حكومة الخرطوم والتزام الصدق مع النفس

حكومة الخرطوم والتزام الصدق مع النفس


08-27-2004, 02:15 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=95&msg=1093569322&rn=0


Post: #1
Title: حكومة الخرطوم والتزام الصدق مع النفس
Author: Asskouri
Date: 08-27-2004, 02:15 AM

حكومة الخرطوم والتزام الصدق مع النفس


عندما كانت حكومة الخرطوم في طور الشرنقة طلع علي الناس رئيسها ممتشقا حسامه مناديا في الجمع بأن الحكومة لا تفاوض إلا من يحمل السلاح! وقد ظن الجمهور من الرعية ( إنها زلة لسان) من رجل بلغت به نشوة السلطة مبلغا كالذي سبقه إليه مروان بن الحكم والحجاج وزياد ابن أبيه واتمه أبو العباس السفاح.
إلا أنه وخلافا لما اعتقد الناس فقد كان الرجل يعني ما يقول! فمنذ سبتمبر 1989 ما انفكت حكومة الخرطوم تبحث عن التحاور مع الحركة الشعبية لتحرير السودان التي صدق حدثها وأثبتت الأيام صحة قراءتها لطبيعة الدولة السودانية المتسلطة القائمة علي الاستبداد وهضم الحقوق والتي لاتعترف بقضايا الناس إلا بعد قرقعة السلاح..
وما كان في واقع الأمر قول رئيس النظام الذي أسكرته نشوة السلطة – ما كان قوله إلا إقرارا بعرف قائم ومنهج متأصل في تركيبة دوله تتخذ من العنف منهجا لترويع مواطنيها وهضم حقوقهم، بل لا تتردد في الامتنان عليهم بأنها تمنحهم الغذاء بقدر ما تستطيع إذا قصفتهم طائراتها وشردتهم للعراء يبحثون عن ملجأ من شظايا القنابل المسمارية.
منهج التفاوض الذي يتخذ من العنف شرط وجوب أكدته أيضا تجربة المواطنين في جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق، حينما أقرت الحكومة بأن لهم قضيه وحقوق سياسية قاتلوا من اجلها وان حديث الحكومة السابق بأنهم متمردون وخارجون علي القانون كان خاطئا!
إلا أن الذي تؤكده نضالات أبناء هذه المنطق مجتمعه وتقر به الحكومة هو أن الدولة السودانية كما يقول رئيسها تؤمن بالعنف وحده كوسيلة لنيل الحقوق! لذلك فان قضية وكارثة دار فور لا تمثل في بعض جوانبها ألا انعكاسا لمنهج الحكومة وإقرارها بالعنف كوسيلة وحيده مجربة وناجعة لنيل الحقوق.
وإقرارا للحقيقة فلم يكن رئيس النظام وحده الذي ينادي بالعنف منهجا لنيل الحقوق. بل كان الكثيرون من الوزراء ( عفوا) يقولون بذلك من خلال الاجهزه الرسمية ويكتبونه بأيديهم في الصحف ويصرحون به لوكالات الأنباء العالمية دون ادني إحساس أو اهتمام لنتيجة ما يقولون.
كثيره هي إذن أقاليم السودان التي تترقب ما ستنتج عنه مفاوضات قضية دار فور! فان اتفقت الحكومة مع المجموعات المقاتلة فتلك إذن ادانه أخري لها لاقرارها بالعنف كمنهج لنيل الحقوق وان رفضت فستستمر المواجهة وربما تجر اقاليما أخري تتململ حاليا من حيف الخرطوم وجورها، وتقوم في صمت بجرد حساب وتقييم لقدراتها واستعراض لسيناريوهات المستقبل.
ليس هنالك دليل اكبر علي طبيعة الدولة السودانية القائمه علي العنف ورفض الحوار من مشكلة المتأثرين بخزان الحماداب. فبينما ظل المتأثرون بالمشروع يطالبون الحكومة بمفاوضتهم لاكثر من اثني عشر عاما خلت، ضربت الحكومة عنهم صفحا ومضت في غطرستها لاتابه لهم وكأنهم غير موجودين.
وفي واقع الأمر ليس في ما تقوم به الحكومة من جديد! فالدوله السودانية تقوم أصلا علي العنف وهو عنف ينخر ويفت في عضدها حتى احتار منظري مفهوم الدولة القومية في مدي جدوي المفهوم نفسه! فبينما يقر المنظرون بان الدولة القومية قادت إلى حروب كثيره بين الدول وزادت من وتيرتها واعداد ضحاياها، إلا أن اتخاذ الدولة القومية من آليات قمعها أداه لقمع مواطنيها حتى يبلغ عدد الضحايا الملايين، فذلك أمر لم يجد له المنظرون تبريرا. لذلك ليس غريبا أن تحفل أدبيات حركات التحرر السودانية بتعبيرات ( الدولة المستعمرة) وإن جلس سودانيون علي سدتها! وقد صدقت نبؤه رجل الإمبراطورية البريطانية ونستون شر شل عن مصير السودان تحت حكم الجيش، وهي نبؤه كتبها الرجل قبل اكثر من مائة عام ونيف وكأن الرجل كان يكتب الواقع الماثل اليوم وهو يشاهده بعينيه{1}
لذلك ليس غريبا أن ترفض الحكومة أن تتفاوض مع مجموعه من مواطنيها لهم قضيه تتهدد هم، إذ شرعت الحكومة في تهجير بعضهم إلى الصحراء وتنوي إجبار الآخرين علي مغادرة أرضهم هربا من الطوفان وفيما عدا ذلك فسيبتلعهم التنور. وليست سياسة إطلاق الماء علي السكان لإغراقهم من بنات خيال حكومة الخرطوم ( لكي لا تفرح بحقوق الاختراع) فقد سبقها إلى ذلك آخرون وان تقادم الزمن. لقد كان وزير المالية الهندي موراج ديساي(1960) أول من خاطب الناس ووعد بإغراقهم إن لم يرحلوا:

( We will request you to move from your houses after the dam comes up. If you move, it will be good otherwise we shall release the water and drown you all) {2}

وقد تقول حكومة الخرطوم أن لهؤلاء الناس أن يحمدوا الله لأنها سيطرت علي أعصابها ولم تطلق طائراتها لقصفهم، وتلك قطعا ميزه ضخمه لو يعلم المتأثرون. ويبدوا أن الحكومة قد استقر رأيها علي اتباع وصفة الوزير الهندي.
لقد ثبت ان الكثيرين من السياسيين السودانيين مصابون بمرض عضال اسمه ( العمي البشري). وهو مرض يصيب الإنسان وحده دون كل مخلوقات الله. وخاصيته أن الشخص المصاب يري كل شئ ما عدا البشر! والمرض موطنه السودان وينتشر قي بعض المرات مع الرياح الموسمية لبعض دول الجوار.
إن قضية المتأثرين بخزان الحماداب ورفض الحكومة التفاوض معهم أمر يفضح كل دعاوى الحكومة واعائها بأنها قبلت بالحوار منهجا لحل مشاكل البلاد. وهذا الأمر من شانه – إن لم تتم معالجته – أن ينقل العنف لشمال السودان وإن طال الزمن.

مخطئ من يظن أن شمال السودان منطقة خاليه من النزاعات.


عسكوري


{1} Churchill, W., The River War, Carroll & Graf, 2000, pp 69
{2} Mc Cully, P., Silenced Rivers, Zed Books, 1996, pp 72

Post: #2
Title: Re: حكومة الخرطوم والتزام الصدق مع النفس
Author: Asskouri
Date: 08-30-2004, 03:26 AM
Parent: #1

UP