سودان الأعماق

المتأمل لخريطة الشعب السوداني يجد أن كل منا يحب هذا الوطن الممتد والذي لو قارناه بكثير من البلاد التي نعيش فيها بأنه وطن لا بديل له ، كيف لا وهو الذي نتشرف بالانتماء له بمختلف سحناتنا ومختلف لهجاتنا، وهذا التعدد هو مصدر وحدتنا وليس مصدر تفرقنا شيعا واشتاتاً ، أي أنه من الممكن أن نختلف في كل شيء ولكننا جميعا ننحني أمام هذا الوطن العزيز .
في هذه اللحظة تحضنرني تلك الواقعة التي أظل أرددها كثيرا وهي أنه بعد انقلاب مايو 69 سافر الأستاذ محمد أحمد المحجوب إلى لندن مستشفيا وصادف أن زار جعفر نميري لندن في ذلك الوقت ، فقام بعض المقربين من نميري وطلبوا منه أن يقوم بزيارة المحجوب الذي كان يتعالج في لندن، فطلب منهم نميري أن يذهبوا ويحددوا موعداً للمحجوب لكي يأتي نميري لزيارته ، وعندما حضر ذلك النفر لتحديد الموعد مع المحجوب، رد عليهم قائلا : لا يمكن أن يأتي نميري لزيارتي بل أذهبوا إليه وحددوا لي معه موعدا لكي أزوره أنا ، فاندهش القوم من هذا الرد ، فعادوا إلى نميري وأخبروه بما قاله المحجوب ، فحدد لهم موعدا وفي الموعد المحدد أتى المحجوب لزيارة نميري الذي ما أن راه حتى قام من مجلسه واحتضنه وأخذ يبكي بكاء حاراً، فقال له المحجوب قولته المشهورة : أنا لم آتي إليك لأنك جعفر محمد نميري لكنني أتيت إليك لأنك تمثل رئيس السودان فإزداد بكاء النميري ، فلنتأمل جميعا هذا الحب لهذا الوطن العزيز ، فكل منا يحمل بين جنباته حب هذا الوطن فمهما تناحرنا واختلفنا ولكننا في لحظة من اللحظات نرجع إلى أعماقنا المتسامحة والمشبعة بحب هذا الوطن الأبي .
فلكل منا حب داخلي عميق وارتباط لا تنفك أواصره بحب هذا الوطن، ومهما طالت بنا الغربة فإننا لا نجد لك يا أيها السودان بديلا

ونواصل