اساطير النزاعات من بلاد الرافدين الى النيل

اساطير النزاعات من بلاد الرافدين الى النيل


12-04-2004, 05:48 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=95&msg=1102135725&rn=1


Post: #1
Title: اساطير النزاعات من بلاد الرافدين الى النيل
Author: adil amin
Date: 12-04-2004, 05:48 AM
Parent: #0

العراق والطريق الطويل الى الديموقراطية


في أرض وادي النيل شديدة الخصوبة كانت الحياة تتبع نظاماًً ثابتاً ومبتكرا باسطة في الزمن ما كان مقدراً منذ الأزل. كان الآلهة أقوياء دون أن يكونوا مفرطين في العنف. وكانت الخلافات فيما بينهم وخلافاتهم مع البشر ( غير الخالدين ) تحل عادة بالطرق السلمية. لكن في بلاد مابين النهرين ( ميسوبوتاميا ) الوعرة التي تنهبها الرياح , فان المجلس المقدس للآلهة والبطلة الإله مردوك اضطر لخوض غمار حرب يائسة ومسعورة ضد القوى الهائلة للفوضى والتحلل التي تمثلها تيامت, الأم التي أنجبت الآلهة والشياطين بطريقة مسرفة جعلت عطاءها اللامحدود يبلغ حد الكون نفسه, إلى أن قتلها مردوك ومزق جسدها إربا.
ذلك يعيننا على أن ندرك أن الحضارتين لم تتوصلا, حتى في مهد الإنسانية, إلى رؤية متطابقة لمعنى الكون وبالطبع لم تعانيا من المشكلات الوجودية نفسها؛ كما أنهما بالتأكيد لم تتفقا تماماً على أنجع الطرق لمعالجتها . ففي وادي النيل كان الحل المتدرج الودي بين التنازعين والمتنافسين والخصوم من الممارسات المعتادة في مواجهة النزاعات, بينما سادت المذابح وعمليات الإبادة بلاد مابين النهرين منذ تلك الحقب والى يومنا هذا. وفي وادي النيل أعتبر " أغدود" إله الفوضى والتحلل صديقاً ومتعاوناً اذ انه هو الذي أنجب الشمس الخالقة مانحة الحياة؛ بينما كانت قوى الفوضى في بلاد مابين النهرين تعتبر قوى معادية للحياة. لقد هاجم مردوك الأم العظمية تيامت بوحشية ومزق جسدها إلى الآف الأشلاء.
إن الحضارتين, وادي النيل وبلاد مابين النهرين, تمثلان طريقتين ( أو آليتين , إن شئت ) شديدتي التعارض في حل النزاعات. كيف في إمكاننا إذن, ونحن نعيش في زمننا المضطرب والمعقد هذا , أن نعثر على الخيط الأحمر الرفيع الذي يجمع ويمر عبر كل مظاهر هذا السلوك الاجتماعي شديد التعقيد والمتنوع مثل الصراع الجماعي المسلح؟
بالطبع, فأن التعقيد والتنوع في الأسباب وأشكال الإدراك والتجليات لعنف الجماعات يتعب ويتخطى المعالجة العقلانية. كما أن العمليات والظواهر الاجتماعية المعقدة,والتي تعتمد هي نفسها على العديد من العوامل الذاتية والموضوعية تضفي سراباً من عدم اليقين على فهم دوافع العنف وتفجر عمليات الصراع المسلح وبالتالي علي قدرتنا بل محاولاتنا لفهم هذه النزاعات بوصفها سلوكاًً فعلياًً لبشر حقيقيين.
وعلى أعتاب الألفية الثالثة, السابعة في تقويم حضارة وادي النيل الزماني, كنا نعتقد بأننا سائرون نحو التقدم والعيش الرغيد إلى ما لا نهاية, وإن عهد المجاعات والحروب الهمجية والعصبية المقيتة قد ولى إلى غير رجعة. ولكن استمرار مسلسل المجازر التي ذهب ضحيتها الملايين من الناس زعزع ثقتنا بإمكانيات التقدم الاجتماعي السريع الوتائر. ففي المقاربة الأولية يبدو العنف سلوكاًً همجياً لاعقلانياً وكارثياً لا ينزعه منازع. يؤكد من ذلك بشاعته على المستوى الإقليمي كما شاهدنا في القرن الإفريقي, وعلى الساحة الدولية كما عاصرته الشعوب الأوروبية والآسيوية اللاتينية خلال حروب عالمية ومنازعات داخلية دامية. لكننا الآن ندرك أن الكارثة تدل على وضع متأصل يسمح لنا يتبين نسق متكرر وأن الصدفة والضرورة تعملان, بكل تأكيد, متلازمتين في نسيج جدلي شديد الاتساق,وحتى على المستوى الاجتماعي فان الضرورة الباطنية المتأصلة تقدم نفسها على شكل صدفة. لذلك فليس من المستغرب أن نجد أنه وفي النطاق نفسه الأكثر تعقيداً للعنف الاجتماعي فان البعد الذاتي لم يقض تماماً على البعد الموضوعي, وان انساقا معتادة ومألوفة وسمات متشابهة ربما يصبح من الممكن إدراكها وتمييزها.
ونحن لا نعتقد بان البشر يحملون بشكل فطري في أعماقهم جرثومة التصفية الذاتية والاستمتاع بفواجع مجتمعاتهم, بقدر ما لا نفهم لماذا يعتقد بعض أن روح الانتقام والتشاؤم تسيطر على مستقبل حياتنا وعلى أبعادها المادية والروحية. حقيقة أننا لا نستطيع تقديم تبريرات عقلانية للعنف على مستوى الأفراد, لكننا نملك حظا أوفر في سبر غور الظاهرة إذا حاولنا فهمها كسلوك جماعي وإذا ربطنا المناهج المتعلقة بالبحث الاجتماعي بتطورات النظريات العملية العامة مثل "نظرية الفوضى"؛ إن ذلك يمنحنا فرصة مناسبة لفهم بعض جوانبها الغامضة بوصفها سلوكاًً ذي وتائر منتظمة, لكنه سلوك يمكن فهمه واستيعابه, أيضاً, كرد فعل لأوضاع الجماعات الإنسانية التي تتعرض لشتى أنواع الضغوط والتميز والعنف.

نتعمد الاسراف
كى نستر الفاقة
الزاد خبز حاف
والنفس افاقة