يا حكومة ،، موضوع الجنجويـــد .. إخراج سئ!!/ زهير السراج

* ما زلت اكرر الحديث، بان أحد اكبر الاخطاء التي ارتكبتها الحكومة في ازمة دارفور، هو الالتزام الكتابي الذي قطعته على نفسها بنزع اسلحة الجنجويد، وتقديم زعمائهم للمحاكمة، وهي تعلم تمام العلم استحالة تنفيذ هذا الالتزام، وقد اعترف بذلك بعض المسؤولين، وعلى رأسهم والي شمال دارفور السيد محمد عثمان كبر في مؤتمره الصحافي الموسع بمقر الولاية قبل ثلاثة ايام، وقال بان ذلك يحتاج الى وقت طويل وجهد كبير وامكانات لا تتوفر لحكومة السودان التي لن تستطيع ان تفعل ذلك لوحدها. وافصح الوالي عن مقترح تقدمت به الحكومة لمنظمة الامم المتحدة لتقديم العون المالي لشراء هذه الاسلحة من حامليها واغرائهم بالنقود، بدلاً عن نزعها بالقوة الجبرية.. الا ان الأمم المتحدة لم ترد على هذا المقترح حتى الآن!

* ويكمن الخطأ الكبير الذي ارتكبته الحكومة في الالتزام بنزع اسلحة الجنجويد والمليشيات الاخرى في ثلاث نقاط:-

أولاً: ليس في مقدرة الحكومة ان تنزع اسلحة المليشيات الاخرى والخارجين عن القانون، لانهم متمردون عليها بطبيعة الحال، وليسوا حلفاء لها، فاذا قامت بنزع اسلحة الذين حصلوا على السلاح لمواجهة التمرد، فمن سيتصدى للهجمات التي يحتمل ان يشنها المتمردون في اقليم واسع ليس في مقدرة قوات الشرطة والقوات النظامية الاخرى ان تتحمل وحدها عبء حمايته!

* ثانياً: ان الجنجويد ليسوا مجرد عصابات نهب مسلح- وعلينا هنا ان نواجه الحقيقة المؤلمة بصدق وشجاعة، ونعترف بان الجنجويد هم مواطنون ينتشرون في كل انحاء الاقليم، تم استنفارهم في الاساس لمواجهة التمرد، الذي تمثله حركتا تحرير السودان، والعدل والمساواة، فخرج عدد كبير منهم من السيطرة، وهاجموا عدداً كبيراً من القرى واحرقوها واخرجوا اهلها منها، وارتكبوا ما ارتكبوا من جرائم وفظاعات، خلقت الوضع المأساوي الموجود في دارفور الآن، وألّبت العالم على السودان.. وبالتالي لن يكون في مقدور الحكومة بامكاناتها الضعيفة، ان تلاحق كل هؤلاء المواطنين وتنزع اسلحتهم.. ولو حاولت ان تفعل ذلك.. فانها ستدخل في دوامة عنف اخرى، لن تجد وسيلة للخروج منها، وكذلك سيكون الحال لو حاولت اعتقال زعماء الجنجويد وتقديمهم للعدالة، ومنهم من وقف بحزم في مواجهة التمرد، مما ادى لتحجيم انشطته وارغامه على توقيع اتفاق وقف اطلاق النار في 8/4/2004م.. وبرغم ذلك - برغم الخدمات التي قدمها الجنجويد - فان اكثر من 59 خرقاً للاتفاقية قد حدث في ولاية شمال دارفور وحدها في الفترة بين 8/4- 22/4/2004م!!

ثالثاً: لو افترضنا ان الحكومة نجحت في نزع اسلحة الجنجويد، فمن اين ستضمن عدم حيازتهم لاسلحة اخرى، او عدم حصولهم على اسلحة اخرى في اقليم من السهولة ان تغتنم فيه سلاح من كل الاتجاهات، كما قال السيد والي شمال دارفور.. وبالتالي فانها حتى لو نزعت اسلحة الجنجويد، فلن تحظى بتصديق ورضا العالم، لان الاسلحة ستظل موجودة بكثرة في ايدي الذين نزعت منهم الأسلحة!

* ولا يعني هذا باي حال من الأحوال ان تترك الحكومة الامور على ما هي عليه، او تحاول لفت نظر العالم الى جديتها في نزع اسلحة الجنجويد، واعتقالهم، وتقديمهم للعدالة، بما تبثه من أخبار وصور عن محاكمات لبعض الخارجين عن القانون، جنجويد او غيرهم، باعتبار انها تحاول الايفاء بالالتزام الذي قطعته على نفسها امام المجتمع الدولي، وبالاتفاق الذي وقعته مع الولايات المتحدة، والامم المتحدة.. ولكن عليها ان تواجه هذا المأزق بكل شجاعة، وتنقل صورة حقيقية للموقف الذي هي فيه للعالم، وللذين التزمت امامهم، ووقعت معهم اتفاقيات.. وتتشاور معهم بكل صراحة ووضوح حول حلول جديدة.. قبل ان تنتهي المهلة الممنوحة لها، بدون ان تفعل شيئاً، سوى بث تلك الأخبار والصور عن محاكمات لا تقنع احداً، وتجد نفسها امام اوضاع في غاية الخطورة والتعقيد!

* وبالمناسبة، فان أسوأ ما في جولتنا بدارفور كانت الزيارة التي نظمتها لنا سلطات الولاية لسجن نيالا لمشاهدة بعض الجنجويد المحكومين والمنتظرين لاثبات جديتها في تقديم الجنجويد للمحاكمة، فانتهز هؤلاء الفرصة، واعلنوا بالصوت العالي أمام أجهزة الاعلام المحلي والعربي والأجنبي، بانهم ليسوا جنجويد ولم يشاركوا في الجرائم التي ارتكبها الجنجويد..

واظن ان البعض منا قد اقتنع واندهش بما رأى وسمع.. وعلق احد هؤلاء على هذا الموقف.. بانه إخراج سيئ!

فالى متي ستظل الحكومة تعتمد على «الاخراج السيئ» لاقناع العالم بأنها جادة في حل ازمة دارفور؟؟

حتي الأن ما زال وزير الخارجية
يكذب ويقول انهم قبضوا علي
الجنجويد
ويحاكموهم الأن ..
!!!!!!!

وحتى المحاولة الانقلابية المزعومة , اتضح انها مسرحية هزيلة