تقاسم الدولة في السودان......د.عبدالملك عودة

تقاسم الدولة في السودان......د.عبدالملك عودة


09-01-2004, 05:47 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=95&msg=1094014032&rn=0


Post: #1
Title: تقاسم الدولة في السودان......د.عبدالملك عودة
Author: nadus2000
Date: 09-01-2004, 05:47 AM


تقاسم الدولة في السودان


‏ د‏.‏ عبدالملك عودة


جوهر إعلان نيروبي للمصالحة بين حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان‏,‏ هو تطبيق مبدأ باور شيرنج‏,‏ وهذا مصطلح أنجلوفوني الأصل‏,‏ ويعتبر مصطلحا حديثا بالنسبة للثقافة واللغة العربية‏,‏ والسبب أنه يحمل في طياته ومفردات تكوينه وصياغته مفاهيم التاريخ والتطور السياسي والدستوري البريطاني‏..‏ وفي تقديري أن أفضل ترجمة له هي تقاسم قوة الدولة علي مستوي القدرات والإمكانات والمؤسسات‏,‏ كما تكشف تطبيقاته السابقة في دول إفريقيا جنوب الصحراء وجود خط أحمر لا تتعداه عمليات وإجراءات التنفيذ‏,‏ وهو استمرار وحدة سيادة الدولة وعدم تغيير الخطوط السياسية للحدود وعدم تقسيم التراب الوطني بالمعني القانوني والسياسي‏.‏

ولا يقتصر تقاسم قوة الدولة علي المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية‏,‏ بل يشمل منظمات المجتمع المدني ومؤسسات الاقتصاد وقنوات ومؤسسات الثقافة واللغات والتعليم في الدولة‏,‏ وهذا التقاسم طبقا لما جرت به السوابق في اتفاقات المصالحة في دول إفريقيا جنوب الصحراء‏,‏ يتم طبقا لنماذج رأسية يتقاسم فيها الجانبان المتعاقدان مؤسسات الدولة والمجتمع‏,‏ كما يتم طبقا لنماذج أفقية يتم فيها تقاسم المناصب والمفاصل الرئيسية لكل مؤسسة علي حدة‏,‏ واختيار هذه النماذج يتصف بالمرونة طبقا لأوضاع وظروف كل حالة في الدول الإفريقية‏,‏ والأمثلة المقارنة في هذا المقام موجودة في تسويات ومصالحات دول جنوب إفريقيا وموزمبيق وسيراليون وأنجولا وكوت ديفوار والكونغو الديمقراطية وبوروندي‏..‏ إلخ‏,‏ علما بأن بعض هذه التطبيقات حقق نجاحا في عملية التنفيذ‏,‏ وبعضها الآخر مازال متعثرا يواجه الفشل في التنفيذ‏,‏ والفيصل في الحكم والتقويم علي التجارب السابقة وتجربة السودان الوليدة هو رأي ودور جماعة الإشراف والضغط الدولي‏,‏ وهي دول أوروبية وأمريكية وإفريقية تقوم بالدور منذ بداية الاتصالات والمفاوضات حتي توقيع الوثيقة الأساسية للمصالحة بين الجانبين المتفاوضين‏,‏ ولا ينتهي الدور بل يمتد إلي دور الحكم والقاضي بين الجانبين في مراحل التطبيقات حتي ختام المرحلة الانتقالية في كل حالة إفريقية‏,‏ وأهم مستويات المرحلة الانتقالية هي فترتان‏,‏ الأولي تختص بصياغة وتعديلات الدستور الانتقالي وإجراء الانتخابات التشريعية الحرة والنزيهة طبقا للمفهوم الديمقراطي الأمريكي والأوروبي‏,‏ والثانية هي مسئولية صحة وسلامة التنفيذ في المجالات الأمنية‏,‏ ويتقدم في المجال الثاني دور المنظمة العالمية والمنظمة الإفريقية الإقليمية‏,‏ كما يتأكد دور المؤسسات المالية والنقدية العالمية والإقليمية بقيادة البنك الدولي‏,‏ ولا يظنن أحد أن هذه مسئوليات ومجهودات خيرية إنسانية فقط‏,‏ وإنما فيها مصالح للدول الأجنبية تحسب بمعايير التجارة والاقتصاد والتنمية والاستثمار‏,‏ والتجارب الإفريقية السابقة توضح هذا القول‏.‏

لقد عرفت السوابق الإفريقية في اتفاقات التقاسم دعوة القوي السياسية واالاجتماعية الأخري من منظمات المجتمع المدني إلي الأخذ بأحد خيارين‏,‏ الأول هو الاصطفاف وراء واحد من الجانبين المتعاقدين والدخول معه في تحالف لتوزيع الحصص والمغانم في السلطتين التنفيذية والتشريعية‏,‏ والمشاركة في إعادة بناء أجهزة الحكم وإدارة الدولة علي المستوي الإقليمي والمستوي الاتحادي‏,‏ والخيار الثاني هو الوقوف في موقف الترقب والانتظار حتي تبدأ المرحلة الانتقالية بصياغة الدستور الانتقالي ثم إجراء الانتخابات الحرة والنزيهة تحت رقابة جماعة الإشراف والضغط الدولي‏,‏ ويكون هذا الموقف هو المعيار والمقياس لمدي التأييد والقوي التي تتمتع بها كل من الأحزاب والمنظمات السياسية في انتخابات السلطة التشريعية تأسيسا علي أن السلطة التشريعية هي السلطة الأسمي والأعلي في موازين السلطات الثلاث للدولة التي تنعكس نتائجها علي توزيع وتشكيل مناصب السلطة التنفيذية‏,‏ وعلي تخصيص نفقات وموارد التنمية وإعادة البناء علي المستويات الإقليمية والقومية‏,‏ خاصة أن إعلان نيروبي للمصالحة السودانية ينص علي تشكيل حكومة وحدة وطنية وصياغة الدستور الانتقالي‏,‏ ثم إجراء الإحصاء السكاني وأخيرا الانتخابات الحرة النزيهة في السودان‏.‏

وليس هدف الإشارة إلي تماثل الإطار العام للمصالحات الإفريقية مع الإطار العام للمصالحة السودانية هو التقليل أو التبسيط لتعقيدات ومشكلات الحالة السودانية‏,‏ مثل التباين الشاسع بين عقيدة وهوية نظامي الحكم في الشمال والجنوب‏,‏ ومثل الخلاف الدائر حول دور الأمم المتحدة طبقا لأحكام الباب السادس أو أحكام الباب السابع من الميثاق‏,‏ ومثل الجهود المكثفة لجماعة الإشراف والضغط الدولي لحل أو تسوية قضية دارفور قبل بداية الأشهر الستة التي تسبق السنوات الست الانتقالية‏,‏ ولكن المقال يشير إلي الدعوات والصيحات التي تطلقها حكومة السودان والنخبة الشمالية الحاكمة حول الدور المنتظر للدول العربية والجامعة العربية عامة‏,‏ والدولة المصرية خاصة في مجالات المعونات المالية والاقتصادية والاستثمارات باسم العروبة والإسلام‏,‏ وفي تقديري أنه يجب التريث والانتظار حتي تقوم الهياكل الحكومية والتشريعية الجديدة وحتي تتبين الأطراف العربية دور وسلطات الأدوات التنفيذية والبرلمانية في تقويم وقبول ما جري عليه الاتفاق سابقا‏,‏ وما سيعرض من اتفاقيات قادمة‏,‏ لأن الآمال والدعوات التي تطلقها حكومة السودان لاستنفار واستنهاض العواطف والمثاليات العربية والإسلامية يجب تقويمها في ضوء ما جري من مناقشات وآراء في البرلمان السوداني الحالي عندما عرضت الحكومة اتفاقية الحريات الأربع مع مصر للمصادقة بعد مصادقة مجلس الشعب المصري بالإجماع‏,‏ وعلي الرغم من أن حكومة السودان هي التي اقترحت موضوع الحريات الأربع والتعاقد مع مصر بشأنها‏,‏ فإن البرلمان السوداني أخذ وقتا طويلا في المناقشة حتي استطاعت الحكومة تأمين أغلبية من الأعضاء للموافقة علي الاتفاقية لمدة خمس سنوات مقبلة‏