|
ترهلات مخلّة تصبغ الشخصية السودانية 3 _ 3
|
ترهلات مخلة تصبغ الشخصية السودانية - متاهات البحث عن شخصية السودان (3) - خالد عويس قادنا البحث الي طرق شخوص متعددة بعضها ظاهر وبعضها خاف، ويصح القول بأن التعويل في ترسيم شخصية للسودان يتركز علي الجانب الخافي في الشخصية السودانية، واذا كانت الاخطاء المتراكمة عبر التاريخ قادت الي استعلاء شخصيتين رئيستين فان ذلك لا يلغي وجود شخوص اخري ربما تكون اكثر اهمية في التكوين السوداني، وسبق لنا ذكر ان التاريخ السوداني مختزل الي ما بعد ثورة المهدي التي بلورت شكل الدولة، لكنها قطعا لم تكن هي البادية بصوغ وجدان الامة وعقلها الجمعي، بل ان المهدية ذاتها تأثرت في اللاوعي بشخوص سابقة، ربما مثلت حجر الزاوية في تفرد الرؤي المهدوية ومغايرتها للسائد العربي والافريقي آنذاك، محمد احمد بن عبد الله المهدي نفسه لم يكن تلميذا للمدارس العربية وحدها وانما اتاح له تطوافه بين جزيرة لبب ذات الاصول النوبية المحضة واقاصي النيل الابيض جنوبا ذي التلاقحات مع الافريقانية ومناطق متعددة في غرب السودان الضارب بجذوره في تماسات مهمة مع حضارات اواسط وغرب افريقيا اضافة لثقافاته المتعددة المحلية، ان يتزود بنظرية سودانوية وان شابها زخم عروبي بما مثله الدين الاسلامي من ثقل اساسي في دعوته، لكن الدعامات الاخري التي كوّنت عمقه السوداني وتمايزه عن غيره من ثوار تلك الحقبة يستبطن فيها موروثات مكنته من طرح فكرته الداعية لخروج المستعمر علي نسق مغاير ووتيرة وطنية دعته الي بحث المسألة مع العمق الافريقي المسيحي في الجنوب بل ان المهدي لم يستعن بدوائر عربية واسلامية في جغرافيته بقدرما اعتمد علي العناصر السودانية التي تجسدت تطلعاتها الوطنية في دعوة المهدي برغم عمقها الثيوقراطي، الحالة المهدية ذاتها عبرت عن شخصية سودانية استمدت جذوة نضالها وتحرشها بالمستعمرين من مغالبات سابقة وقعت في توارخ غابرة ومثلت منعطفات مهمة في التاريخ السوداني مرسخة ما تتوجب الاشارة اليه كمفصل من مفاصل الشخصية التي حفرت حضارتها بناء علي الاسس التي اشار لها باذل دافدسن ونبه لأهميتها بالنسبة للحضارة الانسانية كلها، ولا يلزمنا كثير جهد ان الشخصية المهدية عبرت بعض الشيء عن السودانوية لكن حلقاتها لم تتكامل نتيجة للظرف التاريخي الذي احاط بها وضعف الوعي بالحلقات السابقة مما صبغها بصبغتها الاسلامية العربية الحالية، لكن الوصف الحالي غير امين ولا منصف علي الاطلاق فشواهد كثيرة تشير الي تركيبها المغاير للنسق الاسلامي العربي الصرف، فما من قائد اسلامي حقق انتصارا منذ عهد الخلافة واورث الحكم لغير اهله الا مهدي السودان ، وفي وقت لم يعرف فيه العالم النموذج الحديث لتطبيقات الديمقراطية، صحيح ان الشوري هي نهج اصيل في الاسلام الا ان الغالبية لجأت للتحايل علي المصطلح والاسترشاد به لتؤول مسألة الحكم للعشيرة الاقربين وهو نموذج عربي صرف بنياته الاساسية نشأت مع ذهنية القبيلة و الزعيم ، والواضح ان الارث السوداني في هذا الخصوص يركز علي جانب المغالبة او الاختيار المؤسس علي صفات شخصانية ولا يؤطر للنموذج التسلسلي المألوف لدي العرب، او حتي الفرس مثلا، وفي سيرة المهدي كثير من التفاصيل الدالة الي نسق سوداني مضمر لكنه لا يتوضح جليا بسبب ان الذين عكفوا علي دراسة تاريخه ارجعوا كل تلك الشواهد للجذوة الدينية وحدها، ونحن لا نسقط هذه الفرضية لكنا نستدعيها باستصحاب فرضية اخري هي المكوّن الثقافي حتي وان كان غير بائن، وغير خاف انه اي المهدي عطّل حدوداً دينية استجابة لضرورات عصرية وقتها اضافة لعامل جوهري هو الملامح الثقافية لمجتمعات متعددة تستدعي اجتهاداً يلبي مضمون الرسالة الاسلامية ولا يأبه بالقشور، فالمهدي حين عطل معاقبة السكران بالجلد واستبدله بغرامة بقرات في منطقة البطانه كان يستلهم تراث المنطقة الذي يعتبر الجلد مرادفا للرجولة ومحفزا لطاقاتها، وبالفعل فان اجتهادات المهدي حتي في ما يختص بالتواصل مع مسيحيي الجنوب ووثنييه كان تداركا مسبقا لأزمة تالية ستواجه الفكر الاسلامي لاحقا حين تكوين الدولة بما فيها من انسجة متنوعة ومتعددة اثنيا ودينيا وعرقيا، ويعتبره المثقفون السودانيون اوّل من فتح باب الاجتهاد بعد طول غلق استمر لقرون عديدة، اي ان الفكر السوداني رفد الفكر الاسلامي بمرئياته الخاصة، فحتي مناكفة السلطة العثمانية التي تتخفي خلف لافتاتها الامبراطورية البريطانية واقرها العلماء السودانيون كانت تستوجب القتال في عرف المهدي، وصادم برؤيته هذه التيار الديني التقليدي في السودان، في تقديري ان مجهود المهدي كان امتثالا لشارات ماضوية ودينية معا، حاول خلالها استعادة بريق ماض وتشييد نموذج استلهمه من التاريخ الحضاري للسودان، فيما تتبدي مواقف الآخرين كأنها مستلبة ومتوافقة مع التيار المحيط حينها، اي ان المهدي بالفعل كان ثورة علي المستلب، لكن المهدية لم تتطور ذاتيا لتبلغ نموذجا سودانيا خالصا بقدرما استكانت لوضعيتها ضمن الحركات الاسلامية والعربية خاصة في منعطفاتها اللاحقة في حين يعتبرها بعض حركة وطنية برغم ايماءاتها الدينية، ومجرد القول او الاشارة لوطنيتها يرمز لوضعية سودانية خاصة لها تقاطعاتها مع الاسلام والعروبة ولكنهما ليسا كل فسيفسائها! الحلقات الغائبة في تاريخ السودان وتنشئة الاجيال بناء علي نسق منفصل عن الجذور العميقة ومظاهر الاحتشادات العربية والافريقية، جعل من الشخصية الماثلة مستعارة ومستلبة كونها مستنبتة في معمل القرنين الماضيين فحسب بينما يقبع التاريخ الورائي في ثنايا الذاكرة السودانية كشظايا غير حيوية ولا منتمية، عدم الانتماء هذا ولّد شعورا بهامشية الشخصية وسط شخوص عريقة علي المستويين المحلي العربية والافريقية والاقليمي الفرعونية والفارسية ، وبهذا الوجود الفعلي للشخصيات القديمة في ما عدا تراصصها كحجارة صماء في اروقة المعارض وعلي خارطة العراء الشاسع، اوهن القراءات العميقة حيال المنسي من الجزئيات المتشظية والمهملة من شخصية البلد، ونبش مثل هذه الشظيات المغطاة بالغبار يستلزم استدراكات تعالج اولا خلل البنية المشوّهه للتركيبة الاثنية المتبلورة في اتجاه عربي وافريقي فحسب واعادة استنطاق مجمل الارث الثقافي والاجتماعي والسياسي، والاعتراف بحجم التخاذل عن بحث شخصية مطوية لصالح شخوص يسهل بحثها ويسهل اسقاطها علي الواقع السوداني لكنها لا تعبر عن المدوّنة السودانية الحقيقية.
KAAO
|
|
|
|
|
|
|
|
Re: ترهلات مخلّة تصبغ الشخصية السودانية 3 _ 3 (Re: خالد عويس)
|
محاولة نشر ثقافة الطبقه الحاكمه أو العليا أو ما ألى ذلك و دمغ كافة الطبقات و المجتمعات الدنيا بعاداتها و تقاليدها أمر وارد وقديم قدم الحضاره ذاتها.
لكن هل الفتره المهديه هي الفتره المناسبه للحديث عن الهويه السودانيه.؟ المهديه - رغم كل تحفظاتنا عليها - أحدثت بلبله كبرى في كل طبقات المجتمع السوداني . و حاول محمد أحمد عبدالله المهدي - بذكائه الفطري - أن يستغل تلك المرحله لصالحه و نجح تماما في ذلك. الدليل : أسرته مازالت تحكم السودان حتى القريب.
أن تجاهل و محاولة تأطير الاثنيه المعقده في التركيبه السودانيه لا تعود الى الفتره المهديه بل هي أقدم من ذلك , و لكن تطور هذه الأثنيه نفسها يفرض تطور التفهم -التقبل الموازي لها .
| |
|
|
|
|
|
|
|