جدي وقاسم الزمن المشترك

خرج جدي في رحلة اللا عوده من القرية صوب المدينة تاركا خلفه ذكريات الصبا والشباب وقلبه ممزق لفراق الارض التي طالما بادلته صادق الحب فكم رواها من جبينه حبات عرق طاهرة تساقطت علي مدار سنين خلت فانبتت له من باطنها ما سد به رمقه و ستر علي حاجته ، فكان عندما يأوي الي فراشه ليلا ويمدد جسده المنهك عليه ، يسمع نقيق الضفادع المنبعث عن ترعة القرية يعلو ويهبط في تموسق غير عادي ، فأحيانا يشغل نفسه قليلا بالتفكير في ذاك النقيق محاولا ايجاد العلاقة بين تواتر النقيق وايقاعه وموسيقاه اللحنية واحيانا اخري يفكر فيما اختلفت تلك الضفادع ؟ بأية لغة يتحدثون ؟ وماذا يقولون ؟ فيتذكر احدي الدروس الدينية لشيخ القرية التي قال فيها: يسبح لله ما في السماوات و ما في الارض ، فيقول في نفسه يا لجحودي ، وانا الذي انعم علي كثيرا ابخل عليه بذلك ؟ ، فيلهج لسانه بالحمد والثناء لله سبحانه وتعالي الي ان يغشاه النعاس ويسلم نفسه للنوم حتي موعد صلاة الفجر حيث يستيقظ ليواصل رحلة صراعه المستمرة مع الحياة .
حضر للمدينة وهو حامل للقرية في أعماقه ، فقاسي مرارة الصراع بين الحداثة والتقليد ، ثوابت القرية ومتغيرات المدينة ، جمود المنطق ومنطقية الجمود ، قيم القرية واخلاق المدينة ، وانسان القرية وانسان المدينة .
في احدي مناسبات جاره السعيده بالمدينة ، ذهب جدي للمشاركة و أعماقه ممزقه بصراع المفاهيم بين القرية و المدينة ، فتوسط صوان الفرح رغبة منه في التبشير بالخير كعادة اجتماعية متبعة ، فإلتف نفر كثير من حوله وتزامن ذلك مع اهزوجة قيل انها غناء مناسبات حديث تشدو بها فتاة :
بركة الجيت ..... بركة الجيت ........... آي
عسل انت وبسكويت ..................... آي
ومع وقع تلك الكلمات علي اذنيه ، ثارت فيه حمية الشباب والتي لم تطفئ جذوتها تراكم سنين عمره ، فبدأ يتقافز تارة بقدم واحدة واخري بكلتا قدميه فيما عرف في الرقص الشعبي بالعرض ، والنفر من حوله يصيح :
النبق ............. النبق ............ النبق
القرد ............ القرد ............. القرد
فرأيت في ذلك هزيمة لصورة الجد في مخيلتي ودار بخلدي انه ربما يبدو كبهلوان في نظر بعض النفر من حوله ، حاولت التسلل بين الجموع لأبدئ له اعتراضي فيما يفعل ، فما ان وصلت اليه الا وقد قام لا شعوريا بدفعي في عنف لا متعمد حيث كانت تسيطر عليه هستيريا الرقص وسط الحلبة .
عدت لصديقي والاسف يملؤني ، فبادرني بلغة شباب المدينة قائلا :
جدك اتلحس
فرددت عليه : ليس هذا ما يشغل بالي ، ولكني افكر كم هو اناني جدي ، عاش زمانه وزمن ابي وهاهو يريد ان يعيش زماني ايضا ، كنت اريده رمزا للحكمة والوقار ومعينا لا ينضب من التجارب يعاونني في مقابلة صروف دهري .
فسألني صديقي : وهل تريد منه ان يبقي متفرجا فقط علي مسرح حياة اليوم ؟
فأجبته : ولكنه كان صانعا للتاريخ بمسرح بالامس ، فتمزق بين ثقافة الشرق في تعلقه بالانتماء العرقي لهم ، وتقليده سلوك الغرب في ممارسة يوميات حياته .
فسألني صديقي : كيف تمزق بين ثقافة الشرق وتقليد الغرب وجدك انسان قروي ساذج ؟
أجبته :لا أعني جدي في شخصه ،ولكنني احاكم جيله في شخصه ، تعلق بثقافة الشرق في انتمائه العرقي لهم في تصديقه لخلوص دمائه من دم حام ونقاء عرقه العربي من اعراق زنوج هذه القارة بل اتخذ من بني عمومته عبيدا له ، وقلد الغرب في ممارسة يوميات حياته بأن تعايش مع البار وصار جزءا من يوميات حياته ان يتحلق مع اقرانه حول زجاجة مسكر في امسيات سمر ، و ارتضي منازل الخناء وسط الاحياء السكنية واسموها منازل احرار ، وكثير كثير من الترهات التي شابت مزيج الثقافتين الافريقية والعربية من العادات والتقاليد آنئذ واسموها ثقافة جيل ، الا تعتقد ان هذا الجيل يحمل هوية مشوهة و ملامح ثقافية مطموسة ؟
فأجاب صديقي : ولكنه الجيل الذي اتي بالاستقلال ، انه جيل الاستقلال !
وعلقت عليه : أظنك تعني الجيل الذي اتي بالاستغلال ، انه جيل الاستغلال !
فشعر صديقي بالارهاق وانا كذلك بعد عناء يوم مضن من العمل ، فإفترقنا واتفقنا علي اللقاء قريبا لمواصلة ما بدأناه من نقاش .
انصرفت وعقلي مثقل بكثير من الاسئلة ، وتطاردني صورة جدي وسط الحلبة وعلو الصياح حوله :
النبق ............ النبق ............... النبق
القرد ............ القرد ............... القرد
و حتما سيعود لمنزله الساعة الحادية عشر ونصف ، موعد بداية حظر التجول .

.

.

البنية الخاتية مذمة
حبي وحبك شبكة وشوك سدر واتلم

النبق والقرد وفروع الشجر
النبق نبق السدر
والشجر وشوك الكتر
والجداول وخرير الماء منهمر
طينة البلد وريحة الولد
هم رباط الحب والود
في القرية والريف

Quote: النبق ............. النبق ............ النبق القرد ............ القرد ............. القرد فرأيت في ذلك هزيمة لصورة الجد في مخيلتي ودار بخلدي انه ربما يبدو كبهلوان في نظر بعض النفر من حوله ، حاولت التسلل بين الجموع لأبدئ له اعتراضي فيما يفعل ، فما ان وصلت اليه الا وقد قام لا شعوريا بدفعي في عنف لا متعمد حيث كانت تسيطر عليه هستيريا الرقص وسط الحلبة .

دعوه رمضانيه ربنا يتقبلها قولووووووووووووو امين