عندما بكـــت السمـــــــــــــــاء !! ... حدث ذلك فى 30 سبتمبر1976

عندما بكـــت السمـــــــــــــــاء !! ... حدث ذلك فى 30 سبتمبر1976


06-04-2004, 08:14 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=95&msg=1086376457&rn=0


Post: #1
Title: عندما بكـــت السمـــــــــــــــاء !! ... حدث ذلك فى 30 سبتمبر1976
Author: Mamoun Zain
Date: 06-04-2004, 08:14 PM

عندما بكـــت السمـــــــــــــــــــــــــــــــــاء ... دموع فى الخريف !!!


أيقظ جاه الرسول إبنه البدرى فى الخامسه صباحا – كالعادة – لكى يقوم بإطعام الحصان وسقايتة ، وهذا هو " علوق الصباح" كما كانوا يسمونه . أمّا هو فتولى إصلاح إطار الكارو الخلفى الذى إخترقه مسمار لعين فى آخر مشوار لهما ليلة البارحة.
أما خديجة " أم العيال" ، فلم تنجح كل محاولاتها فى إسكات صوت صغيرها الذى لم يذق طعم اللبن منذ يومين ، فالملاريا اللعينة فعلت فعلها الشنيع فى تجفيف منابع الخير من جسد خديجة الهزيل.
سعاد وفتحية خرجتا لمدرستهما الإبتدائية دون تناول شاى الصباح ، إحتجاجا على عدم خلطه باللبن لليوم الخامس على التوالى ، ولم تنجح أيضا تبريرات والدهما بأنّ هذه ظر وف طارئة وأنهم بعد عدة أيام ، وعندما ينصلح الحال ، سيشترون رطلين كاملين من اللبن لأنّ الصغير " محى الدين" هو أيضا فى حاجة ماسة له .
أما البدرى فلم يتعّود على الشكوى أصلا ، حيث لا نصيب له فى شاى اللبن – فى وجوده أو فى غيابه – ولا يهمه سوى مساعدة والده ، رغم الحزن الواضح على عينيه منذ أن أجبرته الظروف على ترك مقاعد الدراسة وهو لم يتجاوز اثني عشر ربيعا.
كانت أمهم تقول لهم " الما بقرا كالو التراب .. والبتموت أمو كالو التراب " ، لكنها توقفت عن قول ذلك منذ أن خرج إبنها البدرى من المدرسة ، لعلمها بالظروف المادية القاهرة التى تمر بها الأسرة والتى جعلت إبنها يترك الدراسة وهو من المتفوقين وخوفا على جرح شعوره.

قالت خديجة لزوجها أنه لا بد أن يؤجل الخروج اليوم حتى ينتهى من إصلاح سقف الغرفة لأن الجو اليوم ، ومنذ هذا الصباح الباكر ، ينبئ بمطر غزير و هذه الغرفة لن تقوى على تحمّل مطرة غزيرة أخرى.
هذا البيت الجالوصى الذى يقف وحيدا، والذى بناه جاه الرسول منذ عشرين عاما فى هذا الحى البعيد عن العاصمة ، كأنى به يزداد قصرا يوما بعد يوم بفعل الأمطار وعدم الصيانة ، حيث امتدت الحفر والمجارى التى صنعتها المياه المتدفقة من السقف ، و من الداخل أيضا امتدت الظلال الىالأسفل فى كل جانب من جوانبه الأربعة.
رفض جاه الرسول كل توسلات زوجته بترك العمل اليوم بحجة أنّ اليوم هو الثلاثين من الشهر وهذا يعنى صرف الموظفين والعمّال مما يعنى أيضا توفر فرص العمل ، وأنهم فى حاجة ماسة للمال لمقابلة مصاريف البنات والدواء وغيره.
ركب جاه الرسول عربته "الكارو" ، يصحبه إبنه البدرى وتوجها نحو المحطى الوسطى ، يمنّيان النفس بعدة مشاوير.
ورغم أن الجو كان جميلا وينبئ بدخل وفير ، إلا أنّ هذا الحصان الهزيل لا يدعو للتفاؤل.
بعمليات رياضية بسيطة لا تتجاوز الجمع والطرح ، حسب جاه الرسول المشاوير التى سينجزها اليوم بمشيئة الله، فتبين له أنّ معظم حاجيات المنزل من حقن ملاريا لخديجة ورسوم دراسة لسعاد وفتحية وعلوق للحصان ومركوب للبدرى – ليساعد هذا الوحيد الذى مضى عليه أربعة أعوام - ورطلا من اللبن ، سيتم شراؤها بإذن الله . سيؤجل – كالعادة - شراء فستان لإبنته الصغرى " دار السلام" وعمرها الآن سبع سنوات . ولدار السلام الحق فى أن تنفجر باكية كل صباح إحتجاجا على عدم السماح لها بمرافقة شقيقتيها للمدرسة ... فكل يوم لا بد من تكرار نفس الحجة بأنها مازالت صغيرة ، وهى بالطبع لم تقتنع بذلك لأن الروضة جارتها وصديقتها هى أيضا فى السابعة وهى تذهب للمدرسة منذ العام الماضى وهذا مصدر تعاستها لأنها تعودت أن تلعب بالنهار مع الروضة ، المشغولة حاليا بمدرستها . هى تعلم من أختيها أنها لا تستطيع الذهاب للمدرسة بسبب عدم وجود ملابس للمدرسة ، لذلك فهى لا تنفك تتطالب بالفستان.


عند منتصف النهار إمتلأت السماء بالغيوم وهبت رياح خريفية باردة من الشمال الشرقى وكأنى بالشتاء أراد أن يجرئ تجربة مبكرة فى آخر ليلة من ليالى سبتمبر . قبل أن يكمل جاه الرسول مشواره الرابع كانت السماء قد إمتلأت بالسحب السوداء. قال البدرى لأبيه أنّه لأول مرة يرى البرق من الجهات الأربعة.
أصر جاه الرسول على البقاء ومواصلة العمل حيث أنه فى هذه الساعة بالذات يطلبه الكثيرون لتوصيل حاجياتهم من السوق لمواقف السيارات قبل هطول المطر.
بدأت قطرات المطر تتساقط متفرقة ، وكان يرى هطول المطر من على البعد فى أماكن متفرقة من الجهة الغربية ، حتى الرياح الخريفية الباردة تحولت من الناحية الشمالية الشرقة للشمالية الغربية.
تحت إصرار البدرى توقف جاه الرسول عن العمل وقررا العودة للمنزل ، حيث تذّكر المنزل الآيل للسقوط. المشوار من السوق للمنزل يحتاج لأكثر من ساعة ، وها هى الأمطار بدأت بالتساقط الآن قبل أن يبدأ مشوار العودة.
رفع الجاه يديه للسماء طالبا من الله سبحانه وتعالى أن يؤجل هطول المطر ليوم واحد فقط حتى يقوم بإصلاح سقف المنزل. تذّكر زوجته خديجة وإلحاحها على ضرورة البقاء اليوم لإصلاح السقف وهزّ رأسه نادما على " ركوب رأسه".
تابعو السير رغم هطول المطر الغزير ، وفى الطريق كانت المياه تتدفق بغزارة عبر المجارى والشوارع والأزقة وكان الحصان لا يقوى على المشئ ، فالرياح كانت تهب فى الإتجاه المعاكس لسيرهم.
كانت الساعة السادسة مساء عندما وصل الجاه وإبنه لأطراف الحى مشيا على الأقدام بعد أن تركا الكارو والحصان فى أحد البيوت ، حيث عجز الحصان على المشى بسبب المياه . الحى كان يبدو وكأنه قد غرق بالكامل وسط المياه ... ليست هنا كهرباء فى الحى أصلا و لكن كانت هناك عدة فوانيس مضاءة داخل بعض المنازل.
كان الخوف قد تملكهما عندما رأيا الفيضانات الجارفة عبر شوارع الحى الضيقة وكذلك شاهدا بعض الأسوار و البيوت المنهارة و التى كانت فى أحسن حالاتها.
إزداد الخوف حتى كادت تسمع ضربات قلبيهما عندما رأيا كثير من الفوانيس فى مكان منزلهما الذى لم يكن موجودا ... وجدا عددا كبيرا من الناس وقد تجمّعوا حول المنزل المنهار .. عبثا يحاولون إخراج الجثث من تحت الانقاض.
كاد يغمى على جاه الرسول من هول الصدمة فطفق يصيح بأعلى صوته : اين خديجة ؟، أين البنات ؟، أين محى الدين؟ . أمسك به بعض الرجال محاولين السيطرة عليه. قالوا له البركة فيكم ، خديجة وإبنتها دار السلام وإبنها محى الدين قضوا تحت الأنقاض اما سعاد وفتحية فهما مع الجيران ،فقد انهار المنزل قبل عودتهما من المدرسة.
أما البدرى فظلّ ساكتا ، سمعوه يقول " البتموت أمهم كالهم التراب" – كان ذلك آخر ما قاله.

فشلت كل محاولات الأطباء بعد ذلك لإعادة النطق له.





"هذه القصة والأسماء والاماكن والتواريخ من نسج الخيال ...وأعتذر للتراجيديا المؤلمة فيها"

Post: #2
Title: Re: عندما بكـــت السمـــــــــــــــاء !! ... حدث ذلك فى 30 سبتمبر1976
Author: Ashrinkale
Date: 06-05-2004, 02:09 AM
Parent: #1


الغالى مامون زين التحايا الممزوجة بريحة الدعاش
شكرا لك يا صديقى وأنت تنقل لنا هذا المشهد فرغم دراميته فانه يحدثنا كثيرا عن حال السودان.
بس دعواتك معانا لنخرج من حالة الركود المبعدنا عن البورد الا للطلات.
فتك عافية ولا قدام