( واسطة) ... مكرٌبة ...

عندما تعود لأخذ عربتك التي تركتها علي أحد المواقف العامة و يظهر لك من بعيد علي سطح زجاجها الأمامي شبح ورقة صفراء يتلاعب الهواء بأطرافها فأعلم أنك قد تورطت في مخالفة لقانون المرور وأن هذا الذي يتراءي لك من بعيد ما هو إلا مظروف أصفر أنيق يستخدمه رجال البوليس – ونسائها أيضاً- ليضعوا لك بداخله ورقة المخالفة التي سجلوها ضدك والتي تعرف هنا بإسم ( التكت ) ticket و هم يثبتونه بعناية علي سطح زجاج عربتك بحيث يضغط عليه ذراع المنشة ويمنعه من الإنفلات بفعل الهواء. وأعلم أن كل مخالفة تجر وراءها غرامة مالية تتفاوت تبعاً لحجم المخالفة حسب تقدير البوليس.

أما أنا فقد وجدت في ذلك اليوم مظروفين أصفرين. بالأول مخالفة لأني لا أملك تصريحا لإستخدام الموقف. و بالثاني مخالفة لأني لم أقم بالتجديد السنوي لملكية ورخصة العربة. هكذا تقول الأوراق
إبتسمت في تهكم و لم أكترث كثيراً. ذلك لأنني ببساطة أملك تصريحا دائماً بإستخدام الموقف الذي كانت فيه عربتي ، وهو موقف مخصص أصلاً للعاملين في بلدية روشستر، وأنا واحد من هؤلاء العاملين. ولأنني أيضاً كنت متأكداً تماماً من قيامي بعمل التجديد السنوي لملكية ورخصة عربتي و في الموعد المحدد.

لم أهتم . لأني سأسوي الموضوع و أعالجه بمجرد وصولي للمكتب. فالأدارة التي أعمل بها "الأشغال العامة" هي واحدة من أربع إدارت رئيسية تشكل الهيكل العام لبلدية مدينة روشستر. و كذلك الحال بالنسبة لإدارة البوليس والشريف. هذه الإخوة بين إدارتنا وإدارة البوليس جعلت من وجود مكاتب الرخصة و مخالفات المرور بجوار القسم الذي أعمل به أمراً طبيعياً. وكذلك جعلت من معرفتي الوثيقة بالسيدات المسنات الثلاث المسئولات عن مخالفات المرور أمراً بديهياً. فأنا أمر أمام مكتبهن كل يوم وألقي عليهن تحية الصباح (هاي) ، وهن يحيوني بأحسن منها (هاي). وغالباً ما كنت ألاقي واحدة منهن – علي الأقل - في المكان المخصص للتدخين أمام بوابة البلدية فأتجاذب معها أطراف الحديث.

لا أنكر أنني فكرت في علاقتي بالسيدات المسنات الثلاث في قسم مخالفة المرور كعامل مساعد علي سرعة تصحيح القرار و إلغاء المخالفات ضدي .
ولكن حقيقة لا علاقتي بالسيدات الثلاث ولا قناعتي بسلامة موقفي و ببراءتي هما السبب الرئيسي في إطمئناني الزائد وعدم إهتمامي بأمر المخالفتين. كان هناك سبباً آخر أقوي بكثير. كان هنالك واقعاً حولي أعيشه كل يوم، لو عرفتموه (لزعلتم) جداً مني لأنني لم أمزق المظروفين بمجرد حصولي عليهما وألقهما في القمامة . ولتعجبتم كيف أني لم أذهب مباشرة و أبحث عن رجل البوليس (أو أمرأته) الذي تجرأ و سجل ضدي المخالفتين و(أرميهما له في وشو) وأقول له (شيل أوراقك دي أمشي إتبخر بيها) أو( بلها وأشرب مييتها) – حسب ثقافة كل منكم-.
يتمثل ذلك الواقع في أن إدارة البوليس في مدينة روشستر تستعين دائماً و بشكل مباشر و متكرر بمكتبنا في أداء كثير من أعمالها. فلا يمر إسبوع إلا و يكون واحدا أو أكثر من ضباط البوليس – بإختلاف رتبهم – قد مر علي مكتبنا يطلب منا عمل خريطة لمنطقة ما بالمدينة تساعده في أداء مهامه. أويرغب في مساعدتنا له في تحليل بعض المعلومات الأمنية علي أساس جغرافي أو دراسة أسباب بعض الإختناقات المرورية. لذلك كنت أعرف العديد من أفراد البوليس، إن لم يكن بأسمائهم فبأشكالهم. أما رئيس القسم – صديقي موت - فبحكم جنسيته الأمريكية و سنين عمله الطويلة فهو يعرفهم بأسمائهم الأعجمية ولا يلعب بها مثلي وله معهم علائق حميمة وودودة ، يتضح ذلك من الونسة والدردشة الطويلة التي يتبادلها معهم.

عندما أبلغت رئيس القسم في صباح اليوم التالي عن المخالفتين، كنت أرمي لشئين. الإستئذان للخروج لمتابعة الموضوع في المكتب المجاور. و معرفة ما إذا كان سيعرض علي المساعدة في ذلك. ولذلك عندما لمست إهتمامه و إستفساره عن تفاصيل الموضوع تأكدت تماماً من إنه عازم علي التدخل السريع بإسم الزمالة و بوصفه رئيساً للقسم الذي لا غني لإدارة البوليس عن خدماته ليقوم بشطب المخالفات الصادرة في حقي في لمح البصر و تجنيبي مشقة (المساسقة) من أجل قضية واضحة كالشمس.
ولكن يا إخوتي خاب ظني فيه مثلما خاب لاحقاً في السيدات المسنات الثلاث برغم (هاي) الصباح والعلاقة بيننا - إتضح لي أنها كانت مثل دخان السجاير الذي نمت تحت ظلاله - . إتضح لي أنني في نظرهم جميعاً أجنبي ... لا تنطبق علي الشروط الموجبة للتعاون الذي تمليه روح الزمالة.
أما رئيس القسم فلم يكلف نفسه أكثر من إعطائي رقم تلفون لأتصل به. وعندما إتصلت جاءتني من الطرف الآخر للتلفون رسالة مسجلة تقول ( إذا أردت أن تدفع الغرامة بالكريدت كارد إضغط عل الرقم واحد ، وإذا كنت تريد تحول المخالفة للقضاء فأضغط علي الرقم إثنين ..)
(كثر خيرك .. ما قصرت .. تب ..). وأنا الذي توقعت منه أن يسرع في الإتصال بأكبر ضابط و يخبره بقصتي فيأتي عسكري بوليس خلال دقائق يأخذ مني أوراق المخالفات وهو يؤكد ( سعادتو بيعتذر ليك و بقول ليك إعتبر الموضوع منتهي). أو أن يأخذني إلي مكتب الضابط نشرب معه الشاي وهناك ننهي الموضوع في ثوان. لكن و يا للأسف، كل ذلك لم يحدث . فأحسست بالحرج والخزلان وندمت أنني أخبرته. ما الذي دعاني لأحكي و أريق ماء وجهي طالباً منه المساندة؟. ما النتيجة الآن؟ هاهو الإحساس بأن كرامتي قد أهينت يسيطر علي. و هاهو بركان (جعوليتي) الخامد في جواي منذ سنين يهدد بالإنفجار ........ وإن لم ينفجر.

قالت لي أحدي السيدات المسنات الثلاث وهي تقلب ورقة المخالفة الأولي:
علي الرغم من أنك تملك تصريحاً بإستخدام الموقف. إلا أن المخالفة صحيحة ما دامت ورقة التصريح غير معلقة داخل العربة لحظة إصدار المخالفة.
( أوكي .. طيب و المخالفة الثانية و أنا رخصت عربتي وجددت ملكيتها؟).
نظرت في الكمبيوتر لبرهة قبل أن تتمتم بصوت خافت ( فعلاً الترخيص والتجديد تمام التمام ) و تواصل ( طيب ليه المخالفة؟ ....ليه يا جنيفر . ليييه؟) ثم فجأة ترفع صوتها (آآآ عرفت .). و تلتفت نحوي (لأنناً يا سيدي نعطيك ورقة بلاستيكية لازقة Sticker إستيكر عند التسجيل كإثبات يجب تلصقه علي (نمرة) العربة. وهذه الإستيكر أيضا لم تكن ملصقة لحظة تسجيل المخالفة).
لم أجادلها طويلاً فقد تأكدت أنه لا مفر من دفع الغرامة المالية. خاصة عندما تبرعت هي بتذكيري - بكل لطف - أن قيمة الغرامة ستزداد كل يوم أتأخر فيه عن الدفع.
قلت لها وأنا أفكر في المستقبل (ولكن ما الضمان ألا يقابلني بوليس آخر ويسجل علي مخالفة أخري لنفس السبب). أجات بكل برود (لا ضمان طبعا . إلا إذا قمت بلصق الإستيكر علي نمرة العربة لإثبات التجديد).
كان من الواضح أنني لا أحتفظ بتلك الإستيكر ولا أدري أين أضعتها. فلما أخبرتها بذلك وجدت عندها الحل جاهزاً
( إستخرج واحدة أخري بدل فاقد ) و أضافت بآلية ( وطبعا دي فيها رسوم عشرين دولار زيادة علي الغرامتين).

كان الإنصياع للقانون ودفع الغرامة هو إختياري . ولكن إحساسي بالإهانة التي تعرضت لها من رئيس القسم لم تزول آثارها كلية (يعطيني رقم تلفون ؟؟؟؟) .... إلي أن جاء يوم.

في ذلك اليوم كان يحمل كتابا في يده . كنت أعرف ذلك الكتاب كما يعرفه كل من يملك رخصة قيادة. فهو كتاب تعليمات و لوائح المرور الذي لا بد لكل من يريد إستخراج رخصة أن يقرأه وينجح في الإمتحان فيه قبل أن يبدأ إمتحان السواقة.
وكانت دهشتي كبيرة جداً عندما علمت أن رئيس القسم سيمتحن للرخصة غداً. فهو كما أعرف يعمل مهندساً في البلدية منذ أكثر من عشرة سنوات ويملك ويقود أكثر من عربة غير عربات الإدارة الحكومية. تشوقت لمعرفة الحكاية فسألته فقال:
إنتهت مدة صلاحية رخصتي قبل أيام و ذهبت اليوم لتجديدها لأفاجأ بأن صلاحية الرخصة منتهية منذ سنة كاملة.
- منتهية قبل سنة ؟؟؟؟
- نعم فتاريخ الإصدار المسجل في الرخصة غير صحيح. كتب عليها صدرت في 2000 بينما هي في الحقيقة صدرت في 1999. وبما أن صلاحية الرخصة أربع سنوات فقط فإن رخصتي تكون قد إنتهت صلاحيتها منذ العام الماضي .2003 أي قبل سنة و يوم.

ولكن كيف حدث هذا الخطأ؟
- كنت قد فقدت رخصتي في عام 2000 و إستخرجت رخصة بديلة (بدل فاقد) ، فبدل من أن يكتبوا تاريخ إستخراج الرخصة الأصلية 1999 ، كتبوا تاريج إستخراج بدل الفاقد 2000.
- ( والحل ؟)
القانون يقول إذا مضي علي إنتهاء الرخصة أكثر من سنة كما في حالتي فإن الرخصة تلغي نهائياً وعلي صاحبها أن يبدأ إجراءات إستخراج رخصة من جديد. أي كأنه لم يحصل علي أي رخصة من قبل.
- لكن الخطأ ليس خطأك بل خطأ مكتب الترخيص .؟؟؟
رد علي في هدؤ و بكلمات لم يظهر فيها أي تذمر أو غضب:
ولكنه يا خالد خطأئي أيضاً. كان يجب أن أنتبه لذلك . أو علي الأقل أعرف أنني إستخرجت رخصتي في 1999وأن التجديد يكون بعد 4 سنوات أي في 2003 العام الماضي. تاريخ الإصدار يا خالد خطأ طباعي منهم غير مقصود، ولكن عدم تجديدي للرخصة بعد إنتهاء السنوات الأربع يعتبر إهمال مني.

وماذا ستفعل.؟
- سأبدأ إجراءات الرخصة من الأول. سآخذ إجازة غداً أقرأ فيها هذا الكتاب جيدا ثم أذهب للإمتحان وإذا نجحت سأمتحن الشارع و......

كان هو يتحدث وأنا أتأمل ما في حديثه من إستسلام و رضوخ غريبين.
كان إستسلاماً عزيزاً لا ذل فيه ، و رضوخاً كريماً لا هوان فيه ولا مسكنة.
رضوخاً لا لإنسان وبشر .... بل لقوانين و لوائح وضعها الإنسان لتنظيم حياته ، أرتضاها لنفسه ،، فأحترمها إحتراما لذاته
أطرقت برأسي .وأنا أتذكر عندما حصلت علي مخالفة قبل شهر كيف دعتني سودانيتي للتفكير في هذا الرجل ( كواسطة مندكلة).

( قصة كل تفاصيلها حقيقية ، إلا من رتوش طفيفة جداً)

تعرف يا خالد سمعت بإنه في واحد سوداني حرد إمريكا بسبب هذه التكت اللعينة

العزيزة صباح

مع إنو بالعكس. مفروض دى الحاجة الوحيدة الفيها لينا عزاء و سلوي ونخن بعيدين عن الوطن

وأولادنا يتعلموا منها

الاخ خالد

تعرف الموضوع ده لو كان في السودان او في اي دوله عربية كان ممكن يتحل وانت قاعد في مكتبك ولا تكلف نفسك مشقه التفكير في الذهاب للشرطه

ولان سيادة القانون هي المطبقه في هذه الدول نجد التقدم

واي دوله لا يسود فيها القانون ولا يطبق بالوجه الصحيح لاتقدم فيها ولا نماء

الأخ عباس

Quote: واي دوله لا يسود فيها القانون ولا يطبق بالوجه الصحيح لاتقدم فيها ولا نماء

أثنى .... بشدة

ولكن قل لي يا عباس: ليه السودانيين خارج السودان بيسموا البوليس "عباس " ؟؟؟

فوووق
لزوم الفائدة من هذا الدرس الحضاري

خالد الأيوبي .. تحية لك أيها الرجل

العزيز أبو جهينة ،،،

هذه مرحلة متقدمة جداً بالنسبة لنا و لا أعتقد أننا بالأحلام والأمنيات سوف نصلها،،، فالطريق إليها شاق و يحتاج إلي جهود و تضحيات.

نفس هذا الشخص عندما يدخل عليه عامل النظافة ينهض من مكانه – حتي لو كانت أمامه معاملة تخص جورج بوش
– و يتناول سلة الأوساخ بيده و يسلمها بكل تهذيب إلي عامل النظافة وهو يحيه:
Hi Steve

المدير مدير بنوعية العمل الموكل إليه و العامل عامل بالمهمة التي يؤديها ... و لكنهم بأشخاصهم سواسية، يلبسون نفس الجينز و يشربون القهوة في نفس البريك رووم

صحي حكاية عباس دي شنو

أخ محمد الفاضلا ....

طول عمري وأنا أقول الفاضلا دي معناها شنو؟
الليلة شفتك دخلت في بوست لبكري الجاك و عرفت أنها الفاضلابي .. بس ما تامة.
(يعني بكري دا كان غالبو يديك بندودتثين تكمل بيهم الإسم)
بعدين ياخي إنت داخل في بوست بكري دا عشان تناقش ولا جايبينك مدرس عربي؟

وأخيراً : صحي حكاية عباس دي شنو يا فاضلا ...... بي؟

عارف يا خالد السودان ده فيه مشكلة كبيرة
يعني الواحد كان قال ديناميكية الوعي قايل الناس بتتخما ليهو
يعني ما كفانا المصايب النحنا فيها

بعدين والله البوليس هنا برضو إسمو عباس
إنت عباس دي شنو ياخ

الأخ خالد
تحية

سرد في غاية المتعة
( ده السبب الأساسي للمداخلة )

ثم

Quote: دعتني سودانيتي للتفكير

كويس يأخي إنها دعتك للتفكير ( نادراً ماتعمل كده )

الاخوان

خالد

محمد

الحكايه شنو بي اسم عباس ده وهو طبعا اسم حركي اكتر منو رمز

وسمعنا انو السودانيين في سوريا كانو بيسمو الرئيس حافظ الاسد جكسا

ليس في سوريا وحدها يا عباس
فعلي ما أعتقد في كل بلد ، السودانيون يطلقون علي رئيسها إسم حركي و هو غالباً جكسا. طبعاً نحن لازم نتكلم في السياسة حتي لو كان سياسة دولة ما حقتنا ...
وقد تكون دي مفهومة .. لأن هناك جكسا واحد ... ويملن أن يستخدم للإشارة للرئيس بإعتباره "أوحد"

لكن ليه البوليس "عباس" ... ومن هو أول من أطلق هذا الإسم ؟؟؟

فاضلابي

Quote: يعني الواحد كان قال ديناميكية الوعي قايل الناس بتتخما ليهو

يا فاضلابي إنت لو ما عايز تتخم ، في ناس عاوزة تتخما ما تخليها تتخما.
يعني لا عايزين تتخموا لا تخلوا غيركم إتخما .
يعني لو الناس كلها بطلت تتخما زيكم ، تاني الخمامين ديل يخموا شنو يعني ؟ يخموا الرماد بس .

و بعدين عندي سؤال ليك من زمان كايسك عشان أسألك ليهو:
أنت صحي حكاية عباس دي شنو؟؟؟

العزيز محمد صالح
العزيز محمد صالح
شكرا علي الزيارة والإشادة
أنا معاك أن سودانيتنا دي بتدعونا لحاجات عجيبة مرات. لكن حكمة ربنا المرة دي دعتني للتفكير ..

ملاحظة ذكية منك .. بالجد

لووووووول

شكرا خالد على البوست اللذيذ .. والتكيت حاميه الناس النوم


إنتو بي جدكم ما عارفين عباس سمو كده ليه ولا بتهظروا ؟؟

العزيزة / ساكوتاوية

هذا البوست يود أن يؤكد لك سعادته بزيارتك ... وبوصفك له ب ( اللذيذ )

وهي من الصفات التي تسخدمها المرأة أكثر من إستخدام الرجل لها. هل لاحظت ذلك وهل عندك له تفسير؟ .. مجرد رأي قد لا تتفقين معي عليه و سؤال عابر قد لا تكون له عندك له إجابة.
مش ضروري
الأهم ... إنو عندك – فيما يبدو- إجابة للسؤال الأهم الذي طرحناه لأننا بالجد ما عارفين ليه إجابة و ما بنهظر:
البوليس .. ليه ... عباس ؟


و تسلمي