العمل التطوعي الخيري

كان يا ما كان في قديم الزمان وفي قرى ومدن جمهورية السودان أشكال كثيرة من التعاون والتكافل والتراحم بين أبناء الشعب بطبقاته المختلفة ، تتمثل على سبيل المثال في موائد رمضان والمشاركة المعنوية والعينية في المآتم والأفراح وشيئاً فشئاً بدأت هذه الظواهر والمشاركات تغيب وتخبو وأخشي عليها من الإندثار.
لاحظت هنا أنه ما أن تطرح فكرة أى عمل خيري إلا وتجد آلاف المتعاطفين مع الفكرة إلا أنه يندر أن تتبلور مثل هذه الأفكار إلى أعمال ترى النور ولو من وراء حجاب ، والعمل الخيري ظاهرة اجتماعية موجودة على مر العصور ومنذ الأزل وحتى الوقت الحاضر ولكنها تختلف في أشكالها ومجالاتها وطريقة أدائها وفق توجهات وعادات وتقاليد تنسجم مع الثقافات والمعتقدات الدينية لكل عصر ودولة فالمفهوم العام للتطوع هو بذل الجهد أو المال أو الوقت أو الخبرة بدافع ذاتي دون مقابل مادي.
ثقافة العمل الخيري في مجتمعنا وصلت إلى درجة متدنية من الفاعلية إن لم تكن غير موجودة أصلاً ، وتعاني من إشكاليات كل واحدة أكثر تعقيداً من سابقتها ، وهي التسييس، واختلال الأولويات، وجمود الخطاب الفكري وتقليديته في ميدان العمل الخيري ، وازدواجية المرجعية المعرفية.
وما يلفت النظر هنا هو أن التدني في فاعلية التطوع في بلادنا يأتي في وقت هي أشد ما تكون فيه حاجة إلى تنشيط فاعليات العمل الأهلي كافة، وفي الصدر العمل التطوعي.
وأعزي سبب فشلنا في تحقيق وبلورة أفكارنا إلى واقع أننا نستهلك الكثير من الجهد في ردود الأفعال دون المبادرة إلى الفعل الإيجابي ، فالأسلوب العاطفي يغلف حياتنا وأفكارنا ، وإذا أردنا لأى فكرة أياً كانت أن ترى النور لابد لنا أن تغير من نمط التفكير الإنفعالي الآني الذي ما يلبث أن يخبو ويتلاشي شيئاً فشيئا
وكما لا يخفي عليكم فأن إزدهار المجتمعات الإنسانية ورقيها في سلم الحضارة مرهون بما توفره لأفرادها من أوجه الرعاية المختلفة كالرعاية الطبية والتعليمية والنفسية والاجتماعية. وهذه الرعاية بمفهومها الشامل تهتم بالإنسان عبر سني حياته المختلفة إذ أن لكل فئة عمرية خصائصها وسماتها المميزة لها عن غيرها.
أن ما يطرح هنا من مشروعات وأفكار لهو كفيل بتحويل وتحسين وضع السودان إلا أن ذلك لا يتحقق لأن مثل هذه الأفكار لا تستطع الخروج إلى الضوء لا خوفا من شيء بل لعدم وجود من يلامسها ويحضنها لتأخذ حيز التنفيذ.
إذا أردنا أن ننجح في أى عمل كان لابد من توافر إرادة النجاح عندنا أولاً ولابد من نشر وتعميم ثقافة العمل التطوعي في البينة الإجتماعية بإعتبار أن أى عمل لا ينجح بدون تفاعل المجتمع والمشاركة فيه وتشجيع القائمين عليه.
تحكي لغة الأرقام إنه في أمريكا وحدها يوجد ( 32000 ) مؤسسة خيرية بلغت ممتلكاتها عام 1989م أكثر من ( 138 ) مليار دولار ، كما يشارك في العمل التطوعي حوالي ( 93 ) مليون أمريكي يشكلون نسبة 30% من مجمل الأمريكيين ، ينفقون سنوياً (20 ) بليون ساعة في العمل التطوعي لصالح الأطفال والفقراء والتعليم وقضايا أخرى . كما يقدر معدل التبرع المالي لكل أمريكي ( 500 ) دولار سنوياً ، وقد تبرع الأمريكي " تيد تورنر " مؤسس شبكة CNN الإعلامية بثلث ثروته إلى المنظمات الإنسانية في الأمم المتحدة ويساوي مبلغ مليار دولار أمريكي .
وفي بريطانيا يوجد أكثر من 20 مليون شخص من البالغين يمارسون نشاطاً تطوعياً منظماً . أما في فرنسا فقد جاء في تقرير لجمعية فرنسا للشؤون الاجتماعية أن 10 ملايين ونصف المليون فرنسي يتطوعون في نهاية الأسبوع للمشاركة في تقديم خدمات اجتماعية مختلفة تخص الحياة اليومية من مجالات التربية والصحة والبيئة والثقافة وغيرها . وتتراوح أعمار 51% من المتطوعين ما بين الخامسة والثلاثين والتاسعة والخمسين ، ويمثل الطلبة نسبة 21% وتتراوح أعمار المتطوعين منهم ما بين 18 و 25 عاماً .
وتكشف هذه الأرقام والإحصائيات عن المستوى المتقدم الذي وصل إليه المجتمع الغربي في مجال الأعمال التطوعية ، وبالرغم من أن بعض دوافع المؤسسات الخيرية في الغرب تشوبها دوافع مصلحية أو سياسية أو تبشيرية إلا أن بعضها ناتج من مستوى الوعي المجتمعي بأهمية العمل الخيري ، ومن الفطرة الإنسانية التي تدفع بالإنسان كإنسان إلى خدمة أخيه الإنسان وخدمة مجتمعه وأمته .

أخي الملاعمر
سلام و تحية

موضوع هام و حيوي ..
أرجو أن ينال هذا البوست حظا وافرا من القراءة و النقاش الموضوعي لما للعمل الطوعي و أهميته و خاصة نحن لدينا اللبنات الأساسية له و هو التكافل الإجتماعي و الأسري .. فقط ما ينقصنا هو تنظيمه و ترشيده و توجيهه الوجهة الصحيحة ..
تسلم