|
|
 الهندي والسيف والقرطاس والاندماج ..! بقلم الدكتور. صالح عبدالقادر صالح
|
عاد بنا الشريف زين العابدين الهندي غداة احتفائه بشفاء الاستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية لصولات المتنبي وابي فراس الحمداني ممتشقاً حساماً يستعرض به هنا ويذود به عن الحمى هناك... في زمان الدانة والراجمات والمفخخات من السيارات ..يعود الهندي الصغير القهقري للمبارزة بالسيف بعد ان يدبح القرطاس بأحلى بنات العرب فتسيل دماء ورود الشعر على بحر لجيٍ متلاطم من السياسة في وطن تتنازعه الاهواء والادواء ، وتتمرد فيه الصفوة ، وتعصف الانواء بشعبه.
وطن يغوص في وحل المعاناة حتى النخاع لاتعوزه لآلئ الكلم ولاسحر البيان حيث ولى ذاك الزمان الذي كان يعد فيه كلب الصيد للفرسان وجاء زمان يتضور الناس فيه جوعاً وآلاماً وانقساماً، يفترسهم الاحباط اينما ولوا وجوههم وساساتهم يقولون ما لا يفعلون.
يأتي استعداد الهندي للاندماج في المؤتمر الوطني وترحيب الاخير به ايما ترحيب دون خطاب فكري يحدد لنا عما اذا كان هناك تجانس فكري بين الاتحادي المسجل ونظيره الوطني ذلك ان الاحزاب السياسية ليست جمعيات ادبية أو ثقافية يتم ادماجها كل حين وانما لكل حزب ثوابته الفكرية التي على هديها قدم نفسه للمجتمع وحشد خلفها من حشد من المناصرين والمؤيدين واذا لم يتوافر النظر العقلي لثوابت اي حزبين ينشدان الاندماج في تنظيم سياسي واحد فان ذلك يعني فناء ثوابت احدهما في الآخر.
ولا نحسب ان المؤتمر الوطني الذي دائماً يعلن على رؤوس الاشهاد وشهود عصرنا هذا انه لم ولن يتنازل قيد انملة عن ثوابته الفكرية والسياسية يرحب بهذا الاندماج وهو على استعداد لتبديل ثوابته الفكرية بمرجعية فكرية اتحادية تأسست على افق علماني ولاحتى التنازل عن بعض تلك الثوابت حتى تسير خطوات الاندماج نحو تأسيس حزب متضخم ومتمدد يحتوى الآخر على هدى وكتاب منير.
ولا يمكن ان يكون الهجوم الناري المشترك على الطائفية هو وحده الاساس الفكري لاندماج الحزبين والا فان الحزب الشيوعي كبديل لفكرة التعايش يمكنه الاندماج في الوطني والبعثي في الناصري وهكذا دواليك. فالطائفية خصم «مشترك» لكل هذه الاحزاب وغيرها ولو كان الامر بهذه البساطة لما الفينا انفسنا امام هذا الصراع بين احزاب متعددة ومتصارعة ولكل واحد منها رؤاه الفكرية والسياسية.
ثم انه بالمرة يندمج حزب الامة في الاتحادي الاصل وتصبح الطائفية المندمجة لايقطعها سيف ولايثقبها رمح.
لكن لو كان الشريف الهندي منتمياً لجماعة السيد صادق عبدالله عبد الماجد والدكتور الحبر يوسف نور الدائم واعلن عن الاندماج الاخواني في المؤتمر الوطني لما اثار ذلك حفيظة الفكر ولما اطلت «ماذا» و«هل» اللتان تفتحان عمل العقل.
ولو خرج الدكتور الترابي من قبضة الحكومة طليقاً وعاد للمؤتمر الوطني اميناً لما استغربنا لان ما بينهما رباط لحمة الفكر وسداته . لكن ان يكون ما بين فكرالحركة الاسلامية والاتحادي هذا البون الشاسع الذي قد يستعصى على «اعتى» المنظرين استنباط فكر توفيقي بينهما، بعد ان اتضح فكر الحركة الاسلامية ومساراته وتفاعلاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ثم تأتي مجرد دعوة «ادبية» وسياسية مفرغة عن بعدها الفكري، للاندماج ودون حتى ايضاح ناتج حواري فكري ودون ان يتعدى التفاهم السياسي خطوط السياسة الى الفكر، حتى لو أثمر التفاهم السياسي اداء جيداً لوزراء الاتحادي المسجل، فان ذلك يعني ذوبان وتلاشي الاتحادي المسجل في المؤتمر الوطني، ويصبح هذا التخضم والامتداد للمؤتمر الوطني «الجديد» مصادره حقيقية لفكر الاتحاديين العريق من جهة، ومن جهة اخرى فهو يؤشر لآثار مدمرة للمؤتمر الوطني لانه سيؤدي لصراع فكري خطير داخله كما حدث بالاتحاد الاشتراكي المنحل بعد المصالحة الوطنية عام 1977م والذي ادى صراع القوى الوافدة اليه الى انهياره وتحلله.
كذلك فان الدعوة للاندماج في تلاحم تام مع الهجوم الناري على الطائفية مقروناً مع التقارب والتفاهم بين الاتحادي المسجل وجماعة المؤسسية والاصلاح، اضافة الى امتزاج الزعيم الخالد اسماعيل الازهري بما فيه من صدق، الا ان قراءته مع الدعوة الاندماجية لاتخول من توجيه الرسائل السياسية هنا وهناك خاصة وان السيد محمد اسماعيل الازهري تؤيده مجموعة من الاتحاديين وهذا يعني ان المؤتمر الوطني يؤمل على اجتذاب اكبر قدر من الاتحاديين بعد تعثر محاولات اجتذاب حزب الامة ، وان استراتيجيته تقوم على اساس ان يا ولدي اركب معنا ..اضافة للرسالة الموجهة للسيد محمد عثمان الميرغني وهي واضحة ومفهومة.
هذه الرسائل السياسية التي تخلو من الجهد الفكري المأمول وتبدأ مسيرة الاندماج باجتذاب الوسط داخل المؤتمر الوطني تعني من جهة ان الاصولية الصارمة والماركسية الحرفية لم تعودا قادرتين على ان تصوغا وطناً واستقراراً سياسياً واجتماعياً . ومن جهة أخرى فان الرهان على استقطاب الوسط سواء لليمين أو اليسار يضع البلاد امام تنظيمات سياسية جديدة مفارقة للطائفية والتطرفين اليميني واليساري.
لكن الخطأ الاكبر في قضية الاندماج هو التعويل على توافر التفاهم السياسي وحده حيث ان ذلك لايجدي فتيلاً في غيبة قواسم ورؤى فكرية موحدة ومتجانسة تكون بمثابة بوصلة توجه سائر المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
لكن يبدو ان اناقة كلم الهندي وتوجيهه للسيف والقلم والقرطاس لينهل من معين الادب قد احال الفكر الى عتمة مظلمة في متاهة النثر وبدلاً من ان تمطر الكلمات فكراً امطرت لؤلؤاً من نرجس ولم ترو ظمأ العقل.
اما الغاية النهائية من اندماج الوطني والمسجل فهو فتح الطريق امام تأسيس احزاب كبرى جديدة لتأسيس واقع سياسي جديد وهو من جهة كشف عن استراتيجية المؤتمر الوطني حول الوفاق فهو ليس وفاقاً مع الاحزاب التاريخية وانما هو وفاق مع قوى سياسية جديدة يكون للوسط فيها دور مسكن للسياسات الجامدة والمتطرفة ومحاولة جادة لانتزاع الوسط عن الطائفية وقد تمتد المحاولات لتجميع يسار الوسط التي بدأت شارات ظهوره بالاتفاقيات في الحزب الشيوعي في اتجاه تأسيس حزب آخر يستقطب كل «المتململين» من الاحزاب اليسارية ودعاة السودنة منهم. ومن يدري - بعد اندماج الوطني والمسجل فقد تندمج قوى من اليسار في بعضها البعض اسوة بحزب التجمع الوحدوي في مصر لمواجهة متغير الاندماج. وقد تتوحد بعض احزاب التوالي لمواجهة المؤتمر الوطني الجديد . أو يحظى السودان بثلاثة احزاب كبرى وقوية. لكن كما ذكرت آنفاً تبقى مشكلتنا الاساسية هي عدم ايلاء الفكر اهميته القصوى.
فالمؤتمر الوطني الحاكم نفسه لايولي فكره موقع الصدارة في حركته الثقافية والسياسية «راجع مقالنا: المثقف الوطني بين مطرقة الطائفية وسندان الايدولوجيا، جريدة الحرية. بتاريخ 7/1/2002م » حتى يصبح فكره المتجدد المواكب بوصلته الفكرية لاجتذاب الآخرين فهو اما : ان يكون قد سلم بان ثوابته الفكرية والسياسية غير قابلة للتعديل والتجديد وعندها تكون قد اصابته حمى الانغلاق الايدولوجي أو ان سيطرته السياسية هي التي تحجب عنه يراع التجديد الفكرى.
وهو في هذه الحالة الاخيرة قد يلتهم من عضوية الاحزاب الاخرى باعتبار «توالي» اندماج مجموعات سياسية اخرى فيه قد تبدأ بصورة فردية كطلب السيد مبارك الفاضل المشاركة في السلطة دون موافقة حزب الأمة التي قد تنذر بانسلاخه عن حزبه في المستقبل القريب وهو عملياً الرجل الثاني في الحزب بمعنى ان ارهاصات انضمامه للمؤتمر الوطني متوافرة وهو بتاريخه السياسي وموقعه التنظيمي في حزب الامة قادر على تفويج قيادات حزبية وقاعدية وما يفوقها عدداً من قاعدة الحزب للمؤتمر الوطني. واذا تحقق هذا الافتراض فان المؤتمر الوطني سيجتمع فيه الشامي بالمغربي وقد تتنامى فيه مراكز قوى ذات رؤى فكرية متناقضة في غيبة التجديد الفكري الذي يجعل من استقطاب الآخرين للمؤتمر له ابعاد عقلانية وليست ابعاداً ترجح المصالح الخاصة.
ولهذا فان اندماج الاتحادي المسجل في المؤتمر الوطني لا يمكن ان يؤتي اكله اذا لم يسبقه «اندماج فكري» يضع القضايا الفكرية الخلافية على طاولة الحوار الفكري المتأني والمثمر.
|
|
 
|
|
|
|
Al-Masafaa
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست