وداعا هيا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-13-2024, 07:06 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2001م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-23-2002, 08:42 AM

EMU إيمو
<aEMU إيمو
تاريخ التسجيل: 02-16-2002
مجموع المشاركات: 2924

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
وداعا هيا



    وداعا هيا 000
    منذ سنوات تعودت هياأن لا تنام بعد أن تصلي الفجر ، تعد القهوة لوالديها والإفطار لإخوانها ، وتكمل ما فاتها من أمور البيت ، التي غلبها الإعياء والنوم ، دون أن تنجزها الليلة السابقة 0 في الخامسة والعشرين ولم تتزوج هيا ، التي أصبحت معلمة منذ ثلاث سنوات 0 متوسطة الجمال ، ومتوسطة في كل شئ ، طرق باب أهلها كثير من الرجال ، لكنها امتنعت عن الزواج ، أو أن شرطها ، يرد عنها راغبي الزواج : أتزوج لكن أبقى عند أهلي 000 - من يقبل هذا الشرط يا هيا 000؟ تسألها أمها بمزيج من العتاب والشفقة 0 تحاصر آهة تكاد تذيب صدرها ، وترد على أمها دون أن تنظر في عينيها : - المقسوم لابد أن يكون يا أميمتي 0 بينها وبين أكبر إخوانها عشر سنوات ، بنت في الخامسة عشرة 0 أمها ليست من أنصار تحديـد النسل ولا تنظيمه 0 نصف متعلمة ، أو قل أمية إن شئت ، أجهضت في حملها الثاني ، بعد هيا ، فأسقطت جنينها ، فتأثرت قدرتها على الإنجاب ، وفشل أطباء المستشفى الحكومي في علاجها ، ولم يكن في مقدور الوالد ، الفقير المعدم ، الذي لا يملك إلا دكانا صغيرا ، أن يعالج أمها في المستشفيات الخاصة 0 حملت أمها دون علاج ، هكذا كأقدار البسطاء ، بعد عشر سنوات ، وأنجبت أربع بنات وولدين ، أكبرهم عمره سبع سنوات 0 قبل ست سنوات ، حينما كانت أمها حامل بأخيها الأصغر ، وبينما كان والدها يجتاز الشارع ، في ظهيرة حارة ، في اتجاه الكلية ، حيث كانت تدرس ، ليأخذها ويعود بها إلى البيت ، إجتاحته سيارة فارهة ، فأصيب بشلل رباعي 0 لم يعرف نوع السيارة ، ولا قائدها ، لكن ، قال له فيما بعد ، شخص كان حاضرا الحادث ، أنه ترجل من السيارة شاب ، فتفقد مقدمة السيارة ، ثم قال ، وهو يمد بطاقة أخرجها من جيبه، لسيارة شرطة صادف وجودها في تلك اللحظة : - "وجع 000 ما يشوف 000؟" 0 ثـم أنطلق ، وهو يمسح من على جبينه حبات من العرق تكثفت ، حينما لفحت الشمس وجهه ، الذي كان قد غادر لتوه هواء مكيف السيارة البارد 0

    هيا تخرج من البيت بعيد الفجر ، قبل أن تمزق الشمس أستار الظلام ، لتقلها سيارة ، هي وبعض زميلاتها ، إلى حيث تدرس ، حيث تم تعيينها معلمة في مدرسة تقع في قرية تبعد عن مقر إقامتها 300 كيلو متر 0 لم يشفع لها حطام ذلك الآدمى 00 أبوها ، ولا أمها البائسة التي تنوء بهم أبيها المقعد ، وبقلق الخوف عليها منذ تخرج حتى تعود ، وقلق العـذاب على مستقبلها ، الذي يعني بؤسا وضياعا لهم جميعا لو تركتهم 000 وهي لن تفعل 0 قالت للمسئول : - هذه حال أبي 00 وأمي وإخواني القصر ، حاول أن تساعدني 00 أن تجد لي مخرجا 0 سعادة المسؤل ، النزيه جدا ، قال لها : - عفوا 00 النظام لا يسمح 0 وضعت سماعة الهاتف ، والمرارة تكاد تمزق حلقها ، ونظرت بانكسار للمديرة وقالت : - لقد رفض 00 يقول النظام لا يسمح 0 كلتاهما تعلمان أن (سعادته) ، قد نقل قريبة له قبل أيام ، من مدرسة في الحي المجاور إلى مدرسة ملاصقة لمنزلها 0 استدارت خارجة من مكتب المديرة 0 وحينما حاذت لوحة على الجدار تعلق عليها قرارات إدارة التعليم بصقت عليها 0 هكذا هو رد فعل المحرومين، البؤساء ، يعبرون عن غيظهم بالبصق على الجدران 00 فقط حينما لا يراهم أحد 0 دائما أصادف هيا تخرج ملتفة بعباءتها مع الفجر ، تنتظر السيارة التي تقلها إلى عملها 00 إلا اليوم 0 اليوم أنا أجهشت بالبكاء ، حيث لم تخرج هيا كعادتها 0 وهي أيضا لم تعد القهوة لوالديها ، ولم توضئ أباها المقعد ، قبل ذلك ، أو تدفئ الماء لأمها ، التي تسلخت يداها ، من رضح نوى التمر لبيعه علفا للأغنام 0 وهي كذلك ، لن تصنع فطورا لأولئك الأطفال ، الذين سيخرجون إلى المدارس شعورهم مبعثرة 00 وربما بلا فطور 0 اليوم أنا أجهشت بالبكاء ، بكيت كثيرا ، رغم أنه لا تربطني بهيا صلة ، ولا أعرفها ولا تعرفني 0 ليس لأن هيا في الخامسة والعشرين ولم تتزوج ، لأنها تصر على أن تبقي مع أهلها 0 لا 000 لقد غادرت أهلها إلى الأبد 0

    اليوم أنا مزقني البكاء على هيا ، التي رحلت وأخذت قلبي معها 000 قلبي الذي تعلق بروحها دون جسدها ، هيا ماتت بحادث سيارة ، قتلتها السيارة التي تحملها إلى عملها البعيد عن حطام البشر ، الذين كانت تقوم قبل الفجر من أجلهم 00 وأمتنعت عن الزواج من أجلهم 0 ماتت وهي في طريقها إلى عملها البعيد ، الذي تمزقت بينه وبين نماذج من البؤس ، قضت المشيئة أن تكون حبلهم الوحيد المتصل بالحياة 0 أنا جار هيا الذي أنطفأ وهج الحياة في قلبه ، يوم أنطفأت هيا 00 الشمعة التي ظلت تتقد بصمت 00 تقاوم الظلام بصمت 00 تقاوم الصقيع بصمت 00 الظلام والصقيع بكل ما يمثلانه من ظلم ، وتخلف ، وحيف ، وقسوة ، وترف ، ومحسوبية 00 وبيروقراطيـة قبيحة 0 الظلام والصقيع كأبرز مظاهر التوحش وإحتقار الإنسان ونسيانه 0 أنا اليوم جار هيا الجريح ، معطوب إلى النهاية ، لأن هيا التي مثلت أجمل مظاهر مقاومة الفناء ، الذي يفرضه الإنسان على الانسان ، وهيا التي مثلت نافذة الضوء الوحيدة ، لبقايا بشر (يقفون) بين الحياة واللاحياة 00 قد أنطفأت إلى الأبد 0 هيا ماتت في حادث سيارة ولم يسمع بها أحد ، رغم أنه دوى في قلوب أناس أيقظ نحيبهم صـم الصخر 0 ماتت هيا 000 لم يسمع بها أحد ، وهي التي لم تضاجع الرجال ، ولم تتعرى ، ولم تتخذ صديقـا ، ماتت في عباءتها 00 لم ير جسدها أحدا 0 ماتت لم تتزوج ولم تصنع لنفسها حياة ، لأنها كانت مشغولة بصناعة الحياة لغيرها 000 ولم تكتب عنها الجريدة 0 قلت لرئيس تحرير جريدتنا المحلية : - ماتت هيا 00 قال : - كتبنا عن ديانا 0 اليوم أنا أجهشت بالبكاء 000 بكيت طويلا ، وقفت ولم تخرج هيا كعادتها 0 اليوم كذلك ، لم يخرج الأطفال إلى المدارس ، ليس لأنه ليس هناك (هيا) ترتب شعورهـم وتعد لهم الإفطار 0 اليوم لم يخرج الأطفال إلى المدارس لأنه ليس لديهم دفاتر ، ولا أقلام ، ولا (مراييل) جديدة 00 ولا فطور 000 لأن هيا لم تعد هناك تنفق عليهم 0

    ماتت هيا فارتاح مدير التعليم ، ورئيس التحرير لن يكتب عنها ، وأنا انتقلت إلى بيت آخر، بعيدا عن بيت أهلها 00 بعيد عـن المكـان الذي كانت تقف فيه ، بانتظار السيارة التي تقلها 00 إذن أنا لن أفكر فيمن ماتت من أجلهم 00 إذن أنا مرتاح الضمير 000 شكرا مدير التعليم 00 شكرا رئيس التحرير 00 وداعا هيا 00 وداعا هيا 0



    صاحب القصة د. محمد الحضيف
    من المملكة
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de