الثقافة السودانية (ثقافة كوشية فقط ولسنا عرب اطلاقا )

Quote: محنة إعلامنا المرئي صحيفة التيار 18 مارس 2020 النور حمد الدول التي تحترم نفسها، وتحرص على صيانة سمعتها، تضع معايير لكل شيء. ومن ثم، لا تترك منتجًا، أيًّا كان نوعه، يخرج إلى المجال العام، الداخلي، أو الخارجي، إلا إذا استوفي المعايير الموضوعة. وقضية المعايير، من حيث هي، قضيةٌ كبيرةٌ، تندرج تحت مظلتها أمورٌ بالغة الكثرة. غير أن ما يهمني تناوله منه، في هذه الأسطر، هو حالة الإعلام السوداني المرئي. وهي حالة يمكن أن توصف بأنها محنةٌ قومية. لقد فتحت الأقمار الصناعية وتطور إمكاناتها، لحمل البث التلفزيوني، التي صاقبت تطوير الأطباق اللاقطة للإشارات التلفزيونية، إلى انفجارٍ، غير مسبوقٍ، في إنشاء قنوات التلفزة، على مستوى العالم. في حمى التنافس في سوق الإعلام المرئي المتسع، الذي أضحى مفتوحًا، على مستوى الكوكب، نشأت في السودان، عديد القنوات التلفزيونية. لكن، يمكن القول، وبكل ثقةٍ، إنه لا توجد، ولا قناةٌ تلفزيونيةٌ، سودانيةٌ، واحدةٌ، مستوفيةٌ للمعايير العالمية، المتعارف عليها في مجال البث التلفزيوني. ربما يجادل البعض، أن صيانة مبدأ الحرية تقتضي ألا يكون هناك تدخل بضوابط كثيرة تقيد إنشاء القنوات التلفزيونية. لكن يمكن مواجهة مثل هذا الحجاج بأن المادة الإعلامية، مُنْتَجٌ، مَثَلُه مَثُلُ كل مادةٍ مستهلكةٍ، سواءً كانت بضاعةً تؤكل، أو تُشرب، أو تلبس، أو أثاثًا يُرتفق به، أو أي شيءٍ مما يشتريه الناس، وينتفعون به. ولذلك لابد أن تستوفي المادة الإعلامية، من حيث المحتوى، ومن حيث مختلف العناصر الفنية المكملة، حدًّا أدنى من المعايير، قبل أن يسمح لها بالانطلاق في السماء المفتوحة على مستوى الكوكب. وما من شكٍّ، أن البث التلفزيوني السيئ، يعطي انطباعًا سلبيًا عن بلد البث، بل وربما يسيء إلى سمعتها. بما أن البث التلفزيوني لم يعد منحصرًا في رقعة القطر، وإنما أضحى عابرًا للحدود، فإن من الممكن أن تكون له تأثيراته الضارة بمصالح البلد. فالأستديوهات المتسخة، الرثة، والديكورات الخشبية الساذجة، والإخراج المرتجل، والمادة الضحلة التي يجري تقديمها، وغير ذلك من النقائص، التي لا تحصى، ولا تعد، تعطي انطباعًا سالبًا عن البلد، وعن قدرات أهله، وعن نصيبهم من التحضر، ومن التعليم، والإجادة. كل صور القصور هذه، التي تعطي انطباعًا عامًا، سالبًا، تؤثر، حتمًا، على السياحة، وعلى الاستثمار، وعلى مجمل صورة البلد في أذهان الآخرين. تبذل البلدان التي تأخذ قضية سمعتها بجدٍّ، كل جهدٍ، ممكنٍ، في الدعاية لنفسها. وليس مبعث ذلك، مجرد المفاخرة، وإنما لأن صورة البلد، في أذهان غير أهله، تمثل استثمارًا له عوائد اقتصادية، وسياسية، ومعنوية، جمة. وكل الذين يعملون في الحقل الدبلوماسي، يعرفون أهمية تقديم صورة البلد للآخرين، كأفضل ما تكون. فهلا اشتغلنا، في ظل هذه الثورة العظيمة، اشتغالاً جادًا بالمعايير؛ في مجال الإعلام المرئي، وفي غيره من المجالات، التي تعوزها المعايير، وما أكثرها؟