د. أمير تاج السر: ثقافة الجهل وثقافة التسامح

تاريخ النشر: الإثنين 26 يوليو 2004, تمام الساعة 05:32 صباحاً بالتوقيت المحلي لمدينة الدوحة


كان مساء هادئاً من مساءات هذا الصيف، حيث تنشط حركة السفر، ويخف زحام الرشح والأنفلونزا، حين كنت أمارس مهامي في معالجة الناس، كما كنت أمارسها دائماً منذ امتهنت هذه المهنة الشاقة، حين دخل احد المقيمين العرب الى غرفتي، كان يحمل ملفا مثقلا بأزمات الربو، وارتفاع ضغط الدم، ومئات الملاحظات التي سجلها اطباء عديدون في سنوات طويلة، كان رقم الدخول الى غرفتي ازرق اللون، وجدت المريض يحمله، ينظر اليه، ثم يرفع عينه، يوجهها الي وعلى وجهه ابتسامة فجة. استغربت من ذلك السلوك، وسألت الرجل عن خطبه، فرد مباشرة دون تزويق او تلوين:
- أنا مندهش، اطالع الرقم فأجده لا يشبهك.. لماذا لا يضعون على بابك رقما اسود اللون يشبهك.
لن اتحدث عما جرى بعد ذلك بيني وبين واحد كان من المفترض انه جاءني مستشفيا لا سفيها، مريضا محترما، لا مريضا قليل الاحترام، لكنني أود الخوض قليلا في ثقافة اسمها ثقافة الجهل، يشعلها بعض اخوتنا في الدم تجاهنا، وثقافة اخرى هي ثقافة التسامح، نحن السودانيون من ابتكرها، عشنا بها، سافرنا بها، وما زالت هي الثقافة المهيمنة على سلوكنا في اي وقت، نحن حقيقة من عرب الاطراف الذين قد يبعدون عن الوسط جغرافيا، لكن دمنا نازف كدماء العرب، لساننا فصيح كألسنة العرب، وابداعنا في كل الوان الآدب والفنون مصبوغ بصبغة العرب.. ولا اظن ازمة حاقت بالعرب لم تهرس مصاريننا كما هرست مصارين الآخرين، وليت ذلك المريض المختال سمع بقصيدة الشاعر العظيم «محمد طه القدال» التي نظمها في محاولة لترتيق الجرح الفلسطيني، وكانت قصيدة طويلة وكان أغرب ما فيها انها بلهجة شامية صرفة، بل ان مغنيا مغمورا اسمه «عبدالقيوم» نبع من اقصى بلاد الشايقية في شمال السودان، كان مثقفا بدرجة ألهمته اغنية ملحمية عن انتفاضة الحجر، يحرض فيها المرأة الثكلى والأرملة واليتيمة، أن تكفكف الدمع وتشارك في تحرير بلادها.. اغنية لم يكتبها حتى الدم المعنى بالأمر اكثر.
ارمي الحجر أرميهو
ارجمي الذكرى
ياصابرة لا تبكي
وتزرفي العبرة
صوت الحجر لو صاح
في ظلمة الصحرا.
يرجع الاذهان
لي داحس الغبرا
هذا عن ثقافة الجهل، لكن ماذا عن ثقافة التسامح؟
أنا اظن ان ذلك المريض كان يعرف تلك الثقافة جيدا.. كانت تتراكض في ذهنه وهو يدخل، وتتراكض اكثر وهو يلقي بتلك العبارة القاتمة.. ليس في وجه عابر بالطريق، ولا وجه عامل تحت إمرته، ولكن في وجه طبيب يحظى مجهوده وتعامله، باحترام الجميع.. كان يتوقع ضحكة او ابتسامة، او ربما تربيتا على الكتف، بناء على تلك الثقافة المتسامحة.. لكن لسوء حظه، حرك حموضة في ذلك الوقت، ايقظ «ادرنالين» نائما.. وانجر الى الكتابة ذات المخالب التي لن تنتهج نهج ثقافة التسامح ابداً.

جريدة الشرق القطرية - د. أمير تاج السر - ثقافة الجهل وثقافة التسامح

.

العزيز أمير..
لو كنت أمريكى أسود لما تجرأ هذا المختال وتفوه بتلك العبارة، كان سيقولها فى سره.. بعد أن يتلفت يمنة ويسرة.. لكنه أدرك نقطة ضعفنا فيما أسميته أنت ثقافة التسامح.. لاتسامح مع من يحاولون الإستخفاف بنا أو بأصلنا الأفريقى.. عفارم.

شعوب أمريكا اللاتينية تتحدث الإسبانية، لكنهم لم يدعوا يوماً ما أنهم إسبان! قطعاً ثقافتنا أو لساننا العربى لايعنى أننا عرب بالمفهوم العرقى Race، أرجو أن تجد مساحة من الوقت لمتابعة النقاش الثر الدائر حول هذا الموضوع فى اللنك التالى:
الخاتم عدلان - يرد علي - عبدالله علي ابراهيم

ولك الود..

عدلان.

الصديق عدلان ..
شكرا لنشرك هذه المقالة التي قطعا تهم كل سودانيي التسامح في مجتمعات أخرى تسعى لاستفزازنا دائما .. سأحاغول الدخول إلى ذلك الحوار الذي ذكرته .. ونستفيد منكم .

المبدع امير
تحياتى
انا من المعجبين بكتاباتك الرواية المدهشة
كنت اود المساهمة بالكتابة عن اعمالك الادبية
لكن جات كدة
قلت انه لم يقل العبارة لعابر فى الطريق او لعامل تحت امرتة
هل يحق له قولها لاى انسان حتى لو عمل تحت امرتة

محمد سيد أحمد ..
شكرا يا صاحب الاسم الذي يشبهنا ..ويربطنا بالجذور .. ويا ليتك كتبت حتى أقرأ كتابتي في عيون مبدعين آخرين .
بالطبع لا يحق له ذلك .. لكن أن تقال لشخص يؤدي وظيفة جاء ذلك الشخص لينتفع بها .. تصبح اتلمسألة أكثر خطورة .