الجســور التلاته

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-13-2024, 10:02 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2001م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-14-2002, 12:55 PM

bob
<abob
تاريخ التسجيل: 03-03-2002
مجموع المشاركات: 3353

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الجســور التلاته

    «الجسور الثلاثه‏»



    الوراثه الحضارية
    الجسور الثلاثه
    الوراثه الحضاريه هى انتقال القيم والافكار والروى والاعراف
    والاخلاق من جيل الى جيل، ولهذه الوراثه قوانين واصول كما
    للوراثه فى النبات والحيوان والانسان.وبموجب هذه القوانين
    تنتقل الحضاره من جيل الى جيل، فيبدا الجيل الجديد حياته
    من حيث انتهى الجيل السابق وليس من الصفر. وعبر هذه
    العوامل انتقل الينا هذا التيار الحضارى الكبير من عصر آدم (ع)
    وعصور ابراهيم ونوح وموسى وعيسى ورسول اللّه(ص). ونحن
    قطعه من هذا الماضى العريق، وفرع من تلك الجذور الممتده
    فى عمق التاريخ، تلقينا هذه القيم والمعارف عبر قنوات الوراثه
    الحضاريه من جيل الى جيل، ومن الموكد ان سلامه هذه
    الجسور والقنوات تسرع عمليه انتقال الحضاره من جيل الى
    جيل، كما ان تعطيلها وخرابها يعرقل الصله بين الاجيال. ولو
    توقفت هذه الجسور بصوره نهائيه عن اداء دورها الحضارى فى
    المجتمع لانقطع الجيل اللاحق عن الجيل السابق، انقطاعا
    كاملا. واهم هذه القنوات والجسور:
    1- البيت.
    2 - المدرسه.
    3 - المسجد.
    وعبر هذه الجسور الثلاثه تحركت الحضاره الالهيه ووصلت
    الحاضر بالماضى والخلف بالسلف، وبسبب الدور الكبير الذى
    يقوم به البيت والمدرسه والمسجد، فى عمليه الاتصال
    الحضارى، يعط‏ى الاسلام اهتماما كبيرا لهذه المراكز الثلاثه
    وبنائها واعمارها. وفى ما يلى توضيح موجز لهذه القنوات
    الثلاث.
    1- البيت
    ونقصد بالبيت: الاسره. ودور الاسره، فى نقل المواريث
    الحضاريه الى الجيل الصاعد، كبير. والانطباعات الاولى التى
    تنطبع عليها شخصيه الطفل تتكون فى داخل الاسره، وتبقى
    هذه الانطباعات ذات تاثير فعال فى شخصيه الانسان فى
    مستقبل حياته.
    يقول امير المومنين(ع) لولده الامام الحسن المجتبى(ع):
    (وانما قلب الحدث كالارض الخاليه، ما القى فيها من شى‏ء
    قبلته، فبادرتك بالادب قبل ان يعشو قلبك، ويشتغل لبك).
    ولسلامه بناء الاسره اثر كبير فى سلامه تربيه الابناء، كما ان
    لفسادها دور كبير فى افساد الجيل الناشى‏ء وتخريبه.
    روى عن رسول اللّه(ص):
    (ما من بيت ليس فيه شى‏ء من الحكمه الا كان خرابا).
    وبعكس ذلك الاسره الصالحه، فهى قادره على اداء دور فعال
    فى بناء الجيل ونقل القيم والمواريث الحضاريه الى الجيل الذى
    ينشا فى احضانها.
    ولنستمع الى امير المومنين(ع) يشرح لولده الحسن
    المجتبى(ع) كيف نقل اليه خلاصه خبراته ووعيه للحضاره
    والتاريخ:
    (اى بنى، انى وان لم اكن عمرت عمر من كان قبلى، فقد
    نظرت فى اعمالهم وفكرت فى اخبارهم وسرت فى آثارهم،
    حتى عدت كاحدهم، بل كانى بما انتهى الى من امورهم قد
    عمرت مع اولهم الى آخرهم... فعرفت صفو ذلك من كدره،
    ونفعه من ضرره، فاستخلصت لك من كل امر نخيله، وتوخيت
    لك جميله، وصرفت عنك مجهوله).
    ويتحدث امير المومنين(ع) عن الجو العائلى الذى احتضنه
    بالتربيه والرعايه وهو صغير، وما تركت هذه التربيه والرعايه
    العائليه فى بناء شخصيته من اثر:
    (وقد علمتم موضعى من رسول اللّه(ص) بالقرابه القريبه
    والمنزله الخصيصه، وضعنى فى حجره وانا ولد، يضمنى الى
    صدره، ويكنفنى فى فراشه، ويمسنى جسده، ويشمنى عرفه،
    وكان يمضغ الشى‏ء ثم يلقمنيه، وما وجد لى كذبه فى قول، ولا
    خطله فى فعل... ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل اثر امه، يرفع لى
    فى كل يوم من اخلاقه علما، ويامرنى بالاقتداء به، ولقد كان
    يجاور كل سنه بحراء فاراه ولا يراه غيرى، ولم يجمع بيت واحد
    فى الاسلام غير رسول اللّه(ص) وخديجه وانا ثالثهما، ارى نور
    الوحى والرساله، واشم ريح النبوه).
    2- المدرسه
    واقصد بالمدرسه المراكز والوسائل التثقيفيه فى مختلف
    مراحلها، والجهاز البشرى الذى يتولى تثقيف الناشئه وتعليمها..
    وهذا حقل واسع يشمل المدرسه والكتب والمناهج والمدرسين
    والفعاليات الثقافيه والتربويه والخط والحرف واللغه والثقافه
    والاعلام والصحافه وغير ذلك.
    والمدرسه، فى هذا الاطار الواسع، تعد من اهم الجسور التى
    تقوم بعمليه نقل المواريث الحضاريه من جيل الى جيل وربط
    الاجيال بعضها ببعضها الاخر، ووصل الجيل الصاعد بالجيل
    الهابط.
    واذا كان الانسان يتلقى الانطباعات الاولى فى حياته من
    البيت، فان المرحله الثانيه من هذه الانطباعات تتكون فى
    عقله ونفسه فى المدرسه.
    وقد ورد فى النصوص الاسلاميه تاكيد كثير على قيمه المعلم
    واحترامه.
    عن ابى جعفر(ع)، قال: قال رسول اللّه(ص):
    (ان معلم الخير يستغفر له دواب الارض وحيتان البحر وكل
    ذى روح فى الهواء وجميع اهل السماء والارض).
    وعن ابى عبداللّه الصادق(ع):
    (من علم خيرا فله بمثل اجر من عمل به. قلت: فان علمه غيره،
    يجرى ذلك له؟ قال: ان علم الناس كلهم جرى له. قلت: وان
    مات؟ قال: وان مات).
    وعن ابى عبداللّه(ع)، قال: قال رسول اللّه(ص):
    (يجى‏ء الرجل يوم القيامه، وله من الحسنات كالسحاب الركام او
    كالجبال الرواسى، فيقول: يا رب انى لى هذا ولم اعملها؟
    فيقول: هذا عملك الذى علمته الناس يعمل به بعدك).
    وعلم عبد الرحمن السلمى ولدا للحسين(ع) سوره الحمد،
    فلما قراها على ابيه اهدى الامام للمعلم مالا كثيرا وحليه
    كثيره وحشا فاه درا. فقيل له فى ذلك، فقال(ع):
    (واين يقع هذا من عطائه يعنى تعليمه ).
    3- المسجد
    والجسر الثالث من الجسور الثلاثه: المسجد، وهو، فى الاسلام،
    مركز للعباده والتوجيه الفكرى والاخلاقى والسياسى، وللتعاون
    على اعمال الخير والبر، وله دور مركزى ورئيسى فى الفعاليات
    والاعمال التى تقع فى هذه الدائره.
    والنص التالى يكشف عن قيمه المسجد ودوره فى المجتمع
    الاسلامى: عن امير المومنين على(ع): (من اختلف الى
    المسجد اصاب احدى الثمان: 1 اخا مستفادا فى اللّه. 2 او علما
    مستطرفا. 3 او آيه محكمه. 4 او رحمه منتظره. 5 او كلمه ترده
    عن ردى. 6 او يسمع الى كلمه تدل على الهدى. 7 او يترك دنيا
    خسيسه. 8 او حياء).
    وقد كانت المساجد، فى التاريخ الاسلامى، مدارس للفكر
    والثقافه، ومنابر للتهذيب والتربيه ومواقع للحركه والثوره
    والعمل الاجتماعى والسياسى، ومن انشط الموسسات
    الاجتماعيه والثقافيه والسياسيه فى حياه المسلمين. وكانت
    تقوم بمهمه اساسيه فى نقل مواريث الحضاره الاسلاميه من
    جيل الى جيل.
    كما كانت معقلا من امنع معاقل الفكر والقيم الاسلاميه، وفى
    هذا المعقل استطاع المسلمون ان يحفظوا تراثهم الفكرى
    والحضارى من غاره العدوان الجاهلى.
    موسسه الحوزه العلميه
    ولكى يمارس المسجد دوره، فى خدمه الامه، وفى نقل
    المواريث الحضاريه بقوه وفعاليه، لا بد له من روافد بشريه
    وثقافيه لتامين حاجه المسجد الى العلماء والخطباء والموجهين
    الذين يقومون بدور التوعيه والتحريك فى المجتمع الاسلامى
    من خلال هذه الموسسه (المسجد).
    وهذه المهمه تتطلب وجود جامعات اسلاميه (حوزات علميه)
    مهمتها تخريج المتخصصين فى شوون الثقافه الاسلاميه.
    ولا بد من ان تنفر طائفه من المسلمين ليتعلم افرادها هذه
    الثقافه بصوره اختصاصيه، وليقوموا بهذا الدور التوجيهى
    الحساس فى المجتمع، انطلاقا من قوله تعالى: (فلولا نفر من
    كل فرقه منهم طائفه ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم اذا
    رجعوا اليهم لعلهم يحذرون).
    وعليه فان (موسسه المسجد) تشمل هذه الموسسات الثقافيه
    التى نصطلح عليها بالحوزات العلميه، والموسسات التابعه
    والمقومه للحوزات العلميه كالمرجعيه ومنصب الافتاء ومنابر
    التوجيه والوعظ.
    والمسجد، بمثل هذا الشمول والسعه، يشغل مساحه واسعه من
    حياه الناس، ويعد واحدا من اهم الجسور التى قامت، فى تاريخ
    الانسان، بعمليه نقل القيم والافكار من جيل الى جيل. ومن
    اهم المعاقل التى استطاعت ان تحفظ لنا تراثنا من الضياع
    والانحراف ولا سيما فى السنوات العجاف الطويله التى تعرضت
    فيها جسورنا وقلاعنا الحضاريه لضربات قويه من قبل العدو.
    فقد حافظ المسجد، خلال هذه السنوات العجاف، على
    استقلاله، ولم يتمكن العدو من مصادره هذه الموسسه
    وتطويقها وحرفها عن رسالتها. وكان المسجد، فى هذه
    المعركه، آخر قلعه من قلاعنا الحضاريه التى قاومت حركه
    التغريب، ولو كان يتاتى لهذه الانظمه والموسسات الخاضعه
    لسلطان الغرب ان تضع يدها على المساجد ورافدها من
    الحوزات العلميه الاسلاميه لم يسلم لنا من عبثهم وافسادهم
    شى‏ء.
    نسف الجسور
    خهذه هى اجمالا الجسور الثلاثه التى تنتقل عليها حضارتنا من
    جيل الى جيل، والتى تربط حاضرنا بماضينا، وتربطنا بجذورنا
    الحضاريه العميقه، ولولا هذه الجسور لانقطع حاضرنا عن
    ماضينا، انقطاعا تاما، وتحولت الامه من امه ممتده فى التاريخ،
    ذات حضاره واصاله وعمق، مستقره فى الارض، الى نبته
    مجتثه من فوق الارض ما لها من قرار، ومن شجره اصلها ثابت
    وفرعها فى السماء، الى نباتات طحلبيه تنبت هنا وهناك، ثم
    تموت كما تكونت، وبقدر ما يحرص الاسلام على سلامه هذه
    الجسور الثلاثه وفاعليتها فى حياه الامه، فان اجهزه الاستكبار
    العالمى تخطط لتقطيع هذه الجسور فى حياه امتنا وتعطيل
    ادوارها. وبامكاننا ان نقول ان الصراع السياسى فى المرحله
    الاخيره من حياتنا، بيننا وبين الكفر العالمى، كان يدور حول
    محور قطع هذه الجسور ومدها.
    بين الحداثه والقديم، ام بين الانقطاع والاتصال؟
    لقد حاول الاستكبار وعملاوه، فى العالم الاسلامى، من الحكام
    والمفكرين، ان يصوروا هذا الصراع على انه صراع بين (القدم)
    و(الحداثه). لكن الحقيقه شى‏ء آخر، فلم يكن الصراع على
    القديم والجديد، وانما كان الصراع على (الانقطاع) و (الاتصال).
    لقد كان الاستكبار العالمى يعمل لقطع هذه الامه عن ماضيها
    وجذورها التاريخيه، ولنسف الجسور التى تربط حاضر الامه
    بماضيها. وكان المخلصون الواعون، من ابناء الامه، يدركون
    عمق هذه الموامره ويحرصون على ان يبقى حاضرنا مرتبطا
    بماضينا وتراثنا وجذورنا فى التاريخ. وكان هذا الصراع قائما فى
    كل مكان: فى المدرسه، وفى الجامعه، وفى الشارع، وفى الفن،
    وفى الادب، وفى المصطلحات، وفى الاعراف، وفى اللغه، وفى
    الخط، وفى الشعر، وفى المعاشره، وفى الاسره، وفى طريقه
    التفكير، وفى لغه التخاطب، وفى اشياء كثيره اخرى فى حياتنا.
    التخريب الحضارى
    ونتساءل: لماذا كان الاستكبار يعمل بهذا الاتجاه التخريبى فى
    حضارتنا؟
    وهذا سوال وجيه.. فان مخطط‏ى اجهزه الغزو الاستكبارى لم
    يكن يهمهم من امر حضارتنا شى‏ء، ولم يكن يهمهم ان يطرحوا
    بديلا لهذه الحضاره. ولم يكونوا رسل حضاره الينا ليفكروا فى
    تخريب حضاره واقامه اخرى مكانها، وانما كانوا طلاب مال
    ولذه، وجباه الذهب الاصفر والاسود. وكل من يعرف الغرب
    والشرق يعرف هذه الحقيقه بلا مناقشه. ونتجاوز الان اولئك
    السذج الذين يتصورون ان للغرب الراسمالى او الشرق
    الاشتراكى دورا انسانيا فى حياتنا.
    فما هى مصلحه الغرب والشرق فى التخريب الحضارى فى
    حياتنا وفى هدم الجسور واستئصال الجذور؟ ان القضيه، فى
    راينا، لها ايضا علاقه بجبايه الذهب الاصفر والاسود. ولا بد
    لذلك من شرح وايضاح:
    ان الجذور الحضاريه تمنح الامه مناعه ضد الغزو، اى غزو، سواء
    اكان غزوا عسكريا ام فكريا ام سياسيا، ام غزوا للابتزاز المالى او
    للاستئصال الحضارى. وهذه خاصيه العمق الحضارى فى الامه،
    فما دامت الامه مرتبطه بماضيها وحضارتها ومستشعره
    بشخصيتها التاريخيه والحضاريه فهى تقاوم الغزو والاحتلال
    والاستغلال، وتقاوم النفوذ السياسى والفكرى الاجنبى مهما
    كان.
    ولقد جاء الغرب الى العالم الاسلامى لفرض سلطانه ونفوذه
    على المسلمين، وليقوم بغاره واسعه على العالم الاسلامى، وهو
    يعلم ان فى هذه الامه مناعه ضد كل اجنبى دخيل على الامه،
    وضد كل نفوذ وسلطان دخيل عليها، ويعلم ان مصدر هذه
    المناعه هو دين هذه الامه وحضارتها، ولا يمكن ان يضعوا
    ايديهم على كنوز هذه الامه وثرواتها الطبيعيه قبل ان يضعوا
    ايديهم على عقول ابنائها، ولا يمكن ان يفتحوا الطريق الى
    ثروات المسلمين قبل ان يقطعوا علينا الطريق الى حضارتنا
    ورسالتنا وتراثنا.
    لقد عرف المخططون للاستكبار هذه الحقائق جميعا، حقيقه
    بعد اخرى، وتوجهوا بكل جد واهتمام لعلاج هذه المشكله
    ومصادره هذه المناعه والمقاومه.
    التعويم الحضارى
    واذا حدث هذا التعويم الحضارى، وتحولت الامه من حاله
    الانتماء الحضارى الى حاله اللاانتماء، فلا تبقى فى الامه مناعه
    او مقاومه، ولا يخشى، بعد، على مصالح الاستكبار ومراكز نفوذه
    فى العالم الاسلامى على امد طويل من الزمان، ومن ثم يسهل
    النفوذ فى هذه الامه، وفرض كل الوان السيطره والسياده
    عليها، ووضع اليد على ثرواتها واراضيها وبرها وبحرها.
    ولكى يتم تفريغ هذه الامه من كل محتواها الحضارى
    والرسالى، وبترها عن ماضيها وتراثها وحضارتها، بترا كاملا، لا بد
    من قطع هذه الجسور التى تربط الحاضر بالماضى، والامه
    بتراثها وحضارتها.
    وانطلاقا من هذا التصور توجه الاستكبار العالمى باتجاه قطع
    هذه الجسور ونسفها وقطع الحاضر عن الماضى.
    وهكذا كانت فصول الماساه فى حياتنا السياسيه والحضاريه
    المعاصره.
    معالم حركه التغريب او التخريب الحضارى
    وارى من المفيد ان ارسم هنا معالم حركه التغريب، او
    الاستئصال الحضارى بشكل اوضح، ليكون هذا الجيل جيل
    الثوره على بينه من المخططات الرهيبه التى كان يجرى
    تنفيذها من قبل الغرب، بشكل خاص، فى العالم الاسلامى فى
    هذه الفتره من الزمان.
    لقد كان هم الغرب الاكبر انهاء وجود الدوله العثمانيه فى العالم
    الاسلامى والقضاء عليها قضاء كاملا، فقد كانت الدوله العثمانيه،
    ورغم كل نقاط الضعف الظاهره عليها، محورا سياسيا وعسكريا
    واقتصاديا قويا فى المنطقه يحول دون تحقيق مطامع الغرب
    فى العالم الاسلامى.
    وتم للغرب اسقاط الخلافه العثمانيه بصوره نهائيه، فى سنه
    1342ه/1922م،بعد ان تم انهاكها واستهلاكها وتحجيمها، حتى
    اصبح الخليفه لا يملك من امور الخلافه والدوله شيئا غير
    صلاه الجمعه وخطبتها وقصره وحاشيته.
    واستراح الغرب عند ذلك، وتنفس الصعداء، وخلت الساحه
    السياسيه فى المنطقه الاسلاميه من وجود قوه ذات نفوذ واسع
    فى المنطقه الاسلاميه.
    وعند ذلك، اخذ الغرب يصعد حركه التغريب والاستئصال
    الحضارى فى المنطقه الاسلاميه بصوره واسعه، وقد كانت هذه
    الحركه قائمه فى العالم الاسلامى من قبل، ولكنها تصاعدت
    بشكل ملفت للنظر، وعلى كافه الاصعده، بعد سقوط الدوله
    العثمانيه.
    الحكام الذين دعموا حركه التغريب
    فى هذه المرحله التى شارفت سقوط الدوله العثمانيه، وتلك
    التى تلتها، نرى على المسرح السياسى حكاما وانظمه، فى
    العالم الاسلامى، تتجه بشكل واضح باتجاه فصل العالم
    الاسلامى عن جذوره الحضاريه، وربطه بالغرب والحضاره
    الغربيه، تحت شعار (التجديد) و (الحداثه) و (التطور) و
    (التقدم)، ونذكر من هولاء الحكام:
    مصطفى كمال اتاتورك: تولى الرئاسه فى تركيا بعد اسقاط
    الدوله العثمانيه، واستمر حكمه من سنه 1923 الى سنه
    1938م.
    رضا بهلوى: تولى الحكم، فى ايران، من سنه 1925 الى سنه
    1931م.، اى انه تولى الحكم بعد سقوط الدوله العثمانيه بثلاث
    سنوات.
    امان اللّه خان: تولى الحكم فى افغانستان من سنه 1919م الى
    سنه 1929م. زار اوروبا، وتوجه باتجاه تغريب افغانستان بعد سنه
    1927، اى بعد سقوط الدوله العثمانيه بخمس سنوات، بصوره
    قويه، ما ادى الى سقوطه وفراره الى اوروبا.
    وقد اشتهر هولاء الحكام بالنزوع الشديد الى الغرب، وبالسعى
    الحثيث للقضاء على معالم الحضاره الاسلاميه واصولها، واحلال
    الحضاره الغربيه فى بلادهم، والقضاء على الكيان السياسى
    للاسلام فى العالم، واحلال الكيانات الصغيره الاقليميه
    والقوميه مكان الدوله الاسلاميه.
    ومن المفيد ان نذكر ان احداثا قد تمت فى هذه الحقبه من
    تاريخنا السياسى المعاصر، اسهمت فى تمزيق العالم الاسلامى،
    ومنها: (معاهده سايكس بيكو) 1916م. قسمت العالم الاسلامى
    الى كيانات، ومنها ايضا (وعد بلفور) 1917م الصهاينه باقامه
    كيان لهم فى فلسطين.
    ومن السذاجه ان نتصور ان هذه الاحداث تجمعت فى هذه
    المرحله بالذات صدفه ومن دون تخطيط مسبق. ومن
    السذاجه ان نتصور ان هولاء الحكام كانوا يعملون لتطوير
    بلادهم من الناحيه العلميه والاقتصاديه والعسكريه، وكانوا
    يسعون الى ادخال الصناعه والاختصاصات العلميه المتطوره
    الى بلادهم.
    فقد بدا هولاء الحكام بالقضاء على (الخط والحرف العربين) اولا،
    وعلى (اللغه العربيه الفصحى) ثانيا، وعلى (الحجاب) ثالثا،
    وعلى (القضاء الشرعى) رابعا، وعلى (حدود اللّه) تعالى فى
    الحلال والحرام خامسا، وعلى (الاخلاق والاعراف) الاسلاميه،
    وعلى كثير غير ذلك بحجه التطور والتجديد والحداثه.
    وكان يسير، فى ركب هولاء الحكام، جمع من المخططين
    والمفكرين والعلماء والادباء فى مختلف اقطار العالم الاسلامى،
    يتجهون بشكل واضح باتجاه تغريب المسلمين، وربط العالم
    الاسلامى بعجله الغرب، وعزل الامه الاسلاميه بصوره كامله
    عن ماضيها وتاريخها، وحجبها حجبا كاملا عن حضارتها
    وتراثها.
    رواد التغريب من المفكرين والكتاب
    وبرز، فى مجال الدعوه الى التغريب والارتماء فى احضان
    الحضاره الغربيه، مفكرون وكتاب وادباء دعموا هذه الدعوه
    بكتاباتهم وآثارهم وادبهم. ونحن نشير، هنا، الى بعض هولاء
    حتى يعرف ابناء هذا الجيل ضخامه الموامره التى كان يحيكها
    قاده الاستكبار والكفر ضد الحضاره والامه الاسلاميه قبل هذا
    الجيل.
    طه حسين والدعوه الى التغريب
    فى العالم العربى عدد من الكتاب، فى هذا المجال، كان من
    ابرزهم طه حسين، الكاتب المصرى المعروف والذى منح
    عماده الادب العربى.
    لقد اولع طه حسين بالحضاره الغربيه، حتى عاد يدعو قومه،
    فى مصر، الى الانسلاخ عن حضارتهم وقبول حضاره الغرب
    والارتماء فى احضانها، خيرها وشرها، حلوها ومرها.
    يقول طه حسين فى كتاب (مستقبل الثقافه فى مصر):
    (حياتنا الماديه اوروبيه خالصه فى الطبقات الراقيه، وهى فى
    الطبقات الاخرى تختلف قربا وبعدا من الحياه الاوروبيه
    باختلاف قدره الافراد والجماعات وحظوتهم من الثروه وسعه
    ذات اليد، ومعنى هذا ان المثل الاعلى فى حياته الماديه انما هو
    المثل الاعلى للاوروبى فى حياته الماديه).
    (وحياتنا المعنويه، على اختلاف مظاهرها والوانها، اوروبيه
    خالصه. نظام الحكم عندنا اوروبى خالص، نقلناه عن
    الاوروبيين، فى غير تحرج ولا تردد، واذا عبنا انفسنا بشى‏ء من
    هذه الناحيه فانما نعيبها بالابطاء فى نقل ما عند الاوروبيين
    من نظام الحكم واشكال الحياه السياسيه).
    (والتعليم عندنا قد اقمنا صروحه وبرامجه منذ القرن الماضى
    على النحو الاوروبى الخالص، ما فى ذلك شك ولا نزاع.
    نحن نكون ابناءنا فى مدارسنا الاوليه والثانويه والعاليه تكوينا
    اوروبيا لا تشوبه شائبه).
    وينتهى طه حسين الى النتيجه التاليه:
    (كل هذا يدل على اننا، فى هذا العصر الحديث، نريد ان نتصل
    باوروبا اتصالا يزداد قوه من يوم الى يوم، حتى نصبح جزءا منها
    لفظا ومعنى وحقيقه وشكلا).
    والامر واضح عند طه حسين، لا لبس فيه، فهو لا يدعو الى
    اقتناء ما تقدم فيه الغرب من العلم والصناعه والتكنولوجيا
    والفن المعمارى.. وانما يدعو الى اتباع الغرب فى كل شى‏ء، والى
    ان ينسلخ كل منا انسلاخا كاملا عن تاريخه وحضارته ورسالته،
    ويكون نسخه ثانيه من الغرب (لفظا ومعنى وحقيقه وشكلا)،
    وحتى الرويه والتصور والتقييم والحكم... ينبغى ان يكون عندنا
    اوروبيا، كما يقول طه حسين، فلا يكفى ان نعيش حياه اوروبيه
    وانما يجب علينا ان نفهم الاشياء، ونقومها، ونراها، كما يفهمها
    ويقومها الاوروبيون. وعلينا ان نتبع الاوروبيين فى كل شى‏ء
    من حياتهم وواقعهم حتى فى ما لا يحمدونه هم من اساليب
    الحياه والوان العلاقات الاجتماعيه والممارسات والافعال.
    وان كنت لا تصدق ذلك من (عميد الادب العربى) فاقرا معى
    فى (مستقبل الثقافه فى مصر): (علينا ان نسير سيره
    الاوروبيين، ونسلك طريقهم، لنكون لهم اندادا، ولنكون لهم
    شركاء فى الحضاره، خيرها وشرها، حلوها ومرها، وما يحب منها
    وما يكره، وما يحمد منها وما يعاب).
    (وان نشعر الاوروبى: اننا نرى الاشياء كما يراها، ونقوم الاشياء
    كما يقومها، ونحكم على الاشياء كما يحكم عليها).
    ولنتجاوز طه حسين الى مفكر آخر من تركيا الاسلاميه.
    ضياء كوك آلب
    ضياء كوك آلب من تركيا (ومن قاده الدعوه الى التغريب
    وواضعى الاسس النظريه للدوله التركيه الحديثه)، كما يقول
    القسيس الامريكى هارولد سمث. وضياء هذا من الرواد الاوائل
    للانسلاخ عن الحضاره الاسلاميه والارتماء فى احضان الغرب.
    يقول السيد ابو الحسن الندوى: (ان ضياء كوك آلب دعا بكل
    قوه وصراحه الى سلخ تركيا من ماضيها القريب، وتكوينها تكوينا
    قوميا خالصا، وايثار الحضاره الغربيه على اساس انها امتداد
    للحضاره القديمه التى ساهم الاتراك على زعمه فى تكوينها
    وحراستها) وقد جاء فى مقاله له:
    (ان الحضاره الغربيه امتداد لحضاره حوض البحر الابيض
    المتوسط القديمه، وكان موسسو هذه الحضاره التى نسميها
    حضاره البحر الابيض المتوسط من الاتراك، مثل السومريين
    والفينيقيين والرعاه، لقد كان فى التاريخ عصر طورانى قبل
    العصور القديمه... وفى زمن متاخر جدا رقى الاتراك المسلمون
    هذه الحضاره ونقلوها الى الاوروبيين، لذلك نحن جزء من
    الحضاره الغربيه ولنا سهم فيها).
    ويقول ضياء كوك آلب، فى موجبات الانتماء الى الحضاره
    الغربيه، وفى ان هذا التحول الى الحضاره الغربيه لا يستلزم
    الانسلاخ عن الدين:
    (حين تقطع امه شاوا بعيدا، ترى من الواجب ان تغير حضارتها.
    ولما كان الاتراك قبائل رحاله فى آسيا الوسط‏ى، دانوا بحضاره
    الشرق الاقصى، ولما انتهوا الى عصر السلطنه دخلوا فى
    المساحه البيزنطيه، والان فى طور انتقالهم الى الحكومه
    الشعبيه، وهم مصممون على قبول حضاره الغرب).
    ويرى ان الدين لا علاقه له بالحضاره، ومن الممكن ان تدين
    شعوب مختلفه بديانات مختلفه فى الوقت نفسه الذى ترتبط
    فيه جميعها بحضاره واحده، يقول ضياء: (ان شعوبا تدين
    بديانات مختلفه يمكن ان تدين بحضاره واحده) ويضيف: (لا
    يصح اى ارتباط لحضاره بالدين، ليست هناك حضاره مسيحيه
    ولا حضاره اسلاميه، فكما انه لا يصح ان تسمى الحضاره الغربيه
    حضاره مسيحيه، هكذا بالضبط لا يصح ان تسمى الحضاره
    الشرقيه حضاره اسلاميه). ويضرب لذلك مثلا بانتقال روسيا
    من الحضاره البيزنطيه الى الحضاره الغربيه: (وقد عانى بطرس
    العظيم صعوبات شديده فى كفاحه لتحرير الشعب الروسى من
    سيطره الحضاره البيزنطيه، وتقديمه الى الحضاره الغربيه،
    وبعد الثوره بداوا يتقدمون بسرعه زائده، وهذه الحقيقه تكفى
    لاثبات ان الحضاره الغربيه هى الشارع الوحيد الى التقدم).
    السيد احمد خان
    احمد خان، او (سير احمد خان) المتقى الدهلوى (1232ه
    1315ه) من الشخصيات العلميه الاسلاميه الهنديه، اسس
    الكليه المحمديه الانگليزيه سنه 1875م، وذلك كما يقول لنشر
    الاسلام الحديث المتاثر بالحضاره الغربيه، وهى التى تعرف الان
    ب (جامعه عليگره) الاسلاميه.
    كان يدعو الى الانسلاخ عن الحضارات الاسلاميه والارتماء فى
    احضان الحضاره الغربيه، وكان من اوائل الدعاه للتغريب. يقول
    السيد احمد خان:
    (لا بد ان يرغب المسلمون فى قبول هذه الحضاره (الغربيه)
    بكمالها حتى لا تعود الامم المتحضره تزدريهم اعينها ويعتبروا
    من الشعوب المتحضره المثقفه).
    وفى كتابه (احكام طعام اهل الكتاب)، يحث على التشبه
    بالانگليز فى عاداتهم واساليب معيشتهم.
    قاسم امين
    من دعاه السفور وتحلل المراه من الحجاب الاسلامى. كان
    يدعو للانتماء الى الحضاره الغربيه والاخذ بها، وكان معجبا
    شديد الاعجاب بهذه الحضاره، ومولعا بها، داعيا اليها، مهما
    كان الثمن.
    يقول فى كتابه (المراه الجديده): (هذا هو الداء الذى يلزم ان
    نبادر الى علاجه، وليس له دواء الا اننا نربى اولادنا على ان
    يتعرفوا على شوون المدنيه الغربيه ويقفوا على اصولها وفروعها
    وآثارها. واذا اتى ذلك الحين، ونرجو ان لا يكون بعيدا، انجلت
    الحقيقه امام اعيننا ساطعه كسطوع الشمس، وعرفنا قيمه
    التمدن الغربى، وتيقنا انه من المستحيل ان يتم اصلاح ما فى
    احوالنا اذا لم يكن موسسا على العلوم العصريه الحديثه، وان
    احوال الانسان مهما اختلفت وسواء كانت ماديه او ادبيه خاضعه
    لسلطه العلم، لهذا نرى ان الامم المتمدنه على اختلافها فى
    الجنس واللغه والوطن والدين متشابهه تشابها عظيما فى شكل
    حكوماتها، واداراتها ومحاكمها، ونظام عائلتها، وطرق تربيتها،
    ولغاتها، وكتابتها، ومبانيها، وطرقها، بل فى كثير من العادات
    البسيطه كالملبس والتحيه والاكل... هذا الذى جعلنا نضرب
    الامثال بالاوروبيين ونشيد بتقليدهم وحملنا على ان نلفت
    الانظار الى المراه الاوروبيه).
    السيد حسن تقى زاده
    من زعماء حركه (الدستور) فى ايران، وهذه الحركه ظهرت
    اواخر حكم اسره (قاجار) لتواجه الدكتاتوريه القاجاريه وتقيم
    ديمقراطيه قريبه من الاسلام، او فى دائره الاسلام.
    وكان السيد حسن تقى زاده من قاده هذه الحركه لولا ان
    اتجاهه الفكرى كان يدعو الى عزل الدين عن السياسه، واقامه
    ديمقراطيه غربيه مفصوله عن الاسلام. وكان يعتقد ان الغرب
    يشكل قمه فى القيم الانسانيه.
    وانشا (تقى زاده)، بالتعاون مع بعض زملائه، الحزب
    الديمقراط‏ى فى الدوره الثانيه من المجلس البرلمانى، وكان
    هذا الحزب (حزب الديمقراط) او (فرقه الديمقراط) اول حزب
    سياسى فى ايران.
    وكان للحزب علاقه طيبه مع بريطانيا، وكان عمال الانگليز فى
    البلاد يشجعون المنتمين الى (الديمقراط).
    وكان من اهم مبادئه فصل الدين عن السياسه وفصل علماء
    الدين عن التدخل فى السياسه.
    ومن شروط الانتماء اليه الا يكون المنتسب من علماء الدين او
    المشتغلين بالشوون الاسلاميه.
    وكان تقى زاده من اهم منظرى الحزب ومن قاده المجلس
    البرلمانى. ورغم انه كان يلبس العمه فى بدايه حياته السياسيه
    وتخرج من المدارس الدينيه، كان يعتقد بضروره الارتماء فى
    احضان الغرب والاخذ باسباب الحضاره الغربيه، وله فى ذلك
    مقال بعنوان (استيراد الحضاره الغربيه) القاه سنه 1340ه ش
    فى نادى (مهرگان).
    وفى مقال له، فى مجله (كاوه)، عدد 7 سنه 1920، يشكك
    بوجود جذور حضاريه لنا فى التاريخ.
    وكانت اتجاهاته وميوله الى التغريب من الاسباب التى دعت
    اثنين من مراجع التقليد فى النجف الاشرف الى الحكم
    باخراجه من المجلس (البرلمان) وابعاده، ما اضطره الى
    الخروج من ايران.
    وعاد الى ايران بعد سقوط الاسره القاجاريه واستيلاء (رضا خان
    بهلوى) على الحكم فى ايران.
    عدم التفكيك بين العلم والثقافه
    ولعل من المفيد، هنا، ان نعمد الى اثاره نقطه حساسه يثيرها
    دعاه التغريب فى الغالب لتسويغ الدعوه الى الانسلاخ عن
    التراث، وهى اننا لا نستطيع ان ناخذ باسباب العلم
    والتكنولوجيا الغربيه ما لم ناخذ باسباب الحضاره الغربيه قبل
    ذلك، وما لم نحاول ان نفكر كما يفكر الناس فى الغرب، وان
    نتصور الاشياء كما يتصورها الناس فى الغرب، وان نعيش فى
    المجتمع كما يعيش الناس فى الغرب.
    ان التمسك بالعلم والصناعه الغربيه لا يتيسر لنا الا عندما تتغير
    افكارنا وتصوراتنا ورويتنا للّه والكون والانسان والاشياء، وتتغير
    اخلاقنا وثقافتنا وحضارتنا باتجاه الاخلاق والثقافه والحضاره
    الغربيه.
    وهذا الخلط بين العلم والثقافه هو سبب هذا التضليل كله، ولو
    شئت ان تكون على يقين مما ذكرنا فاقرا ما كتبه الدكتور كامل
    عياد عن (مستقبل الثقافه فى المجتمع العربى).
    يقول: (نحن لا يمكننا ان نتقدم فى الصناعه الاليه... دون نشر
    هذه الثقافه (الثقافه الغربيه) بين الشعب على اكبر مقياس
    ممكن).
    فلكى يتسنى لنا ان ناخذ باسباب العلم والمعرفه التجريبيه، لا
    بد لنا، كما يقول هولاء، ان نلقى بانفسنا مره واحده فى احضان
    الحضاره الغربيه، فى ما طاب من حضارتهم وفى ما خبث، وفى
    (خيرها وشرها، وحلوها ومرها، وما يحب فيها وما يكره، وما
    يحمد فيها وما يعاب)، كما يقول الدكتور طه حسين من غير
    حياء ولا خجل.
    ومن دون هذا التعميم لا نتمكن من ان ناخذ بشى‏ء من اسباب
    العلم والمعرفه التى تتصل بنا من الغرب. ويقول الدكتور كامل
    عياد فى الكتاب نفسه: (لا بد لنا من الاعتراف بان تقاليدنا لا
    تتعارض مع الاقتباس من الثقافه الحديثه السائده فى الغرب.
    وفى الحقيقه اذا تركنا المحافظين فى بعض الاقطار العربيه
    وهى فئه قد اصبحت لحسن الحظ قليله العدد فاننا لا نجد
    اليوم بيننا من ينكر ضروره هذا الاقتباس. وانما هناك فئه
    تسمى نفسها بالمعتدله تريد ان يقتصر الاقتباس على محاسن
    الحضاره الغربيه وعلى تلك النواحى من ثقافتها التى تتلاءم مع
    حضارتنا وتقاليدنا وعاداتنا. ونقطه الضعف فى هذا الراى
    الصعوبه فى تحديد الصفات والتقاليد والعادات التى نختص بها،
    ويجب ان نحافظ عليها، ثم الاختلاف حول المعيار الذى يميز
    بين المحاسن من المساوى‏ء).
    فالكاتب هنا يغتبط اشد الاغتباط ان عدد المحافظين يتناقص،
    ويسووه ان المعتدلين لم يعودوا يدركون حقيقه المشكله. ان
    المشكله كلها، عند هولاء، هى فقدان المعيار الذى نميز به
    المحاسن من المساوى‏ء. وعندما يبلغ الامر هذا الحد فمن
    الخير ان نمضى ولا نعلق.
    ولو ان الدعاه الى التغريب كانوا يفصلون بين العلم والثقافه،
    وبين الحقول التى نجد فيها عجزا وتخلفا والحقول التى نملك
    فيها غنى وثروه، وناخذ من الغرب ما نحتاجه نحن من العلم
    والصناعه، ونرجع الى رصيدنا وتراثنا، فيما اغنانا اللّه تعالى من
    كنز المعرفه والاخلاق والحضاره والعقيده والفلسفه والمعرفه،
    لنصدره لهم... اقول: ولو ان دعاه التغريب كانوا يفصلون بين
    العلم والثقافه، وبين ما نحتاج اليه وما نستغنى عنه، لم نكن
    ندخل فى شى‏ء من هذه المداخل التى اساءت الى حاضرنا
    وماضينا وحضارتنا، واغنونا فيما نحن نحتاج اليه من العلوم
    والاختصاصات التى نفقدها نحن، من دون ان يفصلونا عن
    تاريخنا وحضارتنا وماضينا واصالتنا التاريخيه.
    لكن الضعف النفسى والهزيمه النفسيه فى مواجهه التطور
    العلمى والتكنولوجى فى الغرب، ادى بنا الى ان نتنكر لانفسنا
    ولتراثنا وحضارتنا، وان نرمى بانفسنا فى احضان الغرب والشرق
    من دون ايه حسابات وموازنات، ومن دون تقويم وانتقاء وانتقاد،
    ومن دون ان يكون لنا على الاقل حق النظر فى هذه الحضاره
    لنقومها ونميز خيرها من شرها.
    ويتوارى هولاء فى الغالب خلف الكلمات الضبابيه فى الاعلان
    عن حقيقه رايهم وموقفهم فى هذه المساله الخطيره.
    وحقيقه الامر ان هولاء يشكون فى امكانيه الرجوع الى
    (الاسلام) لفرز الصحيح عن الخطا، ولانتقاد الحضاره الغربيه.
    ولنستمع الى الدكتور احمد عبد الرحيم مصطفى فى هذه
    المقوله: (وبدت صعوبه هذه المشكله فى انه لم يسهل تحديد
    ما يتمشى وما لا يتمشى مع الشريعه، اى الاطار القانونى
    الاسلامى، اذ ان مسايره العصر اتجاه ضعيف فى الاسلام، على
    اعتبار انه من الصعب تطوير منهاج ذى اصول الهيه).
    ثم يكشف الكاتب حقيقه الموقف وخلفيات هذه الدعوه من
    دون ستار وصراحه باسم (قله من المصلحين) فيقول:
    (واتجهت قله من المصلحين الى التصريح بان القوانين
    الاسلاميه مشتقه من بدايه التجربه المدنيه للعرب، بمعنى انها
    كانت مجرد استجابه لمتطلبات هذه الفتره الاجتماعيه، الامر
    الذى يستلزم اعاده النظر فيها بحسب الظروف المتغيره).
    هذه هى حقيقه الموقف. ان المواقف الاستسلاميه تجاه
    الحضاره الغربيه تستبطن امرين اثنين، اولهما: الهزيمه
    النفسيه والاحساس بالضعف تجاه الحضاره الغربيه، وثانيهما:
    عدم الايمان برساله اللّه والشك فى ان هذه الرساله من اللّه
    العلى القدير، او الشك فى وجود اللّه تعالى راسا.
    نظريه ارنولد توينبى ونقدها
    1-النظريه
    يرى (توينبى) ان عمليه الاقتباس الحضارى والمدنى يجب ان
    تتم بصوره شامله او لا تتم، واى امه عندما تتعرض لبعض
    الاجزاء والعناصر المقومه لحضاره اخرى تستطيع هذه الاجزاء
    والعناصر الحضاريه الغريبه والمتناثره ان تخترق جسم هذه
    الامه، لتتحول هذه الاجزاء والعناصر، وهى تعمل فى جسم آخر
    غير جسمها، وفى وسط آخر غير وسطها، الى اجزاء مدمره
    وضاره.
    وننقل، فى ما يلى، كلام توينبى بصوره دقيقه، فهو يقول:
    (حين يتم تحليل شعاع حضارى متحرك الى العناصر التى
    يتالف منها تكنولوجيا وسياسيا ودينيا وفنيا... الخ، وذلك بفعل
    المقاومه التى يبذلها كيان اجتماعى اجنبى تعرض لفاعليه،
    فان التكنولوجيا تكون اسرع واعمق تغلغلا من الدين. ومن
    الممكن ان نعبر عن هذا القانون بصيغ ادق من هذه، فبامكاننا
    ان نذهب الى ان قوه اختراق عنصر من عناصر الاشعاع الثقافى
    تتناسب تناسبا عكسيا مع قيمه العنصر من الناحيه الثقافيه، اذ
    يثير العنصر التافه فى الجسم المتعرض للهجوم مقاومه اقل
    مما يثيره العنصر الهام، ومن الواضح ان هذا الاختيار الثقافى
    لاتفه العناصر فى ثقافه مشعه لنشرها على مدى اوسع فى
    الخارج يشكل قاعده سيئه الحظ للعبه الاتصال الثقافى، الا ان
    هذا الاتجاه التافه ليس الا اسوا ما فى اللعبه، فان نفس عمليه
    التحليل التى هى جوهر اللعبه تنذر بتسميم حياه المجتمع
    الذى يتغلغل فى كيانه الاجتماعى عناصر متعدده من شعاع
    حضارى متفكك.
    ويشبه العنصر المنفلت من عناصر الاشعاع الحضارى الكترونا
    منفلتا او مرضا معديا منفلتا، من حيث انه قد تثبت فاعليته
    المدمره حين ينفصل عن النظام الذى كان يحكمه ذلك
    الوقت، ويصبح حرا فى ان ينظم نفسه فى جو مخالف.
    فهذا العنصر الثقافى، او الميكروب، او الالكترون كان لا يتجه
    فى نظامه الاصلى الى التدمير حين كان يحد من فعاليته
    ارتباطه بجزئيات اخرى داخله فى نطاق نمط تتوازن اجزاوه،
    ولا تتغير طبيعه الجزى‏ء، او الميكروب المنفلت او الوحده
    الحضاريه المنفلته حين يتحرر كل منها من نمطه الاصلى، الا
    ان نفس هذه الطبيعه تكون اميل الى التدمير بعد ان ينفصل
    عن ارتباطاته الاصليه التى كان فى ظلها عديم الضرر، وفى
    ظل مثل هذه الاحوال يكون لحم رجل ما ساما لرجل آخر).
    والنتيجه التى يقصدها توينبى من هذاالكلام ان الامه عندما
    تتعرض لضروره الاقتباس والاخذ من امه اخرى، يجب ان تفكر
    فى التخلص الكامل من شخصيتها واصالتها وقيمها وحضارتها
    وتنصهر بصوره كامله فى الامه التى تعيش فيها ثقافه وخلقا
    وحضاره وعلما وصناعه، ولا يمكن الفصل بين هذه الاجزاء
    والعناصر لتختار من هذه الحضاره ما تشاء وتترك ما تشاء.
    2 -نقد النظريه
    وهذه النظريه تخضع لكثير من المناقشه والنقد. فان الاقتباس،
    وعلاقه الاخذ والعطاء، والتبادل بين امتين وحضارتين يتم فى
    مجالين هما: المجال العلمى، والمجال الثقافى.
    والاول يخضع للثانى، ويتكيف بموجب اوضاعه وظروفه. كما
    ان الثانى يحكم الاول ويصبغه بصبغته الخاصه، فالمسائل
    العلميه، كالجراحه والصيدله والطب والرياضيات والهندسه
    والكهرباء والذره والميك######## تخضع لمسائل من نوع آخر فى
    الاخلاق والمعرفه والعقيده والفلسفه والادب، وهى المسائل
    الثقافيه فى حياه الانسان.
    كما ان مسائل القسم الاول تتكيف بموجب المسائل التى
    ذكرناها فى القسم الثانى (المسائل الثقافيه). فالكيمياء
    والصيدله يمكن ان تستخدم فى خدمه الانسان وخدمه
    الاغراض الطبيه والزراعيه والغذائيه، فى حاله وجود وعى
    وثقافه انسانيه، وفى حاله اكتمال النضج الثقافى للانسان، كما
    انهما يمكن ان يخدما اغراضا لا انسانيه ويستخدما فى تصنيع
    الغازات السامه واعدادها للاستعمالات العسكريه، وتصنيع
    القنابل الكيماويه فى حاله فقدان الوعى والثقافه الانسانيه،
    وفقدان المعايير الاخلاقيه.
    وكذلك الذره يختلف استخدامها والاستفاده منها باختلاف
    الوعى والثقافه عند الانسان. وهذا يعنى ان ظروف الاحتكاك
    العلمى تختلف وتتنوع بين امينه وغير امينه.
    ا- الظروف الامينه للاحتكاك العلمى
    ونخلص، من هذا القول، الى النتيجه التاليه: ان الامه اذا كانت
    تحتفظ باصالتها الثقافيه والاخلاقيه والعقيديه لا يضرها
    الاحتكاك العلمى وحاله الاخذ والعطاء مع الحضارات الاخرى
    فى المسائل العلميه، وذلك لان المسائل العلميه عندما تنفصل
    عن حضاره، وتخترق جسم حضاره اخرى لا تحمل معها
    الشحنه الحضاريه التى كانت تحملها فى الحضاره الاولى، وانما
    تتقبل منها الامه الجانب العلمى مجرده عن اى تاثيرات ثقافيه
    اخرى. وتكون الحضاره بمثابه مصفاه تقوم بتصفيه كل ما يعلق
    بهذه المسائل العلميه من ظروف اخلاقيه وحضاريه غريبه على
    كيان الامه، وتمنع عن الامه ما يعلق بها من سموم لا تناسب
    جسم الامه.
    ب- الظروف غير الامينه للاحتكاك العلمى
    اما اذا كانت الامه المقتبسه ضعيفه حضاريا، ولا تملك
    المقومات الاخلاقيه والفكريه والمناعه الكافيه التى تحميها من
    الثقافه الاجنبيه، فانها اذا تعرضت فى حياتها الى الاقتباس من
    الامم الاجنبيه الاخرى والاحتكاك بها فسوف تنتقل اليها
    المسائل العلميه مقرونه بكل ظروف وملابسات الامه الناقله
    سياسيا واخلاقيا وفكريا، وليس من الممكن عزل المسائل
    العلميه عن المسائل الثقافيه عند ذلك، ولا يمكن حمايه الامه
    المستورده من ثقافه الامه المصدره واخلاقها، ولنا تجربتان
    تاريخيتان توكدان هذه الحقيقه.
    (1) تجربه الفتوحات الاولى:
    وهى تجربه امتداد الفتوحات الاسلاميه الى الروم وايران. ولا
    شك ان الامه الاسلاميه كانت تقتبس وتاخذ من خلال هذه
    الفتوحات الكثير من العلم من الامم الاخرى، من المسائل
    الاداريه والمحاسبه والطب والكيمياء والفلك، ولكن من دون
    ان تتاثر بشى‏ء من ظروف الامم الاجنبيه فى الاخلاق والثقافه
    والحضاره، وانما كانت تستقبل هذه المسائل وتصيغها بصيغتها
    الحضاريه الخاصه ثم تستخدمها استخداما مقبولا.
    (2) تجربه التغريب المعاصره:
    وهى تجربه احتكاك الامه الاسلاميه بالحضاره الغربيه فى
    ظروف سقوط الدوله العثمانيه. فقد الجات الحاجه الامه الى ان
    تاخذ من الغرب كثيرا من مسائل العلوم التجريبيه والرياضيه
    والاداريه الا انها، لما كانت لا تملك المناعه والمقومات
    الحضاريه الكافيه، لم تستطع ان تحمى نفسها من الظروف
    الحضاريه للغرب، فصبغها الغرب بصبغته الخاصه.
    عمل دعاه (الانسلاخ الحضارى)
    والان، بعد هذا الاستعراض، نشرح كيف بدا دعاه (الانسلاخ
    الحضارى): حكاما ومفكرين عملهم بقطع الجسور بين الجيل
    الصاعد والسلف، وتعكير المنافع الحضاريه بين هذا الجيل وما
    قبله من الاجيال.
    تبديل الحرف العربى بالحروف اللاتينيه فى تركيا
    وقد كان الحاكم التركى (مصطفى كمال اتاتورك) الذى اسقط
    الخلافه العثمانيه واقام فى تركيا دوله علمانيه قوميه من اكثر
    دعاه التغريب امعانا فى دفع الامه باتجاه الحضاره الغربيه،
    واستئصال جذورها الحضاريه والتاريخيه.
    لقد عمد مصطفى كمال اتاتورك الى الحرف العربى بالذات،
    وعمل على القضاء عليه فى تركيا، واستبداله بالحروف
    اللاتينيه. وناهيك به وسيله قويه لقطع الصلات الحضاريه
    والفكريه بين هذا الجيل وما سبقه من الاجيال. فان الحرف
    المكتوب من اقوى وسائل الارتباط الفكرى والحضارى بين
    الاجيال. وعندما يتم القضاء على الخط تنقطع اقوى الاواصر
    واكثرها متانه وفاعليه فى ربط الحاضر بالماضى.
    اذن كان المخططون لعمليه (الانسلاخ والتقويم الحضارى)
    يعملون فى غايه الدقه، فلم يكتفوا بقطع الفروع والاغصان،
    وانما عمدوا الى اقوى هذه الجسور فقطعوها، وعاد الجيل
    الجديد الذى عاصر الرده الجاهليه وسقوط الدوله العثمانيه فى
    تركيا لا يستطيع ان يقرا القرآن والحديث والتاريخ والاخلاق
    والفقه والعقيده من المصادر الاسلاميه.
    يقول الامير شكيب ارسلان فى كتابه (حاضر العالم الاسلامى):
    (ولقد روج هذه الاغلوطه مصطفى كمال، رئيس جمهوريه
    انقره، لغرض فى نفسه من جهه سلخ الاتراك تدريجيا من
    العقيده الاسلاميه وصرفهم عن اللغه العربيه، فسار بتركيا
    سيره من يجعل الدين الاسلامى اجنبيا عن الحكومه التركيه،
    كما ان الدين المسيحى هو بزعمه اجنبى عن الحكومات
    الراقيه، وتابعه فى ذلك الحزب الذى يسمى فى تركيا (خلق
    فرقه سى)، والذى هو من اوله الى آخره اشبه بجند لمصطفى
    كمال تحت قيادته، لا يملكون معه قبضا ولا بسطا، فالغوا جميع
    ما تشتم منه رائحه الاسلام، من اوضاع الحكومه التركيه،
    وابطلوا المحاكم الشرعيه، بعد ان ابطلوا العمل بالشريعه، والغوا
    الوزاره التى كان اسمها (مشيخه الاسلام)، وجعلوا مكانها دائره
    صغيره تابعه لنظاره الداخليه سموها (ديانت ايشى)، اى امور
    الديانه، وحذفوا من دستور تركيا الماده التى فيها (ان الاسلام
    هو دين الجمهوريه التركيه)، وكانوا على مدى بضع سنوات،
    ابطلوا اقامه مراسم العيدين: النحر والفطر، وقالوا ان الحكومه
    التركيه لا تعرفها، ولكنهم وجدوا فى ما بعد ان المامورين، شاء
    رئيس الجمهوريه ام ابى، لا بد لهم من الاحتفال بهذين
    العيدين فعادوا فى السنه الماضيه يعطلون دوائر الحكومه
    فيهما، وعاد رئيس الجمهوريه يقبل فيهما التهانى.
    واما الكتابه التركيه بالحروف العربيه، برغم كل ما جرى لها من
    المعارضه، فقد كان تعليلها فى ظاهر الحال تسهيل التعليم
    على النش‏ء، وتقصير المده اللازمه للقراءه، ولكن الغرض
    الحقيقى منها كان اقصاء الترك عن العرب وابطال قراءه القرآن
    تدريجيا، واهم من ذا وذا اقناع اوروبا بان تركيا قد تفرنجت
    تماما، وانه صار من العدل ان تدخل فى العائله الاوروبيه، ولهذا
    الغرض الاخير نفسه حمل مصطفى كمال الاتراك على لبس
    القبعه ليزدادوا اندماجا فى الاوروبيين، ولقد كان ترك الحروف
    العربيه ضربه عظيمه على تركيا فى حياتها العلميه والادبيه
    والاقتصاديه والتجاريه، وتعذرت الكتابه على الجميع بالحروف
    اللاتينيه، فانحصرت فى فئه قليله، وقلت المكاتيب
    والمراسلات بين الناس، وقل جدا عدد القراء للكتب والجرائد،
    واصبحت الجريده التى كان عدد قرائها يحصى بالالوف لا
    يقراها ولا خمسمئه شخص، وصارت الحكومه مضطره ان تقوم
    باودها.
    وازدادت الكتابات الرسميه صعوبه فتاخرت اشغال الناس لدى
    الحكومه، ودثرت ملايين من الكتب فخربت بذلك بيوت لا
    تحصى، واما من الجهه الفنيه فالحروف اللاتينيه برغم ما
    ادخلوا من العلامات على بعضها لايتاء اللفظ التركى حقه لا
    تودى اللفظ التركى الصحيح فى كثير من المواضع، فلذلك قد
    تغير بها اللفظ التركى عن اصله وصارت كانها لغه جديده، ثم
    ان الحروف اللاتينيه المنفصله وان كانت اسهل فى القراءه
    والكتابه فانها تاخذ من الفسحه على القرطاس وتستغرق من
    الوقت للكتابه اكثر مما تستغرق الحروف العربيه بكثير، وان
    الكتابه العربيه هى اشبه شى‏ء بالاختزال حخخرچزخ‏رذحژث وانها
    اوقع على مبدا الاقتصاد فى الزمن والمكان واقرب من كتابه
    العصر الحالى المبنى كل وضع فيه على الاختصار والاقتصاد.
    ولا تزال هذه الازمه الكتابيه مشتده فى تركيا، ولكن الغازى لا
    يزال مصمما على حمل تلك الامه على الحروف اللاتينيه حبا
    بالتفرنج.
    والذين لا يعلمون حقائق الاحوال يظنون ان الاتراك راضون
    مغتبطون بالغاء الشريعه الاسلاميه من المحاكم، ورفع التعليم
    الدينى من الكتاتيب والمدارس، واجبار النساء على السفور،
    وخلط الاناث والذكور فى دور العلم، وحمل الاوانس على
    الرقص مع الشبان، ولبس القبعه والكتابه بالحروف اللاتينيه،
    الى غير ذلك مما احدثته الحكومه الانقريه الكماليه. ويقولون
    انه لولا رضى الترك بذلك لثاروا بحكومتهم، ولاسقطوها
    ولردوها عن ثنيات الطرق، ولكن الذى يتامل فى ما تحمله
    الشعب التركى من المصائب والنوائب التى تدك الجبال يفهم
    لماذا هى صابره على مراره هذه الاوضاع الاجتماعيه التى هى
    مخالفه لمذهبها ومشربها وعادتها وذوقها، ولماذا هى تفضل
    الخضوع لها على الثوره والانتفاض والتطريق للاعداء ان يعودوا
    فيقضوا على تركيا كما كانوا قرروا على اثر الحرب العامه.
    اما العقيده الاسلاميه فلم تزعزعها حتى الان فى تركيا هذه
    السياسه اللادينيه، ولا يزال الشعب التركى شديد الاعتصام
    بعروه الدين الوثقى، تدل على ذلك المظاهر الدينيه فى
    استانبول وغيرها، مما لم يخف على الافرنج الذين اشاروا اليه
    فى جرائدهم، ولن يكون خطر على الاسلام من الشعب التركى
    الا اذ استمر الحكم الحالى مده طويله ونشات الافواج الجديده
    على ما هى عليه من فقد التعليم الدينى).
    محاوله تغيير الحرف العربى فى مصر وايران
    وقام آخرون، من الحكام والكتاب، بمحاولات كثيره اخرى فى
    هذه المرحله نفسها للقضاء على الخط العربى فى اجزاء العالم
    الاسلامى الا انها باءت بالفشل جميعا. ففى ايران نهض رضا خان
    بهلوى، الدكتاتور الايرانى المعروف، بالمهمه نفسها، واستخدم
    مجموعه من الكتاب لاستبدال الحرف العربى المكتوب
    بالحرف اللاتينى الا انه فشل فى ذلك. وفى مصر تبنى جمع
    من الكتاب والصحف هذا المشروع، وكانت مجله (المقتطف)
    المصريه تحمل هذه الدعوه على صفحاتها. يقول د. محمد
    محمد حسين فى كتابه (الاتجاهات الوطنيه):
    (تقدم عضو من ابرز اعضاء المجمع العلمى المصرى، وهو عبد
    العزيز فهمى، ثالث الثلاثه الذين بنى عليهم الوفد المصرى فى
    سنه 1943م باقتراح الكتابه العربيه بالحروف اللاتينيه، وشغل
    المجمع ببحث اقتراحه عده جلسات، امتدت خلال ثلاث
    سنوات، ونشر فى الصحف، وارسل الى الهيئات العلميه
    المختلفه).
    اتاتورك والدعوه الى التغريب
    نقدم، فى ما يلى، بعض المقاطع من كتاب (اتاتورك) لعرفان
    اوركا الذى الفه عن اخلاص واعجاب بشخصيه كمال، وهذه
    المقاطع من الكتاب تصوره تصورا لا مبالغه فيه ولا تشويه.
    يقول اوركا:
    (لقد اقتنع اتاتورك بان كفاحه يجب ان يتوجه الى الدين فانه
    منافسه الاكبر، وكان يعتقد من صغره انه لا حاجه الى اللّه، انه
    اسم غامض، خداع، مجرد من كل حقيقه كما كان يقول
    اتاتورك، وكان لا يومن الا بالمشاهد المحسوسه، وكان يرى ان
    الاسلام انما ظل عاملا هداما فى الماضى، وانه قد جنى على
    تركيا جنايه كبيره، والحق بها خسائر فادحه.
    وكان يرى ان الناس اصبحوا فريسه الاوهام والجمود بتاثير
    الاسلام، وكان يبغض الرجل الذى يخضع للقضاء والقدر، ويقول:
    (هكذا اراد اللّه)، و(هذا الذى قدر لى). ويعتقد انه لا وجود للاله،
    والانسان يصنع قدره. وكان يقول فى اكثر الاحيان: ان قوه
    العقل وقوه الاراده تتغلبان على قوه الاله، ولكن يقول
    المتدينون: (اللّه يمهل ولا يهمل)، وكان يقول الم يطلع هولاء
    المتدينون على الطاقه الكهربائيه التى تشتغل بسرعه؟ وكان
    مصمما على سن قانون لتحريم الدين فى تركيا. ولو احتاج ذلك
    الى استخدام القوه والى الخدعه والتضليل).
    ويقول فى موضع آخر: (ولم يكن لديه معنى لمبادى‏ء علم
    النفس وللنظريات والفلسفات، لذلك لم يمنعه شى‏ء عن ان
    يعتبر الدين غير لازم لتركيا، شيئا لا حاجه اليه ولكن الذى
    اعطاه للامه التركيه عوضا عن الدين هو الاله الجديد اى
    الحضاره الغربيه).


    بــــــــوب

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de