من اسرار الاستعداد و تنفيذ الانقلاب المشؤوم للجبهة الاسلامية...عبرة للتاريخ

حديث المدينة

عثمان ميرغني

Email: [email protected]

فشل ونجاح ..!!

العميد (م) عصام الدين ميرغني نائب رئيس التحالف الوطني زرته في منزله بالقاهرة مرتين .. وجلست اليه ساعات طوال .. وهو رجل منظم ومرتب ودقيق في عمله ربما بحكم المهنة .. وسجل أكبر انجاز ونجاح له في قيادته الميدانية المباشرة لعملية تحرير الرهائن الغربيين في جبل "بوما" في يوليو عام 1983 والتي أطلق فيها سراح الرهائن المحتجزين في قمة الجبل دون أن يريق نقطة دم واحدة منهم ..!!

أهداني العميد عصام الدين ميرغني كتاباً بديعاً ألفه بعنوان " الجيش السوداني والسياسة" .. وقد أدهشتني المعلومات والتحليل الذي احتواه الكتاب الذي تظهر فيه رائحة الجهد والعرق الذي بذل فيه .. والمعلومات فيه تبدو متماسكة ومتجردة خاصة في الأحداث التي شارك فيها العميد عصام الدين بنفسه.. وقد أثارتني بعض نقاط أهمها الجزء المتعلق بالانقلاب الذي أطلق عليه الناس "إنقلاب البعثيين" في نهاية رمضان عام 1990 والذي فشل بعد ذلك وصدرت فيه أحكام اعدام على (2 ضابطاً ..

بعد أن سرد العميد عصام الدين تفاصيل دراما الانقلاب كتب محللاً أسباب الفشل فذكر على رأسها إخفاق تأمين الاتصالات خلال الانقلاب بين الوحدات التي كلفت بالتنفيذ في معسكرات الجيش المختلفة.. وقال العميد عصام الدين أن الإنقلابيين احضروا قبل العملية (12) جهازاً لاسلكياً (مدى 25 كيلومتراً) لكنهم لم يتمكنوا من استخدامها لسبب بسيط للغاية .. هو أنهم لم يختبروها قبل العملية .. وعندما حان وقت استخدامها اتضح أن بعضها لم تخضع بطارياته للشحن .. وبالطبع فشلت الاجهزة في العمل وأطاحت معها بالإنقلاب نفسه .. على حد تحليل العميد عصام الدين ..!!

هذه القصة "العبرة" .. تتطلب أن تقارن بقصة شبيهة جدا بها . هي قصة ليلة الانقلاب في 30 يونيو 1989 . الذي اتى بحكومة الانقاذ الى الحكم .

كانت مسئولية الدكتور محمود شريف ومجموعته تأمين "الاتصالات والإعلام" في ليلة التنفيذ .. وفي زخم الإعداد للإنقلاب رفعت المجموعة التمام لقائدها د.محمود شريف بأنها جاهزة للتنفيذ بتشغيل الاذاعة والتلفزيون فجر الانقلاب مع كتم انفاس اذاعة "مدني" حتى لا تستغل لعمل مضاد ..

لكن د. محمود شريف لم يرض بالتمام "النظري " وطلب بياناً بالعمل .. بعبارة أخرى "بروفة انقلاب" .. وذلك بأن تقوم المجموعة بتشغيل التلفزيون قبيل منتصف النهار ( وكان التلفزيون لا يبدأ ارساله في العصر).. وحيث ان جميع المشاهدين لا يفتحون اجهزة التلفاز إلا في موعد البث فإن أحداً في السودان لم ينتبه إلى التلزفوين وهو يبدأ ارساله الساعة العاشرة صباحا ويبث اغاني واناشيد لفترة من الوقت ثم يوقف ارساله فجأة . وكان د. شريف يراقب الارسال في منزله ليتأكد من أن المجموعة الخاصة قادرة على تشغيل التلفزيون يوم الانقلاب دون حاجة الى الفريق الهندسي الخاص بالتلفزيون ..

اما الاذاعة .. فأحضروا اذاعة سرية وبثت القرآن الكريم لفترة من الزمن في اثير العاصمة دون أن يحس بها أحد .. وتبقت اذاعة "مدني" فذهبت اليها المجموعة بقيادة د. محمود شريف متسللة مع مجموعة طلابية من جامعة الجزيرة بحجة زيارة علمية لمقر الاذاعة وهناك رسمت خطة دقيقة لكيفية تعطيل الاذاعة فجر الانقلاب حتى لا تستخدم لعمل مضاد.. وبقية القصة يعرفها الجميع قام الانقلاب ونجح ..

اوردت القصتين هنا للمقارنة لا أكثر .. انقلاب عسكري لا يجد معدوه وقتاً حتى لمجرد التأكد من أن بطاريات أجهزة الاتصال قد تم شحنها بالكهرباء لتعمل في ساعة الصفر .. وانقلاب آخر تصل دقة الإعداد فيه تجربة تشغيل الاذاعة والتلفزيون للتأكد من ان كوادره قادرة على تشغيل الجهازين دون حاجة للفريق الهندسي المعتاد في الجهازين

عثمان ميرغني
من كوادر الاخوان المسلمين واحد الكتاب الانقاذيين في سنواته الاولي
وان كان قد اخذ ينأي بنفسه عن هذا التنظيم في السنوات الاخيرة من
خلال كتابات ذات ملامح ليبرالية مثل محجوب عروة