|
Re: كلام فى الادب...فلسفة فلسفة فلسفة (Re: abuguta)
|
يكون الكتاب في جيبك!
هناك نوعان من الكتب، كتب تضعها في جيبك، وكتب تضعك في جيبها. وقد نشأت وكل جيلي على (روايات الجيب)، التي كان يترجمها ويصدرها الأستاذ عمر عبد العزيز أمين، وكانت هذه الكتب تبهرنا بما فيها من أفكار غريبة وأجواء مثيرة، ولم يكن يضايقنا إلا الأسماء الأجنبية. وهي ليست ترجمة كاملة، وإنما هي في معظم الأحوال مختصرة، ولكنها مثل أكواب الماء الصغيرة نقدمها لعطشان، صغيرة ولكنها تسقي ولا تروي.
أما الكتب التي تضعك في جيبها الصغير، فهي الموسوعات التاريخية والأدبية، مثل موسوعة عميد المؤرخين المصريين سليم حسن عن مصر الفرعونية، ومثل تاريخ الجبرتي ومثل تاريخ ابن أياس، وانحلال الغرب لفيلسوف الحضارة اسبنجلر، ودراسة في التاريخ لعميد المؤرخين الإنجليز توينبي وتاريخ الحضارة الرومانية لجيبون، ومن الأعمال الأدبية: الكوميديا الإلهية للشاعر دانتي وثلاثية نجيب محفوظ والإخوة كرامازوف لدوستويفسكي والحرب والسلام لتولستوي والبحث عن الزمن الضائع لبروست، ودون كخوته لسرفانتس، والأغاني للأصفهاني وفيض الخاطر لأحمد أمين، والوجود والعدم لسارتر.
بعض هذه التحف التاريخية لخصت ليسهل على القارئ الإلمام بها. فانحلال الغرب ظهر في مجلد واحد، وكذلك درس في التاريخ، ظهر في مجلدين بدلا من عشرة.
وقد تقدمت للمجلس الأعلى للثقافة في مصر بضرورة تلخيص موسوعة سليم حسن، وهي سجل تاريخي توثيقي ضخم، وكل المطلوب هو اختصار أو استبعاد الكثير من النصوص التي ترجمها سليم حسن ليكون في متناول عامة المثقفين، وكذلك كتاب شخصية مصر للعالم الموهوب جمال حمدان.
ولا شك أن كثيرا من الأعمال الأدبية تفقد بعض بريقها إذا ترجمت إلى لغة أخرى، ولكن الضرورة لها أحكام، ومن أحكام الضرورة أن نترجمها أو أن نلخصها، وهناك مثل إيطالي شهير يقول: الترجمة تجرمة ـ وتجرمة معناها في العامية المصرية ارتكاب جريمة، فالترجمة جريمة في حق النص الأصلي، ولكنها جريمة ـ إن صح أنها كذلك ـ من أجل أن يعيش النص وأن يكون له اثر فينا وبعدنا.
وليس أسهل أن تضع الدنيا كلها في جيبك، ودوائر المعارف كلها مسجلة على اسطوانة صغيرة تضعها في بعض جيبك، وهذا اختصار للحجم وليس للنص، فما أسهل أن تكتب وما أصعب أن تختصر وما أقسى أن تختصر إذا كان النص من تأليفك أنت!
نجيب محفوظ منقول
|
|
|
|
|
|
|
|
|