|
الميــــلاد --3--
|
الميــــــــــــــــــلاد
(1)
عاد بعد عقدين من الزمان فقد الكثير وتعلم الكثير، لكن في النهاية كانت العودة حتمية رضي أم أبى.خرج اسمر البشرة وعاد اسود البشرة. كان مقتنعا بان الأيمان أن تكون عربيا، كان مؤمنا بأنه مختلف ومميز عن غيره وامتدت رحلته مع هذا التميز حتى ظن أنها عمت كل الأنحاء.كان ضحية لمرض وراثي أصاب الأرض منذ مئات السنين انه شبيه بمرض العضال.نظر من نافذة الطائرة كانت صغيرة و بعيدة لكن لم تكن بعيدة من قلبه وعقله فقد حاول ذلك مرارا وفشل.غادر المطار إلى محطة السكة الحديد، وكالعادة دائما متجه شمالا.كانت الرحلة بالقطار طويلة تستغرق أكثر من يوم، وضع حقيبته بجانبه واسترخ على كرسيه وأغمض عينيه وذهب بعيدا. تزكرالسنة السادسة من عمره ,فبدت على وجه ابتسامة فاتره. تلك السنين مضت ولن تعود، لم يكن يدرى لماذا يحرم عليه كثير من الامور كان كثير التساؤل وكانت والدته تبدى استياءً شديد من كثرت استفساره عن كل شئ وتصفه بالثرثار أم والده بل كاد لا يعرف له أكثر من انه كان يخرج صباحا ويعود مساءاً وقد تجرأ يوما أن سأله عن سبب خروجه وعودته متأخرا وليته ما سأل.ومنذ ذلك الحين لا يكاد يسكت ويقنع بإجابة. وكان التحدي الأول له ما يسمونه بالمدرسة في أول أيامه بها كان مذهولا بالأستاذ ذالك الرجل لا يتوقف عن الكلام أبدا وبث النصائح، قال لنفسه أخيرا هنا الملاذ والإجابات والكلام دون أن يوصف بالثرثار.عاد إلى البيت وهو يحاول أن يجمع أفكاره ويحاول أن يرتب كثير من الأسئلة ليوم غدا لم يكن يدرى انه واهما.جلس ذلك اليوم هادئا لا يحرك ساكنا حتى والدته ظنت انه لم يعد بعد، أكمل يومه هذا في صمتا مبين.كان أول المستيقظين في البيت ارتدى ملابسه على عجل وغادر البيت ولم يسمع صراخ أمه تناديه لتناول كوب اللبن.دخل المدرسة ووقف في طابور على شكل رباعي هذا المنظر الزى لم يمحى من ذاكرته إلى الأبد وشكل كل معالم حياته.وقف من كان ينصح بالأمس وفى يده عصا ضخمة طويلة لم يفهم سبب واحد إلى إحضاره لها ،لكن سرعان ما أتت الإجابة كان هنالك احد التلاميذ يتصبب عرقا ونظرات الخوف والرعب تملأ عينيه وازداد المنظر كآبة وبشاعة عند ما تقدمت مجموعة من الأولاد طوال القامة وقاموا بحمله وبدأ الجلاد يمارس في هوايته المفضلة الضرب.أصابه صمت لم يكن يعرفه من قبل لازمه طول حابته، صمتا ليس مبينا لكنه صمت الرهبة والتردد والخوف من كل ماهو جديد. جعله يغدو إلى ما يسمونه المدرسة ذهابا وإيابا دون أن يدرك متى تنتهي هذه الرحلة. فعلا انتهت المرحلة الثالثة من الدراسة. أصبح لا يملك اى رغبة في مواصلة هذه الرتابة كان يشعر كمن سكت ألف سنة كان يعاوده الحنين بين الفينة والأخرى إلى الإنسان الصغير الزى سجن في داخله لكن الخوف والتردد مازال ملازما له. كان دائما التفكير كيف يمكن أن يفك حصار هذا الإنسان الصغير والبسيط،نعم ليس هنالك حل غير الابتعاد الابتعاد بعيدا حيث لا يعرف هذا الإنسان احد حيث الانطلاق وبدلا عن التساؤل، المشاهدة والتجربة نعم هذه هي الحياة هذه هي الحقيقة لماذا هذا الخوف والتردد هيا انطلق --------- هيا انطلق.
وللحديث بقية
(2)
صوت عجلات القطار كان قوى ونهار جاف والرمال صفراء اسلم نظره إلى هذا اللون واخذ ينظر بعيدا حتى للحظة ظن انه غادر القطار،هنالك شي يشده بقوة إلى لون الرمال الذي رسم معالم حياة لم تمت أو تحيا في داخله كانت حلوة بخيرها وشرها كانت بدايتها من أقصى الشرق حيث البحر ممتد بلونه الأزرق والعيون الضيقة،والشمس تكسب الأرض لونا غير لونها.البشرة صفراء والنفس تعشق العمل والروح تكره الرحيل . كانت الليلة الأولى أشبه بالحرب بين كر وفر،آما آن لهذا العقل ليتحرر ولهذا السجن أن يتحطم.كانت تسمعه يحاور نفسه لم تكن اقل منه ضياعا ولا حصارا كانت رقيقة تحب النظر إلى الأفق وهى أمام البحر لم يكن يدرى إنها شربت من نفس الكأس الذي شرب منه. كان الطريق واحد والرغبة واحدة فسارا معاً، نعم انه يحمل الكثير على صدره فكانت خير شريك ونديم وضع حمله عليها. لقد ظن إن هذا الحمل كان يثقل عليه ويجثو على قلبه وروحه ولم يدرك انه سيكون ثقيلا عليها ويقطع أنفاسها ويضعف قدميها ويمنعها عن السير والوصول .سقطت في منتصف الطريق لم تعد تقوى على المسير تركها وهو يقول لنفسه أنها اختارت النهاية كيف تطلب اللقاء في منتصف الطريق إنها ليست نبية الأنبياء وحدهم يستطيعون .
وللحديث بقية
شبيك ابوى لبيك نحن اولادك ديك
شبيك ابوى لبيك نحن اولادك ديك
(3) دوت ضجة المحطة في رأسه قام من على كرسيه ،ونظر نحو باب القطار انه نفس باب الخروج اليوم أصبح بابا للدخول كم عجيب أمر هذه الدنيا تمر الأشياء أمامك، مسارها واحد و مختلفة ألوانها وأحجامها مهما كبرت أو صغرت فطريقها واحد.نزل من على القطار لم يتغير شي نفس الأحجار و الطين والنخيل والمياه،حمد الله كثيرا إن ما سمعه عن حرب المياه وتلوث البيئة كلها أوهام وظن أن كل شي على ماهو عليه . واصل المسير في الطريق الزراعي الممتد على جدول طويل عالي .وبدا للحظة انه متردد في التقدم أيكون قد فشل بعد كل هذا العناء لا أظن ذلك أنها رهبة اللقاء انه انه ووجد نفسه واقفا مرغما ماذا يضير في الوقوف فقد وقفوا ألف مرة . طالت وقفته وعادت به الذاكرة إلى عالم الحرية المزعومة عالم الصراحة التي لا تضاهيه صراحة عالم الثلوج البيضاء هذا اللون لون النقاء والطهر والصفاء .ماذا يريد أكثر من ذلك ،اتجه نحو مبنى ابيض كبير لم يكن المبنى غريب عليه فهو يعرفه جيدا فقد حدثت له حادثة شوشت أفكاره إلى فترة طويلة .كانت ياسمين الوردة البيضاء الصغيرة لا تعرفه ولم تره من قبل لكنه يعرفها جيدا يذكر مشيتها البطيئة وثيابها البيضاء ولونها الأبيض وشعرها الأسود لم ينظر إليها يوما كما ينظر إلى البت سعاد كان يراها لوحة رسمها فنان بديع أصابته بالجنون عندما قرر يوما أن يتبعها ويتأخر عن مدرسته لساعة زمن، كانت مدرستها غير وتلاميذها غير سورها ابيض اللون عالي ليحمى من بالداخل ممن؟ لم يجد إجابة لهذا السؤال. نفس الشكل الرباعي للطابور ولكن لا يدرى يبدو منظما أم انه كان مهيأ لقبول الفكرة. تمكن من العبور إلى الداخل وتابع منظر الدمى البيضاء وهى تتجه إلى مبنى ابيض مستطيل الشكل اتجه مباشرة إلى إحدى النوافذ ونظر وليته ما نظر لم يكن يدرى انه حملا جديدا سوف ينؤ بحمله كانت واقفة في المقدمة وسط ظلام هادى بارد كبرودة الثلج لا يشبه جو المنطقة ومن حولها شموع بيضاء بلهب كاد إن يغدو ابيضاً لم يتبين من وجهها إلا عينيها المغمضتين وما تحملاه حتى تلك اللحظة كنت اعتقد إن الإيمان أصعب شي في الوجود. كانت تناجى وكنت لاادرى بما حولي أصبح النيل و المدرسة والنخيل الكل صار مستديرا كوجهها في راسي . كان يرى عالمها أفضل بكثير بل يراه رائع صافى كصفاء لون بشرتها لماذا لأتكون الأسوار بنفس الحجم والطول فكلها في مكان واحد لماذا لأتكون كلها بيضاء .خرج وهو غاضب ممن؟ لا يدرى كان صدره ضيق كساعة الميلاد كأنه خرج إلى حيز أضيق من الذي كان يعيش فيه. مضت الساعات وهو واقف على الطريق تنفس بعمق وواصل سيره إلى الحلة نفس الأشكال والألوان لكن الأصوات كانت تبدو غريبة ، وصل إلى البيت لا يكاد يتذكر متى كانت أخر رسالة بينهم وقف أمام باب أصابه القدم والتعب بدت عليه علامات الإهمال واخذ يطرق ويطرق .
وللحديث بقية
شبيك ابوى لبيك نحن اولادك ديك
|
|
|
|
|
|