مجموع المشاركات: 2361

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الرحيل إلى جنة الجراد فصول من رواية سيمفونية الجراد((2

    2 جرير





    باتت جريرة شتوياً فنحن لا ننام لكننا نبيت وشتاؤنا ثمانون جاغة أي إثنتان وخمسون ساعة بحساب البشر. كانت جريرة في خلوتها مع غصة هاء السكت حين دهمتها أحلام الجراد . وأحلامنا بخلاف أضغاث البشر تتحقق بعد جردات أحلامنا كالسيمفونيات تبدأ بجرادة فريدة تغني صولو ثم جرادتان في دويتو ثم ينطلق شجو الكورال السرب ثم أوركسترا الأسراب الكونية المصفاة الراقية. حيث صيغة منتهى الخضرة . كل جرادة تغني بواحد من الألف من التون بموسيقى لم يحلم بها موتسارت . و ما يلبث الحلم الحقيقي أن يدخل في غرضه ثم يبدأ الإنسحاب التدريجي في الحلم من الخضرة المتناهية إلي الخضرة أي كلام البشرية فالى الأزرق البرزخ فالصفرة ثم الصحو باللون الذي يكيل دائماً حماد.

    رأت جريرة أولاً جريراً يخاطبها مغمغماَ . هو يتكلم ببطء شديد وهي لا تكاد تفهم شيئاً بدا لها جرير غريباً في الحلم حتى أنها كادت تبكي وفتحت فمها لكي يبدأ النشيج لكن هاء السكت دهمتها فجأة. جريرة لم تسكت هذه المرة بل ملأت بالدهشة جوفها واستغرقت في ضحك كتوم حين أدركت أن هذا يتم أثناء الحلم . ضحكت جريرة في سرها وضحكت ثم ضحكت وضحكت حتى قادها شلال الضحك إلى صحوة مفاجئة لا تشبه تلك الصحوات البشرية غير البريئة. . ثم تذكرت أنها جائعة حد التصاق جنبي بطنها الرشيقة . ذلك ثم ما لبث أن سمعت حركة تدب بالقرب منها فالتفتت لترى عتابةً نشطة . كانت من قبيلة الجبورة . طارت جريرة نحوها كالسائرة دون أن تفرد جناحيها كأنها طائر متردد لم يتخذ قراراً بعد بالطيران ولا بالسير . طارت سائرةً نحو العتابة لتسأل

    _ قولي لي يا شابة ألا توجد دوحة بالناحية

    هزت العتابة رأسها بالنفي لكنها قالت مستدركة

    ـ لا .اللهم إلا طندبة التطبيب.

    ونظرت الجبورة الى بطن جريرة الملتصقة ففزعت ثم تب تب عتبت قافزة نحو النهر وبعد ربع جاغة عادت تنوء بأحمالها من الجرجير والقت به أمام جريرة .طارت جريرة من الفرحة ثم جرت اليها جرجيرة وجرجيرة وجرجيرتين وعشر حتى استردت عافية سنين ورمقت الجبورة بامتنان وقالت مداعبة

    ـ هل اسم قبيلتكم جبورة أم قبورة

    فردت العتابة الكريمة

    _ــ جبورة والغريبة جراد الشمال يسمينا قبورة فهل هذا مهم؟

    ومدت جريرة يدها

    ــ جريرة

    ــ عتبة

    يا ألف مرحب.

    وهكذا تعارفتا خلال شائق الإبتسام .

    العتاب والجراد في علاقة تاريخية ورفقة ممتدة الجذور . أصلاً العتاب جراد لكن يبدو كما لو أنه انتقصت منه حركة واحدة فلم تكتمل صورته إن كان الطيران يعني الكمال . ولذا يتحرك العتاب مثل حركة الممثلين من أيام شارلي شابلن. ويسخر فلاسفة الجرا د العتاب من ارتباط الكمال بالطيران ويستدلون بالبشر الذي لا يطير إلا مستعيناً بالحديد الهدار الذي يدمر الأكوان سعياَ وراء محاكاة الجراد. الرفقة بين العتاب والجراد أكثر من حميمة. العتاب يخدم الجراد بأفضل مما تخدم البشر الكلاب .البشر يستغلون الكلاب لكن الجراد يرد على خدمة العتاب في المسائل الاستراتيجية كالتنبيه بخطر القنبلة المبيدة أو شباك أكلة الجراد من الإنس المتوحشين والوحوش وغير ذلك وبما أن التاريخ الحميم مكتوب في جيناتنا فلا اتفاقيات ولا شروط كل يؤدي دوره في خدمة المجموع . ولولا تدخل البشر لما حصل مثل هذا الإنفلات الجديد في عالم الجراد فهنالك فصائل جرادية قطنت مؤخراً جوار حي بني طفيل البشري تشربت أفكار أولئك البشر .الوحوش . وهم يحكمون سائر أسراب الجراد الآن بالحيلة والزندية . المشكلة أن بقاء جريرة قرب إنقاية واصل نومك جعلها جرادة ساذجة نوعاً ما .مسكينة هي لا تعلم بما حل بحبيبها جرير .لكن يبدو أنها ولحسن الحظ وقعت في طريق فيه مخرج لها من أزماتها فهذه العتابة عتبة لها معارف من الجراد المثقف أمثال الشاعر جرداق وجابودي وجراري وجارد الحازم وغيرهم .

    -أكلت جريرة الجرجير بمتعة كأنه موليتة من واصل نومك في عز الخريف . ولمعت في خاطرها أثناء الازدراد صورة ريحانة آسرة العطر فتذكرت أيام مجدهما الغابر هي وجرير قبل شتات القنبلة المبيدة الأخيرة التي ذهبت بريح كتلة سربهم الأخاذ الملون قبل جوغات طويلة سابقة لنكوص جريرة لجرداء قرب واصل ببطن الجزيرة. تذكرت جريرة كل ذلك في جانيات معدودات ثم طفقت تغني باللوعة كلها وانطلق الحنين

    ــ تك . تكم. تك تك تكم. تك تكم. تكا تك تكم

    ثم أفردت جناحيها ودارت راقصة في فضاء القصبة وجارودي رغم غموض الأحداث. وشاق عتبة رقص جريرة البديع وأخذتها حركتها الرشيقة هناك في الأعالي فأيقنت أن ضيفتها عاشقة وسألتها وجريرة لا زالت تدور في بداية التسخين

    ـ إلى أين ونحن لم نتعارف بما فيه الكفاية؟

    ومن علٍ سمعت صوت العاشقة يقول

    ـ هو مشوار ضروري . سأعود ونفتح قلبينا. شكراً لحزمة الوجبة الدسمة .

    وردت عليها عتبة

    ـ طيب تجدينني هناك ــوأشارت لأكمةــ عند طندبة التطبيب . وهذا الحي اسمه جرورة تذكري . لكن جريرة كانت قد طارت ولمع في مفاعل التسريع الدماغي لديها خاطرة خافتة من البعيد البعيد عن مذاق حسوة بشرية تذوقتها صدفة وثملت بها. وفي سرها قالت هذه الجرادة الحريرية الشاعرة العاشقة

    ـ آه وآه ثم آه من غموض الأكوان .

    ولو كانت جريرة نشأ ت في صحبة بعض بنات حي جرورة المتفتح لآمنت بال ري انكارنيشن وهذا أيضاً من أسرار الكون .

    طارت جريرة وطارت طارت وحلقت فوق سماء القصبة وهالها الحجم الهائل للحجارة والحركة شبه الجرادية للحديد الهدار الأرضي بأكثر من الجوي وللبشر المعذبين . كان الوقت أول الليل .دارت جريرة دورة كاملة حول المدينة متجهة نحو جارودي . واعجبها من علٍ السيف المجوهر بالنجوم ولأنها مبرمجة بحب جرير وحده فما كان في خلدها سوى الانطلاقة من جديد نحو بستان الخضرة الرهيب . طارت جريرة لكنها فقدت بوصلتها الى الساحة فرأت أنه من الأفضل المجيء اليها من ناحية الجزيرة وهكذا طارت فوق صوتياً الى هناك . وبعد جانيتين أو ثلاث لمحت جرادة أخرى تطير مسرعة رغم وزنها الزائد . كانت تبدو مع الضوء الخافت مثل خياراية. شيئاً فشبئاً اقتربت جريرة من الجسم الجرادي فتعرفت من خلال ابتسامتها على جرة بنت ناحيتها في انقاية جرداء . جريرة لا تقاطع جرة مثل الكثيرين في واصل . فقط تعتقد أن جرة أخطأت التقدير مثل الكثيرين بعد الهجوم النووي الأخير . وخلال تبادل التحيات صاحت جرة كالمندهشة
    ـ هاي جريرة. لسة ما وصلتي ؟
    تعجب جريرة الشاعرة من لغة الشابات الطالعات. متقنة في بيان أغراضها لكنها شالو وغير شاعرية .تتيقن جريرة أنها لغة ليست جينوين. ردت جريرة كما لو أن الأمر فزورة

    ــ وصلت ولم أصل . لم أقابل جريراً بعد .

    وغمغمت جرة في سرها ماذا لو حكيت لها عن تحرشات جرير بي أول ما وصلت للبستان ؟ لكن جرة عدلت عن فكرتها وقالت من تحت فمها متأوهة

    ــ أوه شابكانا جرير .. جرير .

    ثم توكلت وقالت

    ـ سأكلمك الآن بصدق . جرير يرافق ثلاث بعدك ببستان النعيم.

    ـ ها ..

    زفرت جريرة رفضها للخبر ثم ما لبث أن ملأ الغضب جوفها العامر بالمحبة وانقطع الحديث بينهما فطارت صامتة لا تدري ما تفعله تجاه تصريحات هذه الجريدة الغامضة. لكن جرة واصلت حديثها فقالت

    ــ أعلم أن الجميع يعتقد أنني منزلقة . لكن هيلاه وهيلاه ما انزلقت ولم أورد خبراً واحداً عن جراد الجزيرة لأتباع جبادة . أنا اجيء لهذه الجنة لأن العيشة سهلة وما خصني كان الرجال بيجوا عشان حورها أو ما يجوا ما خصاني وتعالي ياجريرة النسألك واصل ديك شن فيها بلا السجم؟



    استمرت جرة تثرثر وتثرثر ناسجة خيوط مرافعتها أمام قضاة انتفاضة أسراب جراد وهمية لكن جريرة كانت في شبه غيبوبة تطير لأن هناك هواء رحيم يدفع بها الياً مثل طائرة معطوبة . وفي سرها قالت جريرة

    ـ هيلاه . يا جرير ..جرير هل ترى ما تقوله هذه الجرة وهل ما رأيته في الحلم صحيح؟ أين أنت الآن يا حبي . يا جرجاري في عالم مليىء بالأسمال . يا حصن الأوزان والقوافي والحلم بسربنا الأبدي .

    صدحت جريرة بذلك ثم دهمتها سنة من نعاس حتى كادت أن تهوي فالهواء الشفوق يدفعها نعم لكن من شروطه الوعي. وصاحت من أمامها جرة مرة أخرى

    ـ اسمعي يا جريرة أن أتفهم أنك لا تصدقينني . لكن وبما سأستعين بذكائك الذي يتحدث به الجميع في واصل وقدراتك التي أثنى عليها المعلم أبو الحصين كثيراً ,لأشرح لك ما جرى فبعد أقل من نصف جاغة نصل إلى البستان وستتحققين بنفسك من صحة ما أقول . البستان يحكمه جبادة وكما تعلمين فهو يحكم سائر الجراد من جابودي إلى كافة النواحي والإنقايات. جبادة يحكم حتى مناطق لم يرها ولم يسمع بها .

    سكتت جرة ثم واصلت إزاء صمت جريرة الذي كان يوحي بأنها تصغي

    ـ مش تقولي واصل القريبة دي . جبادة يحكم الجراد من قرب جامينا وجراد جنينة وجبل الجراد وجراد جابرة وجوبا والجبيلية وجبيت وجيلي وجبل أم علي وجابرية إلى عند جبلاية الجقر وجراد جـ....

    وهنا قاطعتها جريرة المبرمجة

    ـ هل ما قلته عن جرير صحيح يا جرة؟



    فردت جرة . هو لم ينس عشرتك. يذكرك دائماً . لكن يبدو أنه مشغول . لقد عينوه حامياً للصوتيات التي ترسل اشاراتها لسائر الجراد في جابودي وعواملها مما ذكرت. يرافق جرير ثلاث أخريات هن جغمة وجافلة والأخيرة نسيت إسمها.

    صمتت جرة . وطارت جريرة حانقة موازية لها بالدفع الآلي حائرة فلا تسمع من طيرانها إلا خفق الأجنحة. طارتا وطارتا وفي كل هذه المدة كانت كلمة واحدة مثبتة في دماغ جريرة شبه المعطل. كانت الكلمة تقول جرير

    وبدأ هسيس شعر جريرة الصافي يغني حيرتها نيابة عنها

    تك .تككم . تك تككم. تك تككم تككم تككم .

    وشيئاً فشيئاً دخلت الجرادتين في اللون الأصفر ثم الأزرق وفيه صاحت جرة

    ـ هيلاه .

    اقتربنا أخيراً من النعيم

    ثم لاح البستان الغريب .الخضرة التي في الأحلام . تلك الخضرة التامة التي كادت أن تنسي جريرة برمجتها الجريرية. قالت جريرة في سرها حين أحكي لجرير عن كذب هذه الجرة فما ترى سيصنع بها ؟

    حلقت الجرادتان الجزيريتان وحلقتا معجبتان كل واحدة لأهدافها بالخضرة ونسيت جريرة غصة اللطمة التي تلقتها سابقاً حين زارت البستان لأول مرة . وطفقت تتخيل ما سيحل بعد ثوان حين يشرق جرير الفتى الوسيم الرشيق رفيق الصبا والشباب . وقادتها جرة لمسكن جرير وصاحت جرة ما أن اقتربتا من الفيلا

    ــ جرير ..جرير أنظر من قادمة اليك ؟

    وخرجت جرادة من الفيلا. هي رفيقة جرير اليافعة الأخيرة فيما يبدو . ثم ما لبث أن غامت الدنيا حين خرج فتىً جرادياً ضخم الجسد والبنيان لا تكاد تعرف أوراكه من أوداجه . ولأن جرة تعرفه صاحت به

    ـ يا جرير أنظر فوقك .ألا ترى؟ هذه جريرة.

    ـ جرير؟ قالت جريرة قافزة هلعة . وعاودت النظر تحتها نحو جرير فأرعبها ترهله وتخمته غير المتناسقة مثل حكام الجراد الريفيين. ولم تجد فيه غير كائن يشبه الجرذ.
    وصاح جرير بلا انفعال
    ـ أهلاً جريرة. كنت سأعود قبل جوغتين وأحكي لك بالتفصيل سر غيابي ولكن ع أت كم ته

    تلعثم جرير.

    وما كان لائقاً من الجرادة اليافعةأن تضع جناحها فوق كتف جرير المترهل لكي تؤكد حيازتها له . كانت تلك حركة زائدة منها فهي لا تعرف جريرة . أما جريرة فقد أجرت عملية حاسوبية كونية في ثوانٍ فأدركت كل شيء. وتيقنت أن جريرها إنما أصبح في الذاكرة وقد ذهبت به السنون الغوابر . أما هذا الذي أمامها فهو ليس إلا كتلة لحم توجهت نحو الخضرة المعدلة وراثياً ترتع فيها وترتع كأن ليس هناك معذبون في واصل نومك وضواحيها التي هي ضواحي الضواحي . ترتع كتل اللحم القميئة هنا كلها ولا شك وتأكل مما يزرع الجراد العتاب دون حساب. أقبل جرير نحوها رافعاً قوادمه وهو يقول بصوت خال من التعبير

    ـ أهلاً

    لكنه فوجىء بصرخة جريرة الموجوعة الداوية

    ـ شييييل إيدك يا جرذ!

    ذلك ثم دارت جريرة دورة سريعة فارتفعت فوق أحزانها وفجيعتها إلى أعلى مثل عامودبة بشرية وحلقت معها غضبتها فلم تسمع رجاءات جرة التوفيقية المتوسلة. غابت الخضرة في سيكلوجيا الغضب وهكذا حين نظرت جريرة خلفها بغضب أيصرت البستان حقلاً من النيران ونبست لها نفسها فقالت

    ـ يا لها من جنة جهنمية.

    ذلك ثم طارت جريرة وطارت طارت وطارت إلى أن لاحت لها شجرة دليب وهناك حطت أحزانها وتأوهت علها ترتاح وكان يلفها طنين الكون. كان الوقت ليلاً لا زال ,غابت عنه جمرة الجراد القمراء فاشتبكت ظلمته بالظلمة التي حلت بروحها .وحلت بحلقها غصة فظنت أنها ستبكي لأول مرة في حياتها فجريرة لم تعرف الأنين لكن تلك الغصة كانت هاء السكت التي حلت بها وهي بين براثن الفاجعة فسكتت.

    تصوييب إسم المنطقة أوالناحية جارودي وليست جابودي أما اسم جابودي فهو لإحدى الشخصيات وسأصححها في الأصل

    بشرى


    3 جرداقفتحت جريرة فوانيسها المحورية لتضيء الظلمة من حولها. ظلمة العالم وظلمة روحها. لم تكن تعرف في أي ساعة هي وكم باتت مع غصة هاء السكت.في جوف هذه الدليبة لكنها أحست بأنها اختصرت شتاءها ولم تكن تدري أن ذلك تم بالفعل ولأربعين جاغة. لم تكن تهتم بنداء البطن وعندما استعادت وعيها شيئاً فشيئاً استبد بها إحباط ماله من قرار.فبعد كل هذه السنوات الجريرية وكل ذلك الرهق وعناء البحث المطرد شرقاً وجنوباً ها هو الجبل يتمخض فيلد جرذاً بديناً تسبق بدانته القبيحة حركة شفتيه. فقدت جريرة بوصلتها الفكرية وأوشكت على البكاء لكن صوتها لم يساعدها فأفردت أشرعتها واستعدت لما تفعله الرياح. قالت أطير أنى توجهني .كانتقد مكثت ستاً وعشرين ساعة بحساب البشر وهكذا عندما شرعت في الطيران كاد الخيط الأبيض أن يبين لناظريه. طارت إلى أعلى بقوتها كلها لكن جسمها خذلها وهي في إرتفاعها الشاهق الذي بلغته دون هدف .انهارت قواها فجأةً فأقبلت نحو الأرض كغواصة تخلت عنها تقانتها وهي في لجة المحيط فأقبلت نحو الأعماق لا تلوي على شيىء . وعندما أوشكت جريرة على الإرتطام وسماع صوتها الآخر على المنحدر تذكرت أمها وأبيها في جرداء قرب واصل نومك فاندفعت فجأة إلى أعلى مثل طائرة تتفادى مطباً جوياً ثم تذكرت أخواتها وأخيها الغائب وأصحابها وأبنائها من التجريدتين الذين ذهبوا في الشتات العظيم . ومع أن خواءها الروحي كان عظيماً وكانت العناصر الهدامة لدى الكائنات تعمل بأقصى طاقاتها إذ كانت تحفز جريرة وتقول لها نعم هيا ارتطمي فما فائدة الحياة إلا أن نداءً غامضاً كان يقول لجناحيها ــ هيا اخفقي . رفرفي يا أشرعة ..أب..أب..أبوهكذا دبت الحياة من جديد مع انبلاج الفجر في جسد جريرة . وفي سرها قالت ـ لا كمال. ففي كل جنة حب هنالك لهيب من جهنم . وتأملت في عباراتها السابقة وأدركت أنها كانت قد سمعت ذلك الكلام عندما انفرط عقد سربهم إثر القنبلة الهائلة ففقدت جل أحبابها دفعة واحدة وأولهم كان جرير. كانت الحكمة وقتها يتناقلها السرب في كتلته الهائلة المدهشة . كل جرادة تعلم جرادة وتنقل لها المعلومات الحيوية دون منة ذلك حين كان السرب ينقل أسراره لأفراده كفاحاً دون وسيط. وقالت لها أمها في الخيال
    ـ قم يا طرير الجراد

    حين التمعت خاطرة عن تلك الأم العظيمة فضحكت جريرة وضحكت وضحكت من المحبة حتى كادت أن تنسى كارثة الجرذ التي حلت بحياتها. وهكذا استعادت جريرة متعة التحليق وهي ملاحة ماهرة لا تطير في الأجواء بل ترقص الباليه الجرادي الشيق في حركات تكاد من براعتها أن تطبع نفسها في الهواء النفاث ورائها وحتى في النسيم. طارت جريرة أولاً كعامودية ..أب..أب..أب حتى لامست السحاب ومن بعد انهمرت نحو الأرض مستخدمةً رادارها الخاص نحو الطندبة الغريبة التي وصفتها لها عتبة. تلك الجرادة الكريمة الحية .

    وعندما اقتربت جريرة من الطندبة حلقت بإيقاع بطيء كأنها طائرة تستكشف مدرجاً للهبوط الغضطراري . ومن أسفل أبصرتها عتبة فشهقت

    ـ يا لك من راقصة جميلة !

    ثم أردفت

    ـ أنظر يا جراري لهذا الإيقاع الجديد .

    وحدقت فوانيس دوارة كثيرة لإي جريرة التي صارت ترقص فوقهم مباشرةً . كانت جريرة ترقص لأنها مذبوحة من الألم بينما هم يمتدحون سيرها الجوي البديع ويبتسمون. :ان مع عتبة في الأسفل جراري وجرداق وجابودي . الأصدقاء الثلاثة منذ جوغات وجوغات . كانو يتخذون من أيكة التطبيب مجلساً فلسفياً كأنهم تلاميذ سقراط . يغيب عن مجلسهم جارد الحازم .ذلك الفتى الشيخ الذي يطلق عليه جرداق لقب حاسوب الجراد.

    صاحت عتبة في جريرة لكي تهبط في المدرج الخالي في هذا الصباح الباكر لكن جريرة كانت مشغولة بأمرين أن تتخلص أولاً من تبعات جرير فالجراد ما قبل الحداثة عندما يعشق كان يختار إسماً مشتركاً . وفي حقيقة الأمر لا يختار العشاق تلك الأسماء بل يتم ذلك بواسطة الكبار. أما شاغل جريرة الثاني فكان البحث عن منطقة ليس بها فضوليون عسى أن تخلع قميص حبها لجرير الذي أصبح يضيق الخناق على ما عنده امن جسد نحيل. قالت جريرة

    ـ لا بد من أن أخلع قميص الثعبان هذا حتى أشم هواء الحياة. ولعل هذا هو السبب من وراء تحليقها الطويل . كانت جريرة قد قررت أن تبصق ذكرى جرير ثم تهبط بمدرج الطندبة دون إسم ودون حب ودون ذكرى. كانت فكرتها من كل بد طائشةإذ ليس من الممكن أن تتم الأمور بهذه السرعة . وصاحت فيها عتبة

    ــ اهبطي يا جريرة

    ــ جريرة؟

    تساءل جرداق الذي لمح وجه جريرة في عليائها فراقه شكله الوسيم.

    وردت عتبة

    ـ أيوة . جاءت من جارودي . ذهبت ناحية البستان للبحث عن حبيبها.

    ــ آآ؟

    صاح كل من جرداق وجراري وجابودي في آن بتنغيم واحد ودهشة واحدة حتى أن الصدى الذي بثه الهواء وصل إلى أسماع جريرة التي كانت قد قد أتمت شوطاً سريعاً على المدرج ثم عادت عن طريق اليوـ تيرن إلى حيث هؤلاء الجالسين الغرياء عليها عد عتبة قدام طندبة التطبيب. مجلس الفلاسفة. رمقتهم جريرة بنظرة خاطفة ثم قالت بمرح

    ـ دبايوا

    فردت عتبة

    ـ سنو لاهيا. وكررها الجميع من خلال الإبتسامات الترحيبية.

    الجراد يمرح بتحيته لبعضه البعض فلا صرامة ولا قوانين أنت تحيي بأي لغة . فجرة مثلاً كانت قد قالت لجريرة هاي عندما صادفتها في الجو قبل يومين لكن جريرة كانت قد انشغلت عنها ببرمجتها الجريرية.جاءت جريرة صامتة بعد التحية المرحة فأحرزت عتبة أن في الأمر شيئاً ولم تسألها. وقامت بتعريف الجميع ببعضهم البعض. اندهشت جريرة لسماعها هذه الاسماء الفنتازية. .وقال جرداق وقد أعجبه محيا جريرة لكن أخذته السفقة من إعيائها

    ــ لعلك متعبة . اتكئي على ثمرة الجميزة هناك على بال ما أجيب ليك صفقة لوز تاكليها

    من الواضح أن جرداق كان يمزح .لكن على ذكر صفقة اللوز ارتعبت جريرة وتذكرت الصفعة أول ما وصلت الى البستان.قالت عتبة

    ـ الشباب أصبحوا على علم بسفرتك للبستان .

    وقال جابودي بجدية

    ـ اسمعي يا غريبة هيلاه أنقذك من تلك الجنة الجهنمية .ألم تسمعوا بما يجري فيها؟ ما هذا البيات السياسى؟ هل ذهبت إلى هناك من أجل جرير حقاص أم لتعلفي؟

    كان قاسياً مع الضيفة أما جرداق فخفف من الحدة قائلاً

    ـ تعلمين يا شابة ذلك البستان الأخضر ليس فقط مكان ترويح جبادة وأعوانه بل هو ممنوع لسائر الجراد الذي يدمغونه بشبهة الإطاحة بالحكم كما يوجد به الثقب الأسود. وتساءلت جريرة

    ـ الأسود ؟ ـ ثم أردفت ـ برية ما سمعت بيه .

    قال جراري ـ بالحيل ذا بلاك هول الرهيب

    وقال جرداق

    ـ هنالك لدينا ضحايا من الجراد ولا نعرف إن كانوا قتلى أم أحياء .

    واضاف جارودي
    لجة الثقب الأسود ما لها من قرار تحوم بداخلها كائنات شبحية مرعبة يقال إنها تنتمي للجراد العالمي الجامبو وقد جاء بها جبادة لتخويف الجراد المشاكس.

    شهقت جريرة هلعة فقد شاهدت الجامبو في البستان .وقال لها جرداق متسائلاً
    من الواضح أهم كانوا متسامحين تجاهك .هذه هي طبيعة الجراد الدموي . دائماً تجدينه متقلب المزاج. هل سألوك عما جاء بك إلى هناك؟ قالت جريرة

    ـ لا . في المرة الأولى تلقيت لطمة كأنها من شاكوش أما في الثانية فكنت أنا سيدة الموقف.

    وقال لها جرداق

    ـ لا تكوني ساذجة فلا أحد غيرهم هناك يتسيد الموقف هم كانوا على علم بقدومك من كل بد.

    ولمع في دماغ جريرة خاطر من الشكوك من جديد حول جرة.

    وقالت عتبة

    ـ اختفى ربع سربكم هناك أما الربع الآخر فذهبت به الدياسبورا .

    قال جرداق

    ـ بهذه الإحصائية لن يستقيم الحساب . لكن السرب هلك أو تبدد وعلينا نظمه من جديد حتى يعود مثل زهر الغابات في كثرته وألوانه الفاتنة. السرب قوة وعندما يصبح الجراد كتلة ينبثق ضوء الكون .

    وقال جابودي

    ــ هيلاه يا شاعر هيلاه.

    قال جراري

    ـ سنخرج أنا وجابودي لنجلب لهذه السيدة شيئاً تأكله .

    لكن عتب أعترضت

    ـ لا هذه ضيفتي . وخطت نحو جريرة وقبلتها ثم ..تب ..تب.. تقافزت بمرح نحو الشاطىء لكن جابودي خرج في إثرها يساعدها كما يساعد في التقريب بين سلالة جراد القبوط والجراد الذي ينتمي هو إليه . مكث جابودي وعتبة بعض الوقت قرب الشاطيء وهنالك أحس مرة أخرى أن القربى من آل قبوط ممكنة . لا تحبذ عتبة كلمة قبوط بالتشديد رمزاً لسلالتهم فهي جبورة وفي أسوأ الفروض قبورة كما يحب أن يطلق البشر الإسم.

    وسألت عتبة جابودي بكل جرأة وقد أدركت مراميه الخفية

    ـ حسناً .هب أنا وافقت فماذا ستفعل بعقيدة الجيم .أنتم معشر الجراد اللوكست دوغمائيون

    وصاح فيها جابودي ممازحاً

    لا عاجبني انتو يا جراسهوبرس .تتقافزون من اسم لأسم ومن فكرة لفكرة. وعندما أحس جابودي بأن مزحته ثقيلة أقبل على عتبة يلاطفها قائلاً

    ـ لك العتبى يا عتبة.

    وحين عادا بالجرجير عاد جابودي بمشاعر جديدة وكذلك عتبة رغم غرابة الحالة ولم بلحظ أحد من الجالسين في انتظارهما شيئاً لكن عتبة لاحظت ضوءاً ياهراً في عيني جرداق ولم تدرك كنهه هي أيضاً . وعندما مرت بقربه ابتسمت فارتبك جرداق. في حقيقة الأمر أخذه حديث جريرة العذب واكتشف أنها شاعرة مثله لكنه لم يفلح في استنطاقها بالقصيد. لكنه كان منزعجاً لظروف جريرة وفي سره حدث نفسه قائلاً

    ـ كيف يتسنى لهذا الجسد الفاتن والعفل الشاعر اللماح أن يحط بجداء الخالية من العلم والمعرفة والعافية بينما لحم البان يأكله التراب؟

    قهقه جراري حين أبصر جرداق واجماً وحينما بدأت جريرة تأكل سلسلة الجرجيرات جرجيرة فجرجيرة فجرجيرة وتزم شفتيها إثر كل فاصلة منغمة من الأكل كان ثلاثتهم ينظرون ويتعجبون كيف استطاعت هذه الفاتنة أن تأكل هكذا بأرستقراطية وهي القادمة من إنقاية جرداء يرويها المطربمزاجه هي الإنقاية المطرية قرب واصل نومك؟

    وفجاة قال جراري

    ـ تعال يا جرداق نختتم هذه الجلسة لنحتفي بهذه الضيفة العزيزة بقصيدة الضوء . نعم قرأتها لنا أمس في زنقة جارد الحازم لكن الجمع كان غفيراً لم يتح لنا فرصة التأمل.

    وقالت عتبة

    ـ أيوة هيلاه عليك .أنا لم أسمعها.

    واستجاب جرداق فسن حنجرته بمبرد الريق العذب وانطلق يغني شاملاً الضيفة بعنايته القصوى خلال تنغيمه

    ــ تكاكم تك . تك تكاكم . تك تك تكاكم.

    الدهشة الجمت جريرة فهي لم تسمع من قبل بمثل هذه الأوزان الأخاذه .مالت من الطرب وسمعت جرداق يتكتك قصيدته بصوت كأنه طالع من فوق الشجر .

    ـ تكا تكاكم تك . تك تكا تكاكم تك تكا .

    وصاح جابودي فرحاً

    ـ هيلاه يا جرداق ..يا أسراب يا كتلة الجراد . يا جدود جابودي هيلاه .

    وتحرك الركب وجابودي يصدح يصوت من رحيقٍ صافٍ منقى حتى إذا ما أشرفوا على الرجوبة التي هي قبالة حي جرورة غشيت جريرة غصة هاء السكت من فرط الطرب فسكتت .

    واندهش الجميع لما حل يجريرة واحتاروا فيه . وبما أنني وإياكم نعلم فدعوني كراوية جرادة ذات استطرادات أن أحاول ترجمة ما لا يترجم من شعر الجراد بلغة البشر
    ـ قال جرداق
    تكاكم تك ومعناها

    أيها الضوء أنت جيوش فنقل حشودك وافتك بها ظلمات الظلام. تنقَل حتى يصبح أعتم ما في الديار الشفق. رأيت سيوف أشعتك الليزرية فاقطع بها شبحاً لا نراه قابعاً في ذراه . شعاعك يا ضوء علمنا الحسم يمشي سريعاَ من الشمس للعين .فقم ما سمعنا بضوءٍ تمشَى فتاه. وهذا الظلام طعامك .فالتهم الآن هذي الدجنَة وفي الصبح يقتات فجرك من كتلة مدلهمة. طعامك يا ضوء هذا الظلام . وشربك منه المدام . فقم وارفع النخب ثم انبثق . وكل مكان تبيت به ناره تأتلق. فيا ضوء يا ضوء أنت حذق . ونهرك يدلق منه الجمال بدنيا الجراد فألوانها طاويات الغسق.وثق. بأنك أسرع منا جميعاً فقم وانطلق. لينفتح الحسن غب الأفق. يغني الجراد فيٌشجي الجماد ويصبح أظلم ما في الوجود الشفق.

    واعترف بأنني كجرادة ذات استطرادات راوية رديئة ومترجمة للشعر أردأ لكن كلمات جرداق البديعة لابد من ابصالها لما بين ذكاء الكائنات .
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de