تعليب العقول

تعليب العقول


10-14-2004, 11:08 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=95&msg=1097748506&rn=0


Post: #1
Title: تعليب العقول
Author: Ahmed Khalil
Date: 10-14-2004, 11:08 AM


شركة تعليب العقول ..!!

استمعت قبل يومين لحوار في إذاعة أمدرمان السودانية بين الإعلامي المتميز د.عوض ابراهيم عوض والدكتور اسماعيل الحاج موسى حول جملة من المسائل السياسية على رأسها قضية دارفور ، الطبق الاعلامي المفضل داخليا وخارجيا..

وفي معرض إجابة على أحد الاسئلة ذكر الدكتور اسماعيل الحاج موسى عبارة مكررة سمعتها مراراً على ألسنة كثير من المسئولين لتبرير المأزق الدولي والأممي في أروقة مجلس الأمن الذي دخل فيه السودان بسبب قضية دارفور.. فقال ان وزير خارجية الولايات المتحدة الامريكية كولن باول عندما زار السودان أدلى بتصريحات ناعمة لم يتهم فيها السودان بالإبادة الجماعية لكنه عندما عاد الى واشنطون تنكر لتلك التصريحات وبدل حديثه واتهم السودان بالإبادة الجماعية.!

ولم يكن ليثير دهشتي حديث دكتور اسماعيل لولا أنها المرة المائة التي أسمع فيها مثل هذا المنطق في الخطاب السياسي الرسمي .. ولو تيقنت أنما يقال ذلك من باب الحرب والمكيدة والرأى لما قلنا شيئاً .. لكن الخوف كل الخوف أن يكون مثل هذا القول يعبر فعلاً عن قناعة من ينطقون به .. هنا تكمن كارثة وليس مجرد خطأ تقدير عادي ..!!

من أكبر الأخطاء السياسية التي قد يرتكبها سياسي ، الاستخفاف بعقول الجماهير.. واستجهال الفطنة السياسية لشعب مثل شعبنا السوداني الذي يتميز بحس سياسي عال للغاية وقدرة فائقة ليس في قراءة السطور وحدها بل حتى قراءة ما بين السطور من المسكوت عنه ..!!

والحقيقة هي ، أن وزير الخارجية الامريكي زار السودان وأدلى بتصريحات ليس بها خدش لسمعة السودان .. لكنه عندما رجع الى بلاده كون لجنة لدراسة الوضع في دارفور وتقييم درجة الاتهام الموجه بالابادة الجماعية .. اللجنة أجرت دراسة ميدانية استمرت لشهرين في معسكرات النازحين بالتركيز على المعسكرات التي تقع في دولة تشاد .. وعندما ذهب كولن باول الى جلسة الاستماع في الكونقرس ليؤكد اتهام السودان أسند حيثيات القرار الى الدراسة التي خلصت اليها اللجنة التي تم نشرها على الانترنت في نفس لحظة القاء البيان ..!!

بعبارة مختصرة الأمر لم يكن مجرد تصريحات قيلت في الخرطوم تم عكسها في واشنطون .. ولو جرت مقارنة لكان الأقوى ما خلصت اليه اللجنة بعد الدراسة لأن زيارة الوزير لدارفور لم تكن سوى سويعات وسط طقوس بروتكولية واجراءات امنية وحشود وترتيبات لا تمنح الفرصة لرؤية الواقع بدقة..

لا أقصد هنا تأكيد اتهامات وزارة الخارجية الامريكية.. لكني أريد أن يدرك المسئولون أن (تبسيط) الأمر وترويج فكرة «المؤآمرة» وتصويره وكأنه مجرد أحبوكة لوزير أمريكي زار دارفور فنطق شكراً ..ثم رجع الي بلاده فنطق كفراً..يطمس الحقيقة ويضلل رؤية الحل والمخرج.. وإذا صدق المسئولون ما يقولون فتلك مصيبة .. واذا كانوا لا يصدقونه وقصدوا منه تسطيح الشعب فتلك مصيبة أكبر..!!

الإعلام المنتج الرشيد يستثمر عقل المتلقي ويستخدمه في انتاج قوة دفع ايجابية لكن الاعلام الرسمي الذي يفترض أن الجمهور هو مجموعة من البسطاء الأبرياء الذين يبتلعون أى قدر من الضخ الاعلامي بلا تمحيص أو تعقيل هو اعلام ..يهدر المال والوقت والجهد في لا طائل ..!!


حديث المدينة

عثمان ميرغني

الرأي العام