|
خواطر حول ادونيس / الفرق بين الفكر والكفر
|
أدونيس .. الفرق بين الفكر والكفر *** الحوار الذي بثته إحدى الفضائيات قبل شهور طويلة كان خروجاً عن المألوف مما تتحفنا به الفضائيات العربية من أحاديث فجة وبطولات دونكشوتية وتحجر وحالات متكلسة بنى عليها العنكبوت أو تسطيح فارغ يسيل إلى الرئات العربية كما السل. *** الحوار كان خارجاً على المألوف كضيف الحلقة المفكر والشاعر العربي الكبير علي أحمد سعيد أدونيس ، [أدونيس الممنوع] في أغلب الدوائر الثقافية العربية التقليدية بوصفه أحد الذين هشموا الواجهات الزجاجية المصقولة التي تعكس حالة ( كل شيء على ما يرام ) ، حالة التراخي والهشاشة التي ترد كل اعتلالات حياتنا العربية إلى عامل خارجي ، اصبح بالتواتر مؤامرة مستمرة تخيم على كل اوجه حياتنا وتمنع التنفس الطبيعي بدعوى ( لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ) وهي بطبيعة الحال معركة ضد عدو متخيل دون أن نلتفت لعوامل التعرية والتصحر الداخلي الذي عطل مناخات الحرية والتطور الطبيعي للتفكير الإنساني الخلاق الذي ينزع إلى توسعة دائرته المعرفية وارتياد اكتشافات عقلية جديدة . *** أدونيس منذ ( الثابت والتحول ) أضحى حالة لا تستقر على حال ولا تهدأ ، تعكس نوعا من القلق الخلاق والقدرة المتوهجة على طرح الأسئلة الكبرى والإمتاع الذهني ، فيما طرحه من تجديد شعري وحفر فكري عميق استهل به مع رفاقه عهدا جديدا لنقصي تراثنا الفكري والأدبي وفق نظرة محايدة لا تكبله في النطاق الكمالي المزعوم وأدونيس كما بدا في الحوار كان أمينا مع نفسه يجلله تواضع المفكرين ذوي العمق المعرفي الباحث عن الحقيقة في كافة مستوياتها وابعادها . *** ولعل نقمة البعض على امتداد الوطن العربي على أدونيس وامثاله ممن كسروا الدوائر الثابتة وزخموا الساحة بالاحتجاجات المعرفية والتساؤلات الملحة التي تفترض وجود اعتلالات وتشوهات تحيق بالراهن انطلاقا من ثوابت كرسها الماضي ولعله أيضا يطمر جراحات المؤسسة الدينية التقليدية بالملح الحامي وهو يحرك قاعها ويجرجرها عنوة لحوار العقلاني وكسر حالة ( التابو ) التي تغلف بها الفكر الإسلامي عموما ، حاصرة دورها في تكريس الاجتهادات السلفية دون أن تجهد نفسها في سد اجتهادات تلائم العصر أو حتى تناقش الأمور التي تقترب من دائرة المحاذير 0 كمسألة الحكم مثلا ؛ ) . *** الفكر التقليدي أخضع كل طرائق التفكير والإبداع لدائرة محاذير ومحرمات حتى غدت دائرة المحاذير حلقة جهنمية أحاطت العقل العربي و أسلمته لخدر اجترار الماضي ومحاولة إعادة بعثه كما هو . ما فعله أدونيس ورفاقه هو كسر النفق والخروج عليه لشق طرق جديدة لتحليل التراث ونقده وربط أنساقه وعلاقاته واعتلالاته ، الخروج على النسق ، جعل الفكر الأدونيسي ، فعلا محرما وممنوعا ، لكنه في المقابل مثل ثورة عقلانية على حالة الارتخاء والتسليم التي يخضع لها واقعنا . *** إن أروع ما في الحلقة التي أستضيف خلالها المفكر والشاعر أدونيس ، الروح المتواضعة السمحة التي تّخلق بها وهو يستعرض أفكاره وتحليلاته ويعمق رؤية الشك والبحث بدلاً من التسليم الكامل لليقينيات ويحفر عميقا في التراث ليحلل الفكر والشعر وارتباطهما بالحالة الاجتماعية وطرائق التفكير ، ثم يتطرق إلى الحداثة والتقليد والنقل والعقل ، وباغتنا أيضاً بقراءات شعرية واصفاً حاله مع الشعر بأنه يحاول الاكتشاف من خلال الشعر لأن الشعر لا يقدم إجابات ..!! *** ولعل أغلب من اختلفوا مع الرجل لم يكونوا على قدر أمانته وحيدته ، فأغلبهم حاول تأليب المؤسسة الدينية على الرجل لتتحرش به ، ووصفوه بالمروق والانقلاب الكامل والرجل مافتيء ينبه القوم المستريحين في غطيطهم لضرورات العقل الحتمية وخطورة الفصل بين الدين والعقل أو تصوير الأمر وكأن العقل (المتحرك) يجافي الدين (الثابت) ووصل الأمر إلى درجة تكفير أدونيس واتهام الحداثيين بأنهم أدونيسيين في إشارة مبطنة لكفر من يعتقد بالحداثة ، لكن الرجل كان جريئاً في طرحه عبر الفضائية حين بيّن وجهة نظره حول الحداثة قائلاً بأن شاعراً كأبي العلاء المعري يمكن أن يكون حداثياً أكثر من شاعر يعيش بيننا الآن ، أي أن الحداثة ليست سيرورة زمنية بقدرما هي حالة فكرية ..ّّ *** حلقة أدونيس بينت بجلاء أهمية القنوات الفضائية في استقصاء الآراء ومناقشتها واستحداث منابر حقيقة حوار جاد ، فالكثيرون ممن لم يحظوا بقراءة أدونيس بفعل المنع أو التهيب من كتب محرمة ، أتيح لهم سماع إفاداته دون رقيب يتسلط عليهم ويقرر ـ كالأستاذ ـ ما يتوجب قراءته وما يتوجب تحريمه..
|
|
|
|
|
|