رحلة النيل الى الدنيبر ....محاولة قديمة لقصة ما

رحلة النيل الى الدنيبر ....محاولة قديمة لقصة ما


12-22-2004, 02:44 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=95&msg=1103679892&rn=0


Post: #1
Title: رحلة النيل الى الدنيبر ....محاولة قديمة لقصة ما
Author: Mohammed Tirab
Date: 12-22-2004, 02:44 AM

إخوتي الكرام

لكم التحية أجمعين

بالامس ...وما بين النقاهة وتقليب الاوراق الالكترونية القديمة كان بين يدي ما قد حاولت يوماً ما ان يكون مشروع رواية ...أرجوا الا تمّلوا...فكثيراً ما يشاع عنا بأننا أهل القانون نتصف بالجمود..والصرامة ...لكن الاحاسيس البشرية في رأي هي هي ...
عموما إن وجدتم ما أدناه "ثقيل " الدم ....فأقلبوا الصفحة "الالكترونية"


د.تيراب


رحلة النيل الى الدنيبر


تحملق مثلما يفعل البقية ....مشدوداً نحو قائمة تضم ستون اسماً ونيف ...هم من كان قد شملهم القدر –بعد اسباب المنافسة بين المئات- للالتحاق بالجامعات والمعاهد السوفيتية ,طاف خياله متابعاً رحلة طويلة من موسكو الى فلاديفيستيك "هكذا كانت كتب الجغرافيا تسمى مدينة فلاديفاستوك الروسية النائية في اقاصي شرق الاتحاد السوفيتي "رحلة قالوا له عنها في كتب الجغرافيا المدرسية انها تستمر ايام طويلة وليال ,قطعها احمد خيالاً في لحظات ,,كأنما يُمنّي النفس بقطعها واقعاً ,لكم هي مغامرة جميلة ان تعبر وعلى قطار تلك الرحلة, كل سيبيريا ,والمدن السوفيتية البطلة التي قاومت الهتلريين ابان الحرب العالمية الثانية ,,,ما اجمل ان تمر بالريف الروسي الجميل الذي لا يقل جمالاً عن ذاك الانجليزي ,,,لابد انه جميل فعلاً والا ما كان بوشكين عظيما في ادبه وشعره ,وما كان ليرمنتوف وما كان تشيخوف او غوركي ما اجمل ان تكون هناك ,وما اجمل............وما أجمل
وفجأة استفاق احمد على صوت رخيم يتحدث من خلفه ,جعل الزحام على بورت مكتب القبول يخف قليلاً .......
التفت احمد,,, وعندما استدار كانت الحلقة حول المتحدث قد استحكمت ولم يكن احد غيره متحملقاً حذا القائمة .وبدأ يحاول عابثاً ان يجد منفذاً لناظريه ما بين شعر رأس ود النعيم "الخنفس" –بقايا موضة السبعينيات – وشعاعات من الشمس تسترق السمع ما بين اوراق الشجرة الظليلة التى تَحلّق هؤلاء المغامرون الجدد يستمعون الى من كان قد سبقهم الى هناك منذ سنين, وعاد مسلحاً بالعلم وشئ من الخبرة ما عاد يبخل بها... .لم يشعر عطا الله ود المسالمة حتى بالعرق يدخل عينيه فقد شدّهم خطاب عصمت الصادق
عصمت: نعم هناك اللي عايز يقرا بلقى العلم ..ساعات المحاضرات هناك محسوبة لا في اضراب ولا في سجم رماد...بعدين شيلو معاكم سيجنال ,وصابونة صابونتين لوكسي,ولو شلتو معاكم بنطلون بنطلونين جينز غايتو بتضمنو حق التذكرة للاجازة.

قاطعه ود النعيم بصوت معترض:ليه أصلوا هما ما بنطونا تذاكر رجوع ولا شنو؟! .
وجلل فجأة بضحكة مدوية تصحبه اصوات كحفيف الشجر تأتي من أعماقه ........وشهقات ختم بها الضحكة العجيبة.
فرد عليه مجدي ابن امدرمان :انت بس دا الهاميك ؟ خلينا نسمع الكلام للنهاية.
-ود النعيم: هَي ؟ الشغل كمّا محاضرة!!-"بلسان اهل غرب االسودان تعني أهي محاضرة؟ ,وهَي هذه للاستهجان".
-وقال ود النعيم مواصلاً:والله انت لو تعرف الحصل لي في شان التذاكر كان سكّت بوّكل" بوّكل بلسان اهل غرب السودان تعني تماماً.. قد تكون جاءت من كلمة بالكل"
والتفت ود النعيم فجأة الى احمد الواقف خلفه موجها اليه الحديث
: والله اولاد الخرطوم ديل ما عارفين حاجة ,وقايلين نفسهم عارفين اي شيئ "وبدأ يفسر لاحمد سر استهجانه وسر الضحكة المجلجلة اللاسعة
:تعرف انا المفروض حسع اكون فيييييي باكستان ...
"وأمتد حرف الجر ....كما أمتدت يده النحيلة تشير الى القبلي ,,,ظاناً بأنه يشير كما البوصلة الى حيث باكستان"
اخدوني منحة هناك السنة الفاتت لكن رجعوني من دبي وناس سودانيير هناك قالوا التذكرة عندي ما واصلة اسلام اباد فرجعت من دبي وحسع عشان كدة دخلت معاكم منافسة السنة دي للاتحاد السوفيتي...."وكان الكثير ينطقها Alsofeti" في جهل بفصحي العجمة.

- وقاطعه مجدي :

عشان كدة انت مرعوب ,لكن دي ما غلطة ناس سودانير دي غلطتك انت ,مفروض تراجع التذكرة ,لكن يبدو انك ما صدقت انك راكب طيارة ولا مسافر .

-التفت ود النعيم الى احمدقائلاً:

والله تعرف ..اولاد البحر ديل قايلين نفسّهم افهم ناس وهم ما شافوا الفهم ولا شافو شي في الدنيا دي ...والله انا وقت ركبت اللوري وطقيتّا "يعني ضربت الارض" لي افريقيا الوسطى ديل كانوا لسع جارين في الزقاقات بالاردية ,,,واطلق ضحكة اخرى اكثر اثارة من الاولى وختمها هذه المرة بكحة وسعال لم يخفا الا عندما وضع يديه على ركبتيه متكئاً .

ربت عطا الله ود المسالمة خفيفاً على ظهر ود النعيم مداعباً بصوته الهادئ الرزين

-عطا الله:

دي الكذبة يا أخينا .

التفت ود النعيم الى احمد وهو في ذاك الوضع الغير مريح:

كلامي صاح .مُش؟.!!! اولاد البحر ديل انا عارفّهم كويس .

وواصل ضحكه الغريب غير عابه بالسعال ,أجبر الجميع ان يشاركه الضحك,فقد كان مرحاً .. خفيف الدم.وواصل عصمت وصاياه وحكاياه,,,يحكي تارة,ويشارك الفتيان مشاعر الضحك والفكاهة تارة . ويرد على التساؤلات تارة أخرى

مجدي: انت درست شنو؟

عصمت: علاقات دولية.

مجدي:اهي القراية يا بلاش.

عصمت مواصلاً:درست في كييف

:انت هسع شغال وين ؟ يتساءل عباس

مداعباً سبحته الطويلة ,ثم ما برحت شفتاه في حركة دائبة ولكن لا صوت يسمع ....يبدو انه غارق في التسبيح, و لم يبح بكلمة بعدها.. بيد ان الشفاه الافريقية الغليظة كانتا غاريقتين في في ابجد يعرب, وبحور الدين الحنيف ,نهلاً ووردا..في صوفية سامية.يا حي يا قيوم ...حي ...قيوم ..حي

رد عصمت بأخذ نفس عميق ونظرة الى اعلى كأنما يريد ان يقول "ابدأ من اين يارب" ...وكست ملامحه ابتسامة ساخرة ....

قائلاً: والله انا اي حاجة اشتغلتها.
والله حتى ضابط تعاون اشتغلت!!

-:ضابط تعاون!!؟؟؟ "متسائلا احمد

وقد بدأ التوجس على مستقبله.وقال مخاطبا نفسه:

والله اذا كان الناس تمشي وتدرس علاقات دولية عشان تشتغل ضباط تعاون,معناه اللي يدرس قانون دولي حيدوهو صول ثانوي والله شنو !!!!....

ثم انه ماذا كان يضبط ذاك الضابط وقد فلت كل شيئ ,وقد كانت التعاونيات احدى منافذ الثراء الحرام ,المباح,,,, لطغمة ذاك العهد,ولم يتركوا شيئا حتى "سفّوه" وكانت هذه الميزة قد شاركوا فيه النمل,,,,فنزح الناس وهاجر النمل.
ولم يبق الا طغاة العسكر وزبانية البغاة,, وهكذا تدور الدوائر, وعجلة الزمان في وطني...وتدور كراسي الحكم معها,اُلعوبة في يد سارقي السلطة تارة,ومدمنيها تارة أخرى,,,وتدور حلقة عسكر ,حرامية ,عسكر,,حرامية الى ما لا نهاية ...فإن كان عصمت قد حظي برتبة ضابط تعاون, حاول ان يضبط نصيب الناس والنمل,في قسمة السكر الابيض - المهمة التي غدت مستحيلة- ,فمن يستطيع ان يضبط قسمة البترول الاسود؟. مجرد سؤال حائر سرى نهارا في خاطر احمد آنذاك ....ولا يزال ......يا لسخرية الاسئلة والاقدار !!!!!!.
-






لقد كانت مغامرة كبرى .......ان تشرع احلام ذاك الفتى ركوب المجهول البعيد مثلما عزمت شراعات النيل ركوب عباب السهل المنحدر شمالاً, استواءً وصحراء.....شلالات.....وسدود .....حواجز وموانع ...لا ندري كم من حيز الزمان تشغل هذه الرحلة ,لكن أحمداً قد حط رحاله على ضفاف الدنيبر بعد ان تنسم شيئاً من عبق نهر موسكو .
بعد ان ضمته جدران روما العريقة يومان ...كانا من اجمل الايام ,فقد كانت روما هي اول مدينة تستقبله عند اول خروج له من وطنه الام ,كما كانت الايدي الايطالية هي اولى الايادي التي تستقبله في هذه الحياة حين خرج اليها اول مرة.هكذا ترسم الاقدار ملامح الاشياء ...
ترقد مدينة الدمازين الوادعة على الكتف الايسر للنيل الازرق حين قدومه من اعالي هضاب اثيوبيا حاملا معه شيئا من عبق اكسوم وكثير من اسرار الحياة,والتي تبدأ بالماء....وقد جعل الله من الماء كل شئ حي ...ويندفع النيل الازرق شمالا بعنفوانه ,في لهفة وشوق للقاء الابيض,, ويقترنان الى الابد بعد ان يطّوقا ارض توتي –جزيرة حالمة – وتدوم رحلتهما عمرا كاملا للزمان والمكان ,وحضارات كثيرة ترقد هنا وهناك على ضفتي النيل.والنواحي شرقاً وغرباً....
هنا في هذه المدينة الوادعة ترقد احلام احمد البريئة ,وقد اتى اليها ابوه حاملا طموح الكسب من اقاصي صحراء دارفور –غربي السودان-,مشاركا في بناء الخزان "الذي اضاءت طاقاته ظلمات مدن كثيرة ,ودانت له انتاج مصانع كثيرة –حتى مصانع السكر القابل للسف" .......ومجاورا سحنات السودان المختلفة المتآلفة بعفوية ,فكانت المدينة "التي نشأت بنشأة االخزان" سودانا مصغرا ..منسجماً كما معظم مدن السودان الوليدة.
هكذا حمل النيل اسراره شمالا ....وكذا حمل احمد طموحه ....شمالا....



نواصل ...أذا عجبكم الكلام الخارم ..شمالاً ...وبارم آمالاً


د.تيراب
______________________
الحق يعلو ولا يُعلى عليه