حلم

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-12-2024, 11:01 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف العام (2001م)
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-19-2002, 10:18 AM

EMU إيمو
<aEMU إيمو
تاريخ التسجيل: 02-16-2002
مجموع المشاركات: 2924

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حلم

    كانت ليلة خريفية ماطرة ، إلاّ إنها ليست ككل الليالي الزنجية ، التي تغمرنا بظلامها الدامس . وإنها تختلف في كل شيء، هدوء أولها الحذر من زخات المدافع غرب البنطون ، وصخب هزيعها الأخير ناموس وحشرات الليل . كل ذلك بالإضافة إلى توهج سماءها . لا بالقذائف بل بمكبرات الإنذار المربكة . التي تعوي كذئاب مجروحة ، في أودية سحيقة .

    قبل تلك الليلة القريبة ، بزمن بعيد . راود الحلم محمد . الزواج . والزواج في أزمنة الحرب الصعبة . تفكير ساذج . إلاّ إنه رغم أيام الحرب الممتدة . والتي يبدو أنها لن تنتهي قرر محمد لا بد من الزواج . الفتاة تسكن ما بين المعسكر ومخرج الخوارج إلى غرب أبي ياي.أراد تكوين أسرة . متناسياً العهد الذي قطعه على نفسه في الأرض البعيدة . لا يهم ، ما قاله عبد الماجد البشير ( هل تريد أن تتزوج يا محمد وتصبح زوجتك أرملة ، بعد زواجك بأيام قليلة ؟ ألا تفكر في أمك الحنونة العجوز التي أخذت عهد مع أختها. أتريدها أن تتحمل أعباء جديدة ؟)

    تذكر الجبهة- الخنادق- الملاجئ . الأيام المريرة التي عاشها هناك محارباً زاحفاً على بطنه أميالاً لا عد لها . الدخان ، القذائف ، والبارود الذي ملىء رئتيه ، وأصابه بالربو قبل أن يكمل الثلاثين من العمر . حادث نفسه ( كل شيء يهون . سوف أنسى كل ذلك عندما أبحر في عيني ، هدى . لقد إنتظرت هي أيضاً طويلاً . ولا يمكن لي أن أخذلها . سأضحي ، وقطعاً ستقبل هدى التضحية هي الأخرى

    في ذلك اليوم ، كان العدو عنيفاً ، وصاخباً ، أرسل صواريخه ، قذائفه من بعيد بشرق البحر.

    وفي ذلك اليوم الطويل بقي في خندق أمامي مكشوف تحيط به هالات الغبار الأسود والأبيض والأحمر طبقاً للقذيفة المتفجرة بقربة .

    همس صارخاً ( هل ما زلت حياً يا عبد الماجد ؟ ) إلاّ إنه لم يجب ، التفت إلى ابراهيم فوجده ممدداً في الخندق ، يتنفس بصعوبة . أين ضحكات ابراهيم المجلجلة ، أين ( قفشاته ) التي لا تنتهي . أحس بحرقان يجري في داخله . فتش عن الماء . فوجد قربته قد نشفت . تحسس قربة الماء ، القريبة منه ، بعد أن زحف في الخندق الضيق . لم يجد ماءً . لم يجد سوى وجوه سوداء ضامرة . وسواعد قد كلت من إطلاق النار على عدو لا يُرى . أو أجساد منهمكة بعد أن هدها العطش و الجوع . ونفذت ذخيرتها .لماذا تقتحم الذكريات المريرة ، رأسه ، هذه الليلة . لقد أحب عبد الماجد البشير ، وصديق الطفولة إبراهيم ، وأصدقاء الدراسة حسن العابد ، وعبد الله المصطفى ، وعبد الخالق .. كل هؤلاء الذين أضحو زملاء الجبهة فيما بعد ، إلاّ أنه يتمنى لو ينساهم في هذه الليلة فقط . فهل يستطيع أن ينسى تلك المجموعة المميّزة المتناقضة المتاحبة .

    ضحك عندما تصور عبد الخالق وعبد الله وهما يمشيان إلى جنب بعض . منظر غير متناسق . فعبد الخالق طويل حداً ، يمسك صغار العصافير من أعشاشها في أعلى الأشجار ، دونما تكلف .أما عبد الله فقامته قصيرة ملفته للنظر، حتى أنه لم يستطع أن يحصل على بدلة عسكرية ، تناسبه . فصاح حسن العابد بهما : ( لِمَ لا تعطي يا عبد الله نصف بدلتك لعبد الخالق . فتحلوا تلك المشكلة يا الله خلصونا) .

    استرخى محمد على الكرسي . بعد أن أكمل لبس ملابسه ، داخلته مشاعر متناقضة . قال محدثاً نفسه ( تلك ليلة فريدة . أشتم بها رائحة الأرض التي أحببتها . رائحة الولادة والموت معاً . فلماذا هذا الخوف من الآتي . الذي لن
    يأتي الآن . لا أدري ماذا أسمي هذا الشعور بالضآلة ، بالتلاشي . كيف إستولت عليّ هذه القشعريرة الخجولة . كنتُ قبل قليل أستطيع تحديد مقاصدي ، تفسير مشاعري إلاّ إن هذه القشعريرة فجأة ، إستولت عليّ دون إنذار مسبق فجعلتني خجلاً تارة ، ومرتبكاً تارة ، وتافهاً تارة أخرى . هل أدعها تفتك بي ، أم أقاومها . أتمرد عليها ) .

    منادات أمه من خلف الباب أرجعته لحظه ، إلى عالم الواقع . فأجاب ( سآتي حالاً ) .

    في هذه الليلة البعيدة عن الجبهة ، دوت صافرات الإنذار ، إنها غارة للعدو .
    قبل الصافرة بقليل كان الأطفال ، والنساء بصخبهم المكبوت لشهور عديدة ، قد ملئ الزقاق الضيق ما بين مبنى المحافظة ومركز إصحاح البيئة وملىء بداية الليلة بأكثر من الضحكات والصياح . كان الكل يحاول رسم بداية جديدة ، لرواية لم تنته بعد فصولها . لذلك فقد حاول الأطفال والنساء وتحت رذاذ المطر الذي لم يعبأون به . أن يلونوا هذه الليلة بالألوان المفقودة في ذاكرتهم . أما الشباب فلم يكن له وجود ، لقد ظل بعيداً هناك . على الجبهة يشاغل العدو ، لإتمام هذه الليلة .

    بعد الصافرة بقليل . شاهد الأطفال ، وأفواههم مشدوهه . وعيونهم قد اكتملت دائرة إتساعها . نيزك مروع مشتعل . يهوي. صاروخاً . لم يمهلهم كثيراً . لا وقت للتفكير ثم للتنفيذ والهرب . بل سقط مدوياً مفجراً الزقاق الصغير بأكمله . ثم خيّم الهدوء الشديد ، من جديد . وهدى هدأت بين الصغار.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de