الصادق المهدي
هنالك خمس حقائق لا يخطئها صاحب بصر وبصيرة في الشأن السوداني اليوم هي:
أولا: هنالك مساحة محدودة من حرية الرأي والرأي الآخر تمارسها الصحافة، وبعض منظمات المجتمع المدني، وبعض القوى السياسية، وبعض الاتحادات الطلابية·
ثانيا: النظام الحاكم في السودان غير خطابه القديم· وتقبل -نظريا- كثيرا من أطروحات الرأي الآخر· ولكنه مع كثرة حواراته مع القوى السياسية يراوح مكانه من حيث ضيق قاعدة الوفاق ذلك أن كل اتفاقاته مع القوى السياسية الجنوبية -حتى أولئك الذين يشاركونه في السلطة- متآكلة لا تسمن ولا تغني من جوع، كما أن حواراته مع القوى السياسية الجادة لإيجاد حل سياسي شامل مثل حزب الأمة أثارت الآمال ولكنها ناقصة الأعمال، وأن الانشقاق بين المؤتمر الوطني والمؤتمر الوطني الشعبي ألقى بظلال على تصرفات النظام ولم يتم حسمه نهائيا بعد·
إن ما اندفع إليه النظام من تعديلات دستورية يؤشر في اتجاه مضاد للتحول الديمقراطي ولا يزيد عن تكريس سلطات رئيس الجمهورية، وتحويل النظام الاتحادي إلى نظام حكم إقليمي، وهو في الحالين يدفع بالنظام في اتجاه التشبه بأنظمة سابقة· الفرق الوحيد هو اعتراف النظام بالتعددية والتخلي عن التوالي·
ثالثا: التجمع الوطني الديمقراطي -نظريا- تحول نحو موقف حزب الأمة وأعطى أولوية للحل السياسي الشامل المتفاوض عليه· ولكن التجمع الآن تعرض لتغيرات أهمها غلبة الحركة الشعبية عليه وحرص الحركة وجيشها على تصعيد المواجهة للنظام بغية إسقاطه·
مهما كانت إعلانات التجمع فإن مواقف الحركة وجيشها تصب في خانة التصعيد وتتطلع لفرض حلول من جانبها لا إلى حلول متفاوض عليها·
رابعا: خلافا لهذه التوجهات فإن الرأي العام السوداني والموقف الشعبي في السودان في الشمال والجنوب يتجه بوضوح نحو السلام والتحول الديمقراطي بلا تردد ولا تراخ·
خامسا: خريطة الموقف الدولي من السودان كالآتي:
أ- أهم المفكرين الاستراتيجيين في الولايات المتحدة يقولون -لا سيما بعد أحداث 11/9/2001 -ان على أميركا أن تقوم بدور قيادي في العالم لترتيب أوضاعه· وإنها إن تراخت عن ذلك فإن أزمات العالم ومشكلاته سوف تعبر الحدود لأميركا· تقرير السيد دانفورث ينطلق من أن أميركا قطعت شوطا محدودا في السودان عبر الاتفاقيات حول النقاط الأربع التي تم التوقيع عليها من حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان -قطاع جبال النوبة· النقاط الأربع هي: توفير ممرات للإغاثات، حماية المدنيين، التحري في مسألة الرق، ووقف إطلاق النار· هذا المجهود نقل دور أميركا من مجرد الوساطة إلى دور التحكيم والمراقبة· التقرير يوصي بقيام أميركا بدور إيجابي لحل الأزمة السودانية، ويستبعد انفصال الجنوب مقابل إصلاحات سياسية تكفل العدالة وحقوق الإنسان بضمانات وطنية ودولية ترقى إلى دور تمارسه الأمم المتحدة·
ب- الاتحاد الأوروبي يحاور النظام السوداني ويسعى لتطبيع العلاقات معه بشرط أن يتقدم الحوار السياسي في البلاد نحو أهدافه· ويعلن الاتحاد الأوروبي أنه، بعد التطبيع، سوف يدعم التنمية في السودان بصورة جادة، على أن تكون أطراف الاتفاق بشأن الدعم التنموي ثلاثة: الاتحاد الأوروبي، والنظام، ومنظمات المجتمع المدني· هذا معناه أن التطبيع والدعم مقرونان بإصلاح سياسي ديمقراطي·
ج- بعض الدول الأفريقية -دول الإيغاد- عبر مبادرتها تتطلع لحل في السودان مؤسس على مبادئ الإيغاد المعلنة· وهي مبادئ تنص على سودان ديمقراطي علماني موحد أو تقرير المصير·
د- دولتا المبادرة المشتركة وهما مصر وليبيا قدمتا مذكرة من تسع نقاط في يونيو 2001 من شأنها أن تقيم في السودان حكما انتقاليا يحقق تحولا ديمقراطيا ويحقق ضمانات إصلاحية للجنوب في سودان موحد·
هـ - وهناك مطابخ فكرية كثيرة -مثلا- الندوة التي يقودها معهد البعث الإفريقي (جنوب إفريقيا) والتي تعقد مؤتمرها الثالث هذا الشهر (مايو) في لندن· والندوة التي ينظمها الاتحاد الأوروبي في هايدلبرج (ألمانيا) في يوليو المقبل··
هؤلاء جميعا يسعون لتقديم حلول سياسية ودستورية للنزاعات السودانية·
هذه المجهودات كلها تمثل نوعا من التدويل· وهي في الغالب مدفوعة برأي عام داخلي قوي في بلدانها· رأي عام عبأته سياسات نظام الإنقاذ بحملاتها الجهادية، فاحتشدت بموجبه منظمات كنسية، ومنظمات حقوق إنسان، ودول، وأجهزة إعلام، ولوبيات كثيرة في المحيط الأميركي، والأوروبي، والإفريقي·
إن بقاء الحال كما هو الآن في السودان مستحيل· والدوافع الداخلية والخارجية نحو السلام والتحول الديمقراطي لا تقاوم· والخيار أمام البلاد هو بين التخلي عن الشمولية وعن الأجندة الحربية والإقدام على حل وطني سوداني حاسم يحقق السلام والتحول الديمقراطي، أو الاستمرار في حالة الشلل الراهنة وفتح الباب أمام التدويل الخبيث الذي يفرض على السودانيين حلولا تمر فوق رؤوسهم بمواصفات وتنظير خارجي· بينما التدويل الحميد هو سعي مختلف الدول الشقيقة والصديقة لمساعدة السودانيين حتى يساعدوا أنفسهم في الوصول للحل المطلوب· الحل الذي تبحثه منابرهم السياسية والصحفية والفكرية والثقافية المختلفة -مثلا- نشاط ندوة العميد بعنوان نحو رؤية قومية شاملة لحل قضايا البلاد الأساسية، وكذلك الحوارات الدائرة بين كافة الأطراف·
هنالك الآن مجهودات سودانية وطنية جادة لإيجاد حل سياسي سوداني شامل· الوطنيون السودانيون في كل موقع مطالبون بدعم هذه المجهودات لتثمر اتفاقا على حل سياسي شامل يحقق السلام والتحول الديمقراطي، وإلا فسوف يفتح الطريق لتدويل لا تؤمن عقباه· التباطؤ في هذا الأمر معناه موضوعيا التحالف مع التدويل الخبيث·
http://www.alittihad.co.ae/details.asp?M=1&A=...962&Journal=5/7/2002 
بكرى ابوبكر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست