|
من ينصر جنوبييّ السودان ؟
|
بعد اعتداءات جيش الرب الاوغندي : جنـوبيـو السـودان بين نيـران عدة !!
خالد عويس ***
قد لا تساوي قضية الجنوبيين السودانيين شيئا بالنسبة للسلطة المركزية في الخرطوم وهي عاكفة علي تعديل سياساتها الاقتصادية بعد رحيل (حمدي) ومتيقظة لما يحدث من مناوشات علي الحدود الغربية ، وتستعد لجولات اخري من المناورات مع القوي المعارضة ، كذلك هو الحال بالنسبة للحركة الشعبية التي يقودها د. جون قرنق والجماعات المعارضة الا في مجال التكسب السياسي وجني ارباح (انتخابية) او ترويجية لمستقبل سياسي يشاد علي الضحايا . والحقيقة ان ما اقدم علي فعله (جوزيف كوني) قائد جيش الرب الاوغندي خلال الايام الماضية وتناقلته وسائل الاعلام العالمية يثير علامات استفهام ويستوجب المساءلة لأن حصيلة القتلي (470) تشير لمذبحة حقيقية جرت علي ارض الجنوب ، جرت خلالها اعتداءات علي الفتيات واجبارهن علي اتيان افعال لا يتصورها العقل ، هذا غير ست قري دمرت عن آخرها ، وكأن (كوني) لا يشعر بمرارة الحرب المستعرة الدائرة منذ 19 عاما علي ارض ساحتها الرئيسة هي الجنوب وفظاعاتها تعدت حدود المنطق ، فالحرب التي ما عادت مبررة بين ساسة في الشمال استأثروا بالسلطة والثروة ويزيدون في تمكين سلطانهم يوما بعد الآخر وآخرين معارضين لا يروا الا مصالحهم الخاصة ، وساسة في الجنوب ادمنوا لعبة الحرب ، واتخذوا ميدانها مرتعا لبطولات وهمية لم يجن السودان منها سوي 2 مليون من الضحايا معظمهم من الجنوبيين ، وارضا خرابا ، وانحدارا فظيعا في الاقتصاد اوصل البلاد الي ما تحت خط الفقر ، تدور الآن بمشاركة اطراف اقليمية تسعي لتأكيد وضعها انطلاقا من السودان ، وبين (موسفيني) و(كوني) تتجلي ابعاد اللعبة القذرة للمصالح السياسية التي تتجاوز اوغندا لتمرح في سهول السودان الجنوبية ، لتتطارد القوات المتصارعة وتصفي حساباتها النتنة في الاجساد السودانية التي لم يحسن ساسة السودان شمالا وجنوبا حمايتها . الحرب الاهلية في السودان ، الي جانب سلبياتها ابرزت ايجابيات مكنّت علي الاقل من كشف معادن الساسة السودانيين وحرصهم علي مصالحهم الغالب علي واجباتهم الوطنية ، وتكالبهم علي السلطة وصراعاتها المفتوحة اكثر من رغبتهم الصادقة في مداواة الجراح السودانية . وحسنا فعل الاساقفة الكاثوليك في السودان بتوجيه نداء الي العالم لتدارك امر الحرب ( الاوغندية) التي تدور رحاها في المناطق السودانية ، وحسنا فعلت بعض الاحزاب المعارضة باستهجانها الحادث المأسوي ، لكن هل هذا يكفي ، هل يكفي حتي لو تحركت الخرطوم لاجبار جيش الرب علي الرحيل بدلا من ان تعهد المهمة للجيش الاوغندي ، وهي التي صرّحت علي استحياء بحقيقة وجود قوات اوغندية في السودان بعد انكار دام طويلا ؟ علائم الاستفهام لن تنحصر في مبررات وجود القوات الاوغندية حكومة ومعارضة ، تتعداها الي مساءلة الحكومة السودانية عن سماحها لجيش الرب منذ منتصف التسعينات بمحاربة حكومته انطلاقا من السودان ردا علي التعاون العسكري بين صديقي الدراسة موسفيني وقرنق ، وتتعداها الي مساءلة القوي السياسية كافة عن الجدية المتوفرة لانهاء معاناة الجنوبيين ، وتتعداها الي الضمانات المطلوبة بعدم تكرار ما حدث ، وتتعداها الي مساءلة الضمير السوداني عن دوره في الافصاح عن مبررات الحرب ، وستره لأمرائها والمنتفعين من استمرارها علي حساب اهل الجنوب . فاقت معاناة الجنوبيين الحدود في ظل تعتيم اعلامي حجب الاوضاع المزرية التي يعيشونها والابادة التي تعرضوا لها علي يد الجميع ، ودعونا نطالع بضعة سطور فقط من كتاب المأساة ورد في تقارير لمنظمات عالمية قبل عام ، فقد اشار تقريران صادران من منظمتى (هيومان رايتس ووتش) و(امنستي) الى ان الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان لم تعززا وضعهما حيال الانتهاكات الانسانية ، وقال التقريران ان الحرب الدائرة فى مناطق النفط بغرض السيطرة الكاملة على حقوله ادت لاعتداءات طالت مدنيين ، وذكر التقرير الذى اعدته "امنستى" الى ان قوات شبه حكومية تشارك فى المعارك وقوات معارضة واصلت اعتداءاتها على المواطنين القاطنين قرب حقول النفط ، ، وفى قراءة لمجمل الاوضاع منذ نهاية عام 2000 م قال التقرير ان الحرب الاهلية التى اندلعت فى 1983 اهلكت 2000000 مواطن وادت لتشريد 4,500،000 ، بمشاركة الجيش السودانى وميليشيات الحكومة وقوات "المرحلين" والمعارضة والجيش الشعبى لتحرير السودان ، وذكر التقرير ان خط انابيب البترول بطول 1600 كلم الذى بدأ تشغيله فى اغسطس 1999 م اصبح هدفا رئيسا تدور حوله الاشتباكات ، مشيرا الى تزايد فقد الارواح خلال السنوات الاخيرة بدخول اطراف جديدة حلبة الصراع نتيجة انشقاقات وقعت فى الفصائل المؤيدة للحكومة والجيش الشعبى ونشبت عنها صراعات مسلحة جديدة . ودان التقرير استخدام الجيش الشعبى لتحرير السودان الاطفال كعسكريين مشيرا الى ان الجيش الشعبي كان ابلغ منظمة (اليونيسيف) بأنه سينهى خدمة الاطفال العسكرية ، واذا كان التقريران ركزّا علي الحرب الدائرة بين اطراف سودانية بلغت مأسويتها هذا الحد ، فماذا عن انضمام اطراف اقليمية لعمليات الابادة بحق المدنيين وما ذنب الجنوبيين في ان يكونوا وقودا لحروب بعضها يستعر باسمهم ويؤدي لمحق مليونين منهم ، وبعض آخر ليس لهم فيها ناقة او جمل ؟
*** كاتب وصحفي سوداني مقيم بالرياض
|
|
|
|
|
|