الـذي قـبل الإقلاع، والتي بعـد الرجـوع - قصة / حسام هلالي

الـذي قـبل الإقلاع، والتي بعـد الرجـوع - قصة / حسام هلالي


07-16-2004, 10:04 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=95&msg=1089968695&rn=0


Post: #1
Title: الـذي قـبل الإقلاع، والتي بعـد الرجـوع - قصة / حسام هلالي
Author: sympatico
Date: 07-16-2004, 10:04 AM

الـذي قـــــبل الإقــلاع، والتـي بعـد الرجــوع
قصة : حسام هلالي


انكب في ركوعه مبعثراً حركات أصابعه، بين شتات الأغراض التي ألقاها عمداً. ليتملص بالتجاهل من سؤال زوجته التي انزوت في طرف الغرفة واقفة تطلب إجابته على ذلك الاستفهام العاطفي المعهود: هل مازلت تـ... ولم يجب كما لم يعد يجبها (هناك نقطة زائدة أسفل الجيم).

تناول جواز سفره نافضاً عن نسره غباراً وهمياً، التقط فيه قلمه الجاف الذي استهلك ربع زرقته الليلة البارحة في التمرين على توقيعه الجديد: نفس الاسم وبعض العبث الشخبطاني.. ثبته على جيبه ثم أخفى ظرفاً شبه بني بين الملتقطات باصقاً عنه شعرة استشوارية لم تنل سماحه، ثم رفع عن الموكيت تذكرة السفر الوحيدة التي ارتدت ايقونة مدورة.. تشكلها نخلة يتناصفها سيفان متقاطعان وكأنهما يقولان للمذكور ادناه: هذا حد ذو سلاحين.

أغلق سحّاب حقيبته الأسطورية بعد أن انفق مائة جول في دفع كرش الأمتعة داخل الحقيبة. وعندما تأهب كانت لازالت في هناكها، هو المغادر شرع يقنع شعره العصي بالمواظبة على ذلك الشكل، وانهمك- بعد العطر والزخات- في بهرج الزي بطريقة كأنما كانت تلك البزة الرمادية من ترتديه لا العكس، بينما هى...فعلت بشفتيها كما يفعل القلم الموضح بعبارة في مرجع ما، حتى تجاوز الأحمر حده الى مليمتر بعد الشفة السفلى، ورغم قرمز ثوبها الذي لفقته بجسدها المتهازل، الا أنها بدت اقرب إلى ارملة في لباس حدادها.

خرجا بعد القبليات، اتجه الزوج المصون ساحلاً تلك الحقيبة نحو سيارته، التي سقطت من نظره الآن على غير زهوه المعتاد بها، بينما أغلقت هى الباب المعدني الكبير بقفل أكثر معدنية الا من قلب مشيعها، ولحقت به الى اليمين وأغلقت بابها الآخر.. وانطلقت (الكركعوبة) الى المطار.

تجاهل صور الحلة التي حاولت ان تتشبث بعينيه، وحاول الا ينهمك في أى منها كي لايزحم ذاكرته بأشواق مستقبلية... وركز فكره في كل السنين الماضية المقضية في حياة زوجية قلقة، ووظائف أكثر ما فيها هو الفترات الزمنية التي بينها.. فانتهى البحث عن مستقبل مشرق، الى السفر نحو المشرق.

وصلا بعد ألم ينفقا شيئاً من الحديث تاركين اذاعة (ام درمان) تفعل بدلاً منهما، ترجل كل منهما بالجنب الذي يريحه، احتفظ الرجل بمهمة حمل الحقيبة والسبعين رطلاً من الآمال. وحده، بينما اكتفت زوجته باستلام مفاتيح السيارة من بعلها، ونظرة شحيحة من بين نظارتيه الحياديتين.

ودخلا البوابة من أوسع أمتارها.

انتهت البلاطات سريعاً من تحت خطواتهما، أوقف الزحف للحظة التراجيدية، ولم تتردد تلك في الارتماء على كتفه مودعة، ورغم انه شعر بالخطيئة كونه يحتضنها بذلك الشكل الا أن التصاق صدرها بجاكيت البدلة ومزاحمته لربطة عنقه أسكت اعتراضه حتى انسحبت تاركة على منكبه بقعتين داكنتين من الرمادي بدلاً من عينها، كفكفت كل مايناقض ذبولها فيه، واستمعت لبعض كلماته الوداعية. وبعد ان انتهى وأخذ يلتفت نحو الجديد، حاولت أن تعيد عليه السؤال.. لكن القضبان المعدنية التي حزمت طابور المسافرين بدت أكثر ارتفاعاً ومحاباة للفصل بينهما رغم الصدأ وقانون الجاذبية الأنثوية الذي تخلى عنها.

ضرب الضابط بالختم على دفتره الأخضر، وتأكد ان حقيبته نظيفة بكل المقاييس الأمنية.. ولأن دواخل البشر لاتفتش في كاو نترات المطارات.. دخل من بوابة الخروج الى عالم أقل ثالثية من هذا الوطن، التفت اخيراً ليودع من كانت باهتزازه كف.. فلم يجدها بين الأكوام البشرية، فدخل متنازلاً عن الفكرة.

استقبلتها الظهيرة بحث عرقها، والشارع يتثاقل في تناولها.. حين ركبت كركعوبة زوجها التي اضافت عليها ضمير ملكيتها بدلاً من الضمير المرتحل، اكتشفت فوق لوحة القيادة ظرفاً خفيف البني، استعجلت الخروج لتلحق به.. الا انها ما أن عبرت البوابة للمرة الثانية بشبر، حتي اكتشفت ان زوجها لم ينس الظرف.. ولكنه وكما كل الظروف السابقة، اناطها بامرأته

هو:

الذي بعد الاقلاع، شاهد الخرطوم وهي تتصاغر من تحته كتضاؤل الكثبان العلوية في ساعة الرمل. وبعد أن مل المنظر.. استقبلته في رحاب الظن مضيفة فلبينية اعتقد بخياله الأضيق من عينها انها كانت تغمز لجنابه! مما سوخ لخياله ان يرسم الفتاة الجامعية التي سيعود لخطبتها بعد سنتين مبدئيتين ومائة الف ريال.. ريال ينطح ريال لكنه حين تذكر ان البيت المتروك لازل معنون الملكية باسم تلك، انخرط في وجوم تبرعم خلاله بعض الغضب. ولشدة الحدث، انخرط كابتن الطائرة في الفكرة متضامناً.. فهبط بالبوينج الى عمق البحر الذي وفرت «حمرته» بذل الدماء على ضحايا السقوط الكبير «200 راكب حالم، والطاقم».

هى:

التي قبل الرجوع، ركبت سيارتها وانهمكت في الطريق.. ملأتها افكار الاعتذار عن سخف الأيام الماضية بخصوص ما داخل الظرف، أو زيادة لوعوده الجمة.. لكن أكثر ما راقها من ظنون هو ان تجد اجابة لسؤالها بين احشاءه الورقية، ولما أوقفت افكارها والكركعوبة الإشارة الحمراء وبوليس الحركة المبيض، لم تحتمل الفضول.. فمزقته شر ممزق لتقع في شر مزقتها تلك، وكانت ورقة طلاقها في الداخل تحمل اسمها واسم الشخص الذي ظنت نفسها ضلعه، فانهارت قبل ان يشفع لها عند الانهيار شيك حمل بعض الألوفات التي تبقت من ثمن التأشيرة والتذكرة، ولولا صراخ الأبواق من وراء ظهرها المغدور.. وتكشيرة الشرطي ، لسارت جلطتها على مايرام. لكن الشرطي تضامن مع طريقها والتحق بمقدمة السيارة صارخاً ومدمي، بالاضافة لركشتين ودراجة نارية سقطوا بطريقة دومنوزية فوق بعضهم البعض، وباستثناء الحافلة المعبئة بالأنسام الآدمية.. فان احداً لم يرافق الزوجة السابقة وهى تسقط من فوق الجسر الكركعوبي نحو النهر اللا أحمر لتمسي انسانة سابقة.

حسام سري هلالي /من خارج الوطن

http://alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147490733

----------
التحية للمبدع الشاب للغائب حسام هلالي

Post: #2
Title: Re: الـذي قـبل الإقلاع، والتي بعـد الرجـوع - قصة / حسام هلالي
Author: اساسي
Date: 07-16-2004, 10:13 AM
Parent: #1

الاخ سمبتيكو
تحية وتقدير

قبل لحظات كنت بصدد افراد بوست للسوال عن الفتي الغائب حسام

لو تصدقني شرعت في كتابته وقبل ان اتم رايت بوستك هذا فاستبشرت خيرا

الفتي حقيقة مبدع يرسم تضاريسه علي ذاكرتنا يبشر بمستقبل اديب قدير

نتمني له التوفيق

وشكرا لهذه القطعة الجميلة التي اتحفتنا بها عنه

وماذا السوال عنه قائما

تسلم اخ سمبتيكو

Post: #3
Title: Re: الـذي قـبل الإقلاع، والتي بعـد الرجـوع - قصة / حسام هلالي
Author: sympatico
Date: 07-16-2004, 10:45 PM
Parent: #2

تسلم اخي اساسي

في هذه القصة ينشيء حسام طريقه الخاص في السرد وفي التراكيب اللغوية


Post: #4
Title: Re: الـذي قـبل الإقلاع، والتي بعـد الرجـوع - قصة / حسام هلالي
Author: نجلاء التوم
Date: 07-17-2004, 01:01 AM
Parent: #3

أخذنى الاشفاق على "التى بعد الرجوع" كما على "الذى قبل الاقلاع" :
انسحاق الاحلام بلا طائل
والتعاطف من هذا النوع مع الشخوص هو مفتاح اولى لمجاح القصة كعمل فنى
يقول ارسطو ( Aristotle) فى توصيفاته لسمات الشخصية الدرامية الكلاسيكية ان على القارىء ان بشعر بالخوف ( fear) والشقفة ( pity)على مصير الشخوص( البطل )اثناء سقوطه عبر سلسلة من المحكات التى يصنعها المؤلف رغم ان توصبفات ارسطو كانت مبنية على شخوص الدراما الاغريقية القديمة الا انها وحتى الان تعتبر وجهة من الوجهات العديدة التى يمكن من خلالها تدبر البناء الفنى لشخصية البطل
بالمناسبة
من هو البطل فى هذه القصة ?

Post: #5
Title: Re: الـذي قـبل الإقلاع، والتي بعـد الرجـوع - قصة / حسام هلالي
Author: Husam Hilali
Date: 07-18-2004, 05:53 AM
Parent: #1

الزميل sympatico

لا أدري متى شمت هذه القصة ( نفسها ) حتى هرعت أنت لنشرها هنا ، على العموم لقد فاجئتني جداً .. وأنت بهذا تزيد من عبئ مسئولياتي تجاه الكتابة والقلم .. وما ينتج عنهما من توابع .


وللزميل أساسي السائل عني دوماً أقول : يسأل منك الخير ..


شكراً ..