|
|
 المنــــــــــــــاورة الخـــطـــــــرة
|
بقلم د. الطيب زين العابدين
قال الرئيس عرفات فى بيان رسمى تداولته وكالات الأنباء العالمية وأشادت به الادارة الأمريكية: أكرر التزامى ومشاركتى الادارة الأمريكية والمجتمع الدولى بحربها على الارهاب وقد أعطيت أوامرى لقوات الأمن الفلسطينية لمواجهة ومنع أىة عمليات ارهابية ضد المدنيين الاسرائيليين وبنفس الوقت على المدنيين الفلسطينيين من قبل الجيش الاسرائيلى والمستوطنين. وكرر عرفات فى ذلك البيان ادانته للعملية الفدائية التى وقعت فى ملهى ريشون لتزيون بتل أبيب وأدت الى مقتل ستة عشر اسرائيليا. لا شك أن الرئيس عرفات تعرض لضغوط أمريكية ـ وربما عربية ـ هائلة للادلاء بمثل هذا البيان الذى يصم المقاومة الفلسطينية بأنها عمل ارهابى تدينه السلطة الفلسطينية وتشارك فى قمعه. وربما قصد الرئيس عرفات من هذا التصريح الغريب أن يناور شيئا ما حتى تنقشع الهجمة الشارونية الكاسحة الموجهة ضده والتى تريد استبعاده نهائيا من القيادة الفلسطينية طوعا أو كرها حتى يخلو لها الجو فتختار شخصية أسلس قيادا توافق على حل القضية الفلسطينية وفقا للرؤية الصهيونية المجحفة. وقد عاش عرفات طويلا بين الأنظمة العربية وأجاد فن المناورة التى اشتهرت بها تلك الأنظمة والتى ربما اسهمت فى إطالة عمرها أمام شعوب مستكينة مستغفلة. ولكن مناورة الرئيس عرفات فى مثل الموقف الحالى تمثل مخاطر جمّة ليس فقط على القضية الفلسطينية ـ وهى أم القضايا العربية الاسلامية منذ خمسة عقود ـ ولكن على شخصه وقيادته.
ليست هناك حركة تحرير فى العالم تقبل أن تدين حقها فى الكفاح المسلح ضد الاستعمار والاستيطان، وقد بقى الرئيس مانديلا فى السجن سبعا وعشرين سنة لأنه رفض بإباء ادانة الكفاح المسلح ضد البيض مقابل حريته الشخصية لذلك ظل رمزا عملاقا لشعبه ولشعوب العالم الثالث. بل وما زال الرئيس روبرت موجابى يدافع عن استعمال العنف لأخذ الأراضى من ملاكها البيض الذين استولوا عليها ابان الاستعمار الانجليزى لبلاده.
وموقف الرئيس عرفات بادانة المقاومة وتسميتها ارهابا يناقض قرارات منظمة المؤتمر الاسلامى الطارئة التى عقدت بالدوحة (ديسمبر2001) خصيصا لمناقشة العدوان الاسرائيلى على الشعب الفلسطينى، وجاء فيها: يرفض المؤتمر الخلط بين الارهاب وحق الشعب الفلسطينى والشعب اللبنانى والشعب السورى فى مقاومة العدوان والاحتلال الاسرائيلى باعتبارها حقا مشروعا تكفله الشرائع والمواثيق الدولية. وأكد مؤتمر القمة العربى فى بيروت (مارس2002) ذات المعنى فى بيانه الختامى. وكل الأمة العربية والاسلامية تقف ذات الموقف فى تأييد المقاومة الفلسطينية المسلحة ضد الاحتلال والاستيطان الاسرائيلى. كيف اذاً يجوز للرئيس عرفات الذى يشكو من ضعف التأييد الرسمى له من الأنظمة العربية والاسلامية ـ وهو محق فى شكواه ـ أن يسمى مقاومة شعبه ارهابا؟ ألا يعنى ذلك أنه يهزم بنفسه قضيته التى عاش من أجلها طول عمره وأصبح رمزا لها فى أعين العالم؟ ألا يعنى ذلك أنه يملّك اسرائيل وأمريكا حجة قوية ضد انتفاضة ومقاومة الشعب الفلسطينى؟ والغريب أن بيان الرئيس عرفات يأتى فى وقت يستحل فيه رئيس الوزراء الاسرائيلى انتهاك كل الأعراف والاتفاقيات الدولية الخاصة بالحرب ومعاملة المدنيين تحت الاحتلال بحجة الدفاع عن النفس، ويرفض مبدأ التحقيق الدولى في ما يرتكبه من مجازر. فكيف يجوز له أن يقتل المدنيين أطفالا ونساء ورجالا فى أرض مغتصبة ولا يجوز لأهل تلك الأرض الرد عليه بالمثل؟ ثم ان الرئيس عرفات يعرف أكثر من غيره أن شارون لا يملك حلا سياسيا بدليل أنه رفض المبادرة السعودية التى تبنتها القمة العربية. اذن لماذا التنازل؟
ثم ان الرئيس عرفات قيادة ورمز للشعب الفلسطينى فما رأى الشعب الفلسطينى فى المقاومة المسلحة ضد الاحتلال؟ لا أحسب أن الاجابة على السؤال محل شك عند أحد. فلولا ايمان الشعب الفلسطينى بحقه فى المقاومة لما كانت هناك انتفاضة ولما كانت هناك مقاومة خاصة فى زمان الهيمنة الأمريكية والتخاذل العربى. ان عرفات لا يستمد قوته من مساندة أمريكا له، ولا من نتائج مفاوضات أوسلو التى تمخضت عنها السلطة الفلسطينية، ولا من تأييد الأنظمة العربية له، فهو انما يستمد قوته من قيادته التاريخية للمقاومة الفلسطينية والتفاف الشعب من حولها لذلك وقفت لجانبه ابان الحصار فى رام الله كل الفصائل الفلسطينية المخالفة له. فاذا تنكر عرفات لتلك المقاومة فكأنما يتنكر لتاريخه ولمشروعية قيادته، ولن تكون حينذاك ازاحته عن القيادة أمرا صعبا بتدخل خارجى أو بفوران داخلى. ومحاولة تصفية المقاومة الفلسطينية تعنى شرخا رهيبا فى وحدة الشعب الفلسطينى التى نجح الرئيس عرفات فى الحفاظ عليها بتعاون حكيم من قيادات المقاومة بشقيها الاسلامى والقومى، وهى تعنى نجاح سياسة شارون الهمجية، ثم انها تقدم دون عائد مأمول.
أما قول عرفات أنه أعطى أوامره بالمثل لمنع عمليات ارهابية ضد المدنيين الفلسطينيين من قبل الجيش الاسرائيلى والمستوطنين، فقول يثير العجب والسخرية. أولاً لأن الطرف الآخر لا يعترف بأن ما يقوم به جيشه أو مستوطنوه هو من باب العمليات الارهابية بل يسميه دفاعا مشروعا عن النفس حتى ولو أدى لقتل الأطفال والنساء. وثانيا لأن الأمن الفلسطينى عاجز حتى فى الدفاع عن نفسه أمام الآلية العسكرية الاسرائيلية دعك من حماية المدنيين الفلسطينيين. وستكون مناورة الرئيس عرفات أكثر خطورة فى الأيام القادمة إذ تقول الادارة الأمريكية أنها تريد أن تشرف بنفسها على تكوين جهاز جديد للأمن الفلسطينى. وهذا يعنى بالطبع أن تقوم بتدريبه ودفع مرتباته واختيار قياداته. عندما يتم ذلك لا قدر الله لن تحتاج اسرائيل مرة أخرى لارسال قوة عسكرية منها لتقييد حركة الرئيس عرفات داخل مقره فى رام الله بل ستقوم بذلك قوة الأمن الأمريكية الفلسطينية الجديدة!
|
|
 
|
|
|
|
Al-Masafaa
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست