الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!

الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!


04-02-2008, 02:38 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=9&msg=1282283446&rn=621


Post: #1
Title: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 02:38 AM
Parent: #0


لآحظت فى الفترة الأخيرة، كثرة إهتمام الصحف السودانية وكتابها، وبعض الصحف العربية، بالأستاذ محمود محمد طه وفكره. يلاحظ مع هذا الإهتمام المتعاظم أن كثيرا من الخلط أيضا يحدث فى حقائق لا يزال بعض صناعها ومعايشيها أحياء، فتسآءلت كيف واذا مضى بالناس زمان؟
هذا البوست بسبيل من جمع كل هذه المادة فى مكان واحد تسهيلا للدارسين وآمل أن يكون هناك أيضا تصحيح لبعض المعلومات الخاطئة.
عنوان البوست مستوحى من بوست سابق عن إسنيبان تم منذ حين قريب بجامعة الخرطوم - سأعيد نشره هنا أيضا -
بعض الروابط لا تعمل لتغيير السيرفر أو توقف الخدمة كما أن قليل من المواد ليس من الواقع الإسفيرية وقد لا أجد له تاريخا.... عموما وكما ذكرت فالمادة للتسجيل ولمن عسى قد يحتاج لمرجع شامل فى مكان واحد
وعلى الله قصد السبيل

Post: #2
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 02:41 AM
Parent: #1


هذا هو الإستبيان وهو ايضا يؤكد ضرورة هذا البوست وضرورة التصحيح
=======
يعتبر الاستاذ محمود محمد طه،نبأ عظيماً،في الفكر الاسلامي،ولايزال الناس يتسألون عن النبأ العظيم،الذي هم فيه مختلفون .
هبط به خصومه الي هاوية السحر والشطح الاثم،ووصفوه بالذندقه،والخروج عن مله الاسلام وقد اسرفوا في بغضه وتجريحه وقالوا عنه مالم يقله مالك في الخمر.
أما محبوه فقد ارتفعوا به الي افق البهاء المقدس،والي معارج البطوله الخارقه للناموس !!
واليكم الاستطلاع
الصافي مهدي الصافي كليه القانون حزب الامه القومي
ان إعدام الاستاذ محمود محمد طه من اكبر الاخطاء في السياسه السودانية وان الاستاذ هو عملاق الفكر والرجوله وان الشهيد محمود محمد طه قد واجهة حبل المشنقة بابتسامه إهتزة اليها الضمير الانساني واعتقد ان الهوس الديني كان وراء المهزلة.
محمد عبد الكريم عبدالله خامسه طب بيطري
علي حسب علمي ان المرتد محمود محمد طه في البدء لم يات بجديد وانما ردد اقوال السابقين من الصوفيه امثال الحلاج وابن عربي،وهذا هو الذي ادي به الي الوقوع في الردة وان قتله كان جزاءً له وإن لم يعدم فانه كان سيكون رمزاً للغرب ومدعاة للفتنه.
بشير عبد الله ادم كليه الهندسة جبهة ديمقراطية
ان إغتيال الاستاذ محمود محمد طه يؤكد ان الفكر الاسلامي لازال يتقوقع في الفتاوي والمتون الجاهزة وان هنالك حالة عجز وتكلس في المذهبية الاسلاميه.
ومحمود محمد طه امتداد لابن عربي ونجم الدين الطوافي الذين اعتلوا المشانق لتبقي الفكرة والمبداء.
ومن الماخذ علي الجمهوريين ارتباط الفكرة بفرد اختفي وجودها باعدامه.
فاطمه عبد الوهاب ثالثة قانون
الحقائق غير واضحه لا اعرف علي وجه التحديد ما حدث.. نتمني ان يكون شهيداً.
عاطف عوض الجيد الريح رابعه اداب
لم اسمع به اطلاقاً.
ابوبكر محمد احمد انصار سنه قانون
حد الردة الذي طبق في محمود محمد طه صحيح ولكن كان لاهداف سياسية بحتة ومحمود محمد طه قد انكر ما هو من الدين بالضرورة مثل إنكارة الصلاة بهياتها وحركاتها المعروفه.
منجواك مطوك تونق A N F
اعدام محمود محمد طه هو انتهاك لحقوق الانسان لانه مفكر عالمي وقد اعدم بقوانين سيئة لانه قال الحق واعتقد ان اعدام الاستاذ وراءه جماعات الهوس الديني لتحقيق اغراضها الشخصية ولعجزها عن مجادله الجمهوريين فكرياً.
فاطمه الريح ثالثه اداب
لم اسمع بهذا الشخص ابداً وماعارفه من اعدمه ولماذا.
يونس ماثيو كليه الصحه
اعتبر الاستاذ محمود كالمسيح لانه بذل فكره من اجل تحرير الانسان ويكفي انه صاحب المقوله الشهيرة الحريه لنا ولسوانا واعدامه كان اعداماً سياسياً واعتقد ان دمه لن يروح هدراً.
وسيظل فكره نوراً وشعاعاً يهدي الاجيال القادمه الي المستقبل في سوادن جديد.
الطيب محمد الطيب ثالثه اداب
اعدامه حق لانه خرج عن نطاق الاسلام والف كتب تدعو للخروج عن ملة الاسلام لذا اعدامه عين الحق.
هاله محمد احمد ثالثه اداب
ليس لدي معلومات عن هذا الموضوع.
يناكيم تومس علوم إدارية
ان الاستاذ محمود مفكر بل هو المفكر الاول في السودان واعدامه اكبر خطأ ارتكبه النظام المايوي وانه شهيد الحريه والديمقراطية.
عبد العزيز جمعه
الاستاذ من اوائل المفكرين في السودان ولم يجد فكره ارضية خصبة بسبب الجهل في ذالك الوقت.
واعدمه الهوس الديني لانه كان عقبة في طريقهم ولان الجمهوريين يمتازون بالحجة والفكر.
نسرين مساعد اداب
لااعرف عن هذا شي.
اشويل اجانق
ان اعدام الاستاذ هو انتهاك لحقوق الانسان وان الاستاذ كان يدعو الي فكره بالتي هي احسن وهو صاحب فكر فكان يناقش بادله قاطعه.
صلاح الطيب علي اداب
يتمتع الشعب السوداني بذاكرة مثقوبة بحيث تسرب اكبر الفجايع التي ارتكبت في حقه وانسانيته ذاكرة العفو والمغفرة لكل الذين وضعوه علي المغصله.
ولكي تكون هنالك لحظه تاريخيه حاسمه لابد من منشط كيميائي ثوري حتي يتم الغاء كل تواريخ العفو وهكذا تسرب الاستاذ كغيرة عبر هذة الذاكرة المثقوبه.
فكرة من ابرز المعاجات الفعاله للقضايا الراهنه عبر تاريخ طويل من الجمود الذي كاد ان يجعل من الدين مادة باردة ومنكمشة.
محمد مختار قانون
علي حسب علمي بهذة القضية ان القضاء لم يكن عادلا ولم يكن مستقلا في هذة القضية بالذات واري ان اليد السياسية قد امتدت بقذارة واثرت في الحكم واعتقد ان هناك بعض المفكرين المعاصرين لهم اليد الطولي في هذا الحكم وذلك لاشياء في انفسهم.
عاطف حسن بلول انصار سنه قانون
ان ما يعتقده محمود محمد طه هو عين الردة عن الاسلام متي اقيمت عليه الحجة وانتفت عنه الشبهة ولا ينبقي ان نغتر بفكرة عاطفيا دون تجريد الحقائق والمغازي وان الرسول صلي الله عليه وسلم قال:من بدل دينه فاقتلوة،فانها مساله شرعيه لاتقبل المزايدات السياسية فالتنظير في الامور الاجتهادية باب وانكار القطعيات باب اخر.
الطاهر بدر الدين حامد علوم
الحديث او النص المستند عليه في التشريع يعتمد علي اشياء كثيرة الوضع الاجتماعي المرتبط بالزمان والمكان ومستوي الادراك العقلي وحديث من بدل دينه فاقتلوة من احاديث الاحاد ولا يمكن الاخذ باحاديث الاحاد في الحدود ولم يرد نص في القران الكريم بقتل المرتد.
فاطمه الريح ثالثه اداب
ليس لدي اي فكرة عن هذا الموضوع.
ليلي الخليفة احمد
اعدام الاستاذ محمود وصمه ستبقي وعارها لن يبيد ابدا مالم يصحح كل من تورط في اعدامه
موقفا واضحا تجاه الاستاذ ويعترف فيه بكل صراحه انه نادم اشد الندم علي جريمته التي ارتكبها في حق هذا المفكر.
منال محمد ثالثه اداب
لااعرف شي عن هذا الموضوع.
وائل طه محي الدين جبهة ديمقراطية
ظاهرة اعدام المدنيين سياسية غريبة علي الواقع،ويعتبر حدث اغتيال الاستاذ الثالثة في تاريخ السودان الحديث ولم يجد النظام المايوي العسكري مناصاً سوي التخلص منه يساندة حلفاوة الاسلاميين باعتبار الخطر الفكري من الجمهوريين عليهم عموما يعتبر الحدث منافيا لقوانين حقوق الانسان وللتقاليد والاعرف السودانيه.
نيازي ادم رحمه اقتصاد انصار سنه
اعتبر ان محمود محمد طه مرتد ويدعو الي فكر منحرف تم تهجينه وتطويرة من كتب الفلاسفه وغلاة المتصوفه الذين دعو الي وحدة الوجود والاتحاد ووحدة الشهود غير ان اعدامه لايخلو من المصلحه الحزبية.
نهي حسن قانون
ان الاستاذ محمود دون ادني شك ليس ممرتد وانما هو شهيد وفكرة يمثل الاسلام الحقيقي لا الاسلام المزيف (اسلام الشعارات)
زينب عوض قانون
ان اعدام محمود محمد طه من اكبر الاخطأ القانونية التي وقع فيها القضاء السوداني انذاك لان عمره قد تجاوز السبعين وبالقانون لايجوز اعدام من تجاوز السبعين كما ان الردة لم تكن معلقبا عليها وفق القانون الذي طبق فيه.
سماح بشري كليه الاقتصاد عضو حقوق الانسان بجامعه الخرطوم
ان الشهيد الاستاذ محمود قد قدم فكرا يحل التعارض ويواكب انسانية القرن العشرين من داخل القران .
واعدامه انتهاك لحقوق الانسان واساءه الي الاسلام لانه قد اعدم باسم الاسلام.
ايمن محمد الحاج اقتصاد
محمود محمد طه حركه تصحيح الاصلاح الديني بفلسفه منطقية نحو فهم الحياة السياسية والدينية واعدامه كان خطأ كبير.
وهو يمثل حركة فكر وتحرر من الهوس الديني.
النعيم خالد قانون
فكر محمود محمد طه فكر ديني بطريقة فلسفية صحيحة واعدامه يعبر عن حاله عجز وقصور في الادراك الديني.
عبد المعز الزين عبد المجيد اداب
ان الجمهوريين مازالو يتعاطون فكر محمود محمد طه بمنعطف تهويلي حدثي تتمركز وتتجسد فيه شخصية محمود محمد طه اكثر من منطق الاضافه والتساؤلات التي طرحها مشروعه والتي هي نقدية تجديدية للفكر الاسلامي.
واني اتعاطي هذا الفكر حاليا كموروث معرفي فشل المتصوفه(الاخوان الجمهوريين)في تطويرة والحفاظ علي استمراريته التي هي روح المشروع.
فقد برعوا في الانشاد العرفاني(المديح)اكثر من الاضافه واستوعبوا فكرة التجلي التي يمثل محمود محمد طه مركزها وفشلوا في استيعاب روح فكر الاستاذ.
ويمكن القول ان الفكر هو فكر محمود محمد طه ولاينتسب الي الجمهوريين ودفن المشروع مع صاحبه لانه افتقد سمه الاستمرارية والتطور.
اسماء النور حمد كليه الاداب
لا اويد اعدام الاستاذ محمود فمن الحرية والديمقراطية ان يعتقد كل شخص ما يشاء مالم يضر ذلك باحد والفكر الجمهوري فكر يمكن اعتبارة تقدمي ومن الماخذ علي الفكر الجمهوري اختفاءة بعد 18 يناير حادثة الاعدام.
لام جون كوي الجبهة الديمقراطية المتحدة U D F
اعدام الاستاذ محمود من ناحية قانونية كسابقة قانونية من اكبر الاخطأ الذي وقع فيها القضاء السوداني ان ذاك لانه شيخ كبير واعدامه يعتبر انتهاك لبند الحريات.
سامي عبد الرحمن محمد اداب
ان الفكر الجمهوري فكر تقدمي نابع من قلب القران الكريم ويخاطب العقل والفطرة السليمه وهذا ما امتاز به الجمهوريين ولكن هنالك ثمه اسباب وظروف في حينها ادت الي عدم الفهم السليم للفكرة من بين تلك الظروف التخلف والجهل بين السودانين مما جعلنا نقول ان الفكر الجمهوري كان سابقا لاوانه اما بخصوص اعدام الاستاذ فهو من اكبر الجرائم التي ارتكبت في حق الشعب السوداني والانسانية جمعاء واعدامه كان تصفيه سياسية ارتكبها السفاح نميري وعرابو رحطه ومما يوكد ذلك تصريح نميري لاحد الصحف السودانية بعد عودته الي السودان في قوله ان اعدام محمود محمد طه كان بمثابه(غشة)من الترابي وهكذا حال حكامنا.
وفي راي ان الاستاذ محمود هو شهيد الفكر والديمقراطية والحرية.
عبد الرحمن الشيخ احمدكلية القانون حزب الامه القومي عضو المجلس الاربعيني للاتحاد الحالي
في البداية اود التركيز بانه في وقت اعدام الاستاذ محمود محمد طه كنا صبية صغار لا نتذكر من ملابسات تلك الجريمه الا الحدث حيث كانت تتناوله وسائل الاعلام المسموعة والمرئية والمقروءة وقتها بالتاييد، وبعد ذلك ما بين مؤيد ومعارض ومتحفظ ومبرر.
الا انه باي شكل من الاشكال فان فكرة الاعدام بسبب الفكر اي كان فهي مرفوضه من حيث المبداء ناهيك عنها لمفكر اطلعنا فيما بعد علي فكرة بالرغم من شح مصادرة وصعوبة التوصل اليه.
زاعدام الاستاذ جريمه في حق الاجيال التي كان يمكن لذلك الفكر في الاسهام في تخلقها عن طريق البحث والنقاش.
والفكر الجمهوري جدير بالاحترام غير انه محتجب لاسباب لا اعلمها انا شخصيا فانا لم الحظ اي نشاط اللجمهوريين سوي فعالية واحدة عبارة عن الاحتفال بالذكري ال19 لاستشهاد الاستاذ محمود محمد طه بجامعه الخرطوم تحدث فيها الاستاذ المهندس عبد الله فضل الله.
احمد عزالدين سالم موتمر شعبي
محمود محمد طه صاحب فكر وكان من الاجدي محاورته فكريا،لان الله سبحانه وتعالي لم يامرنا بقتل حزب الشيطان وسحق عظامه ولكن بشرنا بخسران حزب الشيطان وفلاح حزب الله.
كما ذكرت فان محمود محمد طه مفكر واعدامه جريمه.
قد اتيحت لي فرصة قراءة كتاب لمحمود بعنوان الثورة الثقافية اتنقد محمود في هذا الكتاب الماركسية بفكر متقدم.
ومن الماخذ علي الجمهوريين انهم كانوا من المويدين للخفاض الفرعوني وقد قاد محمود ثورة في هذا الموضوع برفاعة.
كما ان الفكر الجمهوري ارتبط بشخص محمود واختفي باعدامه.
ثم انهم (الجمهوريين)ايدوا نيمري الذي اعدمه فيما بعد.
ميد جيمس هندسه كهربائية
اعدام محمود جريمه نكراء لن يسكت عنها التاريخ.واعتقد بان اكثر تنظيم سيكون له راي واضح في فترة ما بعد السلام هم الجمهوريين(اذا قدر لهم الظهور)فسوف يسيطروا علي الساحة السياسية وذلك لقوة فكرهم الذي طرحوة.
تهاني حسن
محمود محمد طه شيوعي واعدامه حق وفكرة منحل.
انتهي
ومهما يكن من امر فان اعدام الاستاذ محمود محمد طه ودفنه في مكان غير معروف مسرحية وحشية،لاتمت الي الانسانية،او الادامية بسبب او نسب.

ابراهيم الصديق ابراهيم
جامعه الخرطوم

Post: #3
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 02:43 AM
Parent: #2


وهذه رسالة من معد الإستبيان للدكتور ياسر الشريف يبسن فيها آلية إجراء هذا البحث الخ الخ
======
الأستاذ المحترم / ياسر الشريف
تحية واحترام

إن الآلية التي أجريت بها هذا الاستطلاع آلية عشوائية، وكل الذين أجريت معهم هذا الاستطلاع ليس لدي سابق معرفة بهم عدا زملائي في كلية القانون الذين تربطني بهم رابطة الزمالية.
لكن هنالك شخصيات تعرفها الجامعية مثلاً:
وائل طه، أبو بكر محمد أحمد، لام جون كوي،
فهؤلاء كوادر لتنظيمهم وبالتالي معروفين للجميع.
وكل ما فعلته أنه لدي دفتر قمت بإعطائه لكل فرد من أفراد العينة العشوائية لكي يكتب رأيه عن هذا الاستطلاع وكانت الأسئلة المطروحة كالآتي:
ما هو رأيك في إعدام الأستاذ/ محمود محمد طه؟
ما هو رأيك في الفكر الجمهوري؟
فقد قمت بنقل ما أورده الطلاب في الدفتر بالنص دون تبديل كلمة محل كلمة أو تحريك.
أرحب بأي اقتراحات إضافية لأسئلة الاستطلاع أو تعليق عليه.

Post: #4
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 02:49 AM
Parent: #3


بداية أنشر بعض ما نشرته جريدة الأنباء الحكومية - وقد توقفت الآن عن الصدور - وكان رئيس تحريرها الدكتور عبدالمحمود الكرنكى وقد كان معروفا لمرتادى أركان الجمهوريين بالمعارضة
======
------------------------
* ماهي اسباب زوال النظام المايوي؟
- اولا اغتيال محمود محمد طه فكان له تأثير خارجي بجانب تطبيق الشريعة اللاسلامية وابتعاد مفجرو ثورة مايو وفتور العلاقة بينهم ونميري اضافة الى ان المجتمع الدولي ايقن ان النظام المايوي لا يصلح بعد تطبيق الشريعة.

http://alanbaa.info/new1/index.php?type=3&id=20558&bk=1

Post: #5
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 02:50 AM
Parent: #4


وعند قيام ثورة رجب (مارس -ابريل) 1986م، كان من المقرر ان تعتقل، ولكن ذلك لم يحدث، ووجهت اليها تهمة القتل العمد لمحمود محمد طه، ثم شُطبت بعد الانتفاضة، قدمت بدرية طلبا لالغاء الوظيفة (رئيس ادارة التشريع والادارة القانونية)، وقبل الطلب واحيلت الي المعاش، وبعث لها المشير عبد الرحمن سوار الذهب بخطاب شكر وتقدير.

Post: #6
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 02:51 AM
Parent: #5


نميرى قال لي: الشريعة الاسلامية ستحافظ علي الاتحاد النسائي ولكن!!
قلت لجعفر مايو ليست عاجزة عن مقارعة محمود محمد طه الحجة بالحجة
http://alanbaa.info/new1/index.php?type=3&id=3057&bk=1
-----------------------

Post: #7
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 02:52 AM
Parent: #6


وفي هذا أشار حكم هذه الدائرة لقضية اسماء محمود محمد طه وآخر ضد حكومة السودان.
http://alanbaa.info/new1/index.php?type=3&id=3079&bk=1
-----------------------

Post: #8
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 02:53 AM
Parent: #7


ثلاثة عوامل ادت لسقوط النظام المايوي حسب تحليلي وربما اكون مخطئة في ذلك
ü وماهي تلك العوامل؟
ـ اولا بعد المصالحة الوطنية تراجع حزب الأمة عن المشاركة وفرج الصادق المهدي من الاتحاد الاشتراكي رغم استمرار (ناسه) فهذا اتاح تغلغل الاخوان داخل السلطة وآثار بعض الشخصيات المايوية وبعض الشخصيات التي لاعلاقة لها بالاخوان (مايويين او احزاب انضمت للنظام)
ثانيا: تطبيق الشريعة الاسلامية بطريقة اساءت للشريعة وحتي الرئيس نميري نفسه ذكر ذلك لاحدي المجلات
ثالثا: اعدام محمود محمد طه ومايو ما كانت في حاجة لاعدامه.
http://alanbaa.info/new1/index.php?type=3&id=3233&bk=1
------------------

Post: #9
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 02:54 AM
Parent: #8


وأعدم الرئيس نميري الأستاذ محمود محمد طه، عندما طعن في شرعته السياسية، بطعنه في قوانين الشريعة، التي أصدرها في سبتمبر 1983م.
http://alanbaa.info/new1/index.php?type=3&id=4444&bk=1
-------------------

Post: #10
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 02:55 AM
Parent: #9


كتب رئيس التحرير - الكرنكى عن تاريخ الأخوان المسلمين:
===
فذهبوا وهم يبحثون عن زعيم، إلى الأستاذ/ محمود محمد طه رئيس الحزب
الجمهوري، والذي أعدمه الرئيس جعفر نميري عام 1985م قبيل سقوطه، بتهمة
الردّة عن الإسلام وكان في السادسة والسبعين من العمر! . وذلك من قبل أن يبحر
محمود محمد طه فيما بعد، بعيداً عن إسلام الصلوات الخمس، والرسالة الأولي،

http://alanbaa.info/new1/index.php?type=3&id=5684&bk=1

Post: #11
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 02:55 AM
Parent: #10


ولكن لا احد يستطيع ان يفسر غياب قيادي مؤثر في
الحركة السياسية مثل نقد ولماذا يخشي ان يعتقل او يعدم فقد اعدم محمود
محمد طه
http://alanbaa.info/new1/index.php?type=3&id=5892&bk=1
-

Post: #12
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 02:56 AM
Parent: #11


كتب إسحق أحمد فضل الله:
====
{...وصحف صدرت وصحف تتمطي للصدور...كلها تصلى مادامت فى خلوة الفكي ...ثم....!!
{ ونتابع هوامش الاحتفال بمحمود محمد طه.
http://alanbaa.info/new1/index.php?type=3&id=5900&bk=1
---------------------

Post: #13
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 02:57 AM
Parent: #12


كتب عبدالمحمود الكرنكى عن الأخوان المسلمين وتحالفهم مع مايو:
===
وأيّدوا إعدام الكاتب محمود محمد طه.
http://alanbaa.info/new1/index.php?type=3&id=7877&bk=1
-----------------

Post: #14
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 02:58 AM
Parent: #13


-----------------
محمود محمد طه أودع السجن لمناهضته قـانون منع الخفاض الفرعـوني وليس المناطق المقفولة

ووقف ضد هذا القانون المرتد محمود محمد طه حتي اودع السجن وكان ذلك في 16 اكتوبر عام 1946
http://alanbaa.info/new1/index.php?type=3&id=8247&bk=1

Post: #15
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 03:00 AM
Parent: #14


جزء من لقاء مع ميرغنى النصرى
====
{ما هي الشخصيات التي أثرت في شخصيتك وجذبتك إلى غمار السياسة؟
-الأسماء كثيرة لا يسع المجال لذكرها ،لكن عبيد عبد النور هو أكثر الشخصيات التي أثرت في شخصيتي وسلوكي فهو كان أستاذ لغة عربية وتربية إسلامية يدرس بطريقة مثالية وبأسلوب طري وملئ بالعاطفة ،وأيضا إسماعيل الأزهري أبو الوطنية السودانية ،وكثيرون في حياتنا منهم شيخ الخاتم في مؤتمر الخريجين ومحمود محمد طه وهو من رفاعة وكون الحزب الجمهوري في رفاعة وعمل أكبر ثروة ضد الاستعمار من المدينة في عام 1946م.
{التورة كانت بسبب الختان وليست لطرد الاستعمار ؟
-كانت بسبب الختان هذا ، فالممثلة الشهيرة فائزة عمسيب هي التي تسببت في الثورة عندما ختنت فرعونيا وألقي الإنجليز القبض عليها وعلى المرأة التي قامت بختنها ووالدتها ،هنا ظن أهالي رفاعة أن المستعمرين تدخلوا في شؤونهم الخاصة فقامت الثورة بقيادة محمود محمد طه ،وكانت ثورة حقيقية ذهب فيها أهالي رفاعة إلى مدينة الحصاحيصا واحتلوا مركز شرطة المدينة وضربوا نايلت وريت مدير شرطة المديرية الإنجليزي

http://alanbaa.info/new1/index.php?type=3&id=12062&bk=1

Post: #16
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 03:00 AM
Parent: #15


-----------------
كتب د.كامل ابراهيم حسن أمس الاول بجريدة الصحافة مقالا مطولا تحت عنوان(لن نجزع...فالشهيد حي بيننا)...حيث يحيى هذا المقال ذكرى محمود محمد طه زعيم (الأخوان الجمهوريين)...تلك الجماعة التى ماتت بموت زعيمها... وربما لاول مرة فى تاريخ الجماعات الفكرية والعقائدية أن تموت جماعة بموت منّظرها ومؤسسها
http://alanbaa.info/new1/index.php?type=3&id=17725&bk=1

Post: #17
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 03:01 AM
Parent: #16


كتب اسحق أحمد فضل الله:
====
* وان الخطة جاءت تستبدل خرطوم مونتير بصحيفة الصحافة التى اصبحت«وكراً للشوعييين» اللهم الا ان تبلغنا الاستاذة آمال عباس ان الشيوعيين الذين يزحمون الصحيفة قد تابوا توبتهم المشهورة= والتى جعلتهم ايام حزب محمود محمد طه يعلنون انهم قد اصبحوا يصلون صلاة الاصالة التى لاركوع فيها ولاسجود(الشيوعيون قالوها وهم يتسللون إلى الحزب الجمهوري).
http://alanbaa.info/new1/index.php?type=3&id=16764&bk=1
-----------------

Post: #18
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 03:02 AM
Parent: #17


لا أرى أي داعٍ لنقل المزيد لأن الأمر كما يقول أهلنا ( الجواب معروف من عنوانه) ولكن نسي المفكر العلامة البحر الفهامة دونالد بايبيس(تقدس سره) شخص ثالث لا أفهم أي سبب لعدم ذكر اسمه طالما ذكر (فرج فوده ومحمود محمد طه)، الآ وهو سلمان رشدي أليس هو أيضاً مفكر (إسلامي) مثله مثل طه وفرج فوده!!؟.
الشيء بالشيء يذكر، هناك أغنية للممثل محمود عبد العزيز في فيلم ( الكيف) قال فيها ( يا حلو بانت لبتك أول ما دابت قشرتك) ما رأيت أنسب من هكذا مطلع لأغنية أهديه للعلامة البحر الفهامة دونالد بايبيس!! ...
http://alanbaa.info/new1/index.php?type=3&id=19858&bk=1
--------------

Post: #19
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 03:03 AM
Parent: #18


واستعرض عدداً من القضايا المتعلقة بالنشر كقضية محمود محمد طه وقضية حل الحزب الشيوعي وما اشير حول المادة «105» وقضية نصر الدين السيد الذي اتهم باثارة الكراهية ضد الدولة وتمت محاكمته وفقاً لنفس المادة وقضية الصول نصر ورفض المحكمة الدستورية لمحاكمته امام المحكمة العسكرية
http://alanbaa.info/new1/index.php?type=3&id=20871&bk=1
__

Post: #20
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 03:04 AM
Parent: #19


كما حدث في جماعة محمود محمد طه (الفكر الجمهوري) منذ ان مات مؤسسة الفكر ماتت الفكرة ولم يظهر ما يقود العمل في هذه الجماعة
http://alanbaa.info/new1/index.php?type=3&id=8047&bk=1

Post: #21
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 03:14 AM
Parent: #20


ومن الرأى العام
====
تحت الضوء

أسماء محمود محمد طه بعد (17) عاماً من الغياب

تروى قصة والدها .. وتكشف مزيداً من أسرار تلك الايام...

حاورها / ضياء الدين بلال-تصوير / ابراهيم حامد

بثوبها الابيض وابتسامتها الناصعة ،كانت اسماء ابنة الاستاذ محمود محمد طه وابرز القياديات الجمهوريات فى وقت مضى ، والعائدة الى الوطن بعد غياب اقترب من ان يكمل ثمانية عشر عاماً ، وابتعاد عن اجهزة الاعلام فاق تلك المدة،كانت اسماء تجيب عن اسئلتنا التى تفرض عليها محددات المهنية والصراحة ان تكون( قاسية) بعض الشئ خاصة على من يملك الاجابات التى تخرج منهم من تحت الاظافر، ولكن يفعلون ذلك معك بود يلقى عليك كثيراً من الحرج وان اصابهم بكثير من الألم ، كان الحوار مع اسماء اقرب للتداعى الحر ،ينتقل من العام الى الخاص والى الخاص جداً احياناً ،دون ان يلتزم بالمنهج الارسطى (مقدمة وموضوع وخاتمة) ولا بذوق المتصوفة الذى قد يحافظ على سلامة الخاطر وان اصاب الاذى الفكرة، ولان اسماء قلّما تحدثت بعد رحيل والدها الاستاذ محمود محمد طه ، لهذا كان الحوار معها بطعم مختلف وكانت اجاباتها بثبات جميل وسماحة ناجعة.

--------------------------------------------------------------------------------


* قبل ان نتحدث معك عن العودة ،فلنبدأ بالحدث عن الخروج من الوطن باي حيثيات تم؟

= خروجي كان فى 1990 قبل العيد الاول للانقاذ ، وكان ذلك قراراً سياسياً ولكن رتبت له ونفذته بطريقة شخصية ،عندما جاء انقلاب عمر البشير كنت فى حاجة لبعض الوقت لمعرفة وجهة الانقلاب وعندما ثبت لى انه انقلاب يمينى وسيسير فى ذات الخط الذى سارت عليه مايو فى اخريات ايامها وهى تطبق قوانين سبتمبر وما اصابنا من هذه القوانين من مأساة شخصية وعامة باغتيال الوالد والصورة التى تم بها الاغتيال،ادركت وقتها (انو انا ما عندي مكان فى البلد دي) فاما ان اطأطيء رأسى لهذ الواقع الجديد او اقاومه وأقع تحت طائلة قوانينه القمعية ،فكان خياري الرحيل من البلد والبحث عن بلد آخر يوفر لي حياة كريمة انا وابنائي.

* استاذة اسماء ..حتى فى ايام الديمقراطية كان حماسك فاتراً تجاه العمل العام ،هل كان ذلك لوقع حدث اعدام الوالد محمود محمد طه عليك ؟

= صحيح ،لم نكن كجمهوريين متحمسين للعمل المنظم وذلك لطبيعة الفكرة الجمهورية نفسها فهى فكرة (عندها صاحبها متولي امرها ونحنا تبع له.. ) والفكرة لها جذور وارتباطات دينية اكثر من كونها عملاً سياسياً فقط ، وبها تعقيدات تصعب من العمل فى غياب ''صاحبها''.

* يبدو ان هذا مصدر ضعف الفكر الجمهورى ، اعتماده على فردية القيادة ومركزيتها ،فالافكار والرسالات يجب ان تكون لها قابلية ذاتية للبقاء والاستمرار فى غياب مطلقها؟

= انا اتفق معك فى ان الافكار لا تموت ، الافكار الجمهورية باقية ولكن انا اتحدث معك عن العمل التنظيمى ، ويمكن ان تلاحظ ان معظم ما دعا له الاستاذ هو الآن فى طريقه للتحقق على ارض الواقع ،منها دعوته لحل مشكلة الجنوب سلميا والتى كانت من اسباب اغتياله حيث كانت من ضمن ما جاء فى بيان (هذا او الطوفان) ،وتجد الآن الحديث عن قضايا المرأة ومساواة الرجال بالنساء.

* استاذة اسماء باحساسك كبنت تجاه والدها احكى لنا اللحظات الاخيرة قبل اعدام الاستاذ محمود؟

= هى ايام فوق الوصف، ولا استطيع ان انقلها لك بذات الاحساس الذى كان وقتها ،نعم الاشياء كانت متداخلة وانت تنظر لوالدك مقاداً الى الاعدام ،وهو يبتسم للخطر القادم ويلفت نظر المحامين الذين جاءوا لنصرته لمحكومين آخرين معه بالسجن ليتبنوا قضاياهم، وهو محكوم عليه بالاعدام ،ونحن جزعين عليه و حالة الاطمئنان التى يعيشها تنسحب علينا فى مرات وتنسحب منا فى مرات أخرى.

* ماذا دار بينكما فى اللحظات الاخيرة ؟

= لم تكن هنالك فرصة للالتقاء به بصورة منفردة ،فقد كنا نذهب اليه كمجموعة ،ولكن فى مرة اقترب مني وقال لى (الموضوع دا حيتم. ثقي فى الله ، وارضى بحكمه)،كانت لتلك الكلمات وقع اصابني بكثير من الحزن.

* باحساس البنت تجاه والدها ،هل حاولت ان تؤثري عليه كي يتراجع عن آرائه امام المحكمة ؟

= كنت اعرف تماماً انه لن يتراجع عن افكاره.

* ألم تحاولي معه ؟

= كنت اتمزق من داخلي ولكن تربيته لى كانت تمنعني من ان اطلب منه التنازل عن افكاره.

* هل كانت لك قناعة وقتها ان الاعدام لن يتم ، وان هنالك تدخلاً بشرياً او غيبياً سيحول دون ذلك ؟

* صمتت فترة.

=ثم قالت : كنت اعتقد ان هنالك شيئاً سيحدث سيؤجل التنفيذ (كنت حاسة انو فى شئ سيحدث حيغير مجرى الاحداث)..كان ذلك نابعاً من قناعة واعتقاد ديني.

* الى متى كانت هذه القناعة ترافقك ؟

= الى آخر لحظة ،عندما علمت ان التنفيذ قد تم كانت بالنسبة لي مفاجأة كبيرة.

* هل كنت من ضمن الحضور بسجن كوبر ؟

=لم اكن هنالك فقد منعتنا السلطات الامنية من الحضور لمحل التنفيذ، كانت قوات الامن تحيط بمنزل خالتى بكوبر حيث كنا هنالك (اصلو نحنا كنا.......)

صمتت لفترة(........)

* قلت : هل كان اتباع الاستاذ محمود يتوقعون حدوث مفاجأة غيبية تمنع تنفيذ الاعدام؟

= انا حدثتك عن قناعتي الشخصية ، ويمكنك ان تسأل الآخرين عن قناعاتهم ، هذا امر شخصي.

* قيل ان دكتور القراي ودالي كانا يرددان بجامعة الخرطوم قبل يوم من اعدام والدك، بأنه لن يعدم لان قوة غيبية ستتدخل؟

= نعم ..هنالك من كان له هذا الرأي.

* هل اعدام الاستاذ محمود كان له اثر على تزعزع قناعتكم بأطروحته الروحية ؟

=( الاعدام جعلني آخذ وقفة ،لا فى سلامة الاعتقاد ولكن حول مقولاته بان الكبار يجب ان يفدوا الصغار مثل الشيخ الرفيع الذى فدى الناس من الجدري والشيخ طه الذي رفعت وفاته وباء السحائي ، وهو كان يرى فى القوانين وباء يستحق التضحية)

* المجموعة التى تراجعت عن الفكر الجمهوري بالمحكمة ،هل تم ذلك برضاء الاستاذ محمود ؟

= نعم ..الى حد كبير..!

على ما اعتقد هو اراد ان يفدي المجموعة التي كانت معه، عكس عدد من السياسيين يدفعون بالشباب الى المخاطر ويكتفون هم بالتنظير فقط.

* هل اقنعهم بالتنازل عن الفكر الجمهوري... عفواً اريد معلومة لا رأياً شخصياً؟

= لا استطيع ان اجزم بذلك ، لكني استمعت الى ان الاستاذ قد اطلق بعض الاشارات التى تؤكد ذلك.

* بعد الاعدام تفرق عدد كبير من الجمهوريين بين التيارات المختلفة العلمانية والاسلامية ،كيف تنظرين لذلك ؟

= الفكرة الجمهورية مختلفة عن التنظيمات الأخرى التى من طبيعتها الاحتفاظ بعضويتها بغض النظر عن المفارقات والتناقضات التى تحدث،الفكرة الجمهورية مطروحة كفكرة يتم الدخول اليها بقناعات محددة ويخرج منها اذا اهتزت هذه القناعات فى مرحلة ما ،نحن ليس لنا سجل للعضوية ولا مصالح حزبية.

* ألم يكن هنالك هيكل تنظيمي للجمهوريين ؟

= هنالك هيكل تنظيمى يقوم على الترتيب الروحي المتعارف عليه بيننا.

* ألم يكن هنالك خليفة للاستاذ محمود ؟

= (لا ما كان فى خليفة )

* فى اية لحظة من اللحظات ألم يناقش الاستاذ مستقبل الحزب الجمهورى فى حال غيابه؟

= لا. لم يتم ذلك !

فقد كان على اعتقاد ان فكرته ستنتصر.

* بوجوده ام فى غيابه ؟

=لم يحدد ذلك ،ولكنه كان يعتقد ان افكاره هى قبلة العالم وحاجة الانسانية والبشرية.

* هل كان يعتقد انه هو المسيح المحمدي ؟

= أبداً (مافى كلام وارد زي دا )..هذا مقام يختار له الله من يشاء ، والاستاذ لم يذكر ذلك فى كتبه.

(.......)

* هو لم يكتب ذلك ولكن كان يعلم ان اتباعه يعتقدون انه هو المسيح المحمدي ؟

= هنالك كثير من الصوفية يعتقدون فى مشائخهم انهم اصحاب مقامات معينة ،ليس على الاستاذ ان يحدد اعتقاد الآخرين فيه ، والذين عاصروا الاستاذ رأوا فيه كمالات لم يروها فى دعاة آخرين.

* أنت معه فى البيت هل رأيت فيه ،بعض الخوارق والما ورائيات؟

= طبعاً الفكرة دينية روحية فكثير ما يحدث ما هو مبهر واهم من ذلك قوة الفكرة وتطابق العمل مع الفكر ،وهذه كرامة فى زمن يقول فيه الناس ما لا يعملون (الاستاذ كان البقولو بعملو) ،والاستاذ قال ان الكرامة هى الاستقامة الفكرية وهى كرامة القرن العشرين.

* هل كانت هنالك خوارق تحدث له ؟

= لعدد كبير كان يحدث ذلك.

* انا اتحدث معك عن الاستاذ محمود ؟

= هنالك من يروى احداثاً كثيرة تنبأ بها الاستاذ وحدثت بالفعل.

* هل مرت بك انت بشكل شخصى ؟

= نعم ، ولكن لا اعتقد ان هذه هى المناسبة الافضل لذكرها.

* قيل انه فى العام 1979 بالهايد بارك بلندن اعلن بعض الجمهوريين ان المسيح المحمدى سيظهر قبل انتهاء القرن الرابع عشر؟

= هذه قناعاتهم ولا ارغب فى مناقشتها.

======
* هل صحيح ان والدك كان لا يؤدى العبادات الشرعية من صيام وصلاة وحج ؟

= (دا كلام فارغ )..!

الاستاذ له كتاب بعنوان (كيف تصلون؟ ) يتهم فيه المسلمون بأنهم لا يصلون رغم انهم يملأون المساجد , ولكن صلاتهم هذه لا تنهيهم عن الكذب والنفاق والفحشاء والمنكر و ......



مقاطعة

* هل ذهب الى الحج ؟

= لا ..!

قد يكون ذلك مرتبطاً بالاستطاعة



هل كان ذلك مترتباً على موقف فقهى وفكرى ام عن عدم الاستطاعة ؟ *

= هو له موقف فكرى اتجاه الدعوة لكل العبادات , فهو يرى ان العبد يترقى بهذه العبادات الى مراق يصبح فيها على علاقة خاصة بالله

*هل تسقط العبادات حينها ؟

= يسقط التقليد ولكن لا تسقط العبادات

*العبادات كأداء هل تسقط مع ذلك الترقي؟

= (الاستاذ لم يكن يصلى مثل صلاتنا دي لكنو كان بصلى )

*كان يصلى مثل من ؟

= لم يكن يصلى الخمس اوقات (ارجو ان ترجع الى كتاب رسالة الصلاة لان هذا امر كان يخص الاستاذ )

* كم كان يصلى من الخمسة اوقات ؟

= هو كان يصلى أكثر من الخمسة اوقات لان نفسه الصاعد والهابط كان صلاة ,وهو يرى ان العبادة يجب ان تكون اسلوباً للحياة تجلب الخير للناس وتمنع عنهم الشر

* وماذا عن الصيام ؟

= كل عباداته كانت خاصة به لانه اصيل فيها (ارجو ان ترجع فى ذلك الى كتبه لانها هنالك مفصلة بشكل اكبر )

* هل هنالك من الجمهوريين من وصل ذلك المقام ؟

= لا..!

صمتت فترة

ثم قالت :هذا على حسب علمي

* ولا اظن ان ذلك حدث فى التاريخ ؟

= نعم دعوته غير مسبوقة ,هنالك نماذج لبعض الصوفية مثل الشيخ احمد البدوي لهم شرائعهم الفردية

* هل كان يحثكم كابناء على الصلاة ؟

=بصورة اشد واكثر من الآخرين (فى وقت معين كنت انا شخصياً اغتسل عند كل صلاة ولا اصلى بالوضوء العادي )

* في اية لحظة من اللحظات ألم يساورك شك فى شرعية هذا الامر ؟

= ( انا من المعايشة الشخصية لللنموذج الذى حققه الاستاذ من استقامة ومن تطابق بين القول والعمل كانت كافية تماماً باقناعي والقضاء على اي شك )

* وعندما اعدم انهار كل شئ ؟

= التجسيد مهم , فى غياب الاستاذ فقدت الكثير ,علاقتي بالعبادات لم تعد كما كانت لم اعد اجد فى صلاتي ما كنت اجده من قبل



* يبدو ان هنا تكمن ازمة الفكر الجمهورى انه ارتبط بشخص القائد وذهب بغيابه ؟

= من الطبيعي ان يكون هنالك اثر عاطفى ونفسى لغياب القائد الروحى ولكن الافكار تظل ثابته وقوية,وافكار الاستاذ الان منتشرة بين الجميع وان لم تنسب اليه

* يتعجب الكثيرون من دعوة والدك للاعتراف باسرائيل ؟



= هو اشار من المراجع التاريخية الى وجود حق للاسرائيلين بفلسطين ,ودعا للتسامح والعيش معاً ,الفكرة الاساسية انه اراد ان يقول اننا كعرب ليست اسرائيل هى ازمتنا ولكن الازمة فى تصوراتنا وسلوكنا الذى يعبر عن قشور الاسلام وقشور المدنية الغربية



* قيل ان دعوته المبكرة للاعتراف باسرائيل فاضت على اتباعه بعد رحيله منحاًَ ومعاملات خاصة فى الدول الغربية ؟

= ( هذا غير صحيح انا ابنة الاستاذ عندما ذهبت لامريكا كنت اعمل فى مطاعم ماكدونالد انظف واعمل , واكملت دراستى الى ان وجدت العمل المناسب ,ولم تقم اية جهة باحتضاننا كما يشاع )



.



* هنالك من يقول ان ازمة الجمهوريين انهم يراهنون على التغيير لا عبر الجماهير ولكن عبر الحلول الالهية الجاهزة ؟

= لان الفكرة اديمها روحي والتسيير فيها تسيير مطلق على هدي الارادة الالهية

* كيف كنتي تفصلين بين محمود الأب ومحمود القائد الروحى.. بالنسبة لك؟

= الاستاذ محمود كان يعامل الجميع كابنائه حتى انهم كانوا ينادونه (ابوي الاستاذ),نعم رغم ذلك كان بيننا ماهو خاص واسرى

*ماذا كان يدور بينكم كبنت وابيها ؟

=كثير ما كان يوجهني لبعض الاشياء وينصحني ببعض النصائح التى قد لا يلقيها على آخرين ,وعندما اخطئ يعاقبني بالعزوف ,وكان ذلك عقاباً قاسياً بالنسبة لي

* ومتى كان يتعامل معك كأب فقط ؟

= عندما تكون هنالك جلسة خاصة تجمعني به دون حضور الآخرين, وهذه لحظات نادرة , كان يتحدث عن التضحية التى نقدمها كأسرة لا تستمتع كثيراً بالجلوس مع والدها, لانه كان يعلم ان ذلك يصيبنا ببعض الحزن (لماذا لايكون والدنا اباً عادياً لا يجابدنا فيه احد) , ولكن مع الزمن كنا نشعر بأن تلك تضحية قليلة امام الغايات العظام

* هل كنتم تشركونه فى شؤونكم الخاصة كبنات , وكيف كان ينظر لعلاقتكم بالجنس الآخر, واين تقف خطوطه الحمراء ؟

= الخطوط الحمراء تبدأ عنده وتنتهى بالمسؤولية الكاملة عن التصرفات ,وهنالك حدود يجب الا يتم تجاوزها ,فكرياً لم يكن له مانع من الاختلاط بين النساء والرجال فى المجالس العامة

* كيف كان ينظر للخلوة بين المرأة والرجل ؟



= كان يتعامل على اساس ان الشريعة تمنع الخلوة ,والمجتمع يرفضها



* هل الاعتبار الاكبر كان يعطيه للمجتمع ام للشريعة,والمعروف ان له رؤية اخرى للشريعة ,تتناقض مع ماهو سائد ومتفق عليه ؟

= هو يعلم ان المجتمع ملتزم بقواعد ضابطه لسلوكه,ومسألة العرض يصعب تصحيح اخطائها,نعم فالمجتمع مقدم عنده على الاعتبارات الآخرى ,وهذا لا يعنى الاستسلام للعادات والتقاليد السيئة ,فكان مقترحه بلبس الثوب الابيض وعدم الافراط فى استخدام الزينة



*هل كانت تلك ارشادات تنظيمية ام دينية ؟

= هذه اعتبارات سودانية متدينة والثوب الابيض زي ساتر وغير مقيد للمرأة ,وكل ما المجتمعات ترقت وتطورت والنظرة للنساء اصبحت انسانية أكثر من كونها انثوية فان الزي سيخف فى شكله و مستواه و.....

مقاطعة

*ماذا تقصدين بأن الزي "سيخف" ؟



= بمعنى سقوط القيود الكثيرة التى تثقل بها النساء, ومنها ذلك الزي الذى ترتديه بعض النساء مثل ما هو بالخليج وبعض الدول الأخرى باعتباره شرعياً

* وما حدود الزي الشرعي بالنسبة لكم ؟

= هو ما يكفى للحشمة التى يرتضيها المجتمع

* انتم فى ذلك تريدون مسايرة المجتمع والتماهى معه ولا تسعون لتغييره على عكس اصحاب الافكار والمعتقدات؟

= الفكر الجمهورى لا يريد ان يقفز بالمجتمع الى مدى أبعد من طاقته وحاجته للتغيير ولا يساير المجتمع الجاهلي فى عاداته وتقاليده السيئة

* كانت لكم علاقة جيدة بالنميري وبمايو حتى انه اهدى احد كتبه للاستاذ محمود.. هل تطبيق القوانين الاسلامية فقط هو سبب الانقلاب فى هذه العلاقة ؟

= نحن ساندنا مايو لانها كانت حائلاً بين الشعب والهوس الدينى والطائفية ,وعندما سلمت مايو نفسها للاخوان المسلمين بل اعطت الهوس الدينى السلطة والقوة ,لذا سحبنا ذلك السند وانتقلنا الى معارضتها

*كنتم سلبيين جداً تجاه الديمقراطية وعوناً للشمولية ؟

= لم تكن هنالك ديمقراطية, كانت هنالك طائفية تستغل الجماهير وتفسر الدين حسب مصالحها الخاصة ,الصادق المهدى نقض حكم محكمة دستورية فى قضية حل الحزب الشيوعى وقال ان سلطة الجهاز التنفيذى فوق احكام المحكمة الدستورية , و الاتحاديون كانوا يريدون تمرير الدستور الاسلامى

* لكن كنتم اكثر قسوة على الصادق المهدى ؟



= لان الصادق كان له بريق وسط الشباب الذين ظنوا انه قيادى مستنير , وهومسيطر على قطاع واسع من المستغلين وهم طائفة الانصار



* هل تعتقدين انه كان سعيداً بغياب والدك ؟

= لا استطيع القول ان له دوراً فى ذلك لكن اعتقد انه بارك ما حدث , المهم ان دوره كان سلبياً

*قيل ان الترابي كان معترضاً على اعدام محمود ؟



= الترابي كان وراء ما حدث



* ما الدليل على ذلك ؟

=تصريحات عديدة اطلقها الترابي وقتها



*هل ترين فى آراء الترابي الاخيرة اعادة لآراء والدك ؟

= الى حد كبير ذلك صحيح ,نحن عندما كنا نتحدث عن حقوق المرأة والمساواة بينها والرجل وعن تطوير التشريع , الترابي كان يهاجمنا فى ذلك , الان اصبح يتبنى هذه الآراء وينسبها لنفسه

* الاستاذ محمود فى مستهل الخمسينات قاد ثورة برفاعة ضد منع الخفاض الفرعوني وطور افكاره بعد ذلك ؟

= موقفه كان اعتراضاً على تدخل الانجليز فى الشؤون الداخلية, وفى مسألة تمس حياء المرأة السودانية ,و كان ذلك موقفاً سياسياً ضد الانجليز وبداية للثورة عليهم أكثر من كونه مناصرة للختان الفرعونى

* حتى بعد ذلك لم يسجل له موقف صريح ضد الختان الفرعوني ؟



= كان له كتاب عن الختان الفرعوني ووصفه بأنه عادة ذميمة ,ولكنها فى فترة من الفترات خدمت غرضاً, على اعتبار الاعتقاد بأنها جزء من الفضيلة والعفة بالنسبة للمرأة ,وقال ان محاربتها لا تتم عبر القانون ولكن عبر التربية



*كيف تنظريين لمحاولة اعادة تنظيم الجمهوريين مرة اخرى ؟

=لا ارى ذلك مفيدا ,ً فالفكر الجمهورى اصبح ملك الجميع ,واقصى ما يمكن القيام به اعادة طباعة كتب الاستاذ وتوزيعها على نطاق واسع وترجمتها وهذا ما نحاول القيام به الآن من امريكا واماكن كثيرة

* كأسرة لماذا لم تهتموا بالبحث عن قبر والدكم ؟

= كانت هنالك مساع ومناقشات ايام الديمقراطية لكنني كنت زاهدة فى ذلك

* اذا كانت اسباب خروجك من السودان اعتبارات سياسية كما ذكرت من قبل.. ماذا تقولين عن العودة فى هذه الايام؟

= لم اكن اتصور ان اعود فى ظل هذا النظام ولكن اعتبارات اسرية ومتغيرات سياسية - منها اتفاقية السلام - هى التى جعلتنى بالخرطوم الآن .

أسماء محمود محمد طه بعد (17) عاماً من الغياب-لهذه الاس...د للاعتراف باسرائيل


http://www.rayaam.net/news/tag2.htm

Post: #22
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 04:06 AM
Parent: #1


لذلك تظل خلافة الرجل الأول فى السودان مشكلة ويظل غياب الزعيم مشكلة اكبر مثلما غاب الازهرى فى الإتحادى وكذلك غياب الاستاذ محمود محمد طه فى الجمهوريين حيث غاب أثرهم بغيابه.


http://www.rayaam.net/syasia/syasa2.htm

Post: #23
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 04:08 AM
Parent: #22


على العتبانى
===
وكذلك هنالك الاستاذ محمود محمد طه الذي تحلقت حوله صفوة سودانية كانت تراه كذلك (مهدي الله) و(قوس الزمان) و (شاهد الوقت) وهو أيضاً مات ميتة درامية .. ومحمود محمد طه كان أول من دعا في الشرق الاوسط بالاعتراف باسرائيل في كتابه (مشكلة الشرق الأوسط) والآن نصبت الدوائر اليهودية تلامذته كدعاة للاسلام الجديد.. فاذا كان جون قرنق يدعو للسودان الجديد فإن محمود محمد طه اصبح تلامذته يدعون إلى الاسلام الجديد وما أسماها بالرسالة الثانية للاسلام. ومضى محمود إلى ربه ولكن تلامذته أصبحوا الآن نجوماً في أروقة عدد من الجامعات العالمية المخصصة لمثل هذا النشاط.. كما انهم اصبحوا نجوماً في منظمات حقوق الانسان كـ ه(African Watch) و Human Rightes وغيرهما من مؤسسات حقوق الانسان . بل نما إلى علمنا أن عدداً من الدول الاسلامية كأندونيسيا حينما يجيء ذكر عن الاسلام يذكرون محمود محمد طه . ونحن لا نريد لإسلام محمود محمد طه أن يكون الاصل في العالم . ولكننا نقول ان الانسان عندما يكون له فكر واضح سواء كان باطلاً كأفكار الفلاسفة وغيرهم أو كان حقاً .. فإن هذا الفكر سيظل يتردد ويحوم وتنسج حوله الأسمار والأباطيل وتنسج حوله الاساطير.





http://www.rayaam.net/articles/article1.htm

Post: #24
Title: رد
Author: Mohamed fageer
Date: 04-02-2008, 04:30 AM
Parent: #1

Quote: محمد عبد الكريم عبدالله خامسه طب بيطري
علي حسب علمي ان المرتد محمود محمد طه في البدء لم يات بجديد وانما ردد اقوال السابقين من الصوفيه امثال الحلاج وابن عربي،وهذا هو الذي ادي به الي الوقوع في الردة وان قتله كان جزاءً له وإن لم يعدم فانه كان سيكون رمزاً للغرب ومدعاة للفتنه.

أي رمز وأي غرب؟؟؟؟؟

Quote: فاطمه عبد الوهاب ثالثة قانون
الحقائق غير واضحه لا اعرف علي وجه التحديد ما حدث.. نتمني ان يكون شهيداً.

أهلاً وسهلاً

Quote: عاطف عوض الجيد الريح رابعه اداب
لم اسمع به اطلاقاً.

أهلاً وسهلاً


Quote: فاطمه الريح ثالثه اداب
لم اسمع بهذا الشخص ابداً وماعارفه من اعدمه ولماذا.

أهلاً وسهلاً

Quote: هاله محمد احمد ثالثه اداب
ليس لدي معلومات عن هذا الموضوع.

أهلاً وسهلاً

Quote: نسرين مساعد اداب
لااعرف عن هذا شي.

أهلاً وسهلاً

Quote: فاطمه الريح ثالثه اداب
ليس لدي اي فكرة عن هذا الموضوع.

أهلاً وسهلاً

Quote: منال محمد ثالثه اداب
لااعرف شي عن هذا الموضوع.

أهلاً وسهلاً

Quote: تهاني حسن
محمود محمد طه شيوعي واعدامه حق وفكرة منحل.

أهلاً وسهلا
أهلاً وسهلاً بهم في دولة المشروع الحضاري، في جامعة الخرطوم ولم يسمعوا عن محمود محمد طه، ومن سمع عنه صنفه شيوعياً منحل الفكر!!!ً
ـــــــــــــــ
Quote: حد الردة الذي طبق في محمود محمد طه صحيح ولكن كان لاهداف سياسية بحتة ومحمود محمد طه قد انكر ما هو من الدين بالضرورة مثل إنكارة الصلاة بهياتها وحركاتها المعروفه.

رغم أنه لأسباب سياسية بحتة إلاّ أنه صحيح،،،، عجيب!!!


Quote: زينب عوض قانون
ان اعدام محمود محمد طه من اكبر الاخطأ القانونية التي وقع فيها القضاء السوداني انذاك لان عمره قد تجاوز السبعين وبالقانون لايجوز اعدام من تجاوز السبعين كما ان الردة لم تكن معاقبا عليها وفق القانون الذي طبق فيه.


يحتاج الكثيرون في منبرنا هذا للتتلمذ علي يد الأخت زينب

Post: #25
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 01:05 PM
Parent: #24


من الرأى العام
مفكرة سودانية - بريطانية
محمـود محمـد طـه .. وأنصــاف الحقـائــق!


د. خالد المبارك - 19 نوفمبر 2002

النزعة الصوفية متأصلة في «جينات» كل السودانيين الشماليين . ولا عجب فقد دخل اهل بلاد السودان الاسلام - قبل واثناء وبعد المرحلة المسيحية - عبر بوابة الطرق الصوفية . لمثل هذا المدخل مزايا اهمها التسامح وازدراء الجاه السلطة الرسمية ، ومثالب ابرزها الرضوخ للشيوخ العليمين باسرار الطريقة . وقد ترك ذلك بصمات واضحة على اسلوب الاداء السياسي للقيادات الحزبية .
نستحضر كيف ان المرحوم عبد الخالق محجوب قال في احدى خطبه الشهيرة : «كل شيخ ليهو طريقته» كان يتحدث مجازاً بالطبع ، الا ان المجاز يكتسب مفعوله من بذرة الحقيقة المقارنة . فقد عامل بعض اعضاء الحزب عبد الخالق بولاء صوفي اشبه بطاعة المريد لشيخه. أي انهم نقلوا ولاءهم من السيد علي الميرغني (على سبيل المثال) لزعيم الحزب الشيوعي . ومن الملاحظات الحصيفة للشاعر الراحل صلاح احمد ابراهيم ان عبد الخالق كان يوظف عينيه الكبيرتين النافذتين بدهاء للسيطرة على الآخرين عند مخاطبتهم. ولهذا الاسلوب نظائر عند شيوخ طرق لا يجرؤ اتباعهم على النظر الى عيونهم.
نذكر في سياق مماثل مشاهد النحيب الجماعي للطالبات المحجبات عند هزيمة الشيخ الترابي في الانتخابات عام 1986م. وقد ذكر د. الترابي لمجلة المجلة (ديسمبر 1994م) انه يخشى ان تقام له «قبة» بعد وفاته . (وفي ذهنه بلا ريب الصوفي الملامتي حمد النحلاني الترابي ، احد اجداده). ثم أن تفضيل لقب «شيخ» على «دكتور» الذي قيل لنا انه جزء من العودة إلى التراث والابتعاد عن المعايير المستوردة لا يخلو من ايماءه تهدف إلى استثمار الايحاءات الصوفية الدفينة.
بكلمات اخرى : لم يفعل دعاة التمرد على الاطر والعلاقات التقليدية التي تكبل الحزبين الكبيرين شيئاً سوى تغيير رداء برداء وولاء بولاء . ستكون الديمقراطية ارسخ قدماً واكثر نضجاً في الجولة القادمة عندما ندرك ان قادة الاحزاب بشر من لحم ودم يصيبون حينا ويجانبهم التوفيق حيناً آخر وانهم ليسوا امتداداً حديثاً لشيوخ الطرق الصوفية الذين يظلون في مواقعهم حتى الوفاة «حوا والدة» داخل كل الاحزاب . «وثمة سمك كثير في البحر» كما يقول المثل العامي الانجليزي الذي استشهد به السير اليك دوجلاس هيوم عندما سئل : «من سيقود وزارة الخارجية بكفاءة بعدك؟. »!
ومن الامثلة الصارخة في هذا السياق ما استمعت اليه في شريط تسجيل (فيديو) لحفل تقديم مجلدات «الوثائق البريطانية عن السودان» التي حررها الاستاذ محمود صالح عثمان صالح راعي مركز عبد الكريم ميرغني . عبر احد المشاركين في الحفل الذي اقيم بقاعة الشارقة (جامعة الخرطوم) عن خيبة أمله لأن الوثائق لم تشمل ذكراً لنضال الاستاذ محمود محمد طه ضد الاستعمار ، رغم ان الادارة الحاكمة اضطرت الى إرسال فرقة عسكرية من الخرطوم لاخماد المقاومة التي قادها في منطقة رفاعة . ذكر المتحدث انه استاذ بجامعة ام درمان الاهلية واطرى على المرحوم محمود محمد طه وحزبه الجمهوري بلا تحفظ . القائد السياسي كشيخ طريقة مرة أخرى !.
لا ينبغي تحول الرغبة في ذكر محاسن الاموات - ولا المناداة الموضوعية بحق الاستاذ محمود في الاجتهاد - دون نقده . كما ان الاعتراض على مقتله وحرق كتبه بطريقة دعائية مرتجلة لا ينبغي أن يتخذ ذريعة للنظر اليه بعين الرضا وحدها . فقد كان آدمياً ابن انثى وقائداً سياسياً اخطأ واصاب .
اصاب حينما لم يوصد باب الاجتهاد وحينما وقف بجسارة في المقصلة النميرية.
واصاب قبل ذلك حينما دعا العرب (ببعد نظر اسطوري وبصيرة سياسية فريدة). للاعتراف باسرائيل فتجاهلوه أو استهجنوا قوله . اضطروا لقبول رأيه بعد نصف قرن وعرضوا على اسرائيل الاعتراف وحسن الجوار (في الخطة السعودية التي باركتها سائر الدول العربية) فلم تقبل اسرائيل لانها صارت قوة نووية تقف على كتف الدولة العظمى الوحيدة ولا يرضى شارونها واقصى اليمين الاصولي - المتطرف الذي يؤيده بأقل من مصير الهنود الحمر للشعب الفلسطيني. ولعل دعوة الاستاذ محمود للاعتراف باسرائيل هي السبب المباشر في الرعاية الحميمة التي ينالها اتباعه في الغرب ، حيثما حلوا.
لكن الاستاذ محمود محمد طه ارتكب ايضاً عدة اخطاء تقديرية جسيمة . حدثت انتفاضة رفاعه - التي اشاد بها المتحدث - احتجاجاً على قرار الادارة الاستعمارية بمنع الخفاض الفرعوني . قيل للعامة:
يريد الانجليز ان يتدخلوا في كل شيء حتى (.......) بناتكم ! وفعلا ثار الناس حماية للشرف الرفيع وكان على رأسهم الاستاذ محمود . كان موقفه ذلك متخلفاً ورجعياً في مواجهة قرار «تحديثي» جريء وسليم . انتفاضة رفاعة المزعومة ليست من مآثرنا في النضال ضد الاستعمار بل هي من مخازينا . ويقع وزرها على كاهل الاستاذ محمود محمد طه . قيل لنا انها مثل اضرابات الطعام في المدارس واضرابات زيادة الاجور العمالية ، مجرد ظواهر اجتماعية لمضمون سياسي هو رفض الاستعمار .
وهذا دفاع واه لأن الاستاذ محمود لم يراجع موقفه علناً او يذكر مبرراته بعد نيل الاستقلال وقد اخطأ الاستاذ محمود ايضاً كقائد سياسي حينما جعل الحزب الجمهوري «حزب فرد» تلف حوله كل اللوالب الادارية والفكرية . فلما قتل مات معه الحزب . عقلية شيخ الطريقة الموروثة هي المسؤولة عن ذلك . اذا لم يعد الشيخ ابناً او خليفة ليحل محله فان الطريقة تتلاشى تدريجياً .
فضلا عن ذلك فان عدداً من ابناء جيل الاستاذ محمود محمد طه اعجبوا به وشجعوه ثم انفضوا من حوله عندما ادركوا انه يدعى قدرات معينة . ولا يزال بعضهم على قيد الحياة ، وهم اقدر مني على سرد التفاصيل . صفوة القول ان ظاهرة اضفاء ثقل ومكانة ووزن شيوخ الطرق الصوفية على الزعماء السياسيين تشمل الاستاذ محمود محمد طه وغيره. وهي تتجذر وتستمر طالما واصلنا الحديث عن القادة بانتقاء يسلط الضوء على الايجابيات فحسب ويضلل الشباب لأنه ينطلق من أنصاف وأسداس الحقائق ويغذي «جينات» النزعة الصوفية المتأصلة في افئدة السودانيين .


هامش:

الظاهرة المشار اليها اعلاه ليست فريدة ولا تقتصر على السودان الشمالي وحده . فبعض قادة الحركة الشعبية لتحرير السودان يصورون تمردهم باعتباره تحقيقاً لنبوءة عراف قبيلة النوير الذي ذكر «الحرب الاهلية السابقة لانتهاء المعاناة» . وهم بهذا لا يستمدون شرعية من مجرد غضبة دنيوية ناجمة عن التهميش والاجحاف فحسب بل يكسبون قيادتهم ابعاداً دينية مصيرية من شأنها ان تمنحهم هيبة اضافية وتقيهم سهام النقد.
ويواجه قادة حزب العمل في بريطانيا ظاهرة مقارنة حينما يقلصون عدد «لوردات الوراثة» ويسعون لتحجيم مجلس اللوردات . منطقهم هو ان الهالة الارستقراطية الموروثة من القرون الغابرة ليست رخصة للبت في مصير البلاد والعباد . وقد كان لهذه الهالة الارستقراطية بعد ديني (كان الملك يعالج الناس بوضع يده على رؤوسهم ! مثل شيوخ الصوفية). والمعروف ان كلمة لورد كانت مفتاحاً لابواب الثروة والسلطة الى ان حلت الطبقات الرأسمالية الجديدة - بعد الثورة الصناعية - محل ملاك الاراضي وصارت المصانع عصب الاقتصاد وصار مجلس العامة (العموم) الذين كانوا محرومين حتى من حق التصويت هو محرك السلطة الممسك بمقاليد الامور ، وان ظلت الملكة - رمز المؤسسة الحاكمة القديمة - رأساً صورياً للدولة

Post: #26
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 01:07 PM
Parent: #25


بسم الله الرحمن الرحيم

محمود محمد طه .. الحقيقة الكاملة
عبد المطلب بلة زهران - 1 ديسمبر 2002

خلص الدكتور خالد المبارك فيما تكرمت صحيفتكم صباح يوم الإثنين 18 نوفمبر 2002 بنشره في باب "مفكرة سودانية بريطانية" في مقاله جيد المبنى والأسلوب بعنوان "محمود محمد طه .. وأنصاف الحقائق"، إلى أن: (صفوة القول إن ظاهرة إضفاء ثقل و مكانة ووزن شيوخ الطرق الصوفية على الزعماء السياسيين تشمل الأستاذ محمود محمد طه وغيره، وهيّ تتجذر وتستمر طالما واصلنا الحديث عن القادة بانتقاء يسلط الضوء على الإيجابيات فحسب ويضلل الشباب لأنه ينطلق من أنصاف الحقائق ويغذي "جينات" النزعة الصوفية المتاصلة في أفئدة السودانيين.) ذلكم ما أنتهى إليه الدكتور وهو بسبيل مما ورد في استهلال مقاله الذي استدل عليه بما استحضره من كيف أن طيب الذكر المرحوم عبدالخالق محجوب قد حًظيّ من بعض أعضاء حزبه بولاء صوفي، وهو، وبشهادة الراحل صلاح أحمد إبراهيم، قد طالما هيمن بمقلتيه على محدثيه كما مرّد عليه شيوخ طرق لا يجرؤ أتباعهم على النظر اليهم عيناَ لعين. وذكر الدكتور، استدلالاَ آخرعلى طرحه، نحيب من ثكلنّ هزيمة الترابي في انتخابات 1986، ومثله من إضفاء القدسية عليه من الجماعة التابعة له حتى أنه في عام 1994 صرح الترابي لصحفي أنه يخشيّ أن تقام عليه قبة بعد وفاته، مستوحياَ ومستثمراَ الإيحاءات الصوفية المتجذرة في السودانيين. فلم يفلح من تمرد "عبدالخالق و الترابي" على الأطر والعلاقات التقليدية الني تكبل الحزبين الكبيرين، (أو قِل يا دكتور بقول الأستاذ محمود: "الطائفية"، التي له الباع الطويل في تصفيتها بمواجهتها سياسياَ وبدعوته سائر شيوخ الطرق الصوفية لطريق محمد، لتتوحد بذلك المشيخة في الشيخ الأوحد الذي لا يملك مسلم أن يتبع سواه). لم يفلحوا، يميناَ ولا يساراَ، إلا في أن حلوا محل شيوخ الطرق وحازوا ولاء من بوأهم تلك المكانة، حسب طرح الدكتور خالد المبارك.

ثم إن الدكتور قد ساق مثلاَ صارخاََ، دالاَ على طرحه، ما استمع إليه من تسجيل "فيديو" لحفل تقديم مجلدات " الوثائق البريطانية عن سودان 1940-1956 " إذ نعى أحدهم للمشاركين في الحفل خلو المجلدات من أي ذكر لنضال الأستاذ محمود محمد طه ضد الإستعمار سيما أنه قد قاد إنتفاضة رفاعة، كما تفضل الدكتور بتسميتها، التي بلغ إنزعاج الإدارة البريطانية لها أن هدأت غضبة الجمهور الثائر بأن استجابت بمكر الدهاة لمطلبهم فأطلقت سراح الجدة والداية اللتان حوكمتا وفق ما أصطكته السلطات البريطانية من قانون منع مزاولة الخفاض الفرعوني، ثم عادت ليلاَ في حماية فرقة عسكرية لإعتقال الأستاذ محمود وبعض رفاقه من سكان ديم القريداب برفاعة. وقبل أن أنتقل من هذه الفقرة أحب أن أعرف القراء الكرام والدكتور بأنيّ هو من أُغفل ذكره في قول الدكتور "أحدهم"، مع إنه قد سمع اسمي ورأى رسمي فيما نقله إلبه تسجبل الفيديو الذي سرد على القراء فلقد منّ الله عليّ أن أكون ذلك المتحدث، فعلميّ بأمر الإحتفال بمجلدات الوثائق البريطانية قد كان قبل ساعة من إفتتاحية الإحتفال الذي أمه جمع غفير من الأكاديميين والمهتمين. ولقد عجبت كيف أن الدكتور ذكرعني ما عرفتُ به الحاضرين من كوني أستاذ بكلية علوم البيئة بجامعة أمدرمان الأهلية ثم لا يذكر اسميّ، وظني أنه يذكرني من أوائل الثمانينات حين كنت أصله بمكتبه بمطبوعات الإخوان الجمهوريين، هو والبروفسير الراحل علي المك والدكتور عبدالله علي إبراهيم بمكاتبهم بدار جامعة الخرطوم للنشر حيث أدرت معهم حوارات عدة حول تلك الإصدارات. وكنت وقتها، بُعيد غياب أستاذي البروفسير مهدي أمين التوم في مهمة أنتدب لها رئيساَ لفريق إعداد الأطلس العربي، أحاضر بجامعة الخرطوم في علوم المناخ والمياه طلاب معهد الدراسات البيئية وطلاب الصف الرابع والثاني بقسم الجغرافيا بكلية الآداب التي كان ينتمي إليها الدكتور حينئذ.

وبعد! إن الدكتور قريب من الحقيقة فيما رفعني كنموذج صارخ لتأصل النزعة الصوفية في السودانيين، فقد عشت عام 1967 نكسة الأيام الستة ببريطانيا وشهدتها وكأني في الخطوط الأمامية في سيناء، مع اللواء عبدالمنعم مرتجى مستسلمَا ومعه ثلاثة ألف مقاتل!؛ وحينها وفي ذيل تلك الحسرة أحمد لله أني كنت محتوشاً بمناقب الشيخ أحمد الطيب ود البشير التي خطها في "أزاهير الرياض" يراع حفيده الشيخ عبد المحمود نورالدائم، وبديوان الأخير "شرب االكأس"، وبديوان الشيخ قريب الله "رشفات المدام" إلي جانب أرتال من الكتب العربية لحمد أمين وطه حسين وعلى رأسها مجموعة كاملة لكتابات الأستاذ سيد قطب ترتفع بمقدار ذراع إن صفت وحدها فوق بعضها، كيف لا؟! وفيها سبعة أجزاء كتابه "في ظلال القرآن"!. من كل ذلك حمدت للسادة السمانية، أن مؤلفاتهم هيأتني، في حيرتتي تلك، لاستقبال كتيب وحيد من إثنين وعشرين صفحة فقط، هو الأول الذي أقرأه للأستاذ محمود محمد طه "طريق محمد"، وقد كان فيه غناء عن تلك الكتب جميعها؛ إذ وحد الأمة علي مشيخة المصطفى وهو من زكاه العلي القدير "وإنك لعلى خلق عظيم"، وهو قد جدد دينها بتعرُفه على الثنائية (تماماَ كما جدد التعرُف علي ثنائية المادة والطاقة علم الفيزياء، أم العلوم[1]) التي إتسم بها الإسلام بين شريعة نافذة لوقتها، وأفق أعلى في السنة النبوية يُلتمس فيه التحديث حسب حكم الوقت، مراعاة للعرف الطيب حيث كان "خذ العفوّ وأأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين"، فذلك، اي العرف، الذي إجتمعت عليه البشرية بعد طول عراك ومعاناة، واليوم هو وحده الذي يفسح مخرجاَ لأمة الإسلام قاطبةَ، مما زربتهم فيه أمريكا: زريبة محاربة الإرهاب، "أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هيّ أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" فلا سبيل لأمريكا على من كان ذلك سمت وأسلوب ومحتوى دعوته، سيما وهو يرعى حقوق الإنسان لدرجة أن المزكى المصطفى يخاطب بأن ليس له سلطان على أحد "فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر" و لذلك هو، أي النبي، يخرج في مقدمة الصفوف في سبع وعشرين غزوة يُعرض نفسه للموت ثم لا يقتل! فما عرف عنه أنه قتل في غزوة إلا مقتل الشقي أبّي بن خلف إذ أصر أن يلقى النبي فرداَ لفرد.

هذا، هذا من قُرب الدكتور من الصحة في وصفي أنيّ ذو تجذر صوفي. ولقد نوهت بذلك الفضل الصوفي عليّ للدكتور حسن الفاتح قريب الله، حين لقيته مطولاَ كما لم يتح لي لقاؤه من قبل، في الإحتفال السنوي بالسيد أحمد بن إدريس ليلة السابع والعشرين من رجب الماضي، ثم إني نعيت للدكتور حسن إنقطاع أهل الطرق عن سنة جبل عليها سلفهم، في إلتماس كل منهم التأييد لسلوكه بأخذ الطريق على من تظهر نفحته من القوم السالكين. وذكرت له شأن اليعقوباب بقيادة الشيخ التوم ود بانقا في مبايعتهم الشيخ الطيب ود البشير، وكذلك فعل الصادقاب، ولقد سبق أن سجلت للدكتور حسن ذلك في كراسة للإنطباعات حرص أحد الطلاب من تابعيه أن أسجل إنطباعي عليها فهو مطلوب إذ يعكس لشيخ الطريقة أثر المعرض الذي أقاموه بجامعة أمدرمان الأهلية قبل حين. ولقد عرفت الدكتور حسن بأن نشأتي في بيئة سمانية واطلاعي على تراث السادة السمانية مهد لي الدخول في سلك السالكين "طريق محمد" بمجرد اطلاعي على أول كتاب للأستاذ محمود ولذلك شبه بتحول الشيخ التوم ومشايخ الصادقاب عن القادرية ليسلكوا الطريقة السمانية. وأنهم اليوم مرجوون لإحياء تلك السنة بالتعرف على صاحب النفحة الظاهرة (الأستاذ محمود) ويتوحدوا عليه وسردت له علامات النفحة والفيض المديد فيما قدمه الأستاذ محمود طوال سني رعايته الحزب الجمهوري، ثم ذكرته بما أشار إليه الشيخ الأكبر محي الدين بن عربي في كتابه "عنقاء مغرب في وصف خاتم الأولياء وشمس المغرب " ذلك الكتاب الذي أعادت جماعة سودانية طباعته حاذفة منه ما ظنته مؤشرات لجهة طالما صرفوا الناس عنها. ولقد عرفت الدكتور حسن أن التماس الأرض المشتركة بين أهل التصوف والأستاذ قمين بأن يجمعهم على محجة بيضاء وكلهم يرتجى له الظفر بها وهي التي بشر بها أبن عربي في أشعاره العرفانية إذ يقول في بعض منها:

لو أن النور يشرق من سناه على الجسد المغيب في اللحود[2]

لأصبح عالماَ حياَ كريماَ طليق الوجه يرفل في البرود

فذاك الأقدسي إمام نفسه يسمى و هو حيُ بالشهيد2

وحيد العصر ليس له نظير فريد الذات من بيت فريد

هذه بشارة (ووصف) قد يشارك فيها الأستاذ محمود بل وينافسه عليها الحلاج، أو قل إبن عربي نفسه ممن قتلوا جوراَ شهداءَ على رؤوس الأشهاد؛ لكن إبن العربي يصف من يعرفه بالذات المحمدية في ديوانه المحقق:

يا أهل يثرب لا مقام لعارف ورث النبيّ الهاشميّ محمدا

عم المقامات الجسام عروجه وبذاك أصبح في القيامة سيدا

صلى عليه الله من رحموته ومن أجله الروح المطهر أسجد

لأبيه آدم والحوادث نُومٌ عن قولنا وعن انشقاق قد هدى

فجوامع الكلم التي أسماؤها في آدم هيّ للمقرب أحمد

جمع الإناث إلى الذكور كلامه[3] بأخص آيات الثناء وقيد

إن الأنوثة عارضٌ متحققُ مثل الذكورة لا تكن متردداَ

الحد يجمعنا إذا أنصفتني هن الشقائق لا تجب من فند

لا تحجبن بالإنفعال فإنه قد كان عيسى قبلها فتأيد

قولي وعيسى لايشك بأنه روح الإله مقدساَ ومؤيداَ

الله يعلم صدق ما قد قلته لايصلح العطار ما قد أفسد

أدباَ مع الله العظيم جلاله فالدهر للذات النزيهة كالردى

الكاف في التشبيه يعمل حكمها وتكون زائدة إذا أمر بدا

مثل الذي قد جاء ليس كمثله من سورة الشورى وخاب من إعتدى


فهذا وصفٌ محددٌ لم يبق إبن عربي منه‘ إلا ذكر اسم الأستاذ محمود صراحة!!!


لعل الدكتور يعلم الآن، أني لم أُطرٍ على الأستاذ محمود في حديثي الذي عاب الدكتور عليّ فيه أني قد أطريت عليه (الأستاذ محمود) وحزبه بلا تحفظ، بما يؤيد طرحه "القائد السياسي كشيخ طريقة مرة أخرى" ذلك أن أبن عربي في بيته العرفاني الأخير أعلاه، مشيراً إلى نص الآية "ليس كمثله شيئ، وهو السميع البصير" لم يترك مجالاً للتحفظ إلا بقدر ما تترك العبارة "بل كنت " في الحديث القدسي حيث يقول المصطفى على لسان رب العزة جلّ وعلا: "ما تقرب إليّ عبدي بأحبّ إليّ مما أفترضه عليه وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإن أحببته صرت لسانه الذي بنطق به ويده التي يبطش بها، وسمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به،... بل كنته "، أو كما قال المصطفى.

وبعد! لا يترك هذا مزيداَ لمستزيد في متابعة تفنيد ما ذهب إليه الدكتور من أن الأستاذ محمود "قد كان آدمياَ إبن أنثى وقائداَ سياسياَ أخطأ وأصاب ". أم هل كان؟!


وبعد! إني أكتفي، لما تقدم في الفقرة الأخيرة من هذه العجالة، بأسئلة بسيطة للدكتور، ولا أنتظر إجابته عليها فهي مساقة إليه بسبيل من المؤشرات للقارئ الذكي، وشخص الدكتور أهل لذلك بجدارة أغبطه عليها، ليستكمل بقية التعرف على "محمود محمد طه..الحقيقة الكاملة"! فإلى الأسئلة:

ألا يدل بعد النظر الأسطوري والبصيرة السياسية الفريدة التي شهد الدكتور بها للأستاذ في معالجة مشكلة الشرق الأوسط "مشكلة الشرق الأوسط .. إستقراء تاريخي وتحليل علمي وحل سياسي" ماخوذا في آن مع شجاعة فذة في الصدع بالحق بان صاحبهما يأوي إلى حصن توحيد آمن، يتخطف الناس من حوله؟؟ سيما أن هاتين السمتين، أي بعد النظر والشجاعة الفذة، قد لازمتا كل عمل الأستاذ: في التعريف بثنائية الرسالة المحمدية الأحمدية؟؟، وفي تقديم حل لمشكلة الجنوب قبل أن تتفجر كأزمة ثم حرب، في كتيب "أسس دستور السودان الدائم .. لقيام جمهورية، فيدرالية، ديموقراطية إشتراكية" بين يدي تمرد الجنوب في توريت عام 1955؟؟ وفي معالجة قضايا الأسرة في: "خطوة نحو الزواج في الإسلام" عام 1971 وفي عدة كتيبات أخرى صدرت خلال عام المرأة العالمي 1976؟؟ وفي المواجهة الصارمة للقضاة الشرعيين والنائب العام، بُعيد محكمة الردة سنة 1968 وفيما بعد على مدى أعوام خلال قضية بورتسودان الشهيرة؟؟ وفيما يجري وراءه الدكتور ويشغف به، حتى وإن إستغله البريطانيون لإظهار السودان بمظهر المتخلف الذي لابد من فرض الوصاية عليه، من معالجة تحديثية جريئة لأمر الخفاض الفرعوني في كتيب الإخوان الجمهوريين "الخفاض الفرعوني" علما بأن إنتفاضة رفاعة حقيقةًَ قد كانت دفاعاَ عن حق السودانيين في الإنعتاق من التخلف والعادات الضارة بإرادتهم وبنتاج التوعية والتعليم لا قهراً بسطوة القانون ؟؟ وفي التأييد المثابر عليه لنظام نميري، في وجه معارضيه، حتي بعد أن سفه النظام رأي الأستاذ في المصالحة الوطنية سنة 1977 ومواجهته غير الهيابة للأسلمة التي زُعم أنها أساس تلك المصالحة في كتابه "الصلح خير" وعدة كتيبات أخرى واجهت زحف وقوانين الأسلمة المزعومة؟؟ وأخيراَ في المواجه الحاسمة للنائب الأول عمر محمد الطيب فيما أقترفه من تواطؤ مع العالم المصري الشيخ المطيعي في إهدار دم الجمهوريين من علي منبر مسجد التقوى الملحق جواراً بمنزل عمر؟؟ ثم ختماَ ألا يفضُل بالدكتور أن يجد تصديقاً للأستاذ محمود فيمن لزم الحزب الجمهوري من جيل الأستاذ وأعجبوا بالأستاذ و شجعوه ولم ينفضوا عنه بل التصقوا به أكثر عندما أدركوا أنه ذو قدرات معينة منتظرة طوال فترة إنتظار المسلمين لبشارة النبي الصادق المصدوق "لو لم يبق من عمر الدهر غير ساعة لأمد الله فيها حتى يبعث رجلاً من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً"؟؟ وهم كثر على قيد الحياة أذكر منهم الأساتيذ: ميرغني حمزة النصري التربوي ذو الثلاث والتسعين، يداوم يلا نظارة على قراءة كتب الأستاذ و الصحيحين، ومعلمي بمدرسة مصلحة الأرصاد الجوية إبراهيم أحمد نصار، والنقابيون من عمال السكة الحديدية: طه عبد العزيز الحسن، وعابدين حمزة أحمد ملك وعلي أحمد بشير الذين إلتصقوا بالأستاذ لطول ما داوموا عليه من رؤية تحقيق ما أرتجوا مذ عرفوه إلى أن صدع بآخر صيحة في دعوته من على مقصلة الفداء العظيم، مصداقاَ لقول ظل يسمعهم إياه أن صاحب ذاك المقام لا يقول "أنا" إلا أنه يوم يتحقق له مقامه كل العالم يسمع به، كانت تلك الصيحة المشهودة المتلفزة ضحى الثامن عشر من يناير 1985 ولم يعقبها من الإخوان الجمهوريين إلا أصداءَ لها بسبيل من توضيح "الكيد السياسي والمحكمة المهزلة" علّ هذا الشعب أن يبرئ ذمته من جريمة قتل أرتكبت على رؤوس الأشهاد .. فأشركوا فيها قهراَ، أدناهم مشاركةً بالصمت عنها حتى الآن؟؟!

أنظر يا دكتور للمتلئ من كوب الإنسان.. محمود محمد طه!! فإني لا أري الكوب ممتلئاَ فحسب، بل إنه لا تقطر منه قطرة وقد جعل أسفله أعلاه!!!
______________________
عبدالمطلب بلة زهران،
أستاذ مساعد بكلية علوم وتقانة البيئة،
جامعة أمدرمان الأهلية.

Post: #27
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 01:08 PM
Parent: #26


( مالكم !! كيف تحكمون ؟! ) صدق الله العظيم

انصاف الحقائق ام انصاف المثقفين
د. عمر القراي - 3 ديسمبر 2002

المقال الذي كتبه د. خالد المبارك في جريدة الرأي العام بتاريخ 19/11/2002 تحت عنوان "محمود محمد طه وأنصاف الحقائق ! " مقال سطحي ، ولا قيمة له ، ولم أكن لأهتم بالتعقيب عليه ، لولا انه يمكن ان يتخذ اشارة الى ظاهرة سلبية تكررت بصورة تستدعي الوقوف عندها.. ولقد اتسم المقال كغيره من كتابات د. خالد المبارك ، بالتنطع والسخرية ، المليئة بالغاء التهم بلا دليل !!

ولئن كان السودان قد نكب بادعياء التصوف ، كما أشار الكاتب ، فإن نكبته بادعياء التقدم والعلمانية أفدح ..هؤلاء الذين حين نكصوا عن حركة الشيوعيين ، عجزوا عن الانحياز لقضايا شعبهم من أي موقع اخر.. بل نسوا نضال الشعوب الفقيرة المضطهدة ، وأخذوا يحدثوننا – كما فعل د. خالد المبارك- عن ديمقراطية (السير اليك دوجلاس هيوم) !! وكيف ان مجلس العموم البريطاني يمثل المحرومين !! وذهلوا عن ان بريطانيا هذه كانت أيضاً ترفع شعارات الديمقراطية حين إغتصبت السودان ، وان قادتها من أمثال هيوم هم الذين نهبوا خيرات الشعوب ، وقتلوا ابناءها.. وشر من مدحهم الانجليز اليوم ، مدحهم لهم في الماضي ، حين كانوا يستعمرون السودان !! فقد اشاد د. خالد المبارك ود. محمد أحمد محمود ، بالحكومة لبريطانية ، وقرارها المتعسف بمنع عادة الخفاض الفرعوني ، وهما يظنان انهما اصبحا بذلك تقدميين ، ما داما يؤيدان الغاء عادة الخفاض الفرعوني الذميمة ، دون النظر الى جوهر القضية أو تصور حقيقة أبعادها..

يقول د. خالد المبارك "لكن الاستاذ محمود محمد طه ارتكب أيضاً عدة أخطاء تقديرية جسيمة . حدثت إنتفاضة رفاعة – التي أشاد بها المتحدث- إحتجاجاً على قرار الإدارة الإستعمارية بمنع الخفاض الفرعوني . قيل للعامة (يريد الانجليز ان يتدخلوا في كل شئ حتى ....... بناتكم) وفعلا ثار الناس حماية للشرف الرفيع وكان على رأسهم الاستاذ محمود . كان موقفه متخلفاً ورجعياً في مواجهة قرار تحديثي جرئ وسليم . إنتفاضة رفاعة المزعومة ليست من ماثرنا في النضال ضد الاستعمار بل هي من مخازينا ويقع وزرها على كاهل الاستاذ محمود محمد طه . قيل لنا انها مثل إضرابات الطعام في المدارس واضرابات زيادة الاجور العمالية مجرد ظاهرة إجتماعية لمضمون سياسي هو رفض الاستعمار، وهذا دفاع واه لان الاستاذ محمود لم يراجع موقفه علناً او يذكر مبرراته بعد نيل الاستقلال"

وقبل ان نوضح حقيقة ما جرى في حادث رفاعة المشهور ، نود ان نركز في البداية ، على مسألة شديدة الدلالة ، على مبلغ تدني خطاب د. خالد المبارك . فقد أورد في النص أعلاه عبارة (قيل للعامة يريد الانجليز ان يتدخلوا في كل شئ حتى......... بناتكم) أوردها هكذا بين قوسين ، ليوهم القارئ بأن هذه العبارة قد قالها الاستاذ محمود أو الجمهوريون !! ولقد تعمد ان يضع نقاطاً ، بدلاً عن الكلمة البذيئة ، التي حذفها ، وترك إستنتاجها للقارئ !! ولو كان للكاتب معياراً أخلاقياً يحاكم اليه ، لأمكن لومه على هذا التلميح المسف ، والذي ينطوي على عدم احترام للمرأة السودانية ، وعلى التعريض بعرضها بلا حياء .. وحسبنا من تقييم د. خالد المبارك إنعدام الامانة الفكرية ، ومحاولة تضليل القراء ، بان هذه العبارة التي تحتوي على الكلمة النابية ، يمكن ان يكون قد قالها رجل عف الخلق واللسان ، طاهر السيرة والسريرة ، مثل الاستاذ محمود محمد طه..

في اواخر عام 1945 كانت أصوات السودانيين ترتفع مطالبة بالاستقلال ، وكانت دولتي الحكم الثنائي بريطانيا ومصر تدرسان إعطاء السودان حق تقرير المصير .. في هذه الأثناء أصدرت الإدارة البريطانية قانون منع الخفاض الفرعوني . ولقد كان الانجليز يتوقعون رفض القانون ، ومقاومته ، لعلمهم بان هذه العادة متأصلة ، وبانها ترتبط في الوعي الشعبي بالعفة والشرف ، وتعد من أخص خصوصيات الاسر .. ولكنهم حبن أعلنوا القانون ، كانوا يخططون لاستثمار الرفض المتوقع كدليل على ان الشعي السوداني لا يزال متخلفاً ، وهو من ثم ، لا يستحق الحكم الذاتي أو الاستقلال.. هذا هو الغرض من إصدار القانون في ذلك الوقت بالذات .. فالقضية اذاً في جوهرها قضية سياسية ، وهي لا يمكن ان تواجه الا على المستوى السياسي . لهذا عارض الجمهوريون قانون الخفاض الفرعوني علناً ، وكشفوا نوايا المستعمر ، خاصة في منشورهم الذي صدر في ديسمبر عال 1945 والذي جاء فيه " اننا بمعارضتنا لهذا القانون لا نود ان ندافع عن عادة الخفاض الفرعوني ، أو نحلل الاسباب التي اوحت بها لابناء السودان وجعلتها تستمر بين ظهرانيهم حتى يومنا هذا ، ولكننا نود ان نناقش ترتيبات خاصة وسياسات خاصة إبتدعتها حكومة السودان إبتداعاً وتريد ان تجبرنا على إتباعها..." ومن السياسات التي إعترض عليها الجمهوريون ، التوجيه بأن يبلغ كل شخص عن جاره إذا مارس خفاض ابنته .. جاء في نفس المنشور " قل لي بربك ما الذي يجعل رجلاً محترماَ يوافق على التجسس على جاره ليطلع على عرضه... ما الذي يجعل شخصاً محترماً يقبل إرسال بنات جاره أو صديقه أو قريبه للطبيب لمثل هذا الكشف الخاص ؟ ! ما أعجبكم يا واضعي القانون !! هل من القانون ان تضطهدوننا باسم القانون ؟! ماذا قدمتم من رعاية للفتاة حين تلقون بعائلها في غياهب السجن؟!"

في سبتمبر 1946 قبضت السلطات على إمرأة ، في مدينة رفاعة ، بتهمة خفاض ابنتها وأودعتها السجن .. فاتصل أهلها بالاستاذ محمود محمد طه ، الذي قام في نفس المساء ، بالطواف على مقاهي سوق رفاعة ، وحدث الناس وذكرهم بمنشور الجمهوريين ودعاهم للتجمع في صلاة الجمعة .. وبعد الصلاة قام فيهم خطيباً ، فهاجم القانون ، ووضح القصد منه ، وذكر ان الناس لو سكتوا يكونوا قد نكصوا عن نصرة المظلوم ورد الظالم .. فخرج المصلون خلفه في مسيرة الى سجن رفاعة . وهناك تحدث مندوبين منهم مع نائب مأمور السجن السيد قاسم محمد الأمين وطلبوا منه اطلاق سراح المرأة حتى يوم القضية وحبس 15 رجلاً بدلاً عنها، فرفض في البداية ، ولكنه قبل أخيراً وتم أطلاق سراح المرأة وحبس بدلاً عنها 15 من أهالي رفاعة من بينهم إمام المسجد الشيخ صديق الأزهري . وكان يمكن للمسألة ان تنتهي عند هذا الحد ، لو كان الغرض هو مجرد محاربة عادة الخفاض ، ولكن الذي حدث هو ان الحكومة ارسلت البوليس في المساء فاختطفوا المرأة من بيتها، وحملوها الى سجن الحصاحيصا ، رغم ان اطلاق سراحها قد تم بواسطة السلطة نفسها ممثلة في نائب المأمور !! استفز هذا الحدث أهالي رفاعة ، فتجمعوا على ضقة النيل الأزرق ، وقام طلاب المدرسة الوسطى بتجميع المراكب التي عبرت بها الجموع الثائرة الى الحصاحيصا حيث حاصروا المركز ، وطلب منهم المفتش التفرق لكنهم رفضوا .. ولم يجد اطلاق الرصاص فوق الروؤس ، بل فاقم الامر حين رشق المركز وتحطمت نوافذه ، فاتصل المفتش برئيسه الذي وجهه باطلاق سراح المرأة ، فعاد بها الثوار ظافرين .. بعد يومين حاصر الجيش مدينة رفاعة وقبض على عدد من المواطنين من بينهم الاستاذ محمود الذي حكم عليه بالسجن عامين ، وحكم على الاخرين بمدد تتراوح بين شهر و6 أشهر وجلد كل طلاب المدرسة الوسطى !! وحين وقف الاستاذ محمود امام المحكمة قال " أنا برئ واهالي رفاعة أبرياء ، والمسألة كلها سلسلة اغلاط من الادارة البريطانية.." وبعد ان أوضح ان العادات لا تحارب بالقوانين وانما تغير بالتوعية ، قال " وضعت المرأة في سجن للرجال فليس لدينا سجون خاصة بالنساء.. والرجال الذين وضعت معهم ليسوا رجالاً عاديين ، وانما بعضهم مجرمين وبعضهم مخمورين ، والحمامات والمراحيض المواجهة للسجن والتي يرتادها السجناء ليس فيها أبواب !! فاذا قال أهالي رفاعة ان هذا الوضع يخدش حياء المرأة السودانية التي يطالبهم دينهم واخلاقهم بحمايتها ورعايتها ، قالت الادارة هؤلاء طغمة من الغوغاء والمشاغبين !! ولسائل ان يسأل ماذا فعلت الادارة البريطانية لمصلحة الفتاة السودانية ؟! وهل تمت حملات توعية بمضار عادة الخفاض الفرعوني أو حتى بفوائد هذا القانون قبل معاقبة من ارتكبوا هذا الاثم ؟! "

هذه هي ثورة رفاعة ، وهذا هو موقف الاستاذ محمود حين كان رجال الدين "يلعقون جزم الانجليز" والافندية العلمانيين يغازلونهم بالمذكرات التي ترجو منهم ان يتعطفوا على الشعب بالاستقلال !! فاذا جاء د. خالد المبارك في اخر الوقت ليحدثنا بان " انتفاضة رفاعة المزعومة لسيت من ماثرنا ضد الاستعمار بل هي من مخازينا " !! فان هذه العبارة المتحذلقة ، المتعالمة ، الجوفاء ستظل خزياً يطارده هو وأمثاله من انصاف المثقفين أبد الدهر ..

لقد سبق ان صححت الزعم بان حركة رفاعة كانت تؤيد الخفاض الفرعوني حين طرحه د. محمد أحمد محمود ونشر التصحيح في الانترنت ، واعدنا مقتبسات من كتب ومنشورات أصدرها الجمهوريون ووزعوا الاف النسخ منها، والوثائق ايضاً كانت موجودة لوقت قريب بدار الوثائق المركزية بالخرطوم ، وموجودة ايضاً في بريطانيا، لذلك نعينا على د. محمد أحمد محمود انه لا يطلع حتى على المواضيع التي يريد التعليق عليها .. وهذا ايضاً ينطبق الان على د. خالد المبارك.. وليست هذه اول سقطة لكلا الاستاذين في هذا الموضوع ، فقد حاولا الترويج لهذه الفرية من قبل ، في الاحتفال الذي اقامته ببريطانيا ، المنظمة السودانية لحقوق الانسان ، في ذكرى استشهاد الاستاذ محمود محمد طه .. وزاد د. خالد المبارك بانه اشرف على إخراج فلم عن عادة الخفاض الفرعوني ، هدف الى تصوير بشاعتها والتنفير منها، حتى اذا استقر هذا المعنى في الاذهان ، ذكر لهم ان الاستاذ محمود كان يؤيد الخفاض الفرعوني ، وان ثورة رفاعة قد كانت دفاعاً عن هذه العادة الذميمة !! ولو كان الغرض من الفلم هو محاربة عادة الخفاض الفرعوني ، لاقامه اصحابه في قرى السودان حيث لا زالت هذه العادة تمارس ، بدلاً من عرضه ببريطانيا !! ولعل البحث عن الترقي في المجال الاكاديمى وحساب مثل هذه الارباح ، قد كان الدافع وراء هذه الدعاية المنكرة التي تحمل وزرها د. خالد المبارك وحفنه من الممثلين المغمورين.. ورغم التصحيح الذي تم كثيراً من الجمهوريين الا ان د. خالد المبارك ود. محمد أحمد محمود لا يزالا دون سائر المثقفين يصران على ان الاستاذ محمود يدافع عن الخفاض الفرعوني !!

ان وجه الشبه بين د. محمد أحمد محمود و د. خالد المبارك هو انشغالهما بدراسة اللغة الانجليزية ، في الوقت الذي كان زملاؤهم يطلعون فيه على مختلف ضروب الثقافة وكافة العلوم الانسانية .. وقد ظنا ان الاعجاب او الانتساب لليسار يمكن ان يعوضهما عن ذلك ، ويجعلهما من كبار المثقفين .. وحين اختلفا في فترات متفاوتة مع اليساريين أصبحا بلا ايدولوجية فتعلقا بسطحية باللبرالية والعلمانية ، ثم افاقا مؤخراً للاهتمام بقضايا الدين والسياسة ، حين اصبح ادعاء معرفة هذه الامور كسباً اكاديمياً .. ولكنهما لم يمهلا نفسيهما ليحصلا ما فاتهما ، بل هرعا للكتابة دون تريث ، فجاءت كتاباتهما أنموذجاً لضحالة الثقافة والبؤس الفكري ، والجهل بتاريخ النضال الوطني .. ومع ذلك ، بل لعله من اجل ذلك ، دفعهما الحسد والغرور للتطاول على مواقف وافكار رجل في قامة الاستاذ محمود محمد طه ظنا منهما انهما بهذا العمل يثبتا اقدامهما في الميدان الاكاديمي والفكري بعد ان كسد سوق اللغة الانجليزية وارتفع سوق الدراسات الاسلامية .. وما علما ان محاولة النيل من قامة الاستاذ محمود قصاراها الخزي المشين والخسران المبين

وفي تعب من يحسد الشمس ضوءها ويجهد ان يأتي لها بضريب

ومن الحديث غير المسئول قول د. خالد المبارك " ولعل دعوة الاستاذ محمود محمد طه للاعتراف باسرائيل هي السبب المباشر في الرعاية الحميمة التي ينالها اتباعه في الغرب اينما حلوا " !! و د. خالد المبارك قد عرف الجمهوريين ببريطانيا ويمكن ان يسأل عنهم من يعرفونهم في امريكا ، فأي رعاية يتمتع بها الجمهوريون في الغرب ؟! وماذا تلقوا اكثر مما تلقى د. خالد المبارك مثلاً ؟! ان الجمهوريين في الغرب يعانون من كل منقصات الحياة كغيرهم من سائر ابناء الشعب السوداني ، وكل حديث غير هذا كذب صراح ، تغذيه دوافع من الحقد والغيرة والحسد التي اشتهر بها خصوم الفكرة الجمهورية ، الذين عجزوا عن مواجهتها في الميدان الفكري والسياسي ..

يقول د. خالد المبارك " فضلا عن ذلك فان عدداً من ابناء جيل الاستاذ محمود محمد طه اعجبوا به وشجعوه ثم انفضوا من حوله عندما ادركوا انه يدعي قدرات معينة ولا يزال بعضهم على قيد الحياة وهم اقدر مني عللى سرد التفاصيل " .. ان هذه المحاولة المضطربة الخجولة للتعريض بالاستاذ محمود لا تجوز على أحد ، فارجل قد عرف بالزهد في الالقاب الدنيوية والدينية ولم يدع الكرامات ولم يسم نفسه "الشيخ" أو "الامام " .. ولقد خرج بعض قدامى الجمهوريين من الحركة لعجزهم عن مواكبتها والنهوض بتكليفها الديني ، واستمر اخرون لم يذكرهم د. خالد المبارك رغم ادعاء الحياد ومن هؤلاء " من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا " .. ولقد كان أولى لو ان د. خالد المبارك ذكر بصراحة القدرات التى ادعاها الاستاذ محمود ، واوضح لنا اراء ابناء جيله الذين زعم ان لديهم التفاصيل ، فان لم يكن لحديثهم ، ولا يستطيع ان يتبناه أو يدافع عنه ، ثم هو لا يملك التفاصيل ، فلماذا خاض فيما خاض فيه بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير ؟!

والاستاذ محمود لم يجعل الحزب الجمهوري "حزب فرد تلف حوله كل اللوالب الادارية والفكرية" كما ذكر د. خالد المبارك ، بل كان اقدر من غيره من الزعماء على تاهيل اتباعه ، وتربيتهم بالقدر الذي اهلهم لحمل فكرهم وتقديمه للناس بصورة لم تتم في اي تنظيم اخر .. وهم في كل ذلك يقومون بادارة تنظيمهم بلجان تشرف على كافة النشاط الفكري والاداري والتنظيمي للحركة .. اما ايقاف الجمهوريين لحركتهم بعد تنفيذ الاعدام على الاستاذ محمود ، فقد حدث لعدة اسباب ، ولكنها في رأي لا تبرره تماماً ، ولذلك فان نقدهم بسبب ايقاف الحركة نقد مقبول ، وهو قد جرى ويجري داخل التنظيم وخارجه ، ولكنه لا يرقى للمساس بجوهر الفكرة ، ولا يقلل مطلقاً من مكانة مرشدها .. ورحم الله القائل:

فاذا اتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي باني كامل

د. عمر القراي

Post: #28
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 01:09 PM
Parent: #27


بسم الله الرحيم الرحيم

تعليق على مقال الدكتور خالد المبارك في صحيفة الرأي العام

د. ياسر الشريف - 3 ديسمبر 2002

يهمني التعليق على الجزء الذي يخص رأيه في الأستاذ محمود محمد طه.
يقول الدكتور خالد:
لكن الاستاذ محمود محمد طه ارتكب ايضاً عدة اخطاء تقديرية جسيمة . حدثت انتفاضة رفاعه - التي اشاد بها المتحدث - احتجاجاً على قرار الادارة الاستعمارية بمنع الخفاض الفرعوني . قيل للعامة:
«يريد الانجليز ان يتدخلوا في كل شيء حتى (.......) بناتكم ! وفعلا ثار الناس حماية للشرف الرفيع وكان على رأسهم الاستاذ محمود . كان موقفه ذلك متخلفاً ورجعياً في مواجهة قرار «تحديثي» جريء وسليم . انتفاضة رفاعة المزعومة ليست من مآثرنا في النضال ضد الاستعمار بل هي من مخازينا . ويقع وزرها على كاهل الاستاذ محمود محمد طه . قيل لنا انها مثل اضرابات الطعام في المدارس واضرابات زيادة الاجور العمالية ، مجرد ظواهر اجتماعية لمضمون سياسي هو رفض الاستعمار .
وهذا دفاع واه لأن الاستاذ محمود لم يراجع موقفه علناً او يذكر مبرراته بعد نيل الاستقلال

ما كنت أتوقع من باحث وكاتب في قامة الدكتور خالد المبارك أن يكون على هذا القدر من نقص المعلومات. وأنا هنا أريد أن أصحح معلوماته. أولا لم يقل الأستاذ محمود بأنه يحتج على قرار الإدارة الاستعمارية منع الخفاض، وإنما يعترض على طريقة المستعمر في محاربة ظاهرة الخفاض بواسطة القوانين. وقد جاء ذلك في البيان نفسه، وسأورد ذلك بالنص من البيان حينما أنقل الحقائق التاريخية. ثانيا ورد في نفس البيان أن الحزب الجمهوري يرى أن الظواهر الاجتماعية السلبية يجب أن تعالج بالتوعية والتعليم وليس بسن القوانين.
وقد تأسفت جدا أن يكتب الدكتور خالد المبارك عباراته التي بدأها بقوله: "قيل للعامة". من الذي قال للعامة؟؟ ولماذا هذه التسطيح يا دكتور؟؟ كما قلت سأنقل لكم ما جاء في صحف تلك الفترة بالتفصيل حتى يعرف الناس من هو الدكتور خالد المبارك.
قد لا يعلم الدكتور خالد المبارك أن نضال الحزب الجمهوري قد بدأ قبل حادثة الاحتجاج على قانون الخفاض الفرعوني وأنا هنا سأبسط ذلك التاريخ المشرق للقراء إسهاما مني في تعريف الشباب بالأستاذ محمود محمد طه.
ثم ينتقل الدكتور خالد المبارك إلى مسألة الحزب فيقول:
وقد اخطأ الاستاذ محمود ايضاً كقائد سياسي حينما جعل الحزب الجمهوري «حزب فرد» تلف حوله كل اللوالب الادارية والفكرية . فلما قتل مات معه الحزب . عقلية شيخ الطريقة الموروثة هي المسؤولة عن ذلك . اذا لم يعد الشيخ ابناً او خليفة ليحل محله فان الطريقة تتلاشى تدريجياً .

مرة أخرى يخطئ الدكتور مبارك في تقييم الأستاذ محمود محمد طه ويقارنه بالزعماء السياسيين ورؤساء الأحزاب وشيوخ الطرق. وسأترك التفصيل في هذه المسألة الآن ريثما أعود لها.
الكتابة تتواصل
ولكم شكري وتقديري
ياسر

من كتاب للجمهوريين صدر عام 1975 بعنوان "معالم على طريق تطور الفكرة الجمهورية خلال ثلاثين عاما" أنقل لكم المادة التالية.


الأبعاد السياسية والإجتماعية لمسألة الخفاض الفرعوني

في أوائل عام 1946م وقد انتظمت البلاد حماسة الوطنية وتكثف النشاط السياسي .. في هذا الوقت الذي تهيأت فيه دولتا الحكم الثنائي مصر وبريطانيا لعقد مفاوضات صدقي – استانسجيت بشأن مصر والسودان ، وفي الوقت الذي علا فيه صوت السودانيين بالمطالبة بالاستقلال ، في تلك الساعة ، سن الانجليز قانون الخفاض الفرعوني ، وتشددوا في تطبيقه .. ولما كانت عادة الخفاض الفرعوني عادة متأصلة في المجتمع السوداني ، وهي مرتبطة في الأذهان أشد الأرتباط بالعرض والشرف ، كان المنتظر بداهة ، لدى الأنجليز ، أن يقاوم السوداينون هذا القانون بأشد من مقاومتهم للأستعمار نفسه ، وذلك للحساسية المرتبطة بهذا القانون .. وعندما يقع رد الفعل بهذه الصورة ، يسهل عليهم أن يصوروا للعالم بأن الشعب السوداني شعب متخلف ، همجي ، وهو ، من ثم ، لم يتأهل بعد للأستقلال – هذا ما أراده الانجليز فعلا ، من وراء سن قانون الخفاض الفرعوني الذي لم يدفعهم اليه حرصهم على المرأة السودانية ، وعطفهم على السودانيين .. فانخدع بذلك كثير من المثقفين ولم يفطن لهذه الخدعة ، وهذه الأهانة التي تلحق بالمرأة السودانية ، وبالرجل السوداني من تطبيق هذا لقانون ، الا الجمهوريين فهبوا الى محاربته من هذا المنطلق ، فحسبهم بعض المثقفين ، جهلا ، مدافعين عن عادة الخفاض الفرعوني الذميمة .. ومادروا انما الأمر دفاع عن كرامة أمة ، أراد أن يهدرها الاستعمار بهذا القانون..


استثمار المناسبة

لقد صمم الجمهوريون على استغلال مناسبة اصدار هذا القانون بتوعية الشعب بكيد الانجليز ، وتصعيد الشعور بالكراهية نحوهم .. صونا لكرامة المرأة السودانية أولا ، وخدمة لقضية الحرية ثانيا .. وقد أصدروا بيانا في أول الأمر ، وأعقبوه بالخطابة ، في المسجد ، وفي الشارع .. وقد كان تحليلهم للقانون ، وتوقعاتهم لما سيترتب عليه ، كلها صحيحه أثبتها الواقع بعد ذلك ..
وهاكم مقتطفات من بيانهم الأول :
((لانريد بكتابنا هذا ، أن نقف موقف المدافع عن الخفاض الفرعوني ، ولانريد أن نتعرّض بالتحليل للظروف التي أوحت به لأهل السوان ، والضرورة التي أبقته بين ظهرانيهم الي يومنا هذا – ولكننا نريد أن نتعرض لمعاملات خاصة ، وأساليب خاصة ، وسنن خاصة سنتها حكومة السودان ، أوقل ، ابتدعتها ابتداعا وأرادتنا أن ننزل على حكم ابتداعها ارغاما )) ((من الآيات الدالّة على سوء القصد ، في هذه الأساليب ، اثارة مسألة الخفاض الفرعوني في هذا الظرف .. وأساليب الدعاية التي طرقتها له ، والطرق التي ارتأتها مناسبة لابطاله ، والقضاء عليه ، ولقد جاءت هذه الآيات دليلا واضحا على التضليل المقرون بسبق الاصرار ))


قانون عجيب

لاشك في أن مجرد التفكير في الالتجاء الى القانون ، للقضاء على عادة متأصلة في النفوس تأصل الخفاض الفرعوني دليل قاطع على أن حكومة السودان اما أن يكون قد رسخ في ذهنها أننا شعب تستطيع القوة وحدها أن تثنيه عن كل مبدأ ، أو عقيدة ، أو أن تكون قد أرادت أن تقول للعالم الخارجي أن السودانيين قوم متعنتون ، وأن تعنتهم الذي ألجأنا للقانون لاستئصال عادة الخفاض الفرعوني الهمجية ، هو نفس التعنّت الذي وقف في سبيلنا ، وشل أيدينا عن استعمال الأراضي الواسعة الخصبة في الجنوب والأستفادة من مياه الدندر ، والرهد ، والأتبرا ، والتوسع في التعليم .. هذا من ناحية الالتجاء للقانون .. وأما القانون في ذاته فهو قانون أريد به اذلال النفوس واهدار الكرامة والترويض على النقائص والمهانة ..

((قل لي بربك !! أي رجل يرضى بأن يشتهر بالتجسس على عرض جاره ؟؟ وأي كريم يرضى أن يكون سببا في ارسال بنات جاره ، أو صديقه ، أو عشيره للطبيب للكشف عليهن؟؟ عجبا لكم ياواضعي القانون - أمن العدل ، والقانون أن تستذلونا باسم القانون ؟؟ أومن الرأفة بالفتاة أن تلقوا بكاسيها في أعماق السجون ؟؟ ))


مواجهة عملية

كان هذا البيان قد خرج ساعة صدور قانون منع الخفاض في ديسمبر 1945م .. وفي سبتمبر 1946م ظهرت أول آثار القانون التي توقعها بيان الجمهوريين ، فقد اقتيدت الى السجن سيدة سودانية ، في رفاعة ، لأنها خفضت ابنتها ، مخالفة للقانون .. ولقد أهدت تلك الحادثة مواجهة عملية للقانون من الجمهوريين .. فقد ألقى الأستاذ محمود خطبة بمسجد رفاعة جاء فيها : -

((ليس هذا وقت العبادة في الخلاوي ، والزوايا ، أيها الناس ، وانما هو وقت الجهاد .. فمن قصّر عن الجهاد ، وهو قادر عليه ، ألبسه الله ثوب الذل ، وغضب عليه ، ولعنه . أيها الناس : من رأى منكم المظلوم فلم ينصفه ، فلن ينصفه الله من عدو . ومن رأى منكم الذليل فلم ينصره ، فلن ينصره الله على عدو . ألا ان منظر الظلم شنيع ، ألا ان منظر الظلم فظيع .. فمن رأى مظلوما لاينتصف من ظالمه ، ومن رأى ذليلا لاينتصر على مذلّه ، فلم تتحرك فيه نخوة الاسلام ، وشهامة الاسلام الى النصرة ، والمدافعة ، فليس له من الايمان ولاقلامة ظفر .))

واستجاب الناس لهذه الخطبة ، وتحركوا من توهم ضد الاستعمار وقانونه المجحف .. ونترك تصوير الأحداث لجريدة الرأي العام التي تابعت تطوراتها :

• (( الرأي العام 21/9/46 - نشرنا قبل أيام ، أن السلطات في رفاعة حكمت على امرأة بالسجن تحت قانون منع الخفاض ، لأنها خفضت بنتا ، وأن الجمهور قابل هذا العمل بروح الاستياء العميق واضطرت السلطات الى اطلاق سراح المرأة بضمانة .. وجاءنا اليوم تلغرافيا ، بتوقيع أهالي رفاعة ، أن السلطات عادت فسجنت المرأة ، وعندما علم الجمهور بالأمر خرج من الجامع ، واقتحم السجن ، وأطلقوا سراح المرأة ، ومكث أفراده الذين ملأوا السجن بدلا عنها .. فأمر المفتش بسجن الضامنين ، ولكن الجمهور رفض ذلك أيضا ، وفي منتصف ليلة البارحة اقتحم البوليس منزل المرأة ، وأخذها الى جهة غير معلومة .. فقامت رفاعة بأسرها قاصدة الحصاحيصا ، ومنعت السلطات المعدية من العبور ، وأضربت المدارس ، وأغلق السوق ، وقامت مظاهرة عمومية ، ويحتشد الجمهور الآن بالشاطيء ، وفي كل مكان))
تعليق :- رغم منع السلطات عبور المعدية فان الجمهور عبر بقوارب الصيد ..
• ((الرأي العام الأثنين 23/9/46 - وقفنا بالقارئ أمس الأول عند تجمع سكان رفاعة على شاطئ النهر ، ومنع المعدية من العبور .. وقد عبر بعد ذلك فريق من المتظاهرين الى الحصاحيصا ، ومن هناك انضم اليهم خلق كثير من الناس .. فتوجه الجمع الى المركز في مظاهرات واسعة ، وبدأوا في قذف المركز بالطوب وغير ذلك ، فتحطم كثير من الأبواب ، والنوافذ ، واصطدم المتظاهرون بالبوليس الذي عمل جاهدا لتفريق المتظاهرين .. وعلى أثر ذلك ، أمر سعادة مدير الجزيرة بالنيابة باطلاق سراح المرأة السجينة ، فأخذها جمع من الناس وتوجه بها الى منزلها برفاعة))
• (( الرأي العام 25/9/46 - تمّ اعتقال بعض الناس من رفاعة ، والحصاحيصا ، منهم الأستاذ محمود محمد طه ، وشقيقه مختار محمد طه ، فوضعوا في سجون رفاعة ، والحصاحيصا ، ومدني .))
• ((الرأي العام 25/9/46 - اجتمع أعضاء الحزب الجمهوري مساء أمس ، وساروا في موكب اخترق شارع الملك بالخرطوم .. وقد خطب منصور عبد الحميد في احدى المقاهي التي صادفتهم في الطريق ، فاعتقله البوليس للتحقيق - وكان الغرض من الموكب ، والخطبة ، الأحتجاج على اعتقال رئيسه ، والتنديد بقانون الخفاض. ))
• ((الرأي العام 27/9/1946 - اعتقل بوليس الخرطوم بحري مساء أمس ذا النون جباره ، وعبد المنعم عبد الماجد عندما ألقيا خطابين أمام السينما الوطنية بالخرطوم بحري .. نددا فيهما بالمجلس الاستشاري ، وقانون الخفاض ، وكبت حرية الرأي والخطابة ))
• (( الرأي العام 1/10/1946م
بيان رسمي عن الحزب الجمهوري
تريد الحكومة أن تؤكد أن الأشخاص الذين قبض عليهم ، في رفاعة ، ثم في الخرطوم ، والخرطوم بحري ، لم يقبض عليهم لآرائهم عن القانون الذي يمنع الخفاض الفرعوني .. فكل شخص له الحق في أن يكون له رأيا خاصا ، وأن يعرب عنه ، بالطريقة المشروعة .. فالاشخاص الذين في رفاعة قبض عليهم لاثارة الشغب ، والذين في الخرطوم والخرطوم بحري ، قبض عليهم لالقاء خطب مثيرة ، علانية ، يحتمل أن تعكر صفاء الهدوء العام ، وأن تثير اخلالا بالأمن .))


اطلاق الرصاص على الجمهور الثائر

وفي بيان رسمي آخر عن اعتقال الأستاذ برفاعة ، وثورة الجمهور ، وتحركه لاطلاق سراحه ، واطلاق البوليس الرصاص عليهم جاء مايلي :
* ((الرأي العام 7/10/1946 : جاءت قوة كبيرة من البوليس من مدني ، برئاسة مفتش المركز وفي نفس الوقت عسكر خارج رفاعة البلوك الرابع من فرقة الهجانة بقيادة الصاغ أحمد عبد الله حامد الذي دخل الى رفاعة برفقة ضابط سياسي ، وقابل المفتش ، وقمندان البوليس ، ورجع الى مقر فرقته .. واعتقل الأستاذ محمود محمد طه ، وأحضر الى المركز .. وأثر ذلك تحرك جمهور كبير نحو المركز ، وفي الحال نقل الأستاذ محمود الى معسكر البلوك الرابع ، خارج المدينة .. وتحركت فصيلة من البلوك الرابع لتعزيز قوة بوليس مركز رفاعة .. وكان اطلاق الرصاص بأمر مفتش المركز ، عندما رفض الجمهور اطاعة أوامر البوليس المتكررة بأن يتوقفوا عن تقدمهم صوب المركز ، وقد أطلق البوليس دفعة فوق رؤوس الجمهور وهم على بعد 40 ياردة تقريبا من المركز ، ولما لم يقفوا ، أطلقت دفعة أخرى على الأرض أمام أقدامهم ، في وقت كانت فيه مقدمة الجمهور على بعد 25 ياردة من المركز ، ولم يصب غير أربعة أشخاص ، أثنان منهم باصابات بسيطة جدا ، وأما الرابع ، فقد كسرت ساقة كسرا سيئا))


اشتراط مناقشة القانون

• (( الرأي العام 10/10/1946 - علمنا أن الأستاذ محمود محمد طه رفض أن يقبل محاميا للدفاع عنه ، وأنه أعلن بأنه لن يدلي بأية أقوال للتحقيق الا على أساس مناقشة قانون منع الخفاض .))


محكامات أحداث رفاعه

* (( الرأي العام 21/10/1946 - صدرت أحكام بالسجن بمدد تتراوح بين شهر وسنة على كل من : عباس المكي ، عوض القريض ، أحمد الأمين ، محمد الياس ، الزبير جاد الرب ، عبد العال حسن ، أحمد عثمان ، حمد النيل هاشم ، علي مالك ، محمد الحاج على ، بابكر وقيع الله ، عبد الله حامد الشيخ ، حسن أحمودي ، منصور رجب ، عبدون عجيب - وحكم على "صبي" بالجلد .))


محكمة كبرى بمدني

• (( الرأي العام 17/10/1946 – حكمت محكمة كبرى بودمدني برئاسة القاضي أبورنات ، بسنتين سجنا على الأستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري ، بتهمة اثارة الشغب في رفاعة .. كما حكم عليه بوضعه تحت المراقبة لمدة سنة أخرى بعد اتمام مدة سجنه .))


محاكمة الجمهوريين بالخرطوم بحري تحت المادة 105

• (( الرأي العام 19/10/1946 – أصدرت محكمة الجنايات حكمها على بعض أعضاء الحزب الجمهوري المتهمين تحت المادة 105 وكانت الأحكام كالآتي : عثمان عمر العتباني 3 شهور سجنا ، سعد صالح عبد القادر ، شهر سجنا ، ذا النون جباره شهر سجنا وكانت المحكمة برئاسة استانلي بيكر ، وعضوية محمد أفندي محمود الشايقي مفتش الخرطوم بحري ، والعمدة عمر كويس .))


صوم الأستاذ

لقد كانت أيام الأستاذ بالسجن عامرة بالصيام ، صيام النهار وصيام المواصلة ، ولقد ظنه الناس اضرابا عن الطعام ، على مألوف العادة لدى السجناء السياسيين أحيانا ، وماهو بذاك وقد تواترت الأخبار عنه في الصحف ، واهتم به الناس ، وأشفقوا ولقد كان هذا الصوم من مذكيات روح السخط على الاستعمار .. وقد جاء هذا الخطاب مصححا للأعتقاد الخاطيء عن صوم الأستاذ :-

• (( الرأي العام 5/10/1946
حضرة رئيس تحرير الرأي العام ..
بالاشارة الى الخبر المنشور في صحيفتكم عن اضراب رئيس الحزب الجمهوري عن الطعام ، أعرفكم أن الأستاذ كان صائما في اليوم الذي أعتقل فيه ، وليس مضربا ، وأنه قد أفطر ليلا .. وقد قابلت ضابط السجن – بوصفي خالا للمعتقل – في يوم وصوله ، وسمح لي بتقديم الطعام اليه في كل يوم .. ومن هذا يتضح أن الأستاذ لم يكن مضربا عن الطعام كما نشر .. وختاما تقبلوا سلامنا .
التوم محمد حمزه ))


اغلاق الأندية احتجاجا

• (( الرأي العام 24/10/1946 - بهذا اليوم ، أتم الأستاذ محمود محمد طه ، رئيس الحزب الجمهوري السجين ، ستة أيام من صيامه .. وقد أغلقت أمس أندية الخريجين في مدني ، والأندية الرياضية ، احتجاجا على سوء معاملته .. وتتوالى برقيات الحزب الجمهوري ، والمواطنين على السلطات بالاحتجاج .))


كيف تعاملون رئيس حزب بأسوأ من معاملة اللصوص ؟؟

• (( الرأي العام 24/10/1946 من كلمة بعنوان "خواطر" ((وشاءت الحكومة أن تضع الأستاذ محمود محمد طه ، رئيس الحزب الجمهوري ، في الدرجة الثالثة بالسجن ، حيث يلقى المعاملة التي يعامل بها حثالة المجرمين من أحقر طبقات المجتمع .. وكان أن صام الأستاذ محمود ، وأضرب عن تناول الطعام ، والشراب ، منذ أربعة أيام ، احتجاجا على هذه المعاملة القاسية)) .. ((هذا التصرف الغريب من قبل حكومة السودان ، لايقابل من كل السودانيين الا بالاستنكار ، فليس من الأنصاف في شيء ، أن يوضع شخص مثل الأستاذ محمود له مكانته الملحوظة في المجتمع في الدرجة الثالثة بالسجن ، وينال هذه المعاملة القاسية ..))


الشعب السوداني شعب عملاق

لقد أثبتت هذه الأحداث أن الشعب السوداني شعب أصيل ، شجاع ، كريم .. يجود بالنفس في سبيل العزة ، والشرف ولاينقصه غير القائد الذي يفجر كوامن أصالته ، ويحرك حسه الوطني .. فاذا وجد قائدا ، في مستواه ، فان المعجزات تجري على يديه ، والبطولات تسعى اليه خاطبة وده .. حقا كما قال الأستاذ محمود في تحقيق معه في جريدة الأخبار ، فيما بعد ، ((الشعب السوداني شعب عملاق يتصدره أقزام ))


جازت خدعة قانون الخفاض على بعض المثقفين !!

لقد انخدع بعض المثقفين بقانون الخفاض الفرعوني ، ولم يطالعهم وجهه الآخر .. ولما تزل هذه الخدعة تجوز على كثير من الناس ، بل انها قد جازت على بعضهم بأثر رجعي !! ومن هؤلاء الدكتور سعيد محمد أحمد المهدي ، عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم ، سابقا فقد عبرعن تقويمه لهذا الأمر في مقال له بجريدة الصحافة بتاريخ 30/11/1968 ، وهو يعلق على مهزلة محكمة الردّة .. حيث قال :

(( وأذكر أنه قبل عشرين عاما ، بالتمام والكمال ، وأنا طالب في مدرسة رفاعة الأميرية الوسطى بالسنة الأولى ، ان الناس كانوا يتحدثون عن ثورة محمود محمد طه التي سجن من جرائها . ذلك أنه قاد الجماهير الغاضبة من رفاعة الى مركز الحصاحيصا )) .. ويمضي الدكتور سعيد فيقول :
(( وهذه الثورة رغم أنها رجعية ، لأنها تؤيد الخفاض الفرعوني الا انها كانت ثورة عارمة ضد الاستعمار .))

هذا ماقاله الدكتور سعيد بعد عشرين عاما من أحداث رفاعة .. ولئن عذرنا عامة المثقفين لالتباس الأمر عليهم ، ولنقص المعلومات التي لديهم عن هذه الواقعة ، فلن نعذر الخاصة من هؤلاء ، بل من يكون منهم على رأس مؤسسة من أكبر المؤسسات القانونية .. ذلك بأنه لايقوم نقص المعلومات ، التي يمكن الحصول عليها ، وتمحيصها ، عذرا أمام هؤلاء في أن يتناولوا واقعة تاريخية ، مثل واقعة قانون الخفاض الفرعوني ، تناولا مجردا من الملابسات المحيطة بها ، فيأتي ، من ثم ، حكمهم عليها ساذجا وسطحيا ..
أليس من المؤسف أن يأتي رجل مثقف ثقافة قانونية ، بعد عشرين عاما ، من مناهضة قانون الخفاض الفرعوني ، فيقول أنها ((تؤيد الخفاض الفرعوني)) ولذلك ((فهي ثورة رجعية)) .. ان الثورة كانت ضد ((القانون)) وليست دفاعا عن الخفاض .. ليست ضد القانون في ذاته ، ولكن للملابسات التي تكتنفه .. أرجو أن لايكون ابناؤنا من طلبة الحقوق بجامعة الخرطوم ، يدرسون ، عن هذه السابقة القانونية ، على طريقة الدكتور سعيد !!


المثقفون يتجاوبون مع الجمهوريين

لقد حركت بيانات الجمهوريين وأحداث رفاعة والخرطوم المثقفين سلبيتهم وأخذوا يستشعرون سوء هذا القانون الذي نبه اليه الجمهوريون من أول وهلة . واتخذت استجابة المثقفين شكل التعليق في الصحف .. وفيما يلي نبذه من افتتاحية جريدة الرأي العام وهي تعلق على الأحداث ، وكانت السلطات قد نقضت بواسطة المحكمة حكم السجن على امرأة رفاعة ، لانقاذ مايمكن انقاذه من هيبتها وتهدئة للخواطر الثائرة ، وقد جاء هذا النقض في الوقت الذي كانت فيه امرأة رفاعة خارج السجن في منزلها برفاعة حيث كانت السلطات قد اضطرت تحت ضغط الجماهير الثائرة لاطلاق سراحها ..
((أصبح واجبا لزاما علينا أن ننبه الحكومة ، على ضوء ماحدث أخيرا ، في أول تجربة لتطبيق هذا القانون ، الى الخطر الذي ينجم من التسرع في تطبيقه ، والى النكبه الأجتماعية الخطيرة التي ستتعرض لها المرأة السودانية عند تطبيق هذا القانون عليها .. ففي الحادث الأخير بدأ واضحا أن الطريق التي اتبعت في اعتقال هذه المرأة كانت مثيرة ، ولاتتفق مطلقا مع كرامة الحكم وهيبة القضاء ، فانتزاع المرأة من بيتها ، في غسق الليل ، وبازار النوم ، وتهريبها الى الحصاحيصا ، لامعنى له غير اثارة الخواطر أكثر ولايجدر بالحكومة أن تلجأ الى أساليب هي أشبه بأساليب الاختطاف التي يلجأ اليها رجال العصابات)) .. ((وليست هذه الطريقة التي اتبعت هي موضع الخطر في هذا القانون ، ولكن هناك خطرا جسيما ، ولابد من التنبيه عليه ، ذلك أن المرأة السودانية الشريفة ، الحرة ، لم تتعرض ، حتى الآن ، الى محنة السجن ، بحكم حياتها الاجتماعية ، التي تنأى بها عن مواطن الجريمة ))
((وقانون الخفاض ، بوضعه الحالي ، سيخلق عقابا لجريمة سوف تتعرض لها بالتأكيد كرائم النساء السودانيات اللواتي لايرين ان الخفاض جريمة ، بحكم مايسيطر على عقولهن من سلطان العادات الموروثة ، والتقاليد المتبعة ومعني هذا ، أنه من المحتمل جدا أن يتعرض لسطوة القانون هذا النوع من النساء السودانيات المحصنات .. ويقينا أن القاء هؤلاء في السجن ، بغض النظر عما يثيره في نفوس رجالهن ، وذويهن ، فانه من ناحية النظرة الاجتماعية المحضة ، يقضي على سمعتهن ، وكرامتهن قضاء مبرما .. وما أحسب أن امرأة محصنة توضع في سجن ، من هذه السجون السيئة الوضع ، والرقابة ، تخرج منه وهي محتفظة بسمعتها ، ولن يتقبلها المجتمع السوداني بعدها تقبلا حسنا ، اذن فالعقاب بالسجن ، لمثل هذا النوع من النساء ، لايعد اصلاحا وتهذيبا لنفوسهن ، ولايردع غيرهن ، وهذا هو الغرض من سجن المجرم ، انما يعد افسادا لخلقهن ، وقضاء مبرما على سعادتهن في المجتمع .))

هذا ماقالته الرأي العام عام 1946 .. وفي وقتنا الحاضر يعدّ الأستاذ التجاني عامر ، من المثقفين الذين كان واضحا لديهم البعد الذي نظر به الجمهوريون لمسألة قانون الخفاض ، فالاستاذ التجاني عاصر فجر الحركة الوطنية وهو بذلك شاهد عيان للأحداث ، والمواقف التي نحن بصددها . فلنستمع لتعليقه في جريدة الصحافة ، بتاريخ 16/4/75 وهو يتحدث عن تاريخ الأحزاب السودانية :
(( الحزب الجمهوري .. قد يكون هذا الحزب من أقدم الأحزاب السياسية ، بحساب الزمن ، وهو أول حزب صغير يعمل خارج نطاق النفوذ الطائفي باصرار ، بل بمناجزة وصدام واسمه يدل على المنهج الذي انتهجه لمصير السودان … مؤسس الحزب الجمهوري هو الأستاذ محمود محمد طه الذي كان من أبرز الوجوه الوطنية في مستهل حركة النضال )) (( وقد تعرض محمود للسجن الطويل في خصومات ايجابية مع الانجليز منها حادث "الطهارة الفرعونية" في رفاعة ، وهو حدث اجتماعي رفعه محمود الى مستوى المساس بالدين والوطن )) ..


عادة الخفاض لماّ تبطل

وبعد ، فان عادة الخفاض الفرعوني لاتزال تمارس رغم وجود القانون ، ورغم سوء هذه العادة البالغ ، وذلك لسببين أولا : لم تتفق التوعية الكافية للشعب عن قبح هذه العادة ومضارها .. ثانيا : مثل هذه العادة الحساسة المتأصلة ، في مجتمع مثل مجتمعنا ، لايقتلعها القانون وحده ، وماينبغي له أن يقتلعها .. وانما الذي يقتلعها نهائيا هو التربية والتوعية الشعبية..


توقف الى حين

لقد كان حادث رفاعة منعطفا في تاريخ الفكرة الجمهورية ، ولقد تجمد نشاط الجمهوريين ، أو كاد ، بعد سجن الأستاذ لمدة عامين أعقبهما عامان آخران ، فيهما واصل اعتكافه برفاعة ، وقد كانت الأعوام الأربعة ، هي في الحقيقة ، فرصة للعمل الحقيقي ، وهو اعداد الداعية الاعداد الكامل الذي به يكون تمام ملك الفكرة ، وتمام دعوة الآخرين اليها ، وما الاعداد الا صفاء الفكر وسلامة القلب ..


انتهى النقل من الوثائق.

أما بعد، فهذه هي الوثائق، فإن كان الدكتور خالد المبارك يريد أن يبرئ ساحته من السطحية التي لا تليق بكاتب وباحث مثله فليفعل، وإذا لم يرد فهو وشأنه. إن التاريخ مسجل وموجود ولن يستطيع أن يغيره بمثل هذه الكتابة.

Post: #29
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 01:10 PM
Parent: #28


خالد المبارك يجهل الحقائق ويضلل القراء

بقلم: طه إسماعيل أبو قرجة، المحامي

خرج علينا الدكتور خالد المبارك بمقال تحت عنوان (مفكرة سودانية بريطانية.. محمود محمد طه وأنصاف الحقائق)، في يوم 18 نوفمبر الماضي، الذي صادف الذكرى الرابعة والثلاثين لمهزلة محكمة الردة التي جرت فصولها في 18/11/1968. والمقال يؤكد ما كان يردده الأستاذ محمود محمد طه دائماً بأن الفكرة الجمهورية لم تناقش، وإنما يثير خصومها أوهاماً يحسبونها هي الفكرة الجمهورية. ومقال الدكتور خالد المبارك في حقيقة الأمر لا يختلف كثيراً عن محتوى المعارضة التي كان يثيرها مدبرو مهزلة محكمة الردة، وإن بدا له غير ذلك. فهو قد تعامى عن الحقائق الظاهرة، ونسب للأستاذ ما لم يقله، بل نسب له عكس ما قاله. كما هو قد التحف عباءة الحداثة، وتدثر باللقب العلمي دون محتوى، تماماً مثلما تدثر أولئك بالدين.

ويكفي في تبيين خلو مقال الدكتور من أبسط مقومات النهج العلمي أنه حين وصف ثورة رفاعة بأنها ثورة رجعية في مواجهة قرار تحديثي وأنها من مخازينا ويقع وزرها على الأستاذ محمود، قال أن: (الأستاذ محمود لم يراجع موقفه علناً أو يذكر مبرراته بعد نيل الاستقلال)!! ولكن بعض الأميين يعلمون أن الجمهوريين قد كتبوا كتاباً باسم "الخفاض الفرعوني" في 1981. كما أن موقع الفكرة الجمهورية بشبكة الإنترنت يحتوي على أكثر من كتاب يتعرض لموقف الجمهوريين من الخفاض، ولثورة رفاعة، منها كتاب معالم على طريق تطور الفكرة الجمهورية خلال ثلاثين عاماً 1945-1975) وبه توضيح لملابسات ثورة رفاعة وأهدافها. كما أن بهذا الموقع مقابلة صوتية أجراها معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية مع الأستاذ محمود خلال 1975 كجزء من برنامج المعهد يومئذ لتوثيق تاريخ الحركة الوطنية، بها حديث مفصل عن هذا الأمر. ولكن يبدو أن الدكتور خالد المبارك لا يقرأ ولا يسمع، وإنما هو يطمر الحقائق تحت ركام من الأباطيل التي يروجها دون أدنى إحساس بالمسئولية، مستغلاً لقبه العلمي الكبير. إن أدنى ما تعطيه برامج الماجستير والدكتوراه هي أن تغرس في الطالب روح البحث وتمحيص الحقائق وإحكام المقدمات من أجل الوصول إلى النتائج السليمة. فأين الدكتور خالد المبارك من ذلك؟ وأين المسئولية العلمية فيما يكتب؟

إن أبسط ما يحتاجه المرء لتقويم أحداث التاريخ هو الإلمام بها. ومن الواضح أن الدكتور خالد المبارك غير ملم بملابسات ثورة رفاعة، مما يفقده الحق في الخوض في تقويمها. فهي أولاً لم تكن ضد قرار كما قال، وإنما كانت ضد أثر عملي لقانون سنه البريطانيون في ديسمبر 1945. والقانون قد صدر بعد أشهر قلائل من انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبغرض التنصل عن التزامهم الناشيء بموجب وثيقة الأطلنطي الموقعة في أغسطس 1941 والتي التزمت فيها بريطانيا بمنح الشعوب المستعمرة حق تقرير المصير عند نهاية الحرب إن دعمت تلك الشعوب مجهود الحلفاء الحربي. ولعله لا يعرف أيضاً أن البريطانيين قد ناقشوا ذلك القانون في برلمانهم، على غير عادتهم فيما يتعلق بقوانين المستعمرات، وأن المناقشة رافقتها تغطية إعلامية، بغرض إقناع الرأي العام الغربي بأن السودانيين شعب متخلف يمارس عادة همجية كهذه، مما يوجب استمرار الوصاية البريطانية عليهم. ولعله لا يعرف أن هدلستون، الحاكم العام، قد اقترح بالفعل أن تستمر الإدارة الاستعمارية على السودان نحو عشرين سنة أخرى حتى 1966. إن هذه الملابسات هي التي قادت الحزب الجمهوري لمحاربة قانون الخفاض، مع عوامل أخرى ذكرت وقتها. ولقد كانت تلك الثورة منعطفاً هاماً لتقصير أجل الاستعمار.

يبدو أن الدكتور خالد المبارك لا يعرف شيئاً من هذا رغم أنه يربط مفكراته ببريطانيا، أو أنه لا يعرف كيف يستثمر معلوماته في التفكير. والحق أن المسألة لا تحتاج إلى تفكير، إذ أن الحزب الجمهوري قد بين أنه ضد عادة الخفاض. ففي كتاب معالم الذي أشرت إليه آنفاً وردت مقتطفات من أول بيان أصدره الحزب الجمهوري في عام 1946 ضد قانون محاربة الخفاض، أسوق منها العبارة التالية:- (لا نريد بكتابنا هذا أن نقف موقف المدافع عن الخفاض الفرعوني، ولا نريد أن نتعرض بالتحليل للظروف التي أوحت به لأهل السودان، والضرورة التي أبقته بين ظهرانيهم إلى يومنا هذا. ولكننا نريد أن نتعرض لمعاملات خاصة، وأساليب خاصة، وسنن خاصة سنتها حكومة السودان، أو قل ابتدعتها ابتداعاً وأرادتنا أن ننزل على حكم ابتداعها إرغاماً). وورد أيضاً (ومن الآيات الدالة على سوء القصد في هذه الأساليب، إثارة الخفاض الفرعوني في هذا الظرف، وأساليب الدعاية التي طرقتها له، والطرق التي ارتأتها مناسبة لإبطاله، والقضاء عليه. ولقد جاءت هذه الآيات دليلاً واضحاً على التضليل المقرون بسبق الإصرار). هذا هو محتوى بيان الحزب الجمهوري الأول في 1946 بشأن قانون الخفاض، فهل يجوز لأحد أن يقول أن الأستاذ محمود محمد طه دافع عن الخفاض؟ الحق أني لا أعتقد أن كاتباً يحترم قلمه وقراءه والدرجة العلمية التي يحملها يمكن أن يغالط الحقائق على هذا النحو المؤسف ويذهب ليناصر ما يسميه بالحداثة. وأي حداثة في محاربة العادات المتأصلة بالقوانين؟ ولماذا لم يصدر الإنجليز قانوناً لمحاربة الخفاض منذ 1898؟ وماذا فعلوا في مجال التوعية باعتبارها الوسيلة الناجعة لمحاربة العادات الضارة؟ إن الدكتور يغفل كل ذلك ويذهب ليصور المسألة بأن المرء إما أن يكون ضد الخفاض وعليه مناصرة ذلك القانون الإنجليزي، وإما أنه يشجع الخفاض. هل رأيتم هذا اليسر الذي يتناول به الأمور؟

لا أريد أن أطيل هنا في تتبع ما قال الدكتور خالد المبارك، إذ سأفعل ذلك في حيز آخر، ولكن لابد أن أعرض لقوله:- (قيل للعامة: "يريد الإنجليز أن يتدخلوا في كل شيء حتى .. بناتكم). وهي عبارة توحي إلى القاريء بأن الأستاذ محمود قال كلمة بذيئة يعف قلم الدكتور خالد المبارك عن ذكرها. حسب الدكتور ذلك من السوء. أن من ضمن ما قاله الأستاذ يومئذ عن ذلك القانون العجيب أنه يحارب عادة الخفاض بطريقة "تعرض حياء المرأة السودانية للابتذال، وعلى الحياء تقوم الأخلاق كلها، والأخلاق هي الدين". ثم أن الأستاذ لو كان يتلفظ بهذه الألفاظ، لما ثار للعرض وكرامة المرأة، ولما هبَّت من خلفه مدينته التي تعرف خلقه. إن ما قاله الأستاذ معلوم ومرصود، فمن أين أتى الدكتور خالد المبارك بهذه الكلمات؟ هل له أن يجيبني؟ وهل هذه هي مساهمته في تنوير الشعب السوداني الذي اقتطع من لقمة عيشه الخشنة ليعلمه إلى هذا المستوى الرفيع؟

حسبي هذا الآن، وسأحاول متابعة ما قاله الدكتور خالد المبارك في حيز آخر.

طه إسماعيل أبو قرجة
المنامة، البحرين، في 11 ديسمبر 2002

Post: #30
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 01:11 PM
Parent: #29


إعادة تعليم المتعلمين

عبد الله عثمان - 13 ديسمبر 2002

عندما طالعت "أنصاف حقائق" الدكتور خالد المبارك المنشورة بجريدة الرأي العام، 18 نوفمبر 2002م، طالعني أول ما طالعني دعوة الأستاذ محمود لإعادة تعليم المتعلمين، ذلك امر نحن أحوج ما نكون له اليوم أكثر من أي وقت مضي، خاصة و قد تصادف تاريخ النشر مع مرور أربعة و ثلاثين عاماّ علي مهزلة محكمة الردة الأولي التي ذهبت أدراج الرياح. لقد ظل الدكتور خالد المبارك يردد أنصاف حقائقه هذه و قد نشرها من قبل في جريدة الحياة اللندنية و تم الرد عليه في حينه و لكن لا ضير أن يتم الرد مرة أخري لمن عسي يحتاجون لتكرار.

إن "حادثة رفاعة" المشار إليها، إتخذها الأستاذ محمود سبباّ لإزكاء روح النضال ضد المستعمر الإنجليزي، و قد كان رأي الأستاذ محمود أن مثل هذه المسائل الإجتماعية المعقدة لا تتم معالجتها و لا محاربتها عن طريق القانون، و إنما عن طريق التربية و طالب الإنجليز بفتح المدارس للفتيات بدلاّ عن سن القوانين. و لم يفت عليه أن الإنجليز إنما رموا لذلك بتصوير الشعب السوداني علي أنه شعب متخلف يستحق الوصاية لإطالة أمد إقامتهم بالبلاد. هذا بإختصار ما كان من أمر "حادثة رفاعة" و لمن أراد التفاصيل أرجو مراجعة كتاب "الخفاض الفرعوني" المشور بإسم الإخوان الجمهوريين.

يقيني أن دكتور خالد المبارك إنما يريد مجداّ أكاديميا، متقمصاّ لذلك روح أبي العلاء "و إني و إن كنت الأخير زمانه لآت بما لم تستطعه الاوائل" ، ذلك ديدن طلاب المجد في غير محله، وتكون موجدتهم أكبر علي أصحاب الفكر الحر، كما عبر التجاني يوسف بشير "و إنما للناس موجدة علي أصحابه". كأني بالدكتور يريد أن يقول للناس " أتيت لكم بالديب من ديلو"، ذلك معمي بكثير تحذلق أكاديمي و أمثال عامة الإنجليز و لكن لا ضير فإن دعوة الأستاذ محمود تتجذر الآن في عقول و قلوب ملايين المحبين من "كوستي" إلي "كوستاريكا" و من "جاكارتا" إلي "ألسكا" و تعاد الآن طباعة كتبه بالعديد من اللغات الحية و تقام له و لدعوته أقساماّ خاصة في مراجع الجامعات و سيظل "النعام" دافناّ رأسه في رمال السودان و سيظل "ريش النعام" لا يرواح مكانه بين متحف التاريخ الطبيعي و دار جامعة الخرطوم للنشر، و ل "مربع" طول السلامة.

عبدالله عثمان- واشنطون

* نشر هذا المقال في باب "بأقلام القراء" بصحيفة "الرأي العام" في 13 ديسمبر 2002

Post: #31
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 01:12 PM
Parent: #30


محمود محمد طه مرة أخرى
ماذا حدث للجمهوريين؟

د. خالد المبارك

(نشر المقال بسودانيل بتاريخ 20 ديسمبر 2002)

لم أصدق عيني عندما طالعت سيل السباب والاتهامات في مقال غاضب كتبه د.عمر القراي بعنوان: أنصاف الحقائق أم أنصاف المثقفين؟ (سودانايل 5/12/2002م )، كان أكثر ما يميز الجمهوريين أنهم يستمعون في حلقات النقاش الجامعية بصبر ووقار. يتريثون حتى يكمل الطرف الآخر عرض حجته ثم يردون في هدوء وبرود مفندين النقاط الجوهرية ومتجاهلين الاستفزاز والإدانة بالردة أو الخروج علي الملة. وفسّر البعض انجذاب الطالبات إليهم بميلهن الغريزي نحو التهذيب وعفة اللسان ونفورهن من العنف اللفظي أو الجسدي في حلقات أخرى.

سأرد علي الكاتب الكريم بالأسلوب الذي تخلي عنه، مركزاً بموضوعية علي لب القضية ومتجاوزاً جارح القول والتراشق بالألفاظ.

أولاً: لب الموضوع هو الموقف من التراث السوداني التقليدي. هل ننظر إليه باعتباره موروثاً كاملاً جديراً بالحماية والنقل للأجيال اللاحقة أم نفحصه بعين ناقدة تستبصر وتنتقي الطيب فتعلي شأنه والخبيث فتلفظه؟ في رأي المتواضع أن تراثنا به إيجابيات نادرة المثال (أشرت لبعضها في بحثي: الديموقراطية في الثقافة السودانية) لكنه يحتوي أيضاً علي مثالب أبرزها العنصرية والعصبية القبلية وبعض الممارسات والعادات اللاإنسانية الذميمة وعلي رأسها في السودان الشمالي الخفاض الفرعوني، لم أقل أن الاستعمار كان جمعية خيرية لا تعبر عن أي مصالح. ما أقوله هو أن الإدارة الاستعمارية اتخذت إجراءات إنسانية تحديثية مثل إلقاء الرق وتحرير الأرقاء ومثل تحريم الخفاض الفرعوني. نذكر أن قادة السودان الشمالي قدموا مذكرة للإدارة الاستعمارية تعارض تحرير العبيد. وفي موقف مؤازر قاد الأستاذ محمود محمد طه انتفاضة احتجاج علي تحريم الخفاض. ليس من العدالة ولا الموضوعية في شي تصوير موقفي بأنه دفاع عن الاستعمار. وقد سبق لي أن عالجت هذا الموضوع في مقال (الأسد البريطاني والحمائم البريطانية(السودان الدولي 21/2/2001م) أوردت فيه موقف النائب البريطاني جون مورلي الذي انتقد حملة استرداد السودان ووصف معركة كرري بأنها (فظائع أم درمان) ورامزي ماكدونالد الذي دعا بلاده إلي الاهتمام بفقراء الحي الشعبي بلندن بدلاً عن محاولة إخضاع الخليفة عبد الله. كما اقتطفت قول وليام كلارك بأن الاستعمار نقيض الحكم الديموقراطي وأن حروب التوسع الاستعماري لا علاقة لها بمصالح الشعب البريطاني بل بكبار الممولين الذين يسيطرون علي الصحف والرأي العام بالشعارات الوطنية، وخلصت إلي أن هذه (الأصوات المنسية) لم تحدد مسار السياسة البريطانية لكن معرفتها ضرورية (إذا أردنا أن نستشرف مرحلة جديدة نفك فيها قيود الماضي وإحنه).

ثانياً: ما هو الهدف من إقحام انتمائي السابق للحزب الشيوعي في آرائي الحالية عن الخفاض الفرعوني ودور الأستاذ محمود محمد طه؟ يبلغ الذين ولدوا عام 1972م (عندما استقلت من الحزب) الثلاثين من أعمارهم الآن. ويكفي أن أقول إنني غيرت موقفي قبل انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي بحيث لا يمكن أن أتهم بأنني قفزت للنجاة من سفينة غارقة، كما أنني لم افعل أثناء عضويتي ما يخزيني أو يشين ذريتي.

ثالثاً: القول بأنني أستاذ إنجليزي فقط، وما يتبعه من إيعاز بأن أترك شؤون الدين والسياسة للآخرين منطق مختل. اللغة ومناهج البحث أدوات يحق لمن يمتلك ناصيتها أن يوجهها كالضوء الكاشف في أي اتجاه يروقه، فلنضرب مثلاً: الأستاذ محمود محمد طه درس الهندسة باللغة الإنجليزية لكن كل مؤلفاته (ولدي مجموعة كاملة منها) دينية وسياسية باللغة العربية، لم أقل علي الإطلاق أنه كان ينبغي أن يحصر نفسه في القضايا الهندسية. يوسف إدريس طبيب لكنه ترك لنا تراثاً في القصة القصيرة لا في الطب. كان إسماعيل الأزهري أستاذ رياضيات لكنه ألف (الطريق إلي البرلمان) وأسس وقاد حزباً سياسياً، لم يدرس عبد الخالق محجوب العلوم السياسية (بل كان مثلي طالب أدب إنجليزي) لكن الباحثين في العلوم السياسية يجمعون ويحللون أقواله وأفعاله الآن. والقائمة تطول.

رابعاً: لقد دافعت عن الأستاذ محمود محمد طه عندما شنق وأحرقت كتبه، في وقت صمت فيه كثير من الذين يضعونه فوق النقد الآن. وقد ذكرت في مقالي أنه أصاب وأخطأ ولم أظلمه، قرنت ذلك بالحديث عن موروثنا الصوفي الذي يجعلنا ننقل (طاعة المريد لشيخه) من الطائفة الدينية للحزب السياسي، وقد كتبت بحثاً طويلاً عن هذا الموضوع بعنوان: Individualism and Politics in Sudan نشر في كتاب عن أزمة الفرد في الشرق الأوسط (لندن 2001م) وسيترجم إلي اللغة العربية قريباً.

خامساً: البروفيسور أمين الكارب هو الذي قال لي إن أبناء جيل الأستاذ محمود محمد طه أعجبوا بأسلوبه في الحوار وجديته وتفانيه وآزروه حتى اكتشفوا أن يدعي تفرداً خارقاً فابتعدوا بمعروف. وليس خافياً أن الشاعر محمد المهدي مجذوب كان من الذين أعجبوا في البداية بالصفات الحميدة التي ذكرها الكارب. وقد نظم أستاذ الجيل عبد الله الطيب قصيدة عصماء في رثاء ابن جيله محمود محمد طه عندما شنق وأحرقت كتبه.

تحصلت علي القصيدة ونشرتها كاملة في الملحق الثقافي الذي كنت أشرف عليه (بالصحافة).

سادساً: ما هي الامتيازات الخاصة التي نالها خالد المبارك والتي تقارن بوضع قادة الجمهوريين؟ دخلت وأسرتي من سفارة بريطانيا بالكويت، ومما يحمد لتلك السفارة أبلغت مئات المسافرين علي طائرة الخطوط الجوية البريطانية التي كان من المفترض أن تقلع يوم 2/8/1990م (يوم اجتياح صدام حسين للكويت) إن الاحتلال لا يلغي التأشيرة وأن المسافرين سوف يسمح لهم بدخول بريطانيا إذا ما وصلوا من قطر مجاور.

وصلت مع أسرتي من الأردن. ونلنا اللجوء السياسي نتيجة لتوصية من منظمات حقوق الإنسان (ولي بها صلات قديمة) واستناداً علي مقالات نشرتها بالكويت ضد حل الأحزاب والنقابات وإلغاء الحريات الأكاديمية وتزايد القهر ضد المعارضين في السنة الأولي (التمكينية) من عهد (الإنقاذ الأول) المتشنج.

عملت بمركز تلفزيون الشرق الأوسط بفضل وساطة صديق وزميل دراسة هو الأستاذ عمر عبد الله محمد خير (الذي كان مديراً لشؤون الأفراد بتلك المحطة التلفزيونية) واشترينا منزلنا في تلك الفترة بحر مالنا، ولا نزال نسدد الأقساط المتبقية. أشارك في المؤتمرات والحلقات الدراسية عندما يدفع القائمون تكلفة السفر والإقامة وأعتذر إذا لم يفعلوا. وقد عملت أيضاً (الحاضر يكلم الغائب!) بائعاً في متجر وحارساً ليلي في بنك اسكتلندا لمدة عام كامل. وكنت وما أزال سعيداً بذلك لأن كرامة قلمي وموقفي ككاتب أهم عندي من الرعاية المشروطة مهما كان مصدرها.

سابعاً: مكانتي ككاتب وأكاديمي لا يحددها الجمهوريون أو د. عمر القراي، بل ستصدر الحكم فيها أجيال لاحقة لنا، أعلم منذ الآن أنهم سيرصدون في مساهمتي إيجابيات وسلبيات، إنجازات وتقصيرات، صواب وخطأ. فأنا - مثل الأستاذ محمود محمد طه - بشر، الشي المؤكد عندي منذ الآن هو أنهم لن يوردوا في قائمة عيوبي التردد في قول كلمة الحق خوفاً من ردود الفعل الغاضبة من أية جهة كانت، فأنا لا أخشى الاستمساك بالرأي الذي أراهـ سديداً حتى إذا أغضب ذلك الجمهوريين الجدد المتسلحين بالاتهامات والسباب الجارح، أو أغضب غيرهم.

وختاماً: لم أكتب ما كتبت بالتشاور مع الدكتور محمد محمود ولا بالتنسيق معه، ولا أعلم ما إذا كان قد اطلع علي مقالي أم لا. ولا أري معني لإقحامه في الموضوع والتهجم عليه في معرض الدفاع الخاسر عن وصمة محزنة في سجل الحركة الوطنية.

وأقول للحقيقة والتاريخ إنني لم أشترك في الاحتفال الذي أقامته المنظمة السودانية لحقوق الإنسان عن الأستاذ محمود محمد طه كما يذكر د. القراي ولم أشرف علي إخراج فيلم عن الخفاض الفرعوني كما يجزم الأستاذ الفاضل الذي أتمني أن يستوثق من مصادره ومعلوماته قبل توزيع الإدانات. لم أتشرف بالتعرف علي د. القراي من قبل، إلا أنني - رغم الخلاف - لا أنعته بالسطحية أو أعتبره نصف مثقف أو جاهلاً أو حاسداً أو متطاولاً أو غير ذلك من الأوصاف التي خصني بها. لكني أقول إنه يؤكد نظريتي القائلة بأننا ننقل الولاء الصوفي الديني من قادة الطرق الصوفية إلي قادة الأحزاب السياسية فنضفي عليهم قداسة ترفعهم فوق النقد وتدفعنا إلي إنكار نقاط ضعفهم والتصدي لمن يتجرأ علي ذكرها حتى إذا كانت أوضح من الشمس في صيف ديم القراي.

Post: #32
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 01:13 PM
Parent: #31


هذا هو الدكتور خالد المبارك!!

د. عمر القراي - 20 ديسمبر 2002

(( إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون * ولو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم ولو اسمعهم لتولوا وهم معرضون )) صدق الله العظيم

فى ردي السابق على د. خالد المبارك ، لم أكن متحاملا ، ولم أفارق أدب الدين أو اسلوب الجمهوريين ، ما ينبغي لي ذلك وما أستطيع .. ولكنني نزلت عن التوجيه الإلهي في قوله تعالى (وقل لهم في أنفسهم قولا بليغا) .. والقول البليغ هو الذي يبلغ موطن الداء من نفس المخاطب ، عله يحدث لأمره مراجعة ، فينتفع من ذلك .. فأنا لا أكره د. خالد المبارك ، ولا أحارب شخصه ، ولكن موضع بغضي وحربي ، هو ما تنطوي عليه شخصيته من سطحية في الفهم ، وجهل بالحقائق ، وزيف ، وغرور ، وتطاول لا يليق بالمثقفين الأحرار ..


جوهر القضية:

فما هو جوهر القضية ؟! جوهر القضية الذي تحاشى د. خالد المبارك التعقيب عليه سلبا أو إيجابا في مقاله الأخير ، هو أن الأستاذ محمود محمد طه لم يكن يؤيد الخفاض الفرعوني ، وإنما كان يقاوم الإستعمار .. وهو لملابسات شابت قانون تحريم الخفاض استغله كنموذج لتصعيد حركة النضال الوطني ، ولقد أُثبت هذا من مصادر منشورة وموجودة كلها في في صفحة الجمهوريين على "الانترنت" .. فلو كان د. خالد المبارك مثقف جاد ، يقدر العلمية والموضوعية لاعتذر عما كتب ، ولذكر صراحة أنه لم يكن يعلم ذلك .. أو لطعن في صحة ماذكرناه أو شكك فيه .. لكن أن يترك الموضوع جانبا ، وينشغل بالدفاع عن نفسه ، وكيف أنه لا يدافع عن الاستعمار ، فإن ذلك انما يؤكد معنى ماذكرت في المقال ، الذي ظن أنه أجحف في حقه .. فأى مثقف هذا الذي يشغل نفسه بموضوع مثل الخفاض الفرعوني ، فيخرج عنه فيلما ، ويهاجم بسببه شخصية عامة ، ثم هو بعد ذلك لا يقرأ ما كُتب عن هذا الموضوع الذي شغل به وقته ؟!


مقارنة جائرة:

يقول د. خالد المبارك "نذكر أن قادة السودان الشمالي قدموا مذكرة للإدارة الاستعمارية تعارض تحرير العبيد . وفي موقف موازر قاد الأستاذ محمود محمد طه انتفاضة احتجاج على تحريم الخفاض الفرعوني"!!

وما دام د. خالد المبارك يظن ان موقف الأستاذ محمود يشبه موقف هؤلاء القادة ، فلماذا لم يذكرهم بالاسم ، ويصفهم بالرجعية ، والتخلف ، كما وصف موقف الأستاذ محمود؟! ألأنهم هم الذين لا زالوا يملكون الصحف التي ينشر فيها د. خالد المبارك مفكرته السودانية البريطانية؟! أم لأنهم يملكون الأحزاب الكبيرة التي لا يود د. خالد المبارك أن يقطع فيها العشم؟!

ان المذكرة التي أشار اليها د. خالد المبارك ، رفعها السيد علي الميرغني ، والسيد عبد الرحمن المهدي ، والسيد الشريف الهندي ، رحمهم الله ، للحاكم العام البريطاني يطلبون منه اعادة النظر في قرار تحرير العبيد .. ولما كان زعماء الطائفية ، اصحاب اقطاعيات كبيرة ، فقد ذكروا في تلك المذكرة ، أن تحرير العبيد ، قد يؤدي الى فقدان العمال الزراعيين ، ونقص المواد الغذائية!! هؤلاء اقطاعيون يدافعون عن مصلحتهم الإقتصادية والسياسية ، وهم اصدقاء للإنجليز يتوددون اليهم بما يطيل بقاءهم ، ويعود عليهم بألقاب "الشرف" التي منحها لهم المستعمر .. فهل يمكن لرجل عاقل ، أمين ، أن يقارن هؤلاء برجل واجه المستعمر فسُجن ، ثم حين أطلق سراحه ، انتقد المستعمر مرة اخرى ، وقاد ثورة استهدفت كسر هيبة الاستعمار ، بمعارضة قوانينه ، وتوضيح أسباب مقاومتها ، وهو في ذلك يستهدف حد سلطان الاستعمار من ان يتدخل في اخلاق الشعب وعاداته ؟!

لقد نعى الأستاذ محمود محمد طه ، على هؤلاء الزعماء ، تقسيم البلاد باسم الطائفية ، وهاجمهم لتعاطفهم مع المستعمر ، فقد جاء في بيان أصدره الحزب الجمهوري في 18/2/1946م (ياجماعة الأشقاء وياجماعة الأمة – أيها القاسمون البلاد باسم الخدمة الوطنية – أيها القادحون قادحات الاحن بين أبناء الأمة – أيها المذكون ثائرات الشر والتفرقة والقطيعة ، أيها المرددون النغمة المشئومة – نغمة الطائفية البغيضة – انكم لتوقرون أمتكم وقرا يؤودها ..

ياهؤلاء ، وهؤلاء ، أنتم تلتمسون الحرية بالانتماء الى المصريين فتتمسكون بأسباب رمام ، وأنتم تلتمسون الملك بالبقاء تحت الانجليز فتتهيأون لدور الهر الذي يحكي بانتفاخه صولة الضرغام .. أنتم تريدون ابقاء المصريين ، وأنتم تريدون ابقاء الانجليز ، فاذا اجتمعت كلمتكم فانما تجتمع على ابقاء المصريين والانجليز معا ..

ياهؤلاء ، وهؤلاء ، أنتم تتمسحون بأعتاب المصريين لأنكم لاتقوون على مواقف الرجال الأشداء ، وأنتم تتمسحون بأعتاب الانجليز لأنكم صورتم المجد في أخلادكم صورا شوهاء .. أنتم تريدون السلامة ، وأنتم تريدون الملك .. أنتم تضيعون البلاد لمّا تجبنون وأنتم تضيعون البلاد لمّا تطمعون .. أنتم تستغلون سيدا لايعرف ماتريدون ، وأنتم يستغلكم سيد يعرف مايريد ، والبلاد بينكم أنتم ، وأنتم ، على شفا مهواة ومهانة ..) راجع "معالم" – صفحة الجمهوريين بالانترنيت ..

هذا هو موقف الأستاذ محمود من زعماء الطائفية ، وذلك هو موقفه من الاستعمار ، فليبحث د. خالد المبارك عن شبيه لهذه المواقف ، وليأتنا به ان لم يرتد اليه ( البصر خاسئا وهو حسير) ..



العيب ليس في التخصص:

يقول د. خالد المبارك "القول بأنني استاذ انجليزي فقط وما يتبعه من ايعاز بأن اترك شئون الدين والسياسة للآخرين منطق مختل" .. الحديث عن ان د. خالد المبارك استاذ انجليزي ، لم يساق في باب التخصصات.. ولا هو يعني التقليل من شأن اللغة الانجليزية ، ولا يعني بالطبع أنه يجب ألا يتحدث في الدين والسياسة ، للأسباب البديهية التي ذكرها ، ولغيرها ، مما هو أهم منها .. ومن ذلك ، ما ظللنا نؤكده ، مرارا ، من أن معرفة الدين لا تنال بالدراسة ، وانما تتم بممارسة التقوى ، على قاعدة : (واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم) .. ولكن الحديث قد سيق في محاولة لتفسير جهل د. خالد المبارك ، و د. محمد أحمد محمود ، بتاريخ النضال الوطني ومنه حادثة رفاعة .. فلولم يكونا مشغولين بدراسة اللغة الانجليزية ، وحدها ، دون دراسة التاريخ ، والاجتماع ، والسياسة ، لعرفا كما يعرف الكثير من المثقفين ، كافة ملابسات ذلك الحادث المشهور ، خاصة ، وانها رصدت في مصادر عديدة ، ودارت حولها نقاشات مع عدة شخصيات من السبعينات ..

ومن سلبيات افناء العمر ، في دراسة اللغة الانجليزية ، هذا الاعجاب الخفي بالانجليز، الذي حاول د. خالد المبارك نفيه بشدة في مقاله الأخير، ولكنه يطالعك في كل صفحة من صفحات المقال!! ألم يحمد للسفارة البريطانية ، عدم الغاء تأشيرة دخوله ، بسبب اجتياح صدام الكويت ؟!

وليس هذا هو خطأ د. خالد المبارك وحده ، وإنما هو أثر من آثار الاستعمار.. فقد ركز المستعمر في أذهان السودانيين ، أن المثقف هو الذي يعرف لغة الانجليز ، وثقافتهم ، فأهمل المتعلمون من السودانيين ، معرفة دينهم ، وتراثهم ، وثقافتهم ، وتاريخهم ، وانشغلوا بتحصيل اللغة الانجليزية ، وثقافة الغرب .. فأصبح أحدهم يغضب اذا طعن في معرفته بالثقافة الغربية ، ولكن لا يتحرج أن يذكر أنه لا يعرف عن الاسلام ، ما يكفي للحوار ، مع كوادر الجماعات الاسلامية ، التي حين وجدت الميدان الفكري خاليا ، من المثقفين ، توسعت على حساب الأحزاب التقليدية ثم قفزت الى السلطة..

وإذ انتبه د. خالد المبارك ، ود. محمد احمد محمود ، مؤخرا ، لقضايا الدين والسياسة ، فإن هذا الاهتمام لم يكن صادقا ، ولا أصيلا ، وآية ذلك السطحية ، وعدم الإلمام ، الذي تناولا به أفكار ، وتاريخ حركة عتيدة ، مثل حركة الجمهوريين ..


نرجسية مفرطة:

لقد أخذت في مقالي السابق على د. خالد المبارك ، حديثه غير المسئول، عن الجمهوريين .. وذلك حين قال "ولعل دعوة الاستاذ محمود محمد طه للاعتراف باسرائيل هي السبب المباشر في الرعاية الحميمة التي ينالها اتباعه في الغرب اينما حلوا" !! ولقد جاء في ردي على ذلك ، في مقالي السابق ، قولي "فأي رعاية يتمتع بها الجمهوريون في الغرب ؟! وماذا تلقوا أكثر مما تلقى د. خالد المبارك مثلا ؟" كان هذا هو السؤال الذي وجهته لدكتور خالد المبارك ، فلم يجب على السؤال ، ليوكد أن الجمهوريين تلقوا رعاية خاصة في الغرب ، تفوق ما تلقاه هو، أوغيره من السودانيين .. كما أنه لم يوافق على أن وضع الجمهوريين ، يشبه أوضاع غيرهم من السودانيين ، كما ذكرت له!! بل ترك كل ذلك جانبا ، وذهب يحدثنا عن نفسه ، ونضاله الذي أعطاه الحق في اللجوء ببريطانيا !! اسمعه يقول (ماهي الامتيازات الخاصة التي نالها خالد المبارك والتي تقارن بوضع قادة الجمهوريين؟ ...

وصلت مع أسرتي من الأردن. ونلنا اللجوء السياسي نتيجة لتوصية من منظمات حقوق الانسان «ولي بها صلات قديمة» واستناداً على مقالات نشرتها بالكويت ضد حل الأحزاب والنقابات وإلغاء الحريات الأكاديمية وتزايد القهر ضد المعارضين في السنة الأولى «التمكينية» من عهد «الانقاذ الأول» المتشنج.)..

ويفهم من هذه القصة ، أن د. خالد المبارك ، لم يضهد في السودان ، لأنه كان في الكويت .. ولكن حصل على اللجوء السياسي ، بسبب مقالات نقد فيها حكومة الإنقاذ في السودان وهو في الكويت!! فما ظنه بمن رفض الانصياع للجبهة ، وهو داخل السودان ، وفصل من عمله ، وطورد في وطنه ، ثم حصل على اللجوء ، مثله ، لأنه كان أرسخ قدما ، وأسبق عهدا ، بمواجهة الجماعات الأسلامية ، قبل وبعد وصولها للسلطة ، ولأن لديه توصيات من منظمات حقوق الانسان أيضا؟!

فإذا كان هؤلاء لا يستحقون أن يحصلوا على مجرد اللجوء السياسي، في الغرب ، فما الذي يجعل د. خالد المبارك يستحقه ويحصل عليه ؟! هذا علما بأن د. خالد المبارك ، لم يستطع ان يحدثنا عن امتيازات اخرى ، يستمتع بها الجمهوريون ، دون سواهم في الغرب .. ان السؤال لا يزال قائما، وعجز د. خالد المبارك عن مواجهته لا يزال ماثلا !!

عمر القراي

Post: #33
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 01:13 PM
Parent: #32


ثورة رفاعة 1946
التاريخ بين المثقفين المصريين والمثقفين السودانيين

خالد الحاج عبد المحمود - رفاعة - ديسمبر 2002


ان الأمم تهتم بتاريخها، وتاريخ عظمائها، وترصد الأحداث التي مرت بها، وتجعلها حية، في عقول، وقلوب، ابنائها وبناتها كي تهتدي بها في حاضرها وتخطط عبرها لمستقبلها.
لقد لفت نظري، البون الشاسع، بين المثقفين السودانيين، والمثقفين المصريين، في اهتمامهم بتاريخ بلادهم، وموقفهم منه، واهنمامهم بالرواد الذين صنعوا ذلك التاريخ فقد وجدت المصريين- وكثيرون غيرهم- يهتمون اهتماماً بالغاً بتاريخ بلادهم، واحداثه ورجاله.. يخلدونه، وينشرونه من خلال البحث العلمي الجاد، ومن خلال العمل الفني الرفيع، حتى يظل حيا في وجدان الأمة.. أقول هذا، وأنا قد تابعت، هذه الأيام، مسلسلا مصريا حول حياة وافكار " قاسم أمين".. والمسلسل لايؤرخ لقاسم أمين فقط ، وإنما لكل الزعماء والمفكرين، والساسة، الذين عاصروه، على مختلف مشاربهم، وأفكارهم .. وهؤلاء مثل: الشيخ المجدد محمد عبده، والمفكر لطفي السيد، والزعيم سعد زغلول والرائد الوطني الكبير مصطفى كامل، والشعراء حافظ وشوقي، والرائد الاقتصادي طلعت حرب، الى آخر هؤلآء النفر الكرام، من رواد نهضة مصر الحديثة.. وكذلك يعرض هذه الأيام في العديد من القنوات المسلسل المصري: "فارس بلا جواد".. ومن خلال أحداث هذا المسلسل، أبرز المخرج أحداث قرية دنشواي المصرية في مواجهة الاستمار الانجلبزي، بصورة قوية مؤثرة، خصوصا المشهد الدرامي لاعدام بعض أفراد القرية على يد الانجليز- وهو مشهد استفاد فيه المخرج، من مشهد اعدام عمر المختار، في الفلم الذي صرفت ليبيا مبالغ هائلة لاخراجه، وتخليد سيرة بطلهاالعظيم، وقد اسندت البطولة في هذا الفلم للمثل العالمي الكبير"انطوني كوين" وقد استطاعت ليبيا عبر الفلم أن تجعل شخصية عمر المختار ونضاله، حيا، ليس في وجدان الشعب الليبي فقط، وانما في وجدان الشعوب العربية عامة.
ونحن لانجد حدثاً، أوشخصاً، في تاريخ مصر – منذ الفراعنة، وحتى ثورة يوليو – الا وقد قامت الجهات الرسمية والمثقفون، بابرازه، وتخلبده، من خلال الدراسة والنشر ومن خلال وسائل الاعلام المختلفة أو من خلال عمل فني، أونصب أوتسمية مرفق، أو شارع باسمه.. وما من زائر يزور وسط مدينة القاهرة الا ويطالعه طلعت حرب مثلاً، في تمثال أقيم له، في ميدان هام، سمي باسمه، وكذلك العقاد وكل الرواد، حتى شامبليون الأجنبي، خلدوه بتسمية شارع هام، في وسط القاهرة باسمه عرفاناً لما قام به من دور خطير في تاريخ مصر- وبهذه المناسبة.. ماذا فعلنا نحن بالدكتور هكوك؟!! الى اين انتهت قضية مقتله وأين أوراقه؟!!
وماذا فعل تلاميذه في مواصلة دراسته العلمية الجادة في تأصيل تاريخ السودان القديم؟ لو كنت، في مكان القرار بجامعة الخرطوم لقمت، على الأقل، بنسمية قاعة هامة من قاعات الجامعة باسم دكتور "هكوك" عرفاناً ووفاءاً، لوفائه.
عموما أنت لاتجد حدثاً أو شخصاً، له دور في تاريخ مصر القديم، أو الحديث والمعاصر، الا وتجدهم قد خلدوه من خلال عمل ما، لا يختلف في ذلك الزعبم الديني عن السياسي، أو الاقتصادي، أو الأديب والمفكر، والفنان.. حتى الشيخ الشعراوي المعاصر أخرجوا عنه مسلسلا، يعرض هذه الأيام تحت اسم "امام الدعاة " وهذا أمر ليس فاصرا على المثقفين المصريين، وانما تجد له ضريبا في معظم بلدان العالم.
فاين نحن من ذلك؟! ماهو دور الحكام، والمثقفين عندنا، منذ الاستقلال وحتى اليوم في هذا الصدد؟! لاشئ يذكر.. ان الكثير من المتعلمين عندنا يجهلون الرواد من الساسة والوطنيين، ومن رجال الدين والمفكرين، ومن الفنانين المبدعين.. فقل لي بربك كم من المتعلمين عندنا، سمع ـ مجرد السماع ـ بالمفكر والاديب الفذ معاوية نور؟! انا علي يقين من ان شخصية، مثل شخصية الشيخ بابكر بدري كرائد للتعليم وتعليم المرأة بالذات، لو كان مصريا، لخلدوه باكثر من عمل، خصوصا أن الرجل قد جعل الأمر ميسرا لذلك، بما كتب من مذكرات ضافية.
وليت الأمر وقف عند مثقفينا، عند مجرد السلبية، ولكنه، وبكل أسف وصل عند بعض، حد الجحود، وعدم الأمانة الفكرية، بسبب من العداوات الشخصية الضيقة أو بسبب السعي في التقرب الى جهات، يطمعون في التقرب اليها!! لقد وصل الأمر ببعض مثقفينا الى حد العمل على تشويه تاريخنا الناصع!! ولكن هيهات!! هيهات!!

Post: #34
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 01:14 PM
Parent: #33


مقال د. خالد المبارك يكشف عن حقائق مؤسفة (1 من 3)
متى يرفع السودانيون أصواتهم استنكاراً لتزييف التاريخ؟

طه اسماعيل أبوقرجة - 25 ديسمبر 2002

بتاريخ الأربعاء 11 ديسمبر 2002 أرسلت مقالاً قصيراً إلى صحيفة الرأي العام رداً على مقال الدكتور خالد المبارك الذي نشرته ذات الصحيفة في عددها بتاريخ 18 نوفمبر 2002 تحت عنوان (مفكرة سودانية بريطانية.. محمود محمد طه وأنصاف الحقائق)، والذي تعرض فيه للأستاذ محمود محمد طه، ولثورة رفاعة التي قامت في عام 1946 في مواجهة قانون محاربة الخفاض الفرعوني الذي سنته الإدارة الاستعمارية. لم يحظ مقالي بالنشر، ولعل صحيفة الرأي العام قد اكتفت بنشر الرد الذي تفضل به الدكتور عبد المطلب بلة زهران على مقال الدكتور خالد المبارك. بيد أن بعض الإخوان قد تكرم بنشر مقالي في مواقع عديدة من شبكة الإنترنت.

ولما كنت قد وعدت في ذلك المقال برد أطول على مقال الدكتور خالد المبارك في حيز آخر، فقد كان لزاماً علي أن أفعل. ولقد حرصت أيضاً على الرد المطول لأسباب أخرى، منها أن الحوار حول الموضوع قد اتصل في بعض منابر السودانيين في شبكة الإنترنت، وقد بدت منه الحاجة إلى تسليط مزيد من الضوء على ثورة رفاعة، التي لم يقو جل المؤرخين على ذكرها. ومنها التنبيه إلى أمور خطيرة كشف عنها مقال الدكتور خالد المبارك. من هذه الأمور، احتمال تورط الأستاذ محمود صالح عثمان صالح، راعي مركز عبد الكريم ميرغني، في تزييف التاريخ، باتباع نهج انتقائي يفتقر إلى الأمانة في رصد وتسجيل وقائع التاريخ. ومنها أيضاً ذهول السودانيين حتى في مستوى قامة الدكتور خالد المبارك عن موت ما يسمى بالحركة السياسية السودانية.

هذا المقال يقع في ثلاثة أجزاء، أولها يتناول تزييف التاريخ، والثاني يناقش بعض ما أثاره الدكتور خالد المبارك، والثالث يلقي ضوءاً على ثورة رفاعة، ويعرِّف بقيمتها الحقيقية، باعتبارها الموقف الذي قاد إلى تقصير أجل الاستعمار البريطاني على السودان، وهي القيمة التي من أجلها حرصت جهات عديدة مؤثرة على إسقاط هذه الثورة من التاريخ. وسأحاول جهد الإمكان مناقشة بعض ما أثاره الدكتور خالد المبارك مناقشة موضوعية دون أن أغلظ عليه القول، وذلك لاعتبارات شتى، منها أن الدكتور خالد المبارك هو رغم ما قاله يعد من السودانيين المتعلمين النشطين القلائل، وذلك أمر يجب أن يحفظ له، وأن يشفع له.


خلفية عن مقال الدكتور خالد المبارك :

لمصلحة القراء الذين لم يقفوا على مقال الدكتور خالد المبارك، أفيد بأنه قد أقدم على كتابة مقاله إثر استماعه، على حد تعبيره، إلى تسجيل في شريط فيديو لحفل تقديم مجلدات "الوثائق البريطانية عن السودان" التي حررها الأستاذ محمود صالح عثمان صالح، راعي مركز عبد الكريم ميرغني، الذي أقيم بقاعة الشارقة بجامعة الخرطوم، حيث تحدث أحد أساتذة جامعة أم درمان الأهلية معبراً عن خيبة أمله لأن الوثائق لم تشمل ذكراً لنضال الأستاذ محمود محمد طه ضد الاستعمار رغم أن الإدارة الحاكمة اضطرت إلى إرسال فرقة عسكرية من الخرطوم لإخماد المقاومة التي قادها في رفاعة. وقال الدكتور خالد المبارك أن ذلك المتحدث أطرى على الأستاذ وحزبه الجمهوري بلا تحفظ. ومن هنالك مضى الدكتور ليقول أن ذلك الإطراء هو بسبيل من نظر السودانيين، في الشمال والجنوب، وفي اليمين واليسار، إلى القائد السياسي كشيخ للطريقة الصوفية. ثم مضى ليصف ثورة رفاعة بالرجعية، وبأنها من مخازينا لأنها كانت ضد قرار تحديثي. كما رمى الأستاذ محمود محمد طه بالبذاءة. وهو قد فعل كل ذلك لمقاومة ما أسماه مواصلة "الحديث عن القادة بانتقاء يسلط الضوء على الإيجابيات فحسب ويضلل الشباب لأنه ينطلق من أنصاف الحقائق وأسداس الحقائق ويغذي جينات النزعة الصوفية المتأصلة في أفئدة السودانيين". هذا هو لب المقال، وسأتعرض إلى فقرات منه في هذا الرد.


جل المؤرخين السودانيين لم يقووا على ذكر اسم الأستاذ محمود ولا الحزب الجمهوري :

قال الدكتور خالد المبارك في مقاله عن ثورة رفاعة:- (قيل لنا أنها مثل إضرابات الطعام في المدارس وإضرابات زيادة الأجور العمالية، مجرد ظواهر اجتماعية لمضمون سياسي هو رفض الاستعمار..)!!

ولابد أن أقول هنا للدكتور أن الكتابة بطريقة "قيل لنا" لا تليق به، خصوصاً في موضوع بهذه الأهمية والحساسية. وأنا أعفيه من أن يذكر لنا من قال ذلك، ولمن، ومتى، وأين.

ولما كان الدكتور خالد المبارك قد زعم في مقاله أن الأستاذ محمود محمد طه لم يدافع عن ثورة رفاعة بعد الاستقلال (وهو زعم خاطئ)، فإن عبارته هذه تفيد أن المشتغلين بالتاريخ السوداني هم الذين برروا ثورة رفاعة على ذلك النحو. وذلك إيحاء مضلل، لأن جل المؤرخين السودانيين قد فاتهم شرف ذكر هذه الثورة في كتبهم، بل صعب عليهم أن يوردوا اسم الأستاذ محمود محمد طه رغم أنه كان أول سجين سياسي في تاريخ الحركة الوطنية الحديثة وأصلب من قاوم الإرهاب الاستعماري، كما صعب عليهم أن يذكروا الحزب الجمهوري كأحد الأحزاب السودانية رغم أنهم ذكروا كبيرها وصغيرها، ورغم أنه أول حزب دعا إلى قيام جمهورية سودانية، ورغم أنه الحزب الوحيد الذي قام على مذهبية سودانية المنبت.

والحق أن تلك مؤامرة اغتيال معنوي قديمة ومخزية تضافرت على حياكتها أيد كثيرة. وما الاغتيال الحسي في يناير 1985 إلا فصل متأخر من فصولها التي ما برحت تتوالى. هذه المؤامرة هي التي ساقت أستاذ جامعة أم درمان الأهلية إلى التعبير عن خيبة أمله من إسقاط نضال الأستاذ محمود محمد طه ضد الاستعمار من الوثائق التي قال الدكتور خالد المبارك أنها حررها الأستاذ محمود صالح عثمان صالح.

إن التاريخ يجب أن يسجل بأمانة. ومن يدري، فلعل الله قد قضى بأن يجيء قريباً اليوم الذي يعلم فيه السودانيون بأن حركتهم الوطنية لم يكن فيها أنصع ولا أشرف من مواقف الأستاذ محمود، وعندئذ قد يهرع بعض المؤرخين لإصدار طبعات منقحة ومزيدة من كتبهم، يذكرون فيها اسم الأستاذ محمود، ونضاله، وثورة رفاعة، ويوردون اسم الحزب الجمهوري كأحد الأحزاب السياسية السودانية. إن اليوم الذي يعرف فيه السودانيون تاريخهم لآت، فلابد لليل التضليل والمضللين أن ينجلي. ويومها سيحاسب كل من أسهم في تزييف التاريخ، مثلما سيحاسب كل من كاد لهذا الشعب. وذلك حساب مخزي حتى وإن لم يلحقه عقاب. والحق أن مزيفي التاريخ هم بعض أدوات السياسيين الكائدين لهذا الشعب.


ألم يدافع خالد المبارك عن إسقاط نضال الأستاذ؟

بيد أن الدكتور خالد المبارك قد ورط نفسه، دون أن يقصد أو أن يدري، في تلك المؤامرة الرخيصة المزمنة التي تستهدف إسقاط اسم الأستاذ محمود محمد طه كلياً من تاريخ هذا البلد، إذ ذهب شوطاً بعيداً في مجافاة النهج العلمي حين رد على ذلك التعبير عن خيبة العمل قائلاً أن تلك الثورة كانت رجعية ومن مخازي السودانيين. وهو قد فعل ذلك دون يستنكر تغييب هذا التاريخ، أو يأسف لوقوعه، أو يستعلم عن دوافعه، أو يستقصى أمره. بل أنه أسرف على نفسه فتجرأ على رمي الأستاذ محمود محمد طه بالبذاءة، كما بينت في المقال السابق وكما سأبين في الجزء الثاني من هذا المقال. وهو بذلك كأنما يقول أن ثورة رفاعة وغيرها مما يتصل بالأستاذ محمود محمد طه ليس جديراً بالتسجيل والتأريخ. وهو بذلك قد دافع عن إسقاط هذه الثورة من التاريخ، قصد ذلك أم لم يقصد.

هذا أمر جد مؤسف، فالدكتور لابد يعلم بأن التاريخ يجب أن يسجل تسجيلاً أميناً وكاملاً، بصرف النظر عن رأينا فيه.

ولو أن أستاذ جامعة أم درمان الأهلية طالب بالإشادة بنضال الأستاذ محمود، لكان للدكتور خالد المبارك حق الاعتراض على تلك المناشدة مبدياً رأيه في ثورة رفاعة. ولكن الدكتور خالد لم يقل في مقاله أن أستاذ جامعة أم درمان الأهلية طلب الإشادة بنضال الأستاذ محمود محمد طه، وإنما قال أنه عبَّر عن خيبة أمله من إسقاط التاريخ المتصل به. ألا يحق له ذلك التعبير؟ بل ألا يجب عليه ذلك التعبير وسط هذا الجحود الكبير الذي أبى الدكتور خالد المبارك إلا أن يضم نفسه إلى طوابيره؟ وهل يصح وصف هذا التعبير عن خيبة الأمل من الانتقائية في تسجيل التاريخ، وما تقتضيه من إشادة بالأستاذ محمود، بأنه تعامل مع القائد السياسي كشيخ للطريقة "ومواصلة للحديث عن القادة بانتقاء يسلط الضوء على الإيجابيات فحسب ويضلل الشباب لأنه ينطلق من أنصاف الحقائق وأسداس الحقائق ويغذي جينات النزعة الصوفية المتأصلة في أفئدة السودانيين"؟

إن وجوب رصد التاريخ بأمانة أمر لا يعيي ذا لب. لكنه بكل أسف أعيا الدكتور خالد المبارك. والحق أني لم استغرب ذلك، لأن الدكتور في مقاله لم يغفل حقائق التاريخ فحسب وإنما طمرها تحت الأباطيل التي سال بها مداده دون عناء ولا حذر، وكأنه لا يسأل عما يفعل. وذلك ما بينته في المقال الذي أرسلته إلى صحيفة الرأي العام، وما سأورده في الجزء الثاني من هذا المقال. وبطبيعة الحال فإن من يطمر الحقائق على نحو ما فعل الدكتور خالد المبارك لا تنتظر له حساسية نحو انتقائية رصد التاريخ. بيد أني أؤمن بأن الدكتور خالد لم يفعل ذلك عن سوء نية، وإنما عن غفلة. وقد كان يليق به أن يأبى انتقائية التاريخ، وأن يرفع صوته بذلك. وهو لا يزال مرجواً أن يفعل ذلك.


انتقائية التاريخ عند القائمين على مركز عبد الكريم ميرغني ؟!

ويهمني هنا أن أتساءل عن قيمة الوثائق التاريخية التي أعدها الأستاذ محمود صالح عثمان صالح، راعي مركز عبد الكريم ميرغني. ما هي طبيعة هذه الوثائق؟ فقد أشار الدكتور خالد المبارك في مقاله إلى مجلداتها بعبارة (مجلدات "الوثائق البريطانية عن السودان"). فهل هي كل الوثائق البريطانية عن السودان؟ أم أنها وثائق منتقاة؟ وهل هناك إفادة واضحة للقراء بأنها وثائق منتقاة؟ أم أنها تركت لتوحي إلى الناس بأنها كل الوثائق البريطانية عن السودان؟ وإذا أسقطت هذه الوثائق نضال الأستاذ محمود محمد طه، فماذا أسقطت غير ذلك؟ وماذا ذكرت؟ هل على سبيل المثال أوردت واقعة إهداء السيد عبد الرحمن المهدي سيف أبيه لملك بريطانيا، وتعفف الأخير عن الاحتفاظ به؟ أم أنها أسقطت هذه الواقعة التاريخية ذات الدلالة المؤسفة؟ ولماذا؟


مسئولية المثقفين القائمين على مركز عبد الكريم ميرغني :

لقد كشف مقال الدكتور خالد المبارك عن أن الأستاذ محمود صالح عثمان صالح، راعي مركز عبد الكريم ميرغني، ربما تورط في تزييف التاريخ السوداني باتباع النهج القديم الذي درج عليه جل المؤرخين السودانيين. هذا النهج المؤسف يجب أن يقابل من كل السودانيين بالرفض الحاسم، ورفع الصوت، والمساءلة الأدبية، إلى أن يجيء وقت المساءلة القانونية. لقد كان حرياً بالدكتور خالد المبارك أن يبدأ بذلك، وأن يكون عوناً للدكتور عبد المطلب زهران، أستاذ جامعة أم درمان الأهلية، الذي أثار هذا الأمر، بدلاً عن ممالأة راعي مركز عبد الكريم ميرغني. ذلك كان أولى للدكتور خالد المبارك، فليسرع إلى تدارك أمره، وليهنأ الدكتور عبد المطلب بمقامه الذي لم يجد فيه على الخير أعوانا.

إنني لم أطلع على هذه المجلدات، ولذلك لست في وضع أجزم فيه بأنها انتقائية ومضللة على نحو ما يشير مقال الدكتور خالد المبارك، بيد أني سأعمل على الوقوف على حقيقة هذه المجلدات ومعرفة ملابسات إعدادها. كما أني لا أعرف شيئاً عن الأستاذ محمود صالح عثمان صالح، وكل ما سمعته عنه أنه من أسرة المرحوم عثمان صالح، الكريمة، المعروفة، وأنه يمارس الأعمال التجارية، ولست على يقين من ذلك. ومهما يكن، فإن عدداً من المثقفين والأكاديميين السودانيين يرتبطون بمركز عبد الكريم ميرغني. وأعتقد أن عليهم واجب التأكد من طبيعة هذه المجلدات التي ربطت بهذا المركز. فسيكون صمتهم عاراً إن كانت هذه المجلدات تضلل الشعب عن حقيقة ما يراد بتاريخه من تزييف.


الثورة تبدأ من ذواتنا ومن قعور بيوتنا :

يظن أكثر السودانيين أن مشكلة بلادنا هي النظام السياسي القائم، وأننا لو أطحنا به ستنتهي المعاناة. والحق أن الشعب قد جرب الإطاحة بالأنظمة الفاسدة مراراً دون أن تنتهي المعاناة. وما ذاك إلا لأن الأنظمة السياسية ليست سبب الأزمة، وإنما هي نتيجة الأزمة. الأنظمة السياسية مهما كان حظها من السوء هي ثمرة الأزمة لا بذرتها. والأزمة إنما هي فينا كلنا، وفي حياتنا كلها، ومن مظاهرها تهاوننا مع العظائم التي نعدها صغائر. يجب أن لا نستهين بأي أمر. وفي هذا المقام أقول أننا يجب أن لا نستهين بتزييف التاريخ. فالذين يزيفون التاريخ هم أنفسهم الذين يسممون الحاضر، ويئدون المستقبل. ومشكلة بلادنا ليست فقط في العسكريين وضعاف العقول الذين يقفزون إلى السلطة بحد السلاح، وإنما هي فوق ذلك وقبل ذلك في الذين يتقحمون مجالات التاريخ والفكر والسياسة بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير. إن الثورة يجب أن لا تختزل في الإطاحة بالأنظمة السياسية الفاسدة. فهي إن اختزلت في ذلك، ظل حظنا هو العجز عن بناء نظام سياسي صالح. إن ثورتنا هذه المرة يجب أن تكون جذرية وعميقة وشاملة. وهي يجب أن تبدأ داخل كل منا، على غفلتنا وتراخينا وتهاوننا. يجب أن نغير أنفسنا، فبيوتنا، ومدارسنا، وشوارعنا، وأنديتنا، ومراكزنا. بذلك، وبذلك وحده، نضع الفأس على أصل الشجرة. وبذلك لن يملك النظام السياسي الفاسد إلا أن يسقط، لأنه إنما يقف على دعامة الفساد المستشري في حياتنا.

لقد رفع مقال الدكتور خالد المبارك قضية تزييف التاريخ السوداني إلى السطح من جديد. وإني لآمل أن نستيقظ هذه المرة من سباتنا، فنواجه الأمر بما يستحق من الحزم والصرامة. فإذا استيقظنا، كان ذلك ثمن المغفرة للدكتور خالد المبارك عن الإسفاف الذي تورط فيه. أما إذا لم نستيقظ، فما الدكتور إلا من غزية غوت.
(يتبع الجزء الثاني والثالث)

طه إسماعيل أبو قرجة
25 ديسمبر 2002

Post: #35
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 01:15 PM
Parent: #34


مقال د. خالد المبارك يكشف عن حقائق مؤسفة (2 من 3)
ألم يأن للسودانيين أن ينشئوا حركة سياسية حية ؟؟
فالحركة السياسية الحالية ولدت في الأربعينيات ميتة

طه إسماعيل أبو قرجة - 28 ديسمبر 2002

في هذا الجزء من المقال أتعرض إلى بعض النقاط التي أثارها الدكتور خالد المبارك في مقاله. ومثلما اهتممت في الجزء الأول بلفت الأنظار إلى تزييف التاريخ السوداني، يهمني هنا أن أنبه إلى أمرين هامين كشف عنهما مقال الدكتور خالد المبارك. أولهما ذهول المتعلمين السودانيين عن واجبهم في توعية الشعب. وثانيهما عجز السودانيين حتى اليوم عن إدراك حقيقة بسيطة وظاهرة هي موت الحركة السياسية السودانية.


محنة الشعب السوداني في أبنائه المتعلمين :

إن مقال الدكتور خالد المبارك يكشف عن جانب من محنة الشعب السوداني في أبنائه الذين اقتطع من شظف عيشه ليعلمهم، ليعملوا على رفعه من وهدته. وتلك محنة كبرى، ولا ريب. وهي أس داء هذا البلد المنكوب. والجانب الأسوأ من هذه المحنة يمثله المتدثرون بالدين، في حين يمثل المتدثرون بالحداثة الجانب الآخر. فمثلما عاد الدكتور الترابي من السوربورن بلقب الدكتوراه في القانون الدستوري ليسلب الشعب أبسط الحقوق الأساسية وليرتد بالبلاد إلى حقب الإجماع السكوتي وثقافة عصر الشافعي، ومثلما عاد السيد الصادق المهدي من أكسفورد ليتبوأ قيادة أكبر حزب طائفي بالبلاد، كذلك عاد خالد المبارك بالدكتوراه التي لا يبدو لها أي أثر في مقاله هذا العجيب، ليشيع الغيبوبة بين الناس، مثلما يفعل أضراب له، اتخذوا من الحداثة عباءة جديدة بعد أن أبلى أولئك عباءة الدين، يحشرون لفظها حشراً في مقالاتهم، فيما بدا جلياً أنهم يجهلون محتواها كل الجهل. أسمعوه ماذا قال:-
(.. لكن الأستاذ محمود محمد طه ارتكب أيضاً عدة أخطاء تقديرية جسيمة. حدثت انتفاضة رفاعة-التي أشاد بها المتحدث- احتجاجاً على قرار الإدارة الاستعمارية بمنع الخفاض الفرعوني. قيل للعامة: "يريد الإنجليز أن يتدخلوا في كل شيء حتى "...." بناتكم! وفعلاً ثار الناس حماية للشرف الرفيع وكان على رأسهم الأستاذ محمود. كان موقفه ذلك متخلفاً ورجعياً في مواجهة قرار "تحديثي" جريء وسليم. انتفاضة رفاعة المزعومة ليست من مآثرنا في النضال ضد الاستعمار بل هي من مخازينا. ويقع وزرها على كاهل الأستاذ محمود محمد طه. قيل لنا أنها مثل إضرابات الطعام في المدارس وإضرابات زيادة الأجور العمالية، مجرد ظواهر اجتماعية لمضمون سياسي هو رفض الاستعمار. وهذا دفاع واه لأن الأستاذ محمود لم يراجع مواقفه علناً أو يذكر مبرراته بعد نيل الاستقلال..).


د. خالد المبارك لا يعلم الحقائق الأولية :

دعونا من تقويم الدكتور خالد المبارك لثورة رفاعة حتى نمتحن إلمامه بالحقائق الأولية. فهو إن كان له حظ من الإلمام بالحقائق الأولية، كانت فيه مظنة قدرة على تقويم تلك الثورة. أما إن كان منذور الحظ من المعرفة بالحقائق الأولية، فقد انقطع الظن فيه.
هل صحيح أن الأستاذ محمود لم يقل شيئاً عن الخفاض وعن ثورة رفاعة بعد الاستقلال؟ لقد اصدر الإخوان الجمهوريون كتاباً باسم "الخفاض الفرعوني" في عام 1981، تعرضوا فيه لعادة الخفاض ولملابسات ثورة رفاعة وهدفها. كما أن بموقع الفكرة الجمهورية بشبكة الإنترنت أكثر من كتاب يتعرض لثورة رفاعة، منها كتاب (معالم على طريق تطور الفكرة الجمهورية خلال ثلاثين عاماً 1945-1975). ثم أن معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية كان في سعيه خلال عام 1975 لتوثيق تاريخ الحركة الوطنية قد أجرى مقابلة مع الأستاذ محمود ورد فيها حديث مفصل عن ثورة رفاعة. والتسجيل الصوتي لهذه المقابلة موجود بموقع الفكرة بشبكة الإنترنت. ومن الأفضل للدكتور خالد المبارك أن يرجع، ليقرأ، ويسمع، قبل أن يكتب. ثم إن عليه أن يبحث في الأسباب التي ساقته إلى هذا التقرير الخاطئ، ولينظر ماذا يمكنه أن يفعل لتدارك أمره. ذلك أمر متروك له.


الدكتور خالد يرمي الأستاذ بعدم عفة اللسان !!

هذا يسوقني لإبراز أمر آخر شديد الدلالة على أن الدكتور خالد المبارك قد كتب بمجافاة تامة للنهج العلمي. فقد جاء في مقاله العجيب:- (قيل للعامة: [يريد الإنجليز أن يتدخلوا في كل شيء حتى "…" بناتكم]). إن عبارة الدكتور هذه لا تعطي غير فهم واحد، هو أن الأستاذ محمود محمد طه هو الذي قال ذلك. وتلك حالقة للدكتور. فهو يوحي إلى الناس بأن الأستاذ محمود قال عبارة يعف قلمه هو عن إيرادها. هل رأيتم هذا الإدعاء؟!
من أين للدكتور خالد المبارك بهذه العبارة؟ إن نص الخطبة التي ألقاها الأستاذ محمود في مسجد رفاعة، والتي تحرك الناس بعد سماعها إلى السجن، موجود، وقد تم نشره. كما أن ما كتبه الحزب الجمهوري في معارضة قانون الخفاض مرصود، وبعضه منشور بالإنترنت. فهل يظن الدكتور خالد المبارك أنه يحترم القراء حين يشيع عليهم لغواً مثل هذا عن رجل مواقفه موثقة بالكلمة المقروءة والمسموعة؟ بل هل يظن أنه يحترم قلمه ونفسه حين يجترح ذلك؟ إن الأستاذ محمود محمد طه إن كان يتفوه بمثل هذه العبارات الساقطة لما ثار للعفة والعرض، ولما نهضت مدينته التي تعرف خلقه بأسرها من ورائه. إن ما قاله الدكتور خالد لا يعلق بالأستاذ محمود. ولقد يكفي أن أقول أن الأستاذ محمود محمد طه قد كتب في عام 1951 موضحاً أن الحزب الجمهوري عارض الطريقة التي شرع بها الإنجليز في محاربة عادة الخفاض لأنها "طريقة تعرض حياء المرأة السودانية للابتذال، وعلى الحياء تقوم الأخلاق كلها، والأخلاق هي الدين".
إن الدكتور خالد المبارك لا يعرف عن من يكتب، ولا عن ماذا يكتب، ولا لمن يكتب. بل ظهر أنه يكتب في أخطر الأمور بناء على السماع ممن ليس بذي شأن. أعتقد أن عليه أن يراجع أمره، لأنه بهذا لا يفعل أكثر من تسويد الصفحات بغثاثة منكرة، ومن الإساءة إلى الدرجة العلمية التي يحملها، بل وربما إلى المؤسسة العلمية التي منحته هذه الدرجة.


غثاثة لا تليق :

لقد شط الدكتور خالد المبارك عن النهج العلمي ولجَّ في الغثاثة. أسمعوه يقول:- (ولعل دعوة الأستاذ محمود للاعتراف بإسرائيل هي السبب المباشر في الرعاية الحميمة التي ينالها أتباعه في الغرب، حيثما حلوا). هل رأيتم هذه الغثاثة؟ هل لدى الدكتور خالد المبارك إحصائيات عن أعداد الجمهوريين في الغرب أو مقارنة لأعدادهم بأعداد الفرق السياسية الأخرى؟ أم انه يكتب بالطريقة التي يتحدث بها بعضنا في المقاهي؟ ثم ما هي الرعاية الحميمة التي ينالها الجمهوريون في الغرب؟ هل هي حق اللجوء السياسي أم أكثر؟ وإن كانت أكثر من ذلك، فما هي؟
إن منح الجمهوريين حق اللجوء السياسي قائم على أساس أنهم أهل فكر في بلد ليس للفكر فيه كرامة، بل يتضافر فيه حتى أصحاب الدرجات العلمية الرفيعة على سلبهم مجرد حق اشتمال مصادر التاريخ على الوقائع المتصلة بهم، كما فعل الدكتور خالد المبارك في مقاله هذا العجيب، عن قصد أو عن غفلة. ألا يرى الدكتور أن الجمهوريين بإزاء هذا كله يستحقون منحهم حق اللجوء، بل وأكثر من حق اللجوء؟
إن ما قاله الدكتور خالد المبارك في هذا الشأن لا يجوز على السودانيين في المهاجر المختلفة لأنهم يعرفون كيف يعيش الجمهوريون، ويعرفون إن كانوا يلقون رعاية خاصة. ولكن هذا الكلام قد يجوز على بعض قراء الرأي العام في الداخل. فهل قصد الدكتور خالد المبارك أنه يسخر قلمه للتضليل والكتابة غير المسئولة التي تتسقط رضاء الهالكين؟ أم انه تورط في ذلك غافلاً؟
بيد أني يجب أن أقول للدكتور أنه بهذا القول قد أظهر تخلفه عن جهلاء المعارضة السلفية بنحو أربعين سنة. فقد كانوا يشيعون أن الجمهوريين يتلقون أموالاً من إسرائيل لتمويل نشاطهم، حتى إذا ما هرعوا إلى البنوك وسجلات الأراضي في يناير 1985 لمصادرة أموال الأستاذ محمود محمد طه لم يجدوا حتى حساباً مصرفياً واحداً، ولا عقاراً سوى منزل الحكر المبني بالجالوص في تلك الحارة الشعبية. وهاأنت يا دكتور تحاول تسويق تلك التهم الساذجة القديمة تحت مزاعم جديدة، هي الرعاية التي يجدها الجمهوريون في الغرب. وأنت رجل تحمل درجة الدكتوراه، وتصور نفسك كرجل عليم بالغرب، وتلصق "مفكراتك" ببريطانيا دون ما سبب واضح، وتكتب زاعماً محاربة أنصاف الحقائق، فما بقي غير أن يصدق الناس ترهاتك هذه؟ إنني أقول لك ذلك لأن المرء قد ينزلق بالغفلة فينحط في طرفة عين عن مستوى أجهل الجاهلين. ألم يقل النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يرى بها بأساً فيهوي بها في النار سبعين خريفاً)؟ بلى قد قال، وعلينا أن ننتبه.


لا يقرأ أم لا يفهم ؟!

لقد أبى خالد المبارك إلا أن يفيدنا بأنه لم يقرأ شيئاً للأستاذ محمود محمد طه، أو أنه لم يفهم. أسمعه يتحدث عن الأستاذ: (أصاب حينما لم يوصد باب الاجتهاد)!! فهل كانت قضية الأستاذ هي الاجتهاد وفتح أو وصد بابه؟ وماذا كان رأي الأستاذ في الاجتهاد كسبيل لحل مشاكل عصرنا؟ إن الدكتور خالد المبارك لا يعرف شيئاً من هذا، ولكنه يحب أن يوحي إلى القارئ أنه يعرف، تماماً مثلما هو يحب أن يوحي إلى القارئ بأنه يعرف مضامين الحداثة، فحشر المفردة حشراً في مقاله. الظاهر عندي أن الدكتور خالد المبارك يحسن الظن بنفسه إلى الحد الذي يزدري به الناس ويرى أنه يمكنه نقد مواقفهم التاريخية والفكرية دون أن يكلف نفسه مشقة الوقوف عليها.


حركتنا السياسية ولدت ميتة :

قال الدكتور خالد المبارك:- (وقد أخطأ الأستاذ محمود أيضاً كقائد سياسي حينما جعل الحزب الجمهوري "حزب فرد" تلف حوله كل اللوالب الإدارية والفكرية، فلما قتل مات معه الحزب). هذا لعمري حديث العوام. ولذا لن أخوض في طبيعة علاقة الأستاذ بالحزب الجمهوري، ولا بما أسماه الدكتور باللوالب الفكرية والإدارية. لن أخوض في هذا معه، وإنما أسأله عن مظاهر حياة الأحزاب الأخرى إن كان يحسب أن الحزب الجمهوري قد مات وأنها حية. وقبل أن يجيبني إجابة سطحية، أرده إلى رأي الحزب الجمهوري الوارد في "السفر الأول" الصادر في أكتوبر 1945 بأن الحركة السياسية السودانية ولدت ميتة.
إن الأمر المؤسف هو أن السودانيين في جملتهم لا يزالون يجتمعون حول حركتهم السياسية على نحو مما ظلوا يفعلون منذ قيام الحركة السياسية الحديثة في مستهل الأربعينات، وينتظرون منها خيراً. بل إن ما يدعو لمزيد من الأسى هو أن السودانيين المتعلمين، في مهاجرهم المختلفة، يظنون أن ليس عليهم من واجب سوى دعم هذه الحركة ممثلة فيما يسمى بالتجمع الوطني الديموقراطي وتكوين فروع له تكون بمثابة مكاتب خلفية.
لقد كان للحزب الجمهوري شرف التنبيه منذ عام 1945 إلى حقيقة أن الحركة السياسية ولدت ميتة. بيد أن الشعب السوداني ظل يتعهد هذه الجثة طيلة العقود السوالف دون أن يدرك حقيقة ما يتعهد، حتى هذا اليوم وقد زحم عفنها الأفق. ورغم أن هذه الحقيقة ظلت تتكشف يوماً بعد يوم وتتزايد أعداد مدركيها، إلا أن الوقت قد أنى ليدرك الشعب في جملته هذه الحقيقة الضرورية. فهو إن لم يدركها سيظل يدور في هذه الحلقة المفرغة. لقد أنى لشعبنا أن يدرك هذه الحقيقة، فيقبر هذه الجثة المنتنة، وينشئ بدلاً عنها حركة سياسية جديدة، حية، مقتدرة، كريمة.
إن المتعلمين على وجه الخصوص مرجوون لأن ينهضوا لهذا الدور. ولقد كان الدكتور خالد المبارك جديراً بالانتباه إلى موت الحركة السياسية، ولكنه لم يحب أن يفكر تفكيراً جديداً، وإنما أحب أن يسير في الطريق المطروق. فهو قد انتبه إلى أن رأي الأستاذ في مشكلة الشرق الأوسط كان متقدماً على نحو أسطوري، ولكنه لم ينتبه إلى أن رأيه في الحركة السياسية السودانية كان كذلك. والدكتور خالد المبارك مرجو لأن يتدبر ذلك، وأن يبزم على الإسهام في ميلاد حركة سياسية جديدة تعوضنا عن هذه الجثة.
ثم إني أعود وأقول للدكتور خالد المبارك أن الجمهوريين يعرفون بعض قصورهم، وما يفصل بينهم وبين الشعب، وهم من أجل ذلك توقفوا عن الحركة، وهم يسعون لتلافي قصورهم. وهم ربما كانوا أعلم بعمق الأزمة، وأصدق مع أنفسهم، من الأحزاب الأخرى التي تصم آذان الشعب بجعجعة بلا طحن، وتصرف الشعب عن حقيقة مشكلته وعن حلها. هذا أمر قد تكشف عنه الأيام. لكن الذي يهم الدكتور خالد المبارك هو موقفه هو، ومسئوليته كمتلق عن الجمهوريين حين ينظمون أنفسهم ويكتبون أو يتكلمون. فهو لا يحق له أن يتطرق لحراك أو موات الجمهوريين بينما لم يكلف نفسه عناء قراءة ما كتبوا ولا سماع ما قالوا. إن مستوى المتلقين، لا علم المتكلم وحده، يحدد أيضاً مستوى الخطاب. ومستوى الخطاب قد يكون الصمت. والصمت، والتولي عن المدعوين إلى حين، معروف في تاريخ الأديان والدعوات، والكلام فيه يطول. ويكفي أن من الرسل من صمت ثلاثين عاماً قبل معاودة الكلام. فليكف الدكتور خالد المبارك عن رمي الأستاذ محمود بقبض اللوالب الفكرية والإدارية للحزب الجمهوري، وليعكف على قراءة ما كتب، وعلى سماع ما قال. ذلك أجدى له وللناس مما يشيعه باسم الحداثة. إن من لم يقرأ ما كتبه الجمهوريون ولم يسمع ما قالوا، لا يحق له الحديث عن حراكهم أو مواتهم. لأنه في حقيقة الأمر أولى له أن يظن الموات بنفسه لا بالناس.


ثرثرة لا معنى لها :

إن مقال الدكتور خالد برمته ثرثرة لا معنى لها. فهو قد حاول أن يصور لنا أنه يكتب ليوزن الإعجاب الواقع بالأستاذ حتى لا يغفل الناس عن أخطائه. أسمعوه ماذا قال:- (ولا ينبغي أن تحول الرغبة في ذكر محاسن الأموات ولا المناداة الموضوعية بحق الأستاذ محمود في الاجتهاد دون نقده. كما أن الاعتراض على مقتله وحرق كتبه بطريقة دعائية مرتجلة لا ينبغي أن يتخذ ذريعة للنظر إليه بعين الرضا وحدها. فقد كان آدمياً ابن أنثى وقائداً سياسياً أخطأ وأصاب).
هل رأيتم مساهمة الدكتور خالد المبارك في هذا الوقت الذي تحذِّر فيه الحكومة الصحف من نشر مقالات يرد فيها ذكر الأستاذ أو فكره بخير؟ وهل يا ترى يعلم الدكتور أن الحكومة قد منعت في يناير الماضي الاحتفال الذي ازمعته اللجنة القومية للاحتفال بالذكرى السنوية لاستشهاد الأستاذ؟ هل يعلم الدكتور ذلك أم أنه يجهل الحاضر كما يجهل الماضي فيبدو وكأنما يكتب من صندوق مغلق؟ وإن كان يعلم، فهل يرى أن كفة الإعجاب بالأستاذ والإطراء عليه راجحة بحيث يتوجب عليه كتابة مثل هذا المقال المخالف لكل أسس العلم والموضوعية؟ أم هل عساه يرى أن الزمان قد لا يجود بمن هو في مثل قدرته الذهنية ليرد الأمور إلى نصابها في الوقت المناسب فآل على نفسه أن يقوم بالواجب قبل أوانه؟


كلمات للدكتور :

لقد وزع الدكتور خالد المبارك تهم الولاء الطائفي يمنة ويسرة، شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً. وهو قد فعل ذلك بتهكم غير خاف. وفي خضم ذلك حدثنا عن المثل الإنجليزي (ثمة سمك كثير في البحر)، وعن استشهاد السير دوقلاس هيوم به وهو يجيب على سؤال السائلين عمن عساه سيخلفه في وزارة الخارجية البريطانية. ويهمني هنا أن أهمس في أذن الدكتور خالد بكلمات.
أولها، أنه من ضمن سمك البحر، لا اعتراض لدينا في ذلك، لكن عليه أن يعرف مياهه.
وثانيها، أنه من الأجدى له أن يستغل تواجده ببريطانيا لينقب في مصادر التاريخ السوداني هنالك قبل أن يكتب بشأنه. والقارئ السوداني يهمه هذا التاريخ بأكثر مما تهمه كلمات دوقلاس هيوم ومعارك حزب العمل مع اللوردات.
وثالثها، أني لا أرى معنى لاستعراض معايشة الدكتور أحداث السياسة الإنجليزية الداخلية، ولا لتصدير مقاله بعبارة (مفكرة سودانية-بريطانية)، أم يا ترى أن صحيفة الرأي العام هي التي اختارت ذلك؟
ورابعها، أنه كان يمكن لمقاله أن يكون عميقاً ومفيداً. فما أسماه بالنزعة الصوفية المتأصلة في جينات السودانيين هي أس الرجاء فيهم وفي وحدة ترابهم. وهي هي التي تجمع بينهم في حقيقة الأمر، وليس الحدود السياسية الطارئة. وهو قد لاحظ أن هذه النزعة متأصلة في الجنوب والشمال. وأقول له أنه ليس هناك ما يمنع أن يكون رجل قبيلة النوير الذي أشار إليه "عارفاً" وليس مجرد "عراف". إن ما يعاب ليس النزعة الصوفية، وإنما الميول الطائفية. والطائفية هي اتباع رجل بدل اتباع فكر. هي إلغاء العقل. وليس هناك من جماعة ناهضت الطائفية أكثر من الجمهوريين، ولذلك فإن ما يمكن أن يقال عن الطائفية لا يقال لهم.
وخامسها، إن الدكتور يحتاج ضبط عبارته. فعلى سبيل المثال، لا معنى لقوله بأن أهل بلاد السودان دخلوا الإسلام "قبل وأثناء وبعد المرحلة المسيحية"!! فالناس يعلمون أن السودانيين دخلوا الإسلام أثناء وبعد المرحلة المسيحية، كما يعلمون بأن المرحلة المسيحية قد بدأت في منتصف القرن السادس الميلادي- أي قبل ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم بمكة. ومن أجل ذلك لم استطع أن أفهم كيف دخل أهل السودان الإسلام قبل المرحلة المسيحية!! أم أنه جريان القلم بغير فكر؟ إن ضبط العبارة من ضبط الفكر. أعانني الله وإياك على ضبط الفكر والعبارة.
ثم إن الدكتور خالد المبارك غير متهم عندي بمعاداة الفكر الجمهوري. بل أني أقبل ما ذكره من مواقف في مواجهة المؤامرة التي استهدفت الفكر الجمهوري وحياة الأستاذ محمود محمد طه. كما أني أحمد له نشاطه الجم في الكتابة، وأشعر أن الخطأ الذي ارتكبه في مقاله هو خطأ من يعمل ويكتب، وهو حتى إن كان خطأ جسيماً فأفضل من الصمت الذي يلف مجاميع المتعلمين السودانيين. لقد حاولت جاهداً أن لا أتحامل عليه وآمل أن لا تكون الشدة التي تظهر في بعض جوانب هذا المقال قد فاقت الجرعة اللازمة.
هذا وسيتوفر الجزء الثالث على إلقاء بعض الضوء على ثورة رفاعة.

طه إسماعيل أبو قرجة
28 ديسمبر 2002

Post: #36
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 01:16 PM
Parent: #35


مقال د. خالد المبارك يكشف عن حقائق مؤسفة (3 من 3)
ثورة رفاعة غيرت وسائل الحركة السياسية وقصَّرت أجل الاستعمار

طه إسماعيل أبو قرجة - 29 ديسمبر 2002

وقفنا في الجزء الأول من هذا المقال على تزييف التاريخ السوداني، وعلى الحقيقة المؤسفة المتمثلة في إسقاط جل المؤرخين السودانيين اسم الأستاذ محمود محمد طه، والحزب الجمهوري، وثورة رفاعة. كما حاولت في الجزء الثاني التنبيه إلى حقيقة موات الحركة السياسية السودانية، وقلت بضرورة الانفضاض من حولها وإقامة حركة سياسية جديدة، كما سعيت إلى توضيح أن الدكتور خالد المبارك قد خاض في تقييم ثورة رفاعة دون أن يقف على ما قاله الأستاذ محمود محمد طه والجمهوريون عنها. والحق أن من يجهل حقائق التاريخ لا يمكنه تقويم ثورة ولا أي حدث تاريخي. وقديماً قال الأستاذ محمود محمد طه: (الفكر هو ثمرة لقاء الذاكرة بالخيال). وقد وضح أن الدكتور خالد قد كتب بلا ذاكرة- أي بلا معرفة بالتاريخ. وسأحاول في هذا الجزء أن أعطي مؤشرات عن موقع ثورة رفاعة في التاريخ.


خلفية عن ثورة رفاعة :

للحديث عن ثورة رفاعة لابد من وضعها في إطارها التاريخي. وذلك أمر يقتضي، ضمن أمور أخرى، إبراز الطريقة التي اتبعتها الحركة السياسية السودانية منذ نشأتها في مؤتمر الخريجين للحصول على الاستقلال، والطريقة الأخرى التي سار عليها الحزب الجمهوري في قضية الاستقلال. وليس هناك حيز واسع لذلك، وإنما سأكتفي بالإشارات.

معلوم أن الحركة السياسية الحديثة نشأت في مؤتمر الخريجين العام الذي قام في 1938. وقد اتخذ مؤتمر الخريجين "القومية السودانية" شعاراً له، وبدأ عمله بمجالات الخدمة الاجتماعية وعلى رأسها التعليم، فأنشأ عدداً من المدارس. وفي 1942 أسفر المؤتمر عن وجهه السياسي، وذلك بالمذكرة التي وقعها رئيسه، السيد إبراهيم أحمد، في 3/4/1942، والتي كان أهم مطالبها: (إصدار تصريح مشترك في أقرب فرصة ممكنة من الحكومتين الإنجليزية والمصرية بمنح السودان بحدوده الجغرافية حق تقرير مصيره بعد الحرب مباشرة وإحاطة ذلك الحق بضمانات تكفل التعبير عنه في حرية تامة كما تكفل للسودانيين الحق في تكييف الحقوق الطبيعية مع مصر باتفاق خاص بين الشعبين المصري والسوداني).

بيد أن حكومة الاستعمار قد تعاملت مع مذكرة المؤتمر بقسوة بالغة، إذ رفضتها واعتبرتها خطوة متسرعة وأعادتها إلى المؤتمر. كما اعتبرت أن المؤتمر لا يمثل الشعب السوداني، وقالت أن السودانيين يمثلهم القادة الدينيون والإداريون (أي العشائريون) وبعض الجهات الأخرى التي سمتها. وقد أدى ذلك الموقف الاستعماري إلى دفع الخريجين أكثر إلى أحضان الزعماء الطائفيين، كما أدى إلى نشأة أكبر أحزابنا السياسية بالتحالف بين الطائفية الدينية وبين الزعامات العشائرية. وسنرى لاحقاً أن حزب الأمة مثلاً قد نشأ نتيجة تحالف بين زعيم طائفة الأنصار وبعض الزعماء العشائريين وبعض الخريجين. وبذلك يتضح أن الاستعمار تقع عليه مسئولية في النشأة المعوجة لحركتنا السياسية. بيد أننا مسئولون أكثر من الاستعمار، لأننا لم نقدر على تقويم هذا الاعوجاج لمدة فاقت نصف القرن.


الإصرار على النضال برفع المذكرات :

أعود إلى التاريخ لأذكر أن المؤتمر لم يستبدل أسلوب نضاله بأسلوب آخر، رغم أن رفع المذكرات هو أضعف عمل في النضال، ورغم أن الاستعمار قد أهان المؤتمر حين رفع إليه مذكرات. والحق أن المذكرات نفسها كانت ترفع في تكتم شديد حتى أن لجان المؤتمر الفرعية كانت لا تدري بها. وقد شهدت تلك الفترة نشاطاً متزايداً في الدعوة إلى الاتحاد مع مصر. وفي يوليو 1943 زار السيد إسماعيل الأزهري مصر، ومنذ ذلك لحين أخذت دعوة جماعة الأشقاء إلى الاتحاد مع مصر تتجه نحو الدعوة إلى الاندماج الكامل. وقد اكتسح الأشقاء انتخابات المؤتمر التي جرت في 27 نوفمبر 1944، وقد كان لذلك أثره في تعديل مطلب المؤتمر الوارد في مذكرته المرفوعة في 1942 ليكون مطلباً بوضع السودان تحت التاج المصري. ففي 23/8/1945 رفع المؤتمر مذكرة أخرى إلى الدولتين المستعمرتين، بواسطة حكومة السودان، بتوقيع رئيسه، السيد إسماعيل الأزهري. وقد جاء في هذه المذكرة:- (يا صاحبي الدولة: لما كان السودانيون هم أصحاب الشأن الأول في تقرير مصيرهم فإننا لنتقدم الآن بهذه المطالب راجين وملحين في الطلب أن تصدر على الفور الحكومتان البريطانية والمصرية تصريحاً يتضمن الموافقة على رغباتنا هذه والإسراع في العمل على وضعها موضع التنفيذ. فباسم العدل وباسم الرخاء الذي قاتلت من أجله الديموقراطية يطلب مؤتمر الخريجين العام بالسودان: قيام حكومة سودانية ديموقراطية في اتحاد مع مصر تحت التاج المصري. والله وحده ولي التوفيق).

وبطبيعة الحال فإن هذا المطلب ليس للاستقلال، وإنما لإدارة محلية تابعة للتاج المصري. وكانت الجماعات الاستقلالية قد انزعجت من اتجاه المؤتمر إلى الاندماج مع مصر منذ اكتساح الأشقاء لانتخابات المؤتمر في نوفمبر 1944. وفي 31 مارس 1945 أعلن عن قيام حزب الأمة. ويحدثنا الدكتور فيصل عبد الرحمن على طه في كتابه القيم "الحركة السياسية السودانية والصراع المصري البريطاني بشأن السودان 1936-1953" في ص 203 قائلاً:- (نشأ حزب الأمة كتحالف بين ثلاثة عناصر هي طائفة الأنصار وزعماء العشائر ونفر من الخريجين الذين ينادون باستقلال السودان على أساس شعار "السودان للسودانيين". وقد بدأت الاجتماعات التأسيسية لحزب الأمة في ديسمبر 1944 أي بعد انتخابات المؤتمر التي أجريت في 27 نوفمبر 1944 وانتهت بفوز جماعة الأشقاء وسيطرتهم على هيئة المؤتمر الستينية ولجنته التنفيذية). انتهى

ومثلما كان للأشقاء تعاون مع مصر ساقهم إلى المناداة بالاندماج معها، كان لحزب الأمة تعاون مع الإنجليز. وقد تمثل هذا التعاون في ولوج الحزب المؤسسات الضعيفة التي أنشأها الإنجليز لإيهام السودانيين بأنهم يساهمون في حكم بلادهم، كالمجلس الاستشاري لشمال السودان الذي تأسس في 1943، والجمعية التشريعية 1947. كما تمثل ذلك التعاون في ربط حزب الأمة مطلب الاستقلال بالتحالف مع بريطانيا. ولقد أدى هذا التعاون إلى إثارة تهم في وجه حزب الأمة بأنه صنيعة بريطانية، بالإضافة إلى التهمة الموجهة إليه بأنه كان يسعى لتنصيب السيد عبد الرحمن ملكاً محلياً تحت السيطرة البريطانية. وكان حزب الأمة يرى أن دخول تلك المؤسسات هو سبيل لتحقيق الاستقلال في نهاية المطاف عبر التطور الدستوري.

وثيقة الأحزاب المؤتلفة وبعدها عن خدمة قضية الاستقلال :
وبسبب تقاسم الأحزاب الولاء بين مصر وبريطانيا، شرع بعض النفر (على رأسهم الأستاذ أحمد خير) في 10 مايو 1945 في محاولة للتوفيق بين الجهتين الاتحادية والاستقلالية، فانعقدت اجتماعات لتنظر في أمرين، أولهما فيما يحدثنا الدكتور فيصل عبد الرحمن: (إمكانية توحيد مبادئ الأحزاب المختلفة فيما يتعلق بمستقبل السودان السياسي)، وثانيهما: (مناقشة الخطوات الأولى التي يجب اتخاذها لتحقيق المطالب القومية على ضوء الاتفاق الذي سيتم التوصل إليه بين الأطراف).

وقد تمخض هذا الجهد عن ائتلاف هش بين القوى الاتحادية والاستقلالية. وبعد جهد جهيد تمكنت الأحزاب المؤتلفة من توقيع وثيقة في 25 أغسطس 1945 أصبحت تعرف فيما بعد بوثيقة الأحزاب المؤتلفة. بيد أن الائتلاف لم يزد عن العمل بالسنة التي سنها مؤتمر الخريجين من قبل، والمتمثل في محاولة نيل الاستقلال عن طريق رفع المذكرات إلى الدولتين المستعمرتين. وقد تبنى مؤتمر الخريجين وثيقة الأحزاب المؤتلفة، ورفع مذكرة في 15 أكتوبر 1945 تضمنت مطالب الوثيقة. ومن المهم أن نقف على محتوى المطلب الأول والأساسي في المذكرة (الوثيقة). فقد كان كما يلي:- (قيام حكومة سودانية ديموقراطية حرة في اتحاد مع مصر وتحالف مع بريطاني). (المرجع السابق ، ص 229). ويمكن أن نلاحظ أن هذا المطلب تضمن بقاء السيطرتين المصرية والإنجليزية، الأولى بالاتحاد، والثانية بالتحالف.


قيام الحزب الجمهوري :

في هذا الوقت كان الأستاذ محمود محمد طه متحركاً وحده. وكان من ضمن وجوه نشاطه كتابة المقالات في الصحف في مواجهة الاستعمار، ونقد القوى السياسية على مهادنتها الاستعمار، وانقسامها بين الدولتين المستعمرتين. وقد كان عنوان أحد المقالات: (لماذا مصر ولماذا بريطانيا؟!) ومن هنا نشأت فكرة إقامة الحزب الجمهوري، وأسندت رئاسته منذ أول وهلة للأستاذ محمود محمد طه. وقد قام الحزب في 26 أكتوبر 1945.

ويحدثنا الدكتور فيصل عبد الرحمن قائلاً:- (ورفض الحزب الجمهوري الوثيقة التي ائتلفت عليها الأحزاب الأخرى في 25 أغسطس 1945 وتبناها المؤتمر في أكتوبر 1945 لأنها تختلف في جوهرها عن دستور الحزب. وقد سبقت الإشارة إلى أن أحد بنود الوثيقة ينص على قيام حكومة سودانية ديموقراطية حرة في اتحاد مع مصر وتحالف مع بريطانيا. وفي معرض تعليقه على هذا البند قال الحزب الجمهوري: "إننا لا نفهم لماذا نتقيد باتحاد وتحالف فنضع بذلك حق البلاد الطبيعي في الحرية موضع المساومة بأن ندفع ثمن الحرية اتحاداً مع هذه أو تحالفاً مع تلك"). ص 237.

ويمضي الدكتور فيصل ليقول أن الحزب الجمهوري كان يتفق مع حزب الأمة على استقلال السودان وعلى أن يكون السودان للسودانيين. (ولكنه كان يختلف عن حزب الأمة في أمرين: أولهما أن الحزب الجمهوري أعلن في بيانه الأول في 4 نوفمبر 1945 تفضيله للجمهورية نظاماً للحكم بينما لم يعلن حزب الأمة قبوله للجمهورية نظاماً للحكم إلا في 21 أغسطس 1953. وأما الأمر الثاني فقد كان أن الحزب الجمهوري يرفض التعاون مع إدارة السودان البريطانية لتحقيق الاستقلال ويرى أن السبيل لتحقيق الاستقلال هو الجهاد).

ولقد يحسن أن أذكر بهذه المناسبة أن المذكرة التفسيرية لبيان إنشاء الحزب الجمهوري ورد فيها: (أن النظام الجمهوري هو أرقى ما وصل إليه اجتهاد العقل البشري في بحثه عن الحكم المثالي لأنه لا يجعل لمواطن فضلاً على آخر إلا بقدر صلاحيته وكفاءته للاضطلاع بالأعباء المنوطة به، هذا بالإضافة إلى أنه لا يقيد الناس بضروب من الولاء والتقديس اللذين لا مصلحة للإنسانية فيهما). (المرجع السابق، ص 235) ورغم هذه المناداة المبكرة بالمساواة بين المواطنين إلا أن السيد الصادق المهدي طابت له نفسه في عام 1999 أن يدعي أنه أول من دعا للمساواة بين المواطنين، ونسي حتى أنه أيد محكمة الردة عام 1968 على صفحات الجرائد.

ومما يعين على فهم مواقف الحزب الجمهوري يومئذ، معرفة رأيه في الحركة السياسية. فقد عاب عليها أمرين: خواءها من المذهبية والبرامج، وقعودها عن تنوير الشعب وتحريكه ليناضل من أجل الاستقلال والحرية والرضا بدلاً عن ذلك بحرب المذكرات. ولعل الفقرة التالية من كتاب "السفر الأول" الصادر في أكتوبر 1946 تعطي فكرة معقولة عن رأي الحزب يومئذ:- (.. هذه صورة سريعة جداً، مقتضبة جداً، لنشاط المؤتمر في السياسة، وفي الإصلاح. ولسائل أن يسأل لماذا لم يسر المؤتمر في التعليم على هدى سياسة تعليمية موضوعة، منظور فيها إلى حاجة البلاد كلها في المستقبل القريب والبعيد؟ ولماذا لم يعن المؤتمر بمناهج الدراسة كما عني بإنشاء المدارس؟ وله أن يسأل لماذا عندما وُلِدت الحركة السياسية في المؤتمر اتجهت إلى الحكومة تقدم لها المذكرات تلو المذكرات، ولم تتجه إلى الشعب تجمعه وتثيره لقضيته؟؟ ولماذا قامت عندنا الأحزاب أولاً ثم جاءت مبادؤها أخيراً). ويمضي السفر الأول ليقول: (نعم، لسائل أن يسأل عن منشأ كل هذا. والجواب قريب، هو انعدام الذهن الحر المفكر تفكيراً دقيقاً في كل هذه الأمور. فلو كان المؤتمر موجهاً توجيهاً فاهماً لعلم أن ترك العناية بنوع التعليم خطأ لا يدانيه إلا ترك العناية بالتعليم نفسه، ولأيقن أن سياسة "سر كما تشاء" هذه المتبعة في التعليم الأهلي سيكون لها سوء العواقب في مستقبل هذه البلاد. فإن نوع التعليم الذي نراه اليوم لن يفلح إلا في خلق البطالة، وتنفير النشء من الأرياف، وتحقير العمل الشاق في نفوسهم. وانعدام الذهن المفكر تفكيراً حراً دقيقاً هو الذي طوع للمؤتمر يوم ولدت فيه الحركة السياسية-وهي قد ولدت ميتة- أن تعتقد أن كتابة مذكرة للحكومة تكفي لكسب الحرية، حتى لكأن الحرية بضاعة تطلب من الخارج ويعلن بها الزبائن بعد وصولها، حتى تكون مفاجأة ودهشة. ولو أن جميع الأحزاب القائمة الآن استطاعت أن تفكر تفكيراً دقيقاً لأقلعت عن هذه الألاعيب الصبيانية، التي جعلت الجهاد في سبيل الحرية ضرباً من العبث المزري).


مهزلة "وفد السودان" إلى مصر :

منذ يونيو 1945 وحتى مارس 1946 انشغل مؤتمر الخريجين والأحزاب المؤتلفة بالإعداد لتكوين وفد لحضور مفاوضات دولتي الاستعمار الرامية لإعادة النظر في اتفاقية 1936. وكان الصراع على أشده بين المؤتمر والأحزاب الاتحادية من جهة والاستقلاليين من الجهة الأخرى، حول تمثيل السودان، وحول مطالب السودانيين. وكان المؤتمر والاتحاديون يريدون أن يمثل المؤتمر السودان وتكون مطالب السودانيين هي محتوى مذكرة المؤتمر المرفوعة في 23/8/1945 التي أشرت إليها أعلاه، والتي تطالب بوضع السودان تحت التاج المصري. هذا في حين كان يحرص الاستقلاليون على أن يمثل السودان بواسطة الأحزاب السياسية وأن تكون مطالب وثيقة الأحزاب الموقعة في 25/8/1945 هي مطالب السودانيين. وقد انشغلت الأحزاب وقتاً للوصول إلى صيغة وسط تجد قبول الاتحاديين والاستقلاليين.

قام الفوج الأول من الوفد في 22 مارس 1946. بيد أن حكومتي الاستعمار قد استخفتا بالوفد (الذي اشتهر باسم وفد السودان). وقد أصدرت حكومة الاستعمار بياناً أعلنت فيه أنها لا توافق "على إرسال وفد غير مكفول برعاية يبعث آمالاً لا يحتمل تحقيقها". وقالت الحكومة أن الوفد لا يمثل ولا يمكن أن يمثل السودان بوجه عام. كما شككت في إمكانية أن يقابل المفاوضون الوفد لأنهم لم يطلبوه ولأنه لا يمثل سوى جزء من المجموعة. (المرجع السابق ، ص 249-250). كما أن الأحزاب والهيئات المصرية لم ترض بمهمة الوفد، ومارست عليه ضغوطاً ليترك مصر تتحدث عن الجلاء من وادي النيل، مصر والسودان. ونتيجة للضغوط التي مارسها المصريون على الوفد تم إبعاد حزب الأمة من الوفد وانتهى الوفد إلى أن يكون ضيفاً مقيماً بمصر.

ولم يقف هوان الوفد عند ذلك الحد، بل إن بياناته كشفت عن ضعف مؤلم وضع الشعب السوداني موضعاً يوجب الإشفاق. فعلى سبيل المثال، لم يكشف بيان الوفد الذي نشره في 2 يونيو 1946 عن أي إنجاز غير حصوله على مواثيق والتزامات وعهود من الأحزاب والهيئات الشعبية المصرية تؤكد أن قضية وادي النيل "مصره وسودانه" قضية واحدة سيتم الفصل فيها في وقت واحد. وذلك يعني شيئاً واحداً، هو أن الوفد قد رضخ لضغوط المصريين وترك لهم قضية السودان، ليفعلوا فيها ما يشاءون. ويحدثنا الدكتور فيصل عبد الرحمن قائلاً:- (وكشف الوفد في بيانه أنه التقى إسماعيل صدقي رئيس الوزراء ورئيس وفد المفاوضة المصرية في 11 مايو 1946 وأوضح له أن المطالب التي يحملها وفد السودان باعتباره ممثلاً لأبنائه متفقة تماماً مع مطالب أبناء مصر وهي الجلاء عن وادي النيل ووحدته "تلك الوحدة التي فسرها وفد السودان بأنها وحدة وادي النيل مصره وسودانه تحت التاج المصري مع وحدة الجيش ووحدة التمثيل السياسي –السياسة الخارجية- على أن يتولى السودانيون إدارة شئونهم الداخلية بحكومة تقوم على أسس ديموقراطية). (ص 265). بهذا يمكننا أن نرى بؤس حصيلة وفد السودان، كما يمكننا أن نرى طبيعة الدولة التي أرادتها بقية الوفد حين نرى التفسير الذي أعطته لشعار وحدة وادي النيل. والجدير بالذكر أن أعضاء "وفد السودان" من الاتحاديين، بعد أن سلموا قضية السودان إلى مصر، أقاموا عموماً في الفنادق الفخمة، في مصر، على نفقة الحكومة المصرية، ولم يعودوا إلى السودان إلا في عام 1948، بيد أن بعضهم نشأت لهم مصالح تجارية ومصالح وظيفية بمصر فلم يعودوا عندئذ.


الحزب الجمهوري يرفض مهادنة الأحزاب للاستعمار :

رأينا من قبل أن الحزب الجمهوري، في بيانه الأول، رفض وثيقة الأحزاب المؤتلفة الموقعة في أغسطس 1945 ونعى على الحركة السياسية مهادنة الاستعمار. وحين انشغلت الأحزاب والمؤتمر بتشكيل وفد السودان ومحاولة الاتفاق على صيغة للمطالب ترضي كل أطراف الوفد، كان الحزب الجمهوري يعارض الاستعمار بالمنشورات والخطب السياسية في الأماكن العامة. وقد استمر في محاولة حشد الحركة السياسية في خط مواجهة الاستعمار. فعلى سبيل المثال أصدر الحزب الجمهوري بياناً في 18/2/1946، أجتزئ منه بالتالي:-

((هذا نذير من النذر الأولى

يا جماعة الأشقاء ويا جماعة الأمة.. أيها القاسمون البلاد باسم الخدمة الوطنية.. أيها القادحون قادحات الإحن بين أبناء الأمة.. أيها المذكون ثائرات الشر والتفرقة والقطيعة.. أيها المرددون النغمة المشئومة-نغمة الطائفية البغيضة.. إنكم لتوقرون أمتكم وقراً يؤودها.

يا هؤلاء وهؤلاء: أنتم تلتمسون الحرية بالانتماء إلى المصريين فتتمسكون بأسباب رمام، وأنتم تلتمسون الملك بالبقاء تحت الإنجليز فتتهيأون لدور الهر الذي يحكي بانتفاخه صولة الضرغام. أنتم تريدون إبقاء المصريين، وأنتم تريدون إبقاء الإنجليز، فإذا اجتمعت كلمتكم فإنما تجتمع على إبقاء المصريين والإنجليز معاً.

يا هؤلاء وهؤلاء: أنتم تتمسحون بأعتاب المصريين لأنكم لا تقوون على مواقف الرجال الأشداء، وأنتم تتمسحون بأعتاب الإنجليز لأنكم صورتم المجد في أخلادكم صوراً شوهاء. أنتم تريدون السلامة، وانتم تريدون الملك. أنتم تضيعون البلاد لما تجبنون، وأنتم تضيعون البلاد لما تطمعون..).


وقد مضى هذا المنشور في محاولة استنهاض القوى السياسية للمواجهة، فورد فيه:- (يا هؤلاء وهؤلاء: كونوا ليوثاً غضاباً، أو فكونوا قردة خاسئين؛ وارحموا شباب هذا الوادي المسكين، فقد أوسعتموه غثاثة وحقارة وهوانا.. الخ.).

وقد كانت المادة الأساسية للجمهوريين في منشوراتهم وخطبهم هي قضية الاستقلال. وقد ركز الحزب الجمهوري في محاولة لف الشعب حول قضية الاستقلال على قضايا المستضعفين: الجنوب، والمرأة. ركز الحزب على الجنوب وإهماله وعزله، وانتقد المجلس الاستشاري لشمال السودان لمسائل منها استبعاد الجنوب منه، كما استغل قانون الخفاض الذي صدر في ديسمبر 1945. وحين ضاق الاستعمار بنشاط الجمهوريين، طلب من الأستاذ محمود محمد طه في يونيو 1946 توقيع تعهد بعدم الاشتغال السياسة أو توزيع منشورات. ولكن الأستاذ رفض، فصدر بحقه حكم بالسجن لمدة عام. بيد أن التهاب الشعور الوطني أجبر الإنجليز على الإفراج عنه بعد خمسين يوماً من سجنه.

وكمثال لمواجهة الجمهوريين للاستعمار يومئذ، أورد خبرين من الرأي العام، أولهما في يوليو 1946: (ألقى الأستاذ أمين محمد صديق سكرتير الحزب الجمهوري خطاباً عاماً أمس الأول عن الجنوب في الخرطوم بحري في جمهور كبير أمام السينما الوطنية، وأعاد إلقاءه مرة أخرى في نفس الليلة في مكان آخر في الخرطوم بحري، وقد استدعاه البوليس هذا الصباح وحقق معه فاعترف بكل ما حصل وزاد بأن هذا جزء من خطط كبيرة ينفذها الحزب الجمهوري). والخبر الثاني من الرأي العام في27/9/1946:- (اعتقل بوليس الخرطوم بحري مساء أمس ذا النون جبارة وعبد المنعم عبد الماجد، عندما ألقيا خطابين أمام السينما الوطنية بالخرطوم بحري، نددا فيها بالمجلس الاستشاري وقانون الخفاض وكبت حرية الرأي والخطابة).


قانون محاربة الخفاض :

في ديسمبر 1945 سن الإنجليز قانون محاربة الخفاض. والقانون يعاقب بالسجن كل أم أو شخص يخفض بنتاً، وكذلك كل من أجرى خفاضاً، كما يلزم القانون الناس بالإبلاغ عن أي حالة خفاض نمت إلى علمهم. وقد انتقد الجمهوريون القانون بعد صدوره مباشرة.

ومن المهم أن اذكر هنا أن الجمهوريين قد نبهوا منذ أول بيان لهم ضد قانون محاربة الخفاض، في ديسمبر 1945، إلى أنهم لا يدافعون عن عادة الخفاض، وإنما يعارضون المرامي السياسية من وراء القانون، كما يعارضون طريقة محاربة عادة الخفاض بالقانون. فقد جاء في البيان الأول ضد القانون ما يلي:- (لا نريد بكتابنا هذا أن نقف موقف المدافع عن الخفاض الفرعوني، ولا نريد أن نتعرض بالتحليل للظروف التي أوحت به لأهل السودان، والضرورة التي أبقته بين ظهرانيهم إلى يومنا هذا. ولكننا نريد أن نتعرض لمعاملات خاصة، وأساليب خاصة، وسنن خاصة، سنتها حكومة السودان، أو قل ابتدعتها ابتداعاً، وأرادتنا أن ننزل على حكم ابتداعها إرغاما).. (ومن الآيات الدالة على سوء القصد، في هذه الأساليب، إثارة مسألة الخفاض الفرعوني في هذا الظرف، وأساليب الدعاية التي طرقتها له، والطرق التي ارتأتها مناسبة لإبطاله، والقضاء عليه، ولقد جاءت هذه الآيات دليلاً واضحاً على التضليل المقرون بسبق الإصرار). ومضى البيان ليقول:- (قل لي بربك!! أي رجل يرضى بأن يشتهر بالتجسس على عرض جاره؟؟ وأي كريم يرضى أن يكون سبباً في إرسال بنات جاره أو صديقه أو عشيره للطبيب للكشف عليهن؟؟ عجباً لكم يا واضعي القانون- أمن العدل والقانون أن تستذلونا باسم القانون؟؟ أومن الرأفة بالفتاة أن تلقوا بكاسيها في أعماق السجون). وقد مضى الحزب الجمهوري في بياناته وخطبه ليقول أن الاستعمار لم يقدم للمرأة السودانية أي خدمات تجيز له إدعاء الحرص عليها على نحو ما يفعل قانون محاربة الخفاض. وفيما بعد، حين جاء الاستعمار لمحاكمة الأستاذ محمود محمد طه في ود مدني عن دوره في ثورة رفاعة، رفض الأستاذ أن يدلي بأقواله في التحقيق أو أن يمثله محام إلا على أساس مناقشة قانون الخفاض. ولم تكن القوانين وقتها تجيز ذلك، علماً بأن قوانين السودان قد أتاحت فيما بعد وقف المحاكمات لمنح المتضرر من القانون فرصة للطعن فيه بعدم دستوريته أو نحو ذلك.

وبالنظر إلى ما اقتطفته أعلاه من البيان الأول للحزب الجمهوري، يتبين أنه لا سبيل لأحد أن يزعم أن الحزب الجمهوري دافع عن عادة الخفاض.. اللهم إلا إذا كان يروق لأحد أن يوزع التهم دون تمحيص، ودون اعتبار للحق.


لماذا سن الإنجليز القانون ؟

الظن بأن الإنجليز قد أصدروا قانون محاربة الخفاض لمحاربة هذه العادة، ظن ممعن في الغفلة. وهو ظن يجب أن لا يجوز على أحد. فأهل العالم الثالث يجب أن لا تنطلي عليهم خدع الاستعماريين الذين درجوا في كل مكان على تصوير أنفسهم بأنهم لم يهدفون من الاستعمار ولا من سياساته المختلفة إلا خدمة الشعوب المستعمرة وتطويرها وتوصيلها بأسباب الحداثة. ويكفي أن أيرنست بيفن وزير خارجية بريطانيا قال في خطاب ألقاه أمام مجلس العموم في 26 مارس 1946 أنه: (ليس للحكومة البريطانية من غرض في السودان سوى رفاهية السودانيين الحقيقية. وقد أعلنت الحكومة المصرية هذا المبدأ أيضاً في معاهدة سنة 1936. ولا يمكن تحقيق رفاهية السودانيين إلا إذا احْتُفِظ في السودان بإدارة ثابتة). (المرجع السابق ص 250) والعبارة الأخيرة تعني عملياً أنه لا يمكن تحقيق الرفاهية للسودانيين إلا إذا استمر الاستعمار.

أدرك الحزب الجمهوري أن الإنجليز قصدوا بالقانون إيجاد مبرر لإطالة أمد الاستعمار، بإيجاد ذريعة تسمح لهم بالتنصل عن التزامهم الناشئ بموجب وثيقة الأطلنطي الموقعة في 14 أغسطس 1941، التي التزمت فيها بريطانيا بمنح الشعوب المستعمرة حق تقرير المصير عند انتهاء الحرب لمصلحة الحلفاء إن دعمت تلك الشعوب مجهود الحلفاء الحربي. ومعلوم أن الشعب السوداني وقوة دفاع السودان قد حاربوا بجانب الحلفاء، فاستحقوا بذلك منحهم حق تقرير المصير عند نهاية الحرب. ولكن بريطانيا كانت تحرص على الاستمرار في حكم السودان ونهب ثرواته، فاهتدت إلى حيلة مفادها تصوير الشعب السوداني في نظر الرأي العام العالمي بأنه شعب همجي يمارس عادة بهذه الهمجية والتخلف. ومن أجل ذلك أثير قانون الخفاض في بريطانيا بتغطية إعلامية واسعة استهدفت الرأي العام الغربي على وجه الخصوص لإقناعه بضرورة استمرار الحكم البريطاني على السودان ليخرج شعبه من دياجير الظلمات. وقد كان هذا الإقناع ضرورياً، لأن أمريكا كانت حريصة على خروج دولتي الاستعمار التقليدي–بريطانيا وفرنسا- من مستعمراتهما.


الإنجليز قرروا إطالة الاستعمار عشرين سنة حتى 1966 :

وقد استغل الإنجليز ضعف الحركة السياسية السودانية، فتجرأ هدلستون، الحاكم العام، على أن يعلن في الخرطوم عن نيتهم لإطالة أمد الاستعمار في السودان، وذلك في الخطاب الذي ألقاه في 17 إبريل 1946عند افتتاح الدورة الخامسة للمجلس الاستشاري لشمال السودان. يحدثنا الدكتور فيصل عبد الرحمن أن هدلستون قال في مستهل خطابه (أن بعض أعضاء المجلس طلبوا مناقشة وضع السودان ولكنه قرر أن الوقت لم يحن بعد لإجراء هذه المناقشة). ويمضي الدكتور فيصل ليحدثنا قائلاً: (وعبَّر الحاكم العام عن ثقته بأنه في فترة عشرين عاماً سيحكم السودانيون أنفسهم. ولكنه قال أن هذه المدة تقريبية وأعرب عن أمله في الوصول إلى تاريخ ثابت عندما يبحث المجلس لاحقاً توصيات المؤتمر المرتقب). والمؤتمر المقصود هو الذي أعلن عنه هدلستون في ذات الخطاب، وقال أنه سينعقد في نهاية دورة المجلس، برئاسة السكرتير الإداري، ليدرس الخطوات اللازمة لإشراك السودانيين بشكل أوسع في إدارة بلادهم، وأن توصيات المؤتمر ستعرض على المجلس الاستشاري لمناقشتها. (المرجع السابق 257-258). وقد كان ذلك المؤتمر هو مؤتمر الإدارة، المشهور، الذي عقد في 1947، وهو رغم صلة موضوعه بقضية الاستقلال إلا أنه لم يتناولها على نحو مباشر، وإنما تناول أمر إشراك السودانيين في الإدارة.

وهكذا، فبدلاً من إتاحة الفرصة للشعب السوداني لتقرير مصيره فوراً بمجرد نهاية الحرب في أغسطس 1945، أراد الإنجليز التنصل من وثيقة الأطلنطي، وسعوا إلى مد أجل الاستعمار عشرين سنة أخرى أو أكثر. وكان قانون محاربة الخفاض هو ذريعتهم لاستمرار الاستعمار. ولما كانت الحركة السياسية لم تقو آنئذ على نضال يتعدى رفع المذكرات، فقد نهض الحزب الجمهوري ليقاوم قانون محاربة الخفاض.

قد يتضح مما تقدم أن السبب الهام الذي جعل الحزب الجمهوري هو الحزب الوحيد الذي ظهر بمقاومة قانون محاربة الخفاض، هو أنه الحزب الوحيد الذي كان يرفع وسيلة الجهاد كوسيلة لطرد الاستعمار. ولو كان الأمر يتعلق بتقدم المفاهيم النظرية، بمعزل عن الظرف السياسي والوسيلة التي ابتدعها الإنجليز لمحاربة عادة الخفاض، لربما كان هو الحزب الوحيد الذي يعمل على إيقاف عادة الخفاض على نحو علمي ناجع. والحق أنه لا يصح لأحد أن يظن أن الحزب الجمهوري، الذي عرف بمواقفه المتقدمة في القضايا المحلية والإقليمية والدولية، وقف مدافعاً عن عادة الخفاض.


ثورة رفاعة تحدث تحولاً في أساليب القوى السياسية :

لا سبيل هنا للحديث عن تفاصيل أحداث ثورة رفاعة التي جرت في النصف الثاني من سبتمبر 1946. ويكفي القول بأن مواطني رفاعة قد استطاعوا بها إخراج المرأة المسجونة عنوة من السجن، وبقوا بدلاً عنها بالسجن حتى فاض بهم، معطين بذلك درساً قيماً في المسئولية. وقد اضطرت الإدارة الاستعمارية أن تطلب منهم مغادرة السجن. كما اضطرت أن تعمل على إنقاذ هيبتها، وعلى تهدئة الخواطر الثائرة، فنقضت جهات قضائية عليا حكم السجن على امرأة رفاعة. بيد أن هوان السلطة الاستعمارية قد بلغ بتلك الثورة حداً جعلها تنقض حكم السجن بينما كانت المرأة في بيتها، حتى أن نقض الحكم لم يكن من الناحية العملية إلا محاولة من الاستعمار لحفظ ماء وجهه. وكانت تلك أول مرة يتجرع فيها الاستعمار الثنائي مرارة الهوان في السودان. وقد دخل كثير من سكان رفاعة السجن، كما لحقت بآخرين منهم عقوبات مختلفة، منها الجلد، وكان نصيب الأستاذ محمود محمد طه السجن سنتين.

لقد ساقت ثورة رفاعة القوى السياسية إلى إعادة النظر في أسلوب المذكرات والمهادنة، وكذلك أسلوب البقاء في مصر في انتظار المصريين لتحقيق الجلاء عن "وادي النيل" على نحو ما كان يفعل قادة الاتحاديين. ولا أقول أن زعماء الحركة السياسية قد أعادوا النظر في أساليبهم خشية أن يسوق الحزب الجمهوري الشعب في خط الثورة دونهم، وإنما لأنهم قد اتضحت لهم على نحو عملي فعالية المواجهة وضرورتها.

وللوقوف على تغيير القوى السياسية أساليبها بعد ثورة رفاعة، أشير إلى ما ذكره الدكتور فيصل عبد الرحمن في ص 237 من كتابه من أن حزب الأمة "أوقف التعاون مع حكومة السودان وأعلن الجهاد" في أكتوبر 1946 إثر الأزمة التي فجرها بروتوكول صدقي-بيفن. وقال أن الحزب الجمهوري تعاون عندئذ "مع حزب الأمة وأحزاب استقلالية أخرى في إطار الجبهة الاستقلالية". وقال أن الحزب الجمهوري عبَّر عن ذلك بقوله: "كانت هناك حواجز بيننا وبين حزب الأمة، ولكن عندما أعلن الجهاد ورفض التعاون مع الإنجليز سقطت تلك الحواجز، واشتركنا في الجبهة الاستقلالية".

أما الأحزاب الاتحادية فقد عدلت عن خطها هي الأخرى، فكونت في يوليو 1948 "جبهة الكفاح الداخلي" التي شرعت في معارضة المجلس التنفيذي والجمعية التشريعية، وسيرت المظاهرات في العاصمة وعطبرة ومدن أخرى. وفي نوفمبر 1948 حكم على قيادات اتحادية عديدة في الخرطوم ومدني وعطبرة لتسيير المظاهرات. وفي ديسمبر 1948 اشترك إسماعيل الأزهري في مظاهرة بأم درمان فحكم عليه بالسجن لمدة شهرين.

كان ذلك اتجاهاً جديداً في الحركة السياسية. فقد استبدلت المذكرات بالخطابة السياسية والمظاهرات وغيرها من أساليب النضال. عندئذ رأى الحزب الجمهوري أن فراغ الحماس قد امتلأ، فعزم على أن يملأ فراغ الفكر. وقد دخل الحزب مرحلة بيات في الفترة من نهاية 1948 وحتى نهاية 1951 تقريباً، حيث طرح الأستاذ الفكرة الجمهورية على النحو المعروف.

هذا قول موجز هدفت به إلى وضع ثورة رفاعة في إطارها التاريخي، وإلى تبيين قيمتها التاريخية العظيمة. ومن المؤسف أن المؤرخين السودانيين لم ينتبهوا إلى التحول الذي أحدثته هذه الثورة في أساليب الحركة السياسية السودانية الحديثة، وهو التحول الذي قصر به أجل الاستعمار. بل إن من المؤسف أن المؤرخين السودانيين ثقل عليهم اسم الأستاذ، فلم يقووا على ذكره، بل خضعوا لرغبات السياسيين القاصرة وأطاعوها. ويكفي الدكتور فيصل عبد الرحمن على طه فخراً، وهو القانوني الذي لا يحتاج إلى تقريظ، أنه كتب في التاريخ بأفضل مما كتب أي مؤرخ سوداني حتى هذه اللحظة. ويكفيه فخراً انه كتب بأمانة تليق به. ويكفيه فخراً أنه لم يذكر الحزب الجمهوري كأحد الأحزاب السودانية فحسب، بل أفرد له فصلاً مستقلاً. وما ذاك إلا لأنه قويَ حين ضعف الناس.

إن مما يشحن المرء بالأسى أن يعجز بعض المتعلمين البارزين عن فهم ثورة رفاعة وموقف الحزب الجمهوري من قانون محاربة الخفاض. وهم قد كانوا في مأمن من التورط في ظنونهم هذه لو تساءلوا بينهم وبين أنفسهم لماذا بقي الإنجليز بالسودان منذ 1898 وحتى انتهاء الحرب العالمية الثانية دون التعرض لعادة الخفاض. ولكنهم مسكونون بالشكل. هم مسكونون بأن القانون إنجليزي، صاغه أهل الحضارة المعاصرة، ضد عادة شرقية من الزمان الغابر. ومن أجل ذلك يقرر أحدهم في يسر بالغ أن موقف الأستاذ محمود كان (متخلفاً ورجعياً في مواجهة قرار "تحديثي" جريء وسليم). فهل للحداثة صلة بمحاربة العادات المتأصلة بوسيلة القوانين؟ وماذا كان إسهام الإنجليز في إشاعة الوعي كسبيل لمحاربة هذه العادة؟ إن ثورة رفاعة كانت ثورة على المرامي السياسية البريطانية الخفية، المقصودة أولاً وآخراً من وراء قانون الخفاض، كما أنها كانت ثورة على طريقة محاربة عادة الخفاض لأنها طريقة غير ناجعة وضارة وتعرض حياء المرأة السودانية للابتذال، وهي لم تكن دفاعاً عن الخفاض، وقد بين المنشور الأول ضد قانون الخفاض ذلك الأمر. فهل لا يزال يستعصي على عقولنا فهم أمر بهذا الوضوح؟ وهل لا نزال نعتقد أننا ندخل في عداد المثقفين حين نتورط في مثل هذه السطحية المؤسفة؟

إن الغربيين أنفسهم يعلمون أن العادات لا تحارب بالقوانين، ولكن الأغراض الاستعمارية أذهلتهم عن ذلك يومئذ. وقبل وقت وجيز كتبت البروفيسورة إيلين قرونبوم (Ellen Gruenbaum) كتاباً عن الخفاض يتناوله من منظور أنثروبولوجي، بعد خمس سنوات من البحث الميداني في السودان، قالت فيه أن أكثر الغربيين فشلوا في التعامل مع كثير من عادات المجتمعات الشرقية بما في ذلك عادة الخفاض حين أغفلوا تأثير الأديان والعادات ومعايير الأخلاق التي ساهمت في تكوين المجتمعات الشرقية، فحاولوا التعامل معها بالقوانين دون أدنى اعتبار للعوامل الأنثروبولوجية. إن هذه الكاتبة لأجدر بالحداثة من بعض كتابنا الذين لا يزيدون عن استغلال لفظ الحداثة لتسويق مضامين متخلفة، على نحو ما يفعل أدعياء الدين بالدين، حتى لكأن أدعياء الحداثة هم الوجه الآخر لعملة أدعياء الدين. بل هم كذلك. وهنا يكمن خطرهم.


الأميون أصحاب البصائر أدركوا ، وبعض المتعلمين عجزوا:

إن ثورة رفاعة لتشهد بدقة فكر الأستاذ محمود ويقظته وحنكته السياسية. فهو قد فوت بها مؤامرة بريطانيا لإطالة استعمارها السودان. ولولاه ربما قضي على السودان أن يستقل في نهاية الستينات. ولقد أدرك ذلك وقتها رجال بسطاء ذوي بصيرة. ففي منتصف السبعينات زار العمدة عبد الهادي- عمدة منطقة جديد (غرب كوستي)- زار الأستاذ محمود في بيته بمدينة المهدية، وقال له أن أول مرة سمع فيها اسم الأستاذ كان في خريف 1946 حين جاءتهم أنباء ثورة رفاعة. وقال أنه أدرك يومئذ أن تمكُّن الثوار من اقتحام السجن وإخراج المرأة منه يعني أن "جبارة الإنجليز انفكَّت وسلطتهم انتهت". وقد كان الأمر كذلك، بيد أننا نحتاج أحياناً بصيرة الأميين البسطاء.

أرجو أن يكون في هذا إضافة في التعريف بثورة رفاعة التي تآمر عليها المؤرخون، وجهد بعض الكتاب مؤخراً للانضمام إلى ركبهم.

طه إسماعيل أبو قرجة
29 ديسمبر 2002

Post: #37
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 01:23 PM
Parent: #36


لقاء مع الدكتور الجزولي دفع الله نشرته جريدة "البيان" الأماراتية وفيه يتعرض لثورة رفاعة ومشاركته فيها

http://www.albayan.ae/servlet/Satellite?cid=10956582366...FBayanArticle&c=Page

أوراق جديدة...د.الجزولي دفع الله رئيس حكومة انتفاضة ابريل في السودان يستعيد أحداثها:
خرجت من سجن كوبر محمولاً على اكتاف الجماهير

بقلم :منى البشير

في تاريخ السودان المعاصر شخصيتان لعبتا دوراً مهماً في الانتقال بالسلطة من يد العسكريين الى حكومة مدينة منتخبة بعد ثورة شعبية. وتحملا في سبيل ذلك قبل وأثناء وبعد قبولهما بهذا الدور لضغوط ومطبات كانت من الممكن ان تطيح بالثورتين الوليدتين وترمي بهما الى ظلمات التاريخ ولكنهما نجحا في البلوغ بهما الغاية المخطط لها لا المنشودة.

الأول هو سر الختم الخليفة المعلم السابق ورئيس وزراء السودان بعد ثورة اكتوبر عام 64م الشهيرة وهي اول ثورة شعبية في الوطن العربي تطيح بنظام عسكري. أما الثاني فهو الدكتور الطبيب الجزولي دفع الله الذي لعب دوراً مقدراً في التمهيد مع زملائه الأطباء والمهنيين الآخرين لانتفاضة شعبية ثانية أطاحت بأعتى وأقوى نظام دكتاتوري جثم على صدر البلاد (69 ـ 85).

واصبح دفع الله الذي قاد اضرابين شهيرين في مستشفيات السودان رئيساً لوزراء حكومة انتقالية (85 ـ 86) وكان الاضراب الثاني المسمار الاخير في نعش نظام نميري واستمر عدة ايام مع كافة النقابات الأخرى. وخرج دفع الله من معتقل كوبر بعد أن تحركت القوات المسلحة في السادس أبريل من 85م فيما عرف بانحياز القوات المسلحة للشعب ليتولى مختاراً من تجمع النقابات المنصب التنفيذي الاول للبلاد لعام واحد انتقلت بعده البلاد بشكل سلس من الوضع العسكري ثم حالة الثورة الى الاستقرار.

في هذه الأوراق يحدثنا دفع الله عن مسيرة حياته وكيفية ولوجه الحياة السياسية وبدايات العمل ضد نظام الرئيس جعفر نميري واسرار ما قبل اختياره.

ـ نرجو التعرف على ملامح من سيرتك الذاتية ومكان مولدك و نشأتك؟

ـ أولاً أدعى (الجزولي دفع الله العاقب مساعد) ولدت في قرية (الدناقلة) الواقعة على ضفة النيل الأزرق الشرقية جنوب شرق مدينة ودمدني (مدينة بوسط السودان) وتبعد عشرين كلم جنوب مدينة حنتوب في العام (1935)، كان ترتيبي الثاني وسط أخوتي، فلي أخت تكبرني سناً واخوان خلفي ثم ثلاث خوات، أي أننا ثلاثة ذكور واربع إناث.

بدأت دراستي بخلوة الفكي عبد الله بالقرية ثم انتقلت الى المرحلة الأولية بمدرسة (الشبارقة الأولية) والتي تبعد حوالي (12كلم جنوب قرية الدناقلة)، ثم درست المرحلة الوسطى بمدرسة (رفاعة الوسطى الاميرية) من ثم التحقت بالمرحلة الثانوية في مدرسة حنتوب الثانوية على الضفة الشرقية لمدني ثم كلية الطب جامعة الخرطوم في الفترة من (1953 ـ 1959).

ابتعثت الى المملكة المتحدة للتخصص في أمراض الطب الباطني في عام (1966) ثم الى اليابان للتخصص في أمراض الجهاز الهضمي عام (1980). ـ عملت في جهات مختلفة من السودان في (كادوقلي بالغرب ـ رفاعة ودمدني بالوسط ـ القضارف بالشرق ـ الخرطوم ثم الخرطوم بحري).

متزوج منذ العام (1966) من زميلتي في العمل سيستر عائشة محمد الصوفي وأب لابنتين واحدة طبيبة (أمل) وتتخصص في أمراض الجهاز الهضمي في المملكة المتحدة برفقة زوجها والأخرى صيدلانية تخرجت من كلية الصيدلة جامعة الخرطوم وتعمل في شركة للدواء.

ـ من خلال هذا السرد لحياتك لابد أن هنالك أحداثاً تخللت هذه المسيرة ومنها ما يعلق بالذاكرة حدثنا عن بعض هذه الأحداث.

ـ هنالك حدث ظل عالقاً بذاكرتي وهو عندما كنت في المرحلة الوسطى شهدت وشاركت كتلميذ في ثورة (1946) والتي اندلعت برفاعة بقيادة المرحوم (محمود محمد طه) (مفكر سوداني) وإمام المسجد صديق الزهري وعلي مالك ضد حادث أطلقوا عليه (ثورة الخفاض الفرعوني)

وتعود القصة الى ان إحدى القابلات قامت بخفض طفلة خفاضاً فرعونياً أغلق عليها القبر وأودعت القابلة السجن ولكن المدهش ان هذه الثورة لم تكن ضد الخفاض بل كانت دفاعاً عن عادات سودانية ضد الإنجليز لا يمكن إنهاؤها بالقانون وإنما بنشر التعليم والوعي.

ايضاً أذكر عندما كنا طلاباً في حنتوب الثانوية وكانت الحركة الوطنية في أوجها كثيراَ ما شاركنا في تحركاتها واضربنا وتوقفنا عن الدراسة بسبب الاحداث السياسية السودانية منها والمصرية وعلى سبيل المثال أذكر ثورتنا ضد اتفاقية صدقي، بيفن والغاء اتفاقية (1936).

ـ ذكرت في معرض حديثك ثورة رفاعة ومحمود محمد طه المفكر السوداني الذي أعدمه نميري في عام1984م هل كانت لك صلات بهذا الرجل؟

ـ لم تكن لي أي علاقة خاصة بمحمود محمد طه ولكن عندما كنا تلاميذ في المرحلة الوسطى نستمع احياناً الى الخطب التي كان يلقيها عقب صلاة الجمعة في المسجد وكان خطيباً مفوهاً ومؤثراً ثم أنني في مراحل لاحقة قرأت له كتبا عن الإسلام بالعربية والإنجليزية ومنه ما أتفق معه فيه وما اختلف.

ولاسرة محمود محمد طه أثر روحي كبير فانا أذكر شقيقه ويدعى مختار محمد طه وكان له غار يتعبد فيه ولم يكن يتعامل بالمال وامتد نفوذه الى أستاذين بالمدارس الوسطى أحدهما المعروف (احمد صفي الدين عوض) شقيق البروفيسور (هاشم عوض) الاقتصادي والوزير السابق وكان استاذاً للعلوم الطبيعية فترك التدريس وارتدى الملابس المرقعة واصبح تلميذاً لمختار محمد طه والثاني هو محمد منصور الذي كان استاذاً بمدرسة لطفي السيد الاهلية الوسطى.

ـ هل تذكر شخصيات رافقتك خلال مراحلك الدراسية كان لها أثرها في المجتمع السوداني؟

ـ اذكر من زملائي في المرحلة الوسطى د. حسن عبد الله الترابي (الامين العام للمؤتمر الشعبي المعارض) وكان يسبقني بعام واحد ولم يكن مهتماً بالسياسة ولكنه نابغة في الدراسة وأذكر في المرحلة الثانوية في حنتوب كان رئيس الداخلية هو المشير (لاحقاً) جعفر نميري الرئيس الاسبق ـ أما زملائي فمعظمهم مهنيون،

أذكر منهم الطبيبان صديق احمد اسماعيل ـ كمال زكي ـ وفي حنتوب جعفر شيخ إدريس الاسلامي المعروف وابراهيم منعم منصور الوزير السابق ود.على التوم الخبير الاقتصادي وبابكر على التوم (رئيس المجلس التشريعي الحالي لولاية الخرطوم).

ـ متى بدأت العمل العام؟

ـ انا لا أدري ما المقصود بالعمل العام هل هو السياسي أم الاجتماعي وإذا كان معناه الاهتمام بالشأن العام فقد بدأته في مرحلة مبكرة وكانت بداية ذلك جمعي للتبرعات في القرية لإنشاء المدرسة الصغرى وأنا يوم ذاك طالب بالمدرسة الوسطي ثم إصداري لجريدة حائطية في المدرسة الوسطى وكنت سكرتيراً للجمعية الأدبية في مدرسة رفاعة الوسطي.

أما اهتمامي بالعمل السياسي فقد بدأ في المرحلة الثانوية وهي مرحلة الشباب المتفتح المتطلع وكنت أحرر يوم ذاك جريدة حائطية أطلقت عليها اسم (شواظ) كان شعارها (العين بالعين، والسن بالسن والجروح قصاص) ويومها كنت منظماً في صفوف الحركة الإسلامية وكانت تحمل يوم ذاك اسم (حركة التحرير الإسلامي)

وكانت (شواظ) تخوض المعارك ضد الاستعمار وضد الشيوعيين ففي الخمسينيات كان هناك صدام فكري عنيف بين الشيوعيين الذين كانوا يحتلون الساحة والإسلاميين الذين كانوا يحاولون أن يجدوا طريقهم اليها ورغم عنف الصراع الفكري إلا أنه لم يتطور لابعد من ذلك. كما يحدث هذه الأيام لذلك لم نعان من العنف الجسدي.

انتقلت بشواظ الى الجامعة وهناك شاركت في كل الأحداث السياسية التي شارك فيها الطلاب سواءً بالتظاهر أو بالإضراب رغم ان كثيراً من طلاب الطب لم يكونوا يشاركون في مثل هذه الأحداث انشغالاً بالدراسة والتحصيل الأكاديمي.

ولكنني اعتبر البداية الحقيقية لمشاركتي السياسية بالضبط في العام 1964 وتحديداً أبان ثورة أكتوبر حيث كنت طبيباً عمومياً بمدينة رفاعة وعندما أعلن الإضراب السياسي العام في العاصمة وصلت الأخبار الى رفاعة أعلنت الإضراب السياسي رغم أنني الطبيب الوحيد في المستشفى وبادرت بالسعي لتكوين جبهة الهيئات برفاعة والتي أصبحت سكرتيراً عاماً لها فيما بعد وشاركت في كل المؤتمرات التي عقدت بجبهة الهيئات في مدينة ودمدني وفي العاصمة.

حدث بعد ذلك وفي نفس العام 1964م ان انسلخت من تنظيم الحركة الإسلامية لا لاسباب سياسية ولكن بسبب ميولي الطبيعية للانطلاق وعدم التقيد بقيود التنظيم ولكن ظللت على صلة طيبة بالحركة الإسلامية واشترك في المؤتمرات بالرأي وأكتب من موقعي كشخص مثقف لا من موقع تنظيمي.

ـ د. الجزولي نقيباً للأطباء متى تم ذلك؟

ـ نقابة الاطباء نقابة قديمة تم تكوينها تحت مسمى الجمعية الطبية في عام 1948م وكان اول رئيس لها ولعدة دورات تالية هو د. عبد الحليم محمد امد الله في ايامه وايضاً شغل هذا المنصب د. التجاني الماحي الأخصائي النفساني العربي الشهير ود. الحارث حمد، ود. شاكر السراح ود. طه طلعت.

وعندما كنت في القضارف (مدينة بشرق السودان) كنت نقيب اطباء المنطقة في الفترة من (1970-1977م) ثم نقلت بعد ذلك الى مستشفى الخرطوم بحري وفي عام 1982م ترشحت لمنصب نقيب الأطباء ضد د. طه طلعت النقيب السابق الذي كان يريد ان يترشح لدورة أخرى وفزت بالمنصب واصبحت نقيباً للأطباء.

ـ كيف استطعت توظيف منصبك كنقيب لنقابة مهنية لصالح العمل السياسي في ذلك الوقت؟ أعني اضراب الأطباء الشهير في عام 1984م وفيما تمثلت مطالبكم هل كانت سياسية أم مهنية ومتى تم رفع الإضراب وكيف تم اعتقالكم؟

ـ عمل النقابة في تلك الفترة كان مزدوجاً يعني شقه الأول يتعلق بتحسين البيئة الطبية التي يعمل بها الطبيب حتى يتمكن من أداء رسالته نحو المريض وشقه الثاني هو عمل سياسي مظهره مطلب ضد الحكم الشمولي متمثلاً في مايو (نميري 69/85) وكان ابرز نموذج لهذا العمل هو إضراب عام 1984 الذي استمر شهراً كاملاً

وحاولت السلطة المايوية إفشاله بكل الوسائل ولكنها لم تنجح وهذا أول إضراب تفشل مايو في إنهائه وكنتيجة لهذا الفشل اقتادت قادة النقابة بما فيهم شخصي الى سجن كوبر وبرفقتي نائبي د. حسين سليمان ابو صالح (وزير الصحة، إعلام وخارجية لاحقاً) وبعضاً من أعضاء اللجنة التنفيذية.

وظللنا في السجن حتى يئست مايو من رفع الإضراب فأخرجتنا من السجن وجلست معناً للتفاوض واستجابت لبعض المطالب التي تقدمنا بها. وقد تعاون معنا في هذا الإضراب بعض النقابات مثل موظفي المصارف والهيئة النقابية لأساتذة جامعة الخرطوم مما يعد نواة التجمع النقابي الذي تكون عام 1985م

وأنا أزعم ان هذا الإضراب كسر حاجز الخوف في نفوس المواطنين تجاه مايو ووجد اضرابنا تأييداً منقطع النظير من المواطن العادي رغم ما عاناه من انعدام الخدمات الصحية التي توقفت بالكامل حتى أن بعض المواطنين في مستشفى الخرطوم رفضوا تلقي العلاج من العدد القليل من الأطباء الذي انشق على الإضراب.

بعد خروجنا من السجن تم رفع الإضراب بعد للقاء بيني ونائبي أبو صالح مع الرئيس نميري الذي وعد بتحقيق مطالبنا ثم تمت بعد ذلك عدة اجتماعات بنائبه اللواء عمر محمد الطيب (رئيس جهاز الأمن) والتي تمخض عنها تلبية مطالب الأطباء والتي تمثلت في:

رفع أجور الأطباء خاصة أطباء الامتياز.

تحسين البيئة الطبية بتوفير وسائل الفحص والعلاج للمريض وتوفير الدواء.

ـ هل صحيح أنكم تعرضتم لمعاملة قاسية أثناء الاعتقال؟

ـ اطلاقاً لم نتعرض الي أي معاملة غير كريمة ووجدنا معاملة طيبة في كلتا الفترتين اللتين حبسنا فيهما (كوبر ـ دبك).

ـ يتردد ان الحركة الاسلامية المشاركة في السلطة آنذاك عملت على رفع الاضراب هل هذا صحيح؟

ـ لم يكن للحركة الإسلامية أي دور في رفع إضراب الأطباء.

ـ من خلال تواجدكم في قلب الأحداث كيف كان يبدو نظام مايو هل كان ضعيفاً أم متماسكاً؟

ـ نظام مايو لم يكن ضعيفاً ابداً بل كان نظاماً متماسكاً والدليل على ذلك انه تصدى لكل الإضرابات التي تمت من تنظيمات مهنية أخرى وأفشلها جميعها بل أنه فصل كل قضاة السودان بعد إضرابهم الشهير واعاد من بدا على هواه.

ـ اذكر لنا الأحداث التي جرت بين الاضرابين الأول والثاني اللذين اشترك فيهما كل التنظيمات؟ اعني الأيام الأخيرة لمايو؟

ـ بعد أحداث عام 1984م كان واضحاً جداً ان هنالك قناعة شعبية كبيرة برفض النظام المايوي وكان السؤال الدائم والملّح، ما هي الوسيلة للتخلص من هذا النظام.؟

وكان لدينا شعور بان الشعب السوداني أشبه بالبارود المعبأ ينتظر من يضع يده على الزناد حتى ينفجر وكان هنالك حديث بين النقابات المهنية المختلفة حول التنسيق والقيام بعمل مشترك لانهاء النظام حتى تبلور ذلك في تكوين التجمع النقابي في وائل عام 1985 والذي تكون من نقابات الأطباء ـ المهندسين ـ موظفي المصارف ـ المحامين ـ أساتذة جامعة الخرطوم ـ التأمينات وهذا التجمع هو الذي خطط ودعا للإضراب السياسي الذي تم في 6 أبريل 1985م.

ـ في هذه الأثناء هل كان لهذا التجمع النقابي أي اتصال بالقوات المسلحة او الشرطة او الأمن؟

ـ لا.

ـ هل هذا يعني أنكم كنتم تريدون عزل الجيش عن الأحداث؟

ـ في ذلك أقول ان الشرطة والقوات المسلحة هي قوات نظامية وهي من اذرع النظام.

ـ ولكن قد يكون من بينهم من هو ساخط على النظام مثلكم؟

ـ كان لدينا قناعة أنه إذا انتفض الشعب لن يصوب احد في الجيش او الشرطة البنادق الي صدور الشعب وكنا نريد خلق واقع شعبي وهذا الذي حدث..

ـ نتعرف على ملامح الحياة في الأيام الأخيرة من نظام مايو؟

ـ كانت الحياة قاسية جداً فالعاصمة غارقة في ظلام دامس بسبب الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي وانقطاع المياه وأينما اتجهت ببصرك تجد الصفوف في كل مكان في محطات الوقود والمخابز.

وهنا تحضرني قصة حدثت لي شخصياً ففي صباح يوم من تلك الايام لم نجد في المنزل وقوداً أو مصدراً للطاقة فالكهرباء مقطوعة وبحثنا عن غاز ولكنه كان منعدماً وكان لدينا وابور يعمل بالجاز فلم نجد الجاز ايضاً فلم نستطع فعل شئ واكتفينا (بسلطة) وعندما حضرنا في نهاية اليوم انا وزوجتي وجدنا بعضاً من الفحم مبعثراً أمام المنزل فظننا أن جيراننا حصلوا على الفحم لأنه لم يكن لدينا حتى فحم وعندما فتحنا الباب الرئيسي وجدنا خمسة جوالات من الفحم ومعها ورقة صغيرة ملصقة في أعلى أحد الجوالات من صديقنا المرحوم حسن بخيت جيلاني الذي أرسلها لنا من القضارف بعد أن علم بالأزمة التي نعانيها ففر��نا بالهدية فرحاً شديداً.

ـ ماذا حدث بالضبط يوم 6 أبريل 1985م تحديداً؟

ـ كان هنالك اجتماعات كثيرة للتجمع النقابي وآخرها اجتماع يوم الأحد 3 أبريل 1985م في نادي المحامين وتقرر في هذا الاجتماع أن يتم الإضراب السياسي ويعلن عند العاشرة من صبيحة يوم 6 أبريل أمام الجندي المجهول الواقع قرب محطة سكة حديد الخرطوم

كما تم ايضاً اختيار قيادتين بديلتين لقيادة التجمع المعروف وعند عودتي الى المنزل وجدت رجال الأمن في انتظاري فأخذوني الى سجن كوبر وعند اعلان اضراب 6 أبريل، انا كنت داخل سجن كوبر وعندما أعلنت القوات المسلحة انحيازها للشعب يوم السبت 9 أبريل 1985م أندفعت الجماهير نحو سجن كوبر وحطمت ابوابه وأخرجتني من السجن وطافت بي ارجاء المدينة.

ـ قبل الوصول الى يوم الانتفاضة اعني السادس من ابريل من العام 1985 فان هنالك عملاً كبيراً قد تم انجازه كيف كنتم تخططون لهذا العمل؟

ـ في أواخر الفترة المايوية كان هنالك احساس عام بانه لابد من تغيير النظام وكان التساؤل المطروح كيف يمكن ان يتم ذلك؟

بالطبع التحدث عن انقلاب عسكري آخر لم يكن ممكناً لأن مثل هذا التفكير يصبح بلا معنى بأن نغير نظاماً شمولياً بآخر مثله ولكن كانت هنالك دائماً ثورة اكتوبر 1964 حاضرة في الذهن

ولعل هذا كان الدافع للتجمع النقابي الذي بدأت نواته في اضراب الأطباء عام 1984م أن يجتمع قادته للتفاكر حول ما ينبغي عمله لتغيير النظام المايوي وكان ذلك قبل اشهر من انتفاضة ابريل، ثم كان أول اجتماع للتجمع النقابي بمنزل المهندس عوض الكريم محمد احمد (الأمين العام لنقابة المهندسين) بمنطقة جبرة (جنوب الخرطوم)

وكان من ضمن حضور هذا الاجتماع شخصي كنقيب للأطباء وعوض الكريم من المهندسين و عمر عبد العاطي عن نقابة المحامين و عبد العزيز دفع الله عن الهيئة النقابية لموظفي التأمينات واعتقد عدلان الحردلو عن الهيئة النقابية لاساتذة جامعة الخرطوم وتخلف عن هذا الاجتماع سكرتير نقابة موظفي المصارف.

بعد ذلك تمت اجتماعات كثيرة وفي اماكن مختلفة منها منازل بعضنا وآخر اجتماع كان يوم الاحد 3 أبريل في دار المحامين والذي اعتقلت بعده مباشرة.

ـ من كان يكتب محاضر هذه الاجتماعات وأين تحفظ؟

ـ كان يكتب محاضر الاجتماعات المهندس عوض الكريم والحردلو وهما اللذان يحتفظان بها.

ـ هل اصبح هذا التجمع النقابي كياناً منظماً بمعنى أن له رئيساً وأمانة عامة؟

ـ نعم في مرحلة لاحقة من تكوين التجمع النقابي تمت انتخابات فأصبحت انا رئيساً للتجمع النقابي وعوض الكريم سكرتيراً عاماً له وبقية الأخوة اعضاء.

ـ هل كنتم تشعرون أثناء هذه الاجتماعات انكم مراقبون من اجهزة الأمن أو انكم مخترقون؟

ـ في هذا أقول ان العلاقة بين النقابيين وثيقة والاجتماعات كانت تتم بالاتصال الشخصي ولكنني أعتقد ان اجهزة الامن كانت تعلم ببعض هذه الاجتماعات ولكنها تفادت الاصطدام بالنقابات ولعل ذلك منشأ انها لم تكن تقدر خطورة ماستؤدي اليه هذه الاجتماعات ولكن لاحقاً وضح جداً وجود رقابة امنية

وعندما كنا نجتمع في دار المحامين كنا نحس بوجود قوات الامن والدليل على ذلك انني أعتقلت بعد أخر اجتماع مباشرة. وعلى مستوى الدولة كانت تدرك ان هنالك حركة في وسط النقابات المهنية ولكنها لم تأخذها مآخذ الجد واستهانت بها لأن نظام مايو اعتاد الانتصار على خصومه طوال فترة حكمه سواء كانوا عسكريين أو مدنيين.

ـ هل كان لكم أي اتصال بالطلاب أو الأحزاب في تلك الفترة؟

ـ لم يكن لنا اتصال مباشر بالطلاب ولكن قد يكون لهم اتصال بهيئة أساتذة جامعة الخرطوم بقيادة الحردلو.

أما بالنسبة للأحزاب والى ان تم اعتقالي لم يكن هنالك أي اتصال بها ولكن علمت من الأخوة الذين كانوا خارج السجن أنهم اتصلوا ببعض الأحزاب في الفترة من (3-6 ابريل) ومنها حزب الأمة وكانوا مؤيدين للتحرك الشعبي.

ـ السادس من ابريل 1985م ماذا حدث بالضبط؟

ـ كان هذا يوم التحرك الفعلي للتغيير واتفقنا ان يتم اضراب عام يشل حركة كل البلد وأن يتم التجمع في الساعة العاشرة صباحاً أمام النصب التذكاري للجندي المجهول بالخرطوم امام بوابة محطة السكة حديد، كذلك استقر الرأي على ان يتلى على المجتمعين خطاب اعدته اللجنة هو (خطاب الانتفاضة) وتحدد فيه ما نريد وأن يستمر الاضراب حتى يسقط النظام.

وكان من المفترض أن يلقي الخطاب عدلان الحردلو ولكنه فجأة ذهب الى البطانة بسبب عائلي ولكن لحسن الحظ كانت هنالك نسخة اخرى بحوزة الاستاذ عمر عبد العاطي من نقابة المحامين والذي وقف في هذا اللقاء التاريخي والقى الخطاب.

ـ هذا التغيير الذي تم في ابريل من الذي أطلق عليه اسم انتفاضة لماذا لم يسم (ثورة) وما الفرق بينها واكتوبر، وهل كانت هنالك حساسية ضد فكرة الثورة بسبب سيطرة الاسلاميين؟.

ـ لم تتخذ أي جهة رسمية اسماً بهذا المعنى لما حدث ولكنها سادت وتعارف الناس عليها بانها انتفاضة ولعل هذا يعود لانها نبعت من كل السودان بصورة مفاجئة على غير ما يتوقع الناس الذين كانوا يظنون أن نظام مايو لا يقهر وهي تشبه الى حد كبير اكتوبر الذي تغلب ايضاً على نظام عسكري.

بالنسبة للحركة الاسلامية فلم يكن لها أي سيطرة على انتفاضة ابريل اذ ان معظم قادتها كانوا معتقلين في كوبر وبورتسودان وشالا والثورة هي التي اخرجتهم من السجون.

ـ المجلس العسكري ـ متى تكون؟ وهل كان هنالك تنسيق بينكم كقيادة مدنية وبين العسكريين كانت تبرر تكوين المجلس العسكري؟

ـ تكون المجلس العسكري بعد الانتفاضة مباشرة فقد خاطب سوار الذهب (المشير) الامة السودانية بوصفه وزيراً للدفاع وأعلن عزل نميري في التاسع من ابريل 1985م ثم بعد ذلك شرع في تكوين المجلس العسكري

وهنا اقول ان المجلس العسكري تم تشكيله دون أي تشاور مع قوى الانتفاضة ولم يكن في نية قادة الانتفاضة تشكيل أي كيان عسكري وكانوا يودون ان تعود القوات المسلحة بعد أن انحازت الى قوى الانتفاضة في صبيحة السبت 9 ابريل 1985م الى ثكناتها وتمارس صلاحياتها المنصوص عليها في الدستور

ولكن قادة القوات المسلحة دفعوا بأن تشكيل هذا المجلس املته ظروف داخلية خاصة بالقوات المسلحة اقتضت هذا الاجراء ولم يرد قادة الانتفاضة الدخول في صراع مع القوات المسلحة خاصة وأنها وقفت مع الانتفاضة وجعلت منها (ثورة بيضاء) وبعد ان كان التفكير ان يكون هنالك مجلس سيادة مدني تم الاتفاق على ان يوكل هذا الدور للمجلس العسكري الانتقالي

وبذلك اصبح للمجلس العسكري دور في خارطة الانتفاضة وتم هذا بعد نقاش طويل ومستفيض في أواسط التجمع النقابي ولعله من المفيد ان نذكر هنا ان دستور الانتفاضة حدد ان تكون الفترة الانتقالية ثلاث سنوات ولكنها اختصرت الى عام واحد تحسباً لسيطرة العسكريين على مقاليد الامور من جديد.

وقد تشكل هذا المجلس العسكري المفاجئ من قادة الاسلحة وفي النهاية قبلنا به على مضض. وأذكر عندما تشكل المجلس العسكري ذهبت وقابلت المشير سوار الذهب وقلت له (ماذا تريدون من تشكيل المجلس العسكري، هل نفاجأ بيوم انك اصبحت ايوب خان أو ضياء الحق قاد في باكستان) فقال لي بالحرف: (ده شعر ما عندي ليه رأس وليست لدى أي طموحات في الحكم وسنكون عوناً لكم) وقد كان صادقاً كما برهنت الاحداث لاحقاً.

ـ قبل ان نذهب الى التنسيق بين المجلسين نريد أن نعرف كيف تشكل مجلس الوزراء ومتى ومن الذي رشحك لهذا المنصب (رئيس الوزراء) وقد كان مرشحاً له ايضاً ميرغني النصري نقيب المحامين آنذاك؟

ـ تم تكوين مجلس الوزراء بعد حوالي اسبوعين من الانتفاضة و كان الترشيح للانضمام لمجلس الوزراء مبني على الاسس التالية:

الوطنية ان لا يكون قد عمل في نظام مايو

المقدرة والكفاءة.

وتمت ترشيحات كثيرة ويوم ذاك اصبح التجمع يضم كل النقابات والاحزاب وأصبح اسمه (التجمع الوطني) وبعد نقاش مستفيض دام زهاء الاسبوعين تم تشكيل مجلس الوزراء وقد طلب من الاحزاب المشاركة في التجمع أن ترشح شخصاً لأن يكون وزيراً من غير المنتمين اليها وكان الهدف من ذلك ان تكون الوزارة قومية وليست حزبية.

ورشح الاخوان المسلمون جناح صادق عبد الله عبد الماجد بشير حاج التوم الذي اصبح وزيراً للتربية والتعليم ورشح الحزب الاتحادي الديمقراطي محمد بشير حامد الذي اصبح وزيراً للإعلام ورشح حزب الأمة امين مكي مدني الذي اصبح وزيراً للاشغال.

وطلبنا من القوات المسلحة بصلتها الاوثق بشئون الجنوب ان ترشح لنا وزراء الجنوب الثلاثة الذين يجب ان يضمهم مجلس الوزراء اتباعاً لتقاليد الدستور الماضية ـ فرشحوا لنا صمويل ارو ـ بيتر جاتكوث ولعلي نسيت اسم الثالث (اوليفرالبينو) ولكنه طرد من المجلس لارتباط اسمه بحادث تهريب حبوب مخدرة الى السعودية.

أما بالنسبة لترشيحي لمنصب رئيس الوزراء فقد تم من قبل نقابة موظفي المصارف، وقد رشح الحزب الاسلامي ميرغني النصري الذي كان نقيب المحامين ورفعت الترشيحات الى المجلس العسكري كأمر تشريعي وتمت موافقة المجلس على تعييني لرئاسة مجلس الوزراء وحقيقة وللامانة والتاريخ فقد كنت زاهداً في هذا المنصب ولم أفكر فيه مطلقاً

ولم يكن به يوم ذاك ما يغري فترددت كثيراً وبعد الحاح من الكثيرين من بينهم نقابة الأطباء قبلته على مضض ولكن لم أقبل به نهائياً إلا بعد اجتماع مع المجلس العسكري الانتقالي أوضحت لهم فيه ما انوي القيام به سألتهم أن كانوا يوافقون على خطتي في العمل فوافقوا عليها بالاجماع وكانوا عند كلمتهم كما برهنت الأحداث اللاحقة.

وقد كان من مهام مجلس الوزراء ان يجتمع لاختيار الوزير المرشح ولعل الوزير الوحيد الذي كان لي كلمة منفردة في تعيينه هو وزير العدل والنائب العام (عمر عبد العاطي) وكيل نقابة المحامين وكان له دور كبير في الانتفاضة وقد ترشح لهذا المنصب اربعة اشخاص هم عبد الوهاب بوب المحامي ـ وعبد الوهاب ابو شكيمة وعمر عبد العاطي ولعلي نسيت الرابع،

وقد وقع اختياري على عمر عبد العاطي وكان ممتنعاً وغير راغب ولكن اقنعته بصعوبة وقد وقع اختياري عليه لأن ادواره في الانتفاضة كانت كبيرة ومواقفه الوطنية كثيرة وهنالك من كان يعتقد بان هنالك من هو أحق منه ولكن اعتقدت انه أحق لانه مؤهل لذلك.

ولذلك السبب ظل عبد الوهاب بوب يهاجمني في الصحف لمدة طويلة ويتهمني بالفساد وعدم الأمانة وكان ردي عليه أنني أتحداه وأدعوه لان يرفع قضية ضدنا إذا كان لديه ما يثبت دعواه.

ـ ما مدى صحة ما تردد عن الصراع بين المجلسين (العسكري المدني) وتدخل الاول في شئون الثاني وكيف كنتم تتجاوزون هذه الازمات؟

ـ لم تكن هنالك أي ازمات ولم يتدخل المجلس العسكري في شئون مجلس الوزراء وانما تعاون المجلسان كل في حدود اختصاصه للعمل سوياً لانجاح الفترة الانتقالية وقد تم ذلك بصورة مثالية قبل أن تتكرر

ولم يكن هنالك أي مشاكل ولكن الصحيح أن في بداية المسيرة كانت هنالك بعض الشكوك بين المجلسين ولكن العمل سوياً بدد هذه الشكوك واكسبنا ثقة متبادلة حتى ان الاجتماعات التي كانت تتم بين المجلسين ويجري فيها تصويت لم يكن يقف اعضاء كل مجلس على حده للتصويت ولكن هنالك خلطاً.

ـ ما طبيعة العلاقة بين المجلس العسكري والأحزاب وكذلك العلاقة بينه وبين النقابات؟

ـ لا أعرف للمجلس أي صلات خاصة بالاحزاب ولكن رغم ذلك يسأل اعضاء المجلس العسكري عن ذلك وبالطبع هنالك أفراد من المجلسين لهم صلات بالاحزاب ولكن هنا لا نتحدث عن افراد بل عن الهيئتين ـ واذا تحدثنا عن افراد هنالك بعض العسكريين وفي اوقات لاحقة التحقوا بالاحزاب في عهد الديمقراطية مثل عبد العزيز محمد الأمين الذي انضم للاتحادي الديمقراطي واللواء فضل الله برمة ناصر الذي اعلن انضمامه لحزب الأمة وكذلك من مجلس الوزراء حسين سليمان ابوصالح انضم للاتحادي. وذلك لم تكن للمجلس العسكري أي علاقة مع النقابات.

ـ في عهدكم تم حل جهاز الأمن من الذي كان وراءه وما مدى صحة بعض الروايات التي سأسوقها فهنالك رواية تقول أن وراء حله:

المشير سوار الذهب واخرى تحمل الفريق تاج الدين عبد الله ـ نائب سوار الذهب المسئولية في حين تردد أن قوى اجنبية ضغطت بشكل او بآخر على القيادة الوليدة بحل الجهاز.

أولاً جهاز الأمن حل قبل ان اتولى منصب رئيس الوزراء لأنه لو تم بعد ذلك لحافظت عليه ولما وافقت على حله وكنت سأجري به بعض التعديلات التي تجعل منه جهازاً لائقاً بعهد ديمقراطي وهذا لم يكن مستحيلاً إذ أن الجهاز لم يكن فاسداً في كل اجزائه

وانما كانت هناك قيادات فاسدة ارتكبت من الاعمال ما تأذى منه الشعب السوداني ودمغت الجهاز بهذه السمعة السيئة لدى جماهير الشعب السوداني قبل الانتفاضة ولعل هذه السمعة السيئة هي التي دفعت بالمجلس العسكري لحل الجهاز فالمجلس العسكري هو من قام بذلك كهيئة وليس شخصاً بعينه داخل المجلس ولا أعرف أي قوى اجنبية كان لها دور في حل الجهاز.

ـ المجلس العسكري حل الجهاز إذن اعمال التخريب والحرق في الجهاز من الذي قام بها؟

ـ التخريب الذي حدث كان من قبل المواطنين الغاضبين وحدث هذا في ممتلكات الجهاز ولكن لا اذكر تفاصيل دقيقة عن هذه الأحداث فقد مر زمن طويل.

ـ تقييمك للآثار التي ترتبت على حل جهاز الأمن وهل صحيح أنها كانت من اسباب الاختراق الأجنبي؟

ـ من اثار ذلك ان السودان أصبح مكشوف الظهر من ناحية أمنية خاصة وأن الجهاز حوى في داخله عناصر ذات كفاءة عالية وتلقت تدريباً متقدماً على حساب الدولة ولذلك كان لابد من الاستفادة منهم ولقد حاول جهاز الاستخبارات في القوات المسلحة والشرطة أن يسد هذه الثغرة ولكنها كانت اكبر من طاقاتهم جميعاً أما عن الاختراق الأجنبي للبلاد فليست هنالك مظاهر ملموسة لهذا الاختراق.


ـ ماذا عن ظهور الجبهة الإسلامية على مسرح الأحداث ومدى صحة أن المجلسين كانا يخدمان أغراضها ـ إضافة الى مغزى تعيين وزير التربية والتعليم من الحركة الاسلامية؟


ـ (بحده) هذه تهمة بلا دليل أولاً الجبهة الإسلامية لم تنضم للتجمع حتى يكون لها تأثير والوزير الذي عين لم يكن من الجبهة القومية الاسلامية ولكنه كان من الاخوان المسلمين الجناح التابع للشيخ صادق عبد الله عبد الماجد وأنا اتحدى أي احد يمكنه أن يدلل على أي امتياز نالته الجبهة الاسلامية لم ينله الآخرون في النظام الديمقراطي. ولكن كون كوادر الجبهة نشطوا في المناخ الديمقراطي فهذا حقهم وليس من حقنا أن نمنع أحداً من ممارسة نشاط كفلته له الديمقراطية.


ـ نريد مشاهد من هذه الفترة وانجازات قمتم بها واشياء كان من المفترض القيام بها ولكنها لم تنجز كتعديل او الغاء قوانين سبتمبر واتهام للحكومة الانتقالية بأنها لم تكنس آثار الفترة الشمولية (مايو)؟


ـ لم تلغ الحكومة الانتقالية قوانين سبتمبر وهي تعلم تمام العلم انها تمت في فترة شمولية ودون استشارة دستورية للشعب ولكنها في نفس الوقت كانت الحكومة تعمل على قراءة الخارطة السياسية لأوضاع البلاد آنذاك وهذا عندما أعلن حزب الأمة انه مع الصحوة الإسلامية وكذلك الحزب الاتحادي الديمقراطي أمن على قيام الجمهورية الإسلامية كما نادت الجبهة القومية الإسلامية لتطبيق الإسلام في كل نواحي الحياة هذه التيارات تمثل السودان الأعظم من الشعب السوداني،


ونحن لسنا ضد الإسلام وموقفنا منه معروف ولكننا رغم ذلك كحكومة انتقالية فقد تركنا الخيار للشعب في أن يقرر بعد انتهاء الانتخابات. ماذا يريد؟ وهنا أنا أتساءل بدوري لماذا لم تلغ هذه القوانين عند عودة الحكم الديمقراطي؟ ان لم تكن تمثل شيئاً في واقع الشعب السوداني خاصة وأن الصادق المهدي قال وبالحرف الواحد (أنها لا تساوي الحبر الذي كتبت به) أما بالنسبة لازالة آثار مايو فهذا حديث عام ولا يمكن لنظام أن ينسخ ما جاء به نظام سابق بالكامل مهما حاول


ولكننا اقلنا النظام الشمولي بالثورة وأعدنا الديمقراطية وأعدنا المفصولين تعسفياً وشكلنا لجنة لمحاسبة المفسدين في مايو، وعقدت جلسات تاريخية منها محاكمة عمر محمد الطيب النائب الأول للرئيس المخلوع وشكلنا لجنة قانونية للنظر في القوانين المايوية لاصلاحها أو الغائها وأجزنا قانون الانتخابات «عادل وديمقراطي» وأجرينا انتخابات حرة ونزيهة شهد بعدالتها ونزاهتها الجميع واشترعنا دستوراً انتقالياً ديمقراطياً عوضاً عن دستور 1952 المعدل عام 1956م.


ولذلك أقول يستحيل على نظام ان يحاكم فترة سياسية امتدت ستة عشر عاماً فأيدها في البداية الشيوعيون وفي منتصف عمرها الأحزاب وفي اواخر ايامها الحركة الاسلامية ـ هل من الواقع ان نحاسب جميع القوى السياسية ولذلك آثرنا أن تجري الانتخابات ويحاسب الشعب السوداني الذين افسدوا سياسياً من خلال الانتخابات.


ـ لماذا لم يقبض على منصور خالد عندما جاء السودان هل لهذا صلة بعلاقاته الدولية أو كانت لديه ملفات كان سيفجرها حال القبض عليه؟


ـ منصور خالد في اواخر ايامه كان ضد نظام مايو وهو كان فرداً من ذلك النظام وقد جاء بدعوة من النائب العام للادلاء بشهادة ولم يرتكب منصور خالد أي اعمال جنائية يحاسب على اساسها وانما يدخل في زمرة الساسة الذين ايدوا مايو ولماذا نحاسب منصور ولا نحاسب نقد؟


ـ علاقات السودان الخارجية كيف كان شكلها في عهدكم وما موقف السودان من العلاقة بين العراق وايران في ذلك الوقت؟


ـ السودان لم يتخذ أي موقف انحيازي بين العراق وايران وسياسة السودان الخارجية كانت تقوم على المصلحة القومية والبعد عن الاحلاف والمواقف المتطرفة وكانت على احسن حال على محيطنا العربي والافريقي والعالمي.


ـ ما قولك في تدهور العلاقة مع مصر والغاء اتفاقية الدفاع المشترك بضغط من ليبيا والاحزاب وان الاتفاقية كانت واحدة من اسباب تحجيم العمل العسكري للحركة؟


ـ العلاقة مع مصر لم تتدهور (ثم استدرك): حقيقة عند بداية عهد الحكومة الانتقالية ظهرت (إشاعة) بأننا نود اعادة النظر في اتفاقية مياه النيل وقد قلت يوم ذاك: (أن هذه الاتفاقية وقعت بين بلدين شقيقين وتعطي نصوصها الطرفين الحق في النظر فيها ولكن هذا ليس من اولوياتنا الآن) ولعل الامر الآخر أن الكاتب انيس منصور كتب مقالاً في احدى المجلات المصرية يقول فيه (تلتقي بسوار الذهب تطمئن على السودان وتلتقى بالجزولي دفع الله تشفق على السودان) ظناً منه انني اتخذ موقفاً معارضاً لمصر


وكان أن التقيت في فترة لاحقة بالرئيس المصري مبارك ومجلس وزرائه واستقبلت استقبالاً طيباً ولذلك أقول أن العلاقة بين مصر والسودان. اضافة الى ان هذه الاتفاقية لم ينجم عنها شيء يذكر ولم تكن فعالة حتى نقول ان الغاءها أثر على مجريات الأحداث في الجنوب وحقيقة نحن لم نلغها ولكن تم تجميدها حتى نجد لها شكلاً أكثر فعالية.


ـ لماذا رفضت الحركة الشعبية الانتفاضة وقامت باحتلال الناصر وهل صحيح أن الحكومة تقاعست في حسم العلاقة معها واهدرت فرصاً مواتية لانهاء الحرب ولماذا لم تطرح أي مشروع جاد لحل المشكلة؟


ـ هذه واحدة من أخطاء جون قرنق التاريخية وعدم فهمه للانتفاضة وظنه انها (مايو 2) مع أن قادة المجلس العسكري أعلنوا انهم انحازوا الى ثورة قامت وقد كان ظننا كبيراً ان جون قرنق قد تفهم طبيعة هذا التغيير وقد كتبت اليه خطاباً قبل تشكيل الحكومة الانتقالية اقول له فيه: (أن نظام مايو قد سقط


وأنك قد لعبت دوراً في ذلك والسودان الآن على اعتاب مرحلة جديدة قد لا تتكرر ومكانك معنا هنا حتى نصنع المستقبل سوياً) وكان هذا الخطاب باللغة الانجليزية ولو استجاب جون قرنق يوم ذاك لوفر على نفسه وعلى السودان 20 عاماً من الحرب واهدار الموارد وسفك الدماء ولحقق للجنوب طموحاته المشروعة ولكنه أثر ان يتخذ موقفاً مغايراً لذلك ظلت ازمة السودان بلا حل حتى الوقت الحاضر.


وقد كان واضحاً أن جون قرنق تعامل مع الحكومة العسكرية على انها مايو وقد التقيت في هذا الشأن بالرئيس الكيني اراب موي ثم الرئيس الأوغندي يوري موسفيني الذي كان جون في حركته عندما كان طالباً في جامعة دار السلام وحاول موسفيني وفي حضرتي ان يتصل بجون قرنق ليحضر ولكنه لم يفلح إذن لقد حاولنا ولكنه كان متصلباً ومنحازاً الى رأيه.


ـ في ايام الحكومة الاخيرة وهي تقترب من تسليم السلطة للشعب هل تعتقد ان بعض العسكريين راودتهم فكرة الانقلاب على ما تم والاستبداد بالسلطة خاصة وأن بعضهم بدأ في تلميع نفسه؟


ـ حقيقة من ناحية عملية وفيما أعلم لم يحاول أحد في المجلس العسكري الانقلاب على الانتفاضة والدليل على ذلك انهم شاركوا في تسليم السلطة في الموعد الذي حددته قوى الانتفاضة وكانوا هم الخاسر الاكبر اذ خسروا وظائفهم في القوات المسلحة وبعضهم كان في بدايات حياته العملية.


ـ هذا يقودنا لسؤال من الذي اختار تاج الدين عبد الله فضل قائداً عاماً بعد الفترة الانتقالية ولماذا هو بالذات الوحيد من بين اعضاء المجلس الذي واصل العمل ثم عين فيما بعد بمنصب رئيس هيئة شباب الوطن. التابع للجبهة الاسلامية.


ـ ليس لدى أي اجابة عن الفترة التي تلت الفترة الانتقالية ويسأل هو نفسه هذا السؤال.


ـ بعد تسليم الحكومة لماذا اصبح على رأس قائمة الشكر في العالم الخارجي المشير سوار الذهب كأول جنرال يسلم السلطة للشعب ولا يقال الحكومة المدنية بقيادة د. الجزولي دفع الله؟


ـ العسكريون اكثر شهرة من المدنيين خاصة في العالم العربي والتغييرات التي حدثت في الحكم في العالم الغربي كثيراً ما قام بها العسكريون ومازال الكثيرون في العالم العربي يظنون أن العمل الذي تم في السودان عسكري في المقام الأول ولا يدركون عمقه الشعبي هذا بالاضافة الى شخصية المشير سوار الذهب المتميزة.


الخرطوم

Post: #38
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 01:39 PM
Parent: #37


الثلاثاء 20 مايو 2003 الموافق 19 ربيع الأول 1424
فى وداع الراحل المقيم طه اسماعيل أبو قرجة

بسم الله الرحمن الرحيم
ما هي حقيقة الموت
إبراهيم يوسف

كان الأخ طه إسماعيل أبو قرجة قد خف إلى لقاء ربه حيث توفي بالبحرين يوم الأحد 4/5/2003 م .

والله المسئول أن يتم فضله عليه فيتقبله مع المنعم عليهم " من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا "

وقد كان الأخ طه ناشطا يحمل هموم شعبه وآماله وتطلعاته ويجاهد لنقل شعبه الطيب من مرحلة الولاءت التقليدية التي قعدت به طويلا ولتقوم علاقته بالإسلام علي الفكر بدل العاطفة التي استغلت كثيرا كما كان يسعي ليكون مشوار السلام هو مشوار لتغيير جذري ينقل السودانيين إلى حكم عصري يحتكم لحقوق الإنسان والمواطنة المتساوية كما كان يعمل لتصحيح صورة الإسلام بعد أن شوهت محليا وعالميا وذلك بدعوته لأصول القرآن ..وكان آخر مقالاته بمنبر السودانيين بالإنترنت دعوته لتكوين رأي عام سوداني مستنير يقود التغيير في البلد وكلل ذلك فقد نعته المنابر الحرة ومنابر الرأي بالإنترنت كما تنافس في تشييعه بالبحرين السودانيون والبحرانيون وحسن العزاء "أنا لله وأنا إليه راجعون "
وقد كان طه جاهزا إلى الرجوع إلى ربه وذلك لأنه قد خرج من وفاة أخيه جلال بعبرة عملية بحكم اجابيته فقال " أن وفاة الأخ جلال تسوق المرء إلى الشعور بأن الموت أقرب من قريب كما هي تسوق المرء إلى القول بأننا يجب أن نتعايش وأن نتحابب وأن نتواصل كأن الموت " أمام الزاوية " وليس وراءها كما يقولون.." بيد أني أريد أن أجعل من وفاة الأخ جلال مناسبة للالتصاق أكثر بالموت فهو أقرب من قريب وهو الحق في بحر الباطل المتلاطمة أمواجه هذا.." إلى أن يقول " فالموت هو الحق " وانه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم " سبحان الحي الذي لا يموت " أنتهي وهكذا يتضح أن في رؤية طه للموت صور من التحقيق لعلم أستاذه الأستاذ محمود محمد طه إذ سئل الأستاذ كيف يبرر السلام الموت فأجاب :"الموت الحسي ليس في حقيقته كما نظنه الآن وأنما هو ميلاد في حيز غير الحيز الذي نألفه نحن، مثله في ذلك مثل ميلاد الطفل في عالمنا هذا فانه قد جاء من حيز عاش فيه مدة وألفه واطمأن إليه ولم يخطر بباله حيز غيره ولو خير لكره الخروج عنه إلى عالمنا هذا كما يكره أحدنا أن يموت الآن ، نحن أيضا عندما نموت سنجد أنفسنا في عالم خير من عالمنا هذا .. الموت بمعني الفناء ليس هناك ..فبالموت يغير الحي قشرته فقط يخرج من صدفته التي ظلت تكنه ردحا من الزمن – وهو يكره مفارقتها لجهله بخير منها – فالإنسان لا يموت وأنما يتخلص من القوقعة كما يتخلص أحدنا من الملابس البالية .. وتبرير الإسلام للموت أنه سير إلى الله – سير من البعد إلى القرب – وهذا لجميع الناس " يا أيها الإنسان انك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه "
ومن ملاقاة الله الموت لأن به رفع الحجاب " لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد " انتهي من كتاب أسئلة وأجوبة للأستاذ محمود .

Post: #39
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 01:47 PM
Parent: #38


بسم الله الرحمن الرحيم
رداً على الأستاذة/ رباح الصادق المهدي
حول النسخ والتجديد في الفكر الجمهوري
بقلم مهندس / عبد الله فضل الله عبد الله
إنه لأمر يدعو إلى الحيرة، والعجب: أن يقرر كاتب ملتزم، في أمر لم يلم بكل جوانبه إلماماً صالحاً·· هذا، إذا لم نقل أنه لم يطلع عليه وإنما نُقل إليه، عنه، نقلاً مخلاً ، فصدقه، من غير تثبت ·· ثم قام بدوره، في توسيع دائرة الخلل، وذلك بنشره على أوسع نطاق، فأخل ، بل تخلي عن شروط ، وهي من الأبجديات التي يشرطها كاتب على نفسه - أي كاتب - دع عنك أن يكون كاتباًَ في صحيفة يومية، يزعم التزامه بفكر ديني و >إن الدين عند الله الإسلام<·
أما الأستاذة رباح الصادق المهدي، فقد كتبت، في مقالها الأسبوعي >بيننا< مقالاً، بعدد >الصحافة< 4035 بتاريخ 21/8/2004م تحت عنوان :- نحو مرجعية إسلامية متجددة ·· تناولت فيه، كما قالت بعض أخبار وأفكار حول ورشة هيئة شؤون الأنصار·
ثم أن الأستاذة رباح تعرضت في مقالها لفكر الأستاذ محمود محمد طه تعرضاً يستوجب، الوقوف عنده، والتعقيب عليه، ذلك لأنه تعرض، على نحو مما وصفنا في مستهل هذا المقال·· فبعد أن تحدثت الأستاذة رباح عن (تغيير وصف المرجعية من جديدة إلى متجددة) قالت أن هذا الحديث قد ذكرها (بالنقد الذي سيق للطهوية (مذهب الأستاذ محمود محمد طه) وكان أبلغ ما قيل في ذلك أن المذهب الجمهوري حين حديثه عن رسالة ثانية قد اختصر عتبات التطور في درجتين الأولى في القرن السابع والثانية في القرن العشرين، وهذا غير معقول·· وفي بعض النقاشات مع زميلي المهذب الأستاذ علاء الدين بشير ذكر لي أن النقاء يقود لوضوح الرؤى وأن ما كتبه الأستاذ قبل أربعين عاماً لا يزال- حسب رؤيته - يصف الواقع الوطني والعالمي، وردي هو أنه ومهما كان من صدق رؤية ما في زمان ومكان معين فستظل تلك الرؤية مربوطة بواقع تاريخي وإن طال مداه، وبغض النظر عن النقد العقدي الذي سيق للطهوية والذي أراه صحيحاً في استنكار نسخ القرآن المدني كله، فإننا لن نفلح في حديثنا عن شيء جديد دائم الصلاحية لتفسير الأحداث والتجاوب معها ·· نحن نريد شيئاً متجدداً··) ·· انتهي حديث الأستاذة رباح· الصحافة 21/8/2004م·
تُحدثنا الأستاذة رباح عن النقد العقدي المستنكر ( نسخ) الأستاذ محمود (القرآن المدني كله ) وترى هذا النقد صحيحاً، ولذا فهي تستنكر مع المستنكرين من النقاد·· غير أن الشيء المؤكد أن الأستاذ محمود لم يقل بـ( نسخ القرآن المدني كله)·· فمن أين أتيت يا أستاذة رباح، بل من أين أتي النقاد الذين استعنت بهم، بهذا الحديث ؟؟! فأنت، ولاهم ، لم تقرئيه ، ولم يقرؤوه ، من كتب الأستاذ محمود محمد طه لسبب بسيط، هو أن الأستاذ محمود لم يقل به ··
أيعقل أن تكون قرأتيه ، ثم خرجت بهذه النتيجة التي لا تليق بالمحققين من أمثالك؟ غير أني أخشي أن تكوني قد سمعته هكذا مشوهاً فنقلته كما سمعته من غير تحرٍ منك ولا تدقيق !! ظناً منك، إنك قد عثرت على الحقيقة من مصادرها الوثيقة·
أما الأستاذ محمود محمد طه فهو يتحدث عن تطوير التشريع الإسلامي في بعض صوره، كالمعاملات ·· ومن هنا جاء حديثه عن النسخ ··غير أن النسخ لا يتعلق بصورة العبادات ولا الحدود ولا القصاص ·· وإنما حصر الأستاذ النسخ في المعاملات وبالتحديد : في السياسة، وفي الاقتصاد، وفي الاجتماع ، وفي أسلوب الدعوة ·· وهذا وحده كافٍ لنسف عبارة الأستاذة رباح بأن الأستاذ ( نسخ القرآن المدني كله)·
ثم أن النسخ عند الأستاذ محمود هو إرجاء يتحين الحين، ويتوقت الوقت، وليس إلغاؤها تاماً·· يقول الأستاذ محمود وهو يحدثنا عن ذلك، وعن حكم الوقت: (·· وتطوير التشريع إنما هو انتقال من نص إلى نص ·· من نص كان هو صاحب الوقت في القرن السابع فأحكم، إلى نص اعتبر يومئذٍ أكبر من الوقت فنسخ·· قال تعالي : ( ما ننسخ من آية ، أو ننسئها نأت بخير منها ، أو مثلها ·· ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير؟) ·· قوله ( ما ننسخ من آية) يعني : ما نلغي، ونرفع من حكم آية ·· قوله ( أو ننسئها) يعني نؤجل من فعل حكمها· وقوله: (نأت بخير منها ) يعني أقرب لهم الناس ، وأدخل في حكم وقتهم من المنسأة·· ( أو مثلها) يعني نعيدها، هي نفسها إلى الحكم حين يحين وقتها ·· فكان الآيات التي نُسخت إنما نسخت لحكم الوقت، فهي مرجأة إلى أن يحين حينها·· فإذا حان حينها فقد أصبحت هي صاحبة الوقت، ويكون لها الحكم ، وتصبح بذلك هي الآية المحكمة ، وتصير الآية التي كانت محكمة · في القرن السابع، منسوخة الآن·· هذا هو معني حكم الوقت ·· للقرن السابع آيات الفروع ·· وللقرن العشرين آيات الأصول·· وهذه هي الحكمة وراء النسخ·· فليس النسخ إلغاءً تاماً، وإنما هو إرجاء يتحين الحين·· ويتوقت الوقت ··) انتهي - الرسالة الثانية من الإسلام·
وربما من هذا الحديث الذي نقلناه أعلاه أخذت الأستاذة رباح انطباعها فقالت: ( أن المذهب الجمهوري حين حديثه عن رسالة ثانية قد اختصر عتبات التطور في درجتين الأولى في القرن السابع والثانية في القرن العشرين ·· وهذا غير معقول) انتهي·
غير أن الشيء الذي لم تقف عنده الأستاذة رباح، أن الأستاذ محمود يتحدث عن حكم الوقت، كما رأينا في النص الذي نقلناه عنه أعلاه·· لقد كان الوقت في القرن السابع، وقت الوصاية، ومن هنا كانت الشوري·· والشوري ليست ديمقراطية وإنما هي حكم الرجل الرشيد على المجتمع القاصر·· ( فإذا عزمت فتوكل على الله )·· أما وقت القرن العشرين، فهو وقت مجتمع المسؤولية، والرشد·· أو قل المجتمع المرشح : للمسؤولية والرشد، إذا انبعثت فيه أصول القرآن ·· والمجتمع المسؤول هو مجتمع الديمقراطية (فذكر، إنما أنت مذكر ، لست عليهم بمسيطر··) ·· ومن هنا قال الأستاذ محمود عن هذا المجتمع المرتقب، أنه مجتمع ليس فيه رجل هو من الكمال بحيث يؤتمن على حريات الآخرين·· وإنما ثمن حرية كل فرد هو دوام سهره عليها··
بناءً على ما تقدم، فإن المجتمعات حيث كانت، وفي أي قرن من القرون الماضية، أو الآتية، هي، إحدى مجتمعين:
إما مجتمع مسؤولية، وهذا له أصول القرآن·· أو مجتمع وصاية - قاصر- وهذا له فروع القرآن·· ومن هنا كان الأستاذ محمود عندما يتحدث عن مجتمعي القرن السابع والقرن العشرين كان يقول : مجتمع القرن السابع والقرون التي تليه، مما هي مثله·· يعني مثله في القصور عن شأو المسؤولية·· كما كان يقول: مجتمع القرن العشرين والقرون التي تليه مما هي مثله·· يعني أيضاً مثله في ترشيحها لتحمل المسؤولية··
ومن هنا يتضح أن الأستاذ محمود لم يختصر ( عتبات التطور في درجتين الأولى في القرن السابع والثانية في القرن العشرين)، كما قالت أستاذة رباح··· وإنما القرنين السابع، والعشرين عند الأستاذ محمود نموذجان يمثل أحدهما قرون مجتمعات الوصاية، كما يمثل الآخر قرون مجتمعات المسؤولية ·· ولهذه الأصول، ولتلك الفروع ·· وهذا هو السر في انقسام القرآن بين الأصول والفروع، المكي، والمدني ووراء ذلك كثير يمكن أن يقال··
وعند الأستاذ محمود الإسلام بداية ونهاية ·· هو في البداية أقل من الإيمان ، وفي النهاية أكبر من الإيمان·· وعن البداية قال تعالي: ( قالت الأعراب آمنا ، قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ، ولما يدخل الإيمان في قلوبكم)·· وعن الإسلام في النهاية قال تعالى: ( ومن أحسن دينا، ممن أسلم وجه لله ، وهو محسن··) ·· وروح هذه الآية في عبارة >وهو محسن< وهي تعني وهو واعٍ وراضٍ ومدرك لهذا الإسلام أو قل الاستسلام الواعي·
ومن هذا يتضح أن الإسلام على مرحلتين: مرحلة الإيمان، ومرحلة الإسلام·· والتقسيم بين الإيمان والإسلام هو بسبيل من إنزال القرآن بين مدني ومكي، يقول الأستاذ محمود في ذلك (·· ولقد جاء القرآن مقسماً بين الإيمان والإسلام في معنى ما جاء إنزاله مقسماً بين مدني ، ومكي ·· ولكل من المدني والمكي، مميزات يرجع السبب فيها إلى كون المدني مرحلة إيمان، والمكي مرحلة إسلام··
فكل ما وقع فيه الخطاب بلفظ >يا أيها الذين آمنوا< فهو مدني، ما عدا ما كان من أمر سورة الحج، وكل ما ورد فيه ذكر المنافقين فهو مدني، وكل ما جاء فيه ذكر الجهاد وبيان الجهاد فهو مدني، هذا إلى جملة ضوابط أخرى·
وأما المكي فمن ضوابطه أن كل سورة ذكرت فيها سجدة فهي مكية، وكل سورة في أولها حروف التهجي فهي مكية، سوى سورتي البقرة ، وآل عمران ، فإنهما مدنيتان ، وكل ما وقع فيه الخطاب بلفظ ( يا أيها الناس) أو ( يا بني آدم) فإنه مكي سوي سورة النساء ، وسورة البقرة، فإنهما مدنيتان· وقد استهلت أولاهما بقوله تعالى: ( يا أيها الناس اتقوا ربكم ) وفي أخراهما ( يا أيها الناس أعبدوا ربكم)·
والشواذ عن الضوابط، بين المكي، والمدني، إنما سببها التداخل بين الإيمان والإسلام، فإنه كما ذكرنا كل مؤمن مسلم في مرتبة البداية ، وليس مسلماً في مرتبة النهاية، وكل مسلم مؤمن ولن ينفك ) انتهي - من كتاب الرسالة الثانية من الإسلام·
وهكذا يتضح أن الحديث عن ( نسخ القرآن المدني كله ) حديث لم يقل به الأستاذ محمود، فلتبحث الأستاذة رباح الصادق المهدي إذن في مصادر مرجعيتها الإسلامية المتجددة، ولمصلحة من يتقوَّل على الأستاذ محمود مثل هذه الأقاويل ؟!·
ثم أن الأستاذة رباح تواصل قولها الذي اقتبسناه لها في صدر هذا المقال فتقول: ( ·· فأننا لن نفلح في حديثنا عن شيء، دائم الصلاحية، لتفسير الأحداث، والتجاوب معها·· نحن نريد شئياً متجدداً··)·· انتهي ·· وأنا اتفق مع الأستاذة رباح في ذلك ·· غير أن هذا الشيء الجديد أو المتجدد لن يكون بالتلاعب بالكلمات، أو باللغة ، كاستبدال كلمة مكان كلمة، كأن تحل (المتجددة) مكان (الجديدة) ·· وإنما الجديد، أو التجدد هو الذي يبدأ من داخل النفس البشرية، وذلك بتهذيب النفس ، وترقيتها في مسالك العرفان، حتى تتغير، فإن تغيرت، أو قل تهذبت ، انعكس هذا التغيير أو قل التهذيب على البيئة الخارجية جمعيها- البيئة الطبيعية، والبيئة الاجتماعية - فيحدث فيها التغيير· ومن هنا يجيء الحديث عن اللغة وعن مفرداتها من جديدة أو متجددة وليس قبل ذلك على التحقيق·· فالتغيير يبدأ من داخل النفس ثم ينعكس على الخارج وليس العكس، ذلك أن النفس إذا كانت خربة، فلن تعكس خارجها سوى الخراب·
وعند الأستاذ محمود ليس هناك سبيل لهذا التغيير سوى بعث (الكلمة) كلمة التوحيد لا إله إلا الله، قوية خلاقة في صدور الرجال والنساء ·· ولن يتم هذا البعث على الصورة المرجوة إلا إذا أدركنا أن التوحيد صفة الموحِد (بكسر الحاء)، وليس الموحَد (بفتح الحاء) إذ أن الموحَد (بالفتح) غني عن توحيد الموحدين فقد وحد ذاته حيث قال في محكم تنزيله: ( شهد الله أنه لا إله إلا هو )·· والتوحيد بهذا المعني، إنما يعني توحيد القوى المودعة في البنية البشرية، العقل ، والقلب، والجسد·· وهذه لا سبيل إليها أيضا إلا بتوحيد الفكر، والقول، والعمل، حيث قال تعالي في ذلك : ( يا أيها الذين آمنوا: لم تقولون ما لا تفعلون ؟! كبر مقتاً عند الله إن تقولوا ما لا تفعلون)·· وتوحيد الفكر والقول والعمل ، يعني أن يفكر الإنسان كما يريد ، وأن يقول كما يفكر، وأن يعمل كما يقول بشرط أن يتحمل قوله وفعله وفق القانون الدستوري ، والقانون الدستوري هو الذي يوفق بين حاجة الفرد للحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة للعدالة الاجتماعية الشاملة·· هذا في الحد الأدنى، ثم يتواصل نهج الفرد في التغيير، حتى يبلغ مرحلة أن يفكر كما يريد، وأن يقول كما يفكر، وأن يعمل كما يقول، ثم لا تكون نتيجة فكره، ولا قوله، وعمله، إلا خيراً وبراً بالأحياء والأشياء··
هذا هو الشيء الجديد ( دائم الصلاحية لتغير الأحداث ، والتجارب معها)·
وعندما يكون التوحيد صفة الموحِد (بكسر الحاء) كما ذكرنا، تستمد الأفكار المنطلقة من هذه الصفة التوحيدية، وحدتها ومضاءها، وعمقها، وفعاليتها، فترى جديدة متجددة، كلما مر عليها الزمن، وهذا هو السر في بقاء أفكار الأستاذ محمود محمد طه حية، وكأنها قيلت لتوها، كما أشار لك بذلك زميلك الأستاذ علاء الدين بشير ·· وقد نبه الأستاذ محمود القراء في إحد كتبه لهذه الظاهرة فقال: (أن جميع الأفكار والآراء التي تحملها هذه الرسائل والمقالات ، منذ 1951م وإلى اليوم، يمكن أن تكتب اليوم من غير تبديل فيها، ولا تحوير ·· لم يفعل الزمن فيها شيئا جديداً، يضطرنا إلى تعديل أو تبديل···
وهذه ظاهرة ملازمة (للدعوة الإسلامية الجديدة) ·· فإنها، لما كانت مستمدة من نور التوحيد، لم يحدث فيها تعارض ، ولا تناقض ، وإنما هو الاتساق، والانسجام، في ظل التوحيد الضابط، وتحت راية الوحدة المهيمنة·· وذلك من فضل الله علينا، وعلى الناس·· إن من يطلع على هذه الرسائل والمقالات، من الأخوان القراء مدعو إلى أن يلقي بالاً إلى هذه الظاهرة المهمة، وأن قيمة هذا الكتاب إنما تنبع منها··) من كتاب رسائل ومقالات 1972م·
ثم أن الأستاذة رباح عندما أوردت اسم زميلها الأستاذ علاء الدين بشير، لم يغب عليها أن تصفه بـ ( المهذب)، وهذا لعمري خطاب حكيم·· والحكمة تعني وضع الأشياء ، في موضعها الصحيح·· كما تعني أيضاً إعطاء كل ذي حق، حقه لا وكس، ولا شطط·
غير أن الحكمة بهذا المعني ليست ثوباً يلبس عند اللزوم، ليصف الزميل بأنه أستاذ مهذب، ثم ينزع هذا الثوب، لتوصف الأفكار التي ينتمي إليها ذلك الزميل(المهذب) بالطهوية !! ووصف الفكر الجمهوري بـ (الطهوية)، أقل ما يقال عنه، أنه وصف غير معروف، وبالتالي غير متداول ، حتى يكتب لقراء صحيفة عامة متداولة ، تريد الأستاذة رباح أن تكون عندهم، مفهومة، الشيء الذي أضطرها لتشرح لقرائها ما تعنيه بالطهوية فقالت ( مذهب الأستاذ محمود محمد طه )!! ثم أردفت شارحة ومبينة، غموض تعريفها، فقالت: ( المذهب الجمهوري) !! أوما كان أجدر بالأستاذة رباح أن تبدأ بما شرحت، فيغنيها ذلك عن الشرح؟! أم يا تري أن وصف أفكار الأستاذ محمود بـ (الطهوية) لم يمله (الرأس) ، وإنما أملاه >الكراس<؟!·
ومهما يكن من أمر، فليس لأحد أن يطلب من الأستاذة رباح أن تصف أفكار أستاذ زميلها على نحو مما وصفت به الزميل ·· ولكن أليس من حق القراء الذين تخاطبهم الأستاذة رباح، أن تسمى لهم الأفكار بأسمائها؟؟ ثم بعد ذلك تعلق عليها ما تريد من تعليق ومن نقد يقوم على المسؤولية وتحمل نتائجها؟؟
والذي يستكثر على الآخرين أن يسمى أفكارهم بأسمائها، ماذا ينتظر منه سوى أن يحرف كلِم ذلك الفكر عن مواضعه ؟؟! والذي لا يعطي الأفكار اسمها الذي به سميت، فقد جانب الحكمة·· فكيف به وهو يحرفها بالنقل المخل؟؟ كما رأينا·
ولهذا ، فإن تسمية أفكار الأستاذ محمود محمد طه، بالطهوية ، يهدف إلى التقليل من شأنها ·· ولكنه أكثر من ذلك يقلل ، في عين القارئ الحصيف من شأن الواصف المتناوش!! (وأنىَّ لهم التناوش ، من مكان بعيد؟)·
ومهما يكن من أمر فقد لاحظت أن الأستاذة رباح الصادق المهدي تصر على وصف الفكر الجمهوري بالطهوية ·· جري منها ذلك في غير هذا الموقع من مقالها هذا، كما جري منها في مقالات سابقات·· وهي رغم ذلك، ليست أصيلة، في هذا التناوش ، إنما هي ناقلة عن أبيها وقديماً قيل ( ومن شابه أباه، فما ظلم) ·· غير أن للأب >بيننا< مقالات سابقات ، وأخرى آتيات لا ريب فيها· ولذلك فلنبق مع الابنة المباركة رباح ، حتى حين ( وليبق ما بيننا)·

المهندس / عبد الله فضل الله عبد الله
ود البخيت - أم درمان
26/8/2004م

Post: #40
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 02:44 PM
Parent: #39


العددالثاني والعشرون - مجلة ثقافية إجتماعية شهرية شاملة
ثقافــة: محمد المهدي المجذوب والحزب الجمهوري



تأسّس الحزب الجمهوري سنة 1945م وكان حزباً سياسيّاً أول أمره وأخذ اسمه من دعوته إلى قيام جمهورية رئاسية مستقلة في السودان لتكون خياراً وسطاً بين دعوة الاتحاديين إلى الإتحاد مع مصر تحت التاج المصري، ودعوة حزب الأمة والأنصار إلى قيام مملكة سودانية مستقلة، تحت التاج البريطاني

محمد المهدي المجذوب والحزب الجمهوري

في ذكرى رحيله: جانبٌ من سِيرته غير مطروق


عبد المنعم عجب الفيا


تأسّس الحزب الجمهوري سنة 1945م وكان حزباً سياسيّاً أول أمره وأخذ اسمه من دعوته إلى قيام جمهورية رئاسية مستقلة في السودان لتكون خياراً وسطاً بين دعوة الاتحاديين إلى الإتحاد مع مصر تحت التاج المصري، ودعوة حزب الأمة والأنصار إلى قيام مملكة سودانية مستقلة، تحت التاج البريطاني.


وقد انتخب الأستاذ محمود محمد طه رئيساً للحزب وكان الحزب صغيراً ومن أعضائه المُؤسّسين: منير صالح عبد القادر، عبد القادر المرضي، منصور عبد الحميد، ذو النون جبارة، أمين صديق، محمّد الفضل الصديق ومحمد المهدي المجذوب. ويقال إنّ المجذوب كان أصغرهم سناً.


ويلاحظ أنّ بين هؤلاء الأعضاء ثلاثة شعراء هم: المجذوب، منير صالح ومنصور عبد الحميد.


ويبدو أنّه ربطت المجذوب علاقة صداقة حميمة بمنير صالح، حيث وردت إليه إشارات في شعر المجذوب.


بدأ الحزب بالمقاومة بمواجهة الاستعمار الانجليزي علانيةً، وذلك في الوقت الذي اثرت فيه بقية الأحزاب اتباع أسلوب المهادنة والمذكرات وكان الحزب يوزع المنشورات التحريضية باسمه ويقيم أفراده الندوات والخطب الحماسية في المقاهي والأماكن العامة، فأزعج ذلك سلطات الإحتلال الانجليزي فاعتقلت الأستاذ محمود وحكمت عليه بالسجن عاماً بتهمة إثارة الكراهية ضد الدولة، مع وقف التنفيذ وإمضاء تعهُّد بعدم ممارسة النشاط السياسي، فرفض الأستاذ توقيع التعهُّد وفضّل السجن فأودع سجن كوبر، كان ذلك سنة 1946م.


وأثناء سجن الأستاذ محمود كتب محمد المهدي المجذوب قصيدة:


المنتظر - نشرت بديوانه: نار المجاذيب حملت تاريخ: سنة 1946م ومما جاء في هذه القصيدة:


وطني وما رعيت وخالفت هدي الكتاب عمائم الأحبار


الدين مقود جاهل، اقباده سبح تسوخ بخطوه في النار


ما للمراغنة انطويت مكابراً يوم الخلاف ولا أنا أنصاري


أهلي على الحب العميم وليلهم ليلي وشمس نهارهم لنهاري


محمود قم وأخرج بسيفك عادلاً علما ًيؤم كتيبة الأحرار


وقد أفرج عن الأستاذ قبل أن يكمل العام بعفوٍ من الحاكم العام وبعد شهرين فقط من خروجه وقعت حادثة رفاعة، حيث سُجنت إمرأة خفضت بنتها مخالفة قانون الخفاض الذي سنه الإنجليز، فاستغل الأستاذ محمود الحادثة لتأجيج الشعور العام لمقاومة المستعمر وقوانينه وخطب خطبة عصماء في مسجد رفاعة ثم قاد جمهور رفاعة وهاجموا سجن الحصاحيصا وخلصوا المرأة، فقبض على الأستاذ ومعه بعض أعضاء الحزب وبعض المواطنين.


وكان المجذوب من بين المُعتقلين، وقد سجّل حادثة اعتقاله والتحقيق معه ومحاكمته في قصيدة سيدة رفاعة - ديوان: الشرافة والهجرة وقد جاء فيها:


والقيت علينا في الليل شرطة وما هزنا سهد الحراسة والجبر


فيا حارسي مهلاً بيمناك سنجة وأضحك هل في الانجليز له صهر


وأوسعه لوما فيصغي ويتقي مصيري ويغضي ملء نظرته عذر


يسائلني قاضٍ عن الحزب عابساً ومن محنتي هذا الدعي له أجر


يقلب وجهاً ذا بريق يزمه حذاء وهل ومض الحذاء به كبر


أتسهر يا مولاي تحمي خواجة يعشيك من سلطانه الطبل والزمر


تسجل أقوالي وأني شاهد عليك وحكمي الحكم واقترب الفجر


ويواصل في نفس القصيدة تمجيده للأستاذ محمود قائلاً:


أبايع محموداًً على الحق بيعة هي الصبر والرضوان في عقدها بدر


أبي الله أن تلقي هواناً مصونة وما ذنبها إلاّ العفافة والطهر


حماها أبي الدين والعقل تأثر له منبر ما فيه خوف ولا ستر


تخطى إليها السجن والنار دونه ولم يجد إنذار المفتش والزأر


لك النصر يا محمود والنور باقياً وأعطيت ما أعطى بصائرنا الفجر


عرفنا رجالاً قدرهم ليس قادراً وغيرك في السودان له قدر


وقد حكم على الأستاذ في هذه الحادثة سنتين وبعد خروجه سنة 1948م اعتكف في خلوة برفاعة لمدة ثلاث سنوات، ثم خرج على الناس بدعوته الجديدة للإسلام سنة 1951م. وعاود الحزب الجمهوري نشاطه وقد تحول من حزب سياسي إلى حزب ديني فتخلى عن الحزب معظم الأعضاء المؤسسين ومنهم المجذوب ومنير صالح عبد القادر، ولم يتبق مع الأستاذ سوى أمين صديق وذو النون جبارة ومحمد الفضل.


ويبدو أنّ السّبب الرئيسي لخروج المجذوب من الحزب هو تخلي الحزب عن خط المواجهة والمقاومة وانتهاج الأسلوب السلمي في التغيير، ويكشف المجذوب عن هذا السبب في نهاية قصيدته الطويلة: شحاذ في الخرطوم التي كتبها سنة 1969م حيث يوجه حديثه إلى الأستاذ محمود قائلاً:


يا ولد الهميم أيُّها العارف ساحمني


أقلني من بيعتي


كيف أفتيت بخمود آية السيف، كيف


والفساد ما ترى،


أبايع المختار خارجاً مع الحسين!


والهميم هو جد الأستاذ محمود والمذكور في كتاب الطبقات، وقد نشرت قصيدة شحاذ في الخرطوم سنة 1984م في كتيب صغير.


هذه لمحة سريعة عن حياة المجذوب وعلاقته بالحزب الجمهوري أرجو أن تكون قد كشفت عن جانب من سيرة المجذوب غير مطروق.

Post: #41
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 02:59 PM
Parent: #40


فى الذكرى الثانية والعشرون لإعدامه
محمود محمد طه ظاهرة أم تيار ؟
شخصيات تكشف معلومات للمرة الاولي منذ اعدامه
أمين بنانى : قيادات اليسارقالت إن موقف الإسلاميين من محاكته كان سلبيا
حزب الأمة لم يستبعد وجود أيادى خفية تواطت لتصفيته
المؤتمر الشعبى : رغم إختلافنا معه نرفض طريقة إعدامه الجائرة
حسن مكى : يعتبر أن موقف الإسلاميين حيال القضية بالسلبى
هل محمود محمد طه راسبوتين عصره ؟



أعده وأجراه : بهاء الدين عيسى
محمود محمد طه هذه الشخصية المثيرة للجدل فى تاريخ السودان تاره بين دوره الفعال فى الحركة الوطنية ومواقفه القومية وآخرى بين آرائه التى يرى البعض بأنها متطرفة مما دعا من نظام الرئيس السابق جعفر محمد نميرى للتخلص من ما وصفها بالآراء. و التى قال عنها نظام مايو " لابد من إستئصالها تخوفا من الفتنة " التى قيل أنها قد لاحت فى الأفق ويرى بعض المفكرين الإسلامين أن قيادة الحركة الإسلامية آنذاك وقفت ساكنة وكان موقفها سلبيا باعتبار أن من مصلحتهم التخلص سيما وأنه كان يمتلك خاصية جاذبة فى الحديث والعلم والثقافة الدينية والبعض الآخر أن القوى اليسارية عملت على تشوية صورة الإسلاميين
مولده ونشأته

● ولد الاستاذ محمود محمد طه فى مدينة رفاعة بوسط السودان فى العام 1909م ، لوالد تعود جذوره الى شمال السودان ، وأم من رفاعة . توفيت والدته – فاطمة بنت محمود - وهو لماّ يزل فى بواكير طفولته وذلك فى العام 1915م ، فعاش الاستاذ محمود وأخوته الثلاثة تحت رعاية والدهم ، وعملوا معه بالزراعة ، فى قرية الهجيليج بالقرب من رفاعة، غير أن والده لمّا يلبث أن التحق بوالدته فى العام 1920م ، فانتقل الاستاذ محمود وأخوانه للعيش بمنزل عمتهم برفاعة .
● بدأ محمود تعليمه بالدراسة بالخلوة ، وهى ضرب من التعليم الأهلى ، كما كان يفعل سائر السودانيين فى ذلك الزمان ، حيث يدرس الاطفال شيئا من القرآن ، ويتعلمون بعضًا من قواعد اللغة العربية ، غير أن عمته كانت حريصة على الحاقه وأخوانه بالمدارس النظامية ، فتلقى الاستاذ محمود تعليمه الاوّلى والمتوسط برفاعة . ومنذ سنى طفولته الباكرة هذه أظهر الاستاذ محمود كثيرا من ملامح التميز والاختلاف عن أقران الطفولة والدراسة ، من حيث التعلق المبكر بمكارم الاخلاق والقيم الرفيعة ، الأمر الذى لفت اليه أنظار كثير ممن عاش حوله.

كلية غردون ودراسة الهندسة
● بعد اتمامه لدراسته الوسطى برفاعة أنتقل الاستاذ محمود الى عاصمة السودان ، الواقع حينها تحت الاستعمار البريطانى ، وذلك لكى يتسنّى له الالتحاق بكلية غُردون التذكارية ، وقد كانت تقبل الصفوة من الطلاب السودانيين الذين أتّموا تعليمهم المتوسط ليدرسوا في القسم الثانوي فأكمله الأستاذ محمود بتفوق ومن ثم دخل قسم الهندسة بكلية غردون في عام 1932 ، ودرس هندسة المساحة . كان تأثيره فى الكلية على محيطه من زملائه الطلبة قويا ، وقد عبر أحد كبار الأدباء السودانيين عن ذلك التأثير بقوله : ((كان الاستاذ محمود كثير التأمل لدرجة تجعلك تثق فى كل كلمة يقولها !)).

السكك الحديدية واالتوجه السياسى

● تخرج الاستاذ محمود فى العام 1936م وعمل بعد تخرجه مهندسًا بمصلحة السكك الحديدية ، والتى كانت رئاستها بمدينة عطبرة الواقعة عند ملتقى نهر النيل بنهر عطبرة ، وعندما عمل الاستاذ محمود بمدينة عطبرة أظهر انحيازًا الى الطبقة الكادحة من العمال وصغار الموظفين ، رغم كونه من كبار الموظفين ، كما أثرى الحركة الثقافية والسياسية بالمدينة من خلال نشاط نادى الخريجين ، فضاقت السلطات الاستعمارية بنشاطه ذرعًا ، وأوعزت الى مصلحة السكة حديد بنقله ، فتم نقله الى مدينة كسلا فى شرق السودان فى العام 1941م ، غير أنّ الاستاذ محمود تقدم باستقالته من العمل ، وأختار أن يعمل فى قطاع العمل الحر كمهندس ومقاول ، بعيدا عن العمل تحت امرة السلطة الاستعمارية.
● كان الاستاذ محمود فى تلك الفترة المحتشدة من تأريخ السودان ، وفى شحوب غروب شمس الاستعمار عن أفريقيا ، علما بارزا فى النضال السياسى والثقافى ضد الاستعمار ، من خلال كتاباته فى الصحف ، ومن خلال جهره بالرأى فى منابر الرأى، غير أنّه كان مناضلا من طراز مختلف عن مألوف السياسيين ،حيث كان يمتاز بشجاعة لافتة ، لا تقيدها تحسبات السياسة وتقلباتها ، وقد أدرك الانجليز منذ وقت مبكر ما يمثله هذا النموذج الجديد من خطورة على سلطتهم الاستعمارية ، فظلت عيونهم مفتوحة على مراقبة نشاطه.

نشأة الحزب الجمهورى
● فى يوم الجمعة 26 أكتوبر 1945م أنشأ الاستاذ محمود و رفاقه حزبًا سياسيًا أسموه (الحزب الجمهورى) ، اشارة لمطالبتهم بقيام جمهورية سودانية مستقلة عن دولتى الحكم الثنائى ، وقد كان هذا الحزب هو الحزب السياسى الوحيد وقتها فى المطالبة بالحكم الجمهورى ، وفى المطالبة بالاستقلال التام ، فى الوقت الذى كانت فيه الحركة الوطنية السودانية ، بقسميها الذين يقودهما حزبا الاتحادى والامة لا يناديان الا بالاتحاد مع مصر (الاتحاديون) أو بالاستقلال فى تحالف مع التاج البريطانى (الامة).
أول سجين سياسى فى الحركة الوطنية!

● نشأ الحزب الجمهورى أول ما نشأ على المصادمة المباشرة للاستعمار ، دون أن ورغم أن الحزب الوليد اتخذ من الاسلام مذهبيةً له ، غير أنه فى تلك الفترة لم يكن يملك من تفاصيل تلك المذهبية ما يمكن أن يقدمه للشعب ، فأنصرف أفراده الى ما أسماه الاستاذ محمود (ملء فراغ الحماس) ، و كان الحزب يطبع المنشورات المناهضة للاستعمار ،فتم اعتقال الاستاذ محمود فى يونيو من عام 1946م وتم تقديمه الى المحاكمة ، حيث خُيّر بين السجن لمدة عام ، أو امضاء تعهد بعدم ممارسة العمل السياسى فأختار السجن دون تردد. كان الاستاذ محمود بذلك أول سجين سياسى فى تأريخ الحركة الوطنية السودانية.

ثورة رفاعة

● بعد اطلاق سراح الاستاذ محمود واصل الحزب الجمهورى نضاله ضد الانجليز ، حتى حانت فى سبتمبر 1946م فرصة أخرى لتصعيد المقاومة ، اذ قامت سلطات الاستعمار بتفعيل قانون منع الخفاض الفرعونى والذى كان قد صدر فى ديسمبر من عام 1945م ، حين قامت السلطات فى رفاعة بسجن ام سودانية خفضت بنتها خفاضا فرعونيا ، فنهض الاستاذ محمود الى التصدى لحادثة الاعتقال هذه ، معتبرا أنّ الاستعمار بتفعيله القانون فى مواجهة عادة متأصلة لا يمكن محاربتها بالقوانين ، انما يرمى الى اضفاء الشرعية على حكمه عن طريق اظهار نفسه محاربا لعادات الشعب السيئة من ناحية ، واظهار السودانيين كشعب غير متحضر مستحق للوصاية من ناحية ثانية.
● خطب الاستاذ محمود خطبة قوية فى مسجد رفاعة مستنهضا الشعب للدفاع عن المرأة التى نزعت من بيتها الى ظلمات السجن. فتوحدت المدينة بأكملها خلفه فى ثورةٍ عارمة تصاعدت الى اقتحام السجن ، وأطلاق سراح المرأة ، رغم المواجهة العنيفة التى ووجهت بها من قبل السلطات والتى وصلت لحد أطلاق النار على الشعب
تمخضت ثورة رفاعة عن سجن الاستاذ محمود لمدة سنتين ، حيث ُسجن فى سجن ودمدنى لبعض الوقت ، ثم أتم باقى مدة السجن فى سجن كوبر الشهير بمدينة الخرطوم بحرى.



الحزب الجمهورى يخرج من جديد

● خرج الاستاذ محمود من اعتكافه فى اكتوبر 1951م ودعا الحزب الجمهورى الى اجتماع عام عقد فى 30 اكتوبر 1951م . فى هذا الاجتماع طرح الاستاذ محمود المذهبية الاسلامية الجديدة ، والتى تقوم على الحرية الفردية المطلقة ، والعدالة الاجتماعية الشاملة ، فى أفكاره التى يرى هو ورفاقه بانها الطريق الأمثل حسب رؤيتهم

أصدر أولى كتبه فى عام 1952 بعنوان قل هذا سبيلى

● فى عام 1952م صدر كتاب ((قل هذه سبيلى)) ، وبدأت به حركة واسعة لتأليف الكتب التى تتولى شرح فكرة الدعوة الاسلامية الجديدة وتفصيل مذهبيتها. فصدر كتاب ((أسس دستور السودان)) فى ديسمبر 1955م ليشرح أسس الدستور الذى دعا له الجمهوريون ،

*إنقلابيى نظام عبود سعوا لإيقاف نشاطه السياسى ؟

● لم تتوقف محاولات القوى المختلفة التى استشعرت الخطر من تنامى تأثير الحركة الجمهورية وسط الشعب عن الكيد لها بمختلف السبل ، وقد كان القاسم المشترك بدعاوى قوى الهوس الدينى . وكانت محاولة استغلال السلطة لتصفية الحركة الجمهورية واسكات صوتها ، فسعت لدى قادة انقلاب 1959م لايقاف نشاط الاستاذ محمود ، فكان أن استجابت السلطة بقرار ايقاف الاستاذ عن القاء المحاضرات فى الاندية ، غير أن الحركة استمرت فى شكل ندوات مصغرة تعقد فى المنازل ، ويؤمها جمهور كثير ، حتى الغت السلطة القرار لاحقا ، وعاد الاستاذ محمود الى المحاضرات العامة.

محكمة الرّدة :

● بعد ثورة اكتوبر 1964 م وعودة القوى الطائفية الى السلطة ، تجددت محاولات القوى السياسية لمجابهة الحركة الجمهورية ، حيث دبرت محكمة الردة فى نوفمبر 1968م ، والتى حكمت على الاستاذ محمود بالردة بعد محاكمة صورية سريعة استغرقت نصف الساعة ! ، ولم يمثل طه أمامها ، ولم يستأنف حكمها ، لعدم اعترافه بشرعية المحكمة حسب قوله


اصطلحوا مع اسرائيل

● دعا الاستاذ محمود محمد طه ، وفى قمة فوران المد القومى العربى الذى قاده الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، الى الصلح مع اسرائيل على أساس الاعتراف المتبادل ، وحل قضية فلسطين عبر التفاوض ! ، مذكرا العرب بأن قضيتهم ليست اسرائيل ، وانما هى اقامتهم على قشور من الدين وقشور من حضارة الغرب حسب تعبيره .


المصالحة الوطنية وسقوط مايو!

● بدأت سلطة مايو تتجه شيئاً فشيئاً الى أحضان القوى السياسية .. وبعد دخولها فى المصالحة الوطنية فى العام 1977م اجتاحت القوى الطائفية وحركة الاخوان المسلمين عددًا من أجهزة الحكم المايوى ، وقد أيّد الاستاذ محمود المصالحة

* جعفر نميرى ينفذ حكم الإعدام على محمود محمد طه

● فى صباح الخامس من يناير 1985م اعتقلت سلطات النظام المايوى الاستاذ محمود محمد طه بعد أن كانت قد اعتقلت عددا من الجمهوريين قبله
● فى يوم الاثنين 7 يناير 1985م قُدّم الاستاذ محمود وأربعة من تلاميذه للمحاكمة أمام محكمة الطوارئ ، برئأسة حسن ابراهيم المهلاوى ، فأعلن الاستاذ محمود محمد طه رفضه التعاون مع المحكمة ، بحجة عدم شرعية
● فى يوم الثلاثاء 8 يناير 1985م أصدرت المحكمة حكمها بالاعدام على الاستاذ محمود وتلاميذه الأربعة ، وصل جدل واسع بين المؤيدين والرافضين
● فى يوم 15 يناير 1985م أصدرت محكمة الاستئناف برئاسة المكاشفى طه الكبّاشى حكمها بتأييد حكم المحكمة
● فى يوم الخميس 17 يناير 1985م صادق الرئيس جعفر نميرى على حكم الاعدام

عند الساعة العاشرة من صباح يوم الجمعة الثامن عشر من يناير 1985م ، الموافق للسادس والعشرين من ربيع الآخرة من عام 1405ه ، صعد الاستاذ محمود درجات السلم الى المشنقة تحت سمع وبصر الآلاف من الناس ، وعند ما نزع الغطاء الذى كان يغطى رأسه قبيل التنفيذ، انكشف وجهه
● فى السادس من أبريل 1985م سقطت سلطة مايو أمام الإتفاضة ، وفى 18 نوفمبر 1986م أصدرت المحكمة العليا حكمها بابطال أحكام المحكمة ومحكمة الاستئناف بحق محمود. وقد أعلنت منظمة حقوق الإنسان فيما بعد يوم 18 يناير يوما لحقوق الإنسان العربي ..
*أمين بنانى القيادى الإسلامى
أعترف القيادى الإسلامى البارز أمين بنانى بان الأستاذ محمود محمد طه قد بادر بخصومة الإسلاميين منهجيا وعقائديا , قائلا لم يكن الخلاف سياسيا , مبينا أن القيادى الجمهورى تصالح مع الرئيس الأسبق جعفر نميرى ثم إنقلب على نظام مايو بعد المصالحة التى تمت بينه وبين الإسلاميين آنذاك عقب صدور قانون سبتمبر 1982م الذى تم بموجبه الإعلان عن تطبيق الشريعة الإسلامية , وأشار إلى أن محمود محمد طه وجه إنتقادا واضحا لفكر الإسلاميين , مبينا أن تلك الفترة شهدت جدلا بينه وبين السلفيين من خلال المناظرات الفقهية . وأعتبر بنانى أن د. حسن الترابى فكره لم يكفر محمود محمد طه فى حديثه حول الردة السياسية , وأكد بنانى أن الحديث حول موقف الإسلاميين السلبى حول إعدام محممود محمد طه خط قاده قيادة اليساريين ,ضد الإسلاميين , من يتحمل هذا الإعدام هو نظام مايو , والحركة الإسلامية لم تدعو لإعدام الآخرين رغم الدعاوى التى أطلقت على د. حسن الترابى والجدل الذى دار حول آرائه مؤخرا .
*كمال على عمر أمين الدائرة العدلية فى حزب المؤتمر الشعبى
يرى الأستاذ كمال عمر أنه رغم الإختلاف الفكرى بين الإسلاميين ومحمود محمد طه إلا أننا نرفض الطريقة التى تم بها إعدامه , وبعض القوى السياسية حاولت نسب التهم للإسلاميين , وطريقة المحاكمة التى تمت طريقة جائرة تتنافى مع القوانيين الدولية وقوانيين حقوق الإنسان , ولو نظرنا إلى سيرة حبيبنا محمد علية أفضل الصلوات والسلام لوجدنا سماحة المعاملة فففى المدينة كان يوجد بها ما يسمى بحزب الشيطان وحزب الأنصار والمهاجرين الذين خاوا بينهم المصطفى , الذى لم يكن قط حاشا لله قاهرا أو ظالما . ومحاكمة محمود محمد طه تشبه محاكمة عود البندر للأكراد والتى جاءت بقرار من الرئيس العرقى الأسبق صدام حسين , فالمحكمة كانت سياسية والقاضى آنذاك المكاشفى طه الكباشى نفذ مطالب الرئيس جعفر نميرى
*د. عبد الرحمن الغالى القيادى بحزب الأمة
حزب الأمة رفض قوانين سبتمبر بوضوح , وكان لدينا موقف واضح منذ صدورها , وفى خطاب العيد فى العام 1983م بمسجد ود نوباوى بأمدرمان أكد الحزب بوضوح رفضه للقوانين التى قلنا أنها تحتوى على عيوب تتنافى مع القوانين والتشريعات , و؟إعتبرنا أن تلك القوانين هى محاولة للتخلص من خصوم نظام مايو . ولعل بعد هذا الحديث مباشرة تم إعتقال قيادات حزب الأمة بما فيهم رئيس الحزب السيد الصادق المهدى , محكامة محمود "سياسية " ولم يستبعد عبد الرحمن الغالى وجود أيادى خفيه لعبت دور فى تصفيته .
· المفكر الإسلامى : حسن مكى
فى حديث سابق للدكتور حسن مكى المفكر الإسلامى راى فى حديث سابق أجريته معه أن موقف الإسلاميين من محاكمته فى ذلك الوقت كان سلبيا باعتبار أن محاكمته سبقها المصالحة مع الإسلاميين ومن ثم إنقلب النميرى عليهم قبيل الإنتفاضة بايام .
من المحرر : الشخصيات التى زاملت محمود محد طه ترى أن شخصيته جاذبة ولديها " حس " إقناعى كبير قيل أنه يسلب الإرادة فهل محمود محمد طه كان مثل راسبوتين سيبريا . كما قال عنه سكرتيره الشخصى راشفسكى يسلب الإرادة ويوهم العقول .


http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/ar/exec/view.cgi/20/8313

Post: #42
Title: Re: رد
Author: عمار محمد حامد
Date: 04-02-2008, 07:21 PM
Parent: #41

الاخ عبدالله :لك السلام.

شكرا على السرد الجميل لمسيرة شهيد الحق و الحرية .ولاكن لم تذكر تنبا الاستاذ بحكم الهوس الدينى للسودان وانهم سيظلمون الناس وسيحيلون نهارهم ليلا وفى النهايه سيتخاصمون ويتحاربون ما بينهم وسيزول هذا الطاغوت وبعدها سينعم السودان بالخير و الرفاهية .

لك منى الود والاحترام.

Post: #87
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 00:40 AM
Parent: #40


من جريدة الرأى العام:
====
مقالة الدكتور كمال حنفي بـ «الرأي العام».
كتب الدكتور حنفي - وهو من الإسلاميين- عن اغتيال الأستاذ/ محمود محمد طه قائلاً:
«... الحركة الاسلامية كانت هي القوة الفكرية الوحيدة التي وقفت معنوياً وسياسياً مع الحكم على محمود مع انها كانت من أوائل المتأذين من المحاكم السياسية في السودان وفي غير السودان... شهادات بعض الشهود التاريخيين أن محمود أعدمه قضاته «العلماء».. معنى ذلك ان محموداً أعدمه «العلماء»، لكن لايحدث ذلك إلا بالمناخ السياسي.. محمود محمد طه
أعدمته السياسة مثله مثل سيد قطب وباقر الصدر وعباس برشم وعبد الخالق محجوب.
على الحركة الاسلامية وهيئة علماء السودان ألا يشغلا بالهما بالتفكير في إرسال برقية احتجاج لجاك شيراك لأنه «حرّم» غطاء الرأس على المسلمات بفرنسا، ولكن عليهما ارسال برقية احتجاج لضميرهما في الوقوف ضد المحاكم السياسية بالحجج حينما تصادم مزاجاً سياسياً والوقوف المساند لها بتطويع نفس الحجج إذا حدثتهم نفسهم الأمارة بالسياسة!
إن مرور تسعة عشر عاماً على إزهاق نفس قالت لا اله إلا الله دون ابداء مشاعر التوبة معناه قتلنا للناس جميعاً.. كي نستوعب صرعى المحاكم السياسية على مدار التاريخ السوداني الحديث معناه أن نتخيلهم جميعاً كانوا من ركاب الخطوط الجوية السياسية وهوت بهم في عباب البحر الأحمر!.. توبوا عن المحاكم السياسية فهي حمَّالة أوجه.. العبارة السابقة لقيناها مسجلة داخل الصندوق الأسود لطائرة الخطوط الجوية السياسية المحطمة!!»

Post: #88
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 01:30 AM
Parent: #40


http://www.alhoriyah.com/ray/masareb.htm
الإخوان الجمهوريون سؤال عنكم


الاخ الصديق حاج وراق صاحب مسارب الضى

لك دائما تحياتى وحبى وآمل ان تجد مساهمتى هذه طريقا للنشر

فى البدء جزيل شكرى للاستاذة/ ام كلثوم علي، التى أتاحت لى فرصة نادرة حين جعلتنى التقي بصديقنا الاستاذ/ عمر القراي عبر دراسته الجيدة (حقوق المرأة بين المواثيق الدولية والاسلام السياسي)، والتى قام بنشرها، مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان، وعقب على الدراسة عدد من الباحثين، من مدارس فكرية متنوعة وخلال (رؤى وزوايا متعددة) والدراسة تقع فى مائة واثنى عشرة صفحة من الحجم المتوسط وصاحب البحث الجيد، الاستاذ/عمر القراى، غادر السودان فى مطلع سنوات الإنقاذ، ضمن آلاف المثقفين السودانيين، الذين لاذوا بالغربة الآمنة بعيداً عن الوطن المحفوف بالمخاطر وهو الآن باحث في الفكر الإسلامي - جماعة اوهيو بالولايات المتحدة الأمريكية

وغرض الدراسة كما يقول القراى فى بعض مقدمتها، ان الواجب الذى يواجه المثقفين فى البلاد العربية والاسلامية، هو واجب الاجتهاد فى المفاهيم الدينية، لا بغرض القبول بكل أطروحات الثقافة الغربية بما فيها مبادئ حقوق الانسان وانما بغرض اكتشاف واستنباط المعانى الانسانية الرفيعة فى الثقافة العربية والتراث الاسلامي

قسمت الدراسة آراء المدارس الفكرية والفقهية والجماعات الاسلامية الي اربع مجموعات، جماعة اهل السنة وتحوى اراء الجماعات الاسلامية التقليدية، وجماعة الاخوان المسلمين والتى تمثلها اراء، البنا وسيد قطب وحسن الترابي، ثم جماعة الاصلاح والنهضة، والتى يمثلها الافغانى الطهطاوى ومحمد عبده والشيخ/ الطاهر الحداد بينما تحوى المجموعة الرابعة، افكار الاستاذ الشهيد محمود محمد طه وحركة الاخوان الجمهوريون، تقع الدراسة فى مقدمة وخمسة فصول، يقدم الفصل الأول منها، إيجازا لحقوق المرأة كما ورد فى المواثيق والاتفاقات الدولية، وتختم الدراسة بخلاصة مختصرة، تجيب عن السؤال الذى يمثل الاشكالية الاساسية التى وضعت محل البحث، وهو هل تتفق حقوق المرأة فى الاسلام حسب رؤية المدارس الفقهية المختلفة؟ وإلى أى مدى يمكن ان يعتبر التنوع فى هذه الافكار، لصالح مفاهيم حقوق الإنسان؟

وللحقيقة ان موضوع الدراسة مطروح على بساط البحث، الا ان اهم اغراض هذا المقال ليس عرض الدراسة، بقدر ماهو، تناول موضوع غياب الاخوة الجمهوريين، الذين اثروا الساحة الفكرية والسياسية لسنوات، ويشكل غيابهم - لى شخصيا - غصة فى الحلق، ومرارات لم استطع تجاوزها منذ ذلك الزمان، الطرح الجريئ، السلوك الرفيع، حواراتهم الصبورة الذكية، انشادهم الذى يزلزل الوجدان قصائد عرفانية لعبدالنبى النابلسى والخليفة بابكر عبدالمتعارض وللاخ الجمهورى البيتى، أصوات كرومة واخلاص همد التى تشجى العقل والفؤاد، الحوار الراقى حيث اتفق ركنه وزمانه للشيخ الراحل/ سعيد الشائب والشيخ مجذوب وخالد الحاج وعوض الكريم على موسى والقراى ودالى وهدى هاشم وهاشم فتح الرحمن وخلف الله عبود وزروق والاستاذة فاطمة حسن وبقية عقد الماس الفريد وتلك المعارض بخطوطها وتنسيقها الرائع، تطوف انحاء البلاد، المحاضرات، الندوات، الجلسات السلوكية، اسراب الوفود تجوب انحاء البلاد بملابسهم البيضاء الانيقة، تؤدى واجبها الدّعوى بروحانية وصدق لا حدود له ومن ثم الايدى تلوح مودعة والاصوات تعانق الأفق بعبارات التوحيد «لا اله إلا الله»والله - الله - الله»، الكتب والكراسات بثمن متاح لأوسع قطاعات القراء، مدرسة متفردة فى النظام والسلوك ولكن كل ذلك كان كنجم هائل سطع لسنوات ثم خبأ البيت (أ) والبيت (ب) والبيت (ج) بمدينة الثورة والمهدية حيث مقر الاستاذ الشهيد محمود محمد طه بطلته البهية ووجهه المضئ وابتسامته العريضة بقوله الثابت وفكره الثاقب يقف يودع ابناءه وحواريوه حين ينطلقون فى مهامهم الدعوية (نشوفكم بخير) تلك الرقة وذلك الحنو يا لتلك الايام كيف استطاع الهوس النميرى، ان يطمس كل هذا الجمال وهو الاصل فى حياتنا هو القبح؟ ولماذا يقتل احط هوابيلنا أجمل قوابيلنا ياحواء السودان

ولكن على المستوى النظرى لعل الأمر لم يتجاوز تحليل الاستاذ عادل ابراهيم، عقب الانتفاضة وبعد غياب الاخوة الجمهوريون مباشرة، ان طرح الاخوة الجمهوريون بأن أمر الدين لم يعد مبنيا على جهد العقل وإعمال الذهن بل على تلقى الحق المطلق الذى لا يشوبه - تقصى عقل بشرى، وان أمر الدين قد نضج وتهيأت الانسانية لبلوغ قمة الدين المرتقبة

رأينا كيف ان هذا المستوى من الطرح قد ادخل الفكر الجمهورى فى تحدٍ صعب بعملهم على اطلاقية حقانيتها والزمها الزام صارم بألا تتراجع، وكيف مثل يومها شخص الاستاذ الشهيد، تجسيد صلة الارض بالسماء فى العلاقة الغيبية، التى أثمرت الرسالة الثانية من الاسلام، والتى ما كان لها ان توجد لولا هذه الصلة التى تفك معضلة الإحساس بالحاجة، لتجديد رسالة انقطع عنها الوحى ولعل وضع المتلقي للأخ الجمهورى هو الذى سارع بوضع السقف النهائي للفكرى الجمهورى، ألم يكن قد ساعد في انهياره - وبغياب الاستاذ الشهيد، انهد جوهر التسليم وانبهمت المسالك، وضاع الهدف، وحدث الغياب المؤثر، لأهم حركة تجديد فى واقعنا الاسلامى المعاصر واصبحت فى ذمة التاريخ

هاشم الأديب أحمد/ عطبرة

Post: #89
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 01:34 AM
Parent: #88


المصدر: جريدة الحرية فى الخامس والعشرين من نوفمبر 2002

-------------------------------------------------------------
الذكرى الثامنة عشرة لاستشهاد الاستاذ محمود

منظمات حقوق الانسان العربية والعالمية تحتفل بيوم الحرية والفكر يوم حقوق الانسان

بقلم: ابراهيم يوسف

القوى السياسية تدين

قوانين سبتمبر ومحاكمها

كان سبب محاكمة الاستاذ محمود واغتياله هو نقده لقوانين سبتمبر في منشوره الشهير «هذا او الطوفان» الذي مما جاء فيه «وجاءت قوانين سبتمبر 1983 فشوهت الاسلام في نظر الاذكياء من شعبنا وفي نظر العالم واساءت الى سمعة البلاد فهذه القوانين مخالفة للشريعة ومخالفة للدين» ومواجهته لمحاكم القصر العشوائية اذ وجهت له تهمة نقد قوانين سبتمبر فواجهها بقوله «انا اعلنت رأيي مرارا في قوانين سبتمبر 1983 من انها مخالفة للشريعة وللاسلام اكثر من ذلك انها شوهت الشريعة وشوهت الاسلام ونفرت عنه يضاف الى ذلك انها وضعت واستغلت لارهاب الشعب وسوقه الى الاستكانة عن طريق اذلاله ثم انها هددت وحدة البلاد هذا من حيث التنظير

اما من حيث التطبيق فان القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنيا وضعفوا اخلاقيا عن ان يمتنعوا عن ان يضعوا انفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية تستعملهم لاضاعة الحقوق واذلال الشعب وتشويه الاسلام واهانة الفكر والمفكرين واذلال المعارضين السياسيين ومن اجل ذلك فإني غير مستعد للتعاون مع اي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل ورضيت ان تكون اداة من ادوات اذلال الشعب واهانة الفكر الحر والتنكيل بالمعارضين السياسيين» انتهى

وحين كان الاستاذ قد اغتيل بسبب نقده لقوانين سبتمبر ومواجهة لقضاتها فان القوى السياسية والاحزاب الدينية الكبيرة بعد الانتفاضة قد جهرت بادانتها لقوانين سبتمبر كما ان القضاء المستقل بعد ان استرد موقعه قد طهر ساحته مما نسب اليه من حكم سياسي وليس قضائيا حسب تعبير المحكمة العليا في القضية الدستورية التي صدر فيها الحكم بتبرئة الاستاذ بتاريخ 18/11/1986م في القضية الدستورية نمرة ع/ق د/ 2/ 1406

ولكل ذلك فان قوى التجمع التي برزت احتجاجا على الحكم الجائر وقادت المعارضة والانتفاضة حتى اجتاح النظام «الطوفان» كانت هي وسائر القوى المستنيرة الحرة تحتفل بالاستاذ محمود كشهيد للفكر وللحرية ولكن لما حلت ببلدنا كارثة الشمولية المتدثرة بالدين اصبح الفكر يتيما في بلدنا الحزين ووئدت الحريات ولم يكن هناك متنفس لمنظمات حقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني بل ان النقابات اجتاحها الاجماع السكوتي وفي هذه البيئة قد توقف الاحتفال بالاستاذ في السودان ذلك البلد الذي يعزه الاستاذ وقد فداه وقدم له من الفكر الاصيل والمواقف المشرفة ما يشرف السودانيين على اختلاف آرائهم لو كانت نظرتنا قومية تقدر القيمة وتكبر العطاء ولا تصادر الآخر وتئد الاختلاف

وقد كان مسلمو السودان بطبيعتهم الصوفية يعترفون بالآراء ولا يغمطون حق الرأي المخالف ولذلك امكن التعايش السلمي مع الاديان الأخرى، ومع اصحاب كريم المعتقدات فصوفيتنا مثلا كانت تغلب عليها الطريقة القادرية ولكن لما برزت السمانية بنفحة بارزة لم يتحرجوا من الاعتراف بها اعترافا بالعطاء واكبار للقيمة اين كانت ونبذا للتعصب

كان هذا هو شأن مسلمي السودان قبل ان تغزوهم وافدات الهوس الديني والاسلامي السياسي والارهاب

وفي الوقت الذي وقفت فيه الاحتفالات في بلدنا الحزين فان الاخوة العرب عامة والاخوة المصريين خاصة ظلوا يحتفلون بالاستاذ بمواقفه المشرفة فقد قامت في القاهرة ندوة عن «حقوق الانسان في الوطن العربي والتي حضرها لفيف من كبار المفكرين ورجال القانون والسياسة والادب في العالم العربي وقد ذكرت مصادر القاهرة بأن الحشد الذي شهدته الندوة يعد من اكبر التجمعات العربية التي حضرت الى العاصمة المصرية منذ اوائل السبعينات» وقد مثل فيها السودان «ومن اهم التوصيات التي خرجت بها الندوة هي اعتبار يوم استشهاد المفكر محمود محمد طه يوما لحقوق الانسان في الوطن العربي»

كان الاستاذ فتحي رضوان رئيس المنظمة العربية لحقوق الانسان قد قال عن موقف الاستاذ «ويشرف المواطن العربي ان يوجد من بين اخوانه في هذا الوطن من يواجه طغيان الحكام بثبات ورباطة جأش رافضا ان يتعاون مع هذا الطراز من المحاكم والقضاة وان يتمسك برأيه حتى حينما يصل الامر بالتهديد بالموت»

كما ان مركز دراسات حقوق الانسان بالقاهرة كان يحتفل بالاستاذ ويعرض شريط حديث الاستاذ في المحكمة ويقدم احد المحامين السودانيين ليشرح خلفيات المحاكمة مثل الاستاذ طه ابراهيم وكذلك مركز الدراسات القانونية لحقوق الانسان والاستاذة الفضلى عطيات الابنودي لما شاهدت شريط المحاكمة وهي المخرجة السينمائية البارزة قد اخرجت فيلما تسجيليا عن المحاكمة بعنوان «القتلة يحاكمون الشهيد»

كما قالت في مجلة القاهرة «هانذا مواطنة مصرية اعمل كمخرجة سينمائية احس بعد كل هذه السنوات بأن الاستاذ محمود محمد طه وافكاره اصبحا ملكا لنا وليس للسودايين فقط او لما كان يسمى بحركة «الاخوان الجمهوريون» لقد اصبح ملكا لكل من انتمى الى الثقافة العربية الاسلامية ملكا للمسلمين وغير المسلمين في اوطاننا المتحدثة باللغة العربية ثم هو اولا واخيرا ملكا للتجربة الانسانية جمعاء» كما انها نشرت كل حيثيات المحاكمة بمجلة القاهرة ـ مجلة الفكر والفن المعاصر ـ وقد قدمت المجلة الحيثيات بكلمة التحرير التي جاء فيها الحديث عن توافق «الامام» نميري والجبهة الاسلامية القومية وعرابها د الترابي «فكانت النتيجة قتل الرأي المسالم والفكر المستنير في حادثة تحمل العبر لا للسودان الشقيق وحده بل لكل بلاد العرب التي يراد لها ان تبقى في غياهب الظلام وعصور الجهل والقتل وكبت حرية الرأي والتعبير الذي هو حق طبيعي لكل انسان على هذه الارض التي ارتوت بدماء محمود محمد طه الزكية وهو يكتب صفحات من النور في طريق حرية الفكر والاستنارة» القاهرة يناير 1994م

ولم تخرج السودانيين عن وصمة الصمت عن الاحتفال وقيمه وعبره ومواقفه في ظل الشمولية الا مجموعة «حق» التي بادرت واقدمت فاخترقت المحاذير والمعوقات فاحتفلت بالاستاذ يناير عام 2001م وقد جاء في كلمة امينها العام الحاج وراق عن الاستاذ انه قد «كان مثالا للسلام والرحمة والرحمة بالاحياء والاشياء ما امتشق سلاحا ابدا سوى سلاح الفكر فجاء اغتياله نموذجا صافيا من غير لبس او تشويه لاغتيال حرية الفكر والضمير» كما جاء فيها ان «ابتسامة الشهيد الاستاذ محمود محمد طه ستظل عنوانا لنهضة حرية التفكير في مواجهة ايدلوجيا التكفير» «واننا لنرجو في هذا اليوم يوم ذكرى اغتيال الاستاذ محمود ان تتوحد وتتحرك مؤسسات المجتمع المدني كما توحدت وتحركت عقب اغتياله للضغط لالغاء القوانين المقيدة للحريات»

وكان الاحتفال تجربة ناجحة ومشجعة دلت على ما يختزنه الشعب السوداني من اكبار للاستاذ بل حزن على التفريط في نصرته مما يجعل الاحتفال السنوي هو اقل ما يجب في حق الرجل والمباديء وحق انفسنا علينا كمواطنين في عالم الالفية الثالثة

ولذلك كان احتفال يناير 2002م على قصر وقت التحضير احتفالا ناجحا اقامته المجموعة السودانية لحقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني: مركز عبد المجيد امام ـ مركز التنمية البشرية «الفنار» جمعية التنوير الثقافية ـ مركز الدراسات السودانية ـ نشطاء حقوق الانسان كما شاركت في النشر والاحتفال كل الصحف السودانية الحرة وكان مخططا ليوم الاحتفال الختامي الذي تبناه الطلبة بمسرح نشاطهم بجامعة النيلين ان يكون احتفالا رمزيا بعد ان اوفت الصحف كل الجوانب والتفاصيل وان يكون قوميا انتظمت للمشاركة فيه جل الوان الطيف والشخصيات الوطنية والشخصيات الصحفية والفكرية والمهتمون بالعمل العام ومآلات الحرية

وكان الاحتفال حول مبدأ الحرية والفكر حول مبدأ الاستاذ محمود «الحرية لنا ولسوانا» اذ ان تقديس الاستاذ للحرية وتجسيدها في حياته بمثابرته الصميمة الخالية من العنف ونصرته للمستضعفين وللمباديء كان «نموذجا صافيا» يحرك حماية الحرية وقداستها في صدر كل حر ولكن في الوقت الذي كانت تقام فيه الاحتفالات في مختلف اصقاع العالم وحتى البعيدة مثل امريكا وبريطانيا فإن حكومة الانقاذ غلبت طبيعتها على تطبعها الذي كانت تمليه الضغوط والمراقبة الخارجية ومراجعة سجلها في حقوق الانسان فاذا بمحسوبيها في نقابة المحامين وفي جامعة النيلين يفضحونها ويحرجونها فيعترضون على اقامة الاحتفال بذرائع مضحكة مبكية مما عرض مواقفهم لسخرية الصحف وكذلك امن النظام ووزيره الديني

وقد صاح الاخ الاستاذ محمد طه محمد احمد منبها قومه لو كانوا «يسمعون الصايح» صاح فيهم ليتذكروا دستورهم وليتذكروا ما عليه العالم بعد حرب الارهاب وموقفه من مصادرة الحرية وحق التعبير فقال «ثم لماذا تتراجع السلطة لارضاء شرائح صغيرة تتحرك بعواطفها فقط كشأن بعض الجماعات الدينية التي تتناسى ان في البلاد دستورا يجب ان يحترم وان السودان ليس معزولا عن العالم وليس مستعدا لتلقي الضربات التي تلقاها الملا عمر في افغانستان من الداخل والخارج ان العالم يتغير وكما قال الرئيس البشير في المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس اليوغندي موسيفني قال الرئيس البشير «نحن نعي جيدا المتغيرات في العالم بعد احداث سبتمبر»

ورغم العوائق الرسمية فان دفقت روح الحرية وروح الاستاذ قد وفقت طلبة المؤتمر الوطني نفسه بجامعة النيلين نفسها ليقيموا ندوة عن فكر الاستاذ وكان من المتحدثين الاستاذ محمد طه محمد احمد الذي نبه في نفس الندوة لحالة الهدوء وحالة الامن التي كانت سائدة وقد قامت الندوة التي تحدث فيها جمهوري ايضا في نفس الساحة التي كانوا يزعمون ان الاحتفال بها سيخل بالامن فكانت الندوة برهانا على ان الفكر والحوار لا يهددان الامن الا في ذهن من يسقط تعصبه هو على الآخرين من المتعصبين والمهووسين او من ترعبهم الحرية

واحتفال السنة الماضية على ضيق فترة تحضيره قد كان نموذجا ناجحا ومشجعا مما يجعل فرصة احتفال يناير 2003م اكبر واوسع وقد كان هذا طموح اللجنة منذ العام الماضي اذ يمكن ان ترعى الاحتفال المنظمات العربية خاصة ومركز دراسات حقوق الانسان بالقاهرة لم يكتف بالاحتفال بل اقام مؤتمرا لمنظمات حقوق الانسان العربية وكان موضوع المؤتمر ما هو السبب في صفوية حقوق الانسان في المنظمات العربية وقد انتهت المناقشة الى ان السبب هو ان الفهم التقليدي للدين هو فهم ضد حقوق الانسان ولذلك كانت حقوق الانسان صفوية وليست شعبية وانتهى الامر بالمؤتمر الى التوصية بدراسة اي محاولة تجديد وحمايتها بل رشح رئيس المركز للمؤتمرين كتاب الرسالة الثانية للاستاذ كما نشر المركز عددا من مجلة رواق عربي نشر فيها ثلاثة مواضيع عن فكر الاستاذ وذكر في مقدمته انهم اعطوا هذه المساحة لفكر الاستاذ لانه فكر تجديدي لم يجد الحماية والنشر

كما ان المنظمات العالمية لحقوق الانسان والعالم كله بعد احداث سبتمبر اصبح يبحث عن وجه الاسلام «السلمي» «التقدمي» مما يظهر ان فكر الاستاذ محمود كان دفاعا مسبقا عن الاسلام بابرازه لوجه الاسلام السلمي في فكره وتجسيده للسلام مع الاحياء والاشياء في حياته وبمناهضته للهوس والجمود مما يجعل الاستاذ مفخرة للسودانيين على اختلاف آرائهم بما قدم من فكر سوداني اصيل وانساني رفيع

والمحتفلون بالاستاذ وبمبدئه «الحرية لنا ولسوانا» يستظلون بالآية الكريمة «وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» وبعد ان شوه الهوس الاسلام عالميا فما هو موقع المنسوبين للاسلام الذين يحفلون بحكم محاكم الردة؟

واخيرا فان الشعب السوداني شعب شجاع يعشق الشجاعة والصدق وقد جسد الاستاذ الشجاعة في قمة اسطورية مما خلق تلاحما وجدانيا بين الاستاذ والشعب به تمكن الشعب من اكتشاف زيف المحاكمة مهما تسترت بالدين ولذلك ظل الشعب السوداني ليلة التنفيذ في السودان وفي المهاجر ظل ساهرا مع الاستاذ وفى ضحى التنفيذ عندما حضروا لاخذ الاستاذ لمنصة المشنقة التي حولها الاستاذ الى منبر يعلن فيه كتابه الاخير «تعلموا كيف تموتون» فعندما ارادوا ربط يديه قال لهم دعوا يدي لاحيي بهما الشعب فقالوا اوامر!!

وكما قال الشاعر عن وصية الاستاذ الاخيرة

على منصة الاعدام يكتب الوصية

وصية للاحرار ان يسهروا على الحرية

وان يكون الدين دربهم الى الحرية

وان يكون الخبز زادهم الى الحرية

ون يكون وقتهم وقوتهم حرية

فمن لم يمت على مصارع الحرية

عيشته دنية ميتته دنية

وصية موثقة منسوجة صدقا وحقا من حبال المشنقة

ويسألونه قبل الصعود للمنصة هل تريد ان تقابل القاضي فيجيبهم وهل هناك قاض؟

وهناك ابيات ابي تمام التي نشرها الدكتور منصور خالد ايام التنفيذ ومنها:

وقد كان فوت الموت سهلا فرده اليه الحفاظ المر والخلق الوعر

فاثبت في مستنقع الموت رجله وقال لها من دون اخمصك الحشر

غدا غدوة والحمد نسج ردائه فلم ينصرف الا واكفانه الاجر

تردى ثياب الموت حمر فما دجا لها الليل الا وهي سندس خضر

مضى طاهر الاثواب لم تبق روضة غداة ثوى الا اشتهت انها قبر

Post: #90
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 01:36 AM
Parent: #89


ٌفخور بأن اكون من المحتفلين بذكري شهيد الحرية الاستذ محمود بمدينة ايوا

كيف لا وقد عاشرتهم كجيران واصدقاء ردحا من الزمن
فوجدتهم من النقاء والطهر بمكان سلوكا وليس جعجعة
ولان كان مثل هذا السلوك الانساني القويم ياتي ممن يصفهم المكابرين
بالكفر فما اجمل الكفر ولكنني متاكد بان هؤلاء هم خلاصة مايبتغيه
الاسلام بالسلوك والفعل وليس الجعجعة وفقه الضرورة
وان كان الاسلام هو ما يترجمه لصوص العصر الذي يسرقون الشعوب به
فعلي الاسلام السلام ولكننا جميعا نعلم انه دين الحق ودين السلام والعدل والسلوك القويم
والحمد لله قمت بالتوزيع الموسيقي للانشاد الجمهوري الذي
سوف يؤدي في امسية الثامن عشر من يناير بواسطة المنشدين
الجمهوريين كما سأقوم بأداء انشودتي دعوه للثورة و التي لحنتها
ليلة تنفيذ الحكم الجائر علي الاستاذ محمود وهي من شعر الرائع الكتيابي
وقد تحققت امنيتي بفضل الموقف التاريخي العظيم للاستاذ محمود
والذي اختير يوم تنفيذ الحكم فيه كيوم لحقوق الانسان العربي
نحن فخورين بذلك

يوسف الموصلي
[/align:f63bad4a42]

http://www.sudanaforum.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&...ard=2&msg=1042500754

Post: #91
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 01:38 AM
Parent: #90


هذا المقال أرسل إلى جريدة الحرية لينشر في الذكرى ال18 لإستشهاد الأستاذ محمود محمد طه
العناوين الرئيسية : ـ
• حيثيات حكم المحكمة العليا الصادر عام 1986 في قضية الأستاذ محمود محمد طه !!
• حكم المحكمة العليا أبطل حكم الإعدام المهزلة وأبرأ ساحة القضاء السوداني من عاره !!
• بهذا الحكم إستعاد القضاء كرامته وأثبت للمواطنين حقهم الدستوري في حرية الفكر وحرية الإعتقاد !!
• حكم الإعدام المهزلة كان تآمراً سياسياً يستهدف فكر الأستاذ محمود !!
أولاً : مقدمة تاريخية :ـ
لقد كان من يسمون أنفسهم بالإسلاميين ، بزعامة د. حسن الترابي ـ كما هو معلوم تاريخياً ـ يشاركون النظام المايوي المباد في السلطة ، في أواخر عهده ، حيث أصدر ، بإيعاز منهم ، قوانين سبتمبر التي كانت ، بكل المقاييس ، مخالفة للدستور ، وللأعراف الدستورية ، والقانونية ، شكلاً ومضموناً ، ومشوهة للإسلام ، ولقد نسبها هولاء ( الإسلاميون ) إلى الشريعة الإسلامية ، وأخرجوا بمعاونة النظام المباد مسيرة في تأييدها ، أسموها المسيرة المليونية .. ولقد أنشأ النظام المايوي المباد ، تحت مظلة تلك القوانين ، محاكم غير مؤهلة أسماها محاكم العدالة الناجزة ، وعين قضاتها بقرارات جمهورية من بين ( الإسلاميين ) أنفسهم .. ولقد كان هولاء القضاة ، كما وصفهم الأستاذ محمود ، غير مؤهلين فنياً وضعاف أخلاقياً .. ولقد إنصبّ جور تلك القوانين ، وطيش تلك المحاكم ، على المستضعفين من أبناء الشعب السوداني ، حيث أوسعتهم تقطيعاً وتنكيلاً وتشهيراً .. ولقد كانت شيمة الدفاع عن المستضعفين ، فضلاً عن الدفاع عن الإسلام ، من أبرز شيم الأستاذ محمود ، فأصدر منشوره الشهير ( هذا أو الطوفان ) مطالباً فيه بإلغاء قوانين سبتمبر ، وإيقاف نزيف الدم في الجنوب ، وإتاحة المنابر الحرة للحوار .. ولقد كان الأستاذ محمود مفكراً إسلامياً فريداً ، صاحب فكر مستنير ، نجح في إبراز وجه الإسلام المشرق ، كما نجح في التوفيق بين الإسلام ومقتضيات العصر ، في وقتٍ أحوج ما يكون المسلمون فيه إلى هذا التوفيق ، وذاك الإشراق .. ولكنّ هذا الفكر المستنير قد كان بمثابة النور الذي تخشاه الخفافيش التي لا تعيش إلاّ في الظلام .. ولقد كانت هذه القــوى الظلامية ، في سعيها للوصول للسلطة ، أو بهدف البقاء في السلطة ، تستغل العاطفة الدينية ، وتمارس التضليل الديني ، وتعمل على تكريس الفهم السلفي للإسلام ، وتنادي بتطبيق الشريعة وفقاً لهذا الفهم السلفي ، وتستمد من كل ذلك مشروعية سعيها للسلطة أو بقائها فيها ، ولذلك كان في إنتشار الفكر التجديدي المستنير ما يهدد هذه القوى الظلامية بسحب البساط من تحت أرجلها .. وعندما عارض الأستاذ محمود قوانين سبتمبر ، ظنت هذه القوى الظلامية أنّ في ذلك فرصة تاريخية لها لمصادرة فكره ، وحجبه عن الناس ، عن طريق محاكمته أمام محاكم ( العدالة الناجزة ) للحكم عليه بالردة عن الإسلام ، وحظر نشاط تنظيمه ، ومصادرة كتبه ، ومنعها من التداول بين الناس .. ومن هنا بدأ التآمر السياسي يحيك خيوطه مستهدفاً فكر الأستاذ محمود .. وهكذا قدم للمحاكمة ، مع أربعة من تلاميذه ، أمام محكمة جنايات أم درمان التي كانت واحدة من محاكم ( العدالة الناجزة ) في ذلك الوقت .. وقد كانت التهمة الموجهة للمتهمين أمام هذه المحكمة ، هي المادة (96) من قانون العقوبات آنذاك ( إثارة الكراهية ضد الدولة ) ولم تكن توجد بالقانون تهمة تسمى الردة .. وقد أدانتهم هذه المحكمة تحت المادة المذكورة ( إثارة الكراهية ضد الدولة ) وحكمت عليهم بالإعدام ، ثم أضافت إلى الحكم ما أسمته بإعطائهم حق التوبة إلى ما قبل تنفيذ الحكم ، مما لم يكن له أي سند في القانون ، ثم رفع الحكم تلقائياً إلى محكمة إستئناف ( العدالة الناجزة ) التي أضافت ما أسمته بتهمة الردة ، رغم عدم وجود مثل هذه التهمة في القانون آنذاك ، وأيدت الحكم بالإعدام ، وأضافت إليه أحكاماً إختلقتها ، لا سند لها في أي قانون أو عرف ، مثل مصادرة كتبه ، وعدم الصلاة على جثمانه ، وعدم دفنه في مقابر المسلمين ، إلى آخر هذه الغرائب اللاإنسانية .. وأيضاً سعت محكمة الإستئناف المذكورة إلى محاولة تشويه فكر الأستاذ من خلال حيثيات حكمها المذكور ، والتي أذيعت على الناس من خلال أجهزة الإعلام ، وقد كانت هذه الحيثيات ظاهرة التحامل والتآمر ، وتفتقر إلى أبسط مقومات العمل القضائي ، كما سنرى ، ثم رفع الحكم مباشرة إلى رئيس الجمهورية الأسبق المخلوع ، دون أن يمر على المحكمة العليا ( لأنها كانت خارج نطاق محاكم العدالة الناجزة ) فقام الرئيس المخلوع بتأييد الإدانة بالردة ، والعقوبة بالإعدام ، وما أضيف إليها من عقوبات مما سلف ذكره ، في بيان سياسي ركيك ومتحامل ، بثّ أيضاً من خلال الإذاعة والتلفزيون .. وبعد ذلك ، وبتاريخ 18 يناير 1985 ، تم تنفيذ حكم الإعدام على الأستاذ محمود وحده ، بينما ألغي في حق تلاميذه الأربعة ، من خلال إجراءات مستحدثة ، لا علاقة لها بالقانون ، سميت بالإستتابة .. وعقب إنتفاضة أبريل ، وإبان الحكم الإنتقالي ، حيث ألغيت تلك المحاكم المشئومة ( محاكم العدالة الناجزة ) تقدمت إبنة الأستاذ الشهيد ، وأحد تلاميذه ، بعريضـة إلى المحكـمة العليا ، في دعوى حماية حق دستوري ، مطالبان بإبطال حكم الإعدام ، وكافة الأحكام اللاإنسانية التي أضيفت إليه ، وإزالة ما ترتب على ذلك من أوضاع ، وتبرئة ساحة القضاء السوداني من ذلك العمل السياسي الإجرامي المشين .
ثانيا: حيثيات حكم المحكمة العليا :ـ
وفيما يلي نورد نص حيثيات حكم المحكمة العليا ، في هذه الدعوى ، حيث نتخطى سرد الوقائع ومناقشة الشكليات ، وندخل مباشرة في مناقشتها للموضوع ، حيث يجري السياق هكذا : ( على أنّ محكمة الإستئناف ، وفيما نوهنا به ، إشتطت في ممارسة سلطتها على نحوٍ كان يستحيل معه الوصول إلى حكم عادل تسنده الوقائع الثابتة وفقاً لمقتضيات القانون .. ويبين ذلك جلياً مما استهلت به المحكمة حكمها حين قالت : (( ثبت لدى محكمة الموضوع من أقوال المتهمين ومن المستند المعروض أمامها وهو عبارة عن منشور صادر من الأخوان الجمهوريين أن المتهمين يدعون فهماً جديداً للإسلام غير الذي عليه المسلمون اليوم .. إلخ )) .
وبمراجعة المستند المشار إليه وأقوال المتهمين التي أدلوا بها أمام المحكمة الجنائية لا نجد سنداً لهذه النتيجة الخطيرة التي نفذت إليها محكمة الإستئناف مما يكشف عن حقيقة واضحة هي أنّ المحكمة قد قررت منذ البداية أن تتصدى بحكمها لفكر المتهمين وليس لما طرح أمامها من إجراءات قامت على مواد محددة في قانون العقوبات وأمن الدولة وأدى إلى تحريكها صدور منشور محرر في عبارات واضحة لا تقبل كثيراً من التأويل .. وسرعان ما انكشف أمر المحكمة حين وقعت عينها على ما ورد في حكم المحكمة الجنائية من إشارة إلى (التوبة) فاعتبرت ذلك إشكالاً لابد لها من أن توجد له حلاً (( لأن التوبة ليس منصوصاً عليها في العقوبة المذكورة ـ تعني عقوبة الإعدام ـ ولعل محكمة الموضوع جعلتها من قبيل المسكوت عنه الذي يجوز الحكم به وفق المادة (3) من قانون أصول الأحكام ، لما لاحظت في المنشورات ( هكذا بالجمع ) موضوع البلاغ من العبارات الموجبة للردة فحكمت عليهم بالعقوبة الشاملة لحد الردة مع إعطائهم فرصة التوبة والرجوع للسراط المستقيم )) .. واستطردت المحكمة بقولها : (( ولكي نقوم هذا القرار التقويم الصحيح لابد من الإجابة على سؤالين : الأول هل الردة معاقب عليها في القانون ؟؟ .. والثاني هل كان فعل محمود ومن معه يشكل ردة وخروجاً على الدين ؟؟ )) .. وفي الإجابة على السؤال الأول خلصت المحكمة إلى أن المادة (3) من قانون أصول الأحكام (( تعطي حق الحكم في الأمور المسكوت عنها )) وأن الردة جريمة ثابتة بالكتاب والسنة والإجتهاد ، وأن المادة (458/3) من قانون العقوبات تبيح توقيع العقوبة الشرعية ، ولما كانت الردة حـدا شرعياً فإنه يلـزم توقيع عقوبتها .. أما بالنسبة للسؤال الثاني ، فقد استهلـت المحكمـة الإجابـة عليه بقرار جازم بأن (( المحكوم عليه محمود محمد طه (هكذا وحده) مرتد بأقواله وأفعاله في يومية التحري التي أقر بها أمام المحكمة وأقواله المدونة المعروفة لدى الناس عامة وأفعاله الكفرية الظاهرة فهو تارك للصلاة لا يركع ولا يسجد .. إلخ )) .. ثم إستشهدت المحكمة بحكم محكمة الإستئناف الشرعية بالخرطوم الذي صدر في عام 1968 بإعلان ردة محمود محمد طه ، واستعرضت بعضاً مما جاء في كتب صدرت عن الجمهوريين ، وما صدر عن المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي من تأييد لحكم عام 1968 ، وما صدر عن مجمع البحوث الإسلامية بجمهورية مصر العربية من وصف لفكر محمود محمد طه (( بالفكر الملحد )) وخلصت محكمة الإستئناف الجنائية من كل ذلك إلى أنه (( مما تقدم يتضح أنّ محمود محمد طه مرتد عن الدين ليس فقط ردة فكرية وإنما هو مرتد بالقول والفعل داعية إلى الكفر معارض لتحكيم كتاب الله ... إلخ )) .. ولعلنا لا نكون في حاجة إلى الإستطراد كثيراً في وصف هذا الحكم ، فقد تجاوز كل قيم العدالة سواء ما كان منها موروثاً ومتعارفاً عليه ، أو ما حرصت قوانين الإجراءات الجنائية المتعاقبة على النص عليه صراحة ، أو إنطوى عليه دستور 1973 الملغي رغم ما يحيط به من جدل .. ففي المقام الأول أخطأت محكمة الإستئناف فيما ذهبت إليه من أنّ المادة (3) من قانون أصول الأحكام لسنة1983 كانت تبيح لها ـ أو لأي محكمة أخرى ـ توجيه تهمة الردة ، وإن كان ثمة ما يفرق في هذا بين محكمة الإستئناف وأية محكمة أخرى ، فإن ذلك هو أنّ محكمة الإستئناف كانت مقيدة كسلطة تأييد بقيود إضافية أخرى على ما سنتناوله من تفصيل فيما بعد ، على أننا نرى حاجة ملحة في هذه المرحلة إلى بيان وجه الخطأ في التأويل الذي أوردته محكمة الإستئناف بشأن المادة (3) المشار إليها ، نظراً لما يبدو لنا من أن هذا المفهوم الخاطيء ليس قصراً على تلك المحكمة ، ونظراً للخطورة البينة في كل ذلك .. ورغم أن المادة (3) ـ على أي معنى أخذت ـ لم تعد تسري على المسائل الجنائية ( أنظر التعديل الصادر فيها بتاريخ 24/4/1986 ) إلاّ أنّ الحاجة إلى تحديد إطارها ما زالت قائمة ، لا بشأن آثارها محل النظر أمامنا فحسب ، وإنما لأغراض الفقه والسياسات التشريعية في المستقبل .. إنّ المادة (3) من قانون أصول الأحكام كانت تقرأ كما يلي :
( على الرغم مما قد يرد في أي قانون آخر ، وفي حالة غياب نص يحكم الواقعة .. إلخ ) ومؤدى ذلك أنّ سكوت القانون عن مسألة ثابتة شرعاً لا يحول دون تطبيق المبدأ الشرعي ، ولا خلاف بعد هذا على أنّ في الإسلام جريمة تسمى الردة وعلى أنّ قانون العقوبات ، وهو القانون الجنائي الشامل ، لم ينص صراحة على الردة كجريمة ، فهل في ذلك ما كان يبيح للمحكمة توجيـه تهمة الردة ؟؟ .. إنّ الإجابة التي أوردتها محكمة الإستئناف لهذا السؤال ، وإن لم تكن محمولة على أسباب ، تكشف عن فهم قاصر للمادة (3) هو أنّ مجرد السكوت عن مسألة ما يكفي لإطلاق يد المحكمة في تطبيق ما عنّ لها من قواعد تعتقد في ثبوتها شرعاً ، ولم تفطن المحكمة إلى أنّ سكوت القانون ، عن مسألة ما ، قد يقترن بمعالجة للمسألة ذاتها في صيغة أخرى لا تجعل شرط السكوت متحققاً في واقع الأمر ، فالجريمة المسكوت عنها في قانون العقوبات فيما قالته محكمة الإستئناف ، غير مسكوت عنها في المادة (70) من الدستور الملغي إذ أنّ تلك المادة كانت تقرأ كما يلي : ( لا يعاقب شخص على جريمة ما إذا لم يكن هناك قانون يعاقب عليها قبل إرتكاب تلك الجريمة ) .. ومؤدى ذلك أنه ما لم يكن هناك قانون يجرم الفعل وقت إرتكابه فإنه لا مجال لإعتبار الفعل جريمة ، والقانون هنا هو التشريع ، رئيسياً كان أو فرعياً .. إننا نرى بداية أنّ ما نصت عليه المادة (3) لم يكن من شأنه إضفاء سلطة ترقى في طبيعتها إلى سلطة التشريع لا تختص بها المحاكم أصلاً .. ونرى أيضاً أنّ المادة (70) من الدستور حين أحالت أمر النص على الجريمة إلى القانون إنما هدفت أن تكون السلطة في يد المشرع دون غيره يمارسها بوضع نصوص صريحة ولا يمكن بأي حال تفسير المادة (70) على وجه يجعل الإشارة إلى عبارة القانون إشارة إلى جهة لا صفة لها في التشريع ، سواء كانت هي المحاكم أو خلاف ذلك ، وذلك لأن إحالة الأمر للقانون لم تكن دون حكمة ، إذ أن التشريع بطبيعته يتميز بالعلانية والمستقبلية والخلو من المفاجآت ، وفي هذا ما يضمن تحقيق الهدف من المادة (70) وهو عدم رجعية القوانين الجزائية ، أما وضع سلطة تقرير الجريمة في يد القاضي فإنّ من شأنه أن يهدر ذلك الحق نظراً إلى ما قد يحمله قرار القاضي من مفاجآت ، بسبب أنّ تلك القرارات ترد بطبيعتها على مسائل وقعت قبل ذلك القرار ، وحيث أنه لا ينبغي تفسير القانون بما يتعارض مع الحقوق الدستورية فإنّ القانون الذي كان ينبغي أن يحدد الجرائم طبقاً للمادة (70) من دستور سنة 1973 الملغي هو التشريع ـ راجع في هذا التعريف عبارة ( قانون ) في قانون تفسير القوانين والنصوص العامة ـ فإذا خلا القانون العقابي الشامل ، فيما رأيناه ، عن أي نص صريح على جريمة الردة ، فهل كان من شأن نص المادة (3) من قانون أصول الأحكام ما يجعل تلك الجريمة منصوصاً عليها بطريقة أو بأخرى ؟؟ .. إن مما لا جدال عليه أنّ قانون أصول الأحكام لا يشتمل هو الآخر على نص صريح على جريمة اسمها الردة ، أو حتى أية جريمة أخرى ، إذ أنّ ذلك القانون ليس قانوناً عقابياً من حيث المبدأ ، إلاّ أنّ ما أدى إلى هذا الخلط هو أنّ المادة (3) من ذلك القانون أضفت على المحكمة سلطة غير مألوفة في استحداث المباديء غير المنصوص عليها ، ويبدو أنه ما من أحـدٍ وقـف يتأمل فيما إذا كان في ذلك ما يضفي على المحاكم سلطة تشريعية فيما يتعلق بإستحداث جرائم خلافاً للمبدأ المقرر فقهاً ونصاً من عدم رجعية القوانين العقابية ، وما إذا كانت السلطة الممنوحة للقضاة على الوجه الذي نصت عليه المادة (3) مما يمكن أن يغني عن النص الصريح أو يقوم مقامه بما يجعلها متسقة مع نص المادة (70) من الدستور ؟ الصريح الصادر من جهة تشريعية مختصة دون غيره وما كان ليغني عنه نص مبهم في قانون صدر متزامناً مع قانون عقوبات شامل لم يترك شاردة ولا واردة ومع ذلك لم يجرؤ على النص على جريمة خطيرة كجريمة الردة كانت هي الأولى بالنص الصريح فيما لو كان المشرع راغباً حقاً في ذلك ، جاداً في توجهه ونهجه وواعياً بمنهجه .. إنّ ما تقدم يحكم تطبيق المادة (3) من قانون أصول الأحكام عموماً ، وفي أية حالة كانت عليها الدعوى الجنائية ، غير أنّ تطبيق هذه المادة في مرحلة التأييد بإضافة تهمة جديدة لم يتم توجيهها في مرحلة المحاكمة يضيف عيباً جديداً هو أنّ إشتطاط المحكمة لا يكون قد وقف عند حد إغفال التقاليد القضائية التي سادت هذه البلاد عبر السنين الطويلة فحسب ، وإنما أيضاً يكون قد إمتد إلى مخالفة النصوص الصريحة لقانون الإجراءات الجنائية الذي يحكم إجراءات التأييد ، إذ لا سند في المادة (238) من ذلك القانون والتي تحدد سلطات جهة التأييد لما اتخذته محكمة الإستئناف من إجراء .. على أنّ محكمة الإستئناف لم تكن عابئة فيما يبدو بدستور أو قانون إذ أنها جعلت من إجراءات التأييد ، التي ظلت تمارسها المحاكم المختصة في سماحة وأناة وبغرض مراجعة الأحكام مراجعة دقيقة وشاملة ، محاكمة جديدة قامت فيها المحكمة بدور الخصم والحكم مما حجبها عن واجبها ، حتى بفرض صحة توجيه تهمة جديدة في هذه المرحلة ، في أن تعيد الإجراءات مرة أخرى لمحكمة أول درجة لإعادة المحاكمة بموجب التهمة الجديدة وذلك فيما تقضي به المادة (238/هـ) من القانون أو أن تتجه إلى سماع المحكوم عليهم بنفسها وفاء بواجبها في ذلك بموجب المادة (242) من القانون ذاته ، التي ، وإن كانت ترد في صيغة سلطة تقديرية ، إلاّ أنها تأخذ شكل الإلزام عندما يكون السماع ضروياً ، ولا نرى ضرورة توجب السماع أكثر من أن يكون الحكم الذي تقرر المحكمة إصداره بالردة عقوبتها الإعدام .. ومهما كان من أمر النصوص القانونية فإنّ سماع المتهم قبل إدانته مبدأ أزلي لم يعد في حاجة إلى نص صريح بل تأخذ به كافة المجتمعات الإنسانية على إختلاف عناصرها وأديانها باعتباره قاعدة مقدسة من قواعد العدالة الطبيعية .. وقد كان منهج محكمة الإستئناف أكثر غرابة حين استندت في حكمها على مسائل ليس من شأنها أن تقوم مقام الأدلة التي يجوز قبولها قانوناً ، ومن ذلك ما أشارت إليه تلك المحكمة من الأقوال (( المعروفة للناس عامة )) والأفعال (( الكفرية الظاهرة )) في ترك الصلاة وعدم الركوع والسجود ، وما إلى ذلك مما لا يتعدى في أحسن حالاته الأقوال النقلية والعلم الشخصي وليس في أي منهما ما يرقى إلى الدليل المقبول شرعاً ـ راجع المادتين (16) و (35) من قانون الإثيات لسنة 1983 .. ولم تكتف المحكمة في مغالاتها بهذا القدر وإنما تعدته إلى الإستدلال بقرارات وآراء جهات لا سند في القانون للحجية التي أضفتها المحكمة على إصداراتها .. أما حكم محكمة الإستئناف الشرعية العليا الذي عولت محكمة الإستئناف الجنائية عليه كثيراً ، فإنما يستوقفنا فيه أنه حكم وطني يلزم استبيان حجيته نظراً إلى ما يمكن أن تثيره طبيعته الوطنية من تساؤل حول تلك الحجية ، والحكم المشار عليه صدر في 18/11/1968 في القضية رقم 1035/68 حيث قضت محكمة الإستئناف الشرعيى العليا بالخرطوم بإعلان محمود محمد طه مرتداً .. وأول ما تجدر ملاحظته في شأن ذلك الحكم أنه صدر حسبة كما وقع غيابياً ، والسؤال الذي يفرض نفسه هو ما إذا كان في ذلك الحكم ما يقوم مقام الحكم الجنائي بالردة ؟؟ .. في تقديرنا أنّ الإجابة القطعية أن ذلك الحكم لا يستحق هذه الصفة وذلك لأنّ المحاكم الشرعية ، ومن بينها محكمة الإستئناف الشرعية العليا في ذلك الوقت ، لم تكن تختص بإصدار أحكام جنائية ، بل كانت إختصاصاتها مقتصرة على مسائل الأحوال الشخصية للمسلمين من زواج وطلاق وميراث وما إلى ذلك مما كانت تنص عليه المادة الخامسة من قانون المحاكم الشرعية لسنة 1967 الساري وقتئذ .. ولعل أبلغ دليل على عدم إختصاص المحكمة الشرعية فيما أصدرته من حكم أنّ ذلك الحكم جاء غيابياّ فما نحسب أنّ محمود محمد طه كان حصيناً من سلطة الإجبار التي كانت تتمتع بها المحكمة فيما لو كانت محكمة ذات إختصاصات جنائية ، كما يقف دليلاً على عدم الإختصاص أنّ المحكمة لم تجد سبيلاً لتنفيذ الحكم ، لا في ذلك الوقت ، ولا في أي وقت لاحق وهو ما لم يكن يحول دونه غياب المحكوم عليه خاصة وأنّ للحكم عقوبة مقررة شرعاً هي أعلى مراتب العقوبات المدنية .. ونخلص من كل ما تقدم إلى أن إجراءات محكمة الإستئناف الجنائية في إصدار حكم الردة في مواجهة محمود محمد طه ورفاقه كانت ، للأسباب التي سبق تفصيلها ، جاحدة لحقوق دستورية وقانونية شرعت أصلاً لكفالة محاكمة عادلة .
أما السلطة العامة لتلك المحكمة في تأييد أحكام المحاكم الجنائية التي تم تشكيلها بموجب المادة (16/أ) من قانون الهيئة القضائية لسنة 1405هـ فقد نص عليها القرار الجمهوري رقم (35) لسنة 1405هـ .. ومن الناحية العامة فإنّ ذلك ، وفيما نوهنا به من قبل ، قرار يتحمل وزره من أصدره ، على أنه ينبغي النظر إلى سلطة التأييد تلك من زاويتين ، أولاهما مدى سلامة القرار الجمهوري في هذا الشأن ، وثانيتهما أثر ذلك في عدالة الإجراءات التي تمت بممارسة تلك السلطة .. وبالنظر إلى الأمر من الزاوية الأولى يبين أن المادة (18) من قانـون الهيئة القضائية لسنة 1405هـ التي كانت تصلح سنداً لتشكيل محاكم الإستئناف الجنائية كانت تنص على ما يلي : ( تستأنف أحكام وقرارات المحاكم الجنائية المكونة بموجب المادة (16/أ) من هذا القانون أمام محكمة الإستئناف التي يحددها قرار التكوين ويحدد إجراءاتها ) .. وقد نص القرار الجمهوري رقم (35) ـ وهو قرار التكوين المشار إليه ـ في الفقرة (ز) من المادة (3) منه على ما يلي : ( تتولى محكمة الإستئناف التوصية لرئيس الجمهورية بشأن أحكام الإعدام والرجم قبل رفعها للتأييد ) .. والسؤال الذي يثيره هذان النصان هو ما إذا كان فيهما ما يضفي على محكمة الإستئناف سلطة في تأييد الأحكام تطغى على سلطة المحكمة العليا في هذا الشأن والمنصوص عليها في المادة (234) من قانون الإجراءات الجنائية ؟؟ .. والإجابة على ذلك تعتمد ، في المقام الأول ، على ما إذا كان منح مثل هذه السلطة مما يدخل في معنى عبارة ( تحديد الإجراءات ) الواردة في المادة (18) المذكورة ؟؟ .. وفي تقديرنا أنه من الجائز عموماً أن ينطوي تحديد الإجراءات على منح بعض السلطات التي قد تكون ضرورية ولازمة في معرض تلك الإجراءات إلاّ أنه من غير المتصور أن تمتد تلك السلطات إلى مستوى يشكل تغولاً واعتداءً على جهات تستمد صلاحياتها من القانون نفسه ، وعلى وجه الخصوص فإننا نرى أنه ليس من شأن السلطات الممنوحة على هذا الوجه أن تسلب محكمة أعلى مقاماً كالمحكمة العليا من صلاحيلتها التي يقررها قانون نافذ لا يقل درجة عن القانون المانح لتلك السلطات ، بل ومن الدستور نفسه وهو مصدر القوانين والسلطات ، فالقول بخلاف ذلك ينتهي إلى نتيجة غير مستساغة هي أن السلطات المقررة للمحكمة العليا عرضة للمصادرة بتشريع فرعي أو قرار تنفيذي ، وهو ما لايجد سنداً ، لا في نص صريح ، ولا في المباديء العامة للشرعية .. على أنه ، ومهما كان وجه الرأي بشأن سلطات محكمة الإستئناف الجنائية ، فإنه طالما ظلت المادة (234) من قانون الإجراءات الجنائية قائمة ونافذة ، فإنه كان ينبغي عرض الأحكام الصادرة ضد محمود محمد طه وزملائه على المحكمة العليا سواء قبل تأييدها في محكمة الإستئناف الجنائية أو بعد ذلك .. وإذا كان هذا هو التكييف القانوني للقرار الذي منحت به محكمة الإستئناف سلطة تأييد الأحكام ، فإن لذلك القرار وجهاً آخر ذا أثر خطير ومباشر في تأييد حكم الإعدام في حق المحكوم عليهم ومن بعد ذلك في تنفيذ ذلك الحكم على أحدهم وهو محمود محمد طه .. ففي هذا الشأن لم تقتصر مخالفات محكمة الإستئناف ، التي استقلت بسلطة التأييد ، في إصدار حكم الردة ، وإنما امتدت إلى تأييد أحكام الإعدام التي صدرت ترتيباً على الإدانة بموجب قانوني العقوبات وأمن الدولة ، وهذا التأييد ، وإن كان محمولاً على أسباب هي في ظاهرها إقتناع المحكمة بثبوت الإدانة وتناسب العقوبة ، إلاّ أنه في واقع الأمر محمول على الردة التي استحوزت على جل ، إن لم يكن كل ، اهتمام محكمة الإستئناف الجنائية .. وقد ترتب على إستقلال محكمة الإستئناف بسلطة التأييد أن فات على المحكمة العليا ليس فقط حصر الإدانة ، إن كان ثمة ما يسندها ، في الإتهامات الموجهة بموجب قانوني العقوبات وأمن الدولة دون غيرهما ، وإنما أيضاً أن تقصر العقوبة على ما كان يتناسب وفعل المحكوم عليهم وهو فيما نعلم لا يتعدى إصدار منشور يعبر عن وجهة نظر الجمهوريين في قوانين كانت وما زالت محلاً للآراء المتباينة على الساحتين المحلية والدولية ، مما لايعدو أن يكون مخالفة شكلية ـ إن كانت كذلك أصلاً ـ لا تتناسب عقوبة الإعدام جزاءً لها .. غير أن محكمة الإستئناف ، وفي محاولة متعجلة لربط الفعل بقناعتها المسبقة في ردة المحكوم عليهم ، إنتهت إلى تأييد حكم الإعدام كعقوبة ( شاملة ) كما أسمتها .. على أن الآثار المترتبة على حجب الإجراءات عن المحكمة العليا وحصرها في محكمة الإستئناف إتخذت شكلها المأساوي حين تم تنفيذ حكم الإعدام على محمود محمد طه بإغفال تام لنص المادة (247) من قانون الإجراءات الجنائية ، التي تحظر تنفيذ حكم الإعدام على من جاوز السبعين من العمر ، رغم أنه كان من الثابت أنه جاوز السبعين من عمره وقتئذ .. ولعلنا لا نتجنى على الحقيقة لو أننا قلنا أن تنفيذ الحكم ما كان ليتم لولا أن محكمة الإستئناف أضافت الإدانة بالردة ، وهو ما لم يكن ليصدر أصلاً فيما لو كانت الإجراءات قد عرضت على المحكمة العليا بدلاً من أن تستقل محكمة الإستئناف بإجراءات التأييد لتنتهي إلى ذلك الحكم من خلال المخالفات القانونية والدستورية التي تناولناها فيما تقدم .
هذا ما كان من أمر ما تم باسم القضاء ، أما ما صدر من رئيس الجمهورية السابق عند التصديق على الأحكام فإنه يكفي لوصفه أن نقرر أنه مجرد من أي سند في القوانين والأعراف ولا نرى سبباً للإستطراد فيه بأكثر من ذلك عما فيه من تغول على السلطات القضائية فقد كاد أن يعصف بها كلها من قبل ، على أنه ومن وجهة النظر القانونية البحتة ، فإنه ولما كان من الجائز قانوناً للرئيس السابق أن يصدر قراره في تأييد حكم الإعدام دون إبداء سبب لذلك ، فإن استرساله في الحديث ، على الوجه الذي كشف عنه البيان المعروف والمدون ، لا يعدو أن يكون تزيداً لا أثر له في تقويم الحكم الذي تصدى لتأييده .. ولو كان لذلك البيان أثر يجدر ترتيبه عليه فهو فيما تضمنه من عبارات ربما كانت هي الأسباب الحقيقية لتقديم محمود محمد طه ورفاقه للمحاكمة .. ومذهب هيئة الإدعاء في هذا الشأن هو أن المحاكمة استهدفت محاكمة فكر الجمهوريين وتقييد حرياتهم السياسية والدينية وحظر نشاطهم إهداراً لحقوقهم الدستورية في كل ذلك .. وهذه المحكمة ، وإن كانت تجد أنه من العسيرعليها تفسير ما هو ثابت أمامها إلاّ في إطار ما ذهبت إليه هيئة الإدعاء ، إلاً أنها ، وفي ذات الوقت ، لا ترى في ذلك ما يتيح لها إصدار قرار جازم في هذا المعنى ، لا سيما وأنّ إقرارات النائب العام في هذا الشأن تتجاوز صلاحياته ـ كممثل قانوني للحكومة في صفتها المعنوية ـ لتشمل مسائل تتعلق بها مسئوليات شخصية أخرى لا يمثلها النائب العام .. ولما كان الحكم الصادر في حق المدعيين مشوباً بكل العيوب التي تم تفصيلها فيما تقدم ، فإنّ إجراءات ما سميت بالإستتابة تكون قائمة على غير ما ضرورة قانونية فضلاً عن إفتقارها لأي سند صريح أو ضمني من القانون ، غير أنه يجمل أن نقرر من باب الإستطراد أنّ تلك الإجراءات وقعت بقهر بيّن للمحكوم عليهم نظراً إلى الظروف التي تمت فيها حيث لم يكن من المتصور عقلاً أن يمتنع المحكوم عليهم عن إعلان التوبة التي طلبت منهم وسيف الإعدام مشهور في وجوههم ، وحيث أنّ حكم الردة قد وقع باطلاً كما سبق تقريره ، فإنه يترتب على ذلك بداهة أن تكون التوبة التي وقعت بالإكراه خالية من أي معنى هي الأخرى .. وحيث أن المسائل التي أثارتها هذه الدعوى مما لم يكن من المتاح التصدي له ، في إطار قواعد الإجراءات السارية حالياً ، إلاّ من خلال دعوى دستورية ، ودون أن يكون في ذلك ما يخل بمبدأ حجية الأحكام فيما تتوفر له شروط تطبيق ذلك المبدأ ، فإن هذه الدائرة تقرر ، تأسيساً على ما تقدم بيانه ، أن الحكم الصادر من محكمة الإستئناف الجنائية بالخرطوم في حق محمود محمد طه ورفاقه بتاريخ 15/1/1985 صدر بإهدار لحقوقهم التي كانت تكفلها لهم المواد (64) و (70) و (71) من دستور السودان لسنة 1973 الملغي .. أما ما ترتب على ذلك من أحكام بالإعدام فقد ألغيت في مواجهة جميع المحكوم عليهم فيما عدا والد المدعية الأولى ، ورغم ما شابتها من مخالفات للقانون وللدستور ، فقد أصبحت حقائق في ذمة التاريخ ، تقع المسئولية عنها سياسية في المقام الأول ، ولم يعد من الممكن إستدراك كثير من النتائج التي ترتبت على كل ذلك ، إلاّ ما بقي منها دون نفاذ ، كما لم يعد من المتاح النظر إلى الوراء إلاّ لأغراض العظة والعبرة ، فلم يعد من الميسور بعث حياة وئدت مهما بلغت جسامة الأخطاء التي أدت إلى ذلك ، كما أصبح من الصعب ـ إن لم يكن من المستحيل ـ العثور على جثمان أخفي بترتيب دقيق .. بيد أنه يبقى أمر جوهري هو أن للمدعيين حقاً في الحصول على إعلان بالحقائق المتعلقة بهذه المحاكمة التاريخيـة ، وإن كان على ذلك الحـق من قيـد فإنه إنما ينشأ من طبيعـة الإجراءات القضائية عموماً ، وما تقوم عليه هذه الإجراءات ، وعلى وجه الخصوص في مثل هذه الدعوى ، من شكل هو بدوره محدد ، في طبيعته ، وفي خصومه ، وما يصلح محلاً للتنفيذ في ضوء ذلك كله ، وعلى هدى من ذلك تقرر هذه الدائرة ما يلي :
1/ إعلان بطلان الحكم الصادر في حق المواطنين محمود محمدة طه والمدعي الثاني في هـذه
الدعوى من المحكمة الجنائية ومحكمة الإستئناف .
2/ إلزام المدعين برسوم وأتعاب المحاماة في هذه الدعوى .).. إنتهت الحيثيات

محمد ميرغني مبروك فاروق أحمد إبراهيم
رئيس القضاء قاضي المحكمة العليا
ورئيس الدائرة الدستورية وعضو الدائرة الدستورية

زكي عبد الرحمن محمد حمزة الصديق
قاضي المحكمة العليا قاضي المحكمة العليا
وعضو الدائرة الدستورية وعضو الدائرة الدستورية
إنتهى المقال

عبد الله الأمين محمد
المحامي



Post: #92
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 01:40 AM
Parent: #91


كتب الشاعر عبدالقادر الكتيابى:
====
تحية وشكرا عميقا للأستاذ ياسر و كفى بالتوثيق الصوتي شاهدا على أن تلك المحكمة لم تكن سوى تمثيلية ساذجة على رجل عالم ـ أمام جمهور مقهور ـ و مجاميع مضللة من عامة الناس .
لا شك أن عصبة انقلاب مايو ـ غير الشرعية ـ في كل المقاييس ، قد نوعت ـ وسائل التصفية لخصومها حسب تنوع وسائلهم في مقاومتها ـ فهي مثلا لم تكن بحاجة لتشكيل محكمة من الفقهاء لتكفر المناضل الشفيع ـ وإنما اكتفت في ذلك بمحكمة أمن الدولة وحدها ـ كما اكتفت بمحكمة عسكرية لإعدام المناضل هاشم العطا ـ وفي تصفيات أخرى كثيرة لم تتكلف إلا رصاصة في الظلام ـ أو كما كان يقول المصطلح المتعارف عندهم ـ ( سوقوا فلان فسحوه ) هكذا ..
وهذه هي ثقافةالمؤسسة العسكرية في كل زمان ومكان ـ فلما كان الأمر متعلقا بصحوة صوفي ـ من غرقه ـ واستفاقته من ( الدروشة ) وتدخله في ساس يسوس ـ كان لابد لعباقرة ذلك النظام من ابتداع وسيلة تتناسب مع هذا الصوت الذي يجمع بين الإنشاد الرقيق والهتاف العميق وبين الوجدان الصوفي والثورية الحديثة ـ فلم يجدوا إلا أن يستعدوا عليه أولئك الذين تم تجنيدهم للدين في دور الأحزاب والتبعيات الممولة من بنوك الملوك المبتدعين ( أهل بدعة توريث الملك ) وعلماء السلاطين وأولئك المدللين من أبناء بعض السجادات المنسوبة إلى الصوفية من الذين تولوا خلافة آبائهم دونما فقه وأفسدتهم عواطف مريديهم ـ حيث استثمر النظام بذلك خلافات و اختلافات العلماء في شؤون فقهية لا علاقة للعسكر بها و لا علاقة لها بالعسكر بيد أن هذا الاستخدام وهذا الاستثمار راق لبعض هؤلاء الخصوم الفكريين ـ من باب عدوعدوي صديقي ـ دون نظر إلى عدالة القضية .
و لسد الثغرات أمام مثل هذا الخبث السياسي ـ فإنه لابد من تأمين وتحصين فئة المجاميع المستخدمة ـ أعني أولئك المتخمين بالعاطفة الدينية دون تفقه ـ نعم ـ لابد من مواجهة واقع الجهل العقدي هذه والمتفشية اليوم في أوساط أجيالنا المعاصرة باسم التصوف المفترى عليه و القراءة الصحيحة لظاهرة السياديات الموروثة هذه الواقفة في حلوقنا مثل شوكة حاسدة ـ ليس حراما أن نسأل ـ من الذي منحهم هذه السيادة المطلقة على خلق الله ؟ ، ـ هل هي آرية جديدة ؟ أم نزعة يهودية لمختارية عنصر ـ ؟ ـ أم أنها طبقية ـ أماذا ـ ( رجالة كده ) ـ ليس حراما أن نسأل فإنها إذا كانت بحق علم ومعرفة و دين فالنصوص موجودة وسيرة ، و مثال القدوة المقياس نبي هذا الدين محفوظة لا خلاف عليها واللغة حية فليقارعونا الحجة ، ليس بتعليق الأمر على مفهوم ظاهرة ( الولاية ) إلا بعد تحرير المفهوم حولها وتصحيحه ـ حيث إنها اليوم كما نراها اليوم برغم مبررا ساريا برغم المخالفات الصريحة من أدعيائها للنصوص و لسير العلماء من المتصوفة الحقيقين في حين أن أصول المعرفة الإسلامية تقرر لنا أن الله عز وجل ما اتخذ وليا جاهلا ولو اتخذه لعلمه ـ بسند صحيح ورد في الأثر .
عليه فإن تقويم هذه المحاكمة الملفقة ـ وفضح زيفها ـ أمر لايحتاج لحشد الأدلة والشواهد ـ فالمحكمة من حيث هي جملة وتفصيلا مخالفة لثوابت الدين ناهيك عن مخالفتها لمكارم أخلاق الإنسانية التي جاء الدين متمما لها كمراعاة الاعتبارالعمري والعلمي والوطني لرجل في السادسة والسبعين يقول ربي الله ـ وناهيك عن أن أمير المؤمنين الذي بارك ذلك ـ قضى ليلته بين أعضاء مجلسه الانقلابي يتبادلون نخب الضحية خمرا حتى الثمالة ـ بعد أن أقاموا كما يزعمون حدود الله ـ وهي خصلة يفضح الله أهلها بها في الدنيا كما ترونهم اليوم ـ ولا يستطيع أحد نفيها عنهم ـ
لا أجدني أميل إلى إيغار الصدور وتكريس فكرة الثأر خاصة إذا كان موضوع المظلمة في شأن الله تبارك وتعالى ـ إنما أحاول هنا تجاوز الجريمة إلى تحليل أدواتها وسيناريو تنفيذها ـ حتى لا يتكرر و يمرر بنفس الأدوات والسيناريو فإن كثيرا ممن نراهم اليوم ـ في مواقع العمادة لكثير من الطرق الصوفية والجماعات ـ ليسوا من العلماء كما نعرف جميعا ـ ولكننا نبرر لهم سيادتهم بحجة الولاية و توريث البركة ـ وحتى من يعتبر منهم عالما ـ لا يخفى علينا تقصيره في حق أتباعه عليه من العلم والفقه ، وكأن الأمر مقصود ليظلوا على جهلهم أتباعا ويظل هو متبوعا مستغلا لأتباعه في أغراض هذه الدنيا الفانية ـ وقد رأينا بأعيننا من يهدي أرضه وعرضه وبنته وولده لهذا المتبوع ـ قليل الفقه ـ وهذا هو السبب في استعداء خصوم المتصوفة عليهم وقد ظهرت في الآونة الأخيرة صرعات حديثة مدهشة في هذا المضمار والنظام يعجبه ذلك لما يوفره من انصرافية عن الشأن السياسي ـ
فليت أشياخهم يقيسون ماهم عليه بسيرة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وسير أصحابه الكرام والعلماء والصالحين والصوفية الحقيقين الذين بلغوا المراتب والدرجات العلى ـ
إن كل فرد من هؤلاء الطيبين البسطاء من عامة الناس ، من حقه أن يتعلم كيف يقرأ القرآن قراءة صحيحة ويطلع على أسس الدين من السنة و الفقه والسير المتصلة بعيدا عن هذا النوع من المستغلين ، أفرادا أو أحزابا أو طوائف حتى يتمكن من تحقيق صفة الإسلام في نفسه على يد عالم حقيقي لايدعو إلى عصبية ـ وحينئذ لن يجروء نظام سلطوي على استخدامهم لتصفية خصومه ـ أو للتسلق على ظهورهم باسم الشريعة و المشاعر الدينية ـ إلى الغرض الدنيوي الفردي الفاني .
أما صمت كبار مشايخ الخلاوي ، وفقهاء المتصوفة وقتها إزاء الجريمة فقد كان امتدادا لصمتهم الدائم أمام الشؤون التي يكون السلطان طرفا فيها وما هو عليهم بجديد في التاريخ الإسلامي ـ حيث يعيد إلى الذاكرة المآخذ التي أخذت على الإمام الغزالي إزاء أحداث عصره و ما أخذ على غيره من المتصوفة العلماء على مر العصور وقد تناولت ذلك دراسات عدة خرجت بأنهم في الأصل لا يقرون الحكم ولا الحاكم ـ و أنهم يحسبون الأحداث بحساب أشراط الساعة آخذين في صمتهم بأسانيد من الكتاب والسنة ـ فهم في حال التسليم ـ الذي يوهم بأنه استسلام ـ وسواء فهم ذلك على أنه تسليم أو استسلام ـ فهو بلا شك موقف يجعلهم مأمونين لدى كافة الأنظمة وأصحاب الغرض الدنيوي الذين تعارفوا على ذلك التغاضي بأنه ( دروشة ) وهي كلمة تركية الأصل تعني الزاهد أو الذي أدار وجهه للدنيا و كل الأنظمة المستغربة والمتأسلمة يعرفون الصوفية بذلك و برغم أن النظام المايوي كان يعرفهم بهذا التعريف نفسه وأنه لم يكن بحاجة لمحاصرة رأيهم إلا أنه سلط إعلامه ضد هذا الفكرة الجديدة ـ حتى لايجروء صوفي آخر أن يستفيق من غرقه أو يدلي بدلوه في ساس يسوس ـ لذلك لفق النظام الأكاذيب بتكفير هذا المفكر اليقظ مكثفا سحب شائعاته الدخانية حول هؤلاء المشايخ ـ حيث لم تكن الغاية من ذلك أن يقتنعوا ، و إنما هي على الأقل ليمتنعوا تورعا عن الخوض في الأمر ـ وليواصلوا صمتهم المعهود ولو إلى حين إعدامه ـ لأن كلمتهم لو أنهم تكلموا ـ شديدة الخطورة عليهم بسبب شدة الولاء العقدي في أتباعهم .
وكما رأينا ونرى على مر الحكومات المتعاقبة فقد ظلت علاقة الحكام ببعض رموز التصوف ـ تقوم على ذات النسق ـ تقربهم ـ أو تتودد إليهم ـ فمنهم من يقبل هذه الرشوة ـ و يأذن لمريديه بالتصفيق ـ ومنهم من يستمسك بموقفه الفقهي ويربأ بنفسه من مواددة الحاكم ومنهم من يعتبر القبول بها من ( حكمة الدعوة ) بغرض الاستئناس وهي شماعة شائعة الاستعمال هذه الأيام ـ ومن أبرز ظواهرها ما يدعيه بعضهم أن تلحين المدائح بألحان الأغنيات المعروفة ـ مفسدين على الناس بذلك طبيعية دنياهم في ما يتغنون به ـ و قداسة ما يدينون به والله وحده يعلم المفسد من المصلح ـ
الآن وبعد أن افتضح جهل رأس ذلك النظام عبر الفضائيات و اضطر زبانيته وقضاته إلى النزول من صياصيهم والاختلاط بالفقراء من أمثالنا ـ فقد جالسني لأول مرة في الصالون الأدبي في بيتي هنا واحد من أعضاء هيئة تلك المحكمة وتكشف لي من خلال الحوار العام معه أن الله عز وجل لم يمتعه برفع الفاعل ونصب المفعول وتبين جهله حتى بالنحو الواضح .. والقراءة الصحيحة التي يتم فهم كل شئ من خلالها ناهيك عن أهمية ذلك للتحقق من أحكام الفقه والشريعة ، وأنا رجل أحتفل بهذه العلوم منذ الصغر لا أقبل الرجل عالما في الشرع إلا بإتقان اللغة لقوله تعالى : ـ ( فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون ) أي يعلمون العربية ، كما أجمعت التفاسير وعلى رأسها تفسير ابن عباس حيث إن كلمة عربيا هنا تسمى عند أهل اللغة ( قرينة دالة ) ويسمى الخطأ النحوي في قراءة القرآن إذا صدر عن أدعياء العلم ـ يسمى ( لحنا ) وهو من العلامات التي حددها القرآن لفضح نفاقهم في قوله تعالى : ـ ( ولتعرفنهم في لحن القول ) ـ هكذا يقول العلماء ، لست أنا ـ
و أذكر أنني كنت إبان ذلك الإعدام الجائر ـ يافعا ـ سلكت ما سلك آبائي من منهج التورع عن الخوض في الأمر بسبب تكثيف دخان الشائعات وحصار المؤامرة حول الفكرة وصاحبها .
ولا يفوتني أن أذكر أنه قبل المحكمة بسنوات قليلة ذات نهار رمضاني ـ زار الأستاذ محمود رحمه الله ـ بيتنا للقاء بجدي الشيخ يوسف بشير الإمام ـ والد العبقري التيجاني ـ و هو من كبار رجالات الطريقة التيجانية العارفين ـ كنا نقوم على خدمة جدنا وهو في التسعين من عمره أنا وأخي ( ابن خالتي الشاعر صديق مجتبى ) ـ حيث أدخلنا الضيف ومن معه إلى غرفة جدي وسمعنا ما دار ـ واجتهدنا في استيعابه ـ كما عودتنا كثرة زيارات الباحثين والدارسين في شعر وحياة التيجاني الذين كنا نستقبلهم باستمرار ـ سمعناه وهو يلقي أبياتأ من قصيدة الصوفي المعذب في تلذذ وإعجاب وسمعناه وهو يتحدث عن علاقة الفكر الأدبي للتيجاني بالإشراقيين ـ إخوان الصفا ـ و السهروردي وأصحابه ثم سأل عن كتاب ويبدو أن جدي كان متعجبا شاكا في صحة الذي يشاع عن الرجل من فساد العقيدة لمعرفة سابقة به ـ فلقد أمرني بأن أحضر له ماء ـ ونحن في نهار رمضان ـ وكأنه يريد أن يختبره ـ أذكر أن الضيف الوقور ضحك في أدب جم وقال لنا رافعا صوته :
ـ لا لا أنا صائم ـ لن أنسى أبدا الطريقة التي رد بها جدي عندئذ وهو يقول له مستفهما : ـ ( إنت بتصوم ؟ ) .
مرت هذه الذكرى في خاطري فقلت أقصها عليكم في معرض الحديث عن مواقف كبار الصوفية ( من غير أهل الغرض الدنيوي ) ـ
ولعل من يحاول بموضوعية العلم أن يفهم الرؤية الكلية ( للفكرة ) من منظور متجرد ـ متجاوزا تحفظاته ـ يجد أنها تحمل ( اجتهادا لأجل أمل مشروع في ترتيب الحياة الحديثة على حقيقة الدين ) جنبا إلى جنب مع ما تحمله من ـ ( مشروعية الزهد في الدنيا والشوق للقاء الله ـ ) وهو اجتهاد يسعى نحو تأليف أطراف معارف إسلامية ربما تبدو متباعدة لدى عامة الناس ـ كما أنها بوضوح تقدم طرحا ثوريا على نمط شخصية الفقيه الناقل ـ للنصوص وكأنه كتاب أو جهاز تسجيل ـ وهذا الاجتهاد ليس جديدا في التاريخ الاسلامي عبر العصور ـ كما أن هناك مذاهب ضاقت بلغة الفقهاء حتى دفعها الضيق إلى تجاوز الفقه برمته ـ وأحب من خلال مداخلتي في هذا المنبر ـ أن أؤكد لأجيال شبابنا ـ وهذا هو الشاهد من كل ذلك ـ : أن جريمة الإعدام ـ موضوع المداخلة ـ لم تكن سوى تصفية سياسية شاركت فيها ضغوط خارجية باسم الاسلام وأن إنصاف ذلك الرمز الوطني الشهيد و الشهادة له بأنه قد ظلم ـ إنما هي شهادة حق وهي مهمة كل وطني وكل سوداني وكل مسلم مستبصر ـ هذا ما تقتضيه المعرفة المتورعة المستندة إلى الأصول مباشرة ـ والمدركة للواقع السياسي إدراكا متجردا ـ أما فيما يتعلق بأسئلة المداخلين ـ وأنا منهم ـ حول ما نسب إليه من مصادمات لثوابت الدين فينبغي أن يتم تناول ذلك بموضوعية المعرفة من خلال كتبه و تلاميذه بيننا ـ و نحن نكبر في الأخ الأستاذ ياسر مرونة الحوار على منبر مفتوح حول العالم ـ وبروح طيبة ـ لمن أراد منا أن يستفسر ـ طالما أن هناك التزام بأدب الحوار ـ على طريقة حضرية راقية ، يحتفظ فيها الحوار بمعناه العلمي فيظل حوارا فكريا معرفيا ـ لا يتحول إلى استخدام مغرض للبسطاء من قبل الذين يصطادون في الماء العكر ـ ثم ينتهي إلى تحقيق ومحاكمة مرة أخرى هدانا الله وإياكم لما اختلف فيه من الحق بإذنه . ـ
عبدالقادر الكتيابي

www.alsaloon.org

Post: #93
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 01:45 AM
Parent: #92


لا لانفصال جنوب السودان
الأمين أحمد نور
نشرت صحيفة الصحافي الدولي الغراء ، في عددها رقم 941 ، الصادر بتاريخ 16 ديسمبر 2002 ، مقالة مطولة للسيد الطيب مصطفي ، الأمين العام للمجلس القومي للاتصالات ، ومدير التلفزيون سابقاً ، عن جنوب السودان ، وعن الحرب ، وما يراه حلا للمشكل ، وناشد الجميع من أبناء الشمال أن يجد هذا الموضوع حظه من التداول الحر ، وقرر أن أبناء الشمال هم المكتوون بنار الحرب ، والمتجرعون ويلاتها ، ومن الوهلة الأولي يدرك القارئ تحيز السيد الطيب لشماليته .. واستجابة لطلبه في التداول والمشاركة بالرأي ، حول هذا الأمر الخطير ، أرمي بسهمي ، وقد بدأ المهندس الطيب بمقدمة طويلة كتأسيس نظري للدخول في الموضوع واصفاً فيها التفكير السياسي وجميع الأحزاب بالغفلة أو الغشاوة التي حجبت الجميع عن أهم قرار سياسي منذ الاستقلال ، إذ كان لهم خياران : الوحدة أو الانفصال وتخيير الجنوب بإحداهما .. وفي مجمل حديثه هو مع الانفصال ، وألا يحمل الناس للوحدة قسراً ، وذكر أن خالق الكون سبحانه لم يكره الناس حتى يكونوا مؤمنين .
فإذا كان السيد الطيب يعني ما يقول ، وهو بلا شك يعني ، فقد توحدت جميع أحزاب وجماعات أبناء جبال النوبة ، وكان ذلك ثمرة مؤتمر كاودا ، واختاروا رئيسهم والناطق باسمهم . ولم يحملوا علي هذا التوحد قسرا ، وكذلك توحد كل أبناء الجنوب تحت قيادة الدكتور جون قرنق دمبيور .. وفي رأيي هذه محمدة طيبة حتى يكون الحل للمشكلة شاملاً كل أجزاء الجنوب ، وبرضاء كل أبناء الجنوب ، فضلا عن أن هذا التوحد ينهي النزاعات القبلية بين أبناء الجنوب ، ونحن في الشمال نرجو ان تتوحد قوى المعارضة في الخارج ، والأحزاب المتوالية ، وغيرهم من المثقفين ، ليشاركوا في حل مشكلة الجنوب ، وبالطبع ليس في التوحد عيب ، وأنكما يكمن الداء دائما في التفرقة ، وأن جنحت كل الفصائل المتوحدة للسلم فلم لا نجنح لها ونتحاور ونتجادل بالحكمة والموعظة الحسنة .
وذكر السيد الطيب أن الأمم الضالة ترفض الحق المبين ، إتباعاً لمألوف الآباء والأجداد ، وخوفاً من الجديد ، وذكر الآية الكريمة : ( بل قالوا إنا وجدنا آباءنا علي أمةٍ وإنا علي آثارهم مهتدون ) .. وهو يعني أن القدماء من السياسيين والإستعمار قد قرروا الوحدة مع الجنوب ، وأن هذا ما وجدنا عليه السلف من الأجداد والآباء ، وأننا علي آثارهم مهتدون ، وأننا بذلك ضد الجديد .. ولكن وبكل صراحة وصدق ، وبدون التفاصيل المسكوت عنها ، إن أجدادنا وآباءنا من الشماليين ينظرون لغير العرب بالدونية ، ونحن السودانيين ، في غير وطننا السودان ، ينظر إلينا بالدونية أيضاً ـ أيْ مواطنين من الدرجة الثانية ـ فاستشهادك بالآية الكريمة لا يتحف رأيك بالجديد ، فالجديد هو أن هذا العالم قرية صغيرة جدا ، بفضل الله ، ثم بفضل العلم المادي التكنولوجي ، الذي قرب بين الأقطار وبين الناس ، وماض بهم الي التوحد في العلم والمعرفة ، باختلاف فنونها ، وتوحيد المشاعر والعواطف ، وسيحكم العالم كله بحكومة واحدة ، ترعي حقوق الإنسان حيث وجد الإنسان ، ولا فرق يومئذ بين عربي وزنجي وأوروبي ، هذا هو الجديد المرتجى ، ولا خيار لك ولي إلاّ هذا الطريق ، والتواؤم معه أو الإنقراض .. فالتوحد في فصائل الجنوبيين ، أو جبال النوبة ، أو أي مكان ، هو أمر مضروب علينا ، وبالتوفيق الملزم إن شئت .
أما حديثك عن نسب تقسيم الثروة والسلطة ، فهو حديث سابق لأوانه ، لأنه قيد الحوار والبحث ، والأخذ والرد ، والقبول والرفض ، وأما إعتراضك على أن يكون الدكتور جون قرنق نائب أول للسيد رئيس الجمهورية ، فهو حديث غريب ، فجون قر نق عنده الحق أن يكون رئيساً للجمهورية ، دع عنك أن يكون نائباً ، أليس الحقوق الدستورية ، في الدستور ، تقوم على المواطنة ، بغض النظر عن الدين أو العنصر أو ..إلخ ، أم أن الدستور عندك حبر علي ورق ؟؟ .
البعد الحقيقي لمشكلة الجنوب : ـ
هذا نص منشور حرره الأستاذ محمود محمد طه عام 1964م : ( للجنوب قضية ، ما في ذلك ادني ريب ، وهي بذلك تحتاج حلا سريعا وشاملا ، وأول الحل تصور المشكلة في أبعادها الحقيقة ، ومواجهتها بشجاعة ، ولقد أحسنت الحكومة حين اعترفت باختلاف العنصر ، واختلاف اللغة ، واختلاف العقيدة ، بين الشمال والجنوب ، ويمكن أن تضاف الجغرافيا أيضا وفي الحق أن الجنوب ليس بدعا في هذا ، فالإختلاف في شرق السودان ، وفي غربه ، وفي شماله ، عن وسطه ، وكل ما يقال عن الجنوب أن الاختلاف فيه أشد توكيداً ، وأبلغ ظهوراً ، مما هو في بقية الأجزاء ، وكون السودان قطراً شاسعاً ، وفيه من اختلاف اللهجات والعنصريات والعادات ما فيه ، إنما هو من دواعي التفاؤل لمستقبل هذا البلد ، وليس من دواعي اليأس أو التخوف ، لأن خصائص كل عنصرية من هذه العنصريات إذا ما نميت وهذبت وتفتقت طاقاتها الأصيلة ، فإن ذلك سيزيد من حيوية الأمة السودانية ، في مجموعها ، ويخصب شخصيتها ، ويزيد من وزنها وزناً ، ومن قيمتها قيمة ، والناس كالنبات خصائصهم تتأثر بالتربة والمناخ الي حد كبير ، ومع أنهم قادرون علي أن يتأقلموا حيث وجدوا ، إلاّ أن استجابتهم لعوامل التهذيب والتمدين أسرع إذا هيأت لهم فرصة في تربتهم التي فيها نشأوا ) ..
إنشاء حركة شعبية لتحرير شمال السودان : ـ
والعجيب أنك تحلل لنفسك ما حرمته على غيرك ، من إنشاء حركة شعبية ، وتورط نفسك في العنصرية التي اتهمت بها غيرك ، فأنت تقول بالنص : ( فإني في الختام أجد كل المنطق في المطالبة بإنشاء حركة شعبية لتحرير شمال السودان (( NSPLM )) وأرجو أن أسمع وأقرأ رأي الأغلبية المغيبة من أبناء شمال السودان ) .. هذه عنصرية موغلة في التعنصر والمقال كله ينضح بتلك العنصرية ، وفيه دعوة ضمنية للمناطق الفقيرة لتنهض منها جماعات تنادي بتحرير مناطقها ، سواء في غرب السودان ، أو في شرقه ، أو غير ذلك ، وذلك بنفس الحق الذي إتاحه لك منطقك ، ويومها سنرى السودان وقد تجزأ وتفرق أيدي سبأ ، وخرج لنا من كل فج قائد حركة شعبية ، وهذا لعمري أمر مؤسف ومحزن ما كنا نتوقعه ممن كان يحتل الموقع الإعلامي الأعلى .
ثم قال السيد الطيب أن قضية الجنوب قعدت بالسودان ، وشوهت من صورته ، ومن صورة المشروع الإسلامي ، الذي تبناه في عهد الإنقاذ ، ولولا قضية الجنوب ، فإن شمال السودان ، كوطن منفصل ، سيصبح منطقة ضغط حضاري عال ، تهب منه الرياح إلى غيره ، بعد أن يمتليء إسلاماً ، فلو كنت تعني الإسلام حقاً ، فإن الإسلام لا يعجزه حل المشاكل مهما كان نوعها ، ولكن على أن يفهم الإسلام فهماً صحيحاً ، وذلك بالتمييز بين أصوله وفروعه ، ومعرفة الحسن منه والأحسن ، والأنسب لحاجة العصر وطاقاته ، وإلاّ فستكون ربكة كبيرة ، مثل التي نراها ونعيشها اليوم ، حيثما اتجهنا في بلاد المسلمين ، ثم أن الذي يعجز عن أن يحل مشاكل بلده ، وامتصاص خصوماته ، ويتهم غيره بالحقد والبعد عن الحق ، لا يمكن أبداً أن تهب منه أية دعوة للإسلام أو لغير الإسلام ، والله سبحانه وتعالي يقول : ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره علي الدين كله وكفى بالله شهيدا ) صدق الله العظيم .
ومن يظن أن فئة من الناس لا يمكن أن تهتدي إلى الأبد ، فقد هزم في نفسه بشارة هذه الآية الكريمة التي شهد بتحقيقها رب العزة ، ثم ما هو المشروع الإسلامي ؟؟ .. وما هي مظاهره عندنا نحن المسلمون ؟؟ .. وما هو محتوى هذا المشروع الذي قدم لنا ؟؟ .. أهي الشعارات التي سمعناها كثيراً ، وبلا محتوى ، ثم اختفت هي نفسها كشعارات ، ثم أن المدن والقرى أصبحت أطلالاً ، لا حياة فيها ، ولا مصادر للدخل فيها ، ولا يحتاج ذلك مني إلى دليل ، فالخرطوم اليوم تعج بأرتال من أبناء السودان ، من كل حدب وصوب ، إمتلأت بهم الطرق ، يقفون في صفوف طويلة ، وعلي وجوههم البريئة غبرة ، وشفاههم قد تيبست ، وكل ينادي بسلعته التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، يحملون في أياديهم التعبة مناديل الورق ، وأقلام الحبر ، والأمواس ، وقوارير العطر إلخ .. وأما الجالسون علي الأرض ، وهم الأحسن حالاً ، فبضاعتهم النبق المطلي بقليل من الزيت ، ليبدو لامعاً وجديداً ، واللالوب والقـنقـليذ وصمغ الهشاب ، والعرديب ، فضلاً عن بائعات الشاي أمام المصالح والوزارات والمحاكم وأغلب الطرقات ، وأما مظاهر التسول وأساليبه فحدث ولا حرج .
وأما الوجه الآخر من العاصمة فنري كل يوم عدداً من العمارات الشامخة ، تطل على الشوارع الرئيسية ، ويتنافس أصحابها في الطول والعرض والشكل ، والمستشفيات الخاصة التي لا يدخلها الا الموسرون لا تحصى ، والجامعات الخاصة ، والمدارس الخاصة ، والبنوك المتعددة ، التي أنشئت حتى في المدن الصغيرة ، هل هذا يدل علي التوجه والمشروع الإسلامي ؟؟ .. هل هذا حل لمشاكل المستضعفين ؟؟ .. في الختام أقول لك : ليس لرجل مثـلك ، كان يتسنم أكبر منبر للإعلام في هذا البلد الطيب ، أن يدعي أنه يعلم علم اليقين بأن معظم أبناء الشمال قد ضاقوا ذرعاً بالجنوب .. أين تم هذا الإستفتاء الذي علمت منه علم اليقين ؟؟ خاصة وأنك تقول : ( ظل أبناء الشمال صامتين تاركين للحكومات التقرير بشأن مشكلة الجنوب ) .. فمن الذي أسكتهم ؟؟ .. أليست هي حكومة الشمال ؟؟ .. كيف تفض هذا التناقض ؟؟ ونواصل إن شاء الله الأمين أحمد نور

Post: #94
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 01:46 AM
Parent: #93


بمناسبة الذكري السنوية لاستشهاد الأستاذ محمود محمد طه
السلام عليك ايها الإنسان

السلام حاجة البشرية منذ الأزل
وهو اليوم اصبح حاجة حياة أو موت


1
أيها الرجل الكبير
كيف كان الموت يقرئك السلام !!؟
صاعداً برزخك الأزلي
ناظراً السماء في وله
والأرض في شفقة
حين كنا ثلة متعبين وعبيد
بقايا بشر فاقدي الهوية والغذاء
آخر سلالة للحزن والصديد
وكنت وحدك ..
شاهراً السيف والصدي
ضد خزينا وعارنا
تعلمنا الصلاة والأناشيد الذكيات
2
الله يا سيدي
اكنت تصعد أدراج السماء شفيفا _ وحدك !!
مثل برق
أم وحدها صعدت السماء فوق روحك
بينما تدلت الأرض مثل مشنقة
3
أدركنا يا ابتي ..
فهذا الحزن يفقأ عيون الصباح
والأرض يقتلها بنيها بدم باردِ مباح
السادة يلهبون ظهر المطر
بالهراء والزعيق والصياح
4
حين عدت يا سيدي مع الرحيق والمطر
والعصافير والشجر
كان الضوء في عيوننا يهاجر
والحب من أعيوننا يغادر
كان الموت فاغرا فاه
يصلي صلاته الأخيرة
كان الله ..
في جلبابك الأبيض
وفي سلامك الأخضر
في عيني طفلة تلثمها شفتاك
حين تكبر
تصير جدولاً من مياه وعسل ..
حين ابتسمت يا سيدي في هدوء
وحدك كنت تعلم الدنيا
صلاة الأنبياء
والفداء
4
السلام عليك آيها الرجل الكبير
ومنك علي حزننا المقيم
علي بيوتنا والقمر
علي خبزنا والمطر
علي طيننا والحجر
علي الطير والبشر
***
سلام من بصيص ضياء من عينك انتشر
علي آمالنا الكبيرة
وعلي خيبتنا العظيمة

معاوية محمد الحسن
18 يناير 2003م

Post: #95
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 01:49 AM
Parent: #94


الاعلام والاقلام عند غير أهلها !!

حول مقال الاستاذ كمال الجزولي الأخير عن السيد الصادق المهدي

(... ستكتب شهادتهم ويسألون !!) صدق الله العظيم

لقد اطلعت على مقال غريب ، تقرأه لأول وهلة ، فتظن ان كاتبه هو د. عمر نور الدائم ، أو السيد صلاح جلال ، الناطق الأعلامي باسم حزب الأمة !! فالمقال لم يتعرض بالتحليل للمواقف والأفكار التي اشار اليها ، ولم يقف عند الشذرات التي نصصها من هنا وهناك ، وكأنه ما كتب الا لمجرد الاشادة بالسيد الصادق المهدي ، والثناء عليه ، في محاولة لتلميعه ، لجولة قادمة من الحكم ، بعد ان تمت مبايعته أماماً للأنصار !!

ولما كان المقال قد كتبه الاستاذ كمال الجزولي المحامي ، الكاتب الشيوعي المعروف ، فهو لا بد ان يكون مراهناً ، على ان السيد الصادق المهدي قد تغيّر ، وتحول من رئيس الوزراء الذي رفض قرار المحكمة العليا ، بابطال حل الحزب الشيوعي السوداني ، واصرّ على طرد النواب الشيوعيين ، من الجمعية التأسيسية ، الى " نموذج ديمقراطي يستحق ان يحتذى " !!

ولكن الاستاذ كمال الجزولي لم يحدثنا بأن السيد الصادق قد تغيّر ، بل على العكس ، هو يريد لنا ان نقبل ان الحرص على الديمقراطية ، وممارستها ، والدفاع عنها ، وهو ديدن السيد الصادق المهدي أصلاً !! ولذلك فهو يقول " لا جدال في ان السيد الصادق ظل يبدي طال ما يربو على ربع القرن الماضي ثباتاً فكرياً محموداً في الدفاع عن الديمقراطية المعيارية والقيمية واجتهاداً فقهياً رفيعاً لتوطينها في قلب تربة الفكر السياسي الاسلامي" .

واتجاه الحزب الشيوعي السوداني ، للاشادة بالسيد الصادق المهدي ، على غرابته ، ليس جديداً .. ولعل هذا الاتجاه الذي يفتقر للسند الايدولوجي ، ينطلق ايضاً من عقدة حل الحزب الشيوعي ، ودور السيد الصادق الاساسي فيها ، فقد كانت محاولة الشيوعيين تهدف الى ابعاد الصادق عن جماعة الاتجاه الاسلامي ، واغراؤه بالتقدمية والحداثة ، وذلك بالثناء عليه ، والاعلاء من الشعارات الزائفة ، التي يطلقها من حين الى آخر .. وكذلك جاءت اشادة الاستاذ محمد ابراهيم نقد بالسيد الصادق عقب الانتفاضة .

غير ان السيد الصادق خزل الشيوعيين أكثر من مرة ، وتحالف بعد الانتفاضة مع الجبهة القومية الاسلامية !! وشرع بايعاز منها في اعداد قوانين اسلامية بديلة ، ورفض اتفاقية السلام ارضاء لها ، ثم عجز عن الحفاظ على السلطة وسلمها لها في يسر مريب !! ثم أدعى المعارضة للنظام ، وخرج من البلاد والتحق بالتجمع ، ثم خرج على التجمع ، ورجع مرة أخرى ، وهو يثني على نظام الجبهة الذي كان يعارضه ، ومن ذلك قوله " هذه أول مرة يقبل فيها نظام شمولي الآخر ويقبل الحوار الجاد والتعددية السياسية ويقبل ان المصير السوداني ليس حكراً على حزب السلطة وانما للسودانيين كلهم ..." !! حدث كل ذلك في النصف الأخير ، من الحقبة التي قال الاستاذ كمال الجزولي ، ان السيد الصادق قد ظل فيها ثابتاً على مبدأ الديمقراطية !!

ومع ان استراتيجية الشيوعيين ، لاستقطاب السيد الصادق ، أو تحييده على أسوأ الفروض ، قد فشلت مراراً ، الا انها كانت تنطلق من تصور سياسي عام ، وموازنات ، ربما أدى اليها الحراك السياسي المضطرب ، والتخبط الذي كثيراً ما صاحب حركة الشيوعيين ومواقفهم .. ومع ذلك لم يقل الحزب الشيوعي ، ما قاله الاستاذ كمال الجزولي عن السيد الصادق ، مثل "وقد كان للرجل في ذلك دائماً من قوة السند وبهاء الحجة ما بوأه مكانة عليّة بين أبرز مفكري العقلانية الاسلامية في المنطقة "

وليس السيد الصادق المهدي في نظر الاستاذ كمال الجزولي ، ديمقراطي عريق ، ومفكر اسلامي مجتهد فحسب ، بل هو ما نحتاجه نحن المسلمين ، ليفتح أبصارنا وبصائرنا ، ويصلح ديننا ودنيانا !! فان لم تصدق هذا فأقرأ قول الاستاذ كمال الجزولي " وبخاصة تجاه فقيه ومفكر في قامة السيد الصادق تراكم بسبب ادائه العملي حزبياً وحكومياً ضباب متكاثف من السياسة السياسوية كما في المصطلح الفرنسي بين كثير من الناس وبين كثير من اجتهاداته في مجال الفكر السياسي الاسلامي والتي نعدها من أحوج ما تحتاجه الجماعة المستعربة المسلمة في بلادنا لتفتح بها وبأمثالها ما كان يستغلق نهائياً أمام أبصارها وبصائرها من مسالك تفضي لاصلاح دينها ودنياها " !!

لقد سمع السيد الصادق المهدي ، الكثير من مثل هذا الثناء من أتباعه ومريديه ، وطلاب التقرب والتزلف له ، حتى أوهم في نفسه ، وظن انه هو المخلص "المنتظر" ألم يكتب في كتابه " يسألونك عن المهدية" ان حركة المهدية كانت حركة "قيادة ملهمة" واننا نحتاج الى مثل هذه القيادة من اجل الصحوة الاسلامية ؟! بل ان الاستاذ كمال الجزولي نفسه يحدثنا عن هذا الاتجاه لدى اتباع السيد الصادق فيقول في مقال آخر " ويرى الكاتب حسن اسماعيل رمزية خاصة في التطابق من زاوية نظره ليس فقط في السلوكيات والأخلاق والمثل على حد تعبيره بين امام الحركة المهدوية الحديثة السيد الصادق المهدي وبين نبي الله عيسى عليه السلام ، بل حتى في تاريخ ميلادهما في 25 ديسمبر! وهو الأمر الذي يبدي الشيخ عبد المحمود أبو امام مسجد الانصار حرصاً خاصاً على التذكير به كلما صعد المنبر ليهنئ الناس بهذه المناسبة " !!
وبمثل هذا الثناء على زعمائها ، دعمت الطائفية سلطانها ، واستغلت اتباعها البسطاء من العمال والمزارعين ، وكافة الطبقات الكادحة ، التي لا شك ان ثناء شيوعي قديم ، مثل الاستاذ كمال الجزولي، على طائفي عريق ، مثل السيد الصادق المهدي ، سيصيبها بخيبة أمل ، ويحط من آمالها وأحلامها ..

ان أهمية حديث الاستاذ كمال الجزولي ، تنبع من انه ليس من حزب الأمة ، مما يوهم بعض القراء ، بانه شخصية محايدة ، وان حديثه هذا ربما كان صواباً ، وهنا تكمن خطورة الحديث ، ومبلغ أثره في تضليل الرأي العام .. ومهما تكن دوافع الاستاذ كمال الجزولي الشخصية ، من اشادته بالسيد الصادق ، فان ما يعنيني هنا هو انها لم تقم على مجرد الاعجاب الذاتي ، وانما تبنى الكاتب بسببها ، الاطروحات الخاطئة التي يصرح بها السيد الصادق ، حول مفاهيم مهمة مثل الاجتهاد و الشورى والديمقراطية في الاسلام ..

ان غاية هذا المقال المطول ، هي ابراز الاجتهاد الحقيقي ، الوحيد ، القادر على بعث الاسلام في المستوى الذي يمكن ان تقام به الحكومة الديمقراطية ، وهو ليصل الى هذه الغاية لا بد ان يوضح النقيض ، وهو هنا فهم السيد الصادق للديمقراطية وممارسته لها.. ولئن نقد المقال الاستاذ كمال الجزولي ، وغيره من الذين امتدحوا السيد الصادق ، فانه لا يفعل ذلك بغرض النيل منهم ، وانما لان تأييد السيد الصادق ، واعانته على الوصول للسلطة مرة، أخرى ، بعد كل الفشل الذي لازمه ، وكل تحالفاته مع الجبهة الاسلامية ، عمل فيه تضليل للشعب ، وخيانة لامانة الثقافة ، ومسئولية القلم ..

الصادق والأجتهاد

لقد اجمع الفقهاء الاوائل ، وتبعهم سائر المحدثين ، على انه لا أجتهاد مع وجود النص ، وحيث اراد بعضهم التوسيع في هذه القاعدة ، المتوارثة المحكمة ، عيّنوا النص المقصود بان يكون قطعي الورود والدلالة .. ولهذا استقر أمرهم ، على انه لا يجوز الاجتهاد ، في حكم جاء في القرآن ، في آية صريحة القصد ، وواضحة المعنى .. كما لا يجوز الاجتهاد ، في حكم جاء به حديث نبوي ، ثابت الورود باسانيدهم المعهودة .. فأغلقوا بذلك باب الاجتهاد فيما ورد فيه نص ، وفتحوه فيما لم يرد فيه نص ..

والسيد الصادق المهدي ، لم يخرج على هذا الفهم ، في كل ما كتب .. فقد جاء في حديث الاستاذ كمال الجزولي " ويبدي الرجل كذلك قدراً كبيراً من الاستنارة باستناده الى رأي الأمام الفخر الرازي في انعقاد العصمة لجملة الأمة ، لكي يعقد السيادة للشعب ، ويحعل المرجعية لهيئاته المنتخبة انتخاباً حراً في تقرير كل شئ بما في ذلك فهم (النصوص) غير القطعية وتحديد رأي الدين في المستجدات". ولقد كرر السيد الصادق هذا الرأي عدة مرات ، ومن ذلك قوله " ان الدين جزء لا يتجزأ من الحياة ولا يمكن ان يطرد من الحياة وهو في كل جوانب الحياة ولكن مع الالتزام بالقطعيات أي قطعيات الوحي التي هي محددة للغاية أما بقية المبادئ والاسس والتشريعات الاسلامية الى آخره فهي مفتوحة للاجتهاد بحيث تقبل الصياغة الاجتهادية لتلائم ظروف الزمان والمكان وهذا ما نسميه اتجاه الصحوة الاسلامية ".

فالصادق المهدي ، اذاً ، يدعو للاجتهاد في كل شئ ، ما عدا "النصوص القطعية" ، وهو يدعو الى الالتزام ب "قطعيات الوحي" والاجتهاد فيما عداها .. هذا هو رأي السيد الصادق ، وهو به لا يمكن ان يوصف بالاستنارة ، لأن النصوص القطعية ، التي لا يريد الاجتهاد فيها ، ويدعو للالتزام بها ، انما تقوم عليها جملة أحكام الشريعة ، التي تجاوزها العصر ، والتي تواجه علماء المسلمين اليوم ، بالتحدي لانها تقف عقبة أمام عودة الاسلام ، ليواكب حياة الناس ..

فمن النصوص القطعية قتال المشركين ، لقوله تعالى " فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ان الله غفور رحيم " .. جاء في تفسير هذه الآية " فاقتلوا المشركبن حيث وجدتموهم ، اي من الأرض ، وهذا عام والمشهور تخصيصه بتحريم القتال في الحرم ... قوله وخذوهم أي آسروهم ان شئتم قتلاً وان شئتم أسراً ، قوله واقعدوا لهم كل مرصد أي لا تكتفوا بمجرد وجدانكم لهم ، بل أقصدوهم بالحصار في معاقلهم ، وحصونهم والرصد في طرقهم ومساكنهم حتى تضيقوا عليهم الواسع وتضطروهم الى القتل أو الاسلام. ولهذا قال فان تابوا واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة ، فخلوا سبيلهم ان الله غفور رحيم .. ولهذا أعتمد الصديق رضي الله عنه في قتال ما نعي الزكاة على هذه الآية الكريمة وأمثالها، حيث حرمت قتالهم بشرط هذه الافعال وهي الدخول في الاسلام والقيام باداء واجباته .. وقد جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال : امرت ان اقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة ... قال سفيان ابن عيينة قال علىبن ابي طالب رضي الله عنه بعث النبي صلى الله عليه وسلم بـأربعة أسياف : سيف في المشركين من العرب ، قال تعالى " فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" وأظن السيف الثاني هو قتال أهل الكتاب لقوله تعالى " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ماحرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب" والسيف الثالث في المنافقين في قوله " ياايها النبي جاهد الكفار والمنافقين " والرابع في قتال الباغين في قوله " وان طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ الى أمر الله "

ومن النصوص القطعية الأمر بقتال أهل الكتاب لقوله تعالى " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرموت ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" جاء في تفسير هذه الآية " هذه الآية الكريمة أول الامر بقتال أهل الكتاب بعدما تمهدت أمور المشركين ودخل الناس في دين الله أفواجاً واستقامت جزيرة العرب. أمر الله رسوله بقتال أهل الكتابين اليهود والنصارى وكان ذلك سنة تسع ولهذا تجهز رسول الله صلى الله عليه وسلم لقتال الروم ودعا الناس الى ذلك واظهره لهم ... قوله : حتى يعطوا الجزية أي ان لم يسلموا ، عن يد أي عن قهر وغلبة ، وهم صاغرون أي ذليلون حقيرون مهانون فلهذا لا يجوز اعزاز أهل الذمة ولا رفعهم على المسلمين ، بل هم أذلاء صغرة أشقياء. كما جاء في صحيح مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام واذا لقيتم احدهم في طريق فاضطروهم الى أضيقه . ولهذا اشترط عليهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه تلك الشروط المعروفة في اذلالهم وتصغيرهم وتحقيرهم".

وينتج عن الجهاد ، سواء ان كان قتالاً للمشركين ، أو لأهل الكتاب ان يصبح الاسرى رقيقاً ، والرق ايضاً قد ورد بنصوص قطعية منها قوله تعالى " يا ايها الذين آمنوا اذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى اذا اثخنتموهم فشدوا الوثاق فاما من بعد واما فداء حتى تضع الحرب اوزارها" .. جاء في تفسير الآية " اذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ، أي اذا واجهتموهم فاحصدوهم حصداً بالسيوف ، حتى اذا اثخنتموهم ، أي اهلكتموهم قتلاً ، فشدوا الوثاق الاسارى الذين تأسرونهم ، ثم انتم بعد انقضاء الحرب وانفصال المعركة مخيرون في أمرهم ، ان شئتم مننتم عليهم فاطلقتم اسارهم مجاناً ، وان شئتم فاديتموهم بمال تأخذونه منهم " .. فاذا لم يستطع الاسير جمع المال الذي يفدي به نفسه ، ولم يشأ صاحبه ان يطلقه لوجه الله ، بقى رقيقاً !!

كل هذه الأحكام ، وما يترتب عليها ، من معاملات جاءت بنصوص قطعية ، فما سيفعل السيد الصادق بها؟ فان ابقاها والتزم بها، فان هذا يعني قتال الوثنين ، والمسيحيين ، من المواطنين السودانيين واسترقاقهم ، مما يهزم كافة دعاوى الديمقراطية ، وحقوق المواطنة التي يتحدث السيد الصادق عنها كثيراً !! أما اذا كان السيد الصادق المهدي يرى ان هذه الأحكام لا تتفق مع حقوق الانسان ، ولا حقوق المواطنة ، ويجب الاجتهاد فيها لتغييرها ، فقد دعا من حيث لا يريد الى الاجتهاد في نصوص قطعية ، وهو ما ظل يرفضه في كافة احاديثه !!

ان رأي الفقهاء ، القائل بان لا أجتهاد مع النص ، رأي خاطئ .. وخطأه انما يجئ من ان الأمور التي لم يرد فيها نص ، لا أهمية لها عند الله ، فلو كانت مهمة ، لانزل فيها نصاً صريحاً .. فلا يصح عقلاً ،ان نجتهد في أمور لا أهمية لها ، ونترك الامور المهمة ، التي وردت فيها النصوص بلا اجتهاد !! هذا الخطأ المتوارث ، الذي تناقله الفقهاء عبر العصور ، هو ما جعل المسلمين ، يكتبون الاف المصنفات ، من الحواشي والمتون ، في امور هامشية ، لا قيمة لها ، ويعجزون عن مواجهة النصوص القطعية ، بالاجتهاد المناسب ، الذي يتجاوزأحكامها الى أحكام غيرها ، ادخل في عمق الدين ، وأقدر على مواكبة العصر، وانفع لحياة الناس ..

وانما يتم الاجتهاد المواجه للنصوص ، بمعرفة الحكمة وراء النص ، وتجاوز النص الفرعي ، الذي خدم غرضه حتى استنفده ، الى النص الاصلي ، الذي كان في الماضي منسوخاً ، لقصور طاقة وحاجة المجتمع يومذاك عن شأوه ، وادخاره بهذا النسخ ، حتى يحين حينه ، ويجئ مجتمعه .. والأنتقال من آيات الفروع ، الى آيات الاصول ، هو ما أسماه الاستاذ محمود محمد طه ، تطوير التشريع الاسلامي ، ورهن به عودة الاسلام ، في حياة الناس ، من جديد .. فاحكام الشريعة الاسلامية ، التي قامت على فروع القرآن ، والتي يدعو لها الدعاة الاسلاميون اليوم ، قد كانت مناسبة ، تماماً ، لحل مشاكل مجتمع القرن السابع الميلادي ، والمجتمعات التي تلته ، مما هي مثله .. ولكنها غير قادرة ، على حل مشاكل هذا القرن ، والقرون اللاحقة ، للاختلاف الشاسع في مستوى تطور المجتمعات ، وكبر طاقات المجتمع ، المعاصر ، الفردية والجماعية ، اذا ما قورن بالمجتمع الماضي ..
وحتى تتضح هذه المسألة ، يسوق الاستاذ محمود ، مثلاً لاختلاف الشرائع بسبب اختلاف مستويات الامم ، بان تزويج الأخ من أخته ، قد كان شريعة اسلامية ، على عهد آدم عليه السلام .. ولكنه عندما جاء محمد صلى الله عليه وسلم ، أصبح الحلال في تلك الشريعة ، حراماً في هذه ، بل شمل التحريم ما هو ابعد من الاخت ، كالخالة والعمة وغيرها .. يقول الاستاذ محمود " فاذا كان هذا الأختلاف الشاسع بين الشريعتين ، سببه أختلاف مستويات الأمم ، وهو من غير أدنى ريب كذلك ، فان من الخطأ الشنيع ان يظن انسان ، ان الشريعة الأسلامية في القرن السابع، تصلح بكل تفاصيلها في القرن العشرين ، ذلك بان أختلاف مستوى مجتمع القرن السابع ، عن مستوى القرن القرن العشرين ، أمر لا يقبل المقارنه ، ولا يحتاج العارف ليفصل فيه تفصيلاً ، وانما هو يتحدث عن نفسه ، فيصبح الامر عندنا امام احدى خصلتين: أما ان يكون الاسلام ، كما جاء به المعصوم ، بين دفتي المصحف ، قادراً على استيعاب طاقات مجتمع القرن العشرين ، فيتولى توجيهه في مضمار التشريع ، وفي مضمار الأخلاق ، واما ان تكون قدرته قد نفدت ، وتوقفت عند حد تنظيم مجتمع القرن السابع ، والمجتمعات التي تلته مما هي مثله ، فيكون على بشرية القرن العشرين ، ان تخرج عنه ، وتلتمس حل مشاكلها في فاسفات أخريات ، وهذا ما لا يقول به مسلم .. ومع ذلك فان المسلمين غير واعين ، بضرورة تطوير الشريعة .. هم يظنون ان مشاكل القرن العشرين ، يمكن ان يستوعبها ، وينهض بحلها ، نفس التشريع الذي استوعب ، ونهض بحل مشاكل القرن السابع ، وذلك جهل مفضوح".





الصادق ومفهوم الديمقراطية

يقول الاستاذ كمال الجزولي " غير ان السيد الصادق بدأ ينتقل فيما يلاحظ منذ حين من مجرد الاقتصار على المعالجة النظرية لقضية الديمقراطية في حدودها المعيارية والقيمية على خلفية المبادئ والمثل السياسية والاخلاقية العامة التي جاء بها الاسلام ليتناولها بتركيز وكثافة أكثر، في اشكالها التطبيقية الملموسة وليعالج مسالة قدرتها على البقاء في وجه مهدداتها " !!

أما انا ، فأرى ان السيد الصادق المهدي ، لم يستوعب مفهوم الديمقراطية ، وهذا هو السبب الاساسي في عجزه المتصل عن ممارستها ، ومن ثم الفشل الذي صاحب الحكومات التي كان على رأسها ، ثم التسلط على اعضاء حزبه مما سنناقشه لا حقاً .. وآية عدم فهمه للديمقراطية ، تتجلى في خلطه الموبق بين الديمقراطية والشورى، ووصفه لمنهجه ب "الصحويين الذين صالحوا الشورى والديمقراطية، على حد تعبير الورقة " ..

فالشورى ليست نظام حكم ، وانما هي ميكانيكية مساعدة لنظام الخلافة ، تلطفه ، وتهذبه ، حتى لا يصبح دكتاتورية سافرة ، بل يكون نظام وصاية الفرد الرشيد على القصر .. فالخليفة الحاكم يختار مجموعة ممن حوله سماها الفقهاء مؤخراً (أهل الحل والعقد) يشاورهم في أمور الدولة ، فيستانس برأيهم ، ولكنه يملك ان يخالفهم ، فليست المشاورة بملزمة .. فبالرغم من الشورى ، يظل نظام الخلافة حكم فرد ، وهو لهذا يتناقض تماماً مع الديمقراطية . . وآية الشورى من الكتاب قوله تعالى " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين " جاء في تفسير هذه الآية "يعني فتجاوز يا محمد عن اتباعك واصحابك من المؤمنين بك وبما جئت به من عندي ما نالك من اذاهم ومكروه في نفسك واستغفر لهم وادع ربك لهم بالمغفرة ...وقوله وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله ، امر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم ان يشاور اصحابه في الامور وهو ياتيه الوحي من السماء لأنه اطيب لأنفس القوم ... حدثنا ابن حميد قال ثنا سلمة عن ابن اسحق وشاورهم في الامر اي لتريهم انك تسمع منهم وتستعين بهم وان كنت عنهم غنياً تؤلفهم بذلك على دينهم .. واما قوله فاذا عزمت فتوكل على الله فانه يعني اذا صح عزمك تثبيتنا اياك وتسديدنا لك فيما نابك وحزبك من امر دينك ودنياك فأمض لما امرناك به على ما أمرناك به وافق ذلك آراء أصحابك وما أشاروا به عليك أو خالفها وتوكل فيما تأتي من أمورك وتدع وتحاور أو تزاول عل ربك فثق به في كل ذلك وارضى بقضائه في جميعه دون آراء سائر خلقه ومعونتهم ..."

ولقد كان النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، يشاور اصحابه ، ثم يوافقهم كثيراً ، ويخالفهم أحياناً .. فقد نزل عند رأيهم في غزوة أحد ، وخالفهم حين قبل شروط صلح الحديبية ، وكان في كل ذلك ، يربيهم تربية الأحرار ، يشعرهم بقيمتهم ، وكرامتهم ، ويؤهلهم بقاعدة التربية الفردية ، للديمقراطية ، التي لم يحن حينها في ذلك الوقت .. ولقد حاول الأصحاب ، ما وسعهم الوسع ، ان يسيروا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقامت الخلافة الراشدة ، كحكم فرد ، تدعمه سلطة دينية ، وهو ما يعرف الآن بالنظام الثيوقراطي .. فلم يحدث ان تم لخليفة انتخاب .. فأبوبكر الصدّيق رضي الله عنه ، اختاروه يوم السقيفة ،على خلاف بين المهاجرين والانصار ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان قد قدمه حين كان مريضاُ ، فصلى بالناس فقال بعضهم " رضيه رسول الله لديننا أفلا نرضاه نحن لدنيانا ؟! " .. ولم يشارك كل أهل المدينة في أختيار أبي بكر ، ولم تشارك فيه الامصار ، ومع ذلك بايع كثير من الناس أبابكر ، بعد ان أصبح خليفة .. ولقد مارس ابوبكر الشورى ، تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فشاور أصحابه في قتال مانعي الزكاة، فأشاروا عليه بعدم القتال ، فخالفهم وقال " والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه"!! ولو كان حاكم المسلمين ، ملزم برأي الأغلبية ، لما قامت حروب الردّة .. ولم يعط ابوبكر الناس الفرصة التي أعطاهم لها النبي صلى الله عليه وسلم ، بل جعل عليهم عمر بن الخطاب وامرهم ان يسمعوا له ويطيعوا ..

ولقد كانت الوصاية في عهد عمر أظهر منها في عهد ابي بكر ، فقد كان يشاور كثيراً،ً ويخالف كثيراً .. وحين طعن أوصى ان يختار الناس بين ستة هم علي بن أبي طالب ، وعثمان بن عفان ، والزبير بن العوام ، وعبدالرحمن بن عوف، وطلحة بن عبيد الله وسعد بن ابي وقاص ، وقال لوكان ابو عبيدة بن الجراح موجوداً لوليته ، ولو كان سالم مولى حذيفة موجوداً لوليته !! وهكذا بقرار من الحاكم ، حرمت الرعية كلها ، ما عدا ستة اشخاص ، من مجرد الترشيح للرئاسة !! ولم يطعن أحد في خلافة عمر أو وصيته ، لانها كانت متسقة تماماً ، مع النظام الأسلامي الذي يقوم على وصاية الفرد الرشيد ، ولكنها بطبيعة الحال لا تتفق مع الديمقراطية .. " وما من شك في ان النظام الذي وضعه للشورى قد كان نظاماً لا يخلو من نقص ، ولعله لا يخلو من نقص شديد ، وأول ما نلا حظه على هذا النظام ضيق مجلس الشورى ... ولم يكد المشيرون يجتمعون حتى تبينوا الآفة الخطيرة التي كانت توشك ان تذهب بمجلسهم غير مذهب ، وهي ان ستة منهم كانوا مشيرين ، وكانوا جميعاً مرشحين للخلافة ، فلم يكن لهم بد من أن يحملوا أنفسهم على ما لم تتعود النفوس ان تحمل عليه ، لا لانهم كانوا يؤثرون انفسهم بالسلطان حباً للسلطان وحده ، بل لانهم كانوا يؤثرون انفسهم بالسلطان نصحاً للاسلام والمسلمين ... ولو قد وسع عمر مجلس الشورى وأكثر فيه من أمثال عبد الله بن عمر من اولئك الذين يحضرون الشورى ولا يشاركون فيها ولا يكون لهم من الأمر شئ لكان من الممكن الا يتعرض مجلس الشورى لما تعرض له من الشك والأختلاف ... ولم يخطر لعمر رحمه الله ولم يخطر للمسلمين من بعده ان الانصار كانوا خليقين ان يشهدوا الشورى ، وان يكون لهم ان يقولوا رأيهم ويشاركوا في الاختيار بين المرشحين ... وآفة اخرى نراها في تنظيم الشورى على هذا النحو ، وهي ان سلطان المشيرين كان سلطاناً موقوتاً حدد له عمر ثلاثة أيام وقبل المسلمون منه هذا التحديد ، وكان من الطبيعي ان يختاروا من بينهم رجلاً وان يستخلفوه ، وان يبايعه من حضر من المسلمين ، وان يكتب ببيعته الى الامصار ، أو بعبارة أدق ، ان يكتب هو ببيعته الى الامصار وينفذ فيها أمره ونهيه بحق الخلافة التي استمدها من هؤلاء الذين بايعوه.
ومعنى هذا كله ان أهل المدينة كانوا وحدهم بمقتضى هذا النظام هم الذين اذا بايعوا الزموا المسلمين في جميع أقطار الارض ، وعلة ذلك ان المدينة كانت مستقر أصحاب النبي من المهاجرين والانصار ومواطن أهل الحل والعقد ... ولو قد وسع مجلس الشورى أولاً وجعل نظاماً دائماً بعد ذلك ، بحيث يصبح مجلس مراقبة للامام في عمله من جهة ، ومجلس اختيار للائمة كلما احتاج المسلمون الى اختيار الامام من جهة أخرى ، لكان المسلمون قد سبقواالى النظام البرلماني ..." وحتى لو كان مجلس الشورى موسعاً ، كما أقترح د. طه حسين ، فانه لا يقرب من النظام البرلماني ، ما دام الخليفة نفسه ، لم ينتخب ، ومجلس الشورى لم ينتخب ، من كافة مواطني الدولة ، المؤهلين ، والراغبين في الاقتراع ..

ولقد أختار عبد الرحمن بن عوف ، عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وعقدت له البيعة من المسلمين الحاضرين في المدينة ، فأصبح خليفة المسلمين ، على جميع الأرض التي كانت تحت سلطانهم .. ولقد خالف كثير من الاصحاب والتابعين وعامة أهل المدينة عثماناً ، وخرجوا عليه يوما ، يطالبونه بالتنحي عن الحكم ، فرفض التنحي ، وقال " والله لا اخلع ثوباً البسنيه الله " !! فهو يعلم ان الجماهير لم تنتخبه ، فلا حق لها في مطالبته بالتنحي ، ولما اشتد السخط العام عليه ، اضطر معارضوه لقتله للخلاص منه ..

أما علي بن ابي طالب رضي الله عنه ، فقد بايعه أهل المدينة ، بعد مقتل عثمان ، وتذرع معاوية بدم عثمان ورفض بيعة علي ، فتجهز علي لمحاربته ، بغرض اجباره ومن معه على البيعة .. ووقعت الفتنة ، التي قتل فيها كثير من المسلمين ، وحين آل الأمر لمعاوية ، حول الخلافة الي ملك متوارث فخرج بها عن جادة الدين ..

ان نظام الحكم ، في الشريعة الاسلامية ، هو نظام الخلافة .. وهو نظام ثيوقراطي ، يستمد فيه الحاكم ، حق الولاء من سند ديني ، ويجمع فيه كل السلطات في يده ، وما الشورى الا احدى المؤسسات ، التي تدعم نظام الخلافة ، وتحول بينه وبين التسلط .. وغرض الشورى ، هو اشعار الناس بقيمتهم ، وتعليمهم بالمشاركة بالرأي .. ومجلس اهل الحل والعقد ، ليس سلطة تنفيذية موازية لسطة الخليفة .. اما في النظام الديمقراطي ، فالحاكم لا بد ان ينتخب ، ثم هو لا يستطيع مخالفة الاجهزة التي تقاسمه السلطة ، وهي مستقلة عنه ، كالمجلس التشريعي ، والهيئة القضائية، فان اختلف معها ، رجع الى الدستور ، الذي يخضع له الحاكم والمحكوم .. ولهذا يقسم الحاكم ، بعد انتخابه ، بالولاء للدستور .. ولما كان الدستور ، يمثل قيم الامة العليا ، فكأن الحاكم يتعهد بان ينفذ ، كل ما يحقق مصلحة الامة ، كما عبر عنها دستورها .. ولكن في نظام الخلافة ، تاتي البيعة ، بعد اختيار الحاكم ، وفي البيعة نجد الجماهير هي التي تتعهد بالولاء للحاكم ، او الزعيم ، فهو صاحب السلطة ، والجماهير صاحبة الولاء والطاعة ..

ولقد نقلت الصحف مؤخراً بيعة مؤتمر الانصار المنعقد في 19-21 ديسمبر الماضي للسيد الصادق المهدي ونصها : " بايعناك على بيعة الامام المؤسس الأول وخليفته وبيعة المؤسس الثاني وخليفته بايعناك على قطعيات الشريعة بايعناك على نهج الشورى وحقوق الانسان بايعناك على الطاعة المبصرة فيما يرضي الله ورسوله بايعناك على فلاح الدنيا وصلاح الآخرة نشهد الله على ذلك والله خير الشاهدين " !! فما ظن الاستاذ كمال الجزولي بهذه البيعة ؟! وما هو موقعها من الديمقراطية "المعيارية" و " التطبيقية" التي زعم ان السيد الصادق قد غرسها في تربة الفكر السياسي الاسلامي ؟!

ان قبول السيد الصادق ، للبيعة ، انما يدل على مبلغ مفارقته للديمقراطية .. اكثر من ذلك ، ان هذه البيعة قد تمت على بيعة الامام المهدي ، التي قامت على الجهاد ، فقبولها بهذه الصيغة ، يعني قبول الجهاد وتبعاته .. وكل ذلك يتناقض تناقضاً بيّناً مع حقوق الانسان ، التي نصت عليها هذه البيعة العجيبة !! ولئن جاز هذا الأمر ، على البسطاء من جموع الانصار ، وقبله السيد الصادق المهدي ، لطمعه المعهود في الامامة والزعامة ، فانه ما كان ينبغي ان يجوز على رجل قانوني ، مثل الاستاذ كمال الجزولي ، يعرف بداهة ان الاعلان العالمي لحقوق الانسان ، قد اعطى كل انسان حرية الاعتقاد ، وان حركات الجهاد سوى ان كانت المهدية أو غيرها ، قد صادرت هذا الحق بحد السيف !!

ومما لا يفهمه السيد الصادق ، من أمر الديمقراطية ، هو انها توجد في أصول القرآن ، وان لم توجد في فروعه .. فقوله تعالى " فذكر انما انت مذكر * لست عليهم بمسيطر" هو الذي يمكن ان يتم منه التشريع الديمقراطي .. ذلك ان الآية تنهى النبي الكريم ، على سماحة خلقه ، من السيطرة على الناس .. وهي بذلك ، تدعو لرفع سيطرة الفرد عن الجماعة ، وانت لا تستطيع ان ترفع السيطرة عن الجماعة ، الا اذا اشركت الجماعة في الحكم ، فحكمت نفسها بنفسها ، واصبحت هي صاحبة السيادة ، والسلطة في ادارة شئون نفسها ، وهذه هي الديمقراطية .. ومع ان هاتين الآيتين ، من الاصول ، الا انهما منسوختان بآيات الوصاية ، ومنها آية السيف في حق المشركين ، وآية الشورى في حق المؤمنين.. فآية السيف صادرت حق الحياة للكافر ، بسبب كفره ، وآية الشورى صادرت حق الامة ، في حكم نفسها ، وجعلت عليها صياً يشاورها ، ويملك ان يخالفها ، وهو خليفة المسلمين..

فاذا دعا السيد الصادق المهدي ، الى الديمقراطية ، فهو يدعو الى بعث القرآن المنسوخ ، وهذا ما تقوم عليه فكرة تطوير التشريع الاسلامي .. لقد قال السيد الصادق " علينا ان نقرأ القرآن بتدبر وان هناك اعتبار للآخر ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة " ولقد عقبت على ذلك ، في مقال سابق ، عن السيد الصادق بقولي : وهنا مربط الفرس ، ذلك ان هذه الآية ، ومثيلاتها مثل قوله تعالى " وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" قد نسخت بآية السيف ، كما ذكر سائر المفسرين ، وكما دل الواقع ، حيث انها لو كانت محكمة ، لما تمت أي ممارسة للجهاد .. فاذا دعا السيد الصادق المهدي ، الى بعث القرآن المنسوخ ، فقد وفق للحل الامثل ، وتبقى اشكالية بسيطة، ولكنها عظيمة ، لدى السيد الصادق ، وهي ان هذا الفهم ، قد طرحه الاستاذ محمود محمد طه قبل خمسين عاما ،ً فاذا وافق عليه السيد الصادق اليوم ، ثم اتقن فهمه ، فسيكون تلميذا وليس زعيماً !!

الصادق وممارسة الديمقراطية

اما من حيث الممارسة ، فقد كان السيد الصادق ، من ابعد الناس عن الديمقراطية .. فهو قد دخل الحياة السياسية بمفارقة للديمقراطية ، حيث تنازل له أحد اتباعه ، من الدائرة التي فاز فيها !! ثم عندما كان رئيساً للوزراء ، عام 1965 عدلت حكومته الدستور ، لتتمكن من حل الحزب الشيوعي السوداني ، وطرد نوابه المنتخبين ، وحين حكمت المحكمة العليا ، بعدم دستورية التعديل رفض رئيس الوزراء السيد الصادق المهدي قرار المحكمة العليا بقوله " ان الحكومة غير ملزمة بان تأخذ بالحكم القضائي الخاص بالقضية الدستورية " مما جعل السيد بابكر عوض الله رئيس القضاء يستقيل من منصبه وقد جاء في استقالته " انني لم اشهد في كل حياتي القضائية اتجاهاُ نحو التحقير من شأن القضاء والنيل من استقلاله كما ارى اليوم ... انني أعلم بكل اسف تلك الاتجاهات الخطيرةعند قادة الحكم اليوم ، لا للحد من سلطات القضاء في الدستور فحسب بل لوضعه تحن اشراف السلطة التنفيذية .."
وحين عارض السيد الصادق المهدي ، نظام مايو ، أدعّى انه يرفض مبدئياً نظام الحزب الواحد ، ويرفض النظم العسكرية لانها غير شرعية .. ولقد قاد حزبه ، الغزو من الخارج عام 1976 ، ولكنه صالح مايو عام 1977 وقبل ان تجف دماء اتباعه ، الذين قتلوا في الغزو الذي قام به ، ونسى ادعاؤه الحرص على التعددية الحزبية ، ودخل الاتحاد الاشتراكي ، وادى قسم الولاء لثورة مايو الظافرة !!

وبعد ان سقط نظام نميري ، صرح السيد الصادق ، بان قوانين سبتمبر ، لا تساوي المداد الذ ي كتبت به .. فظن الناس انه سوف يلغيها ، بمجرد وصوله للسلطة ، وحين وصل الى السلطة لم يلغها ، بل ائتلف مع الجبهة الاسلامية القومية ، التي كانت اكبر من دعم تلك القوانين ، واشاد بها ، واقام ماسماه حكومة الوفاق الوطني عام 1988 والتي عين الترابي وزيراً للعدل فيها.. ثم قام بتكوين لجنة ، لتأتي بقوانين اسلامية بديلة ، ولم يحفل باعتراض الجنوبين ، وانسحابهم من الجمعية التأسيسية ، بل رفض اتفاقية السلام ، التي تمت بين السيد محمد عثمان الميرغني ود. جون قرنق ، واستمر في تصعيد الحرب في الجنوب .. ولما قامت مجموعة من اساتذة جامعة الخرطوم ، بمقابلة وفد من حركة د. جون قرنق ، في أمبو باثيوبيا للحوار معه ، حول موضوع السلام ، قامت حكومة السيد الصادق باعتقالهم ، واتهمهم الناطق الرسمي باسم الحكومة ، آنذاك ، السيد مبارك الفاضل بالخيانة !!

ولقد قامت حكومة الصادق ، بتسليح قبائل الرزيقات ، لضمان الولاء لحزب الامة.. فاستقلت تلك القبائل ، هذا الوضع ، واغارت على القبائل الجنوبية ، فقتلت ، وشردت ، واسترقت .. وحين كتب الاستاذان د. عشاري و د. بلدو، عن هذه الماساة ، التي حدثت في نظام ديمقراطي كتابهما " مذبحة الضعين " ، اعتقلتهما حكومة السيد الصادق ، لتنفي هذه الحوادث المؤسفة ..

وحين حدث انقلاب الجبهة الاسلامية ، ادعى السيد الصادق انه مع المعارضة ، ثم لحق بعد فترة بالتجمع .. ولكنه ما لبث ان أختلف مع التجمع، واخذ يصرح باقوال يمهد بها للعودة للبلاد ، والتفاهم مع النظام .. ومن ذلك قوله " هذه أول مرة يقبل فيها نظام شمولي الآخر ويقبل الحوار الجاد والتعددية السياسية. " وكما خان السيد الصادق اتباعه الذين ماتوا في الغزو عام ،1976 بدخوله في النظام الذي ضحوا بارواحهم لازالته ، دون ان يغير ذلك النظام طبيعته ، خان الذين ضحوا بالتغرب في ارتيريا ، حين اشاد بالنظام الذي شردهم ، ثم لم يعط اسرهم شئ من مال الحزب ، مما جعلهم يعتدون بالضرب ، على د. عمر نور الدائم !!

وحين سئل عن خلافه مع السيد بكري عديل قال السيد الصادق " وقد رأت الهيئة ان بكري عديل تعدى الخطوط الحمراء لما صدر عنه من حديث عن مذكرات خاصة بالحزب وفي حالة لفت النظر وفي حالة التوبيخ هذه صلاحيات الهيئة وحدها وفي حالتي التجميد للعضوية أو الفصل اذا استأنف الطرف المعني لرئيس الحزب لرئيس الحزب الحق في تعديل الحكم ". ولم يحدثنا السيد الصادق لماذا توجد خطوط حمراء في حزب ديمقراطي ، ولماذا يقوم حزبه بتوبيخ اعضائه وكأنهم اطفال ؟! واذا رفع السيد بكري عديل استئنافه ، فما الضمان على ان ذلك ينجيه من المزيد من الأذلال ؟! فان اصحاب مذكرة الاربعين ، الذين طالبوا بالديمقراطية داخل الحزب ، لم يقبل السيد الصادق اعتذارهم ، حتى كتب كل واحد منهم ، توبة ، تسلمها السيد الصادق منهم جميعا ،ً امعاناً في اذلالهم وتحقيرهم !!

والسيد الصادق ، لا يعجز عن ممارسة الديمقراطية في الحكومة ، وفي الحزب فحسب ، بل يعجز عنها حتى كسلوك حضاري عام ، ذلك ان الديمقراطية ، تحتاج الى قدر من التربية ، والتواضع الفكري ، لا يتاتى مع الوضع الطائفي الذي نشأ عليه السيد الصادق المهدي .. فقد علق على الحوار الذي تم بينه وبين السيد مبارك الفاضل في برنامج بتلفزيون السودان السيد عبد اللطيف البوني بقوله " ولكنه للاسف ظهر يومها وفي ذلك البرنامج بمظهر القابل للاستفزاز والساعي للتصعيد فمبارك المهدي الذي ظهر معه في البرنامج رغم اختلافه الصادق الا انه كان منضبط اللسان وكان مكرماً للمشاهدين وكان يذكر الصادق بالاسم بعد ان يقدم عليه كلمة الأخ اما الصادق فلم يذكر مبارك بالاسم بل كان يشير اليه بعبارات مثل ( اخونا بتاع سوبا) بل واهدانا قصة عن مبارك تقول بانه في نزاع مع شقيقاته حول ارث منزل استمر لمدة 32 سنة... فمثل هذا التشنيع لا يقال على الهواء ولكل أهل السودان ثم ثانياً وخلال هذه الثلاثين سنة ومبارك يقف في المحكمة في مواجهة شقيقاته كان ذات المبارك الساعد الايمن للسيد الصادق وكان أقرب الناس اليه ، فلماذا لم ينهي الصادق ذلك النزاع أو يبعد مبارك عنه ، على اساس ان من لم يكرم شقيقاته لن يكرم الآخرين ". ان الاسئلة ، التي اثارها السيد البوني ، ليس لها الا اجابة واحدة ، هي ان السيد الصادق قبل السيد مبارك الفاضل ، بكل سوآته ، ومخازيه ، حين كان يؤيده ، وهو يريد الآن ، ان يفضحه ، ويشنع به ، في قضية اسرية حساسة ، لانه انشق عليه ، وخالفه .. وهذا هو الفجور في الخصومة ، وهو من صفات المنافق ، كما انه من ادلة العجز عن السلوك الديمقراطي ..

والسؤال الآن هو : هل يعلم الاستاذ كمال الجزولي ، بكل هذه الأحداث ، باعتباره سياسي مهتم ، ثم بعد ذلك ، يعتقد ان السيد الصادق المهدي ، فهم الديمقراطية نظرياً ، وظل ثابتاً على ممارستها ، طوال ربع القرن الماضي ؟!

ديمقراطية الاخوان المسلمين !!

والاستاذ كمال الجزولي ، يذكر آخرين ، ويورد من شذرات من اقوالهم ، كيف انهم ايضاً ، مجتهدين دعوا الى الديمقراطية .. مثل الشيخ محمد الغزالي ، ود. سليم العوا ، و د. فهمي هويدى ، و د. يوسف القرضاوي ، و د. عبد الوهاب الأفندي ، ود. عبد الله النعيم .. وكل هؤلاء الكتاب من الاخوان المسلمين ، ما عدا د. عبد الله النعيم !! ولئن تحدثوا عن الديمقراطية ، فانما هو مجرد حديث ، يشبه أحاديث الترابي .. وهم يظنون انه بمجرد تبني الحداثة ، يمكن ان يكسبوا الشباب ، دون التعرض لمواجه النصوص.. وهذا خداع ، يوجهه مطمع الاسلام السياسي ، في الوصول للسلطة .. والا لماذا لم نسمع من هؤلاء الكتاب الاسلاميين ، أي ادانة لاعمال الارهاب والتطرف ، التي جرت في مصر ، وفي الجزائر وفي غيرها ؟! بل ان هؤلاء الاسلاميين ، ابدوا اعجابهم بنظام الجبهة الاسلامية ، حين كان الترابي على قمته.. ولا عبرة بنقد د. عبد الوهاب الافندي للجبهة ، وهو ما زال يعتقد بان مشكلة السودان هي عدم تطبيق الشريعة الاسلامية الذي فشلت الجبهة فيه !!

أما بروفسير عبد الله النعيم ، فبالرغم من انه كاتب اكاديمي متميز ، وناشط عالمي في مجال حقوق الانسان ، وصاحب دراسات عديدة في المفهوم التقدمي للاسلام ، حتى ان كثيرين في الغرب لقبوة " مارتن لوثر الاسلام" ، الا انه ليس مجتهداً ، وانما هو في الفكر الاسلامي ، تلميذ من تلاميذ الاستاذ محمود محمد طه ، والاستاذ محمود هو المجتهد ، الذي كتب حوالي الاربعين كتاباً ، وكتب تلاميذه ، بتوجيهه ، ما يربو على المائة وستين كتاباً ، في امر الفكر الاسلامي ، بمفهومه الجديد ، ومع ذلك هو الذي ذكر الاستاذ كمال الجزولي ، كل هؤلاء وتجنب ان يشير اليه مجرد اشارة !!

ان أي متحدث عن الاسلام وقضايا العصر ، لا يستطيع ان يتجاوز الاشارة للاستاذ محمود محمد طه ، سواء خالفه او وافقه .. فان فعل ، فانما هو الغرض ، والتعامي عن الحقائق ، وقصور المنهج العلمي ، وضعف الحياد الفكري.. وكل ذلك يسوق الى هذه الزلة ، التي سقط فيها ، عدد من المثقفين السودانيين ، ومنهم للأسف الكاتب والشاعر الاستاذ كمال الجزولي المحامي !!


عمر القراي

Post: #96
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 01:52 AM
Parent: #95


جاء في العدد الأخير من جريدة الميدان الآتي:ـ


فى الذكرى الثامنة عشر لاستشهاد محمود محمد طه: ـ

سيظل شعب السودان يذكر اليوم الثامن عشر من يناير 1985م، حين علت ابتسامتك المضيئة حبال المشنقة، ودخلت قلوب كل الوطنيين، مفجرة غضبا ساطعا ظلت جذوته متقدة حتى الاطاحة بديكتاتورية حكم الفرد الفاسد. فالمجد والخلود لشهيد الرأى ولكل شهداء الديمقراطية وحرية الراى وشرف الكلمة. ـ

http://www.midan.net/nm/private/almidan/m1977/midan1977.htm

Post: #97
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 01:58 AM
Parent: #96


بسم الله الرحمن الرحيم
الانتهاكات الدينية والسيد وزير الخارجية
إلى حضرة الأستاذ الحاج وراق تحية واحتراما
جاء في صحيفتكم - صحيفتنا - الحرية ، وتعليقا على قرار أميركا بأدراج السودان ضمن قائمتها الخاصة ، بانتهاك الحريات الدينية ، قال السيد وزير الخارجية د. مصطفى عثمان أن هذا القرار ( قرار سياسي أخذ يتكرر حرفيا عاما بعد عام ، وهو بعيد كل البعد عن الواقع الموجود في السودان ... ويواصل السيد الوزير أن هناك جهود مبذولة ، من الوزارات المختصة لدحض هذه الادعاءات التي أصبحت لا تجد رواجا ألا في المجتمع الأميركي كما هو واضح مع أوروبا وغيرها مع الدول ) .. انتهى جريدة الحرية 11/3/2003 ـ

السيد وزير الخارجية : ـ
لقد أقمت معرضا عن الفكر الجمهوري بمنزلي بقرية ود البخيت شمال امدرمان .. افتتحته لمواطني القرية في يوم الخميس 16/يناير/2003 وذلك بمناسبة الذكرى السنوية لاغتيال الأستاذ محمود محمد طه ..يحتوى المعرض على لوحات ، تحوى أفكار الأستاذ محمود ، ودعوته لتطوير التشريع الإسلامي في المجالات السياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، كبناء حتى للمجتمع .. كما يحتوى على المعرفة بطبيعة النفس البشرية ، وتهذيبها ، والتصالح معها ، من ثم ، وفق منهج السنة النبوة المطهرة ، وذلك ، لأن منهج السنة ، إنما هو منهج نفس اكتملت لها عناصر الصحة الداخلية ، واتسقت قواها الباطنية ، فسلمت من الخوف ، والقلق ، والاضطراب ، الذي استشرى في وقتنا الحاضر ، بصورة كان من نتائجها ، فساد حياة الرجال ، والنساء والشبان والشابات ، ولذا فقد رفع الفكر الجمهوري النموذج النبوي كمثال ، ليهذب أفراد المجتمع البشرى ، أنفسهم ، على نحو مما فعل النبي الكريم ، عليه أفضل الصلاة ، وأتم التسليم .. وقد وطن الجمهوريون ، أنفسهم ، على هذا النهج النبوي القويم ، فوضعوا أنفسهم ، بذلك ، في طريق تهذيب النفس ، فاشتهروا بالمسالمة ، والوداعة ، في معية الفطنة ، والكياسة ، والتعبير الصادق ، واحترام الرأي الآخر .. ـ
وأسسوا ، وفقا لذلك ، المنابر الحرة ، وأركان النقاش ، التي كانت تدار في الأماكن العامة ، والجامعات ، والمعاهد ، والمدارس ، وجميع ، مجامع الشعب .. ـ
هذه ، وتلك ، هما محتويات ، ما عرضته ، للمواطنين بمنزلي ، بضاحية امدرمان .. غير أن هذا المعرض صودر ، ومعه أكثر من ثلاثمائة كتاب ، وأربعة عشر شريط كسيت تحتوى على محاضرات للأستاذ محمود ، طبعت تلك ، وسجلت هذه ، منذ ستينات القرن المنصرم ، كما أعيد طبعها ، وتسجيلها ، في كل العهود ، ومنذ عهد الاستعمار .. تمت المصادرة في يوم الجمعة 17 / يناير / 2003 أي في اليوم الثاني لافتتاح المعرض ، لمواطني القرية ، وقبيل ، منتصف الليل بقليل .. كما تم اعتقالي ، في نفس الليلة ، وجرمي ، في ذلك ، عرضي لهذا المعرض ، فصودرت بذلك حريتي ، بل انتهكت ، داخل حرم ، وحرمة منزلي ، ولم يطلق سراحي إلا في 4 فبراير ، بعد مضى ثمانية عشر يوما .. ـ

السيد وزير الخارجية : ـ
عندي أن أفكار الأستاذ محمود محمد طه ، هي ، أفكار دينية ، بل ، هي ، الأفكار الدينية ، الوحيدة ، فيما أرى ، الناطقة ، عن معاني القرآن اليوم .. ولذا ، فهي تعبر عن وقتها ، ولكل شئ ، في الزمان وقته ، في معنى ما تعبر ، عن طاقة ، وحاجة إنسان اليوم ،حيث وجد هذا الإنسان ، وهى ، في ذلك دعوة إلي السلام ، ونبذ العنف ، والتطرف ، والهوس الديني .. وقد يرى فيها السيد الوزير ، وغيره ، من سائر الناس ، عكس ما أرى ، وليس هذا مجال تساؤلي ، ولا اعتراضي ، فالإتلاف حق مشروع : شرعه القرآن ، قبل أن تقننه حقوق الإنسان ، قال تعالى في ذلك : ( وأنا ، أو إياكم ، لعلى هدى ، أو في ضلال مبين ) كما قال تعالى : ( وقل الحق من ربكم ، فمن شاء فليؤمن ، ومن شاء فليكفر ..) .. ـ
إذن ليس هذا ، وذاك مجال تساؤلي !! غير أنى أتساءل : ألا يشكل مصادرة المعرض بهذه الطريقة ، واعتقال صاحبه ، انتهاكا للحريات الدينية ؟؟ ومصادرة معرض للأفكار ، من داخل المنزل ، لا لشيء جناه سوى ، عرضه المسالم ، لفكر سلمى ، يدعو فيه لأن يحقق كل فرد من أفراد المجتمع البشرى السلام بداخله يدعو غيره إليه .. إلا يشكل مثل هذا الاعتقال ، وتلك المصادرة ، أشد ، وأشنع صور الانتهاك للحريات الدينية ؟؟!! فكيف ، ومتى يكون الانتهاك ؟؟
ثم ، إنكم يا سعادة الوزير قد تحدثتم عن جهود مبذولة من الوزارات المختصة ، لدحض ما وصفتموه ( بالادعاءات ) !! أما كان أولى بهذه الوزارات المختصة ، أن تبذل جهدها ، في مراجعة القوانين المنتهكة للحريات الدينية ، كالقانون الجنائي ، في مادته (( 126 )) مادة الردة .. ـ
وهى مادة قصد بها إرهاب الخصوم الفكريين ، والسياسيين ، وإذلالهم !! غير أنها لا تمثل انتهاكا لحريات المعارضين الدينية ، فحسب ، بل تمثل ، انتهاكا ، حتى لحريات حكام الإنقاذ ، ما داموا يعملون وفقا لدستور الإنقاذ لسنة 1998 .. فدستور الإنقاذ يتحدث عن المواطنة .. والمواطنة ، تعنى أن لغير المسلم ، بل لغير المسلمة الحق ، في رئاسة الدولة الإسلامية .. ومعلوم بالضرورة ، أن الإسلام ، في شريعته غير المطورة ، لا يولى المرأة القضاء ، دع عنك أن يوليها رئاسة الدولة الإسلامية .. ـ
بناء على ما تقدم ، ألا ترى يا سيادة وزير الخارجية ، أن جهد الوزارات المختصة ، أولى أن يبذل ، في جعل قوانين الإنقاذ وموادها ، قوانينا ، وموادا ، دستورية ، لا تتناقض مع دستورها الذي دونته بيدها ؟؟ كهذا التناقض الذي أشرنا إليه أعلاه بين الدستور ، ومادة الردة بالقانون الجنائي ؟؟ حيث تصادر الردة الحريات الدينية ، وغير الدينية التي كفلها الدستور !! بل هي لا تصادر الحريات الدينية ، فحسب ، بل تصادر الحياة برمتها ، لمجرد الخلاف في فهم النصوص الدينية ،
وكيفية انطباقها على الحياة المعاصرة .. ومعلوم بداهة أن النصوص ، ليست غاية في ذاتها ، وأنما هي ، وسيلة لإخصاب الحياة ، وتنميتها ، في مراقي الكمالات الإنسانية ، المدخرة ، من قبل الله للبشرية الحاضرة . ـ
ومهما يكن من أمر ، فهذا ، هو ، واقع الحال الذي حدثتنا عنه سيادة الوزير ، وأنت تعلق على بعد القرار الأميركي (كل البعد ، عن واقع الوجود في السودان ) !! فأيهما البعيد ( كل البعد عن واقع الوجود في السودان ) عزيزي القارئ ؟؟ ما صورناه بعد معايشة ، أم الذي تصوره الوزير ؟؟

عبد الله فضل الله عبد الله

Post: #99
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 02:03 AM
Parent: #97


مسؤولية النقـد بين (الجـبهة) وخصـومها
مزيد من الهوامش على طرح د. عبد الله علي إبراهـيم

د. النور حمد
E-mail: [email protected]
[/align:9a7787015f]

القضاة الشرعيون والتسييس الديني:

نشرت قبل أسابيع، مقالا، نقديا لطرح الدكتور، الفاضل، عبد الله على إبراهيم، حول ما أسماه التقليد الشرعي، والحداثة. وقد ركزت في ذلك المقال على إنحاء الدكتور الفاضل، باللائمة على الجمهوريين في تغليظ القول، على القضاة الشرعيين، في حقبتي الستينات، والسبعينات، من القرن الماضي. وقد أوضحت، في مقالي السابق، أن العراك مع القضاة الشرعيين ليس مما كان ممكنا تجنبه، أصلا. فالقضاة الشرعيون لم يتجهوا إلى الحوار، بداية، وإنما جنحوا منذ الوهلة الأولى، إلى إستخدام سيف القانون، لإسكات صوت الإجتهاد الإسلامي، الذي رأوا مغايرا، لما درسوه في مؤسسات التعليم الديني التقليدية، كالأزهر والمعهد العلمي بأم درمان، الذي أصبح فيما بعد جامعة أمدرمان الإسلامية، وكلية الشريعة بجامعة الخرطوم. كان القضاة الشرعيون، هم البادئين بالحرب، وبالتجني على الأستاذ محمود محمد طه، والإخوان الجمهوريين. ولقد قادتهم خصومتهم، المبيتة، لفكر الأستاذ محمود محمد طه، إلى درجة خرجوا فيها بالمحكمة الشرعية العليا بالخرطوم، جملة واحدة، عن قانون تأسيسها، الذي أنشئت بموجبه، وأعطوها، فجأة، وبلا مقدمات، وبلا أي مسوغ قانوني، حق النظر في قضية ردة! ومما ورد ذكره أيضا، في المقال السابق، أن تلك القضية قد رفعت من جانب بعض المشائخ، وأن بعضهم محسوب على جماعة جبهة الميثاق الإسلامي، كالشيخين، على طالب الله، وعطية محمد سعيد.

وفي تحريات الجمهوريين اللاحقة، اتضح أن الذين تقدموا بتلك الدعوى، لم يروا بأسا في أن يزوروا القاضي، الذي تخيروه لنظر الدعوى! نعم! ذهبوا إلى القاضي، توفيق أحمد الصديق، في عقر داره، وقبل التقدم بالدعوى، ليستشيروه في رفعها!! أكثر من ذلك!! فهم من فرط غفلتهم، عما ينبغي أن يكون عليه حال القاضي، من النزاهة، والحياد، لم يجدوا بأسا في إذاعة خبر ذلك اللقاء، الذي تم بينهم وبين القاضي، في بيته، على الملأ!! بل، وذهبوا ليشيدوا بذلك القاضي، قائلين إنهم حين تحدثوا إليه، بشأن نيتهم في رفع الدعوى، لمسوا فيه غيرة على الحق، واستعدادا لنصرته!

أردت إيراد ما تقدم، لأنني جد متعجب من إسباغ الدكتور، عبد الله علي إبراهيم، صفات حسن الذوق، وحسن التدريب، على القضاة الشرعيين، في سلسلة مقالاته الأخيرة. كما أنني متعجب أكثر، في تعويل الدكتور الفاضل، على هذا القبيل من (القانونيين) السودانيين، لكي يتولوا رسم مستقبل بلادنا القانوني، وما يتبع ذلك من مهام أخرى كثيرة، تتعلق بربطنا، بفضاءات التحديث، ومن منطلق فهم عصري للدين! ويقيني أنني لا أعمم تعميما غير منضبط هنا. فمن وصل منهم إلى درجة قاضي محكمة عليا، يمثل قطعا البقية منهم، خير تمثيل.

بعد أن أصدرت المحكمة الشرعية العليا، بالخرطوم، حكمها بالردة، ضد الأستاذ محمود محمد طه، في نوفمبر 1968، دعت أيضا، في تذييلها لحيثيات ذلك الحكم، إلى إغلاق دور الحزب الجمهوري، ووقف نشاطه، ومصادرة كتبه، ولم تنس أن تطلب المحكمة أيضا، تطليق زوجة الأستاذ محمود منه، على زعم أنه قد أصبح (كافرا). ويترتب على ذلك تلقائيا، حسب فهم هؤلاء القضاة، ألا تبقى زوجته، في عصمته، لأنه لا يجوز للمسلمة، وفقا للشريعة الإسلامية، أن تكون في عصمة (كافر)! كما نادت المحكمة أيضا، بـ (مؤآخذة) كل من يردد آراءه! الشاهد أن المحكمة الشرعية العليا، في الخرطوم، قد دللت عمليا على قصور القضاة الشرعيين عن فهم أبجديات قضايا العصر، وأبجديات ما تعنيه الدولة الحديثة، وما يعنيه أمر صيانة حقوق المواطنين الدستورية فيها. وكل هذه الأمور كافية جدا، لسلب القضاة الشرعيين أي مزية تتعلق بالتأهيل، لرسم صورة المستقبل في بلادنا، وأي بلد إسلامي آخر.


ثم قضية بورتسودان!

هذا ما كان من شأن القضاة الشرعيين، ومحكمة الردة التي أقاموها للأستاذ محمود محمد طه، في الستينات. أما في منتصف السبعينات، فقد أقام الإخوان الجمهوريون معرضا لفكرتهم في مدينة بورتسودان. وكان ضمن المعروضات لوحة تتحدث عن ماضي القضاء الشرعيين، في ممالأة المستعمر، وتسلم ما سمي (كساوي الشرف) من قبل السلطات البريطانية. فأوعز كبار القضاة الشرعيين، بالخرطوم، للقاضي إبراهيم جاد الله، الذي كان، حينها، يعمل بمدينة بورتسودان، بأن يرفع دعوى قذف، ضد الأستاذ محمود محمد طه، وعددا من الإخوان الجمهوريين. أذكر منهم، المرحوم، بكري الحاج عبد الله، وبدر الدين يوسف السيمت، وأحمد المصطفى دالي. وذلك بحكم كونهم القائمين الفعليين، على أمر ذلك المعرض. فبعد أن فشلت مهزلة محكمة الردة، عام 1968، حاول القضاة الشرعيون أن ينالوا من الأستاذ محمود، بطريق آخر، وذلك بإدانته قضائيا، بتهمة القذف. وليتصور معي القارئ الكريم فداحة، أن يدان شخص، في قامة الأستاذ محمود محمد طه، الفكرية، والخلقية، في جريمة قذف. والقذف، كما هو معروف، جرم متعلق برمي الغير بتهمة باطلة. وليس للمتهم في تهمة القذف، سوى خيارين فيما يتعلق بخط الدفاع، وهما: إما أن ينكر كليا، ما صدر منه، قولا، أو كتابة، أو أن يتقدم إلى إثبات ما قاله، أو ما كتبه، بالدليل الذي لا يقبل الشك. وقد كان خط الجمهوريين الدفاعي، بطبيعة الحال، هو أن يثبتوا صحة ما قالوه في القضاة الشرعيين. وقد استمرت المحكمة لمدة من الوقت، أثبت فيها الجمهوريون بالوثائق، والوقائع، أمام المحكمة، صحة كل ما قالوه في شأن القضاة الشرعيين. الأمر الذي أضطر القضاة الشرعيين، نهاية الأمر، إلى توجيه الشيخ إبراهيم جاد الله، لكي يتنازل عن الدعوى، قبل أن تصل المحاكمة إلى نهايتها. وقد استطاع الأستاذ محمود محمد طه، أن يحول القضاة الشرعيين، من متظلمين، إلى متهمين. وتحولت القضية، من ثم، إلى محاكمة مفتوحة، لتاريخ القضاء الشرعي. ولم يجد الشاكي، القاضي، إبراهيم جاد الله، نهاية ألمر بدا من الإنسحاب، نزولا عند رأي رؤسائه. فانسحب عن الدعوى، وجرى من ثم، شطب القضية.

الترابي وزعامة ألوان الطيف السلفي:

أردت من إعادة سرد تلك الأحداث، التذكير بضرورة ألا نقفز فوق الوقائع التاريخية، ونرسم صورا وردية لتاريخ مؤسساتنا، لا تسندها حقائق، جلية، ولا تقوم على واقع الممارسات العملية، لهذه المؤسسات. وأود أن أضيف إلى ذلك، أن موقف القضاة الشرعيين، من الأستاذ محمود محمد طه، والجمهوريين، في حقبتي الستينات، والسبعينات، من القرن الماضي، لم يكونا موقفين معزولين عن السياق السياسي العام، والجو السياسي الذي خلقته جبهة الميثاق الإسلامي، بقيادة الدكتور حسن الترابي، وعبأته بكل ملتهب، من شعارات الهوس الديني. خاصة ما كان من أمر المزايدات بورقة الدستور الإسلامي. فقد استهدف الخط السياسي التعبوي، الذي انتهجته جبهة الميثاق الإسلامي، تصفية الدستور القائم وقتها، ومن ثم تصفية أساس الديمقراطية السودانية. وقد تجلى ذلك، أبلغ التجلي، في انمحاء الخطوط الفاصلة بين السلطات الثلاث، التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، الذي تجسد في قضية حل الحزب الشيوعي الشهيرة. فحين حكمت المحكمة الدستورية، ببطلان حل الحزب الشيوعي، سار رئيس الوزراء وقتها، السيد، الصادق المهدي، على خطى الدكتور الترابي، وقال: إن حكم المحكمة العليا، مجرد حكم تقريري. وجرى من ثم وضع السلطة التشريعة، والسلطة التنفيذية، فوق السلطة القضائية. ومنذ تلك اللحظة بدأ مسلسل البلايا الذي حول القضاء السوداني إلى أضحوكة، وإلى تابع ذليل للسلطة التنفيذية، تحركه كيف شاءت، مما وسم معظم عهود الحكم، التي تلت.

بعد عام واحد فقط، من ثورة أكتوبر 1964، بدأت جبهة الميثاق في تعبئة الشارع بالشعارات الإسلامية، متعمدة إرباك المشهد السياسي السوداني، وديمقراطيته المتعثرة. فجرى حينها، الكثير من خلط الأوراق. وقد كان هدف جبهة الميثاق، منذ البداية، هو تقصير الحقبة الديمقراطية، ما أمكن، عن طريق سحب البساط من تحت أقدام الحزبين الكبيرين. وذلك، عن طريق جرهما للمزايدة على الشعار الإسلامي. وقد ظهر نجاح جبهة الميثاق، في جرجرة الحزبين الكبيرين، إلى خندقها، أوضح ما يكون، في قضية حل الحزب الشيوعي السوداني، كما تقدم شرحه. وقد بدأت تلك الجرجرة تأخذ تجسيدها العملي، عقب حادثة طالب معهد المعلمين العالي، الشهيرة، مباشرة. وقد اعترف قادة (الإخوان) أنفسهم، مؤخرا، باستغلال تلك الحادثة، أبشع إستغلال. في تلك القضية، وقف الحزبان، الكبيران بالفعل، ضد جوهر المباديء الديمقراطية، التي أتت بهما إلى الحكم. ويمكننا أن نؤرخ لبداية الممارسات المنحرفة، في أسلوب المعارضة،السياسية، بتذكر تلكم الأيام المظلمات.

المعارضة في الوضع الديمقراطي، المعافى، هي الوجه الآخر للسلطة التنفيذية. المعارضة الراشدة لا تعمى عن رؤية المشروع الوطني، وثوابته. وهي بهذا المعنى تمثل الوجه الآخر للسلطة التنفيذية. كما تمثل المؤسسة التي ينبغي أن تعين السلطة التنفيذية، على السير فوق الجادة، دون تلاعب بالثوابت الوطنية. غير أن المعارضة أصبحت منذ تلكم الأيام، لا هم لها، البتة، سوى الوصول إلى الكرسي، وبأي سبيل، وأي ثمن. وبما أننا مقبلون، في المستقبل القريب، على ممارسة جديدة للديمقراطية، فينبغي أن نراجع ممارستنا لمفهوم المعارضة عبر حقب الحكم الوطني، ودراسة التأثيرات السالبة لأسلوب المعارضة المنحرف، على جملة المشروع الوطني، وعلى عملية بناء الثوابت فيه. والحق أن كل ألوان الطيف السياسي، يمينا، ويسارا، ووسطا، قد أسهمت بقدر،يقل هنا، ويكثر هناك، في تلك الممارسة، المدمرة، القصيرة النظر. ولابد من التأكيد، في نهاية هذه الفقرة، على أن أساليب المعارضة، غير البناءة، قد ابتدرها، أصلا، الحزبان الكبيران، الأمة، والإتحادي، بُعَيْد فجر الإستقلال، وقد تعلمتها منهما الأحزاب العقائدية، كالإخوان المسلمين، والشيوعيين.

فكر الإخوان المسلمين هو المسؤول الأول:

لقد أسهم الشيوعيون السودانيون، دون شك، في تحويل العمل النقابي، إلى أداة ضغط سياسي، وإلى وسيلة لاحراج للحكومات، وأرباك خططها، وإفقادها توازنها. وقد تم كل ذلك، تحت غطاء المطالب النقابية المشروعة. وهذا نمط من أنماط المعارضة المضرة بالمشروع الوطني. واليسار مطالب، بتقفي هذه التجربة، ودراسة آثارها السلبية، على مجمل حركة التنمية الإقتصادية، والسياسية، في التنمية في البلاد. ولتكن السكك الحديدية، الحق الأول لمثل هذه الدراسة النقدية. أما في في مجال تخريب الممارسة الديمقراطية، فإني أميل من حيث الوقائع التاريخية، إلى الإنحاء الأكبر باللائمة على (الحركة الإسلامية السودانية) في ما يتعلق بإرباك تطورنا الديمقراطي. وعل هذه الحركة إعادة قراءة، ممارساتها السياسية، التي لم تقف وراءها أية فكرة، أو اي مشروع واضح المعالم. ينبغي في تقديري، على (الحركة الإسلامية) أن تعود إلى جذور أزمتها، في المرتكزات الفكرية، الضحلة. وما من شك أن جبهة الميثاق الإسلامي، التي ملت الساحة السياسية ضجيجا، في الستينات، لم تكن لها فكرة. وكل ما قامت عليه، لم يكن، في حقيقة الأمر، أكثر، من تلك الشذرات، غير المتماسكة، التي جاء بها الرواد الأوائل من السودانيين، الذين تتلمذوا على حركة الإخوان المسلمين المصرية. وكل حصيلة أولئك الرواد السودانيين الأوائل، لم تكن أكثر من ردود فعل عاطفية، لما استقوه، وتشربوه، من (مانفستوهات) محمد قطب، وسيد قطب، التحريضية، الغاضبة، ومعمياتها الشعارية، المراوغة، وخطابها المنغلق العنيف. يضاف إلى ذلك، فإن تلك الطلائع (الإخوانية)، قد تأثرت أيضا، بالرافد الإخواني القادم من شبه القارة الهندية. وهو رافد موغل في الإنغلاق، والسلفية، والتعنت. (راجع أراء أبو الأعلى المودودي، في (الحجاب)، و(حقوق أهل الذمة). ولذلك، لم تكن عقول من تصدوا لرفع الشعار الإسلامي، وتحكيم الإسلام في حياة الناس، مغايرة في شيء، لعقول سائر المشايخ، من السلفيين. وهذا هو ما جعل القضاة الشرعيين، ومدرسي التربية الإسلامية، وغيرهم ممن تلقوا دراسات إسلامية (وظيفية) امتدادا طبيعيا لرأس الحربة، الذي مثله فكر الإخوان المسلمين السياسي، الراديكالي.

كانت بدايات الحركة الإخوانية الإسلامية، في السودان، غارقة في العاطفة، والعموميات، والتبسيط. وقد وضح من كثير من مواقف هذه الحركة، ونهجها، وطرحها، أن أفق قياداتها، المعرفي، والسياسي، لا يمتاز كثيرا، على أفق مجنديها من طلبة الثانويات. وما من شك، ان كثيرا من التطور قد لحق بفكر بعض تلك القيادات، فيما بعد، وبخاصة الدكتور حسن الترابي. غير أن ذلك التطور، لم ينعكس إيجابا على الممارسة السياسية في الدولة الأنموذج التي أقاموها عن طريق إنقلاب الإنقاذ 1989 في السودان. فرغم كل ما قام به الدكتور الترابي، مؤسس (دولة الإخوان) في السودان، من مغازلات ثرة لآفاق التحديث، ومن مناورات لتجاوز التركة السلفية المثقلة، المشرجة أصلا، في جسد حركته، إلا أن دولته، بقيت مشدودة إلى الجذور النابتة أصلا في تربة التبسيطية، الشعارية، الهتافية، الأولى، التي انطلقت منها قبل نحو خمس عقود. كما أن التطور الذي أصاب الترابي، لم يكن تطورا أصيلا، بقدر ما كان جملة من الإلتواءات، و(البهلوانيات) التي أودت، نهاية الأمر، بمصداقيته، حتى وسط قومه أنفسهم. فقد درَّب الدكتور الترابي تلاميذه، على كل الأساليب (البراغماتية/الميكافيلية)، فأراه تلامذته، نهاية الأمر، صنفا منها، لم يخطر له على بال. ولسوف أفرد مقالا عن التطور السياسي، للدكتور الترابي، في وقت لاحق. أركز فيه على تناقضاته، ووجوه الثرة، المتقلبة، وكيف أنه جنى الشوك الذي زرع.


ظل سيد قطب الباقي:

استماتت قيادات الحركة الإخوانية، بطريقة وأخرى، في التمسك بما دعا إليه سيد قطب، منذ البداية. وأساس ذلك ألا يناقشوا القضايا، وإنما يرفعوا الشعار، حتى يصلوا إلى السلطة. وقد أشار الدكتور الطيب زين العابدين مؤخرا، إلى هذه العلة القاتلة. لقد شدد سيد قطب، أكثر ما شدد، على الإستعلاء بالإيمان، بزعم أن المجتمع في مجمله، لا يعدو كونه قبيلا من (الجاهليين). وشدد على ألا يجيب المتحمسون على دربه، لفكرة إقامة الدولة الإسلامية، على الأسئلة المتعلقة، بتفاصيل الدعوة، وإنما يكتفوا، فقط، بالدعوة إلى العقيدة. ومن ذلك المنحى، المستسخف للفكر الإنساني، والمستخف به، جاءت العزلة، وجاء كثير من الإستعلاء الجاهل على منجزات العقل البشري، وجملة معارف الحضارة الإنسانية. ولذلك فقد أصبحت أميز مميزات هذا التنظيم، هي التبسيط، والغوغائية. فهم أكبر من مارس الغوغائية، ضد كل الخصوم السياسيين، وضد كل طرح فكري يستدعي إعمالا للعقل. وقد عانى الطلاب الجمهوريون، على وجه الخصوص، في كل الجامعات، والمعاهد العليا السودانية، الأمرين من غوغائية الإتجاه الإسلامي. واستمر ذلك الحال بهم حتى، منتصف الثمانينات، حيث جرى إغتيال الأستاذ محمود محمد طه، وبدأت مطاردة الجمهوريين، ومضايقتهم. وخلاصة القول، أن هذه الحركة الإخوانية، التي تولت إدارة الدولة، في السودان، قد انطلقت من تبسيط ساذج. لقد اتبعت، في مجمل خطها السياسي، أسلوب ما يسمى عند الغربيين، بـ (self-fulfilled prophecy). ويعني ذلك، أن يطلق المرء نبوءة، ثم يعمل من جانبه، بكل الوسائل، لكي تتحقق تلك النبوءة. فقد تنبأ (الإخوانيون) بقيام الدولة الإسلامية على أنقاض الممارسة الديمقراطية، وعلى أنقاض الدستور العلماني، في السودان. ولكن دون أية تفاصيل. مستندين في كل ذلك، في الخمسينات، والستينات، من القرن الماضي، على أدبيات (جاهلية القرن العشرين). ولذلك فقد عملوا بكل الوسائل الممكنة، لكي تفشل الديمقراطية، ويفشل الدستور العلماني. ولهذا فإنني أعزي ارتباك المشهد السياسي في السودان، منذ أكتوبر 1964، وحتى يومنا هذا، إلى عمل (الإخوان) المنظم، والدءوب، لتحقيق تلك النبوءة الأولى.

الترابي، وحقبة نميري:

ولأن الجبهة لم تحدث في مسارها أي نقد، ذي بال، فقد سارت على نفس منهجها القديم، أثناء حكم جعفر نميري، وعقب سقوطه أيضا. ففي أثناء حكم نميري، حول الترابي، وقبيله نميري، يبن يوم وليلة، (من سامر ليل مسكين) إلى خليفة للمسلمين! أركبوه مركبا صعبا، و(كلفتوه)، حتى بلغوا في تلك (الكلفتة) أن بايعوه جهارا، نهارا، في قرية أبو قرون، شرقي النيل الأزرق. وقال يس عمر الإمام، الذي كان وقتها، أحد كبار قياديي التنظيم الإخواني، وأحد كبار المسؤولين المايويين، في الإتحاد الإشتراكي، وصحافته، عن بيعة نميري، بقرية أبو قرون، ما يجعل المرء يحار. جاء فيما أوردته عنه صحيفة الأيام السودانية، الصادرة في 23/8/1984 قوله:

((انهمرت الدموع في أبي قرون وهي تستعيد ذكرى السيرة العطرة ومواقف الصحابة في بيعة الرضوان) ..... (وتحرك رئيس الجمهورية وسط الناس لا يحيط به الحراس) ..... (البيعة عهد سياسي يقوم على ركائز الدين وفعل ديني ينظم أمر المؤمنين في السياسة) .... (وأمر البيعة لا يستوي إيمان المرء إلا به) ...... (نحن نبايع اليوم على سلطة متقدمة نحو الدين) ..... (واليوم تعود إمامة الصلاة إلى إمام المسلمين) ..... (حسمت البيعة الصراع الذي يظل يدور السنين المائة الماضية) ...... (ولأول مرة في تاريخ المسلمين تأتي الشورى واضحة وملزمة في صيغة البيعة للراعي)).. إنتهى .. ويستمر السيد، يس عمر الإمام قائلا:

((يسري التجديد في المسلمين كل مائة عام أو يبعث الله من يجدد لها أمر دينها) ..... (وتأتي هذه البيعة مظهرا وجوهرا ورمزا وعنى تزيل الحرج من النفوس وتقطع الطريق على النكوص والردة)).. إنتهى .. (راجع كتاب محمد سعيد القدال، (1992) (الإسلام والسياسة في السودان). دار الجيل: بيروت، ص ص 221-222)

لقد سعت حركة الترابي إلى السلطة، بكل سبيل. وقبل أن يبلغ الأمر، درجة احتواء نظان نميري، من الداخل، والتغلغل في مؤسساته، وصياغة قوانين سبتمبر، ومبايعة نميري، خليفة للمسلمين، بدأت فكرة البنوك الإسلامية، التي مثلت ضربة البداية لسيطرة جماعة الترابي على الأسواق. وقد اتسعت نتيجة للإزدهار التجاري، للتنظيم، عضوية الجماعة، اتساعا أفقيا، خرافيا. وقد أصبح المال، والوظيفة، والتسهيلات التجارية، والقروض، والمنح، والبعثات إلى الخارج، وكثير من صور الإغراءات، عناصر جديدة، شديدة الفعالية، في توسيع العضوية. وهذه مرحلة نحتاج فيها إلى دراسات تفصيلية تكشف كل مخبوئها. ففي تلك المرحلة، بدأ أيضا، التغلغل في الجيش، وفي الشرطة، وفي كل أجهزة الدولة. وما أن سقط نظام نميري، حتى ظهرت حركة الترابي، في قامة غير مسبوقة، من حيث الثراء، والماكينة الإعلامية، والإرتباطات الدولية الواسعة، والتحكم في مفاصل إقتصاد الدولة السودانية. في هذه المرحلة، غير الدكتور حسن الترابي، إسم حركته، إلى (الجبهة القومية الإسلامية)، وما أن جاءت الإنتخابات، حتى أصبح، حزب الجبهة، ثالث أكبر حزب في البلاد، كما أصبح رقما لا يمكن تجاوزه، في حسابات السياسة السودانية، مما إضطر السيد الصادق المهدي إلى التحالف معه، وابتلاع كل الشعارات البراقة التي أطلقها عقب الإنتفاضة في أبريل 1985.

وما أن وصلت جماعة الترابي، إلى البرلمان، في 1986، حتى بدأ العمل ضد حقبة الديمقراطية الثالثة، بهدف تقصير عمرها، أيضا. وقد نجح ذلك المخطط، نجاحا باهرا. فقد استغلت الجبهة القومية الإسلامية كوادرها الإعلامية، وصحفها الكثيرة، في توجيه الضربات للنظام الديمقراطي، حتى جعلت منه هيكلا فارغا، وشبحا بلا روح. كما أظهرت انحيازا كبيرا للجيش الذي كان يحارب في الجنوب، في ظروف بالغة السوء. كما بدأ المعهد الإسلامي الإفريق، (جامعة إفريقيا العالمية، لاحقا) في استدراج ضباط الجيش والشرطة للكورسات، والدورات، مما وسع الجسد السلفي، وسط الجيش. وانقلب الميزان الذي كان مائلا داخل الجيش، نحو اليسار (الضباط الأحرار) وصار أميل إلى جانب الفكر السياسي (الإخواني). وتمكنت الجبهة، من خلال الضرب المتوالي علي النظام الديمقراطي المرتبك، من عزله عن الجماهير، مهيأة بذلك الجمهور، لقبول أي انقلاب يحدث. وقام الإنقلاب المدبر أصلا، ولم يذرف أحد من العالمين دمعة على حكومة السيد، الصادق المهدي الباهتة، الواهنة. وسقط ميثاق الدفاع عن الديمقراطية، سقوطا مدويا، في أول تجربة أعقبت التوقيع عليه. وهكذا، جاء الفكر (الإخواني) منفردا، إلى السلطة، ولأول مرة، في تاريخ السودان، في صبيحة الثلاثين من يونيو 1989. وهنا تحقق للإخوان هدفهم الأساس، الذي عملوا له منذ منتصف الستينات، وأستخدموا في سبيل الوصول إليه، كل وسيلة ممكنة، أخلاقية، كانت أم غير أخلاقية.

من (يا أمريكا لمي جدادك) إلى التعاون في مكافحة الإرهاب!

الشاهد أن الجبهة لم تؤمن أصلا بشراكة القوى الأخرى لها. ظانة أنها حين تتسلم مقاليد الأمور في البلاد، بمفردها، سوف تتمكن من إدارة شؤون البلاد، بلا شراكة من أحد. كما ظنت أنها سوف تعيد صياغة كل شيء في السودان. وقد بادرت بالفعل، منذ الثمانينات، إلى إطلاق شعارات، (أسلمة المعرفة)، وهو شعار وضح تنطعه، وغموضه، وفراغه من المحتوى، منذ البداية. فالتيار (الإخواني) قد كانت منذ البدء، عملا (حركيا)، ولم يعط جانب الفكر كبير اهتمام، في يوم من الأيام. بل هو قد انبنى أساسا، على تسفيه الفكر، والحط من قدر العقل، والإعلاء من شأن العاطفة الدينية الفجة. ولذلك، ما لبثت أن شرعت الإنقاذ، فور تسلمها للسلطة، في تصدير (الثورة) إلى خارج البلاد. متجاهلة ما يمكن أن يجلبه هذا الإتجاه، من مخاطر ماحقة، على نظام وليد. وما لبثت، أن فتحت البلاد لكل التنظيمات المهووسة، وكل الأفراد المهووسين، جاعلة من نفسها رأس الرمح، في حركة اسلامية أممية، تطمح إلى تغيير الإقليم، وإعادة صياغة معادلات توازن القوى على وجه الكوكب، برمته. كما تعالت أيضا، على الصراع الداخلي، فيما يتعلق بمشكلة الجنوب، وانتهجت أسلوب الحسم العسكري. وظلت على حالها ذاك، حتى جاءتها الضغوط من كل حدب، وصوب، فأحست لذعات الخطر، فأخذت تكفكف بساط مطامحها، وأخذت شعاراتها تنحو نحوا متواضعا، شيئا فشيئا. وما لبثت أن أصبحت الخاطب الأول لود أمريكا في الإقليم، بعد أن كانت تردد، بملء الفم: (يا أمريكا لمي جدادك). وحين خرج المارد الأمريكي من قمقمه، عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، قدمت الإنقاذ كل ما حوته جعبتها عن الإرهابيين الذي سبق أن دعتهم، وآوتهم.

وفي الداخل خفتت مصادمات الإنقاذ الأولي لواقع السودانيين الثقافي، ونمط حياتهم، وتقاليدهم المتوارثة، المنبعثة من منطلق الإستعلاء الديني. مات مشروع تهميش النساء في الحياة العامة. وماتت محاولات فصل الرجال والنساء في وسائل المواصلات في مهدها، بعد أن تعثرت في فضاء الواقع العملي، وأصبحت مثار تندر، ومجالا لتأليف النكات. وقلت المضايقات لحفلات الأعراس، ولتقاليد السودانيين، في هذه الأعراس. ومؤخرا جدا، إنهزمت حملة محافظ الخرطوم، المتشدد، مجذوب الخليفة، حين حاول أن يحارب النساء في تحصيل أرزاقهن، بإسم الدين. ثم ما لبث النظام الإخواني الوهابي النزعة، فيما يتعلق بالنظرة إلى الطرق الصوفية، أن فتح الباب للطرق الصوفية، على مصراعيه. فلم تشهد الطرق الصوفية، في عمرها المديد، احتفاء من جانب الدولة كالذي تشهده الآن، على عهد الإنقاذ. وعموما أوشكت الحياة في السودان، بشكل عام، أن تعود إلى طبيعتها القديمة. ولله الحمد من قبل ومن بعد.

الشاهد أن هذه الحركة الميكافيلية، التي جاءت لتهد الواقع، وتبنيه من جديد، فشلت في مشروعها هذا الذي رعته منذ الخمسينات، من القرن الماضي. وهذا من فضل ربي، على أهل السودان، وعلى أهل هذه الحركة المستعجلة، أنفسهم. والفكر (الإخواني) الذي امتصت ثوريته، ودغمائيته، عناصر كثيرة، في الواقع السوداني، ومنها طول بال السودانيين، وصبرهم، والتحولات العديدة المتتابعة في الساحة الدولية، مطالب الآن، بنقد نفسه، نقدا شفافا، شافيا. وعلامة النقد الشفاف، الشافي، وعلامة صدقه، أن يصل إلى تفكيك، موروث الحركة مما سمي (الإستعلاء بالإيمان)، الإخواني، الذي تحدرت سيوله من منابع، حسن البنا، وسيد قطب. وأن ينعكس كل ذلك في واقع ممارستنا السياسية، فنصبح جميعا، كسودانيين، على قدم المساواة، من حيث أهمية كل منا، للمشروع الوطني، الشامل. وهي فيما أرى، لم تفعل ذلك بعد. ومن بدأوا هذا النقد، من أنصارها، كالدكتور الطيب زين العابدين، والدكتور حسن مكي، والدكتور عبد الوهاب الأفندي، والصحفي، محمد طه محمد أحمد، والصحفي، عثمان ميرغني، وغيرهم، مارسوا، حقيقة الأمر، نقدا خجولا، لا يسمن، ولا يغني من جوع. فكلما قرأت لهم، كلما أحسست أن هناك (تابو) يعجزون عن مقاربته، فيما يتعلق، بجذور الحركة، ورؤيتها التبسيطية الأولى. وكأني بهم يزورون من إدانة كثير من المحرج في تاريخ حركتهم. غير أنه لا مناص من نقد شاف، شفاف، يقفل باب الوصاية على الخلق بإسم السماء، مرة واحدة، وإلى أن يرث الله الأرض، ومن عليها.

النقد الذي نتطلع إليه:

نحن اليوم، أكثر ما نكون حاجة إلى أدبيات نقدية ثرة، في هذا المنحى. أدبيات تتقصى صعود فكر سيد قطب التعبوي العاطفي، المستعلي بالإيمان، وتمدده (الحركي) في الفضاء السوداني. وليتأمل معنا كل الذين رعوا هذا المشروع المتهوس، ظاهرة الخمود البالغ السرعة، للصورة الطهرانية للدولة، التي رسمها (الإخوان) منذ الخمسينات. ثم اضمحلال(الأشواق) الإيمانية، العاطفية، وذهاب زخمها، وبريقها، بعد تجربة للحكم لم تبلغ بعد، العقد والنصف، من الزمان!

والنقد الذي نتوقعه، ونتتطلع إليه، لا تفي بالغرض فيه، المقالات الصحفية، التي تظهر، هنا، وهناك، في المناسبات، من ذلك النوع الذي غالبا ما تدفع بها إلى الواجهة، الأحداث السياسية. نحن بحاجة إلى خبرة، وقلم الدكتور عبد الله علي إبراهيم، لكي نعمل جميعا في وجهة النقد الصارم المحايد، لعوارتنا الفكرية والسياسية لا دمدمتها. بالقفز على الإختلافات الجوهرية، خاصة، ما يتعلق بدستورية القوانين، وحقوق المواطنة، وابتعاد الدولة عن لعب دور الحارس للفضيلة وللقيم، وللأخلاق. فالسلطة، بطبيعتها، مظنة فساد، وإفساد، أكثر من كونها مظنة رشد، وهداية. ودونكم تاريخ الدول، دينية، وغير دينية. ودونكم سلطة الإنقاذ الحالية، التي وعدتنا بمجتمع العدل والفضيلة، أول ما أتت. حتى أن السؤال اليوم، ليس: أين نحن من حيث الفضيلة، مما وعدتنا به الإنقاذ؟ وإنما، السؤال هو: أين نحن مما كنا عليه حالنا، حين جاءتنا الإنقاذ!!

نحن بحاجة إلى تثبيت الثوابت، التي لا تكون الدولة متمدينة بغيرها، وهي الحقوق الأساسية. والدول الغربية التي تحكمها دساتير علمانية، ليست دولا ملحدة. ولكنها دول تركت أمر الدين لمنظمات المجتمع المدني. فأي حديث عن تطبيق للشريعة الإسلامية، مهما تحايلنا عليه، يعني بالضرورة تقويضا للدستور، ومصادرة للحقوق الأساسية. كما يعني وصاية للحاكم على المحكوم، ووصاية للرجال على على النساء، وعزلا للرجال عن النساء. ثم هذه هي نماذج الدول الدينية، حية امام ناظرينا: كانت الدولة دينية في أفغانستان، على أيام طالبان، وهاهي اليوم قائمة في السعودية، وفي إيران. فهل هذه نماذج يمكن أن تغري أحدا بالإقتداء؟ لماذ نريد أن ندخل أنفسنا في مثل هذه المطبات المحرجة، وننصرف عن قضايانا الرئيسة، في التنمية، والتطوير، والتحديث؟

في تقديري، أن الكتابات الأخيرة، للدكتور عبد الله علي إبراهيم، لا تعين كثيرا، في وجهة. النقد الذي نحتاجه، ونتطلع إليه، وننتظره. فمقالاته مالت إلى تلميع، مناهج، ومقاربات، هي من العتاقة، بحيث يستحيل تلميعها. وهي قد بدت، أقرب ما تكون، إلى (عمل الشربات من الفسيخ). نحن بحاجة إلى حفر كثير في بنية العقل السلفي. وذلك لا يكون بتملقه، وإنما بمواجهته، دون مواربة. وكون الجبهة قد بنت لنفسها صرحا في حلبة السياسية السودانية، وأنشأت لنفسها دولة، وأحرزت ثروة، وأصبحت رقما لا يمكن تخطيه، في حقل السياسة في السودان لا يعني أن نزايد على نهجها، وأسلوبها، ونقبلهما على علاتهما، فقد كانا خاطئين. لست أدعو إلى رمي كل جسد الجبهة من النافذة، فذلك غير ممكن، إضافة إلى كونه غير مطلوب. ما أرمي إليه هو تفكيك فكر الجبهة الإستعلائي، الإنتهازي، الميكافيلي، وتجريده من أي خرقة دينية تدثر بها في الماضي. هذا منعطف تاريخي، يجب أن نقبر فيه جثة العقل السلفي، وتخلقاته السياسية، في واقعنا الساسي. بنية العقل السلفي هذه، هي التي قد قضت على محاولات التنوير في بلادنا، و قادت إلى قتل رواد التنوير، على أعواد المشانق. نعم على القوى المستنيرة، والطليعية، في كل فضاءات المعرفة، أن تمارس نقدا. غير أن على المؤسسة السلفية، وجسدها السلطوي المتمثل، في الإنقاذ، أن تمارس نقدا أكثر، حتى تذيب نفسها في الفكر السوداني، وتقطع عنها هذه الجذور الأجنبية المنبتة. وعلى المفكرين أن يعينوها على ذلك، ولا يمدوا لها في باطلها.

في المقال القادم، أكتب هوامش حول كتاب الدكتور عبد الله علي إبراهيم، (الإرهاق الخلاق)، وكتاب الأستاذ عبد الخالق محجوب، (آراء وأفكار حول فلسفة الإخوان المسلمين).

Post: #100
Title: Re: رد
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 02:07 AM
Parent: #99


وردي، نترك (مناسبات) جمال الدنيا، إلى مناسبة «يا شعبا تسامى.. يا هذا الهمام.. تفج الدنيا ياما وتطلع من زحاما زي بدر التمام؟».. اعرف ان هذه الأغنية (الوطنية) لمحجوب شريف.. واعرف انك نفضت «منها الغبار» كنص، ولحنتها، بعد العاشرة من صباح الجمعة 17 يناير 1985 (الجمعة التي اعدم فيها الاستاذ محمود محمد طه؟).

ـ ذلك صحيح. الاغنية (كان ليها زمن عندي)، لكن، حين هاتفني في القاهرة صديق من الخرطوم بعد العاشرة لينقل الي خبر اعدام الاستاذ قفز فجأة هذا النص الى كياني كله وتنزل اللحن بتلقائية مخيفة. يصمت ينكفىء بذاكرته الى ذات يوم في القاهرة قبل ان يعود للحديث من جديد. في ذات الليلة كنت أنا والعود واللحن في دمي كله والاخ فاروق ابوعيسى ودكتور ابو الحسن و.. غنيت .. الاغنية!

* هل كنت تعرفه ... محمود .. عن قرب؟

ــ كيف ياخي؟ كانت تربطني به علاقة خاصة.. كان واسع الادراك، وسيع المعرفة بكل شيء حتى الموسيقى كان يحدثني علميا عن الموسيقى ومساهمة العرب في وضع اصولها قبل اليونانيين كان يتحدث عن موسيقى الشعر والالحان الصوفية وكنت احترم ذلك الرجل واقرأ ما يكتب بانتظام وانتباه. يصمت وردي ثم ينفض عن ملامحه تراب حزن قديم ويقول: محمود رحل ولم يكن مقتنعا بالمحكمة ولا الادلة ولا الذين حاكموه . ولم يكن مقتنعا بقاتله انني اتأسف: لو كان موجودا الآن لكان بالتأكيد اسهم بمعرفة في حلحلة قضايا السودان.



http://www.sudanaforum.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&...ard=2&msg=1054770258

Post: #43
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-02-2008, 07:23 PM
Parent: #1

From Sudnile
= ===
عبدالله عثمان
===
" غايتان شريفتان وقفنا، نحن الجمهوريين، حياتنا، حرصاً عليهما، وصوناً لهما، وهما الإسلام والسودان"
"حل مشكلة الجنوب فى حل مشكلة الشمال"
"الحجر الذى رفضه البناؤون، صار أس الزاوية"
تتسع دهشتى، وحقّ لى، وأنا أستمع لياسر عرمان – برنامج فى الواجهة الجمعة 7 يناير 2005 - وهو يدعو مختلف ألوان الطيف السياسى والطرق الصوفية، وغيرهم، لحضور حفل توقيع إتفاقية السلام، ولا أسمع إشارة منه أو من غيره لإسم أو دور الأستاذ محمود محمد طه الذى ظل يلعبه مدافعا عن الجنوب منذ أربعينات القرن الماضى!! ففى كتابه السفر الأول الصادر في 26 أكتوبر 1945 يقول الأستاذ محمود عن العناية بأمر السودان : ـ (و المكان الأول من هذه العناية سينصرف لمواطنينا سكان الجنوب الذين قضت عليهم مدنية القرن العشرين أن يعيشوا حفاة عراة جياعاً مراضاً بمعزل عنا) وظلت منشورات الحزب الجمهورى تتوالى على نحو (ما سكوتكم عن الجنوب أيها السودانيون- ما سكوتكم!؟ تعالوا فأتركوا هذا العبث السخيف – هذه المذكرات والوثائق – هذا التحالف والاتحاد – وواجهوا الحقائق المرة، فالجنوب هو مشكلتنا الأولي، والسكوت عنه مزر بكرامة السودانيين أبلغ الزراية.) (ان سكوتكم عن الجنوب أيها السودانيون لييئس منكم الولي، ويطمع فيكم العدو.. الجنوب أرضكم.. الجنوبيون أهلكم.. فان كنتم عن أرضكم وأهلك لا تدافعون فعمن تدافعون؟).. وفي منشور آخر للجمهوريين صدر في 11/2/1946، كشفوا أبعاد المخطط الانجليزي في الجنوب، ووضحوا أهداف هذا المخطط، وما يمكن ان بؤدي اليه، اذا تم السكوت عليه.. (ان مسألة الجنوب لا يمكن الصبر عليها أو الصبر عنها، وان الانجليز ليبيتون له أمرا، ولئن لم نحتفظ نحن اليوم بالجنوب احتفاظ الرجال لنبكينه غدا بكاء النساء)!!
وظل الجمهوريون يستثيرون الشعب بالخطابة عن الجنوب، مثلما أوردت جريدة الرأي العام، في عدد بتاريخ 6/6/1946 .. فقد جاء فيه: (القى الاستاذ أمين محمد صديق سكرتير الحزب الجمهوري خطابا عاما أمس الاول عن الجنوب في الخرطوم بحري في جمهور كبير أمام السينما الوطنية، وأعاد القاءه مرة أخرى في نفس الليلة في مكان آخر في الخرطوم بحري، وقد استدعاه البوليس هذا الصباح وحقق معه فاعترف بكل ما حصل وزاد بأن هذا جزء من خطط كبيرة ينفذها الحزب الجمهوري)
وقد نادي الجمهوريون بالنظام الفدرالي حتي قبل مطالبة الجنوبيين أنفسهم، في اللجنة القومية لوضع الدستور الدائم، بالحكم الفدرالي للجنوب.. فقد كونت اللجنة القومية للدستور في عام 1956، في حين أن دعوة الجمهوريين للنظام الفدرالي جآءت في عام 1955، وذلك في كتابهم (أسس دستور السودان، لقيام حكومة جمهورية فدرالية ديمقراطية اشتراكية)، ذلك الكتاب الذي صدرت طبعته الأولي في ديسمبر 1955.. وقد إقترحوا أن يقسم السودان الي خمس ولايات.
وعندما فشلت الأحزاب بالصورة التي أدت الي قيام الحكم العسكري في 17 نوفمبر 1958، كتب الجمهوريون للسيد الفريق ابراهيم عبود، رئيس المجلس الأعلي للقوات المسلحة، ورئيس الوزراء آنذاك، يقترحون عليه بعض الاجرآءات الاصلاحية، يهمنا منها هنا ما يتعلق بمشكلة الجنوب.. فهم في هذا الصدد قد أرسلوا اليه مع خطابهم الذي اقترحوا فيه الاصلاحات كتاب (أسس دستور السودان)، ودعوه للأخذ بالنظام اللامركزي، بالصورة المبينة فيه.. وكان مما جاء في الخطاب للسيد عبود: (ونري أن تشرع في نظام اللامركزية علي الطريقة التي اقترحناها).
وبعد قيام ثورة 21 أكتوبر 1964، واصل الجمهوريون دعوتهم لحل مشكلة الجنوب باعطاء الجنوب حكما ذاتيا في أطار السودان الموحد، علي أساس النظام الفدرالي، الوارد في كتاب (أسس دستور السودان).. وقد أصدروا عدة منشورات كان من بينها منشور (مشكلة الجنوب)، والذي ضمن ما جاء فيه: (للجنوب مشكلة مافي ذلك أدني ريب وهي بذلك تحتاج حلا سريعا وشاملا) وذهبوا ليعددوا أوجه حل المشكل الخ الخ
فلما جاءت ثورة مايو دعمها الجمهوريون مبدئيا لأنها عملت، ضمن ما علمت، على حل مشكلة الجنوب منذ الوهلة الأولى وقام الأخوان الجمهوريون بتسيير قوافل التوعية الراجلة الى جنوب السودان وظلت وفودهم تترى عليه وقد كان لهم أنشطة عديدة بجامعة جوبا وقد أصدروا خلال تلك الفترة كتابين، أحدهما باللغة الإنجليزية عن (جنوب السودان: المشكلة والحل)
وعندما حادت مايو عن خطها، واجهها الأستاذ محمود محمد طه، فأصدر بمناسبة أعياد الميلاد فى 25 دبسمبر 1984 منشور "هذا أو الطوفان" ضد قوانين سبتمبر،.. ومما جاء فيه: (إن هذه القوانين قد هددت وحدة البلاد، وقسمت هذا الشعب في الشمال والجنوب وذلك بما أثارته من حساسية دينية كانت من العومل الأساسية التي أدت إلى تفاقم مشكلة الجنوب.. إن من خطل الرأي أن يزعم أحد أن المسيحي لا يضار بتطبيق الشريعة.. ذلك بأن المسلم في هذه الشريعة وصي على غير المسلم.. بموجب آية السيف، وآية الجزية.. فحقوقهما غير متساوية.. أما المواطن، اليوم، فلا يكفي أن تكون له حرية العبادة وحدها، وإنما من حقه أن يتمتع بسائر حقوق المواطنة، وعلى قدم المساواة، مع كافة المواطنين الآخرين.. إن للمواطنيين في الجنوب حقاً في بلادهم لا تكفله لهم الشريعة، وإنما يكفله لهم الإسلام في مستوى أصول القرآن (السنة).. فلذلك نحن نطالب بالآتي:-
1 / نطالب بإلغاء قوانين سبتمبر 1983 ، لتشويهها الإسلام، ولإذلالها الشعب، ولتهديدها الوحدة الوطنية..
2 / نطالب بحقن الدماء في الجنوب، واللجوء إلى الحل السياسي والسلمي، بدل الحل العسكري. ذلك واجب وطني يتوجب على السلطة، كما يتوجب على الجنوبين من حاملي السلاح. فلابد من الإعتراف الشجاع بأن للجنوب مشكلة، ثم لابد من السعي الجاد لحلها)
وقد قدم الأستاذ محمود محمد طه روحه فداءا لهذا الشعب بسبب ذلك المنشور، على نحو ما جرى فى 18 يناير 1985. هذا غيض من فيض الأستاذ محمود محمد طه ومواقفه من قضية جنوب السودان!! ومن قبل ياسر عرمان فقد ألف (السيد أبيل ألير، كتب كتاباً ضخماً، عن مشكلة الجنوب، يتظلم فيه من نقض العهود.. ولم يفتح الله على أبيل، بكلمة واحدة يذكرها عن دور الأستاذ محمود والجمهوريين!! هذا مع أنه ذكر ادواراً لأفراد .. بل أنه ذكر حتى اصحاب الأدوار السلبية!! ومن المفترض في ابيل انه صاحب قضية حارة، وقد اكتوى بنار الظلم، فهو يأباه لنفسه، ولغيره..) وذلك كما حدثنا الأستاذ خالد الحاج وهو يكتب عن حادثة رفاعة

وقد ظل ديدن الإعلام فى السودان تجاهل أمر الأستاذ محمود محمد طه فقد شاهدت برنامجا بمناسبة أعياد الإستقلال قدمت فيه الدكتورة فاطمة عبدالمحمود والصحفية عفاف بخارى وأخريات وقد تمت فى البرنامج الإشادة بـ والإشارة لدور كل رائدات الحركة النسوية والحركات النسوية ومن آزرهن ولم يأت ذكر على دور الأستاذ محمود محمد طه منذ عهد حادثة الخفاض الفرعونى وحتى توزيع الجمهوريات للكتيبات فى أنحاء السودان، بل وفى ذات برامج الإستقلال قدّم التلفزيون وبعض الصحف برامج تعريفية عن الأحزاب السوداينة بلا إستثناء- وبعضها لم يعمر أكثر من عام- حتى أحزاب زعماء العشائر ذكرت، ولم يفتح الله على صحفى ليطلّع فى إرشيف الصحف على ما خطه مثلا السيد التيجاني عامر في جريدة الصحافة 16 /4 /1975 م ( قد يكون الحزب الجمهوري من اقدم الاحزاب السياسية بحساب الزمن وهو اول حزب صغير يعمل خارج نطاق النفوذ الطائفي باصرار بل مناجزة وصدام واسمه يدل على المبدأ الي انتهجه لمصير السودان ومؤسس الحزب هو الاستاذ محمود محمد طه الذي كان من ابرز الوجوه الوطنية في مستهل حركات النضال....)
وعبثا بحثت فى أضابير ما ينشر هذه الأيام ولم تقع عينى الاّ على كاركتيرات عمر دفع الله عن الخرطوم عاصمة الثقافة – سودانيزأونلاين- وتغييب الفكر الجمهورى عنها، وهو يتسآءل متحسرا عن عاصمة للثقافة ليس للأستاذ محمود، الذى أحرقت كتبه، دور فيها.
من الواضح أن مؤامرة ظلت تحاك فى صمت لإقصاء الأستاذ محمود محمد طه عن الذاكرة الجمعية لأهل السودان، فلقد يلاحظ الجميع خلو كتب التاريخ عندنا من أى إشارة – ولو للإمانة العلمية والتاريخية – لأمر الأستاذ محمود، بل أن كتابا مثل الدكتور خالد المبارك عندما يتصدون لأمر الأستاذ محمود محمد طه فإنهم يوسعونه تحريفا تود معه ألو سكتوا – راجع نصف الحقائق بجريدة الرأى العام بتاريخ 19/11/2002م
وكتابا مثل مصطفى أبو العزايم – الخرطوم- يؤرخون لحضور النساء لعقودات الزواج بكريمة الدكتور الترابى فى مطلع الألفية الثالثة والجمهوريات يحضرن مراسيم الزواج منذ نصف قرن!!
وأعود لإتسآءل إن كان السيد ياسر عرمان – الحركة الشعبية – قد دعا فريق الموردة، مثلا، من أجل السودان، فقد نذر الأستاذ حياته للسودان، وإن كان قد دعا السادة الأدارسة من أجل الإسلام فقد نذر الأستاذ محمود نفسه من إجل الإسلام وإن كان دعا السيدة نعمات مالك من أجل منع تكرار حل الحزب الشيوعى السودانى ونحر أعضاءه فقد أقام الأستاذ محمود من قبل أسبوعا للحقوق الأساسية من أجل ذلك ولكن الحجر الذى رفضه البناؤون سيصبح أس الزاوية

Post: #44
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 00:34 AM
Parent: #43


صحيفة الرأى العام
====

كتب دكتور منصور خالد اليوم 15/1/2007 فى صحيفة الرأى العام (ص3) مقاله الثاني حول: عامان من السلام: حساب الربح والخسارة.. وقد خصص هذا المقال الثاني ل: حق تقرير المصير والوحدة الجاذبة.. فقال: "ويستذكر أن تقرير المصير ما كان ليصبح مطلبا لو فعلنا ما هو أدنى منه: النظام الفيدرالي فى دستور السودان الأول، الحكم الذاتي فى مفاوضات المائدة المستديرة 1965، الحفاظ على الحكم الذاتي الإقليمي فى عهد النميري ولعلنا نزيل وهما سائدا بأن قبول الفيدرالية يومذاك كان أمرا مستعصيا لأن القيادات لم تدرك، أو أن أحدا ما كان ليجسر بالدعوة له (الطيب حاج عطية، ندوة الفيدرالية، الأيام، 28/11/2006).. وحول الجسارة فى إبداء الرأى نقول إنه كان بين هؤلاء القادة فى ذلك الزمان السياسي من بادر منذ 1955 بإعداد مذكرة ضافية عنوانها: أسس دستور السودان لقيام جمهورية فيدرالية ديموقراطية اشتراكية ذلكم الرجل هو الأستاذ الشهيد محمود محمد طه. هذا أمر ينبغى ألا يتجاهله المؤرخون.)

Post: #45
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 00:35 AM
Parent: #44


صحيفة الرأى العام
====

فهناك لعنة اسمها العلاقة مع اسرائيل ؟
× نعم .. الملك عبد الله دفع حياته في يوليو 1951 ثمنا لمباحثاته السرية مع اسرائيل وتبعه السادات في 1981م بإغتياله وكانت واحدة من الاسباب التي عزلت الجمهوريين وقت اغتيال محمود محمد طه لدعوتهم للصلح مع اسرائيل .. وعزل الإمام نميري من خلافته بعد انكشاف فضيحة ترحيل الفلاشا .. نظرة إلى بنود الإتفاق الذي نشرته الاهرام تدلنا على أن التواصل في علاقة السودان واسرائيل بإطاره التاريخي كانت تتحكم فيه مجريات الأحداث في الشرق الأوسط ولا ترتبط بقريب أو بعيد بالمصالح الوطنية المباشرة ..


http://www.rayaam.net/syasia/syasa3.htm

Post: #46
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 00:36 AM
Parent: #45


اتحاد الكتاب وزدانوف السوداني

بقلم: د. خالد المبارك
لقد عارضت الطريقة التى طبق بها النميرى «الاسلام» العام 1983م وعارضت حرق الكتب واعدام محمود محمد طه.


http://rayaam.net/araa/araa4.htm

http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=m...ard=3&msg=1173216294

Post: #47
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 00:37 AM
Parent: #46


أ.د. حسن مكي محمد أحمد
التيارات الفكرية الإسلامية في السودان : 1-2
للأصول المائزة وأوجه التقارب
كما أن المهندس محمود محمد طه ابتدع رؤية جديدة في الفكر الديني تري أن نموذج الدولة العلمانية أقرب لروح الإسلام من نموذج الدولة على الشريعة الإسلامية


http://www.rayaam.net/articles/article12.htm

Post: #48
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 00:39 AM
Parent: #47


ذلك في صحيفة الرأي العام ..
=============
الثلاثاء 17 يناير 2006
..............................
سيناريو

حسن ساتي

[email protected]

ذكرى الأستاذ محمود .. حزمة أسرار (1-5)

مع أن الحديث عن الذكرى 21 لرحيل الاستاذ محمود محمد طه، إلا أني أريد أن آخذكم في هذا المسلسل الشيق جدا من وجهة نظري، بعد أن وجدت في نفسي ميلا لسرد هذه الوقائع التي لا يعلم بها الا من كان طرفا فيها، لأنني لم أؤرخ بعد لتلك الحقبة المايوية الشائكة التي أودعنا فيها عمر عبد العاطي سجن كوبر، والرجل ضعيف ، بتهمة قالت: لتبييضهم وجه النظام.

كنت مريضا بملاريا وقابعاً في منزلي بالمنشية حين صدر حكم محكمة الاستئناف بالإعدام على محمود طه، فنشرت كاريكاتيرا لبدر الدين ظهر يوم الجمعة 18 يناير يوم إعدام الاستاذ محمود يقول: نحن الخبراء.. ذوي قدرة على القتل ثلاثية، مجاراة لدعاية كان يبثها تلفزيون السودان لأحد المبيدات، ثم ركبت سيارتي أقاوم المرض لأتولى أمر إفتتاحية الأيام التي أرأس تحريرها، فكتبت إفتتاحية بعنوان: تبقى رايات العفو والتسامح عالية، وصورتها قبل أن تنشر وحملت صورة في جيبي، ثم هاتفت صديقي فضل الله محمد وقلت له لابدّ من موقف، فهذا هو الجنون. وافقني الرأي، وكتب بخبرة المهني والقانوني رأيا هادئا بالداخل، فيما كتبت أنا بخبرة المهني فقط رأيا صارخا بالصفحة الأولى. وحزنت بعد ذلك بشهور مع حمى الانتفاضة، حين وجدت أحد صغار محرري الصحيفة، وكان حاضرا لمخاض تلك الإفتتاحية، وقد قرأتها على رهط من زملائي الحضور، فقال لي ذلك الزميل الصغير وبالحرف: الآن يحس الإنسان بشرف الإنتماء لهذه الصحيفة، ولكنه عاد وغيّر رأيه بعد الانتفاضة، وكتب متسائلا ما إذا كان ذلك الخط من الصحافة والأيام قد أتى صدفة أم بتوجيه من أعلى كمناورة سياسية. شعرت أن قلبي ينزف، وضممت ذلك لأسباب رحلة مشروع المغادرة واللاعودة الى السودان، حين شمخ في داخلي المتنبي يصرخ:

أفي كل يوم تحت ضبني شويعر..

ضعيف يقاويني.. قصير يطاول..

الى أن يقول:

غير أنه بغيض اليّ الجاهل المتعاقل..

ثم أدرت الهاتف بعد خروج الزملاء من مكتبي الى مولانا القاضي عبد العزيز حمدتو طالبا لقاء عاجلا في نفس الليلة، فرحب، فاتجهت الى منزله المتواضع بالحلة الجديدة في الخرطوم، قرأت له الإفتتاحية، وقلت له إن هذا المركب يغرق، وغدا ستنتصب المشانق في الخرطوم، ولكني أرحب بعقوبة سجن لي، ولكن ليس الإعدام بالطبع، ولكني لا أضمن أن أمثل أمامك في قفص إتهام، فلماذا لا نوسع الفرصة بقوانين الاحتمال، أريد لفيفا من أصدقائك القضاة بمنزلي في حفل عشاء لأشهدهم على فهمي لحدود مهنيتي، ولحدود تداخلها مع ما هو سياسي، فرحب أيضا، وكان بعد أيام عشاء بمنزلي جمعني مع نفر كريم من قضاتنا أذكر منهم عادل سمساعة وسيف حمدنا الله عبد القادر، وأعتذر لمن رحلت أسماؤهم عن ذاكرتي.

في العاشرة من صباح اليوم التالي هاتفني على التلفون السري الرئيس نميري ليقول لي: حسن يا أخي، أولادك دول ما في داعي يتسرعوا ويكتبوا مثل هذا الكلام، ويحاولوا التأثير على رئيس الجمهورية الذي لم يصدر حكمه بعد، والذي يدرس في الأمر من عدة نواحٍ، وأنا أقرأ الآن الكثير من المراجع الفقهية. قلت له ما قصد سيادة الرئيس بـ ''أولادي '' ؟ قال الذين كتبوا هذا الكلام بالصفحة الأولى. قلت له: سيادة الرئيس، أنا الذي كتبته، ضحك ساخرا وقال لي: شكرا، وأنهى المحادثة. سألت صديقي الراحل زين العابدين عبد القادر بعد يوم عما يقصده الرئيس من عبارة أولادك ؟ قال لي حاول أن يجد لك عذرا ومخرجا فلم تفهم يا أبو علي.. شيل شيلتك وبل راسك .. دا زولي وأنا عارفه.والى الغد

Post: #49
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 00:40 AM
Parent: #48


رد على سيناريو الاستاذ حسن ساتي

«لقد فعلتها مجموعة من النساء»

بقلم : د. سعاد ابراهيم عيسى

جاء بسيناريو الخميس «19/ يناير 2006م» حول ذكرى الاستاذ محمود.. «حزمة اسرار» ان الاستاذ حسن ساتي قد دعا مجموعة من اصدقائه في محاولة منه لوقف قرار السيد الرئيس باعدام الاستاذ محمود محمد طه وذلك بارسال عريضته في ذلك الشأن يقوم بالتوقيع عليها بعض القيادات المرموقة في حدود عشرين او ثلاثين شخصاً يخاطبون الرئيس ان استجاب لهم فذلك هو المطلوب وان لم يستجب يسجلون موقفاً للتاريخ. وذكر بان احد اصدقائه الحضور قد استفسره عن الكيفية التي يمكن ان يحصل بها على ذلك العدد من الموقعين.

وانتهى الامر بقبول اقتراح مستشار الرئيس نميري الصحفي المرحوم محمد محجوب الذي نصحهم بالانتظار لان مايو قد ينتهي اجلها قبل موعد اعيادها القادمة او ان تنفرج نحو افق جديد كلياً وقد وجد ذلك الاقتراح بالصبر قبولاً لدى الحضور.

هنا رأيت ان اوضح للاستاذ حسن ساتي ان هنالك مجموعة اخرى قد سجلت موقفها للتاريخ فعلاً وهي اعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد نساء السودان في ذلك الوقت بقيادة السيدة نفيسة احمد الامين التي دعتهن لاجتماع طارئ لمناقشة قرار الاعدام حيث تمت الموافقة وبالاجماع على ارسال عريضة للسيد الرئيس توضح رأي الاتحاد في الامر وتناشده العدول عن قرار الاعدام خاصة وان الرئيس ذاته قد رفض في وقت سابق ان يتصدى لهجوم الاستاذ محمود ضد الاسلاميين قائلاً ان الفكر لا يقاوم بالقرارات ولكن بالفكر ايضاً وزاد بان الذين يطالبونه بان يوقف ذلك الهجوم يقصد الهجوم على الاسلاميين عليهم مقارعة ارائه بالحُجة ولذلك لا يمكن ان يحارب الفكر بالاعدام وقد وقع الجميع على العريضة ومن ثم اتصلت السيدة نفيسة باللواء عمر محمد الطيب نائب رئيس الجمهورية حينها وطلبت منه مساعدته في ايصال العريضة للسيد الرئيس في ذات اليوم نسبة لضيق الوقت وانه ان تقرر ارسال العريضة عبر القنوات الرسمية عن طريق الاتحاد الاشتراكي فانه قطعاً لن يجرؤ احدهم على تقديمها للرئيس وبالتالي سيتم وأدها في مهدها. وقد ابدى اللواء عمر تفهماً كاملاً للامر وابدى استعداداً كاملاً لانجاز المهمة وقد فعل مشكوراً.

فقد استلم الرئيس العريضة في ذات اليوم وبالطبع استنكرها بقوله ان التنظيمات التي كان ينتظر وقوفها خلفه ومساندتها لقراره قد وقفت ضده. وقد وجد «الشمشارون» من قيادات الاتحاد الاشتراكي فرصتهم لارسال الشائعات بان الرئيس سيفعل بتلك المجموعة التي وقعت على العريضة سيفعل بها كذا وكذا لكن ارادة الله كانت الاسبق فانتهت مايو قبل تنفيذ كذا وكذا وباءت نبوءات الجماعة بالفشل.

فيا استاذ حسن لقد كان هنالك من يستطيع ان يقول للرئيس «لا» في ذلك الوقت فان صبرت قليلاً على فكرتك واجتهدت قليلاً لوجدت اكثر من العدد الذي حددته للتوقيع ولو اتصلت بنا لكنا في مقدمة الموقعين.

خلاصة الامر لقد كان اتحاد نساء السودان هو التنظيم الوحيد الذي سجل موقفاً للتاريخ في معارضته لاعدام الاستاذ محمود محمد طه. وبحمد الله فان المسئولين عن احداث هذه الرواية احياء يمكن مراجعتهم لمن اراد التأكد من ذلك.

* احدى الموقعات على العريضة

Post: #50
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 00:41 AM
Parent: #49


rayaam 01/25/06

سيناريو

حسن ساتي

[email protected]

ذكرى الأستاذ محمود.. حزمة أسرار 4-5

ونعود لحزمة الأسرار، كنت وكما اشرت سابقا في جدة في مهمة لتحديث طاقة الجمع في صحيفة الأيام، وذلك بعد أن وثقنا توزيعها اليومي بوصوله الى 105 ألآف نسخة، نعم، مائة وخمسة آلاف نسخة في اليوم من دار التوزيع ومديرها أخي أبوبكر أرباب، ونشرنا الوثيقة على الصفحة الأولى، وبعد مراجعة كل الصحف العربية، كتبت مع شهادة دار التوزيع أقول أن هذه الصحيفة هي الأولى عربيا توزيعا باستثناء بعض الصحف المصرية، والتي لا يمكن أن تنافس على خلفية تعداد السكان ونسبة الأمية... الخ، وقلت أن ذلك الحكم ينطبق على الشرق الأوسط جريدة العرب الدولية، وكان ذلك بحسابات ذلك الزمان وليس اليوم طبعا.

تزامن وجودي بجدة مع نشر منصور خالد لحلقات كتابه ''السودان في الكرة البلورية '' بجريدة السياسة الكويتية، وأهمها الحلقتان 18 و19 من تلك المقالات وفيهما كشف منصور عن الفساد في مايو، بإشارات لتورط مسئولين بالقصر وعدنان خاشوقي.وتزامن كل ذلك أيضا وفي مكتب السفير مع زيارة عابرة لعلي شمو وكلتوم العبيد مديرة مكتب الرئيس نميري، كان تقدير علي شمو أن مقالات منصور هي الأكثر دمارا للسودان في تلك اللحظات، قالها بالانجليزية شوم ٍُ لمنففىَهسرار،، ولكني فوجئت بكلتوم العبيد، وهي محل تقديري دوما، تسألني أن أتولى الرد على منصور خالد بعد عودتي، والتي وجدت نفسي معها منقولا لأكاديمية السودان للعلوم الإدارية، وأمام قناعتي بقرب انتهاء كل هذا '' المولد '' قلت لها: لكن منصور ما قال حسن ساتي سرق.. ما أحسن يردوا الناس الذين اشار اليهم، بدت مندهشة واحتفظت بتعليقها.

ولكني وباللجوء الى تكنيك الإسقاط والتداعي، وعلى ذكر منصور خالد، أذكر أننا في الأيام كنا قد ركبنا الصعب ونشرنا له، أيام رئاسة اسماعيل الحاج موسى لهيئة التحرير العام 1980 سلسلة مقالات ما أسميه '' الخروج ''، بعنوان: لا خير فينا إذا لم نقلها. وأذكر أن منصور وبونا ملوال كانا يمران عليّ بالأيام كل مساء تقريبا لينقل منصور حرصه على تجنب الأخطاء المطبعية، ورجائي أن أولي الأمر عنايتي الشخصية، وذلك ما حدث. وأذكر أني ومع قرب نهاية الحلقات، قلت لمنصور وأنا أتقدم معه لسيارة ''السيهان بيرد '' التي كان يأتينا عليها: دعنا نكون صريحين، أشم في هذه المقالات نعيا متقدما لكل هذه القصة. قال بطريقته القاطعة والفاصلة: طبعا.. طبعا.. قلت: ولكن السؤال أيضا وكم ستأخذ رحلة النهاية هذه ؟ . قال: يعني.. دعنا نقول شيئا مثل أواخر العام 1984، والعبارة الأخيرة قالها لي بالإنجليزية، وقد تذكرت ذلك وأضفته الى حزمة قناعاتي بأن هذا المركب يغرق.

ومن عجب أن تلك كانت قناعتي وأنا في أميركا ضيفا على وكالة الإعلام الأميركية، وقد سألني يومها هناك مرافقي جاسم العزاوي، التلفزيوني اللامع حاليا بقناة أبو ظبي، وكان وقتها طالبا بالجامعة، عن تداعيات قوانين سبتمبر، قلت له: أفضل شئ يوصلك لفهم ما يحدث مقروءا مع الحالة السودانية بخصوصياتها هو أن أبعث لك من القاهرة بالبريد كتابي طه حسين '' الفتنة الكبرى والفتنة الصغرى ''، إن لم تكن قد قرأتهما، فأجاب بالنفي، وقد فعلت وأشتريت لنفسي أيضا نسختين إنعاشا لذاكرتي. وحين عدت بعد غيبة ثلاثة اشهر هي مدة الزيارة، قابلت الرئيس نميري لأطلعه على مجمل الزيارة، فأخذت السانحة، وللتاريخ، لم اشر لرأيي صراحة في قوانين سبتمبر، وإنما لواقعة سؤال مرافقي العربي الأميركي ''جاسم '' لي عن تداعياتها ولردي واقتراحي له بقراءة كتابي طه حسين وقولي للرئيس بأني شخصيا أعيد قراءتهما، لأني حقيقة قد اعتبرت ذلك ردا دبلوماسيا أمام رئيس، بمعني أني أرى شبح فتنة، فيما رأى الأستاذ محمود بعدي بشهــــــــور ما هو أبعد، رأى دولة للهوس الديني فدفع حياته ثمنا لنعيش نحن. والى الغد.

Post: #51
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 00:42 AM
Parent: #50


Rayaam 31/01/2006

حسن ساتي

[email protected]

ذكرى الأستاذ محمود.. حزمة أسرار 5-5

وأعتذر بداية لانقطاع مواصلة حزمة الاسرار بمداهمات الحزن القاسية التي كتبت فيها.

كنت في دار روز اليوسف في يوم لا أذكره من أيام العام 1976، وتحديدا في الطابق الخامس حيث مجلة صباح الخير، وفي حضرة الراحل رئيس تحريرها حسن فؤاد، وكان نبأ نيتي زيارة السودان بعد منفى اختياري لعامين قد تسرب في المؤسسة، متزامنا مع حملة كان قد دشنها الراحل عبد الرحمن الشرقاوي رئيس مجلس إدارة روز اليوسف ضد علماء الأزهر، متبنيا فكرة تقول بإمكانية أن تكون ماركسيا وتكون مسلما، وهو طرح تقاطع مع رؤية نفر منهم. فوجئت بحسن فؤاد يقول لي: الشرقاوي يريد رؤيتك، قلت: متى، قال الآن. ومضى ليتحدث الى مكتبه ويرتب المقابلة، فأكملت قهوتي وصعدت للطابق السابع حيث استقبلني بحفاوة وبتلقائية عظماء مصر: حسن إزيك، وكيف عامل.. وإنت بتكتب حلو يا ابني.. شد حيلك.. وإحنا قلنا للنميري ان روز اليوسف ليست ضد السودان، بدليل أننا قد ضممنا اليها كاتبا سودانيا، »يقصد شخصي أنا بالطبع «.. وقهوتك إيه.. ومضى مباشرة ليقول: إنت تعرف محمود طه، قلت نعم. قال لم أقرأ له كثيرا، ولكن أفكاره تعجبني، وسمعت إنك رايح السودان.. تقدر تعمللنا معاه حوار.. في مسألة شيء اسمه علماء الدين، وعن الماركسية.. وبالمرة نقدر نخلي القارئ المصري يقف على فكر الرجل. رحبت بالفكرة، فقال لي، عايز من روزا حاجة » معناها المساهمة في نفقات سفري، « شكرته، وقلت له: أنا كده كده رايح، ضحك وقال لي: طيب لمن ترجع نتصرف.

عدت لحسن فؤاد، وبدا لي أنه كان على علم بأسباب المقابلة، لأنه وعلى الفور قال لي: حسن هل قرأت كتاب نوال السعداوي الذي صدر هذا الشهر » حواء هي الأصل «، قلت لا، فتح درجه ليعطيني نسخة ويقول: بالمرة حاور لنا أستاذ محمود حول هذه الفكرة، ودا طبعا مش لروزا، وإنما لصباح الخير، وغادرت للسودان.

حاورت الأستاذ في الموضوعين، وهما متاحان ليومنا هذا بصوت الاستاذ وصوتي على موقع الجمهوريين على الانترنت باسم «الفكرة.. ولا أذكر بقية تفاصيل الكود»، وفيهما ذهب الأستاذ الى أن حواء بالطبع هي الاصل، لأنها هي الأرض في حين أن آدم جاء ك «ألمامة سماوية »، وتمعنوا ثراء العبارة.. وقال ان التطورية والنشوء عند داروين جاءا متأخرين لأن لهما أسانيدهما الدينية من وجهة نظره طبعا، ومجمل رأيه في الحوار لروزا أنه لا يوجد في الإسلام شىء اسمه رجال دين...الخ.

لم يكن ذلك أول حوار أجريه مع الاستاذ، فقد حاورته العام 1974 قبل هجرتي لصالح جريدة الأيام، ولكن رؤسائي تحفظوا على الحوار، وليتهم كانوا قد نشروه، إذن لكان قد زاد مؤامرة إعدامه وضوحا، ففي ذلك الحوار، وعن جزئية فرية رفع الصلاة عنه، قال لي: المقلد لا يمكن أن يكون أصيلا، والرسول قال: صلوا كما رأيتموني أصلي وفي ذلك تثبيت للتقليد، والصلاة صلة بين العبد وربه، ولذلك وحين تتقنها سنة على قدم الرسول، وتتبعها بالتهجد تقترب من الوصول الى صلاة تخصك في مناجاتك وهي تتلاقى مع التقليد، ولكنها تصطحب نفسك الخاص، أي التجديد، وإمعانا في هذا التجديد المطلوب طلب مني الاستماع الى تدشينهم لفكرة تلحين وأداء نصوص دينية منتقاة من أدب التصوف للنابلسي وإبن الفارض.

حين عدت بالحوارين للقاهرة، كنت وكانا سيئي الحظ، فقد استعرت الحملة بين الشرقاوي والأزهر، وقال لي حسن فؤاد مشيرا الى أن ذلك سر: الريس السادات بنفسه اتصل بعبد الرحمن وقال له: كفاية يا عبد الرحمن. فأخذت صباح الخير الرسالة فيما يبدو لنفسها أيضا مع اختلاف سياقات الحوارين فلم ينشرا.

رحم الله الأستاذ، فالحاجة اليه ولفكره الوسطي مقروءا من عيونه، وليس بالشهادات السماعية، لا تزال قائمة.

Post: #52
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 00:45 AM
Parent: #1



إن قصيدة ود دوليب هذه حملت نبوءات وان فك «شفرة» هذه النبوءات يتم عن طريق حساب الجمل والحروف.. ولذلك يعتقدون أنه حتى أحداث الحادى عشر من سبتمبر فى امريكا مضمنة فى هذه القصيدة. وأن ظهور المسيح الدجال مضمن فى قصيدته وأن الهجمة على السودان مضمنة فى قصيدته كذلك، ونحن لا نريد ان نفتح هنا باباً «للا معقول» ولكن لنشير الى ان كثيراً من ادبيات السودان وكثيراً من التشكلات السياسية فى السودان ظلت خاضعة للخارطة الدينية التقليدية، ولذلك نجد ان الرئيس النميرى حينما أفلس برنامجه القائم على الاشتراكية وأفلس برنامجه القائم على التوجه صوب امريكا اتجه مرغماً الى الخارطة الدينية فكان مشروع الولاية الثانية وكان مشروع النهج الإسلامى كيف؟ ولماذا؟ .. وأنه فى إطار هذه الخارطة الدينية قام بتصفية محمود محمد طه وأبرز مشروعه فى إعلان تطبيق الشريعة الإسلامية.


http://www.rayaam.net/22005/05/03/articles/article1.htm

Post: #53
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 00:45 AM
Parent: #52



احتفاء بالذكرى الستين لـ«الرأى العام»:

الجمعية الأدبية بعطبرة لها دورها أيضاً

بقلم: مصطفى أبو شرف

سعدت بالعدد الممتاز لـ«الرأى العام» فقد جعلنى وجيلى الذى عاصر الحركة نهيم فى تهويمة مقدسة للماضى النبيل -الجميل- الأصيل الذى عشناه وملء بردية الشباب والقوة والفتوة وكنا نؤمن أن ليس وراء العمل الوطنى مال يبتغى أو لجاه يرتجى وإنما سبيلهما لمن يريد «التقرب من الانجليز» يستغلها بالدجل والنفاق وللأستعمار يستدره بالملق والتجسس، والصفوة من الخريجين لم تعرض الضمائر للبيع ولا المؤتمر للأتجار وليس هناك إلا الصدق والصبر والزهد وللمجاهد احدى الحسنين -ضريبة الوطن بوفاء الابن البار لها إذا فازت أو الجنة إذا استشهد.

أخى القارئ

كاتب هذه السطور من الجيل الثانى من الخريجين الذى حط رحاله بعاصمة الحديد والنار -عطبرة- إذ سبقه الكثيرون منهم للالتحاق بحسابات السكة الحديد -قاسم مجذوب- محمود الفضلى- عبد المجيد عبد الرحيم- إبراهيم علي- أحمد محمد يوسف- محمد سنادة- صالح مصطفى الطاهر ومن البارزين فى غير أقسام الحسابات -خليفة عباس- الطيب عباس فقيرى- صالح محمود اسماعيل- حسن طه شريف- أمين عمر البنا- محمود محمد طه «المهندس» ومعه فى قسم الهندسة يضم غندور- محمد حسن زين العابدين- أمين حسن علي- محمود ابوبكر «الضابط فيما بعد» ثم الذين عيونوا كمفتشى حركة كما كانوا يسمونهم - مبارك زروق - حسن طه «شاعر الجماهير» محمد السيد- مكى السيد علي- اسماعيل حسين والتيجانى سعد- وأأسف ان غاب عن ذاكرتى التى أصابها الوهن بعض الأسماء- هؤلاء جميعاً هم الذين أنشأوا الجمعية الأدبية بالنادى السودانى والذين نصبوا الشهيد محمود محمد طه سكرتيراً للنادى وهو الذى وقع «التعهد» للجنة النادى وكانوا كلهم من آبائنا الذين لا يحتملون مشقة الجهاد وما يتبعه من حركات لا يرضى عنها الحكام بل كان هو «محمود» الذين وقع الورقة «أنه هو وأعضاء اللجنة الأدبية مسئولون أمام القضاء لو حدث ما يعكر الأمن ويخرج عن النظم المتبعة آنذاك» ولهم العذر فما كانت أتبرة تتخلف عن ثورة 1924 بل شاركت فعلياً بالتظاهرات التى حدثت أيامها وجعلت الانجليز يحسبون للعمال الذين انخرطواً مع أخوانهم واخيراً فى الجمعية الادبية الف حساب- بل وبسياسة «فرق تسد» بنوا لهم دار خريجى مدرسة الصناعة وهى التى أحالها العمال لتدريس اللغة الانجليزية ومحو الأمية بل وللخلايا للحركة الوطنية -وليحيا نضال الحركة العاملة- سليمان موسى- الطيب حسن- محمد ادريس عبد الكريم- أحمد الفكى- خيرى عبد المجيد «الجيل الذى سبق الشهيد الشفيع أحمد الشيخ» وقاسم أمين وأخوانهما.

وكان جزاء محمود ان ينقل من «اتبرة» الى جبيت وكان يوم وداعه يوماً مشهوداً يؤرخ فإن عطبرة الوفية ردت له جهاده إعترافاً منها بفضله والقافلة سارت بعد بحماس أكثر لتقول للانجليز «كلنا محمود»!!

أخى القارئ

وتكونت لجنة المؤتمر الفرعية بعطبرة ورفضت لجنة النادى ان يقام الاجتماع العام بساحة النادى «الباب اللى بجيك منو الريح- سدوا واستريح» كان شعارها- لجنة الآباء المحترمين» وقد أقيم الاجتماع العام بسينما النجم الأحمر لصاحبها أميل قرنفلى وقد طلب الرجل أن يفسح للمؤتمر كل ما فى الدار من كراسى من الساعة الرابعة مساء الى السادسة وبعدها ليبدأ العرض- لعل هذه تمر على القارئ ببساطة ولكن لو عرف ان مدير المديرية فى الدامر رفض أسماء مقدمى الطلب لأن ليس فيهم من كان فى الدرجة «أ س هـ» أكبر درجة للسودانيين أيامها لبطل العجب ولأنه ظن ان السودانيين الذين يتمتعون بالدرجة أياها لا يجرأون ليفعلوها وهم يتابعون الحمقى من الشبان ولكن خاب ظنهم فقد وقع على الطلب المهندس محمد حسن زين العابدين وأقيم الاجتماع وتقديراً لموقفه طلبنا منه أن يتلو خطاب سكرتير المؤتمر «كان المرحوم أحمد متولى العتبانى آنذاك» وبعدها سيتولى أعضاء اللجنة الحديث للاجتماع- كان عدد المؤتمرين أيامها ألفاً وثمانين عضواً وهم النواة للحركة الوطنية بـ«اتبرة» أيامها والتى تمخضت عن مساندة المؤتمر فى حوادث الجمعية التشريعية- ألا يذكر من باب الوفاء للقارئ تحية شاعر المؤتمر لـ«أتبرة»:

لله أتبرة يقيم بها الشباب القيم

القطر يهتف باسمه فله بكل فم فم

من كل جبار النهى فكأنما هو ملهم

وكأن فى أثوابه سعد العظيم ومكرم

وطنية أهدافها عمل فلا تتكلم

أضفى عليها الاتحاد رواءه والميسم

آمالها لبلادها مما يراق له الدم

وقد صدق شاعرنا فقد قدمت عطبرة القرابين على هيكل الوطنية الصادقة وما ضحايا «النادى الأهلى» ببعيد عن الأذهان ومن الوفاء فى شئ ان أذكر المرحوم ابراهيم المحلاوى الذى ركل الوظيفة العالية فى حسابات السكة الحديد شأنه شأن راهب الوطنية حماد توفيق- وقاد المظاهرات أيامها - وما كانت مساهمة الخريجين أيامها بقليلة ولا مساهمة العمال بالتى تنكر أو تقبر .

ضمن أعضاء اللجنة أىامها



http://www.rayaam.net/22005/04/08/araa/araa5.htm

Post: #54
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 00:46 AM
Parent: #53



استدراك على العقل السوداني:

الناقد محمد الجيلاني: محمود محمد طه انتج مقدمات عدم كفاية الوعي السوداني

حوار : محجوب كبلو

ارتبط اسم محمد الجيلاني طيلة العقد الاخير تقريباً بما يمكن ان نطلق عليه ايدولوجيا المكان أو المكانية، وقد قارب طيلة هذه الفترة بواسطة نظرية المكان هذه كما يسميها مختلف القضايا في مختلف الحقول.. العلم والفلسفة والدين والفن، ولما كانت جل هذه المقاربات، ان لم تكن كلها، شفاهية من خلال فعالية المنتديات، رأينا تقديمه في هذا الحوار لعله يجلى بعض الغموض حول هذه النظرية، خاصة ان هنالك كثيراً من اللغط وسط جمهور المثقفين حول توصيفها الشفاهي.

ü ما هو تعريف هذا المشروع الفكري؟

ـ استدراك على العقل السوداني لتفعيل عنصر المكان فيه.

ü ماذا تعني بالاستدراك؟

ـ لغة يعني الالتفات إلى ما كان يجب ان يحضر سابقاً ولم يفعل.

ü هل تعني حضور ذلك الشئ رغم تكرار الشروط التي لم يحضر عبرها سابقاً؟

ـ نعم، كانت العقبة في عدم حضوره هي عدم الوعي بأهمية المكان.

ü كون المكان معطى بديهياً، الا يعارض ذلك القول بأن الوعي السوداني، أو اي وعي آخر عاجز عن ادراكه؟

ـ هناك تدرجات في الوعي السوداني:

في الوعي الشعبي المكان موضوع للتوصيف وفيه ايضاً المكان مسرح، أما في وعي السلطة فالمكان فهو مدخل استثماري، بينما فلسفيا هو المكان الذي يفكر مع الانسان في انتاج معرفته.

ü ماذا تعني بالمكان الذي يفكر، اذا كان ذلك مجازاً، فما هي حدود هذا المجاز؟

ـ المكان المفكر ليس مجازاً ولكنها حقيقة مثل الومضة سهلة الفرار وعصية الامساك.

فمثلاً لانتاج خطاب قانوني لصالح غالبية السكان في السودان الذين هم مزارعون، مع ان الممارسين الفعليين والذين لا نقيس عليهم اقل من 65% من المجموع، في مثل هذا الوضع، نجد مجالا للحديث عن الزراعة كمغامرة وكاسترزاق وكملكية وعن يجب ان تشكل مصدراً من مصادر هذا القانون واهدافه، وبالنظر إلى القوانين السودانية التي تأسست على المنقولات تضرب صفحاً عن هذه الاغلبية.

ü ولكن طبيعة القانون هي ان يعبر عن مصالح الشرائح المهيمنة لا عن مصالح الاغلبية.

ـ هذه ليست طبيعة القانون بما انه نتيجة للوعي وليست سبباً له، فهل تعتقد ان حاكماً استطاع ان يحول سلطته من فئة محددة الى طاعة من كامل الشعب ويجتني ريعه كسلطة من كامل الجغرافيا العاملة أو النشطة، هل هذه مصلحته أم ان المصلحة في التسلط الجزئي والتنمية الجزئية؟.

ü يبدو ان هنالك اعتماداً على المنظومة القيمية التي يعتقدها الحاكم؟

ـ على النقيض ليست هنالك منظومة قيمية ندعو لها بل نحن بازاء التشكيك حولها، لان الاستدراك يقتضي استعراض البنى الرئيسية والنظم والبنى المادية والقيم وكشف تصدعاتها.

ü عود على البدء، المكان المفكر كما تفضلت بتسميته، الا يناقض ذلك حقيقة ان الوعي الانساني هو التجلى الوحيد للوعي في مجمل المادة الكونية؟ واستطراداً لتوضيح السؤال يذهب محمود محمد طه إلى ان النبتة اعلى مقاماً من الجبل الذي تنبت بين شقوقه، والنملة اعظم من الشمس لوصولهما الى سلم الحياة أولى الخطوات نحو الوعي.

ـ المقام ليس مقام اتفاق أو اختلاف، بل هو مقام ترتيب. محمود انتج مقدمات مشروع حين كان يتحدث عن عدم كفاية الوعي الانساني (راجع كتاب الدين والتنمية الاجتماعية). وتكلم عن مراحل القلب والعقل والجسم، وحدد مرحلتنا في مرحلة الجسد وهو يساوي الطبيعة ولا يزيد عليها بحال، ولكن ما يدعي بالهيومانزم في الغرب فمرجعيته موت الانسان عند فوكو، وان ما يحكمنا هو مرحلة الهجاين بعد كل هذا الدفق من الانبياء والفلاسفة والعلماء بما يعني استمرار الميتافيزياء.

ü ماهي تقاطعات هذه النظرية مع اقنومي الفلسفة المادي والمثالي؟

ـ مجموعة تنبؤات الفلسفتين تتمشكل بين الاستقراء والاستنباط حيث تختلف المعطيات عن المعطيات الحالية، انظر إلى منهج العلوم البحتة والانسانية، يمكن التدقيق مستقبلاً في هذا الموضوع.

ü بصورة اكثر تحديداً، ما هي الحاضنات الفلسفية التي افرخت هذه النظرية؟

ـ اسئلة الجابري التي انطلق منها معتمداً بنيوية جيرار جينيت، تعتبر مفاتيح لمشروع الفكرة في شكلها الذي تمظهرت به والتي فتحت اسئلة كيف نفكر؟ وكيف يُفكر لنا؟ فبدأنا في تأسيس هذا الاستدراك الذي يجيب على المغيب عن التفكير فيه عندنا.

فاذا كانت العرقية قد صنعت النازية، والايدولوجيا صنعت الاتحاد السوفيتي والدين صنع مكة فماذا كانت تصنع هذه التأسيسات اثناء الانهيار والعبور الى المستقبل؟ فبدأنا نفكر في الجغرافيا على الرغم من اشتغال المفكرين والفلاسفة عليها مثل هيجل الذي انتهى إلى العرقية الاوربية وغاستون باشلار الذي انتهى بها إلى علم النفس الجمالي، ونحن نريد قلب المنهج بكامله عبر اعادة ترتيب اولوية مصادر العقل.

ü ما هي نقاط التأسيس لهذه الفكرة في مجمل المشهد الفكري السوداني؟

ـ اذا صح قول محمد المهدي بشرى والذي لم اجد له سنداً حتى الآن، ان الاستاذ محمد أحمد محجوب تطرق الى العامل الجغرافي كأحد عناصر الوحدة الوطنية ولم يسهب بشرى في ذلك ولعله يفعل، واشار الناقد أحمد عبد المكرم إلى مقطع العبادى الشعري في مسرحية المك نمر:

يكفي النيل أبونا

والجنس سوداني

كما أشرت أنا في مقال بالخرطوم قبل اشارة عبد المكرم إلى دور مدرسة الغابة والصحراء والتي أظن انها تتساوى مع اشارة العبادى في بحثها عن المشبه به الشعري المحلي اكثر من بحثها عن مفردة او مفهوم يستدرك كما نفعل الآن.

وأنا أبحث في اضاءات المتعلمين الفكرية والاهليين لمقولات تتصل بهذه النظرية، علماً بأن ما ساهمت به الحضارات والاسئلة مثل سؤال الهوية وسؤال الآخر كاشكالات آنية لم تواجه الاجيال السابقة وهنالك من ادى دوراً سالباً لتغييب هذا الاستدراك الضروري.

ü تلاحظ لك مقاربات عديدة لمختلف النصوص الابداعية، ما هو موقفكم كمدرسة حول المنهج القيمي والشكلاني؟

ـ هذا السؤال لم نصل إليه بعد، وقد لا نصل إليه، فما نفعله الآن من استدراك على العقل السوداني لم يتم استيعابه ولم يترجم إلى نظم تربية وتعليم ووجدان، وذلك لا يعيق انتاج آداب سابقة لهذا الاستدراك.

ü من هو الاقرب من المبدعين السودانيين للنموذج الذي تطرحه المكانية على صعيد الشعر والرواية؟

ـ في الشعر يمكن التفاوض مع مدرسة الغابة والصحراء تاريخياً رغم تلاشيها وتغييبها لبؤرة ضوء كان يمكن ان تفتح من الادبي إلى المعرفي وقد تفلتت من الكوزموبو ليتانية (صحوة العالموية) في صرعتها في قصيدة النثر منتجاً نصاً بعنوان:

الشاعر محجوب كبلو يقارب نظرية المكان موضوعاً ومنهجاً حين يقول في المطلع:

يا مكرس للينابيع

يامتوج بالغمامة

طار الحمام

من موكب الجليل للنيل

واهداك السلام

فيما يخص الرواية واذا كان التجلي للمكان انتاجياً هو الزراعة، فان ما قرأته من رواية سودانية يسحق الفاعل الاساسي في هذا المكان كصنيع الطيب صالح في موسم الهجرة وكما فعل بركة ساكن في الطواحين مما يساوي وزير الزراعة الاسبق قنيف خروج المزارع الضعيف من الدولة الزراعية.

أما حيال النقد فتمتد المحاولات الرغبوية بأكثر مما هي معرفية منذ حمزة الملك طمبل ومحمد عشري الصديق وعبد الهادي الصديق وصولاً إلى محمد المهدي بشرى وعبد المكرم اللذين تركا اشاراتهما في الخلاء، وصلالات أحمد الطيب زين العابدين الجميلة في المكان الثقافي ظاناً انه المكان التأسيسي.

وهنا نشير إلى ان المكان نعرفه هو اقصاء وحصار وابشار للمكان الطبيعي


http://www.rayaam.net/22005/05/25/art/art9.htm

Post: #55
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 00:47 AM
Parent: #54



الاثنين19ديسمبر2005

أوراق العمر مع عضو مجلس رأس الدولة الاسبق الاستاذ ميرغني النصري (1)

كان لـ (الازهري) عربة لا تسعه الا هو - كنا نقوم بدفرها عندما تحرن

اجراه: محمود الجراح

احد رجال القانون عمل بالمحاماة بالمحاكم السودانية منذ 1956م كان نقيباً للمحامين لاكثر من عشر سنوات. وصار رئيساً للجنة قبول المحامين 83-.85
رفاعة مدينة عربية لكن الشكل السكاني لها اتسع متجاوزاً اصلها الرفاعي حيث قدمت اليها قبائل سودانية اخرى من الركابيين والشايقية والجعليين كذلك بعض العوائل ذات الاصل التركي والمغربي.. فاصبحت من حيث السكان لوحة مونقة ذات الوان بهية خلابة.

على طول هذا الطريق كانت هناك منظمات اسلامية اخرى منها منظمة الاخوان المسلمين بقيادة سودانية يرأسها الاستاذ المغفور له باذن الله علي طالب الله وهنالك الحزب الجمهوري بقيادة محمود محمد طه وهو حزب قائم على مباديء اسلامية ونزعة اشتراكية ذات مضمون فردي واجتماعي.. وهنالك هيئة انصار السنة بقيادة محمد هاشم الهدية ومنظمة التبشير الاسلامي بقيادة شوقي الاسد.

فهذه المنظمات الاسلامية ماعدا الحزب الجمهوري تجمعت في هيئة سميت لجنة الدستور الاسلامي وهذه اللجنة تدعو الى الدستور الاسلامي. وقد اتصلت بكل من قيادة الحزب الوطني الاتحادي بزعامة الزعيم اسماعيل الازهري وقيادة الانصار بزعامة عبدالرحمن المهدي. وبقيادة الختمية بزعامة السيد علي الميرغني.. اتفقوا على قيام جمهورية اسلامية ودستور اسلامي في العام 1957 تم تكوين لجنة قومية للدستور وكان ذلك في عهد الرئيس عبدالله خليل . وتكونت هذه اللجنة من الاحزاب السياسية ومن شخصيات وطنية. ومن عضوية للمنظات الاسلامية بما فيها الحزب الجمهوري ..


http://www.rayaam.net/22005/12/19/tahgigat/hiwar2.htm
___

Post: #56
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 00:48 AM
Parent: #55


نيران صديقة

الصادق والمزاوجة بين الامامة والجمال

محمود الجراح

في حالة تماثل خلجات علي بن الجهم، شاعر عيون المها، تفتق جوف الصادق المهدي عن مخفيات حب نادر الاناقة، مفعم اللذاذة والعذوبة .

تمدد به كثيراً، أصبح الي جانب ريادته المطلقة للأنصار، صريعاً لفاتنات النهى .

الحكاية برمتها نقلتها عنه مجلة اوراق «عدد اكتوبر الماضي» عندما سألته عن ابيات في شأن الختان لم يكملها، فسأله المحرر عن بقية الأبيات وعن ماكتبه الصادق بخلافها من اشعار.

فقال الامام:

انا اكتب الشعر في بعض المواقف، اذكر منها مرة، كنت علي متن طائرة برفقة المرحوم عمر نورالدائم وكان هناك «مضيفة» تقف علي خدمة الركاب بهمة عالية، وكانت علي قدر عالٍ من الجمال، فدار حوار بيني وبين المرحوم عمر نور الدائم قلت له فيه:

زي دي لو كان في غير عالمنا يخدموها، ماتخدم..!

ثم نظمت فيها بعض الابيات لا اذكرها الآن. وتعليق آخر من عمر نورالدائم نفسه حول طاقم الحماية الخاصة بالعقيد معمر القذافي. وقد كان العقيد في زيارة للخرطوم، سألني المرحوم:

ـ حسّع زي ديل بحْمَنو؟

يقصد الحرس النسائى، فأخذت قطعة من منديل الورق وكتبت عليها بعض الابيات في معناها، ان الافعي لا تغتر بمنظرها الناعم فهي تستبطن في دواخلها كل الشراسة .

فعلق المحرر:

إذن انت موجود في عالم الجمال، تتغنى وتترنم وكذا .....

فقال الامام : انا احفظ الشعر وانشد وادندن بصوت عالٍ إحياناً.

وفي النهاية قال الصادق:

حارسات القذافي الهمنني شعر الغزل .!

وفي الحقيقة الامام بهذا الحديث الذي افضى به لم يكن بعيداً من الشاعر الجاهلي علقمه بن الفحل، فلبس عباءته وانشد:

فأن تسألوني بالنساء ** فإني بصير بأدواءالنساء طبيب

إذا شاب راس المرء أو قل ماله ** فليس له من ودهنّ نصيب

وانفعال الامام الصادق بالجمال يشي الى هيامه «سراً» في فضاء انساني يؤجج فيه نيران الهوى. فهو حقيقة يكاد يصرخ من شدة ما يعتريه من هوى: مالي أفي ويخان عهدي وما بالي اُصاد ولا أصيد

ومادام الامام ـ رجل الدين والاجتهاد ـ يدندن بشعر الغزل متغنياً في وهج قشيب الضياء، فإنه كأمام للانصار، أوجد فيه مندوحة زاوجت بين الغزل والصحوة الاسلامية التي فجرها كفضيلة أخلاقية مسكرة الفوح.

الامام الصادق اجتهد وزاوج بين العيون النجل المدهشات والصلوات في ناشئة الليل. بإعتبار ان ما من شئ إلا يسبح بحمده. وقديماً قال محمود محمد طه: «المرأة وسيلتنا للحب الالهي».


http://www.rayaam.net/22005/12/23/igtm3i/igtm3.html

Post: #57
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 00:49 AM
Parent: #56



اتفاقيات السلام ... البدايات والمآلات (2)

د. منصور خالد

السلام الشامل ما هو؟ وما هى وسائل تحقيقه؟

بقدر ما نستطيع، حاولنا في المقال السابق إبانة الأسباب التي أدت لأن يكون التفاوض بين الحكومة والحركة الشعبية ثنائياً وينتهي إلى وفاق ثنائي. وقلنا إن تحقيق السلام الشامل لا يتكئ، فحسب، على صدق الارادة السياسية للطرفين الموقعين في تنفيذ الاتفاق الذي تواصيا عليه، وإنما أيضاً على صيانة ذلك الاتفاق بسياج من التأييد الوطني. السلام الشامل، أو الحل السياسي الشامل، تعبير شاع في الخطاب السياسي منذ منتصف الثمانينات، خاصة بعد أن جاءت الحركة الشعبية بأطروحة قلبت المفاهيم هى أن مشكل الجنوب هو مشكل السودان. وكما ذكرنا في المقال السابق استطال الحوار في كوكادام بين الحركة والتجمع الوطني حول إن كان المشكل الذي ينبغي حله هو قضية اقليم محدود (الجنوب) أو قضية الوطن كله. ولعل ذلك الانكار من جانب الطبقة السياسية الشمالية أن الوطن كله مأزوم هو الذي حمل الأستاذ محمود محمد طه في الستينات، حين استبد بالناس الحديث عن مشكلة الجنوب، إلى اصدار كراسة اتخذ لها عنواناً: "...وللشمال مشكلة أيضاً". حقاً، كان الخطاب السياسي يومذاك، في الغالب الأعم، يتمحور في مشكلة واحدة هى مشكلة الجنوب، وفي قضية واحدة هى قضية الديموقراطية. الأولى تذكرنا بها دوماً الحرب الأهلية، والثانية لا نستذكرها إلا عند وقوع الانقلابات أو سقوط الأنظمة العسكرية فنبدأ في البحث عن وسائل حمايتها.


http://www.rayaam.net/22004/07/26/articles/article26.htm
____

Post: #58
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 00:50 AM
Parent: #57



ويؤكد غازي سليمان على أهمية البعد الأسري حيث يضيف : ما اكتسبته من والدي أحد قيادات الحركة الوطنية وعضو اللجنة الستينية في مؤتمر الخريجين ومن المؤسسين له ومن المؤسسين أيضاً لندوة ودمدني الأدبية نواة الحركة الوطنية في السودان مع زميليه أحمد خير وإسماعيل العتباني مؤسس «الرأي العام» إضافة الى شخصيات تلقيت منها الثقافة والشجاعة وهم أبي طبعاً محمد أحمد سليمان وهو أول مدرس للغة الإنجليزية والتاريخ بكلية غردون، والشريف حسين الهندي الذي عملت معه بوزارة المالية، وعبدالخالق محجوب، ونقد الله الكبير والشهيد محمود محمد طه، وأجاب غازي عن هل السياسة تمثل لك مصدر رزق؟ قائلاً: السياسة أفقرتني وأنا أصرف عليها من دخلي في المحاماة ودخل أشقائى الأطباء مروان ومامون، وأضاف السياسة أفقرتني واخوتي


http://www.rayaam.net/22005/05/14/syasia/syasa5.htm

Post: #59
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 00:51 AM
Parent: #58



تحــــت الضـــــــوء

بين الحقيقة والوهم

توقع اغتيال الصادق المهدي..!

تحقيق: ايمان آدم

* اعدام محمود محمد طه في العام 1985 زعيم تنظيم الجمهوريين.

* اختطاف محمد مكي محمد مؤسس جريدة الناس في العام 1969 على ايدي الثوار الفلسطينيين في جنوب لبنان والذي اعيد للخرطوم لتتم محاكمته بتهم التسلل الى اسرائيل وتهم اخرى. تم تسليمه للثوار الفلسطينيين حسب اتفاقهم مع حكومة السودان. تواترت الانباء بعد ذلك عن تذويبه في برميل من الحامض.




http://www.rayaam.net/22005/05/14/syasia/syasa4.htm
__________

Post: #60
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 00:51 AM
Parent: #59



البروفيسور: حسن مكي

.................
تشكيل جنوب سودان حر: ذكريات كفاحنا 1934م ــ 1985م


العلاقات اليهودية .. السودانية والسودان والصهيونية: (1 ــ 2)
سياحة تاريخية سريعة:-

علاقات أهل السودان باليهود قديمة فقد تزوج نبي الله موسى كوشية ولم يعبأ باحتجاج اهله على ذلك كما سارت جيوش الفاتح السوداني ترهاقا استجابة لدعوة من احد انبياء اليهود لتخليص القدس الشريف من قبضة الآشوريين بقيادة سارهدون الثاني، وظل السودانيون على الشريعة الموسوية الى ان ذهب ابان المملكة المروية وزير مالية الكنداكة ملكة مروي الى المسجد الاقصى للزيارة والحج وهناك قابل حواري المسيح فليبس، ومن الخدمات المتناولة بين اهل السودان والمسيحية، ان وزير الكنداكة خلص فليبس حواري المسيح من جلاديه كما اعتنق وزير الكنداكة تعاليم العقيدة المسيحية التي توطنت في السودان بعد قرون من ذلك وقد شاع في الادبيات اليهودية ان مملكة مروي عمل فيها اليهود كفنيين واختصاصيين في صهر الحديد حتى اصبحت مروي برمنجهام افريقيا في تلك العصور السحيقة.
======.

في وقت طغت فى وسائل الاعلام قضايا تطبيق الشريعة الاسلامية في السودان واعدام محمود محمد طه وتلى ذلك تطورات داخلية ادت الى الاطاحة بنظام الرئيس جعفر محمد نميري.


اسرائيل من دعم انانيا الى دعم الحركة الشعبية



http://www.rayaam.net/22004/04/03/articles/article12.htm

Post: #61
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 00:52 AM
Parent: #60



كمال الجزولى
.......................
حَوْلياتُ الحُلْمِ الانْسَانِى

السادِسُ والعِشْرُونَ مِنْ يُونيو (3)

(1)

أرضه يستبدون بالأمر من (3/4) غير أن تاريخ الفكر الاسلامى شهد ، منذ وقت باكر ، تياراً آخر يمثله مفكرون أحرار اشتغلوا على الاعلاء من شأن مفهوم (حرية) الارادة الانسانية فى القرآن ، مقابل (الجبر) كتبرير للظلم ، كاشفين بذلك عن الدوافع (السياسية) الكامنة فى أساس نظرية (الارجاء) الملغومة! ولذلك لم يكن محض مصادفة أن يُغتال أبرز رموز هذا التيار من خلال صراعات الدولة الاسلامية ، كمعبد الجهمى عام 80 هـ ، وغيلان الدمشقى عام 99 هـ ، والجعد بن درهم عام 120 هـ (هيثم مناع ؛ ''الانسان فى الثقافة الاسلامية'' ..) ، تماماً مثلما اغتيل فى السودان ، ولنفس الأسباب ، الشهيد محمود محمد طه عام 1985م. ويلزمنا أن نشير هنا أيضاً إلى أن الحسن البصرى (21 ـ 110 هـ) يُعتبر أقوى أبكار المدافعين عن حرية الاختيار والعدل والمسئولية ، وهو الذى سأله سائل: ''آخذ عطائى من بنى أمية أم أدعه حتى آخذه يوم القيامة''؟ فأجابه من فوره: ''قم ويحك خذ عطاءك فإن القوم مفاليس من الحسنات يوم القيامة!'' (أنظر: هيثم مناع ؛ الامعان فى حقوق الانسان ، موسوعة عالمية مختصرة ، دار الأهالى 2000م ، مادة ''الحسن البصرى'').


http://www.rayaam.net/22005/05/03/articles/article1.htm

Post: #62
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 00:53 AM
Parent: #61



رسالة من بروفيسور عبد السلام جريس

الاخ د. خالد المبارك ثاني لقاء لنا كان بمنزل الشاعر الفذ الراحل محمد عبد الحي بمنزله حيث كنا نحتفل بمناسبة اسرية سعيدة وفجأة ساد الوجوم عندما سمعنا باعدام الاستاذ المفكر محمود محمد طه ولم يمر وقت طويل الى اللقاء الثالث امام بوابة كلية الطب في ذلك الىوم المشهود أواخر مارس 1985م وكنا نقف بالقرب من الاستاذ عمر عبد العاطي المحامي وهو يتلو بيان الانتفاضة وفجأة هوى من عل عندما اطلق الجنود القنابل المسيلة للدموع فتفرقنا.


http://64.233.167.104/search?q=cache:PARBh6G8SYEJ:www.r...n&ct=clnk&cd=9&gl=us

Post: #63
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 00:54 AM
Parent: #62



تحت الضوء

د. منصور خالد

عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة(23)

انفصاليوالشمال، وانفصاليوالجنوبقــــــراءة خـــــارج النص

نقول هذا، بصرف النظر عن رأينا في تلك الحروب، أو رأينا في تواطؤ الكثيرين بالصمت عنها وعن ادراك ماتقود اليه شحنات الكراهية التي ولدتها. تلك حقيقة، لا نعدوالصواب إن قلنا، إن بصيراً واحداً فطن لها يومذاك وجاهر برأيه فيها، ألا وهوشهيد الفكر محمود محمد طه.

كان الاستاذ يقول، كلما تكاثر الحديث حول مشكلة الجنوب : ''وللشمال مشكلة أيضاً''. وكان، كلما تسمع بياناً من القيادة العامة للجيش يعلن عبر المذياع خبراً مفاده :''لقد فقدنا عشرة شهداء في المعركة ومات الف من الخوارج''، ردد :''الاجدر أن نقول فقد السودان مائة والفاً من ابنائه''. هذا قول رجل يدرك البدهيات، ومن البدهي أن القلوب جُبلت على حب من يحسن اليها، وبُغض من يسئ اليها، ناهيك عن الغضب الذي اورثته لأهل الجنوب مظالم متجذرة. لذلك، ظللنا ندعو، مع قلة ذات حس بالآخر نذكر منها الراحل العظيم محمد عمر بشير، للاعتراف بجذور المشكل بدلاً من الهروب منها الى الأمام بسياسات لا تقود الا لتعميق البغضاء بين ابناء الوطن الواحد. لم نذهب لذلك إلا بدافع الحرص على انقاذ أهلنا في الشمال من أنفسهم، وكان المسار عسيراً. وحمداً لله ان انتهى أهل السودان جميعاً لهذا الرأي. انتهى اليه التجمع المعارض في مقررات اسمرا، وانتهت اليه حكومة الانقاذ في ماشاكوس.


http://www.rayaam.net/articles/article26.htm
_________________

Post: #64
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 00:55 AM
Parent: #63



إنتَهَت اللعْبَة!

THE GAME IS OVER!
كمــال الجـــزولي
مساء الثامن عشر من يناير 1985م.

غداة إعدام الشهيد محمود محمد طه في السابع عشر من يناير ، إجتمع ، سِراً ، ممثلو ثلاثة عشر نقابة ، على رأسها المحامون والأطباء والمهندسون والتأمينات وأساتذة الجامعات ، ليؤسسوا (التجمع النقابي) ، وليتداولوا خيارَي الاضراب أو تسيير موكب يسلم رئيس الجمهورية مذكرة تطالب بإطلاق الحريات والحقوق ، وبالأخص حرية العمل النقابي ، وإلغاء قانون النقابات ، وضمان استقلال القضاء ، والجامعات ، وحرية البحث العلمي ، واعتماد الحل السلمي لما كان يُسمى ، حينها ، بـ (مشكلة الجنوب) ، فضلاً عن رفع المعاناة عن كاهل الجماهير ، وما إلى ذلك. وبدا الرأي الغالب أميَلَ للمزاوجة بين الخيارين.

من جهتها ، كانت أحزاب الأمة والاتحادي والشيوعي قد عكفت ، أصلاً ، ومنذ العام 1984م ، على بلورة (ميثاق) يوحد العمل الوطني الديموقراطي للاطاحة بالنظام بين أطراف جبهة المعارضة ، بما فيها الكتلة السياسية التي كانت قد ائتلفت ، قبل سنوات من ذلك ، مع حزب البعث ، في ما عُرف بـ (تجمع الشعب السوداني).


http://www.rayaam.net/malaf/roznama.html

Post: #65
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 00:56 AM
Parent: #64



وكرم الله يماهي بين السكون والحركة في نسيج شخوصه ذات الأبعاد الروحية الإلهية ، حيث كل مخلوق صناعة علوية بوظيفة محددة في الحياة. وتستمد صيرورة الأشياء عنده مادتها من أثر فلسفي يقترب ويبتعد ، بقدر محسوب ، من وعن الفكر الجمهوري الذي ما يزال يتخلل خطابه. وكنموذج لهذا ، فإنه يُظهر ، في قصته (حمار الواعظ) ، كم هو محير أن يتحول الدين إلى محض أداء روتيني يمارسه الواعظ كما لو كان مكلفاً بتوصيل رسالة ناقصة إلي البسطاء ، فتجده يحثهم علي مخافة الله العزيز الجبار الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ، بينما هو لا يفعل ذلك في علاقته مع حماره الذي يعذبه ليل نهار!



http://www.rayaam.net/malaf/roznama.html
_________________

Post: #66
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 01:02 AM
Parent: #1


نشرت صحيفة الراي العام في عددها الصادر اليوم الخميس الموافق 15 مايو 2003 مقالاً لأحد كتابها وهو راشد عبدالرحيم صاحب العمود اليومي " إشارات" وعنوان المقال هو: هل هي ردة؟.

يتطرق المقال الي الأستاذ والي الفكرة الجمهورية واصفاً اياها بـ { الغثاثة }.

واليكم نص المقال بحذافيره علما بانه موجود علي موقع جريدة الرأي العام علي الإنترنت www.rayaam.net في باب الأعمدة:

هل هي ردة؟

بعد زوال حكم الرئيس الأسبق جعفر نميري حفلت الصحف السودانية بالكثير من الغثاء حول قضايا سلفت في عهد النميري واتخذ اليساريون من قضية محمود محمد طه سلماً يرتقون به الي إدانة حكم النميري ومن ستار الهجوم علي الشريعة الإسلامية متخذين مطية لهم التطبيق الذي حفل بالأخطاء من نظام الرئيس النميري.

في ذاك العهد تولينا كبر منافحة ما ينشره الجمهوريون من غث فكرهم وكنا بعضاً من حملة واسعة قادها اخيار من الإسلاميين.

واليوم تقوم صحيفة الوفاق بتخصيص صفحة كاملة من عددها الصادر امس للحديث عن محمود محمد طه وعن حزبه وفكره ولم تجد الصحيفة ما تنشره في ذكري الإحتفال بالمولد النبوي من هذا الفكر المندثر والمشوش والخارج علي الملة.

هل نقوم بحملة علي صحيفة الوفاق والاخ الأستاذ محمد طه محمد احمد وهو من نعلم من جهاده وحرصه علي امر الإسلام؟

ام انها فتنت الإسلاميين باتت تغيب الخير وتفسح لغيره؟

هل من مبرر يدركه ولا ندركه؟

هل من جديد يقول بغير ما كنا نري في هذا الفكر؟

ام هو اعتقاد بحرية الرأي والنشر التي تجبر إخوة نجلهم لمثل هذا الموقف ام هو من جراء أزمة الصحافة التي لا تمكن من ملاحقة كل ما يرد في الصحيفة.

أم انها فتنة كقطع الليل الأسود تحيط بنا وتكاد تزلزلنا عن ديننا وإسلامنا.

لقد كفي الله الناس شروراً اصبحت اليوم تتسرب من جهات وصحف عهدنا بها ان تلتزم جادة الحق وصحيح الشريعة الإسلامية لا ان تكون هي اول من ييقظ الفتن النائمة والشرور الجاسمة ان تنطلق من جديد وتذهب بجهود الناس ان يعودوا لما سلف من ترهات.

اخي محمد طه حيرتنا صفحتكم هذه واغاظنا ان يجد مثل هذا الفكر ساحة في اوراقكم البيضاء.

Post: #67
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 01:04 AM
Parent: #66



from www.rayaam.net May 20th, 2003
أصخرةٌ أنت يا راشد..؟!

هناك ثلاثة مستويات في قضية الفهم والممارسة:
1- رجل يدرك حجم المأزق وأبعاد المشكلة في قضية معينة وسعى لإيجاد الحل ووجده.
2- ورجل يدرك حجم المأزق وأبعاد المشكلة وسعى للحل ولم يجده.
3- ورجل لم يدرك حتى وجود مأزق أو مشكلة!

وحسب المعطيات المقدمة من السيد راشد عبد الرحيم في عموده «إشارات» بـ «الرأي العام» يوم الخميس 15 مايو، نحسب أنه -وبلا تحفظ- من الفئة الثالثة التي لا تدرك أن الفكر الإسلامي المعاصر وناشطي الإسلام المعاصرين يعيشون مأزقاً حقيقياً وأزمة طاحنة في عملية المواءمة بين التراث والمعاصرة ومحاولتهم المستمرة لإنزال أحلامهم وأشواقهم على أرض الواقع! هاجم راشد محمد طه محمد أحمد «الوفاق» لأنه أفرد صفحة كاملة للحديث عن محمود محمد طه. دعك -يا راشد- من محمود ومن محمد طه وتعال معي نبحر في بحر معضلة واحدة من المعضلات التي تواجه إسلاميي العصر.. والقضية بصورة «مضغوطة ومكبسلة» تتلخص في الشورى والديمقراطية: وقول واحد وابتعاد عن كثير من الجدل غير اللازم نقول- مستهدين بالله- إن الشورى ليست ديمقراطية، فالديمقراطية هي «رأي الأغلبية مع تقديس حقوق الأقلية»، والشورى هي إمضاء عزيمة النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بعد مشاورة أصحابه، إن شاء أخذ برأيهم حين يكون في نظره حقاً، وإن شاء أمضى عزيمته «وهي حق عنده» الى أن يأتي رأي السماء موافقاً أو مصححاً، والشورى عند جمهور المسلمين في السلف الصالح «معلمة» وليست «ملزمة»، والمأزق الحقيقي «المعضلة» أن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الخطأ من جهة تصحيح الوحي له ومن جهة «أدبني ربي فأحسن تأديبي» ومن جهة أنه مجتبى في الأرحام ومصنوع على عين الله، فمَنْ مِنْ الرجال الآن يستطيع أن يملأ هذا المقام وكفى؟! الحركة الإسلاموية في السودان بقيادة الترابي حاولت المواءمة فقالت بالزامية الشورى مفارقة جمهور المسلمين ووضعت مكتب الشورى فوق رأس المرشد مما كلفها مقاطعة ومخالفة الحركة العالمية للأخوان المسلمين!.. وهي في ذلك لم تفعل أكثر من «دمقرطة» الشورى لعلمها بالمأزق!!. هذا هو المأزق -يا راشد- والمشكلة والمعضلة والأزمة في «كبسولة» أرجو ألا تكون مخلة.أما حجر الزاوية الذي استبعده البناؤون «محمود» وأما صاحباك محمد طه وحسن مكي اللذان يدركان المأزق ويعيشان مأساة الإسلاميين فلندعمها قليلاً حتى تدرك أنت أولاً أن هناك مأزقاً وأزمة ومعضلة.الأمر الذي أريدك أن تعرفه وأكشفه لك أنني أتابعك منذ ما يقارب العشرين عاماً ولا أجدك متطوراً ولعلك «كما يقول الدكتورالتجاني عبد القادر الإسلاموي الذي ذهب مغاضباً» من الحركيين الذين تحتشد بهم الحركة الإسلاموية وتفتقر كثيراً -حسب رأيه- الى الفكريين.

عيسى ابراهيم

تعقيب: الأستاذ الكريم عيسى ابراهيم

نشكرك على المشاركة وإثراء النقاش وأقول لك إنك أول من وصفني بالفكريين وما أنا إلا صحفي أكتب في هذه المساحة رأياً شخصياً بحتاً وأحمد الله أنك وجدتني غير متطور هذا التطور الذي تؤمن به أنت وأهل الفكر الجمهوري أنا برئ منه. ولعلك خبطت خبط عشواء ما للبروفيسور حسن مكي وما كتبته في عمودي من رأي. الأستاذ محمد طه أدخلنا في «مأزق» و«كبسلة» و«دمقرطة» وعجبي لمن يعجز «أستاذ عيسى» عن تعامل مع لغته لاسيما إن كانت لغة متميزة كالعربية ولا يجد إلا هذا الذي يشابه الفكر الذي منه ينبعث.

Post: #68
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 01:06 AM
Parent: #67


هل هي ردة؟»

بقلم / محمود خيري أحمد
المحاميü

في الوقت الذي استشعرت فيه حكومة الانقاذ ــ بعد تجربة طويلة ــ استحالة تجاهل الرأي الآخر وما قد يؤدي الىه ذلك التجاهل من عواقب وخيمة ومن ثم بدأت في تغيير خطابها السياسي بالتوكيد على حرصها على اشاعة الحريات العامة، وفي الوقت الذي نتطلع فيه الى عام 2005م وهو العام المزمع ان تكون فيه الخرطوم عاصمة للثقافة، وفي الوقت الذي يتجه فيه العالم اتجاهاً قوياً نحو الحريات بكافة اشكالها وفي الوقت الذي يحدثنا فيه الاستاذ ادريس حسن رئيس تحرير صحيفة «الرأي العام» بالعدد 2063 بتاريخ 15 مايو 2003م في الصفحة الثالثة عن التعديلات المقترحة في قانون الصحافة الجديد لاعطاء المزيد من الحريات العامة بما فيها حرية الرأي وحرية الصحافة وانه «لابد ان يكون التعامل مع الحريات العامة وحرية الصحافة بشكل خاص متواضعاً مع المعايير الدولية المتفق علىها عالمياً» في هذا الوقت يطالعنا صاحب عمود اشارات راشد عبد الرحيم في ذات صحيفة «الرأي العام» وفي ذات العدد وعلى نفس الصفحة بمقال بعنوان «هل هي ردة؟» وفحوى المقال ان صاحب العمود ينكر بل ويشدد النكير على صحيفة «الوفاق» ورئيس تحريرها الاستاذ محمد طه محمد احمد لنشرها صفحة كاملة عن الاستاذ محمود محمد طه وعن حزبه وفكره.

ونحن غير معنيين برأي كاتب المقال حول الفكر الجمهوري، فهذا شأنه، ولكننا معنيون ومشغولون بل ومنزعجون بممارسته نهجاً من الوصاية الغليظة يتعارض مع مبدأ احترام حرية النشر والتعبير الذي يميز الصحافة الحرة والصحافيين الاحرار، فصاحب «الاشارات» يعيب على صحيفة «الوفاق» قيامها «بتخصيص صفحة كاملة من عددها ذاك للحديث عن محمود محمد طه وعن حزبه وفكره ولم تجد الصحيفة ما تنشره في ذكرى الاحتفال بالمولد النبوي الشريف من هذا الفكر المندثر والمشوش والخارج عن الملة»، أي ان راشد عبد الرحيم لم يتدخل فقط في تحديد المادة التي يجب ان تقدمها صحيفة «الوفاق» لقرائها في ذكرى المولد النبوي بل يريد ان يحدد لها المساحة التي تستحقها تلك المادة حسب هواه، فواضح ان كاتب المقال يعترض ــ من حيث المبدأ ــ على صحيفة «الوفاق» لنشرها مادة صحفية عن الفكر الجمهوري، اما وان فعلت فما كان ينبغي لها ان تفعل ذلك في «صفحة كاملة» فهل هنالك وصابة اكثر من ذلك؟ وهل هنالك حجر على حرية الرأي اكثر من ذلك؟ ولا يتوقف الامر عند هذا الحد بل يذهب الكاتب الى الارهاب الفكري وذلك بالوعيد بالقيام بحملة على صحيفة «الوفاق» وعلى الاستاذ محمد طه محمد احمد «وهو لم يشعر بعد بانه قد قام سلفاً بتلك الحملة بمقاله هذا»، اسمع قوله «هل نقوم بحملة على صحيفة «الوفاق» والاخ الاستاذ محمد طه محمد احمد وهو من نعلم جهاده وحرصه على امر الاسلام»، ما هو مبرر هذه الحملة التي يهدد الكاتب بالقيام بها على صحيفة «الوفاق» ومحمد طه محمد احمد؟ هل لان الصحيفة قامت بنشر افكار لا تتفق مع افكاره؟ أو يكفي هذا للقيام بتلك الحملة؟ وهل يظن الكاتب ان محمد طه محمد احمد أو معتنقي الفكر الجمهوري سترتعد فرائصهم من هذا الوعيد فيزهدون في التعبير عن آرائهم؟ واذا كان الكاتب يعلم جهاد محمد طه محمد احمد وحرصه على امر الاسلام فكيف يقوم الاخير بنشر «الفكر المشوش والخارج عن الملة» والذي بالطبع سيضر بالاسلام، ويواصل الكاتب ارهابه الفكري في اكثر من موضع في مقاله ذاك بالحديث عن «الفتن النائمة» وعن الشرور التي اصبحت تتسرب للناس من جهات وصحف العهد بها التزام جادة الحق وصحيح الشريعة الاسلامية حسب تعبير الكاتب .. وبطبيعة الحال فان على هذه الصحف التزام جادة الحق وصحيح الشريعة الاسلامية من وجهة نظر كاتب المقال وليس من وجهة نظر تلكم الصحف وإلا سيقوم راشد عبد الرحيم بحملة علىها كما هو الحال مع صحيفة «الوفاق»، وكاتب المقال ضيق الصدر بالرأي الآخر حتى انه قد اغاظه كما قال ان يجد الفكر الجمهوري ساحة في اوراق صحيفة «الوفاق».

ومقال الاستاذ راشد عبد الرحيم يفتقد قيمته لانه لم يحتو على أية معلومة عن الفكر الجمهوري يمكن للقارئ الاستفادة منها للمقارنة، انما احتوى على هجوم على الاستاذ محمود محمد طه وعلى الفكر الجمهوري ناعتاً اياه بـ «الغثاثة» و«الخروج عن الملة» اضافة الى كونه مشوشاً حسب تعبير كاتب العمود، والملاحظ ان الكاتب لم يورد ولا دليلاً واحداً على هذه الاتهامات انما يطلق الكلام على عواهنه الامر الذي لا يعدو ان يكون عدم احترام لعقل القارئ، وعلى الرغم من ان المقال بقيمته تلك كما اسلفت إلا ان اهمية الرد علىه تأتي لسببين :

السبب الاول ان الصحف ووسائل الاعلام عموماً تلعب دوراً مؤثراً في تشكيل الوعي الجماهيري.

السبب الثاني ان هنالك اجيالاً ناشئة لم تتح لها الفرصة الكافية لمعرفة الفكر الجمهوري وان من حقها علىها التنوير، بحقيقة هذا الفكر حتى تحكم بنفسها ما اذا كان هذا الفكر غثاً ومشوشاً وخارجاً عن الملة كما زعم صاحب العمود ام انه فكر يدعو الى اتباع النهج النبوي الذي باتباعه تتخلص البشرية من كل العذابات التي تعانيها الآن؟.

لقد عبر الاستاذ محمود محمد طه عن آرائه في الكثير من القضايا العامة، الدينية منها والسياسية وله مؤلفات عدة وهي مبذولة لمن يحرص على الاطلاع علىها ومن هذه المؤلفات «طريق محمد» و«تعلموا كيف تصلون» و«الرسالة الثانية من الاسلام» و«القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري» و«مشكلة الشرق الاوسط»، والعديد من المؤلفات الاخرى، وكل هذه المؤلفات تدعو الى تقليد المصطفى صلى الله علىه وسلم والى اتباع سنته واتخاذها وسيلة لترقي الفرد البشري، ففي كتاب «طريق محمد» على سبيل المثال جاء في الصفحة الاولى من الطبعة السابعة يوليو 1973م ما يلي :

«بتقليد محمد تتوحد الامة ويتجدد دينها» اما اهتداء الكتاب على ذات الصفحة فجاء فيه «الى الراغبين في الله وهم يعلمون والراغبين عن الله وهم لا يعلمون، فما من الله بد»، ويحدثنا الاستاذ محمود محمد طه في ذات الكتاب على صفحة «6» عن طريق محمد بقوله «هو الطريق لانه طريق «المحبة» الخصبة، الخلاقة .. قال العزيز الحكيم عنه «قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله» بطريق محمد اصبح الدين منهاج سلوك به تساس الحياة لترقي الدرجات نحو الحياة الكاملة .. حياة الفكر وحياة الشعور»، اما في صفحة «7» من الكتاب المشار الىه فيحدثنا الاستاذ محمود محمد طه عن طريق محمد بقوله «الطريق هو النهج العملي الذي يوصل سلوكه الى الله، تبارك وتعالى، وليس الى الله تبارك وتعالى، وصول بالمعنى الذي يؤديه حرف الكلمة وانما المقصود بكلمة الوصول ان يكون حضور السالك مع الله اكثر من غفلته منه»، هذا ما يدعو له الفكر الجمهوري فكر الاستاذ محمود محمد طه فهل يمكن لكائن من كان ان يرمي هذا الفكر بالغثاثة والخروج عن الملة كما زعم صاحب عمود اشارات؟ والاتهام بالخروج عن الملة يقتضي التريث اذ ان المسلم الورع لا ينحو هذا المنحى خوفاً من ان ترتد علىه هذه التهمة، أو لم يقل المصطفى صلى الله علىه وسلم «اذا قال احدكم لاخيه يا كافر فقد باء بها احدهما»، ألا يخشى الكاتب هذه النذارة النبوية؟ ان مسألة اتهام الفكر الجمهوري بالخروج عن الملة تلقى مسؤولية دينية باهظة على صاحب المقال، كما ان اسلوب الاتهام بالخروج يكشف عن عجز واضح في مقارعة الحجة بالحجة والرأي بالرأي وهو يشكل عائقاً في ظل ظروف اقليمية ودولية بالغة التعقيد، اما اذا كان اتهام الكاتب للفكر الجمهوري بالخروج عن الملة يستند على الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف الجنائية في عهد الرئيس السابق جعفر نميري ــ اذا كان اتهامه يستند على ذلك الحكم فقد قالت المحكمة العلىا الدائرة الدستورية وهي اعلى سلطة قضائية كلمتها في هذا الامر في سابقة قضائية شهيرة تم نشرها بمجلة «الاحكام القضائية» 1986م على الصفحات من 163 وحتى 198، وفي اشارة لمحكمة الاستئناف الجنائية التي اصدرت حكم الردة على الاستاذ محمود محمد طه جاء في حيثيات المحكمة العلىا في السابقة المشار الىها على صفحة 181 «ان محكمة الاستئناف لم تكن عابئة فيما يبدو بدستور أو قانون...» وجاء في موضع آخر «وقد كان منهج محكمة الاستئناف اكثر غرابة حين استندت في حكمها على مسائل ليس من شأنها ان تقوم الادلة التي يجوز قبولها قانوناً»، ولم تكتف المحكمة العلىا بابطال حكم محكمة الاستئناف الجنائية الصادر في عام 1985م بل قامت بابطال حكم محكمة الاستئناف الشرعية العلىا الصادر في 19/11/1968م بحسبان ان محكمة الاستئناف الشرعية العلىا لم تكن تختص باصدار احكام جنائية بل كان اختصاصها مقتصراً على مسائل الاحوال الشخصية للمسلمين من زواج وطلاق وميراث «ارجع لصفحتي 181 و182 من قرار المحكمة العلىا المشار الىها» وبالتالى فان حكم المحكمة العلىا باعتباره الكلمة الاخيرة للقضاء والمنشور في المجلة القضائية المشار الىها قد حاز على حجية الامر المقضي فيه قانوناً Res judicata أي انه صار حجة على الكافة.

اخي راشد عبد الرحيم ان دستور الانقاذ لعام 1998م ــ على قصوره ــ قد نص على كفالة حرية الفكر والتعبير في المادة 25 منه، ويقع على رجال الصحافة عبء كبير في العمل على انزال هذا النص الدستوري الى ارض الواقع وذلك بخلق الرأي العام المستنير الذي لا يضيق بالرأي الآخر وهذه غاية عظيمة ينبغي ان يعمل الجميع لتحقيقها وانت كصحافي حري بك ان تكون في مقدمة الركب، ولاجل هذا كله فان مقالك المنشور بهذه الصحيفة تحت العنوان «هل هي ردة؟» يحتاج الى مراجعة، انك ان لم تفعل فلا يعدو ان يكون ذلك إلا محاولة لتأخير عقارب الساعة.

محمود خيري
ماجستير قانون

Post: #69
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 01:08 AM
Parent: #68



إلا قليلا

د. كمال حنفي

Email: [email protected]

كلهم أقسموا !
ما رأيكم أن نبحث عن قبور على حامد ... وشهداء الجزيرة ابا... وهاشم العطا وفاروق حمد الله وعبد الخالق محجوب و جوزيف قرنق ... وحسن حسين ... وعبد الاله خوجلى وعبد الله ميرغنى ... و محمود محمد طه ... وضحايا مذبحة وقفة عيد رمضان 1990 ... نقف أمامهم لنخبرهم أنه بعد فوات الأوان أمسكنا بدستور دولة المواطنة التى يكون فيها المواطن أهم من استقرار واستمرار النظام السياسى !



http://www.rayaam.net/22005/07/11/colum/colum5.htm

Post: #70
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 01:09 AM
Parent: #69


فيليب غبوش: أنا كالحرباء بطيء وخطير وعيوني مركبة..

(ديل قاعدين يعصروا الحكومة عصر تمام..!)

حوار: أحمد يونس

* لكنك تراجعت في المحكمة عن القبلية وأعلنت توبتك؟

ـ لم أعتذر عن الإنقلاب، وقلت للمحكمة نحن في المسيحية نغفر لأخوتنا سبعين مرة، المكاشفي طه الكباشي قال لي: (لسة ما تبت، قلت ليهو: لا..)!

ـ تلفت الأب فيليب ثم قال: (ما سمعت بحكايتي مع محمود محمد طه)؟!

* أجبت: لا..

ـ فباغتني إذاً (إنت رايح ساي)..

* ما هي حكايتك معه؟

ـ قلت لصاحبي لا تتعصب مع النميري، إشتغل بوليتيكا (سياسة)، لازم تبقى سياسي، عليك بأخذ السبحة والقول (لقد تبت)، عشان تواصل الفكرة والمباديء.. وين محمود محمد طه الآن؟! محل قبرو ما معروف، البوليتيكا تقول أن تعرف متى تزوغ إذا أحسست أن هنالك خطراً يهدد (كرعيك)..!

* كأنك تقول لا توجد مباديء تستحق الموت من أجلها؟

ـ محمود ما عندو مباديء.. كان بحارب الأخوان المسلمين بس!



http://www.rayaam.net/malaf/panorama.html
_________________

Post: #71
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 01:10 AM
Parent: #70


إلا قليلا

كمال حنفي

[email protected]

سيد الاسم

... اذا أصدرت السجلات المدنية السودانية الأسماء المتشابهة فى دوريات ستسرى بين الناس كالتيار الكهربائى تضيئ وتلسع ... تخيّل اذا أصدرت السجلات المدنية قائمة بمواطنين سودانيين اسمهم الطيب صالح ... تأمل لو أصدرت السجلات المدنية قائمة بمن اسمهم عمر حسن أحمد !

سنتفاجأ بعدد من السودانيين يغطّون اليابسة السودانية بمهن ومحن مختلفة اسماؤهم محمد أحمد المهدى واسماعيل الأزهرى ... هناك أسماء تجرى بيننا اليوم أعمارهم فى منتصف الثلاثينات يحملون أسماء نميرى والقذافى وعبد الناصر ... هؤلاء السودانيون غالبا من المولودين أيام توقيع ميثاق طرابلس ...اسم نميرى لم يكن متداولا بين السودانيين قبل مايو 69 واختفى بعد ابريل 85 ... وبين التاريخين توالدت موارد بشرية سودانية اسمها نميرى ... بل جنح البعض الى الأبعد فأسمى ابنه جندى نميرى!

نوع من القراءة السياسية أن نبحث فى أعمار سودانيين يحملون على رؤوسهم أسماء بارقة ... من حقنا البحث فى شهادة ميلاد كل من اسمه محمد نجيب... أو ازهرى أو عبود أو القرشى ... نوع من الانتخابات أن نحفر فى السجلات المدنية عن مواليد أوائل السبعينيات لنجد هل هناك مواطنون اسماؤهم عبد الخالق محجوب أو هاشم العطا أو جوزيف قرنق ... أو محمود محمد طه ... شكل جديد للاستفتاء أن ننبش فى شهادات مواليد عام 89 و 90 بحثا عن اسم الترابى!

مفهوم البطولة عند السودانيين اقليمى ولذلك فان عددا من السودانيين اخذوا أسماء سيد قطب و محمد مصدق والخمينى ومنقستو ... لكن يحيرنى سودانيون يجسّدون أسماء الشهرة فى الذكور أكثر من الاناث ... هل توجد بين بنات السودان واحدات اسماؤهن فاطمة أحمد ابراهيم أو سعاد الفاتح أو البلابل!

المغتربون السودانيون انخرطوا فى تسمية ابنائهم باسماء الجغرافيا التى يعيشون فيها ... ولكن حتى الآن لم نتأكد من وجود سودانيين اسماؤهم زايد وفهد أو سعاد الصباح أو حسنى أو الأسد ... فمعلوماتى تتوقف فى نقطة أنّ السودانيين يقفون عند الأسيد ولم يبلغوا مرحلة الأسد! ... لكن حتى الآن لم أسمع ببنت سودانية عمرها عامان اسمها راضية!

ابحثوا عن أسمائكم فى السجلات المدنية السودانية ستجدون مفاجآت سعيدة ... مشابهون لكم لم تلدهم أمهاتكم أو أباؤكم ... لا تبحثوا فى بلاغات الشرطة أو وكيل النيابة الأعلى حتى لا تكتشف بأنك متهم هارب من العدالة !... أنا شخصيا مارست هذا التمرين فوجدت اسمى مراسلا لقناة النيل من جنوب سيناء ... شكرا لكم ... يحييكم كمال حنفى من جنوب سيناء!!


http://64.233.167.104/search?q=cache:lpqvBEOukggJ:www.r...n&ct=clnk&cd=4&gl=us

Post: #72
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 01:11 AM
Parent: #71


الصباح رباح
كرسي أمام التلفاز

جلست على كرسي أمام التلفزيون لاصطياد مادة ممتعة ومفيدة.. ولحسن الحظ أو لسوئه كان الصديق الطاهر حسن التوم يقدم «مراجعات» مع البروفيسور أحمد عبدالعال.. وهو رجل سهل المحاورة فدائماً لديه ما يقوله.. وله من الحصافة ما يمنعه من الزلل بقول رأي لا يستطيع ان يدافع عنه.. وحقيقة كان أسلوب صديقي مقدم البرنامج مغيظاً حتى أنني أقترح عليه ان يكتفي بإعداد البرنامج ويترك التقديم لآخر أو أخرى. واضح ان الطاهر يقدم دائماً وحسب امتداد علاقاته ضيوفاً هو قريب منهم. إما من معارفه أو أصدقائه أو من في مقامهم.. ذلك يجعله «يرفع الكلفة» معهم مستغلاً هذا القرب منهم.. بما يجعلهم يقبلون منه أسلوب الاستفزاز الذي يتبناه.. وهذا القبول منهم يخرج الأسلوب من مضمونه فلا يكون الضيف مستفزاً حسب ضرورات الأسلوب مثلما «سنذكر بعد حين». لذلك كنت متوتراً حين سأله أكثر من ثلاث مرات عن هل كان قتل محمود محمد طه أو إعدامه خطأ.. ومهما استعمل البروف أسلوب الحكيم ألح المقدم.. وحتى كتابة هذه السطور لم يجب البروف على السؤال.. لأنه لا يرغب في أن يحمل فتوى على كاهله لا يستطيع ان يدافع عنها، وكذلك أزعم - عموماً دربة أحمد عبدالعال ساعدته على المخارجة وسطوته أمام الكاميرا. كذلك انصب السؤال حول مدرسة الواحد على ذات المقولات السابقة فيمن كان مبتدع الفكرة.. وما علاقة الموقعين عليها بإبداعها.. وما دور إبراهيم العوام في اختراعها- وهكذا كله لا مفيد ولا ممتع.. مثل إضاءة الفكرة.. وهل هي محاولة للمقاربة بين العلمانية والدين.. وهل هي جسر للعبور الى مصالحة مع الدين.. أو محاولة لكسب ود الإسلام السياسي؟ اسلوب الاستفزاز الذي مارسه صاحب المراجعات لم يكن موفقاً.. استفزاز المحاور أو الضيف هدفه الأول والأخير الحصول على مادة مليئة بفنون الإثارة والتشويق حيث تخرج من صدر المحاور «بضم الميم وفتح الواو» أفكاراً وحقائق مخبوءة ما كانت سترى النور إلا بأسلوب التفجير. وقد نجح الأسلوب في خلق مادة مثيرة، بيد أنه وقع في محاذير أخلاقية مثل استغلال ضعف النفس البشرية فالاستفزاز يجعلها تبرز نقاط ضعفها من عدم قدرة على الصبر أو انفلات عصبي أو إنطلاق اللسان دون كابح.. أسلوب الاستفزاز إن لم يثري الجدل ويطور الحوار ويجعله بنّاء ويقوم على احترام الآخر وتقدير المختلف واعطائه حقه في قول وجهة نظره أصبح مثل الفيلم الهندي لا يبقى في الذاكرة. أخيراً البرامج الحوارية تكون لطيفة إذا ما اتسع ماعونها.. عموماً إن كان صديقنا الطاهر لا يجد أحق بتقديم البرنامج سواه.. فليترك الضيف يجيب على أسئلة مكتوبة أو على طريقة برنامج «ظلال» المعروفة.

http://www.rayaam.sd/Raay_view.aspx?pid=84&id=5364

Post: #73
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 01:12 AM
Parent: #72


كان عالم عباس
تضاريس 88

38
بمناسبة صدور ديوان شعره الجديد --من شمس المعشوق إلى قمر العاشق--وبمناسبة قرب عودته إلى أرض الوطن وبمناسبة الشاعر نفسه وبلا مناسبة إن جاز لنا استلاف العبارة الرائعة عن الشاعر كمال الجزولي ، احتفل منتدى --السيد عبدالرحمن المهدي -- بجدة بالشاعر عالم عباس محمد نور في لفتة كريمة مساء الأربعاء الماضي طاف فيها متحدثون كثيرون من السادة والسيدات بعالم عالم.قدم للحفل جماع مردس وحضره لفيف من ألوان الطيف السوداني. صدرت المجموعة الشعرية الجديدة عن دار مدارك في مطلع هذا العام 2007م وصمم غلافها وأشرف على طباعتها الشاعر الناشر الياس فتح الرحمن ونفذها فنياً عفت إبراهيم ولأنها صدرت تسر الناظرين كان هذا التنويه بمن أشرفوا عليها.هي خطوة للأمام في إخراج الإبداع السوداني الذي عاني ولعقود طويلة من سوء النشر والإخراج. عنوان الديوان--من شمس المعشوق إلى قمر العاشق -- مثلما في -- منك المعاني ومنا النشيد-- مجموعة الشاعر نفسه التي صدرت عام 1984م عن دار المطبوعات الحديثة بجدة جاء ليصور لنا هذه الثنائية أيضاً التي يكون فيه الشاعر هو الثاني بطوعه واختياره لأنه يحب الأول خالقاً كان أو مخلوقاً في الجدليتين. نحن لا نقول بأن الشاعر هناك في المجموعة الأولى كان صوفياً وفي الثانية كان عاشقاً ولكننا نقول بأنه المحب الموله في كلتا الإصدارتين .وعلى الرغم من أن العاشق فاعل إلا أن شمس المعشوق هي التي ينهمر منها الضوء، أما العاشق الفاعل فتنطلق فاعليته بعد الوقوع في أسر ذلك الضوء وتلك المعاني.هكذا يصبح الفاعل منفعلاً. وعلى الرغم من أن المجموعة التي نحن بصددها قد صدرت حديثاً إلا أنها لا تحوي شعر عالم الجديد.المجموعة الوحيدة التي لم يصدرها الشاعر بجهده الخاص هي --إيقاعات الزمن الجامح--التي صدرت عام 1974م عن مصلحة الثقافة بالخرطوم وهي إنما جاءت بسبب فوز عالم الطالب الجامعي وقتها بالجائزة الأولى للشعراء الشباب ومن بعد صدرت لعالم عباس على التوالي مجموعات --منك المعاني ومنا النشيد--1984م ؛ماريا وامبوي1986م ؛ أشجار الأسئلة الكبرى 1986م.. نفسه وأخيرا وقبل صدور المجموعة الحالية صدرت للشاعر عن دار عزة -- أوراق شوق للخرطوم-- وهي عبارة عن مختارات. وهكذا نرى أن عالماً لم يكن مقلاً في النشر لكن شعره كثير ويسبق نشره بفراسخ وربما لو أنه نشره كله الآن لرأينا لهذه المجموعة ثلاث صويحبات أو أكثر .ولولا أن عالماً لم يتوقف عن الكتابة لقلنا ربما يتأثر الشعر بعدم النشر فالذائقة في كل جيل تتغير لكن عالماً شاعر مواكب وشعره شاب. استهل الشاعر مجموعته الجديدة بقصيدة --من أسفار الشعر والرفض -- التي كتبها ببورتسودان عام 1974م وهي في نظري --مانفيستو-- شعري عبر فيه الشاعر عن رؤيته للشعر : هاؤم أقرأوا كتابية الذي غنيت في سطوره لكل حاملي مشاعل التجديد من قديمنا.. وللذين آمنوا وأيقنوا بأن الشمس ، مذ عرفنا الشمس لا تعود القهقرى،والبدء كانت البداية الخلاقة التي تبحر ضد نفسها.. لكم أحبتي نقول الشعر، نرتقى، نهز جذعه... ومن نفس تلك الفترة من شعر بورتسودان نجد في المجموعة الجديدة قصيدة --سفر الخروج والكشف والرؤيا-- حيث يفصح الشاعر عن أنه خرج كدأبه القديم يفتش الجديد في القصيد وفي تلك القصيدة يفاجئنا في مقطع (الكشف)تصوير بعدسة مكبرة: خرجت من مسام جسدي كما البخار أقتفي القصيد بين رعشة تبددت ودهشة تمددت على الرموش خاطها الكرى على العيون فض ختمها السهاد حين ابصرت تسمرت فدمرت عماها كذلك اندلقت وانسرقت صرت خلف دمعة تسللت من بين فتحة الرموش من عروقها التي تيبست بتربة الجفون الراوي - الشاعر صار خلف هذه الدمعة وعلى الرغم من صغره المتناهي وتخفيه فما تلتقطه الكاميرا التي يصور بها إنما هي صور مكبرة فالدمعة التي هو خلفها: ترنحت وسقطت على تلال الخد ما تكاد تستقر في الخدود عند الوجنتين حتى امتدت الشفاه غيبتها لعقت ملوحة العذاب في كيانها وعرجت بها إلى القرارة التي غابت بها سواها فلا تراها. في قصيدة --السطور الاخيرة في دفتر الحلاج الثاني -- تلك التي أهداها الشاعر إلى روح الشهيد محمود محمد طه نقرأ: ثم استدار والشلوخ الغائرات الحزن أغفت فازدهى فيها الوقار وبريق في عيون هي لولا جنة الإيمان نار ويصرخ الشاعر في تلك القصيدة التي كتبها في فبراير عام 85م منادياً ابريل قبل وصولها: في كومة الركام هذه لابد من زلزال لابد من زلزال وكان الشاعر يوحد بين الوطن والشهيد بقرينة الحبل الواحد الملتف على كليهما كان الحبل الملتف على رقبتك الشامخة الرأس هو الطرف الآخر من ذات الحبل الملتف على عنق الوطن المقتول في ابريل عام 1984 بكى الشاعر شعراً حاراً على فراق والدته ففي قصيدة سقى جدثاً بالرمل نقرأ لوعة الشاعر: ويا جدثاً بالرمل قد ضم لحدها وقد ضم فيما ضم لبي وخاطري وبعد.. يقول عالم عباس في إحدى قصائد المجموعة : هو الشعر يا أنت نفس القصيدة قد فضحت سرها في المثاني ألوذ بها في اشتياقي إليك إذا بالغ المد في العنفوان أتيت لأصرخ هيا اتركوني وشأني دعوا الحزن لي والدموع التي فرطت عقدها في ثوانٍ والتعلات والشوق والبوح والتوق إني لأمزج صهباءها في دناني.. فهل نكون مجافين للحقيقة إذا دعونا القراء إلى صعود سلسلة جبال هذا الديوان منذ القصائد الباكرة --وثباً نحو القمم الألف-- وهي عنوان آخر قصيدة فيه؟ هذه دعوة لقراءة عالم عباس محمد نور في آخر إصداراته ومن ثم العودة لشعره منذ إيقاعات الزمن الجامح.


http://www.rayaam.sd/Search_Result.aspx?pid=84&ser=%u06...+%u0637%u0647&type=2
______________

Post: #74
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 01:13 AM
Parent: #73


نميري يكتب مذكراته.. ما الذي لم يقله؟
من الصدور الى السطور

لبابة جفون
مذكرات الرؤساء تنطبق عليها مقولة «تقرأ فيها ما لم تكتبه الصحف» لأنها خزينة أسرار متداخلة مفاتيحها بيد الرجل الذي «كان» الأول في الدولة وتنتهي عنده خيوط مؤسساتها السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية.. وبينما لزم فراش المرض الاسبوع الماضي الرئيس جعفر محمد نميري فإن خبراً قد سبق الى دهاليز الصحافة مفاده أن «أبوعاج» يعكف على كتابة مذكراته. وقد جاء وقع الخبر متفاوتاً في الأوساط المختلفة ، فبينما ارتفعت وتيرة الفضول عند البعض تحفز آخرون ما زالت تربطهم مرارات بمايو ورمزها نميري لم تستطع السنوات محوها، وتوجس آخرون قد تكشف المذكرات شيئاً من أسرارهم، وفرح من ينتظرون لملفات ظلت حبيسة الأدراج لبضع عقود ان ترى النور أخيراً. علاقاته! ولأنه حكم البلاد لحوالى ستة عشر عاماً شهدت أحداثاً متسارعة ومتداخلة وداوية ودامية ولا يزال بعض أبطالها شخوصاً ماثلين على مسرح الفعل السياسي يساريين وإسلاميين وطائفيين ومن سواهم، فإن الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري هو من أكثر الرؤساء السودانيين إثارة للجدل. استطلاع استباقي عن أهم القضايا التي قد تشملها «مذكرات نميري» هو ما حاولت «الرأي العام» الإجابة عنه فجاءت توقعاتهم عن أسئلة لا تزال تبحث عن إجابة. الكاتب والمفكر الاسلامي د. عبدالوهاب الأفندي يرى في علاقات نميري بحلفائه ومعارضيه على مدى سنوات حكمه أهم الجوانب التي سيكشف عنها نميري، فبحسب الأفندي فإن معظمهم تحدثوا من جانبهم عن علاقتهم به وبعضهم كتب عن تلك الصلة مثل الدكتور منصور خالد ،لكن نميري لم يكشف النقاب عما ربطه من مواقف وأحداث بالصادق المهدي والترابي وإسرائيل وسر الصورة التي ظهر فيها يتسلم رشاشة «عوزي» من أرييل شارون ،حيث وضعها الأخير ضمن مجموعة الصور في مذكراته وعملية الفلاشا وعلاقته بمصر. وأضاف الأفندي ان هذه ليست هي المرة الأولى التي يكتب فيها الرئيس الأسبق مذكراته، فقد مثل كتابه «النهج الإسلامي لماذا» الجزء الأول من مذكراته لأنها غطت فترة حكمه حتى العام 7791م، لكنه لم يفصّل فيها دقائق علاقاته السياسية. وسط النجوم التحولات الضخمة في كثير من القضايا المحلية والعالمية التي شهدتها مايو، وبقاء نميري طوال تلك الأعوام كرجل لم تنقصه الكاريزما والمكانة وسط القيادات التاريخية عربياً وافريقياً «عبدالناصر، السادات، نكروما، هيلاسلاسي، منقستو، الملك حسين، الملك فيصل، الأمير الصباح» هو ما توقّع مسؤول الأمن الخارجي في عهد النميري العميد م. حسن بيومي ان يقرأه في مذكرات نميري «رئيس لجنة الحكماء» العرب. في ذلك الوقت بالاضافة لأسرار اتفاقية كامب دي?يد وعن أسرار اكتشاف البترول في السودان وكيف منع الأمريكان استخراجه ،واضاف بيومي، بكثير من الحماس لرئيس كان ضمن قيادة مؤسسته الأمنية. أتوقع ان يكشف نميري الكثير عن جوانب حياته الشخصية لأنه رجل غير «فاسد» بحسب توصيف بيومي، مشيراً الى مذكرات الرئيس الامريكي بيل نيكسون وكيف انها كشفت عمن تعاون مع الـ CIA من قيادات العمل السياسي بالسودان، وتوقع بيومي للمذكرات في حالة صدورها ان تحدث «ضجة» لأنها ستكشف حقيقة كثيرين من مدّعي البطولات او كما قال! أسرار « المدعو نميري دا سبب كتلة الإمام والجزيرة ابا اكبر ازمة سودانية هو الذي تسبب فيها ،ولست معنية بأي شيء من كلامه سوى كشف الحقائق واجراء التحقيق حول هذه القضية» هكذا انفجرت الدكتورة مريم الصادق بغضب عارم تجاه السؤال الذي لم تنتظر حتى سماع بقيته!! العميد«م» عبدالرحمن فرح مسئول جهاز الأمن ابان العهد الديمقراطي لا يرى ان الرئيس نميري مهيأ الآن لكتابة مذكراته، متوقعاً ان يتولى كتابتها شخص آخر من مقربيه لكنه يتوقع في حال خروجها ان تجيب على كثير من الاسئلة المهمة حول دور نميري في اخراج الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من الاردن الى مصر واحداث ايلول الاسود وكذلك خفايا ما عرف بأحداث المرتزقة والمصالحتين الاولى والثانية وفترة المجاعة التي زار خلالها نائب الرئيس الامريكي جورج بوش الاب السودان والمساعي الامريكية لاخراج «الاسلاميين» من الحكم وقتها. ويتوقع عبدالرحمن فرح كذلك ان يكشف النميري عن «سر قسوته» تجاه بعض خصومه «اعدامات انقلاب هاشم العطا - حسن حسين-المرتزقة» وما تردد عن الخشونة التي عامل بها بعض وزرائه. بعض المراقبين تحدثوا عن جملة من القضايا التي قد تتضمنها مذكرات المشير من بينها قضية الفلاشا والاعدامات التي تمت في عهد مايو «محمود محمد طه - حسن حسين- هاشم العطا» واحداث شعبان وبدء اعلان تطبيق الشريعة«اغلاق البارات والبيوت سيئة السمعة» وجهود التنمية التي بذلها النميري في جوانب الصحة والتعليم وغيرهما . غير ان للأستاذة آمال عباس الكاتبة الصحافية وأحد اهم الرموز النسائية في مايو «عضو الاتحاد الاشتراكي السابق» وجهة نظر مفادها ان حقبة مايو بسنواتها الست عشرة كلها لم تلق حظها من التوثيق والتقييم ،فبحسب الاستاذة آمال ترافق قيام مايو مع ظروف داخلية وخارجية مهمة جداً لذلك كل فترة مايو يجب ان تلقى حظها في مذكرات نميري لأنها مهمة جداً وهي تجربة ملك للشعب السوداني وترفض «آمال» ان يطلق على كتابي النميري السابقين «النهج الاسلامي لماذا» و«النهج الاسلامي كيف» صفة المذكرات لأن التطبيق في تجربة 1983م يختلف عما ورد في تلك الكتب. وتضيف: مايو نفسها لا يمكن كتابتها بنفس واحد، فالعامان في بدايتهما لهما طابع مختلف عن الاربعة اعوام التي تلتهما والفترة من1983-1985م لها نفس مختلف تماماً. الرئيس جعفر نميري الذي ودعت حكمه الجماهير هاتفه «لن ترتاح يا سفاح». وعادت لإستقباله بهتاف حسير «عائد عائد يا نميري » . اختلف الناس معه او اتفقوا فقد حكم السودان في فترة شهدت اهم التحولات الداخلية والاقليمية والعالمية ظل فيها طوال الستة عشر عاماً حاكماً وزعيماً اوحد مما يجعل مذكراته شديدة الاهمية في كشف خبايا......«كل شي في مايو».

http://www.rayaam.sd/Search_Result.aspx?pid=84&ser=%u06...+%u0637%u0647&type=2

Post: #75
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 01:14 AM
Parent: #74



منصور خالد والأستاذ محمود محمد طه: قصة قصة قصة

يمثل الأستاذ نبيل أديب عبد الله المحامي الدكتور منصور خالد في قضية إشانة السمعة التي رفعها ضد جريدة الإنتباهة. ومع أن للمحاماة أعرافها في خوض القضايا إحقاقاً للحق بغض النظر عن رأى المحامي في طبيعة المتهم أو التهمة إلا إنني استغربت شيئاً ما - أن يكون نبيل طرفاً في القضية لسببين. أما السبب الأول فهو رأي نبيل (الذي هو أميز من يكتب هذه الأيام عن مادة إشانة السمعة وحرية التعبير) أن هذه التهمة من مثبطات النقاش الوطني ومبطلات دوران الرأي في الشأن العام. فلو وقع لي حديث نبيل أديب فهو على الحجة التي ترى في دعوى إشانة السمعة مصادرة للحق في انتقاد الحكام.

وبدا لي من عرضه الجيد لهذه المادة أن قانوننا يكفل هذا الحق لأنه استثنى من الحماية كل مشتغل بالعمل العام. وبدا لي أن نبيلاً ميال لأعراف القانون الأمريكي حول القذف دون سواه لأنه لا يتطلب من شانيء المشتغل بالعمل العام أن يثبت صحة أقواله عنه. فلو طالبناه بمثل هذا الإثبات لعطلنا النقاش الحر لأن الوقائع كثيراً ما خفيت. وهكذا يرخص القانون الأمريكي للمعلقين على رجال الشأن العام ونسائه حق الخطأ في إيراد الوقائع طلباً لليقظة تجاه أدائهم ومساءلتهم باستقامة لا تهدأ أو تكل. فمن مستحبات الأمريكان أن تخطيء، طالما أخطأت، على الجانب الصحيح من المسألة. وليس هذا الترخيص دعوة للسفه بإطلاق القول على عواهنه بالطبع. فالصحف من جانبها تأخذ هذه الطلاقة القانونية بجدية ومهنية تفلفل فيها قصصها فلفلة فلا تخرج الواحدة منها للنشر إلا بعد تمحيص لا يترك شاردة ولا واردة.

أما السبب الثاني فهو أن نبيلاً، مثل كل اليساريين من جيلي، ترعرع على ذائعة عمالة منصور للأمريكيين التي هي موضوع القضية موضوع الحديث. وصحيح القول أن الانتباهة لم تبتدع تهمة هذه العمالة وإنما اتبعت الشيوعيين فيها حذو النعل بالنعل . وهي عبارة تعلمناها من حبيبنا صلاح أحمد إبراهيم. ولم نسأل جيل منصور من رفاقنا الشيوعيين على ما قالوا عن منصور خالد برهانا. وكان آخر شانئة لمنصور من الشيوعيين بهذه العمالة في كتابهم الذين قوموا فيه اتفاقية أديس أبابا 1972م، ثم أسقطوا التهمة بالتقادم وبغير شرح حين أعادوا نشر الكتاب بالقاهرة في التسعينات. ووصفت هذا الاختلاس الثقافي في وقته ب «خفة اليد الثورية». ووجدت الأستاذ محمد إبراهيم نقد في كتاباته قبيل خروجه من المخبأ عاتباً على رفاقه الذين تطفلوا على نص الكتاب. وسيكون من الطريف بالطبع أن يستجوب نبيل رفيقاً شيوعياً متى استدعته الإنتباهة ليشهد لها.

لو عامل الناس منصوراً بالمثل لما خرج من محاكم إشانة السمعة لحظة واحدة. فالقذف سليقة تجري على قلمه. وليس ذلك لأن منصوراً سيء الطوية بل لأنه خريج مدرسة التفاصح العربي التي تطغى فيها محسنات اللغة وبديعها بصورة تصبح الوقائع نفسها عرضاً. فاللغة عند أهل هذه المدرسة ليست حالة من الوعي بل هي لتسويد صحائف «في متونهن جلاء الشك والريب». فقد وصف منصور الدكتور خالد المبارك، مدير معهد الموسيقي والمسرح في آخر السبعينات وأوائل الثمانينات، في كتابه «المخيلة العربية» بأنه من المرابطين في ثغور مايو يأكل تمرها عن آخره قبل أن ينقلب عليها ويرميها بالنوى. وأنه التحق بجوقة المايويين مديراً لمعهد الموسيقى والمسرح. وأنه صَوَّت لصالح دعوة الرئيس نميري في وجه اعتراض بعض الأساتذة وكانت عقوبة هؤلاء المعترضين الفصل بتهمة الشيوعية. عَقاب ما يويتك يا منصور! لقد كنت طرفاً في هذه القصة كعضو بمجلس المعهد الأكاديمي. وأشهد الله ما رأيت في حياتي، وقد بلغت هذا المبلغ من العمر، رواية لواقعة افترسها سوء النية وشح النفس كمثل رواية حادثة معهد الموسيقي والمسرح. وقد أخذها منصور بذبابتها عن الشيوعيين لم يحقق فيها بصورة مستقلة فيسأل المعاصرين لتتكافأ فصاحته ووقائعه.

أما أدق من نظر في فلتان منصور عن الملاحقة القضائية بإشانة السمعة فهو المرحوم الأستاذ محمود محمد طه وتلاميذه. فقد وقف الأستاذ وحواريوه بمحكمة بورتسودان العام 1975 متهمين بإشانة سمعة القضاة الشرعيين. فقد كان نظم الجمهوريون معرضاً لهم بالمدينة.ووضعوا بخط كبير على ملصق عبارة للأستاذ عن هؤلاء القضاة بعد حكمهم عليه بالردة في 1968 قال فيها إن قضاة الشرع (أذل من أن يؤتمنوا على الأحوال الشخصية، لأنها أخص وأدق القوانين لارتباطها بحياة الأزواج والزوجات والأطفال، وفي كلمة واحدة - العرض.» وزادوا بكلمة أخرى من الأستاذ:» متى عرف القضاة الشرعيون رجولة الرجال وعزة الأحرار وصمود أصحاب الأفكار.»

ولما انعقدت المحكمة قرأ السيد أحمد سليمان المحامي (الجمهوري) للشاكي ما كتبه منصور عن القضاة الشرعيين في كتابه «حوار مع الصفوة» (1974) وجاء فيه: « نريد وقد خرجتم من سلطانكم المشروع كقضاة أنكحة وميراث. . نريد أن نسمع حكم الإسلام في الإمام الكاذب والوالي الظالم والوزير السفيه. نريد حكمه في السفاه السياسي الذي نعيشه اليوم وهو سفاه شيوخ ولا حلم بعده. شيوخ يرتدي بعضهم قفطانا مثلكم ويتمنطق بحزام مثلكم ويضع على رأسه عمامة كشأنكم.» وسأل المحامي الشاكي إن لم يكن كلام منصور هذا إساءة للقضاة الشرعيين. فرد الشاكي سلباً معتذراً لمنصور بأنه من اصحاب الطموح السياسي يكتب ويسخر لاغير.» فتدخل السيد بدر الدين السيمت المحامي قائلاً: السيمت : يا مولانا سفاه الشيوخ الذي لا حلم بعده ، شيوخ يرتدي بعضهم قفطانا مثلكم ، هل هو إساءة أم غير إساءة؟

الشاكي: لفظ ما مهذب.

ثم استجوب الأستاذ محمود الشاكي بنفسه لفترة طويلة. وأنكر الشاكي أن مقالة منصور مما يشين القضاة. ثم عاد السيمت فسأل الشاكي إن كان قد علم أن منصوراً قد هاجم محكمة الردة التي قضت بردة الأستاذ في 1968. ثم عرض عليه نصاً آخر من منصور يقول: « من بين رجال الدين هؤلاء طائفة قضاة الشرع. ما كنت أود أن أتناولها بالحديث لو اقتصرت على أداء واجبها كموظفين يتقاضون رواتبهم من مال دولتهم الذي تجبيه من ريع بيع الخمور.»

أما المعاملة التفضيلية لمنصور لأنه يقذف ولا معقب على قذفه فقد جاءت في لحظة دقيقة في دراما المحكمة. فقد وقف سكرتير الثقافة بنادي الخريجين ببورتسودان، الذي انعقد فيه معرض الجمهوريين، شاهداً للاتهام. فسأله السيمت:

السيمت: هل سمعت بالدكتور منصور خالد؟

الشاهد: شغال شنو؟

السيمت: أنت أستاذ في التربية والتعليم والسكرتير الثقافي لنادي الخريجين ولا تعرف الدكتور منصور؟

الشاهد: مش الوزير؟

السيمت: هل تعلم أن الدكتور منصور خالد هاجم القضاة الشرعيين؟

الشاهد: لا أذكر.

السيمت: طيب أذكرك. ده كتاب (حوار مع الصفوة) للدكتور منصور خالد (يقرأ عليه نصاً منه). هل الكلام دا فيهو إساءة للقضاة الشرعيين؟

الشاهد: فيهو إساءة.

السيمت: هل تعرف الأسباب البيها القضاة الشرعيين اشتكونا نحن وما اشتكو منصور خالد؟

الشاهد: لا أعرف.

السيمت: هل تفتكر لأنو منصور خالد وزير ونحن ضعيفين.

الشاهد: جايز أكون عندهم ضدو قصة.

وقصة قصة قصه ولسه لسه لسه. إن عقلي موزع بين أمرين. فنصفه العاقل يؤمل أن يتصالح منصور والانتباهة على حد أفكار نبيل، رفيق الصبا اليسارى، الرصينة عن فساد فكرة إشانة السمعة بالنسبة للمشتغل بالشأن العام. وأن يصحب ذلك تحريض على الصحف أن ترتفع بمهنيتها لكي لا تبتذل هذه الرخصة حتى بلغت الشكاوى منها «150» شكوى في بحر العام المنصرم. ونصف عقلي المجنون يريد للمحكمة أن تنعقد ليرى عامة الناس صفوتهم لا كما يريدون لأنفسهم ان يراهم الفراجة من غمار الناس: كل في صغائره زعيم، أو كما قال حبيبنا محمد المهدي المجذوب.

http://www.rayaam.sd/Raay_view.aspx?pid=84&id=4227

Post: #76
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 01:15 AM
Parent: #75


تيدي بير الدبدوب: جحر الضب
عبدالله على ابراهيم

حادثة المعلمة الإنجليزية السيدة جيليان قيبون بمدرسة اليونتي محزنة بلحيل. فمن جهة لم ير فيها خصوم النظام غير الهوس الديني. وهذه عادتهم في المعارضة بما اتفق دون النفاذ إلى الدلالات الاجتماعية والرمزية التي انطوت عليها دراما أو تراجيديا المعلمة. وسنضرب صفحاً عن هؤلاء المعارضين الذين أفسد نظام الإنقاذ بصيرة التحليل فيهم . ولذا طال فينا واستطال. ولكن أقض خاطري أكثر أولئك الذين عبأوا جمهرة من المسلمين للتظاهر ضد إساءة مزعومة لأفضل البشر. وقلت في نفسي أليس فيهم رشيد كالرباطابي الماكر. قيل إن أحدهم طرق باب الرباطابي ففتح له. وقال له الطارق إنه من مداح الرسول. فقال الرباطابي: --وما وجه النقص في الرسول الذي تريد أن تكمله بمديحك.-- لو كانت غيرتنا للرسول عن معرفة لما استحق أمر هذه المدرسة ولا السابقات الأخطر منها (كرتون الدنمارك وخطبة البابا) هذا الانفعال والتجييش دفاعاً عن من خلقه القرآن. أدبه الكتاب فأحسن تأديبه في تمييز الخبيث من الطيب وفي فرز ما ينفع الناس عن الزبد الجفاء وفي الإعراض عن اللغو وقوله سلاماً متى خاطبه الجاهلون. لو كنا على أسوة حبيب الله لصبرنا على الدعوة واحتمال الأذى وجهل الجاهلين. فقد قضى النبي (14) عاماً منذ صدع بالرسالة يزينها للناس بالحكمة والموعظة الحسنة ويتقبل أذى الملأ المكي وغير الملأ بصدر لم يضق: لأنه لن يترك الحق لو وضعوا الشمس على يمينه والقمر على يساره. ولمّا أذن الله له بالحرب دون دعوته لم يستغرقه ذلك سوى (6) سنوات ودخل المدينة الباغية: مكة. لو كانت غيرتنا للنبي حقاً لعرفت الرحمة سبيلها إلى حكمنا في القضية المعروضة وغير القضية المعروضة. فقد وردت --الرحمة-- ومشتقاتها في الترجمة الإنجليزية لألفاظ القرآن (307) مرة ولم يرد --الغضب-- ومشتقاته سوى (66) مرة. وحتى لو أساء المسيء النصراني للرسول عمداً لصح، لو كان فينا الرشيد أو الرباطابي، ان نذكره أن نبيه المسيح مذكور عندنا في القرآن (90) مرة وإن أمه مريم مذكورة (34) مرة بينما لم يرد اسم --محمد-- سوى (4) مرات. الرسول إنسان عين الكمال. ولا يزعم له النقص إلا مفتئت جاهل. ولا يغير عليه بالتظاهر ساعة بعد ساعة إلا المؤمن الضعيف. لقد سبقت مظاهرة الأسبوع الماضي مظاهرات زعمت الذود عن الرسول فأفسدت ما بين المؤمنين والوطن. ثم ندم مثيروها عليها. فقد زار الدكتور حسن الترابي دار الحزب الشيوعي بنمرة اتنين قبل أيام وهو الذي حل هذا الحزب في 1965 متذرعاً بنبأ صفيق بحق بيت النبي وصفه الحزب الشيوعي في بيان له في تلك الأيام بأنه من فاسق. وقد اعترف صاحب النبأ أخيراً على جريدة الصحافة بأنه قصد الدس للحزب وأنه قرير العين بما فعل لا يطرف له ضمير. وتعرض الأستاذ محمود محمد طه وتلاميذه إلى عذابات معلومة لعقائدهم التي عدها الجيل الإسلامي الباكر طاعنة في الرسول. وسمعت منذ أيام الأستاذ علي عثمان محمد طه يغترف من قول الأستاذ محمود عبارته عن عظمة شعب السودان الذي يتقافز القادة الأقزام أمام مسيرته. من قش لكم الدرب؟ مرحباً بكما سمحين إذا دعوتم وسمحين إذا اختلفتم وسمحين إذا رجعتم عن الخطأ. ونأمل أن تكون خبرتكما في متناول الجيل الحدث من المسلمين يشبون بها عن طوق الغيرة على حبيب الله بالأقدام، لا العقل. لم انشغل بمسألة المدرسة بمثل انشغالي بإزاحتها الستار في لمحة خاطفة عن حياة مترفي المدينة رأينا بها، في قول أحمد يوسف نجم، --أن الحياة عندنا ليست كذلك--. فقد رأينا --جحر الضب-- عياناً بياناً في ثنايا الحادث وهو الجحر الذي حذرنا منه الرسول بقوله إننا سنبلغ من السخط طوراً نتبع به آثار الكفار فلو دخلوا جحر ضب انحشرنا من بعدهم. فبالله عليك أى أجحار الضب بدعة أكثر من اللعبة موضوع الخصومة المسماة التيدي بير. ولم أكن اعرف أنه استوطن في بيوت الأغنياء منا حتى أطلقوا عليه --دبدوب--. وآحلاتو يا ناس الله. فالتيدي بير (دب تيدي) هي لعبة أمريكية المنشأ. وتيدي صاحبها هو الرئيس الأمريكي تيدي روزفلت ( 1901-1909) غاوي الصيد. وكان زار السودان عام 1910 في رحلة لذلك الغرض. ومن أطرف ما قرأت عنه منذ سنوات كتاباً يحلل شخصيته ويرى فيها التجسيد الأمثل لـ --الذكر-- الأمريكي الخشن الشجيع. وأصل حكاية الدب الدبدوبي أن روزفلت كان في رحلة صيد في 1902 فسأله صحبه أن يطلق الرصاص على دب خائر القوى لطول ما ضيقت كلاب الصيد عليه فأنهكته. فأمتنع روزفلت لأن ذلك ليس من خلق الصيد الحميد. وسجلت له هذه المأثرة رسمة كاريكتيرية بصحيفة ما. فالتقط تاجر بنيويورك، هو موريس متشم، رأس الخيط وصنع دباً محشواً سماه --دب تيدي-- وأغتنى الرجل لجنى الجنى وإلى يومنا هذا. وأصبح الدب في التقليد التربوي والعائلي الغربي مثل --لي قطة صغيرة-- يلعب به الأطفال ويلاعبونه فينام في الليل معهم ويلعب في أصابعهم. وأصبح مادة طيعة في كسب إنتباه الأطفال وترويضهم على المعرفة. وهذا هو التقليد التربوي الذي استلهمته المدرسة قيبون حين أرسلت لأسر تلاميذها خطاباً برفقة التيدي بير الملعون تخطرهم بأنه سيقيم أسبوعاً مع كل أسرة (قالت يقضي نهاية الأسبوع) ورشحت للأسرة أن تأخذه معها أين ذهبت. في رحلة في حفلة أو لما تشتروا آيسكريم من عفراء. يكون معاكم. وخذوا له الصور مع الأسرة والطفل الذي سيكتب مذكراته عن أيام للتيدي بير في رحاب أسرته. نعم التعليم. ولا أدرى كم يدفع الآباء الصفوة لمثل هذا التعليم بعد أن خربوا التعليم الوطني الذي تخرجوا من مدارجه تخريباً لم تأت ساعة الحساب عليه بعد. ولا حاجة للقول إن تلاميذ هذه المدرسة يعيشون في بحبوحة من التعليم وغير التعليم. فالمدرسة قيبون هي واحدة من (27) معلماً إنجليزياً بمدرسة على رأس إدارتها كاهن هو حزقيال: ما بخش مدرسة المبشر وما بهاب الموت المكشر عندي معهد وطني العزيز يا مترفي السودان ومترفاته إذا بليتم بجحر ضب فاستتروا. وأحرصوا أن لا يرشح من فيض إمتيازكم هذا خبر يستفز المسلمين الفقراء استفزازاً لا يقوون على الرد عليه بغير التظاهر على ما في ذلك من قلة الحيلة والغضبة التي تستحيل رماداً معجلاً. ثم يعودون إلى بيوت الطين والمدارس الوهمية (على غرار أفران مايو الوهمية) وبنات اللعاب. الكلاكلة قال، دبدوب قال.

http://www.rayaam.sd/Raay_view.aspx?pid=84&id=351
_________________

Post: #77
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 01:16 AM
Parent: #76


نحو مدخل جديد للعمل المعارض.. (2-3)

إبراهيم علي ابراهيم
في المقال الأول رأينا كيف تسببت الخلافات الحادة والعميقة بين طائفتي الختمية والانصار وحزبيهما، من جهة، وبين القوى التقليدية والقوى الحديثة والديمقراطية من جهة اخرى، في انقسام حاد في الجسد السياسي للأمة السودانية، وكيف ان هذا الانقسام اصبح مدخلاً للانقلابات العسكرية الثلاثة. كذلك رأينا ان جميع التشكيلات السياسية بمختلف مسمياتها وتصنيفاتها قد عجزت عن ادراك وفهم طبيعة المكونات الاقليمية والعرقية والثقافية والدينية للبلاد التي يتنازعون في حكمها، وتأثير هذه الحقائق على تحديد الخيارات السياسية المتعلقة بنظام الحكم. كما وصلنا الى ان العملية الديمقراطية غاب عنها ركن مهم من اركان الديمقراطية وهو وجود معارضة ذات ملامح واضحة، وكيف اثر ذلك لاحقاً على الممارسة السياسية بشكل عام. في هذا المقال سنتطرق لعمل المعارضة في عهدي الفريق عبود ونظام مايو، بشيء من التحليل لندرك طبيعة وماهية القوى التي قادت التغيير، واسباب نجاحها، ونجري مقارنات بين ما حدث من انتصارات ازالت انظمة الشمولية العسكرية، واختلاف درجات هاتين الانتصارين، وطبيعة النزاع الذي حدث لمعرفة لماذا عجزت الفترتان الانتقاليتان عن تنفيذ متطلبات عهد الانتقال إلى الديمقراطية. المعارضة إبان نظام الفريق عبود: في 17 نوفمبر 1958م استلمت قيادة الجيش السلطة وتم تنصيب الفريق ابراهيم عبود رئيساً للبلاد. ولم تتغير الاوضاع الاقتصادية، ولم يف المجلس العسكري الحاكم بالوعود السياسية التي كان قد قطعها مع بعض الاحزاب. ومع ازدياد غلاء المعيشة ازداد تعسف النظام وقبضته العسكرية علي السلطة، وتم اعتقال الكثير من السياسيين ونفيهم، كما تم تنفيذ أول احكام بالاعدام على عسكريين ارادوا الانقلاب عليه. بدأت حركة المعارضة تنشط في الوسط السياسي الذي اصيب بالشلل في السنوات الأولى للنظام نتيجة لعلاقات شائكة بين النظام الجديد وقيادات الحزبين الكبيرين، وتشكلت جبهة بقيادة حزب الأمة طالبت بإنهاء الحكم العسكري في البلاد فوراً، واجراء انتخابات جديدة. ردت الحكومة على هذه الخطوات بإلقاء القبض على قادة المعارضة ونفيهم للجنوب. ومع تنامي مشاعر الاستياء ازدادت حدة العمل المعارض وعمت المظاهرات والاضرابات التي دعت للاطاحة بنظام الفريق عبود. ومع تزايد سياسات القمع والقهر التي اتبعها النظام ضد معارضيه، واستمرار الانهيار الاقتصادي في كل السودان وتصاعد حدة الحرب في الجنوب، تصاعدت درجة السخط العام وعدم الرضاء، فاندلعت انتفاضة شعبية دعا لها التحالف العريض لجبهة الهيئات المكونة من اتحادات الطلاب والمهنيين والعمال والمزارعين واساتذة الجامعات ورجال القانون الى جانب الاحزاب السياسية، حيث نجحت في اسقاط الدكتاتورية العسكرية الأولى والاطاحة بالجيش في 21 أكتوبر 1964م، وتم تشكيل حكومة انتقالية للاشراف على انتقال السلطة مرة اخرى إلى حكومة مدنية منتخبة. المعارضة لنظام عبود لم تكن حكراً علي الاحزاب فقط بل شملت جماهير الشعب كله وفئاته المهنية وقطاعات الطلاب، إذ اتسمت هذه الفترة بظهور حركات اجتماعية مطلبية جديدة (الهيئات) لأول مرة علي المسرح السياسي السوداني، حيث لعبت دوراً كبيراً في قيادة وتنظيم وتوجيه النضال ضد القمع السياسي، وتسيير المظاهرات وتصعيد شعارات المطالبة بالحريات العامة وعودة الديمقراطية، وشجع علي ذلك المناخ العالمي والاقليمي الذي كان متأثراً بالمد الاشتراكي وبروز الحركات النقابية العالمية وتصاعد أهمية دورها في قيادة التغيير السياسي والاجتماعي. معارضة نظام مايو: منذ بدايته كان الحكم العسكري المايوي شموليا ذا نظرة احادية سعى من خلالها لاحداث تغييرات سياسية واجتماعية في البلاد. ومنذ البداية عارضته الاحزاب التقليدية لطبيعته الاشتراكية، وبالطبع ايدته النقابات والاحزاب اليسارية الصغيرة وعلى رأسها الحزب الشيوعي والقوميون العرب ان لم يكن هم الذين قاموا بتنفيذ الانقلاب نفسه. تميز النظام المايوي طيلة عهده بممارسة البطش والعنف ضد معارضيه، حيث امتلأت السجون والمعتقلات بالمعارضين. وإذا كان الفريق عبود هو أول من نفذ حكم الاعدام على عسكريين، فان النميري هو أول من قام باعدام معارضين سياسيين مدنيين، الشهداء: عبد الخالق والشفيع وجوزيف قرنق، ومحمود محمد طه، كما فقد كثير من المعتقلين حيواتهم جراء التعذيب في المعتقلات. ومرت المعارضة بسنوات ضعف وجمود في السنوات الأولى للنظام، اعقبتها عمليات منظمة، لتشتد في سنوات النظام الخمس الاخيرة. وتميز العمل المعارض في هذه الفترة بالمظاهرات والاحتجاجات التي تقوم بها الاحزاب سراً أو علناً أو التي تنظمها الجماهير بصورة عفوية. ومن جانب آخر كانت هناك المقاومة المسلحة الجنوبية التي انطلقت منذ الستينات قبل مايو، إلا انها تميزت بحصر نفسها في المطالبة بتقرير المصير أو الحكم الذاتي ولم تدم طويلاً، ونجح نظام مايو في توقيع اتفاق سلام مع حركة تحرير الجنوب عرف باتفاقية اديس ابابا منح بموجبها الجنوب الحكم الذاتي. وادت الاتفاقية إلى تحسين صورة النظام داخلياً واقليمياً ودولياً مما ادى بدوره الى انضمام عدد كبير من النخب السياسية الحزبية له وانسلاخها من احزابها باعتبار ان النظام المايوي يعمل بصورة حسنة ويستطيع انجاز ما لم تستطعه الحكومات الديمقراطية الأوائل. وشهدت بداية نظام مايو خروج المعارضة لأول مرة لخارج الحدود السودانية وطلبها الملاجيء في بعض الدول ليصبح ذلك سمة اساسية للمعارضة للانظمة العسكرية في السودان. واتخذت المعارضة من ليبيا ولندن مواطن لها وتم تأسيس الجبهة الوطنية من حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي والاخوان المسلمين، لتبدأ في اعداد العدة لمنازلة النظام عسكرياً لازالته من الوجود بالقوة. وبالفعل شنت الجبهة الوطنية في يوليو 1976م هجوماً مسلحاً من ليبيا استطاعت القوات المسلحة القضاء عليه بعد سلسلة طويلة من حمامات الدم في العاصمة ودحره واطلقت عليه سلطة مايو وقتها اسم «هجوم المرتزقة» للنيل منها سياسيا. وهكذا انتهت الجبهة الوطنية وتم تفكيك معسكراتها في ليبيا واصبحت نسياً منسياً لدرجة ان قادتها العسكريين الذين قدموا ارواحهم مهراً لها مثل العميد محمد نور سعد تم تجاهلهم من جانب القيادات السياسية التي دفعت بهم الى هذه المغامرة العسكرية. لم يكن للجبهة الوطنية برنامج واضح لمعالجة القضايا السودانية سوى إزالة نظام مايو ووراثة الحكم عنه، كما لم تستطع مخاطبة الجماهير بأبعاد العملية واهدافها والإعلان عن قيادتها، فقد كانت عملية خطط لها في الظلام وتم دحرها في ظلام آخر. إلى جانب ذلك شهدت مايو عدداً من الانقلابات العسكرية الفاشلة فاقت الخمس محاولات، تم دحرها جميعاً. فشلت الجبهة الوطنية في تحقيق اهدافها في إزالة النظام، وبعد حلها شارك اثنان من اعضائها (الأمة والاخوان المسلمون) في سلطة مايو بمقتضى المصالحة الوطنية التي وقعت في نهاية السبعينيات، ودخلا في الاتحاد الاشتراكي. وبعد هذه النهاية المحزنة انعدم العمل الجبهوي المعارض للنظام المايوي، واخفقت محاولات عديدة لتوحيد قوى المعارضة، وانحصر العمل المعارض في ما كان تقوم به قلة من الاتحاديين في الخارج وانعكاساته على الداخل وما قام به الشيوعيون والبعثيون الذين نجحوا في منازلة النظام داخلياً في سنواته الاخيرة. كذلك شن الجمهوريون معارضة قوية في سنتي مايو الاخيرتين حصرت نفسها بدقة في المطالبة بإلغاء تطبيق قوانين سبتمبر التي شوهت الاسلام، ونتيجة لذلك واجه الاستاذ محمود محمد طه تنفيذ حكم الاعدام بابتسامة اشتهرت فيما بعد وأسهمت اسهاماً كبيراً في كسر حاجز الخوف لدى الشعب الذي هب لاقتلاع الدكتاتورية من جذورها في ابريل من نفس ذلك العام. في هذا الوقت وفي ظل غياب المعارضة الحزبية انبرت النخب الاجتماعية الآتية من خارج المنظومات الحزبية الى قيادة العمل المعارض والنضال ضد النظام الدكتاتوري بعد ان تبين لها فشل النخب الحزبية في القيام بهذا الدور الطبيعي. وانتظمت هذه النخب الجديدة على قيادة النقابات والاتحادات المهنية وتوجيهها بالافكار السياسية والتنظيمية للقيام بدورها السياسي بمهمة اسقاط النظام الشمولي. واصبح لكل نقابة ممثلون في قيادة التجمع النقابي الذي اصبحت له فروع في الاقاليم، وتجمع الناس حوله وزادت عضويته باستمرار، وبدأ التجمع يتحول ببطء من نقابات مطلبية الى حركة سياسية ثورية، يستخدم سلاح الاضراب والعصيان المدني، وله قدرة عالية في تنظيم الجماهير وحشدها لاجبار النظام العسكري علي تقديم التنازلات. وهكذا اصبح بامكان المواطن العادي ان يسهم في اجراء تعديلات ديمقراطية على التشكيلات السياسية القائمة. وحقيقة كانت هذه الحركة النقابية هي أول حركة من نوعها في المنطقة الافريقية والعربية. وتحركت هذه القوى الجديدة بهدف توحيد قوى المعارضة على اساس ميثاق محدد (مذكرة أمين مكي مدني) تم اعداده بواسطة قيادات نسقت فيما بينها، بين الخرطوم ولندن والكويت، ولاقت هذه الخطوات تجاوباً عظيماً وسط الجماهير في الداخل. وكان الميثاق ينادي باسترداد الديمقراطية وكفالة الحريات العامة وحل مشكلةالجنوب في إطار ديمقراطي، وتحسين الاقتصاد، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات واتباع سياسة حسن الجوار وعدم الانحياز. واخذت المداولات حوله اكثر من عام، اتسمت بالشد والجذب، وكلما زاد النظام من بطشه وقبضته الامنية، ابتدعت هذه القيادات بدورها أساليب جديدة وأتت بأفكار خلاقة للمقاومة الشعبية، حتى وضحت ملامحها واكتملت في مارس 1985م، وظلت المشاورات لتوحيد قوى المعارضة الحزبية تعاني من فشل مستمر حتي صبيحة 6 ابريل 1985م ساعة بات مؤكداً انتصار القوى الجديدة على النظام الشمولي واسقاطه، حيث توحدت كافة القوى حول ميثاق التجمع الوطني لانقاذ الوطن. وانتظمت الاضرابات التي دعا لها التجمع النقابي المظلة التي تحوي النقابات المهنية الممثلة في الموظفين والاطباء والمحامين والقضاة واساتذة الجامعات وقيادات الطلاب وموظفي البنوك، الذي اتخذ من دار اساتذة جامعة الخرطوم مقراً له. واشتدت حركة المقاومة والعصيان منذ يناير 1985م، لتضيق الخناق على النظام باندلاع مظاهرة جامعة أم درمان الاسلامية في 26 مارس 1985م التي اطلقت الهتافات بسقوط النظام، ثم اعقبها اضراب القضاة الشهير الذي هز اركان الحكم. وبعد ان بلغ السخط الشعبي ذروته، دعت قيادة التجمع النقابي الي عصيان مدني شاركت فيه جميع النقابات والاتحادات، شمل كافة اوجه الحياة في المدن السودانية، واصبحت الشوارع فارغة، وخلت الحياة العامة من أي حركة واصاب الشلل اجهزة الدولة وعمت البلاد انتفاضة شعبية كبيرة توجت بانتصار صباح السبت 6 ابريل 1985م بتدخل قيادة الجيش للإطاحة بالرئيس نميري. لم تلعب قيادات الاحزاب دوراً ظاهراً في تنظيم هذا العصيان المدني والانتفاضة الشعبية، ونسب لدكتور الجزولي قوله ان الاحزاب لم يكن لها دور في ابريل (الصحافة 6/4/2007م)، كما تجدر ملاحظة غياب نقابات العمال والمزارعين عن هذا العصيان، وذلك لضعفها وموالاة قيادتهما للنظام الحاكم. تميز دور الحركات النقابية في هذه الفترة بالمقاومة المستمرة ضد سياسات السلطة، وتعاظم دورها بعد مساهمتها الفعالة والكبيرة والفريدة في احداث التغيير في ابريل 1985م، وكانت الانتفاضة الشعبية صورة باهرة وعبقرية تفتقت عنها عقول هذه النخبة الاجتماعية الجديدة التي خططت لها ونفذتها وقادتها، وكانت فريدة في طرحها وملامحها وافكارها وعكست جسارة في المواجهة قل ما شهد السودان مثلها. المحامي - واشنطن

http://www.rayaam.sd/Search_Result.aspx?pid=101&ser=%u0...+%u0637%u0647&type=1
_____

Post: #78
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 01:17 AM
Parent: #77


الصحافة والشرطة و . . . جوديث ميللر
السر سيد أحمد
من المهم أن تتصدى الصحافة الى أي تغول عليها من قبل السلطة، لكن الأهم أن تتصدى الصحافة وبهمة أكبر لترتيب بيتها من الداخل. يعرف المتابعون أن جوديث ميللر صحافية أمريكية كانت أول أمرأة تتولى إدارة مكتب صحافي خارجي، حيث تولت الإشراف على مكتب «نيويورك تايمز» في القاهرة لتغطية المنطقة العربية وشملت مسؤولياتها السودان، ومن الأحداث التي غطتها مباشرة إعدام الأستاذ محمود محمد طه، كما أصدرت كتابا عن الحركات الإسلامية تحت عنوان «لله (99 إسما». وقبل سنوات ثلاث برز أسم جوديث ميللر لإرتباطه بقضية عميلة الإستخبارات الأمريكية فاليري بلامي التي تم تسريب إسمها بواسطة أحد مسؤولي إدارة بوش، وهو سكوتر ليبي المدير السابق لمكتب نائب الرئيس ديك تشيني، إنتقاما من زوجها السفير جو ويلسون المعارض للحرب على العراق. وبما أن عملية التسريب هذه تعتبر مضرة بالأمن القومي، فقد إضطر بوش الى تعيين مدع خاص للتحقيق فيمن قام بالتسريب. جوديث كانت من الصحافيين الذين عرفوا إسم هذه العميلة في موضوع كانت تعده، لكنها لم تنشره قط، ورغم ذلك خضعت لتحقيق المدعي العام، الذي طالبها بالكشف عن المصدر الرسمي الذي تحدث لها عن إسم العميلة، لكنها رفضت إحتراما لمبدأ صحافي أخلاقي بعدم الكشف عن مصادر الأخبار الا بموافقتها. وبما انها تخضع لتحقيق قضائي فقد أتهمت بتعويق العدالة وحكم عليها بالسجن، وبالفعل إستنفذت كل مراحل التقاضي ودخلت الى السجن لتقضي فيه (85) يوما دفاعا عن حق الصحافة في حماية مصادرها. وأفرج عنها بعد أن أحلها ليبي من وعدها له ومن ثم أفضت للقاضي بإسمه. لم تهلل «نيويورك تايمز» لجوديث ميللر، بعد الإفراج عنها، كونها بطلة من أبطال حرية الصحافة، وإنما قامت بتكليف فريق خاص برئاسة أحد نواب مدير التحرير للتحقيق في هذه الحالة تحديدا وفي موضوعات أخرى تتعلق بكتاباتها حول أسلحة الدمار الشامل وكيفية إدارة التحرير لمسؤولياتها. أعد الفريق تحقيقا معمقا من (6200) كلمة، أي سبعة أضعاف حجم هذا المقال، وتحدث عن سلسلة الأخطاء التي أرتكبتها جوديث ميللر خاصة في جوانب التعامل مع المصادر التي لا ترغب في الكشف عن نفسها، مثل الإشارة الى سكوتر ليبي في مذكراتها على انه مصدر في الكونجرس بينما هو في الإدارة التنفيذية، وهذا خطأ مهني أخلاقي لأنه يعتبر تضليلا للقارىء، وكذلك الأخطاء التي وقعت فيها إدارة التحرير بعدم التدقيق والمراجعة. ثم عقب المحرر العام، الذي يعتبر عين القراء داخل الصحيفة وكتاباته ليست خاضعة لرقابة أية جهة حتى رئيس التحرير، قائلا انه لا يرى مستقبلا لجوديث ميللر في الصحيفة. وفعلا تم التوصل معها الى اتفاق تترك فيه الصحيفة بعد مشوار مهني متميز حصلت فيه حتى على جائزة بوليتزر، وهي أرفع جائزة أمريكية تعطي لصحافي. مناسبة هذا الحديث ما شهدته الصحافة السودانية الأسبوع الماضي من مواجهة مع الشرطة بسبب قضية التسريبات الخاصة بإحالة بعض قيادات الشرطة الى التقاعد. فالى جانب التغطية المكثفة لما حدث، الا ان الجانب الخاص بالأداء الداخلي وكيفية ضمان عدم تكرار مثل هذا الوضع مستقبلا لم يرشح عنه شىء عدا نشر تصحيح للخبر، وهذا هو الأساس في التأسيس والحفاظ على المصداقية التي هي رأسمال الصحافي ومؤسسته. ويلاحظ بداية ان خطوة «النيويورك تايمز» جاءت من الصحيفة نفسها ولم تكن نتيجة لتدخلات من إتحاد الصحافيين او إستجابة لمتطلبات ميثاق الشرف الصحافي، وإنما إستشعارا لمسؤولية داخلية وتلبية لإستحقاقات المهنة وحقها على قرائها. الملاحظة الثانية والمهمة ان الصحيفة لم تكتف بإجراءات داخلية للتحقيق وتعديل الوضع وإنما عملت على إشراك جمهرة القراء من خلال نشر الموضوع في الصفحة الأولى مع بقيته في الصفحات الداخلية. ثالثا: ان تاريخ جوديث ميللر ومسيرتها المهنية الحافلة عبر (2Cool عاما قضتها في الصحيفة لم تشفع لها عند إرتكاب أخطاء مهنية. فالتحدي الصحافي وهو تحد مستمر يوميا لا يقبل العيش على انجازات الماضي. رابعا: ان الصحافة الأمريكية ورغم تاريخها الطويل والإمكانات المتاحة لها وحقوقها المكفولة دستوريا تظل مواجهة بمتاعب خارجية وداخلية. فالقانون، بغض النظر عن الوضع السياسي القائم، لا يعطي الصحافيين أو أية مهنة أخرى مرتبة تميزهم عن بقية المواطنين، لذا أعتبرت جوديث ميللر معوقة للعدالة وسيقت الى السجن. لكن رغم الأخطاء التي أرتكبت فأن النظام الداخلي يسمح بالمراجعة وتسليط الضوء على الأخطاء ومن ثم تصحيحها. ثم ان مثل هذه الخطوة لا تتطلب إمكانات ولا خبرات و لاحماية دستورية. ان أخذ النفس بالشدة في هذا المجال يبدو مطلوبا لسببين أساسيين أولهما: ان الجسم الصحافي اذا لم يرتب أموره نفسه بأن يفتح الباب أمام جهات أخرى للقيام بهذه المهمة تحت مختلف الذرائع. فليس كافيا الإعتذار بعدم الوصول الى المصادر أو إتهام جهات في الشرطة بتسريب أخبار معينة خدمة لأجندة ما، لأن مهمة الصحافي الإستيثاق والسعي ما أمكن للوصول الى الحقيقة. فالحراك السياسي الكبير الذي يعيشه السودان يجعل من التسريبات ممارسة عادية والصحافة المسؤولة والمهنية لا تقع في مثل هذا الفخ وهناك آليات معروفة للتعامل مع هذا الوضع خاصة والخبر الذي لا يستند الى مصدر محدد تتحمل فيه الصحيفة مسؤولية أكبر. أما الجانب الثاني فهو ان الصحافة التي تطالب الأحزاب والدولة بترتيب أمورها والتصرف بمسؤولية تحتاج هي نفسها أن تضع موضع التنفيذ ما تنصح به الآخرين.


http://www.rayaam.sd/Raay_view.aspx?pid=101&id=5832

Post: #79
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 01:18 AM
Parent: #78


الاغتيالات في ذاكرة السياسة السودانية

تقرير: عوض جاد السيد
أحس ضابط الأمن أن وراء الرسالة التي التقطها أمر خطير، فقد كانت كلماتها مقتضبة غامضة «العصفورة فوق النخلة على ضفاف النيلين» ولم تكن العبارة سوى شفرة تنفيذ عملية أيلول الأسود، كانت الجملة عبارة عن مكالمة بين افراد الجماعة المنفذة للجريمة.. ورغم ان ضابط الامن احس بخطورة المكالمة الا انه لم يفطن الى ان العصفورة كانت تعني الاشخاص المستهدفين، اما النخلة على ضفاف النيلين فكان المقصود بها سفارة السعودية في الخرطوم.. والى حين فك شفرات الجملة كانت جماعة ايلول الاسود قد نفذت عمليتها الشهيرة. ويقول مراقبون معاصرون لتلك الأحداث أن السودان ظل لفترات طويلة من تاريخه يمثل القطر الآمن من حوادث الإغتيالات ذات الطابع السياسي المنتشر في كثير من بلدان العالم ، ولذلك يذهبون الى ان التأريخ للاغتيالات السياسية بحادثة جماعة أيلول الأسود غير دقيق، فيذكر الصحافي المعروف الاستاذ محمد سعيد محمد الحسن في وقت سابق على صفحات «الرأي العام» أن أول محاولة إغتيال سياسي ناجحة في السودان كانت في العام 1968م، حيث أغتيل وليم دينق مؤسس حزب سانو الجنوبي «وهو من القيادات التي إستجابت لنداء ثورة اكتوبر للعودة والحوار وإشترك بفاعلية في مؤتمر المائدة المستديرة الذي اعترف بالفوارق بين الشمال والجنوب ووصل لصيغة أن يحكم الجنوب حكماً إقليمياً، ولكن ربما لم تعجب مشاركته هذه آخرين فجاء إغتياله في تلك الاثناء حيث أتهم خصومه بتدبير حادث الإغتيال». ويضيف البعض الى القائمة حادثة إغتيال عناصر أريترية في السبعينات تمت ايضا داخل الأراضي السودانية.. شبهات ويدرج بعض المراقبين اعدام محمود محمد طه على أنه لا يقل عن الإغتيال السياسي، ويصفون عدم محاولة إسعاف الإمام الهادي الذي كان ينزف لفترة طويلة قبل أن يفارق الحياة بذات الوصف، وكما يضمّن البعض الحادثة التي أودت بحياة النائب الاول لرئيس الجمهورية السابق زعيم الحركة الشعبية د. جون قرنق في ذات الخانة «خاصة بعد الجدل الكثيف الذي اثير آخيراً، واعتزام الحركة فتح ملف التحقيق في وفاته وتشكيك عدد من قادتها في تقرير لجنة التحقيق» وكان د. قرنق المثير للجدل حيا وميتا قد نجا من عدة محاولات أهمها تلك التي كانت في مدينة بور من حرسه الخاص العام 1988م وبعدها قام بتغيير حرسه وجاء بفريق حراسة من أبناء النوبة مات أحدهم واسمه جمعة معه في حادث الطائرة الكارثة. ويشير المراقبون إلى أنه كان من أكثر السياسيين تشديدا لحراسته الشخصية ربما لشعوره بأنه مستهدف من خصومه. ولا تبدو بعيدة عن القائمة الطريقة التي أغتيل بها صاحب صحيفة «الوفاق» الصحافي محمد طه محمد أحمد، اذ يشير البعض الى ان السياسة ليست بعيدة عنها، وتتشابه طريقة الاغتيال لمحمد طه على نحو ما مع ما حدث لمكي مؤسس جريدة «الناس» الذي أختطف العام 1969م وان اختلفت طريقة القتل، فد تحدثت انباء عن تذويب جثة مكي الناس في براميل من الاحماض. حاولات واوضح محمد سعيد في إفاداته تلك أن محاولات اخرى سبقت تلك التي نفذت وأودت بحياة المستهدفين، ومنها المحاولة التي تعرض لها الزعيم إسماعيل الازهري من أحد المعتوهين حين حاول الهجوم عليه بآلة في مطلع العام 1958م أثناء جولة له في قرية بالقرب من القضارف. ويقول سعيد أن الأزهري «الذي كان في منتهي الهدوء والسكينة حينها» شدد على عدم ذكرالحادثة. ويروي التاريخ أن فترة حكم رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي في النصف الثاني من الثمانينات شهدت حادثة أعتبرت الأشهر في التاريخ السوداني وهي إغتيال معارض نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين المرجع الشيعي مهدي الحكيم بفندق هيلتون الخرطوم. ورغم أن السودان وفقا للتأريخ ولإفادات الكثيرين لم يشهد لجوء خصوم السياسة والحكم إلى إراقة الدماء لإزاحة بعضهم البعض، إلا أن قدامى الصحافيين يؤكدون ان فترة الحكم المايوي شهدت محاولات فاشلة إستهدفت واحدة منها الرئيس الأسبق جعفر نميري وتم تجنيد ضابط برتبة رائد للقيام بها في القيادة العامة، ولكن عندما حانت لحظة التنفيذ مساء الخميس الرابع من سبتمبر العام 1975م كان نميري خارج القيادة العامة محتفلاً بوفد شركة شيفرون مع وزير الصناعة وقتها الدكتور بدر الدين سليمان «بحسب الرواية». ويقال ان محاولة إغتيال نميري تكررت في منطقة الجابر حين زار الجزيرة أبا، لكنه نجا منها بسبب الحماية التي وفرها له العميد أحمد أبو الدهب والرائد عثمان الامين. وعندما قامت حركة هاشم العطا في 19 يوليو أوكلت لحرس نميري مهمة إغتياله إلا ان التعليمات لم تنفذ في القصر الجمهوري الذي كان به نميري وكبار معاونيه ونفذت في بيت الضيافة فكانت نتيجة ذلك ما عرف تأريخيا بمجزرة بيت الضيافة. ويذهب عدد من الخبراء الأمنيين والسياسيين إلى أن الاغتيال السياسي ظاهرة لا توجد في السياسة السودانية ربما لطبيعة المجتمع المتسامحة، ولكنها حينما تحدث يكون الغالب ان منفذيها والمستهدفين فيها أجانب وكلها تمت بواسطة جهات ذات إرتباط وثيق بدول أجنبية.

http://www.rayaam.sd/Search_Result.aspx?pid=101&ser=%u0...+%u0637%u0647&type=1

Post: #80
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 03:33 PM
Parent: #1


"محمود محمد طه" site:alsahafa.info


إنكارنا للحقيقة لا يغير من وجودها شيئاً
د. عبد الله عوض عبد الله
ماذا فعلنا نحن بالدكتور هكوك؟!! إلى أين انتهت قضية مقتله وأين اوراقه؟!!
وماذا فعل تلاميذه في مواصلة دراسته العلمية الجادة في تأصيل تاريخ السودان القديم؟ لو كنت في مكان القرار بجامعة الخرطوم لقمت، على الاقل بتسمية قاعة مهمة من قاعات الجامعة باسم دكتور «هكوك» عرفاناً ووفاءً لوفائه.
ان حديثي حول حياة وافكار الأستاذ محمود محمد طه لا يؤرخ للأستاذ محمود محمد طه فقط، وانما لكل الزعماء والمفكرين، والساسة الذين عاصروه، على مختلف مشاربهم وافكارهم.. ومن هؤلاء النفر الكرام، من رواد نهضة السودان الحديثة الدكتور منصور خالد محمد عبد الماجد.
العلم الذي تحدثت عنه سابقاً، العلم الذي يؤدي الى معرفة الأشياء على ما هي عليه في الحقيقة.. العلم بالله هو علم بظاهر الاكوان المادي، وبحقيقتها الروحية.. علم بالأكوان، وبالانسان، علم آيات الآفاق، وعلم آيات النفوس.. بهذا العلم وحده يتم ادراك البيئة في مظهرها وفي جوهرها، ويتم التواؤم معها، وعاقبة ذلك هي توحيد البنية البشرية التي شتتها الخوف أباديد.. والحياة وفق هذا العلم هي الحياة.. وبظهور العنصر الجديد «إرادة الحرية» اتسعت الحياة، وخصبت بصورة لم يكن لها مثيل، فهي بالنسبة لما قبلها كانت قفزة في زيادة الحياة.. ومن هذا الحديث يتضح ان العلم، وفي جميع الاطوار هو وسيلة للحياة.. ولم يظهر العلم - بالمعنى الاصطلاحي- الا بعد ظهور العقل.. فقبل ظهور العقل كانت هناك حياة الشعور، وبعد ظهور العقل اضيف لهذه «حياة الفكر» فاصبحت الحياة عند الانسان تقع في مستويين: حياة الفكر وحياة الشعور، وليس بين المستويين اختلاف نوع، وانما هو اختلاف مقدار.. ومن أجل العلم والتعليم والتربية جاء حديث الدكتور منصور خالد محمد عبد الماجد:
«ومن الناحية الفنية أورد تقرير لليونسكو في أوائل تسعينيات القرن الماضي، ان اوجه الضعف في المنظومة التربوية في السودان تتمثل في:
* انعدام التنسيق بين المناهج في كل مستويات التعليم.
* افتقاد أية قاعدة للتعليم في مرحلة ما قبل التعليم.
* عدم التوازن في الانفاق على التعليم في مراحله المختلفة.
* القصور الكبير في توفير وسائط وادوات التعليم.
جماع هذه النقائص يعني أن التعليم يفتقد الهدف الاستراتيجي والرؤية الاكثر شمولاً.
في تسعينيات القرن الماضي أعد ايضاً نظام الجبهة ما اسماه «الاستراتيجية القومية للتعليم»، وكان من اهداف تلك الاستراتيجية:
* التوسع في التعليم الاساسي وتسهيل الوصول اليه واصلاح الخلاوى القرآنية.
* القضاء على الأمية في عام 2000م.
* تطوير مرحلة ما قبل التعليم.
* تنويع الدراسات في المرحلة الثانوية.
* إدخال الدراسات البيئية في المرحلة الثانوية.
* تحسين الكفاءة الداخلية والخارجية للنظام التعليمي، بابتداع وسائل جديدة للتخطيط التربوي والمراقبة والتقويم.
لربما استهدت تلك الاستراتيجية بالتقرير الفني لليونسكو الذي أشرنا اليه آنفاً. ولكن أين هذه الاستراتيجية من الواقع الملموس؟ ما هو التطوير الذي حدث للتعليم الأساسي، ناهيك عن مرحلة ما قبل التعليم؟ وهل تم القضاء على الامية في عام 2000م، ونحن اليوم بعده بخمسة اعوام؟ وما هو مدى التنوع ونحن اليوم بعده بخمسة اعوام؟ وما مدى التنوع الذي ادخل على مناهج المرحلة الثانوية؟ الذي حدث تغيير نوعي لا يرقى لما كان لحمة هذا التغيير وسداه، هما البرنامج الايديولوجي للجبهة، والذي لم تفلت منه، حتى مجلة الصبيان، بدلاً عن القيم التي حددتها لجنة ديلور للتعليم في القرن الحادي والعشرين، علّفت الجبهة على البرمجة العقلية للاطفال بأسلوب نسئ الى التخلف ان نسبناه له. فالطفل لا يربى على حب الحياة التي تحيط به «البشر، والشجر، والزهر»، بل على خزعبلات استقرت في اذهان من ادمنوا قراءة فقه عصور الانحطاط الفكري في الحضارة الاسلامية: ايدخل الطفل داره بالقدم اليمنى ام اليسرى؟ هل مس الكلب حرام ام حلال؟ والطفل لا يُعرَّض للموسيقى لكيما تتوهج مشاعره ويستثار وجدانه، وانما لتنغيم الاهازيج التي تربيه على كره الآخر. وعوضاً عن توجيه اجهزة الاعلام المرئي والمسموع لمحو الامية المعرفية والوظيفية، «وليس فقط الابجدية»، سخرت تلك الادوات الفاعلة لأسطرة الدين، ونشر الخرافات، وتخريب وجدان الشعب.
في نهايات التسعينيات من القرن الماضي أنشأت اليونسكو لجنة من الخبراء لوضع خارطة للتعليم في العالم في القرن الحادي والعشرين. وفي عام 1998م قدم رئيس اللجنة جان ديلور «الوزير الفرنسي السابق والرئيس السابق للاتحاد الاوربي»، تقرير لجنته. وحدد التقرير اربع ركائز للتعليم الأمثل:
* التعليم من أجل المعرفة العامة «اي ما يوفره التعليم من معارف للمتعلم حتى يلم باحوال الماضي والحاضر والمستقبل».
* التعليم من أجل العمل «اي المهارات التي يكسبها التعليم للمتعلم ليلج سوق العمل».
* التعليم من اجل الحياة، اي التعليم الذي يوفر لمتلقيه القدرة على التعايش مع غيره في الفنائين الداخلي والخارجي.
* التعليم من اجل الكينونة، اي كيف يصبح المتعلم بشراً سوياً يتخاطب مع غيره بنية سليمة، ويتزيا بالقيم الفاضلة، ويملك احساساً صادقاً بقيم الحب والخير والجمال. وعلنا نذكر، والذكري تنفع المؤمنين، ان الهدف الأساسي من انشاء قناة تلفزيون «الجزيرة» في عهد مايو كان هو التعليم ومحو الأمية».
«ان التعليم في كل بقعة من بقاع المعمورة، يمر بأزمة حقيقية، يحس بها، على تفاوت العاملون في حقل التعليم، الطلاب، والاسر والسياسيون وغيرهم.. وقد وجدت هذه الازمة تعبيرها في القلق الذي تعيشه جماهير الطلاب، والاضطرابات التي يحدثونها، وفي مظاهر «الرفض» الكثيرة التي دفعت بعدد كبير منهم الى قطع دراستهم نتيجة لخيبة أملهم في أساليب التعليم، ومناهجه ومقرراته.. ولعل سبب هذه الأزمة الرئيسي هو عدم العودة الى الاصول عند تخطيط مناهج التعليم، ولعل من اسبابها الانفجار الكبير الذي حدث في مجال العلم والمعرفة، في الآونة الاخيرة، مما ولّد مشكلات كثيرة تتعلق بتصفية المعلومات الكثيرة، وانتقائها، واستيعابها فكريا، وتطبيقها، سلوكياً وتمثلها، حياتنا.. التي اتسعت ونصبت بصورة لم يكن لها مثيل، فهي بالنسبة لما قبلها كانت قفزة في زيادة الحياة.. واصبح العلم وفي جميع الاطوار هو وسيلة الحياة».
«كما نشير إلى أن الهند، منذ الستينيات، كانت هي اول دولة طبقت فيها اليونسكو مشروع استخدام الاقمار المصنوعة لنشر التعليم، ونجاح استراتيجية الجبهة التي تهدف الى تحسين الكفاءة الداخلية والخارجية للنظام، نشهده اليوم في مخرجات ذلك التعليم. وضمور زادها المعرفي، بل في ترحيل بعضهم ترحيلاً كاملاً عن العالم الذي نعيش فيه، الى ماض تخيلي لا وجود له إلا في أدمغة صانعيه».
الدكتور منصور خالد محمد عبد الماجد.
ولما كان الدين عامة والإسلام خاصة، اكبر اسلوب يعين على تحصيل الاخلاق، بوصاياه، وبقرانه وبعبادته وبسيرة نبيه صلى الله عليه وسلم واصحابه رضوان الله وسلامه عليهم. وجب علينا ان نولي الدين اهتماماً خاصاً، لنحق به التربية الخلقية.. على أننا يجب أن نميز بين القضايا الفقهية وبين «روح الدين» فهي شعار التربية، لأنها تدعو الى الحرية وترسم الطريق الى الخلق الذي يليق بالأحرار.. هذه هي الحقيقة، فإنكارنا لها لا يغير من وجودها شيئاً.
نواصل

http://alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147497888&bk=1

Post: #81
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 07:06 PM
Parent: #1


لسودان مركز دائرة الوجود
د. عبدالله عوض عبدالله
هذه محاولة قاصرة لتسجيل ذكرى إستشهاد الاستاذ محمود محمد طه على يد نظام نميري الآفل في العام 1985م، وهى الذكرى العشرين لشهيد الفكر. وهو يجسد تلك القيم التي عاشها ودعا لها. لم يقل الاستاذ محمود محمد طه إن السودان مركز دائرة الكرة الارضية وإنما قال: «إن السودان مركز دائرة الوجود» ولنا عودة لهذا العنوان والعود أحمد».
لقد ذهب الاستاذ محمود محمد طه الى رحاب سنية وجناب حانٍ وهو راضٍ، وكيف لايرضى، وهو الذي قالSadوالراضي هو الانسان الذي لايسخط ولو حاسب نفسه على عدم الرضا.. هو في حظيرة الرضا). كما قال ايضاً: (امران مقترنان: القرآن وحياة محمد، حياة محمد مفتاح القرآن، والقرآن مفتاح الخلود).
فتحية للاستاذ محمود محمد طه في عليائه التي اسرع اليها. وقد وهب كل حياته للإسلام والسودان وتلك قيم جمهورية جسدها هو ودعا إليها. يا وجوداً صار في الأمثال للداعين مضرب.
سيدنا ابراهيم رأى في المنام ان يذبح ابنه: (يابني اني أرى في المنام اني اذبحك) الآية ثم اقدم على ذبح ابنه، ولو ذهب الى التأويل لما أقدم على ذلك. فإن أمر الحق أظهر عند غير المستريب، فيا سودان إذا ما النفس هانت أقدم للفداء روحي بنفسي (قصيدة أنا ام درمان) لشاعرها عبدالمنعم عبدالحي ومغنيها الفنان احمد المصطفى. وقد قال الاستاذ عنها (بهذه القصيدة التقت ام درمان الملك بام درمان الملكوت) قال تعالى: (انه يبدي ويعيد وهو الغفور الودود) الآية.
لقد كان فوت الموت سهلاً
فرده إليه الحفاظ المرّ والخلق الوعر
فأثبت في مستنقع الموت رجله
وقال لها من تحت أخمصك الحشر
غدا غدوه، والحمد نسج ردائه
فلم ينصرف إلاّ وأكفانه الأجر
مضى طاهر الأثواب لم تبق
روضة غداه ثوى الا اشتهت انها قبره
هذه القصيدة مقتبسة من مرثية الدكتور منصور خالد محمد عبدالماجد لشهيد الفكر: نقلاً عن جريدة «القبس» الكويتية يناير 1985م.
«وفي كتابه الوعد الحق والفجر الكاذب» الذي نشر منجماً بجريدة «الصحافة» السودانية في العام 1986م.
كتب دكتور منصور خالد محمد عبدالماجد، تحت عنوان جريمة العصر والتجني على الاسلام جريدة «الصحافة»: الاثنين الموافق 28/4/1986م. كتب الدكتور «وعلنا نظلم التاريخ ان لم نقف عند تلك المحاكمة التاريخية التي كانت بما اكتنفها من جهالة جهلاء وضلالة عمياء، إدانة للحاكمين قبل أن تكون ادانة للشيخ الوقور الذي أبى له صدقه مع نفسه أن يقف احتراماً لمن هم ليسوا بأهل لاحترامه. وقف الشيخ الجليل يومذاك متهماً بإثارة شعور الكراهية ضد النظام ، وإزعاج السلام العام، ولم يكن قد فعل شيئاً أكثر من نشر رأي آمن به، بأسلوب هادئ ومنطق رصين. فما استجاش محمود الجموع لمحاربة النظام كما فعل غيره من المعارضين في مارس 1970م أو يوليو 1971م. ولا دبر انقلاباً عسكرياً على النظام كما فعل غيره من المناهضين في يوليو 1971م وسبتمبر 1975م . ولا قاد تمرداً عسكرياً كما فعل غيره في جنوب السودان منذ العام 1982م، وبصرف النظر عن كل ما قلنا به عن مفهوم المعارضة في الاسلام، وهو مفهوم عجز عن الإرتقاء الى استيعاب حكمته الطغاة والمهووسون على حد سواء، إلا ان تلك القضية ما كان لها الا أن تقف عند حدها، الا وهو إثارة شعور الكراهية، وازعاج السلام العام. بيد أن قاضي الموضوع ترك كل هذا جانباً ليلج في عقل الاستاذ العالم الذي أبى أن ينطق بكلمة أمام من لايفهم ما يقال، ولا يقول ما يفهم. ثم جاءت محكمة الاستئناف من بعد لتترك كل ما اوردته محكمة الموضوع من حقائق فذهبت الى الاضابير لتنبش منها حكماً صادراً ضد المتهم من جهة غير مؤهلة أساساً لاصدار مثل ذلك الحكم وتبعها الامام «حامي البيضة وراعي الذمة» «بخطاب طويل» باسم الله وباسم الشعب وباسم الثورة، يؤيد فيه إدانة الشيخ الوقور والحكم باعدامه. ولم يمنع الحياء ذلك الامام الذي لايستحي من أن يقول: «ونحن اذ نؤيد الادانة والعقوبة، بجميع المواد القانونية التي أدانت بها المحكمة المتهمين نشيد بالتسبيب الوافي الذي جاء في حكم محكمة الاستئناف والجهد الذي بذلته محكمة الموضوع».
وكان هذا الجهد الوافي الذي اشاد به الامام جهد يوم وبضع يوم «الصحافة 8 يناير 1985م».
والامام الذي لا يستحي هذا، هو نفس الرجل الذي يباهي الشيخ العالم ويترجى ان يجمع بينه وبين العلماء ليناظرهم.
كان هذا موقفه في مطلع العام 1976م عندما بعث إليه عدد من المشايخ رسالة ضافية تصف الأخوان الجمهوريين بالمروق والارتداد وتطالب بحظر نشاطهم ومصادرة كتبهم. وقد ردَّ الجمهوريون يومها على تلك الرسالة برسالة أخرى جاء في ختامها «رغم محاولات هؤلاء الاشياخ المتكررة لاستعداء الشعب واستعداء السلطة علينا، ألا اننا لا ننطوي على حقد أو مرارة من آثار هذا الفعل كما وقد يتبادر الى بعض الأذهان. ولذا فنحن لانستعدي عليهم أحداً ولكنا نرى أن من حقنا ومن واجبنا أن نطالب السلطة كما نطالب الشعب بتضييق فرص المراوغة عليهم وذلك بفتح منابر عامة للحوار بيننا وبينهم حتى يشيع الوعي في صفوف الشعب».
وهكذا لم يحمل الجمهوريون يوم ذاك غلاً ولم يضغنوا شيئاً على الذين كانوا يسعون لنهش لحومهم، كما أنهم لم يدعوا للحوار حتى يسود رأيهم بل كي ما «يشبع الوعي في صفوف الشعب».
وحسب النميري يومها ان الأخوة الجمهوريين بمواقفهم الجريئة ضد خصوم النظام من الاسلاميين السياسيين اصبحوا تبعاً لا حلفاء بل انه سعى في محاولات مكرورة لأن يضيف محموداً وصحبه الى قوائم المسترزقة من العلماء فما طال من ذلك شيئاً لأن محموداً كان مثل بشر الحافي يملك الدنيا ولا تملكه...» الدكتور منصور خالد جريدة «الصحافة 8 يناير 1985م».
وقد ذكره الاستاذ الشاعر المرحوم محمد المهدي المجذوب في قصيدته «الى الله » في قوله:
انا القاك في ضميري وفي البيعة يلقى بها الإله اليمين أنا القاك في الجهاد الذي يعذب فيه الردى ويسلوا الحزين وفي قصيدته «المجاهد» قوله:
محمود يا ابن محمد لك إسوة
أوعيت محنة يوسف تأويلاً
وطن وهبت له الشباب منضراً
ورأيت اجمل ما وهبت قليلاً
الفجر منتظر حداءك صافياً
يهدي السماء ونورها مشمولا
تلقى البلاد الى يديك زمامها
بطلاً يعود بفخرها موصولاً
فرداً على آل النبي وشرعه
عدلاً يقيم على البلاد عدولاً
وهو الأمين وسوف يسأل معجب
أتراه يبعثه الرسول رسولاً
فعنده حياة محمد صلى الله عليه وسلم مفتاح القرآن والقرآن مفتاح الخلود.
فتحية للأستاذ محمود محمد طه في عليائه التي أسرع إليها.
في حوالى الواحدة ظهراً جاء ضابط وأخذ الاستاذ لمكتب السجن. وهناك في المكتب يجلس خمسة من الضباط الكبار. وبدأ المدير يسأل الاستاذ:
س: انت مصر على أقوالك؟
ج: نعم
س: عندك استئناف؟
ج: اذا أنا بستأنف مابجي هنا.
س: عندك طلب استرحام؟
ج: مافي من يطلب منه الاسترحام هنا.
س: عندك وصية لأولادك؟
ج: أولادي عمري كله معاهم.. ماعندي حاجة اقولها ليهم. انتهت الاسئلة، وقد أعلن ان التنفيذ غداً الجمعة الساعة العاشرة صباحاً يوم 18/1/1985م . وسيق الاستاذ الى زنزانة منفردة.
فتحية للاستاذ محمود محمد طه في عليائه التي أسرع اليها. هذا هو جوهر القضية والوصية اذا اسعفتني الذاكرة.. ياترى هل غاب عنا.. كلا انه فينا يغني للسلام. وجاء السلام وجاءت الديمقراطية والحرية وأصبح السودان يترقب أن يكون مركز دائرة الوجود.


http://alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147494809

Post: #82
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 07:44 PM
Parent: #1


ديوان
الماء إذا تنفس
سيد أحمد علي بلال
ــــ
محمود محمد طه يضع واو العطف بين الإسلام والسلام

ساحة المعجزات تتشح بالثوب الأبيض
سبع بلحات ووجنتان مغسولتان بندى الفجر
تكفي للذكرى
في تقاطع شارع محمود محمد طه،
بشارع الحرية،
ينتصب ثدي الحقيقة..
حيث تتحول الدماء إلى حليب
ويرضع العائدون من صحراء الروح
حتى الفطام
حاول أن يضع سارية السودان
على خط استواء القلب والعقل
بعد أن وضع واو العطف
بين الإسلام والسلام
لكن الكهنة انعطفوا بواوهم على العنق
حاول الظلام أن يتخلله فلم يستطع
لكن الكهنة مروا بالحرف المقلوب
والحرف المنصوب
عبر البرزخ الذي يفصل الأعلى من الأدنى
ومنذ يناير كانون الثاني عام 1985
غطت ستارة الظلام الكبرى لوح محمود
حتى تكتمل شرافته
ـــــــــــ
الخرطوم يناير 1987


http://www.esnips.com/doc/3c82ece4-c39d-47ef-87db-f2cee...h_player_esnips_blue

Post: #83
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 10:04 PM
Parent: #1



مسارب الضي

الحاج وراق

* رغم ظواهر الحرب وعدم الاستقرار السياسي والمجاعات والفقر التي طبعت تاريخ بلادنا ما بعدالاستقلال، إلا انه كذلك للسودان (ميزة) عصية علي التجاهل، وعسيرة علي التفسير! ربما تكون نتيجة مزيج استثنائي للتاريخ والجغرافيا والإنسان والسياسة، تاريخ آلاف السنين من الحضارة، وجغرافيا مفتوحة تنتج التلاقح والمثاقفة، وسياسة لم تعرف سلطة مركزية كمثيلاتها في المنطقة، تطأ المجتمع حتي تسحق حريته وحيويته، وإنسان عزيز النفس لايرضي الضيم او المهانة، وكذلك إنسان هو الاكثر قبولا للجديد وللتجريب! وهكذا، ورغم كل شئ ، فإن السودان استثناء في المنطقة - أتري مصادفة ان بلادنا الوحيدة في المنطقة العربية الإسلامية التي اسقطت بانتفاضتين شعبيتين نظامين استبدادين؟! بل ان أنظمتنا الاستبدادية والقمعية لا يمكن مقارنتها بمثيلاتها في المنطقة!.. أتري مصادفة ان الشهيد عبدالخالق محجوب كان من أميز الماركسيين في المنطقة؟! وان الدكتور حسن الترابي لا يمكن مقارنته من حيث القدرات الفكرية والفقهية بغيره من قياداة الحركات الإسلامية الأخري؟! وان الإمام الصادق المهدي يشكل قامة فكرية أعلي وبكثير من علماء الدين في أرفع المؤسسات الدينية في المنطقة؟! ... ، بل وأقول وبكل اطمئنان ان الاستاذ/ محمود محمد طه، يظهر عملاقا يعز نظيره حين يقارن، بأمثاله من رموز التجديد الديني والاستنارة في العالم الاسلامي، سواء علي عبدالرازق، طه حسين، حسين أحمد أمين، العشماوي، الجابري، أركون، أو نصر حامد ابوزيد، يعز نظيره من حيث الإتساق الفكري، ومن حيث عمق التجديد ومداه وشموله، والاهم، يعز نظيره من حيث الإتساق الأخلاقي ومن حيث الشجاعة في الصدع بالرأى والثبات عليه.. وتأمل نصر ابوزيد في هذا الإتساق، وقد كفرته قوي الهوس الديني وضغطت للتفريق بينه و بين زوجته، فهاجر من موطنه - مصر - الي هولندا، فكان كلما حزب عليه الأمر، وأعترته نوازع الضعف الانساني، وهي نوازع قادت طه حسين الي التراجع واعادة طبع كتابه عن الشعر الجاهلي مع حذف المقاطع غير المرغوبة! وقادت علي عبدالرازق الي استرضاء شيوخ الازهر! ولكن نصر حامد ابوزيد كان يستشعر القوة والمدد وهو يسترجع انموذج الاستاذ/ محمود محمد طه، فقد كان جلادوه ينتظرون منه مجرد إيماءة ليتراجعوا عن إعدامه المأزق، ولكنه قدم أنموذجا لا يضاهي لكرامة الفكر ولاستقامة المفكر، فلا سلطان علي الفكر سوى المحاججة والبرهان، وأما سلطان ارهاب السنان فقد قدم في مواجهته روحه وهو يبتسم!.. فأى طاقة غرائبية هذه التي توقد هذه البلاد الفقيرة الجاهلة المسماة السودان؟!
* عن هذا السؤال أجاب الاستاذ/ محمود نفسه فقال: (ان السودان مركز دائرة الوجود)! وقد دفع الاستاذ محمود بحياته وإستشهاده السودان الي مركز دائرة الوجودالإنساني!
كان يدعو الي السلام والحرية، وقال بأن الانسان الحر، إنما هو الانسان الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويفعل كما يقول، ثم لاتكون عاقبة فعله الا خيرا وبرا بالاحياء والاشياء.. ولذا علم تلاميده ألا يطأوا بأرجلهم علي (النجيلة)! ولأنه لا يطأ علي النجيلة، فقد نذر نفسه كي يتحرر كل انسان من الخوف، فلا يطأطئ رأسه إلا تواضعا! وكان قليلا ما يغضب، ولكنه غضب علي ابنته الفضلي أسماء حين وطأت غير عامدة علي حبات عيش! أما هو، فلم يطأ شيئا سوى الارض والخوف، ومن باب أولي، لم يطأ علي انسان ابدا، الانسان عنده غاية كل شئ.. ولأنه لايخاف، فلم يتسلح ابدا سوي بالفكر، ولذا، وطوال تاريخ حياته لم يدبر انقلابا، ولم يشن تمردا، ولم يعبئ مؤيديه لحرب، ولم يسلح ولم يدرب ولم يحرض علي عنف ابدا!... وهكذا كان اغتياله واقعة صافية، دون أى لبس، لاضطهاد الفكر ولغمط حرية الاعتقاد والتعبير.
* واغتيل الاستاذ/ محمود في 18 يناير 1985! ولكن أتري مصادفة، انه اغتيل في الثامن عشر من الشهر، ليشكل اغتياله انتهاكا صريحا وصارخا وأنموذجا للمادة الثامنة عشرة من ميثاق حقوق الانسان؟! المادة التي تنص علي حرية الضمير، وحرية الاعتقاد، بما في ذلك حرية تغيير المعتقد؟! العارفون لا يقولون بالصدفة أبدا، وأنا معهم، أقله في هذه الواقعة الاستثنائية!
وهكذا، فإن الاستاذ محمود محمد طه، الوحيد من مفكري الازمنة الحديثة، الذي اغتيل بلا سبب سوى أفكاره، كأنما المادة الثامنة عشر من ميثاق حقوق الانسان، وهي روح الميثاق، قد صيغت خصيصا لأجله!
ويكفي هذا السبب وحده، دع عنك أفكاره وحياته، كي يتربع الاستاذ محمود على عرش عظماء الانسانية المعاصرة: المهاتما غاندي، ومارتن لوثر كنج، ونيلسون مانديلا.. واذ يتربع الاستاذ/ محمود في قمة الذري الانسانية، فإنه في ذات الوقت، يرفع معه بلاده الجاهلة والفقيرة - السودان، الي الذري السامقة، والي مركز دائرة الوجود الانساني.. فياله من فداء، وياله من عريس!
http://alsahafa.info/news/index.php?type=6&issue_id=523&col_id=5&bk=1

Post: #84
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 10:05 PM
Parent: #83



مسارب الضي

الحاج وراق

ردٌّ على أحد المهووسين

لفت نظري أحد الاصدقاء الى مقالة الاستاذ اسحق أحمد فضل الله بجريدة «الحياة» بتاريخ 20/1/2004م حول المقال الذي نشرته عن اعدام المفكرين في التاريخ الاسلامي، وذلك بمناسبة ذكرى اعدام محمود محمد طه.
فماذا قال صاحب المقال؟ ينقسم المقال الى جزءين. الجزء الاول شتائم، وهذه لن اردَّ عليها، ولكن سوف اذكرها للامانة. قال إن القارئ يستطعم شعوراً عميقاً بالاشفاق على الكاتب وهو يلحظ الجهد المضني وحصاد الهشيم بعده. وأود ان اشكره على اعترافه بالجهد المضني. واتعجب في نفس الوقت من معرفته لشعور القارئ. هل اجرى استفتاء ام لديه آلة سحرية؟ ثم قال عني وعن الكتاب الآخرين: «والجهة الوحيدة التي تسخر من السادة هؤلاء دون رحمة هي اقلامهم ذاتها». انتقل الكاتب الآن من معرفة شعور القاريء الى كشف اسرار القلم، وهو امر يتطلب قوة خارقة. ثم يشتمني بأني مثل ابو الدرداق الذي يبحث في الارض عن الاوساخ لأني اخترت اسماء اشخاص من النفايات. ويقول لولا المقام لقال نكتة بذيئة تليق تماما. وهل هناك بذاءة اكثر مما قال؟ تشكل هذه الشتائم الثقل الاكبر من المقال. وانا لست اهلاً للردِّ عليها، حتى لا تتحول صفحات الصحف الى ساحات (ردحي). من اعطاه الحق ليشتم الناس كما يريد؟ ولماذا؟ هل لانهم يختلفون معه في الرأي، ام انه هو المرجعية للاشياء بحيث يمكنه ان يقول في الناس ما يمليه عليه قلمه. إن آفة الهوس الديني، ان اصحابه يعتقدون انهم يمتلكون كل الحقيقة، لذلك ليس لهم الا السباب، واذا امتلكوا سلطة انهالوا عليهم تقتيلاً.. ان الهوس الديني هو آفة عصرنا، وهذا المقال احد النماذج الساطعة لتلك الآفة.
ننتقل الآن الى الحقائق التي اوردها الكاتب. قال اني سعيت لأجعل محموداً من أئمة العلماء. والحمد لله ان مقالي منشور في صحيفة علنية وليس منشوراً سرياً يتداوله الناس خلسة. والحمد لله اني كتبته بلغة الضاد وليس بلغة الكفرة. فعجبت للامر. اما ان يكون كاتب المقال لم يقرأ المقال. او انه قرأه ولم يفهمه، او انه يضمر امراً آخر؟ لانني قلت عن محمود: «انا لا اتفق مع كل ما قاله محمود، ولكني اقف اجلالاً امام موقفه الشامخ وهو ثابت الجنان امام ما كان يؤمن به». فأين الحديث عن ائمة العلماء الذين يتحدث عنهم كاتب المقال»؟
ثم يقول اني لم اجد بين آلاف العلماء الا الثلاثة الذين استشهدت بهم. واقول لكاتب المقال اني لم استشهد بهم كعلماء وانما لأنهم من المفكرين الذين صمدوا بجرأة امام الموت وهم يدافعون عن رأيهم. لماذا لا يقرأ الناس ما نكتب قبل ان يهجموا على كتاباتنا بالتجريح والشتائم؟
ثم يقول الكاتب إن الرجال الثلاثة الذين بطشت بهم آلة القمع في الدولة الاموية من الزنادقة، هل نحتاج ان نعود للقواميس لنعرف من الزنديق؟ ام هل نحتاج ان نعود للتاريخ لنرى إن كان اولئك الرجال زنادقة، سواء بمفهوم قاموسي او تاريخي؟ لقد انتقد اولئك الرجال نظام الحكم في الدولة الاموية، وثبتوا امام نقدهم. انتقلنا الآن من مرحلة المهووس دينياً الى مرحلة المعتوه دينياً. فاتهام المعارضين للدولة الدينية بالزندقة، هو من صميم تسلط الدولة الدينية التي يقف كاتب المقال مدافعاً شرساً عنها.
لا شأن لنا بعلم اولئك الرجال، ولكننا نهتم بمواقفهم ضد الطغيان. ومثلهم رهط من الرجال الذي يحفظ التاريخ ذكره بالتجلة. فهناك الحلاج الذي كان يتبختر وهو يساق الى الموت ويتلو قوله تعالى: «يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق». وهناك السهروردي المقتول. ويحفظ التاريخ وقفة سقراط الذي آثر ان يشرب السم ولا يتنازل عن رأيه. وكان موقف الفيلسوف الايطالي برونو. الذي حاكمته الكنيسة مدى سبع سنوات. ويرفض ان يتنازل عن قوله بكروية الارض، وقال في المحكمة إن افكاره لا تتعارض مع مفهوم المسيحية وعقيدة الخلق. فاحرقوه حياً. وعندما كانت النيران تشوي جلده رفع اصبعه في حركة دائرية وقال لحارقيه: ولكنها تدور ولكنها تدور. إن الهوس الديني من اي مستنقع خرج لم يستطع ان يقف امام حركة التاريخ.
ثم يقول كاتب المقال إن عمر بن عبد العزيز دعا على غيلان الدمشقي ان يسلِّط الله عليه من لا يرحمه. ونسأل كاتب المقال: لماذا دعا عليه عمر بن عبد العزيز؟ فاذا كان الرجل يستحق عقاباً، لماذا لم يوقعه عليه عمر، وهو الخليفة؟ لماذا يستنجد بآخرين ليعاقبوه؟ إن عمر بن عبد العزيز الذي تتوهج سيرته في التاريخ الاسلامي، لم يكن يتصف بالصفات التي يوحي بها النص الذي اورده كاتب المقال. لقد كان عمر يتحاور مع غيلان وأوكل اليه مهمة في الدولة. كان على الكاتب ان يتفحص النص ولا يهجم عليه دون روية وتفكر. ان النصوص التاريخية لا تؤخذ على عواهنها، بل نسلط عليها منهج البحث لنتعرف على قيمتها التاريخية.
انصح كاتب المقال ان يلتحق بأحد المعاهد العليا ليتعلم منهج البحث. وانصح كاتب عمود "آخر الليل" ان يكتب أول الليل حتى يكون متيقظاً ويدرك ما يقرأ وما يكتب. وله مني التحية.
http://alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147486896

Post: #85
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-03-2008, 11:34 PM
Parent: #84


حول «نحو مرجعية إسلامية متجددة»
عبد العزيز محمد بادي
أوردت الأستاذة رباح الصادق بجريدة «الصحافة» تاريخ 21/8/2004م العدد «4035» تحت هذا العنوان (نحو مرجعية إسلامية متجددة) (لقد كان أهم التعديلات في اسم المادة المقدمة للمؤتمر هو التعديل الذي تقدم به الاستاذ عبد الباسط عبد الماجد وزير الثقافة المثقف حقا).. وتمضي الاستاذة في الفقرة حيث تورد (وصفة للمرجعية من جديدة الى متجددة.. ذلك ان الاصل في الفقه التجدد لا الجدة وقد ذكرني حديثه بالنقد الذي سبق للطهوية «مذهب الاستاذ محمود محمد طه» وكان أبلغ ما قيل في ذلك ان المذهب الجمهوري حين حديثه عن رسالة ثانية قد اقتصر عتبات التطور في درجتين الاولى في القرن السابع والثانية في القرن العشرين وهذا غير معقول).
المعنى والمقصود بالتطور هو الانسان، والذي ذهبت في تعريفه، مذاهب وأفكار شتى تفيض ولا تنبجس. فلنأخذ بتعريف الاسلام. والذي هو الآخر تختلف فيه الآراء كل له فهمه، لكن المتفق عليه ان الانسان هو خليفة الله في ارضه.
الانسان، هو الوجود كله، من أبسط الصور، وهي الغازات (هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكورا) صدق الله العظيم. ومن تلك البداية البعيدة، بدأت مراحل تطوره، قاصدا كماله وخلافته في الارض، من مرحلة إلى مرحلة الى أن بلغ مرحلة التكليف. وفي قمة التكليف ديانات التوحيد. حتى كانت هذه القمة الشماء الاسلام، الذي أنزل على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في القرن السابع الميلادي بواسطة الملك جبريل عليه السلام.
وفي هذه الرسالة، خوطب الانسان، على انه هو الآن إنسان. وانه خليفة الله في ارضه. وبالتالي هو حر مسؤول، وكل ما يحتاج له الإنسان موجود بين دفتي المصحف. ولذلك تم انقطاع رسل الملائكة عن أهل الارض. وظل هذا الخطاب مستمرا لمدة 13 عاما «لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل» صدق الله العظيم.
وعجز انسان القرن السابع عن ان يرتفع لهذه القامة، قامة الحرية والمسؤولية. فكان ان نسخ هذا المستوى وحكم المستوى الآخر، مستوى الوصاية، حيث اكره الانسان على الاسلام (أمرت ان اقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وان محمداً رسول الله.... الى آخر الحديث الشريف.
وكما جاء في القرآن (فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم وأحصروهم وأقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ان الله غفور رحيم) صدق الله العظيم.
هذه الآية في حق المشركين. اما الكتابيون فقد جاء في حقهم قوله تعالى (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) صدق الله العظيم. النسخ عند الأستاذ محمود محمد طه ارجاء وليس الغاءً.
ونخلص مما تقدم، الى مرحلتين اثنتين لا ثالث لهما، في مراحل تطور الانسان اما راشد واما قاصر. القاصر مفروض عليه الوصاية لقصوره، ومن هنا فرضت وصاية الرشيد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على ذلك المجتمع. وقد كان نعم الرشيد الحر. وقد قال الاستاذ محمود محمد طه عن حريته وهو يقدمه كمثال يحتذى به لانسان القرن العشرين (أبلغ دليل عندي على بلوغه الحرية الفردية المطلقة عزوفه عن السيطرة على الآخرين) وتبعه في ذلك خلفاؤه الراشدون من بعده اوصياء على المؤمنين وعلى غيرهم من سائر الناس والرجال، أوصياء على الناس، مع اعتبار ان القمة بدأت تلتئم الى أن كان الملك العضوض في الخلافة الاموية والعباسية. عدا العمري سيدنا عمر بن عبد العزيز.
ومرحلة القصور ليست نقطة وإنما هي مساحة. وهي في حركة دائبة تطلب الرشد والتخلص من القصور، لانها ليست اصلا في الانسان وانما الاصل الكمال والرشد. ومن هنا كانت الاحتجاجات والثورات التي تقع من القصر، حيث تقابلها بعض صور الاصلاحات من الاوصياء والذين هم انفسهم قصر في اغلب الاحيان، يقومون بهذه الاصلاحات للحفاظ على وضعيتهم المادية والمعنوية. وما تقوم به الطائفية من عمل واجتهادات برهان ساطع على ذلك، فلنأخذ السيد الصادق امام الانصار ورئيس حزب الامة مثالا لذلك.
معلوم للجميع ان الإمامة عند الانصار تكون من أحفاد الإمام محمد احمد المهدي عليه السلام، بالضرورة والرئاسة لحزبهم (الأمة) كانت من الآخرين، إلى أن ظهر السيد الصادق في المسرح فنازع فيها وأخذها مما تسبب في انشقاق حزب الامة الشهير. بعد انتقال الامام الهادي المهدي الذي انشق عنه السيد الصادق. واصبح المسرح معدا تماما لطموحات السيد الصادق. ولكن سنة الحياة لا تقف، فسرعان ما بدأ التنافس يظهر والانشقاقات من داخل الأسرة، مما جعل الصادق يزحف نحو الإمامة كما زحف على الرئاسة ليؤمن وضعيته ويحكم قبضته، عند البسطاء اماما يعتقد فيه. وعند أهل التجدد اماما منتخبا. نعم كان له ما اراد، بوسيلة الانتخاب لوظيفة الامامة. ومعلوم ان الامامة تتم بالبيعة لانها من مراحل العقيدة حيث الوصاية. وقام السيد الصادق بهذا الترقيع ليواكب حركة التطور المسرعة نحو المرحلة الثانية، حيث الرشد والحرية وعدم الوصاية من احد، والذي يجب ان ننبه له ان هذه الطريقة ـ طريقة الترقيع ـ جد خطيرة لانها تمد في عمر الطائفية، النغمة البغيض التي هي سبب كل المشاكل التي يعاني منها الشعب السوداني منذ استقلاله والى يومنا هذا.
بربكم ما هو العيب في المؤسسية؟ ام لأن المؤسسية تقتضي توعية الجماهير. والتي لا تتم الا بفتح كتاب التاريخ واخضاعه للتقييم والنقد لمعرفة الصالح من الطالح، بدل الانسياق العقائدي العاطفي خلف قادة ورثوا المجد كما تورث الامتعة.
والمرحلة الثانية في مراحل تطور الانسان هي مرحلة الرشد، حيث الحرية والمسؤولية وسندها من القرآن آيات الاصول، فالاسلام وعلى حسب فكر الاستاذ محمود محمد طه جاء على مستويين رسالة اولى ورسالة ثانية. والنبي محمد عليه الصلاة والسلام بلغ المستويين ـ الاصول والفروع ـ نسخ الاصل وحكم الفرع لقصور وطاقة انسان القرن السابع.
والأستاذ محمود محمد طه يقول جاء الوقت الذي تنسخ فيه الفروع وتحكم الاصول، وذلك لأمرين: استعداد وطاقة انسان اليوم. وانه ليس هنالك رجل من الكمال بحيث يؤتمن على حريات الآخرين.. وثمن الحرية دوام السهر عليها، ففي آيات الاصول التطور لا يحده حد والانسان منفتح على الاطلاق (يا أيها الانسان انك كادح إلى ربك كدحاً فملاقيه) والناقص ليس له حظ في الملاقاة. وما الرسالات السماوية ودعوات المصلحين وكل ما في الوجود من خير وشر إلا لزوال النقص الذي هو عدم الحرية.
وعند الاستاذ محمود محمد طه من أكبر الوسائل لانجاب الانسان الحر النظام الدستوري والدستور عنده من القرآن (آيات الاصول). وذلك لان الاسلام في آيات الاصول يوفق ما بين حاجة الفرد للحرية الفردية المطلقة وحاجة الجماعة للعدالة الاجتماعية الشاملة. وذلك لان القرآن دستور للفرد كما هو دستور للجماعة. وكما ان النظام الدستوري يعين المحكومين على بلوغ الحرية، كذلك يعين الحكام على بلوغ الحرية، لانهم معنيون وكل انسان غاية في ذاته. وانهم في مواقع القيادة اكثر عرضة للانحراف. كذلك النظام الدستوري، بديل للجماعات والاحزاب تنظم به نفسها (المؤسسية) بدل هذه الصورة التي بدأت تبتدعها الطائفية لتمد من عمرها.
والفكرة الجمهورية ليست اجتهادا فقهيا حتى يذكرك التعديل الذي تم لكلمة جديدة الى متجددة، النقد الذي سبق الفكرة. وانما هي العلم المكنون، ومن العلم المكنون معرفة المستويين، ومعرفة حاجة وطاقة الانسان. والمستويين نصوص قطعية من القرآن، نص محكم ونص مرجأ الى يومه. والنص المحكم هو الشريعة الاسلامية التي نظمت حياة الناس في القرن السابع. ولا يمكن تجاوز نصوص الشريعة باجتهاد فقهي، ومعلوم ان الاجتهاد يقوم على ما ليس فيه نص. وكل من لا يرى المستويين في القرآن الاصل والفرع، وانه جاء الوقت الذي يحكم فيه الاصل وينسخ الفرع، لا تجديه الحيل والاجتهادات مع نصوص الشريعة.
فأنت الاستاذة رباح الصادق المهدي وبزيك السوداني المحتشم وسمتك الرزين وهذه القامة العصرية التي تثري الحياة بهذه المساهمات، تعتبرين مفارقة للشريعة الاسلامية ونصوصها القطعية. وان رأت هيئة شؤون الانصار جدوى في الانتقال من الاجتهاد الفردي الى الاجتهاد المؤسسي، لن تجد اجتهادا يقر ما انت عليه، فهو مخالف للنصوص القطعية. ولو قدر للمهووسين (تنظيم القاعدة والطالبان) ان يقيموا دولتهم لكان مصير المرأة الرجوع للحجاب. وهو ليس زي بعض الاسلاميات المسمى حجابا. وانما هو الرجوع للبيت وترك كل ما نالته المرأة من تعليم مدني وخلافه. والنصوص القطعية في الشريعة الاسلامية تعطيهم هذا الحق (وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى) صدق الله العظيم.
اما استنكار استنساخ القرآن المدني وما اوردت استاذة رباح (وبغض النظر عن النقد العقدي الذي سبق للطهوية والذي اراه صحيحا في استنكار نسخ القرآن المدني كله) فأرجوك أنت ومن قاموا بالنقد وقبل انعقاد المؤتمر الاسلامي الجامع، ان ترجعوا للفكرة الجمهورية في مظانها لتكونوا على بينة.

http://alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147491835

Post: #117
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:19 AM
Parent: #84

هذه القصيدة مشاركة من الشاعر تاج السر حسين (دبي ) بمناسبة ذكري استشهاد الاستاذ محمود
كتبت هذه القصيدة فى ذكرى استشهاد الأستاذ المفكر الخالد / محمود محمد طه، الذى أعدم شنقا فى 18/1/1985 ، وهى مهداة الى أرواح جميع شهداء الفكر والرأى فى جميع أنحاء العالم، والى الساهرين المدافعين عن الحرية والديمقراطية، أينما كانوا.
(أعظـــــم الشـــــهـــداء)

ثابت علــى المــــــبدأ
رهيب فى بسمتك تتحـــدى
لما القناع من هيبتك أنزاح
طرفك لا رمش لا أرتد
.................................................................
مكتوف الأيادى ، واقف عديل ما أنهد
مجنزر ،فى هيبة تقدل، شامخ فى السماء الممتد
بى صمتك حاكمــت الجهـــل والحاكمـــوك بالــردة
..................................................................
(أستاذ) العصـور سيرتك نقية وعطرة
للأحــرار منار وخــلدت أروع ذكــرى
حوضك صافى مافيهو مــوية عكــــــرة
أخجـلــت القــدام أهــل المديح والشكـرة
وأهديت الزمان (اسمى) وأعظم (فكرة)
.................................................................
ترياق للنفوس من نشأتك، ولى آخر الأيام
افنيت العمـــر تبنى وتجدد وتنشرالأســـلام
بالفهم الصحيح والدعــوة والاعلام
أدواتك حروفك وسـلاحــك الأقـــلام
نظــراتك معــانــى وحكم وكــــلام


فى صمتك ،عميق ، ما بهمك الأعدام
وفى حزنك تأمــــل، ساكـن معـاك دوام
همـــك صـــلاح الكون، والـدنيا تبقى سلام
.................................................................
أتباعــك (رجــال) ثابـتـين دوام قـــــدام
طاهرين الأيادى صادقين لسان وكرام
حافظين الوصية – دائما – صيام وقيام
لو الموت ( شريعتك)، كان لاقوه فى (الاحرام).
.................................................................
منو القبلك شهد بى روعتو الأعداء
مـنـــو المشى (للشنـق) وفــى بســـمة أتحدى
منو المشت النجوم فى دربو تستهدى
منو النزلت شمــــوس العـــــزة تتلقا
ثم أنزوت خلف السحاب، عشان اكتب، سطر، اهداء
قليل لو قلنا فى وصفك عظيم
أو قلنا أنك، أعظم الشهـــــــداء
.................................................................

كلمات: (أخوالبنات) - تاج السر حسين[email protected] – دبى – 13/1/2004

Post: #86
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 00:31 AM
Parent: #1


مسارب الضي
إليكما التحية والإعزاز

الحاج وراق

شكَّل «التنوير» الإطار الفكري للحركة الاجتماعية التي زعزعت أركان الظلامية في أوروبا.. وفي تقديري أن مفهوم التنوير غالباً ما يكون استعير من المصطلحات الاسلامية، عبر اسبانيا التي شكلت جسراً للمثاقفة بين الحضارة الإسلامية السائدة حينها والحضارة الأوروبية الصاعدة، حيث أن الإسلام يرمز بالنور إلى الحالة الذهنية والوجدانية التي يتم بها تخطي الجهل والتعصب والعنصرية والقبلية.
* ويصدر التنوير عن فكرة أساسية، وهي فكرة التفاؤل بالإنسان، أنه مهما كانت سلبياته وأنانيته أو عثراته، فانه بالمعرفة والتربية والتعليم يستطيع أن يتجاوز ويرتقي.
وبالنسبة لي فإنني وبواقع تجربتي الشخصية لا أملك إلا التفاؤل بالإنسان، لقد اعتنقت في مجرى حياتي كثيراً من الأفكار الخاطئة، اعتنقتها باليقين والاخلاص الكافيين للتضحية بالنفس عن طيب خاطر! ولكني إذ استرجع الآن تلك الأوقات، فإنني أقشعر من ذكرى أننا كنا على استعداد أن نقتل أو نُقتل لأجل مثل تلك الأفكار، وأخجل من حالتي الذهنية حينها، حالة الوثوقية وانغلاق الذهن، وابتسم ساخراً من فشلي في إلتقاط البداهات التي كانت مبذولة على قارعة الطريق! كم كنا شموليين ووثوقيين واغراراً وسذجاً!
ولأنني -مع كل التواضع اللازم- أزعم انني قد تغيرت كثيرا، فانني أتفاءل بقدرة الانسان على التغيير، وأفرح بملاحظة مظاهر التحول الديمقراطي عند الآخرين، ذات المظاهر التي سبق واختبرتها شخصياً في نفسي!
* وكما طفل في صباح العيد، لم تسعني الفرحة، وأنا أقرأ أول أمس مقالة الدكتور كمال حنفي بـ «الرأي العام».
كتب الدكتور حنفي - وهو من الإسلاميين- عن اغتيال الأستاذ/ محمود محمد طه قائلاً:
«... الحركة الاسلامية كانت هي القوة الفكرية الوحيدة التي وقفت معنوياً وسياسياً مع الحكم على محمود مع انها كانت من أوائل المتأذين من المحاكم السياسية في السودان وفي غير السودان... شهادات بعض الشهود التاريخيين أن محمود أعدمه قضاته «العلماء».. معنى ذلك ان محموداً أعدمه «العلماء»، لكن لايحدث ذلك إلا بالمناخ السياسي.. محمود محمد طه أعدمته السياسة مثله مثل سيد قطب وباقر الصدر وعباس برشم وعبد الخالق محجوب.
على الحركة الاسلامية وهيئة علماء السودان ألا يشغلا بالهما بالتفكير في إرسال برقية احتجاج لجاك شيراك لأنه «حرّم» غطاء الرأس على المسلمات بفرنسا، ولكن عليهما ارسال برقية احتجاج لضميرهما في الوقوف ضد المحاكم السياسية بالحجج حينما تصادم مزاجاً سياسياً والوقوف المساند لها بتطويع نفس الحجج إذا حدثتهم نفسهم الأمارة بالسياسة!
إن مرور تسعة عشر عاماً على إزهاق نفس قالت لا اله إلا الله دون ابداء مشاعر التوبة معناه قتلنا للناس جميعاً.. كي نستوعب صرعى المحاكم السياسية على مدار التاريخ السوداني الحديث معناه أن نتخيلهم جميعاً كانوا من ركاب الخطوط الجوية السياسية وهوت بهم في عباب البحر الأحمر!.. توبوا عن المحاكم السياسية فهي حمَّالة أوجه.. العبارة السابقة لقيناها مسجلة داخل الصندوق الأسود لطائرة الخطوط الجوية السياسية المحطمة!!»
انتهى حديث الدكتور كمال حنفي.
* وفي ذات السياق، وبذات الفرح، نقرأ كلمات الأستاذة آمال عباس بـ «الصحافة» أمس- وكلنا نعرف مقدار تأييد الاستاذة آمال لمايو-وقد كتبت:
«... إقامة محكمة للأستاذ/ محمود محمد طه والحكم بإعدامه كان كارثة ثورة مايو وجريمتها السياسية البشعة بل وخطيئتها الكبرى.
.... كان الأمر ليس أمر دفاع عن الاسلام بقدر ما هو اغتيال سياسي»
يالها من قدرة على الفحص النقدي الموضوعي، ويالها من قدرة على المراجعة وعلى الإنصاف، والإنتصاف حتى من التجربة العزيزة على النفس!
* التحية والإعزاز للأستاذة آمال عباس وللدكتور كمال حنفي، أعطانا كلاهما أملاً وتفاؤلاً بأن نخبة البلاد في سبيلها إلى التعافي، وبأن السودان حتماً سيبرؤ من داء الإقصاء والاقصاء المضاد، الداء الذي طبع نخبتنا وتاريخنا المعاصر،

http://alsahafa.info/news/index.php?type=6&issue_id=165&col_id=5&bk=1

Post: #167
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-06-2008, 04:51 PM
Parent: #86




عصام فحل / عجمان / في 19 / 03 / 2008
=====

والسور نفسة كثيرا ماكنا نتسلقه وفي أحدي المرات رأينا جمعاً يحتفي بضيف داخل أسوار المحطة بالأناسيد والأهازيج وعرفنا لاحقاً إنه محمود محمد طه في زيارة له
=======================
وكتب عبدالله عثمان

ولكن لا يمكن أن تمر ذكرى تندلتى بدون أن نذكر العم الراحل المقيم الأستاذ محمد الحسن الطاهر - نفعنا الله بجاهه - فقد بدأ العم محمد الحسن الطاهر حياته العملية - نازحا من تمبول - بتندلتى ثم ذهب منها لكوستى "مخازن المدينة" وقد كان وجها من وجوه الخير فى تندلتى - وأنتم أهل تندلتى أعرف ببذل أهل الخير خاصة فى التعليم الأهلى -
فى تندلتى وبعصامية نادرة تفتحت أعينه على عيون الأدب العالمى فأخذ ينهل منه ما شاء الله له أن ينهل حتى ساقته قدماه الى رحاب الأستاذ محمود محمد طه - وهى رحاب لا يستطيع الولوج اليها الا ذوو العزم الأكيد، فلم يأبه الرجل لجاه ولا لمكانة اجتماعية ولا سياسية - فقد كان الرجل من أساطين الوطنى الإتحادى بالمنطقة - ثم من أثريائها ولكن كل ذلك لم يحل دون ولوجه وببصيرة نافذة فى أمر الأستاذ محمود محمد طه وأصبح له شأو واى شأو فى أمر تلك الدعوة الغريبة، الغريب أهلها وأصبح من خطبائها المفوهين. التحية لأبناءه صلاح، منى، وداد، الطاهر، ومامون والتحية له ولزوجه الأم الرؤوم عائشة عبدالسلام فى عليائهماوكذلك لإبنتهما بثينة وزوجها عثمان "زينة".
ظلت للراحل المقيم وأسرته روابط أسرية عميقة بتندلتى حتى فارق الحياة هو وزوجه وصهره عثمان وإبنته بثينة فى حادث حركة مشئوم وهم عائدون من تندلتى بعد واجب عزاء
لهم جميعا الرحمة الواسعة ولأهل تندلتى كل التحايا والإعزاز

مدينه إسمها تندلتي

Post: #168
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-06-2008, 05:12 PM
Parent: #86



كتب متوكل على - من كوادر الإسلاميين بجامعة القاهرة الفرع سابقا
===

(تماما كماذكرت تزامن دخولنا إلى تنظيم الاتجاه الإسلامي مع أحداث المحاكمة الجائرة التي تعرض لها الأستاذ محمود محمد طه(رحمه الله ) والتي انتهت بقتله...
فقط بالأمس زارني بمكتبي أحد قدامي أصدقائي وهو من شركائي في التجربة التي أنا بصدد سرد فصولهاوكان انضمامنا إلى تنظيم الاتجاه الإسلامي في مرحلة واحدة...وبينما كنا نستعيد ذكريات الثمانينيات بالجامعة تحدثنا عن تلك المحاكمة الجريمة... عندئذ أطلعته على مقطع فيديو يظهر فيه الأستاذ محمود وهويخاطب المحكمة ذلك الخطاب التاريخي... وبكل أمانة فإن تلك الكلمة كانت هي المحاكمة وكانت هي الحكم...ولو كنت في مكان المهلاوي لكتبت استقالتي في تلك الجلسة....
قال صديقي وهو يستشعر الندم أنه خرج في المظاهرة المؤيدة لإعدام محمود محمد طه..
أما أنا فقد كنت مذيعا داخليا لأسبوع ثقافي يقيمه الاتجاه الإسلامي بنشاط الجامعة... وعندما أبلغوني بتنفيذ حكم الإعدام.. كنت أكبر عبر مكبرات الصوت .. وأردد الآن .. وفي هذه اللحظة قد انهد صنم من الأصنام وسقط عمود من أعمدة الكفر.....
ولكن سرعان ما اختلفت نظرتي، وكنت وأنا في السنة الأخيرة بكليةالحقوق أحلل تلك المحاكمة فلا أجدها تمت إلى القانون بصلة وفي نفس الوقت كان تنظيم الاتجاه الإسلامي يفقد بريقه عندي وقد تعددت ملاحظاتي عليه...
أما اليوم، وبعد كل هذه التطورات والتحولات ، أجدني لا فقط متعاطفا معه، بل معجبا بشجاعته وصدقه وقوته... لا يعني ذلك أني أؤيد أفكاره الدينية .. ولكن مهما اختلفت معه فلا أملك إلا أن أقول عنه أنه رمز من رموز هذا الشعب....) انتهى


ودخلنا الباب سجدا .. تجربة جماعية في التعرف على مذهب أه...م السلام) واعتناقه..

Post: #480
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: صلاح شعيب
Date: 04-18-2008, 06:48 PM
Parent: #86

الاستاذ عبدالله عثمان

شكرا لهذا التوثيق المثابر وابشرك ان هناك حوار عميقا اجريته مع د. دالي سيرى النور قريبا
وسيكون شارحا أكثر للفكرة الجمهورية..واسعى لمحاورة الاستاذ عبدالله النعيم خصوص وهو سيزورنا في واشنطن ويحاضرنا يوم السبت 3 مايو..ويا ريت لو ساعدتموني بالمداخل ...تلفوناته أو الايميل أو غيره..وانتظرك في الماسنجر..عظم الله أجركم..وهدانا إلى سراطه المستقيم..

Post: #693
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: مؤيد شريف
Date: 04-22-2008, 09:50 PM
Parent: #86

أخ عبد الله مشكور علي المادة الغنية ، اعتقادي أن محمود محمد طه ، غض النظر عن بعض اراءه العقائدية، كان مفكرا وعالما مجيد وقد لا يتكرر مثيل له في السودان ... العقدة كانت في أنه تناول موضوعات تتصل بمسائل الحكم والدولة والعلاقات داخل الدولة وهنا مناطق معروف من يعمل علي احتكارها وتجييرها لمصلحته ولمنفعته ،،، لو أنهم فقط تركوه ينافح عن اراءه وان يثقوا في العقول التي تستمع اليه ويتركوها تختار وحدها دون عسف منهم واشتطاط ... فالفكر يقابل بالفكر والحجة بالحجة لا المقصلة والشنق .... رحم الله المفكر والعالم محمود محمد طه وغفر له وافاء علينا بشبيهين له يحركون العقول ويدفعوها للتفكير والاختيار لا أن يختار لنا وباسمنا ونساق وننساق وليس لا لنا من أمرنا شيء....

Post: #826
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبد الله الشيخ
Date: 04-29-2008, 05:03 PM
Parent: #86

منذ اغتيال الاستاذ محمود والسودان مكسور الخاطر
من الذى قدم روحه بنفسه فداءا للمبادى وللسودان
غير الاستاذ محمود
وهل مات النميرى ام مات الاستاذ واين قضاة العدالة الناجزة
هل هم اهل الصواب والحق

Post: #853
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-01-2008, 03:56 PM
Parent: #86

محمود محمد طه في رؤى الأحلام .

Post: #940
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-12-2008, 03:23 PM
Parent: #86


كل ما تحدثني نفسي بأنني ضيعت عاما فى لاشئ أتعزى بمن فقدوا وظائفهم من البروفسرات - أين أنا من د. معتصم محمد عبدالله فى الكهرباء ود. عادل خضر فى المدنية؟ كلاهما من الجمهوريين وكانا من أنقى من مشى على أرض جامعة الخرطوم.. وأين أنا من بروفيسر سمير جرجس ذلك القبطي الذي أحب السودان كما لم يحبه أحد وتجرد فى صوفية نادرة لعلمه وكان يعشق التائية لكثير عزة.. وأين أنا من د. عبدالجليل كرار، الذى طردنى يوما فى البرليم لما ظنه سوء سلوكي ثم أبدى أسفه، رحمه الله رحمة واسعة.. أين أنا من د. التاج، الصديق اللدود لخليل، وهو يخسر وظيفته فى مقتبل حياته المهنية؟ اولئك ابائي فجئنى بمثلهم اذا جمعتنا ياجرير المجامع...

اليوم الحار ومابنداريوم الهندسة والمعمار
____

Post: #98
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: على عمر على
Date: 04-04-2008, 02:01 AM
Parent: #1

تحية الى عمر هوارى

Post: #101
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 02:12 AM
Parent: #98


إن الشريعة الإسلامية المعروفة ، والتي يتمسك بها المسلمون ، في الدول العربية ، وينادون بتطبيق أحكامها على سياسة الدولة ، كبديل للعلمانية ، قد كانت صالحة وعادلة وحكيمة في عصرها ، غير أنها في بعض جوانبها لم تعد تصلح لإنسانية العصر الحديث ، بأي حال من الأحوال ، وذلك لأنها تتسم على سبيل المثال بالآتي :

1/ لا تكفل التعايش السلمي بين المسلمين وغير المسلمين حيث تأمر بقتال المشركين ونشر الإسلام عن طريق القتال ( الجهاد ) وذلك بنصوص من القرآن الكريم ، والحديث النبوي ، وبذلك لا تكفل السلام والأمن للشعوب غير المسلمة .

2/ تميز بين المسلم وغير المسلم في الحقوق فتجعل المسلمين مواطنين من الدرجة الأولى ، بينما تجعل الذميين أو أهل الكتاب ـ اليهود والنصارى ـ مواطنين من الدرجة الثانية ، حيث تفرض عليهم دفع الجزية ، ولا تجيز لهم حق تولي المناصب السياسية ، كمنصب الحاكم أو الوالي ـ رئيس أو وزير بلغة العصر ـ ولا منصب القضاء ، وأما المشركين أو الكفار ، وهم من لا ينتمون لأي دين سماوي ، فتحرمهم حتى من حق الحياة ، حيث تأمر بقتالهم إذا رفضوا الدخول في الإسلام ، وذلك كله بنصوص من القرآن الكريم ، والأحاديث النبوية المتفق عليها .

3/ تميز بين الرجال والنساء ، حيث تجعل المرأة على النصف من الرجل في الميراث ، وفي الشهادة أمام القضاء ، وعلى الربع منه في الزواج ، ودونه في سائر الحقوق الأخرى ، وتجعل الرجل وصياً على المرأة ، في معنى ما تنص على أن ( الرجال قوامون على النساء ) ولا تعطي النساء حق تولي المناصب السياسية ، ولا منصب القضاء ، وذلك كله بنصوص من القرآن الكريم ، والأحاديث النبوية المتفق عليها .

4/ لا تكفل الديمقراطية ، وإنما تقوم على الشورى ، والفرق كبير بين الديمقراطية والشورى ، فالأولى هي تطبيق رأي الأغلبية مع كفالة حقوق الأقلية ، بينما الثانية تعني أن يقوم الحاكم أو صاحب القرار باستشارة من يسمون بأهل الحل والعقد ، وهم الصفوة ، وذلك دون أن يكون رأيهم ملزماً له ، وإنما يسترشد برأيهم فقط مع ثبوت حق القرار له ، وذلك بنص القرآن الكريم .

5/ لا تكفل كثيراً من الحقوق والحريات الأساسية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كحرية الإعتقاد والتفكير وحرية التعبير عن الرأي الديني أو السياسي ، وذلك حيث تحرم الردة ـ خروج المسلم عن الإسلام ـ وتجعل عقوبتها القتل ، وذلك بنصوص الأحاديث النبوية المتفق عليها .

6/ لا تحرّم الرق تحريماً قاطعاً حيث تجيز استرقاق الرجال وسبي النساء ، في الحرب ، وإن كانت تجعل من تحرير العبيد أو ما يسمى بعتـق الرقاب عملاً فاضلاً

مستحباً ، وذلك بنصوص من القرآن الكريم .

وكمثال لعدم معقولية تطبيق الشريعة الإسلامية في العصر الحديث فقد كانت حكومة طالبان في أفغانستان ، تبدو شديدة التطرف والجهل ، حيث كانت تحرم النساء حق التعليم وحق العمل وحق المشاركة في الحياة السياسية أو الفكرية أو الثقافية ، وتمنع الفنون ، وتصر على تحطيم تماثيل بوذا ، ذات القيمة الفنية والثقافية والتاريخية الكبيرة ، بحجة مخالفتها للشريعة الإسلامية .

لكل ما تقدم فإن تطبيق العلمانية في الدول العربية لا بديل له سوى تطوير التشريع الإسلامي ، على هدى القرآن الكريم ، وهو ما يدعو له الجمهوريون ، وهم جماعة اسلامية سودانية ، وذلك برفع مستوى التشريع إلى النصوص المكية ، عملاً بقوله تعالى : ( واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ) وذلك بالانتقال من النصوص القرآنية المدنية ، التي قامت عليها الشريعة المذكورة ، إلى النصوص القرآنية المكية ، التي كانت منسوخة ـ أي مؤجلة التطبيق ـ والتي تشتمل على الديمقراطية والتعايش السلمي وكفالة حقوق غير المسلمين ، على قدم المساواة مع المسلمين ، وكفالة الحقوق الكاملة للمرأة ، ومساواتها مع الرجل أمام الدستور والقانون ، وكفالة كافة حقوق الإنسان ، إلخ .. فتطوير التشريع الإسلامي إذن هو تطبيق الآيات المكية التي أعتبرت منسوخة ( أي مؤجلة التطبيق ) واحلالها محل الآيات المدنية الناسخة ( أي المطبقة ) والتي قامت عليها الشريعة الإسلامية .. أو قل تطوير التشريع الإسلامي هو نسخ المحكم وتحكيم المنسوخ ـ أي تطبيق النصوص التي كانت معطلة وتعطيل النصوص التي كانت مطبقة .. وذلك في تقديري هو البديل المنطقي الوحيد للعلمانية في العالم العربي ، وتأكيداً لذلك فقد ذكر الكاتب السوداني المسيحي ، فرانسيس دينق ، أن رؤية الجمهوريين الأسلامية ، لو كانت هي الرؤية السائدة بين المسلمين لما رفض المسيحيون تطبيق الاسلام ولرضوا بالعيش تحت ظله لأنه يكفل حقوقهم .. وتفصيل ذلك يقتضي المشاركة في حلقة الجمعة القادمة من برنامج نقطة حوار وذلك ما أرجو إتاحته لي ، ولكم الشكر . عبد الله الأمين ـ الخرطوم

http://www.bbc.co.uk/arabic/tp_mon.ram

Post: #165
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-05-2008, 10:34 PM
Parent: #98


من: عبدالرحمن محمد ابراهيم جلي [[email protected]]

الموضوع: عهد جديد

وحيد مقبور
وقبرك .. يا ما فينا صدور
وصداك الكان يا محمود يا إنسان
صداك محفور
حين هتفت:
لا طغيان ..
لا تشويه ..
لا تحريف ..
لا مايو ..
لا سبتمبر ..
لا تزييف ..
لا تقطيع ..
لا تخويف ..
لا آمر ..
لا مأمور وديكتاتور .
لم تخضع ..
لم تركع ..
لم تمسح حذاء عسكر ..
ولم تأبه بسبتمبر
لم يثنيك عن مبدأك أنت ..
الموت ولا الطاغوت
وكان الحكم بالإعدام
وكان الشنق حتى الموت
في ساحة الشنق
لما وقفت ترسل ..
لبلدنا سلام
لجمع غفير أمام عينيك ..
للثوار .. للشرفاء .. للأحرار
للجائعين ومقهورين
للأخيار .. الأخيار
للشهداء .. للسجناء
للتغير .. لأبريل
للجبناء .. للخونة
للتجار باسم الدين
حين هتفوا وائتلفوا
وهمهم أنك أنت تموت
فلم تأخذهم الرهبة
فكانوا الحقد كل الحقد
فيعلوا الصوت
ليأتي الموت
وتتبسم ..
ولما البسمة تتفجر
تتناثر وتتبعثر
وتبقى الزاد
وتبقى نضال
وتبقى أمل
ونتفاءل ونتصبر
وتسحر كل سوداني
وتبهر كل إنساني
كأن الموت لما أتاك يا أستاذ
تقول أهلا بعهد جديد ..
لا جبروت ..
لا طاغوت ..
لا تجويع ..
لا تقطيع ..
لا إرهاب ..
لا تعذيب ..
لا تهديد ..
لا تشريد ..
لا تنكيل ..
لا عمالة ولا تطبيل
فكان الحلم
كان الفجر
كان أبريل .

1 ديسمبر 1986م

Post: #237
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 04:47 AM
Parent: #165


مقالات و تحليلات
محن سودانيه (4) .. الطائفيه . /Shawgi Badri
By
Feb 15, 2008, 19:08




محن سودانيه (4) .. الطائفيه .



قبل ايام ارسل لى اخى القانونى اسماعيل محمد سيد العباسى . نكته تقول ان بوش وبلير خرجوا للصحفيين واعلن بوش قائلاً لقد قررنا قتل عشرين مليون مسلم وطبيب اسنان واحد . وانهالت عليه الاسئله من هو طبيب الاسنان وما هى جنسيته وماذا عمل ولماذا وما هى جريمته و و وو الخ . فقال بوش لبلير ما قلته ليك العشرين مليون مسلم مش مهمين خلو كل حاجه ومسكوا فى طبيب الاسنان .

المعلومات التى اوردتها فى محن سودانيه الاخيره والتى تطرقت فيها للطائفيه والترابى معلومات يعرفها كل الشعب السودانى ويرددها الشارع والذين عاشوها لا يزالوا عائشين . ولم يتكرم ابن مقنعه واحداً بأن يقول بان هذه المعلومات غير صحيحه . وانصب الهجوم على شخصى واهلى . ووصفت بالجنون والشذوذ الجنسى والتفاهه . وركز الناس على طبيب الاسنان . فى التسعينات فى هجوم على الطائفيه واجهت نفس الشتائم . وقلت قديماً انا على استعداد ان اعطى الناس شهاده بأننى كنت بقطع مفاحض فى الترماج وان امى كانت بتصفى وابوى بقرطص . ولكن لم يجد اى انسان مقدره على دحض الحقائق .

هل هنالك من يستطيع ان ينكر ما موجود فى كتب الختميه وفى منشورات المهدى وما اوردت انا واورد الآن ايضا ...



ويقول محمد عثمان الميرغنى فى كتابه ( مناقب صاحب الراتب- صفحة 102 قال : ( من صحبك ثلاثة أيام لا يمت الا وليّا . وان من قبل جبهتك كأنما قبّل جبهتى . ومن قبّل جبهتى دخل الجنة . ومن رآنى أو من رأى من رآنى الى خمس ، لم تمسه النار ) .



في منشورات المهدي و ما ادعاه المهدي بالمهديه ان من لم يؤمن به فقد كفر وان يحل ماله وعرضه ودمه . هذا موجود في الاثار الكامله للامام المهدي و هو خمس مجلدات جمع وتحقيق الدكتور محمد ابراهيم ابو سليم دار جامعة الخرطوم للنشر. وهذه الوثائق موجوده في دار الوثائق السودانيه التي كان الدكتور محمد براهيم ابو سليم مديرها وراعيها. وهنالك وثائق محفوظه في مكتبة جامعة درام تحت رقم 100-1-2 ووثائق محفوظه في جامعة درام تحت رقم 100-1-4 و مصنف رسائل محفوظه بمكتبة كامبريدج بانجلترا ومصنف رسائل بمكتبة ييل بالولايات المتحده و الجزء الاول من مصنف رسائل محفوظه في الخزائن الوطنيه الفرنسيه مصنفة بواسطة محمد المجذوب بن الطاهر المجذوب ومصنف رسائل صنفها حسين الجبري و محفوظه في جامعة الخرطوم. مصنف رسائل بالمكتبه الاصفيه بحيدر اباد. خطب مصنف خطب مطبوعه بالحجر و مصنف رسائل عند العمده ادم حامد في الجزيره ابا. مصنف يتضمن خطب المهدي يملكها العاقب با درمان ووثائق حامد سليمان والي بيت المال في المهديه قديما. وثائق مختلفه باسم المهدي مجموعة المهديه بدار الوثائق السودانيه. اماكن اخرى كثيره من دور الوثائق لا يتسع المجال لذكرها



في رسائل المهدي الاولى قبل ادعائه المهديه كان يختم رسائله قائلا الفقير الحقير محمد احمد عبد الله ، كرسالته شعبان 1298 هجريه وهي رسالته الى احمد بن محمد الحاج شريف . كما اورد ابو سليم في الجزء الاول صفحة 41 رساله بخط المهدي جامعة درام انجلترا. و بعد ادعائه المهديه كان يبدأ رسائله : من عبد ربه محمد المهدي ابن السيد عبدالله الى الفقيه احمد الحاج البدري و الى الفقيه احمد زروق كما في صفحة 111. كما اورد ابو سليم في صفحة 119 الى اهالي خور الطير وغيرهم فمن عبد ربه محمد المهدي ابن السيد عبد الله اعلموا ان رسول الله صلى عليه وسلم امرني بالهجره الى ماسه بجبل قدير و امرني ان اكاتب بها جميع المكلفين فمن اجاب داعي الله ورسوله كان من الفائزين ومن اعرض يخذل في الدارين





ويقول المهدي في صفحة 135 في نفس المجلد في خطابه الى احبابه في الله المؤمنين بالله و بكتابه.



و اخبرني سيد الوجود صلى الله عليه وسلم انني المهدي المنتظر و خلفني صلى الله عليه وسلم بالجلوس على كرسيه مرارا بحضرة الخلفاء الاربعه و الاقطاب و الخضر عليه والسلام وايدني الله بالملائكه المقربين و بالاولياء الاحياء و الميتين من لدن ادم الى زمننا هذا, وكذلك المؤمنين من الجن . و في ساحة الحرب يحضر معى امام جيشي سيد الوجود صلى الله عليه و سلم بذاته الكريمه و كذلك الخلفاء الاربعه و الاقطاب و الخضر عليه السلام و اعطاني سيف النصر من حضرته صلى الله عليه وسلم و اعلمت انه لا ينصر علي احد ولو كان الثقلين الانس و الجن.



هؤلاء الناس افتروا على الله كذباَ ولم يهتم ولا يهتم ولن يهتم اهل السودان بل كان الهجوم على شوقى بدرى واهله ونسيوا حق الله ورسوله . صباحى كان جزاراً فى امدرمان جنوب قبه الشيخ دفع الله الغرقان يفصله عن منزلنا ومنزل البشير الريح زقاق ضيق تذهب له اختى نظيفه يومياً لاخذ اللحم . وبعد ان دفعت نظيفه سعر الاثنين كيلو اظهر احد الوقوف هويته واراد اعتقال صباحى لانه باع باكثر من التسعيره . فاحتجت اختى نظيفه وقالت انه لم يبع باكثر من التعريفه وشخطت فى الرجل . الذى سألها التسعيره كم ؟. فقالت انت دخلك شنو انا اديتوا قروش طالبنا ليها قديمه واللحمه دى انا حأدفع قروشها بكره او آخر الشهر . انت دخلك شنو ؟. فقال الرجل والله انحنا عايزين نساعدكم ونحفظ ليكم حقكم ديل ناس حراميه وبسرقوا حقكم وانتوا رضيانين وكمان تدافعى عليهو وتكوركى فينى , انتو والله تستاهلوا يسرقوكم ويشيلوا حقكم .

النميرى ليه حق قال عدة مرات وعلى رؤوس الاشهاد ( انا لو كنت عارف الشعب السودانى تافه كده كنت حكمتوا وانا فى الثانوى . الرجال ديل كلما اهينهم يجروا وراى اكثر ويتكبكبوا واى حاجه اقولها ينفذوها ). انا شوقى بدرى بفتكر ان جعفر غلطان الشعب السودانى شعب عظيم قد يكون متسامح اكثر من اللزوم وقد يكون غفله الا انه شعب لا مثيل له فى العالم وانا شاهدت اغلب شعوب العالم ولهذا لا ارضى للشعب السودانى بالاهانه والذل والطائفيه هى اعلى درجات الذل والاستكانه .

لقد كان النميرى يضرب الوزراء والجنرالات بيده . ولقد ضرب المربى الكبير محمد التوم التجانى الى ان لازم سرير المستشفى . واستدعى البروفسور عبد الله الطيب وكان على وشك ان يعتدى عليه لولا ادب وعلم عبد الله الطيب . فلقد قال عبد الله الطيب مداعباً البغل نميرى عندما اشاد بشعر عبد الله الطيب ( انت يا سيدى الرئيس ان قلت شعرا فستقول اعذب الشعر ) فظهر من اراد ان يتملق نميرى وقال له ان البروفسور عبد الله الطيب يقول انك كذاب . لانهم يقولون اعذب الشعر اكذبه .وقال النميرى لعبد الله الطيب ( انت عاوز تسيئنى بالبارد ) . فتخارج عبد الله الطيب بالتفسير والبلاغه والشرح مما اسقط فى يد نميرى . فقال له امشى وكان درته حأناديك تانى . لقد كان النميرى يستدعى الوزراء لطعام الغداء ويحسب الوزير او المسئول ان نميرى سيكافئه وفى نشره الاخبار يسمع المسئول او الوزير نباء اقالته ويتلذذ النميرى بمشاهده وجه الوزير يتغير .

لقد شنق الاستاذ محمود محمد طه وهذه جريمه يسأل عنها الترابى وجعفر . ليس لها سند قانونى او شرعى . بل لقد القيت جثته فى البريه لتنهشها الوحوش والجوارح . هذه الجريمه البشعه التى يجب ان نخجل عنها نحن السودانيون نفذها جعفر وحسن . ولا يزال حسن يلمع فى نفسه لكى يعود ويحكم السودان وجعفر يتمخطر فى السودان .

عندما حكم النميرى والترابى السودان صرح الدكتور خليل عثمان والذى اتى بثروه طائله من خارج الوطن لاستثمارها فى السودان واعطى فرصه لعشرات الآلاف من الاسر السودانيه لان يجدوا عيشه كريمه , ان الجيش السودانى مش فاضى من بيع الصلصه . هذا فى بيت بكاء بعد ان ضربت الطائرات امدرمان ورجعت فجرده جعفر من وسام ابن السودان البار وشتمه باسوأ الشتائم وضربه بيده . ووضعه فى استراحه الزائرين الاداريين بالقرب من القوات المسلحه . وكان يتسلى بضربه وهو فى طريقه فى الليل الى مسكنه . لقد فشلنا فى ان نحمى رجل قدم الكثير لبلده . ربما كان للنميرى بعض الحق فى وصفنا بالتفاهه وكلنا مقصرون . بل لقد اضاف النميرى الشاب مصباح الى الدكتور خليل عثمان لانه تعرض له فى جامع القوات المسلحه وانتقد سياسته . مصباح كان رجلاً . نحن جميعاً قد قصرنا . جرائم نميرى التى مارسها فى حق الشعب السودانى وساعده الترابى فى تنفذها يصعب حصرها يكفى الشريعه التى طبقوها واباحت القتل والسحل وقطع اليد فى المال العام ولا يزال البعض يدافع عن النميرى والترابى .

انا ترعرعت فى حى الملازمين فى المنطقه جنوب شرق السوق وفى هذه المنطقه سكن العم المربى محمد احمد عبد القادر , الياس دفع الله , التاجر الطيب الفكى , الدكتور محمود حمد نصر . الياس دفع الله , آل المغربى والادارى محجوب خليفه وعبر الشارع الكبير الذى يأتى من الاشلاك سكن الصادق المهدى والوزير بدوى مصطفى والادارى ورجل الاعمال صالح العبيد وآخرين . وهذه المنطقه كانت تضم اكابر امدرمان . وفجأه صار منزل ك ع يستقبل النائب الاول للنميرى الذى كان يعشق لعب الورق وبدأ ظهور الفتيات فى هذا المنزل والقصف والحفلات والغناء . فتقدم سكان الحى بشكوى الا انها رفضت لانها يجب ان تقدم بواسطه الجار المباشر وكان هنالك جار مباشر واحد وهو تاجر ورجل لا يحب المشاكل . وبعد تعب اقنعه سكان الحى بالتقدم بشكوى وعندما قدم شكوى ترقبه بعض رجال الامن وقبضوا عليه وهو خارج من منزله وطوحوا به من فوق الحائط داخل منزل ك ع . وكان بانتظاره بعض رجال الامن فى الداخل وانهالوا عليه ضرباً امام الشهود اللذين امتلأت بهم الدار من بنات ولاعبى ورق وجروه على مركز الشرطه بتهمه التهجم والقفز من فوق السور . الى ان تنازل عن الدعوه .

فى بدايه الثمانينات كنت ازور الاخ عبد الحليم. بسبب اعمال تجاريه . وكان مظهره بسيطاً مما اكد لى انه انسان شريف . وهو مدير شركه كردفان . وبعد تأمينات نميرى لشركه سودان ماركنتايل ومتشل كوتس صارت شركه كردفان تدير الاستيراد . وقامت شركه كردفان باستلام عربون مائه شاحنه بتفورد ( سفنجه ) من افراد وانتظروا لفترة سنتين . وعندما اتت العربات كانت سبعين عربه . وثار الناس وضجوا واشتكوا واخيرا قرروا نظام القرعه وان ينتظر البقيه المجموعه الثانيه . ثم اتصل بهم شخص من جمعيه ود نميرى طالباً خمسه سفنجات فاعتزر الرجل الفاضل عبد الحليم بأدب . وبعد نصف ساعه اتصل جعفر قائلاً ( انتو ليه ما عاوزين تتعاملوا مع ود نميرى) . ولم يعطيهم فرصه لشرح الامر . وفى نفس اليوم حضر مندوب ود نميرى قائلاً ( جيت استلم الخمسه سفنجات بتاعتنا ) . جمعيه ود نميرى التى كان يديرها شقيق جعفر كانت عباره عن امبراطوريه ضخمه فى غرب امدرمان . هل كان النميرى على حق عندما وصف ان الشعب السودانى تافه ؟؟؟ .

تألمت جداً وكتبت وانتقدت ذهاب فاروق كدوده رحمه الله عليه وكمال الجزولى لزياره الترابى بعد اطلاق سراحه . ليس هنالك من اساء واضر بالشعب السودان فى دنياه وآخرته مثل الترابى . وقف فى سنه 1965 ضد محاكمه المشتركين فى انقلاب عبود ووصف من طالبوا بالمحاكمه بانهم غير شرفاء .

الى اللذين يهاجموننى الآن اين انتم من دموع والده مجدى واهله . لقد مات اعظم رجال السودان الاستاذ محمد توفيق خارج الوطن مقهوراً لان ابنه مجدى شنق بدون حق . ماذا تقولون لاسره الطيار جرجس . وماذا تقولون لوالده الطالب اركان آنجلو . لقد قرأت لمولانا القانونى الاستاذ صالح فرح انه حسب الشريعه لا يقتل المسلم الا لرده بعد اسلام وزنا بعد احصان ومن قتل النفس التى حرم الله قتلها الا بالحق . ماذا تقولون للجنوبيين اللذين دمرت منازلهم وشردوا وماتوا جوعاً .؟ ماذا تقولون للاطفال اللذين كانت تنهشهم الجوارح فى الجنوب .؟ اين انتم عندما جاء القرضاوى وقبض الثمن وقال ان عرس الشهيد ممكن فى الاسلام ولم يقم صلى الله عليه وسلم عرس شهيد لعمه سيد الشهداء حمزه رضى الله عنه . اين كنتم عندما كانوا يصطادون الشباب من الاسواق ويرسلونهم الى الجنوب بدون الرجوع الى اهلهم وبعضهم كان لا يزال يحمل كيس الخضار ؟ اين كنتم عندما ارتكبت مجزره العيلفون ؟ اين قبور شهداء رمضان الضباط ؟ هل يدفن المؤمن المسلم كالكلاب الضاله ؟. وبعد كل هذا يأتى شيخكم ويقول ان كل هذا كان هراء وان من ماتوا فى الجنوب ما هم الا فطائس ... اخجلوا اخجلوا يا رجال ونساء السودان .

والترابى لا يزال يلمع نفسه ويريد ان يعود ليحكم السودان من جديد . لقد آن الاوان ان لا ندفن رأسنا فى الرمال وان نقول كل ما يقال فى السر وان نكشف المستور .. اهم مظاهر الديمقراطيه هى الشفافيه والواضح ما فاضح . والنميرى قد اخطاء ونحن لسنا بشعب تافه نحن شعب عظيم واصيل الا اننا متسامحون اكثر من اللازم .

ولهذا كان النميرى يقول ما دام ناس سيدى المرغنى وسيدى المهدى راكبين فى ظهر الشعب السودانى نحنا برضو ممكن نركبهم . كيف تقبلوا ان يقول المرغنى الكبير انه السبيل الى الله وكيف تقبلوا ان يقول المهدى اخبرنى سيد الوجود . اذا كنتم تقبلون بهذا فسيحكمكم الترابى والاسواء من الترابى مره اخرى .

شوقى

Post: #102
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 02:14 AM
Parent: #1


الأستاذ أبراهيم يوسف في عزائه للبروفسر عبدالله الطيب

رحيل العلامة الطيب هل يعني وضوح الرؤية وشجاعة المواقف ؟!

ذلك العلم الفرد معلم السيرة النبوية المطهرة ولغة القرآن العظيم قد رحل عن دنيانا الفانية إلى رحاب اكرم الأكرمين والله المسئول أن يتقبله مع المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
ولتعمق البر وفسر في معايشة ومعرفة السيرة ومعرفة التفسير وأسرار اللغة العربية أمكنه تبسيط كل ذلك بأسلوبه الشعبي المحبب حتى دخل صوته كل قرية وكل بيت وهكذا أصبح معلما للشعب إما في اللغة العربية فقد كان معلم العلماء وحجة علي الكافة في تفرد لا ينافس وهكذا وضع الدكتور مواهبه ومعارفه في خدمة شعبه وتعليم شعبه فكان ابنا بارا ومثقفا يلتزم مسئولية وأمانة الثقافة بصورة لا تخطر (لمثقفين ) قصارا هم طموحاتهم الشخصية ومع تعمقهم في التراث الإسلامي والتراث العربي فقد أخذ نصيبه الوافر من تراثه المباشر من نشأته الصوفية بين أهله السادة المجاذيب ومنهم فانه رغم الشهرة والنجومية قد كان جم التواضع ظاهر الزهد.
ورغم أن الصحف والمنتديات تفيض هذه الأيام بمآثر فقيدنا العزيز الخالدة لكن مأثرته الكبرى تفرده بالجهر بكلمة الحق في وجه موجة الهوس التي كانت عاتية فأخر صت الكثيرين فقد جسد هو شجاعة الفكر في موقفه المتميز من محاكمة الأستاذ محمود وما لحق بالأستاذ محمود من ظلم وتشويه فألف قصيدة تتكون من 86 بيتا من الشعر كانت إنصافا ومناهضة للظلم ولتوضيح قامة الأستاذ محمود بدأها بقوله :

قد شجاني مصابه محـــــــــمود مارق قيل وهو عندي شهيد
ولقد رام أن يجدد محــــــــــمود فقد صار جرمه التجـــــديد
وكان في عصر محكمة التفتيش هذا هو الضلال البعــــــــيد
قتلته الأفكار في بلد الجــــــــهل الذي سيطرت عليه القيــود
قتلوا الفكر يوم مقتله فالــــــفكر ميت البلاد الفـــــــــــــــقيد
أن عندي حرية الرأي أمـــــــر يقتضيه الأيمان والتوحــــيد

إلى أن يقول عن مشهد منصة تنفيذ الاغتيال :

وأراهم من ثقره بسمة الساخر والحبل فوقه مـــــــــــــــمدود
وعلي وجهه صفاء وإشــراق أمام الردي وديع جــــــــــليد








هذه الرؤية لمقابلة الموت وآنت ( وديع جليد ) وبوجه صافي ومشرق لا يراها إلا صاحب ارث صوفي وشفافية وروح عبقرية لأنه بالشجاعة الجسدية وحدها لا يمكن لأحد أن يقابل الموت بوجه صافي مشرق وهو ( وديع ) ولكن الشجاعة الروحية شجاعة ( التوحيد ) تمكن صاحبها من أن يري يد الله الرحيم في الحدث ومن ثم يقابل الردي بوجه مشرق وهو هادي و (وديع ) وهذه هي روح موقف الأستاذ محمود التي لم يكتشفها ويعبر عنها إلا الرجل الصالح سلسل الصالحين فارس الرأي والكلمة .
ودون ذلك فأن المحكمة العليا كانت قد أصدرت حكمها ببطلان محكمة الأستاذ محمود وذكرت أنها كانت محاكمة (عرضة للمعايير السياسية التي لا شأن لها بالأحكام القضائية ) علما بأن الدكتور قد نفذ إلى زيف المحاكمة المهزلة وجهر بذلك قبل سقوط نظام الظلم والقهر في مارس 1985 فقال :

لم يراعوا فيه القوانين ظلما فهو قتل عمد وجرم أكيد

وهكذا رغم تلبيس المحاكمة بلباس الدين زورا فأنها لم تنطلي علي العالم العلامة الذي كان مثالا في وضوح الرؤية وشجاعة المواقف بسلام عليه في الخالدين.

إبراهيم يوسف
2/7/2003

Post: #103
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 02:15 AM
Parent: #102



عبد الله الطيب: صورة المثقف الأصيل
د. النور حمد [email protected]

تغشت قبر البروفسير الراحل عبدالله الطيب، سحائب الرحمة الهتون. ولكل رجل، وكل إمرأة، من آل الشيخ المجذوب، نقول ما قاله الشاعر، وهو يعزي عبد الله بن عباس، في وفاة والده العباس بن عبد المطلب:
إصبر نكن بك صابرين فإنما صبر الرعية بعد صـبر الرأس
خير من العبـاس أجـرك بعده، والله خيـر منك للعبـاس

لقد مضى البروفيسير عبد الله الطيب للقاء رب رحيم. ويقيننا الذي لا يتطرق إليه الشك، أن الرجل قد ذهب إلى لقاء ربه، بصالح الأعمال. وهو قبل هذا وذاك، ممن أتوا ربهم، بقلب سليم. قال تعالى: ((يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم)). ومثل عبد الله الطيب لا يذرف عليه الدمع. فهو قد عاش حياة خصبة، عريضة، مثمرة، خلاقة. فهو المربي الذي تخرج على آيادية الآلاف من أبناء، وبنات السودانيين، بدءا بمعهد التربية، ببخت الرضا، وانتهاء بجامعة الخرطوم، وغيرها من الجامعات، داخل، وخارج السودان. ثم هو، إلى جانب ذلك، العالم اللغوي الضليع الذي، رفد المكتبة العربية، بروافد ثرة، في ضروب علوم اللغة، وآدابها. وهو إلى جانب كل أولئك، المفسر للقرآن، الذي نزل من أبراج المثقفين العاجية، ليلامس قلوب، وعقول، الأميين من أهل القرى، الذين كانوا يتحلقون بشغف، حول المذياع، ليستمعوا له، وهو يفسر، ما كان يقرأه الشيخ صديق أحمد حمدون، من آيات القرآن الكريم.

لقد كان عليه الرحمة، عالما جليلا، ذا عقل فسيح، وقلب كبير، وشخصية، فريدة. فشخصيته، كانت كثيرة التنوع، شديدة التميز، قوية الجاذبية. ويقيني الذي لا يتطرق إليه الشك، أن الرجل ولي من أولياء الله، شأنه شأن كل أسلافه الصالحين. بل إن البروفيسر، عبد الله الطيب ليمثل، في نظري، تتويجا لكل تدين أسلافه، وعلومهم، في قمة جديدة، ما سبق أن اتفقت، لتلك السلالة الصالحة.

أتقن البروفيسر عبد الله الطيب، علوم الدين، واللغة العربية، والتاريخ الإسلامي. وبمثل ذلك القدر، أتقن معرفة الحضارة الغربية، وآدابها. فهو الذي يحدثك عن كيتس، وييتس، وإليوت، بنفس الدفق، والفخامة، التي يحدثك بها عن المعري، وأبي تمام، وأبي الطيب المتنبي، وأبي نواس. وبهذا المعنى، فعبد الله الطيب، ليس أديبا، وحسب، وإنما هو مفكر، عربي، مسلم، من الطراز الأول. لقد عرف الحضارة الغربية، معرفة كبيرة، وقد افاد منها إفادة كبيرة أيضا. غير أن معرفته بالثقافة الغربية، خصبت رويته لتراثه، وعمقت إيمانه، بالجوانب الإيجابية فيه. فهو واحد ممن لم تجرفهم فكرة الحداثة، المتجذرة في الفكرة العلمانية الغربية. وفي نفس الوقت، لم تحبسه معرفته بالتراث، في قماقم التراث، والجمود، والسقف العقلي، المرسوم سلفا. لقد كان وسطيا، وسطية الحبر المدرك، لدقائق الأمور، القادر على تشريح مكامن الإلتباسات. وبهذا فقد برء تمام البرء من وسطية التوفيقيين التعسفيين، الضحلة.

البروفيسر الراحل، كان من أوائل السودانيين الذين تزوجوا من غربيات. وهو على رأس السودانيين الذين صمدت زيجاتهم، لعوادي الزمن، ولعوائق، تباين النسق العقلي، والإرث الثقافي. وفي هذه وحدها، دلالة كبيرة، على رحابة العقل، وكريم الخلق، وسعة القلب، وسلاسة المسلك، وطيب العشرة. لقد كان البروفيسر الراحل، تجسيدا فريدا، للمزج الواعي، بين قيم التراث، وقيم الحضارة الحديثة. وهو بهذا المعنى واحد من الطلائع الذين ركزوا أقدامهم على أرض ميعاد التواصل الإنساني، الفسيحة الممتدة، وراء تضاريس حواجز اللون، والعرق، والتباين الثقافي.

وحين نقف في لحظة انتقاله، إنما نقف للعبرة، وللذكرة. فالرجل واحد من سلفنا الصالح. ولقد سمعت الأستاذ محمود محمد طه، يقول ذات مرة، إن معاوية محمد نور، والتجاني يوسف بشير، هم سلفنا الصالح. وقد وجه الأستاذ محمود، وقتها، الجمهوريين، بكتابة كتاب عنهما. وارجو أن يحقق الجمهوريون رغبة الأستاذ محمود، تلك، في يوم قريب. ولا شك عندي أن عبد الله الطيب، قد أصبح بانتقاله، واحدا من هؤلاء السلف الصالح. والذي فهمته، من حديث الأستاذ محمود، أن هؤلاء قد مثلوا أكثر من غيرهم، صورة المثقف الأصيل. وهو المثقف الذي يصبح، قولا، وفعلا، ضميرا لأمته.

لقد أجمع السودانيون على احترام ثلاثة من مثقفينا، وهم البروفيسر عبد الله الطيب، والدكتور منصور خالد، والروائي الكبير، الطيب صالح. لقد كان كلا من البروفيسر عبد الله الطيب، والدكتور منصور خالد، الأجهر صوتا، في إدانة إغتيال الأستاذ محمود محمد طه. وأنا شخصيا، أميل إلى التعرف على قامة المثقف، بناء على موقفه من تلك الحادثة الظلامية، البشعة. فبمقدار الصدع بالرأي في شأن تلك الحادثة، تعلو عندي، قامة المثقف، وبمقدار استحيائه، وازوراره، تقصر عندي، قامته. لقد كان الدكتور منصور خالد، أول من صدع بالإدانة، عبر صحيفة القبس الكويتية. وليس ذلك بغريب على الدكتور، منصور خالد. ثم تلاه البروفيسر عبد الله الطيب، بقصيدته المعروفة ((قد شجانى مصابه محمود مارق قيل، وهو عندى شـهـيد)). ولقد عبر الروائي، الطيب صالح، فيما بلغنا، عن ندمه على السكوت، عقب إغتيال الأستاذ محمود. وهذا موقف طيب، يدل على يقظة في الضمير الثقافي، لدى صاحبه. الشاهد، أن هؤلاء النفر يعيدون رسم صورة المثقف الأصيل, وهي صورة نحن بحاجة إلى إعادة رسمها كل حين. ولعل إعادة رسم هذه الصورة، بجلاء، تكون أوجب واجبات، وقتنا الراهن. وإنه لمن حسن عناية الله بأمتنا، أن يكون كبار كتابنا، ومفكرينا، أصلاء، يعرفون مسؤولية الثقافة. ويمارسون استقلالا عن مؤسسات تدجين الوعي، والأخلاق، وإخضاعهما لسلطة الراكد، والراهن.

الشاهد، أن البروفيسر عبد الله الطيب، لم يجامل محبيه، ومعجبيه الكثيرين، من قبائل السلف، ممن كانوا يظنون فيه رصيدا جاهز لهم. لقد فاجأهم بقصيدته المبينة، فس شأن إغتيال الأستاذ محمود محمد طه. وقد لامه بعض السلفيين على ذلك. دلل البروفيسر عبد الله الطيب، في استنكاره لإعدام الأستاذ محمود محمد طه، عن معدن المثقف الأصيل، الكامن في أعماق ذاته. كما دلل على وضوح رؤيته الدينية، وسعتها، وإنسانيتها، وصفائها. هذا هو شموخ المثقف، وهذه هي أخلاق المثقف الأصيل، التي بها يجتاز امتحانات الإبتزاز، والإرهاب، والتدليس باسم الدين.

ألا رحم الله البروفيسر عبد الله الطيب، بقدر ما قدم لأمته. فقد كان انسانا فريدا، وراهبا قائما، آناء الليل، وأطراف النهار، في محاريب المعرفة، لم يعرف جسده الكلال، ولم تهمد لذهنه المتوقد جذوة. اللهم انزله منك منازل القرب، وبلغه عالي الدرجات، والمقامات، إنك سميع، قريب، مجيب.

Post: #104
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 02:18 AM
Parent: #103


الراحلان: حامد "جو" وبشير "حريشة" :
نسمتان من وراء ما بعد الحداثة

النـور حمـد


حامد إبراهيم النجومي، وبشير محمد على، شخصان طغت على اسم أبويهما وجديهما الألقاب التي اكتسباها. لا أعرف لماذا سمي بشير محمد علي، ببشير حريشة، غير أنني أعرف لماذا سمي حامد إبراهيم، بحامد جو. اقترن لقب "جو" بحامد إبراهيم، عندما كنا طلابا بمدرسة حنتوب الثانوية، في النصف الثاني من الستينات. وقد كانت كلمة "جو"، شائعة بين طلاب حنتوب وقد اعتاد الطلاب على إطلاقها، على كل شخص يميل إلى المبالغة. سواء كان ذلك، في المظهر، أو فيما يقص ويحكي، من قصص وحكاوي. كما كانت كلمة "جو" تطلق أيضا، على كل من يميل إلى الاستعراض، ولفت النظر. وقد أطلقت على بعض لاعبي كرة القدم في حنتوب، وغيرهم من الطلبة المبرزين في الأنشطة، مما ارتبط أداؤهم بالميل للاستعراض. غير أن حامد جو كان الشخص الوحيد، الذي التصق اللقب باسمه، وظل ملازما له بصورة ثابتة. حدث ذلك، بالرغم من أن حامد جو، لم يكن مبرزا، في أي من الأنشطة المعروفة، إلا أنه ظل معروفا لكل طلاب حنتوب الثانوية، الذين يجاوز تعدادهم الألف والمائتين. كان حامد ميالا، بالفعل، لغريب الملبس، وغريب المسلك، وغريب الحديث. ويبدو أن ذلك هو ما جعله ملفتا للأنظار.



ظللت أتأمل حياة أخي، وصديقي، حامد جو، منذ أن بلغني نبأ وفاته، قبل ثلاث سنوات، وأنا في أوهايو. لقد أحسست أخيرا، بأنني رغم صلة القربى، وصلة الصداقة الوثيقة التي ربطتني به، لعشرات السنين، ظللت لا أعرفه على الوجه الأتم. ويبدو لي الآن، أنني ربما أكون لا أزال، بحاجة لمزيد من الوقت، لأستكشف جوانب شخصيته المدهشة. ينتمي كلانا إلى أسرتين متوسطتي الحال، في حلة حمد الترابي. إلا

أن حامد واجه اليتم، في سن مبكر. توفي والده، وهو لا يزال يافعا. أذكر يوم وفاة أبيه، في أوائل الستينات، وكأنها حدثت بالأمس. كنت مع بعض الصبية في حوش بيتهم. وكانت النسوة الثاكلات يتصايحن في باحة المنزل. وكان بعضهن ينحن وهن يطرقن بالعصي، على قرع طاف فوق طسوت بها ماء. وكانت تلك هي المرة الأولى التي أرى فيها مثل ذلك المنظر النائح، الثاكل. كانت أجنحة الفجيعة ترفرف فوق سماء القرية، بشكل مخيف. أذكر أن الفضول الشديد، قادني، لكي أنظر من شباك الغرفة، التي ضمت جسد والده. رأيت جسد أبيه، ممدا على سرير، في صدر الغرفة، وهو مسجى بثوب أبيض. وكانت أيضا، تلك هي المرة الأولى، التي أرى فيها جسد ميت. وقد انطبع ذلك المشهد في نفسي لفترة طويلة.



كنا على طرفي نقيض، من حيث الإحساس بالانتماء إلى أسرتين عاديتين، من أسر مزارعي مشروع الجزيرة. انتمائي إلى أسرة أب مزارع بمشروع الجزيرة، أورثني حالة من الانزواء، والانطواء، في المدارس الداخلية التي بدأت ارتيادها منذ سن التاسعة. ومن ذلك مثلا، تجنب الاحتكاك بأولاد الموظفين، وأولاد التجار الأغنياء، الذين ضمتني بهم الداخليات. كنت أحس بأنني غير مؤهل طبقيا لصداقتهم، وصحبتهم. أما حامد، فلم يخامر وعيه أبدا، أي إحساس بالدونية تجاههم. كان يخالط أبناء الموظفين والأغنياء، بعادية شديدة. وفي الحقيقة، كان يتصيد صداقاتهم. ظل يقتحم عالمهم، غير هياب ولا وجل، وينشئ الصداقات معهم، يمنة ويسرة. لم تكن به ذرة من مركب نقص. وأذكر كيف أنني، لم أكن أجرؤ على الخروج، مع أولاد الأغنياء، إلى السينما، في واد مدني، حتى وأنا في المرحلة الثانوية. أكثر من ذلك، لم أكن حتى لأصطحبهم إلى النادي، أو القهوة في داخلية حنتوب. كنت أصادق ممن هم على شاكلتي، من حيث الطبقة الاجتماعية. أما حامد، فكنت أراه يلبس البنطلونات والجاكيتات في الشتاء. كما كان يدخن، حوالي نادي الطلبة بالمدرسة. وكان أيضا، يرتاد صالات السينما، والمطاعم، ومحلات الحلوانية، في مدينة ود مدني المجاورة، مع أصدقائه، من أولاد التجار، والموظفين، بوتيرة ثابتة. في حين كان أمثالنا، من أولاد المزارعين، يظلون أحيانا قرابة الشهر بالداخلية، دون أن يعبروا نهر النيل الأزرق إلى مدينة ودمدني المجاورة. وذلك، بسبب ضيق ذات اليد. الشاهد أن صداقاته الواسعة، وجاذبيته، كفلتا له قدرة أوسع على الحركة. من يرى أسلوب عيشه، يحسب أن أباه تاجرا، أو مديرا، أو موظفا كبيرا ـ ذلك يوم أن كانت للموظفين في السودان دولة .
كنت أرى في نمط سلوكه، تطفلا على عالم أولاد الأثرياء والميسورين. أو فيه، على الأقل، ظهور بمظهر غير حقيقي. غير أن الذي اتضح لي مؤخرا، أن حامدا كان مفطورا أصلا، على عدم الإيمان بالفوارق الطبقية. فهو لم يكن يدع لمن يريد أن يتميز بطبقته، فرصة للتميز بها. كان يتصرف بعفوية مدهشة، وبدون تعمل، أو عمد. كان كمن ألهمته السماء، أن الحياة مائدة كبيرة، لا يملك منها من يملك، سوى ما حازت أصابعه لحظة الأكل. كان لا يؤمن، حرفيا، بملكية العين، ويبدو أنه ظل يرى، أن الناس يرتفقون بالأشياء، مجرد ارتفاق. وذلك حين يحتاجونها. وعلى العكس منه، كنت أسلِّم لمن عندهم، بما عندهم. ولا أجرؤ على إزعاجهم. وكان حامد، لا يسلم لأحد بما يملك، وبما يدعي لنفسه. كان في داخله شيء مسيطر، يخبره أن كل هذه محض أكاذيب، ومحض زيف. فالناس عنده، ناس، وإن طالت عمائمهم. حاصل الأمر أنني اشتريت من أصحاب الجاه، والأغنياء، والمسيطرين، فكرتهم عن أنفسهم، وسلمت لهم بما أرادوا لأنفسهم. أما حامد، فلم يشتر شيئا من ذلك أبدا. والحق أنني، لا أزال حتى اليوم، أحس بالحرج، كلما ارتدت محلا تجاريا كبيرا، أو فندقا فخما. شيء بداخلي يزْوَرْ، ويتضاءل، ويقول لي، لا يصح أن تكون هنا. وكان حامد على العكس من ذلك تماما.



في حلة حمد الترابي، وهي قرية تمثل في جملتها، أسرة ممتدة كبيرة، عرف حامد جو بعدم الاعتراف بالفواصل والحواجز، والملكيات. يبدأ رحلته من جنوب غربي حلة حمد، حيث يقع بيتهم، مرورا بالبيوت، بيتا بيتا. يسلم على الجميع، ويدخل المطابخ في البيوت على اختلافها. يذهب إلى الآنية، يكشف أغطيتها، وينتشل قطعة لحم، من هنا، أو قطعة خضار، من هناك. كان يأخذ مما يجد، دون أي إحساس بالحرج. يفعل ذلك، متى ما عن له. وقد سلم له الناس بذلك تسليما تاما، بل واستملحوه منه. لم أعرف شخصا، تم قبوله، بلا تحفظ، من الجميع، في حلة حمد، مثل حامد جو. ولم أر شخصا لا يفرق بين الناس، كبيرهم، وصغيرهم، غنيهم، وفقيرهم، ذكرهم، وأنثاهم، مثل حامد جو. وفي الحقيقة، فإن علاقة حامد جو بالجنس الآخر ظلت محل تأمل بالنسبة لي، طيلة حياتي. مثلا: كنت أنا، ولا أزال، أهاب الجمال البشري، وأنكسر أمامه. بالنسبة لي، يظل الجمال محاطا دائما بدائرة طاردة. لا أقوى على أن أخطو إلى داخلها. وكان حامد على العكس من ذلك تماما. فالدائرة الطاردة بالنسبة لي، كانت في حقه، دائرة جاذبة، وبشدة. كان يقترب كثيرا، ولا يحترق. باختصار، كانت لحامد قدرة غريبة على اقتحام، حواجز الاستبعاد، والإقصاء، بكل أشكالها وألوانها. يقوم بذلك، مدفوعا بإحساس فطري، لا تعمل، أو تعمد فيه. كان يؤمن عمليا، بأن له في كل شيء حق، وليس صدقة.



من ناحية أخرى، لم أعرف أخا عامل أخواته على قدم المساواة، في حلة حمد، مثل حامد جو. لا أقول كان "متقدما" في نظرته للمرأة، وإنما أقول كان "طبيعيا". إن أكثر ما يُدهش في حامد، بساطة مسلكه، وحدسه الغريزي، وقدرة قواه الباطنية في النفاذ إلى ما هو صواب. لا شيوخ القرية، ولا كهولها، ولا نساءها، ولا رجالها، ولا كل التقاليد الموروثة، على ضخامتها، كانت بقادرة على طمس بصيرة حامد، أو التشويش عليه، بأي شكل من الأشكال، في الخيارات التي يختارها. كان ملهما في معرفة ما هو صواب في بنية مشروع التغيير الكلي. وكان، في ذات الوقت، قادرا على فعل الصواب. كان مقاتلا صلبا، ولم يكن عنيفا. لقد أشرف حامد، على تربية أخواته اللواتي يصغرنه ـ إذ كان أخوه الأكبر، مقيما في الخرطوم ـ وقد أصر على تعليمهن كلهن. وثابر على ذلك، رغم المعوقات الكثيرة، حتى أكملن تعليمهن العام، وتسنمن وظائف مختلفة. أعطاهن من حرية الحركة، وحرية الفعل، ما لم تتمتع به غيرهن. وقد أثمرت جهوده معهن أطيب الثمار. كان حامد لأخواته، أبا، وأخا، وصديقا، وسندا. وكن يحببنه بغير حدود. ويقيني أنهن فجعن بموته المبكر، أشد الفجيعة. لقد كان حامد روحا حرا، متصلا على نحو ما، بقلب الوجود الحي النابض، وبجوهره الأصيل الذي لا يلحق به الزيف. لم يشتر حامد قط، أيا من حبائل الاستبعاد، وحواجز الإقصاء، التي يبنيها حول أنفسهم، أهل السلطة، وأهل الثروة، وأهل الجاه. كانت له قدرة فطرية، لا تصدق على النفاذ إلى ما يجب أن تكون عليه الأمور. كان إنسانا جديدا بشكل لا يصدق.



ربطت بيني وبين حامد، بالإضافة إلى صلة القرابة، صلة روحية من نوع غريب. لم نكن نتفق في أي موضوع فكري، أو سياسي، يجري نقاشه بيننا. ولم يؤثر ذلك أبدا على الرباط الروحي الذي ربطنا. أصبحت أنا جمهوريا، أرى الأشياء بعين جمهورية، وظل هو حامد جو. لا هو بماركسي، ولا هو بوجودي، ولا هو بأي شيء، غير حامد جو. لم يكن يقرأ بإمعان، ولا يهتم بذلك. يقرأ نتفا من هنا، وهناك، ويكوِّن آراءه باستقلال تام عن أي مؤثر خارجي. ذكر عنه حسن موسى، قولته التي شاعت وسط أصدقائه، وهي أنه ـ أي حامد جو ـ: "ضد الدين، وضد ماركس، وضد مشروع الجزيرة ذاتو". كان خارجا على أي قالب. وأظنه من النوع الذي لم يكن يفهم أبدا، لم كانت هناك قوالب أصلا؟. كان يكتب الشعر "على كيفه" وكنت أقول له، مؤمنا تماما بما أقول وقتها، أن هذا ليس بشعر. فالشعر له ضوابط، وقواعد وأصول. وللأسف لم أعد الآن، أذكر شيئا مما كان يكتب. ولعلني لو قرأت شيئا مما كان يكتب، اليوم، لربما غيرت رأيي. لم يكن حامد يرسم. ولم أعرف عنه اهتماما خاصا بالرسم، منذ أن كنا أطفالا. ورغم ذلك، التحق حامد جو بكلية الفنون الجميلة. وأصبح واحدا من التشكيليين، ومدرسا للرسم، بل وموجها فنيا، في مادة التربية الفنية، بمحافظة الجزيرة، في نهاية الأمر.



حين التحقت بكلية الفنون، في مطلع السبعينات، كان هو مدرسا بالمدارس الابتدائية. وكان يزورني كثيرا، في الكلية. وعن طريقي، تعرف على أصدقائي، ومنهم، حسن موسى، ومحمود عمر، وآدم الصافي، وبدرالدين حامد، وخلف الله عبود، ودار السلام عبد الرحيم، وبديعة الحويرص، وآخرين لا يتسع المجال لذكرهم. أعجبه الجو الذي كنا نعيشه آنذاك في كلية الفنون. فقرر فجأة، الالتحاق بها. هكذا قرر حامد. أحس بأن ذلك المكان المسمى بكلية الفنون يناسبه. لقد كان يبني أموره على الحدس. فقلبه هو الذي يخبره. وحين يخبره قلبه بشيء، لا يلتفت إلى متحدث آخر. قلت له أن فكرته في التقديم لكلية الفنون، فكرة جنونية، بل وسيريالية مثل سائر أموره الأخرى. فهو لم يكن يمارس الرسم أبدا، ولم أعرف له اهتماما به. غير أن حامدا أحب تلك المكان، وأحب أولئك القوم. أصر عل خياره، وعمل له. اقتنى حامد الألوان، والأدوات، وصار يعمل بجد، ويطلعني على أعماله. ولم أكن أصدق أنه جاد فيما انتوى. لقد كنت، وللأسف، أفكر في أمر التحاقه بكلية الفنون، بعقلية مؤسسية، استبعادية. وكان هو يفكر في الأمر بطريقته الخاصة، التي لم تعرف يوما الحواجز، والأطر، ولم تعترف، ولم تستسلم في أي وقت من الأوقات، لشروط الاستبعاد. وبالفعل، التحق حامد جو، بكلية الفنون، رغم أنفي، وأنف أي أبي بكر. كان فيه رفض فطري لفكرة الأندية المقفولة، والأراضي الحكر. كان في كل أموره، لا يخضع للقالب ولا للمنهج. وكنت آخذ عليه تجاهله لتجارب الغير، وإصراره على إعادة اختراع العجلة بنفسه. غير أن ما ظهر لي من شأنه مؤخرا، يدل على أنه كان شاعرا، على نحو ما، بأنه لا يملك فسحة كافية من الزمن، يبددها في التنقيب فيما فعل الآخرون. وقد ظهر بالفعل، أنه كان زائرا عابرا قصير الزيارة.

بعد موته، أحسست بأنه كان شخصا غريبا على هذه الحياة. بدأ لي، مثل من جرى إرساله من المستقبل، ليرسم لنا بعضا من صورة المستقبل. وليقدم نموذجا لإنسان جديد، لا يزال يُمتَخَض في رحم الغيب. إنسان تحرر من الانكسار أمام الاستعلاء باللون، وبالجنس، وبالطبقة، وبالتحصيل المعرفي، ومن أي قهر تمنحه أية ميزة، يمكن أن يتميز بها بشر على آخر. كان إنسانا لا يسلم للناس بالامتيازات التي يمنحونها لأنفسهم. يفرض على الغني نفسه، حتى يقبل الغني أن يشاركه في ما عنده. ويفرض نفسه على صاحب الجاه، والسلطة، حتى ينسى صاحب الجاه والسلطة، وضعيته. ويقترب من الجميلات، حتى لا تبقى لسطوة جمالهن هيبة. ويناقش من يزعم أنه ملم بموضوعه، بندية تامة، وبغير أي شعور بالانكسار، أو الدونية. كان حامد أعمى، من أي النواحي أتيته، في رؤية الفروق. وكانت له قدرة فطرية، لا فلسفة فيها، ولا تعقيد، تمكنه دائما من النفاذ إلى جوهر الأمور. لا يحفل إطلاقا، بالطرق المطروقة. ولا يسلم للناس بما تواضعوا عليه. ولذلك فقد عرف حامد، كيف يتواصل مع قلوب الناس مباشرة، وبلا مطولات. ظل يعيش ما يقتنع به، ولا يحفل برأي الغير، ولا غرو، أن أحبه كل من عرفه. في حلة حمد، أحبه من هم في سنه، ومن هم أكبر من بعقود، ومن هم أصغر منه بكثير. يستوي في ذلك الرجال والنساء. المتعلمون منهم والأميون. حتى أطفال حلة حمد، كانوا متعلقين تعلقا غريبا بحامد جو. لقد كان مقبولا من الجميع، بصورة يحسد عليها.



حين توفي حامد جو، لم أكن قد رأيته لما يقارب العشر سنوات. غير أنه كان معي في حلي وترحالي. كان أقرب الناس إلي في حلة حمد. وأحبهم إلي، وكنت أقرب الناس إليه، وأحبهم إليه. ظل كثير الأسفار، وكنت لا أحب أسفاره الكثيرة تلك. فمن ناحية، كان يخامرني شعور بأنه سيموت في حادث مرور، وذلك بسبب إدمانه ركوب المركبات. ومن ناحية ثانية، كنت أكره أسفاره، بسبب يخصني. فقد مررت بفترات من الوحشة الداخلية القاتلة. كان ذلك، في بدايات العشرينات من عمري، أوقبلها بقليل. في تلك الفترة، كنت أعاني كثيرا، من إحساس مدمر، بالوحشة، وبالخواء. إحساس يشبه حالة انتظارٍ لكارثة وشيكة الوقوع. ذلك الإحساس، هو الذي قادني، لاحقا، إلى أحضان التصوف، وإلى عالم الأستاذ محمود محمد طه. كان مجرد وجود حامد جو، في حلة حمد، واحدا من البلاسم التي تشفيني، من تلك الحالات المفزعة. غير أن حامدا، لا يبقى في حلة حمد كثيرا. أكون معه بالليل، ولا يقول لي أنه مسافر. ثم يجيئني في الصباح، حاملا حقيبته، ويسألني، عندك "طرادة؟" (خمسة وعشرون قرشا). ويقول: أنا ماشي الخرطوم، أو مدني، أو الحصاحيصا، أو سقط لقط ـ أي مكان ـ يغيب أياما، أظل أترقب خلالها الباصات العائدة، علها تأتي به. يذهب حامد ببهجة القرية، حين يذهب. ويعود بها حين يعود. كنت أجد فيه ملاذا روحيا، من نفسي، حين تواجهني بالأسئلة المفزعة. أحتمي من مخاوفي بمرحه، وانغماسه العفوي في الحياة، وبأخذه للأشياء ببساطة. أحتمي بوجوده حولي، وطريقة عيشه، من عقلي الفزع، ومن نفسي المستوحشة. كان مطمئنا بشكل غريب. حتى أنني أصبحت أومن أنه مطلع على سر ما، ليس لي إليه من سبيل. كان بالنسبة لأزماتي الوجودية، حلا مجسدا، يمشي على رجلين. كان جوابا عمليا، لحالات الشعور بالعبث، التي كانت تفسد علي متعة العيش. فأنا مدين له بسلامة عقلي ما حييت. كان يسخر من أسئلتي، ومن تشاؤمي، ومن انشغالي عن العيش بالتفكير. يأخذ حامد، حياته لحظة بلحظة. لا يتحسر على ما فاته، ولا يدع التطلع لما سوف يأتي، يذهله، عن جمال لحظته الراهنة. كانت له قدرة على نفخ الحياة في العدم. تصبح حلة حمد، بالنسبة لي، من غيره، قاعا صفصفا، وخرائب ينعق فيها البوم. وجوده حولي كان يحل كبريات معضلاتي. لا أحتاج لأكثر من رؤيته، أو وجوده من حولي، لتذهب عني المخاوف الوجودية، والحزن، والوحشة. لقد كان متصلا بالجوهر، ومدودا من الجوهر مددا عجيبا. وأهم من ذلك كله، كان قادرا على أن يعدي بحاله غيره.



لم أكتشف التشابه بين الراحلين المقيمين، حامد جو، وبشير حريشة، إلا مؤخرا. وقد قادني موت كليهما في حادثتي مرور مؤلمتين، إلى تتبع قرائن الشبه بينهما. وغني عن القول ابتداء، أن التشابه، قد أفضى بكليهما، إلى كلية الفنون. معرفتي ببشير حريشة، تمت بعد التحاقي بكلية الفنون، فهو كردفاني، قدم إلى كلية الفنون، من خورطقت الثانوية. ويبدو أنه كان مشهورا في خورطقت، مثل شهرة حامد جو في حنتوب. وقد توطدت صلتي ببشير عقب تخرجه من كلية الفنون. وذلك بعد أن انضم إلى حركة الإخوان الجمهوريين. أما حامد جو، فهو قريبي، كما ورد. نشأنا في قرية واحدة. وتقاسمنا طفولة قروية مشتركة. وتدرجنا في المراحل الدراسية من المرحلة الابتدائية، وحتى حنتوب الثانوية. كان حامد يسبقني بسنتين في كل المراحل الدراسية. وقد كان بحكم السن صديقا لشقيقي الأكبر مضوي. ثم قامت بين الاثنين جفوة في المرحلة الثانوية. وعقب تخرجهما من الثانوي، ذهب مضوي إلى الخارج، والتحق حامد بسلك التدريس في المدارس الابتدائية السودانية. وقويت صداقتي بحامد بعد ذلك. ويبدو أن كلا من مضوي وحامد، اكتشفا مبكرا، أنه لا يوجد كثير يجمع بينهما.



لم يلتق حامد جو، ببشير حريشة في كلية الفنون. فقد تخرج بشير حريشة من كلية الفنون عام 1971. والتحق حامد جو بكلية الفنون، عند منتصف السبعينات. وصل حامد جو إلى كلية الفنون، عقب تخرجي منها، عام 1974. ولذلك لم يسعدني الحظ بزمالته حين كان طالبا فيها. فقد عملت عقب تخرجي مدرسا للفنون بخورطقت الثانوية، لخمس سنين. في تلك الأثناء، صال حامد جو، وجال في كلية الفنون، وصار من الناشطين السياسيين في حركة الطلاب الديمقراطيين. وأظنه صار من قيادات اتحاد طلاب كلية الفنون. ولذلك، لم تبخل عليه قوى أمن نميري باختطاف، واعتقال، وإيداع بسجن "دبك" المشهور. لقد ارتبطت بكل من حامد وبشير رباطا قويا. حامد كان بالنسبة لي، مثل أخ شقيق. أما بشير، فقد ضمتني معه حركة الإخوان الجمهوريين. عملنا بها سويا، حتى إعدام الأستاذ محمود محمد طه، في 18 يناير من عام 1985. وتفرقت بنا السبل بعدها. ذهبت أنا إلى خارج السودان عام 1988. وانتهى بشير، إلى العمل مع الهلال الأحمر. تخرج بشير حريشة، من قسم طباعة المنسوجات بكلية الفنون. غير أنه عمل بمكتب النشر، في كل من الخرطوم، وجوبا. في فترة إقامته بجوبا، أتقن بشير بعض لغات الجنوبيين. ثم عاد، والتحق بالتدريس، وذهب إلى كادقلي الثانوية. بشير يعرف أشياء كثيرة مختلفة. لم يحصر نفسه في تخصص بعينه. يرسم، ويدرس، ويتحدث لغات مختلفة، ويمارس الطب البلدي، وكل فنون البصارة. كان عارفا بالتشريح، من عظام وعضلات. وكثيرا ما أمسك بذراعي، وشرح لي، أين تبتدئ هذه العضلة، وأين تنتهي، وما أسمها، وأي إصبع تتحكم فيه. ولعل ذلك هو ما قاده ليعمل في نهاية الأمر مع الهلال الأحمر. أقوى ما في شخصية بشير، مهاراته في مجال العلاقات العامة. بشير وحامد يشبهان بعضهما، شبها حسيا. قاماتهما متشابهة. ولون بشرتيهما متشابه. وتجمع بينهما كثير من الصفات المشتركة. أميزها، الطيبة التي لا تعرف حدودا. بالإضافة إلى مسالمة ووداعة مدهشتين. كانا خاليين تماما من أي نزعات عدوانية. كما أن لكليهما، أيضا، قدرات فائقة في الدخول على الناس، وكسب ودهم. غير أن بشير يمتاز على حامد، بكونه أكثر تنظيما، وأكثر منهجية. شخصيتاهما ضاقتا على القوالب، وتمردتا عليها. تخرج بشير من كلية الفنون ليكون مصمما للأقمشة، فطاف على طائفة من المهن، وانتهى به الأمر موظفا لدى الهلال الأحمر، بل ومن أكفأ، وأنشط، وأميز موظفيه!



رأيت بشير حريشة، لأول مرة، عام 1971 بداخلية الحلة الجديدة، التابعة لمعهد الكليات التكنولوجية. وقد كان يسكنها، بعض من طلاب كلية الفنون. رأيته في غرفة مجاورة لغرفتي، يرقص رقصة "الجيرك" أو "الهورس"، لم أعد أذكر بالضبط. المهم، واحدة من الرقصات الغربية، التي كانت فاشية في الأوساط المدينية الخرطومية، آنذاك. استرعى انتباهي، منذ أول وهلة، بقوامه القصير، وأنفه الأقنى، وحركات رقصه المتوافقة، التي دلت على حس موسيقي سليم، وروح طليق أيضا. انطبع مشهد رقصه في ذهني، وظللت أرقبه، من بعيد، في الكلية بإعجاب، غير أنني لم أتعرف عليه عن كثب. لقد كان هو في السنة الرابعة، وكنت في السنة الأولى. ثم ما لبث بشير، بعد التخرج، أن انضم للحركة الجمهورية، حيث تعارفنا عن قرب. ولا أزال أذكر يوم سفر بشير إلى جوبا، ومعه خلف الله عبود، ومحمد الحاج، في عام 1973، على ما أذكر، بعد أن تم نقلهم، إلى مكتب النشر بجوبا. أذكر أنني، كنت في وداعهم، في مطار الخرطوم، مع زملائي بكلية الفنون، حسن موسى، ومحمود عمر، وربما بدرالدين حامد، والمرحوم، آدم الصافي. أقلعت بهم طائرة ألـ "فوكرز فريندشب"، المروحية، التابعة لسودانير. وكان ذلك عند الظهر. ولا أزال أذكر، أن حسن موسى، قد علق على شكل الطائرة بقوله، أنها "تشبه الكديسة الحامل". في المساء عرفنا أن الطائرة قد ضلت طريقها. (ما أردت من هذا القول أن حسن موسى "عينو حارة". كل ما في الأمر أن تشبيه حسن للطائرة استرعى انتباهي، وهذا ما جعله عالقا بذهني لقرابة الثلاثين عاما). المهم، فُقدت الطائرة، وظل أمر من بها مجهولا، لأسابيع. وأخيرا جاءت الأنباء، أنها سقطت بهم في الغابة، بعد أن ضلت، ونفذ وقودها. نجا ثلاثتهم من تلك الحادثة، غير أن حركة أنانيا "2 " التي كانت تحارب الحكومة السودانية في أدغال الجنوب، أسرتهم. وبعد مفاوضات، جرى تسلميهم للصليب الأحمر، ثم للحكومة السودانية. وقد قطعوا في تلك الفترة مئات الأميال، سيرا على الأقدام، وسط الغابات الاستوائية، حتى تمزقت ملابسهم, وأضحت أسمالا بالية. نجا بشير، مع رفقائه، من تلك الحادثة الفظيعة، بكل تعقيداتها، ثم مات لاحقا، في حادث سير بمدينة الأبيض! ونجا حامد جو، رغم أسفاره الكثيرة، على شاحنات، وبصات، وحافلات، وبكاسي، وكاروات السودان الهرمة، التي تسير بلا ضابط، أو رابط. وقد ظل يسافر عليها، بشكل مكثف، لعشرات السنين. غير أن المنية وافته، هو الآخر، في حادث سير في الجماهيرية الليبية.



كانا شخصين قلقين، مسفارين لا يستقر لهما قرار. صوفيان، فنانان، بل ودرويشان مجذوبان، أرادا عجن الزمان والمكان، والتهامهما في لقمة واحدة. في دخيلة كل واحد منهما إحساس بقصر الأجل، عبر عن نفسه، في حمى التنقل، التي ما برحتهما أبدا. كان بشير مثل حامد تماما، من حيث الرغبة في التنقل. كان كلاهما يبحث عن شيء ما، بحثا مضنيا. لا أدري ما هو. الأسباب التي كانا يقدمانها للسفر عادة، وللحركة الكثيرة، وللتنقل الذي لا يهدأ، لم تكن دائما، مقنعة. لقد كانت، في أغلب الأحيان عللا أكثر منها أسبابا. لم يكونا يملكان أمرهما في ذلك المنحى. كانا مثل من حكم عليه بالتنقل. ولربما شابه تعلقهما بالتنقل بين الأمكنة، بعضا من حالات الإدمان. وفي موتهما في حادثتي مرور إشارة، إلى إمكانية أن يقود تشابه المسلك، إلى تشابه الوقائع، وربما تشابه المصائر.



عمل بشير بكادقلي الثانوية، مدرسا للفنون في نهايات السبعينات. كان يزورنا بمدينة الأبيض. وأذكر أننا كنا نأخذه، عقب كل زيارة، إلى موقف عربات كادقلي، في وسط مدينة الأبيض. نرفع شنطته على اللوري. ونلتفت فجأة فلا نجده. إذ تبتلعه أزقة السوق. نذهب في طلبه، وحين نعود، نجد أن اللوري قد سافر بشنطتة، ويلحق بشير شنطته، على ظهر لوري آخر. تكرر لنا ذلك معه، أكثر من مرة. كما روى عنه، بعض من سافروا معه، من الإخوان الجمهوريين، على خط قطار الغرب، أنه كان ينزل في المحطات التي يقف فيها القطار لفترات طويلة، مثل محطة الرهد. ثم يذهب في قضاء مختلف شؤونه، وما أكثرها. ثم يتحرك القطار، ويظهر هو في اللحظات البالغة الحرج، ليدرك القطار. وقد شوهد مرة، وهو يركض ركضا عنيفا، ليدرك بالكاد، آخر عربات القطار.



ظل الأستاذ محمود محمد طه، يحتفي احتفاء غير عادي، بطلاب كلية الفنون. ولم أكن، وقتها، مدركا تماما لسر ذلك الاحتفاء. وبمرور الزمن بدأت قطع المعضلة تتجمع عندي. لقد رأى الأستاذ محمود نماذج من طلبة الفنون، الذين كانوا يرتادون داره في صحبة التشكيليين الجمهوريين. وكان كثيرا ما يقول لي: "طلبة كلية الفنون عجيبين بالحيل" أو "طلبة كلية الفنون أحرار". وبالطبع، ففي مؤسسات التعليم الأخرى، كثيرون ممن هم على شاكلة أولئك الذين لفتوا، نظر الأستاذ محمود إلى كلية الفنون. غير أن تأمل حيوات أشخاص رحلوا عنا، مثل، سالم موسى، وصديق النقر، وبشير حريشة، وحامد جو، وعمر خيري، وأسامة عبد الرحيم، وآدم الصافي، وربيع، وغيرهم، مما لا يزالون على قيد الحياة، يقود إلى ضرورة النظر بعين الاعتبار، لما يمكن أن تهبه مجالات الفنون، من قدرة على النفاذ إلى الجوهر، وسط ممارسيها. لقد اشترك كل الذين ورد ذكرهم قبل قليل، في ميزة رئيسة واحدة، وهي أنهم مثلوا نماذج لإنسان جديد، لا يزال يتخلق في رحم الغيب. لقد كانوا جميعا، "روحانيين"، في تقديري المتواضع. وقد وضعت كلمة "روحانيين" بين مزدوجتين، حتى لا يجرى ربطها بالمدلول الشائع، والمبتذل للكلمة اليوم. "الروحانية" المقصودة هنا، هي النفاذ إلى جوهر الأشياء. أو قل الكلف بالمعنى، ثم العيش ببساطة، نتيجة لذلك الاكتشاف السحري، ونتيجة لاستشراف مبصر لتخوم المعنى. وهذا يعني، ضمن ما يعني، المقدرة على العيش، خارج نطاق الزيف السائد. لقد عاش كل هؤلاء خارج المؤسسات بجميع أشكالها. تمردوا عليها، وحملوا صلبانهم، حتى قضوا. وعلى ذات الصليب، مات قبلهم، معاوية محمد نور، والتجاني يوسف بشير. لم يفهم كل هؤلاء سببا للحواجز المصطنعة. لقد كانوا نماذج، جسدت ما ينبغي أن تكون عليه عقول الناس، وقلوبهم، يوم تنقشع غشاوات الزيف، وتنهار مؤسسات الاستبعاد والإقصاء.



كتب الأستاذ محمود محمد طه: ((الإنسان الحر، هو الذي يفكر كما يريد، ويقول، كما يفكر، ويعمل كما يقول. ثم لا تكون عاقبة فكره، وقوله، وعمله، إلا خيرا وبرا بالأحياء والأشياء)). كما كتب عن المجتمع الحر قائلا، هو المجتمع، ((الذي لا يضيق بأنماط السلوك المختلفة)). التفكير الحر، والقول الحر، والفعل الحر، تميز بهن الراحلان المقيمان، حامد جو، وبشير حريشة. وقد كانا خيرين، ومسالمين، وبارين بأهلهما. قادهما كلفهما بالحرية إلى كلية الفنون. عاشا بحرية، بقدر ما أتاح لهما الظرف. أسعدا كثيرا من الناس، وأضفيا حيوية على كل حياة، تماست مع حياتيهما الخصبتين. ثم مات كلاهما ميتة عنيفة. وتركانا أمام فك معضلة الموت المبكر، الفاشية وسط المبدعين السودانيين. لقد كانا من الطلائع، في المسيرة العملية للبحث عن المعنى، ورائدين في قافلة البحث، عن المجتمع الحر، التي طال سيرها. ذلك المجتمع الذي جرى وصفه بأنه، ((لا يضيق بأنماط السلوك المختلفة)). حامد جو، وبشير حريشة، نسمتان من وراء ما بعد الحداثة. و"ما وراء ما بعد الحداثة"، يجب أن يتميز في نظري، على "ما بعد الحداثة"، بكونه ليس مجرد سفسطات صفوية، وأنما عمل دؤوب في تكثيف الوعي الإنساني، والفعل الإنساني، لمحو الحواجز المصطنعة، وتفكيك ميكنزمات الإستبعاد، وتذويب قوى التسلط الغاشمة، المرتكزة أساسا على حيازة المال، والسلطة، والجاه، والمعرفة. وقد أسهم الراحلان عمليا، في ذلك التفكيك، بقدر معتبر.



لا أستطيع تصور حلة حمد الترابي، من غير حامد جو، ولا أستطيع تصور الوسط الجمهوري من غير بشير حريشة. ظل حامد جو، قاسما مشتركا، في كل أصناف المركبات الغادية الرائحة، في منطقة ود الترابي. لقد ظل حامد جو روحا ساريا فيها. فحامد بعض من نسائم الحقول في الغيط. وبعض من ماء الترع الجاري. و بعض من الخضرة الريانة على أشجار الجميز واللبخ، والصفصاف، الجالسة على رؤوس القناطر. وهو كل ثرثرات أهلنا، وسط حوائطهم الطينية، التي ضمنوها أشواقهم لعالم أكثر رحابة. وسيبقى حامد روحا مرفرفا فوق تلكم البقاع، حارسا للأمل وللرجاء. أما بشير حريشة فقد كان حلية على جيد المجتمع الجمهوري. كان روحا طليقا، أعيى جسده، حتى أفناه. كان ضد المكوث، وضد المكان، وضد القرار. كان كثيف الحضور، حتى في حالات غيابه. ألا رحم الله حامد جو، وبشير حريشة، بقدر ما قدما في حياتيهما القصيرتين العامرتين المثمرتين. لقد كانا فنانين مرهفين. قماشتهما وجه الأرض بما وسعت. ومادتهما، حيوات من عرفوا من الناس. أما فضاؤهما التشكيلي، فهو الجهات الأربع. ضاقا بالقيود، وبالقوالب، وبسجني الزمان والمكان، فعبرا إلى الضفة الأخرى من نهر الوجود. لقد كانا واصلين واردين غارفين من بحار المعنى، وأصيلين لم يعرف الزيف إلى نفسيهما الأبيتين سبيلا.

الكويت - 1999




http://www.sudaneseonline.com/a20.htm

Post: #105
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 02:19 AM
Parent: #104


عمر خيري :

عاقل وحيد في خضم من المجانين
النور حمد



((ن والقلم وما يسطرون* ما أنت بنعمة ربك بمجنون* وإن لك لأجرا غير ممنون* وإنك لعلى خلق عظيم))

صدق الله العظيم

كتب حسن موسى، في ورقته التي قدمها، أمام ندوة الثقافة والتنمية التي نظمها مركز الدراسات السودانية في القاهرة مؤخرا:



((فالحداثة في تعريفها الابتدائي، تتلخص في السعي الواعي الحتمي المتقدم نحو مجتمع الوفرة، والرفاه المادي، والروحي، لكل الناس، بدون فرز. وهو أمر ممكن اليوم، لو قبل القابضون على مفاتيح السلطة، والثروة إعادة توزيعها بالعدل بين الناس !!! وأصر على علامات التعجب، لآن هذه الفكرة البسيطة، فكرة العدل، صارت اليوم في زمن ما بعد الحداثة (بوست مدرنزم)، صارت فكرة تثير العجب في خواطر الجميع، المستبعَدين، والمستبعِدين معا! وربما كانت قيمة حداثتنا المرتجلة، من واقع المباصرة البراغماتية الآنية، تتلخص في قدرتها على الطعن في مبدأ الحداثة الغربية الإستبعادية، ونقدها، وتقويمها، بحيث تتأهل لاستيعابنا جميعا، شرقيين كنا أم غربيين، على شروط العدل، والحرية((.. انتهى نص حسن موسى



وأريد أن أخرج بحديث حسن موسى الشيق، والمبصر في آن معا، من السياق الذي وضعه فيه، وهو سياق تقويم الحداثة الغربية الإستبعادية. إلى سياق آخر، مرتبط بالسياق الذي كتب فيه حسن موسى. ويتعلق بما أسماه الأستاذ محمود محمد طه، في أدبياته، بـ "عقل المعاش"، و"عقل المعاد". وذلك مبحث من المباحث البكر، الشيقة، التي طرقها الأستاذ محمود، وتحتاج إلى زورات. ليس هذا مجالها. المهم، سيطرة عقل المعاش، على الطور الراهن، من بني البشر، هو الذي جعل كبار فطاحلة، وجهابذة، وأحبار، ما بعد الحداثة، يستغربون، من فكرة العدل البسيطة، التي أشار إليها حسن موسى. وهي فكرة، تندرج في حيز البداهات الابتدائية. غير أن تكريس الرأسمالية للأنانية، وتشويهها للطبيعة البشرية، وما غرسته في خلق الله، من عدم المبالاة بمصائر الآخرين. إضافة على عدم القدرة، على رؤية الحقيقة البسيطة، المتمثلة في أن سعادتنا الشخصية، مرتبطة، شرطيا، لدى التحليل الحاذق، بسعادة الآخرين. كل هذه، وكثير غيرها، مما لا يتسع المجال لذكره، جعلت من فكرة العدل البسيطة، والبديهية، فكرة جد مستغربة، بل، ومخيفة، حتى لدى الأكثرية، المتعلمة، ممن يسعدهم أن يُحسبوا، ويُحشروا، في زمرة المستنيرين.



وربما سأل سائل، ما علاقة هذا كله، بالتشكيلي الراحل، عمر خيري؟ والجواب هو، أن عمر خيري قام بنسف عقل معاشه، منذ زمان طويل، وأراح نفسه، مما يرهق به الناس، عادة، أنفسهم، وبلا طائل. جرى تأويل الأستاذ محمود، للآية: (( ويسألونك عن الجبال، قل ينسفها ربي نسفا)) أن الجبال، هي عقول المعاش. وقال الأستاذ محمود، أن عقل المعاش، عقل جبان، وخائف، وحريص. أما عقل المعاد فعلى عكسه تماما. المهم، في الأمر، أن تحقيق العدل ينتظر، ظهور نسل جديد من البشر. ولن تقوم بنسف عقول المعاش شركات مقاولات بالطبع. وإنما سينسف كل واحد منا، عقل معاشه، بنفسه. فنسف عقول المعاش، متنبأ به، ومبشر به، ولا مناص من حدوثه، في المستقبل. حينذاك، يدخل الناس عهد إنسانيتهم. وحينذاك، تصبح الاشتراكية، والمساواة الاجتماعية، أمرا بديهيا. ولربما عجب الناس حينئذ، كيف أن قرونا طويلة مضت، قبل أن يتوصلوا إلى تجسيد مثل تلك الحقيقة البسيطة. وهي أن العدل، مطلوب إنسانيا، وأنه ممكن التحقيق. ولن يتم على حساب أحد. فهو شرط، من شروط اكتمال إنسانيتنا. سيعجب الناس وقتها، كيف أنهم عجزوا من تجسيد تلك الحقيقة البسيطة، لقرون، وقرون، وهم الذين غزوا الفضاء، ونشروا "الإنترنت"، وقهروا الزمان، والمكان.



الشاهد، أن عمر خيري، قام بنسف عقل معاشه، بنفسه. وكان بذلك، واحدا من رواد هذا الفن المستقبلي الرفيع. ونسفه لعقل معاشه، هو الذي فتح عالمه الداخلي، على تلكم الرحاب الفسيحة المدهشة، التي نراها في تصاويره. أخرج عمر خيري نفسه، من قبضة الزمان والمكان، فهما ليسا سوى بعض من تجسيدات، وإسقاطات عقل المعاش. وبذلك، تمكن عمر خيري، من أن يعيش، حرا، كريما، موفور الكرامة. مثل عمر خيرى، لا يُحزن لموته، ولا يُبكى على قبره. فهو قد عرف كيف يتصل بحقيقة الوجود الأصيلة الخفية ،الواحدة. تلك الحقيقة البسيطة الناصعة، التي جهلها كثير من أدعياء المعرفة. اطمأن عمر خيري إلى قلب الوجود الحي، النابض، وركن إليه، وسكن. وذلك ما جعل ريشته تسيل إبداعا، لا تأتأة فيه، ولا توقف، ولا فترات استجمام. وهذا هو الذي جعله، مستغنيا عن كل ما يزيد عن "قنينة حبر شيني، ولوحة أبلكاش، وسندوتش" كما تفضل عبد الله بولا بوصفه.



لقد أنجز، عمر خيري، كل ما أراد إنجازه في هذا الحياة. ونحن عندما نحزن عليه، ونبكيه، إنما نبكي خيباتنا الشخصية، ليس إلا. الرسومات التي خلفها عمر خيري، تساوي من حيث الكمية، إنتاج مائة منا. أما من حيث النوع، فذاك شأن آخر. أنا شخصيا لا يسرح خيالي، ولا ترتفع ذبذبة روحي، أمام أي عمل فني، بمثل ما يحدث لي، وأنا أتأمل أعمال عمر خيري المدهشة. أعمال عمر خيري، تخاطب وعي المشاهد، بلغة بالغة القوة. هي تحملك إلى داخل تلافيفها المبهجة، قسرا. وعندي أن سر قوتها، يكمن في إمتاعها، وبساطتها. في لوحاته، النابضة، الموحية، يفرض عليك عمر خيري، عالمه، ورؤيته. فيخرجك من عالمك، ورؤيتك. ولا تملك، إلا أن تستسلم له. وهل يستبى النفوس مؤثرٌ، مثل متعة ثرة يغريك، ويغويك بها، خيال مجنح فسيح متصل، اتصالا عضويا، بمنابع الأنس والمسرة ؟ أما أصالة عمر خيري، فهي تتحدث عن نفسها. وأنا شخصيا، لم أعرف فنانا سودانيا واحدا، يضاهي عمر خيري أصالة في طرائقه، ومعالجاته.



هل عاش عمر خيري زمنا كزمننا؟ أو هل ضمته أماكن، مثل التي تضمنا، وتحتوينا، وتقيدنا؟ لا أظن ذلك أبدا. لقد عاش عمر خيري عمرا، أطول من عمر نوح، إذا نحن حسبنا العمر بالكيفية التي يعاش بها، وليس بعدد السنوات. وما أظن أن عمر خيري كان سيهتم، لو تبنت أعماله كبريات متاحف العالم، وكبريات دور العرض فيه. خرج عمر خيري عن التأطير كلية، وتحرر تماما من القوالب التي تصيغ فيها، مثل تلك المؤسسات الربحية، طالبي الجاه عندها. ولسوف تصل أعمال عمر خيري إلى تلك المؤسسات، يوما ما، وسيلمع اسمه. غير أن ذلك كله، يبقى في نهاية الأمر، من الحطام الذي تخطته روح عمر خيري السامقة. "فالصقر يعلو وحده، وتلوذ بالسفح الرخم".



قرأت ردود عمر خيري على الإستبيان الذي نشره حسن موسى، في جهنم العدد الماضي. جاء في الإستبيان في مجال المهنة، سؤال عن أي مهن أخرى شغلها؟ وملأ عمر خيري الخانة المعطاة لهذا السؤال بقوله: مستقبلا سوف أشغل مكانا قديما، التزم به ويلتزم بي عما قريب. وحين ملأ خانة السؤال، ما إذا كان قد تلقى تدريبا نظاميا في الرسم، وأين؟ أجاب بقوله: درست في كليات كثيرة، دراسات أكاديمية وافية. كما قمت بنفس الدور في التدريس العام. ثم ذكر من الكليات التي درس بها، كلية الملك جورج، بإنجلترا، واسكنككر، وقال، أن مناهج الكلية متشعبة، ومتقدمة بخلاف نظيراتها. المعروف أن عمر خيري، لم يخرج من السودان، ولم يدرس في كلية خارج السودان. غير أنني أصدق عمر خيري، في كل ما قاله. فمن قال، أن الأمور لا تتم، إلا بالطرق التي اعتدنا عليها؟



لا فرق بين رسومات عمر خيري، وحديثه الذي كتبه في ذلك الإستبيان. وتلك واحدة، من علامات صدقه، وأصالته. يتحدث عمر خيري، بنفس الأسلوب الذي يرسم به، ويرسم بنفس الأسلوب الذي يتحدث به. كنت أزوره، مع حسن موسى ومحمود عمر بأستديو التلوين، الخاص بطلاب السنة الرابعة، بكلية الفنون بدعوات ملحاحة، كريمة، من الأخ، خلف الله عبود ـ وقد أشار حسن موسى، إلى تلك الزيارات، في عدد جهنم الماضي ـ لم أحظ بسماع عمر خيري يتحدث، إلا قليلا جدا، ولم يكن حديثه فيها كلها، موجها إلي، وإنما إلى طرف ثالث. لقد وقفت خلف ظهره، مرات كثيرة، أتفرج عليه، وهو يرسم عوالمه المدهشة، ولم يتسن لي شرف الحديث، إليه مباشرة أبدا. والحق أنني ما أحسست يوما واحدا، أنني بحاجة، إلى التحدث معه. ما كان يردني منه من خلال لوحاته، كان أكثر من كاف، لشفاء رغبتي الأكيدة، في التواصل معه.



عمر خيري، من أعقل الناس الذين عرفتهم في حياتي. فهو قد عرف الدور الذي سيلعبه في هذا الحياة. عرف ذلك من وقت مبكر. وقد التزم ذلك الدور، أصرم ما يكون الالتزام. لم يسع إلى أي وظيفة حكومية، أو غير حكومية. ولم يمارس القلق الذي نمارسه، نطًا من مهنة لمهنة، ومن مكان لآخر. لم يغادر مدينتيه، الخرطوم، وأمدرمان، وعالمه الفسيح، الذي خلقه لنفسه فيهما، إلا وهو محمولا إلى القبر. ظل على التزامه، وعلى العهد الذي قطعه على نفسه. عاش راهبا في محراب فنه. لم يأخذ من الدنيا، سوى "زاد الراكب"، كما يقول المتصوفة. ومما يجدر ذكره في شأن عمر خيري، أنه، مع غزارة الإنتاج، والانغماس الدائم في وسط مواد الرسم، ومعداته، ظل على الدوام، نظيفا، أنيقا، حليقا، وكأنه موظف في بنك. عاش عمر خيري حياة، خصبة، طويلة، عريضة، عميقة. وظل مصدرا ثرا، يهب البهجة، والأنس للكثيرين. وما أغلى الأنس، في هذا الزمان الموحش. غرس عمر خيري راية الإبداع، ثم حرسها، متفيئًا ظلها، وظل على نسكه ذاك، حتى أخذ صاحب الوديعة وديعته. فسلام على عمر خيري في الخالدين.



http://www.sudaneseonline.com/a19.htm
_________________

Post: #106
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 02:22 AM
Parent: #105



التقليد الشرعي والحداثة
التاريخ: Tuesday, April 29
الموضوع: دراسات وبحوث
نظرة نقدية لطرح الدكتور، عبد الله علي إبراهيم:
التقـليـد الشـرعي والحـداثة
النور حمد
نظرة نقدية لطرح الدكتور، عبد الله علي إبراهيم:
التقـليـد الشـرعي والحـداثة
النور حمد

واضح أن الصديق، الدكتور، عبد الله علي إبراهيم، يطور، وبدأب شديد، طروحة في شأن علاقة الدين بالدولة، في السودان. وقد تبدو طروحته هذه، جديدة للبعض، بحكم المسعى النقدي الذي ينتظمها، وهو مسعى يستلهم تيارات ما بعد الحداثة. يحاول مسعى الدكتور عبدالله، النقدي، في مبحثه هذا، تلمس السمات الحداثية، في ممارسات مؤسسة تقليدية، هي مؤسسة القضاء الشرعي السودانية. وغاية المسعى فيما يبدو، هو شق طريق وسط بين مقاربات التيار الإسلاموي السوداني، الداعي إلى دولة دينية، والذي وصل إلى السلطة بالفعل، تحت هذه الراية، وبين تيارات العلمانيين التي تدعو للفصل القاسي بين الدين والدولة. وأول ما أبدأ به هو أن المنحى النقدي، للطروحة، ليس منحى جديدا، وإن استلهم نقد ما بعد الحداثة، الموجه ضد أفكار حقبة الحداثة. فطرح، الدكتور، مسبوق في الفضاء السوداني، بطرح، أكثر عمقا، وأكثر تماسكا، ورد في المقاربات المتعددة التي ضمتها أعمال الأستاذ محمود محمد طه، التي دعت للجمع المبصر، بين خير ما جاء في الفكر الوضعي، وخير ما جاء في الفكر الديني، وفق منظور ديني أصيل، خال من أية سمة، من سمات التوفيقية التعسفية، كما أسماها صادق جلال العظم. ومقاربات الأستاذ محمود، عمرها الآن، أكثر من نصف قرن! جاء في كتيب (السفر الأول) الذي أصدره الجزب الجمهوري، بزعامة الأستاذ محمود محمد طه، عام 1945، مايلي:

((إن الحزب الجمهوري لا يسعى إلى الإستقلال كغاية في ذاته، و إنما يطلبه لأنه وسيلة إلى الحرية.. وهي التي ستكفل للفرد الجو الحر الذي يساعده عل إظهار المواهب الكمينة في صدره و راسه. ويؤمن الحزب الجمهوري، إيماناً لا حد له، بالسودان.. و يعتقد أنه سيصبح من الروافد التي تضيف إلى ذخر الإنسانية ألواناً شهية من غذاء الروح، وغذاء الفكر، إذا آمن به أبناؤه، فلم يضيعوا خصائصه الأصيلة، و مقوماته، بالإهطاع نحو الغرب، ونحو المدنية الغربية، في غير روية، ولا تفكير.. ورأي هذا الحزب في المدنية الغربية، هو أنها محاولة إنسانية نحو الكمال.. وهي ككل عمل إنساني خطير، مزاج بين الهدى و الضلال.. وهي لهذا، جمة الخير، جمة الشر.. وشرها أكبر من خيرها.. وهي كذلك بوجه خاص على الشرقي الذي يصرفه بهرجها، و بريقها، و زيفها، عن مجال الخير فيها، ومظان الرشد منها.. ويرى هذا الحزب: أننا ما ينبغي أن نتقي هذه المدنية، بكل سبيل، كما يريد المتزمتون من أبناء الشرق .. ولا ينبغي أن نروج لها، بكل سبيل، و نعتنقها، كما يريد بعض المفتونين، المتطرفين، من أبناء الشرق.. وإنما ينبغي أن نتدبرها، وأن ندرسها، وأن نتمثل الصالح منها.. هذه المدنية تضل و تخطئ، من حيث تنعدم فيها معايير القيم، وتنحط فيها إعتبارات الأفكار المجردة.. فليس شئ لديها ببالغ فتيلاً إذا لم يكن ذا نفع مادي، يخضع لنظام العدد، والرصد.. فهي مدنية مادية، صناعية، آلية، وقد أعلنت إفلاسها، وعجزها، عن إسعاد الإنسان، لأنها كفرت بالله، وبالإنسان.. ويعتقد الحزب الجمهوري أن الشرق، عامة، والسودان، خاصة، يمكنهما أن يضيفا عنصراً إلى المدنية الغربية هي في أمس الحاجة إليه، و ذلك هو العنصر الروحي)).. انتهى.

الشاهد أن الدعوة للجمع بين منجزات الحداثة، وجوهر دعوة الدين، أمر افترعه الأستاذ محمود، منذ ذلك الزمان المبكر. وليس أكبر همي هنا، أن أثبت للأستاذ محمود فضل السبق، في هذا المضمار الهام. فذلك أمر تثبته كتاباته المنشورة على الناس، منذ ذلك الزمان المبكر. ولكن أكبر همي هو، أن أنبه إلى الخلل الأكاديمي المتمثل في تجاهل الباحثين، لفكر الأستاذ محمود. وهو ما لمحته بالفعل في الخطوط العريضة لميحث الدكتور الفاضل، عبد الله علي إبراهيم، مما نشره على الناس مؤخرا. والنص الذي أثبته أعلاه، من كتيب (السفر الأول) للأستاذ محمود محمد طه، يمثل بعضا من كتابات الأستاذ محمود محمد طه، الباكرة. وقد حرصت على تثبيته لأدلل فقط، على سبق الأستاذ محمود غيره من المفكرين، في هذا المنحى. وإلا، فإن عمقا أكبر، وتأسيسا معرفيا، ودينيا، أعمق قد جاء لاحقا في كتاباته التي تلت، ومنها،(قل هذه سبيلي1952)، ثم كتابه (الإسلام، 1960)، ثم كتاب (رسالة الصلاة، 1966)، ثم كتاب، (الرسالة الثانية من الإسلام من الإسلام، 1967)، وما تلاهما في مطلع عقد السبعينات، مثل كتاب (تطوير شريعة الأحوال الشخصية، 1972)، و(الثورة الثقافية، 1972). وحقيقة الأمر، أن الأستاذ محمود، قد سبق تيار ما بعد الحداثة الغربي في توجيه نقد مبصر لأفكار حقبة الحداثة التي توزعت بين الفضاءين الغربيين: الليبرالي، والماركسي. ولي تحت الإعداد دراسة مقارنة، توثق لهذا السبق. وأرجو ان ترى النور قريبا.

القفز على نقاط الخلاف الجوهرية:

بدا لي أن طروحة الدكتور عبد الله، مشوبة بشيء من الغموض. وأنها، لا تفصح كثيرا، عن مقاصدها النهائية، بالقدر الذي ينتظره منها المهتمون. وقد شاركني هذا الرأي، اصدقاء آخرون، ممن يتابعون كل ما يصدر من قلم الدكتور. ورغم أنني من مشجعي المقاربات التي تحفر في مناطق المركب، من الجذور المشتركة، والتوجهات المشتركة، بين أهل البلد الواحد، من أجل تقريب وجهات النظر، وردم الهوات، غير الضرورية، غير أنني لا أستسيغ المقاربات التي، تقفز حول الخلافات الجوهرية، دون أن تمسح أرضيتها، مسحا وافيا، شافيا. وهذا هو ما قادني، إلى مناقشة طروحة الدكتور الفاضل عبد الله علي إبراهيم، وامتحانها، وفق هذا المنظور. أعني، منظور المسح الوافي لأرضية الخلاف، حول مسألة التجديد في الفكر الإسلامي، والقانون الإسلامي. وأظنني لمحت في طروحة الدكتور، تغافلا عن بعض الحقائق المهمة. فالدكتور، يستخدم شواهد التاريخ، القريب، وما تشير به إليه حركة الواقع المتحول، وما تسمح به هذه الحركة، من استنباط للدلالات. وأعنى هنا، تحديدا، منشورات القضاء الشرعي، التي ربما رآها الدكتور الفاضل، متجهة نحو التوسيع لحريات النساء. غير أن تلك الشواهد، ليست من الجوهرية، بحيث يمكننا أن نقول، أنها كانت سائرة لبلوغ غايتها، في تمام التحرير. وفي تقديري، أن المساحات التي أتاحها للنساء، هنا، وهناك، ما أسماه الدكتور بـ ((التقليد الشرعي)) قد جاءت عرضا. ولا أعتقد أنها جاءت نتيجة لبنية مفهومية، متماسكة، وخطة، ومنهجية واضحة. وهذا هو ما عرضها للإنتكاس، كما لاحظ الدكتور نفسه. وسوف أقف عند ذلك لاحقا.

إرتكز فكر الحداثة، بشكل رئيس، على فيزياء نيوتن، وعلى الفلسفة الوضعية لإيمانويل كانط، وما تفرع من كل أولئك، لاحقا من تيارات دعمت التوجهات العلمانية، البراغماتية. غير أن فكر الحداثة، الذي ظل يحرك السياسة الدولية، منذ فجر الثورة الصناعية، قد انشطر على نفسه، في القرن التاسع عشر، بظهور الدارونية، وصنوها المصاقب لها، الفكر الماركسي، اللينيني. وما لبث أن انقسم العالم، جراء ذلك، إلى معسكرين، إثنين. ثم، ما أن جنحت شمس القرن الماضي، نحو الغروب، حتى انهارت التجربة الشيوعية، برمتها، وعادت الأمور، مرة ثانية، إلى أصولها التي انطلقت منها أبتداء. ولكن في ثوب جديد، جعل أكثرية أهل الكوكب، يقفون، إزاء الصورة الجديدة، الأكثر تركيبا، وتعقيدا، موقفا سمته الرئيسة، الحيرة.

تيارات الفكر الحداثي، وذراعها القوية المتمثلة في المد الرأسمالي، أعطت ثقافة أوربا، عبر القرون الأربعة المنصرمة، موضع المركز، في ثقافة العالم. وموضع المركز، هذا، أخذته أوروبا، من بقية العالم، عنوة، وبحد السلاح. ولكن لابد أن نشير هنا، إلى أن الثقافات الأخرى، قد إزورت بدورها، هي الأخرى، حين أصابها الإنبهار بانجازات الغرب، الباهرة، مما جعلها، تقبل، ولو مؤقتا، مكانة الدونية، والهامشية.

وصمت المركزية الأوربية، المزهوة بانجازات النهضة العلمية، والتقنية، ثقافات القارات الأخرى بالتخلف، دافعة إياها، صوب الهامش، وصوب رفوف المتحفيات الإثنوغرافية. ومن تلك المركزية الأوربية، انطلقت، في البدء، ألة الرأسمال، لتملك معظم أجزاء العالم، بقوة السلاح الناري. وقد حدث ذلك، في فترة وجيزة جدا. ومن ثم بدأ الغرب عمله في إلحاق الثقافات المحلية، بالمركزية الأوربية. وقد أحدثت الهجمة الإستعمارية في القرن التاسع عشر، تحولات سريعة. تغيرت بها أنماط الإقتصاد، في بقاع كثيرة من الكوكب. وحدثت، أيضا، الكثير من التحولات الإجتماعية. كما شاعت أنماط التعليم الغربية في كل مجتمعات العالم تقريبا. وأنتشرت لغات المركز، الأوربي، في بقاع العالم المختلفة. ومعلوم أن اللغة حين تنتقل، تنقل معها أيضا الكثير من السمات الذهنية، لموطنها الأم، الذي وفدت منه. وبناء عليه، حدث رواج كبير، من الناحيتين النظرية، والعملية، للنظرة الغربية للكون، وللحياة. وكانت النتيجة أن اهتزت كثير من المورثات، وأنتج ذلك علاقات جيوسياسية، جديدة، شديدة التركيب، شديدة التعقيد. والحالة السودانية الراهنة، التي يعمل فيها الدكتور مبضع نقده، الآن، واحدة من حالات متعددة. ولكن الدكتور عبدالله، لم يعط مقاربات الأستاذ محمود وهي تعالج، كل ما تقدم، ما تستحقه، من نظر، ومن نقد. فهو قد أكتفى في شأنها، بقليل من الإشارات السالبة المبتسرة. وهذه سمة اتسم بها الأكادميون العرب، حين يعالجون الأفكار الدينية المثيرة للجدل.

التجاهل الأكاديمي لفكر الأستاذ محمود محمد طه!

في المقدمة التي تشرفت بكتابتها، مع الأستاذة أسماء محمود محمد طه، لكتاب (نحو مشروع مستقبلي للإسلام: ثلاثة من الأعمال الأساسية للمفكر الشهيد، محمود محمد طه) والتي صدرت طبعته الأولى، العام الماضي عن المركز الثقافي العربي ببيروت، ودار قرطاس بالكويت، نعينا على الأكاديميا العربية، تجاهلها لفكر الأستاذ محمود محمد طه، وهو فكر منشور منذ أكثر من نصف قرن. وأشرنا إلى أنها أكاديميا، مدجنة، ومسيسة دينيا، وليست مطلقة الصراح، فيما يتعلق بحرية البحث العلمي، خاصة ما يتعلق بمسألة التجديد الديني. والأكاديميا التي لا تلزم نفسها بالحياد العلمي الصارم، والأمانة العلمية، أكاديميا لا تستحق إسمها. أقول هذا، وفي ذهني الإشارات المبتسرة التي وردت عن الدكتور، لفكر الأستاذ محمود في مبحثه هذا. وهي إشارات لم تخل، على ابتسارها الشديد، من نغمة سلبية. كتب الدكتور في عرض طروحته، هذه الفقرة.

((إن زمان القبول «الفطري» بالثنائية المتباغضة للحداثة والتقليد قد شارف نهايته. فهذه الثنائية الآن قيد النظر الدقيق والمراجعة. فقد تأسف نقاد حديثون كيف لم يطل النقد والتمحيص إنتاج هذين المفهومين واستثمارنا المعرفي فيهما. فأنت تجد مثلاً من يبرر تجاهل الشريعة في بلورة القوانين الاستعمارية، الموصوفة بالحداثة، بأنها «متخلفة» من حيث سُلم العصرنة. ويتغاضى مثل هذا التبرير الحداثي عن حزازات المستعمرين وشوكتهم اللتين كانتا لهما القدح المعلى في تبخيس الشريعة وازدرائها كمصدر محتمل للقانون الاستعماري الحداثي)).. انتهى.

فما أسماه الدكتور عبد الله، ((الثنائية المتباغضة للحداثة والتقليد)) واقع حقيقي، وسببها لا ينصب حصريا، في موقف العلمانيين، حين تمسكوا بفكر الحداثة الأوروبية، وتنصلوا عن تراثهم المعرفي، والثقافي. وإنما سببه أيضا، ضيق تلك الشريعة، نفسها، عن استيعاب طاقة الواقع الحداثي. هذا من جهة، ومن الجهة الأخرى يقف جمود المؤسسة الدينية الإسلامية السلفية، وتخندقها في خندق القديم، والإصرار عليه، رغم مجافاته لمنطق العقل الحديث. فـالقول بأن الشريعة الموروثة، منذ القرن السابع، ((متخلفة)) بإزاء المشكلات المستجدة، ليس قولا منكرا، كما يشتم من رأي الدكتور. فهو قول لا يقال، حين يقال، خاصة من جانب الجمهوريين، بغرض إزدرائها والزراية بها. وإنما لتقرير حقيقة بسيطة، غاية البساطة! وهي أن كثيرا من صور الشريعة السلفية لم تعد صالحة، فعلا. والجمهوريون حين قالوا بذلك القول، قالوه من منطلق فهمهم أن في القرآن مستوى آخر، أكبر من الشريعة، وهو ما أشار إليه الأستاذ محمود بضرورة التفريق، بين ((الأصول))، و((الفروع))، وبين، ((الشريعة))، و((الدين))، وبين ((الشريعة)) و((السنة)).

وبالطبع، فإن هذا لا ينفي أن بعض العلمانيين حين قالوا بـ ((تخلف)) الشريعة، إنما قالوه، للزراية بها. وهي زراية تفرعت من الزراية بالدين، من حيث هو. غير أنني أحب، أن أقرر، ما قرره الأستاذ محمود محمد طه، من قبل، ومن دون أدنى مورابة، أن كثيرا من صور الشريعة الإسلامية التي بين أيدينا، مما جرى تشريعها لمجتمعات القرن السابع الميلادي، وما تلاها، لاتصلح للتطبيق اليوم. وأخص بالذكر، شريعة الأحوال الشخصية، التي بين أيدينا الآن. ولسوف لن ينفتح لنا طريق إلى نهضة حقيقية، إلا إذا امتلكنا الشجاعة الكافية، لنقرر ما أثبته الواقع العملي، من قصور بعض صور الشريعة الإسلامية. ومثل هذا التقرير، مهم، غاية الأهمية. فبغيره، لا يمكن لنا، أن نمضي في سبيلنا إلى أصول القرآن، لنشرع منها، لمجتمعاتنا المعاصرة، وفق ما يناسب طاقتها، ويناسب حاجتها.

الشاهد أن الشريعة القائمة على فروع القرآن ـ كما يسميها الأستاذ محمود محمد طه ـ لايجدي معها الترقيع الذي يدعو له الدكتور عبد الله، في معنى ما أشار إليه من أن له ثقة في ((تدريب))، و((ذوق)) القضاة الشرعيين. والسبب هو أن تلك الشريعة قد قامت على نصوص محكمة، لا مجال للإجتهاد معها. وهي نصوص لم تكفل الحقوق الدستورية، كما نفهمها اليوم، وهو أمر اقتضته ضرورات الواقع، وقتها. وقد شمل عدم كفلها للحقوق الدستورية، كلا من الرجال والنساء. وإن كان عدم كفالتها للحقوق الدستورية، لجنس النساء، قد كان أكبر، من عدم كفلها للرجال، وذلك بسبب حكم الوقت الماضي. وقد وردت الإشارات، والعبارات باستفاضة، فيما كتبه الأستاذ محمود، في تبيين أن ما حصل عليه الرجال، والنساء، من شريعة القرن السابع الميلادي، قد كان كبيرا، وبما لايقاس، مقارنا بما كان عليه حالهم، في حقبة ما قبل الإسلام .

ولكي نضع الموضوع في إطاره التشريعي، لابد أن نشير إلى أن نصوص الشريعة الموروثة، تقول بجهاد الكافر، حتى يسلم: يقول تعالى: ((فإذا انسخ الأشهر الحرم، فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وخذوهم، وأحصروهم، وأقعدوا لهم كل مرصد، فإن تابوا، واقاموا الصلاة، وآتوا الزكاة، فخلوا سبيلهم، إن الله غفور رحيم)). ومن ذلك جاء حديث النبي الكريم الذي يقول فيه: ((أمرت أن اقاتل الناس حتى يشهدوا ألا لا إله إلا الله، وان محمد رسول الله)). ومن تلك جاء حكم الردة: ((من بدل دينه فأقتلوه)). ومنها جاء قتل تارك الصلاة أيضا. كما أن نصوص الشريعة المحكمة تقول بقتال أهل الذمة، حتى يسلموا، أو يعطوا الجزية عن يد، وهم صاغرون. قال تعالى: ((قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله، ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق، من الذين أوتوا الكتاب، حتى يعطوا الجزية، عن يد، وهم صاغرون)). وقد فسر ابن كثير لفظة ((صاغرون)) بـ ((ذليلون حقيرون)). وجاء في الحديث النبوي: ((إذا لقيتم اليهود والنصارى، فلا تبدأوهم بالسلام، وأضطروهم إلى أضيق الطريق)). وليراجع الدكتور الفاضل عهد سيدنا عمر بن الخطاب لآل إيليا، عقب فتح بيت المقدس، وما جاء فيه من شروط مهينة، بلغت حد إلزامهم بجز النواصي. الشاهد أن الشريعة الموروثة، منذ القرن السابع غير قابلة للترقيع. وهذا هو ما أنفق الأستاذ محمود محمد طه، عمره كله في توضيحه.

أما في جانب حقوق المرأة، فلا أدري ماذا كان في وسع ((التقليد الشرعي)) الذي يتحدث عنه الدكتور أن يفعل. وإلى أي مدى سوف يصل ((التقليد الشرعي)) في محاولاته تلك للترقيع؟ فالنص المحكم يقول: ((واستشهدوا شهيدين من رجالكم، فإن لم يكونا رجلين، فرجل وامرأتان، ممن ترضون من الشهداء، أن تضل إحداهما، فتذكر إحداهما الأخرى))؟ فعلى أي شيء أستند الفقهاء، الذين جعلوا المرأة قاضية، في حين أن الشريعة الموروثة منذ القرن السابع الميلادي، لا تعطيها حتى حق الشهادة بمفردها. وأنا لا اعتراض لدي أن تعطى المرأة حق أن تكون قاضية، ولكن إعطاءها ذلك الحق بالخروج على نص محكم، يجعل ذلك الحق عرضة للنقض في أي وقت. لأن تأسيسه تجاهل سلطة النص، منذ البداية. ولقد تفضل الدكتور الفاضل نفسه، بأن قال، إن الإنقاذ رجعت بحقوق المرأة إلى الوراء. والسبب هو أن منحها حق القضاء لم يتم على تأسيس ديني، واضح، وإنما تم بخروج، غير منهجي، على سلطة النص. والذين جاءوا، من أهل الإنقاذ، ورجعوا بمكتسبات المرأة السودانية، الوراء، في مسار أشبه بمسار طالبان، إنما فعلوا ذلك مسنودين بسلطة النصوص القواطع، وبتجربة التطبيق الإسلامي، في الماضي!

ولابد من الشارة هنا، إلى أن الفضاء الإسلامي، فضاء واسع. فحين رأى فقهاء الشرع في السودان، جعل المرأة قاضية، رفض فقهاء دول الجوار، حتى إعطاءها حق التقدم لنيل رخصة قيادة سيارة! كما منعوا اختلاطها بالرجال في الحياة العامة، والأماكن العامة، ومنعوه حتى في مدرجات الجامعات. كما رفضوا لها السفر بمفردها، وضربوا عليها العباءة والبرقع. وحصروا عملها في أضيق نطاق ممكن، وفي مهن محددة جدا. وما من شك أن من يرفضون الإفساح للمرأة في بساط الحياة الحديثة، ليسوا قوما يتجنون بغير حق، وإنما هم فقهاء يستندون على النصوص القاطعة، وهم أيضا، تسندهم معرفة راسخة بأحكام الشرع، كما كان عليه الحال، في صدر الإسلام، وما تلا من قرون. ولذلك فمثل هؤلاء، لن يروا فيما قام به القضاء الشرعي السوداني، حين أجاز قضاء المرأة، إلا خروجا على نصوص الشرع. وسيكون عملهم، من ثم، مراجعة أهل السودان، حتى يفيئوا إلى أمر الله، وينزلوا عند أحكام شرعه!

مأزق قيد النص من محمد عبده إلى الدكتور الترابي:

نعود إلى أصل الحداثة الإسلامية، الذي تكرم الدكتور عبدالله، بنسبته إلى الشيخ، محمد عبده، لنقارنه بمنهج الأستاذ محمود محمد طه، للبعث الإسلامي. فمحمد عبده شأنه شأن غيره، من رواد النهضة الدينية الحديثة، مثل جمال الدين الأفغاني، ورشيد رضا، وسيد أحمد خان، وغيرهم. والسمة الأساسية التي تجمع بين كل هؤلاء، هي الإلتفاف حول سلطة النصوص الصريحة. فهم لم يروا الرؤية التي رآها الأستاذ محمود، وهي الإنتقال من نص فرعي خدم غرضه، حتى استنفده، إلى نص أصلي، ظل مدخرا، حتى يحين وقته، وقد حان وقته. وقد سلك الدكتور الترابي مسلك رواد النهضة، هذا، في التوفيق بين ما طرحه الواقع الحداثي، وبين أحكام الإسلام، دون الإشارة، إلى الكيفية المنهجية، لتخطي، عقبة النص المحكم. وهذا هو عين ما جعل الدكتور الترابي، عرضة للتكفير، من جانب بعض غلاة النصوصيين. والدكتور عبد الله، لا يفعل الآن شيئا مغايرا لما قام به الدكتور حسن الترابي. فهو الآخر، يتحاشى مواجهة النصوص. وأحب أن ألفت نظر الدكتور الفاضل، وهو كثيرا ما جنح للتشنيع بالعلمانيين، أنه، نفسه، ينحو منحى علمانيا، حين يتجنب كليا، إيراد النصوص. وهذا ما أشتهر به الدكتور حسن الترابي، في مقارباته الكتابية، وأحاديثه الخطابية.

قيد الإجتهاد في إطار الشريعة:

مما هو معلوم من الدين بالضرورة، أن الفقه الذي تبع تشريع الرسالة الأولى ((رسالة الفروع)) قد قام أساسا على أن الإجتهاد لا يكون، إلا فيما ليس فيه نص. وفكرة الإجتهاد نفسها، يحكمها نص الحديث النبوي، لسيدنا معاذ بن جبل، حين سأله النبي صلى الله عليه وسلم، بم يحكم الناس، وقد كان معاذ في طريقه، لولاية المسلمين في اليمن. فقال معاذ: (( أحكم بكتاب الله)). فقال له النبي الكريم: ((فإن لم تجد؟)). فقال معاذ: ((فبسنة رسول الله)). فقال له النبي الكريم: ((فإن لم تجد؟)). فقال معاذ: ((أعمل رأيي ولا آلو)). فقال النبي الكريم: ((الحمد الله الذي وفق رسول رسول الله، إلى ما يرضي الله، ورسوله)). ولذلك فكل الفقه الإسلامي، إنما قام على هذا الحديث، وهو أن الإجتهاد مسموح به فقط، حين لا يكون هناك نص من الكتاب، أو السنة. ولاحق لأحد، أبدا، في الإجتهاد حين يكون هناك نص قطعي الدلالة. وهذا هو ما جعل دولا أسلامية، بعينها، لا تعطي المرأة حقوقها، إستنادا على نصوص الشريعة، القطعية الدلالة. ولذلك فإن أفكار طالبان، على مجافاتها الشنيعة لقيم الحداثة، تجد أصداء واسعة، عند ملايين المسلمين، في أرجاء المعمورة. وحين همت جماعة طالبان بتحطيم تمثال بوذا، فعلوا ذلك، وهم مستندين على نصوص شرعية، معروفة، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من صور صورة يعذبه الله حتى ينفخ فيها الروح، وما هو بنافخ فيها أبدا)). وكقوله لعائشة: ((يا عائشة، أتدرين من أشد الناس عذابا يوم القيامة؟)) قالت: ((الله ورسوله أعلم)). قال: ((المصورون)). وقد أرسلت كل من السعودية، وقطر، ودول خليجية أخرى، فيما أوردته أجهزة الإعلام، وفودا من العلماء، بناء على طلب تقدمت به جهات أجنبية كانت مشفقة على مصير التماثيل. وطلبوا من تلك الوفود مناقشة جماعة طالبان، لإثنائهم عما انتووا فعله بالتماثيل. ولكن فقهاء طالبان النصوصيين، حجوهم بنصوص، الشريعة، القواطع، وبالتطبيق العملي مما قام به النبي الكريم، من تكسير للأصنام. وعاد العلماء المبعوثون، يجرجرون أذيال الخيبة، وتم تدمير التماثيل.

الشاهد هو: حين يوجد النص، لا يستمع أحد لفقيه، مهما كان شأنه، دع عنك أي فرد آخر. والمخرج الذكي، والأكثر عملية، وفعالية، من هذا المأزق التاريخي، هو ما جاء به الأستاذ محمود، حين دعا إلى الإنتقال من نصوص القرآن المدني، إلى نصوص القرآن المكي. فالحقوق الأساسية لا وجود لها في أحكام الشريعة، وإنما هي موجودة فقط، في أصول القرآن. وحين نبعث أصول القرآن نكون قد بنينا النقلة على سند نصي، يباعد بين الحقوق الأساسية، وكفالة الحريات العامة، وبين التشكك في دينيتها، وإلهيتها، ووصمها بالعلمانية. وهذه نقطة جوهرية يتغافل عنها المترددون في الأخذ بمنهج الأستاذ محمود محمد طه.

بين مرجعية النص ومرجعية رأي الفرد:

عُرف عن الدكتور حسن الترابي أنه يجتهد، لكي يجعل الشريعة قادرة على استيعاب طاقات الحياة الحديثة، ومستجيبة لحاجاتها. وهو يفعل ذلك لكي يُكسب ما يقوم به على الصعيد السياسي، صفة (الدينية). فهي الصفة التي راهن عليها منذ أن بدأ العمل السياسي. وكذلك، حتى لا يُتهم بالتنكر للشعارات التي جمع الناس حولها، منذ الستينات. غير أن الدكتور الترابي، يفعل ذلك بتغافل تام، لنصوص الشريعة. وهو يفعل ذلك، مثله مثل كثيرين غيره، ممن ينتهجون منهج التجديد، المتجاهل لسلطة النص. وهذا المنهج، يُظهر الدكتور الترابي، أراد أم أبى، كمن يقول للناس: أنا مرجعية، دينية، ومن حقي أن آتي من الأحكام، بما يخالف نصوص الشريعة، وأن على الناس أن يأخذوا ما أقول به، حتى وإن خالف ظاهر النص، ما دام ما أقول به، يحل إشكالية تناقض نصوص الشريعة مع بنية الواقع المعاصر. ولذلك فقد كتب الترابي في تشجيع ممارسة الفنون، من رسم، وتلوين، وتصوير، ونحت، ورقص، وغيرها، مما لم تشجع عليه الشريعة، أصلا. وتجاهل في ذلك، سلطة النصوص، كما تجاهل، في نفس الوقت، منهج الأستاذ محمود محمد طه، الذي سبقه إلى مسالة التجديد، بسنوات عديدة. تجاهل الترابي طرح الأستاذ محمود، ومنهجه، وكأنهما لم يكونا أصلا! ولكن أنظر إلى أين انتهى الأمر بالترابي. فها هو قد أُخرج من الساحة كليا! أعني، ساحة التجديد الديني، وساحة الفعل السياسي الذي يستمد شرعيته من مرتكزات دينية. وكما هو واضح، فإن الذين أخرجوا الترابي، من اللعبة، لم يكونوا خصومه، وما أكثرهم. وإنما أخرجه من اللعبة، أقرب تلاميذه إليه!! ورجعت كل اجتهادات الترابي، إلى نقطة الصفر، مرة أخرى. والسبب هو تجاهل سلطة النص. بل ذهب تلاميذ الترابي في شأن شيخهم، مذهبا بعيدا، فقالوا، بأنه سوف يتسبب في فتنة، إن هم أطلقوا سراحه!! الشاهد هنا، أن أي اجتهاد يتغافل مواجهة النصوص، ويتجاهل ضرورة تأسيس قيم الحداثة، على سلطة النص المقدس، اجتهاد مقضي عليه بالردة، وبالسقوط كرة أخرى، في بئر السلف العميقة.

أنا لآ أريد أن أقول أنه لا يمكن أبدا الإجتهاد إلا على الدرب الذي طرقه الأستاذ محمود ـ رغم أن ذلك قول صحيح، في تقديري الشخصي ـ ولكن دعني أقول، إن مخرج الأستاذ محمود يمثل أكثر المخارج تماسكا، من سلطة النص المحكم منذ القرن السابع. فمخرجه بالخروج من النص الفرعي، لتحكيم النص الأصلي يتيح ، دون غيره، لمن يريد الإجتهاد، أن ينتقل من سلطة نص مقدس، إلى سلطة نص مقدس آخر، لا إلى سلطة فرد. وقد عالج سمات التماسك في منهج الأستاذ محمود، في مسألة تطوير التشريع، الكاتب عبد الله بولا، معالجة، اتسمت بالإدراك العميق، وبالرصانة المنهجية، وذلك في العدد الرابع من مجلة "رواق عربي"، فليراجع في موضعه.

ما يفعله الرافضون لمنهج الأستاذ محمود، هو أنهم ينقلون السلطة، النابعة من النص المقدس، إلى مرجعية، هي ليست أكثر من أرائهم الشخصية، كمجتهدين أعطوا أنفسهم حق الإجتهاد ضد سلطة النص المقدس. غير أن الواقع يقول، إن سلطة النص المقدس، على سواد الناس، أكبر من أي سلطة أخرى. وفي تقديري الشخصي، أن المسلمين سوف يشرقون، ويغربون، ولكنهم لن يجدوا، في نهاية المطاف، مخرجا، أسلس، وأضبط، وأشمل، وأكثر حبلا بالوعود الإنسانية، من المخرج الذي رسمه الأستاذ محمود محمد طه. وما أكثر ما سمعت الأستاذ محمود يتمثل أبيات إبن الفارض، حين تبلغه أنباء الاعتراضات على فكره، فيردد قائلا:

وعن مذهبي، لما استحبوا العمى على الهدي، حسـدا من عند أنفسهم، ضـلُّوا
فهم في السـُّرى، لم يبرحوا من مكانهم، وما ظعنوا في السـير عنه، وقد كَلُّوا

ودعونا، على ضوء ما شرحنا أعلاه، نقرأ ما كتبه الدكتور عبد الله، في تقدمة طروحته:

((أريد في المقالات التي انشرها متتابعة ان أرد الشريعة الي مطلبها الحق أن تكون مصدراً للقوانين في بلد للمسلمين. ولست أرى في مطلبها هذا بأساً او ظلماً لغير المسلمين. فهي عندي مما يسع التشريع الوطني العام ويهش له متى خلا دعاتها من نازعة "الوطنية الاسلامية" وبذلوا سماحتها للوطن لايفرقون بين أهله متوسلين الى ذلك بحرفة القانون عارضين اجتهادهم من خلال مؤسسات التشريع بالدولة. ولست ادعي علماً فيما يجد غير انني اتفاءل بما سلف من خصوبة الشريعة وحسن تدريب وذوق المشرعين بها من قضاة المحاكم الشرعية على عهد الاستعمار وماتلاه في ترتيب قوانين التزمت خير الأسرة المسلمة وانتصفت للمرأة ما وسعها. وهي ما اسميه "التقليد الشرعي السوداني، (1898-1983).)) ..انتهى.

فالجمهوريون لا اعتراض لديهم في أن تكون قيم الدين، ملهما للقوانين، ما دامت تلك القوانين دستورية، ولا تفرق بين الناس على اساس الدين، أو اللون، أو الأصل العرقي، أو الجنس (رجل وإمرأة) وهو ما يسمى هذه الأيام، بـ (الجندر). غير أن الدكتور عبد الله، بحاجة إلى أن يفصح عما يعني حين يقول: ((أريد في المقالات التي انشرها متتابعة ان أرد الشريعة الي مطلبها الحق أن تكون مصدراً للقوانين في بلد للمسلمين)). فقد قال نفس هذا الحديث أناس كثيرون قبله، ولم يجئينا من ذلك في السابق، غير التكفير، والقتل، والإستتابة، والجلد، وقطع أطراف المعوزين، من البسطاء الذين قذف بهم الهامش المهمل، إلى قلب مدينة أخطبوطية لا رحمة فيها! فما الجديد، فيما يقول به الدكتور، وماهي تفاصيله، وما هي أسانيده؟

أما قوله الدكتور: ((... أنني اتفاءل بما سلف من خصوبة الشريعة وحسن تدريب وذوق المشرعين بها من قضاة المحاكم الشرعية على عهد الاستعمار وماتلاه في ترتيب قوانين التزمت خير الأسرة المسلمة وانتصفت للمرأة ما وسعها. وهي ما أسميه "التقليد الشرعي السوداني"))، يظل قولا لا يخلو من تفكير بالرغبات، ومن شيء من الرومانسية الدينية. فما هو سند الدكتور على ((ذوق)) القضاة الشرعيين، و((حسن تدريبهم)) مما رأيناه في تاريخنا القريب على أرض الواقع؟ ؟ فهل سمع الدكتور عبد الله، أن القضاة الشرعيين، قد وقفوا، مثلا، ضد قوانين سبتمبر؟ وهل سمع أنهم وقفوا، ضد الحكم على الأستاذ محمود محمد طه بالردة، والذي أصدرته ـ وللمفارقة ـ المحكمة الشرعية العليا بالخرطوم عام 1968؟ فعن أي ((حسن تدريب))، وعن أي ((ذوق)) يتحدث الدكتور؟ ثم هل سمع الدكتور استنكارا، منسوبا للقضاة الشرعيين، لمأساة إعدام الأستاذ محمود محمد طه، عام 1985. وهل في وسع الدكتور أن يرينا موقفا واحدا، بارزا، للقضاة الشرعيين، ضد سلطة الإنقاذ الحالية، وكل صور التخبط، وطل التجاوزات التي روعت بها أهل السودان.

لم يشر الدكتور عبد الله، في طروحته، إلى الفكر الجمهوري ـ صاحب أكبر اسهام في قضية تطوير التشريع، ورسم صورة الدولة الإسلامية المستقبلية ـ إلا بصورة مبتسرة. وهو حين أشار إليه، إنما أشار لكي ينحي عليه باللائمة، فيما نشب من صراع بين الجمهوريين، وبين القضاة الشرعيين، وسائر الجهات السلفية، عبر عقود، الستينات، والسبعينات، والثمانينات، من القرن الماضي. ولنأتي فيما يلي، لنفحص هذه التهمة، ونرى إن كان هناك ما يؤيدها فعلا، من الوقائع التاريخية، لتاريخ لا يزال من عايشوا أحداثه المؤسفة، أحياء يرزقون.

كتب الدكتور الفاضل:

((ومن جهة أخرى تحاشى الفكر الجمهوري هذا التقليد الشرعي مع أن أصلهما واحد وهو الحداثة الاسلامية التي ركنها وحجتها الامام محمد عبده. وزاد الفكر الجمهوري في جفائه لهذا التقليد الشرعي بجعله هدفاً لحملات نقد وتنقيص. وقد كتبت مرة في جريدة الميدان السرية في منتصف السبعينات التمس من الجمهوريين أن يلطفوا عبارتهم في نقد القضاة مع علمي بمحنة الجمهوريين وما نالهم من القضاة و الوعاظ في المساجد من أذى وترويع. ومغاضبة الجمهوريين لم تقع من جهة احسان ذلك التقليد الشرعي أو اساءته بل من إرث مواجهة سياسية راجعة الى ايام الحركة الوطنية. فقد صنف من ظنوا في انفسهم مجاهدة الاستعمار من أمثال المرحوم محمود القضاة الشرعيين والاعيان وزعماء القبائل والطوائف بأنهم من أعوان الاستعمار. وهذا كلام جاز طويلاً غير أنه خاضع للنظر والمراجعة الآن. ويكفي أن تقرأ ما كتبه الدكتور حسن احمد ابراهيم عن السيد عبدالرحمن المهدي لكي تتشكك في صواب هذه الذائعة عن أولئك الرجال. وقد دق حكم المحكمة الشرعية بردة المرحوم محمود محمد طه، عليه الرحمة، في 1968 إسفين الخصومة بين القضاة والمرحوم واختلط حابل تطوير الشريعة بعاديات السياسة وأطوارها وبمنطويات النفوس.)) .. انتهى.

النص أعلاه، مما قاله الدكتور عبدالله، لا يخلو من نبرة تحامل على الأستاذ محمود والجمهوريين. ورغم أن الدكتور قد قال: (وقد كتبت مرة في جريدة الميدان السرية في منتصف السبعينات التمس من الجمهوريين أن يلطفوا عبارتهم في نقد القضاة مع علمي بمحنة الجمهوريين وما نالهم من القضاة والوعاظ في المساجد من أذى وترويع)، إلا أنه، رغم ذلك، مال أكثر إلى الإنحاء باللائمة، جهة الجمهوريين. وأرجع الدكتور جذور تلك الخصومة، إلى أيام الحركة الوطنية، قائلا: ((فقد صنف من ظنوا في انفسهم مجاهدة الاستعمار من أمثال المرحوم محمود القضاة الشرعيين والأعيان وزعماء القبائل والطوائف بأنهم من أعوان الاستعمار. وهذا كلام جاز طويلاً غير أنه خاضع للنظر والمراجعة الآن)). وعبارة، ((من ظنوا في أنفسهم مجاهدة الإستعمار من أمثال المرحوم محمود)) عبارة مشحونة. ومن يقرأها، يشتم فيها غمزا، من طرف خفي. فالأستاذ محمود لم يظن بنفسه، مجرد ظن، وإنما كان بالفعل، مجاهدا حقيقيا من أجل الإستقلال. بل، هو أول سجين سياسي، في حقبة مناهضة الإستعمار الإنجليزي. ولا يغير في ذلك شيئا، كون أن كتب التاريخ السودانية، التي بين أيدينا، الآن، لم تشر إلى ذلك، إلا لواذا. فالتاريخ، على كل حال، سجل تتم مراجعته، وإعادة كتابته، كل يوم. جاء في صحيفة (الرأي العام) عدد يوم 3/6/ 1946، ما يلي:

مثل الاستاذ محمود محمد طه المهندس امس امام قاضي الجنايات المستر مكدوال متهما من بوليس الخرطوم تحت قانون التحقيق الجنائي لتوزيعه منشورات سياسية من شأنها الاخلال بالأمن العام، وقد أمره القاضي أن يوقع على صك بكفالة شخصية بمبلغ خمسين جنيها لمدة عام، لايشتغل خلالها بالسياسة ولا يوزع منشورات. أو يودع السجن لمدة سنة اذا رفض ذلك..

والذي حدث فعلا، ان الأستاذ محمود رفض التوقيع، مفضلا السجن. وقد اقتيد من مكانه ذاك الى سجن كوبر. ولا اعتراض لدي، أن يقوم بخلد الدكتور، عبدالله، أن النضال عن طريق تبادل المنشورات مع الإنجليز، ربما كان السبيل الأفضل للسودانيين، لنيل استقلالهم. وهذه نقطة يمكن أن تكون محل جدل، وتظل المقاربات فيها، متجددة، ومتغيرة، كل يوم. وعموما فإن رجحان أي من الإتجاهين، لا يكون بغير النظر، في النتائج العملية، التي تمخض عنها إستقلالنا. وهي نتائج بلغت بنا حد المآسي الكبرى. فقد انتهى بنا استقلالنا إلى فقر منقطع النظير، وإلى ريف خاو على عروشه، هجره أهلوه، وإلى عاصمة تضخمت حتى صارت كابوسا مزعجا. ثم إلى هجرة مأساوية، إلأى خارج البلاد، قوامها العلماء، والمهنيون، استهدفت كل أركان الأرض. ثم ها هو قطرنا، لا يميزه، ولا يصفه وصف، مثل كونه يسقط كل يوم في مستنقعات العزلة المعرفية، والوجدانية، عن بقية العالم، حتى غدا لا يمت إلى البنية الكوكبية المتشكلة الآن، إلا بأوهى الصلات.

في تقديري، أن المتعلمين الأوائل، لم يكونوا بالوعي السياسي الكافي، لإدارة شأن خطير، كشأن الإستقلال. كما لم يكونو، أيضا،ا بالقامة الأخلاقية التي تمكنهم من رؤية المخاطر، حين تهافتهوا على الولاء لزعماء الطوائف. فهم قد عجزوا عن مغالبة بريق المناصب، ودعة الكراسي الإنجليزية التي كانت على وشك أن تشغر، وقتها. ودعنا فقط، نقارن استقلالنا باستقلال الهند، وتطورنا الديمقراطي، بتطور وثبات ديمقراطية الهند. وهي قد سبقتنا إلى الإستقلال، بسنوات قليلة جدا. ويقيني، لو أن مثقفينا الأوائل، كانوا على شاكلة الأستاذ محمود، وما قدمه طيلة حياته، من نموذج خلقي نادر للقيادة، الفكرية، والسياسية، لربما أخذ مسار الأحداث لحقبة ما بعد الإستقلال منحى أفضل! قال الأستاذ محمود، في التنبيه إلى ضرورة التركيز على معنى الإستقلال آنذاك: ((فقد يخرج الانجليز غدا، ثم لانجد أنفسنا أحرارا، ولا مستقلين، وانما متخبطين في فوضى مالها من قرار)). وكان يقول إن الاستقلال ليس: ((استبدال الانجليز بانجليز في أسلاخ سودانيين))..

فحين اتجه الأستاذ محمود، إلى مواجهة الإنجليز، عن طريق تحريك الشارع، فعل ذلك لأنه لم يستسغ ما شرع فيه المؤتمر من تبادل للمذكرات، مع الإدارة الإنجليزية. وهناك أدب كثير، مثبت، في هذه المسألة. ومن ذلك الأدب، ما جاء في كتيب السفر الأول الذي أخرجه الجمهوريون، عام1945 ، حين كتب الأستاذ محمود:

((وإنعدام الذهن المفكر تفكيراً حراً دقيقاً هو الذي طوع للمؤتمر يوم ولدت فيه الحركة السياسية ـ وهي قد ولدت ميته ـ أن يعتقد أن كتابة مذكرة للحكومة تكفي لكسب الحرية، حتى لكأن الحرية بضاعة تطلب من الخارج، ويُعلن بها الزبائن بعد وصولها، حتى تكون مفاجأة، ودهشة.. ولو أن جميع الأحزاب القائمة الآن إستطاعت أن تفكر تفكيراً دقيقاً لأقلعت عن هذه الألاعيب الصبيانية التي جعلت الجهاد في سبيل الحرية ضرباً من العبث المزري))..انتهى.

كما تحدث الأستاذ محمود عن إهمال المؤتمر توعية الشعب، في نفس الكتيب قائلا:

((لماذا، عندما ولدت الحركة السياسية في المؤتمر، إتجهت إلى الحكومة تقدم لها المذكرات تلو المذكرات ولم تتجه إلى الشعب، تجمعه، و تنيره، وتثيره لقضيته؟؟ ولماذا قامت عندنا الأحزاب أولا، ثم جاءت مبادؤها أخيرا ؟؟)) .. إنتهى

وتحدث الأستاذ عن مسألة التعليم، ونبه إلى خطورة عدم الأخذ، منذ البداية، بسياسة تعليمية تنموية راشدة، فقال:

((ولسائل أن يسأل لماذا لم يسر المؤتمر في التعليم الأهلي على هدى سياسة تعليمية موضوعية، منظور فيها إلى حاجة البلاد كلها، في المستقبل القريب، والبعيد؟ .... فلو كان المؤتمر موجهاً توجيهاً فاهماً لعلم أن ترك العناية بنوع التعليم خطأ موبق، لا يدانيه إلا ترك العناية بالتعليم نفسه.. ولأيقن أن سياسة (سر كما تشاء) هذه المتبعة في التعليم الأهلي سيكون لها سود العواقب في مستقبل هذه البلاد. فإن نوع التعليم الذي نراه اليوم لن يفلح إلا في خلق البطالة، و تنفير النشئ من الأرياف، و تحقير العمل الشاق في نفوسهم.)) .. انتهى.

وتحدث الأستاذ محمود عن معاناة الشعب الإقتصادية، فقال في (السفر الأول) أيضا:

((من ألزم واجباتنا أن نهيئ لأخلافنا حياة ترتفع عن حياة السوائم والأنعام. فإن هذه الحياة التي نحياها نحن اليوم ـ هذه الحياة التي تستغرق مطالب المعدات والأجساد كل جهادها، و كل كدها، لهي حياة لا يغبط عليها حي حيا .. فإن نحن رضيناها لإخلافنا من بعدنا إنا إذن لخاسرون)) .. انتهى.

والطريف أن هذه الصورة التي رسمها الأستاذ لعيش السودانيين، آنذاك، قد تفاقمت، وبشكل غريب، بدل أن تتناقص. كان من الممكن للحركة الوطنية أن تعمل منذ حقبة الإستعمار، على وضع البلاد في الطريق الصحيح، في السياسة، والإقتصاد، والصحة، والتعليم، إلخ. الشاهد فيما تقدم، أن الأستاذ محمود قد كان صاحب رؤية واضحة، منذ البداية. ورؤيته هذه هي التي قادته لمواجهة الإنجليز، حين فضل الإتجاه إلى تحريك الشعب على الإرتماء تحت عباءة الطائفية، التي تقصي وتقرب، من يلتصق بها، بمقدار ما يظهر من ولاء، وطاعة، وانصياع. الشاهد، أن الأستاذ محمود كان يستحق إشارات، أفضل من الإشارات السالبة التي خصه بها الدكتور عبد الله في مبحثه، هذا. خاصة وأن الأستاذ محمود، قد ضرب نموذجا للمثقف الملتزم جانب الشعب، لا يضاهيه نموذج آخر. أما أفكاره، فلا مجال لتجنبها بحثيا. اللهم إلا إن تخلينا عن أسس، وقواعد، وأخلاقيات البحث العلمي. خاصة في مبحث يعنى بمسألة التقليد والحداثة، كالذي يبحث فيه الدكتور عبد الله، الآن.

حقيقة الصراع مع القضاة الشرعيين:

أما الإتهام الموجه، للقضاة الشرعيين، على وجه الخصوص، بعوانة الإستعمار، فلم يكن محض تجنٍ. فقد أغدق الإنجليز على القضاة الشرعيين، بما أسموه وقتها (كساوي الشرف). وقد كانوا يستميلونهم ويخطبون كامل ولائهم، مثلما فعلوا مع زعماء الطوائف الذين أغدقوا عليهم من أراضي الشعب، وحولوهم، في رمشة عين، من سلالة لصوفية فقراء، إلى إقطاعيين عظام. وقد كان القضاة الشرعيون في حل، تماما، عن التعاون مع الإنجليز الذين حصروا عملهم، في جانب الأحوال الشخصية، وحدها، وهمشوا دورهم، وجعلوهم تحت سلطة القضاة المدنيين. غير أن القضاة الشرعيين، شأنهم شأن كثير من الأفندية، في حقبة الحركة الوطنية، عجزوا عن مقاومة بريق المناصب، والإمتيازات الوظيفية، والوجاهة التي يمنحها القرب من الإدارة الإنجليزية. وعموما فإن التصاق من يسمون بـ (رجال الدين) المسلمين بالحكام شأن قديم. فقد عرف التاريخ الإسلامي، نماذج مستفيضة، لممالأة من يسمون بعلماء الدين، وقضاة الشريعة، لأهل السلطان. وقد كان هناك الكثير، والكثير جدا، من الفتاوى التي أصدرها من يسمون بـ (رجال الدين) لخدمة الحكام، عبر التاريخ الإسلامي. أما في تاريخ السودان القريب، فالدكتور نفسه، هو الذي كتب، (الصراع بين المهدي، والعلماء). ورغم أنني ممن يتحفظون كثيرا، على الثورة المهدية، ومفاهيمها، وما لحق بها من ادب اتسم بالتمجيد، والإبتعاد عن النقد، إلا أنني أتحفظ أيضا على نزاهة، و(شرعية) دوافع (العلماء)، الذين أفتوا للحكومة التركية، ضد المهدي. وعضدوا موقف حاكم الخرطوم، وقتها، غردون باشا، مفندين دعاوي المهدية. وعموما، فقد أثبت الجمهوريون بالوثائق، ما يرمون به رجال الدين المسلمين، في كتاب أسموه، (الدين ورجال الدين، عبر السنين). وخلاصة القول، إن الجمهوريين، لم يرموا القضاة الشرعيين، ومن يسمون عندنا، برجال الدين، رجما بالغيب، وإنما بالوثائق، وتحليل الوثائق. وقبل أن أختم حديثي حول رأي الجمهوريين في القضاة الشرعيين، أحب أن أذكر الدكتور عبد الله، أن القضاة الشرعيين قد رفعوا في منتصف السبعينات قضية قذف ضد الأستاذ محمود وبعض الجمهوريين. تولاها عنهم القاضي الشرعي، إبراهيم جاد الله. وقد استمرت جلسات تلك المحاكمة لفترة من الزمن. وقد نقل الجمهوريون وقائعها على الشعب السوداني، في حينه، في كتيبات أصدروا تباعا. وحين إتضح للقضاة الشرعيين، من مجريات المحاكمة، أن تهمة القذف التي تقدموا بها، قد تم تفنيدها، عن طريق إثبات كل ما قاله الجمهوريون عنهم، أمام المحكمة، بالوثائق، والوقائع التاريخية، لم يجدوا غير أن ينسحبوا من القضية، ويتنازلوا عن المضي فيها.

لقد وقف الأستاذ محمود منذ البداية ضد ثنائيتين، وهما: ثنائية القضاء: (مدني) و(شرعي)، وثنائية التعليم: (ديني)، و(مدني). وهذا في حد ذاته مبحث كبير، يمكن من خلاله النفاذ إلى عمق رؤية الأستاذ محمود لمستقبل الفضاء الإسلامي. وقف الأستاذ محمود محمد طه، ضد التخصص في الدين. وقال إن ظاهرة رجال الدين، التي نراهاالآن، واحدة من علامات انحطاط المسلمين. وهي ظاهرة وافدة على الإسلام، من التقاليد الدينية الكهنوتية، اليهيودية، والمسيحية. وقال إن صدر الإسلام لم يعرف ظاهرة (رجال الدين). وعلى كل مسلم، ومسلمة أن يكونا (رجل، وإمرأة دين) ـ إن صح التعبير ـ. ولا مجال هنا لشرح هذه الرؤية الثورية، ولكنها رؤية جديرة بالتأمل، المتروي.

جاء في (السفر الأول)، 1945، ما يلي:

((لا يرى الحزب الجمهوري أن يكون هناك تعليم ديني و تعليم مدني كل في منطقة منعزلة عن الأخرى .. ولا يرى أن يكون للرجل أخلاق في المصلى وأخرى غيرها في الحانوت أو الشوارع ، وإنما يرى أن يتعلم كل الناس أمور دينهم وأمور معاشهم، ثم يضطربون في ميدان الحياة بأجسام خفيفة وأرواح قوية، وقلوب ترجو لله وقاراً)) .. انتهى.

وكذلك الشأن مع القضاء الشرعي. فالأستاذ محمود قد كان ضد أن يكون هناك قضاء شرعي، في جهة، وآخر مدني، في جهة أخرى. وقبول القضاة الشرعيين، تولي ذلك الدور الذي رسمه لهم الإنجليز، يدل على كونهم لم يروا في تلك الوضعية الهامشية، بأسا، من الأساس. ومسألة الشوكة، وسلطة المستعمر، التي أشار إليها الدكتور، عبد الله، ليعطي القضاة الشرعيين، عذرا، لا تعطيهم عذرا كافيا، في حقيقة الأمر. وما أظن أن الإدارة البريطانية كانت سوف تجبر أحدا على وظيفة لا يريدها.

وزر الخصومة:

السياق اللغوي، الذي أورد فيه الدكتور إشارته إلى الجمهوريين، ونقدهم للقضاة الشرعيين، ربما أوحى للقراء بأن الجمهوريين شركاء، في وزر تلك الخصومة. وربما يشتم القارئ، من إشارة الدكتور، أن وزر الجمهوريين، ربما كان الأكبر! والمعروف أن أميز ما ميز حركة الأستاذ محمود، وتلاميذه الجمهوريين، هو أسلوب اللاعنف الذي اتسمت به حركتهم، دون سواها من الحركات. والدكتور الفاضل، يعرف، أن الأستاذ محمود قد ظل يدعو لفكرته، في الفترة ما بين 1950، وحتى بداية الستينات، بهدوء شديد، وسط مجاميع المثقفين. كما أن الأستاذ محمود، قد كان، أيضا، جم النشاط، في مجال الكتابة إلى الصحف. غير أن حادثة فصل أربعة من الطلاب الجمهوريين، من معهد أم درمان العلمي، في أوائل الستينات، بحجة إعتناقهم لأفكار الأستاذ محمود، هي التي أطلقت شرارة المواجهة، بين الأستاذ محمود، وبين جموع السلفيين، من قضاة شرعيين، وأئمة مساجد، ووعاظ، ومعلمين لمادة التربية الإسلامية. ثم تصعدت المواجهة بعد ذلك حين أصبح القضاة الشرعيون جزءا من الجسم الإسلاموي العريض الذي تمثل في مظلة جبهة الميثاق الإسلامي، التي وسع سوحها، الدكتور، حسن الترابي، في حقبة الستينات.

وبعد أن تعرض الطلاب الجمهوريين، بمعهد أمردمان العلمي، للسخرية، والهزء المسرف، من قبل شيخ المعهد، طلب الأستاذ محمود من شيخ المعهد، آنذاك، الشيخ، محمد المبارك عبد الله، أن يناظره في أي مكان، وزمان يشاء، ووسط أي جمهور يختار. والذي دفع بالأستاذ محمود لطلب المناظرة، هو إسراف شيخ المعهد، في مضايقة أولئك الطلبة، والهزء بهم، والسخرية منهم. وقد ذكر الأستاذ محمود، للشيخ محمد المبارك، إنه هو ـ أي الأستاذ محمود ـ صاحب تلك الأفكار، التي أخذ الشيخ بسببها، يهزأ من طلبته، ويسخر منهم على الملأ. قال الأستاذ محمود لشيخ المعهد، إن تلك الأفكار هي أفكاره، وأنه هو الأقدر على الدفاع عنها، وليس الطلبة. ولذلك، فمن الأولى، أن يناظر صاحبها، حولها، بدل أن يعرض الطلاب، لكل تلك الضغوط. قبل الشيخ، بادئ الأمر، بالمناظرة، ولكنه سرعان ما عاد ورفضها. ثم بدأ، بعد ذلك، التشويش المنظم، على أفكار الأستاذ محمود، في الصحف، وفي المساجد، وسارت تلك الحملة شوطها، سنينا، حتى بلغ الأمر، حد محاكمة الأستاذ محمود بالردة، في سنة 1968. وقد جرت محاكمة الأستاذ محمود بالردة، في قضية حسبة، تقدم بها الشيخان، الأمين داؤود محمد، وحسين محمد زكي، وقد شهد فيها، ضد الأستاذ محمود، بالرأي، كل من الشيخ على طالب الله، وعطية محمد سعيد، والزبير عبد المحمود، وشوقي الأسد. والشاهد هنا، أن القضاء الشرعي، اختار أن يتوج حملة التشويش التي بدأت منذ بداية الستينات، بالقيام بالنيابة عن كل السلفيين، بمهمة إسكات صوت الأستاذ محمود محمد طه. وهذا باختصار شديد، هو القضاء الشرعي، الذي يريد الدكتور إنصافه في طروحته، التي نحن بصددها. وكوننا اليوم نراجع مفهوم المركزية الثقافية الأوربية، على ضوء فكر ما بعد الحداثة، لا يعني أن نرتد إلى الوراء، مدافعين عن قضاء عمل في أعلى سلطاته على نقض أهم مكتسباتنا الدستورية، وهما حرية الإعتقاد، وحرية التعبير عنه. وخلاصة القول، في هذا الجانب، أن القضاة الشرعيين، هم الذين فجروا في خصومتهم للفكرة الجمهورية، مدفوعين، كشأنهم دائما، ببعض السياسيين الذين كانوا يتسترون من خلفهم.

السلفيون قبيلة واحدة:

فيما أعلم، أن الدكتور عبدااله، أحد معاصري حادثة طالب معهد المعلمين العالي، ومن شهود ما تمخض منها ككيد مدبر بلغ درجة حل الجزب الشيوعي السوداني، وطرد نوابه المنتخبين، من البرلمان. ثم ما كان من أمر الهجوم المسلح على دار الحزب الشيوعي السوداني، آنذاك. ولا بد أنه قد شهد، دور الأستاذ محمود المشهود، في إخماد تلك الفتنة. ومواجهة مؤامرة تعديل الدستور، لإخراج نواب الحزب الشيوعي المنتخبين من البرلمان. ولابد من الإشارة هنا، إلى أن بعض قادة ما كان يسمى في الماضي، بـ (جبهة الميثاق الإسلامي) قد اعترفوا مؤخرا، بالإستغلال المتعمد، لحادثة طالب معهد المعلمين، ومن على صفحات الصحف السيارة. فالدكتور أحد شهود كل ذلك التهريج السياسي، وكل تلك العجلة المريبة لتمرير، ما سمي وقتها، بالدستور الإسلامي، الذي بلغ أن أجازته الجمعية التأسيسية، في مرحلة القراءة الأولى. أفلا يدل كل ذلك، على أن نسخة الفهم الديني التي كانت تتقدم حثيثا، وقتها، لجمع السلطتين الدينية، والزمنية، في يد واحدة، لا تمت بصلة للصورة التي يحاول الدكتور رسمها لها الآن، في هذه الطروحة؟ لقد أطلق القضاة الشرعيون ضربة البداية لتداعيات التردي، في جحور المفاهيم القروسطية، والتي لا نزال نعاني من تداعياتها أشد المعاناة، وحتى يومنا هذا. ونرجو من القراء مراجعة ما كتبه الأستاذ محمود عن تلكم الأيام في كتبه: (الدستور الإسلامي، نعم، ولا)، و(زعيم جبهة الميثاق، في ميزان: ـ(1)الثقافة الغربية، (2)الإسلام)، و(بيننا وبين محكمة الردة). وذلك على العنوان التالي، في شبكة المعلومات الدولية: http://http://www.alfikra.org.

القضاء الشرعي، قضاء مسيس، سلفيا، بحكم التعليم الذي يتلقاه القضاة الشرعيون. ولكي يكون المرء حداثيا، يلزمه، قدر من التعليم المدني، ومن دراسة متعمقة لتاريخ الحضارات، ومن الفلسفات الإنسانية في العصور المختلفة، ومن الجغرافيا الإقتصادية، وغيرها من العلوم الإنسانية، مما يحرص على توفيره أي نظام تعليمي، عصري، متوازن. غير أن ما توفر لرجال الدين، والقضاة الشرعيين، لم يكن، حتى لوقت قريب جدا، تعليما متوازنا. ونسخة من ذلك التعليم، غير المتوازن، تقوم به الآن، ما تسمى بـ (المدرسة) ـ وهي مؤسسة أشبه بالخلوة ـ في باكستان، وأفغانستان. هذا النوع من التعليم، هو الوالد الشرعي، للجمود العقيدي، وللعنف السياسي. وخلاصة القول، أنه لا فكاك للتقليد الذي يتحدث عنه الدكتور، من قبضة الجمود. أما الشذرات التاريخية، التي يجمعها الدكتور عبد الله، هنا وهناك، من سجلات القضاء الشرعي، في السودان، كالسماح بوجود قاضيات شرعيات، وبعض المنشورات التي أجرت بعض الإصلاحات، التي ألحقت بقانون الأحوال الشخصية، في النصف الأول من القرن العشرين، والعقود الثلاثة التي تلته، لا تكفي لخلق مسار، عتيد، لتقليد شرعي يستهدف الحداثة. وحتى حين واجه القضاة الشرعيون، مسألة (بيت الطاعة)،وهو حكم مبني على أية القوامة، التي تقول: ((الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم، فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله، واللاتي تخافون نشوزهن، فعظوهن، وأهحجروهن في المضاجع، واضربوهن، فإن أطعنكم، فلا تبغوا عليهن سبيلا، إن الله كان عليا كبيرا)). حين حاول القضاة التصدي للشكاوى العديدة التي تسبب فيها حكم (بيت الطاعة)، لم يواجهوا أصل المشكلة، وإنما فقط، أوقفوا تنفيذ إعادة المرأة إلى بيت زوجها (بيت الطاعة) قسرا، عن طريق الشرطة، وقد كان ذلك هو أسلوب تنفيذ ذلك الحكم. لكن رغم أن المرأة قد أصبحت لا تساق مخفورة بواسطة الشرطة، إلى بيت رجل لا تود العيش معه، فهي تظل، والحالة تلك، تحت رحمة الحاجة الإقتصادية التي قد تجبرها للعودة، راغمة. فالزوجة التي لا تنصاع لحكم (بيت الطاعة)، تفقد نفقتها. هذا إضافة إلى أنها سوف تبقى معلقة، لأنها لن تستطيع الحصول على الطلاق، لتتزوج بآخر! في حين أنه من حق زوجها الإقتران بأخرى! فلمصلحة من يريد الدكتور عبد الله، إطالة عمر هذه (المرمطة) التاريخية لجنس النساء، حين يحرص على إعادة تلميع مثل هذه العقليات القروسطية؟ ما نحن بحاجة، إلى عمله الآن هو مواجهة المفاهيم، التي يحملها القضاة الشرعيون، مما لا يزال مسلطا على رقابنا، حتى يوم الناس هذا. ومنها قانون الردة الذي لا يزال جالسا (بسلامته) وسط قوانين السودان، دون غيره من أقطار الأرض.

تقرأ المادة (26)، من القانون، كالآتي:

1- يعد مرتكباً جريمة الردّة كل مسلم يروج للخروج على ملة الإسلام أو يجاهر بالخروج عنها بقول صريح أو بفعل قاطع الدلالة.
2- يستتاب من يرتكب جريمة الردّة ويمهل مدّة تقررها المحكمة فإذأ أصر على ردته يعاقب بالإعدام.

وبناء على هذه المادة، تمت مؤخرا استتابة القاضي السابق، النيل عبد القادر أبو قرون.

خاتمة:

ما أريد أن ألفت إليه نظر الدكتور الفاضل، أن القضاة الشرعيين، ربما حلا لهم، أحيانا، أن يتخففوا قليلا، من قيود الشريعة الصارمة. غير أنهم، لا يفعلون ذلك، إلا حين تكون الرياح مواتية، والظرف مهيأ، كأن يكونوا تحت ظل حكم كالحكم الإنجليزي، أو تحت العهود الوطنية الديمقراطية. ففي مثل تلك الظروف، تخبو حدة الخطاب الديني، ويصبح مجاراة الحداثة مطلوبا. ولكن حين تعلو حدة الخطاب الديني، ويحمومي سوقه، فسرعان ما يرجعون إلى قماقمهم (القروسطية). وقد تكرم الدكتور بنفسه، بالإشارة، إلى ما فعلته الإنقاذ من نقض أنكاث، لمكتسبات المرأة السودانية، فهل يا ترى، رأى القضاة الشرعيين، يهبون لنجدتها؟

هذه مساهمة نقدية متواضعة، مني، اقدمها للدكتور، الفاضل، عبد الله علي إبراهيم، ليستصحب منها، ما يراه مناسبا، وهو يطور طروحته. وأحب أن أنبهه، إلى أن إغفال إسهام الأستاذ محمود، أو الإكتفاء بالإشارات المبتسرة لفكره، في هذا الباب، سوف تضران كثيرا، بمصداقية طرحه، وأمانته العلمية، خاصة وهو يفحص السياق التاريخي السوداني (1898 - 1983). فالطروحة، سوف لن تخلو، والحالة تلك، من عرج علمي، سوف يلم بها، لامحالة، نتيجة للتجاهل المتعمد لطرح الأستاذ محمود. أما فيما يخص شكل الدولة الذي نريده، ونحن نتطلع إلى أن تضع الحرب أوزارها في السودان، في القريب العاجل، ويعود السلام، مرة أخرى، فهو، على أقل تقدير، خرطوم علمانية. وسوف نظل متمسكين بـ (علمانية الخرطوم)، حتى يصبح البديل الديني، الذي لا يظلم أحدا، ولا يتغول على حرية أحد، واقعا متحققا في أفقنا المعرفي، والسياسي. وسوف لن نجازف، قبل ذلك، أبدا، بتسليم رقابنا، وحرياتنا، للقضاة الشرعيين، و((تقليدهم)) الذي عرفناه، وعركناه، وخبرناه، جيدا.

وختاما، فهذه نظرة نقدية إبتدائية، أملتها الملاحظات التي خص بها الدكتور الجمهوريين، في معرض تعريفه بالخطوط العامة لطروحته. وأتطلع لكي أقرأ طروحة الدكتور في شكلها النهائي، المكتمل، قريبا. هذا، وللدكتور الفاضل، وافر المحبة، وكثير التجلة، والتقدير.



http://www.mafhoum.com/press5/144C32.htm
_________________

Post: #107
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 02:31 AM
Parent: #1


من صحيفة الأضواء:
====
شجاعة فكرية مطلوبة

لم يتهيب بروفيسور عبد الله احمد النعيم ولم يترد د فى طرح رؤيته بكل تجرد وفى شجاعة نادرة هى سمة اساسية للمثقف الواثق من اطروحاته وموضوعيتها، وفى مواجهة موجات الغوغائية واستثارة العواطف الطاغية هذه الأيام على ساحتنا الوطنية والتى بلغت حد بزوغ جماعات ظلامية تستبيح دماء الناس وتهدرها علناً و تنشر بياناتها مصحوبة بحوافز مالية عبر صحيفة حكومية، رغم هذا يجهر البروف النعيم برأيه واضحاً وصريحاً منادياً بضرورة فصل الدين عن الدولة باعتبار انه لا فرصة للسلام ولا للتغيير فى ظل الدولة الدينية «الايام 21 يونيو 2003م».

ثم يعود بروفيسور النعيم الى طرح اكثر جرأة فى ندوة تم تنظيمها بدار اتحاد المحامين أمسية الجمعة 20 يونيو ، عندما اوضح بصورة قاطعة «ان جوهر الشريعة يتعارض مع جوهر فكرة حقوق الانسان» لأن الشريعة تقوم اصلاً على مبدأ التمايز بحسب الوضع الاجتماعي فهنالك حقوق كفلتها الشريعة للرجل واخرى للمرأة ، وثالثة للمستأمن وغيره، بينما لا يتمتع الوثنيون مثلاً بأي حقوق ولا حتى اى شخصية قانونية، مما يعني ان حوالى ربع سكان السودان هم فى «عداد» من هم بلا حقوق اصلاً!!

ثم مضى للتأكيد ان الفكرة الجوهرية فى حقوق الانسان تقوم على مبدأ المساواة منذ منصة التأسيس بإعتبار «الانسان» كفرد له قيمته بغض النظر عن جنسه او دينه او عرقه او ثقافته.

ولم ينس البروف ان يدعم اطروحاته بأنها انما تفتح مجالاً للحوار دون «وثوقية» وقطعيات، متهماً من يدعون بأنهم مع «الشريعة ومع حقوق الانسان» بأنهم يمارسون الخداع ، واشاد بمن يزعم بأنه «مع الشريعة» دون ان يدعى ايمانه بحقوق الانسان على الاقل لأنه صادق فيما قال رغم بطلان زعمه.

ان اطروحات البروفيسور عبد الله، وهو المختص فى مجالات حقوق الانسان والقانون تحتاج الى مناقشة عميقة والى ادارة حوار جاد وموضوعى حولها، فعبر عملية الحوار وتبادل الآراء والآفكار والنقاش الحر الموضوعى وبعيداً عن اجواء إستنارة العواطف وترديد الهتافات والشعارات الفارغة، ستصل بلادنا الى بر الامان اما بغير ذلك فان سكة المستقبل الوطنى تبدو قاتمة وكالحة.

Post: #108
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 02:35 AM
Parent: #107


من مذكرات الحاج وراق
===
تنازع بين تديني والشيوعية

عند دخولي الجامعة كنت مهيأ ان اكون منضويا تحت الحزب الجمهوري وقابلت زعيمه الاستاذ محمود محمد طه وكان الفكر الجمهوري لي جاذب لكن موقف الحزب من نظام مايو ابعدني من ذلك الفكر اذ ان موقفي من مايو كان قاطعا ونهائىا .. وانا مازلت في اولي جامعة وفي اول يوم من شهر سبتمبر عام 1979م كنت شاهدا لتظاهرة طلابية واثار انتباهي الموقف الذي اوردته في الحلقة الماضية وصمود تلك الطالبة آمال جبر الله امام العتاد وقوة الشرطة والامن وسألت من يكونون هؤلاء الذين وراء التظاهرة فاجابوني انهم ناس الجبهة الديمقراطية .


!!!!!!!!!!!!!للنقاش !!دخلت الي الحزب الشيوعي قفزا بالزانة

Post: #109
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 02:37 AM
Parent: #108


نداء:18 يناير يوم حقوق الانسان فى الوطن العربى

هذا العنوان ليس من عندى وانما هو قرار اتخذته المنظمة العربية لحقوق الانسان فى اجتماعها التاريخى الذى عقدتة فى الخرطوم اثناء شهر نوفمبر 1986 .وهو تاريخى لانه اول اجتماع لتلك المنظمة ينعقد فوق ارض عربية على الرغم من انها تعنى اساسا بحقوق مواطنيها.ومن المعروف ان تلك المنظمة لم تجد بقعة فوق الارض العربية لتعقد عليها اجتماعها التاسيسى فاضطرت لعقده على الاراضى القبرصية!! فالشكر كله لشعب السودان العظيم ولانتفاضته المجيدة التى منحته هذا الشرف ولكن للاسف لمنظمة لا تستحقها! اقول لا تستحقها ليس تجنيا على تلك المنظمة ولكن انطلاقا من استهانتها بحقوق الانسان السودانى وبشعب السودان على اطلاقه.دليلى على ذلك الاتى:
لقد كان السودان كله يحتفل فى ذلك الوقت بالقرار التاريخى الذى اصدرته المحكمة العليا الموقرة والذى الغت فيه حكم الاعدام الصادر فى حق الشيد محمود محمد طه باعتباره حكما باطلا وردت به الاعتبار لشهيد الفكر باقرارها بطلان كل ما صدر عن تلك المحكمة المهزلة من حيثيات.عقد هذا الاحتفال المهيب فى دار اتحاد الكتاب السودانيين بالمقرن و شرفه مجلس امناء المنظمة المذكوره بالاضافة الى السيد ايان مارتن الامين العام السابق لمنظمة العفو الدولية و المرحوم الدكتور عزالدين على عامر,طيب الله ثراه,نائب الدائره .وقد شرفنى اتحاد الكتاب بتقديم الاحتفال بتلك المناسبة الجليلة.
وفى اطار هذا الاحتفال اتخذت المنظمة ذلك القرار القاضى باعتبار يوم 18 ياناير من كل عام يوما لحقوق الانسان فى الوطن العربى احتفءا بشهيد الفكر و تكريما له.هل تدرى ان المنظمة لم تلتزم بتنفيذ ذلك القرار ولو لمرة واحدة طيلة هذه السنوات. فهل يا ترى ان هذا التقصير,بل العجز,كان من جانبنا ام من جانب المنظمه ام الاثنين معا؟؟!!اعتقد ان التقصير هو مسؤؤلية الطرفين ولكنى الوم انفسنا بصورة اكبر انطلاقا من المثل القائل"ما ضاع حقا وراه مطالب".لذلك فاننى اهيب بجميع الاخوة والاخوات,واخص منهم الجمهوريين,وذلك للعمل على احياء هذا القرار وتنفيذه ابتداء من العام القادم الذى يصادف الذكرى الثامنة عشر لشهيد الفكر وذلك من خلال اتخاذ الخطوات التاليه:
-تكوين لجنة قومية تنحصر مهمتها فى تنفيذ هذه المهمه
-الاتصال بالامانة العامة للمنظمة و استفسارها عن الاسباب التى دعتها لعدم الالتزام بتنفيذ قرارات مجلس امنائها
-فى حالة اعتذار المنظمة عن هذا الخطا الفادح والشنيع ووعدها بتنفيذ ذلك القرار ابتداء من العام القادم والاعوام التى تليه ليصبح سياسة ملزمة لقيادة المنظمة يكون بذلك قد كفى الله المؤمنين شر القتال
-فى حالة تنصل المنظمة من هذا القرار فيتوجب على اللجنة المقترحة مواصلة الضغط على المنظمة الى ان تستجيب لهذا المطلب المشروع و ذلك من خلال التنسيق مع المنظمة السودانية لحقوق الانسان و المنظمات الشبيهة لها اقليميا وعالميا او من خلال حملة توقيع تشمل قادة الفكر و الراى من مختلف ارجاء العالم.اننى على قناعة تامة بان عقولكم ستتفتح عن عشرات الاساليب و الوسائل التى سيتم من خلالها الضغط على هذه المنظمة الى ان تذعن لارادتنا المسنودة بالوقائع ,والحق وعزة النفس و مكانة و موقع الشهيد,ليس فى نفوسنا جميعافحسب وانما فى تاريخ السودان الحديث.هل يا ترى لو كان الشهيد ينتمى لاى جنسية عربية اخرى كنا اضطررنا لكتابة هذا النداء؟؟!!


http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=m...ard=2&msg=1063190916

Post: #110
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 02:41 AM
Parent: #109



حضور النساء لعقودات الزيجات وتزييف الحقائق
عبد الله عثمان/واشنطن
[email protected]

نقلا عن سودانيل
[/align:ac3aa35a06]

للأستاذ محمود محمد طه قولة مأثورة هي "ان الاعلام والأقلام عند غير أهلها اليوم"، تذكرت ذلك وأنا أطالع مقالا منقولا عن جريدة الخرطوم في صفحة السودانيين علي الشبكة العالمية sudaneseonline ، للكاتب مصطفي أبو العزائم الذي نقل وصفا لزواج كريمة الدكتور الترابي، أشتمل وصفه علي الطرقات التي ضاقت بسيارات راكبيها، واجراءات العقد حتي غناء الفنانة "حواء الطقطاقة"، بحضور الشيخ حسن الفاتح قريب الله!! كل هذا اللبن!! سمك، تمر هندي الذي تم في منزل شيخ داعية أسلامي لم يستوقفني كثيرا مثلما أستوقفني حقا حديث الكاتب عن حضور المرأة لأول مرة – ربما في تاريخ السودان الاجتماعي للزيجات!! أحترت وقلت لو كان هذا الصحفي يعلم أن الحقيقة غير ذلك، ثم هو أخفاها، فتلك مصيبة، وان لم يكن يعلم فالمصيبة أعظم!! ان الثابت في الأمر أن الأستاذ محمود محمد طه كان قد أجري عقد قران بالموردة في مطلع سبيعينات القرن المنصرم وأخرج كتبيا بأسم "خطوة نحو الزواج في الاسلام" بتاريخ يناير 1971، ومنذ ذلك التاريخ تمت مئات الزيجات المباركات وقد كان حضور العروس وصديقاتها وأهلها من النساء من أساسيات تلك العقودات التي شهدتها كثير من مدن السودان المختلفة وحظيت الخرطوم منها بنصيب كبير. ليس هذا هو الخبر ولكن الخبر أن كثيرا من فقهاء السلطان – وأعيذ الكاتب أن يكون أحدهم- قد أنكروا علينا ذلك نكرانا مبينا- ففي مطلع عام 1974 تمت لنا زيجة مباركة بحي دردق بمدينة ودمدني، فقام فقهاء المدينة من شاكلة الشيخ حسن عبدالعزيز حمومة وعبدالرحمن عبد السلام وغيرهما بهجوم مخل بكل منطق علينا، ومن أساسيات هجومهم – حضور النساء للعقد!! وفي كوستي كان الأمر أغرب اذ رفع فقهاء المدينة وتجارها!! عريضة لرئيس الجمهورية بصورة للمحافظ وقضاة المدينة يستنكرون فيها زيجتان تمتا للجمهوريين بحي السكة حديد بكوستي في أخريات العام 1973 – راجع كتاب قضايا كوستي للأستاذ سعيد الطيب شايب يوليو 1975 – صفحة 30 وما بعدها- وظل الأمر كذلك والناس وبخاصة الفقهاء ينكرون علينا ذلك، وقد كان ديدنا، كما عرف الناس عنا، أن نقارعهم الحجة بالحجة فأخرجت الأخوات الجمهوريات كتيبا بعنوان "كيف ولماذا خرجت المرأة الجمهورية" ليؤسس من الدين الحنيف لخروج المرأة، ولكن ما زال فقهاء السلطان يفتئتون علينا ويحسبون ذلك كفرا مبينا!! حتي خروج نساءنا لتشييع موتانا بالذكر المفرد "الله الله الله" حتي المقابر كان ولا يزال يعد منكرا من المنكرات عند أولئك الفقهاء ومن لف لفهم!! وقد وصل الأمر بأحدهم أن يتقول علينا في المساجد بودمدني عقب رحيل عزيزنا الراحل عبد الرحمن أحمد عساكر،كما ورد بكتابنا "تعلموا كيف تجهزون موتاكم الصادر في مايو عام 1978 " ومن المؤسف حقاً أن تنطلق هذه الشائعات من بعض (( رجال الدين)) بالمدينة، ومنها ما قاله أحدهم بأحد المساجد (( وقد بلغني ممن أثق فيه أن المتوفى لم يغسله الجمهوريون الغسل الشرعي، ولم يكفنوه الكفن الشرعي كما لم يصلّوا عليه صلاة الجنازة الشرعية، وأن نعشه قد حمل على عواتق البنات إلى المقابر..))!! وتدور سائر الإشاعات الأخرى على هذا النحو من السفه والاسفاف الذي لا نرى خيراً في متابعته..
راجع الكتب المذكورة علي www.alfikra.org
ولعل نفس الأمر ينطبق علي حديثنا عن الضحية وأنها ليست واجبة لا علي الأغنياء ولا علي الفقراء الذي اصدرنا عنه منشورا بتاريخ 7/11/1978 ثم أعقبناه بكتاب يبين في جلاء عدم وجوب الضحية، ذلك عندما كان الخروف بجنيهات قد لا تتعدي الخمس، وكان وقتها الناس يتندرون ويتضاحكون علينا ويرموننا بالويل والثبور وعظائم الأمور ولكن عندا صار الخروف بالآف الجنيهات، كثر الحديث عن ديك ابن عباس ويكاد فضيلة المفتي يأتي بذلك الديك للتلفزيون كل عام عندما يحين موعد الأضحية ويبارك للسيد رئيس الجمهورية حدبه علي "اقامة سنة النبي بالتضحية عن فقراء أمته"!! نفس هؤلاء الفقهاء الذين كان ينعون ذلك علي رجل بسيط يسكن بيت الجالوص في أطراف الثورة، ولكنهم لا يستنكرونه علي أصحاب السلطان!!
ثم لا يزال السؤال يواجه دكتور الترابي وحسن الفاتح قريب الله وأضرابهم من الفقهاء: من أين لكم بالمرأة تسفر لغير ضرورة وتخرج أمام الرجال – حتي حواء الطقطاقة – ودونكم آية "وقرن في بيوتكن"؟؟؟؟

Post: #111
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 02:45 AM
Parent: #110



في شأن جيل الصدى أو أهل البصائر في الحركة الاتحادية
حسن بابكر الحاج: ربًّ شمسٍ غربت و البدر عنها يخبرّ
بابكر فيصل بابكر
[email protected]
[/align:b2dff51016]
البدر ها هنا أقوال وافعال كسرت حاجز الزمان وهتكت ستور الحجب لتجسد مثالاً من الأمثلة النادرة لاجيال الصدى، وهى الأجيال التي اشاح عنها التاريخ بوجهه ولم تجد حظها اللائق من الدراسة والبحث. واليوم نكتب عن احد رجالات الحزب الوطني الاتحادي، ليس بغرض التاريخ الشخصى ولكن بهدف الدراسة لرمز وطني مثل انموذجاً يحتذى في القضايا المبدئية اضافة لتفرد الرؤية في موضوعها اصبحت الهم الشاغل لاجيال اليوم: الديمقراطية، الوطنية، الدولة المدنية، التنمية. وعسانا نرد بعض دين لهؤلاء الرجال الأماجد فهذا جميل يذكر لكل من ولى وترك فينا مايربطنا بهذا البلد الامين

النشأة
ولد حسن بابكر الحاج بأرض الشايقية (مروي شرق) في العام1913 وكان والده من كبار خلفاء السيد علي الميرغني وقد توفى وهو مازال طفلاً صغيراً حيث تربى على يد والدته التي تحملت عبء التنشئة بالكامل، وقد درس مراحله التعليمية المختلفة بمروي وعطبرة ثم التحق بكلية غردون قسم الهندسة في العام1929، تتلمذ في كلية غردون على يد السيد اسماعيل الازهري، وعمل بعد تخرجه في العام 1933 مهندساً بالسكة حديد عطبرة، ترك العمل الحكومي واتجه للعمل الخاص حيث طاف العديد من مدن السودان.خاض غمار المعركة الوطنية منذ سنوات الدراسة بكلية غردون وحتى وفاته في العام 1975.

حسن بابكر والحركة الوطنية:
يذكر صديقه ورفيق دربه مكي المنا (اول رئيس لاتحاد طلاب كلية غردون) انه في ذات يوم وهم وقوف في طابور الصباح بالكلية خرج حسن بابكر وقرأ عليهم مكتوباً يحرض الاهالي على عدم دفع الطلب للحكومة. والطلب هو مكس أوضريبة كان يدفع للحكومة عن النخيل والارض الزراعية، وذكر في مكتوبه انه مادام الحكومة لاتقدم خدمات للاهالي مقابل الطلب فلماذا يدفعونه؟ كانت تلك تجربة جريئة لم يتعود عليها طلاب كلية غردون ونمت عن وعي مبكر بهموم الناس وقضاياها وهى القضايا التي دافع عنها طوال مسيرته في العمل السياسي العام، كان عضواً في اتحاد طلاب كلية غردون أبان اضرابه الشهير في العام1931، وبعد تخرجه من الكلية وكانت الحركة الوطنية قد تبلورت بشكلها الواضح بعد قيام مؤتمر الخريجين في العام1938 كون حسن بابكر فرع مؤتمر الخريجين في مدينة عطبرة، وكان من زملائه المقربين عبدالله شداد وعبداللطيف حاج بكري ومكي المنا ، ومحمود محمد طه ، وقد قاده وعيه الوطني بقضايا البلاد الى اتخاذ موقف يعتبر غريباً في ذلك الوقت اذ تقدم ومعه رفاقه باستقالات جماعية من الخدمة مما حدا بالأنجليز الى تقديمهم للمحاكمة واجبارهم على مواصلة العمل حتى نهاية الحرب العالمية الثانية. وفي تلك الاثناء قاد الحملات المناهضة للجمعية التشريعية وكان يخرج في رأس التظاهرات الداعية لمقاطعتها، وبعد انتقاله الى مدينة كسلا قاد مظاهرات الجلاء في العام 1955م. ثم رحل الى سنار وكون فرع الحزب الوطني الاتحادي مع رفاقه عبدالوهاب الشيخ، وميرغني فزع وعبداللطيف الفادني، وعقب وقوع انقلاب نوفمبر1958 قاطع كل مؤسساته ولم يشارك فيها على اي مستوى من المستويات،وكان من المؤسسين لجبهة الهيئات في مدينة سنار ابان ثورة اكتوبر حيث ترشح في الأنتخابات التي تلتها واصبح عضواً في البرلمان عن دائرة مروي الوسطى.

حسن بابكر وقضية التنمية:
من المآخذ التي تحسب خصماً على جيل الآباء من رواد الحركة الوطنية السودانية انهم لم يعطوا كثير اهتمام للوجه الآخر للاستقلال السياسي وهو الوجه الاقتصادي والاجتماعي (التنمية) وفي ذلك دار جدل كثير حول ترتيب الأولويات، اذ رأى الفريق الغالب ضرورة التركيز على انجاز الاستقلال السياسي ومن ثم الألتفات الى الوجوه الأخرى، ولذلك لم يطوروا برامج مفصلة لكيفية العمل في حقبة مابعد الاستقلال. واذا كان ذلك كذلك على صعيد الأحزاب إلا ان هناك افراداً كان هاجسهم الاول هو قضية التنمية في السودان، نذكر منهم على سبيل المثال ميرغني حمزة واهتمامه بقضية الري والشريف حسين الهندي وانشغاله بالاصلاح الزراعي ومحمد عبد الجواد ووعيه المبكر بالأتصالات (الاقمار الصناعية).
لقد اختار حسن بابكر بعد استقالته من الخدمة الاتجاه للعمل المرتبط بالتنمية فانتقل للعمل بغرب السودان حيث ااشرف على توسيع تردة الرهد وبناء خزان رشاد بمناطق جبال النوبة، ثم انتقل للاشراف على العمل الهندسي لكل المشاريع الزراعية على ضفاف النيل الازرق والحفائر جنوب النيل الأزرق كما قام بتخطيط جميع مشاريع الدالي والمزموم وتبني قيام اكثر من خمسين جمعية تعاونية للمزارعين في تلك المناطق. وكان عمله الاكثر تميزاً وآثارة للاعجاب هو عمل المسح الهندسي لكل المنطقة التي ستغمرها المياه جنوب خزان خشم القربة على ضفتي نهر عطبرة وحتى الحدود الاثيوبية.
ان ترك العمل في دولاب الخدمة المدنية والاتجاه للعمل التنموي في تلك المناطق الوعرة ينم عن وعي مبكر وبصيرة نافذة بتأسيس البنيات الاساسية التي ستنهض عليها عملية التنمية في المستقبل، وهى الهاجس الذي جعله يقف في طليعة ابناء جيله الافذاذ،وقد جاءته الشهادة من البريطاني دونالدهولي في كتابه الموسوم (Tracks in the deserts of Sudan) حيث تطرق بالذكر لحسن بابكر الحاج وقال انه من النابهين الذين يمتلكون رؤية سابقة لأوانها.
إن هاجس التنمية اصبح هماً يساور كل افراد المجتمع السوداني الذي يعيش اكثر من 95% من سكانه تحت خط الفقر(المستوى الذي لايستطيع الفرد دونه توفير حاجة الغذاء والكساء والعلاج والسكن)، في بلد تجرى في جسده سبعة انهار عظيمة وتزين ظاهر ارضه ملايين الافدنة الصالحة للزراعة ويكتظ باطنها بالوان من الثروة المعدنية على راسها السائل الاسود كما تمرح في وديانها وسهولها ملايين الرؤوس من الثروة الحيوانية.
لقد تشعب مفهوم التنمية في عالم اليوم وصارت العبارة الكلاسيكية في كل ادبياتها تقول : الانسان هو غاية التنمية ووسيلتها كما اصبحت تربط ربطاً وثيقاً بقضايا البيئة فيما عرف بالتنمية المستدامة(sustainable development) لقد عبر حسن بابكر عن هموم جيله في الاهتمام بمشاكل الزراعة والري، وقد توجب على الحزب الاتحادي الديمقراطي اليوم طرق باب التنمية في برامجه عبر الاهتمام بانسان السودان في تعليمه وعلاجه وسكنه الصحي ومياه شربه الصالحة، وكذلك رعاية ارضه الزراعية وحمايتها من زحف الصحراء واخطار التلوث، ومعلوم ان كل ذلك لايتأتى الا عبر الكادر المؤهل والمدرب والواعي بأهداف العمل العام.
حسن بابكر والدولة المدنية:
في مطلع ستينات القرن الماضي بدأت جرثومة الاسلام السياسي تتسلل الي هيئات التشريع والمحاكم، وفي ذلك الوقت اصدرت محكمة شرعية حكماً بالردة على الاستاذ محمود محمد طه، وقد وقف الاخوان المسلمون مدافعون عن ذلك الحكم وقد كان رأي اهل السودان جميعاً في ذلك الحكم يومذاك اقرب الى رأي المهندس الشجاع حسن بابكر، صديق محمود وصفي اسماعيل الازهرى، ابرق حسن بابكر لزعيمه الازهرى عندما أدانت محكمة شرعية لاتملك صلاحية للحكم الاستاذ محمود بالارتداد، ابرق يقول"اللهم ان كان محموداً مرتدا ًفأنا ثاني المرتدين"( 1) لقد صدر هذا القول عن عالم بصير بما سيؤول اليه حال البلاد اذا ما اقحم الدين في امر السياسة (بهذه الطريقة) واذا ماتحولت المحاكم الى ميادين لمحاكمة العقائد والافكار وتصفية الخصومات السياسية، وهو أمر بائن يشهد عليه تاريخ الاسلام منذ زمان الحلاج وابن رشد وحتى زمان الشيخ علي عبدالرازق ونصر حامد ابوزيد .
لقد أدى إقحام الدين في امر السياسة الى مضاعفات سالبة اضيفت الى احوال البلاد المأزومة اصلا في ما يخص امر المواطنة والوحدة الوطنية وما يرتبط بقضية الحرب والسلام منذ ان طبق جعفر النميري قوانينه السبتمبرية العجيبة، واسلام اهل السودان في اساسه اسلام متسامح تزينه قيم التصوف في الزهد والتقشف والقدوة الحسنة، وهو اسلام الحقيقة الذي لايركن الى المظاهر والشكليات، هكذا كان منذ ان قدم مع قوافل التجار والمبشرين من اهل الله الذين اقاموا صروحه الراسخة بطول البلاد وعرضها.
ان سؤال الدولة المدنية يقف اليوم في مقدمة الاسئلة التي تحتاج الى اجابة لاتحتمل المناورة وتتطلب كثيراً من الوضوح والالتزام المبدئي خاصة من جانب الأحزاب الكبيرة وفي مقدمتها الحزب الاتحادي الديمقراطي. لقد قال جيل حسن بابكر قوله الفصل في هذا الشأن وحكموا السودان واهله بما يحفظ للناس حرياتهم وللدين قدسيته كان ذلك شأن الحكم منذ الاستقلال وحتى ظهور التيارات المتطرفة الغربية على اسلام اهل السودان ،كانت مواقف جيل حسن بابكر واضحة حيال ما أسماه الاخوان المسلمون بالدستور الاسلامي ومن ذلك ما قاله الشيخ علي عبدالرحمن الامين الضرير القاضي الشرعي ورئيس حزب الشعب الديمقراطي عندما ارتفعت الاصوات المنادية بالدستورالاسلامي، قال بأن ليس في الاسلام شيء يسمى بالدستور الاسلامي فدستور المسلمين هو القرآن بل ان كلمة دستور نفسها كلمة فارسية ولم يرد شعار الدستور الاسلامي في برنامج أي من الاحزاب وعلى رأسها الحزب الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة منذ الاستقلال وحتى انتشار حمى الاسلام السياسي في اخريات ستينات القرن الماضي.

حسن بابكر وقضية الديمقراطية:
في النصف الثاني من العقد السابع من القرن الماضي واجهت الديمقراطية في السودان امتحاناً عسيراً كان -ضمن أسباب أخرى- سبباً مباشراً في ضياعها وذهابها بانقلاب عسكري تم في الخامس والعشرين من مايو 1969.تلك كانت هي قضية حل الحزب الشيوعي السوداني وطرد نوابه من البرلمان. والقصة معروف مبتدأها وخبرها.ففي ندوة سياسية بمعهد المعلمين العالي وقف طالب يدعى "شوقي" وقال إنه شيوعي ثم تحدث عن حادثة الافك مسيئاً الى بيت الرسول (صلى الله عليه وسلم) فالتقط الأخوان المسلمون القفاز وصعَّدوا حملة ميدانية وإعلامية مطالبين بحل الحزب الشيوعي السوداني وتم لهم ما أرادوا بعد أن استمالوا نواب الحزب الوطني وحزب الأمة في البرلمان.
وفي تلك الأجواء المشحونة بصرعات العاطفة وهيجان المشاعر الغاضبة كان صوت العقل خافتاً ورؤى البصيرة النافذة والبصر الحديد مقصورة على أولى العزم من الرجال: حسن بابكر الحاج،وقف وكأني به يستدعى يائية أحمد محمد صالح الخالدة:

أخلفتِ يا حسناءَ وعدي وجَفْوتني ومنعتِ رغدي
فينوسُ يا رمزَ الجمالِ ومُتعةِ الايامِ عندي
لما جلوَّك على الملأْ وتخيّروا الخطَّاب بعدي
هُرِعوا إليك ضِعَافهم وبقيتُ مثلَ السيفِ وحدي

وقف حسن بابكر الحاج مثل السيف وحده، ومعه رفيق دربه الصالح المحمود "صالح محمود اسماعيل" واعترضوا على اقتراح حل الحزب الشيوعي وكتب بعدها مقالته الشهيرة "أين وقفتُ؟":
(وقفتُ بالأمس في الجمعية التأسيسية ضد قرار تعديل الدستور وحل الحزب الشيوعي لا دفاعاً عن الشيوعية ولكن دفاعاً عن الوطني الاتحادي وجماهيره وقفت بجانب أساتذة الجامعات وهم منارات العلم وطلابها رجال الغد المشرق، وقفت بجانب الصحافيين والمحامين وهم الذين دافعوا عن حرية هذا البلد المنكوب في أحلك الظروف، وقفت بجانب العمال والمزارعين والكادحين الذين وقفوا في الماضي وسيقفون في المستقبل دفاعاً عن حقهم في الحياة وهو حق هذا الشعب، وقفت بجانب الموظفين وهم الطبقة المستنيرة في هذا القطر ولا يستطيع مكابر أن ينكر دورهم العظيم في معركة الحرية الاولى ومعركة الحرية الثانية وسيقفون في معركة الحرية القادمة. وقفت بالأمس بجانب كل من له ضمير في هذا البلد وخارج السودان، وقفت بجانب كل من نظر الى مستقبل هذا البلد بعقل لم تطمسه الأغراض وتحول بينه وبين الرؤية الصادقة، وقفت مع كل هؤلاء لكي لا أسجل في تاريخ حياتي أني كنت يوماً حرباً على الحرية والديمقراطية) "الأيام".
إن كلمات حسن بابكر في شأن موقفه من قضية تعديل الدستور وحل الحزب الشيوعي تنم عن إيمان عميق لدى هذا المثقف الليبرالي بقضية الديمقراطية و لا يمكننا تقدير مدى التزامه المبدئي بشعار "الحرية لنا ولسوانا" إلا بقراءة موقفه في سياقه التاريخي الذي اعتملت فيه وفي مناخه أسباب كثيرة تجعل من اليسير إشهار سيف التكفير في وجه كل من وقف ضد مشروع السلام السياسي الأحادي النظرة والاتجاه، ومن جانب أخر فقد كان هذا الموقف سباحة ضد التيار الغالب والمنفعل عاطفياً بقضية كشفت مدى هشاشة تمسك كثير من القيادات بمبدأ الديمقراطية.

أهل البصائر والعمل السياسي العام:
جاء في المعجم الكبير الصادر عن مجمع اللغة العربية ان البصيرة تعني قوة الادراك والفطنة او قوة الطلب المدركة أو نور القلب الذي به يستبصر ويقال: فراسة ذات بصيرة وذات بصائر أي صادقة، والشاهد والرقيب والحجة والبرهان والاستبصار في الشئ وتدبره. وتعقد بعض المعاجم آصرة بين التبصر والتأمل ففي نظرها أن التأمل يعزز التبصر بمعنى انه لا يجيئ إلا ثمرة له.
والناظر في أحوال أحزابنا منذ الاستقلال يجد أنها في كثير من الأحيان لا تركن لآراء ذوي البصائر من الرجال أو لا توكل لهم كثيراً من المهام الكبيرة، فهي تتجه في الغالب الأعم صوب القادرين على تهييج الجماهير وتوجيهها نحو الأهداف "الديماغوجيين".
فالأحزاب تستند على الآنى والمتعجَّل والسطحي بدلاً عن ثاقب النظر والمتأني والعميق، ويجادل البعض بأن هذه قضية اجتماعية ملازمة للمجتمعات المتخلفة لأن جماهيرها تتأثر بالعاطفة والشعار، وفي ظني أن القيادة تلعب دوراً كبيراً وتتحمل مسؤولية أكبر في اختيار كلا النوعين من الرجال لتسند إليهم المهام الكبيرة. وعندما بدأت في كتابة سلسلة المقالات عن جيل الصدى أو أهل البصائر ازداد يقيني بأن اهمال أمثال هؤلاء الرجال لا يؤدي في خاتمة المطاف إلاّ الى تراجع أداء الأحزاب والعمل السياسي بصفة عامة، وإذا نظرنا في مثال حسن بابكر لوجدنا ان الحزب الوطني الاتحادي لم يستثمر جهد هذا الرجل بالطريقة المثلى، فهو المهندس صاحب الفكر التنموي الواضح ورجل المبادئ الذي وقف مثل الشمعة في هوج الرياح ،وهو كذلك المثقف الموسوعي الذي كان يلقي المحاضرات في علم الفلك "Astronomy" وهو إن شئنا المصلح الاجتماعي الذي حارب العادات الضارة مثل الخفاض الفرعوني وزوَّج بناته بمهر لا يزيد عن الجنيه الواحد، كل ذلك لم يشفع له ولم يجعل القيادة تنتبه إليه بل سعت في مراحل سياسية أخرى الى اقصائه حين ساندت سليمان دقق في انتخابات 1968 واسقطت حسن بابكر في دائرة مروي.

Post: #112
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 02:48 AM
Parent: #111


أبو بكر القاضي ـــ سلاح «التكفير» ضد مشروع التجديد
From Qatari Watan
سلاح (التكفير) هو تلك الحيلة السخيفة التي استخدمها الطغاة والمستبدون عبر التاريخ والى اليوم ضد كل من اتى بالجديد ودعا الى اصلاح الاوضاع القائمة‚ وقد اتهم الانبياء والرسل جميعا بالكفر والقرآن حافل بقصص الانبياء مع اقوامهم‚ وبعد فتح مكة وانتصار الاسلام استمر مشروع التكفير على يد الخوارج ولاحقا رصد تاريخ الدولة الاسلامية حالات اخرى من التكفير ممثلة في قصة الحلاج والسهروردي‚ ولعل اكبر المظالم في التاريخ البشري باسم التكفير كانت محاكم التفتيش في العصور الوسطى الاوروبية الكاثوليكية‚ كانوا يفتحون الصدور فعلا لا مجازا بحثا عن الايمان !! واستعير كلمات المفكر المصري الدكتور غالي شكري الراحل المقيم وهو يدافع عن الدكتور نصر حامد ابو زيد ابان محنته في مصر‚ حيث يتحدث غالي شكري عن التكفير في عمود الظلام بقوله: انها سميت بالعصور المظلمة لانها اطفأت شموع العلم والفكر والمعرفة حتى ان الكنيسة لم تتورع عن احراق برونو ــ العالم الفذ حيا وان تحكم على غاليليو بالاقامة الجبرية في بيته حتى فقد البصر ومات‚ وبالطبع كانت الكنيسة على خطأ في العلم والدين معا بينما كان العلماء والمفكرون هم شهداء المعرفة الصحيحة بمقياس زمانهم‚ في روسيا عندما تحولت الماركسية الى سلطة وعقيدة للدولة والمجتمع كان كل من يختلف مع رأي الحزب يعتبر كافرا وملعونا ومرتدا‚ كان جوركي احد كبار المؤمنين وأحد اقرب المقربين الى لينين ومع ذلك كان مصيره النفي بايطاليا‚ وكان ماياكوفسكي شاعر الثورة هو الذي انتحر وكان ايمري ناجي في المجر ودويتشيك في تشيكوسلوفاكيا من الذين كفروا بعبادة الفرد والحزب الواحد فكان نصيب الاول الاعدام والآخر المنفى‚ كانت تهمة التحريفية والمراجعة ترادف الكفر‚ واستعير مرة اخرى عبارات الدكتور غالي شكري في وصف عهد ستالين حيث قتل آلاف (الرفاق) وشردوا واصابهم الجنون وقد تم وصفهم بالكفرة التحريفيين واولهم تروتسكي الذي اختار المنفى البعيد ولكنهم طاردوه حتى طالوه برصاصة واحدة‚ وكان كهنة الماركسية واحبارها من جدانوف الى سوسلوف بمثابة المفتي الذي تحال اليه اوراق الكفرة فيوقع على اعدامهم ويقدم الحيثيات الايديولوجية الكفيلة بطمأنة الضمير العام الى ان المجتمع تخلص من (الاشرار) الى الابد وان العقيدة ستظل كما كانت منذ البدء نقية وطاهرة من التلوث !! ان جوهر فكرة التكفير عبر العصور واحد هو التعصب والرؤيا الاحادية: انا او نحن الصواب المطلق وغيري او غيرنا الخطأ المطلق انا ونحن البداية والنهاية وغيري او غيرنا سحابة عابرة‚ انا او نحن الدولة والشعب والعقيدة وغيري او غيرنا المنحرفون الكفرة والملاحدة الزنادقة ! في الخمس الاخير من القرن العشرين برزت جماعة التكفير والهجرة في مصر بقيادة شكري مصطفى وقد استمدت مشروعها التكفيري من نظرية تكفير المجتمع والدولة المستمدة من (معالم في الطريق) لسيد قطب وجاهلية القرن العشرين لمحمد قطب‚ وخلاصة فكرة التكفير هي الدعوة (للحاكمية) والمجتمع جاهلي لابد من اعادة اسلمته بالعنف‚ وقد تجلى مشروع التكفير في القرن الواحد وعشرين في مشروع القاعدة بقيادة الشيخ اسامة بن لادن والدكتور ايمن الظواهري في 11 سبتمبر 2001 حين قاموا بضرب اماكن رمزية في اميركا ترمز الى كبرياء الولايات المتحدة كقوة احادية عظمى في العالم‚ هذه المقدمة ضرورية جدا للرد على الشيخ ابراهيم الطقي على مقاله بتاريخ 9/10/2003 بعنوان (من هذا المستنقع تضلع ابو بكر القاضي) ويشير بعبارة المستنقع الى (الفكر الجمهوري) وفي السطور التالية اتقدم بالرد على الشيخ ابراهيم الطقي‚ اعتذار للجمهوريين: في البداية اعلن امام القراء الكرام عن اعتذاري للاخوان الجمهوريين في اي مكان في بقاع المعمورة لما لحقهم بسببي من اهانة وتجريح على يد وقلم الشيخ الطقي‚ كما اعلن عن مسؤوليتي الاخلاقية عن كل ما اصابهم بسبب حواراتي مع الشيخ الطقي‚ ولعله يشفع لي اني كنت امارس حقوقي كانسان في التعبير عن افكاري وضميري‚ هذه الحرية التي مارستها في دولة قطر وفقا لمكرمة أميرية تجسدت لاحقا في المواد 47 و48 من الدستور الدائم لدولة قطر بعد ان ترسخت دولة قطر في ضمير الامة العربية بل والعالم اجمع بانها دولة الرأي والرأي الآخر وصارت قناة الجزيرة مدرسة في الاعلام الحر‚ وسمع العالم وشاهد لاول مرة الرأي المعارض في الوطن العربي من خلال الجزيرة وكانت دولة قطر من اوائل الدول العربية التي شطبت وزارة الاعلام والرقابة على الصحف‚ واعلن هنا تمسكي بكل قيمة ايجابية تعلمتها من الفكرة‚ لن اتخلى عن مبدأ (الحرية لنا ولسوانا) وقس على ذلك‚ ومن جهة اخرى فاني لا احمل اي جمهوري مسؤولية افكاري واطروحاتي التي اكتبها باسمي وتحت مسؤوليتي الشخصية ومن حق اي جمهوري ان يتبرأ من جميع ما اكتبه وذلك لسبب بسيط هو انني لم انسق مع اي جمهوري او غيره في كتابة افكاري التي اتحمل مسؤوليتها لوحدي ودون غيري‚ الشيخ الطقي يؤيد المستبد جعفر غيري في الاغتيال السياسي للمفكرين: لقد احتفى الشيخ الطقي بقوانين سبتمبر 1983 والتي بموجبها تمت محاكمة الجمهوريين واعدام الاستاذ محمود بتاريخ 18/1/1985 ويجب ان نبين الوقائع التالية: 1- لقد تم الغاء حكم محاكم تفتيش الضمير النميرية المذكور بواسطة المحكمة العليا بعد انتفاضة ابريل 1985 التي (خلع) فيها الشعب السوداني حكم النميري وقد اعلن عمر عبدالعاطي النائب العام الشهير في عهد الحكم الانتقالي في حكومة د‚الجزولي دفع الله ان وزارة العدل لن تدافع عن حكم صدر في محاكمة سياسية وان حكومة الجزولي دفع الله لن تكرس حكم السفاح الهارب (آنذاك) جعفر نميري‚ فوافق النائب العام على طلبات الطاعنين والطالبين (لحماية حق دستوري) فصدر حكم المحكمة العليا الدائرة الدستورية بالغاء حكم المكاشفي طه الكياشي وحكم النميري والغت قرار مصادرة منزله وكتبه‚‚ الخ‚ 2- لقد تعمد الشيخ الطقي اغفال الاشارة الى حكم المحكمة العليا بابطال حكم ردة الاستاذ محمود واعادة اعتباره لانه لا يعترف بالمحكمة العليا (الا اذا كان هذا الحكم لمصلحته) وهذا شأن سدنة الاستبداد فالقضاء العادل الحر المستقل والاستبداد نقيضان‚ الشيخ الطقي (يتأسف) للسماح للجمهوريين بتشكيل حزب ابدى الشيخ الطقي اسفه الى ان مولانا محمد احمد سالم مسجل الاحزاب قد وافق على تسجيل الحزب الجمهوري‚ ماذا يريد اذن ان يفعله الجمهوريون؟ ان الطريق البديل للعمل الحزبي الشرعي هو العمل السري المرتبط عادة بالعنف والانقلابات‚ واذا كان الشيخ الطقي يرفض السماح للجمهوريين بتكوين حزب شرعي فما هو موقفه من الحزب الشيوعي وحزب البعث العربي والحزب الناصري والاحزاب الجنوبية والحزب القومي برئاسة الاب قلب عباس غبوشي؟ اجزم ان مذهب الشيخ الطقي لا يسمح لكل هذه الاحزاب بالعمل او البقاء الا بعد التوبة ودفع الجزية بالنسبة للنصارى واكون سعيدا لو ينفي شيخ الطقي ذلك‚ الشيخ الطقي يكفر الجميع ارجو ان يكون مفهوما ان الشيخ الطقي لا يكفر الجمهوريين وحدهم وانما يكفر الانصار والختمية والسمانية والقادرية والتجانية باختصار كل الصوفية الذين رمز اليهم في ذات مقالة موضوع التعقيب بابن عربي الشيخ الاكبر وابن الفارض‚ ان الشيخ الطقي ينتظر بفارغ الصبر اليوم الذي تكون له اي سلطة ليقوم بتحطيم قبة الامام المهدي وقبة السيد علي الميرغني في بحري وقبة سيدي الحسن في كسلا وقس على ذلك لان كل هؤلاء في نظره (قبوريون)‚ ولكن الشيخ الطقي لا يجرؤ على مواجهتهم لانهم مسلحون‚ والشيخ الطقي يفلح في اقامة الحسبة ضد الجمهوريين ولكنه لن يجرؤ على اقامتها ضد الشيوعيين وبقية اليساريين والانصار لانهم جميعا يدافعون عن انفسهم بقوة السلاح ولهم كوادر امنية مدربة لحماية قياداتهم‚ فالشيخ الطقي ينطبق عليه المثل: (يخاف‚ ولا يستحي) والذين استحوا ماتوا‚ فهو يجرؤ على الجمهوريين وحدهم لانهم لا يعرفون العنف والتدريب على السلاح‚ لهذه الاسباب نرفض الدولة الدينية: 1- ان اغتيال الاستاذ محمود باسم الشريعة الاسلامية كان اكبر جريمة ووصمة عار على السودان‚ فاذا كان مقتل غردون على ايدي دراويش المهدي عام 1885 قد استوجب استعمار السودان 55 سنة فان اغتيال المفكر محمود محمد طه يبرر استعمار السودان 50 سنة اخرى في القرن الواحد وعشرين لمدة ثلاثة اجيال يعاد فيها صياغة الانسان السوداني بعقيدة جديدة من شاكلة عقيد الجيش السوداني الجديد في ظل السودان الجديد ما رأي شيخ الطقي في هذه العقيدة؟ 2- ان قتل المفكر محمود واحراق 100 صنف من كتبه كان عملا ارهابيا بكل المقاييس‚ 3- قبل الجمهوريين تعرض الحزب الشيوعي السوداني عام 1965 لارهاب تكفيري بحل الحزب وطرد نوابه من البرلمان‚ 4- بعد الجمهوريين تعرض مسجد شيخ ابو زيد محمد حمزة لارهاب تكفيري استهدف شيخ ابو زيد قتل فيه الاطفال وجمهور المصلين‚ 5- بعد الجمهوريين تعرض الشيخ النيل ابو قرون للاستتابة في عهد الانقاذ فاعلن توبته على الملأ !! وهذا عمل ارهابي بكل المقاييس‚ 6- لهذه الاسباب نطالب بدولة (المواطنة) وفصل وابعاد (رجال الدين) عن الدولة وندعو الى تجديد الفكر الديني‚

Post: #113
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:01 AM
Parent: #112


فى الرد على مقال للدكتور عبدالله على ابراهيم (نشر بالرأى العام16 سبتمبر 2003) عن محاولات الأزهرى لأسلمة الدولة كتب د. ياسر الشريف
====
لقد كان للرئيس إسماعيل الأزهري، سامحه الله وغفر له ورحمه، اليد الطولى في تتابع الأحداث التي قادت إلى مهزلة محكمة الردة.. وقد جاء ذلك في مقدمة وخاتمة كتاب: "الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسانية القرن العشرين"..
جاء في المقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
"وأنيبوا إلى ربكم، وأسلموا له، من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون * واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم، من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة، وأنتم لا تشعرون.."
صدق الله العظيم
مقدمة
"الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسانية القرن العشرين" هو عنوان المحاضرة التي أثارت كثيرا من اللغط ثم تصاعدت إلى مهزلة محكمة الردة.. تلك المهزلة التي ستذهب في التاريخ مثلا من أسوأ الأمثلة التي أثرت حتى عن عهود التأخر، والتخلف الفكري..
ولقد أقيمت هذه المحاضرة في ثمانية أماكن، وسجلت على أشرطة في جميع هذه الأماكن.. أقيمت في الجامعة، لأول مرة، وذلك في يوم 7/9/1968، ثم بعد ذلك بشهرين، أقيمت في معهد المعلمين العالي.. وذلك يوم 11/11/68، ثم في دار الحزب الجمهوري، بالموردة يوم 14/11/68، ثم أقيمت بمعهد شمبات الزراعي، ثم بالكلية المهنية، ثم بالمعهد الفني "الداخليات" ثم، عندما طلب نادي السكة الحديد بالخرطوم إقامتها عنده، اعترض المحافظ بناء على توصية كمندان بوليس السكة الحديد لسبب لا يزال مجهولا لدينا..
ثم، في خلال أيام مهرجان الفكر السياسي، بمناسبة عيد الفطر المبارك بمدني، أقيمت بدار الحزب الجمهوري، وأقيمت بنادي موظفي الأبحاث الزراعية بمدني..
[..]
وفي ختام السفر سنورد جميع المحاولات التي قامت بها السلطات، للحجر على حرية رأي الحزب الجمهوري، استجابة لرغبة رجال نصبوا أنفسهم أوصياء على الإسلام، وعلى الشعب، وهم، أنفسهم، في أشد الحاجة إلى الأوصياء..
إن الحزب الجمهوري لعلى ثقة بدعوته، وعلى يقين بربه، وهو سيمضي في سبيله غير هيّاب، ولا وجل.. فإن أقض ذلك مضاجع أقوام فلا نامت أعين الجبناء.
.
===
وفي الخاتمة جاء:

وآخرون
وقبل صحيفة "الرأي العام" تورط في الخطأ، والعجلة، رجال آخرون، فحاولوا أن يوقفوا إلقاء هذه المحاضرة بمعهد المعلمين العالي، وذلك يوم الإثنين 11/11/1968، فقد ورد في "الرأي العام"، عدد يوم 13/11 أن السيد اسماعيل الأزهري "أصدر أمرا بمنع تقديم الأستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري في محاضرة بمعهد المعلمين العالي دعت لها الجبهة الاشتراكية الديمقراطية: وكان عنوانها "الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسانية القرن العشرين" على أساس أنها يمكن أن تستفز مشاعر بعض المواطنين..
طلب عميد المعهد بالإنابة من الجبهة إلغاء الندوة، إلا أن اللجنة التنفيذية للجبهة أصرت على أن تقدم المحاضرة في موعدها ووصلت بعض قوات الأمن.. إلا أنها لم تتدخل لفض الندوة، التي لم يحدث خلالها ما يعكر صفو الأمن" انتهى خبر "الرأي العام" ولقد بلغني أن أحد محرريها كان حاضرا تلك الليلة.. وأحب أن أضيف هنا أن المحاضرة استقبلت بحماس، وباحترام، حتى من الذين يعارضون فكرة الحزب الجمهوري، وهي مسجلة برمتها ــ نص المحاضرة ونقاش من اشتركوا في النقاش ــ وإنما لم يتدخل البوليس لفض الندوة، وقد حضر في عربتين مستعدا لذلك لأنه لم يجد ما يوجب التدخل..
ثم أن "الرأي العام" نشرت تصحيحا في يوم 14/11/1968 تحت عنوان "أزهري ينفي علمه بمحاضرة محمود محمد طه، ــ والتربية والتعليم تقول بأن قاضي القضاة خاطب الأزهري بشأنها" وقد جاء في ذلك التصحيح الآتي:
"جاءنا من القصر الجمهوري أن السيد الرئيس إسماعيل الأزهري ينفي جملة وتفصيلا أنه تدخل في موضوع محاضرة الأستاذ محمود محمد طه بمعهد المعلمين العالي، ويؤكد أنه ليست له علاقة من قريب، ولا من بعيد بهذا الأمر، وأنه لم يسمع بالمحاضرة إلا من الخبر الذي أوردته "الرأي العام" أمس..
"وبنفس الوقت جاءنا من وزارة التربية والتعليم أن السيد رئيس مجلس السيادة لم يصدر أية تعليمات لمنع المحاضرة المذكورة وكل الذي حدث هو أن فضيلة مولانا قاضي قضاة السودان بعث بخطاب إلى السادة رئيس وأعضاء مجلس السيادة، بصورة لوزارة التربية والتعليم وسلطات الأمن، ينصح فيها بعدم تقديم المحاضرة خشية أن يكون فيها ما يثير المسلمين..
"وتقول الوزارة أنها اتصلت من جانبها دون إيعاز من مجلس السيادة الموقر بالسيد عميد معهد المعلمين العالي لإبلاغ الطلاب مقدمي الندوة، باحتمال إثارة الأمن."
وتمضي "الرأي العام" فتقول بعد هذا: "ونود أن نؤكد أن العميد بالإنابة قد اجتمع بالطلاب، وأبلغهم اعتراض الرئيس الأزهري على المحاضرة، وطلب منهم إلغاءها، وأنهم قد أصروا على تقديمها، وقدموها بالفعل.." هذا نص التصحيح الذي أوردته "الرأي العام" في صفحتها السابعة يوم 14/11 وفي يوم 15/11 كتبت "الرأي العام" تقول تحت باب "كلمة" الآتي:ــ
"حول نفي القصر لمنع محاضرة محمود محمد طه..
"فهمت بعض الجهات نشرنا لنفي القصر الجمهوري لخبر منع محاضرة محمود محمد طه على الصفحة السابعة فهما غير صحيح، نعيد بعده نشر النص الكامل للخطابين اللذين وصلانا من القصر، ومن وزارة الإعلام، راجين أن يحقق السيد عميد معهد المعلمين في تفاصيل خبرنا، الذي قيل لنا أن ما جاء فيه قد دار بين السيد العميد ومندوبي الطلبة قبل المحاضرة..
"السيد رئيس جريدة "الرأي العام" الغراء.. تحية طيبة..
بالإشارة إلى الخبر المنشور في جريدتكم بتاريخ اليوم الأربعاء 13/11/1968. في الصفحة الأولى، تحت عنوان ــ أزهري يمنع محاضرة، وطلاب معههد المعلمين يصرون على تقديمها ــ أرجو أن أخطركم بأن السيد الرئيس إسماعيل الأزهري رئيس مجلس السيادة الموقر، قد كلفني بأن أنفي هذا الخبر جملة وتفصيلا، فسيادته لم يتدخل في هذا الموضوع، لا من قريب، ولا من بعيد، ولا علاقة له به البتة، بل أنه لم يسمع عن هذه المحاضرة، ولم يقرأ عنها إلا من خلال الخبر الذي صاغته جريدتكم عنها. أرجو نشر هذا التوضيح في نفس المكان الذي نشرتم فيه الخبر المشار إليه وشكرا..
حسين محمد كمال
ع/رئيس الديوان
"السيد رئيس تحرير جريدة "الرأي العام" الغراء
نرجو التكرم بنشر البيان أدناه، الصادر من وزارة التربية والتعليم، في عددكم ليوم غد الخميس 14/11/1968، وشكرا
"نشرت صحيفة "الرأي العام" بعددها الصادر صباح اليوم 13/11/1968: خبرا بعنوان ــ أزهري يمنع محاضرة، وطلاب معهد المعلمين يصرون على تقديمها ــ
"تؤكد وزارة التربية والتعليم أن السيد رئيس مجلس السيادة لم يصدر اية تعليمات لمنع المحاضرة كما ورد في الخبر الذي نشرته "الرأي العام" وكل الذي حدث، هو أن فضيلة مولانا قاضي قضاة السودان بعث بخطاب إلى السادة رئيس وأعضاء مجلس السيادة بصورة لوزارة التربية والتعليم وسلطات الأمن ينصح فيها تقديم المحاضرة خشية أن يكون بها ما يثير المسلمين..
"وقد اتصلت وزارة التربية والتعليم من جانبها دون إيعاز من مجلس السيادة الموقر بالسيد عميد معهد المعلمين العالي لإبلاغ مقدمي الندوة باحتمال إثارة الأمن، نسبة لأن العنوان هو ــ الإسلام برسالته الأولى، لا يصلح لإنسانية القرن العشرين ــ "ومن هنا يتضح أن السيد رئيس مجلس السيادة لم يصدر أمرا، ولم يتصل بأية جهة لوقف المحاضرة"
عثمان محمد نصر
ع/ وكيل وزارة الإعلام والشئون الاجتماعية


قاضي القضاة
لقد ظهر من الأخبار التي ورد ذكرها أن قاضي القضاة كان يسعى سعيا حثيثا لإثارة السلطات ضد الحزب الجمهوري، وكان يتوكأ على نقطة الأمن، ويظهر الحرص على الأمن، وذلك لعلمه أن المسئولين يكونون عادة حساسين عندما يذكر الأمن..
ولقد أثار سلف قاضي القضاة حكومة العساكر ضد الحزب الجمهوري عام 1960، حتى حملوها على منع محاضرات الحزب الجمهوري، وكانو هم، كخلفهم الحاضر، لا يتكلمون باسم الدين. وإنما يتكلمون باسم الأمن، والإشفاق على الأمن.. وحين منعت حكومة العساكر الحزب الجمهوري من إقامة المحاضرات في الأماكن العامة، لم تستطع أن تمنعه من إقامة الندوات المفتوحة في المنازل الخاصة، ولكنها جندت من رجال السلك السري من يراقبون هذه الندوات.. وكانت الأخبار ترفع بأن ما يقال في هذه الندوات العامرة، الكبيرة، لا يهدد الأمن، ولا يثير الشغب، بل أن الشعب، في مختلف طبقاته ومستوياته ليجد فيها المتعة، ويستقبلها بالرضا، أو الاقتناع، أو الاحترام، أو الإفحام. ولكن على التحقيق ليس بالشغب.. وعندما اقتنعت حكومة العساكر بأن دعوى إثارة الأمن دعوى لا أساس لها، أفرجت عن محاضرات الحزب الجمهوري وذلك حوالي عام 1963..
هل نحتاج لأن نذكّر السيد قاضي القضاة أن يهتم بأمر الدين ويترك أمر الأمن لرجال فرغوا أنفسهم له؟ وهم به أعلم منه؟ فإن كان السيد قاضي القضاة لا قدرة له، من المستوى العلمي، بمواجهة دعوة الحزب الجمهوري.. وهو ما عليه الأمر، فإنا ننصحه بأن يفتح ذهنه لهذه الدعوة، لأنها هي الإسلام، ولا إسلام إلا إياها.. فإنها هي الناطقة عن المصحف اليوم.. فإن لم تكن بقاضي القضاة حاجة إلى الإسلام فلا يقف بين الشعب وبين المعين الصافي الذي يدعو إليه الحزب الجمهوري..
هذا والله المسئول أن يهدينا ويهدي بنا إنه أكرم مسئول وأسرع مجيب وخير هاد..

====
تعليق:
الملاحظ أن محكمة الردة التي كانت مبيتة ضد الأستاذ محمود محمد طه قد قامت بعد أربعة أيام من محاضرة معهد المعلمين العالي، أي في 18 نوفمبر 1968.. وقد اجتهدت السلطة التنفيذية، ابتداء من مجلس السيادة ورئيسه، إلى وزارتي التربية والتعليم والإعلام والشئون الاجتماعية، ألا يظهر أي دور لها كطرف في محاولة منع المحاضرة.. وقد ظهر فيما بعد أن بعض الدول مثل السعودية ومصر قد كان لهما دور، بواسطة الأزهر وعلماء الجامعة الإسلامية، في تدبير محاولات إسكات الحزب الجمهوري..

Post: #114
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:05 AM
Parent: #113


نحن أفق بعيـــد

بقلم الطيب صالح

حين أعدم الرئيس السابق جعفر محمد نميري ، الرجل الهرم محمود محمد طه رحمه الله ، كلمتني " باربرا براي " في الدوحة من باريس ، آخر الليل . كان صوتها على التلفون غاضبا حادا ، أقرب إلى الصراخ ، وذلك أمر لم أعهده منهـا ، فهي عادة هادئة رقيقة مهذبة . قالت لي :

" ألا تنوى أن تفعل شيئا ؟ "
" أفعل شيئا بخصوص ماذا ؟ "
" ألم تسمع الأخبار ؟ ألم تسمع بأن رئيسكم الهمجي قد أعدم رجلا في الثمانين من عمره ؟ أنه أمر مخجل حقا ، من يصدق أن هذا يحدث في هذا العصر ؟ " .

صمت وتركتها تسترسل فماذا أقول لها . لم تهدأ ثائرتها بل أن غضبها ازداد قوة وهي تمضي في الكلام . وحين يطول صمتي تقول لي بعنف :

" هل أنت هناك ؟ هل تسمعني ؟ "
" نعم يا باربرا ، أنا هنا وأسمعك جيدا "
" إذا لماذا لا تفعل شيئا ؟ "
قلت لها متضاحكا لعلني أعيدها إلى هدوئها :
" الآن ؟ في هذه الساعة المتأخرة من الليل ؟ " .
لم تستجب لمحاولتي ، وقال لي بصوت أكثر غضبا :
" أنني كنت أتحدث منذ لحظات مع البيت الأبيض في واشنطن . طلبت محادثة الرئيس ريجان . طبعا أنكروا أنه موجود . كلمي أحد مساعديه . قلت له كل ما خطر على بالي . قلت له أن دم هذا الرجل المسكين معلق في رقبتكم " .

سألتها متغابيا :
" ولكن ما دخل الرئيس ريجان بمقتل محمود محمد طه ؟ " .
" لا تكن غبيا . هل تظن أنهم ما كانوا يستطيعون انقاذه لو أرادوا ؟ هل يستطيع نميري أن يرفض لهم طلبا ، أليسوا هم الذين جاءوا به وهم الذين يساعدونه على البقاء في الحكم ؟ " .
" وماذا قال لك مساعد الرئيس ؟ " .

" ماذا يمكن أن يقول لي ؟ أحد هؤلاء الشبان التافهين الذين يسمونهم تجاوزا مساعدي رئيس . كل عملهم أنهم يحملون حقائبه ويتراكضون حوله . لم يظهر عليه أنه فهم ما أقول وأظنه لا يعلم أين السودان ومن هو نميري أو محمود محمد طه . أخذ اسمي وعنواني وتلفوني ووعد بأن ينقل احتجاجي للرئيس . بعد أن انتهت المكالمة طلبتك فورا " .

قلت لها متضاحكا مرة أخرى :

" أنه لشرف عظيم أن تضعيني في كفة مع رئيس أكبر دولة في العالم . أنا الموظف الغلبان في منظمة اليونسكو " .

تحول سخطها من الرئيس الأمريكي إلى اليونسكو ، فهي تكره المؤسسات البيروقراطية من حيث هي . فقد استقالت من هيئة الإذاعة البريطانية وتعاونت فترة قصيرة من منظمة اليونسكو ثم رفضت التعامل معها :

" متى تستقيل من هذه المنظمة الجوفاء وتتفرغ لما هو أهم ؟ " .
" وما هو الأهم ؟ " .
" ألا تعرف إلى الآن ما هو الأهم ؟ "

بلى ، أنا أعرف ما هو الأهم في نظر " باربرا براي " وفي نظري أن أيضا . ولكن من يطعم الزوجة والعيال ، ويدفع أقساط المدارس والجامعات ؟ كل هذه الأشياء الصغيرة ، أم الكبيرة ، التي تكبل الإنسان بقيود يشتد وثاقها يوما بعد يوم ، وتجعله يصمت حين يجب عليه أن يصرخ ، ويذعن حين يتحتم عليه أن يرفض . " باربرا براي " لا تأبه لذلك . لقد استقالت من هيئة الإذاعة البريطانية منذ ثلاثين عاما وهي في قمة النجاح ، وليس عندها مصدر دخل . غامرت وحملت طفلتيها وجاءت إلى باريس . استأجرت شقة صغيرة في الحي اللاتيني قريبا من " بوليفار سان ميشيل " وعلى مرمى حجر من نهر الـ " سين " ، ما تزال تعيش فيها إلى اليوم . رفضت بتاتا أن تشترى بيتا أو شقة بالأقساط كما يفعل الناس . " منسي " وأنا حاولنا إقناعها ولكنها قالت أنها لا تحب أن تمتلك أي شئ ، وتحب أن تفارق الدنيا وليس وراءها شئ . أخذت تعيش من كتاباتها في النقد للصحف الفرنسية والإنجليزية ، فهي ناقدة متمكنة لها نفوذ وصيت ، وتترجم من الفرنسية إلى الإنجليزية ، وكثيرون يعتبرونها أحسن مترجم في هذا المجال . وقد ترجمت جميع روايات الكاتبة الفرنسية الشهيرة " مارجريت دورا " ، لا حبا في المال ولكن لأن الكاتبة صديقتها . وحين يضيق بها الحال ، تكتب " سيناريوهات " للسينما ، فهي تحتقر السينما ، ولا تعتبرها شكلا فنيا محترما . وكان بوسعها أن تجمع مالا وفيرا من كل هذا الجهد ، ولكنها لا تحسن تدبير المال ولا تأبه له ، وتقع دائما فريسة لطمع الناشرين وخداعهم .


دائما تجعلني أحس بالخجل من نفسي ، هذه السيدة العجيبة . لا تنتمي لحزب ، وليس عندها أي مطمح ، وتعطى الحياة أكثر ما تأخذ منها . كأنها تحمل على عاتقها هموم الإنسانية بأسرها ، إذا وقع زلزال في الجزائر أو فيضان في السودان أو مجاعة في أثيوبيا ، يعصر الألم قلبها ، كأنها مسؤولة شخصيا عما حدث . ولا تكتفى بذلك بل تجمع التوقيعات وترسل الاحتجاجات . تؤيد كفاح الشعب الفلسطيني وتكره النظام العنصري في جنوب أفريقيا ، وتمقت التسلط والقهر حيثما يكون . وأنا لا أشك أنها تحس مأساة جنوب السودان أكثر مما يحسها جون قرنق وبقية هؤلاء الزعماء النجباء ، الأذكياء الأغبياء . " باربرا براي " تؤمن كما جاء في القرآن الكريم أن من قتل نفسا واحدة بغير حق ، فكأنما قتل الناس جميعا ، وهؤلاء عندهم أن يموت مليون ، لا شئ ، في سبيل أن يصبح الواحد منهم زعيما .

في تلك الليلة شعرت بخجل عميق . قلت لها ، وأنا أعلم أن كلامي أعوج وحجتي جوفاء :

" أنت تعلمين أننا حين ندخل اليونسكو ، كما في كل المنظمات الدولية ، نقسم يمينا أن نكون محايدين ولا نتدخل في شؤون الدول الأعضاء في المنظمة " .

" كلام فارغ " .

أطارت النوم من عيني ، وقضيت الليل مسهدا أضرب أخماسا فـي أسـداس .. وذلك أضعف الإيمان *


_______________________________
* حكي الطيب صالح في برانامج - خليك بالبيت - بالفضائية اللبنانية
انه هم بنشر مقال احتجاجا الا انه تراجع في اللحظات
الاخيرة تحت الحاح احد اصدقائه،لتعارض ذلك مع اليمين التي اداها
لليونسكو. وقال انه ندم ندما شديدا فيما علي عدم نشر المقال

Post: #115
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:14 AM
Parent: #114


سلام السودان بعد عشرين سنة من "هذا أو الطوفان"!
عن سودانايل الاربعاء 24 ديسمبر 2003
أبو بكر القاضي
[email protected]

ليس لمحاكم الدنيا كلها سلطة او اختصاص بمحاكمة "مفكر" على صحة او خطأ افكاره مادام هذا المفكر يطرح افكاره ويدعو لها بالتي هي احسن ويستخدم الاساليب والوسائل السلمية للتعبير عن افكاره‚ هذا ما توصلت اليه الانسانية منذ الثورة الفرنسية وبعد مآسي الحربين العالميتين في النصف الاول من القرن الماضي وقد ضمنت الانسانية تجاربها الثرة بعد مآسي محاكم تفتيش الضمير في الاعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948 والمواثيق اللاحقة‚ ان الجهة الوحيدة التي لها الحق في الحكم على فكر معين او برنامج حزب معين هي انسان الشارع العادي (من رجل او امرأة) هو الناخب صاحب الصوت في الانتخابات‚ واقرب مثال لذلك ما جرى في الانتخابات التركية الاخيرة التي فاز فيها حزب العدالة ــ الاسلامي التوجه بقيادة رجب طيب اردوغان‚ لقد خاض هذه الانتخابات احزاب كثيرة حكم عليها الشعب التركي بالاعدام السياسي واعلن زعماؤها اعتزال السياسة وبقي بالبرلمان حزبان فقط هما اللذان قرر الناخب التركي منحهما الثقة والفرصة لحكم البلاد وجلس لهما بالمرصاد ينتظر الانتخابات القادمة للحساب العسير‚ هذه هي الديمقراطية "حكم الشعب" وهي تجربة انسانية حققت من خلالها شعوب كثيرة حريتها ورفاهيتها‚ فنحن كشعوب عربية احق بها واهلها‚ ونطالب بوش وباول بالضغط على حكامنا لاعتمادها كاسلوب للحكم‚ عشرون سنة على منشور "هذا أو الطوفان" يصادف اليوم مرور عشرين سنة بالتمام على صدور منشور "هذا او الطوفان" الذي اصدره "الجمهوريون" في السودان يوم 25 ديسمبر 1984 مطالبين نظام مايو ــ النميري ــ بالغاء قوانين سبتمبر 1983 وحل مشكلة الجنوب حلا عادلا من اجل ايقاف نزيف الحرب الدائرة في جنوب السودان‚ لقد قام نظام جعفر نميري الذي فقد شرعية بقائه واستمراريته بمجرد اجهاضه لانجازه الاساسي وهو سلام اتفاقية اديس ابابا عام 1972 قام نظام نميري بمحاكمة الاستاذ محمود طه واربعة من تلاميذه الجمهوريين بسبب اصدارهم لهذا المنشور‚ وقد تمت محاكمتهم امام محكمة جنايات ام درمان رقم 4 تحت المواد 27 (1) و96 ط ك و و105 عقوبات والمادة 20 (1) من قانون امن الدولة والمادة الثالثة من قانون اصول الاحكام القضائية لعام 1983 وقد حكمت عليهم المحكمة بالاعدام جميعا بتاريخ 8/1/1985 وجاء منطوق الحكم كالتالي: الاعدام شنقا حتى الموت وان يكون لهم الحق في التوبة والرجوع عن دعوتهم الى ما قبل تنفيذ الحكم‚ وترفع الاوراق الى محكمة الاستئناف للفحص والتأييد‚ ثم قامت محكمة الاستئناف بنظر ملف القضية وكانت برئاسة الدكتور المكاشفي طه الكباشي وقامت باجراء محاكمة جديدة دون استدعاء المتهمين والسماح لهم بالدفاع عن انفسهم او اعادة ملف القضية الى محكمة اول درجة لتعيد محاكمتهم طبقا للتهم الجديدة التي اضافتها محكمة الاستئناف‚ وبتاريخ 15/1/1985 اصدرت محكمة الاستئناف حكمها بالاعدام على المفكر محمود طه وحرمته من حق الاستتابة وحكمت على تلاميذه الاربعة ايضا بالاعدام مع الاستتابة وحكمت بحرق كتبه ومصادرتها‚ وقد قام جعفر نميري بتأييد هذا الحكم في مرافعة تليفزيونية امام الجمهور كان القصد منها استعراض القوة وادخال الرهبة في الصدور وتكريس اذلال الشعب باسم الدين ! وتم تنفيذ حكم الاعدام صباح الجمعة صباح 18 يناير 1985 ! محاكمة الجمهوريين كانت تصفية حسابات سياسية يعنيني ــ بمناسبة مرور 20 سنة على هذه المحاكمة السياسية ــ ان ابين للقارئ ان محاكمة الجمهوريين في عهد المستبد جعفر نميري كانت محاكمة سياسية استخدم فيها النميري قضاة السلطان وعلماء السلطان من اجل تثبيت اركان حكمه‚ ويهمني كما يهم القارئ تأكيد ان كل المفكرين واصحاب الرأي عرضة لمثل هذه المحاكمة السياسية التي لا علاقة لها بدين الله السمح المتسامح‚ واكبر دليل على ذلك هو ان الذين اعانوا على هذه المحاكمة الجائرة انفسهم تعرضوا لاحقا للاتهام بالردة والاستتابة واعلنوا توبتهم علنا وانا انتهز هذه الفرصة لاعلن ادانتي لما لحقهم من استتابة خاصة واني اعلم انهم لم يتوبوا عن معتقداتهم ولم يتخلوا عنها لان القناعة لا تترك بالاكراه وانما بالاقناع والحوار‚ ومن هنا كانت وجاهة وعلمية "لا اكراه في الدين"‚ لسنا هنا بصدد مناقشة صحة او عدم صحة الفكرة الجمهورية وانما نحن هنا بصدد اثبات اصدار حقوقهم الاساسية في حرية الفكر والضمير والديانة وحرية الرأي والتعبير والاعلام والاتصال‚ وهي مسائل تخص الجميع والتاريخ يقول ان كل من يفرط فيها سوف يتعرض للامتحان بشأنها‚ نحن الآن توقيع اتفاقيات السلام امام سودان جديد وكل الافكار والاحزاب في السودان في حالة اعادة تشكل من اجل عقيدة جديدة لسودان جديد فاليسار السوداني كله في حالة اعادة تشكل والاحزاب التقليدية كذلك والحركة الاسلامية السودانية كذلك‚ المجتمع الجمهوري يغلي الآن وهو ايضا في حالة اعادة بناء وتشكل بعد موات دام عشرين سنة‚ ان افضل من يقيم اي حركة فكرية وسياسية هم الاشخاص الذين خاضوا هذه التجربة من الداخل لان معرفتهم محيطة بالعام والخاص والسري والعلني‚ فعندما تعود الديمقراطية وتنصرف الاحزاب عن الانشغال باسقاط النظام سوف تتفرغ الاحزاب لمناقشة افكارها وبرامجها واعادة صياغة افكارها وقتها - ان طال العمر - لكل حادث حديث‚ المحكمة العليا تؤكد ان محكمة المكاشفي تجاوزت كل قيم العدالة وقد جاء حكم المحكمة العليا برئاسة رئيس القضاء محمد ميرغني مبروك في حكمها الدستوري الذي قضى في منطوقه بـ "اعلان بطلان الحكم الصادر في حق المواطنين محمود محمد طه والمدعي الثاني في هذه الدعوى من المحكمة الجنائية ومحكمة الاستئناف" واعاد للجمهوريين اعتبارهم لكونه صادرا من اعلى سلطة قضائية في السودان‚ جاء في حيثيات هذا الحكم على صفحة (19) من الحكم المنشور على "سي‚دي" السوابق القضائية السودانية الصادر عن الهيئة القضائية: ولعلنا لا نكون في حاجة الى الاستطراد كثيرا في وصف هذا الحكم فقد تجاوز كل قيم العدالة سواء ما كان منها موروثا ومتعارفا عليه او ما حرصت قوانين الاجراءات الجنائية المتعاقبة على النص عليها صراحة وانطوى عليه دستور 1973 (الملغى) رغم ما يحيط به من جدل‚ وجاء على صفحة 18 من حيثيات ذات الحكم ما يلي: على ان محكمة الاستئناف وفيما نوهنا به اشتطت في ممارسة سلطتها على نحو كان "يستحيل معه الوصول الى حكم عادل" تسنده الوقائع الثابتة وفقا لمقتضيات القانون ويبين ذلك جليا مما استهلت به المحكمة حكمها حين قالت: ثبت لدى محكمة الموضوع من اقوال المتهمين ومن المستند المعروض امامها وهو عبارة عن منشور صادر من الاخوان الجمهوريين ان المتهمين يدعون فهمها جديدا للاسلام غير الذي عليه المسلمون اليوم‚‚ الخ‚ وبمراجعة المستند المشار اليه واقوال المتهمين التي ادلوا بها امام المحكمة الجنائية لا نجد سندا لهذه النتيجة الخطيرة التي نفذت اليها محكمة الاستئناف مما يكشف حقيقة واضحة هي ان المحكمة قد قررت منذ البداية ان تتصدى لفكر المتهمين وليس لما طرح امامها من اجراءات قامت على مواد محددة في قانوني العقوبات وامن الدولة وادى الى تحريكها صدور منشور محرر في عبارات واضحة لا تقبل كثيرا من التأويل‚ لقد توصلت المحكمة العليا الى كبد الحقيقة حين قررت ان الحكم قد خضع لمعايير سياسية لا شأن لها بالاحكام القضائية حيث قالت على ص17 ما يلي: (على انه يجمل القول ومهما كانت اوجه الرأي فيما يتعلق بتلك العيوب وانه يبين من مطالعة اجراءات محكمة الاستئناف تلك انها انتجهت نهجا غير مألوف واسلوبا يغلب عليه التحامل مما جعل الاطمئنان الى عدالة حكمها امرا غير ميسور وعرضة للمعايير السياسية التي لا شأن لها بالاحكام القضائية) انتهى‚ وتجدر الاشارة الى رد النائب العام المدون بمحضر جلسة 17/4/1986 كان كالتالي: ان النائب العام يقر بان المحاكمة لم تكن عادلة ولم تتقيد باجراءات القانون ويرى انها اجهاض كامل للعدالة والقانون ولذلك فانه لا يرغب في الدفاع عن تلك المحاكمة‚ وبهذا الاقرار فقد برأ عمر العاطي ساحة حكومة الجزولي دفع الله من اي مسؤولية تجاه المحاكمة الظالمة التي يبوء بمسؤوليتها نظام نميري وسدنته في زمن الهوس الديني وعهد الظلم‚ اخلص من كل ما تقدم الى الآتي: اولا: مرحبا بسلام السودان القائم على العدل في اقتسام السلطة والثروة والمساواة بغض النظر عن العنصر او اللون او الدين‚ ثانيا: لقد دفع الاستاذ محمود طه حياته من اجل السلام والوحدة حين اصدر منشور "هذا او الطوفان" قبل عشرين عاما‚ ولنا العبرة جميعا في هذه المحاكمة السياسية الظالمة‚ ثالثا: ان سلاح "التكفير" هو اكبر سلاح يهدد الانسانية جمعاء لانه يمنع التعايش والاعتراف بالآخر في مجتمع كوكبي وهو بذلك اخطر من اسلحة الدمار الشامل‚ اقول للتجمع ولقرنق ولباول وبوش نريد سلاما مصحوبا بالديمقراطية وحقوق الانسان كما هي في المواثيق الدولية‚

Post: #116
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:18 AM
Parent: #115


الشــاعـر صــديق ضــرار
طائر الصــــدى

طائر الصدى عند العرب هو ذلك الطائر الذى يأتى الموتورَ فيصرخ فيه ويفزِّعه كل ليلة
ولا يتركه حتى يأخذ بثأره وقيل أنه ( البوم )
وهذه القصيدة كتبت عندما اغتالت الطغمة الشرسة شهيد
الفكر الأستاذ محمود محمد طه ووقف وحده ، سوى من أبنائه الجمهوريين الوادعين . فذكرت أبادماك ( تجمع الكتاب والفنانين السودانيين ) الذى تكون عندما شعر الكتاب والفنانون بعد الإعتداء الآثم الذى قام به تنظيم جبهة الميثاق الإسلامى على احتفال جمعية الثقافة الوطنية بجامعة الخرطوم
كما وقد كانت جبهة الميثاق قد إجتهدت لاستصدار حكم من المحكمة الشرعية بردة الأستاذ محمود محمد طه . فما كان من الكتاب والفنانين إلا التجمع لحماية أنفسهم وحماية الفكر من هذه المغولية . ولى عودة فى مقال آخر عن هذا الموضوع .
المهم أنى ومن منطلق هذه الخلفية كان هاجسى فى هذه القصيدة رد المظلمة والثأر
للشهيد والدفاع المستميت عن حملة هذا الفكر البريىء / المنحاز
صديق ضرار
طـــــائـر الصــــــــــــــــدى

كلما دلفت الى الميناء بارجة
أقول الأصدقاء أتوْا
من المدن المؤازرة البعيدة
وبأجمل سيدات الأرض قد عادوا
ذات العيون المشرقات ،
تميس قامتُها المديدة .
تلك التى :
كانت ضفائرها
ـ أرجوحة للبدر
جبنها للشمس مرآة
ونحرها
نهرا تصدّفه ورودا
قد حلَّ منذ رحيلها محلٌ
وأصبحت القصيدة
حزناً تكفأ ساكناً
وأفقدنى الصمودا
* *
كلما دلفت إلى الميناء
بارجة جديدة
أقول الأصدقاء بها ،
متحفظاً أدنو قبالتها
بخطىً محاذرة وئيدة
وأمد سواعد الأشواق ،
منتظرا بشاشتها الودودة .
متى اقتربت
استدارت لترجمنى ذخيرتها
وتمد فى الإبحار بعد أن
أفرغ جوفُها النارى زخات حقودة .
تمضى وتتركنى وحيدا
فأنام مختنقاً
وفى عظمى من الحمى
ما يذيب العظم ـ إن كان معدنه حديدا
ويجيئنى فى الحلم
هذا الطائر الليلىُّ
يحمل لى وعيده
: ـ " الطفلة التى كانت
بقرب الساحل الرملىِّ
تلعب بالحصى
وبالصدف المدنّف ،
كيف تركتها :
ليخطفها القراصنة اللئام ؟
كيف بدونها قد عدت ؟
دون أن تردّ غائلة الِعدا ؟
وتعيد للشطئان طفلتَها الوليدة ؟
: ـ من كانت تدين لها الشموس بشاشة ،
ويضحك القمر الجميل على محيَّاها ،
وتخصب فى مراعيها الفصول ،
وترتع الأحلام هانئة ،
ويتصلُّ الذى :
ما بين دائرة الحجاب المستحيلِ ،
وبين عودتها الحميدة .
: ـ كيف تركتها
لتلفظها الموانىء كلها ؟
كيف تركتها ؟
فغدت مفزَّعةً شريدة "

صديق ضرار 3 فبراير 1985

Post: #118
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:23 AM
Parent: #116

from sudaneseonline.com
====

في ذكرى الأستاذ محمود محمد طه
احمد ضحية
مستقبل لا السودان بين ملاك الحقيقة المطلقة والقلق السياسي
• هذه الورقة ليست دراسة لفكر الأستاذ محمود محمد طه بقدر ما هي مقاربة لبعض أفكاره الأساسية التي طرحها في سفره الأول سنة 1945 ومقارنتها باللحظة الحرجة الراهنة التي تعيشها بلادنا مع إضاءة ابرز جوانب هذه اللحظة بتعقيداتها الاثنية والثافية والفكرية والأساسية ولذلك هي ورقة سياسية ذات طابع فكرى تعبيرا عن الوفاء لهذا المفكر الاسلامى رائد التنوير الديني الشهيد محمود محمد طه في الذكرى العشرين لإعدامه فقد مثل فكر الشيخ طه علامة فارقة في تاريخ الإسلام في السودان _الإسلام كايدولوجيا _إذ لم يكن الأستاذ مثل رجال الدين الآخرين بتفكيره العقلاني في معالجة قضايا التجديد وحسه النهضوى العالي في الإجابة على الأسئلة التي يطرحها الواقع في السودان والعالم العربي والاسلامى . بما مثل هذا النوع من التفكير الذي انطوى على قيم المحبة والتسامح والمواطنة والإخاء الانسانى محددا وإطارا عاما تحرك فيه الأستاذ طارحا فكره وحزبه الجمهوري كبديل لطروحات القوى السياسية (الطائفية:الصحوة الإسلامية ,الجمهورية الإسلامية ,كما عند الأمة والاتحادي والمشروع الحضاري كما عند الجبهة الاسلاميةومشاريع القوى الأخرى) فمنذ العام 1945 عندما أصدر الأستاذ محمود محمد طه كتابه( السفر الأول ) اهتم بمعالجة قضايا التجديد الديني وتحديد مهام الحركة السياسية والفكرية لتحرير السودان من براثن الحكم الثنائي الانجليزى المصري في سبيل بناء جمهورية ديموقراطية حرة سودانية تسع السودانيين جميعهم بمختلف أعراقهم وتبايناتهم
• لقد مر على السفر الأول منذ ا1945حتى اليوم ما يزيد عن النصف قرن من الزمان بثمانية سنوات ومع ذلك لا تزال القضايا التي اشر عليها الاشتاذ محمود محمد طه ماثلة لم تحسم لقصر نظر مخططي مشاريع النهضة في السودان الاملر الذي أدى إلى فشلهم وعجزهم عن إعطاء الاستقلال معناه الحقيقي الأمر الذي أل بالسودان ألان إلى مستقبل غامض يصعب التكهن بمجرياته فعملية السلام التي لا زالت مفاوضاتها تجرى حتى ألان بعد حرب دامت أكثر من 20 عاما ما خفي من مواثيقها واتفاقياتها السرية سواء كان بين طرفي الصراع : الحكومة كممثل للمركز أو شمال السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان كممثل للجنوب أو تلك التي بين الحكومة والجوار الاقليمى من جهة أو أميركا من جهة أخرى ؟! المخفي أكثر مما هو معلن وهو ما يجعل الأمر غامضا احتمالات انفجار بؤر أخرى للصراع تبقى ماثلة والتشرزم والانقسامات كذلك !
• فمنذ ميلاد الدولة في السودان بمفهومها الحديث في بدايات القرن الماضي وحتى 1983لم يكن التباين الديني يعد هاجسا يؤرق مضجع الحركات الدينية التقليدية (الطوائف والحركات الصوفية )فالبناءان الاجتماعية للمجتمعات السودانية استطاعت استيعاب الإسلام كدين داخلها دون إن يلغى هذا الدين الجديد القوانين الأساسية التي تتحكم في هذه البني الاجتماعية بمعنى إن العادات والتقاليد والأعراف تعايشت مع هذا الدين وحاورته فأنتج هذا الحوار نموذجا إسلاميا متصالحا مع إنسان السودان .. كان هذا النموذج هو الملهم للأستاذ محمود كتنويري يدرك خطورة جماعات وحركات الإسلام السياسي على مستقبل البلاد ووحدتها ومستقبل الإسلام نفسه نتيجة لاستخدامها الخاطىء للقيم الرمزية والمعنوية لتأكيد سيطرتها وهيمنتها فهذه القيم الرمزية المعنوية ترتبط بنظام كامل من المعارف وفقا لتصور هذه الجماعات والحركات للإسلام وعندما تفشل في فى فرض هيمنتها بواسطة هذه القيم تلجا لآليات القمع المادي وتمارس التكفير وإهدار الدم والاغتيال والإعدام الخ ...خاصة أنها في السودان ظلت مسنودة باليات السلطة التي مكنتها في 1966 من طرد نواب الحزب الشيوعي من البرلمان ومثل ذلك انتهاكا للدستور ولإرادة ناخبيهم من جماهير الشعب !!وفى 1984مضت هذه القوى خطوة أخرى بتكفيرها للأستاذ محمود وإهدار دمه ومن ثم إعدامه في 18 يناير إلى جانب تكفير وإهدار دم الكثيرين حتى ألان !!.منذ وقت مبكر أخذت هذه الجماعات المتناثرة بالأفكار الشيعية وأفكار حسن البنا في مصر تتغلغل في الحركات الدينية التقليدية ( الطوائف والحركات الصوفية ) وتحاول إعادة لنتاجها وفقا لمعايير الاستلام البياني الراديكالي .. وكانت تلك هي نقطة الانطلاق الأساسية للأستاذ محمود في سفره الاساسى : (الرسالة الثانية للإسلام ) . وعلى الرغم من المجهودان الجبارة التي بذلها اليسار السوداني والقوى الديموقراطية الاخرى الأخرى في نقل المجتمعات السودانية من مرحلة الطائفة والقبيلة إلا إن الأداة الأساسية : ( المنهج الجدلي العلمي ) لم تكن تكفى وحدها فى صلب متناقضات بلاد مثل السودان لم تعرف الايدولوجيا بمعناها السياسي والخدمي جيدا ولا تزال كل حياتها تنهض في الماورائيات وميثولوجيا الأرزاق !فالمجتمعات في السودان لم يكتمل انتقالها من مرحلة القبيلة أو الطائفة تماما ومن هنا كانت تلزم تلك الفترة أدوات أخرى إلى جانب المناهج العلمية للحفر عميقا في الوعي الاجتماعي العام وبتطويع هذا المنهج للعمل في واقع مثل واقع السودان المليء بالمتناقضات ومن داخل الخطاب الديني المهيمن على الوعي العام نفسه ولذلك شكلت مجودات الأستاذ محمود بفكرة الجمهوري في فضح جماعات الإسلام السياسي وطبقة رجال الدين خطرا حقيقيا على الإسلام السياى الأمر الذي أدى إلى تأمر الأخوان المسلمين ( جبهة الميثاق ) مع نظام السفاح نميرى واغتيالها فى18/1/1984 لأكبر شعلة نور أعادت قراءة الإسلام في السودان بصورة تجعل تعايش الأديان الاخرى معة أمرا ممكنا
• كان الأستاذ محمود يرى إن المغزى و المعنى الحقيقي للاستقلال يكمن في التخطيط لة اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وهو ما كان يميز الجمهوريين عن الأحزاب الطائفية التي لم تطرح برنامجا للتعمير والإصلاح وإنما كانت واجهات سياسية تتصارع فيما بينها على السلطة من اجل توسيع النفوذ الطائفي انتبة الأستاذ محمود لما فات على اذاهان منظري فكر النهضة في السودان بادراك إن الثقافة الإسلامية العربية لها دور تاريخي في السودان يجب إن تلعبة لكنها فشلت في لعب هذا الدور على الرغم من أنها الثقافة السائدة بفضل امتلاكها لآليات القوى المادية والمعنوية واليات إنتاج هزة القوى ومن هنا كان نظيرة لدولة موضوعية تضعف الانقسامات والشرزم كا محاولة لايقاف تنازل هذة الثقافة عن دورها التاريخي وانهماكها في الهيمنة مع عجز وسايلها عن الإجابة على الأسئلة التي يطرحها الواقع ما أدى إلى أزمة الهوية واستقرار الحكم والتنمية
• قامت الفكرة الجمهورية في الحرية حرية الراى كا مبدأ أصيل في الإسلام ( الدين ) تم الانقلاب علية منذ العهد الاموى ليرسى بعد ذلك العباسين دعائم دولة ثيوقراطية استمرت في إشكال الدول التالية لها في المجال الثقافي الاسلامى العربي بحيث أصبح الإطار التشريعي لدعاة الدولة الدينية منذ ما بعد الكلونيالية مستمدا من جزورة العباسية والشيعية التي ينهل منها ويستمد قوتة لتكون نتيجة ذلك في السودان إصدار الديكتاتور نميرى لقوانين سبتمبر 1983 الشهيرة التي قضت بإعدام الأستاذ محمود محمد طة بعد مصادرة حرية الفكرية وسجنة وتكفير واتهامة بالردة وإهدار دمة هو ومن معة من الأخوان الجمهوريين وتقتيل وقطع ايدى وأرجل عشرات الإلف من السودانيين باسم تحكيم شرع الله وتطبيق الحدود وعلى الرغم من انقضاء عهد النميرى إلا إن قوانين سبتمبر استمرت في جوهرها كا إطار مرجعي قاد إلى اعتلا الجبهة الإسلامية في 1989 لسدة الحكم اثر انقلابها على الحكومة الديمقراطية التي فشلت في الإتيان بإطار تشريعي بديل ومنذ 1989 وحتى ألان ظلت الجبهة الإسلامية تحاول بناء الواقع الافتراضي للإسلام ( الإسلام كما تتصور في ذهنها ) بإزاحة الواقع الحى المعاش للمجتمعات في السودان وإحلال هذا الواقع الفتراضى محلة فأعلنت الجهاد على غير المسلمين في الجنوب وجبال النوبة واشرعت السودان لأوسع حرب دينية يمكن تصورها وقد حذر الأستاذ محمود منذ الأربعينيات من هذا الخطر القادم وقتها ولم تعر الحركة السياسية الأمر اهتما إلى إن بدأ يتحقق عمليا منذ 1983 كان الأستاذ محمود يؤكد على الدوام إن الله خلق الإنسان حرا على الفطرة من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ولكم دينكم ولى دين .فذكرفانما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر , ولو شاء ربك لآمن من في الأرض جميعا أفأ نت تكهرة الناس حتى يكونو مؤمنين , قل امنوا بة آو لاتومنوا .. فالإنسان لا يواجهة مسئولية أعمالة الدنيوية إلا بعد الموت يوم الحساب والعقاب فالله لم ينيب عنة احد ليعاقب الناس بدلا عنة ومشكلة الإنابة عن الله في وعى الإسلام السياسي من اخطر المشكلات إذ يتداخل فدى وعى هزة الجماعات ما هو زمني نسبى بما هو روحي مطلق إذ لا تستطيع الفصل بين السلطة الزمنية النسبية التي مجال اشتغالها المجتمع ومؤسسات الدولة في إطار تلبية الحاجات الماثلة لهز المجتمع إلى جانب غياب مفهوم الوطن عن ذهنهم فهو وطن معنوي كما أثبتت تجربة الجبهة الإسلامية منذ لخاص بها الذي لاتفق فية مع الآخرين إلا على الأركان الخمسة ؟ ما يجعل الأمر شبيها باسلا مات عدة وذلك لنهوض الإسلام كا دين في التأويل بحيث يتم تاويلة وفقا للمرجعيات المعرفية للشخص الموؤل ووفقا للزمن والمكان والظروف النفسية التي يعيش فيها هذا الشخص إلى جانب تكوين الثقافي وتجاربة الاجتماعية فكل هذة إلا شياء توتر في تاويلة وقد انتة الأستاذ محمود لهذا الأمر منذ وقت مبكر فجعل الواقع محور اهتمام للدرجة التي اخذ يستخدم فيها اللغة العربية السودانية التقى تفهما كل مستويات الوعي في السودان في طرحة لوجهة نظرة في مختلف القضايا المعقدة والشايكة مثل العلاقة بإسرائيل فهو أول من قال بسلام والمصالحة معها وضرورة التوصل إلى صيغة تعايش بين الفلسطينيين واليهود الخ ... ومن هنا كان واضحا أن مرجعية المعرفية الأساسية هي الواقع وما ينطوي علية هذا الواقع من ثقافات ومعارف ولذلك جاء استخدام للعربية السودانية لما تحمل من معارف ولقدرتها على النفاذ إلى الوجدان الثقافي في السودان وبوسطة هذة اللغة حاول إزاحة المفاهيم المتناقضة التي زرعتها وتحاول زراعتها جماعات وحركات الإسلام السياسي في السودان وإحلال مفاهيم الجمهوريين الإسلامية الديمقراطية الاشتراكية التي تنادى بمساواة المرآة بالرجل وتنبة إلى ضرورة مراجعة قانون الأحوال الشخصية الذي ينتقص من حقوق المرآة وقد عمل الأستاذ محمود والأخوان الجمهوريين باجتهاد في ما يشبة عملية الحفر في البنية الاجتماعية لإحلال مفاهيم الفكر الجمهوري التقدمية محل السلبي من العادات والتقاليد والأعراف والمعتقدات الخ ..
• إن إدراك الأستاذ محمود محمد طة لحق الاختلاف وحرية الراى واحترام الراى الأخر والتعددية في وقت لم يعرف فتة السودان سوى الاستبداد وقهر الراى الأخر وتاكيدة للحرية كا مبدأ يرتكز علية الفكر الجمهوري (ندعو أول ما ندعو إلى شئ أكثر ولا اقل من إعمال الفكر الحر وليظنن احد إن النهضة الاقتصادية ممكنة بغير الفكر الحر ولا يظنن احد إن الحياة نفسها يمكن إن تكون منتجة بغير الفكر الحر 1) وهكذا شكل مفهوم الحرية أساسا وقاعدة ينهض فيها الإسلام ( وأنزلنا أليك الذكر لتبين للناس ما انزل أليهم ولعلهم يتفكرون 2 ) هذا الأيمان بالحرية لامس الوجدان الثقافي للسودانيين ووجد قبولا لم يجدة غيرة من الأفكار فمنذ أربعينيات القرن الماضي وحتى ثمانينيات شهد الفكر الجمهوري تحولاتة الكبرى بتحولة إلى حزب واسع القاعدة وبانتشار وسطة الطبقة الوسطي ما اشر على تهديد بالغ لجماعة الأخوان المسلمين والجماعات الأخرى المتطرفة التي خرجت من عباءتها لقد ركز الأستاذ محمود محمد طة على تبيان الجانب المشرق في الإسلام ولم يفعل مثل الجماعات الراديكالية بتقديم الإسلام كدين قمع وعنف وقتل وقطع با لخلا ف ... بحيث تصبح صورة الله في أذهان المسلمين صورة مخيفة مرعبة تطاردهم حتى في الأحلام فقد عمد الأستاذ محمود محمد طة إلى فهم تربوي يعلى من قيمة الضمير الانسانى والتسامح والسلام وهو ما ظل السودانيين بحاجة الية للتصالح مع أنفسهم ومع واقع التباين الديني والتعدد الثقافي والتنوع الاثنى الذي تميز بة السودان حيث لايمكن اكراة احد على شئ في مثل هذا الواقع ناهيك عن الاكراة في الدين ومثل ما يقول د/ احمد صبحي ( أنهم يعطون دين الله وجها قبيحا متشددا دمويا متحجرا متأخرا يسهمون في إبعاد أغلبية الناس عنة ... ولأنهم الأعداء الحقيقيين لدين الله تعالى فان الله تعالى شرع القتال والجهاد ضدهم وشرع الجهاد والقتال لا لإرغام الناس على دخول الإسلام وإنما لتقرير حق الناس في الأيمان أو في الكفر وفى رفع وصاية الكهنوت عليهم والكهنوت هم أولئك الذين يدعون التكلم باسم الله ويتحكمون باسمة في عقول الناس وأفكارهم حاربهم الإسلام بالجهاد وتشريع القتال ولكن افلح الكهنوت العباسي والشيعي في قلب المفاهيم وتحريف الإسلام عن مواضيع 3 ) مقاومة هذا الكهنوت في السودان ظل شاغلا لفكر الأستاذ محمود محمد طة إلى إن نجح هذا الكهنوت في اعدامة في 18/1/1984 ليكون أول شهيد لأجل المبادى والأفكار التي قال بها ومن قبل ذات الجماعة التي كرست جل وقتة لدحض أفكارها وتبيان خطرها على الدين والمجتمع ووحدة البلاد
• لقد حرص الجمهوريون على عدم تسمية اسمهم بالسلام حتى لا يختلط اسمهم باسم الدعوات المنسوبة إلى الإسلام ك (الأخوان المسلمين ) وما شابة ( والأخوان الجمهوريين بذلك طلائع الأمة الإسلامية المرتقبة التي يبشرون بمجيئها ويمهدون لهذا المجئ بإقامتهم الإسلام في أنفسهم وبدعوة الناس الية فعمل الأخوان الجمهوريين اليوم إنما هو ليكونوا غدا الأخوان وليكونوا المسلمين فان هذين الاثنين هما اللذان سوف يطبقان عليهم يومئذ غير إن دعوتهم وهى إلى الإسلام سوف يتاذن الله بشيوعها
سوف يتاذن الله بشيوعها في كل بقعة من بقاع هذا الكوكب فيدخل الناس فيها أفواجا ويومئذ فلن تميز بين الناس العقيدة ولا العنصر ذلك بان هذا الكوكب سوف تحكمه حكومة عالمية واحدة تخضع لها سائر الدول فلا يكون التمييز بين الناس إلا على أساس أقاليمهم وتصير البشرية إلى الإنسانية حيث الوحدة التي في إطارها تنمو وتزدهر الخصائص الأصيلة لكل إقليم 5) لقد كان الأستاذ محمود ذا نظرة ثاقبة لمال البشرية فما طرحه في العام 1945باستقراءه لواقع الحال والعولمة لم تتشكل وقتها بعد كمفهوم ثقافي اجتماعي يؤكد بعد النظر والقدرة العلمية العالية على امتلاك قوانين الواقع هذه القدرة هىما ظلت تخيف الحركات الظلامية المعادية للإنسان ولذلك كان الإنسان والبعد الانسانى الكوني في الفكر الجمهوري هو محور اهتمام الأستاذ محمود فالفكر الجمهوري ينظر إلى إن الأصول الأساسية المشتركة بين الناس كافة هي العقل والقلب أو ما يعرف بالمواهب الطبيعية ولذلك نهض هذا الفكر في تنمية المواهب الطبيعية لا مصادرتها بتصورات مسبقة باسم الإسلام ومن هنا كان منهج الأستاذ محمود مع إتباعه وخصومه هو الحوار أراد بذلك تعميق الحوار كقيمة إنسانية رفيعة تجابه الاستبداد والتسلط باسم امتلاك الحقيقة المطلقة فكان يستمع إلى كل خصم بصبر ويرد عليه بموضوعية ومنطق مترابط حكيم ولا يستنكف الجلوس لساعات طوال للرد على سائل في مسالة اشتبهت عليه وبذات السماحة يجلس إلى الأخوان الجمهوريين فقيمة الحوار عند الأستاذ محمود محمد طه مكملة لمبدأ الحرية في الراى والتفكير فدون هذه القيمة وهذا المبدأ يصبح العقل الانسانى جامدا أسيرا لفتاوى واجتهادات عصور الانحطاط والظلام والله تعالى كرر في كتابه المقدس : أفلا تعقلون .. وجعلناكم شعوبا وقبائل .. وكان الإنسان أكثر شيء جدلا .. قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا .. وجادلهم بالتي هي أحسن .. ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ..فقد كان احتكام الأستاذ محمود للعقل الانسانى فبالعقل نستدل على وجود الله وآياته في الكون والعقل هو منبع الحكمة ومغامرات هذا العقل هي التي تقف خلف الفتوحات الإنسانية في كل العصور مرورا بالتكنلوجيا والتقنية المدهشة التي نستمتع باستخدامها ألان سواء في مجال الاتصالات لو الأعلام او غيرها من فتوحات ولذلك خاطب الله العقل للتمييز بين الخير والشر فالأديان كلها في جوهرها دعوة للحق والعدل والخير والجمال هذا العقل الذي احتفى به الاستاد محمود ظلت حركات وجماعات الاستلام السياسي تعمل دوما على مصادرته بما تحاول فرضه من وصاية وبادعائها امتلاك الحقيقة المطلقة وسعيها لاحتكار الدين دون اعتبار إلى أن الاختلاف اصل ولازمة للحرية والحوار لقد كان الأستاذ محمود منذ سبعينيات القرن الماضي المطلوب رقم واحد على قائمة التكفير وإهدار الدم في السودان ومن قبل بعض دول المنطقة التي لعبت دورا اقتصاديا كبيرا في تمويل حركات وجماعات الإسلام السياسي في السودان إلى جانب ممارستها لتأثيرات سيئة أسهمت بفعالية في الاختناق الوطني ةوالازمة الوطنية الشاملة فالحركة السياسية أصلا ولدت شائهة منذ مؤتمر الخريجين ما جعلها تتجه للحكومة الكولونيالية بمطالبها دون أن تتوجه لهذا الشعب الذي مارست عليه تأثيرا سيئا بان عمقت من التطابق بين مفهوم الهوية والدين وعجزت عن تقديم طروحات تجيب على اسئلة المستقبل فانفجرت مشكلة الجنوب وتعقدت وعبر الأستاذ محمود محمد طه عن ذلك بقوله (لماذا قامت عندنا الأحزاب أولا ثم جاءت مبادئها أخيرا ولماذا جاءت هذه المبادىء حين جاءت مختلفة في الوسائل مختلفة في الغايات ولماذا يحدث تحور وتطور في مبادىء هذه الأحزاب بكل هذه السرعة ثم لماذا تضل هذه الأحزاب المساومة في مبادئها 6)فقد هزمت القوى السياسية في المركز (الخرطوم )الثقافة الإسلامية العربية بعدم طرحها للأسئلة الصحيحة للنهضة في السودان باعتقاداتهم في فراديس مفقودة : الدستور الاسلامى , الصحوة الإسلامية والجمهورية الإسلامية ,ودولة الخلافة ولم يفتح الله عليهم منذ فجر الاستقلال بابتكار آليات للقطيعة مع أدوات إنتاج المعرفة السائدة التي أودت بالسودان إلى ما أودت به فعجز عن حل مشكل مثل الهويةعلى سبيل المثال باعتباره ظل على الدوام الأس في ألازمة الوطنية الشاملة )انطلاقا من الواقع المادي شديد التعقيد للسودان كبلاد ذات واقع متنوع ثقافيا ومتباين اثنيا ومتعدد دينيا على الرغم من إن السودان هو الدولة رقم 6 من حيث الموارد على مستوى العالم وقبل الأخيرة من حيث التنمية وفقا لتقارير الأمم المتحدة الإنمائية ويقول الأستاذ محمود (العناية بالوحدة القومية ونرمى بذلك إلى خلق سودان يؤمن بذاتية متميزة ومصير واحد وذلك بإزالة الفوارق الوضعية من اجتماعية وسياسية وربط أجزاء القطر شماله بجنوبه وشرقه وغربه حتى يصبح كتلة سياسية متحدة الإغراض متحدة المنافع متحدة الإحساس 7) وبالطبع كان يحول بين أنجاز هذا التصور نظرة العقل السياسي الاسلاموعربى في السودان كعقل مركزي للثقافات الطرفية التي ينظر إليها كموضوعات للتعريب والاسلمة ومشاريع للاستشهاد الدائم بدلا عن النظر لهذه الثقافات كذوات من حقها الإسهام في صياغة المعنى الاجتماعي العام للحياة في السودان الأمر الذي ترتب عليه حرب الجنوب \الشمال والشمال \دار فور والشمال \جبال النوبة الخ ...نتيجة لإحساس هذه الثقافات بنفسها ووعيها بزاتها ورفضها لان تكون موضوعا لمشروعات المركز فقد فشل المركز فدى تحقيق أدنى حد من الحياة العادلة وهو ما نبه إليه الأستاذ محمود فقد كان يطمح غلى تحقيق تصوره (تمكين الفرد من ناحيته الإنتاجية والمعيشية حتى يتمكن من استغلال موارد بلاده الزراعية والصناعية بان شاء جمعيات تعاونية لهذا الغرض وإنشاء نقابات توجه العمال 8) لقد قال الأستاذ محمود بذلك في وقت لم تنشا فيه بعد الحركة النقابية إذ اهتم لشان الفلاح قبل قيام اتحادات المزارعين ودعي للاشتراكية الديموقراطية وحرية المرآة وتطوير التشريع الاسلامى وتطوير شريعة الأحوال الشخصية والموقف الواضح من التعليم الديني ( هو الذي يخرج من يعرفون بطبقة رجال الدين صوروا الدين بسوء تمثيلهم له صورا شوها ... ومعاركنا مع رجال الدين هي معارك مبدئية 9)كل هذه الأمور جعلته مستهدفا من قبل الإسلاميين في المنطقة والسودان لأنه عمل على نزع القناع الذي يختبىء خلفه هؤلاء الاسلامويين وعمد إلى تعميم الوعي بالإسلام كدين يدعو إلى الحرية والتعايش والسلام ( والمدهش إن الله تعالى لم يستنكف أن يسجل أراء خصومه مع أن أرائهم لا تستحق إن تكون أراء إنما هي سباب وتطاول وسؤ أدب فاليهود قالوا إن يد الله مغلولة وقالوا إن الله فقير ونحن أغنياء وفرعون قال انه لا يعلم تلاها للمصريين غير فرعون وانه ربهم الاعلا لو كان من الممكن إن يصادر الله تعالى هذه الأقوال فلا نعلم عنها شيئا وبعضها قيل في عصور سحيقة قبل نزول القران ولولا القران ما علمنا عنها شيئا ومصادرة الكتب والمؤلفات هي الهواية المفضلة للكهنوت الديني والسياسي 10) لقد عمدت جماعات الإسلام السياسي في السودان على رأسها طليعتها المتقدمة الجبهة الإسلامية على مصادرة الفكر الجمهوري باستخدام كافة وسائل الاتصال الجماهيري الممكنة لتشويه الفكر الجمهوري ولف انشوطة الردة والتكفير حول عنق الأستاذ محمود محمد طه واستطاعت الهيمنة إلى حد كبير على الوعي العام بواسطة هذه الوسائل تمهيدا لإعدامه الذي تم في 18يناير 1984فوضعت جماعات الإسلام السياسي الأساس التاريخي في السودان لأدب التكفير وإهدار الدم ليتمظهر في عهدا لجبهة الإسلامية منذ 89 في إشكال عدة ابتداء بإحداث الثورة الحارة الأولى التي قتل فيها احد المتطرفين الذين ينتمون إلى جماعة التكفير والهجرة أكثر من عشرين مصليا بمسجد الحارة الأولى امدرمان الثورة في مستهل التسعينيات وفى خواتيم التسعينيات تكرر ذات الحدث بصورة بشعة من قبل المدعو عباس الدسيس المنتمى لذات الجماعة وفى هذا العام 2003 تم تكفير 10 من المواطنين السودانيين وإهدار دمهم والإعلان عن مبلغ 2 مليون جنيه مقابل قتلهم من قبل جماعة متطرفة أسمت نفسها بكتائب الفرقان هذا غير حملات التكفير وإهدار الدم التي ظلت تتم للطلاب العلمانيين في الجامعات السودانية منذ العام 1990 وهكذا استطاعت الجبهة الإسلامية لا إعدام الأستاذ محمود فقط بل ذهبت إلى ابعد من ذلك بزرعها القنابل الموقوتة منذ اعتلائها سدة الحكم تتمثل هذه القنابل في جماعات وحركات الإسلام السياسي الراديكالية إذ فتحت الجبهة الإسلامية منذ 1989 الحدود السودانية إمام المتطرفين الإسلاميين في كل العالم الاسلامى ليجدوا في السودان مكانا ملائما لممارسة أنشطتهم الإجرامية المعادية لحقوق الإنسان والتي أولها حق الحياة بسلام وامن فالوطن لدى هذه الجماعات والحركات وطن معنوي فضفاض أكثر منه تجسيدا لحدود جغرافية معلومة ووطن هؤلاء الاسلامويين هو أينما يوجد مسلمين دون أدنى اعتبار لمفهوم الدولة وما يطرحه هذا المفهوم خاصة فيما يتعلق بالسيادة الوطنية والحدود والمواطنة والاجنبى والصديق والشقيق والمشترك الثقافي والانسانى الخ ...لقد كان الأستاذ محمود محمد طه يرى كل هذه المتناقضات منذ أربعينيات القرن الماضي قبل تصاعدها بعقود عدة ولذلك كانت اولويات أجندة عمل حزبه الجمهوري محاربة القوى الظلامية ممثلة في الأخوان المسلمين وأرصدتهم المتأخرة (القوى الطائفية والأنظمة الرجعية مثل نظام نميرى أو البشير ) لتكون النتيجة الراهنة وضع السودان ألان أمام احتمالات مخيفة : 1\ انتصار الاسلاموعربية (الايدولوجيا ). 2 \ أو انتصار ما ينطوي عليه المشروع المعلن لقرنق (ما ينطوي عليه وليس ما هو معلن )؟؟ 3\ انتصار المشروع الاميركى بتحويل السودان لدولة أشبه بمصر أو إمارات وممالك الخليج ... فكل ما اشرنا إليه ليس هو المطلوب بعد كل هذه السنوات الطويلة وعذاباتها المريرة وقمعها الماساوى وحربها الضروس فالمطلوب هو إسهام الجميع في صنع معنى مشترك للحياة في وطن واحد دون استعلاء مجموعة على أخرى أو هيمنة مجموعة على أخرى وبناء دولة سودانية ديموقراطية قوية تحكمها المواطنة والإخاء وذكرى استشهاد الأستاذ محمود محمد طه في سبيل السودان الديموقراطي الموحد دعوة لتتأمل القوى السياسية ذاتها وحالها ومالها حتى لا يتسع مدى المليشيات ونعود إلى المربع الأول
هوامش :
1\ محمود محمد طه . السفر الأول . منشورات الأخوان الجمهوريين . ط أولى 1945 ص : 3
2\السابق ....................................................................ص:4
3\نفسه.........................................................................ص:5
4\ المنظمة المصرية لحقوق الإنسان . حرية الراى والعقيدة .مجموعة أبحاث ......ص: 93
5\ محمود محمد طه . السفر الأول.............................................ص :6
6\ السابق....................................................................ص : 8
7\ نفسه ....................................................................ص: 11
8\نفسه .....................................................................ص :12
9\نفسه .....................................................................ص:15
10\المنظمة المصرية لحقوق الإنسان ...........................................ص 50

Post: #119
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:28 AM
Parent: #118



د. النور حمد
يصادف الثامن عشر من يناير الجاري، من عام 2004 ، مرور الذكرى التاسعة عشرة، لإعدام المفكر الإسلامي السوداني، الأستاذ محمود محمد طه. وإعدام المفكرين التجديديين، في التاريخ الإسلامي، ليس أمرا جديدا. فلقد ظلت تهمة الزندقة، والخروج على إجماع المسلمين، هي التهمة المفضلة لدى القابضين على أزمة السلطة، والثروة، للقضاء على كل مفكر، وكل فكرة تعمل على تحريك الراكد، وعلى تنوير الناس بإنسانيتهم، وبحقوقهم المسلوبة. جرى ذلك، للحسين بن المنصور، المعروف بالحلاج، في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي). ولقد كان الحلاج، من المتصوفة الذين لم يكتفوا بالصلاة، وبالتسبيح، وبتشقيق المعاني، وحسب، وإنما اتجه للحديث عن تفشي المظالم، وعن غرق الحكام في الترف، وإهمالهم شؤون العامة. حاول الحلاج نصرة المظلومين، من غمار الناس، فأزعج ذلك أهل السلطة، والثروة، في تلك الحقبة، فدبروا له تلك المحاكمة التي قضت بصلبه. ومع ذلك، نجحت السلطات، في تاليب العامة، وفي حشدهم، واستخدامهم ضده، رغم أنه لم يصدع بآرائه، إلا لنصرة أولئك العامة، هادفا إلى استرداد حقوقهم، وكرامتهم الإنسانية المضيعة.

جاء في مسرحية الحلاج، للشاعر الراحل، صلاح عبد الصبور.

صفونا صفا صفاً
الأجهر صوتا، والأطول،
وضعوه في الصف الأول
ذو الصوت الخافت والمتواني،
وضعوه في الصف الثاني،
أعطوا كلا منا دينارا من ذهبٍ قاني
براقاً لم تمسسه كفْ
قالوا صيحوا: زنديقٌ كافرْ
صحنا: زنديقٌ كافرْ
قالوا صيحوا: فليقتل، إنا نحمل دمه في رقبتنا
صحنا: فليقتل، إنا نحمل دمه في رقبتنا

نفس هذا المشهد، وأعني مشهد هتاف العامة، في وجه مفكر محكوم عليه بالإعدام، تكرر بعد قرابة الألف، ومائة عام، تقريبا، في سجن كوبر بالخرطوم، في يوم 18 يناير 1985! وقد وثقت بالقلم، لمشهد تنفيذ الحكم على الأستاذ محمود محمد طه، الصحفية الأمريكية، جوديث ميللر، وأشارت إلى صدمتها عند سماع من هتفوا (تحيا العدالة)، أو (أخذت العدالة مجراها)، في ذلك اليوم الأسود، من تاريخ السودان المعاصر. كانت ميللر، وقتها، مسؤولة عن مكتب صحيفة نيويورك تايمز بالقاهرة. وقد جاءت إلى الخرطوم بقصد تغطية الحدث. وبالفعل، فقد أرسلت ميللر، تقريرها الذي أعدته عن حادثة التفيذ، إلى صحيفتها في نيويورك، وتم نشره في صبيحة يوم 19 يناير، 1985. وفي عام 1996 أخرجت جوديث ميللر كتابا، أسمته (لله تسعة وتسعون إسما) God has Ninety Nine Names ناقشت فيه الحركات الإسلامية، في العالم العربي، والإسلامي. وقد كرست الجزء الأول من الكتاب، لحادثة التنفيذ التي جرت في حق الأستاذ محمود محمد طه، في سجن كوبر، في العاشرة من صبيحة يوم الجمعة، 1985، والتي كانت أحد شهود العيان لها.

جاء في وصف ميللر، للحادثة، في كتابها (لله تسعة وتسعون إسماً)، ما نصه:

((كان صباحا مثاليا. بعد سويعات، تصبح الخرطوم خانقة. ولكن عند السادسة من صباح 18 يناير من عام 1985 كان الهواء صافيا. وكانت السماء قد لبست بالفعل زرقة حمام السباحة.

في غرفتي بفندق الهيلتون، كان الصوت الوحيد، هو صوت مكيف الهواء، ذي العشرين سنة، وهو يضخ هواء محتمل السخونة. شربت قهوتي، وقرأت جريدة الصباح، محاولة ألا أفكر فيما سيحدث. لقد رأيت وقمت بأشياء كثيرة، بوصفي رئيسة مكتب صحيفة نيويورك "تايمز" بالقاهرة. كما شهدت أحداثا مروعة عديدة منذ رحلتي الأولى إلى الإقليم في عام 1971، وأنا لم أزل طالبة حديثة السن. غير أني، لم أغطي حادثة تنفيذ حكم بالإعدام.

بعد ساعة خرجت في طريقي إلى سجن كوبر. ساحة سجن كوبر مستطيلة الشكل، وبحجم ميدان لكرة القدم. عندما وصلت برفقة جمال محي الدين، مدير مكتب مجلة "تايمز" بمصر، كانت ثلاثة أرباع تلك الساحة ممتلئة بالناس. كنت ألبس جلبابا أبيضا فضفاضا، وغطاء للرأس، لئلا يكتشف حراس السجن أنني شخص أجنبي. لوح لنا الشرطي بيده إيذانا لنا بدخول موقف السيارات. فعل ذلك، من غير أن يلقي حتى بنظرة ثانية نحوي في المقعد الخلفي. علما بأن المقعد الخلفي هو المكان الطبيعي، لوجود امرأة في سيارة، في الشرق الأوسط. خفضت رأسي بينما سرنا أنا وجمال ببطء، وسط الحشد، نحو قلب ساحة السجن، لنجد مكانا للجلوس على الأرض الرملية.

كانت المشنقة في الجانب البعيد من الساحة. مرتفعة نوعا ما، غير أنها أقل في الارتفاع من حوائط السجن المبنية من الحجر الرملي. كان المشهد في كوبر مرحا. لا شئ هناك يشبه الصور المتجهمة التي رأيتها للسجون الأمريكية حيث يحتشد أصدقاء وأقارب المحكوم عليهم بالإعدام، خارج الأسوار، وسط المتظاهرين المعترضين الذين يحملون الشموع في الليل.

يبدو أنني كنت المرأة الوحيدة في الساحة. وبدا أن كثيرا من الحاضرين، الذين يقدرون ببضع مئات، يعرفون بعضهم البعض. ظلوا يحيون بعضهم البعض، بتحية الإسلام التقليدية " السلام عليكم" ويجيء الرد مرات ومرات "وعليكم السلام". الرجال ذوو البشرات الداكنة، في عمائمهم التي يبلغ ارتفاعها القدم، وجلابيبهم البيضاء الفضفاضة، يتضاحكون ويتجاذبون أطراف الحديث، حول حالة الطقس، بشائر محصول تلك السنة، والحرب التي لا تنتهي في جنوب السودان. ورويدا رويدا، جلس كل واحد على الرمل، تحت وهج الشمس، التي بدأت حرارتها تزداد قسوة مع كل دقيقة تمر. كان الموعد المعلن لتنفيذ الحكم هو الساعة العاشرة.

قبل الزمن المحدد بقليل، قيد محمود محمد طه إلى الساحة. الرجل المحكوم عليه والذي كانت يداه مربوطتان خلف ظهره، بدأ لي أقل حجما مما كنت أتوقع. ومن المكان الذي كنت أجلس فيه، وبينما كان الحراس يسرعون به إلى الساحة، بدا لي أصغر من عمره البالغ ستة وسبعين عاما. سار مرفوع الرأس، وألقى نظرة سريعة على الحشد. عندما رآه الحاضرون، انتصب كثيرون منهم واقفين على أقدامهم، وطفقوا يومئون ويلوحون بقبضات أيديهم نحوه. ولوح قليلون منهم بالمصاحف في الهواء.

تمكنت فقط من التقاط لمحة خاطفة من وجه طه، قبل أن يضع الحارس الذي قام بالتنفيذ، كيسا ملونا على رأسه وجسده. ولن أنسي ما حييت، التعبير المرتسم على وجهه. كانت عيونه متحدية، وفمه صارما، ولم تبد عليه مطلقا، أية علامة من علامات الخوف. بدأ الحشد في الهتاف، بينما كان مجندان سودانيان يلبسان زيا رملي اللون، يضعان عقدة الحبل على المكان المفترض أن تكون فيه رقبة محمود طه. ورغم أن ضجيج الحشد قد ابتلع أصوات الجنديين، إلا أنه بدا وكأنهما كانا يصيحان ضده. فجأة تراجع الحراس للوراء، ثم سُحبت أرضية المنصة. فاشتد الحبل، واهتز الغطاء الموضوع على جسد طه في الهواء. اشتعل الهدير في الساحة "الله أكبر". وتكثف الهتاف عندما بدأ الحشد في تكرار الهتاف بشكل جماعي، "الإسلام هو الحل". الرجال الذين امتلأوا حماسة، عانقوا وقبَّلوا بعضهم البعض. أحد الرجال الذين كانوا بجانبي صرخ، "أخذت العدالة مجراها"، ثم جثا على ركبتيه، ووضع جبهته على الرمل وتمتم بصلاة إسلامية. الحالة الاحتفالية التي جرت من حولي، صعقتني، وأصابتني بالغثيان. جذبت جمال من كم قميصه، محاولة أن أشعره بأنه يتعين علينا مغادرة المكان، فقد كنت بالفعل، عاجزة عن النطق. في حالة التوتر العصبي التي اعترتني لابد أنني قد قمت لا شعوريا بسحب الغطاء الذي كان يغطي رأسي، فانحرف عن موضعه. استشعر جمال الخطر، وجذب الغطاء على ناصيتيْ شعري اللتين انكشفتا، ودفعني بحزم صوب المخرج. وبينما كنا نشق طريقنا صوب البوابة الحديدية الثقيلة، بدأت الرمال في الثوران والارتفاع في شكل سحابة برتقالية نتيجة لجرجرة الحشد لأقدامهم على الأرض الترابية. عند وصولي للمدخل، لويت عنقي لألقي نظرة أخيرة على المشنقة. كان الكيس، وجسد طه لا يزالان متدليان على الحبل. فتساءلت في نفسي، متى سينزلونه؟.

لدى كثير من السودانيين الذين هللوا لإعدامه في ذلك اليوم، فإن طه قد اقترف أسوأ جريمة يمكن أن ترتكب. لقد أدين بتهمة الردة عن الإسلام. وهي تهمة نفاها طه، الذي أصر حتى النهاية، أنه ليس مهرطقا، أو مرتدا عن الإسلام، وإنما مصلح ديني، ومؤمن وقف في وجه التطبيق الوحشي للشريعة الإسلامية، "قانون المسلمين المقدس" والطريقة التي فهمها ونفذها بها الرئيس جعفر نميري. من وحي الموقف، أحسست، أنا أيضا، أن طه لم يقتل بسبب يتعلق بنقص في قناعته الدينية، وإنما بسبب من نقصهم هم)) .. إنتهى نص ميللر. (ص. ص.11 –12)

التهليل لإعدام أي إنسان، بغض النظر عن جريرته، سلوك قوي الدلالة، على سيطرة الروح الهمجية والبربرية، على وعي من يتحمس له، ويقوم به. وقد مر الغرب بتجارب مماثلة لهذه التجارب، في مسار تطوره الوئيد، نحو الديمقراطية، وترسيخ حكم القانون، ودولة الحقوق، والمواطنة. فمشهد العامة الذين تحشدهم السلطات، وتعبئهم ضد المفكرين، والعلماء، فيتوافون على ساحات التنفيذ، مستمتعين بإعدام الأبرياء، مهللين له، مشهد قد كان شائعا، في أوروبا القرون الوسطى. ولقد عرفت المناطق الوسطى من أوروبا، حتى بداية القرن السابع عشر، محاكم الساحرات، وإدانتهن بتهمة ممارسة السحر، بل وحرقهن في أتون المحارق، وهن حيات. كما ظلت أنجلترا، تمارس محاكمة المخالفين للعقيدة الدينية السائدة، حتى القرن السابع عشر. وقد تعرض وليام بن، الذي هاجر في عام 1682 ، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبح الأب المؤسس لولاية بنسلفانيا، إلى المحاكمات، والسجن، بسبب إنتمائه إلى طائفة الكويكرز. وطائفة الكويكرز، طائفة دينية، مسالمة، لا يؤمن أتباعها بالعنف، وبالحرب. وهي طائفة تدعو إلى الإخاء، والمساواة، وكفالة الحريات. غير أن الكويكرز تعرضوا لمحاكمات مستمرة من جانب السلطات الكنسية الإنجليزية، حتى إضطروا إلى الهجرة، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب المضايقات. ولعل أكثر ما اثار حفيظة رجال الدين الإنجليز على الكويكرز، قولهم بضرورة خروج رجال الدين من بين الله، وبين الناس. ومعروف أن الكويكرز ليس لهم قساوسة مثل بقية الطوائف المسيحية.

لاحقت الكويكرز المحاكمات، في أمريكا التي هربوا إليها. فقد حوكموا في أمريكا، وعذبوا، وسجنوا. وتم منعهم من الدخول إلى الأراضي الأمريكية. وقد وصل الأمر بسلطات نيو إنجلند، حد محاكمة قبطان أي سفينة تأتي إلى السواحل الأمريكية، بواحد من طائفة الكويكرز. والطريف أن أمريكا التي منعتهم من دخول أراضيها، بادئ الأمر، بل وقامت بشنق بعضهم، أسست فيما بعد، أهم سمات دستورها، وقوانينها على فكر الكويكرز. ويعتبر ويليام بن، الذي ورد ذكره قبل قليل، أحد الآباء المؤسسين للحريات الدينية في التاريخ الأمريكي. وقد أعتبرت الوثيقة التي كتبها ويليام بن، وحملت عبارة: ((ليس هناك رجال يملكون التخويل، أو السلطة، حتى يتحكموا في ضمائر الناس، في الأمور الدينية))، أول تأكيد واضح، في التاريخ الأمريكي، على هيمنة (القانون الأساس)، على كل قانون آخر، يمكن أن تتم إجازته.

كان الشعار الملازم للأستاذ محمود محمد طه، طوال حركته الفكرية، هو شعار: ((الحرية لنا، ولسوانا)). وقد قال الأستاذ محمود أيضا، في هذا المنحى، ( ليس هناك رجل من الكمال بحيث يؤتمن على حريات الآخرين، فضمان الحرية، هو دوام سهر كل فرد عليها)). وقد انصبت كثير من كتابات الأستاذ محمود محمود على نقد ظاهرة رجال الدين، وأنها ظاهرة دخيلة على الفضاء الإسلامي. فهي، كما يرى الأستاذ محمود، ظاهرة ذات جذور يهوديمسيحية. وقد انتقلت إلى الفضاء الإسلامي، حين تحولت الدولة الإسلامية إلى مملكة، وأصبحت لرجال الدين وظائف في بلاط الملوك، الغرض منها الحفاظ على الأوضاع السائدة، وإعطاء تلك الأوضاع سندا دينيا. وما من شك، أن تهديد افكار الأستاذ محمود لهذا الكهنوت الدخيل الذي ظل مستمرا منذ العصر الأموي، هو الذي قاد رجال الدين عندنا، إلى السعي الدؤوب لإعدامه.

أردت أن أشير، بكل ما تقدم، في قصة الكويكرز، ومحاكماتهم، إلى أن التاريخ الإنساني، متشابه. ونحن لا نزال نعيش، بهذا المعنى، في المرحلة الأدني في مسار حركة نمو الوعي. خاصة، فيما يتعلق بكيفية إدارة الصراع في قضايا الخلاف الديني، وقضايا الحرية، والدستور، والحقوق. نحن لا نزال في المنطقة التي خرجت منها أوروبا، وخرجت منها أمريكا، قبل ثلاثة قرون تقريبا. ولابد أن ترسى بنا السفينة، في مجال كيفية التعامل مع قضايا الخلاف الديني، وكيفية إدارة الخلاف الفكري، في نفس المرسى الذي رسوا فيه هم قبلنا، بنحو قرنين، أو ثلاثة. ولا يعني هذا أنه لا فكاك لنا من أن يكون الغرب، مرجعيتنا في كل شيء. وإنما يعني فقط، أن قضية الحقوق الأساسية، قضية عالمية، ولابد من أخذ المرجعية الغربية فيها، بعين الإعتبار. والمرجعية الغربية نفسها لم تأت من العدم. وإنما تعود إلى مرجعيات سبقتها، في الفكر الإسلامي، وفي الفكر الإغريقي. مشكلتنا أننا نسينا سمة التركيب في تراثنا. وأصبحنا ننظر إلى ثقافة الغير، بعين الريبة. حتى بلغنا درجة العجز عن رؤية عناصر، ومكونات ثقافتنا التي حدث أن تبناها الآخرون، وطوروها.

هناك إتجاه، وسط بعض الناشطين الإسلامويين لكي يجعلوا من قضية الحقوق، قضية نسبية، تأخذ مرجعيتها، من المحيط الثقافي الخاص بالجماعة البشرية المعينة. وكأنهم يريدون بذلك أن يقولوا: ليس هناك مقياس عالمي موحد لحقوق الإنسان. ولذلك، لا يحق لبقية العالم أن يحشر أنفه في شؤوننا، فيما يتعلق بقضايا الحقوق. وكل هذه الإلتواءات التي يمارسها الناشطون الإسلامويون، القصد، الأول، والأخير منها، هو تكريس حالة مصادرة الحقوق القائمة في الفضاء العربسلامي. وهذه النسبية، التي تبدو مثل،(نسبية بلا ضفاف)، يمكن أن تجعل ـ على سبيل المثال ـ من استخدام القانون لمنع النساء، من قيادة السيارات، في بلد مثل السعودية، عملا مبررا، دستوريا، وقانونيا. كما يمكن، أيضا، أن تجعل من قتل الناس، بسبب أرائهم عملاً مبرراً أيضا!.

نعم، هناك اختلافات فيما يتعلق ببعض الحقوق، بين ثقافة وأخرى. فقضايا مثل الإجهاض، والمثلية الجنسية، والزواج من نفس الجنس، (الجندر) على سبيل المثال، ستظل قضايا خلافية. وهي محل خلاف شديد، حتى في داخل الفضاء الغربي نفسه. غير أن الحقوق الأساسية، التي لا يكون الدستور دستوراً، إلا إذا تضمنها، تبقى أمرا عالميا، لا خلاف عليه. وحقيقة الأمر، فإن الإعتراضات على (عالمية) حقوق الإنسان، لا تاتي عادة، إلا من جانب البلدان العربية، والإسلامية، التي هي صاحبة أسوأ سجل في حقوق الإنسان!

من الحقوق الأساسية التي لا خلاف عليها، (عالميا) حرية الإعتقاد، وحق التعبير عن الرأي، والدعوة للمعتقد، وحق التنظيم، وحق اختيار الحاكم، وحق عزله. قال أبو العلاء المعري، قبل قرون، وقرون:


مُلَّ المقام، فكم أعاشر أمةًً، أمرت بغير صلاحها، أمراؤها
ظلموا الرعيةَ، واستباحوا كيدَها، وعدوا مصالحَها، وهم أجراؤها

فضرورة أن يكون للناس الحق، في انتخاب من يلي أمورهم، وحقهم في عزله، متى ما حاد عن خدمة مصالحهم، ليست مسألة غربية بحتة. كما أن حرية الضمير، والمعتقد، أمور كفلها القرآن أصلا، ولم يتركها لأهواء القابضين، على أزمَّة السلطة، والثروة. فقد جاء في القرآن الكريم: ((فذكر إنما انت مذكر، لست عليهم بمسيطر)). وجاء أيضا: ((لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد، من الغي)). وقبل هذا وذاك فالبداهة تقول، ليس من حق كائن من كان، أن يدعي أن الله قد منحه، تخويلاً بأن يقرر في صحة وبطلان عقائد الناس، إلى الحد الذي يمكنه به إهدار دمهم، وتجويز قتلهم. نعم، لم يجري تطبيق عملي للآيات التي سبق ذكرها، في الحيز العملي، عبر التاريخ الإسلامي. فالتاريخ الإسلامي، على سبيل المثال، قد أقر الرق، الذي وجده ممارسا، كما أمر بقتل المرتد، بل وقتل تارك الصلاة. غير أن التاريخ الإسلامي، مشابه لتاريخ بقية الأديان الأخرى، على ظهر الكوكب. فالغرب المسيحي، لم يعرف كفالة الحقوق، إلا قبل قرنين، أو ثلاثة، فقط، كما تقدم. غير أن الغرب، تجاوز تلك المرحلة. وبقينا نحن فيها. وأسوأ من ذلك، أننا بدل أن نفهم الإطار التاريخي للحقوق، ونفهم من ثم ضرورة التطوير، أصبحنا ندافع عن قيم القرون الوسطى، وما قبلها.

من أميز ما جاء به الأستاذ محمود محمد طه، هو التفريق بين أصول القرآن، التي تكفل الحقوق الأساسية، ولكن لم يتم تطبيقها في الماضي، وبين فروع القرآن التي لم تكفل كل الحقوق، وتم تطبيقها في الماضي كمرحلة إعداد نحو الأصول. ودعوة الأستاذ محمود، التي سوف لن يجد المسلمون منصرفا عنها، فيما أرى، إنما تؤكد على ضرورة نسخ الفروع، التي كانت محكمة منذ القرن السابع، وإحكام الأصول التي كانت منسوخة منذ القرن السابع.

وقد يحاجج هنا بعض المغالين من دعاة العلمانية، بأن فكر الأستاذ محمود، فكر جيد، في حالة أنه لا خيار لنا، إلا في إقامة دولة دينية. غير أن الدولة الدينية، مرفوضة، من الأساس، لدى العلمانيين. ومشكلة هذا الإعتراض، تكمن في كونه اعتراض صفوي محض. فهو اعتراض يفترض أن الجماهير، مؤمنة بإشكاليات الدولة الدينية، تماما كما تؤمن بها الصفوة، ذات التوجه الغربي. وظن الصفوة والنخب السياسية التي تستلهم النموذج الغربي، ظن لا سند له في الواقع العملي. وقد أثبتت التجربة العملية، التفاؤل، غير المؤسس، لدعاة هذا النهج. فالدين ظل وسوف يبقى عاملا شديد التاثير في مجريات الأمور، وفي تشكيل رؤى الناس. ولا بد من تاسيس اتجاهات التحديث من داخله، لا من خارجه. وهذا ما وقف له الأستاذ محمود عمره، ولم تستجب له عبر أربعين عاما سوى قلة قليلة من المتعلمين. ولعل الوقت قد أزف، ليدرك المثقفون، نفاذ رؤية هذا المفكر العظيم.

الإتجاه للتحديث، من غير التاسيس له من مصادر ثقافتنا، يفقد حركة التحديث كثيرا من حجيتها، وشرعيتها، في نظر الجماهير. ومن ثم يصبح التحرك في وجهة التحديث، مثار شك لدى الجماهير العريضة. وفي الناحية الأخرى، فإنه ولو بقي الناس على قديمهم، فيما يتعلق بالمفاهيم الدينية، وظلوا يلوكون ذلك القديم البالي، ويعيدون تدويره، فإن فرص الرقي، والتمدن، والإنسجام مع المحيط الكوكبي المشرئب، كل صبح جديد، إلى التقارب، والتشابك، سوف تصبح ضعيفة جدأ. هذا إن لم نقل باحتمال أن نرتد إلى أوضاع أسوأ من أوضاعنا الراهنة، من حيث الإنغلاق، والعزلة. ومن يقرأ ما جرى لنا في العقود الثلاث التي الأخيرة، لابد أن يلحظ مستوى تراجع الفهوم، وتراجع الممارسة عن مكتسبات التحديث، في كثير من بقاع منطقة الشرق الأوسط. وحادثة إعدام الأستاذ محمود، نفسها، لأبلغ دليل على هذا التراجع المخيف.

Post: #120
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:29 AM
Parent: #119


بسم الله الرحمن الرحيم
(ترجمة عن الفرنسية)
مجلة جون أفريك Jeune Afrique
بتأريخ 22 مايو 1985 م
مقال بقلم هنري كودريه
[/align:8dd64d4c6e]

شهادة
أتاحت اِقامة شهور عديدة فى الخرطوم للكاتب أن يعيش فى شبه صداقة حميمة مع محمود محمد طه ، رئيس الأخوان الجمهوريين العبقرى ، الذى أعدم شنقا فى 18 يناير ،عن 77 عاما ، بأمر من الدكتاتور المخلوع جعفر نميرى ( أنظر ج . أ العدد 1256)

محمود محمد طه كما عرفته
اِن أول ما يسترعى الاِنتباه فى شخصه ذلك الجمع بين ألطف صور التواضع ، وبين قوة لا تلين .. يرتدى ببساطة شديدة لباسا قطنيا أبيض مألوفا ، ويلبس فوق سرواله الخفيف المتدلى على الساقين قميصا يصل الى ركبتيه ، ويترك الساعدين مكشوفين . حليق الرأس ، وتغطيه الطاقية الاِسلامية المعروفة .. حينما يغادر مكتبه يلتف بثوب قطنى خفيف ، ينحدر من الكتف الأيسر الى الفخذ الأيمن ، تاركا الصفحة اليمنى مكشوفة ، ومارا على الكتف الأيسر ثانية ، ثم الرقبة ، ليتدلى على الصدر بذيل غليظ ..
ثيابه الخفيفة تكشف عن جسم قوى ذى أطراف عاضلة ، قصير القامة ، متين البنية ، يعطى اِنطباعا نادرا من الحيوية بقبضة يده القوية لدى المصافحة ، ونظرته الثابتة التى يخفف من نفاذها ابتسامة بشوشة تنير الوجه كل حين. هيئته التى تتسم بالهدوء والاِطمئنان تخفى اِستعدادا دائما للحركة والنشاط . كان الأستاذ يجود بنفسه فى منتهى البساطة . أثناء الوجبات يحرص على ألا ينقص شئ أمام أحد ، يوزع الأطباق ويسكب الماء بنفسه لغسل أيدى ضيوفه.. وأثناء الاجتماعا ت يتخذ مكانا فى مدخل القاعة على مقعد لا يتميز عن المقاعد الأخرى ، ويهتم بأن ينقل كرسّيا أو وسادة ليقدمها الى المتأخرين فى الوصول لحضور الاِجتماع..
كان أبعد من أن يلعب دور راهب بوذى فيستأثر بالكلام . لا يتدخل فى الاِجتماعات العامة لا ليوجه المناقشات فى الخط الصحيح للنقاش ، ويشجع على الحوار والتباحث . هو مرشد وليس عقائديا ، رجل عمل وليس منظّرا . تلاميذه وأصدقاؤه يدعونه " الأستاذ " وهو لقب ترجمته الحرفية ، التى تعنى " المعلم "، لا تحمل المفاهيم المركبة من الاحترام الودي ومقتضيات العلمانية.

ماركس وإنجلز كالغزالي
لم يكن محمود محمد طه قد خرج من طبقة " رجال الدين" ..هو مهندس فى الرى ، كان على اِثر اِعتقاله لمدة عامين بسبب معارضته للاِنجليز، قد بدأ عملا فى الاصلاح الدينى والاجتماعى منذ بداية الخمسينات . مدرسته الدينية والقانونية الوحيدة كانت تلك الفترة الطويلة من الاعتكاف ، التى عرف كيف يستغلها ، لينقطع الى التفكير والتأمل الصوفى. أساتذته لم يلتق بهم فى أى مؤسسة رسمية وانما التحق بمدرستهم كرجل عصامى ، وفى بحث فردى حثيث عن أسلوب جديد ..
على الصعيد الصوفى تأمل طويلا فى القرآن ، وعكف على الممارسة الصوفية (" صلاة الثلث الأخير من الليل" وهى عزيزة عند كبار الصوفية المسلمين ، وقد غدت واحدة من الممارسات المفضلة لتلاميذه ) .
وعلى الصعيد الفكرى وجه أبحاثه فى اِتجاهين : دراسة كبار المفكرين فى الاِسلام ، الأكثر منهم تقليدية كالغزالى ، أو الأكثر تجديدا مثل اِبن عربى ، مرورا بأكثرهم سموقا كالحلاج ، ذى الأثر المحسوس فى فكرة الصلاة والصيام والحج عند محمود محمد طه .. أيضا دراسة التيارات الفلسفية المعاصرة دراسة كافية ، للرجوع حتى لأعمال كبار الفلاسفة ( رأيت فى أحد الأيام على طاولة عمله ترجمة انجليزية لكتاب " بؤس الفلسفة " لكارل ماركس ، وكذلك كتاب "ديالكتيك الطبيعة " لفريدريك انجلز " ) .
على الصعيد الاجتماعى تفرغ محمود محمد طه لاعداد أتباعه ، جاعلا منهم مجتمعا مهيئا ليكون مكانا لانبثاق نظام اِجتماعى جديد . كما أنّه لم يترفع عن النزول الى حلبة السياسة ، فأسّس حزبا يدعى " الحزب الجمهوري " ، هذا الاسم الذى ظل مرتبطا بأتباعه حتى بعد حل الحزب.
كان جم النشاط . ألّف حوالى 38 كتابا وكتيبا صغيرا ، وهذه ليست قائمة كاملة ، لأنها تتوقف عند شهر سبتمبر 1979 ، تاريخ مرورى الأخير بالخرطوم . منها كتب كبيرة ، مطبوعة، تتجاوز المائتي صفحة .. ومنها منشورات مستنسخة تتراوح بين ثلاثين وأربعين صفحة ، وهذه بمثابة عروض متتابعة لفكرة ، أو منشورات تتناول الأحداث المتجددة .
وهذا ، بصورة موجزة ، نظام محمود محمد طه الذى نجده معروضا فى كتاب " الرسالة الثانية من الأسلام " وهو كتاب من 166 صفحة ، صدر فى عام 1967 ، وطبع عدة مرات منذ ذلك الحين .

رسائل الاسلام
اِن الدين ، أساسا ، واحد وهذه الوحدة اِنبثقت عن الأصل الاِلهى للكون والاِنسان ، ولكّن الانسان بسبب الاِستعمال السيئ لحريته قد وقع فى جهل منعه عن مشاهدة الأصل الاِلهى لوجوده وللكون. ومنذ ذلك الوقت ، كانت الأديان المختلفة التي تعاقبت على وجه الأرض مراحل لاسترداد هذه المعرفة ، وهذه الحرية الأساسية ، من الجهل ، ومن الخوف ، و العنف . فالاسلام هو المرحلة الأخيرة من هذا الاِسترداد ، ولكن ليس بالشكل الذي ظل معاشا حتى ايامنا هذه ، والذي لم يكن غير " الرسالة الأولى من الاسلام " .
ان الاسلام الحقيقى والأخير ، هو " الرسالة الثانية " التي دعا إليها محمد في مكة ، والتي كانت قد نسخت مؤقتا بتعاليم المدينة . ففي الواقع ، عندما بدأ محمد فى نشر رسالته ، دعا إلى الدين الكامل ، الذي يرتكز على مسؤولية وعقل أعضائه ويدعو إلى حريتهم. ولكنه أضطر بعد الهجرة من مكة إلى المدينة ، ولأسباب تعليمية، أن ينزل إلى مستوى تخلف النمو الثقافي والديني في ذلك العهد . فدعا، من ثمّ ، إلى دين يدعو إلى الإيمان ، أكثر منه إلى العلم، وإلى قانون يقوم على الإكراه ، أكثر من الادراك المسؤول .
لقد ظل المسلمون يعيشون في مستوى هذه الرسالة الأولى حتى الآن. ولكن منذ اليوم ، ونظرا للتقدم الذي حققته الاِنسانية ، حان الوقت للاِنتقال الى الرسالة الثانية . وينبغي الآن الانتقال من القانون الأول ( الشريعة ) التى قامت في المدينة على فروع الدين ، من أجل اِقرار القانون الثاني الذي يتوافق مع الاِسلام الكامل ، ويستلهم "أصول" الدين ، تلك التي غرسها محمد في مكّة. من هنا تأتي محاولة بعض المفكرين المسلمين ، ومن بينهم محمود محمد طه ، ايجاد اِسلام أكثر " نقاءً " ، وأكثر "تديناً " من الإسلام الذي كان أكثر سياسة فى المدينة .
وبالتالي، ليس في التشريع الجديد جهاد ، ولا رق ، ولا رأسمالية ، ولا عدم مساواة بين الرجل والمرأة ، ولا تعدد فى الزوجات ، ولا طلاق ، ولا لبس حجاب ، ولا فصل بين الجنسين ( هذه هى تقريباعناوين الفصل المتعلق بالتشريع في الرسالة الثانية من الاِسلام ). اِذن ، بينما كان الإسلام ، فى بداياته ، أقرب إلى اليهودية في تشدّدها (( العين بالعين ، والسن بالسن )) ، فإنه في هذا الوقت يكون أقرب إلى الروحانية المسيحية (( من صفعك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر )) ، بيد أنّه يضيف إلى المسيحية عقلانية كبرى ، حيث يهتم ، على العكس منها ، بالأوضاع الواقعية ، الأخلاقية والاِجتماعية ، والتي هي بمثابة سلّم يساعده ، هو وحده ، على الوصول إلى قمّة الحرية والحب الكاملين .
هذه العقلانية في الإسلام ، في رسالته الثانية ، تبدو أخيرا في التنظيم الاِجتماعي الذي تقيمه . فالمجتمع الإسلامي الصحيح يوحّد في آن معا بين الاشتراكية والرأسمالية . الاشتراكية لأنه يكفل الحاجات المادية للجميع ، فى مساواة . والرأسمالية ، لأنه يتيح الحرية لكل فرد أن يسلك كما يريد وفقا لما تمليه عليه مسؤوليته .

مهدويون مع محمود!
ومحمود محمد طه، بسبب موقفه الرافض للشريعة ودعوته إلى تشريع جديد ، حكمت عليه محكمة دينية بأنه مرتد . ولكن هذا الحكم لم يخرجه من المجتمع . وقد تسنى لي مشاهدة البرهان على ذلك أكثر من مرة ، لا سيما أثناء عقد زواج بين اثنين من تلاميذه ، حسب مراسيم وضعها هو . فمع أنّ أغلبية المدعوّين إلى حفل الزفاف كانوا من المسلمين التقليديين ، فاِنى لم ألحظ علامة معارضة من جانب هؤلاء ، كما أنّ الاحتفال قد تميز بخطبة تناولت العلاقات بين الرجل والمرأة في الرسالة الثانية من الإسلام.
وحتى وإن كانت غالبية المسلمين السودانيين تنظر إليه كمبتدع ، فإن هناك أكثر من واحد ، وليس من الدون ، لا يخشى إعلان قبوله لأفكار محمود محمد طه ، مثل حفيدة المهدي التي ( شهدتها ) تعبر علانية عن انتمائها لأفكار الأستاذ محمود ، فى حضور أسرتها المجتمعة ، وهي من القطاع التقليدى في حزب الأنصار ، دون أن تجد الأسرة ما تقوله في هذا الصدد – إسم الأنصار في السودان يطلق على الذين ساندوا المهدي في نهاية القرن التاسع عشر ، وعلى الذين انحدروا منهم ، وبعبارة أخرى هؤلاء هم المهدويون .

فى بيت الأخوان
ولكن ، وبصورة أكثر مودة من دائرة هؤلاء المتعاطفين ، قلّ تعاطفهم أو كثر ، هناك دائرة التلاميذ ، التي لا يمكن خارجها التقدير الحقيقي لخصوبة منهجه وعمله الإصلاحي . هؤلاء التلاميذ يمثلون الذرية الروحية لهذا الرجل ، الذي كان قبل كل شئ ملهما ومرشدا . هؤلاء " الأخوان والأخوات " كما يسمون أنفسهم هم بصفة عامة قد جاءوا من أوساط على درجة كافية من الثقافة ، وينتشرون بوجه خاص بين الجامعيين والموظفين . وانتماؤهم الى الحركة يتطلب جهدا مزدوجاً من التحول الفردي ، وحياة النضال في المجتمع .
بعض هولاء الرجال وهؤلاء النساء يعيشون قبل زواجهم فترة خلوة ( عاما أو عامين وأحيانا أكثر ) في منزل من " منازل الأخوان ". في سنة 1973 كان يوجد ثلاثة من هذه المنازل في الخرطوم ، وكذلك في ثلاث مدن أخرى في السودان ، حيث يعيش الرجال والنساء وقتا من " التبتل " ، وذلك يعنى الانقطاع عن العالم ، والتفرغ لله ، ويتضمن بصورة خاصة العفة الجنسية ، حيث يسكنون فى منازل منفصلة ولكنها على مقربة من بعضها لبعض ، لتيسير اللقاءات .

مخلص حتى النهاية
في وسط هذه المجموعات يتدرب الأفراد على معيشة قيم " الرسالة الثانية من الإسلام " ، بأداء الصلاة الفردية والجماعية ، وخاصة في " الثلث الأخير من الليل "، كعادة الصوفية وأصحاب الطرق ، و باقتسام ما يملكون ، بدفع جزء من مرتباتهم لسد احتياجات الجماعة . ويتدرب الأفراد كذلك على معيشة تلك القيم بالعمل الاجتماعى ، في مجال التوعية ، مثل تنظيم اجتماعات للفكر ، والمناقشات ، وتوزيع مؤلفات الأستاذ محمود في الطرقات . ولقد شرح لي ذات مرة وظيفة هذه المنازل فقال : "إنها عن طريق التبتل تمكّن من ترقية المجتمع بشكل لولبي متصاعد ، ويأخذ في الاتساع ، حيث يمارس الفرد العبادة خلال الليل ، ويمارس العمل الاجتماعي خلال النهار . وهذا هو المكان المثالي لإعداد مجتمع جديد ".
هكذا ، كان محمود محمد طه ، صادقا مع نفسه ، فكان أن ملك من الكرامة والشجاعة ليبقى مخلصا لاِلتزاماته حتى النهاية . في لحظة تقديمه للاعدام صليت من أجله . محمود ، أخو المصلوب ، أخي !

هنرى كودريه الذي يعمل الآن في أبيدجان ( ساحل العاج ) والذي كان قبلها مدرّسا للغة العربية في تشاد ، كان يتردد كثيرا على محمود محمد طه في الفترة ما بين يونيو 1973 ويناير 1974 ، عندما كان يقيم في الخرطوم متفرغا لبحث حول التيارات الدينية في الإسلام السوداني . وبهذه الصفة كان محمود محمد طه يستقبله في مرات عديدة ، حيث يجد دائما بابه مفتوحا في المنزل " المتواضع جدا " الذي كان يسكن فيه " غاندي السوداني " في حي الثورة بأم درمان . احتفظ هنري كودريه بذكرى مثيرة لتلك اللحظات . والسطور المنشورة هنا مقتطفات من نص كُتب لنشرة " اللقاء الإسلامي المسيحي " ( التي تصدر في أبيدجان) ، عدد أبريل – مايو 1985

أنجمينا فى الرابع عشر من أكتوبر 1985
بشير عيسى بكّار

Post: #121
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:36 AM
Parent: #120


أوردت صحيفة الأيام ، عدد الأربعاء 14 أبريل 2004 ، المقال التالي :
* بريد حواء * دعوة عملية لتطويرها
* قوانين الأحوال الشخصية وسيلة للحياة وليست غاية
أرسلت الأستاذة زهور حسين أحمد ، مشكورة ، (لأجندة حواة) قصاصة سبق نشرها بصحيفة الخرطوم ، 16 مارس 1989 ، تضمنت عقد زواج بين الأستاذة بتول مختار محمد طه ، والأستاذ عماد الدين علي إدريس ، قام على أسس جديدة ، تؤسس لعلاقة ديمقراطية بين المرأة والرجل ، نعيد نشرها والمساعي تجري لطرح نموذج لوثيقة الزواج :
 بمناسبة يوم المرأة العالمي
 بتول مختار محمد طه
 دعوة عملية لتطوير قوانين الأحوال الشخصية
 قوانين الأحوال الشخصية وسيلة للحياة وليست غاية
إن العقد الذي جرى بين الأستاذة بتول مختار محمد طه والأستاذ عماد الدين علي إدريس ، بالخرطوم بحري ، يعتبر فتحاً جديداً لقضية المرأة .. فقد قام العقد على أساس الحقوق والواجبات المتكافئة بينهما .. والجديد في الأمر أن هذا أول عقد يقوم على أصل فكرة الأستاذ محمود محمد طه في تطوير شريعة الأحوال الشخصية لتكون أدخل في الدين ، وأوفى بقيم الحضارة ، وقامة المرأة المعاصرة ، وهي متضمنة في كتاب ( تطوير شريعة الأحوال الشخصية ) والذي على هداه تم هذا العقد
أولاً : نص العقد على أن الزوجين شريكين متكافئين في الحقوق الواجبات ، ليس بينهما وصي الآخر ، ومن هذا المنطلق فالدخول في هذه العلاقة هو خيارهما الشخصي ، وكذلك حق التقرير في الخروج منها فهو حق مشترك بينهما يمارسه من شاء منهما بالضوابط المنصوص عليها في العقد ، وأهمها دخول الحكمين
ومن أبرز بنود هذا العقد أن ليس هناك تعدد في هذه الشراكة ، فمن أوكد المعاني المتفق عليها بينهما أن كلاهما هو الزوج الأوحد للآخر ، وإذا اقتضت الضرورة التعدد لا يتم وكأنه حق يمتاز به الزوج ، وإنما هو تشريع ضرورة يخضع للضوابط التي هي الآن خلقية وملزمة للزوج ومنصوص عليها في العقد
حتى دخل الأسرة فإنه شراكة بينهما ، وإذا اضطرت ظروف الأسرة الزوجة للتفرغ لرعاية شئونها فإن إنفاق الزوج عليها لا يعتبر منة وإنما هو حق ، أنظر كتاب تطوير شريعة الاحوال الشخصية صفحة 67 ، وقد تسامى هذا العقد عندما لم يقدر للزوجة ثمن مادي ، فلم يدفع الزوج مهر مادي للزوجة ، بل اكتفت بأن يكون زوجها هو مهرها ، وهي مهره ، فإن القيمة المادية ، مهما ارتفعت ، لا تجعل للحر ثمن
تم هذا العقد في حفل ديني مبسط ، بالخرطوم بحري ، قدمت فيه الشربات وقد وقع الزوجان والشهود على العقد وبحضور ضيوفهما حيث لم يكن هناك وكلاء ينوبان عنهما ، وإنما باشرا العقد بنفسيهما .. والأستاذة بتول والأستاذ عماد إذ يطبقان هذا العقد ، وبالصورة التي حدد معالمها الأستاذ محمود محمد طه ، يرفعانه شاهداً ودليلاً على واقعية الفكرة الجمهورية وصلاحيتها لحل مشكلات الإنسان المعاصر ، وبالتحديد المرأة المعاصرة التي تتطلع للحرية والكرامة ولا تجد لهما سبيلاً وسط ضوضاء المادة وقيود الجهل والخرافة
فمن خلال هذه التجربة العملية فإن قوانين الأحوال الشخصية لا تطور نفسها ولا يقوم بتطويرها الرجال وحدهم ، فإن من أوجب واجبات النساء أن ينهضن بقضية تغيير هذه القوانين ، ويلتزمن بهذا المستوى المحدد من التطبيق ، وعندها ستطور هذه القوانين تلقائياً ، فقوانين الأحوال الشخصية تؤثر على حياتنا اليومية ، والفهم الصحيح يقول إن القوانين في خدمة الحياة وليست قيداً لها والحياة لا تنفك متطورة وليست جامدة على صورة واحدة ، وما ينقصنا نحن النساء هو الفهم الشامل المتحرك الذي يواكب هذا التطور ، فنقص الفهم هذا صرفنا لننشغل بالقشور دون اللباب ، فأصبحنا لا نقدر أنفسنا حق قدرها وقابلنا الحياة بالوضع التقليدي القديم حتى أخذنا نباع ونشترى فهزمنا قضيتنا وقضية الحرية بأنفسنا ، وقد أراد الأستاذ محمود أن يوقظ فينا روح الحرية والكرامة حين قال في كتاب تطوير شريعة الأحوال الشخصية صفحة 93 : ( أعلمن أن كرامة إحداكن بيدها فإن هانت عليها كرامتها فلن تجد مكرماً لا من الزوج ولا من الأخ ولا من الأب .. قال شاعرهم :
إن أنت لم تعرف لنفسك حقها هوانا بها كانت على الناس أهون
وقال الآخر : من يهن يسهل الهوان عليه ، ما لجرح بميت إيلام ) انتهى
وأخيراً أرجو أن تكون هذه نافذة جديدة وبارقة أمل للخروج من قيود الهوان والوصاية .. انتهى نص المقال

Post: #122
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:38 AM
Parent: #121


قصة لسان الدين الخطيب الذي هرب من قدر الله إلى قدر الله
جريدة الصحافة

انقر علي اللنك ووقع لاطلاق سراح لسان الدين الخطيب

http://www.arabconference.org/petitions/petitions.php?id=5

*************************************************

لسان الدين الخطيب محمد خير.. شاب سوداني في اواخر الثلاثينات من عمره.. وضاح المحيا.. ودمث الخلق والمعشر.. عفيف اليد واللسان.. مقبل على الحياة بطلاقة وحيوية.. باحث دائماً عن الحقيقة، لم توهن عزيمته او تفتر همته عن ذلك.. صادع بما يعتقد انه صحيح مهما كانت عواقبه.. شخصيته هذه قادته لان يلج حقل العمل العام من منصة حركة الاخوان الجمهوريين اولاً في الثمانينات، ثم الحزب الشيوعي.. واخيراً حركة القوى الجديدة الديمقراطية «حق» وهو من المؤسسين لها.. غير ان حيوية وهمة لسان الدين لم تقف على السودان فحسب. ولكنها تدفقت خيراً وبراً بالمستضعفين من حولنا، حيث ظل مناصراً بقوة للثورة الاريترية. ومنافحاً بجلد عن حق الشعب الاريتري في تقرير مصيره. ووظف في سبيل قناعاته تلك جل طاقاته ومواهبه المتدفقة والمتجددة في مجال تخصصه في المسرح وفي مضمار العطاء السياسي بشكل عام.

شخصية لسان الدين القلقة والمتمردة هذه، كان لابد ان تضعه في مواجهة صدامية مع حكومة الانقاذ وهي تصل الى دست الحكم في السودان، فنال نصيبه من الاعتقال عدة مرات في بداياتها. وعانى ما عانى، خاصة ان داء السكري تمكن من جسده الذي تصدق به من اجل ان يعيش غيره حياة كريمة، كما انه مصاب كذلك بدوالٍ في القدمين، الامر الذي الزمه سرير المستشفى عدة مرات بالسودان.. المهم ان لسان غادر السودان بعد ان ضاق عليه بما رحب في اكتوبر 1995م. وانخرط في نشاط معارض لحكومة الانقاذ منذ ذلك التاريخ.. وظلت اخباره تتواتر من حين لآخر لاهله واصدقائه من اسمرا.. ولكن فجأة انقطعت السيرة.. فما الذي جرى للشاب الطلق لسان الدين الخطيب.. هذا ما يحكيه لنا رهط من أسرته: الدكتورة اماني محمد خير، شقيقته وعبد الحليم محمد خلف الله خاله وعوض الكريم السيد الحاج جده. والاستاذ الحاج وراق رئيس حركة القوى الجديدة الديمقراطية «حق» التي ينتمي لها لسان الدين الخطيب.. فالى فصول الحكاية..

منشورات في قارعة الطريق:

قبل سفر لسان الدين الخطيب الى اريتريا وفي اواخر عام 1994م. وحكومة الانقاذ في اوج جبروتها، لم يثن ذلك لسان الدين عن ان يصدع ويقف الموقف الذي يراه صحيحاً، لذا كان ناشطاً في معارضة النظام بالسبل الممكنة.. وذات يوم من ايام عام 1994م كان لسان الدين يقود دراجة نارية في احد شوارع الخرطوم.. وفجأة اصطدمت به سيارة في الشارع، فسقط ارضاً وتبعثرت محتويات الحقيبة التي كانت معه.. وتطايرت المنشورات المناوئة لنظام الانقاذ.. وكان طبيعيا في ذلك الوقت ان تتحول القضية من قضية مرور الى قضية أمن دولة اودت بلسان الدين الى غياهب معتقلات الانقاذ.. ومكث لسان الدين اكثر من ثلاثة اشهر في المعتقل، قضى منها شهراً طريح الفراش بمستشفى ام درمان بسبب داء السكري ودوالي الرجلين.. ولم يكن ذلك اول اعتقال للسان الدين ولا آخر اعتقال.. وربما لم يكن هذا ما جعله يقرر مغادرة بلاد ضاقت به وضاق هو بحكامها.

موسم الهجرة إلى اسمرا:

وعزم لسان الدين على الرحيل. وقد كان عام 1995م هو موسم الهجرة الى اسمرا، حيث شدت المعارضة السودانية رحالها الى هناك بعد الخصومة التي نشبت بين النظام الحاكم في اريتريا وحكومة الانقاذ.. ولما كان لسان الدين شخصاً معروفاً لدى اجهزة الامن، كان لابد له من غطاء ليخرج به.. وكان هذا الغطاء موجوداً حيث ان له صلات قوية بالثورة الاريترية، فبعد وصول نظام الدرق للحكم في اثيوبيا بخلفيته الماركسية، بدأت قبائل اليسار تتلجلج في موقفها الداعم للثورة الاريترية، بالرغم من ان اغلب قادة الثورة كانوا ذوي منطلقات ماركسية معروفة، الا ان لسان الدين ظل على موقفه الثابت حيالها، بانها ثورة من اجل الحرية. واحتفظ باعمق الوشائج والصلات مع كوادرها.. وفي عام 1995م جاءته دعوة كمسرحي من وزارة الثقافة والاعلام الاريترية للمشاركة في ورشة عمل برفقة جمعية الشباب الاريتري.. ربما قدر ان هذه هي الفرصة المثلى له كيما يتحرر من قيد الانقاذ.. والاسرة من جانبها حمدت الله على فكرة خروجه لما كانت تراه من عنت ومعاناة يلاقيها لسان الدين في مقارعته لنظام الانقاذ وهو يعاني من دائي السكري ودوالي الرجلين.. فكان ان قرر بعد وصوله لاسمرا ان يقيم هناك.

وانخرط لسان الدين بكل طاقته وحيويته التي عرف بها في نشاط المعارضة السودانية تحت لواء التجمع الوطني الديمقراطي في اسمرا.. وكانت رسائله تأتي منقطعة للاسرة بالخرطوم كل عشرة اشهر خطاب او رسالة شفاهية مع احد القادمين من هناك.. وسوء العلاقات بين السودان واريتريا وتخلف وسائل الاتصال في دولة حديثة الاستقلال كاريتريا، اسهم في هذا الجفاء. ولكن رغم تباعد زمن الرسائل المكتوبة والشفاهية كانت الاسرة مطمئنة على سلامة وصحة ابنها لسان الدين.

ولما كان لسان الدين باحثاً دائماً عن ما يقتنع به انه الحقيقة، خرج من صفوف الحزب الشيوعي السوداني وانضم لحركة «حق». وظل مواصلاً نشاطه المعارض ضد حكومة الانقاذ.. ولكن قبل قرابة العامين انقطعت رسائل لسان الدين الخطيب. وحتى المعلومات الشفاهية عنه التي كانت ترد الى اسرته وتطمئنهم عليه توقفت. وكان آخر ما وصل الاسرة من ابنها شريط كاسيت مسجل بصوته يطمئنهم فيه على صحته واوضاعه هناك.. ولكن ترى ما الخطب بعد ذاك؟!

نسيم كندا يأتي بالخير:

أسرة لسان الدين واصدقاؤه هنا ينهشهم القلق على صحته واخباره التي انقطعت، اتصل الاستاذ ثروت سوار الذهب وهو سوداني يقيم بكندا وعضو في حركة «حق» بالاستاذ الحاج وراق قبل حوالي اربعة عشرة يوماً. وذكر له انه اتصل مصادفة باحد اصدقائه باسمرا وسأله عن لسان الدين الذي كانت اخباره مقطوعة ايضاً عن افراد حركة «حق»، فعلم ثروت من صديقه ذاك ان لسان الدين معتقل في غياهب السجون الاريترية. وذلك إثر ضلوعه في ملابسات الصراع السياسي الذي نشب داخل صفوف الجبهة الشعبية الحاكمة في اريتريا. وقاد لانشقاق مجموعة من القادة التاريخيين للجبهة في ما عرف بمجموعة الـ «15» والتي كانت تطالب الرئيس افورقي باجراء اصلاحات سياسية في البلاد. وتدعو لمساءلته عقب الحرب ضد اثيوبيا والهزيمة النكراء التي منيت بها اريتريا. وكان لسان الدين الخطيب لما له من صلات ووشائج تاريخية بالثورة الاريترية طرفاً في ذلك الصراع، حيث انحاز لمجموعة الـ «15».. وافاد ذلك الشخص انه معتقل في ظل ظروف صحية بالغة السوء، إثر هذه المعلومة تحرك الأستاذ الحاج وراق وتم نشر الخبر في صحيفة «الصحافة» الصادرة يوم 17 مارس الجاري.. ووقع الخبر على أسرة لسان الدين كالصاعقة.

الحرية لنا ولسوانا:

ولسان الدين كان اجرى عمليتين في السودان لازالة دوالي الرجلين. وتعلم الاسرة مقدار المعاناة التي عاناها لسان الدين ابان ظروف اعتقاله المتكرر هنا في السودان.. ولا علم للاسرة ان للسان الدين نشاط معارض آخر خلاف نشاطه المعارض لنظام الانقاذ.. ولكنهم كانوا على يقين بان روح لسان الدين الوثابة وتوقه الدائم للحرب وإقدامه على كل ما فيه خير الناس اياً كانوا، هو الذي يوقد جذوة الثورة في دواخله دائماً، الامر الذي يجعله دائم الصدام مع مطلق سلطة.

واتصلت الاسرة باحد معارفها في اريتريا.. والاتصال اكد الخبر بان لسان الدين الخطيب معتقل في السجون الاريترية. وكان يتلقى العلاج من السكري باحد مستشفيات اسمرا. ولكن السلطات تمنع عنه الزيارة. وما يرد من أخبار عنه يحصل عليه من اصدقائه الاريتريين، وانه ظل معتقلاً منذ احد عشر شهراً.

وأهال الخبر أسرة لسان الدين.. والدته المريضة ووالده المتقاعد بالمعاش واخواته الحرائر، فهو كبير الاسرة ومحبوب العائلة.. والقلق ينتاب الجميع وتحول منزل الاسرة الى سرداق عزاء.. وتدافع الاهل بالمواكب والمناكب من اطراف السودان المختلفة، للوقوف بجانب والدته ووالده واخواته.. وما يزيد الجزع انه لا معلومة دقيقة عن احواله الصحية، لان الجميع يعلمون انه مريض ودائم المعاناة من مرضه ذاك.. كما لا توجد ايضاً معلومات دقيقة عما اقترفه لسان الدين حتى يعتقل من قبل السلطات الاريترية التي استجار بها من رمضاء الانقاذ.. وهم فقط يعلمون تماماً ان ابنهم كان مؤمناً ايماناً قوياً بالقضية الاريترية ربما فاق ايمانه بقضية السودان.. لذا تراهم يستعجبون مما حدث.

ولكن ما يستغرب له ان التجمع الوطني المعارض والذي كان لسان الدين الخطيب ناشطاً في صفوفه، لم يستثمر علاقاته بالنظام الاريتري ليتوسط لاطلاق سراحه، خاصة وانه سوداني.. والحاج وراق بدا ناقماً على ذلك. وقال انهم اي- التجمع- جبنوا حتى لمجرد ذكر معلومة اعتقال لسان الدين الخطيب في سجون اريتريا، لكن الاستاذ غازي سليمان رئيس المجموعة السودانية لحقوق الانسان كان حاضراً هذا الحديث، اجاب باختصار ان الحاج وراق رجل دبلوماسي يذوِّق الحديث. وقال انه يعزو ذلك الى ان اي شخص يناضل خارج حدود بلده يصبح في نهاية الامر بوقاًَ لسيده.. وهذا حال التجمع.

مناشدات وأمل ورجاء:

أسرة لسان الدين الخطيب ناشدت عبر «الصحافة» كل الجهات التي يمكن ان تسهم او تدعم فرصة اطلاق ابنها المعتقل في سجون اريتريا. وطالبتها ان تبذل معهم اقصى جهودها لاطلاق سراح الشاب وضاح المحيا دمث المعشر لسان الدين الخطيب، المواطن السوداني الذي يتهدد حياته الخطر نسبة لمرضه ومن اجل اسرة هو كبيرها الآن.. من اجل ام مكلومة ومريضة ووالد بالمعاش وشقيقات حرائر هو حامي حماهن.. واسرة ممتدة بطول وعرض السودان لسان الدين هو ريحانتها.. باسم كل هؤلاء يناشدون منظمات حقوق الانسان في الداخل والخارج. والجهات الرسمية في الداخل وخاصة وزارة الخارجية والحكومة الاريترية واللجنة الدولية للصليب الأحمر للتدخل من اجل انقاذ حياة ابنهم لسان الدين.. وهم يطلبون من السلطات الاريترية اذا كان ابنهم مخطئاً ان تبعده خارج اراضيها لانه مواطن سوداني.

اما الأستاذ الحاج وراق رئيس حركة «حق»، فاشار الى ان مناشدته الاساسية موجهة للحكومة الاريترية وخاطبها قائلاً: اننا ظللنا اوفياء للثورة الاريترية. وتربطنا بها علاقات تاريخية. ولنا تقدير كبير جداً لها باعتبارها من اعظم ثورات القارة الافريقية، لذا لا نريد ان ننزلق بقضية لسان الدين هذه الى حافة عداء مع اريتريا. ولكننا في نفس الوقت لا يمكننا ان نتسامح او نتساهل في روح احد افرادنا.. نحن نطالب الحكومة الاريترية بأن تخرجنا من هذا الحرج، خاصة وان لسان الدين ليس طرفاً اصيلاً في الصراع السياسي الدائر في صفوف النظام الاريتري الحاكم. وعليها ان تتذكر انه سوداني في نهاية الامر. وتعمل على ابعاده عن اراضيها كاجراء مناسب على ما ترى انه اقترفه في حقها.

غازي على الخط!!

الأستاذ غازي سليمان رئيس المجموعة السودانية لحقوق الانسان. والذي اتصلت به اسرة لسان الدين الخطيب وسلمته مذكرة اوضحت فيها رغبتها في تدخل مجموعته لانقاذ حياة ابنها المعتقل رغم مرضه في السجون الاريترية.. وغازي يرى ان لسان الدين الخطيب ونتيجة نضالاته السابقة مع الشعب الاريتري من اجل تقرير مصيره، يعتبر عضواً اصيلاً في الثورة الاريترية.. وتأسف لاعتقاله. ورأى انه اعتقال سياسي لما عرف عن لسان الدين من عفة في اليد واللسان. واعرب عن أمله في ان يتمكن بصفته رئيساً للمجموعة السودانية لحقوق الانسان. وبصداقته التاريخية للشعب الاريتري، ان يتمكن من اطلاق سراحه باسرع فرصة ممكنة، الى جانب اطلاق سراح كل السودانيين المعتقلين لاسباب سياسية، كما يعمل هنا لاطلاق سراح الاريتريين المعتقلين لاسباب سياسية لدى حكومة السودان. وقال ان لديه المقدرة على مخاطبة الحكومة الاريترية مباشرة، لانه جزء لا يتجزأ من السلطة الاريترية، فهو صديق للرئيس افورقي ولكل المناضلين الاريتريين. وسيتصل بهم ويأمل الا يضطر لتصعيد القضية اكثر مما يقتضي الأمر

*****************************************************
انقر علي اللنك ووقع لاطلاق سراح لسان الدين الخطيب

http://www.arabconference.org/petitions/petitions.php?id=5


-------------------------------------------
يمنى قوتة

Post: #123
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:40 AM
Parent: #122



from sudaneseonline.com
مسارب الضي

مناشدة للرئيس اسياسي: حياة لسان الدين في خطر !!

الحاج وراق

* لسان الدين الخطيب معتقل منذ شهور لدى السلطات الإريترية. وهو شاب سوداني في اواخر الثلاثينات ، تنطبق عليه نماذج علم النفس الكلاسيكية عن انماط الشخصية: ممتليء الجسم كأنما يحاول جسده الامتزاج مع الفضاء الآخر، وكذلك شخصيته ، شخصية منبسطة تماما، تحتفي بالحياة وبالآخرين ، سمح المحيا لا تفارق وجهه الابتسامة، وسمح النفس، لا يعرف حدودا في العلاقة مع الآخر تفاعلا وعطاء.

وهو مسرحي موهوب امتزج عنده نزوع الفنانين نحو الاكتشاف والتجريب بقلق الباحثين عن الحقيقة، فكان دوما يتساءل ويكتشف ويتجاوز، وفي بحثه الدؤوب هذا يكتب قناعاته بقلم الرصاص، فيمحو ويثبت، التحق باكرا بالحزب الشيوعي السوداني، ثم انتمى للفكر الجمهوري، ثم التحق بحركة "حق"..... وفي تقلبه الدائم بين الأفكار والمنظمات اكتسب انفتاح الذهن وسعة الوجدان، ومع قلقه المبدع الخلاق طور اعتقادا راسخا في القيم الإنسانية الاساسية، وعلى رأسها قيم الحرية والعدالة.

وبهذه القيم كان نصيرا ثابتاً لحرب التحرير الاريترية في الثمانينات، ويومها عز النصير ، فكانت الثورة تقاتل نظام الدرق الاثيوبي ومعه بصورة مباشرة وغير مباشرة القوتين العظميين - الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الاميركية... وبدلا ان يكون ذلك مدعاة للجلجة التي اصابت الكثيرين وقتها فإن لسان الدين ازداد اعجابا بالثورة الاريترية ، اعجب بالعزيمة على الاستقلالية وجسارة الكفاح هكذا (واقف براك والهم عصف) ! والاستقلالية إنما تأسر الفحول، اولئك الذين لا يخشون التجريب ولا يخشون وحشة الدروب التي لم يسلكها احد من قبل ! وكذلك كان لسان الدين.

* اعتقل في بداية عهد الانقاذ لأنه كان يوزع منشورات سرية في دراجته... وعلي خلفية هذا الحدث وعقابيله، وبسبب المناخ السائد حينها، ألهمته دعوة المعارضة للهجرة والالتحاق بمعسكرات العمل المسلح، فكان ان حط به الرحال في اسمرا منذ منتصف التسعينات. وهناك لم يفعل كما يفعل الآخرون: لم يمسك الخشب كما لم يمشِ حذرا لصق الحيطان، لم يتحول الى دجاجة مدجنة وانما ظل كما هو شخصية ناقدة مستقلة وعصية على التطويع.. وهو اول سوداني اسمعه ينتقد اسلوب قيادة السيد/ محمد عثمان الميرغني للتجمع بصورة صريحة ومباشرة، بل هو اول سوداني اسمعه يسمي السيد/ محمد عثمان بمحمد عثمان علي ! ورغم اني افضل مناداة الآخرين بالالقاب التي يحبونها، فإني لم أرَ في تجريد السيد/ محمد عثمان عن لقب السيادة وقاحة، فبحكم شخصية لسان الدين الناقدة من جانب ولكن المنفتحة والمحبة للآخرين، من الجانب الاخرين ، كان ذلك عندي تجليا لطاقة ابداعية ولقدرة على النقد الجذري والنهائي.. وما اشد حاجة مجتمعاتنا التقليدية لمثل هذه الطاقة !

* والآن فإن حياة لسان الدين في خطر، يعاني من مرض السكري، ومن دوالي الرجلين، ومزيج هذين المرضين يمكن ان يؤدي الى (غرغرينة) ويشكل خطورة بالغة على الحياة، خصوصا مع ملابسات الاعتقال والذي امتد حتى الآن لما يقارب الاحد عشر شهرا !

* وخطأ لسان الدين انه وكعادته في الاختلاط بالآخرين قد انغمس دون ادنى حذر في المجتمع الاريتري ، فصار جزءً من النسيج السياسي الاريتري يشاركهم احلامهم وهموهم وصراعاتهم، واذ افضت التطورات السياسية هناك إلى

صراع في الجبهة الشعبية الحاكمة فقد اختار لسان الدين ان يكون في قلب الاحداث وطرفا في الرهانات ! وربما يكون ذلك خاطئا، ولكنه ناجم عن محبة للثورة الاريترية وعن تاريخ ممتد في مناصرتها والوفاء لها، والمآمول من الاخوة في القيادة الاريترية اذا لم يعودوا علي استعداد لنذكر اسهام لسان الدين في الثورة الاريترية ، فإنا نطالبهم على الاقل ان يتذكروا الحقيقة الاساسية الاخرى، وهي حقيقة انه سوداني. فاذا لم يكن مرغوبا انغماسه في السياسة الاريترية فالافضل بدلا من اعتقاله طرده خارج اريتريا !

* قبل ثلاثة اعوام في احتفال حزب الامة بعودة نشاطه الى الداخل، والذي كرمت فيه القيادة الاريترية ، قابلني القائم بالاعمال الاريتري حينها الاستاذ/ حامد حمدت ! اندفع نحوي وحياني بحرارة بالغة قائلا بان الثورة الاريترية وفية ، وانهم لن ينسوا ابدا ان الحاج وراق وياسر عرمان وآخرين من عضوية الحزب الشيوعي حينها، قد ظلوا يعلنون تأييدهم للثورة الاريترية رغم ان الحزب الشيوعي كان قد بدأ يرتبك بعد وصول منقستو للحكم في اثيوبيا، واضاف حامد حمدت بأنهم يعتبروننا ظاهرة لافتة وانهم لا يمكن ان ينسوا مواقفنا تلك ...) وغض النظر عن مآل حامد حمدت الآن، وقد سمعت بأنه معتقل ايضا، فإني اعتبر شهادته والتزامه يعبران عن موقف الثورة الاريترية. . وإنني استثمر هذا الالتزام فأناشد الرئيس اسياسي افورقي ، لاطلاق سراح لسان الدين الخطيب، ولا ضير ان امر مع اطلاقه بطرده خارج اريتريا!

* انني وبحكم صداقتي الشخصية والتزامي تجاه لسان الدين الخطيب فقد سلمت الامر الى الاستاذ/ غازي سليمان المحامي كرئيس للمجموعة السودانية لحقوق الانسان وبسبب علاقاته التاريخية والوثيقة باريتريا، واخطرت منظمة العفو الدولية، كما طلبت من الاستاذ/ حاج حمد التوسط، وها أنذا اختم كل ذلك بمناشدة مفتوحة للرئيس اسياسي، واؤكد اننا كديمقراطيين سودانيين ، مهما كان ارتباطنا التاريخي والوجداني بالثورة الاريترية، وتقديرنا للمصلحة الاستراتيجية في علاقة حسنة ووطيدة بن الشعبين السوداني والاريتري ، فإننا كذلك لا يمكن ان نتسامح اذا ذهبت الحكومة الاريترية في طريق (أكل) ابناء الثورة ومناصريها !

Post: #124
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:43 AM
Parent: #123


حقوق المرأة السودانية في ظل الشريعة الاسلامية
المأزق والمخرج
[/align:59587973cf]

المقدمة:
على الرغم من ان المرأة السودانية ، لم تتخلف عن الرجل ، في كافة معارك الحياة ، الا ان دورها قد كان ولا يزال ، محجماً ومقيداً ، بموروثات ثقيلة ، من العادات والتقاليد والدين .. ولقد كافحت رائدات النهضة النسوية ، في السودان ، في محاربة كثير من العادات البالية ، التي حطت من قيمة المرأة وقيدت حريتها، وبالرغم من قلة فرص التعليم ، ولجن ميدان الصراع السياسي ، ونجحن في انتزاع حق الترشيح والانتخاب ، وحق الاجر المتساوي للعمل المتساوي ، وغير ذلك من الحقوق المدنية والسياسية ..
على ان المنطقة التي تغطيها المفاهيم الدينية، والتي تشمل مناحي واسعة من الحياة، لم تكن سهلة التجاوز، مثل تلك التي تفرضها التقاليد ، وانما ظلت عائقاً صعباًً تقاصرت دونه قامة الحركات النسوية في السودان ، وفي غيره من الدول العربية والاسلامية .. فحين نظرت رائدات الحركة النسوية السودانية للمشكلة ، وجدن انهن يحتجن الى مواجهة مؤسسات دينية عتيقة ، وجماعات اسلامية نشطة ، بالاضافة الى تراث ديني راسخ مقبول من العامة لمئات السنين .. فالخيارات جميعها صعبة . فاما مواجهة هذه المؤسسات الدينية ، وما يدعمها من رأي عام ، بان هذه الافكار والتشاريع الدينية ، تتناقض مع حقوق المرأة في نفسها كانسانة ، وفي المجتمع كمواطنة ، وهي مواجهة نتيجتها الاتهام بالكفر ، وما يترتب عليه من آثار ربما وصلت حد القتل . وأما محاولة قبول الفهم الاسلامي التقليدي ، وادعاء انه لا يتناقض مع حقوق المرأة ، كما زعمت الحركات النسوية الاسلامية ، في جميع انحاء العالم . وهذا منحى توفيقي مخالف للصدق ، ثم هو في النهاية ، لن يحقق للمرأة تجاوز المشاكل اليومية التي تعيشها ..
ان المشكلة التي تواجه الحركات النسوية ، في جميع انحاء العالم العربي والاسلامي، هو ان جموع النساء ليست واعية بحقوقها ، وليست مستعدة بالمطالبة بشئ افهمن بالدين والعرف والتقاليد انه لا يجب المطالبة به ، فاذا جاءت الحركات النسوية تدعوهن لهذه المطالبة ، فانها تتهم من الحركات الاسلامية ، بانها حركات عميلة للغرب ، ومخالفة للدين والتقاليد .. ومن أمثلة ذلك ما حدث في مصر ، قبيل واثناء انعقاد مؤتمر المرأة العالمي الذي عقد في بيجين بالصين في سبتمبر عام 1995 ، فقد جاء في بيان اصدره المرحوم الشيخ جاد الحق علي جاد الحق شيخ الازهر (ومؤتمر بكين هذا يعد حلقة من سلسلة حلقات متصلة ترمي الى ابتداع نمط جديد من الحياة يتعارض مع القيم الدينية ويحطم الحواجز الاخلاقية والتقاليد الراسخة دون التفات الى هذه القيم والحواجز والتقاليد التي عصمت شعوباً ودولاً كثيرة من التردي في هوة الفساد والجنس والسقوط في حومة الاضطراب النفسي ومستنقع الاختلال الاخلاقي).[1] وفي مواجهة وثيقة المؤتمر التي نصت على حقوق المرأة وكرامتها، ودعت الى المساواة ، جاء من السعودية (طالب الشيخ صالح بن حميد امام وخطيب الحرم في خطبة الجمعة الماضية الدول الاسلامية وشعوبها وجمعياتها ومنظماتها الرسمية والشعبية ان تظهر الحق وتعلنه وان تفضح الوثيقة ومن وراءها وقال ان على علماء الاسلام ان يقوموا بمسؤوليتهم نحو توحيد الامة والذود عن حياض الدين وكرامة الانسان وان يعلنوا رفض كل قرارات ومقررات تخالف عقيدة الامة وتفسد اخلاقها وتبارز ربها بالمحاربة وليرتفع صوت الفضيلة على اصوات دعاة الاباحية الساقطة)[2].. واذا تجاوزنا المؤسسات بهذين المثلين ، فان افراد الجماعات الاسلامية ، قد هاجموا المؤتمر بلا موضوعية فكتب أحدهم (مؤتمر المرأة مشبوه مشبوه كل من يمتلك حساً دينياً ووعياً اخلاقيا أكد هذا ..)[3] ، واتهم آخر المؤتمر بانه (دعا اليه نفر لا يعرفون شيئاً اسمه العفة)[4] !!
ومع مرور الزمن ، وظهور اجيال جديدة من النساء ، المتعلمات المهتمات ، بقضايا المرأة ، بدات المشاكل تطرح من جديد وبالحاح أكبر . واصبح الطرح اكثر جرأة نتيجة لتغير الواقع ، الذي زادت فيه مساهمة المرأة في الحياة بصورة ملحوظة ، بل وتفوقها على الرجل ، في كثير من المجالات ، ابرزها في تجربتنا السودانية نجاح الشابات باكبر من الشبان في امتحانات المدارس والجامعات . هذه الاجيال الجديدة ، تطرح تحدياً لرجال الدين ومؤسساته ، مثلما تتحدى الحركات النسوية التقليدية ، التي لم تستطع مواجهة المؤسسات الدينية بما يحقق التغيير المنشود .
ان هذه الورقة تستهدف أمرين: اولهما التركيز على قوانين الشريعة الاسلامية ، التي تعطي المرأة الحديثة حقوقاً منقوصة ، اذا ما قورنت بحقوق الانسان كما نصت عليها الشرعية الدولية لحقوق الانسان . وهي تشمل حقوق المرأة المنقوصة بازاء الرجل من الناحية الانسانية ، وكشريكة له في الحياة . كما تشمل ايضاً حقوقها المنقوصة كمواطن في دولة حديثة ، يحكمها دستور ينبغي ان يساوي بين المواطنين في الحقوق والواجبات. أما الامر الثاني فهو اقتراح مخرج من هذه الازمة . وهذا في رأيي يتمثل في الاخذ بنظرية تطوير الشريعة الاسلامية . وهي نظرية مؤسسة طرحها المفكر السوداني الاستاذ محمود محمد طه منذ مطلع الخمسينات .

Post: #125
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:44 AM
Parent: #124


2
حقوق المرأة في نفسها كأنسان:
م تعتبر الشريعة الاسلامية ، عقد الزواج بين الرجل والمرأة ، عقد متكافئ ، بل اعتبرت الرجل الشريك صاحب الحقوق الراجحة ، ولهذا سخرت كل شروط العقد لمصلحته دون المرأة ، ولعل السبب في ذلك ، انها نظرت الى دور الرجل في ذلك المجتمع ووجدته أهم من دور المرأة .. وبناء على هذا الفهم ، وبوحي منه ، ظن الفقهاء الاوائل ان الزواج ما هو الا استمتاع الرجل جنسياً بالمرأة ، وكذلك عرفوه ، فقال المالكية (هو عقد على مجرد التلذذ بآدمية) وقال الشافعية (هو عقد يتضمن ملك الوطء بلفظ انكاح او تزوييج) وقال الحنفية (هو عقد المتعة قصداً)[5] !! وهكذا لم ينظر العقد كما عرفه الفقهاء للمرأة كشريكة ، ولا للعلاقة كرابطة انسانية تقوم على الحب والمودة والرحمة ..
ولعل الجانب الاسوأ في هذا، هو ان الفقهاء حين عرفوا الزواج على اساس انه استمتاع الرجل جنسياً بالمرأة ، دفعهم ذلك ان يقرروا ان المرأة اذا مرضت ، واصبحت من ثم عاجزة عن القيام بدورها في الامتاع ، فان النفقة الشرعية عليها تصبح غير ملزمة للرجل ! والذين لا يرون هذا الراي ، وهم السادة الحنفية ، وحدهم، ويوجبون النفقة على الزوج حتى لو كانت الزوجة مريضة ، انما يشترطون حبسها في البيت باستمرار لتستحق هذا الانفاق !! فقد جاء في ذلك: (لكن الحنفية قالوا ان النفقة تجب نظير حبس الزوجة في منزل زوجها ولو لم تكن صالحة للاستمتاع).[6] وهكذا نرى ان المرأة اذا كانت مريضة لا يجوز الانفاق عليها عند سائر الفقهاء اصحاب المذاهب ، ما عدا الحنفية الذين اشترطوا الحبس ، بدلاً عن عدم المرض ، في مقابل الانفاق على الزوجة.
ان اركان الزواج في الشريعة أربعة: الشاهدان ، والولي ، والمهر ، وخلو المحل . ومعلوم ان حكمة الشهود هي اشهار العلاقة في المجتمع لما يستتبعها مسؤوليات ، كما ان خلو المحل يعني الا تكون المرأة محرمة على الرجل بالنسب أو بالرضاع ..أما الاصرار على وجود رجل يتولى امر المرأة ، في اهم شئون حياتها ، وهو مباشرة عقد زواجها ، فانه يعني ان الشريعة ترى ان المرأة مهما كان حظها من التعليم ، أو التقوى ، أو الوضع الاجتماعي ، تظل قاصراً لا تستحق ان تلي أمور نفسها !! ولما كان أي رجل مهما كان مستواه ، يمكن ان يكون ولياً على اي إمرأة في عقدها ، فان هذا يعتبر تمييزاً لا يقوم الا على اساس الجنس من ذكورة وانوثة .
وكماان اعتبار ان جنس الرجال ولياً، في عقد القرآن على جنس النساء ، يعطي الرجل بالضرورة فضيلة على المرأة ، فان المهر، الذي كان في الماضي يمثل ثمن شراء المرأة ، ودفعه بواسطة الرجل وحده ، يعطيه حق زائد في العلاقة المشتركة بين الطرفين .. ولتأكيد هذا المعنى ، قبل الفقهاء الاوائل ، ان يتم الزواج بصيغة تفيد البيع والشراء !! فقد وردت عن صيغة الزواج (أما الصيغة وهي عبارة عن ايجاب وقبول فانه يشترط فيها شروطاً كأن تكون بلفظ صريح أو كناية ... والكنايات التي ينعقد بها النكاح تنقسم الى أربعة أقسام ... القسم الثاني: وفي الانعقاد به خلاف ، والصحيح الانعقاد ، وهو ما كان بلفظ البيع والشراء . فلو قالت: بعت نفسي منك بكذا ناوية به الزواج وقبل فانه يصح ، ومثل ذلك اذا قالت: أسلمت لك نفسي في عشرين أردباً من القمح آخذها بعد شهر تريد الزواج فانه يصح . وكذا اذا قال: صالحتك على الألف التي علي لأبنتي يريد به الزواج ، وقال قبلت . فينعقد النكاح على الصحيح بلفظ البيع والشراء والسلم والصلح والفرض).[7]
وحين يرى الفقهاء ، ان الاسلام أعطى المرأة حق قبول الزواج من رجل معين ، أو رفضه ، ودخول هذه العلاقة برضاها ، فانهم يرون انها لم تعط نفس الحق في الخروج من هذه الشراكة بالطلاق . وذلك لأنهم اجمعوا ان الطلاق حق في يد الرجل دون المرأة ، بدليل ان كل الآيات التي ذكرته نسبته الى الرجل ، كقوله تعالى (اذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فامسكوهن بمعروف (البقرة 231) أو (فان طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره)(البقرة 230) أو (يا ايها النبي اذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن)(الطلاق 1) . وجاء في الفقه (ان الرجل هو الذي يملك الطلاق دون المرأة وذلك لأمرين أحدهما: ان الشريعة قد كلفت الرجل بالانفاق على المرأة واولادها ، وكلفته ان يبذل لها صداقاً .. وثانيهما ان المرأة مهما أوتيت من حكمة فانها سريعة التأثر بطبيعتها ، وليس لها من الجلد والصبر مثل ما للرجل ، فلو كان الطلاق بيدها فانها تستعمله أسوأ استعمال)[8]
ولعل من أبلغ مآسي استئثار الرجل بالطلاق ، ما عرف في المجتمعات الاسلامية "ببيت الطاعة" .. فاذا طلبت المرأة الطلاق ، لسوء معاملة زوجها ، ورفض الزوج ذلك ، فاضطرت الى الهروب الى بيت أبيها ، فان المحكمة تقضي بارجاعها قسراً الى منزل الزوجية الذي هربت منه .. ولقد كانت احكام الطاعة تنفذ في مجتمعاتنا، بواسطة رجال الشرطة ، الذين يحملون الزوجة بالقوة في عربة الشرطة الى بيت زوجها حيث يرغمها على طاعته ومعاشرته دون رضاها !! ولشدة اعتراض الحركات النسوية ، في كثير من البلاد العربية والاسلامية ، وخاصة عندنا في السودان، على هذه الصورة المهينة ، فقد تم الغاء التنفيذ بواسطة الشرطة .. على ان التنفيذ كان يتم بصورة افظع ، وهي ترك الزوجة معلقة فلا هي زوجة ، ولا هي مطلقة ، مع ايقاف النفقة عليها، حتى ترضخ وتأتي الى بيت الزوجية منكسرة .. والسبب في ان الحكومات لم تستطع الغاء "بيت الطاعة" هو ان حكم الطاعة ، حكم يقوم على الشريعة، ويؤخذ مباشرة من قوله تعالى (فان اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً)(النساء34) ..
ويمكن ان نتصور، بشاعة موضوع اجبار الزوجة على العيش مع شخص لا تحبه، اذا علمنا ان الشريعة اعطت هذا الشخص ، وهو الرجل، الحق في ضرب زوجته اذا لم تطعه ، وذلك بموجب آية القوامة من قوله تعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً ان الله كان علياً كبيراً)(النساء 34). جاء في تفسير هذه الآية ("الرجال قوامون على النساء" أي الرجل قيم على المرأة ، أي هو رئيسها وكبيرها والحاكم عليها ومؤدبها اذا اعوجت . "بما فضل الله بعضهم على بعض" أي لأن الرجال افضل من النساء ، والرجل خير من المرأة ، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال وكذلك الملك الأعظم لقوله صلى الله عليه وسلم "ما افلح قوم ولوا أمرهم إمرأة" رواه البخاري ، وكذا منصب القضاء . "وبما انفقوا من اموالهم" أي المهور والنفقات والكلف ، التي اوجبها الله عليهم في كتابه وسنة نبيه ، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه وله الفضل عليها والافضال فناسب ان يكون قيماً عليها .. قال الحسن البصري: جاءت إمرأة الى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو ان زوجها لطمها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: القصاص. فانزل الله عز وجل "الرجال قوامون على النساء" فرجعت المرأة بغير قصاص. "اللاتي تخافون نشوزهن" أي النساء اللاتي تتخوفون ان ينشزن على أزواجهن ، والنشوز هو الارتفاع فالمرأة الناشز هي المرتفعة على زوجها التاركه لأمره المعرضة عن المنفعة له ، فمتى ظهر له منها امارات النشوز فليعظها وليخوفها عقاب الله في عصيانه فان الله اوجب حق الزوج عليها وطاعته وحرم عليها معصيته لما له عليها من الفضل والافضال. قوله "واهجروهن غي المضاجع" قال علي بن طلحة عن ابن عباس: الهجر هو الا يجامعها ويضاجعها على فراشها ويوليها ظهره . وزاد آخرون منهم السدي والضحاك وعكرمة: ولا يكلمها ولا يحادثها. "واضربوهن" اذا لم يرتدعن بالموعظة ولا بالهجران فلكم ان تضربوهن ضرباً غير مبرح).[9] وذهب جماعة منهم الامام الطبري، الى ان المرأة الناشز لا تبالي بهجر زوجها ، بمعنى اعراضه عنها، ولذلك رأوا ان معنى كلمة "واهجروهن" أي قيدوهن ، من هجر البعير اذا شده بالهجار، وهو القيد الذي يقيد به البعير حتى لا يهرب.[10] وجاء في الفقه (اتفقت كلمة فقهاء المسلمين على جواز ضرب الزوجة اذا نشزت أو خالفت أمره أو ارتكبت فاحشة ، لقوله تعالى "واللاتي تخافون نشوزهن ..الآية" ضرباً مؤلماً غير مبرح فلا يكسر عضواً ولا يسيل دماً ، لقوله صلى الله عليه وسلم "استوصوا بالنساء خيراً" وعن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا يسأل الرجل فيم ضرب إمرأته").[11]
ومسألة الضرب هذه ، لم تكن مشكلة بالنسبة للفقهاء الاوائل في ذلك الوقت ، ولكنها ازعجت الحركات الاسلامية الحديثة ، خاصة في الستينات حين بدأت هذه الحركات تشعر بضرورة استقطاب النساء من اجل المنافسة في الصراع السياسي .. فاتجه بعض الفقهاء ، ومعلمي الدين في المدارس ، الى تبرير الضرب بانه ضرب بسيط ، وبعصاة صغيرة ، ومنهم من ذكر ان الضرب يتم بالمسواك ، الى غير ذلك من الاعذار الواهية ، التي أهملت جوهر القضية ، وهو الاهانة المترتبة على مجرد الضرب ، ومعاملة المرأة كطفلة مع انها يجب ان تعتبر شريك مساو في الحقوق والواجبات ..
ولقد شعرت الحركات الاسلامية ، مؤخراً ، بضعف حجة الضرب (الناعم) هذه ، وحاول مفكري الاخوان المسلمين ، وهم طليعة حركات الاسلام السياسي ، ان يطرحوا حجة أخرى ، قدمها محمد قطب في كتابه "شبهات حول الاسلام" الذي كان في وقت ما مقرراً على طلاب المدارس الثانوية بالسودان .. وخلاصة تلك الحجة، ان الشريعة الاسلامية ، سمحت للرجل بضرب المرأة ، لان هنالك حالات انحراف نفسي ، لدى النساء لا ينفع معها الا الضرب !! أسمعه يقول (ويلاحظ ان الآية تدرجت في بيان وسائل التاديب حتى وصلت الى الضرب - غير المبرح - في نهاية المطاف لا بد من سلطة محلية تقوم بهذا التاديب هي سلطة الرجل المسؤول في النهاية عن أمر هذا البيت وتبعاته ، فاذا لم تفلح جميع الوسائل فإننا امام حالة من الجموح العنيف لا يصلح لها الا اجراء عنيف هو الضرب بغير قصد الايذاء وانما بقصد التاديب. لذا نص التشريع على انه ضرب غير مبرح. وهنا شبهة الاهانة لكبرياء المرأة والفظاظة في معاملتها، ولكن ينبغي ان نذكر ان السلاح الاحتياطي لا يستعمل الا حين تخفق كل الوسائل السلمية الاخرى ومن ناحية ثانية ان هنالك حالات انحراف نفسي لا تجدي معه الا هذه الوسيلة).[12] إن محاولة محمد قطب اقناع جموع النساء بهذا الوضع على اساس انه الوضع الطبيعي ، مجرد مخادعة لان الوضع يمثل حالة وصاية ظاهرة . فالرجل لديه السلطة في تحديد ان زوجته ناشز ، وهو جهة غير محايدة ، كما انه هو الذي يحدد العقوبة ويوقعها بنفسه . هذا مع ان الزوجة قد يكون لها رأي آخر ، وربما اعتقدت انها لم تخطئ اصلاً ولم تنشز ، ولكن رايها لا عبرة به ما دامت السلطة في يد الرجل بموجب آية القوامة ، وهذا سبب الاعتراض على القوامة نفسها .. (اما تبرير محمد قطب بان الضرب هو العلاج الذي قرره الاسلام بسبب وجود حالات انحراف نفسي لا يصلح معه الا الضرب ، فقول نكر ، يسئ الى الاسلام أكثر من اساءته للمرأة التي وقع عليها الضرب !! ولو كان لهذا الكاتب الاسلامي ، ادنى ورع لما قال ما قال. ذلك ان المرض النفسي لا يعالج في الاسلام بالضرب ، وانما يعالج بالرفق ، وطلب الاستشفاء لدى الطبيب المختص . ان الاستاذ محمد قطب ، في كتابه هذا ، شبهات حول الاسلام ، يزعم انه يرد على اعداء الاسلام من المستشرقين الذين يودون الطعن في الاسلام ، فاذا به يعطيهم حجة ، لم تخطر على بال احدهم ليطعنوا بها الاسلام مفادها ان الاسلام فرض على الرجل ضرب زوجته ، لان هنالك حالات انحراف نفسي ، لا يعرف له الاسلام علاجاُ غير ضرب المريض !! فالاسلام "بهذه الصورة" قد جاء بالضرب للمريض حين جاءت الاديان بالرحمة حتى للاصحاء !!).[13]
ولعل من صور اذلال المرأة ، بالاضافة الى ما ذكرنا ، إعطاء الرجل حق التعدد .. فقد اتفق الفقهاء الاوائل ، على جواز ان يتزوج الرجل مثنى وثلاث ورباع إعتماداً على قوله تعالى (وان خفتم الا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ماطاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فان خفتم الا تعدلوا فواحدة او ماملكت ايمانكم ذلك ادنى الا تعولوا)(النساء 3) . وعلى خلاف بعض الاسلاميين المحدثين ، يرى الفقهاء الاوائل ان الغرض من التعدد هو استمتاع الرجل واظهار قوته الجنسية .. يقول القاضي عياض الفقيه المشهور (اما النكاح فمتفق فيه شرعاً وعادة فانه دليل الكمال وصحة الذكورية ، ولم يزل التفاخر بكثرته عادة معروفة والتمادح به سيرة ماضية ، واما في الشرع فسنة مأثورة ، وقد كان زهاد الصحابة رضي الله عنهم كثيري الزوجات والسراري وكثيري النكاح).[14] ويؤيد هذا الفهم جماعات اسلامية حديثة يرى بعض كتابها ان التعدد (ليس مشروطاً كما يقول بعض الناس بكون الزوجة الاولى لا تنجب أو مريضة او تحت ظروف إجتماعية قاهرة ، وانما هو مباح من الاصل فللمسلم أن يتزوج إثنين أوثلاثة أواربعة ما دام قادراً ويأنس من نفسه العدل ولا يقتصر الا اذا خشي الا يعدل لقوله تعالى "فانكحوا ما طاب لكم من النساء.." الآية ، فالآية الكريمة تصرح بان وجوب الاقتصارعلى واحدة لا يكون الا في حالة خوف العدل فاذا تيقن المسلم انه سيعدل فليعدد ما دام قادراً ، وليس العدل المطلوب شيئاً مستحيلاً كما يزعم البعض في تفسيرهم قوله تعالى "ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة" (النساء 129) فقد قالوا ان العدل غير مستطاع وقد شرط التعدد على العدل واذن لا تعدد فهذا في الحقيقة فهم خاطئ فالعدل غير المستطاع الذي ذكرته هذه الآية هو العدل المطلق المادي والمعنوي من الحب والميل . أما العدل المطلوب في الآية الأولى "فانكحوا ما طاب لكم من النساء" الآية فهو العدل المادي وهذا في مقدور المسلم ان يحققه حين يسوي بين زوجاته في المأكل والملبس والمبيت على انه في حالة حبه لواحدة اكثر من الأخرى ، وهذا امر لا يملكه ، فقد نهاه الله ان يميل نهائياً الى التي تعلق بها قلبه فيترك الاخرى معلقة لا هي متزوجة ولا هي مطلقة).[15]
ومن الحجج التي يسوقها مؤيدو التعدد (ان يكون الزوج عنده من القوة الجنسية ما لا يكتفي معه بزوجة واحدة وخاصة ان المرأة تمر بفترة الحيض والنفاس وهذه قد تطول عند بعض النساء وهو قادر ان يضم الى حوزته إمرأة ثانية بالحلال فهل نقول له لا تتزوج ثانية لان القوانين والعادات المخالفة للشرع لا تقبل بأكثر من واحدة فسندفعه الى الحرام واتخاذ الخليلات).[16]
يلاحظ ان المفكرين الاسلاميين، المؤيدين لتعدد الزوجات ، لم يتطرقوا لمبلغ ما فيه من عدم المساواة ، أو ما يترتب عليه من مشاكل تنتج عن حياة الضرار .. ثم انهم لم يفكروا في في حجة الطاقة الجنسية الزائدة هذه ، لو اثارتها المرأة كيف يكون الرد عليها .. على ان الدين ينبغي ان يهذب النفوس لا ان يجاري شهواتها على حساب مصالح الابناء واستقرار الاسر.
ومع ذلك ، فان وضع المرأة المعدد عليها ، أفضل من وضع الجواري اللاتي يعاشرهن الرجل دون عقد شرعي ، ودون عدد محدد ودون اي حقوق .. ونحن عندما نتحدث عن وضع الجواري ، الآن ، لا ننطلق من تهويم لا اساس له في الواقع السوداني ، وانما ننقد وضعاً ماثلاً ، حدث كاثر من آثار الحرب الجائرة بين الشمال والجنوب تحت حكومة الجبهة .. فلقد صورت هذه الحكومة الجاهلة المتطرفة ، الحرب على انها جهاد في سبيل الله ، ووظفت وسائل الاعلام ، لاشاعة هذا التضليل، وسلحت القبائل العربية ، في مناطق التماس بينها وبين القبائل الجنوبية، فاحرقوا القرى ، وقتلوا المواطنين البسطاء من غير المحاربين ، واسروا النساء ، واتخذوهم جواري ، وباعوا ابناءهم كعبيد ، مما حط من قدر السودان بين الامم ، ودمغه بتهمة اعادة الرق من كافة المنظمات العاملة في مجالات حقوق الانسان .. جاء في شهادة احدى الضحايا اللاتي اختطفن بواسطة قوات الدفاع الشعبي (ثم اخذنا الى "ابو مطارق" وفي الطريق تم اغتصابي بواسطة عدة أشخاص وقد تعرضت للضرب الشديد - زوجي بول يول قتل قبل عامين من اختطافي – تم اخذي من ابو مطارق بواسطة شخص اسمه على وكان يعاملني بقسوة شديدة يضربني ويقذف الاكل على الارض ويطلب مني اكله وكان على مرتبط بالزراعة في مكان بعيد من المنزل وكان يناديني "بنت الجانقي" وكان يطلب مني الصلاة وحين اذكر له اني لا اعرف يضربني ب "القنا" ... أصر سيدها على ان يقوم بطهارتها ليتزوجها وقد تم ذلك بعد ان تم تثبيتها على "العنقريب" بحضور زوجة سيدها وعدد آخر من النساء وقد تمت الطهارة دون بنج وكان الجرح ينزف لمدة أربعة أيام دون توقف وبالرغم من الألم والارهاق بسبب النزيف فقد اجبرت على العمل في اليوم التالي مباشرة وقد ضاجعها سيدها بعد ثلاثة اشهر من الطهارة).[17]
وليست هذه الحادثة حدث منفرد ، وانما هي ظاهرة عامة يدفعها شعور ديني حتى ان المغتصب كان يأمر الضحية بالصلاة !! ولعل هذا اللبس لم يكن ليحدث لو لم يكن هنالك تضليل بان الحرب جهاد في سبيل الله ، وان من حق المجاهدين اخذ الاسرى من النساء كجواري ..

Post: #126
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:45 AM
Parent: #125


3
المرأة في المجتمع كمواطن:
لم تعط الشريعة المرأة كمواطنة ، الحق في ان تصبح رئيساً للدولة ، أو مسئولاً كبيراً، في منصب يجعلها تتولى امر الرجال ، وذلك اعتماداً على آية القوامة التي اشرنا اليها آنفاً ، ولقد فهم الفقهاء الآية ، على ضوء الحديث النبوي الشريف (ما افلح قوم ولوا أمرهم إمرأة) ، وسار على هذا الفهم ، الفقهاء المحدثين ، وزعماء الحركات الاسلامية.. فقد كتب ابو الاعلى المودودي ، زعيم الجماعة الاسلامية في باكستان ("الرجال قوامون على النساء" – النساء 34 "ولن يفلح قوم ولوا امرهم إمرأة" رواه البخاري هذا النصان يقطعان بان المناصب الرئيسية في الدولة رئاسة كانت أو وزارة أو عضوية مجلس شورى او ادارة مختلف مصالح الحكومة لا تفوض الى النساء . وبناء على ذلك فان مما يخالف النصوص الصريحة ان تننزل النساء تلك المنزلة في دستور الدولة الاسلامية أو يترك فيها مجال لذلك . وارتكاب تلك المخالفة لا يجوز البتة لدولة قد رضيت لنفسها التقيد بطاعة الله ورسوله).[18]
وكما حرمت الشريعة المراة من رئاسة الدولة ، ومن المناصب العليا ، منعتها ايضاً من الشهادة ، ما عدا في الاموال .. قال تعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فان لم يكونا رجلين فرجل وأمراتان ممن ترضون من الشهداء ان تضل احداهما فتذكر احداهما الأخرى) جاء في تفسير الآية (وهذا انما يكون في الاموال وانما اقيمت المرأتان مقام الرجل لنقصان عقل المراة).[19] أما عن الشهادة في غير الاموال ف (يرى جمهور الفقهاء عدم قبول شهادة المرأة في الحدود والحرابة والقذف والبغي والزنا وشرب الخمر والسرقة والقصاص سواء كن منفردات او كثرن أو مع رجال واستندوا في ذلك الى حجج من المنقول والمعقول .
المنقول: وهو ما يستخلص من آيات القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة:
1- الكتاب الحكيم: قوله تعالى (واستشهدوا ذوي عدل منكم)(الطلاق 2) وقوله عز وجل (ولولا جاءوا عليه باربعة شهداء)(النور 13) ويستدل من هذه الآيات اشتراط الذكورة في الشهداء دون الانوثة .
2- السنة النبوية الشريفة: مارواه مالك عن الزهري انه قال: مضت السنة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخليفتين من بعده انه لا شهادة للنساء في الحدود والقصاص (البخاري الجزء الاول ص 222).
المعقول: استند الجمهور الى حجج مستخلصة من المعقول وذلك كما يلي:
1- ان الحدود تدرأ بالشبهات فلا تثبت بحجة فيها شبهه ، وشهادة النساء شبهه لتطرق الضلال والنسيان اليها، لقوله تعالى (ان تضل احداهما فتذكر احداهما الأخرى) فالضلالة شبهه والحدود تسقط بالشبهات كما ان النبي وصفهن بنقصان العقل والدين).[20]
فالمرأة اذن ليس لها الحق في الشهادة ، ما عدا في الاموال ، حيث تكون شهادتها منقوصة ، اذ تساوي نصف شهادة الرجل .. اكثر من ذلك ، لا تقبل شهادة المرأة المنقوصة هذه ، الا اذا كان معها رجل ، فكأن شهادتها لا تعتمد الا بسبب الرجل .
فاذا كانت المرأة لايمكن ان تكون شاهدة ، فهي بالضرورة لا تكون قاضية تقيم شهادة الشهود ، بل ان من زعماء الحركات الاسلامية المعاصرة ، من يرى بانها لا يمكن ان تكون محامية ، ولا يمكن ان تعطى حتى حق الانتخاب !! يقول الامام حسن البنا مؤسس حركة الاخوان المسلمين (أما ما يريد دعاة التفرنج واصحاب الهوى من حقوق الانتخابات والاشتغال بالمحاماة فنرد عليهم بان الرجال وهم أكمل عقلاً من النساء لم يحسنوا اداء هذا الحق فكيف بالنساء وهن ناقصات عقل ودين).[21]
وفي اتجاه الحد من حرية المرأة ، واختصار دورها في المجتمع ، فرضت عليها الشريعة الحجاب ، ومنعتها الاختلاط بالرجال خوف الفتنة ، التي قد تؤدي الى الخطيئة .. ولقد كان الاساس في الحجاب ، هو حبس المرأة في بيتها ، وعدم خروجها منه الا لضرورة قصوى .. ولقد اعتمد الفقهاء في أمر الحجاب على قوله تعالى (يا نساء النبي لستن كأحد من النساء ان اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً* وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى واقمن الصلاة واتين الزكاة واطعن الله ورسوله) (الاحزاب 32 -33) .. جاء في تفسير هذه الآية (هذه آداب أمر الله بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم ونساء الأمة تبع لهم في ذلك "وقرن في بيوتكن" أي الزمن بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة من الحوائج الشرعية كالصلاة في المسجد ... عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ان المرأة عورة فاذا خرجت استشرفها الشيطان واقرب ما تكون بروحة ربها وهي في قعر بيتها" رواه الترمزي . "ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى" قال مجاهد: المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال فذلك تبرج الجاهلية ، وقال مقاتل: التبرج ان تلقي الخمار على راسها ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها).[22]
يتضح من هذا ، ان الحجاب يعني في المكان الأول ، حبس المرأة في بيتها ، ومنعها من الخروج منه الا لضرورة شرعية .. وهو بهذا المعنى ، اذا نظر اليه في وقتنا الحاضر ، يمثل سجن مواطن برئ ، بسبب جريمة لم يرتكبها ، وانما يخشى عليه ان يقع فيها ، اذا اخرج من سجنه ، وهي هنا جريمة الزنا أو ما يشبهها من الفواحش. ومعلوم ان الزنا ، لا تمارسه المرأة وحدها ، وانما لا بد فيه من رجل ، ومع ذلك لم يحبس الرجل بالبيت لنفس السبب ..وذلك لان الرجل مظنة الرشد ، وهو يعتبر مسئول فلا يعاقب الا بعد ان يرتكب الجرم ، أما المرأة فهي مظنة الغواية ، وهي تعتبر قاصر ، ولهذا جعل الرجل وصياً عليها ، لأن القاصر لا يعطى الفرصة في الممارسة حماية له ، مما يتوقع من سوء تصرفه .. ثم ان الرجل عماد المجتمع ، فاذا حبس في البيت ، لن تقم الحياة اذ عليه تعتمد في العمل وفي الحروب ، التي من شأنها نشر الدين ، وحماية المرأة نفسها من عار السبي ..
فاذا اضطرت المرأة للخروج من بيتها ، لضرورة شرعية ، كالصلاة او الحج او المرض ، فانه يجب عليها ان تخرج وعليها من الغطاء ، ما لايمكن معه تمييز شكلها، حتى لا تثير اي مشاعر في من يراها ، وتكون بذلك وكانها ما زالت محبوسة في بيتها .. جاء في تفسير قوله تعالى (ياايها النبي قل لازواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك ادنى ان يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً)(الاحزاب 59) (قال علي بن طلحة عن ابن عباس أمر الله نساء المؤمنين اذا خرجن من بيوتهن في حاجة ان يغطين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة).[23]
فالحجاب بالثياب ، هو الحجاب في المكان الثاني ، حين يتعذر الحجاب في المكان الاول ، وهو البقاء في البيوت لضرورة شرعية .. فاذا صح هذا ، وهو صحيح دون ادنى ريب، فان الفتاة المؤمنة بالفكر السلفي ، تعتبر مفارقة للدين ، بمجرد خروجها من بيتها ، لغير ضرورة شرعية ، كأن تخرج للنزهة أو التسوق أو للمشاركة في حضور عمل سياسي، أو لمجرد زيارة بعض الاصدقاء .. الخ وذلك حتى لو لبست الحجاب الشرعي ، وغطت كل جسدها ، لانها برغم ذلك ، قد تجاوزت الامر الشرعي ، في قوله تعالى (وقرن في بيوتكن) وهو اساس الحجاب ، دون ضرورة تبرر ذلك ، في نظر الفكر الذي تؤمن به.

Post: #127
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:46 AM
Parent: #126


4
المخرج
إن مأزق الحركات النسوية في السودان ، هو انها تواجه بالاضافة الى سلطة القمع، سلطة دينية ، موروثة ، متمثلة في الفهم السلفي التقليدي للاسلام ، الذي شرحنا طرفاً منه أعلاه ، فاذا رفضت هذه الحركات القوانين الاسلامية ، التي تحط من قدر المرأة وتجعلها مواطن من الدرجة الثانية ، وشريك منقوص الحقوق في علاقة لا يستطيع الخروج منها، اذا لم يرد له الطرف الآخر ذلك ، قوبل هذا الرفض برد فعل فظيع يتجه الى التعريض بهذه الحركات النسوية ، واتهامها بالكفر والمروق والعمالة للغرب، كما حدث لبعض رائدات النهضة النسوية في مصر ..
ولعل السبب في اتهام الحركات النسوية في العالم العربي الاسلامي، بالعمالة للغرب، هو ان هذه الحركات تقدم حلولاً تعتمد على المواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الانسان ، فيرفع الدعاة الاسلاميين اصواتهم ، باننا كمسلمين لن نترك ما قاله الله ورسوله ، لنتبع ما يقوله الغربيين الذين نعتبرهم كفاراً ..
ان الاتجاه الذي يساعد على حل هذه المشكلة ، هو ان تتجه هذه الحركات الى منازعة الجماعات الاسلامية ، في الفهم الذي تقدمه على انه تفسير للنصوص ، وهناك تفسيرات اخرى غيره ، تنسجم مع مبادئ حقوق الانسان .. ثم تحاول هذه الحركات ان توظف منابرها ، لنشر الافكار المتقدمة من الدين ، والتي تملك القدرة على تقديم بديل عن الحركات الاسلامية ، وافكارها المتعارضة مع حقوق الانسان ..
وفي سبيل المساهمة في دعم هذا الاتجاه ، ترى هذه الورقة ، ان البديل عن الفهم السلفي للاسلام، هو تطوير التشريع الاسلامي الذي فصله الاستاذ محمود في اكثر من ثلاثين كتاباً ..
وجوهر هذه النظرية ، التي تحوي تفاصيل كثيرة لا تحتاج الورقة للتعرض لها ، هو ان قوانين الشريعة الاسلامية التي طبقت في القرن السابع الميلادي ، وقامت على هداها الدولة الاسلامية الاولى في المدينة ، لا يمكن ان تطبق اليوم . وذلك للخلف الشاسع ، بين حاجة وطاقة المجتمع الكوكبي المعاصر الهائلة ، وحاجه وطاقه مجتمع البشري ، والذي كان يمثله مجتمع الجزيرة العربية ، قبل نحو الف وخمسمائة عام. على اننا اذا تجاوزنا الشريعة ، التي جاءت مفصلة في القرآن المدني ، الى روح الاسلام كما عبر عنها القرآن المكي، فاننا نجد في الآيات المكية معاني محددة تخاطب الانسانية جمعاء ، بالقيم الثوابت التي يمكن ان يستمد منها تشريع انساني يصلح للبشرية المعاصرة . ولكن المشكلة التي تواجه الفقهاء ، هي ان القرآن المكي ، قد تم نسخه بالقرآن المدني ، الذي جاء بعده ، وقد فهموا من النسخ حسب آراء السلف ، انه الغاء نهائي لهذه الآيات المنسوخة. ولكن الفهم الذي طرحه الاستاذ محمود يعتبر النسخ ارجاء وليس الغاء . وهو في هذا يعتمد على أمرين: اولهما ان انزال تشاريع ثم الغاؤها امر يتناقض مع الحكمة الالهية ، وعلمها المسبق ، بواقع الحال ، قبل انزال ذلك التشريع . وثانيهما ان الآيات المنسوخة ارفع من الآيات الناسخة ، وكان عليها عمل النبي في خاصة نفسه ، فلا يمكن ان ينسخ ما هو أرفع بما هو أدنى ثم يظل النسخ سارياً الى الابد . لهذا خلص الاستاذ محمود ، الى ان سبب نسخ الآيات المكية ، في الماضي هو قصور المجتمع الجاهلي عن شاوها، فقد نزلت اولاً لتقيم الحجة على الناس ، وظل العمل بها ثلاثة عشر عاماً وهي تشكل معظم القرآن ، فلما اثبت القرشيون انهم دونها ، بما لاقوا به النبي صلى الله عليه وسلم واصحابه من اعراض وعداء ، امر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة ، ونسخ القرآن المكي الذي كان يدعوا الى الاسماح والحرية ، واحكم القرآن المدني ، الذي يدعو الى الجهاد وكافة قوانين الشريعة .. فاذا صح هذا وهو صحيح ، فان التطور الذي حدث للمجتمع البشري ، والذي جعله يرسي قواعد ونظم للحرية ، والتعايش السلمي ، بين مختلف الاديان ، يوجب علينا بعث الآيات المنسوخة ، لاننا مطالبون باتباع الاحسن في قوله تعالى (واتبعوا احسن ما انزل اليكم من ربكم من قبل ان ياتيكم العذاب بغتة وانتم لا تشعرون)(الزمر 55) ، ولانها أيضاً الانسب لوقتنا ، والاقدر على الوفاء بحاجة مجتمعنا.. فالاحسن لمجتمعنا الحديث هو ان نبعث قوله تعالى (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (الكهف 29) فنتعايش بسلام بدلاً من ان نقاتل غير المسلمين بناء على قوله تعالى (فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) (التوبة 5)
على ان الدعوة الى تطوير الشريعة ، لا تعني ان الشريعة ليست طرفاً من الدين ، او انها لم تكن في الماضي صالحة ، وانما تعني ان الشريعة قد كانت في وقتها قفزة كبيرة ، وقد انتفع منها المجتمع البشري ، وتجاوز في ظلها أعرافاً جائرة ، كانت المرأة تدفن فيها حيّة ، فلم يكن من المعقول ولا المقبول ان يحقق ذلك التشريع المساواة التامة لها مع الرجل ..
فاذا بعثت الآيات المنسوخة ، في حق المرأة ، تحققت المساواة اذ ان آية القوامة وما يترتب عليها من احكام تعطل ، ببعث آية المساواة من قوله تعالى (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة)(البقرة 228) ، كما ان الدستور يعتمد في المساواة بين المواطنين على قوله تعالى (ياايها الناس انا خلقناكم من ذكر وانثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عندالله اتقاكم ان الله عليم خبير)(الحجرات 13) حيث تستنبط من هذه الآية، القوانين التي تحقق المساواة ، رغم اختلاف الجنس من ذكورة وانوثة . وبناء على ذلك ، يمكن للمرأة ان تصبح رئيساً للدولة ، وقاضي وشاهد مساو في شهادته للرجل . كما يمكن ان تشارك في كافة المرافق وتتولى المهام القيادية ، وتشرف على غيرها من النساء والرجال ..
أما في داخل البيت ، فان علاقة الزواج تقوم على التكافؤ ، فيلغى التعدد الا لضرورة ينص عليها في القانون ، كأن تكون الزوجة عقيم ، والزوج يريد الذرية ، او ان تكون مريضة مرض يمنعها من القيام بواجياتها الزوجية . وحتى في هذه الحالات تخير بين التعدد والطلاق . وذلك لأنها مشاركة تماماً في حق الطلاق . وتصبح المرأة مسئولة أمام القانون ، فلا يجوز للرجل ان يضربها ، أو يقهرها، وتسقط القوامة لان المجتمع الحاضر ، قد تجاوز اشراطها ، فقد قامت على الانفاق ، وعلى فضيلة الرجل البدنية في مجتمع غاب فيه القانون ، قال تعالى (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما انفقوا من اموالهم) وبسقوط القوامة يسقط كلما ترتب عليها من الحقوق الزائدة .
ان واجب الحركات النسوية في السودان ، ان تنظر في هذا الفهم ، فهو مبذول في الكتب ، وان تصر عليه كواحد من الاراء ، التي يمكن ان توفق بين حقوق الانسان وبين الاسلام ، ولا تتردد في القول بان احكام الشريعة ، بالفهم السلفي ، قد بخست المرأة حقوقها ، وانها وهي تصرح بذلك ، لا تنسب الظلم لله تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ، وانما تنسب عدم الفهم لرجال الدين ، الذين لم يلقوا بالاً لتطور المجتمع ، خلال الف وخمسمائة عام ، وعجزوا ان يستنبطوا له ما يناسبه من احكام الدين التي تتفق مع روح العصر .

[1] - جريدة الوفد 25/8/1995
[2] - جريدة المسلمون 1/9/1995
[3] - محمود صادق –جريدة المسلمون 8/8/1995
[4] - د. يوسف القرضاوي – جريدة الشعب 4/8/1995
[5] - عبد الرحمن الجزيري: الفقه على المذاهب الاربعة ص 181
[6]- المصدر نفسه ص 448 .
[7] - المصدر السابق الجزء 4 ص 17-19 .
[8] - المصدر السابق ص 327.
[9] - تفسير ابن كثير- الجزء الأول ص 491-492
[10] - تفسير الطبري –الجزء الثاني ص 298 .
[11] - عبد الرحمن الجزيري: الفقه على المذاهب الأربعة – الجزء 4 ص 65 .
[12] - محمد قطب: شبهات حول الاسلام ص 129
[13] - عمر القراي: الفكر الاسلامي وقضية المرأة ص 62
[14] - القاضي عياض: الشفاء الجزء الاول ص87
[15] - د. محمد عبد السلام: دراسات في الثقافة الاسلامية ص 283
[16] - هاشم بن حامد الرفاعي: الكلمات في بيان محاسن تعددالزوجات ص32
[17] - لمزيد من التفاصيل راجع الرق في السودان _ المنظمة السودانية لحقوق الانسان فبراير 2000
[18] - ابو الاعلى المودودي: تدوين الدستور الاسلامي ص 57
[19] - تفسير ابن كثير الجزء الأول ص335
[20] - د. حسن الجندي: احكام المرأة في التشريع الجنائي الاسلامي ص 104 - 105
[21] - حسن البنا: حديث الثلاثاء ص 370
[22] - تفسير ابن كثير – الجزء الثالث ص 449
[23] - المصدر السابق ص 575
_________________

Post: #128
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:48 AM
Parent: #127


المقال منقول من سودانايل
http://www.sudaneseonline.com/sudanile4.html

دعوة إلى قيام "التحالف المدنى الديمقراطى"

د. ابراهيم الكرسنى
[email protected]

إتسمت المرحلة السياسية التى أعقبت إنقلاب "الإنقاذ" وإستمرت حتى 25/5/2004 م بولادة تحالف سياسى عريق سمي بالتجمع الوطنى الديمقراطى.ضم هذا التحالف فى داخله جميع القوى السياسية التى عارضت الإنقلاب فيما عدا تنظيم الجبهة القومية الإسلامية،الذى دبر و نفذ الإنقلاب قاطعاً بذلك الطريق أمام إستمرارية و تطور المسيرة الديمقراطية فى البلاد.
لقد تحمل التجمع الوطنى الديمقراطى عبء النضال ضد نظام الإنقاذ بكل ما تطلبه ذلك من تضحيات جسام على مستوى التنظيمات و القيادات على حد سواء.ولايسعنا فى هذا المجال إلا أن نحنى هاماتنا إجلالاً و إحتراماً لجميع شهداء النضال لإسترداد الديمقراطية وكذلك لكل من سجن أو عذب أو واجه إرهاب الدولة البوليسية بأشكاله وصفوفه المتعددة بكل جلد ورباطة جأش.إن نضالهم هذا لم بذهب سدى،بل كانت ثمرته المباشرة هي بداية مرحلة جديدة فى تاريخ السودان السياسى ستكون السمة المميزة لها هي تفكيك نظام الإنقاذ كما عرفناه وبداية مشواره الحتمى نحو التآكل والإندثار من على الخارطة السياسية السودانية نهائياً وإلى الأبد،وإن تم ذلك على نار هادئة!!
لكن الملفت للإنتباه هو أن مسيرة التجمع الوطنى الديمقراطى قد إكتنفها العديد من المنعرجات،صعوداً وهبوطاً،أثناء عمره الذى جاء مطابقاً لعمر الإنقاذ.فقد ولد التجمع بعد الإنقلاب مباشرة ومن داخل سجن كوبر وباشر عمله بإمكانيات قليلة ولكن بهمة عالية وأنجز إنجازات ضخمة خلال تلك المسيرة كان أهمها وأشهرها مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية والتى بدأ بعدها العد التنازلى لرحلته حيث إتسمت مسيرته منذئذ بالخطايا الست التى أشرنا إليها فى مقالنا السابق بهذه الصحيفة.لقد كانت النتيجة المباشرة لتلك الخطايا هي انفراط عقد التجمع والتى بدأت بخروج حزب الأمة،أحد أكبر أحزاب التجمع وأكثرها نشاطاً،من الإطار التنظيمى للتجمع،وإستمرار الحركة الشعبية فى تفاوضها الإحادى مع نظام الإنقاذ،على الرغم من إصرار بقية أطراف التجمع على ضرورة توسيع قاعدة المشاركة،ولكن ثالثة الاثافي تمثلت فى توقيع السيد رئيس التجمع لإتفاق إطارى مع نظام الإنقاذ بمدينة جدة حتى دون موافقة المكتب التنفيذى للتجمع!!من هنا دخل التجمع مرحلة الموت السريرى التى توجت بموته الطبيعى فى 26/5/2004م بمنتجع نيفاشا الكينى حينما شكر السيد/رئيس الحركة الشعبية حتى حيوانات كينيا لمساهمتها فى تلطيف أجواء نيفاشا أثناء المحادثات دون أن ينبس ببنت شفة عن دور حلفائه أثناء المحادثات،حتى وإن كان ذلك في مستوى تلطيف الأجواء جراء زيارة السيد/رئيس التجمع لمنتجع نيفاشا!!
ولدت "بروتوكولات" نيفاشا واقعاً سياسياً جديداً بالكامل.أكثر ما يميز هذا الواقع هو موت نظام الإنقاذ كما عهدناه وكذلك موت التجمع الوطنى الديمقراطى كما عهدناه فى ذات الوقت.لن يستطيع نكران هذا الواقع الماثل أمامنا سوى مكابر،الصفة الوحيدة المشتركة فيما بين قياداتنا السياسية الشائخة!!
ماذا يعنى ولادة هذا الواقع الجديد؟يعنى هذا الواقع الجديد ببساطة إستحالة إستمرار صيغ التحالفات السياسية بالصورة التى ألفناها فى الماضى ووفق البرامج والرؤى المعروفة لديها لسبب بسيط كذلك ألا وهو عدم صلاحية تلك الرؤى والبرامج للواقع الجديد وكذلك إنتهاء فترة صلاحية القيادات السياسية التى صاغت تلك الرؤى و البرامج!!
يرتكز السؤال المحورى التالى على هذه النتيجة المنطقية والسؤال هو:كيف ستتشكل التحالفات السياسية أثناء المرحلة الجديدة القادمة-مرحلة ما بعد "بروتوكولات" نيفاشا ؟ سنبدأ الإجابة عن هذا السؤال بإقرار حقيقة تبدو فى حكم البداهة وهي إستحالة قيام تحالفات سياسية دون توفر رؤى وبرامج حد ادنى مشتركة ومتفق عليها من قبل الأطراف المكونة للتحالف المعين.إذن ما هي الرؤى والبرامج التى ستتشكل وفقاً لها تحالفات المرحلة القادمة.بما أن البرامج السياسية تستند فى الاساس على الرؤى السياسية،فسيقتصر حديثنا فى هذا المقال على تحديد تلك الرؤى.
هنالك فى تقديرى ثلاث رؤى ستسود الساحة السياسية خلال هذه المرحلة و هي:
1. تأسيس وبناء دولة سودانية تستند إلى الديمقراطية،دولة الحقوق المدنية والعدالة الإجتماعية.
2. تأسيس دولة دينية.
3. تأسيس دولة بهياكل ديمقراطية الشكل شمولية المحتوى.
الرؤية الأولى ستمثل طموحات و تطلعات جميع القوى الاجتماعية المناهضة لقيام دولة دينية فى السودان. أما الرؤية الثانية فستمثل تطلعات حميع القوى الإجتماعية الداعية إلى قيام دولة دينية والتى يمكن تصنيفها بتلك القوى المنساقة خلف الشعارات البراقة و الزائفة وتدعى بانها إسلامية ويأتى فى طليعة تلك القوى الجبهة الإسلامية القومية،بمختلف مسمياتها،وبالأخص الفئة الحاكمة الآن والتى, وياللمفارقة, ستعتبر الشريك الرئيسى للحركة الشعبية فى الحكم خلال المرحلة القادمة.أما الرؤية الثالثة فقد لمح لها السيد/ رئيس الحركة الشعبية فى كلمته بعد توقيع "البروتوكولات" حينما بشرنا بقيام تحالف جديد بين قوى التوجه الحضارى وقوى السودان الجديد (الذى يعنى الحركة الشعبية حتى إشعار آخر) والذى لن يتمخض عنه سوى ولادة دولة بهياكل ديمقراطية الشكل شمولية المحتوى.
فى تقديرى إن محور الصراع السياسى أثناء المرحلة القادمة سيدور حول الرؤية الأولى حيث أن المقابل لها سيكون قيام الدولة الشمولية،سواء أخذت الصبغة الدينية أم لم تتخذها،فهي النقيض تماماً للدولة المدنية الديمقراطية حيث انها ستستند اسا إلى الرؤى الدينية ،حتى وإن نفت ذلك بهدف الدعاية السياسية الرخيصة.يصبح فى حكم المؤكد أن مسيرة السودان المستقبلية سيتمخض عنها تحالفان سياسيان رئيسيان وفقا لتلك الرؤى هما القوى الداعية لقيام الدولة المدنية وتلك الداعية لقيام الدولة الدينية. ستشكل الرؤية الأولى نقطة إرتكاز التحالف الأول وستشكل الرؤية الثانية نقطة إرتكاز التحالف الثانى.
لعله من نافلة القول أنه يستحيل تصنيف الصراع السياسى بأبيض وأسود حيث أن مجرى الاحداث غالبا ما يتميز باخيلاط تلك الالوان. لذلك ستوجد حتماً بعض العناصر والفئات داخل كل من التحالفين تكون متذبذبة فى مواقفها صعوداً وهبوطاً وربما إنتقلت من تحالف إلى آخر وفق متطلبات الصراع السياسى نفسه وما يفرزه من مستجدات وكذلك وفقاً لرؤية كل فريق لقضايا المرحلة حيت تتميز الرؤية اثناء هذه المرحلة بالضبابية وعدم الوضوح فى العديد من جوانبها. إن التحالف الذى أتوقع ظهوره خلال المرحلة القادمة والذى أؤمن بجدواه و ضرورته وأدعو له،إن كان للسودان الديمقراطى الموحد من مستقبل, هو ذلك الذى يدعو لقيام دولة مدنية ديمقراطية تشكل العدالة الإجتماعية لحمتها وسداها, ويناهض بضراوة لا تعرف اللين أية دعوة لقيام دولة دينية فى السودان ، مهما إختلفت مسمياتها وأشكالها،ومنذ يوم ميلاده الأول.أننى أعتقد بأن القوى المستنيرة والتقدمية ستشكل أساس التحالف الجديد،أياً كان تعريفنا "للتقدمية" حيث أن المفاهيم نفسها قد أصابها الغموض والضبابية وتحتاج إلى جهد فكرى مكثف حتى يمكن إستجلائها لتعبر بحق عن مضامينها المقصودة!!
لكن هذا التعريف لن يوصد الباب أمام الفئات الأخرى التى تتفق مع برنامج الحد الأدنى الذى ستقرره قوى التحالف الجديد حيث يوجد بعضها داخل أكثر القوى إلتزاماً بقيام الدولة الدينية التى غالباً ما يجذبها نحو التحالف الجديد دعوته إلى العدالة الإجتماعية التي تستغلها قيادات تحالف الدولة الدينية لتخدع بها هذه المجموعة وتوظفها لتحقيق مآربها الدنيوية البحتة.إن تجربة نظام الإنقاذ مؤهلة اكثر من غيرها لتأكيد هذه الحقيقة حيث انها تذخر بمثل هذه الفئات التى إنسلخت منذ العهد الباكر لنظام الإنقاذ ثم تواصلت فى الإنسلاخ عنه كلما إبتعد رويداً رويداً عن مبدأ العدالة الاجتماعية المحبب إلى قلب كل مسلم ومسلمة إلى أن إتضح للجميع عدى الفئة الطفيلية ذات المصلحة المباشرة فى بقاء النظام و إستمراره- ان دعوة دعوة التوجه الحضارى التى تبنتها الجبهة الاسلامية ما هى سوى كلمة حق أريد بها باطل!!

أظهرت تجربة سنوات نظام الإنقاذ العجاف ومن واقع الصراع السياسى اليومى والإنقسامات التى طالت جميع الأحزاب السياسية بأن هنالك أقساماً لا يستهان بها من عضوية أحزاب الأمة والإتحاد الديمقراطى وحتى الجبهة الإسلامية القومية يمكن جذبها إلى هذا النوع من التحالف لأنها قد إكتوت بنيران الإنقاذ الحارقة ولأنها قد عانت أيما معاناة جراء سياسات النظام التى أفقرت الشعب والوطن ولأن معظمها أصبح لا يثق فى أطروحات نظام الإنقاذ وفادته مهما تحجج من حجج!!
إذن فإن المرحلة القادمة تعتبر مرحلة فارقة فى تاريخ السودان السياسى بحق وحقيقة و ما على القوى الديمقراطية المستنيرة سوى أن تشمر عن سواعد الجد لخوض هذه المعركةحتى تتمكن من إلحاق الهزيمة الماحقة بكل القوى الداعية إلى قيام الدولة الدينية فى جميع أوجه الصراع السياسى والإجتماعى والثقافى والقانونى وحتى الدينى،وأخص هنا الإخوة الأفاضل الجمهوريين وأحثهم لأخذ زمام المبادرة لمواصلة معركتهم الفكرية ضد تلك القوى إعتقاداً منى بأنهم الفئة الوحيدة القادرة على تعرية تلك الفئات فكريا وتجريدها من جميع أسلحتها الفكرية الصدئة التى تستغلها لقهر وإذلال الشعب السودانى.
إن قيام تحالف كهذا بكل ألوان الطيف سيكون فى وسعه وضع نهاية وإلى الأبد إلى أي دعوة لقيام دولة دينية فى السودان،مهما كان شكلها ومضمونها ،وسيشكل فى ذات الوقت ضمانة أساسية لخلق الدولة المدنية الديمقراطية التى يكون التسامح فيها بمثابة الروح والعدالة الإجتماعية بمثابة بنيانها المرصوص والسلام بمثابة "المونة" التى تربط بين أجزاء ذلك البنيان.
من المؤكد استمرار الصراع مستقبلا داخل هذا التحالف الجديد بين المجموعة التى تؤمن بقيام الدولة المدنية الديمقراطية ولكن مصالحها الإقتصادية ستتضرر من تنفيذ برامج العدالة الإجتماعية وبين تلك التى تتناغم عندها الديمقراطية والعدالة الإجتماعية وفقا لرؤيتها وواقعها المحدد.وهذا تناقض ثانوى فى تقديرى حيث أن أجواء الديمقراطية والسلام ستشكل المناخ الصالح والضمانة الحقيقية لرعاية مصالح جميع فئات المجتمع السودانى وفقاً لمبدئي تكافؤ الفرص وسيادة حكم القانون.لكن التناقض الرئيسى الذى سيميز هذه المرحلة هو بين تحالف قوى الدولة المدنية الديمقراطية وتحالف قوى الدولة الدينية. يقوم هذا التناقض بين مبدأ الديمقراطية والعدالة الإجتماعية الذى يدعو له التحالف الأول ومبدأ الدولة الشمولية والظلم الإجتماعى والتهميش الذى يدعو له التحالف الثانى.
لذلك فإننى أدعو إلى قيام "التحالف المدنى الديمقراطى" من أجل:
• عدم قيام دولة دينية فى السودان.
• قيام الدولة المدنية فى جميع أركان الوطن.
• بناء النظام الديمقراطى وترسيخه وتطويره.
• تحقيق العدالة الإجتماعية.
• تحقيق السلام والعدالة الإجتماعية بين جميع أبناء الوطن بغض النظر عن الدين أو الجنس أو اللون أو الموقع الجغرافى.
كما أدعو كافة العناصر المستنيرة داخل الأحزاب الوطنية وكافة منظمات المجتمع المدنى والشخصيات الوطنية التى تؤمن بهذه الرؤية الإلتحام مع بعضها البعض حتى تتمكن من الإتفاق حول منهج محدد يمكنها من صياغة برامج علمية وواقعية بأسلوب ومفردات جديدة تتمكن من خلالها تغيير وجه الحياة الأساسية والإقتصادية والإجتماعية فى السودان نحو الأفضل وبصورة تتصف بالإستمرارية وإلى الأبد وذلك بالعمل الجاد الذى لايعرف الكلل او الملل من اجل خلق و ترسيخ ركائز الدولة المدنية القائمة على مبادئ العدل و المساوة واحترام حقوق الانسان فى السودان بغض النظر عن الدين او اللون او الجنس.
10/5/2004م

Post: #133
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 04:06 AM
Parent: #128


وكان إنضمام الحزب الجمهوري بقيادة الشهيد محمود محمد طه الى هذه المعركة إضافة غير عادية و إيماناً برسالة الجمهوريين حول أن الحرية لنا ولسوانا وتصرفوا على هذا الأساس رغم عدائهم الفكري للحزب الشيوعي وكان ذلك من المواقف الكبيرة فعلاً والحقيقة الترجيح الذي قام به الحزب الجمهوري هو انضمامه، إنّ هذه قضية للديمقراطية فعلاً وليس قصة أجندة سياسية لحزب ما لانه لا يمكن أن يكون هناك إتفاق بين الحزب الجمهوري والحزب الشيوعي على أجندة سياسية إلاّ إذا كانت هذه الأجندة وطنية فعلاً وكلية مثل قضية الديمقراطية.. كانت معركة حل الحزب الشيوعي لها آثار بَعيدة جداً في ظهور هذه القوى الديمقراطية وكان لها آثار على كل المسيرة السياسية في السودان لاحقاً


http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=m...rd=95&msg=1090920548

Post: #134
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 04:08 AM
Parent: #133



حفر في الذاكرة

محمد طه محمد احمد ما بين الجبل والنهر
رحلة تفتيش في الدفاتر الخـاصة لرئيس تحـرير الوفاق
نعم انا غير قابل لـلتحضـر وجسـمي يرفض حتي مكيفات الهـواء!!

أجره / الطاهر حسن - ضياء بلال - جمال علي - الخرطوم الجديدة


الطاهر: ماذا تعلّمت من الفكر الجمهوري غير الإحتجاج؟
طه: الفكر الجمهوري به إضافة مُهمّة جداً ألا وهي تأكيده على فكرة العدالة الإجتماعية وحياة الجمهوريين، وحياة المهندس محمود محمد طه فيها الكثير من الزهد، محمود كان بيته من الجالوص.. وفيهم كثير من حياة الأشعريين.. ولولا بعض شطحات محمود محمد طه لاتّبعه كل السودانيين.. فهو قدوة في السلوك الإجتماعي..
-هل أنت حزينٌ لإعدامه؟
طه: (شوف دا سؤال خطير.. لكن أنا زي ما بتمنّى لنفسي الهداية وأنا مازلت بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبهما كيف يشاء، كذلك كنت أتمنى لمحمود الهداية.. وهذا ما قاله شيخ أبو زيد كذلك)!
- الإجابة غامضة.. هل تعتقد أن إعدامه كان خطأً؟
طه: (والله دا قرار محكمة وليس بوسعي التعليق)!
- بناءً على الحيثيات التي أُعدم على اثرها.. وأنت قانوني ماذا تقول؟


http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=m...rd=95&msg=1090061683

Post: #135
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 04:11 AM
Parent: #134




حزب (التحرير) وصيحات (التكفير)
د. عمر القراى

ان من أهم النتائج غير المباشرة لإتفاقية السلام ، انها اثارت حواراً واسعاً ، في الداخل وفي المهاجر. ولقد كشف هذا الحوار ، وسيكشف ، للشعب المستوى الحقيقي ، لمن يتصدرون باسمه ، دون مسؤولية ، مواقع القيادة، ويدعون دون كفاءة ، توجيه الرأي العام ، في هذه المرحلة الهامة من مراحل تاريخنا السياسي ..
فلقد عبر بعض المسؤولين في الحكومة ، والمستشارين فيها ، في استحياء وتردد ، عن اصرارهم على شعاراتهم القديمة ، التي كانت السبب الاساسي ، فيما حاق بالبلاد من دمار. وكأن الاتفاق قد حدث على حين غرة ، فأوقعهم فيما لا يريدون ، أو كأنه تم بضغوط لا يملكون مقاومتها ، فاظهروا الرضا وابطنوا السخط !! فقد هاجم د. قطبي المهدي مستشار رئيس الجمهورية للشئون السياسية د. قرنق في لقاء عام واصفاً له بانه ( يسعى لطمس الهوية العربية والاسلامية بدعم أجنبي ).[1] كما ذكر د. امين حسن عمر، عضو وفد الحكومة المفاوض ، ومسؤول الاذاعة والتلفزيون ان الحركة لن تحصل على حقائب بوزارات هامة كالدفاع والطاقة والداخلية ، لانه لم تتوفر لدى الحكومة ثقة تامة بالحركة!![2]
على ان موقف اعضاء الجبهة على غرابته ، وما يمكن ان يسببه من تعويق للاتفاق ، مفهوم ومقدر ، وهو يتطلب من الجناح الذي تبنى الاتفاق ، المزيد من الجدّية ، في مواجهة الفصائل المناوءة ، التي تسعى الى التخذيل والتراجع ونقض العهود ، والتي تركت تفاصيل الاتفاقية خلف ظهرها ، وولت تصرخ بشعارات الهوس الديني ، وكأنها في برنامج (في ساحات الفداء ) سئ الذكر !!
ولكن الموقف غير المفهوم ، هو موقف بعض المثقفين ، الذين صمتوا عن السياسة دهراً ، وضربوا عما كان يحدث من حرب ودمار صفحاً ، ولم يكتبوا عن فشل الحكومات المتعاقبة ، في ايقاف نزيف الدم ، ولا عن الفساد والقمع والمتاجرة باسم الدين ، وما آل اليه امر الوطن من تمزق بسبب سياسات حكومة الجبهة الرعناء .. ثم ظهروا فجأة ، الآن بعد توقيع اتفاقية السلام ، ينقدون الاتفاقية ، ويهاجمون رموز الحركة الشعبية ، من أمثال د. منصور خالد ، في محاولة يائسة لتشويه سمعة الرجل ، ومن وراءها موقفه الناصع ، كمثقف شمالي ، تجاوز كل اطر التخلف ، والتمزق وانحاز الى الحركة الشعبية ، من اجل سودان جديد ..
ومجموعات أخرى من الجماعات والمؤسسات الاسلامية ، سقطت في مواقف ، تستدرالرثاء والشفقة لشدة ما تنوء به من التناقضات ، والالتواءات ، والتخبط .. فقد خرج علينا من يسمون انفسهم علماء السودان ، قبل فترة ببيان ركيك ، يوافق على مضض ، بان لا تطبق الشريعة على غير المسلمين بالعاصمة ، على ان لا يترنح احدهم اذا شرب الخمر !! وكأن الشريعة ، يمكن ان تقبل وجود الخمر ولكنها فقط ترفض الترنح !! وأسوأ من هؤلاء ، جماعة الوهابية التي وزعت بياناً ، تدعو فيه لقتال اعضاء الحركة الشعبية في الخرطوم ، بزعم ان افراد منهم خلعوا حجاب فتاة مسلمة !! وكأن الشريعة تقبل ايقاف ما كانوا يسمونه جهاداً بسبب اتفاقية السلام ، ولكنها تعلن الحرب على حركة كاملة اذا نزع ثلاثة مشتبه فيهم حجاب فتاة !!
وفي اطار هذه الدعاوى المتخلفة ، المعلية من شأن التهوس ، والتعصب ، والعنف ، يجئ بيان حزب التحرير ليتوج هذا التخبط ، والجهل بالدين ، وبواقع الحياة ، في بلد كالسودان متعدد الاعراق والاعراف والمعتقدات والثقافات .
يقول البيان ( وقعت الحكومة السودانية ومتمردو جنوب السودان بنيفاشا ليلية الخميس 27/5/2004 ثلاث اتفاقيات اطارية تتعلق بنسب تقسيم السلطة التشريعية والتنفيذية – بين الحكومة والمتمردين وبعض القوى السياسية – في المركز ومناطق الجنوب وجنوب النيل الازرق وجبال النوبة ، كما نصت الاتفاقيات على إعطاء منطقة ابيي حكماً ذاتياً يعقبه استفتاء يحدد هل تتبع للشمال أم الجنوب.
ان فكرة تقسيم السلطة التشريعية والتنفيذية باقتسام مقاعد البرلمان والحقائب الوزاية فكرة غريبة عن المسلمين لا تمت الى الاسلام بصلة ، بل هي من افكار الحضارة الغربية ، حضارة فصل الدين عن الدولة ...) [3]
فهل المشكلة هي تقسيم الحقائب ، أم ان وجود مبدأ فصل السلطات نفسه مرفوض لدى حزب التحرير لانه لم يطبق في الماضي ، بواسطة المسلمين الأوائل ؟ ألم يدع حزب لتحرير لاعادة نظام الخلافة ؟ بلى !! فقد جاء في نفس البيان ( لقد آن الاوان لتتطلعوا بحق الى الخلافة الراشدة وتدركوا انها خلاصكم وعزكم ونهضتكم ومنعتكم )[4] !! وليس في نظام الخلافة فصل للسلطات فالخليفة بيدة السلطة التنفيذية ، والسلطة القضائية ، والسلطة التشريعية المقيدة بنصوص الكتاب والسنة . فاذا كان هذا الحزب الذي يسمي نفسه حزب ( التحرير) لا يؤمن بفصل السلطات ، ويفضل تكريس السلطة في فرد واحد ، فكيف يدعو الى الحرية ، ولمن سوف يحقق هذا (التحرير) المزعوم ؟!
على ان حزب التحرير ينقصه الصدق ، وليس مع الكذب دين .. والا لماذا اعتبر حكومة البشير، بخير، ولم ير فيها ما يخالف الشريعة ، الا موافقتها على اقتسام مقاعد البرلمان ، والحقائب الوزارية مع الحركة الشعبية ؟ أليس في مجرد وجود برلمان يقوم بوضع تشاريع ، مفارقة للدين كما يفهمه حزب التحرير؟ ألم يقل حزب التحرير، في هذا البيان ، الذي بين أيدينا ( ان السلطة في الاسلام انما هي لتنفيذ الاحكام الشرعية على الناس لا لتشريع الاحكام لأن المشرع هو الله سبحانه وتعالى )[5] ؟! فإن التبست هذه على حزب التحرير، فهل يخفى عليه ان حكومة البشير جاءت بانقلاب ، واغتصبت السلطة بغير رضا الشعب ، فهي أذن لا تمثل حكومة الخلافة الراشدة التي يدعو اليها ؟ أم ترى ان حزب التحرير، لا يفرق بين الحاكم والخليفة ، فهو يعتبر كل حاكم خليفة ؟ ولذا قال ( أما سلطة تنفيذ الاحكام فهي مسئولية وامانة ... وهي شرعاً للأمة تخولها للحاكم أي الخليفة بعقد البيعة )[6] !!
أن من اكبر المفارقات الدينية ، لحزب التحرير، انه يعتبر ان الخلافة الاسلامية مستمرة منذ عهد الخلفاء الراشدين ، وحتى الامبراطورية العثمانية !! ويرى ان القضاء على الدولة العثمانية ، قضاء على الخلافة الاسلامية . يقول عبد القديم زلوم ، أحد قادة حزب التحرير (وكانت انجلترا قد حاولت عن طريق عميلها عبد العزيز بن محمد بن سعود ضرب الدولة الاسلامية من الداخل وقد وجد الوهابية كيان داخل الدولة الاسلامية بزعامة محمد بن سعود ثم ابنه عبد العزيز فامدتهم انجلترا بالسلاح والمال واندفعوا على اساس مذهبي للاستيلاء على البلاد الاسلامية الخاضعة لسلطان الخلافة . أي رفعوا الجيش في وجه الخليفة ، وقاتلوا الجيش الاسلامي جيش امير المؤمنين بتحريض من الانجليز وامداد منهم ). [7]
فعلى الرغم من تخلف الوهابية ، وفسادهم ، وعمالتهم للاستعمار، الا انهم لم يحاربوا خليفة المسلمين ولم يعترضوا على الخلافة الاسلامية ، وانما حاربوا الامبراطورية العثمانية ، التي لم تكن تمثل الا الاحتلال التركي الغاشم . فقد اوقفوا زحف الاتراك على جزيرة العرب ، التي كان الاتراك يريدون ان يسيطروا عليها ، من ضمن احتلالهم للدول العربية .. ولقد اتفق محمد بن سعود ومحمد ابن عبد الوهاب ، لنزع الجزيرة من الاتراك ، لا ليردوها لاصحابها ، وانما ليسيطروا عليها ، وقد خاضوا حروباً قتلوا فيها مئات المسلمين ، حتى ضموا الحجاز، وغيروا اسمه الى اسمهم ، اشارة الى انه من املاكهم ، فأصبح يعرف حتى اليوم بالسعودية ، نسبة الى آل سعود . فالحرب بين الوهابية والاتراك لا علاقة لها بالاسلام ، او الخلافة ، وانما هي نزاع على السلطة والنفوذ ، يدفعه الطمع وتوجهه المصلحة .
وأمير المؤمنين ، الذي يأسى زعيم حزب التحرير على محاربته ، انما هو السلطان عبد الحميد العثماني ، الذي ورث الحكم مت آبائه ، واشتهر بالظلم والفساد ، حتى قال فيه الشاعر حافظ ابراهيم
لا رعى الله عهدها من جدود كيف امسيت يا ابن عبد المجيد
مشبع الحوت من لحوم البرايا ومجيع الجنود تحت البنود
إن نظام الخلافة الاسلامية ، انتهى عملياً حين نازع معاوية ابن ابي سفيان ، على بن ابي طالب رضي الله عنه ثم انتصر عليه ، واخذ البيعة من بعده لابنه يزيد قبل وفاته ، وبذلك حول الامر الى ملك متوارث ، فرضه بالقوة ، مصداقاً للنبوة الكريمة ( الخلافة ثلاثون عاما ثم تصبح ملكاً عضوضا) . . واوصى معاوية يزيداً ، بان يقتل من يعتقد انهم لن يخضعوا له ، مثل الامام الحسين بن علي ، وعبد الله بن ابن الزبير. فجرد جيشاً ضخماً ، ذكر بعض المؤرخين بان عدده تجاوز العشرة آلاف ، اعترض الامام الحسين وهو في طريقه للعراق . ولم يكن مع الامام الحسين رضي الله عنه ، الا إثنين وسبعين رجلاً من آل البيت ، ومعهم النساء والاطفال . فحاصرهم جيش يزيد ، بقيادة عبيد الله بن زياد ومنعهم الماء ، وابى عليهم ان يرجعوا بالنساء والاطفال ، ثم هاجم الامام ومن معه واوسعوهم قتلا ، في ابشع مجزرة عرفها التاريخ الاسلامي بواقعة كربلاء . وبعد ان قتل آل البيت ، جزت رؤوسهم ، وفيها رأس الامام الحسين ، وحملت ليزيد في دمشق فالقى رأس الحسين على الارض ، واخذ يتلاعب به بقضيب كان في يده. وسبيت النساء وارسلن الى دمشق وفيهم زينب بنت فاطمة بنت رسول الله. [8]
وحين سمع يزيد ، بان أهل المدينة خلعوا بيعته ، ارسل اليهم جيشاً ضخماً ، واوصى قائد جيشه مسلم بن عقبة بقوله (ادع القوم ثلاثاً فان اجابوك والا فقاتلهم فاذا ظهرت عليها فابحها ثلاثاً فكل ما فيها من مال أو دابة أو سلاح أو طعام فهو للجند فاذا مضت الثلاث فاكفف عن لناس) . ولقد نفذ القائد الوصية ، حين انتصر على أهل المدينة ، في واقعة الحرة ، فاستباح مدينة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة ايام . ولقد ذكر الرواة انه قتل فيها أربعة ألف مسلم ، واغتصبت الف فتاة مسلمة بكر. ولم يكتف قائد يزيد بذلك ، بل اخذ البيعة من اهل المدينة ، على انهم عبيد ليزيد ، يفعل فيهم ، وفي اموالهم، ونسائهم، ما يشاء . ورفض جماعةهذه البيعة المنكرة ، وقالوا بل نبايع على كتاب الله وسنة رسوله ، فضرب مسلم بن عقبة اعناقهم .[9] ويروي الرواة ن خبر واقعة الحرة ، عندما بلغ يزيداً أنشد يقول :
ليت اشياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الاسل
حين حطت بقباء رحلها واستمر القتل في عبد الاشل[10]
فهل يعتبر يزيد خليفة ، ويعتبر نظام حكمه ، من ضمن الخلافة الاسلامية ، بعد ان قتل المسلمين واستباح دماءهم ، واعراضهم ، وسبى بنات النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعد ان انشد الشعر يعلن انه بهذه الواقعة ينتقم لمشركي مكة ، الذي هزموا في موقعة بدر ، ينتقم لهم من انصار النبي صلى الله عليه وسلم من الخزرج؟!
ولقد أعقب يزيد عدداً من حكام بني امية ، اشتهروا بالفسوق ، ومعاقرة الخمر ، والمجون واقتناء الجواري والغلمان .[11] ومن هؤلاء الوليد بن يزيد بن عبد الملك، الذي رمى المصحف بالنبال حتى مزقه وقال :
تهدد كل جبار عنيد فها انا ذا جبار عنيد
اذا وافيت ربك يوم حشر فقل يارب مزقني الوليد[12]
وكان من صلح من بني أمية ، يفسد بعد ان يؤول له الامر . فانه قد روي عن جد الوليد ما ذكره ابن عائشة قال : أفضى الامر الى عبد الملك بن مروان ، والمصحف في حجره ، فأطبقه وقال : هذا آخر العهد بك. [13] وعبد الملك ، هو الذي كان من ولاته الحجاج بن يوسف ، الذي اشتهر بالظلم والعسف . ولم يستثن الرواة من بني امية الا عمر بن عبد العزيز الذي كان الوليد قد اعقبه فافسد ما اصلحه . فهل يعتبر حزب التحرير ان حكام بني أمية ، كانوا خلفاء مسلمين ، وان عهدهم يعتبر من ضمن الخلافة الاسلامية ، التي يتوجب على المسلمين احترامها؟ وحين يوزع بياناً في السودان في القرن الواحد والعشرين ، يدعو فيه الى عودة الخلافة ، الا تجعله هذه النماذج يتردد في هذه الدعوة ؟
ولم يكن العباسيون احسن حالاً من بني أمية ، فكما بطش الامويون بآل البيت بطش بهم العباسيون . فقد اعتلى ابو العباس السفاح المنبر في اول خطبة له ، وقال انا السفاح المبيح !! وكان من اول قراراته ، كما ذكر الرواة ، ان أمر بنبش قبور بني أمية . فنبش قبر معاوية بن ابي سفيان ، فلم يجدوا فيه الا خيطاً مثل الهباء ، ونبش قبر يزيد بن معاوية ، فوجدوا فيه حطاماً كالرماد. ونبش قبر عبد الملك بن مروان فوجدوا جمجمته . وكان لا يوجد الا العضو بعد العضو الا هشام بن عبد الملك ، فانه وجد صحيحاً لم يبل منه الا ارنبة انفه. فامر السفاح بضربه بالسياط ، وصلبه ، وحرقه ثم تذريته في الريح .[14] فهل هذا خليفة المسلمين أم انه سفاح كما سمّى نفسه ؟!
ولقد اشتهر العباسيون بالمكايد ، والنزاع بين الخلفاء واتباعهم ، فكان الحاكم يوقع ببطانته فيقتلهم ، كما حدث من هارون الرشيد للبرامكة ، كما اشتد الصراع بين ابناء العرب وابناء الموالي ، فاضافوا الى الصراع السياسي ، السلطوي ، بعداً عنصرياً سيئاً .. ولم يخل عهد العباسيين من الفسق و الفجور ، فقد روي ان الخليفة المتوكل كان له اربعة الف جارية !![15]
هذه نماذج لرجال ادعوا الخلافة ، واستغلوا الدين لاغراض نفوسهم ، فاذا كان حزب التحرير يوافق على فساد هذه الانظمة ، ولا يعتبرها خلافة اسلامية ، فما الذي يعصم الآن من تكرارها لو عادت الخلافة ؟ ألم يحدث الظلم والفشل ، في كافة محاولات تطبيق الشريعة في ايران ، وباكستان والسودان ، على عهد نميري ثم على عهد البشير ؟! أم ان حزب التحرير يزعم ان لدية من هم في قامة ابوبكر وعمر رضي الله عنهما ، حتى يعيد لنا الخلافة الراشدة ؟
أما نحن ، فان اعتراضنا على نظام الخلافة ، اعتراض جوهري ، حتى لو كان هنالك من هم في قامة الاصحاب .. وذلك لان نظام الخلافة تشريع مرحلي ، ناسب البشرية في القرن السابع الميلادي ، ولكنه لا يناسب البشرية اليوم . فبينما تقوم الخلافة على فروع القرآن ، من قوله تعالي ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليط القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله) ، تقوم الديمقراطية على اصول القرآن ، من قوله تعالى ( فذكر انما انت مذكر * لست عليهم بمسيطر) .. فهذه الآية نهت النبي صلى الله عليه وسلم ، على كمال خلقه ، من السيطرة على الناس ، فدلت بانه ليس هناك رجل هو من الكمال بحيث يؤتمن على حريات الآخرين ، ولهذا فان واجب المسلمين ، هو ان ينشئوا النظام الذي يرفع السيطرة عن كل فرد وذلك لا يتأتى الا باشراك الناس في حكم انفسهم ، عبر مؤسسات تعبر عن مصالحهم ، الامر الذي لا يحقق الا بالديمقراطية .. والسبب في ان الديمقراطية من الاصول ، وان الخلافة من الفروع ، هو ان الديمقراطية اقرب الى تحقيق العدل ، بما تقلل من فرص التحيز، بتوزيع السلطات ، حيث ان الجماعة مظنة الرشد اكثر من الفرد .. وان توزيع السلطات يوازن بينها، وان الشعب صاحب المصلحة الحقيقية ، اقدر على رعاية مصلحته ، لو اعطي حق المشاركة في حكم نفسه بنفسه.
كما انه في اصل النشأة ، فان الناس متساوون ، فلا يجوز ان يحكم فرد ، وتحرم الجماعة من حق المشاركة .. ان عدم اشراك الناس في حكم انفسهم ، ظلم لا يرضاه الله الا اذا كان المجتمع لا يطيق افضل منه ، ومن هنا نسخت الفروع التي تحوي الخلافة ، الاصول التي تحوي الديمقراطية في القرن السابع الميلادي ، حين كان المجتمع يقوم عرفه على الحروب ، ولم يتطلع بعد للسلام أو لحقوق الانسان ..
ان الديمقراطية ، كمفهوم حديث ، لم تكن موجودة في الماضي ، وانما برزت ، وتطورت من تجارب الشعوب.. ولكنها من العرف الصالح ، ولقد دعانا القرآن الى اتباع العرف ، في قوله تعالى (خذ العفو وامر بالعرف واعرض عن الجاهلين) .. ولقد ذكرنا حزب التحرير بالآية ( يا أيها الذين آمنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول و اولي الامر منكم فان تنازعتم في شئ فردوه الى الله والرسول ان كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير واحسن تأويلاً ) .. ولكن طاعة الله والرسول ، لواتقنت ، وقبلت من الله لكانت لها ثمرة هي العلم ، على قاعدة (واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم) .. ومن العلم ، تجئ المعرفة بحقائق ديننا وبواقع حياتنا ، وبالقدرة على التوفيق بينهما ..
ونحن حين ندعو الى آيات الاصول ، التي تحوي الديمقراطية ، نكون قداستجبنا الى الآية ، و رددنا الامر الى النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن حياته قد كانت سمتاً عالياً ، من العزوف عن السيطرة على الاخرين ، ونسقاً رفيعاً من الزهد، والتواضع والعيش الكفاف.. وانما بالتربية على سنة النبي الكريم ، يجئ الفرد الديمقراطي ، الذي لا يضيق بمختلف الافكار، ومختلف انماط السلوك ، ومن اجل انجاب الفرد الحر، تمت الدعوة الى طريق محمد صلى الله عليه وسلم .. وهذه التربية هي ما يمكن ان يضيفه الاسلام ، لهيكل الديمقراطية الغربية ، فينفخ الروح في مؤسساتها ، ويحفظها من الزلل ، الذي تعاني منه اليوم ،رغم تقدمها على نظام الخلافة ..
ان الدعوة الى اعادة نظام الخلافة الاسلامية اليوم ، دعوة جاهلة ومغرضة .. اما جهلها فيتمثل في عدم معرفتها بان الخلافة تناقض جوهر الدين ، ولا تناسب قامة العصر. واما غرضها فيتمثل في السعي للسيطرة على الناس ، باسم الدين ، واستغلالهم لتحقيق مصالح دنيوية ضيقة ، وارهابهم بالعقوبات الرادعة ،حتى يستكينوا وبستسلموا .. فاذا وضح هذا ، فان الواجب الديني اليوم ،هو رفض نظام الخلافة ، ومقاومة تطبيقه ، والدعوة الى الديمقراطية ، وهو لحسن التوفيق الواجب الانساني أيضاً..
ومما يدل على ان حزب التحرير يعيش خارج العصر ، صيحات التكفير التي يطلقها هنا وهناك ، ومن ذلك مثلاً، قوله ( ان هذا الغرب الكافر في سعيه لتنفيذ مخططه انما يقوده حقده على الاسلام والمسلمين وادراكه انه ما من امة تستطيع ان تشدخ يافوخه فتقضي على باطله وتقصيه من حلبة الصراع الدولي وتطارده في عقر داره لتطهر الارض من باطله غيرهذه الامة الاسلامية )!!
فأين هي امة الاسلام ؟ ومن هم عملاء الغرب واذنابه ومنفذي توجيهاته غير الزعماء العرب المسلمين ؟
ان الاسلام غائب اليوم ، ولا وجود له الا في المصحف . ولقد ادركتنا النذارة النبوية (يوشك ان تداعى عليكم الامم كتداعي الاكلة على قصعتها ، قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله . قال: بل انتم يومئذ كثيرولكنكم غثاء كغثاء السيل لا يبالي الله بكم) !! ولهذا لا بد من بعث جديد ، ولا يكون هذا بصيحات التكفير، والتشنج ، وانما بالفهم الذي يستطيع ان يضمن جقوق الانسان ، لأن جوهر الدين هو تحقيق كرامة الانسان .. والشريعة الاسلامية ، كنظام سياسي ، لا تحقق كرامة الانسان اليوم ، لانها تقوم على الخلافة ، ولا بد من الديمقراطية لتوفر هذه الكرامة. والشريعة الاسلامية كنظام اقتصادي ، لا تحقق كرامة الانسان ، لانها تقوم على نظام الصدقة ، الذي عف عنه النبي صلى الله عليه وسلم ومنع عنه آل بيته فقال (الصدقة اوساخ الناس وهي لا تجوز لمحمد ولا لآل محمد) !! وانما تتحق الكرامة بالاشتراكية ، حيث للمواطن حق لا صدقة . والشريعة كنظام اجتماعي لا تحقق كرامة الانسان ، لانها قامت على تفضيل المسلم على غير المسلم ، والرجل على المرأة ، ولا تتحقق الكرامة الا بالمساواة التامة في الحقوق والواجبات ..
لهذا دعا الاستاذ محمود محمد طه ، الى تطوير التشريع الاسلامي ، بالانتقال من فروع القرآن الى اصوله ، حتى ننتقل من نظام الخلافة الى الديمقراطية ، ومن الصدقة الى الاشتراكية ومن التمييز الى المساواة ، نزولاً عند قوله جل من قائل (واتبعوا أحسن ما انزل اليكم من ريكم من قبل ان يأتيكم العذاب بغتة وانتم لا تشعرون) .. فاذا حققنا ارفع ما انزل لنا الله من ديننا ، واقمنا عليه نموذج دولتنا، فاننا لا نحتاج لان نكفر الغرب ، او نقاتله ، وانما نستطيع ان نغريه ليتبع النموذج الاكمل ، الذي لن يكون للبشرية جمعاء ، عنه مندوحة ..

عمر القراي


1 - جريدة البيان الاماراتية 8/6/2004
2 - الشرق الاوسط 9/6/2004
3 - بيان حزب التحرير بتاريخ 31 /5/2004
4 - المصدر السابق .
5 -المصدر السابق
6 - المصدر السابق
7 - عبد القديم زلوم : كيف هدمت الخلافة . اصدارات حزب التحرير 1963 .
8 - طه حسين : الفتنة الكبرى 2 ص 240 .
9 - راجع تاريخ الخلفاء للسيوطي –الجزء الثاني ص 122 وما بعدها وتاريخ الطبري الجزء الثالث ص335 وما بعدها.
10 - ابن كثير : البداية والنهاية –المجلد الرابع الجزء الثامن ص 235
11 - راجع كتاب الاغاني لابي الفرج الاصفهاني .
12 - راجع تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 350 وماب عدها
13 - المصدر السابق ص 217
14 - راجع الكامل لابن الاثير
15 - تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 349- 350

Post: #129
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:54 AM
Parent: #1




مولد الحزب الجمهورى [/align:d716e81c6d]

في لقائه مع مندوبي جريدة القبس الكويتية قال الأستاذ:
الفكرة الجمهورية بدأت في منتصف الأربعينات - في أكتوبر عام 1945، وده بأرخ برضه بداية الأحزاب السياسية في الحركة الوطنية عندنا .. وقتها بطبيعة الحال البلد مستعمر والإنجليز والمصريين شركاء في لاستعمار .. والحركة الوطنية كانت قبل الأربعينات بتتحرك من داخل ما كان معروف بمؤتمر الخريجين العام ، نشأ في سنة 1938، واستمر .. لكن كانت الصراعات السياسية بتحتدم في داخل مؤتمر الخريجين العام أساساً حول قطبين: السيد عبد الرحمن المهدي والسيد علي المرغني، السيد علي المرغني زعيم الطائفة الختمية، والسيد عبد الرحمن المهدي زعيم الأنصار. فكان الصراع داخل مؤتمر الخريجين للكسب لكراسي المؤتمر بتدور حول القطبين ديل .. وبعدين ، لملابسات الإنجليز هم الحفزوها بسرعة، الإنجليز ما كانوا بيعترفوا بأنه الخريجين يمكن أن يتكلموا في مصير البلد سياسياً .. وكان في سنة 1942 نشأ بين الحلفاء الخمسة الكبار ما سُمّي بوثيقة الأطلنطي وكانت بتعد الناس اللي تعاونوا مع الحلفاء في الحرب عندما تنتهي الحرب أن يكون عندهم حق تقرير مصيرهم .. فالسودانيين من داخل مؤتمر الخريجين طالبوا بالحق ده، والإنجليز رفضوا أن يسمعوا لمؤتمر الخريجين يتكلم في السياسة .. مؤتمر الخريجين مؤتمر موظفين دا ممكن يعمل في المسائل العامة، والسياسة يتكلموا عنها - مصير البلد يتكلموا عنه - الزعماء الطائفيين وزعماء العشائر .. فمن هنا نشأ الوضع السياسي خرجت الأحزاب من داخل المؤتمر وخلّوا المؤتمر ليكون للمسائل التعليمية والمسائل الإجتماعية زي ما كانوا الإنجليز عايزنه، لكن نشأت الأحزاب .. لما نشأت الأحزاب بس برزت من داخل مؤتمر الخريجين برضها حول القطبين ديل، وكان عندنا أحزاب إتحادية عديدة وأحزاب استقلالية .. طائفة الأنصار كانت بتطالب بأنه السودان يكون للسودانيين وطائفة الختمية بتطالب أن يكون في اتحاد مع مصر.. الاثنين مجمعين على أنه الاستقرار السياسي بجي عن طريق راس دستوري ملكي - يكون في ملك .. فالاتحادين عايزين تاج فاروق - السودان يكون عنده نوع من الاتحاد مع مصر تحت تاج الملك فاروق .. والاستقلالين كانوا بميلوا للانفصال من مصر لكن بيتهموا بأنهم عايزين يعملوا تاج محلّي زي تاج الأمير عبد الله في شرق الأردن تحت اشراف الإنجليز .. فكانوا اتحادين واستقلاليين بالصورة دي .. في الوقت داك نشأ الحزب الجمهوري يقول مافي داعي للملكية أصله، ما في داعي للتبعية لمصر ولا لبقاء الإنجليز وإنما المسألة ترجع إلى الشعب في حكم جمهوري عام، فنشأ الحزب الجمهوري .. وبعدين الحزب الجمهوري كانت برضه فلسفته تقوم على الإسلام، أنه الناس أمرهم ما بنصلح ولا في السودان ولا في الخارج إلا عن طريق الدين لأنه الأزمة العالمية أزمة أخلاق أزمة قيم، لكن على أن يُفهم الدين فهم يختلف عما يفهموه الأزهريين والرجال التقليديين.

وفي لقاء طلاب معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية قال الأستاذ:
قبل ما ينشأ الحزب الجمهورى أنا كانت عندى مقالات فى الصحف .. منها صدر مقال زى يقول: لماذا مصر ولماذا بريطانيا ؟ المقال دا لعله ، و بعض النشاط الأدبى فى الصحف المحلية ، لفت نظر بعض الأخوان المهتمين برضو بالسياسة ، الواحد يذكر منهم أمين مصطفى التنى .. فى يوم زارنى أمين مصطفى التنى وقال لى نحن لفيف من الشبان فكرنا فى إنشاء حزب جمهورى ووقع الإختيار عليك أن تكون معانا .. الفكرة جات من هنا .. أنا ما كانت عندى ، لكنها جات من أمين مصطفى التنى .. بعدين مشينا فى الدعوة الوجهوها لينا ، كنا قليلين .. اجتمعنا أول اجتماع فى المقرن .. الناس الأوائل فيهو ، فيهو بجانب أمين مصطفى التنى ، عبد القادر المرضى ومنصور عبد الحميد – ديل موجودين هسه – بعدين واحد من الأخوان زى مدة طويلة ما شفته ، محمود المغربى ، اسماعيل محمد بخيت *** موجود هسه ، افتكر هم ديل الإجتمعوا أول إجتماع فى المقرن .. أنا كنت بسكن فى الموردة ، قرروا الإجتماع التانى يكون فى بيتى أنا .. بعدين اجتمعنا الإجتماع التانى فوزعوا المناصب واختارونى أنا كان رئيس واختاروا عبد القادر المرضى سكرتير .. دى بداية نشأة الحزب والملابسات القامت حوله - حول نشأته .. من وقتها مشى ليتجه فى نفس الروح بتاع "لماذا مصر ولماذا بريطانيا" ، نحن حقه ندعو الى حكم جمهورى ، نحن المصريين مستعمرننا والإنجليز مستعمرننا .. المصريين طامعين ، نحن موافقين على أنه الخطر من المصريين أكبر لكن برضو الخطر من الإنجليز قايم .. فإذا نحن ندعو الى دعوة جمهورية ودى الدعوة العصرية البتناسب روح العصر وبتتجه للشعب لتوعيه وتحرره .. ومشت المسألة فى الإتجاه دا ..

كتب الأستاذ مقالا فى الصحف اليومية بعنوان: (لماذا مصر؟ ولماذا بريطانيا؟).. كان ذلك قبل قيام الحزب الجمهورى .. وكان هذا الرأى جديدا على الساحة السودانية والإهتمامات السياسية وقد إستهوى لفيف من الشبان الذين رأوا فيه تعبيرا صادقا عما يضمرونه ولا يملكون التعبير عنه.. وقد قامت هذه الجماعة بدعوة الأستاذ محمود إلى التفاكر فى تنظيم سياسى يحمل ويعبر عن هذه الآراء.. وقد اقترح أمين مصطفي التني اسم الحزب الجمهورى.. وقد اختير الأستاذ رئيسا للحزب وعبد القادر المرضى سكرتيرا له وعضوية محمد المهدى مجذوب، ويوسف مصطفى التنى، ومنصور عبد الحميد، ومحمد فضل الصديق .. وقد أعلن عن ميلاد الحزب فى 24 أكتوبر عام 1945 بحدائق المقرن بالخرطوم. اتجه الحزب الجمهورى منذ البداية إلى العمل المعلن فى مخاطبة الشعب بغية توعيته بقضيته ثم ضرورة مواجهة المستعمر الإنجليزى.. فكان أسلوبا سياسيا ثائرا شجاعا مصادما لا يخشى فى الله لومة لائم.. وهو أسلوب اختلف عن سائر أساليب الأحزاب الأخرى .. ومع هذا الحماس كان الأسلوب موضوعيا فى الخطابة فى الأماكن العامة وفى المقاهى .. وفى بعض الصحف وتوزيع المنشورات على الشعب .. (من خطاب الأستاذ جلال)

* بعد اعلان تفاصيل و اسماء لجنة الحزب علي الجرائد انضم له بسرعة أمين صديق خاصة بعد ان قرأ اسم الاستاذ في أول القائمة. و كانت حركة الحزب قوية و مواجهة و شجاعة وهي تختلف عن بقية الاحزاب التي كانت تهادن الاستعمار. (من وثيقة كوبر)

في لقاء طلاب معهد الدراسات الآسيوية والأفريقية قال الأستاذ:
فكأنه الإستقلاليين ماشين مع الإنجليز فمافى مواجهة ، والإتحاديين مشوا مع المصريين وسلموهم القضية ومنتظرين هم يعملوا فيها شىء فى المفاوضات فمافى مواجهة .. أصبحنا نحن شاعرين بأنه الفكرة المطلوبة للحركة الوطنية نحن ماعندنا تفاصيلها ، هى الإسلام مبعوث من جديد .. المواجهة للإستعمار برضو دى الحركة الوطنية كانت فاقداها .. نحن قلنا فى فراغين: فراغ الفكرة وفراغ الحماس .. وقررنا بعد ما كتبنا السفر الأولانى أننا بنستطيع أن نملأ فراغ الحماس فى الوقت الحاضر ، وفيما بعد نشوف فى الفكرة نعمل شنو - فى تفاصيلها ، ماكانت عندنا .. وبقت مواجهتنا للإستعمار البريطانى عنيفة جدا الى حدود أسطورية يعنى .. كان الجمهورى – الأخ أمين صديق بالذات ، كان يجىء فى "سوق الموية" العندكم هسع بالصورة دى ويسحب ليهو طربيزة كبيرة ويطلع فيها ويخطب فى الناس .. كنا بنستفز الناس بالجنوب ، أنه الإنجليز نواياهم مبيتة بفصل الجنوب ولذلك جعلوا المؤتمر (المجلس) الإستشارى لشمال السودان ونواياهم كلها فى أنهم يفصلوه .. فدا كنا بنحمس بيهو الجماهير .. بعدين مسألة الخفاض الفرعونى برضو دا المؤتمر الإستشارى لشمال السودان كان مرر قانون فى الناحية دى .. فنحن شفنا النقطتين ديل حساستين جدا فكنا بنحمس بيهم الجماهير .. فكان أمين صديق يخطب بالصورة دى والبوليس يقيف يعاين ، عندهم تعليمات أنهم ما يتعرضو للجمهوريين ، ديل ناس قليلين ، ماعندهم سند ، ماعندهم أثر .. لعله إذا السلطة اتعرضت ليهم بالسجن يجعلوا بطولات وطنية منهم – أبطال وطنيين .. وكانوا يقولوا الكلام دا ..
_________________

Post: #130
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:57 AM
Parent: #129


نشأة الأستاذ[/align:a12865fa55]
* قبيلة الاستاذ الركابية. ترجع الي ركاب بن غلام الله بن عائد و هم أشراف حسينية جدهم القريب بالشمالية حسن ود بليل..
* هاجروا الي اواسط السودان و أقام بعضهم في منطقة اربجي و هم قبيلة الصادقاب
(ركابية أيضا يرجع أصلهم و نسبهم الي جدهم القريب محمد ود عبد الصادق و هو أول الاربعة الذين أخذوا الطريق القادري علي الشيخ تاج الدين البهاري..)
* و اصل البعض الاخر من الركابية هجرتهم الي الغرب الي منطقة بارا بخاصة و منهم الدواليب ثم عادت اعداد منهم من الغرب الي منطقة الجزيرة ..رفاعة
* ركابية رفاعة سكنوا الديم و كلهم اسرة واحدة جدهم الفضل و كانوا علي الطريق الختمي..
* والد الاستاذ هو محمد طه مالك و كان يعمل بالزراعة في منطقة الهجيليج و بتجارة الجمال و بالمراكب علي النيل الازرق.. و قد عرف بالمروءة و الشجاعة..
*تزوج والد الاستاذ من والدته من قرية من قري رفاعة يقال لها (سفيطه) و كان قد خطبها عند بعض اهلها و ذويها من أم درمان . عائلة الغول و هم بديرية دهمشية..
* اسم والدة الاستاذ فاطمة بنت محمود و امها زينب بنت حمزه و قد عرفت السيده زينب بالتدين و حفظ القرآن و تجيد الشعر..
* ولد الاستاذ سنة 1909 م (أكد الأستاذ على لطفي أن الأستاذ ولد بالهجيليج)
يقول عن نفسه: [تقريبا أنا مولود سنة 1909]..سمته أمه فاطمة (محمودا) تيمنا باسم أبيها محمود.. وكان أبيه ينوى تسميته (عليا) فجاز اسم محمود على اسم علي..
و في يوم سماية الاستاذ برفاعة حيث ولد بالديم قرأوا عليه المولد العثماني تيمنا و تبركا..
* أشقاؤه هم : بتول، و كلتوم ، و مختار ، ثم أحمد محمد طه و هو أخوه من والده.
* توفيت والدته و هم جميعا أطفال و قد كفلتهم مربيتهم الوالدة(رب جود) و قد كانت في ذلك الوقت في مقتبل عمرها و قد وهبتهم سني شبابها و رفضت كل من تقدم لزواجها و استمرت مع الاستاذ حتي توفيت بمنزله بالثورة عام 1982م
* أيضا توفي والده و هم صغار ، مما جعلهم ينشأون وهم يتامي يعتمدون علي الله و علي أنفسهم ، و تعينهم مربيتهم (رب جود) و)كانت نشأتنا زي البروس) كما قال الاستاذ. (البروس: شجر ينمو و ينتشر بدون (تيراب))
ولعل الأستاذ قد وصف فترة طفولته فى خطاب منه للأخ المرحوم عبد الرحمن تكتوك يقول فيه: [لقد كانت طفولتى كلها يتم.. توفيت والدتنا (عام 1915 كما جاء فى قراءة الأيام).. ثم بعد وقت توفى والدنا ونحن صغار.. وقد كنت أشعر بالحاجة إلى ركن شديد آوى إليه، فشعرت بالحاجة الشديدة إلى الله.. وشعرت بالحكمة من هذا اليتم المبكر.. وقد ساقنا هذا اليتم إلى الإعتماد على أنفسنا وإلى تقدير المسئولية منذ الصغر..]
* كانت نشأة الاستاذ و طفولته بالهجيليج حيث زراعتهم و مرعي البهائم.
كان الأخوة الأربعة الصغار يعملون فى الزراعة فى فصل الخريف.. ويعيشون فى هذا الوقت فى قرية الهجيليج.. ويستمر تفرغهم للزراعة حتى أوان الحصاد.. وقد يترتب على ذلك أن يذهب (محمود) إلى المدرسة ليلحق بأقرانه الذين قد قطعوا شوطا فى مقررات الدراسة ولكنه كان دائما هو المتقدم.. وكان الأستاذ يحفظ لهذه القرية كثيرا من قيم حياته (رغم أن ميلاده كان بالديم-رفاعة وطفولته ومراحل دراسته الأولى..) وقد خصّها ببعض وفود الأخوان التى تحمل الفكرة.. وقد توثقت علاقة أهل القرية بالجمهوريين وظلت هذه العلاقة محفوظة حتى اليوم فى حرز أمين..
* دخل الاستاذ المدرسة الاولية بعد سن العاشرة و كان كثير التغيب عن الدراسة حتي الثانوي، حتي عند فتح المدرسة بعد العطلة لانه كان يكون مع اخوته في اعداد و انجاز بعض الاعمال الزراعية في وقتها..
* قرأ الوسطي برفاعة ثم ارتحل الي العاصمة ليواصل دراسته بكلية غردون قسم الهندسة و كان قد سبق أن زار العاصمة و هو صغير مع جدته لامه في زيارة .
كانت دراسة الأستاذ محمود فى مرحلتى الأولية والوسطى برفاعة وقد ذكر لى الأستاذ بابكر علي فى مناسبة جمعتنى به وهو من قرية "بانت" (تقع شرق رفاعة ومتاخمة لها) قال: [أنا زميل دراسة للأستاذ محمود محمد طه لفترة ثمانى سنوات فى المرحلتين الأولية والوسطى.. وكنت أجلس جواره فى الفصل طيلة هذه السنوات فكان هو النموذج المصغر للأستاذ محمود اليوم فى صدقه وشجاعته وتميزه على أقرانه، ذكاءا وشخصية].. وقد أطلعنى الأستاذ إبراهيم عبد الغفار (من الديم-رفاعة) على أوراق قديمة تحمل نتائج بعض المسابقات الرياضية.. فيها أسماء بعض الذين تعرفت عليهم.. وكان اسم الأستاذ محمود يتقدم هذه الأسماء.. كان هو (الأول) فى مسابقات الجري للمسافات الطويلة والقصيرة كذلك كما كان (الأول) فى مسابقات السباحة والعوم..
* كانت رغبته دراسة القانون و لكن الاختيار جعله يعدل الي الهندسة..
* عرف منذ نشأته بالشجاعة النادرة و الصدق و الوفاء العظيم لاصدقائه و أترابه و عرف بالنبوغ و الذكاء وسط اهله و زملائه في الدراسة.
* دخل كلية غردون عام 1932 و خلال الاربعة أعوام شارك بتفوق في الليالي الادبية و النشاطات الرياضية (العدو و السباحة) و كان متفوقا في دراسته ..
* وهو في الصف الثاني كتب مقالة بمجلة الكلية (رثاء وفاة صديق اسمه أبو طالب) قال في مقاله عنه: (كان و كأنه الانسان الكامل)
* أيضا كتب مقاله عام 1935م عندما كان بالسنة الرابعة قسم الهندسة كلية غردون بعنوان )المهندسون في رحلاتهم لكسب روح التأمل و الدين و الايمان) يصف فيها رحلة مدرسية لمجموعة طلبة الهندسة فى رفقة الأستاذ الهمام إبراهيم أحمد وقد كانت الرحلة إلى جبل كررى لدراسة ميدانية.. وفى لحظة كان يشاهد فيها الأستاذ الجبل وقد امتدت أطرافه إلى مسافات بعيدة اعتملت فى جوانحه ذكرى أبطال كررى من السودانيين، وقد خرجوا لصد العدو الوافد على البلاد فانطلقوا من أسفل الجبل صوب العدو.. وكان الأستاذ يصور الجبل وقد امتدت أطرافه وكأنه فى محاولة لصد أبنائه من ملاقاة الموت.. [وما علم (الجبل) أن ذلك كان لأجل محتوم.. وأن لكل أجل كتاب].. وقد ظل الأستاذ يحفظ كثيرا من الود والوفاء لزملاء دراسته.. ومنهم الأستاذ أحمد حامد الفكى.. والأستاذ درديرى محمد عثمان وغيرهم وغيرهم.. ويحفظ كذلك الود الشديد لزملاء مهنته والذين رافقوه فى مواقع مختلفة للعمل..
* تخرج الأستاذ فى كلية غردون –قسم الهندسة عام 1936..
* بين عام 1936م و 1941م بدأ عمله بعطبرة بالسكة حديد. و بدات حركته الادبية الواسعة في نادي الخريجين. و كان طابعها التوعية و مواجهة
و كان معه في ذلك الوقت ميرغني حمزه و كان أمين صديق محاسبا بالدامر يزور عطبرة من وقت لآخر ثم حلت لجنة النادي بلجنة جديدة رئيسها ميرغني حمزه و سكرتيرها الاستاذ و تجددت حركة النادي تماما - و فتح النادي لكل مواطني عطبرة..
* ضاق الانجليز بالاستاذ فنقلوه بعد سنة واحدة الي خط بورتسودان كسلا القضارف سنار فظل يزور عطبرة كل شهر ثلاثة ايام يواصل فيها عمله بالنادي . و استمر مدة عمل الاستاذ بالحكومة موظفا و مهندسا أربعة سنوات فقط بنهاية 1941م.

تزوج أمنا آمنة لطفى فى أوائل الأربعينات.. وأسرة شيخ لطفى عبدالله- أسرة عريقة النسب والدين- ترجع بجذورها إلى جدهم الشيخ محمد عبد الصادق ويلتقى الصادقاب والركابية فى جدهم الشيخ غلام الله بالشمالية ولعلاقة الدم هذه فهم يسكنون بلدا واحدا وحيا واحدا كان يسمى ديم (القريداب) ثم صار اسمه ديم لطفى.. وتظهر عظم علاقة الأستاذ مع زوجه أمنا آمنة لطفى.. فى وصيته فى أوائل الخمسينات.. حيث يقول جزء من الوصية: [زوجتى آمنة خليفتى فى أبنائى من بعد الله..] وكان "محمد" هو أول أبنائه.. وفى ليلة وضوعه (وقد كان ميلاده فى 15 مايو 1944) أقام الأستاذ فى تلك الليلة صلاة مناجاة لربه حتى الصباح مشاركة لزوجته أمنا آمنة فى أول وضوع لها.. وتلك المرة تؤرخ أول قيام وتهجد له.. ومنذ أن نشأ محمد ظهرت عليه سيماء الذكاء والنبوغ والفلاح وهو يترعرع فى بيئة لم يحظ بها غيره.. وفى عطلة المدرسة الأولية بعد امتحان الشهادة المتوسطة، غرق محمد فى النيل عند حى الديم وكان قد خرج إلى النيل مع بعض أقرانه.. وعندما بلغ الخبر والدته –أمنا آمنة قامت لتوها وجهزت ماءا ثم اغتسلت ولبست ثوبا أبيضا وجلست على سريرها فى حالة من الرضا.. ولم تنزل من عينها دمعة حتى اليوم رغم مرارة الفقد وغصته على أمه.. وصل الأستاذ رفاعة عندما وصله خبر محمد وبقى ومعه بعض أهله من الديم لثلاثة أيام على الشاطئ.. بعدها أعلن الأستاذ أن محمدا لن يخرج من النيل..

Post: #131
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 04:03 AM
Parent: #130


حكومة الجبهة .. ماذا تريد؟

د. عمر القراى
عندما قامت الجبهة القومية الاسلامية ، بانقلابها في 30 يونيو 1989، سمت نفسها حكومة الانقاذ الوطني ، واعلنت انها جاءت لتنقذ البلد من الوضع الاقتصادي المتردي ، واوضحت ان وسيلتها لتحقيق هذا الانقاذ ، هي البرنامج الحضاري الذي تعني به تطبيق الشريعة الاسلامية .. وحتى تحكم قبضتها عزلت كل من لم يكن من الموالين لها من الخدمة ، واستبدلتهم بكوادرها ، دون اعتبار للكفاءة ، مما زاد من تدهور الخدمة المدنية .. ثم اعتقلت كل من تتوقع انه مخالف لها ، او من معارضيها ، وسعت الى ارهابهم باساليب من التعذيب، في "بيوت الاشباح" ، لم يعهدها السودان من قبل ، كان بعض اعضائها قد تدرب عليها في ايران .. ولقد مات عدد من السودانيين الشرفاء ، تحت وطاة التعذيب ، واصابت الاعاقة عدداً اخر من الذين لم يقضى عليهم بالموت .. واتجهت حكومة الجبهة الى ارهاق كاهل المواطنين ، الذين شردوا من اعمالهم ، بالضرائب الباهظة ، وبالزكاة على ما لا تجب فيه الزكاة ، حتى تسيطر على كل الثروة من جهة ، وحتى تشغل الناس بالسعي خلف لقمة العيش ، عن اي تنظيم او تخطيط لعمل سياسي ، من الجهة الاخرى .. كما انها ركزت على ازاحة التجار من السوق ، بتعقيد الاجراءات عليهم ، وتسهيلها لمنافسيهم من كوادر الجبهة ، حتى سيطر على السوق أيفاع الجبهة، وارغم على الخروج منه ، كبار التجار والمستثمرين ، الذين ظلوا فيه، لفترات اكبر من اعمار اولئك الايفاع ..

ولقد بلغ الشعب السوداني ، من الفقر والفاقة ، على يد حكومة الجبهة ، ما دفع الحرائر الى الانحراف ، ومع ذلك كان اعضاء الجبهة ، يبنون العمارات العالية ، ويركبون العربات الفارهه ، وكلما ازداد المواطنون جوعاً ، ازدادوا هم تخمة ، ووظفوا اموالهم للمزيد من إفساد الفقراء ، واستغلالهم ..
ولقد تردى التعليم ، بفقد ابسط مقوماته (المدرس والكتاب) ، وعوضت حكومة الجبهة عن التردي في جامعة الخرطوم ، بانشاء عدد من الجامعات كأسماء بلا محتوى ولا امكانات .. أما قطاع الصحة ، فقد كان أسوأ من قطاع التعليم ، اذ اصبح المرض حتى لو كان مجرد ملاريا يعني الموت !! ولقد عجزت حكومة الجبهة ، عن ان توفر ابسط الادوية او العناية في مستشفى الخرطوم ، دع عنك الاقاليم .. ولقد نزح الاف المواطنين من الريف الى العاصمة لعدم وجود الحد الأدنى من الخدمات الأساسية في الاقاليم.

ثم ان حكومة الجبهة ، وجهت كل صادرات السودان ، على محدوديتها ، لشراء السلاح ، وانشأت قوة مسلحة جديدة ، سمتها الدفاع الشعبي زودتها بالسلاح ، والعتاد ، لتدعم بها الجيش النظامي ، ظناًُ منها انها بذلك سوف تقضي على المعارضة المسلحة في الجنوب .. وبالاضافة الى الانفاق على اعضاء الجبهة ، من الوزراء والوكلاء والوجهاء والمسئولين السياسيين الذي تضخمت اعدادهم بسبب ارضاءات الكوادر ، زاد الصرف على أجهزة الامن ، باعتبارها أهم الاجهزة التي تحافظ على السلطة .. ثم صرفت اموال لا حد لها، على الحملة الاعلامية الضخمة ، التي قصد منها تعبئة الشعب في اتجاه الحرب ، وصاحب هذا التضليل المنظم، الذي اتجه الى غسيل مخ الشباب ، استغلال بشع للدين في حرب جائرة لا علاقة لها بالاسلام من قريب اوبعيد .. فقد قتل الآف المواطنين في الجنوب ، وفي جبال النوبة ، ونزح الملايين من قراهم ، واسترق بعضهم بواسطة القبائل العربية التي سلحتها الحكومة ، وضمتها الى الدفاع الشعبي ، مما اساء الى سمعة السودان حين اصبح ملفه من اسوأ الملفات لدى كافة المنظمات الدولية لحقوق الانسان ..

وبعد سنوات من الفقر والقهر والفشل الذريع ، أدى المشروع الحضاري ، الذي كان يفترض ان يوحد السودانيين ، الى انقسام الجبهة على نفسها ، بين جماعة البشير وجماعة الترابي ، الذين انشغلوا بكيل التهم لبعضهم البعض (اذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا وراوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب) .. ووضح للشعب ، بعد هذه التجربة المريرة، الماثلة ، ان هذه الجماعة لا علاقة لها بالعدل والخير، الذي تبشر به الاديان ، وظهر انها مجموعة من السياسيين المنافقين ، يصطرعون على كراسي السلطة ، دون أي اعتبار للقيم أو الخلق أو الدين ..

لقد كانت حكومة الجبهة ، تستر مخازيها، وفشلها المتكرر، بدعاوى تطبيق الشريعة الاسلامية ، وتصر على الحرب ، رغم الهزائم العسكرية المتلاحقة ، بحجة انها لن تترك فريضة الجهاد !! وكانت وسائل الاعلام ، مسخرة لدق طبول الحرب ، واذاعة اناشيدها ، ومن ذلك مثلاً :
ليش ليش يا مجاهد ما تتقدم
للحور والجنة تكسب تغنم
لا تهاب الدانا ما تخشى لغم
اعداء الله عايشين في وهم
للغرب انصاعوا باعوا قيم[1]
وبلغ التهوس والتضليل حداً ، بزعماء الجبهة ان يذيعوا من اجهزة الاعلام الرسمية، الاكاذيب الملفقة ، عن ان الاشجار كانت تكبر مع كوادر الجبهة ، وعن القرود التي كانت تفجر لهم الالغام!! وان يتقحموا المآتم ، ليوقفوا بكاء النساء ، على القتلى من ابنائهم ، بحجة ان اولئك القتلى شهداء، وانهم زفوا الى الحور العين ، فيجب ان يفرح اهلهم ولا يبكوا !!

فماذا حدث لحكومة الجبهة الآن ؟ ولماذا تنازلت عن الجهاد ، ووقعت الاتفاقية العسكرية مع الجيش الشعبي لتحرير السودان ، والتي ينسحب ، بموجبها ، جيش "المجاهدين" ، من ارض "الاعداء" نهائياً ؟! بل لماذا رضيت ان تقاسم ثروة "المسلمين" ، مع "الكفار" ؟! واذا كان اعضاء الجبهة يصفون في قصيدتهم ، من انصاع للغرب ، بانهم اعداء الله ، فلمن ترى قد انصاعت حكومة الجبهة لتتنازل عما فقدت فيه دماء المئات من ابنائها؟! ولقد بلغ التخبط والفشل والتراجع ، بالجبهة ان اعلن مفكرها وعرابها ومرشدها د. الترابي ، ان الحرب التي كان يروج لها على انها جهاد ، ليست كذلك. وان (عرس الشهيد) و (الحور العين) وكل ما كان يمني به المضللين ، من الاغرار، الذين سيقوا الى اتون الحرب معصوبي الأعين ، انما كان مجرد كذب وتضليل، لأن الحرب نفسها ، لم تكن جهاداً وانما كانت مجرد نزاع سياسي ، مثلت حكومة الشمال الطرف الظالم فيه!!

واذا كانت حكومة الجبهة، قد انصاعت للضغوط الاجنبية ، وللرأي العام العالمي ، للحد الذي جعلها تعطل احكام الشريعة في الجهاد ، فما معنى هذه الزوبعة المفتعلة ، في أمر تطبيق الشريعة في العاصمة القومية؟! واذا كانت حكومة الجبهة ، قد قبلت في اطار السودان الموحد ، ان تعفي المواطنين الجنوبيين ، في الجنوب ، من الشريعة فما الذي يمنعها ان تعفيهم عنها ، وهم في الشمال ؟! أليس الشمال والجنوب ، مسئولية الحاكم المسلم على السواء؟!
لقد اقترحت الحركة الشعبية ، عدم تطبيق الشريعة في العاصمة القومية ، باعتبارها ممثلة لكافة المواطنين السودانيين . فرفضت الجبهة هذا الاقتراح ، واصرت على تطبيق الشريعة في العاصمة فعادت الحركة وقبلت تطبيق الشريعة في العاصمة ، ولكنها طالبت باستثاء غير المسلمين المقيمين في العاصمة، من هذا التطبيق فرفضت الجبهة هذا الاقتراح ، مصرة على تطبيق احكام الشريعة على اناس لا يؤمنون بها ، ولا يدينون بالاسلام ، بحجة انها لا تقبل بوجود قانونين في دولة واحدة !! أليس هناك بالضرورة قانونين ، بمجرد عدم تطبيق الشريعة في الجنوب؟! ماذا لو ذهب مواطن مسلم من الشمال ، وشرب الخمر في الجنوب ؟ فان لم تطبق عليه احكام الشريعة، اختلفت معاملته من نظيره ، الذي يرتكب نفس الجرم في الشمال مما يسقط المساواة بين المواطنين .. أما لو طبقت عليه احكام الشريعة لانه مسلم فهذا يعني ان اساس العقوبة شخصي وليس جغرافي ، فان كان ذلك كذلك، فلماذا لا يستثنى غير المسلمين ، من احكام الشريعة ، لعدم اسلامهم حتى لو كانوا في العاصمة؟

هذا الاضطراب والتخبط ، هو ما تدخل به حكومة الجبهة المفاوضات الآن !! ولكن الشريعة كما نصت عليها النصوص ، وقام عليها تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت واضحة ، ولم تلق بالاً لمعتقدات غير المسلمين ، وانما حكمت فيهم الشريعة .. قال تعالى (وانزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه فاحكم بينهم بما انزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق) جاء في تفسير هذه الآية ( .. "فاحكم بينهم بما انزل الله" أي فاحكم يا محمد بين الناس عربهم وعجمهم أميهم وكتابيهم بما انزل الله اليك من هذا الكتاب العظيم ... "ولا تتبع أهواءهم" أي آراءهم التي اصطلحوا عليها وتركوا بسببها ما انزل الله على رسله ولهذا قال "ولا تتبع اهواءهم عما جاءك من الحق" أي لا تنصرف عن الحق الذي أمرك الله به الى أهواء هؤلاء من الجهلة الاشقياء). [2] هذا هو حكم الشريعة الواضح ، فاذا كانت حكومة الجبهة متمسكة بالشريعة ، فعليها تطبيقها على المسلمين ، وغير المسلمين في الشمال والجنوب ، وان عجزت عن ذلك لاي سبب فلا داع للاصرار على الشريعة بعد ذلك .. اللهم الا اذا كانت الجبهة ، تريد القوانين الاسلامية ، لتقمع بها خصومها ، وتضلل الشعب ، بانها انما تطبق شرع الله فلا يمكن الاعتراض عليها ..
ان تطبيق احكام دينية ، على شخص لا يؤمن بها ، وان ناسب الوصاية التي قامت عليها الشريعة في القرن السابع الميلادي ، الا انه مخالف لاصل الدين، حيث حرية المعتقد مكفولة لكل فرد .. قال تعالى (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) ، كما انه مخالف لكافة مواثيق حقوق الانسان ، ومكتسباته الحضارية الحديثة ، التي كفلت حرية العقيدة لكل مواطن .. فتطبيق الاسلام اليوم ، لا يمكن ان يقوم على الشريعة ، وما فشل حكومة الجبهة ، الا دليلاً على ما ظللنا نردد من زمن بعيد ، من ان تطبيق الاسلام لا يتاتى الا بتطوير التشريع ، بالانتقال من فروع القرآن الى أصوله ، وهو أمر مفصل في كتب الاستاذ محمود محمد طه فليراجع.

ان ضعف الاحزاب التقليدية ، وعجزها ، هو الذي مد في عمر حكومة الجبهة الى هذا الوقت ، ولا تزال الجبهة ، تتلكأ في التوقيع على اتفاقية السلام ، رغم الضغوط الدولية عليها ، وتتذرع بالشريعة لظنها ان الاحزاب التقليدية ، لا تستطيع ان ترفض موضوع الشريعة ، ولا يستطيع قرنق بطبيعة الحال ، ان يرفض تطبيق الشريعة في الشمال ، نيابة عن الشماليين ، بينما الشماليون ، الذي وقعوا معه في اسمرا ، على فصل الدين عن الدولة ، قد لاذوا بالصمت ، حين اصبح التوقيع على الاتفاقية ، يتوقف على أمر الشريعة !!
لقد أنى لهذه الاحزاب ، ان تقف موقفاً مشرفاً واحداً ، تنتصر به على ماضيها ، فترفض تطبيق الشريعة في الشمال ، بناء على تجربة الجبهة الفاشلة ، وتسمع هذا لكل العالم ، حتى تساعد في ضغط الجبهة ، للتنازل الاخير عن هذه الشعارات التي لا تعنيها ، الا بالقدر الذي يحفظ لها السيطرة على الحكم ، ويباعد بينها وبين مؤاخذتها على جرائمها ..
ان المرحلة الانتقالية ، يجب الا تكون مرحلة قوانين الشريعة ، وانما مرحلة انقاذ السودان ، من عقابيل حكومة الانقاذ في النواحي الاقتصادية ، وفي التعليم ، وفي الخدمة المدنية ، وفي السياسة الخارجية ، على ان يوظف الاعلام ، لفتح المنابر الحرة ، ليتناقش الشعب في موضوع الشريعة وغيرها ، حتى يتبلور الراي العام الواعي ، الذي على هداه تتم الانتخابات ، في المرحلة القادمة.. وهذا هو الواجب الاساسي للحكومة الانتقالية: اصلاح الفساد الذي زرعته الجبهة ، واشعال الوعي الذي يعصم الشعب ، من تكرار التجارب الفاشلة .. وحتى يتاتى ذلك لا بد من الضغط على حكومة الجبهة للتنازل عن القوانين القمعية ، التي اسمتها زوراً وبهتاناً ، بالشريعة الاسلامية .

عمر القراي

-------

1 - انظر صفحة اتحاد الطلاب السودانيين على العنوان http:/www.sudaneseonline.com/fonons3.htm
2 - تفسير ابن كثير –الجزء الثاني ص63

Post: #132
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 04:05 AM
Parent: #131


شخصيات جديرة بالحب

محمود
رجل الدين الطيب




http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=m...rd=95&msg=1090991357
_________________

Post: #136
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 04:13 AM
Parent: #132


المطمع المستخفي والعطف المستعلن[/align:48b8f67925]

اتهم الكاتب (الاسلامي) المصري د. فهمي هويدى الحركة الشعبية لتحرير السودان بانها أداة في يد اسرائيل ، ونشر هذا الاتهام المغرض ، في جريدة الخليج الاماراتية ، الواسعة الانتشار بالوطن العربي ، في محاولة لاستعداء العرب بالتلويح لهم بتدخل اسرائيل التي يظهرون عداءها .. وهو في كل هذا لا ينطلق من الحرص على مصلحة السودان ، وانما تدفعه مصلحة مصر وتصوره المتوهم لمعاداة اسرائيل لها!! فالكاتب وهو يعترض على اتفاق السلام بدعوى مصلحة مصر، انما يصور مصلحة مصر ، وكانها تتحقق باستمرار الحرب، التي قتل فيها عشرات الآلاف ، ونزح بسببها الملايين ..
يقول هويدى (النجاح الذي احرزته الحركة الانفصالية في جنوب السودان بتحولها الى شريك في حكم الخرطوم لا ينبغي ان ينسينا حقيقة مسكوتاً عليها هي ان تلك الحركة كانت منذ البداية اداة استخدمتها اسرائيل لتحقيق هدف استراتيجي بعيد المدى هو: اضعاف مصر وتهديدها من الخلف ...)!! فهو يسمي الحركة الشعبية لتحرير السودان "الحركة الانفصالية" وكأن هذه الحركة دعت يوماً في ادبها المنشور او المذاع للانفصال ، او كأنها لم تحارب داخل فصائلها ، وتقاوم في الخارج ضد التيارات الانفصالية ، التي تزعمتها لردح من الزمان حركة الاسلام السياسي التي تتفق في كافة اطروحاتها مع الآراء التي يروج لها د. فهمي هويدي .. وحين يبخس هويدي الحركة الشعبية نضالها ، وحقها في المشاركة في السلطة ، يبرر ذلك بزعمه ان اسرائيل قد استخدمت الحركة الشعبية لتحقيق هدفها الاستراتيجي في اضعاف مصر!!
وحتى يوهم الكاتب (الاسلامي) قراءه بان ما يشيعه من الاقاويل حقائق ، قال (وفي اطار تلك الاستراتيجية قامت عناصر من الموساد بفتح خطوط اتصال مع تلك الاقليات التي في المقدمة منها الاكراد في العراق والموارنة في لبنان والجنوبيين في السودان) ولم يحدثنا ما هي الخطوط التي فتحتها الموساد مع تلك الاقليات ، وكيف ومتى تم ذلك؟ وهل مطالبة هذه الاقليات بحقوقها ، ومقاومتها للحكومات التي حرمتها هذه الحقوق ، يعتبر تعاوناً مع الموساد؟ على ان الكاتب اخبرنا بانه اعتمد على كتاب كتبه اسرائيلي عنوانه "افريقيا كمدخل على السودان" يكشف عن اطماع اسرائيل في دول افريقية محيطة بالسودان ، نقل تفاصيله وكأنها حقائق ، دون ان يخبرنا لماذا صدق هذا الكاتب ، ما دام يعتقد ان اسرائيل ، هي العدو المتربص بمصر ، والذي يمكن ان يضلل بمختلف الوسائل ..
ان تقرير د. فهمي هويدى بان كل ما قامت به الحركة الشعبية ، لا يعدو ان يكون ايعازاً من اسرائيل لتضرب مصر من الخلف ، لا ينم عن جهل الكاتب بالسودان ، وبما قدمه ابناؤه في الجنوب والشمال، من تضحيات وضحايا ، بقدر ما ينم عن جهله بمصر وما يحدث فيها .. فقد هزمت اسرائيل مصر عام 1967 هزيمة منكرة قضت بها على تطلعاتها لزعامة الامة العربية عن طريق القومية العربية ، ثم هزمتها مرة اخرى بمساعدة امريكا عام 1973 مما اضطر الرئيس السادات - رحمه الله - للسلام الذي فرض على مصر تطبيع علاقتها مع اسرائيل ، الى يومنا هذا .. فهل تحتاج اسرائيل ان تدخل الى مصر من الخلف بعد ان دخلت من الامام ، وصارت مصر تتلقى المعونات الامريكية ثمناً لصداقتها مع اسرائيل؟!
ويحدثنا الكاتب المصري ، نقلاً عن الكتاب الاسرائيلي ، عن كيف ان اسرائيل انشأت مشاريع اقتصادية عديدة في اثيوبيا ويوغندا ، وكأنه يفترض ان هذه الدول ، كان ينبغي الا تتعامل مع اسرائيل لأن اسرائيل عدو للعرب!! فهل اثيوبيا ويوغندا دولاً عربية حتى ترفض مساعدات اسرائيل؟ أليس من السذاجة التي لا تليق بأي مفكر، ان نطالب الدول الافريقية بمقاطعة اسرائيل ، وان نصف تعاملها معها بالخيانة والعمالة ، بينما تقيم معظم الدول العربية وفي طليعتها مصر اوثق العلائق مع اسرائيل؟ ولقد ربط الكاتب بين مساعدات اسرائيل لهذه الدول وخاصة اثيوبيا ، وبين تعاون اثيوبيا مع الحركة الشعبية ، ليخلص الى نتيجة مفادها ان اسرائيل تساعد الحركة الشعبية من خلال اثيوبيا ، وان الجيش الشعبي لتحرير السودان ، لم يكن لينتصر في معاركه مع حكومات الشمال لولا العون الذي وجده من اسرائيل ..
أكثر من ذلك ، فان الكاتب فهمي هويدي ، يقرر في عفوية لا يحسد عليها ، بان اسرائيل هي التي صورت للجنوبيين ان الصراع (مصيري بين شمال عربي مسلم وجنوب زنجي افريقي مسيحي) وهكذا يختصر هذا الكاتب المصري ، في غرور وتعالي ، نضال قطاع كبير من الشعب السوداني ، هو الاخوة الجنوبيون الذي شاركوا في هذه الحرب ، لعدة سنوات، لشعورهم بالظلم وحرصهم على الحرية والمساواة ، فيصوره بانه تم لمجرد ايحاء من اسرائيل!! يقول هذا وكأن حكومات السودان لم تخطئ حين اتخذت الحرب سبيلاً لحل مشكلة الجنوب ، او انها لم تظلم الاخوة الجنوبيين ، بدوافع من العنصرية ، ودوافع من الفهم الاسلامي السلفي المتخلف الذي يرزح تحته هويدي وامثاله من دعاة الاسلام السياسي، مهما تدثروا بدثار التحرر والحداثة .. والا فليحدثنا لماذا صمت حين كانت حكومة الجبهة الاسلامية ، تعلن الجهاد على المواطنين السودانيين في الجنوب ، فتحرق القرى الآمنة ، وتنشر الدمار والخراب؟! بل لماذا صمت حين قتل المسيحيون المصريون في قرية الكشح؟! لماذا سكت فهمي هويدي وامثاله، حين استعانت حكومة السودان ، ببعض الدول العربية ، في حربها ضد الجيش الشعبي ، وجاء ليحدثنا عن استعانة الجيش الشعبي باثيوبيا أو امريكا او اسرائيل؟!
ان الكاتب المصري (الاسلامي) ينطلق من نفس فكر الجماعات الاسلامية ، التي تدعمها المؤسسات الاسلامية السلفية ، التي تضغط على السلطة في مصر ، وتمنعها من انصاف المسيحيين المصريين ، وايقاف الاعتداء عليهم واشراكهم في السلطة بمستوى وجودهم في الشارع المصري .. وهو يريد للجنوبيين ان يضطهدوا باسم العروبة والاسلام، مثل اقباط مصر ثم يصمتوا ولا يقاوموا!! فان رفضوا ذلك ، وقاوموا الظلم ، فلا بد ان تكون اسرائيل هي التي دفعتهم لذلك ، وساعدتهم على تنفيذه ، وهم لهذا اعداء للامة العربية والاسلامية التي تمثلها حكومات السودان في الشمال.. وكل هذه افتراضات مغلوطة ، تنضح بالغرض ، وتتسم بالسذاجة وقصر النظر السياسي . فلا حكومات السودان تمثل العروبة، ولا الحركات الاسلامية ودعاتها امثال هويدي تمثل الاسلام ، وانما هم في الحقيقة يشوهون الاسلام، حين يعرضونه بمستوى يقبل الظلم الذي حدث للجنوبيين في السودان ، ويحدث للمسيحيين بمصر .
ثم يحدثنا الكاتب المصري ، معتمداً على ما اورده الكاتب الاسرائيلي ، بان الموساد اختبر د. جون قرنق وتبناه ولهذا حصل على منحة دراسية في امريكا!! فهل كل سوداني او مصري يحصل على منحة في امريكا ، لا بد ان يكون قد رشحه لها الموساد ، فهو من ثم بالضرورة عميل لاسرائيل؟! وهل زيارة قرنق لاسرائيل ، تعني انه عميل لاسرائيل؟ فكم مسؤولاً مصرياً زار اسرائيل؟ وهل هم جميعاً عملاء في رأي فهمي هويدي؟ ولقد زار د. قرنق مصر اكثر مما زار اسرائيل فهل يعني هذا انه عميل مصري؟!
ان الشعب السوداني في الجنوب والشمال لا ينتظر من احد- دع عنك هذا الكاتب (الاسلامي)- ان يحدثه عن الزعيم الوطني الدكتور جون قرنق . فقد اختبرته كل القوى السياسية ، خلال سنوات طويلة ، فلم يغير مبادئه ولم يحد عن مصلحة شعبه ، ولقد حاولت معه حكومات الشمال ، شتى وسائل الاغراء والخداع، فلم تحركه من موقفه ولم تزده مقاومتها ، الا صلابة لشدة ايمانه بقضيته .. فهل هذا ما كانت تريده اسرائيل؟ وهل كل عملاء اسرائيل بهذا الولاء لقضايا شعبهم؟!
لقد عبر الكاتب ، عن قلق وانزعاج قطاع كبير من المثقفين المصريين حين قال (ان اسرائيل هي التي اقنعت الجنوبيين بتعطيل تنفيذ مشروع قناة "جونجلي" الذي تضمن حفر قناة في منطقة اعالي النيل لنقل المياه الى مجرى جديد بين "جونجلي" وملكال لتخزين 5 ملايين متر مكعب من المياه سنوياً ويفترض ان يسهم المشروع في انعاش منطقة الشمال والاقتصاد المصري ، قالت اسرائيل للجنوبيين انهم اولى بتلك المياه التي سينتفع بها غيرهم)!! ولعل الكاتب المصري لا يعرف ان د. جون قرنق ، هو آخر من يحتاج لمن يحدثه عن مشروع قناة جونقلي ، لانه قد كان مشروع رسالته للدكتوراه .. وان السودانيين في الشمال والجنوب ، يعرفون ان للمشروع ايجابيات ذكرها قرنق في دراسته القيمة ، ولكن له ايضاً سلبيات منها ان حفر القناة يحسر المياه، التي كانت تغطي مساحة واسعة ، تنتج العشب الذي يشكل المرعى الاساسي لقطعان كبيرة من الماشية ، تعتمد عليها القبائل في تلك المنطقة . فحفر القناة يقضي على هذا الغطاء النباتي الرعوي الهام ، ويؤثر على حياة القبائل التي ظلت تقيم بهذه المنطقة لآلاف السنين . ولكن الكاتب المصري لا يعنيه كل هذا ، ولا يهمه ان تموت الماشية ، او يتشرد رعاتها ، مادام حفر القناة سيؤدي الى انعاش الاقتصاد المصري!!
ان مصر الآن تاخذ من مياه النيل حصة اكبر مما تستحق ، اعتماداً على اتفاقية مياه النيل لعام 1929 والتي ابرمت بين دولتي الحكم الثنائي ، بريطانيا ومصر، بينما كان السودان غائباً تحت الاستعمار. فبناء على هذه الاتفاقية ، تاخذ مصر حوالي 58 مليار متر مكعب ، وياخذ السودان حوالي 19 مليار متر مكعب ، بينما يجري معظم النيل في السودان . ولقد انتبهت دول حوض النيل ، مؤخراً ، لهذا الخلل ودعت الى اعادة النظر في الاتفاقية ، التي درجت الحكومات السودانية المتعاقبة على اغفال امرها خضوعاً للضغوط المصرية .. فاذا ارتفع صوت وطني ، في السودان ، بضرورة مراجعة هذه الاتفاقية الاستعمارية المجحفة ، فان هذا بطبيعة الحال لا يرضي الاطماع المصرية ، التي عبر عنها الكاتب فهمي هويدي ، واتهم بسببها دول حوض النيل ، مثل اثيوبيا ويوغندا بالعمالة لاسرائيل ..
ان مقال الكاتب المصري ، على ما به من خواء وسطحية ، يعبر عن محتوى قديم ، يقوم على الوصاية ، ويخشى على مصالح مصر في السودان ، ويظهر التعاطف مع السودان ومصيره ، بينما يجهد نفسه دون طائل لاخفاء ان الدافع الاساسي ، هو حرص المصريين على ابقاء مصالحهم في السودان مصانة ، بسبب غفلة السودانيين ، وانشغالهم بحرب اهلية تستنزف مواردهم ، ووقتهم ، وطاقتهم ، وارواح ابنائهم ..
في خطابه للرئيس محمد نجيب بتاريخ 18/8/1952 كتب الاستاذ محمود محمد طه (وشئ آخر نحب ان نشير اليه هو علاقة مصر بالسودان ، فانها قامت ، ولا تزال تقوم ، على فهم سيئ .. فان انت استقبلتها بعقل القوي تستطيع تبرأتها مما تتسم به الآن من المطمع المستخفي والعطف المستعلن ، فان السودانيين قوم يؤذيهم ان يطمع طامع فيما يحمون كما يؤذيهم ان يبالغ في العطف عليهم العاطفون)

عمر القراي

Post: #137
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:45 PM
Parent: #136


مسارب الضي
يوم الفصل!

الحاج وراق

نتيجة اخطاء طباعية اخلت بالمعانى، فإننا نعيد نشر المادة مرة اخرى ، مع اعتذارنا للقراء ولصاحب العمود.
* شكك المفكر البارز د. عبد الله علي إبراهيم في أهداف الذين يحتفلون بذكرى 18 يناير 1985م، يوم اغتيال الأستاذ محمود محمد طه... وقد أمر باغتياله - كما هو معروف - جعفر نميري أيام لوثة الهوس الديني التي انتابته آخر أيام حكمه، وذلك بتحريض من السلفين - داخلياً وإقليمياً، وبتواطؤ ملحوظ من غالبية الإسلاميين، ومشاركة مباشرة من بعض أدعياء التصوف، وهم قطعاً أدعياء لأن التصوف مشتق من صفاء النفس فيدفع المؤمنين به إلى الرحمة والتسامح، أما أولئك من قساة القلوب وغلاظ الأكباد فإن صوفيتهم المدعاة إنما صوفية «أم قرون» - تنطح ولا تدر!
شكك د. عبد الله في ان المحتفلين بالذكرى ربما يريدونها نكاية بالإسلاميين أو تكأة لمعارضة الإنقاذ، واستطيع ان أطمئن د. عبد الله ، وقد كنت طوال الثلاث مرات التي تم بها الاحتفال في السنوات الأخيرة عضواً باللجنة القومية المنظمة للمناسبة، أطمئنه بأن الذكرى وان تضمنت بعض ما يخشاه د. عبد الله فإن القائمين عليها ظلوا يريدون بها ماهو أجل وأعمق من ذلك.
* كان الأستاذ/ محمود مثالاً للسلام، يوصي تلاميذه ألا يطأوا بأقدامهم على «النجيلة»!، وكانوا يلتزمون انصياعاً له واقتداء به، وفي ذلك أحد الأمثلة العديدة لفكرة الأستاذ القاضية بأن المسلم الحق ذاك الذي تسلم الأشياء والأحياء من إيذائه... لم يرفع سلاحاً قط، وفي مواجهة الأسلحة الكثيرة التي قعقعت في وجهه وعلى جسده وأجساد تلاميذه لم يجزِ السيئة بمثلها، بل ولم يلوث قلبه بالضغينة أو البغضاء، كان في سماحة ورضى يحيا قولة المسيح عليه السلام: «أحبوا أعداءكم، باركوا لأعينكم أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم...»!
وأياً كانت الآراء التي دعا إليها الأستاذ/ محمود «غريبة» على الناس، فقد دعاهم إليها بسلام وفي حرية، لم يدبر إنقلاباً ولم يلهم عملاً مسلحاً، كما لم يدرب الاتباع أو يخزن السلاح، فقدم بذلك أنموذجاً صافياً للفكر، وبذا وضع سؤال الحرية بصورة صافية نقية لا يعتورها أدنى كدر، والسؤال هو: هل الحرية للآراء التي نوافق عليها وحدها، أم ان الموقف المبدئي يقتضي بأنها مطلوبة أكثر ما تكون مطلوبة إزاء الآراء التي تختلف معها؟!
وهو ذاته السؤال - بصياغة أخرى - عن الموقف من إغتيال الأستاذ/ محمود... وتشكل الإجابة عليه حداً فاصلاً بين دعاة الديمقراطية والإستنارة من جانب، وبين سدنة الطغيان والظلامية من الجانب الآخر.
وهكذا فإن الاحتفال بيوم 18 يناير إنما يعني الاحتفاء بحرية الضمير، بحرية التعبير، وبكلمة يعني الاحتفاء بالديمقراطية وحقوق الإنسان.. وبمقدار ما تتناقض هذه القيم مع الإسلاميين ومع الإنقاذ بمقدار ما يكتسب الاحتفال طابع النكاية بالإسلاميين والمعارضة للإنقاذ، وبمقدار ما يستشعر هؤلاء في المناسبة عملاً عدائياً موجهاً تجاههم!.
* ولأن حرية الاعتقاد« الضمير» هي بداية كل حرية أخرى، فقد كانت الحد الفاصل بين الأزمنة القديمة والأزمنة الحديثة، بين أزمنة الكهنوت والطغيان والظلامية، وبين أزمنة المدنية والتحرر والاستنارة.. وبهذا المعنى فإن اغتيال الأستاذ/ محمود ، يشكل أهم أحداث القرن العشرين في السودان، والحد الفاصل بين زمنين، تماماً كما شكلت ابتسامة الموناليزا عنواناً لنهضة أوروبا، فإن ابتسامة الأستاذ/ محمود على منصة الإعدام، كما قلت وأكرر، ستظل عنواناً لحرية ونهضة وتمدن السودان!
* وإضافة إلى مغزى الحرية فإن 18 يناير يتضمن كذلك مغزى السلام، وكلاهما هدفان مترابطان، حيث ان أهم مصادر العنف ذاك الذي تثيره الجماعات التي تود فرض قناعتها على الآخرين بالقسر والإكراه... وفي المحيط الإسلامي فإن جماعات الهوس الديني والإسلام السياسي إنما تحركها قناعة امتلاكها الحقيقة المطلقة، وقناعة ان الآخر المختلف إما غفل غر فتفرض عليه الوصاية وإما ضال أو زنديق أو كافر مرتد، ووسائل «هدايتها» لهؤلاء معروفة في ثنايا التاريخ الإنساني والسوداني. لقد قاد إدعاء الحق المطلق دوماً إلى الوسائل الشريرة ، قاد إلى الطغيان، وإلى تفتيش الضمائر ومحاكمة النوايا، وإلى حرق العلماء والمفكرين، وإلى المجازر والحروب الدينية!
* وقد أكدت تجارب التاريخ قديماً وحديثاً بأنه إذا انفتح باب قتل الآخرين بدعوى ارتدادهم فإن هذا الباب سينفتح واسعاً وعلى مصراعيه، حيث كل جماعة دينية ترى في نفسها تجسيداً للعقيدة القويمة وفي الآخرين عنواناً لفسادها، وإذا كانت الوهابية- كمثال -محقة في موقفها من اغتيال الأستاذ/ محمود فإن الخليفي وعباس الباقر كذلك محقان في فتواهما التي كتبت بالرصاص عن الوهابية!
وعباس الباقر والخليفي، رغم غلوائهما وقسوتهما، اللتان دفعتهما إلى فتح النار بدم بارد على المصلين من الأطفال والنساء، فإنهما ليسا نهاية المطاف، هناك الكثيرون الذين يرون فيهما «رخاوة» إزاء «الكافرين»!! مما يعني في التحليل النهائي ان تدور طاحونة الاغتيالات والدم بلا قرار وبلا نهاية!
* وهكذا فإن 18 يناير بما هي دعوة للحرية ولقبول الآخر وللتسامح، فإنها في ذات الوقت دعوة للسلم الأهلي، للمنافسة السلمية بين المعتقدات والآراء المختلفة.. وبمقدار ما تكون هذه القيم عزيزة لدى كل سوداني، فإن ذكرى 18 يناير ستظل عزيزة بذات القدر!.
http://alsahafa.info/news/index.php?type=6&issue_id=164&col_id=5&bk=1

Post: #138
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:45 PM
Parent: #137


ومع ذلك
دار الشيخ أبي زيد الجعلي للمعرفة بمدينة عطبرة

د. عبد الله علي ابراهيم

طربت نفسي لخبر افتتاح دار المرحوم الشيخ أبي زيد محمد الأمين الجعلي للمعرفة بمدينة عطيرة خلال الإسبوع الماضي. وهي فكرة أطلعني عليها ابنه الصديق الكاتب محمد في آخر الثمانينات. فقد بات يعروه هم هذه الدار براً بالوالد. وقد أرادها صدقة جارية له في آخرته على جميل إحسانه في الناشئة العطبراوية الذين علمهم الدين والعربية بمدرسة عطبرة الأميرية من لدن تخرجه من المعهد العلمي في الثلاثينات. ونوهت بفكرة دار الشيخ في كتابات متفرقة لبيان الخير الذي يقع لنا من باب هذا الإستثمار الحسن في الوالدين. وكنت أقرن بها مكتبة البشير بامدرمان التي هي صدقة من إبنه ومشروع مكتبة بالنهود لذكرى المرحوم عبدالساتر تكفل بها إبنه وصديقنا العذب الدكتور علي عبدالساتر.
عرفت الشيخ معلماً بالوسطى ولم أكن من بين خلصائه من الطلاب. فقد كنت مشوشاً فوق ماتطيق هدأته الغراء. وأذكر أنه تأخر يوماً علينا في الحصة وكان معزوماً لفطور في مناسبة حج المرحوم فريجون ناظر المدرسة الثانوية. ولما عاد كان مطلبي منه ان يأذن لي بالخروج من الفصل لتعاطي شربة ماء: فندي فندي فندي. وأستاء المرحوم وقال: «تركنا طيبات الرزق عند فريجون لأحضر للفصل لتروية عطشك. . . غور». ومع ذلك تحالف معي حين نهضت بالجمعية الدينية بالمدرسة وحررت جريدة حائطية إخترت لها إسم «البشير». وكنت أريد بذلك الكيد للجمعية الثقافية الرسمية التي لم تخترني المدرسة لعضويتها. ثم واصلت الكيد بعد ذلك بإصدار جريدة «الشعلة» الحائطية «المستقلة» مع شلة اصدقاء فيهم المرحوم صابر بحاري وفتحي فضل (وقد ذكرها فتحي بالخير في يوم قريب على صحيفة الفجر اللندنية). وأشرف عليها المرحوم سعد امير. ثم تجددت صلتي بالمرحوم في آخر السبعينات حين لزم السرير بالسكري بمنزل بنته بالثورة. وكنت أجده يقرأ «رياض الصالحين» كلما زرته في صحبة الدكتور علي سليمان فضل الله.
وقد إرتفع المرحوم في نظري أضعافا مضاعفة حين قرات كتاب «من دقائق حقائق الدين» للمرحوم محمود محمد طه. فالكتاب عبارة عن خطاب رد فيه المرحوم على رسالة وصلته من شيخ ابي زيد. وقد كانا إجتمعا بعطبرة حين عمل محمود بالسكة الحديد في الثلاثينات وتواثقا بالمحبة. وواضح أن الشيخ قد إنزعج لما بلغه من تكفير محمود عام 1968 وخاف أن يكون صديقه قد أخذته شطحة صوفية فارق بها النص الشرعي. فكتب له الرسالة التالية في إرادة الخير له:
الصديق القديم محمود أفندي محمد طه
المحترم
السلام عليكم ورحمة الله. وقع في يدي كتاب «العبادلة» للشيخ الكبير محي الدين بن عربي، رضي الله عنه، ورأيت في رسائلك أنك ترتضي قوله وتستدل به علماً سديداً. واليك أهدي كتابه هذا «العبادلة» لتطلع عليه إن لم يكن وصلك قبلاً. فإن وصل اليك فلله الحمد وإن كان مكرراً عندك فآسف أن ترده الي ولك الشكر. ولقد لقيت شخصية أتأكد أنها توصله اليك والله يجمعنا علي الحق ويبصرنا به إنه سميع مجيب ولك الشوق والسلام.
ولم يكن المرحوم محمود قد إقتنى كتاب «العبادلة» وقال إنه لم يره من قبل ولم يسمع به. وأستأذن في الإحتفاظ به واضاف «فجزاك الله عن صديقك القديم كل الخير ولازلت وفياً بالأصدقاء، كثير البر بهم، وإن تقادم العهد بهم، كعهدي بك دائماً». ومع ذلك لم من تغب على المرحوم محمود « النكتة» البلاغية من هذه الهدية الموجهة وصارح شيخ أبازيد بذلك. فأبن العربي في مواضع عديدة من «العبادلة» يحذر السالكين طريق التصوف من تقديم الكشف على النص لأن الكشف الصحيح لا يأتي الإ موافقاً لظاهر الشريعة. وبادر المرحوم الى تطمين الشيخ الى أمرين أولهما «أني لم اضع ميزان الشرع من يدي، وثانيهما أني لم أبن شيئاً من أمري على كشف يخالف النص». ثم واصل المرحوم في نحو 70 صفحة يشرح لشيخ أبي زيد جلية دعوته المعروفة.
يفوت علينا مثل صوت شيخ أبي زيد الوقور يدعو بالموعظة الحسنة بولاء للحق وللصداقة في حمى التكفير والتأثيم التي إكتنفت محموداً. فلقد أراد بصديقه وبالدين خيراً فتكفل بهدية من حر ماله كتاباً قد يهدي الي التي هي أقوم. ولم تكن له رمح من الرماح التي تكسرت على فكر وجسد المرحوم .
وباسم مدينتي ومحبي الثقافة في بلدنا والداعين الي تحكيمها فيما اشتجر من أمرنا، اقول لمحمد أبوزيد والأسرة وللدوحة الجعلية قاطبة بارك الله فيكم وزادكم من نوامي البركة وسابغ الإحسان على صنيعكم الثقافي، ورحم الله شيخ أبا زيد وانزله منازل الصديقين والشهداء والعلماء
http://alsahafa.info/news/index.php?type=6&issue_id=186&col_id=14&bk=1

Post: #139
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:46 PM
Parent: #138


من اقاصي الدنيا
الثقافة.. والإبداع المسلح!!

محمد محمد خير

عزيزي ود محمد خير..
عوداً حميداً إلى شعب الفاءات الثلاثة.. الفول والفقر والفلس.. حضورك دائماً قدم خير اذ استقبلتك في المرة السابقة مباراة نيفاشا بين الوريثين «الشرعيين» للشعب المنكوب وهاهى المباراة الثانية ولما تنتهي الأولى بعد، فالميدان واسع وعريض «يشيل» كل المنتخبات الاميركي والانجليزي والالماني وحتى الاسرائيلي (يعني دافوري راسو عديل) وما زالت الكنكشة متواصلة ولعل آخرها اصرار الصقور على عدم قيام المؤتمر الدستوري الجامع الذي يدعو له متفرجو المساطب على مباراة نيفاشا.
* دعني وبمناسبة عودتك وعودة الثقافة الى الخرطوم عاصمتها ان اهنئك واهنئ الشعب السوداني على الاكتشاف المذهل بأن السودان وبقرار من اللجنة التي انتخبت نفسها «على طريقة الاجماع السكوتي» دعوة أكثر من سبعمائة كاتب وأديب بعد تعيينهم كتاباً وأدباء ولا ادري ان كان ضمنهم كتاب «عرض الحالات» الذين يجلسون امام المحاكم بخطهم الجميل الذي تحسدهم عليه روشتات الدكاترة أم لا..!
في السودان وبقرار شبه رسمي أكثر من سبعمائة أديب وكاتب- بعضهم أعيد تعيينه رغم حصوله على تأشيرة خروج من مكتب الهجرة إلى العالم الآخر، وبعضهم تم تعيينه أكثر من مرة وبعض ثالث أجريت على اسمه عملية صيانة وتعديل فمثلاً مصطفى سند رقم 345 في القائمة تحوّل بعد الصيانة الى مصطفى محمد سند رقم 374 في نفس القائمة وقد حز في نفسي كثيراً أن تتجاهل القائمة مبدعاً ظل يبدع في السودان لسبعة عشر عاماً أو أقل.. انه المشير جعفر نميري، أليس هو مؤلف الشريعة الاسلامية لماذا...؟ أليس هو الذي فعل البدع في العلماء والأدباء حتى هربوا تاركين له السودان ولاتحاده الاشتراكي؟
إين اتحاد كتاب وادباء السودان يا أهل التمكين..؟
إن كشوفات التعيين بواسطة اللجنة التي انتخبت نفسها إن دلت على شئ فإنما تدل على انها ليست مواكبة للحراك الثقافي والابداعي بدليل عدم تفريقها بين المبدع وبين الكاتب التقليدي من ناحية وبين كاتب عرض الحالات وكاتب الحجبات من الناحية الأخرى ، أضف الى ذلك تجاهل اللجنة لتعيين بعض الصحافيين المرموقين في حين انها عينت غيرهم.
وعلى الرغم من أنني «وبلا إدّعاء» مدمن قراءة لأكثر الصحف اليومية والأسبوعية فان اسماء اكثر من 60% منهم لم اقرأ لأىٍّ منهم كتاباً أو مقالة أو رواية أو قصة أو قصيدة أو حتى نكتة من النكات التي ترد في ملحق الصحافة عدد الجمعة.
الابداع يا حضرات السادة لايخرج من ملفات الوزارات ولكنه يتولد من الاحساس بالظلم، وأوجاع المطحونين وانين المسحوقين وصرخات الجياع وقوافل الفاقد التربوي، وجيوش العطالة التي هزمها الاحباط.
وحين يصبح الإبداع قراراً حكومياً أو شبه حكومي فما على المبدعين حقاً الا ان ينصبوا صيوان المأتم ليتقبلوا العزاء في المرحومة الثقافة.
الإبداع هو التسامي الى اعلى وليس الانحدار الى القاع.
إن الحملان لاترتع في وادي الذئاب!!
والطيور ولا تغرد داخل الاقفاص!!
والورود لاتتفتح في الليالي المدلهمة!
اتركوا الابواب والنوافذ مفتوحة على مصاريعها ليدخل الهواء الطلق من كل الاتجاهات ولا داعي للمواربة وتظليل الزجاج الذي يحجب الرؤية.
وليأت كل مبدع إبداعه وكل كاتب كتابه بيمينه أو من وراء ظهره- ساعتها ستقرر الثقافة من الذي يصلى سعيراً ومن الذي ينقلب الى اهله مسروراً.
أما أدباء وكتاب العطف الحكومي فلا يعدون أن يكونوا ابواقاً للسلطة ينتهي نهيقها بانتهاء مراسم الدفن.
من الذي جرّع سقراطاً السم ...؟ ومن الذين أعدم محمود محمد طه..؟ ومن الذي فتح السجون لاصحاب الرأى الآخر في كل زمان ومكان..؟ و من الذي «سيّخ» الثقافة حتى فقدت «طيبتها» وبريقها ولمعانها...؟
أفتونا يا أباطرة الثقافة المسيخة.
فؤاد أحمد عبدالعظيم

http://alsahafa.info/news/index.php?type=6&issue_id=508&col_id=15
_________________

Post: #140
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:47 PM
Parent: #139


مكى أبوقرجة

وما زال يحــــــــدجهم بنظــــرته فيرتعــــــدون
«لا حجر أثمن من الرغبة في الثأر للبرئ
لا سماء أسطع من صباح يسقط فيه الخونه
لا سلام على الارض اذا اغتفرنا للجلادين»
بول ايلوار...
حين جئ به يحيط به حراسه يرسف في قيوده، مغمض العينين يسعى الى المشنقة بخطو ثابت وقامه منتصبه كان هناك حفنة من قضاة نكرات وقفوا لتوهم ليشهدوا تنفيذ حكم الاعدام فيه، اعتلى المنصة.. هدرت الجموع.. تعالى الهدير منبعثا من السجن كأنما كان يصدر من جهات الارض الاربع.. (لن ترتاح يا سفاح).. كشفوا الغطاء عن وجهه فنظر الى الجماهير المحتشده منذ الصباح الباكر ذات اليمين وذات اليسار وابتسم.. ومن ثم القى بنظرة على القضاة الواقفين في صف الى جانب المشنقة فطأطأوا رؤوسهم ونكسوها.. ما احتملوا نظرته تلك وهو راغب عن عالمهم الفاني الى رحاب الخلود.. طأطأوا رؤوسهم وارتجفوا وما رفعوها حتي الان.. ولا يعلم الا الله ماكان يدور بأخلادهم في تلك البرهة النادرة في تاريخ السودان.
بعد خروجه من المعتقل مباشرة في 19 ديسمبر 1984 اي قبل شهر من اعدامه، اعلن الاستاذ محمود محمد طه موقفه بقوله: (نحن اخرجنا من المعتقلات لمؤامرة، نحن اخرجنا في وقت يتعرض فيه الشعب للاذلال والجوع بصورة محزنة، ونحن عبر تاريخنا عرفنا بأننا لا نصمت عن قولة الحق، وكل ما يحتاج ان يقال اليه في نفسه قلنا له ومايو تعرف هذاالامر عنا ولذا اخرجتنا من المعتقلات لتسوقنا مرة اخرى، ليس لمعتقلات امن الدولة، وانما لمحاكم ناس المكاشفي، لكن نحن لن نصمت)...
في ذلك الضحى الرمادي الشتائي الاغر القادم من ظلمات القرون الوسطى اقيمت مشنقة خصيصا في قلب العاصمة الخرطوم ليتم تنفيذ حكم الاعدام في واحد من اشرف واعظم المفكرين الاسلاميين المعاصرين..رجل ما عرف منذ نضارة الصبا الاّ بالخلق الكريم والذكر الحسن، يذكره اضرابه طلاب غردون القديمة في الثلاثينات ويقولون ان نسيجه كان مختلفا، وسلوكه كان نموذجا للآخرين.. ما عهدوا فيه نزقا ولا التواء.. وحينما تخرج وعمل مهندسا في مختلف انحاء الوطن، كان قدوة وملهما وقائدا وصديقا للفقراء والمساكين وابناء السبيل والدراويش العابرين.
كنا نسمع عنه ونراه في طفولتنا بمدينة كوستي.. كان يتردد عليها حيث عمل لفترة من الزمن يخطط مشاريع القطن الواقعة جنوب المدينة.. التي صار يختلف اليها من وقت لآخر..حيث اكترى دارا في حي المرابيع كان مهوى لطلاب الحاجات والمساكين والباحثين عن تجديد ذواتهم بالدين والفكر.. ولا يزال الكثير من اهل المدينة يروون قصصا اغرب من الخيال عن كرمه وانفاقه وايثاره. الامر الذي كان يعبر عن دخيلة تحررت من الذاتي وسمت لمعات الدنيا وزخرفها .
عاش الرجل عقودا من الزمن منسجما مع ذاته متوحدا.. بعد ان كدح في سبيل ذلك كدحا يقعد عنه الرجال حتى استطاع ان يقهر النفس وينفذ الى حقيقة الاشياء.. كان لا يفتأ يرتقي ويدعو الناس الى لباب الدين واقتفاء اثر الرسول صلى الله عليه وسلم.
بدأ حياته زعيما سياسيا ثوريا منذ منتصف سنوات الاربعين، كانت الحركة الوطنية في طفولتها، يعوزها الفكر وتنقصها سبل الرشاد.. بدأت بالكيد والتنابذ وفجر كثيرون في ممارساتهم السياسية محاولات الانتصار لذواتهم.. فانبرى محمود يقدم نموذجه ويدعو للجمهورية..والتف حوله عدد من المثقفين.. كثير منهم ادباء وشعراء احبطتهم اساليب الاحزاب وصغارها..نذكر منهم محمد المهدي المجذوب ومنير صالح عبدالقادر، وامين صديق .. كان يملؤهم الحماس فيوزعون المنشورات السياسية ويخطبون في الاندية والتجمعات.. وما لبث الحال ان ادرك الاستاذ محمود اهمية التربية لتقديم النموذج الاكمل للانسان من خلال فهم متقدم للدين وممارسة نسيجها اخلاق النبوة بالاقتداء بها.
طرح الاستاذ محمود محمد طه فكرا جديدا ما احوج البشرية اليه الآن في ليلها الداجي هذا.. في الايام التي سقط فيها مشروع الارهاب والمزايدات السياسية باسم الدين.
قبل حوالي اسبوعين تابعت برنامج (مواجهة) الذي يقدمه تلفزيون ابوظبي.. الدكتور عبدالصبور شاهين والدكتور سيد القمني كانا ضيفي الحلقة.. منيت نفسي بلحظات من المتعة الفكرية ولكن آمالي خابت.. فقد كانت المواجهة اشبه بحوار الطرشان.. القضية كبيرة والاثنان يمثلان التيارين المتخاصمين الآن. وعبدالصبور شاهين مواقفه معروفة، خاصة فيما يتعلق بقضية الدكتور نصر حامد ابوزيد وما تمخض عن ذلك بموقف اقرب الى تكفير الرجل والحكم بالتفريق بينه وبين زوجته حتى اضطر الى الهروب من مصر للالتجاء الى اوروبا.. وسيد القمني يكتب الآن عن الاسلام في اطار ما يعرف بالتيارالعلماني.. تمنيت لو كان لديه علم بفكر الاستاذ محمود محمد طه او لو قرأ (الرسالة الثانية) ولخص حجته بالدعوة للاسلام الذي يتسق مع حاجة وتطورات البشرية وفكرها.. ليس ما كان مطروحا للخارجين من الجاهلية في اول القرن الهجري.. تلك الدعوة التي اذا استطاع المعلمون فهمها وطرحها لهرعت اليها الحضارة الغربية.. التي تذدري المسلمين في هذه الايام.. وما ارادوا بعدها بدلا.
ما كنت بعيدا عن الجمهوريين.. في ايام تألق الفكرة وعنفوانها وحتى الآن.. فقد كان فيهم اصدقائي الخلصاءوجزء من عائلتنا.. ابناء عم اثيرون لدي.. كنت اختلف معهم واجد في الحوار معهم سعادة ما عليها مزيد.. وكنا نتبادل كثيرا من الاحترام والمودة والمشاعر الطيبة... تأسرني ارواحهم الجياشة وقلوبهم العامرة وسلوكهم الحميم ازاء الآخرين.. مروءتهم ونجدتهم واثر التقوى البادي على سيماهم..وقد حاول نفر منهم ان التحق بالركب والا يفوتني ذلك العرس الجليل.
كانوا يتحركون كالنحل البري يقدمون الشهد.. شهد المعارف.. يطوفون المدن والقرى والبوادي يحملون الكتيبات التي تتضمن فكرهم ويخوضون مع الناس مساجلات تثري الحياة تعمر الوجدان.
وقف الفكر الجمهوري ترياقا يدحر فكر المتأسلمين..واقام المنابر والاركان. وارسى تقاليد الحوار الديمقراطي في اوساط الجامعات والاماكن العامة.. وقدم متحدثين محاورين بارعين اتلفوا اعصاب مناوئيهم بالحجة تلو الحجة فكانوا يلجأون الى العنف حين يخسرون النقاش امام الحاضرين الساخرين ويتكشفون جاهلين بقضايا الفكر والدين.
في بدايات تشكل وعينا واهتمامنا بقضايا وطننا كنا نغشى الندوات والمحاضرات.. يستهوينا النقاش..نحمل زادنا القليل من الفكر. وكنا به جد مزهوين .. نتردد على ندوات الجمهوريين واحيانا ندخل في حوار مع الاستاذ محمود محمد طه فنجد فيه روحا متسامحه وصدرا متسعا.. وكثيرا ما كان يردد قوله (نحن متفقون) مهما شجر الخلاف واستعر.. فقد كان فكره العميق ونظرته الشامله المحيطة يتجاوزان ماهو ثانوي فيرى ما لا نرى حيث تتوحد الرؤى في اتجاه خير الانسانية.. مرة كنا حضور ندوة له بمدينة كوستي واحتشد المهرجون المتفيقهون والمتنطعون يعارضون. كان من بينهم احد المدرسين.. قيل انه حائز الماجستير في اللغة العربية.. وكان ذا صلف وعجب بالنفس كبير..وقف يتحدث لا باسلوب الفضلاء والعلماء وانما بسلوك الباحث عن نصر رخيص امام مؤيديه. فحاول ان يقدح في علم الاستاذ محمود بالقرآن الكريم واراد ان يصحح ما ظنه فكره القاصر خطأ.. وعندما توقف عن حديثه الصاخب ذاك نهض الاستاذ محمود بهدوئه المتسامي يفند آراءه حتى تناول ادعاءاته بشأن اللغة..وتبحر في القول.. ما أراد بذلك ان يفحمه ولكن علمه برفض ما فاته معرفته في مجال تخصصه..فانفعل الحضور وصفقوا طويلا وطأطأ الادعياء رؤوسهم خجلا.
مرت قبل أيام الذكرى التاسعة عشرة لاغتيال الاستاذ محمود.. سنوات ليست بالقليلة ولكنها لم تمح اثر الصدمة التي اصابت المثقفين بصفة خاصة وعامة الناس في السودان الذين عرفوا قدر تلك الشخصية التي ستبقى خالدة الى جانب شهداء الانسانية الذين سعوا نحو تفكيك عالم اكثر وعيا وعدلا واهتماما بمصير الانسان.. واحتفل كثير من المهتمين في كثير من مدن العالم بهذه الذكرى الاّ في الخرطوم حيث حالت السلطات دون ذلك.. لانه لا يزال يحدجهم بنظرته فيرتعدون.
ليس لدينا ما نقدمه سوى ان ننشد مع صلاح احمد ابراهيم:
ما انحنت قاماتنا من حمل أثقال الرزايا
فلنا في حلك الاحوال مسرى وطرق
فاذا جاء الردى كشر وجها مكفهرا
عارضا فينا بسيف دموي ودرق
ومغيرا بيد تحصدنا:
لم نبد للموت ارتعادا او فرق
نترك الدنيا وفي ذاكرة الدنيا لنا ذكرى وذكرى
من فعال وخلق
ولنا ارث من الحكمة والحلم وحب الكادحين
وولاء حينما يكذب اهليه الأمين
ولنا في خدمة الشعب عرق.

http://alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147487030

Post: #141
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:48 PM
Parent: #140



ومع ذلك
من أين جاء هؤلاء السيد نورالدين منان؟

د. عبد الله علي ابراهيم

نقول في الترحم علي الميت «ولا تفتنا بعده». ولم يتمثل لي تمام هذا المعني كما تمثل لي وأنا أقرأ نعي الأستاذ نور الدين منان للمرحوم ابوسليم كواحد من عظماء النوبيين علي صفحات الانترنت. وبذكر النوبة واتت منان ذكرى راحل نوبي عظيم آخر من سدنة التراث السوداني، هو المرحوم نجم الدين محمد شريف مدير مصلحة الآثار الأسبق. وذكر منان له مظلمة ديوانية. فقد قال أن الدولة على عهد رئاسة الصادق لم تحسن اليه وأخرجته من منزل الحكومة. ولم ترع خدمته الباهرة ولا حالة ضعفه قعيداً على كرسي متحرك. ولما رأى أهله النوبة تشرده تضافروا وابتاعوا له منزلاً في الخرطوم. وقال منان أن جماعة من النوبة حذروا أبا سليم ضاحكين من أن يقع عليه ما وقع علي نجم الدين. وقال أن أبا سليم قنع بداره البسيطة بالشجرة.
انزعجت لضيق أفق هذا الكاتب الذي ضاقت الدنيا عنده بما رحبت. وقد رحبت فعلاً برجال في قامة نجم الدين وابي سليم من ذوي الهمم الشماء. فقد كان كسبهم سودانياً تغذيه مواهب نوبية عتيقة، فالدنيا عند منان كسب أفندية من منازل و غيرها أو تعبئة سياسية على خطوط إثنية متي ما نقص هذا الكسب. وكان ابو سليم ونجم الدين رساليين في قول السيد الصادق المهدي. والرسالي نقيض الأفندي، لأنه قابض على جمر المعاني في حين لا يقبض الأفندي غير طوب المباني. ولو كان مبلغ همهما الدور والقصور لما عجزا. فقد بناها من دونهما رشداً وألقاً. فقد قال المرحوم محمد توفيق في حفل لتكريم نجم الدين بالنادي النوبي، أنه لم يقبل أن يقترض كسائر كبار موظفي جيله ليبني منزلاً، لأنه لم يرض أن يكون مديناً ليوم يخشى أن يلقى فيه الله قبل أن يسدد ما عليه. وكان بوسع أبي سليم ان يبني قصراً ولكنه رفض الهجرة التي تهافتت عروضها عليه من العالم. وكان يرد عليها بالشكر والاعتذار والحفظ في الفايل. فقد تعلقت قلوب هؤلاء بأمهات الأمور في حين يريد بعض ناعيهم أن يردوهم الى سفاسف المخصصات والبدلات والبير ديم.
وقد وقع لنا من جنسهم نفر مميز هجر عادة الأفندية الراتبة الى مخاطرة فتح الطرق المبتكرة. ومنهم استاذنا عبد الخالق محجوب الذي لم يستوظف في حياته سوى أسابيع معلومات، أو حتي الترابي الذي كانت اول وظيفة له عمادة بالإنابة لكلية الحقوق، فهجرها ليبني الحركة الإسلامية أعوج عديل. وفيهم المرحوم محمود محمد طه الذي حياته عندي ربما كانت اميز من موته الذي أضحي نقطة تركيز بكاته. فقد مر طريق محمود افندي محمد طه للشهادة أولاً. وقبل كل شيء عبر حواري الثورة بام درمان التي سكنها معززاً بالصحبة والتربية الماجدة، قبل أن يرقي مرقي الموت البليغ.
لقد تأذينا كلنا حين أساءت الدولة الي نجم الدين في ملابسات حملة جاهلة جائرة، إدعت العناية بالآثار الأسلامية. ولم نسمع لأبي سليم حرجاً في السكن. بل سمعت أن الدولة اقتطعت له ارضاً ليقيم عليها معهده للدراسات التاريخية. وسيكون من وهن الفكر أن نقحم نوبية نجم الدين لتفسير حمل الدولة له لإخلاء الدار بعد المعاش، فمثل هذا الأمر شائع. ويمكنني القول أنني ضحية من ضحايا هذه الممارسة، فقد كرهني رؤوسائي لأنني وقفت ادافع دون إخلاء أسرة صديق رحل الي رحاب الله من المنزل الحكومي قبل أن تستقر علي شئ بشأن خطوتها التالية. وضيق هؤلاء الرؤساء عليَّ كثيراً حتى فصلوني فتركت لهم البلد وهذه قصة اخرى. وقد علمت خلال هذه المعركة أن اكثر الناس نشاطاً لترحيل أسرة صديقي كان الشخص الذي وقع له المنزل وهذه أخلاق الأفندية. وقد بلغ بهم العنف في احتلال البيوت من بعد الموت او المعاش حداً قدمت معه الحكومة في ابريل 1977 لمجلس الشعب مشروع قانون سحب من المحاكم، حق النظر في استئنافات من أخلتهم مصالح الحكومة من البيوت. فقد كان من رأي الحكومة ان المحاكم بالها طويل. ولا صبر للأفندي وريث البيت عليها. وكان هذا القانون مصادماً للدستور ولكنها العجلة. . . تطير.
مثل قول منان في تذكر أبي سليم هي الفتنة التي ندعو الله دائماً بعد موت عزيز أن ينجينا منها. واستغرب على ماركسي كمنان أن ينفخ نار الإثنية في شأن أدنى تفسير له الطبقة. ولا اعرف إنساناً كره اللت والعجن في مسائل الإثنية والنسوية بغير زاد سوى النيل من الأنقاذ مثل ابي سليم، فقد حضرت معه مؤتمر الدراسات الأفريقية في أميركا عام 1993م. وكان الرجل يهتز مثل «القصبة» وهو خارج من الجلسات التي يخوض فيها امثال منان في امور السياسة بغير علم. وكان يقول لي: «الإنقاذ ليست هي الوطن.. الوطن شئء أجمل وأبقى من الإنقاذ ومعارضيها».

http://alsahafa.info/news/index.php?type=6&issue_id=199&col_id=14&bk=1

Post: #142
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:49 PM
Parent: #141


صدي
جيل الأمس هل هو جيل فاشل؟؟

امال

[email protected]

لا شيء يسعد من يتعاطى هموم وآمال وأماني الحياة عبر الكلمة المكتوبة سوى تجاوب المتلقي.. تجاوب القاريء مع ما يخط يراعه.. وأنا دائماً اقول ان كلماتي تظل ميتة ولا تدب فيها الحياة إلا عندما تسبح في مياه عيون القراء.. لتهبها الحياة..
قمة سعادتي تأتي عندما يتحول التجاوب إلى حركة تسعى عبر الهاتف أو الرسالة أو المداخلة.. عندما أثرت ما حرضتني عليه تلك القارئة التي ترى ان كل المشكلة في الحياة الاجتماعية هي الزواج.. وانداح الموضوع حتى وصل الى مسألة الشباب وما بين الاجيال.. هل هو صراع أم حوار؟ وهل نحن نوليه ما يستحق من اهتمام. وانتهى بسؤالي عن الكلمة ودورها.
قد يقول بعضكم ان الناس في شنو و«صدى» في شنو بحكم ما يكتنف الحياة من موضوعات ترهق الذهن والعاطفة معاً.. حال السودان الذي اصبح مادة عجيبة للفضائيات وملطشة لكل قوى الطمع والاستكبار ونسوا تماماً بأن الذي اوصلنا لهذه المحطة الفاجعة هو عدم اهتمامنا بتفاصيل الحياة، والعمل على تغييرها.. ما يقارب نصف القرن ظللنا نتعاطى السياسة بمفهومها الضيق «السلطة ومكاسبها» لا للشعب وانما للذين يعتلون كراسيها.. تأملوا هذه المسيرة جيداً نرجع للموضوع لأنشر جزء من ردود الفعل التي اراحتني ومددت مساحات الأمل التي لا اجعلها تنعدم وان ضاقت كثيراً هذه الايام.
نقرأ رسالة أتت من أبنائي، وكم أنا فرحة بذلك. وقعها عنهم أبو عبيدة حسن محمود قانون جامعة النيلين. قالوا فيها:-
.. الموقرة جداً
الأستاذة آمال عباس
صباح الوطن
إن كنا قد عزفنا عن قراءة الصحف لادراكنا التام أن مأساتنا أكبر من أي قول ولكن مقالات في عمودك «صدى» جعلتنا نحاول.. لا أن نرد ولكن لنبين جزء من آرائنا كجيل مستلب ومغيب حتى اشعار آخر.
أستاذتنا
لا نؤمن بنظرية المؤامرة ولكننا على يقين ان الحق يعلو دوماً وان ظللته غياهب الظلم.. لسنا فاقدي الاهلية ولا ناقصي الارادة.. ولكن الحياة في وطن الديناصورات قاعدتها البقاء للأقدم.
جيل الأمس.. هل هو جيل فاشل؟
هذا سؤال اشبه بسؤال الطفل للفرعون العاري ولعل عبارة جيل الأمس غير صحيحة تماماً فهو جيل الأمس واليوم وغداً.. قال الحق عز وجل «وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا اتحدثوهم بما فتح عليكم ليحاجوكم به عند ربكم أفلا تعقلون» البقرة «76» صدق الله العظيم
لا ننكر كلنا ان ستينات القرن الماضي كانت فترة استثنائية وزاهية ولم يكن ذلك لاجتهادكم الشخصي بل كان نتيجة وضع سياسي اقليمي ودولي نود ان نورد بعض الملحوظات تاركين تحليلها والاضافة عليها لفرصة اوسع.
أولاً: نعني بجيل الستينات مواليد السودان في الفترة «1930 - 1949» تقريباً ولعل خطأ الاسم هنا واضح فأنتم جيل الثلاثينات والاربعينات.
ثانياً: جيلكم الموقر هو أول جيل مارس عمليات الاقصاء السياسي تصفية وابعاداً وهو ما اتفق عليه في جميع المنظمات السياسية فأجبر المحجوب على الابتعاد ولا أملك جزماً لوفاة الأزهري لكنه لم يمت كما يموت البعير واعدم عبد الخالق محجوب والشفيع احمد الشيخ والاستاذ محمود محمد طه.
ثالثاً: جيلكم الموقر مصاب «اصابة جماعية» بالنوستولوجيا وحديثنا هنا يطول.
رابعاً: لم يوثق جيلكم الموقر للحياة السودانية التي اقتحمها فشوه معالمها ثم ها هو الآن ينتظر غراباً ليدله كيف يوارى سؤآت ما ارتكب وكل ما لدينا الآن هو كتب شتائم وافتخارات.. وان كنتم تفتخرون بقراءتكم لكل كتب العالم فما هو مصير من كتم علماً لا علوما وحقائق وتواريخ.. كل ما نملكه الآن روايات شفهية عن فلان عن أبيه عن جده «الذي رمى الخواجة من حصانه».
خامساً: نظرية التطور الطبيعي تخلق ظروفاً واحداثيات تجعل من البله والغفلة امكانية تحجر الزمن.
سادساً: في غمرة اندفاع جيلكم الموقر لتبني مباديء والايمان بآراء ومعتقدات لم يثبت التاريخ والتجربة إلا فشلها.. نسيتم ان تعلمونا الديمقراطية والحرية واحترام الآخر نسيتم أم لعلكم لم تكونوا تدركون.. وكلا الاحتمالين كارثة.
سابعاً: ان اصراركم على ان تعيشوا زمانكم وزمان الآخرين وزمان آخرين الآخرين واستيلاءكم على جميع امورنا بحجة الوصاية هو ما ندفع نحن الآن ثمنه استلاباً وانصرافية.. وقلة أدب.
علّ الله يرحمنا جميعاً أستاذتي ويهب لنا ذريات نحسن تربيتها عملاً لا قولاً نترك لهم فرصة تدبير امورهم وحل مشاكلهم وأنا واثق ان ذلك الزمن لن يكون فيه ترابي ولا مهدي وهلم جرا .. ولك عذب الأمنيات.
* انتهت رسالة أبنائي من جامعة النيلين أنا سعيدة وفخورة بها وفرحة بما فعلته «صدى» واتاحت الفرصة لنسمع.. ولا نضيق بما نسمع ونقرأ لأن في النهاية الحقيقة بنت الجدل وتعلو ولا يعلى عليها.. لكم مودتي واحترامي.. وفي انتظار المزيد من المداخلات.
هذا مع تحياتي وشكري
http://alsahafa.info/news/index.php?type=6&issue_id=346&col_id=1&bk=1

Post: #143
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:50 PM
Parent: #142



اشياء صغيرة

ذاك الرجل
في الثامن عشر من يناير الماضي احتفلت القوى الحديثة بذكرى إعدام الأستاذ محمود محمد طه الثامنة عشرة. تناوله عدد كبير من الكتاب بين القبول والرفض لفكر محمود محمد طه. وفي رأيي واعتقادي الشخصي أن الأستاذ محمود محمد طه يصلح لأن يكون مصلحاً وثائراً اجتماعياً أكثر من كونه مرشداً دينياً.. وأنه كان يمكن أن يقود دفة هذا المجتمع بفهمه ووعيه به وبكل مشكلاته.. وليته أعتبر أمر الدين أمراً فردياً وخاصاً يختلف من شخص لآخر.. ذاك لأن آراءه في الفقه والتشريع، بالرغم من عمقها وقوتها، لا تصلح للتعميم والجمع.. وأكثر ما يعجبني في محمود محمد طه هو قوة موقفه وثباته على مبدئه دافعاً حياته ثمناً لهذا الموقف، الأمر الذي نفتقده في زعاماتنا وكبارنا، سواءً في مجال الفكر أو السياسة أو أي مجال آخر فالكبار في بلادي «صغار عند المواجهة». والحزب الذي أسسه محمود محمد طه «الإخوان الجمهوريون» حزب يقوم على كثير من التعاليم لمبادئ وقيم سامية، وأجمل ما فيه أنه يدعو أن يبدأ الإنسان بإصلاح نفسه والتصالح معها قبل أن يخرج للآخرين... لذا نجد الإخوان الجمهوريين في معظم الأحيان يتمتعون بأخلاق عالية والتزام تجاه المبادئ كبير، إلا أنهم دائماً ما يتعاملون بصفوية أو محدودية لا تتفق مع هذه القيم التي تؤهلهم لأن يقودوا المجتمع نحو الوعي والإدراك والصدق. فهم يمكن أن يكونوا «كالكناسين، أو المطهرين «puritanat» الذين بنوا أميركا اجتماعياً وعلموا الناس هناك كثيراً من السلوك الاجتماعي المتحضر.
أيها الجمهوريون: ليس هناك إنسان مقدس ولا فكر مقدس.. اجعلوا ذكرى الأستاذ محمود محمد طه مناسبة لنقد وتطوير أفكاره والإضافة إليها بالتجديد والابتكار، فما كان في الستينيات مدهشاً لم يعد الآن كذلك، وما قيل قبل عشر سنوات يحتاج لكثير من الاجتهاد والإصلاح ليواكب الزمان، أليس هذا هو روح تفكير «الأستاذ»؟

http://alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147487393

Post: #144
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:51 PM
Parent: #143


دولة السودان الجديد والمنابر الحرة (1)

عبد العزيز محمد بادي

عجبت جداً وأنا اقرأ مقال السيد الطيب مصطفى تحت عنوان: «قبل أن يقتحم هولاكو السودان الجديد فاتحاً - احذروا حصان طروادة من شياطين الإنس» وذلك بصحيفة «الصحافة» بتاريخ 17 يونيو 2004 العدد «400». ومصدر عجبي أن تظل هذه الاوهام وهذه السخائم حية تسعى بين انسانية الألفية الثالثة وبكل هذه الجرأة وهذا الوضوح. والشيء الذي كنت اتوقعه الا تكون هذه الافكار سافرة بهذا المستوى. وبكل صدق كنت اظنها تتستر وتلبس الاقنعة لبث سمومها من خلالها، لكن ان تكون بهذا الوضوع وبعد ان اذاقت سنين الانقاذ العجاف الشعب السوداني الامرين وجعلت نهاره كليله. وبعد هذا الجهد الاقليمي والعالمي والذي وضع الشعب السوداني على عتبة السلام، يطل علينا السيد الطيب بهذا الطرح فهذا مصدر عجبي.
* من هم المتشاكسون؟
اقرأوا وتعجبوا من عجبه «ويا لها من بلاد عجيبة تلك التي يؤيد رئيسها فلسطين ويؤيد نائبه الأول اسرائيل، فهل بربكم من شركاء متشاكسين في التاريخ البشري أكبر من هذا؟» نعم يوجد في التاريخ البشري والقريب الماثل أمامنا من هم أكثر من ذلك «ناس الجبهة الاسلامية». وابلغ مثال على ذلك انهم وبعد ان استولوا على السلطة تحت ليل اسود واعلنوا انهم الانقاذيون والحامون حمى الأوطان والحافظون لدين العباد والـ... والـ... الكثيرة بدون عدد وبعد أن تمكنوا وهمشوا الآخرين، بدأ الهمس واللمز وقليلاً قليلاً بدأ المغطي والمستور يظهر، حتى كانت قرارات الرابع من رمضان العلنية الفاصلة التي تم بموجبها طلاق البينونة. وانقسم الاخوان إلى مؤتمرين وطني وشعبي، حيث الآن شيخ الجماعة بالسجن، هذه هي المشاكسة الحقيقية. والتي هي الثمرة المباشرة لهذه الافكار والتي بدأت تطل علينا من جديد، بعد ان تنفسنا الصعداء والسلام اصبح قاب قوسين أو ادنى، ثم لي أن اتساءل: هل يفهم السيد الطيب مصطفى اتفاقية مشاكوس وبروتكولاتها؟ وهل عندما تطبق هذه الاتفاقية الاطارية سيكون الفهم لمهام الرئيس والنائب الأول نفس الفهم في الانظمة الشمولية أو حتى في الأنظمة الديمقراطية؟ ببساطة شديدة اتفاقية مشاكوس ترمي لمعالجة مظالم قديمة وتضع أسسا لمستقبل جديد كل الجدة، يختلف عن الماضي لشعب ذي مصير مشترك في كثير من الصفات الحميدة والايجابيات التي تخدم قضايا الوحدة والتوحد. والتي هي مصير كل البشرية، إما أن تتم أو على البشرية السلام. وكما هو معلوم لا يمكن أن يعيش الجيران متشاكسين متحاربين، لأن العلم المادي ألغى الزمان والمكان أو يكاد.
* مشاكوس واتفاقية الميرغني قرنق نوفمبر 1988م
اجمع الكثيرون من أبناء الشعب السوداني شماله وجنوبه - عدا افراد الجبهة الاسلامية القومية - على ان انقلاب يونيو 89م قام خصيصاً لتقويض اتفاقية الميرغني - قرنق للسلام. والادلة والبراهين كثر. ويكفي في ذلك رفضهم لمباديء الايقاد 94 باديء الأمر. فماذا جنى الشعب السوداني من تقويض هذه الاتفاقية؟ وما هي النتيجة؟ غير هذه المآسي والفظاعات ودماء الشباب الذكية من الطرفين بما فيهم ابن السيد الطيب مصطفى تقبل الله الجميع قبولاً حسناً وجعلهم مهراً للفكر الواعي الرشيد وجبر الله كسرك أخي الطيب وجعل البركة فيك وأسرتك الكريمة وفينا جميعاً فإنها ضريبة التطور.
أناشدك بالله أخي الطيب أن تضع اتفاقية الميرغني - قرنق ومشاكوس أمام عينيك وتجري المقارنة بينهما بذهن صافٍ أيهما استسلامي؟ لا أعني الاستسلام حسب تعبير «ناس الجبهة» لأني لا أرى استسلاماً لا في مشاكوس ولا في الاخرى، وانما هي معالجات لابد منها. ويمكن بالوعي والعمل الدؤوب تنميتها لنصل الى ما نصبو إليه ويصبو إليه العمالقة الثلاثة وهو اسعاد الانسان، الانسان بصرف النظر عن دينه، لونه، عرقه.
أراك جد متشبثا بالسلطة وبما ساقته لكم من جاه وسلطان وصدق القائل:
وكم صبرت عن لذة العيش أنفس ولم تصبر عن لذة النهي والأمر
والدليل على ذلك دعوتك لانفصال الشمال عن الجنوب بعد اتفاقية مشاكوس وما سيترتب من جراء تطبيقها. نعم أنت تدعو لانفصال الشمال، عبر وسائل الاعلام المختلفة دونما سبب غير المعالجات التي تمت لايقاف نزيف الدم، تدعو لذلك دون ان تقدم أية معالجات لضمان وحدة الاقاليم الشمالية، متجاهلاً ما يجري في دارفور والشرق والوجود الاجنبي في جبال النوبة. أي شمال هذا الذي تدعو لانفصاله؟ أأنت تعني بالشمال أجزاء القطر السوداني بعد انفصال الجنوب؟ فأل الله ولا فألك يا أخي!! ومنذ متى كان يعنيكم ويهمكم استطلاع رأي الآخرين؟ من أنتم حتى تقروا وتستطلعوا؟؟؟ نعم إنه ديدنكم معشر الاقصائيين، غريبون أنتم!! وإلى متى تفهمون؟ وصدق أديبنا الطيب صالح حين قال: (من أين أتى هؤلاء؟) لا وألف لا.. والى هنا شكراً وكتر خيركم..
أخي الطيب قبل أن أغادر هذه الفقرة ارجو أن اهمس في أذنك بأن من لا يؤمن بالآخر وبحق الآخر عدو لنفسه قبل الآخرين. ومصيره الانقراض، لأن البشرية سائرة وجادة في السير نحو السلام الذي لا يتم إلا بالوسائل الصحاح ومن أهمها الديمقراطية وقبول الآخر.
ثم إن التواضع الفكري ناهيك عن التواضع ثمرة التدين، يقتضي بألا يكون الهم إدانة الآخرين ورميهم بما فيهم وما ليس فيهم. اقرأوا قول السيد الطيب مصطفى عن الاستاذ وراق «إن وراقاً لا يصدر في مساندته لقرنق عن اقتناع بديمقراطيته. وإنما عن عداء للمشروع الاسلامي والشريعة التي يعمل قرنق على اجتثاثها من خلال طرحه للسودان الجديد». من أين لك أن وراقاً ضد الاسلام؟ نعم إنه ضد الفهم المتخلف للاسلام. وإنه ضد الوصاية الدينية. وإنه ضد من يرون أن المخالف لرؤيتهم كافر مرتد ويجب أن يهمش. وأسوأ من ذلك انه ليس له الحق في الحياة.
أما عن الشريعة السمحاء، فهذا أمر سيجد حظه عندما تقام المنابر الحرة. ويكفي ما سأشير إليه في الاسطر التي سترد لاحقاً، أما عن معارضة الدكتور قرنق لها، فيكفي انه ومن أجلها قوضت اتفاقية الميرغني - قرنق. وباسمها اعلن الجهاد وضلل البسطاء والابرياء وزج بهم في اتون حرب قضت على الاخضر واليابس، مما ازعج ضمير الانسانية ومنظمات حقوق الانسان العالمية والتي لا يختلف اثنان في انها هي المبادرة وهي الداقة لناقوس الخطر وهي الضاغطة على الحكومات المختلفة والمنظمات الاقليمية والعالمية، بأن هذه الحرب يجب أن تنتهي وبأسرع فرصة. فكان ما كان. وهي العين الحمراء التي اقنعت اخوتك بأن لابد من السلام. وهذا هو السبب الذي جعل السيد أمين المؤتمر الوطني يحذرك كما أوردت «لا أذيع سراً إن قلت إن أمينه العام قد عاتبني وحذرني كتابةً لإثنائي عن رأيي».
ثم ألا يكون اعتناق الشباب الذكي للماركسية نتيجة لهذا الفهم المتخلف للاسلام. والاخطر من التخلف الفكري عدم الاستقامة ومفارقة القول للعمل الذي أصبح ديدن المسلمين يقولون ما لا يفعلون. وهم يرددون الآية الكريمة «يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون» هو الغرور بعينه الصفة الشيطانية تعمي وقد اعمت الاسلامويين، مما جعلهم لا يرون إلا اخطاء الآخرين، أما اخطاؤهم فتبرر بفقه الضرورة.. آه... أما تكفي هذه القولات (خلوها مستورة - وخليناهم لي الله) دليلاً على ما ذهبت إليه؟؟ هذه القولات التي اصبحت سخرية وتندر هذا الشعب المغلوب على امره. والذي لازال السيد الطيب يريد من الحكومة (أن تتخذ موقفاً شجاعاً يعبر عن كرامة هذا الشعب) منذ متى كانت حكومتك هذه والتي تريدها تهمها كرامة هذا الشعب؟؟ تمهل أخي.. وتأمل في هذا الحديث النبوي الشريف (حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا) فقط تذكر كم من الاطفال حرموامن اللقمة البسيطة، بدون أي ذنب، جنوه غير أن عائليهم غير موالين واصحاب نظرة أخرى وان كانوا مسلمين.

http://alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147492011&bk=1

Post: #145
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:52 PM
Parent: #144


دول السودان الجديد والمنابر الحرة (2 ــ2)

أيهما أقرب للاسلام.. النظام الديمقراطي أم النظام الشمولي؟
الديمقراطية الليبرالية يمكن أن تكون صمام أمان للمتدينين الورعين، كوسيلة ناجحة للحكم ولادارة شؤون العباد، لأن المتدين الورع دائماً يضع الآية الكريمة (وما أبريء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء) نصب عينيه. وطالما أن التطور الفكري أوصل الانسانية لهذا النوع من الحكم - الحكم الدستوري المؤسسي القائم على فصل السلطات - فبتطبيقه يصبح المتدينون الورعون في مأمن من نفوسهم. وليس في مأمن من المعارضين بوسائل اجهزة الأمن ومنع الحريات واعلان حالة الطواريء.
* منصور خالد عملاق يحتاجه الشعب السوداني العملاق فإلى متى يظل بعيداً بسبب الأقزام؟؟
من خلال الاطروحات المقروءة والمسموعة المقدمة من العمالقة الثلاثة: د. قرنق، د. منصور خالد والأستاذ الحاج وراق، أصبح واضحاً أنهم يؤمنون بالديمقراطية وبحق الآخر مهما كان بعده وتخلفه، ان له كل الحق في ما يعتقد وان يعتنق ما يشاء على ألا يتعدى على حريات الآخرين.. والحقوق والحريات محفوظة ومصانة بالحكم الدستوري بواسطة القضاء المستقل وتحت أعين الشعب في وضح النهار بوسيلة اجهزته الحرة وعلى رأسها الصحافة.. أين السيد الطيب مصطفى من هذا وسنين حكمه (الانقاذ) لا تزال متشبثة تواصل اساليب الكبت والتضليل والاقصاء. ومن هنا اضم صوتي الى الاستاذة لبنى احمد حسين وأسأل من أغلق موقع الحركة الشعبية بالانترنت؟ ولماذا؟؟
* فكرة السودان الجديد خطوة نحو انحسار الطوفان
مرحباً بكم أيها الابطال، ابطال السودان الجديد، مرحباً بكم وأنتم تسعون سعياً حثيثاً لتأسيس الدولة التي تسع الجميع «كمائدة رمضان كل يأتي بما عنده» كما قال القائد قرنق.
إن الضمان الحقيقي لقيام مثل هذه الدولة هو التوعية. والتوعية لا تتم إلا بالمنابر الحرة ليدلي كل بدلوه ويطرح فكره.
وأول من أسس المنابر الحرة هو الأستاذ محمود محمد طه. ودعا الآخرين لذلك والحكومات لتشجيعها وتوفير سبل استقرارها. وذلك منذ سبعينات القرن الماضي. وعندما انحرف النميري عن مسار خط مايو الاول، حيث استغل الاسلامويون حبه للسلطة، أوحوا له ان بقاء ملكه وسلطانه في تطبيق الشريعة الاسلامية حسب رؤيتهم القاصرة للاسلام. وعندما نفذ النميري توصية ورغبة الإسلامويين واعلن قيام الشريعة التي عرفت في حينها بأنها قوانين بعيدة كل البعد عن الشريعة وسميت بقوانين سبتمبر 83م، انبرى الاستاذ محمود محمد طه معارضاً ومناهضاً لهذه القوانين في منشوره الشهير (هذا أو الطوفان) الذي جاء فيه «غايتان شريفتان وقفنا نحن الجمهوريون حياتنا حرصاً عليهما وصوناً لهما وهما الاسلام والسودان». ويمضي المنشور في فقراته «وجاءت قوانين سبتمبر 83 فشوهت الاسلام في نظر الاذكياء من شعبنا وفي نظر العالم. واساءت الى سمعة البلاد». ومن فقراته ايضاً «إن هذه القوانين قد هددت وحدة البلاد وقسمت هذا الشعب في الشمال والجنوب. وذلك بما أثارته من حساسية دينية كانت من العوامل التي أدت الى تفاقم مشكلة الجنوب». ومما جاء في الختام «نطالب بحقن الدماء في الجنوب واللجوء الى الحل السياسي والسلمي بدل الحل العسكري...» «نطالب باتاحة كل فرص التوعية والتربية لهذا الشعب..».
وقد كانت هذه القوانين الفاصلة والدليل العملي على ما ذهب إليه مناضلو الحركة الشعبية، بأن الوحدة الوطنية لابد أن تقوم على العدالة الواضحة، وانه لا مكان بعد الآن للاستعلاء واقصاء الآخر. ومن هنا أصبح الأمل معقوداً على الوحدة الوطنية بهذين الاتجاهين. وقدم الاستاذ محمود محمد طه روحه فداء لهذا السودان:
أيا سودان إذ ما النفس هانت
أقدم للفدى روحي بنفسي
وحمل أبطال الحركة الشعبية السلاح من أجل سودان العزة لكل اهل السودان «كل يأتي بما عنده».
وذهب الأستاذ محمود محمد طه ليكمل مشواره الذي بدأه، فإنه لم ولن يتخلف. وان المعارف الدينية تقول ذلك. وانه حتى في كريم المعتقدات الكبار لا يتخلفون، فإنهم دائماً معنا استمعوا لهذه الصلاة الرفيعة «أنت يا الله، أيتها الأرواح في السماوات ومعهم أنتم أجدادنا داخل الأرض - لكم جميعاً أوجه كلمتي - ونحن لا نناديكم لشيء سييء وإنما لنطلب منكم الحياة».
ولكي لا تذهبوا بعيداً رددوا مع سيدي محيى الدين ابن عربي «البحر السادر» هذه الأبيات:
لقد صار قلبي قابلاً كل صورة فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن
أدين بدين الحب أنىَّ توجهت ركائبه فالحب ديني وايماني
* قرنق رائد من رواد الوحدة الوطنية فلينصرن الله به دينه فإن فيه ما يشرف ويبعث الأمل
نعم هي كذلك من غير أدنى ريب.. الوحدة الوطنية محفوظة ومرعية وان كره السلطويون الانفصاليون. وقد سمعت الاستاذ محمود محمد طه يقول عن د. قرنق: «قرنق يعمل من أجل الوحدة الوطنية» - العبارة من الذاكرة - وذلك إبان فكرة التكامل بين السودان ومصر. وقد اصدر الجمهوريون كتاباً عن التكامل جاء فيه تحت هذا العنوان الفرعي: المذهبية هي صمام الأمان «على انه ما ينبغي ان يغيب عن بالنا لحظة، أن الوحدة الداخلية في البلد الواحد والوحدة الثنائية والوحدة الاقليمية والوحدة العالمية، إنما الشرط لتحقيقها جميعاً ايجاد المذهبية التي تملك المقدرة على وحدة الفكر ووحدة الشعور بين الناس جميعاً، ذلك بأن الوحدة انما تبدأ بتوحيد داخلية كل فرد. وذلك بتحرير العقل والقلب من اثر الاوهام والاباطيل والمخاوف...» كذلك قال الاستاذ محمود محمد طه عن وحدة الشمال والجنوب.. «الوحدة بين جنوب السودان وشماله، وحدة مقضي عليها بالبقاء.. وكل محاولة لتفتيتها مقضي عليها بالفشل. وذلك لأن الجمهوريين قد حققوها في دواخلهم.. فهم مصدر ثراء لهذه الوحدة وإن كانوا خارج السلطة، حتى يتأذن الله لهم بالسلطة التي تمكنهم من توعية الشمال وتوعية الجنوب بالثورة الفكرية والثورة الثقافية.. والثورة الفكرية والثورة الثقافية ليست للشعب السوداني فحسب. وإنما هي للعالم اجمع».
ويمكن أن تلتمس هذه الوحدة في الطرح العلمي والعملي الذي جاء في كتاب اسس دستور السودان في منتصف الخمسينات للأستاذ محمود محمد طه. وفي المنهاج الذي يعنى بتربية الانسان ويحرر مواهبه كما جاء في الفقرة عاليه من كتاب التكامل.
ومعلوم أن الأستاذ محمود محمد طه يدعو لمدنية جديدة تخلف المدنية الغربية بشقيها الرأسمالي والماركسي. والتي اعلنت أفلاسها بلسان الحديد النار، بهذه الحروب الطواحن التي محقت الارزاق وازهقت الارواح. وقد ورد في الكتاب المذكور اعلاه تعريف لهذه المدنية «الفلسفة الاجتماعية التي تقوم عليها تلك المدنية الجديدة - ديمقراطية اشتراكية - تؤلف بين القيم الروحية وطبائع الوجود المادي، تأليفاً متناسقاً مبرأ على السواء من تفريط المادية الغربية التي جعلت سعي الانسانية موكولاً بمطالب المعدة والجسد وافراط الروحانية الشرقية التي اقامت فلسفتها على التحقير بكل جهد يرمي إلى تحسين الوجود المادي».
* وراق في ميدان التوعية ينادي فهل من مجيب؟؟
معذرة أخي الحاج وراق فإنك وآخرين قليلين وحدكم في ميدان التوعية في الشمال. ومن هنا اضم توجهاتي مع توجهاتك لله القدير بأن يجعل الاخوة الجمهوريين فاعلين، فإنه لا يعقل ولا يقبل ان تظل هذه المجموعة بعيدة عن ميدان التوعية، فإنهم تلاميذ الأستاذ محمود محمد طه الذي اوقف حياته للسودان ولاسعاد الانسان. وانه صاحب المذهبية الرشيدة التي تجمع بين الديمقراطية والاشتراكية. والتي توفق بين حاجة الفرد للحرية الفردية المطلقة. وحاجة الجماعة للعدالة الاجتماعية الشاملة.. حيث تنتهي التفرقة بين الناس تماماً. وذلك لا يتم إلا بتطوير الشريعة الاسلامية. والتطوير انتقال من نص في القرآن كان محكما وصاحب وقته، الى نص آخر من القرآن ليفي حاجة انسان الالفية الثالثة. والذي اصبحت حاجته وطاقته الحرية. وألا تقع عليه وصاية من أحد - هذا يعني أن تجد دولة المواطنة سندها الديني - هذه المذهبية هي الترياق لكل الفهم السلفي المضلل الذي ساق المسلمين لهذه الفتنة الهوجاء، حتى اصبح مجرد ذكر الاسلام معضلة المعضلات في جميع انحاء العالم. والشعب السوداني الكريم شعب مفطور على التدين وحب الدين. ولا يمكن توعيته وتنميته إلا بالدين. ومخطيء من يعمل بغير ذلك، لأنه ببساطة سيترك الميدان للمضللين باسم الدين. وقد ظل الاستاذ محمود محمد طه ينبه المثقفين لهذه النقطة الجوهرية.
أما انتم أيها الابطال.. أبطال الحركة الشعبية، فمرحباً بكم للمرة الثانية لنرفع رايتي «الحرية لنا ولسوانا» «وساووا السودانيين في الفقر إلى أن يتساووا في الغنى». وقد سمعتكم تقولون بذلك من خلال اذاعة «صوت الشعب» في منتصف التسعينات. وما عليكم إن جرحتم من هذا الفهم الهولاكي - اما ان يكون فكره وفهمه سائداً او يدعو لانفصال الشمال - لكن ارجو ان اطمئنه هو الآخر بألا غبار عليه. وانه سيحيا حياةً كريمةً في ظل دولة السودان الجديد. وأن له كل الحق في أن يقيم منبره في ظل دولة المنابر الحرة. ويطرح كل ما عنده من أفكار، بشرط الا يعملها في الظلام كما عملت في الـ 30 من يونيو 89م فهذه المرة محمية بفصيل لا يضلل باسم الاسلام. ومرعية وتحت نظر العالم - والعالم أصبح قرية - ولا وقت له لمعالجة الانظمة الشمولية الفاسدة. والأهم من ذلك كله مرعية ومحفوظة بوعي الشعب ولو بعد حين.

http://alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147492043

Post: #146
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:52 PM
Parent: #145


مسارب الضي
(جمع )سوء الفهم وسوء النية

الحاج وراق

* أثار التحقيق السياسي الذي حررته الصُحفية صباح أحمد بصحيفة (الصحافة) 24/4 عن حركة الحقوق الديمقراطية والاجتماعية ردود فعل متباينة: فمن جهة أثار موجة من التفاؤل والأمل في أوساط واسعة من الديمقراطيين الذين ظلوا ولعقود يتحرقون شوقاً لمثل هذا المنبر العريض، ومن الجهة الاخرى إستثار عداونية المعسكر الراغب في استمرار تبعثر وشتات القوى الديمقراطية. ويشمل هذا المعسكر الأخير تنوعاً واسعاً من التنظيمات والمصالح والأفراد ـ يشمل سدنة الديكتاتورية الذين يخافون بروز مثل هذا المنبر الواسع الموحد باعتباره تهديداً محتملاً للديكتاتورية، ويشمل الدوائر المحافظة والتقليدية في المجال السياسي والتي ترى وعن حق أن مثل هذا المنبر يمكن أن يكسر حلقة مصالحها في دوران البلاد المفرغ الشرير بين طغم عسكرية استبدادية وبين حكومات مدنية عاجزة عن الايفاء بمتطلبات انهاض البلاد. كما يشمل هذا المعسكر المعادي دوائر في القوى الحديثة نفسها، والتي لأسباب عديدة ـ منها ضيق الآفق والاعتياد على واقع التبعثر الحالي اضافة الى تغليب الخاص على العام والنرجسية ورغبة استمرار الدوران على الذات المتضخمة توهماً ـ لهذه الأسباب وغيرها تصر هذه الدوائر على استمرار فتح (كناتينها) حتى وان عزّ الزبائن وصفصفت السلع!

ومن مواقع هذه الدوائر المعادية برزت بعض الكتابات مؤخراً، وقد استندت على توظيف بعض الأخطاء في التحقيق السياسي المشار اليه، ولكنها استندت عليها بمنطق (المتحيّل تبكيهو القشة).
لقد اشتمل التحقيق على أخطاء ، ولها مايبررها، حيث ان الكثير من ترتيبات توحيد حركة الحقوق ما تزال جارية، بما يعني ان أوضاع الحركة ما تزال في حالة سيولة، سواء من حيث الاحزاب المنضوية فيها أو فيما يتعلق بمناصبها القيادية. اضافة الى خطأ العنوان الذي اختارته الصُحفية صباح لتصدير مادتها : (حركة يسارية عريضة تتجاوز الحزب الشيوعي). وبالطبع لايملك قادة حركة الحقوق أن يفرضوا على أي صُحفي استنتاجاته الخاصة أو عناوينه المبنية على هذه الاستنتاجات. ولكن قيادة حركة الحقوق لم تصنف نفسها إلا كحركة ديمقراطية واجتماعية عريضة، وهى حركة لاتضمر موقفاً اقصائياً تجاه الحزب الشيوعي، ولا تخطط لمسيرتها كصدى أو كرد فعل على الحزب الشيوعي! بل إن قيادة حركة الحقوق ـ وهى ما تزال قيادة تمهيدية ـ اذ تود مخاطبة العديد من القوى السياسية الأخرى للإلتحاق بالمساعى الجارية وغير المكتملة بعد، فانها تضع الحزب الشيوعي ضمن هذه القوى التي تود الاتصال بها.

* وعلى كلٍ فان الذين لايميزون بين عناوين المواد الصُحفية وبين مضمون تصريحات القيادات تحتها فانهم لايشكون من سوء الفهم وحسب وانما كذلك من أعراض سوء النية!

* وتندرج في ذات السياق محاولة تصوير (حقوق) كجمعٍ لحق! والغرض من ذلك واضح: دق اسفين بين القوى المشكّلة للحركة والتحريض على (حق) بزعم أنها تسعى للسيطرة والتكويش! ويعرف كل من له علاقة حقيقية بالمساعي الجارية حالياً مقدار الافتراء في مثل هذا الزعم! ونضطر الى اذاعة بعض تفاصيل المداولات: اختصار اسم حركة الحقوق الديمقراطية والاجتماعية الى كلمة (حقوق) لم يكن اقتراحاً من (حق) ولا من الحاج وراق، وانما اقتراح الاستاذ/ غازي سليمان! فساء ماتأفكون!.

* تلك ردود الفعل الراغبة في التخريب، اما من مواقع التفاؤل والآمال فقد وردتني رسالة من الاستاذ/عبدالحميد عثمان أنشرها أدناه بنصها، وأشكره على ما فيها من كلمات لا أستحقها، وأتمنى أن تجلي ردودي على ما سبق بعض تساؤلاته الواردة في الرسالة :

الاستاذ/ الحاج وراق

كشفت جريدة (الصحافة) بتاريخ 24/4/2004م العدد 3916 عن ميلاد حركة يسارية عريضة تتجاوز الحزب الشيوعي تسمي حركة الحقوق الديمقراطية والاجتماعية، وحقيقة هذا الهم ظل يؤرقني منذ وقت بعيد، وهو تجميع كل تنظيمات اليسار في وعاء واحد من غير إبعاد ومن غير تخصيص.

أكتب لك شخصياً في هذا الخصوص لأني على يقين أنك من الذين يتوجع قلبهم يومياً على حال هذا البلد المنكوب بأيدي بعض ابنائه، وتريد لهذا البلد كل تقدم ونماء، ولقد ظللت ـ وما زلت ـ اتابع نشاطك باهتمام منذ خروجك من المخابئ،. ومن ثم تكوينك لتنظيم حق، وحقيقة لاأخفي اعجابي بطرحك العقلاني ولكن رغم ذلك لا أجد حرجاً في أن اقول رأياً مخالفاً لرأيك وقد فعلت ذلك عندما لمست دفوعاتك عن سلام نيروبي وهو أمر لم يمنعك ان تنشره كاملاً بجريدة الحرية (الموءودة)

واليوم اكتب لك عن ميلاد حركة الحقوق الديمقراطية والاجتماعية التي يشكل تنظيمكم حركة حق جزء منها، وحقيقة رغم احترامي لهذه التنظيمات الا انني اراها جميعاً تنظيمات بلا قاعدة جماهيرية عريضة، أقول ذلك رغم أني اعلم انه لاتوجد في بلادنا مكاتب استطلاع متخصصة لاستبيان الرأى العام حول مدى جماهيرية وشعبية تنظيم ما، ولكن مع (المباصرة) أكاد أجزم بذلك، وسبب آخر ان هذه التنظيمات ليس لها وجود وسط قطاعات الخدمة المدنية والقطاعات السكنية وهى تنظيمات نخبوية لأكاديميين ومثقفين. ولكن ذلك لايعيبها وآمل ان يكون ميلاد هذا التنظيم الوليد بداية حقيقية لتجميع كل التنظيمات اليسارية، ودعني أهمس في أذنك بصدق أن لاتتجاوزوا الحزب الشيوعي. وقبل ذلك أن تذهب الى اخيك صاحب حق الآخرى، وتذهبا الى ابيكما المختفي وتقولا له قولاً ليناً، ومن ثم تلتفت نحو إخوتك الآخرين من تلاميذ الاستاذ محمود محمد طه، اذا فعلت ذلك سوف تكسب كل أحزاب البعث (وتلا ترباع) الحزب الاتحادي الديمقراطي ونصف الأمة وربع احزاب الاتجاه الاسلامي مادامت الأهداف هى الدعوة الى السلام ، والتنمية المتوازنة، والعدالة الاجتماعية وحقوق المرأة، ومطالب القوميات المهمشة، ويتم ذلك في اطار علماني.

كلمة أخيرة أقولها لك صادقاً ولا أريد أن اقصم بها ظهرك، ولا أريد ان أقتلك، وهى أنني اعتقد ـ وما زلت ـ انك من القيادات الشابة التي لها تجارب سياسية عميقة ومقدرة، وقدرات فكرية عالية لتقود البلاد الى بر الأمان، فتقدم ـ ايها الأستاذ ـ الصفوف ودع عنك إيثار الآخرين، وآخرهم ذلك السياسي السبعيني الذي قدمته للأمريكان ووصفته لهم بأنه من الاسلاميين المعتدلين، نعم أعلم أنك تحبه ويحبه معك (الحلبة) نور الدين وسعد الدين فتقدم يا رجل ومعك كل التنظيمات التي ذكرت آنفاً، ولاتتركني يأكل الحزن فؤادي) .
عبدالحميد عثمان محمد
الارصاد الجوية

http://alsahafa.info/news/index.php?type=6&issue_id=262&col_id=5&bk=1

Post: #147
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:53 PM
Parent: #146



السياسة والثقافة
الجمهوريون: نطح السياسة وشطح التربية
تمر في الثامن عشر من هذا الشهر الذكرى العشرين لاستشهاد الاستاذ محمود محمد طه على يد نظام نميري الآفل في 1985م. وقد تعرض بعض تلاميذ الأستاذ المرحوم لشئ من افكاري عن الحركة الجمهورية. وافتقد احدهم مقالة عنها كنت نشرتها منذ عهد بعيد عن منزلة الفكرة الجمهورية بين الفكرتين: الاخوانية الاسلامية والشيوعية. وقد رأيت إعادة نشرها هنا فلربما انتفع بها الناس والخير أردنا.
خلافاً للحركتين الشيوعية والإخوانية فإن حركة الجمهوريين، التي أسسها المرحوم الاستاذ محمود محمد طه (1916 ـ 1985م) في عام 1945م، قد أعادت ترتيب ادوار السياسة والثقافة فيها بصورة عكسية نوعاً ما لما حدث في الحركتين المذكورتين. فقد خرجت الحركتان، الشيوعية والاخوانية، الى النطح السياسي الجهادي بعد هزيمة عناصرهما الداعية الى التربية وأسبقية التكوين الثقافي على تقحم النشاط السياسي. ففي عام 1952م خرج المرحوم عوض عبد الرازق في قلة من الرفاق على الحزب الشيوعي بعد ان ظفر استاذنا عبد الخالق بالنصر في حلبة الصراع الذي دار بينهما. وكان رأي عوض ان يولي الحزب التربية البروليتارية كل عنايته قبل أن يطرق ابواب الجماهير الواسعة الأخرى. وكان رأي استاذنا عبد الخالق ان التربية والثقافة مما سيحصلهما الحزب وهو يعلم الجماهير ويتعلم من الجماهير. كما خرج الدكتور جعفر شيخ ادريس وصحبه في 1969م على الدكتور حسن الترابي، ذي النفر الغزير والصولة في حركة الاخوان المسلمين، حين رأى الترابي ان يغلب السياسة على التربية، خلافاً لأصول حركة الاخوان المسلمين منذ عهد الامام البنا.
خلافاً للحركتين الشيوعية والاخوانية بدأت حركة الجمهوريين سياسية خالصة، ثم عادت لتجعل السياسة في المقام الثاني بعد التربية. بدأت الحركة الجمهورية في عام 1945م بين خريجين من المدارس العليا ذوي ميول جذرية شعبية جهادية. لم يستحسن هؤلاء الخريجون الجهاديون تواطؤ مؤتمرهم، مؤتمر الخريجين وشيعه المختلفة، مع طائفتي الانصار والختمية بشأن الممارسة السياسية. فقد حزَّ في نفوسهم أن ينكص مؤتمر الخريجين، الذي اقتحم السياسة لينقيها من نفوذ الطائفية، على عقبيه، ليسكن الى زعماء الطوائف، وكان الجمهوريون الرواد، في قول الاستاذ الكبير محجوب عمر باشري، في كتابه النادر «رواد الفكر السوداني» زاهدين في تجنيد علية القوم والتجار، لأن لهم مصلحة في بقاء الاستعمار. ولذا عمد الحزب الى اسلوب المحاضرة في الشوارع والمقاهي واماكن اجتماع العامة واصدار المنشورات كي يسلك طريقه الى الشعب من غير وكالة الطائفية.
وبعد سجن المرحوم الأستاذ محمود محمد طه في 1946م، تحول الجمهوريون عن هذا العمل السياسي القح الى جهاد سياسي مُسقى بالتربية الهادئة. فقد خرج المرحوم الاستاذ محمود بعد عامين من السجن رجلاً آخر ذا رسالة وتبعات هداية على شريعة الاسلام وقبسه. وقال الاستاذ محجوب عمر باشري عن الاستاذ طه في هذا البرزخ:
أطلق «محمود» لحيته وأرسل شعر رأسه. وقد صفت نفسه وأوضح لانصاره ان الحزب الجمهوري حزب له رسالة وهي رسالة الاسلام الحق. وان محموداً قد كلف بهذه الرسالة وليس هو رسولا، فرسالة الرسول هي علاقة بين الله والرسول لهدي البشر. ولكن رسالة محمود هي علاقة العبد بالعبد. وطلب منهم ان يقسموا الا يشركوا بالله. وان يؤمنوا به وان يهتدوا بالاسلام ولا يكذبوا ولا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يشربوا الخمر، ولا يرتكبوا فاحشة محبة على ذلك.
وقد حدثني حبيبنا المرحوم الشاعر محمد المهدي المجذوب عن هذا الاجتماع الجمهوري. وكان الشاعر حاضراً فيه وكيف انه تنصل عن البيعة واحتفظ بالود.
وعاد الاستاذ طه يزور اهله في رفاعة، ولم يحفل بالجمهرة في رفاعة التي اعدت لاستقباله استقبال الابطال الاحرار مقاومي الانجليز. والتمس بتركه في «خلوة» مع النفس والعقل قضى فيها عامين. ورجع الاستاذ الى الخرطوم ليبني الحركة التي عرفها اكثرنا برباطة جأش وصبر، يثير المسائل الشائكة المركزية غير هيَّاب حتى لقي ربه من فوق مشنقة بيد دولة نميري الظالمة.
ولم تكن الفكرة الجمهورية محض تربية كتلك التي نراها في بعض طرق اهل الله الصوفية. فقد كانت مشغولة بالسياسة الوطنية انشغالاً مسؤولاً. ولكنها جعلت التربية رأس الامر، وشغل السياسي وغايته في وقت معاً. فقد كره الجمهوريون سياسة مؤتمر الخريجين ومشتقاته حين رأتها حركات وحيلا لا منهجية لها ولا وقار. وانصرف أكثر هم الاستاذ الى العناية بتربية الجماعة الجمهورية كرسل تغيير وفتح. فجعل لهم «مسيداً» بمدينة الثورة يجتمعون فيه ويتذاكرون ويتحاورون ويعدون عدة الروح والعقل لخوض حرب المستقبل، يتدربون على الجدل وعلى الافحام فيه وعلى الحوار والصبر عليه وعلى النشر والتوسعة فيه، حتى بلغت مطبوعاتهم أكثر من مائة عنوان، جرى طبع بعضها خمس مرات، وصدر من بعضها 30 ألف نسخة. ووفر كل هذا لهم رياضة فكرية مستفزة لما تواضع الناس عليه. فاذا إطمأن الناس مثلاً على أن هناك ثمة «مشكلة جنوب» أزعجوا الناس عن هذا الكسل الى ان المشكلة حقاً هي «مشكلة شمال» وهكذا دواليك. وهذا طرح فلسفي يسوق الناس من عادة التفكير وحيد الجانب، الى التفكير الخليط المزلزل. وبلغت التربية عند الجمهوريين حداً رتبوا به نظاماً ميسوراً للزواج على سنة النبي صلي الله عليه وسلم تأهل به نفر منهم.
وهكذا تخلخلت التربية مسام السياسة عند الجمهوريين يعدون انفسهم ليوم الفتح السياسي الاكبر. ولكن كما أودى النطح الجهادي السياسي المفارق للثقافة الى كساد جم في الحركة الشيوعية والاخوانية، فإن اعلاء شأن التربية مطلقاً على حساب الكياسة السياسية واعتبارات الجهاد واستراتيجياته وتكتيكاته، أدى بالحركة الجمهورية الى شطح كثير من مثل الذي راج عن سقوط صلاة عن الاستاذ محمود. فعلى غرابة الفكرة على عامة المسلمين، إلا انها مما يتداوله الصوفية في اروقتهم الخاصة بجد وانجذاب من غير تصريح. وتكأكأ خصوم الحركة الجمهورية عليها من باب هذا الشطح، وحصروها سادين المنافذ عليها الى العامة من الناس، حتى قتلوا الاستاذ وسموه «الذبح العظيم». وأخمدوا جذوتها بين صفوة المتعلمين التي تحلقت بالاستاذ محمود دهراً طويلاً. وخرج الحزب الجمهوري من لعبة السياسة والتربية معاً حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً.
http://alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147494691

Post: #148
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:54 PM
Parent: #147


صدي
الإسلام والحوار الوطني (2)

امال

[email protected]


* أواصل إعادة مقال بالعنوان اعلاه، كتبته في زاوية المرافئ الآمنة بمجلة الاشقاء في السابع والعشرين من سبتمبر 1988م.
* ولكن حدثت المتغيرات وكثرت مناطق المد والجزر في مسار تجربة نظام مايو، مع المزايدات السياسية التي صحبت المصالحة الوطنية.
* وكانت قوانين سبتمبر 1983م، التي أثارت حينها الكثير. وثار الجدل الهادف والحوار المتصل الذي كان سيأتي بنتائجه في اطار فهم واقع السودان لولا الاستغلال السياسي للقوانين من جهات عدة «الاخوان المسلمين»، من داخل النظام لتصفية خصومهم السياسيين «قضية محمود محمد طه».
* المهم، ان قوانين سبتمبر 1983م، لانها جاءت خارج الحوار الوطني وخارج إطار الفهم لواقع السودان، كانت القشة التي قصمت ظهر البعير.. والقضية ليست هنا ولكنها في هذا المناخ المخيف الذي يقودنا اردنا ام لم نرد، الى قلب الانقسام الوطني، ويقود مجتمعنا الذي حولته ممارسات «الجبهة الوطنية» الى ترسانة مسلحة، الى مرحلة الحرب الأهلية ذات الأبعاد الطائفية والدينية.
* اقول هذا وأنا اتابع حملة التعبئة الاعلامية والملصقات التي «كملت قماش الخرطوم» في زمان عزت فيه جرعة الدواء ولقمة الخبز، ناهيك عن جلابية الدبلان، الحملة التي يقودها طرف واحد من أطراف الوفاق الأربعة إن اعتبرنا بعض الجنوبيين من أطراف الوفاق. وهنا أريد أن أسوق تخوفاً كبيراً من نتائج الذي يدور تحت مظلة ارهاب ديني والغاء لكل صوت هادئ متمهل. ذلك لأن كل الانفعالات البشرية الغاضبة، يمكن تحكم العقل فيها ونزع فتيل الغضب وتهدئة صاحبها ودفعه الى التروي وإعمال الفكر. وهذه حقيقة علمية تنطبق على كل الانفعالات،الا حالات الانفعال الغاضب الذي يكون مرجعه العقيدة الدينية.
* فالإنسان من الممكن ان يتسامح في اشياء كثيرة، الا أن يهان في عقيدته أو يتملكه الاحساس بأن عقيدته باتت مهددة بالخطر. ومن هنا، أكاد اجزم بأن ما يجري في انحاء متفرقة من العالم من اضطرابات واغتيالات، يختفي وراءه سياسيون محترفون، تخصصوا في عمليات الإثارة واستغلال العواطف الدينية وتوجيهها. تنفيذاً لسياسات معينة، يبتغون فرضها على الشعوب أو الحكومات.
* أردت القول بأن قوانين سبتمبر 1983م البديلة أو «المبدولة»، اثارت الكثير من الخلاف وليس العيب في الاختلاف أو تعارض الاراء أو تصادم المصالح. فلا يوجد مجتمع بشرى يتفق فيه الناس اتفاقاً شاملاً يحقق انسجاماً كاملاً في الافكار والمشاعر.
* ولكن الاختلاف الذي يثير الخوف ويخلق الرعب والارهاب، ويعرض أمن المواطن والوطن للخطر الحقيقي، هو الذي يتصاعد حتى ينسى الجميع في غمار تراشقاتهم واتهاماتهم إن هناك فوق كل اختلاف وخلاف، حاجة ماسة الى الترابط والتماسك لدفع الخوف وتحقيق الامان للجميع في وطنهم الواحد.. فالوطن للجميع، للمسلم وللمسيحي وللوثني.
* فأين نحن من هذا الخوف... الخوف من أن يتمزق السودان؟. الخوف من أن ينفصل الجنوب؟. الخوف من أن نصبح سوقاً رائجة لتجار الأسلحة؟. الخوف من أن تنغرس سكين المسيحي في قلب المسلم، وسكين المسلم في قلب المسيحي؟.الخوف من أن تصبح أرضنا مقبرة لاحلامنا في بناء السودان الواحد المتوحد بجنوبه وشماله، شرقه وغربه؟. الخوف من الا نكون؟. هذه دعوة للخوف، علّنا ندرك هول ما نحن مساقون اليه باسم تحكيم شرع الله.
هذا مع تحياتي وشكري

http://www.alsahafa.info/news/index.php?type=6&issue_id=529&col_id=1

Post: #149
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:55 PM
Parent: #148



للشعب ذاكرة وللناس أقلام والسن
التـــــرابي.. من گـــان دستــــوره بلا ثقــوب فليـرمـــه بحجــــــر!!
إعداد: علاء الدين بشير
عقب الافراج عنه بعد حبس دام خمسة عشر شهراً حسوماً، خرج الدكتور حسن الترابي الامين العام لحزب المؤتمر الشعبي، وهو اكثر حماساً للفعل السياسي المضاد تجاه تلامذته واشقائه بالأمس في المؤتمر الوطني الحاكم ونظام الانقاذ. وفي الوقت نفسه اراد الترابي التشكيك في ترتيبات المرحلة القادمة وتقليل درجة الحفاوة بها لدى كثيرين، خاصة أن هناك لاعبا جديدا على الساحة هو الحركة الشعبية ينتظر الجميع ان يروا اداءه، وذلك حتى لا يخفت البريق منه كزعيم سياسي وروحي ذي اثر وخطر في حياة السودانيين، ولذلك عمد الترابي الى تصويب حزمة انتقادات لاذعة للدستور المنتظر اجازته من قبل البرلمان في الخرطوم ومجلس التحرير الوطني في رمبيك في غضون اليومين القادمين، والذي سيدشن الدخول في المرحلة القادمة ويرتب الحياة السياسية فيها، حيث وصف الدستور «بانه لا يعني شيئاً بالمرة» وانتقد وضع الحريات فيه ورأى أنها صودرت بموجب التشريعات التي ستسن لاحقاً، وركز على سلطات الرئيس الممنوحة له بموجب الدستور، وانتقد التمديد له لفترتين رئاسيتين عقب الاربع سنوات الاولى، خاصة انه سيكون اكمل بموجب دستور 98 فترتين سابقتين، وبدا ان الترابي يرفض الاحكام الانتقالية التي ترتبت عليها بعض بنود الدستور قبل اجراء الانتخابات، حيث انصبت كثير من انتقاداته على تلك الأوضاع التي يرى طرفا الاتفاق انها كانت ضرورية، لان ايقاف الحرب ترتب عليها. وركز الترابي على تجريد الدستور من اية توجهات اسلامية احراجاً لحلفاء الامس وخصوم اليوم، مزاحمة لهم في ما تبقى من قواعد الاسلاميين وتأكيداً على انه صاحب المشروع الاسلامي وعرابه ومرجعيته، وذهب حد ان وصف الدستور بانه لا ديني.
شكوك!!
ورغم الحيوية التي أضفاها الترابي على الساحة السياسية بخروجه خلال الأيام الماضية، إلا ان كثيرين وخاصة خصومه لا يزالون لا يثقون في مقولاته، ويعتقدون انه مخاتل وبراغماتي من الطراز الاول، بل أن بعضاً من هؤلاء يرون انه غير مؤهل بالمرة لانتقاد الدستور واوضاع الحريات، لسيرته السياسية الخالية من اية سدانة للحريات والحقوق، ويذهبون الى تحميله وزر الكبت والقمع الذي مارسته الانقاذ ضد خصومها، باعتباره من صاغ افكارها وسياساتها وقوانينها وشكل مؤسساتها.
شواهد تاريخية!!
ويستدعى خصوم الترابي بعضاً من سير التاريخ لكشف مواقفه المناوئة للحريات والحقوق، وبالتركيز على واقعة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان عام 1966م، والتي كان وقتها عضواً بالجمعية التأسيسية ومستشاراً لمجلس السيادة. ومن موقعيه هذين كان ضالعاً في الأزمة الدستورية التي نشبت بواقعة حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه المنتخبين من قبل الشعب من البرلمان، وقد وضع الترابي «وكان وقتها ايضاً زعيماً لجبهة الميثاق الاسلامي»، كتاباً في ذلك الحين بعنوان «اضواء على المشكلة الدستورية» يناقش الازمة الناشبة، وحاول من خلاله ان يجد السند الفكري والقانوني «كفقيه دستوري» لقرار الحل الذي كان يمثل خرقاً واضحاً للدستور، بعد ان صدرت الفتوى بذلك. وتم تعديل الدستور حتى يتسنى ابتلاع القرار. وقد كتب الترابي في كتابه مدافعاً عن هذا التعديل الذي كان قد وجد اعتراضاً واسعاً من قادة الرأي والقانونيين، باعتباره مكيدة لمصادرة حق أساسي في الدستور لا يجوز مصادرته، بل أنه وفي الفقه الدستوري لا يمكن اجراء تعديل في باب الحقوق الأساسية، الا لمزيد من توسيع الحقوق وليس لمصادرتها، وتراه يقول في صفحة «16» من الكتاب:« وليس في متن الدستور ولا في مبادئ التفسير بالطبع ما يعول عليه للتفريق بين نص ونص، على اساس ان هذا قابل للتعديل والآخر غير قابل، ولا ما يسند الزعم بأن لفصل الحقوق الاساسية خاصية تميزه في هذا الصدد عن سائر الفصول، فكلها تستوي في قوة مفعولها، وأيما قانوني تعلل بمجرد الاهمية النسبية لهذا الفصل او ذاك في تقديره الشخصي، فإنما هو متكلف لا شاهد له من الدستور، مغالط لا حجة له من القانون، ومعتبط يتجنى على القانون».
وقد كانت المادة المعدلة في دستور السودان المؤقت لعام 1965م هي المادة 5 «2» وهي من المواد غير القابلة للتعديل، لأنها ضمن فصل الحقوق الاساسية الذي هو من اول ابواب الدستور، وكانت المادة تقول: «لجميع الاشخاص الحق في حرية التعبير عن آرائهم والحق في تأليف الجمعيات والاتحادات في حدود القانون»، و لا يستقيم الحديث عن الحكم الديمقراطي الا على أساس الديمقراطية المزيفة اذا اجري عليها تعديل صادر حرية التعبير عن الرأي لان ذلك يقوِّض الدستور تماماً.
سيرة أخرى:
وتابع الدكتور الترابي في كتابه ذاك مجافاته لقيم الحرية والتمسك بها وذلك في قوله:«ولو صحت المفاضلة القانونية بين فصول الدستور، لكان فصل الحريات من اضعفها لأنه يخضع للتشريع». وتؤشر هذه الجزئية لعدم مركزية الحريات في تفكير الترابي. وكان الأستاذ محمود محمد طه قد رد عليه في كتاب صدر رداً على كتاب الترابي بعنوان «زعيم جبهة الميثاق الإسلامي في ميزان الثقافة الغربية - الثقافة الإسلامية» قال فيه:«فعبارة لأنه يخضع للتشريع» تدل دلالة قوية على أن الدكتور يجهل أموراً ما ينبغي ان تجهل في امر الحرية وفي امر التشريع.. واول هذه الامور ان الحرية لا تضار بالتشريع، وانما تزدهر بالتشريع، اللهم الا اذا كان هذا التشريع يقوم على نزوات الحكم المطلق الذي يسمي نفسه ديمقراطية زوراً وبهتاناً».
ويضيف: فعبارة «في حدود القانون» التي وردت في عجز المادة 5 «2» هي روح المادة.. لأن القانون هو الذي يعطي الحرية معناها ويميزها عن الفوضى.. فالتشريع صديق الحرية وليس عدوها. وكل تشريع غير ذلك لا يسمى تشريعاً الا من قبيل تضليل الناس.. فالتشريع في النظام الديمقراطي طرف من الدستور، وهذا هو المعني بدستورية القوانين.. فكل تشريع يعارض الحرية ليس تشريعاً دستورياً. انتهى.
سلطات!!
وبينما ينتقد الدكتور الترابي في الدستور الحالي وابان خلافه مع القصر، سلطات الرئيس الواسعة، فإنه يرى ان تؤول السلطات للبرلمان بشكل مطلق، بما يعني قيام ديكتاتورية نيابية، فانظره يقول في صفحة «3» من ذات كتابه: (واذا كانت نظريات القانون الدستوري «الوضعي» تعرف السيادة بأنها صفة السلطة المطلقة المنفردة التي تملك صلاحية شاملة ليس لمداها من حدود ولا لصاحبها من شريك، فهذه السلطة مودعة في الجمعية التأسيسية، وبحكم هذه غير المقيدة تشكل الجمعية الفاعل المطلق، لا تضاهيها هيئة أخرى ولا يراجعها رقيب، ولا يحدها ضابط قانوني)!! فهو يريد أن يجعل من البرلمان سلطة فوق القانون يتناسى مبدأ حكم القانون الذي هو عماد الدولة الديمقراطية.
الدكتور الترابي هو أحد الفقهاء الدستوريين. وقد نال درجة الدكتوراة في القانون الدستوري من جامعة السوربون العريقة بفرنسا، وكانت رسالته بعنوان «حالات الطوارئ في الدستور» وقد ذهب البعض وبينهم الاكاديمي السوداني المقيم بفرنسا الدكتور حسن موسى، الى رد مواقف الترابي المتلجلجة ازاء الحريات الى رسالته في الدكتوراة والتي بحث فيها شرعية تعطيل أحكام الدستور ومصادرة الحقوق الأساسية فيه!!
وقائع معاصرة:
يقر الجميع بأن الدكتور الترابي هو من وضع دستور 1998م، وهو دستور أثار جدلاً كثيفاً حتى من قبل اللجنة التي كلفت باعداده. حيث انها وضعت مسودة دستور، وعندما دخلت القصر الرئاسي لإجازتها خرجت مختلفة اختلافاً جوهرياً عن اصلها المعد. ويقول مولانا خلف الله الرشيد رئيس اللجنة لـ «الصحافة» انه لا يمكن للجنة مكلفة بإعداد دستور أن تضع دستوراً يرضي السلطة ولذلك فإنها - اي السلطة - دائماً ما تتغول لإجراء التعديلات التي تراها. وأضاف انهم اصدروا بياناً عقب معرفتهم بالتعديلات الجوهرية التي اجريت على المسودة التي اعدتها لجنتهم، والتي تمت بموجبها مصادرة كل الحقوق والحريات الأساسية بموجب القوانين، والغاء الصلاحيات الواسعة التي كفلتها المسودة للولايات في اطار النظام الفيدرالي، وغيرها من التعديلات، ومع ان مولانا خلف الله الرشيد اوضح ان الترابي حمل الرئيس مسؤولية هذه التعديلات لاحقاً عقب المفاصلة بينهما، ولكن الرئيس ايضاً اتهمه هو بها، الا ان مولانا الرشيد يشير الى ان مذكرتهم التي كشفوا فيها حقيقة التعديلات التي أجريت على مسودتهم واحتجاجهم على ذلك لم تعرض على نواب البرلمان الذي كان الترابي رئيساً له في ذلك الوقت.
ويرى كثيرون ان الترابي ضمن الدستور أفكاره وقناعاته بما جعله مغايراً لما هو متعارف عليه في الدساتير الديمقراطية من مبدأ الحاكمية لله، الى وضع الجيش كحامٍ للنظام الاسلامي، الأمر الذي يجعله فوق الدستور مثلما هو موجود في تركيا الآن، إضافة الى فكرة التوالي السياسي والتي حيرت كثيرين واعيتهم في فك طلاسمها، الى جانب تعيين ولاة الولايات وغيرها من الثقوب والمآخذ الكثيرة على ذلك الدستور ولكن الترابي عاد وقال في مؤتمره الصحفي الاخير :«لايعجبني الدستور السابق وكنت اريد ان اطوره»!!.
للناس ألسن!
انتقادات الترابي للدستور الحالي ووصفه بانه «لا يعني شيئاً بالمرة» بالتأكيد ستغضب طرفي اتفاقية السلام والدستور والذين ساهموا في اعداده، خاصة انه سخر من أن تعد لجنة الدستور!! ويقول د. لوكا بيونق عضو لجنة «7+7» التي أعدت مسودة الدستور التي انبنى عليها النقاش داخل مفوضية الدستور وعضو المفوضية عن الحركة الشعبية لـ «الصحافة» ان الدستور الحالي مبنى على اتفاقية السلام ودستور 98 الذي هو دستور الترابي نفسه، ورأى أن هذا الدستور هو حصيلة عشرة اعوام من التفاوض والجدل والحوار حول كيف يحكم السودان، بينما قال الرئيس المشترك للمفوضية د. عبد الله إدريس أن دستور 98م وضع في ساعات فقط. واعتبر د. لوكا تقييم الترابي للدستور بأنه لا يعني شيئاً بالمرة، رأياً شخصياً له ويجب أن يحترم، غير أنه قال إن تقييم الدستور بشكل حقيقي متروك للشعب، مؤكداً انه احتوى على وثيقة كاملة للحقوق، كما نصت عليها مواثيق حقوق الانسان الدولية.
وبخصوص انتقادات الترابي لفترات الرئيس وسلطاته، رد د. لوكا هذا الامر إلى طبيعة الاتفاقية التي قامت على نظامين في دولة واحدة، نتيجة مواقف المؤتمر الوطني «الذي قال إن الترابي يوافقه عليها بالتأكيد» لقيام نظام حكم مدني في كل السودان، بالاضافة الى ان موقفهم التفاوضي كان يطالب برئاسة بالتناوب، ولكن رفض الأمر من قبل الحكومة، الامر الذي جعلهم يقبلون بهذه التسوية التي مكنت للرئيس لفترتين اضافيتين. واعتبر د. لوكا أن الترابي هو سبب هذه الأوضاع التي ينتقدها. وخلص الى انه طالما لا يوجد تداول للسلطة في الأحزاب، فلا بد ان ينسحب الامر علي الدولة.
التجمع حذر!!
لكن الأستاذ علي محمود حسنين رئيس وفد التجمع الوطني في مفوضية الدستور. لم يرد ان يبدي رأياً حول انتقادات الترابي للدستور الذي شاركوا في اعداده في ايامه الاخيرة، واعتبر انتقادات الترابي موقفاً سياسياً في اطار الصراع السياسي بين القوى السياسية المختلفة، ولكنه اكد انهم في التجمع يعترضون أيضاً على كثير من نصوص الدستور، والذي مرجعيته الأساسية هي اتفاقية السلام الموقعة بين الحكومة والحركة، غير أنهم تعاملوا مع الامر الواقع حتى لا يبدون كمن يعترض على اتفاقية السلام. واكد حسنين انهم راضون عما انجزوه في الدستور الحالي خلال الايام الاربعة التي التحقوا فيها بمفوضية الدستور، والتي ادخلت اضافات حقيقية لصالح الحريات والتحول الديمقراطي، رغم اختلافهم في اشياء كثيرة وجوهرية مع الدستور، وعد ذلك من مبادئ الممارسة الديمقراطية وانه لا يتم اخذ كل ما يطلب.
واتفق مولانا خلف الله الرشيد مع حسنين، في أن انتقادات الترابي للدستور رأيا سياسياً وليس قانونياً، لان الصراع السياسي في السودان يحتم عليه قول ذلك، ولكنه رأى أن هناك قصورا في جوانب كثيرة من الدستور الحالي، ردها الى ان الدستور يوضع بشروط الطرفين اصحاب الثقل السياسي، وهما الحكومة والحركة الشعبية. ودعا الترابي للتعامل مع الواقع كسياسي كما فعل التجمع.
وبالتأكيد لا يمكن لأحد أن يحجر على الترابي إبداء آرائه في الدستور وفي الحريات، غير أن مسؤوليته تجاه الشعب تتطلب منه العودة الى الوراء قليلاً، لان لهذا الشعب ذاكرة ولن يقبل بضاعته مجاناً من غير ثمن، رغم ما دفعه من ثمن
http://www.alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147497961&bk=1
_________________

نضروا وجهي بطيب السلام فالسلام مسجد القلب

Post: #150
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:56 PM
Parent: #149


الصحافة
الأربعاء 3 أغسطس 2005 العدد 4369
د. حيدر إبراهيم على
كيف يصنع السودانيون أزماتهم
ورغم وجود كتابات الأستاذ محمود محمد طه المجتهدة مثل الرسالة الثانية من الإسلام، القرآن ومصطفى محمود والفهم العصرى، الاّ ان الكتابات شبه المنشور أو البيان طغت على الجهد الفكر الجمهورى - إنتهى

---------------------
گيف يصنع السودانيون أزماتهم؟ ـــ(1)
د. حيدر إبراهيم علي
تتميز بعض الشعوب والدول بقدرة محيرة على خلق الأزمات بنفسها ويصعب عليها الخروج إلا بنجدة العالم وبالتدخل الخارجي، والسبب في ذلك سوء تقدير الأمور والإدراك الخاطئ وبالتالي لا تتعامل مع المستقبل، أي ماذا يمكن أن يحدث غداً؟ وكيف تستطيع أن تخطط لما سيأتي؟ والسودان يقع ضمن الدول التي تتميز بصنع أزماتها ذاتياً ثم يصعب عليها الخروج منها. وتعرف الأزمة على أنها الفجوة بين الإمكانات والقدرات من جهة والواقع المنجز فعلياً ويسميها البعض بهدر الإمكانات. ويرى كاتب مثل مصطفى حجازي أن دول الأزمة عديمة القدرة على مقاومة الاستبداد والتخلف أي فقدان المناعة، لأنها عملية هدر الفكر والوعي والطاقات (كتاب الإنسان المهدور، بيروت المركز العربي، 2005). ويمثل السودان بامتياز حالة الهدر ونستخدم في اللغة العامية كلمة ممحوق يعني لديه قدرات كامنة كبيرة ولكن مردود أفعاله قليل. وللكلمة استخدامات عديدة، فالطعام الممحوق قد يكون كثيراً ولكن لا يكفي الناس. فالسودان لا تنقصه الإمكانات والموارد الطبيعية والبشرية ومع ذلك يقبع في أسفل سلم التطور والتنمية في العالم.
كيف يمكن فهم هذه الظاهرة؟ وهل يشعر السودانيون بوجود أزمة وحين يقرون بوجودها كيف يفسرونها ويسببونها؟ هناك بداية نمطية للتفكير ترجع الأزمة إلى الاستعمار والمؤامرة والاستهداف وأن الغرب الاستعماري لن يسمح للدول العربية والإسلامية بالتقدم. وفي السودان مثال واضح وهو مشكلة الجنوب إذ يبدأ أي حديث أو تحليل للمشكلة بإرجاعها إلى قانون المناطق المعلقة أو المقفولة الذي سنه الحكم الثنائي منتصف عشرينات القرن الماضي ورغم مضي نصف قرن تقريباً على الاستقلال مازالت المسؤولية تلقى على الاستعمار. بالتأكيد الاستعمار هو السبب ومهمته أن يفرّق كي يسد Divide and Rule ولكن بعد جلاء المستعمر ورفع العلم ماذا فعل السودانيون لإزالة آثار الاستعمار وحل مشكلة الجنوب؟ بدأ السودانيون مبكراً في صنع أزمتهم المركزية والمستدامة في الجنوب من خلال الإهمال في منع حدوث تمرد أغسطس 1955 الذي قامت به الفرقة الاستوائية (راجع تقرير اللجنة الإدارية لأحداث الجنوب).
ثم جاءت السودنة وهي عمل سياسي سوداني ظالمة للجنوبيين، ثم نقضت الأحزاب السودانية وعدها للجنوبيين بوضع خاص في حالة تصويتهم للاستقلال داخل البرلمان، ثم دمغ مطلب الفدريشن بأنه مطابق للانفصال وخيانة الوطن ولم يتم نقاشه بعلنية ووعي، وبعد كذلك كان الخيار صفراً أي القضاء على الجنوبيين المتمردين الحقيقيين والمحتملين، وكانت اتفاقية أديس أبابا بمباركة نظام شمولي يريد استدامة حكمه وجاءت عرجاء لأنها أعطت الجنوبيين فسحة اختيار ورحمت الشمال من المشاركة في السلطة، كانت «مكايدات» الأحزاب حين ماطل الصادق المهدي في تمرير اتفاقية الميرغني- قرنق 1988 كي يحرم غريمه من نقاط سياسية، وأخيراً كانت الإنقاذ تمثل الكارثة الكبرى حين حولت الحرب إلى جهاد مقدس وانتهت إلى اتفاقية من بين خياراتها الانفصال بعد ست سنوات. فقد وصلت بنا -وبتكلفة عالية- إلى نصف وطن، مهدد بأن يكون «لا وطن».
هذا المثال الأكثر قوة في تأكيد قدرة السودانيين على صنع أزماتهم ليس هو الوحيد ولكن الأبرز الذي تنسب إليه أغلب المشكلات والأزمات. فالانقلابات تبرر نفسها بتقصير الحكومة المدنية في حسم مشكلة الجنوب، والحكومات المنتخبة ترجع فشلها في التنمية إلى استنزاف الحرب الأهلية في الجنوب لموارد البلاد. ولكن هل هذا مجرد تبرير للعجز والتأزم، وتكمن المعضلة أساساً في العقل السياسي أو الفكر السياسي الذي لم يوظف جيداً بقصد فهم الواقع السوداني. ويمكن القول دون مجازفة أن السودانيين رغم انغماسهم وانشغالهم في السياسة لم ينتجوا فكراً سياسياً أصيلاً يخاطب الواقع السوداني. فالسودانيون ظلوا حركيين وحزبيين وخطباء ولكن التفكير في السياسة بقصد إنتاج الأفكار أو التفكير في الأفكار لم يكن من بين الأولويات العقلية للسودانيين. وحتى ما يسمى بالأحزاب العقائدية كانت في أغلب الأحيان مستهلكة للأفكار وليست منتجة لها. ورغم الاهتمام بتكوين الأحزاب في الأربعينات من القرن الماضي ومع الزخم الحركي لمؤتمر الخريجين وحوار المعارك في اختيار لجانه الستينية، كان الضعف الفكري واضحاً في المؤلفات السياسية. فقد اختزلوا السياسة في الخطابة والحشد والمقالب أو فلنقل الدهاء حسب المصطلح العربي الكلاسيكي، وكان ذلك على حساب التأمل والعمق ثم الكتابة والتسجيل والتدوين. ويلاحظ أن القيادات التي حكمت السودان لم تكن في الأغلب تميل إلى الكتابة حتى أن الكثيرين لم يدونوا حتى مذكراتهم الشخصية. وهذا سبب غياب تراكم التجارب وما نسميه الدائرة الشريرة أو المفرغة في دوران الحكم في السودان حول نفسه أي انقلابات، انتفاضات وبرلمانات يعود إلى أهم خلل في صنع السودانيين لأزماتهم وهو غياب تراكم التجارب وهذا ما يسمى التاريخ. بل العكس يتكرر في السياسة السودانية -وكأنه فضيلة- القول بضرورة نسيان الماضي، هل هذا ممكن؟ أم مجرد وعظ بأن نكون متسامحين وغير «حاقدين»؟
غاب المفكرون عن تحليل الواقع ولأن العقل العربي عموماً يعتمد على الشعر والنثر الجميل على حساب الفلسفة والفكر الذي يهتم بالأفكار وليس بالكلمات الجميلة، لذلك نلاحظ أن الشعراء والأدباء تقدموا على المفكرين المتخصصين والمحترفين. حتى محمد أحمد المحجوب، السياسي المميز ورئيس الوزراء الشهير، عرف أكثر بشعره وبكتابه «موت دنيا» (سيرة ذاتية وبذرة رواية) ولا يذكر الناس كتابه: «نحو الغد»، ولا حتى: «الحكومة المحلية في السودان». وقد حاولت مجموعات مثل الشيوعيين والبعثيين والأخوة الجمهوريين كسر هذه القاعدة والمساهمة في حركة تؤسس لفكر سياسي سوداني ولكن التنظيم والحركية والسياسوية الآنية استطاعت أن تستهلكهم تماماً. فعبد الخالق محجوب الذي كتب: «آفاق جديدة» عقب الاستقلال مباشرة وترجم العلم والأدب، ثم «الاشتراكية الإفريقية» لم نعرف له بعد ذلك كتباً باسمه الخاص بل من خلال الحزب. ورغم وجود كتابات الأستاذ محمود محمد طه المجتهدة مثل الرسالة الثانية من الإسلام، القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري، إلا أن الكتابات شبه المنشور أو البيان طغت على الجهد الفكر الجمهوري. واعتمدت الحركة الإسلامية على كتب الترابي.
هناك افتراض أولي استهل به هذه السلسلة هو أن الأزمة السودانية هي أزمة الفكر أو غياب الفكر في الحياة السياسية خاصة وأن السياسة المباشرة هي العامل الحاسم للتغيير والتحول في مجتمعات العالم الثالث المتخلفة. ويلاحظ أن نهضة كل شعب تقوم على الالتفاف حول فكرة ملهمة ومقنعة ولكنها مرتبطة بحياة الناس وترى مستقبلهم مقدماً وتعمل له من الآن. فالفكر المصحوب بالعمل هو وسيلة النهضة والتقدم، لأنه أداة للإدراك المنهجي القادر على تفسير الظواهر موضوعياً. وهو هنا يلتقي مع العلم على الأقل في تتبع نفس مناهجه ولكنه يعتمد أكثر على مفاهيم في الفهم والتحليل. وبالمناسبة الخرافة والسحر أدوات لفهم العالم ولكنها ذات فرضيات وطرائق متناقضة تماماً، وكلاهما يبحث عن السببية. وهذا الشرط الأول للخطوات التالية، فعلى سبيل المثال أسباب المرض، لو توصل الشخص إلى أن سبب المرض هو العين أو الحسد، فسوف يتجه إلى الفكي أو الساحر. أما إذا رأى أن السبب وجود فيروس أو ميكروب معين، فسوف يذهب إلى الطبيب. والسؤال الآن هو كيف نحلل أو نفسر أسباب المشكلات التي تواجهنا في السودان؟ يبدو أننا أميل إلى التفسير غير العلمي والدليل بسيط هو استمرار العلل وبقاء التخلف. لذلك دعا كثير من المفكرين إلى تفسير العالم من خلال العالم نفسه أي دون إدخال عامل غيبي خارجي (أو ميتافزيقي). وفي علم الاجتماع يطلب من الباحث أن تفسر الظاهرة الاجتماعية بظاهرة اجتماعية أو ظواهر اجتماعية مثلها. فالفقر مثلاً ليس عقاباً إلهياً كما كان يفسره بعض رجال الدين، ولكنه نتيجة الاستغلال أو اللامساواة أو إهمال الإنتاج.
يتميز السودان بالتسييس الفائض أو الزائد لكل القضايا والموضوعات، إذ قد تتعدى السياسة مجال ممارسة السلطة كي تحكم كل سلوك وتفكير الناس. إذ تحولت العلاقات الاجتماعية وموضوعات مجرد تجمع بشري أولى بل صارت دائرة انتخابية، والطريقة الصوفية لم تعد شكلاً للعبادة بل تحولت إلى حزب طائفي والأسرة الممتدة ليست مجرد تكافل اجتماعي في دائرة اتسعت بل هي مجموعة تتضامن سياسياً عند اتخاذ المواقف أو الصراع. وهنا قد نصل إلى بعض ملامح الأزمة المتمثلة في ضمور الفكر، يقول الجابري: «العقل السياسي -منذ أرسطو- يقوم على الاعتقاد وليس البرهان، وهو ليس عقل فرد بل عقل جماعة، إنه المنطق الذي يحركها كجماعة، ومعروف أن منطق الجماعة يتأسس لا على مقاييس معرفية بل على رموز مخيالية تؤسس الاعتقاد والإيمان» (العقل السياسي العربي، الدار البيضاء 1990، ص49) ويؤكد بقول لرينان (1823- 1892) المؤرخ الشهير: «نحن لا نستشهد إلا من أجل الأشياء التي ليس لنا عنها معرفة يقينية: فالناس يموتون من أجل ما يعتقدون وليس من أجل ما يعرفون». وهكذا يبتعد الناس - ومن بينهم السودانيون- عن التساؤل والمعرفة، خاصة ونحن الذين نقول: أن جنّا تعرفه خير من جنّ لا تعرفه.
للمقال بقية


http://www.alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147498362

Post: #151
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:57 PM
Parent: #150



المربي عبد الرحمن عبد الله يروي قصصاً من كفاح جيل
الأزهري دخَّن سيجارة نكاية في الإنجليز
فتحنا (120) مدرسة أهلية في عام واحد
أجراه: المحرر السياسي
عنّت لي مقولة سمعتها أو قرأتها لا أذكر عن نعمة أن تكون معلماً وذلك لكثرة الطلاب الذين يتلقون العلم والتربية والتوجيه على يديك، وعندما تتفرق بهم السبل في شعاب الارض فانك ستجد التبجيل والتوقير اللائقين بك أينما حللت و(عترت) في احد منهم، او ان يسعى احدهم اليك حيث انت لتقديم فروض التبجيل ومحاولة سداد بعض دينه الذي على عنقه تجاهك والمتمثل في الانوار التي غشيت وعيه جراء العلم الذي بذلته له ومساهمتك في تشكيل شخصيته الحاضرة وباعتبارك أحد الأسباب الاساسية في النعمة التي هو عليها (أيَّاً كان شكلها ووزنها). أقول عنت لي هذه المقولة وانا ادلف الى غرفة مربي الأجيال الأستاذ عبد الرحمن عبد الله عبد العال، بمنزله العامر بالعمارات، شاهدت أحد تلاميذه الكثر وهو الاستاذ هاشم فتح الرحمن- نائب مدير مركز السودان القومي للغات (سلتى) هو ينحني أمامه بأدب الحيران مع شيخهم ويقبِّل يديه وكتفيه ثم يصافحه... قال لى هاشم إن الاستاذ عبد الرحمن عبد الله لعب دوراً مهماً في تشكيل شخصياتنا الحاضرة ولا يمكننا رد فضله علينا ما حيينا.. وأنا أحاوره أو أستمع إلى بعض من رواياته بالتعبير الصحيح وقفت على بعض من أفضال الرجل (المجاهد) على السودانيين جميعاً في الشمال والجنوب عبر سيرته في دروب التنوير والتعليم التي امتدت منذ تخرجه في كلية غردون عام 1936، مرورا بتبوئه منصب نائب وكيل وزارة التربية والتعليم في ستينيات القرن الماضي ثم الى ما بعد تقاعده عن العمل الحكومي..
داخل كلية غردون
اسمي عبد الرحمن عبد الله عبد العال، ولدت بمدينة دنقلا في 15/9 /1915، ودرست المرحة الأولية بدنقلا، والوسطى ببربر، ثم دخلت كلية غردون لأدرس الهندسة لأن درجاتي كانت عالية، لكن استاذي البروفيسور ثيوبولد أكتشف أن نظري ضعيف ولا استطيع رؤية ما يكتب على السبورة فأخذني من يدي الى طبيب العيون الانجليزي والذي كان يعاونه طبيب سوداني نسيت اسمه وهو اول طبيب عيون سوداني. كشف الطبيب على نظري وكتب في تقريره بأنني أعمى عديل كده، على الرغم من أن حالتي كانت قصر نظر، وتم التوصية لي بنظارة التي لم أخلعها منذ ذلك التاريخ، وتحويلي في الوقت نفسه من دراسة الهندسة الى دراسة الرياضيات التي تخصصت فيها الى جانب اللغة الانجليزية.
زاملت في الدراسة بكلية غردون جمال محمد أحمد وبابكر عوض الله وحسن الطاهر زروق وصلاح الدين عبد الله والدرديري عثمان ونصر الدين السيد ومحمود محمد طه.. والأخير كان أكثرنا طهراً وشجاعة وجدية، لدرجة أننا لم نكن نستطيع التفوه بأي عبارات غير لائقة في حضوره.
لم يكن مسموحاً بنشاط سياسي علني داخل الكلية غير ان بعض الأساتذة السودانيين بها كانوا يحرضون الطلبة سراً ضد الانجليز ويبثون بينهم الوعي بالاستعمار وحقائقه، بينما كان هناك اساتذة آخرون يحبون الانجليز ويتعاونون معهم.
تخرّجت استاذاً للرياضيات وتم ابتعاثي الى انجلترا لنيل دبلوم في التربية من جامعة ليستر لمدة سنتين، عدت بعدها لأعمل استاذاً للرياضيات والانجليزي بكلية غردون وزاملت اسماعيل الأزهرى في التدريس بشعبة الرياضيات بالكلية رغم انه كان استاذاً لي فيها، وقد كانت هذه اول وظيفة لي في حياتي العملية.
كان مدير كلية غردون وأساتذتها الانجليز من دهاقنة الاستعماريين وقد كانوا يمعنون في اضطهاد الأساتذة والطلاب السودانيين ويعدونهم مجموعة من الرعاع والهمج، واذكر ان مدير الكلية اصدر قراراً بمنع الأساتذة السودانيين من التدخين وخلع جاكتاتهم داخل الكلية، بينما كان ذلك مسموحاً به لرصفائهم من الانجليز، وعندما بلغ هذا القرار الزعيم اسماعيل الازهرى جاء في اليوم التالي لصدور القرار مشعلاً سيجارته وخالعاً لجاكيتته رغم أنه لم يكن يدخن اصلاً، وقال إنه فعل ذلك نكاية في الانجليز ولتشجيع السودانيين على التمرد ضد صلف المستعمرين.
ايضاً صدر قرار آخر من مدير الكلية يلزم الاساتذة السودانيين بالوقوف وتحية زملائهم الانجليز لدى مرورهم من امامهم، وقد رفض بعض السودانيين تنفيذ هذا القرار، واذكر ان احدهم قال اذا اردنا تنفيذ هذا القرار (الا نلصق ايدينا على وشوشنا) من كثرة مرور الاساتذة الانجليز امامنا على مدار ساعات اليوم.
لؤم الاستعمار
ويواصل الاستاذ عبد الرحمن: لؤم الانجليز تجاه الشعب السوداني كان لا يوصف وهم عكس ما يحاول ان يصفهم به بعض السودانيين الآن، فمثلا مفتش مركز ام درمان، برمبل كان شخصية في غاية الاستبداد، وكان يردد دائما ان اغنام المقرن أكثر تمدنا من مواطني ام درمان، لأنها تفسح الطريق بمجرد سماعها بوق سيارته. لكن ما لم يكن يعلمه برمبل وراء ذلك هو ان مواطني ام درمان كانت جذوة الثورة المهدية لا تزال تتقد في دواخلهم لذلك كانت ام درمان توصف بأنها العاصمة الوطنية.
ولكراهية مواطني ام درمان له، صرح ذات مرة بأنه سيورث ابنه ايضاً منصب مفتش مركز ام درمان، فهاجمه ابو الصحف، أحمد يوسف هاشم باربع مقالات نارية بعنوان (لن يصبح ابنك -أيضاً- سيداً علينا).
ومن وقائع لؤم هذا المفتش الانجليزي برمبل ومظاهر الوحدة الوطنية لدى السودانيين في ذلك الوقت، انه اصر على اخذ قطعة ارض في ام درمان امام ميدان البوستة الشرقي كانت مملوكة لمواطن قبطي ليشيد عليها سينما، وتعويضه لها في مكان آخر، لكن الرجل رفض ذلك، وتضامن معه كل تجار سوق ام درمان ومواطني المدينة لكن برمبل لم يتنازل عن الارض ابداً، وتم تصعيد القضية عن طريق الحركة الوطنية الى اعلى سلطة لكن لم يجدوا الإنصاف فكتب الأزهرى تلغرافا إلى المفتش برمبل ختمه بقوله (اذا لم نجد العدل عند المفتش الانجليزى سنرفع شكوانا الى الله)، ولم يكن الانجليز يسمحون للسودانيين بمخاطبتهم بمثل تلك اللهجة، لذا رد برمبل على الأزهري واصفا إياه بأنه قليل ادب، وقام برفع شكوى ضده الى مدير كلية غردون، فرد عليه الأزهري ببرود: والله طلابي البدرسهم لا يعتقدون مثل اعتقادك بل يرون أنني مؤدب ولذلك قبلوا ان يتعلموا على يدي.
اخذ برمبل الأرض بالقوة وبنى عليها السينما المشهورة باسمه، لكن مؤتمر الخريجين وجه عضويته بعدم دخولها وجمع ممثلي الحرفيين والتجار وغيرهم حتى يوجهوا عضويتهم بمقاطعة سينما برمبل وبالفعل تمت مقاطعة شاملة للسينما، فحتى الطلاب قاطعوها رغم أنها كانت تعرض بعض الافلام المقررة عليهم في مادة الأدب الانجليزي، ونتيجة للمقاطعة الشاملة، اضطر الانجليز لادخال المخمورين الذين يمرون ليلاً بعد ان يعطوا كل واحد منهم عشرين قرشاً مقابل ذلك، واخيراً اقتنعوا بأنهم فشلوا. بعد خروج الاستعمار اطلق السودانيون على سينما برمبل (السينما الوطنية) تخليدا لملحمة المقاطعة الوطنية لها.
ملاحم في درب التنوير
كان التصديق لاقامة مدرسة اهلية يأتي من الحاكم العام شخصياً بما يبين رغبة الانجليز في بقاء السودانيين على جهلهم ومحاربتهم لاي اتجاهات للوعي والتنوير. لم تكن هناك مدارس وسطى أهلية غير مدارس كمبوني التبشيرية، ورغم انها لم تكن تعمل على تنصير الطلاب علناً الا انها كانت تفعل ذلك بطرق أخرى حيث يطلب من الطلاب ان يؤدوا بعض الطقوس ذات الدلالة المسيحية، هذا الامر ازعج اولياء الامور والاهالي في ام درمان لذلك تداعوا من اجل تأسيس أول مدرسة اهلية وسطى في السودان هي مدرسة ام درمان الاهلية الوسطى التي تقع جوار منزل الزعيم الازهري حاليا، وقد كانت قصة تأسيسها عبارة عن ملحمة وطنية فقد تدافع مواطنو ام درمان للتبرع كلٌّ بما يملك في حماس طاغ، وكان على رأس المتبرعين التجار ومفتش المركز السوداني البك باشى نور، وكريمته التي جاءت وتبرعت بكل مصوغاتها من أجل تشييد المدرسة وبالفعل قامت المدرسة التي يراها الناس اليوم.
بعد الأهلية قرر مؤتمر الخريجين ان يفتح مدرسة اهلية اخرى في القولد بالشمالية، وقد كانت سياسة الانجليز الا يفتحوا اي مدارس في دنقلا حرصا على علاقة الدناقلة بالمصريين. عندما تقرر تأسيس المدرسة شجعني الاستاذ محمود محمد طه لاذهب مديرا لها وقال لي اذهب وعلم اهلك. وبالفعل استقلت من كلية غردون وذهبت مديرا لمدرسة القولد الاهلية الوسطى في اوائل الاربعينيات من القرن الماضي، وقد شاركت في تشييدها من حجر اساسها وكنت احمل مع الطلاب والاساتذة والاهالي ما يتبرعون به من الحديد الاخشاب وجريد النخل والحجر والطوب والمونة ونردد جميعا النشيد الوطني الشهير (صرخة روت دمى)... (يصمت برهة ثم يقول: كان جهادا حقيقيا والله)، ومن فرحة المواطنين بالمدرسة كانوا يدعونني مع الأساتذة في بيونهم، وكان الناس يقولون في بيوت الافراح ان المدرسة ستهد بيوت الظلم، لم يكونوا يقولون الانجليز رغم انهم يعنونهم لان الانجليز كانوا قساة ضد اي اتجاه للتمرد على سلطانهم. واذكر اننا ذهبنا الى مفتش المركز الانجليزي بدنقلا لنطلب منه التصديق لنا بإقامة داخلية للطلاب بالمدينة فرفض ذلك وقال لنا (عاوزننا نفتح مدرسة عشان يعلم الدناقلة قلة الادب)! وفى اول امتحانات نجح كل الطلاب بالمدرسة.
كانت مدرسة القولد اول مدرسة وسطى في كل السودان الشمالي من حلفا الى بربر حتى خروج الانجليز من البلاد وكانت في كل السودان في ذلك الوقت عشر مدارس وسطى فقط.
بعض رموز المجتمع التقليدي في المدينة لم يكونوا سعداء بالمدرسة لانها ستهدد سلطتهم الاجتماعية واذكر ان احد هؤلاء وكان تاجرا من محاسيب الادارة الاهلية بدنقلا ويمت لي بصلة قرابة ولكنه كان يعاديني، دعا احد الاساتذة الانجليز من الذين بعثوا بهم الينا لمراقبة امتحانات الشهادة، فدعاه قريبي هذا في منزله، لكنى التمست من الأستاذ ألا يلبي الدعوة حتى لا يستغلها ذلك الرجل في تقوية نفوذه بين المواطنين البسطاء، فاصر الاستاذ على الذهاب فاضطررت لاستخدام سلطاتي كمدير وقلت له: إذا لبيت الدعوة فلن تدخل الى مدرستي بعدها. وبالفعل غير الاستاذ رأيه ولكنه (صراها) ليّ. فعندما تركت مدرسة القولد التي كنت مديرا لها، نقلت الى مدرسة وادي سيدنا الحكومية، فوجدت مستر بيكر هذا رئيساً لشعبة الرياضيات، ورغم انني كنت مديراً الا انه وبتواطؤ مع مدير المدرسة الانجليزي ايضا خفضني لأصبح استاذاً فقط، فواجهته بقوة وقلت له انني افضل منك في الرياضيات واكثر خبرة منك في التدريس. وقد خلق ذلك جفوة بيني وبينه لذلك عندما غادر البلاد اقام حفلا في بيته دعا له كل الاساتذة بشعبة الرياضيات ولكنه لم يدعون إليه.
معارك في الأدغال
ويواصل الاستاذ عبد الرحمن سرد قصص الملاحم: تم نقلي الى مدرسة رمبيك الثانوية نائبا للناظر الانجليزي، وكانت رمبيك هي المدرسة الثانويه الوحيدة في كل جنوب السودان، وكان ناظرها مستر كلايتون من عتاة الاستعماريين الانجليز الذين يعملون بدأب شديد على التفريق بين الاساتذة الشماليين والطلاب الجنوبيين، لذا فإنه كان حريصاً على سلبي سلطاتي، ذهبت الى هناك ترافقني زوجتي وكان هناك منزل مخصص لنائب الناظر لكن الانجليز سكنوا فيه احد الموظفين منهم. فذهبت ووضعت حقائبي امام المنزل واصررت على أن أنزل في المنزل المخصص لي وقلت لكلايتون الذي كان يعرف علاقتي الحميمة باسماعيل الازهري منذ ايام كلية غردون، اننى نائب ناظر حقيقي ولن اسمح لاحد بالعبث بسلطاتي لذا فانني اريد بيتي. فاضطر الرجل لاخراج الموظف الانجليزي من المنزل لانزل فيه، ولكنه اطلق اشاعة في المدرسة بأن الازهري ارسلني لاشتغل سياسة لا لاعمل معلماً، ورغم ان حديثه لم يكن صحيحا الا ان الاساتذة الانجليز حضروا اليَّ في مكتبي واخبروني بان آراء كلايتون لا تمثلهم وأنهم يعترفون بي نائباً للناظر.
الحكومة كانت تمنح ميزانية التعليم في الجنوب للمبشرين المسيحيين وبالتالي لم تكن تضع ميزانية للتعليم في الجنوب ولم تفتح مدارس من اصله.
خلقت علاقات حميمة جداً مع الطلاب الجنوبيين وخصوصا الدينكا منهم. وكنت دائما اقول لهم انكم احبابنا لأننا جميعا سودانيين بينما الانجليز هم اعداؤنا الحقيقيون لأنهم يستعمرون لبلادنا. ولانني كنت اول استاذ سوداني يدرس في رمبيك يحضر الطلاب الى منزله، كان الانجليز يتربصون بي ويحاولون ضرب الثقة التي بدأت تنشأ بيني والطلاب الجنوبيين... كان الانجليز يكرهون الدينكا لانهم كانوا قريبين جداً مني ويكرهون الاستعمار ويأتون الى منزلي في الاعياد والامسيات ويتناولون طعامهم معي وكنت انا اتناول فطوري معهم في السفر المخصصة للطلاب بينما لا يفعل الاساتذة الانجليز ذلك، وكنت اقول لهم ان اختلاف أعرافنا وألواننا وأدياننا لا ينفي حقيقة أننا مواطنون سودانيون، بل انني دخلت الكنيسة عدة مرات لحضور بعض المناسبات التي كنت ادعى لها وكان ذلك بمثابة تأكيد لهم بانه لكم دينكم ولي دين. الاساتذة الانجليز كانوا يدعون الطلاب الى منازلهم لتعاطي الويسكي والخمور الاخرى، لم اكن افعل ذلك ليس لانه حرام بالنسبة لي فحسب ولكن لان اللوائح التربويه تمنع ذلك.
كراهية الانجليز للدينكا جعلتهم يقربون الإستوائيين اليهم والذين كانوا بطبعهم لا يحبون الشماليين، واذكر ان اضرابا حدث في المدرسة فوقف الطلاب من الدينكا معنا بينما وقف الاستوائيون مع الانجليز.
كنت اسمع عن الزعيم الجنوبى سانتينو دينق الذي كان من مؤيدي الوطني الاتحادي ومناصري ازهري في الجنوب ولكنني لم اره من قبل، واذكر ان رجلا جنوبيا تبدو على سيماه المهابة حضر اليَّ ذات صباح وطلب مني ان اجمع له الطلاب لانه يريد أن يخاطبهم، ولاننى أردت أن أعرف اسمه دون أن أساله، قلت له إن ذلك يقتضي تقديم طلب كتابة إلى ناظر المدرسة الانجليزي وهو الذي يملك ان يقبل او يرفض وحتى لا يظن انني أسعى لتحريض الطلاب ضد الانجليز، وبالفعل كتب الطلب وذيله بتوقيعه وعرفت منه ان الرجل هو الزعيم سانتينو دينق... حملت الطلب الى الناظر مستر كلايتون فجاءه مهرولاً ومتودداً ليظهر له أنه يحترمه وقام بدعوته لتناول الإفطار معه، ولان دينق كان يكره الاستعمار اعتذر لكلايتون وقال له: سأتناول فطوري مع عبد الرحمن عبد الله، وقد كانت تلك صفعة قوية لكلايتون وكل الاستعماريين، ولم يكتف سانتينو بذلك بل طلب مني أن ادعوا من أشاء من الشماليين لتناول الافطار معنا. (بالله شفت رجالة سانتينو دى كيف؟).
عين سانتينو دينق وزيراً في اول حكومة وطنية بعد السودنة، ولكن الازهري عاد وعزله من الوزارة في الحكومة التي اعقبت الجلاء بحجة ان تعليمه محدود، واذكر انني لم اغضب من الازهري يوماً كغضبي عليه يوم عزله سانتينو دينق من الوزارة لانني اعتبرت ذلك هزيمة لرجل مناضل ووحدوي وزعيم كبير في اهله مثل سانتينو.
عدت الى الخرطوم من رمبيك وقد قتل الاستاذ الذي خلفني في منصب نائب الناظر قبل ان يستلم مهامه في احداث 1955، بينما نجت زوجته لان الطلاب حملوها واخفوها داخل الكنيسة. واذكر من طلابي الذين درستهم ابيل الير والبروفيسور ريتشارد حسن ساكت الذي صار طبيبا ثم مديرا لجامعة جوبا ووزيرا اقليميا في الجنوب بعد اتفاقية اديس ابابا.
في معركة التحرر
عينت مديرا لمدرسة لمدرسة عطبرة الثانوية في منتصف الخمسينيات، واذكر انني عندما وجدت ان الامهات هن الاكثر اهتماما بتعليم ابنائهن من الآباء وهن اللائي يفرحن بنجاحهم، قررت ان اقيم يوماً خاصاً للامهات على قرار يوم الآباء، وكان ذلك امرا صعبا في الخمسينيات، وحتى لا يقال انني عزمت النساء، طلبت من كل طالب ان يدعو امه باسمه لحضور يوم الامهات المفتوح بالمدرسة، وبعد ترتيب كل الامور داخل المدرسة واعداد البرنامج الترفيهي من تمثيل وغناء وشعر وتجارب علمية وغيره من قبل الطلاب، استدعيت فاطمة طالب وكانت مديرة لمدرسة البنات الوسطى وقلت لها ستكونين مديرة المدرسة في ذلك اليوم وطلبت منها ان تحضر معها معلمات المدرسة. وخرجت انا وكل المعلمين في ذلك اليوم بعد ان وضعنا بوليساً لحراسة المدرسة، وكنت خائفا من فشل ذلك اليوم، وان لا تتمكن الامهات من الحضور نتيجة لرفض الآباء، غير ان اليوم اصاب نجاحا منقطع النظير واحضرت كل ام جارتها لتريها ابنها وتفاخر به أمام الناس، وكان حدثا في تاريخ عطبرة، غير انني لم اتمكن من تكراره مرة اخرى في اي مكان عملت فيه.
بعد سودنة الوظائف في وزارة المعارف نقلت ناظرا لمدرسة ام درمان الثانوية بنات وكنت اول سوداني يشغل منصب مديرا لمدرسة بنات لانو ناس فاطمة طالب كانوا لسه صغار، وكانت مهمة صعبة ان تدير مدرسة للبنات في مجتمع الخمسينيات، وقد قالوا لى ان هناك نائبة لي انجليزية ستتولى المهام بشكل اساسي بينما وجودي لمجرد رمزية السودنة غير انني كنت ارفض ان اكون مجرد ديكور، بالفعل ذهبت واستلمت اعبائي واستطعت ان اكسب ثقة البنات لدرجة انني كنت اتناول معهن الفطور ، ولم اترك للمدرسة الانجليزية الفرصة لتقاسمني صلاحياتي، بل انني حميت الطالبات من قسوتها تجاههن والناجمة عن انها كانت كبيرة السن وغير متزوجة.
ثورة تعليمية
ويواصل الاستاذ عبد الرحمن: كانت بيني وازهري مودة خاصة تعود الى انني درست على يديه وزاملته في التدريس، بعد الاستقلال كنت في عطبرة مديرا، استدعاني ازهري الى الخرطوم وقد جاء في برقية الاستدعاء التي وصلتني من وزارة المعارف ان الرئيس يطلبني في مهمة عاجلة. بالفعل ذهبت الى الخرطوم وجلست الى ازهري والمسؤولين بوزارة المعارف، قالوا لي نريد عمل ثورة تعليمية في البلاد، وصدر بعد ذلك القرار 703 الشهير والذي فتحنا بموجبه 120 مدرسة في عام واحد، وقد طلبنا في ذلك القرار من الاهالي ان يتبرعوا لبناء المدارس على ان تتولى الوزارة تعيين المعلمين، ولم يخب الشعب آمالنا فقد كانت استجابته كبيرة وجاء الناس بالأفواج للتبرع لمعركة التعليم، وكنت عينت مساعداً لوكيل المعارف للمدارس غير الحكومية، لذا فقد كانت مهمتي تنحصر في توفير المعلمين للمدارس الجديدة التي فتحت، ولما كانت الوزارة لا تمتلك العدد الكافي من المعلمين لمقابلة تلك الطفرة الكبيرة في التعليم، فقد اعملت جهدي في توفير العدد المطلوب من الشارع، ففتحت الباب لتعيين كل من اكمل الوسطى ليصبح معلماً ابتدائيا، ومن اكمل الثانوي ليصبح معلماً في الوسطى وهكذا.
واذكر انه بعد ثورة اكتوبر جئ بزيادة أرباب وزيراً للمعارف فحول كل المدارس الاهلية التي فتحناها الى مدارس حكومية بجرة قلم، وقد كان ذلك قراراً شجاعاً وحكيماً منه.
سألت اخيراً الاستاذ عبد الرحمن عبد الله عن بعض طلابه مِنْ مَنْ برزوا في الحياة العامة بعد هذا العمر المديد في دروب التنوير، فقال لي انهم كثر من بينهم البروفيسور الراحل عبد الله الطيب والذي درسته بمدرسة بربر رغم اننا كنا متقاربين في العمر، والبروفيسور اسماعيل (الزعيم) مدير جامعة الجزيرة، والبروفيسور صلاح الدين أحمد محمد، وهو عالم رياضيات نال جائزة عالميه قريباً في أميركا، والبروفيسور علي محمد خير في كلية العلوم بجامعة الخرطوم، وبروفيسور جبارة في جامعة الخرطوم ايضا، والوزير الأسبق للزراعة بروفيسور أحمد علي قنيف، ووالى الجزيرة الحالي الفريق اول عبد الرحمن سر الختم، والوزير الحالي عبد الباسط سبدرات، والقيادي الاتحادي تاج السر محمد صالح.

http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147508090&bk=1
__

Post: #152
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:57 PM
Parent: #151


عودة إلى الحوار العجيب !! (1 )
د. عمر القراي
(إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتاهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه ، فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير) صدق الله العظيم
لم يحتمل د. محمد وقيع الله ، تعليقي على الجزء الأول من الحوار، الذي أجراه معه الصحفي صلاح شعيب ، فخرج عن وقاره ، وجنح إلى الاساءة ، ظناً منه انه بهذه الطريقة سيحافظ على المكانة العالية التي حاول ان يظهر بها حين ادعى انه يقيم الفكر الجمهوري !! ورغم انه قد اخبرنا في ذلك الحوار، ان ما منعه ان يدخل في تنظيم الاتجاه الاسلامي ، رغم إيمانه بفكرتهم ، واعتقاده بأن مشروعهم الحضاري مازال قائماً ، وناجحاً ، انه سريع الاحتدام ، والاصطدام ، مع من يختلف معه في الرأي ، الا انني لم اتوقع ان يبلغ به الغضب ، حداً يجعله يعجز حتى عن ذكر أسمي ، فيصفني ب ( الشخص) و( مجادلي هذا ) و( مجادلي المتحامل) و ( الانسان المجادل ) الى غير ذلك من الالفاظ !! ولقد ذكرني هذا السلوك بالاطفال ، حين يتشاجرون في الحواري ، فيضرب أحدهم زميله ، وحين يسأل الطفل المضروب عن من ضربه ، لا يذكر اسمه وإنما يشير إليه باكياً ظناً منه إن ذكر اسمه مصالحة له !!
بهذا العجز عن السيطرة على سورة الغضب ، أسرع د. محمد وقيع الله ليرد على تعليقي السابق ، دون ان يتأنى ، أويمهل نفسه ، وزاد من أزمة وقيع الله ، ان بعض قراء (سودانيزاونلاين) وافقوا على نقدي له ، ففوجئ بأن هناك من يدرك مفارقاته العديدة ، من غير الجمهوريين ، فضاق صدره ، وانشغل بالهجوم والمهاترة ، عن لب الموضوع ، فجاء تعقيبه بالاضافة الى السطحية المعهودة ، والافتراءات غير المثبتة ، يطفح بكثير من الاساءات للاستاذ محمود محمد طه ، وللفكرة الجمهورية ، ولشخصي .. وهذا ما لا استطيع ان اجاريه فيه ، لأن كل انسان إنما ينفق مما عنده !!
الادعاء :
لقد ادعى وقيع الله ، في المقابلة ان الاستاذ محمود ، قد كان متحاملاً ، ومحرفاً ، ومعادياً للاسلام ، لأنه انكر الصلاة ، والصيام ، والحج، فطلبنا منه البينة .. وكنا نظن انه فهم ان المطلوب منه ، ليثبت صدق ادعائه ، ان يورد لنا من كتب الاستاذ محمود ، ما يؤيد هذه الاتهامات .. وبدلاً من ذلك ، أخذ يكرر نفس مزاعمه ، وكأن تكرارها سيقنع القراء بصحتها ، أسمعه يقول (لقد استنكر مجادلي هذا اني هجمت على شيخه وقلت انه متحامل على الاسلام ولم ابين" كيف كان الاستاذ محمود متحاملاً أو محرفاً او معادياً للاسلام ". ولو قرأ مجادلي هذا قولي بوعي كامل لاستنبط الحيثيات التي بنيت عليها القول ، فإني قلت ان محموداً عمل على تقويض اركان الاسلام وهدم دعائمه الكبرى فانكر الصلاة والصيام والزكاة والحج، فهل من تحامل او تحريف او عداء للاسلام أشد من هذا أو أسوأ ؟) !!
فهل مجرد قول وقيع الله ، بأن الاستاذ قد انكر دعائم الاسلام ، يعتبر حيثيات يمكن ان يطلقها في الهواء ، ثم يقرر على اساسها ، بأن الاستاذ محمود معادٍ للاسلام ؟! أم ان هذه الدعاوى تحتاج الى اثبات من كتب الاستاذ محمود ، لتصبح بعد ذلك ، حيثيات تناقش ، فتقبل او ترفض ، على اساس الفهم ؟! ان الحقيقة هي ان الاستاذ محمود قد شرح الصلاة ، ودعا لها ، وكتب عنها ، بمستوى رفيع لم يوفق اليه غيره ، وشرح الصيام ، ودعا له ، ولم ينكر الحج ، بل نبه لانحراف الناس به ، عن مضامينه الحقيقية ، ولم ينكر الزكاة ، بل دعا الى ارفع مستوياتها ، في زكاة العفو التي كان عليها عمل النبي صلى الله عليه وسلم .. ولهذا فإن مهمة وقيع الله ، لإثبات غير ذلك ، مهمة نعتقد انها مستحيلة ، وهذا هو الذي جعله ينحرف منها لتكرار ما ذكره من قبل !!
ويواصل وقيع الله ( لقد قلت هذا في الحوار الصحفي عرضاً وقبل ذلك قلته مستفيضاً في إطار البحث الذي نشرته (الصحافة) قبل شهور عن الفكر الجمهوري، ونشرته بعض المواقع الالكترونية مشكورة نقلاً عنها، وعلق عليه بعض الافاضل وغيرهم ، ولا استبعد ان يكون مجادلي هذا قد اطلع عليه ثم عجز عن مقارعته الحجة بالحجة مكتفياً بملاحقة ظواهر الألفاظ والعبارات في هذا الحوار الصحفي العفوي الذي اجراه معي الاستاذ شعيب في نهاية يوم عمل صاخب...) !!
أما انا فقد قرأت حلقتين ، مما اسماه وقيع الله بحثاً ، ولم اجد فيه أي شئ من مقومات البحث ، وانما هي اتهامات وافتراءات ، تقوم على سوء الفهم ، وسوء التخريج ، ساقها بلا دليل ، كما فعل في مقاله هذا .. ولقد نشرت في جريدة رأي الشعب ، ولقد وعدوا بنشر اربع حلقات ، ولكنهم توقفوا عن النشر، فلم اعثر على بقية المقالات ، التي كنت انوي التعقيب عليها .. فلماذا لم يقتطف لنا وقيع الله ، هنا ، ما يدعم به زعمه ، ان كان في ذلك البحث ، إضافة- على ما أورد في المقابلة - يثبت بها ان الاستاذ محمود ، قد قال ما نسبه اليه ؟! لم يفعل ذلك لأن الحوار قد كان عفوياً و ( في نهاية يوم عمل صاخب ) !! أما كان من الممكن ان يعتذر بأنه متعب ، فيؤجل اللقاء ، بدلاً من ان يدخل فيه ويضطر الى إلقاء التهم جزافاً ، وهو عاجز عن اقامة الدليل عليها ؟!
الجد والهزل :
لقد زعم د. محمد وقيع الله ، في المقابلة ، انه يختلف مع كل ما كتب الاستاذ محمود ، ولا يتفق معه ، الا في (حروف الجر والنصب والتسكين) !! ولعله جنح الى تلك المبالغة المفرطة ، من باب الاستهزاء ، والهزل .. ولكن أمر الدين كله جد ، ولا مكان فيه للهزل . ومهما ساق وقيع الله ، من مبررات ، فإن حديثه ذاك ، اما ان يكون حقا ، او ان يكون كاذباً فيه ، وليس للكذب في الدين تبرير يسوغه ، وان كان الهزل والمبالغة . ولقد اوردت له نصاً من كتاب الرسالة الثانية من الاسلام هو ( عندما استعلن النور الالهي بمحمد الأمي من جبال مكة في القرن السابع الميلادي ، اشرقت شمس مدنية جديدة بها ارتفعت القيمة البشرية الى قمة لم يسبق لها ضريب في تاريخ البشرية . ولقد قامت تلك المدنية الانسانية الجديدة على انقاض المدنية المادية الرومانية في الغرب ، وعلى انقاض المدنية المادية الفارسية في الشرق ، ولقد بلغت هذه المدنية الانسانية الجديدة أوجها ، من الناحية النظرية على الأقل ، غداة أنزل الله تعالى على نبيه الآية التي صدرنا بها هذا السفر ، وهي قوله تعالى " اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً)" وسألته ان كان يختلف مع كل ما ورد في هذا النص ما عدا (حروف الجر والنصب والتسكين) ..
ولو كان وقيع الله صادقاً ، لوقف عند هذا النص ، ولاعترف دون مكابرة ، بأنه كان يقصد انه يخالف ما ورد في كتب الاستاذ محمود ، ويقصد بذلك مجمل الأفكار، ولا يعني ما قاله بالتحديد ، من انه لا يقبل من كتب الاستاذ الا (حروف الجر والنصب والتسكين) .. ولما احتاج بعد ذلك ، الى هذه المرافعة الطويلة الفاشلة ، التي يبدأها باستثناء جديد ، لم يذكره قبلاً ، وهو الآيات القرآنية .. ثم يختم حديثه ، بأن قوله هذا من باب المجاز، الذي اتى به لمعرفته باللغة العربية ، التي يتهمني بالجهل بها ، وهو يظن ان المعرفة باللغة ، تعطيه الحق في هذا


http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147508097&bk=1

Post: #153
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:58 PM
Parent: #152



عودة الى الحوار العجيب !! (2)
الجد والهزل :
لقد زعم د. محمد وقيع الله ، في المقابلة ، انه يختلف مع كل ما كتب الاستاذ محمود ، ولا يتفق معه ، الا في (حروف الجر والنصب والتسكين) !! ولعله جنح الى تلك المبالغة المفرطة ، من باب الاستهزاء ، والهزل .. ولكن أمر الدين كله جد ، ولا مكان فيه للهزل . ومهما ساق وقيع الله ، من مبررات ، فان حديثه ذاك ، اما ان يكون حق ، او ان يكون كاذباً فيه ، وليس للكذب في الدين تبرير يسوغه ، وان كان الهزل والمبالغة . ولقد اوردت له نصاً من كتاب الرسالة الثانية من الاسلام هو ( عندما استعلن النور الالهي بمحمد الأمي من جبال مكة في القرن السابع الميلادي ، اشرقت شمس مدنية جديدة بها ارتفعت القيمة البشرية الى قمة لم يسبق لها ضريب في تاريخ البشرية . ولقد قامت تلك المدنية الانسانية الجديدة على انقاض المدنية المادية الرومانية في الغرب ، وعلى انقاض المدنية المادية الفارسية في الشرق ، ولقد بلغت هذه المدنية الانسانية الجديدة أوجها ، من الناحية النظرية على الأقل ، غداة أنزل الله تعالى على نبيه الآية التي صدرنا بها هذا السفر ، وهي قوله تعالى " اليوم أكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً" ) وسألته ان كان يختلف مع كل ما ورد في هذا النص ما عدا (حروف الجر والنصب والتسكين) ..
ولو كان وقيع الله صادقاً ، لوقف عند هذا النص ، ولاعترف دون مكابرة ، بانه كان يقصد انه يخالف ما ورد في كتب الاستاذ محمود ، ويقصد بذلك مجمل الأفكار، ولا يعني ما قاله بالتحديد ، من انه لا يقبل من كتب الاستاذ الا (حروف الجر والنصب والتسكين) .. ولما احتاج بعد ذلك ، الى هذه المرافعة الطويلة الفاشلة ، التي يبدأها باستتثناء جديد ، لم يذكره قبلاً ، وهو الآيات القرآنية .. ثم يختم حديثه ، بان قوله هذا من باب المجاز، الذي اتى به لمعرفته باللغة العربية ، التي يتهمني بالجهل بها ، وهو يظن ان المعرفة باللغة ، تعطيه الحق في هذا التصريح الذي ينطوي على الكذب !
يقول د. محمد وقيع الله ( وعلى مجادلي هذا الا يندهش اذا اجبته باني بعد ان اخرج الآية الكريمة التي في النص فاني اختلف مع النص على الجملة والتفصيل ) !! لماذا يختلف مع هذا النص جملة وتفصيلاً ؟! يقول ( لأني اقرأ هذا النص المحمودي الخبيث على ضوء مجمل قراءاتي للفكر الجمهوري الذي قرأت فيه اكثر من سبعة وعشرين كتاباً والعبارة المفتاحية التي تدعوني لكي ارفض هذا النص على علاته هي قول محمود محمد طه الاحتراسي : ان المدنية الاسلامية كانت متفوقة من الناحية النظرية على الاقل. فهذه العبارة تفترض بل تتضمن ان هناك رسالتان من دين الاسلام...) !!
لقد حمل وقيع الله النص ما لا يحتمله ، وفهم منه ان المدنية الاسلامية ، تفوقت نظرياً فقط ، ولم تتفوق عملياً ، لأن التفوق العملي ، سيتم للرسالة الثانية !! هذا ، مع أن النص ، قد كان يتحدث عن القرن السابع الميلادي ، وهو وقت الرسالة الاولى فقط . ان ما قصده النص ، بعبارة من "الناحية النظرية" ، هو ان التفوق على الفرس والروم ، قد تم نظرياً بمجرد نزول الآية ، لأنها آخر ما نزل من القرآن ، وبها اكتمل نزوله ، وهو المشار اليه ببزوغ شمس المدنية الجديدة ، التي فاقت الفرس والروم .. ولكن التفوق العملي ، لم يحدث بمجرد اكتمال نزول القرآن ، وانما جرى في الزمن ، في بقية القرن السابع ، وما تلته من قرون . ومهما يكن من امر المعاني المستكنة ، في هذه العبارة ، فان وقيع الله ، لم يقل انه يخالف كل ما كتب الاستاذ، اعتماداً على تأويله للمعاني الخفية فيه ، وانما قصد انه يخالفه في الظاهر، ولهذا ضرب المثل على ما يوافقه فيه ، وهي ( حروف الجر والنصب والتسكين )، وهي أمور ظاهرة ، لا تحتمل تأويل ..
يقول وقيع الله ( فهذه العبارة تفترض بل تتضمن ان هناك رسالتان من دين الاسلام ، اولاهما تلك التي كانت في عهد الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم وعهد صحابته والتابعين الأكرمين ، وهي في نظر محمود رسالة الاسلام السلفية القاصرة القائمة على القرآن المدني الذي لا تصلح احكامه لانسانية القرن العشرين . واما الرسالة الثانية فهي رسالة المؤمنين والاخوان الجمهوريين التي جاء بها محمود في السودان ، والتي كان من المقرر ان تتجلى وتستعلن عند مقرن النيلين بالخرطوم قبل موت محمود النهائي ، وهي التي استشهد صاحبها لصحتها ، بقول الله تعالى ، في القرآن المكي ، سنسمه على الخرطوم ...) !!
لقد حاورت كثير، من خصوم الفكرة الجمهورية ، ومعارضيها، ولكني لم اسمع من أحدهم ، ان الرسالة الثانية ، هي رسالة المؤمنين والاخوان الجمهوريين .. أو ان صاحبها استدل على صحتها ، بالآية سنسمه على الخرطوم ، يقصد به مقرن النيلين !! فمن أين جاء وقيع الله بهذه الترهات ؟! إن من يقرأ كتاب الرسالة الثانية فقط ، يعلم ان عبارة الرسالة الأولى مقصود بها الشريعة ، التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم ، وان الرسالة الثانية هي سنته . فاذا زعم وقيع الله ، بانه قرأ سبعة وعشرين كتاباً ، من كتب الفكرة ، فسيكون هذا المعنى قد مر عليه عدة مرات ، فلماذا اخفاه عن القراء ليصل لغرضه المبيت في تشويه الفكرة ؟!
الردّة والديمقراطية
لقد أخذنا على وقيع الله ، التشدق بالديمقراطية ، والدعوة الى محاكاة الغرب ، في استجلاب مؤسساتها ، مع ايمانه بالردّة .. ثم انه في مقاله هذا ، يتهمني بالوصاية عليه ، وعلى الآخرين ، ويستنكر ذلك ، ولا يشعر بأي تناقض في كل هذه المسائل ، ثم يغضب حين نصفه ، بان في عقله ، مناطق مختلفة لاشياء متضاربة متناقضة !! فاذا كنت تنفر من مجرد فرض وصاية فكرية عليك ، او على غيرك ، باعتبار انك شخص حر، وتتأذى من ان يفرض عليك أحد وصايته ، فلماذا تفرض وصاية على من بدل دينه ، تبلغ حد مصادرة حياته ؟! أليست القناعة الدينية قناعة فكرية ، من حق المواطن في النظام الديمقراطي أن يتبناها ، أو يغيرها متى شاء ؟! أليست كل مواثيق حقوق الإنسان ، تعطي الحق في حرية الإعتقاد ، وترفض اجبار أي شخص ، على البقاء في معتقد يريد ان يغيره ؟! ومن هنا ، من ان حق الاعتقاد حق اصيل من حقوق الانسان ، وان الديمقراطية لازمة لا تنفك عنها ، فان أي حديث يدعي الديمقراطية ويؤمن بالردّة ، انما هو هراء باطل ، لا يقول به عاقل ..
أما من الناحية الدينية ، فان الردّة لا مكان لها في أصل الإسلام .. ولكن وقيع الله لا يدرك ذلك ، ولهذا يقول ( لقد حلا لهذا الانسان الجدلي المنافح عن ضلال الشيخ وردته ان يأخذ آية من القرآن الكريم ويستشهد بها على اباحة الكفر وصحته ويتجاهل غيرها من النصوص المحكمة التي تمنع الكفر وتشجبه وتحاربه ) !!
والحق انه ليس هناك آية تقول بصحة الكفر- كما زعم وقيع الله في الفقرة أعلاه - ولكن هناك آيات تعطي حق الكفر، وتمنع اجبار الكافرين على الايمان، تقديساً للحرية الانسانية ، ومنها قوله تعالى ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) !! وقوله (لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) !! وقوله ( ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ) !! وقوله ( فذكر انما انت مذكر* لست عليهم بمسيطر) !! وهناك آيات أخرى ، تصادر حق الحياة ، بسبب الكفر، فلا تعطي فرصة للكافرين في الحياة ، اذا لم يدخلوا في الدين ، وبذلك تهدر الحرية الانسانية ، ومنها قوله تعالى ( فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ) وقوله ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فان الله بما يعملون بصير) وقوله ( قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين ) وقوله ( ياايها الذين آمنوا اذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب ) ، وغيرها كثير ..
إن وجود هذه الآيات ، التي تبدو لدى النظر السطحي متناقضة ، لا يواجهني .. لانني أؤمن بان القرآن مستويين ، وان الآيات التي اعطت الحرية ، وانسجمت بذلك مع حقوق الانسان ، هي آيات أصول .. وان الآيات التي لم تعط الحرية ، وتصادرالحياة بسبب الكفر، آيات فروع .. وان آيات الفروع ، قد ناسبت القرن السابع الميلادي ، والقرون التي تلته مما هي مثله.. وان آيات الاصول ، التي اعطت الحرية ، انما تناسب عصرنا الحاضر .. ولكن السؤال الذي يواجه وقيع الله ، وامثاله من السلفيين ، هو كيف يفسرون هذا التناقض؟! وهل لديهم مخرج غير فكرة المستويين ، وهي الفكرة الاساسية ، التي أتى بها الرجل الذي تجنى عليه جهلاً ، واتهمه بالردّة ؟!
واذا كان وقيع الله ، يرفض هذا الفهم ، ويزعم انه يطبق القرآن كله ، والاحاديث النبوية كلها ، دون اعتبار لاختلاف العصر، الذي يبرر الانتقال من الفروع الى الأصول ، فلماذا لم يبدأ بقتل من جاوره من النصارى ، في دار الحرب التي يقيم بها ، حتى يعطوا الجزية ، إمتثالاً لامر الله تبارك وتعالى ( قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون )؟! لماذا لم يقاتل عبدة الاوثان ، من اصحاب الديانات الشرقية ، القريبين منه ، نزولاً عند قوله تعالى ( قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة )؟! ولماذا لم يطبق حديث ( من راى منكم منكراً فليغيره بيده ..الخ ) ، فيحطم أول بار، يجده أمامه ؟!
فإذا ظهر لوقيع الله ، عجزه عن تطبيق هذا المستوى من الدين ، فليكف عن ادعائه ، حتى لا يحيق به المقت الإلهي ، الذي ورد في قوله (ياأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون ) !!
يقول وقيع الله عني ( نقرأ له ما يكتبه في مواجهة خصم له من المسلمين وهو البروفسير خالد المبارك فيستشهد في حقه بقول الله تعالى " ان شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ، ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون ". فهذه الآية الكريمة التي نزلت في حق الكفار ، بل شر أنواع الكفار على الاطلاق ،لا يجوز ان يخاطب بها الا الكفار، ولا يجوز ان يخاطب بها المسلمون على الاطلاق) !! ولأن وقيع الله يأخذ المسائل كمسلمات مطلقة ،دون التعمق فيها ، فانه يطالبني بالاعتذار، لايراد الآية في مقال الرد على د. خالد المبارك .. فهل القول بان الآية آنزلت في حق الكفار، حقيقة مطلقة ، ام انه رأي بعض المفسرين ، حين رأى غيرهم ، غير ذلك ؟! جاء في التفسير (وقيل المراد بهؤلاء نفر من بني عبد الدار من قريش روي عن ابن عباس واختاره ابن جرير وقال محمد ابن إسحق هم المنافقون) (تفسير ابن كثير ?الجزء الثاني ص 284-285) .. وحتى اذا كانت الآية قد نزلت في حق الكفار، فما الذي يمنع ان تذكر في حق شخص مسلم ، اذا كان يشبههم في صفة الإعراض عن الحق، بعد أن يبين له ؟!
وما دام وقيع الله يثني على نفسه كثيراً ، بانه يعرف لغة الضاد ، ويحدثنا محاوره الصحفي ، انه يدرس في قسم الدراسات الاسلامية ، فليعلم ان الكفر نفسه ، يمكن ان يوصف به المسلم ، لأنه لا يعني ، دائماً ، انكار الله ، او الخروج على تعاليم الدين .. وانما يعني في الاساس ، اخفاء الحقيقة ، ولما كان وجود الله ووحدانيته ، اكبر الحقائق ، فان اخفاءهما او انكارهما ، اعتبر اصطلاحاً كفراً.. ويتفاوت الكفر، بعد ذلك ، حسب الحقيقة التي غطاها الكافر، حتى يصل الى مجرد عدم شكر النعمة ، فهو وان كان كفراً فانه لا يخرج صاحبه من الملة.. ومن ذلك قوله تعالى (ولقد آتينا لقمان الحكمة ان اشكر لله ومن شكرفانما يشكر لنفسه ومن كفر فان الله غني حميد ) وقوله ( يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكرويسارعون في الخيرات واولئك من الصالحين * وما يفعلوا من خيرفلن يكفروه والله عليم بالمتقين ) .. وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم ، عن النساء المسلمات ، ( انكن تكفرن العشير... ) !! فاذا وضح ذلك ، فإننا قد نفتتح حديثنا ، بآية ترد فيها كلمة " الكافرين" ، في مناقشة شخص مسلم ، إذا أخفى حقيقة ، أو جحد نعمة ، ما كان له ان يتناساها


http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147508158&bk=1
___________

Post: #154
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 03:59 PM
Parent: #153


الرد( الجمهوري) العجيب!
محمد وقيع الله أحمد
لم يخب ظني حين حملت ( الصحافة) الغراء اعلانا يقول بان شخصا من اتباع الفكر الجمهوري سيرد على ما جرى على لساني في اللقاء الصحفي الذي اداره الصحفي البارع الاستاذ صلاح شعيب. توقعت حينها- وصدق حدسي- ان يكرر هذا الشخص في رده كل ما طفق يقوله في ردوده التي جاء بها على غيري ممن مسوا محمود محمد طه بنقد خفيف او كثيف. لم اتوقع ان يقول هذا الشخص شيئا لم يقله في الحلقات الممجوجة الطويلة التي رد بها على الصادق المهدي والأخرى التي رد بها على البروفسور عبد الله على ابراهيم، والبروفسور خالد المبارك، والدكتور غازي صلاح الدين وعلماء آخرين. فهذا الشخص لا يكلف خاطره بسوى تكرار العبارات والمقولات القلائل التي يحفظها ويتهافت بعضها على بعض في غير طائل ولا يزيد عليها شيئا كأنه توقف عن التعلم او كأنما رأى ان من خيانة عهد التلمذة ان يتعرف على شيئ جديد في هذه الدنيا بعد أن فارقها محمود. ولا غرو ففي ظن هذا الشخص أنه لا يوجد ثمة علم سوى العلم اللدني الذي اتى به محمود محمد طه وكل الصيد في جوف الفرا!!
مسوِّغات الرفض التام:
وقد عاب علي هذا الشخص ان ارفض فكر محمود برمته كما يقبله هو برمته. واورد عبارة طويلة من مقولات شيخه تحداني ان كنت جاداً ان ارفضها على علاتها (او سوى ما فيها من حروف الجر والنصب والتسكين كما قلت!) والعبارة التي جاء بها يتحداني هي:" عندما استعلن النور الالهي بمحمد الأمي من جبال مكة في القرن السابع الميلادي، اشرقت شمس مدنية جديدة، بها ارتفعت القيمة البشرية الى قمة لم يسبق لها ضريب في تاريخ البشرية. ولقد قامت تلك المدنية الانسانية الجديدة على انقاض المدنية المادية الرومانية في الغرب، وعلى انقاض المدنية المادية الفارسية في الشرق، ولقد بلغت هذه المدنية الانسانية الجديدة أوجها، من الناحية النظرية على الاقل غداة انزل الله تعالى على نبيه الآية التي صدرنا بها هذا السفر، وهى قوله تعالى (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناًً". وقد تساءل مجادلي بعد ان اورد هذا النص قائلا:" فهل يختلف وقيع الله مع كل ما ورد في هذا النص أم يتفق مع بعض ما ورد فيه بخلاف حروف الجر والتسكين والنصب؟!"
وعلى مجادلي هذا الا يندهش اذا اجبته باني بعد ان اخرج الآية الكريمة التي في هذا النص، فاني اختلف مع النص على الجملة والتفصيل، وذلك لاني اقرا هذه النص المحمودي الخبيث على ضوء مجمل قراءاتي للفكر الجمهوري ( الذي قرأت فيه اكثر من سبعة وعشرين كتابا). والعبارة المفتاحية التي تدعوني لكي ارفض هذا النص على علاته هي قول محمود محمد طه الاحتراسي ان المدنية الاسلامية كانت متفوقة: " من الناحية النظرية على الاقل". فهذه العبارة تفترض بل تتضمن ان هناك رسالتان من دين الاسلام ، اولاهما تلك التي كانت في عهد الرسول الأعظم، صلى الله عليه وسلم، وعهد صحابته والتابعين الاكرمين، وهي في نظر محمود رسالة الاسلام السلفية القاصرة القائمة على القرآن المدني الذي لا تصلح احكامه لانسانية القرن العشرين. واما الرسالة الثانية فهي رسالة المؤمنين والاخوان الجمهوريين التي جاء بها محمود في السودان والتي كان من المقرر ان تتجلى وتستعلن عند مقرن النيلين بالخرطوم، قبل موت محمود النهائي، وهي التي استشهد صاحبها لصحتها بقول الله تعالى في القرآن المكي: " سنسمه على الخرطوم"، وهي الرسالة الخاتمة التي كانت ستصلح - كما قال - لما بقي من القرن العشرين، ولما بعده كما يجادلنا تابعه هذا الآن.
وبعد هذا فارجو ان يتقبل مجادلي هذا رفضي الكامل لهذا النص الذي انتخبه بعناية بالغة من فكر شيخه محمود، وعليه ألا يرفع حواجبه من الدهشة لأني تخلصت من الفخ الذي نصبه لي فيه فإني لم اكن لأغفل عن ان النص يحتوي على آية كريمة من قول الله تعالى فاتورط في رفضها من ضمن ما ارفض من قول محمود. ثم اضيف لمجادلي سببا اخر سوغ لى رفض النص بكامله حيث لم يحسن صاحبه استخدام المصطلحات، فـ (التمدن)، وهو المصطلح الذي استخدمه، يعني الجانب المادي من التطور الاجتماعي، وبالتالي فانه قد حصر بقوله هذا رسالة الاسلام وانجازه التاريخي في هذا الجانب المادي القاصر من جوانب الرقي الاجتماعي، ولو استخدم محمود مصطلح (التحضر) لاصاب، لان التحضر يعني الجانب الثقافي والروحي والعقدي في التطور الاجتماعي، وهنا- وكما هو معلوم- يكمن لب لباب الاسلام، فالمسلم الحق، الذي يستلهم الإسلام بشكل حي غلاب، هو انسان متحضر حتى ولوعاش في بيئة مقفرة من كل أسباب التمدن والرفاه الاقتصادي.
ثم اني لا اعدم سببا آخر أكشف به عن تناقض هذا النص وتهافته، فبينما يشهر صاحبه رفضه الصريح الدائم للقرآن المدني، فانه هنا قد سَهَا سهوة جبارة كبرى هنا حيث استشهد على دعواه بقرآن مدني، بل هو باتفاق علماء المسلمين من بعض آخر ما نزل من الذكر الحكيم!
وقد استنكر مجادلي هذا اني هجمت على شيخه وقلت انه متحامل على الاسلام ولم ابين:" كيف كان الاستاذ محمود متحاملاً او محرفاً، او معادياً للاسلام". ولو قرأ مجادلي هذا قولي بوعي كامل لاستنبط الحيثيات التي بنيت عليها القول، فاني قد قلت ان محمودا عمل على تقويض أركان الاسلام وهدم دعائمه الكبرى، فانكر الصلاة والصيام والزكاة والحج، فهل من تحامل او تحريف او عداء للإسلام اشد من هذا او اسوأ؟! لقد قلت هذا في الحوارالصحفي عرضا، وقبل ذلك قلته مستفيضا في اطار البحث الذي نشرته بـ ( الصحافة) قبل شهور عن الفكر الجمهوري ونشرته بعض المواقع الإلكترونية مشكورة نقلا عنها، وعلق عليه بعض الافاضل وغيرهم، ولا استبعد ان يكون مجادلي هذا قد اطلع عليه ثم عجز عن مقارعته الحجة بالحجة مكتفيا بملاحقة ظواهر الالفاظ والعبارات في هذا الحوار الصحفي العفوي الذي اجراه معي الاستاذ شعيب في نهاية يوم عمل صاخب، ومع ذلك فانه قد عجز عن نقد شيئ في الحوار ولم يفصح الا عن جهله بلغة الضاد وعجزه عن فهم تصريفاتها واشاراتها واحتمالاتها ومجازاتها، ولم يلزم نفسه بما يلزم من ضرورة التحلي بالأريحية والتخلي عن الحرفية الظاهرية والتعنت والتعبط حتى يتأتى له الفهم الصحيح لما يقال في لغة الضاد في إطاره وسياقه الصحيح، وإلا لما فهم من قولي انني اختلف مع محمود في كل شيء كتبه " فيما عدا حروف الجر والتسكين والنصب!"، اني آخذ نفسي عندما اقرأ افكار محمود بعدِّ كلماته وحروفه، واختبارها فرادى منفصلة، واشغل فكري بفرز ما اقبله وما ارفضه من تلك الكلمات والحروف!!
انصاف محمود اختياراً:
ثم لا اجد دليلا على ان مجادلي هذا لا يقرأ بوعي كاف اكثر من ايراده لحيثية استخدمتها للدلالة على عداء محمود للإسلام وقيامه باستخدامها ضدي، فقال :" فاذا كان الأستاذ محمود محمد طه قد اقام فكرته على رفض اركان الاسلام، وتقويض شرائعه ونبذ القرآن المدني، فلماذا وصفه وقيع الله بأنه مفكر عميق وكبير وذلك حيث قال: (اعتقد ان محموداً كان من كبار المتأملين المفكرين في السودان، وكان يعيش احلاماً كبيرة وخطيرة، وهذه هى التي صنعت منه مفكراً كبيراً)؟! نعم لقد قلت ذلك وهو صحيح. فالانسان قد يكون مفكراً عميقا وصاحب افكار كبيرة، ويكون مع ذلك معاديا للإسلام. وهذا القول نفسه يمكنني ان اردده عن مستشرقين كبار قضوا حياتهم في الكيد للإسلام ومحاولة هدمه من امثال ديفيد صمويل مارغليوث، وإغناز غولزيهر، ورتشارد هل، وجوزيف شاخت، ولويس ماسينيون، وباتريشيا كرين، ومايكل كوك، وجون وانسبورا وغيرهم من دهاقنة هذه الطائفة الماكرة التي تفانت في الكيد لهذا الدين تماما مثلما تفانى في الكيد له ولآخر لمحة من عمره زعيم الجمهوريين.
لقد قلت إن محمود محمد طه مفكر تأملي كبير بهذا المعنى، وبمعنى عام أيضاً، فهو مفكر كبير بأي مقياس من مقاييس الفلسفة والفكر، ولا ينكر هذا الا الجهلة المتعصبون، ولست منهم بحمد الله. ولقد قلت ما قلته في شأن شجاعته وثباته منطلقاً من ركن الانصاف الخلقي، وهو خلقي وطبعي، ولم يضطرني أحد الى هذا القول كما ظن مجادلي ذو العنت الشديد هذا، فقد دفع به ذلك العنت الشديد لكي يقول:" :" ولقد كان الصحافي المحاور منصفاً حين سأل وقيع الله عن ايجابيات الاستاذ محمود، فاضطره ليقول: (كان محمود ثابت الجأش في المحكمة وحتى في قتله كان ثابتاً) وحتى يقلل من هذه الايجابية التي اضطر اضطراراً لذكرها، واصل قائلاً (كثير من الخارجين على الاسلام بدوافع الجذب والشطح والايمان بالاشياء الغامضة، واجهوا مصيرهم بمثل هذا الثبات والابتسام.. والحلاج صلى ركعتين قبل قتله، وهناك آخرون صدقوا مع انفسهم ولكن الصدق لا يعني الصحة والصواب). . واقول لمجادلي هذا انني لم اقل هذا القول اضطرا را ولم يرغمني على قوله الأستاذ صلاح شعيب، فقد سبق ان قلته وقلت ما هو اكثر منه بصدد انصاف محمود في البحث الذي كتبته عن الفكر الجمهوري، ولم يكن حينها يسألني الأستاذ شعيب ولا يسألني غيره، ولقد قلت كل هذا وقلت ما هو اكثر منه عندما اتيح لي ان احاضر عن محمود محمد طه خمس مرات في أمريكا، ولم يجبرني احد على قول ما قلت!! والحق أنني استطيع ان ارفض افكار محمود محمد طه وانتقدها أشد النقد، ولكن لا يمنعني ذلك من ان اعترف له بالشجاعة والثبات على المبدأ (ولا أعترف بها لبقية تلاميذه وأتباعه الذين جبنوا وتراجعوا عن اقوالهم وهربوا ومنهم زعيم الحزب الحالي وبعض من يحسنون الجدال الآن). و هذا كله فرع من طبع النصفة والعدل الذي أتحلى به، بحمد الله، وهو طبع يعجز عن فهمه مجادلي هذا - وما كان له ان يفهمه - ولذا جاز له أن يظن أن المحاور الصحفي الماهر صلاح شعيب قد اضطرني للاعتراف بقول الحق!
مجادلي والتكفير:
وبدهي أني إذا انصفت محموداً في هذا الجانب، فإني أقول الحق وحسب، ولا يعني ذلك تزكية لمحمود محمد طه ولا نفياً لعدائه للإسلام. ولا اتردد بعد ذلك في القول إن الذي يعادي الإسلام بعد ان كان من اهله، مثل محمود محمد طه، هوشخص مرتد بلا خلاف الا من جانب هواة الخلاف، ولذلك لا اجد مبررا إلا من جانب حب الخلاف لكي يستنكر على مجادلي هذا ان اطلق على شيخه نعت الردة عن الاسلام ويقول:" ولو كان وقيع الله يفهم الاسلام، لعلم ان الاسلام في اصوله ليست فيه ردة، لأنه اعطى حرية الاعتقاد، قال تعالى (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)!! وللعلم ان الاسلام في هذا المستوى الرفيع يتفق مع مواثيق حقوق الانسان.. وان هذا هو المستوى الوحيد الذي يمكن ان تتحقق به الديمقراطية التي حدثنا عنها وهو لا يدرك كنهها؟!"
لقد حلا لهذا الانسان الجدلي المنافح عن ضلال الشيخ وردته ان يأخذ آية من القرآن الكريم ويستشهد بها على اباحة الكفر وصحته ويتجاهل غيرها من النصوص المحكمة التي تمنع الكفر وتشجبه وتحاربه ومنها قول الله تعالى:" وَمَن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ"، ومنها قول الحبيب المصطفى، صلى الله عليه وسلم:" من بدَّل دينه فاقتلوه" وهذا النص يشير إلى التبديل بدين الإسلام ديناً آخر. نقول هذا منعا للالتباس على صاحبنا هذا المجادل الذي لا يفهم من عبارات الضاد الا ظواهرها ودلالاتها السطحية المطلقة ولا يدرك شيئاً في احتمالات التقييد والتخصيص بمقتضى الاطار والسياق العام!
وأما تعريف الردة فهو الذي ورد في حديث مسلم:"التارك لدينه المفارق للجماعة" فهو تعريف ينطبق على الشخص المخالف والمشاقق والمحارب للرسول وللإسلام ولجماعة المسلمين والخارج على مواثيق الامة والناصرلأعدائها عليها، وهذا واقع أمر شبيه بما يسمى في الثقافة العلمانية المعاصرة بـ (الخيانة العظمى) والتي يحاكم مرتكبوها بالاعدام في كثير من قوانين البلاد النصرانية العريقة في الديمقراطية.
وليس الإسلام وحده هو الدين الذي يتفرد بمنع الردة وعقاب مرتكبيها، فتراث الديانتين اليهودية والنصرانية ملئ بالنصوص على حكم الردة بأشد مما ورد في الإسلام. يقول سفر سفر التثنية إن الرب يقول:" وَإِذَا أَضَلَّكَ سِرّاً أَخُوكَ ابْنُ أُمِّكَ، أَوِ ابْنُكَ أَوِ ابْنَتُكَ، أَوْ زَوْجَتُكَ الْمَحْبُوبَةُ، أَوْ صَدِيقُكَ الْحَمِيمُ قَائِلاً: لِنَذْهَبْ وَنَعْبُدْ آلِهَةً أُخْرَى غَرِيبَةً عَنْكَ وَعَنْ آبَائِكَ مِنْ آلِهَةِ الشُّعُوبِ الأُخْرَى الْمُحِيطَةِ بِكَ أَوِ الْبَعِيدَةِ عَنْكَ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ إِلَى أَقْصَاهَا، فَلاَ تَسْتَجِبْ لَهُ وَلاَ تُصْغِ إِلَيْهِ، وَلاَ يُشْفِقْ قَلْبُكَ عَلَيْهِ، وَلاَ تَتَرََّأفْ بِهِ، وَلاَ تَتَسَتَّرْ عَلَيْهِ. بَلْ حَتْماً تَقْتُلُهُ. كُنْ أَنْتَ أَوَّلَ قَاتِلِيهِ، ثُمَّ يَعْقُبُكَ بَقِيَّةُ الشَّعْبِ. ارْجُمْهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ" . وما يزال النصارى وقد عشنا بينهم دهرا وخبرناهم عن قرب يكفرون بعضهم بعضا وتؤمن كل طائفة منهم أنها على الهدى والحق المستبين وان من سواهم يسدر في ضلال مبين.
وإذا قربنا الشقة وجئنا إلى صاحبنا المجادل هذا فإنا نقرأ له ما يكتبه في مواجهة خصم له من المسلمين، وهو البروفسور خالد المبارك، فيستشهد في حقه بقول الله تعالى :"إن شرّ الدَّوابِّ عند اللهِ الصُّمُّ البكمُ الذين لا يعقِلون. ولو علِم اللهُ فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوْا وهم مُعرضُون" . فهذه الآية الكريمة التي نزلت في حق الكفار، بل شرِّ انواع الكفار على الإطلاق، لا يجوز أن يخاطب بها إلا الكفار، ولا يجوز أن يخاطب بها المسلمون على الإطلاق. ولكن مجادلنا الجمهوري المشتط يستخدمها استخداما معيبا خطيرا بحق احد المسلمين، هو البروفسور المبارك، فهل يمكن أن يعدُّ المخاطب بهذه الآية من قبل هذا الجمهوري حاد الطباع مسلما ام لا ؟! ان كانت الاجابة بالايجاب فقد وقع المحظور وسقط هذا الجمهوري هاوي الجدال فيما ينهى عنه من التكفير والحكم على الاخرين بالردة عن الاسلام، وان كانت اجابته سلبا فليعترف معها، وبمقتضاها، وعلى رؤوس الاشهاد، بانه قد أخطأ في استخدام هذه الاية استخداما مجانباً للحكمة والحصافة وهدي العقل المعافى السليم، وليعتذر ويقل إنه ما ساق تلك الاية في هذا المنحى المنحرف الخاطئ الا بضغط من التوتر ولظى الخصومة الفاجرة التي لا تهدي إلى الرشد ولا إلى صراط مستقيم.
الحرية له لا لسواه!
وهذا اعتذار منه لا نرجوه فهذا الشخص الجمهوري التابع لمحمود محمد طه، لا يزال ساعيا أبداً في الهجوم الحاد على خصومه والإساءة اليهم، ومحاولة فرض (وصايته) الفكرية عليهم وعلى الجميع، ولا يحتمل أدنى خلاف في الرأي، ولا يؤمن بأن الحرية حق مشاع ( له ولسواه ). ولدى هذا الجمهوري طائفة من النعوت الشنعاء البشعة التي لا يتردد في وصم كل من يختلف معه في رأي- أي رأي- بها. فهذا الذي يخالفه اما أن يكون جاهلا، أوسطحياً ، أو متناقضا، أو في ذهنه مناطق متفرقة لاشياء كثيرة متنافرة، أو أنه يعاني من انفصام وازدواج في التفكير، أو أنه شخص لا قيمة لفكره ولما يقول. وهذه الفاظ جارحة يطلقها بهدف الإرهاب الأدبي والتمهيد لفرض (الوصاية) على الغير. ولا ريب فشيخ هذا الفتى هو محمود محمد طه القائل عن الشعب السوداني بجملته: " إن هذا الشعب يحتاج الى وصاية على أن تكون وصاية مخلصة رشيدة ". ولا ريب أن سائر من يرد عليهم في مقالاته الصحفية الصاخبة المتوترة، نمثل في نظر هذا الجمهوري التابع، مجرد أفراد قلائل من جملة هذا الشعب السوداني الذي يحتاج إلى (الوصاية) المخلصة الرشيدة. اما هو ? على قلة علمه وشأنه - فإنه ولا ريب - ولا عجب - (الوصي) الذي لا يسمح لنا بأن نعتقد أو نفكر أو نقول إلا بما يشاء لنا ونسكت عما لا يريد!
التحريض ضد الأنصار!
ولذلك انكر علي قولي عن شيخه إنه كان يتآمر مع عصابة مايو ضد الأنصار وقال:" وحين ذكر الصحافي ان هناك من يقول بأن محاكمة الاستاذ محمود كانت عملاً سياسياً اجاب وقيع الله (قد يكون.. لكن هو ايضاً لم يكن بريئاً من التآمر السياسي ضد خصومه. وقد تآمر مع حكومة نميري والشيوعيين ضد الانصار، وايد ببيانات كثيرة ضرب الانصار يوم ضربوا في الجزيرة ابا عام 1970م..) ولم يخبرنا وقيع الله كيف تآمر الاستاذ مع حكومة نميري ضد الانصار؟! او ماذا جاء في احد البيانات التي قال انها كثيرة؟!" .. ويا لشقاء مجادلي هذا فهاهو يطلب بنفسه مني الآن أن أتكلم، وها قد حان الحين لأخبره الخبر اليقين. فقد ظل حزبه الجمهوري يؤيد الحكم الشيوعي المايوي ويشيد بقيامه بسحق الأنصار الشرفاء.
وفي هذا يقول محمود محمد طه مشيدا بالنظام المايوي -:" ان النظام الحاضريجد تبريره الكافي في انه منذ البداية سار في اتجاه تصفية الطائفية بصورة لم يسبق لها مثيل في العهود السابقة ولا يمكن لهذا الشعب أن يدخل عهد كرامته ومن ثم ديمقراطيته الا اذا تخلص من النفوذ الطائفي، و ليست الطائفية تنظيما فحسب وانما عقيدة .. و لا تحارب العقيدة بالسلاح وان حورب التنظيم بالسلاح. وانما يجب أن يسير مع السلاح الذي أضعف التنظيم "الطائفي" نشر الوعي بالدعوة الى الاسلام الصحيح"... قال محمود محمد طه هذا القول النُّكر المستنكر في حواره مع عبد الله جلاب. وفي ذلك الحوار نفسه قال:" إن هذا العهد قد قوض نظام الأحزاب الفاسدة ، وهو قد ضرب الطائفية ضربة كسرت شوكتها ولكنها لم تقتلع جذورها". إن هذا هو قول محمود محمد طه بنصه وفصه أدلى به للصحفي المايوي عبد الله جلاب في يوم الاثنين 11-12-1972م. وكما هو واضح فإن صاحب القول لا ينكر في هذا النص استخدام السلاح ضد الأنصار، بل إنه يقر ذلك ويؤيده، ويبدو وكأنه يحرض على المزيد من استخدامه.
والآن فماهو هذا السلاح الذي استخدم ضد الأنصار، ولم يعترض محمود على استخدامه بل أقره ووافق عليه وبدا كأنه يحرض على المزيد منه حتى يكتمل كسر الكيان الأنصاري عسكرياً و يتم اقتلاعه تماماً من جذوره العقائدية الغائرة؟؟ إنه ليس سوى سلاح الطيران الرهيب الذي اجتلب من الخارج وتم به حصد الألوف المؤلفة من جماهيرالأنصار الأطهار، وهدم به مسجدهم الجامع العامر المسمى بمسجد الكون بالجزيرة أبا، و هشم بوابل قصفه قصر امامهم الإمام الهادي المهدي، ذلكم الزعيم الوطني الديني الكبير الذي نهض يقاوم المد اليساري الباغي حتى قتل دون ذلك فيما نحسبها شهادة كريمة له رحمه الله تعالى.
إن في هذا الكلام الموثق الذي ننقله عن عبد الله جلاب والذي هو موجود حتى الآن - ونرجو أن يظل موجودا ابدا- بالموقع الإلكتروني للحزب الجمهوري، لرد كاف على مجادلي هذا الذي كتب بـ (الصحافة ) يرد علي وينكر قولي بأن محمود محمد طه كان يؤيد ضرب الأنصار بالجزيرة أبا. ومن أسف فإن هذا الشخص الذي ينعي عليَّ جهلي وقلة اطلاعي على مصادر الحزب الجمهوري لا يدري هو نفسه شيئا عن وجود هذه المقابلة الصحفية الدامغة والمدمرة على الموقع الإلكتروني لحزبه. وبهذه المناسبة فأرجو ان يكون في إيرادي لهذا النص على صفحات (الصحافة) الغراء رد مباشر كذلك على من علقوا على حواري مع الأستاذ صلاح شعيب على المواقع الإلكترونية، وقاموا بالرد النافي على من سألوا عن صحة قولي ان زعيم الجمهوريين لم يكن بريئا من الناحية السياسية وانه حرض ببياناته واقواله على ضرب الانصار، وزعم هؤلاء النفاة ان ما قلت انه موجود على صفحات الانترنيت من هذه الاقوال غير موجود فيها لدى التحقيق.
وفي الحق فاني قد حزنت كثيرا لدى قراءتي لتعليقهم ذاك، لاني كنت أظن ان هذا الشباب الطالع الذي يكتب هذا الكلام على شبكة العنكبوت ادرى مني بما هو موجود على تلك الشبكة او غير موجود. ولقد قلت لنفسي على إثر ذلك اني لا ألزم نفسي باحضار هذا النص لهؤلاء الشباب من مصدره - وهوالموقع الإلكتروني للحزب الجمهوري!- طالما اني ارشدتهم إلى طريق الوصول اليه. ولكني اكتشفت بأني قد اسأت التقدير بلا ريب، فهذا شخص جمهوري كبير يقول إنه يحمل شهادة دكتوراه ( في علم لا ادري ماهو)، ويزعم انه على صلة بمناهج النظر والبحث والتحقيق، ثم لا يدري بعد ذلك شيئا عن وجود هذا النص من عدمه في أدبيات الحزب الذي ينتمي اليه!!
الفرق بين القيم والآليات :
وضعف مجادلي هذا في مناهج النظر والتحليل هو الذي اورده موارد العطب والخلل الفكري في نقده إياي. فهو لا يستطيع ان يفرق ما بين (القيم المثالية) و(الآليات العملية). ولذلك لم يفهم من قولي ان المسلمين لا يحتاجون الى استيراد قيم سياسية غربية، وانه لا مانع في الوقت نفسه من أن يسترشدوا ويستفيدوا من آليات التجارب العملية في الديمقراطية الغربية الا على انه قول مضطرب متناقض، ذلك مع اني ضربت الامثلة الواضحة لنوعية التجارب التي اقصدها بالآليات التطبيقية البحتة كمراكز البحوث، واللجان البرلمانية في الكونغرس ومجلس العموم، وأساليب التدريس بمدارس التعليم العام في البلاد الغربية، ونحو ذلك، فهل هذه (قيم مثالية) ام هي (آليات تطبيقية)؟!
إن هذه بلا أدنى ريب أو خلط مجرد آليات تطبيقية تنّزل بها المثل الديمقراطية إلى أرض الواقع المعاش.إن هذا هو الأمر على جليته برمته، واذا استطاع مجادلي ان يفهمه فهما سطحيا او عميقا، فسيفهم حينئذ ان كلامي لا يتناقض. أما ان كان محتاجا الى مثال آخر ليفهم، فليتدبر إذن هذا المثال الاوضح مما سلف، فهو ادنى للفهم. ان من آليات تطبيق الديمقراطية وسائل متعددة تستخدم لاحصاء الاصوات، فقد تحصى الأصوات الكترونيا، او يدويا، وقد تحصى بالوقوف، أو التصفيق، او برفع الاصوات. وكل هذه الوسائل سائغة ومناسبة ويستخدم كل منها في الوقت الملائم. فهل اذا استوردنا وسائل احصائية كهذه لاحصاء الاصوات من الغرب نكون قد استوردنا قيما سياسية من الغرب؟؟
قد يجوز هذا الفهم عند من يقول عني:" وحين سأله المحاور بناءً على حديثه السابق (هل نحن محتاجون الى استيراد قيم سياسية؟) اجاب بقوله (لا اعتقد.. من جانب آخر اعتقد ان دراسة وتمثل الموروث الشوري الاسلامي القديم وفهمه بنضج متقدم يكفي في حد ذاته).. ولعله قبل ان يسجل الصحافي هذا الاجابة الواضحة التي فحواها اننا لا نحتاج لاستيراد الديمقراطية من الغرب، وانما يجب ان نتمثل الشورى القديمة ونتفهمها، اذا بوقيع الله يفاجئه بقوله (لكن لا مانع من الاستزادة بالتجارب الديمقراطية العظيمة المتطورة في الغرب، خاصة الولايات المتحدة الاميركية.. وهذه البلاد تمارس فيها الديمقراطية ممارسة حقيقية حية وقوية وناضجة وشريفة..)!!
ومع ان هذا الإنسان الجدلي قد دل بقوله هذا أنه لا يحسن فهم الفرق بين (القيم) و(الآليات) الا انه يعود ليفقهنا في مثل الشورى والديمقراطية وقيمهما قائلا:" (فالشورى ليست نظام حكم، وانما هى ميكانيكية مساعدة لنظام الخلافة، تلطفه، وتهذبه حتى لا يصبح دكتاتورية سافرة، بل يكون نظام وصاية الفرد الرشيد على القصر.. فالخليفة الحاكم يختار مجموعة ممن حوله سماها الفقهاء مؤخراً (أهل الحل والعقد) يشاورهم في امور الدولة فيستأنس برأيهم، ولكنه يملك ان يخالفهم، فليست المشاورة بملزمة.. فبالرغم من الشورى يظل نظام الخلافة حكم فرد، وهو لهذا يتناقض تماماً مع الديمقراطية.. وآية الشورى من الكتاب قوله تعالى " فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين".
ويقول مجادلي هذا عن الآية الشريفة إنها غير ملزمة فهي بالتالي لا تعني الديمقراطية او الحرية او الشورى. ولا ندري لماذا يريد ان يلزمنا بفهمه هذا القائل ان هذه الآية ليست ملزمة ، فاننا نفضل بدلا من الأخذ برأيه غير الملزم هذا أن نأخذ برأي الإمام السيوطي، رحمه الله، الذي استدل على الزامية الشورى بما أخرجه ابن مردويه عن علي قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزم فقال: "مشاورة أهل الرأي، ثم اتباعهم". ونفضل ان نأخذ أيضاً برأي الامام النهضوي الأكبرمحمد عبده، رحمه الله، الذي حدثنا مليا عن مضار الاستبداد ثم قال: " إن الشريعة ... توجب تقييد الحاكم بالسنة والقانون، ومن البديهي الواضح أن نصوص الشريعة لا تقيّد الحاكم بنفسها، فإنها ليست إلا عـبارة عن معاني أحكام مرسومة في أذهان أرباب الشريعة وعلمائها، أو مدلولاً عليها بنقوش مرقومة في الكتب، ولا يكفي في تقيُّد الحاكم بها مجرد علمه بأصولها، بل لا بد في ذلك من وجود أناس يتحققون بمعـانيها، ويظهرون بمظاهرها، فيقومونه عند انحرافه عنها، ويحضونه على ملازمتها، ويحثونه على السير في طريقها، ومن أجل ذلك دعا سيدنا عمر، رضي الله عنه، الناس في خطبته إلى تقويم ما عساه يكون منه من الاعوجاج في تنفيذ أحكام الشريعة، ... وقال تعالى: " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون". إذ لا يخفى أن هذه الآية الشريفة عامة في دعوة الملوك وغيرهم، على معنى أن تلك الأمة، أي الطائفة من المسلمين، تدعو الملوك وغيرهم إلى الخير، وتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، ليقوم بها الدين، ولا يخرج أحد عن حدِّه، حاكماً كان أو محكوماً».
فهذا رأي تحليلي وظيفي قيم نظر إلى مهام الأمة على هذا الصعيد وحصرها في ثلاث: أولها تكوين الآراء الصائبة، وثانيها بذلها للحكام عبر الشورى، وثالثها إلزام الحكام بالرأي الشوري الغالب، وقد رأى هذا الإمام الحكيم الملهم في الآية التي استشهد بها دلالة على الشورى، أنها آكد في دلالة من آية الشورى التي أشار اليها مجادلنا من قبل. وعلى الجملة فإن رأي الامام محمد عبده الذي نأخذ به وندين به أقيم بكثير وأقوم من رأي محمود محمد طه شديد التحامل والعداء لدين الله، وبالتأكيد فإنه أقيم بكثير وأقوم من رأي تابع محمود هذا الذي لا يستحي ولا يتورع عن ان يصف حكم الخلفاء الراشدين بأنه حكم ثيوقراطي وانه:" حكم فرد، وهو لهذا يتناقض تماماً مع الديمقراطية" ، و يزعم ان سيدنا أبا بكر الصديق وسائر الخلفاء الراشدين لم ينتخبوا انتخابا حرا من قبل الناس.
ولو كان لهذا الشخص الجدلي الذي يبتسر القول ابتسارا أدنى معرفة بتاريخ الإمام الطبري الذي سجل وقائع الشورى الأولى، لعرف أن تجربة السقيفة قد أدت إلى اختيار اختيار الصديق خليفة عن طريق الصفوة والجمهور معاً، إذ اتفقت صفوة الصحابة الكرام على اختيار أبي بكر، رضي الله عنه، ثم عرض هذا الاختيار على عامة الناس فوافقوا عليه. وهذا ما يمكن أن يسمى بالانتخاب على مرحلتين، وربما كانت تجربة السقيفة رائدة بهذا المقتضى على ما يعرف في الأنظمة الديمقراطية الحديثة بنظام الانتخاب على مرحلتين. مرحلة الانتخابات الأولية Pri
maries ومرحلة الانتخاب العام General Election، وهي
التجربة المعمول بها في الديمقراطية الأمريكية الآن.
ولو راجع مجادلنا هذا أي تاريخ موثوق لعلم ان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم طلبوا من الصديق، رضي الله عنه، وهو على فراش الموت ان يرشح لهم شخصا للخلافة، فرشح لهم عمر ولم يفرضه عليهم، ولو راجع هذا المشاغب على تاريخ الشورى وتجربتها مرجعا حسنا في التاريخ لكان قد عرف ان أن العملية الانتخابية التي أتت بسيدنا عثمان، رضي الله عنه، إلى الحكم قد استغرقت المسلمين جميعاً بالمدينة، سواء أكانوا من النخبة أو العامة. وأن عملية الانتخاب المبدئي كانت سرية، وربما كانت الحكمة في اتخاذ الغطاء السري لها هو منع احتكاك أصحاب الآراء ببعضهم بعضاً في هذه المرحلة التمهيدية الحرجة. ولكان قد عرف أن العهد قد أخذ على المرشحين جميعا باحترام دستور الدولة، وهو القرآن والسنة. وأن العهد قد أخذ أيضاً عليهم باحترام النظام السياسي المستقر، وهو ما عبَّر عنه عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنه، بقوله : " وسنة صاحبيك من قبلك ". ولعرف أيضاً أن عهداً آخر قد أخذ على المرشحين باحترام المشروعية السياسية، أي ما تُسفر عنه العملية الانتخابية، وأن اختيارعبد الرحمن بن عوف لسيدنا عثمان، رضي الله عنهما، لم يتولد عن رأيه الشخصي الصِّرف، وإنما من أغلبية الأصوات التي استقرأها، وعضَّد ذلك الاختيار رفض سيدنا علي، رضي الله عنه، لأحد شروط تولي الخلافة، كما حددها ابن عوف، رضي الله عنهما. إن هذا جانب مضئ من تاريخ الشورى يجهله هذا الذي يتطاول على هذا المفهوم الشوري القيمي الإسلامي العظيم ويفضل عليه المفهوم الديمقراطي الغربي الذي لسنا نقف ضده عندما يطبق في بلاده ولكنا نعلن بملء الفم أنا- من الناحية القيمية ? لا نحتاج اليه لأننا نملك ما هو أفضل منه بكثير.
الجانب الشخصي في الموضوع:
ويبقى بعد ذلك الجانب الشخصي في الموضوع، وهو اقل الجوانب قيمة واهمية، ولولا ان طاب لمجادلنا الخوض فيه باسهاب لما شغلنا به قراء (الصحافة) الكرام، وإنا لن نشغلهم به كثيرا على أية حال. فمجادلي يتهمني بأني قد هبطت بمستوى الحوار بصورة مؤسفة واني في اكثر من مرة لم افهم مجرد السؤال :" فحين سأله الصحافي: (حينما فكرت الانقاذ في ذلك- يعني الانقلاب- كانت تستند على مرجعية دينية، أم مرجعية ديمقراطية؟) اجاب (ماذا تعني بذلك؟!) وحين قال له الصحافي (لكن الآلية التي كان يعتمد عليها الصادق المهدي ديمقراطية) اجاب (ماذا تعني؟) و ظن مجادلي أني عندما أسأل بلفظة ماذا تعني؟ لا أفهم شيئاً في السؤال. ولم يفهم هذا الشخص المعاظل بالألفاظ أن هذا الأسلوب يستخدم فنياً ومنهجياً في سياقات لغة الحوارالصحفي وغير الصحفي وذلك حتى تتحدد المصطلحات بصورة جيدة وينضبط السؤال على نحو حدي جامع مانع وتأتي الإجابة من ثم مفصلة على قدر السؤال. ولو كان مجادلي من أهل الانصاف لأتى بالمثال التالي من الحوار الصحفي الذي اجراه معي الأستاذ صلاح شعيب: فقد سألني الأستاذ شعيب كالتالي: ان الظروف الاجتماعية في السودان صعبة جدا، فماذا تقول؟ و حينها سألته ماذا تعني بالظروف الاجتماعية ؟ فأجا بـ: أعني بها ظروف المعاش. وبذلك اتضح انه يعني بالظروف الاجتماعية معنى ضيقاً، وهو المعنى الاقتصادي دون غيره من الجوانب الاجتماعية الكثيرة، ولذلك فقد كان حسنا ان اسأله هذا السؤال الاستيضاحي ولم اكن غبيا كما ظن هذا المتغابي عن الحق!
وقد شاء مجادلي المتحامل أن يفهم من قولي اني اتفادى العمل التنظيمي الجماعي في الحركة الإسلامية لأنه يعرضني للمشاكل وللاحتكاك بالآخرين، إني شخص حاد الطباع وسيئ الأخلاق، واستنتج كذلك أني مدرس يحتد مع طلابه ويسيئ إليهم. وإزاء ذلك فإني على رهان مع هذا الإنسان الجدلي المتعنت فأدعوه لكي يذهب ويسأل عني طلابي أجمعين، وعددهم وفير جدا بحمد الله، وبينهم اليوم بحمد الله، بروفسورات وعمداء في الكليات، فإن وجد فيهم واحدا فقط لا أكثر يقول بأني قد أسأته أو خاشنته أو أحجمت عن معاونته يوما ما، فإني سأقبل شهادته هذه المفردة وكأنها شهادة صادرة ضدي من الجميع.
وأما محاولة هذا الجمهوري الجامد أن يلزمني بالعمل التنظيمي في الحركة الإسلامية فهي محاولة متطفلة حقا، إذ لا يحق له أن يفرض (وصايته) علي، خاصة لما كان أمري لا يعنيه من قريب أو بعيد. وأما عن قوله إني عندما لا انتظم في داخل الحركة الإسلامية فإني سأجد نفسي في خلاف فكري معها، فمن قال له إني لا أختلف مع الحركة الإسلامية؟! فالحركة الإسلامية ليست صنما يعبد كالحزب الجمهوري.


http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147507498&bk=1

Post: #155
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 04:00 PM
Parent: #154



الحــــوار العجيـــــب
د. عمر القراى
(فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً) صدق الله العظيم.
* اطلعت على حوار في صحيفة «الصحافة» الغراء العدد «4802» بتاريخ 19 اكتوبر 2006م، اجراه الصحافي صلاح شعيب، مع شخص قال عنه (الدكتور محمد وقيع الله استاذ جامعي يدرس في الولايات المتحدة وهو مفكر اسلامي وباحث يساهم في الحياة العامة باوراق ودراسات معمقة وكتابات سياسية وفكرية في القضايا المعاصرة والشؤون السيايسة) على ان هذا الحوار لم يعكس شيئاً مما ذكره الصحافي في مقدمته تلك. بل قدم لنا شهادة رجل، على نفسه، بأنه يؤمن بفكر الحركة الاسلامية، ولا ينتمي لها تنظيمياً، لأنه سريع الغضب، ويصادم كل من يخالفه الرأي!! ثم هو يرى ان الحركة الاسلامية السودانية، الآن صاحبة الشأن الاعلى، وانها لم تحد عن مسارها، وان مشروعها الحضاري، مازال قائماً!! فلما سئل عن ما حققه المشروع الحضاري في الواقع، تذرع بغيابه عن البلاد، سبباً لعدم معرفته بما يجري!! وهو يرى ايضاً ان الحركة الاسلامية ليست لها كيانات تنظيمية، كما كانت في الماضي، وانها ذابت في السلطة، بل يرى المسلمين جميعاً خرجوا من حلبة الحضارة والتاريخ!! ثم هو يترك مفارقة المسلمين جانباً، ليحدثنا عن عظمة اميركا وديمقراطيتها، وحريتها، ومع كل اعجابه بالحرية والديمقراطية، ودعوته لنا، لنستلهمها من الغرب، لا ينسى ان يكفِّر الاستاذ محمود محمد طه ويقول بأنه شخص غير مسلم ومرتد، دون ان يورد من كتب الفكرة ما نسبه اليها!! هذا بالرغم من انه قد سئل عن دراسة كان قد كتبها حول الفكر الجمهوري.
انتماؤه للحركة الاسلامية ورأيه فيها:
* في الإجابة على السؤال (ما هى علاقتك بالحركة الاسلامية...) يقول د. وقيع الله (علاقتي بالحركة الاسلامية ثقافية وليست تنظيمية.. وفي هذا السياق كنت ومازلت ارى نفسي موجوداً في داخل الحركة الاسلامية، وفي ذات الوقت ارى نفسي خارجها)!! وحين سأل الاستاذ صلاح شعيب (هذا الحديث يعطي انطباعاً بانك غير منظم داخل الحركة الاسلامية، ونحن نعرف ان المنتمي للحركة الاسلامية هو منظم فيها، هل نفهم انك تجمع خصوصية الانتماء واللا إنتماء للحركة؟) أجاب (أنا لست منظماً في داخل الحركة الاسلامية، وانني ايضاً غير منتظم في أي إطار آخر اجتماعي رسمي أو غير رسمي، وحياتي محورها النشاط والعمل والانتاج الدائم الدائب. وانا اؤمن بالانتاج فقط ولا اؤمن بالاطر الاجرائية.. وفي حالتي الخاصة الاجراءات الضيقة معوقة لعملي ايما تعويق، لذلك اصطدم بالناس الذين يعملون معي. ودائماً ما اعمل عملاً انفرادياً، ولا احب ان التقي في تعاون أو تنظيم او تنسيق مع أي شخص. وهذه ميزة يعرفها كل من يعرفني).
نحن هنا، امام رجل، يظن انه يتفق مع الحركة الاسلامية فكرياً، ولكنه يرفض فكرة ان ينتظم داخلها، ولا يدرك ان هذا في حد ذاته، خلاف فكري بينه وبينها. ذلك ان الحركة الاسلامية تعتمد على مرجعية دينية، قررت بناءً عليها انشاء التنظيم الذي يقوم على العمل الجماعي، قال تعالى (ولتكن منكم أمة يدعون الى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) فاذا كان د. وقيع الله لا يؤمن بالاطار التنظيمي، كما قال فهذا خلاف فكري واضح بينه وبين الحركة الاسلامية وان لم يشعر به. ثم ان صاحبنا يقول (لا أحب ان التقي في تعاون او تنظيم او تنسيق مع أي شخص وهذه ميزة) فأين يذهب به ذلك عن قوله تعالى (وتعانوا على البر والتقوى)؟! وهل حقاً ان نفوره من التعاون والتنسيق والعمل الجماعي المنظم ميزة ام انها مشكلة؟! ليس من حيث مفارقتها الدينية فحسب، بل من حيث بعدها عن الاسلوب العلمي في المجال الاكاديمي الذي قال إن فيه جل نشاطه (الدائم الدائب)؟!
ولماذا لا يريد هذا الدكتور ان يعمل مع مجموعة في تنسيق او تنظيم؟! اسمعه يقول في تبرير هذا السلوك العجيب (وانا سريع الاحتدام والاصطدام مع الشخص الذي يختلف معي في الفكر والرأي.. لذلك احب ان اعمل دائماً على انفراد كامل حتى في مجال عملي المهني وهو التدريس) اليست هذه حماقة، شهد بها وقيع الله على نفسه دون موجب؟! ألم يسمع بالقول (ان اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية)؟! وما ذنب هؤلاء الطلاب، الذين تقتضي دراستهم ان يعملوا في شكل مجموعات، وفرق ويفرض عليهم المنهج العلمي نفسه ان يختلفوا مع بعضهم ومع استاذهم؟! ما ذنبهم ان يكون استاذهم من الضيق، بحيث يصادمهم، ان هم اختلفوا معه في الرأي؟!
إن د. محمد وقيع الله يعاني من مشكلة خطيرة وعصية على العلاج، وهو لن يتجاوزها اذا ظل مشغولاً عنها بنقد الآخرين، ولو انه يقبل منا مساعدة لاقترحنا عليه ان يتبع المنهاج النبوي في ترويض النفس والسيطرة على بداواة الطبع، حتى يتقبل الرأي المعارض في محبة وسعة.
يقول وقيع الله عن الحركة الاسلامية (وفي الوقت الحالي اعتقد ان الحركة الاسلامية اصبحت تضع الاجندة والمبادرات للعمل السياسي السوداني عامة، هذا الامر يجري منذ عقد ونصف من الزمان تقريباً، فالحركة الاسلامية السودانية هى صاحبة الشأن الاعلى والجميع يصدرون عن ردود فعل لما تفعله الحركة الاسلامية)!!
ولم يخبرنا عن أية حركة اسلامية يتكلم. هل يقصد المؤتمر الشعبي ام المؤتمر الوطني؟ فإن كان يقصد المؤتمر الشعبي فهو بعيد عن السلطة ولا يتولى المبادرات، وإنما ركز عمله على نقد الجناح الآخر من الحركة الاسلامية الذي يسيطر على الحكومة، واعتبره المسؤول عن الفشل والفساد والصراعات الاقليمية!! وان كان وقيع الله يقصد المؤتمر الوطني الذي يقود الحكومة، فإنه يواجه مشاكل عديدة في الداخل والخارج، وتعوزه الحيلة في ان يقدم مبادرة تخرج البلاد مما ورطها فيه.. ثم هو أيضاً يعاني الآن من انقسامات وصراعات لمحاور قوى تمنعه من أية مبادرة نافعة.. ألا يكفي هذه الحركة الاسلامية مفارقة لجوهر الاسلام، ان يصف مرشدها تلاميذه بالفساد والانحراف عن قيم الدين والانشغال بالكراسي؟! لا يكفيها مفارقة ان يصف التلاميذ مرشدهم وشيخهم بالكفر والمروق؟!
وبعد كل هذا نسأل وقيع الله هل حادت الحركة الاسلامية عن مسارها فيجيب (لا لم يحدث ذلك.. مضت الحركة الاسلامية في مسارها القديم قدماً)!! هل كان مسارها القديم مليئاً بكل هذه الانقسامات والخلافات الحاضرة، أم ان وقيع الله يضحي بالتزام الصدق ليخفي واقع الحركة الاسلامية المزري؟!
ومع إعجاب د. وقيع الله بالحركة الاسلامية وظنه انها اكثر فعالية من كل التنظيمات الاخرى، وانها لم تحد عن مسارها، يرى انها لا تملك كيانات تنظيمية!! ويجري الحوار هكذا:
(س: وهل قدمت مشروعاً نقدياً للحركة الاسلامية يبين قصورها مثلاً؟
ج: هذا لم يحدث، ولا اعتقد ان لدى الحركة الاسلامية السودانية كيانات تنظيمية كما كانت في الماضي.
س: كيف؟
ج: عدم وجود الشيء لا يحتاج الى برهان، والشيء الموجود هو الذي يحتاج الى برهان، فاذا كان تنظيمهم معدوماً او غير موجود او غير مشاهد فهذا لا يحتاج الى برهان، ولا اعتقد ان لديهم مثل تلك التنظيمات الفاعلة في الماضي، انهم مشغولون بالدولة اكثر من أي شيء آخر).
فوقيع الله اذاً لم ينقد الحركة الاسلامية لأنها ليست لديها كيانات تنظيمية، وما دام تنظيم الحركة الاسلامية معدوماً او غير موجود فهذا امر لا يحتاج الي برهان، وهو لهذا السبب- حسب رأي وقيع الله- لا يستحق ان ينقد لعدم وجود التنظيمات الفاعلة في الماضي، ولأن اعضاء الحركة الاسلامية اصبحوا مشغولين بالدولة اكثر من أي شيء آخر.
إن هذه العبارة مليئة بالتناقضات لدرجة ان القاريء ليظن ان المحاور شخصان لا شخص واحد. واول الاسئلة التي تواجه هذا التناقض، كيف لا يكون للحركة كيان تنظيمي ويكون تنظيمها معدوماً، ثم تكون اكثر الحركات فعالية في الساحة؟! واذا كانت الحركة لا تملك تنظيماً فلماذا لم يدفع وقيع الله بذلك حين سئل عن انضمامه للحركة الاسلامية؟! لماذا لم يقل انه لم يدخل في تنظيم الحركة الاسلامية لأن الحركة لا تنظيم لها؟!
ولقد كان السؤال اساساً عن نقد وقيع الله للحركة الاسلامية، فهل كونها ليست لديها كيانات تنظيمية عذر لعدم نقدها، ام انه سبب كافٍ لنقدها؟! وحين سُئل وقيع الله هل حادت الحركة الاسلامية عن مسارها نفى ذلك بشدة، وقال انها مازالت على نفس مسارها القديم ولقد اخبرنا وقيع الله نفسه ان الحركة الاسلامية كانت لديها (التنظيمات الفاعلة في الماضي) فهل حقاً لم يحيدوا عن مسارهم حين تخلوا عن كل ذلك واصبح (تنظيمهم معدوماً او غير موجود أو غير مشاهد) كما قال؟!
وبعد كل هذا سئل وقيع الله (هل لا تزال الحركة الاسلامية على ثوابتها؟) فأجاب (نعم)!! وحين سُئل هل مازال المشروع الحضاري للدولة السودانية قائماً أجاب (نعم مازال قائماً ومتقدماً للامام..)!! وحين سُئل عن الذي حققه المشروع الحضاري اجاب بقوله (انا لست موجوداً في السودان منذ ستة عشر عاماً حتى اقدم اجابة علمية صحيحة)، فاذا كان غياب وقيع الله عن البلد لا يمكنه من الحكم على ما حققه المشروع الحضاري، فكيف استطاع رغم هذا الغياب ان يقرر ان نفس هذا المشروع (مازال قائماً ومتقدماً للامام)؟!
ولأن وقيع الله وافق على بعض مثالب الحركة الاسلامية وقال عنها (ولكن يمكن القول ان الكثير من افرادها قد تنكبت بهم السبل وضلوا سواء السبيل).. وإن كان قد تناقض مع تقريره هذا وقال (وارى ان معظم أعضاء الحركة الاسلامية يستصحبون قيمهم الدينية الاسلامية وان كان القليلون قد اهملوا هذا الامر) فإن الصحافي المحاور سأله سؤالاً مباشراً ومحدداً هو (ما دور القيم الاسلامية في مكافحة هذه المثالب والعيوب؟) فكانت اجابة الدكتور (لست ادري ان كنت استطيع ان اجيب على هذا السؤال)!!
فاذا كان وقيع الله لا يعرف دور القيم الاسلامية، في معالجة عيوب السلوك ومفارقات الاخلاق، فماذا يعرف عن الاسلام؟! وهل جهله بقيم الاسلام واثرها على تقويم سلوك الافراد يمنحه القدرة على تقييم الحركات الاسلامية ومدى مفارقتها حتى يثني عليها كما فعل في هذا المقال؟! وهل من اعترف بجهله بدور الاسلام في تقويم الاخلاق يستطيع ان ينصب نفسه ناقداً لفكرة عميقة ومؤسسة كالفكرة الجمهورية لو كان صادقاً حين قال عن نفسه (لا اريد ان القي الكلام على عواهنة واكون مسؤولاً عنه امام الله سبحانه وتعالى)؟!
إعجابه بأميركا:
* وفي اجابة على سؤال الصحافي المحاور (ولماذا بعد هذه السنين الطويلة منذ مجيء الاسلام تظل احوال المسلمين متخلفة على مستوى البنية الاجتماعية والسياسية؟) اجاب وقيع الله (المسلمون خرجوا من حلبة الحضارة والتاريخ منذ زمن مديد، وبتعبير الدكتور محمد اقبال رحمه الله، فإنهم سقطوا من مكان عال جداً، والذي يسقط من مكان عالٍ لا ينهض إلا بعد زمن طويل يداوي فيه كسوره والجراح..) ولقد نسي وقيع الله في غمرة حماسه ونقده للمسلمين انه كان قد حدثنا قبل قليل، عن عظمة الحركة الاسلامية السودانية وثباتها على مبادئها وتأثيرها الكبير الذي ما نشاط الآخرين إلا ردة فعل له. فهل هذه الحركة جزء من هؤلاء المسلمين الذين سقطوا من علٍ؟!
وحين سأله المحاور بناءً على حديثه السابق (هل نحن محتاجون الى استيراد قيم سياسوية؟) اجاب بقوله (لا اعتقد.. من جانب آخر اعتقد ان دراسة وتمثل الموروث الشوري الاسلامي القديم وفهمه بنضج متقدم يكفي في حد ذاته).. ولعله قبل ان يسجل الصحافي هذا الاجابة الواضحة التي فحواها اننا لا نحتاج لاستيراد الديمقراطية من الغرب، وانما يجب ان نتمثل الشورى القديمة ونتفهمها، اذا بوقيع الله يفاجئه بقوله (لكن لا مانع من الاستزادة بالتجارب الديمقراطية العظيمة المتطورة في الغرب، خاصة الولايات المتحدة الاميركية.. وهذه البلاد تمارس فيها الديمقراطية ممارسة حقيقية حية وقوية وناضجة وشريفة..)!!
نحن هنا امام جهل مزودج، جهل بالفرق بين الديمقراطية والشورى من ناحية، وجهل بتزييف الولايات المتحدة الاميركية للديمقراطية من ناحية اخرى. فوقيع الله يظن انه يمكن ان يطبق الشورى ثم يزيد عليها الديمقراطية الغربية في نفس الوقت.
والحق ان الشورى والديمقراطية نقيضان.. (فالشورى ليست نظام حكم، وانما هى ميكانيكية مساعدة لنظام الخلافة، تلطفه، وتهذبه حتى لا يصبح دكتاتورية سافرة، بل يكون نظام وصاية الفرد الرشيد على القصر.. فالخليفة الحاكم يختار مجموعة ممن حوله سماها الفقهاء مؤخراً (أهل الحل والعقد) يشاورهم في امور الدولة فيستأنس برأيهم، ولكنه يملك ان يخالفهم، فليست المشاورة بملزمة.. فبالرغم من الشورى يظل نظام الخلافة حكم فرد، وهو لهذا يتناقض تماماً مع الديمقراطية.. وآية الشورى من الكتاب قوله تعالى «فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله ان الله يحب المتوكلين» جاء في تفسير هذه الآية (يعني فتجاوز يا محمد عن اتباعك واصحابك من المؤمنين بك وبما جئت به من عندي، ما نالك من اذاهم ومكروه في نفسك، واستغفر لهم وادع ربك لهم بالمغفرة.. وقوله وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله، امر الله عزَّ وجلَّ نبيه صلى الله عليه وسلم ان يشاور اصحابه في الامور، وهو يأتيه الوحي من السماء لأنه اطيب لانفس القوم.. حدثنا ابن حميد قال حدثنا سلمة عن ابن اسحق وشاورهم في الامر أي لتريهم انك تسمع منهم وتستعين بهم، وان كنت عنهم غنياً تؤلفهم بذلك على دينهم.. وأما قوله فإذا عزمت فتوكل على الله فإنه يعني اذا صح عزمك تثبيتنا اياك وتسديدنا لك في ما نابك وحزبك من امر دينك ودنياك، فامض لما امرناك به على ما امرناك به، وافق ذلك آراء اصحابك وما اشاروا به عليك او خالفها، وتوكل في ما تأتي من امورك وتدع وتحاور او تزاول على ربك فثق به في كل ذلك، وارض بقضائه في جميعه دون آراء سائر خلقه ومعونتهم..).
( ولقد كان النبي الكريم عليه افضل الصلاة واتم التسليم، يشاور اصحابه ثم يوافقهم كثيراً ويخالفهم احياناً، فقد نزل عند رأيهم في غزوة احد، وخالفهم حين قبل شروط صلح الحديبية، وكان في كل ذلك يربيهم تربية الاحرار، يشعرهم بقيمتهم وكرامتهم ويؤهلهم بقاعدة التربية الفردية للديمقراطية التي لم يحن حينها في ذلك الوقت.. ولقد حاول الاصحاب ما وسعهم الوسع ان يسيروا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، فقامت الخلافة الراشدة كحكم فرد تدعمه سلطة دينية، وهو ما يعرف الآن بالنظام الثيوقراطي.. فلم يحدث ان تم لخليفة انتخاب.. فأبو بكر الصديق رضى الله عنه اختاروه يوم السقيفة على خلاف بين المهاجرين والانصار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد قدمه حين كان مريضاً فصلى بالناس فقال بعضهم (رضيه رسول الله لديننا افلا نرضاه نحن لدنيانا؟!).. ولم يشارك كل أهل المدينة في اختيار ابي بكر، ولم تشارك فيه الامصار، ومع ذلك بايع كثير من الناس ابا بكر بعد ان اصبح خليفة، ولقد مارس ابو بكر الشورى تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فشاور اصحابه في قتال مانعي الزكاة فأشاروا عليه بعدم القتال، فخالفهم وقال (والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله لقاتلتهم عليه)!! ولو كان حاكم المسلمين ملزماً برأي الاغلبية لما قامت حروب الردة.. ولم يعط ابو بكر الناس الفرصة التي اعطاهم لها النبي صلى الله عليه وسلم، بل جعل عليهم عمر بن الخطاب وامرهم ان يسمعوا له ويطيعوا).
ولا شك في أن الولايات المتحدة الاميركية بها تجربة متقدمة في محاولة تطبيق الديمقراطية، ولكنها ليست (ممارسة حقيقية) كما قرر وقيع الله، وإنما هى ممارسة مزيفة، والسبب في ذلك هو ان الرأسمالية تجهض الديمقراطية، فما دام المال بيد قلة وان الكثرة تكدح، وتشقى لتزيد من ثراء هؤلاء الافراد المسيطرين على وسائل ومصادر الانتاج، فإن الشخص المتوهم بأنه حر، ليس كذلك وانما مستعبد للرأسمال. هنا تصبح الانتخابات والمؤسسات الديمقراطية جميعها بما في ذلك الاعلام أدوات في يد الرأسمالي ليدعم بها نفوذه وسيطرته. والرأسمالية لا تهتم بالإنسان وانما تهتم بالربح، ومن اجل ذلك تشيع الغلاء. وكأثر لذلك تضطر الى رفع الاجور ومن ثم تكلفة الانتاج ليتصاعد التخضم مرة اخرى، وتسعى الشركات الكبرى عابرة القارات الى تهريب رأس المال الى دول اخرى حيث العمالة رخيصة، مما يخلق المزيد من العطالة.. وهكذا يتأزم الوضع بصورة لا يمكن تجاوزها إلا بتحول الرأسمالية الى امبريالية بسيطرتها على دول اخرى واخذ مصادرها دون مقابل.. وفي وقتنا الحاضر اصبح مثل هذا النموذج ماثلاً.. فقد خاضت اميركا حرباً ضد العراق زعمت انها قامت بها كرد على عدوان الارهاب الذي استهدف مواطنيها، ولأن صدام حسين يملك اسلحة دمار شامل يهدد بها امنها.. وبعد ان انتهت الحرب، ومات الآلاف من العراقيين والمئات من الاميركيين والبريطانيين، صرح مسؤولون في قمة الادارة الاميركية بأن صدام حسين لا علاقة له باحداث سبتمبر 11، وانه لم يكن يملك اسلحة دمار شامل!! وواضح ان الغرض من حرب العراق هو مصالح الشركات الضخمة التي يملكها من يؤثرون في القرار، والتي تريد ان تحصل على البترول، بلا مقابل، وتمتلك عطاءات اعادة تعمير العراق بعد تحطيمه، وتحل الازمة الاقتصادية التي خلقتها الرأسمالية ولو بمخالفة مبادئ الديمقراطية.
وحين لاحظ الصحافي المحاور ان وقيع الله معجب اشد الاعجاب بتجربة الغرب، وانه اشاد باميركا وببريطانيا ودعانا الى ان ( نستهدي بآليات ترشيد العمل الديمقراطي كمراكز البحوث ونظام اللجان البرلمانية في الكونغرس او في مجلس العموم البريطاني)!! سأله (ولكن هذه القيم التي تتحدث عنها انت وفق مرجعية علمانية؟) فأجاب الدكتور (لا ليست علمانية، كما ان العلمانية ليست كلها ضرر)!! وهكذا يتحول د. محمد وقيع الله العالم الى المغالطة،. ويقرر دون تردد أن النظام الاميركي الذي يقوم على فصل الدين عن الدولة وعدم تدريس الدين في المدارس ويعتمد على المادية في سائر نظمه، ليس علمانياً!! ومعلوم ان العلمانية ليست كلها ضرر، ولكن ضررها اكبر من نفعها، وهذا ما تحاشى وقيع الله ان يقف عنده فيثبته، أو ينفيه.
نقده للفكر الجمهوري:
* سأل الصحافي (نشرت بحثاً قبل فترة عن الاستاذ محمود محمد طه ولكنه اثار جدلاً كبيراً) فقال وقيع الله (اعتقد ان محموداً كان من كبار المتأملين المفكرين في السودان، وكان يعيش احلاماً كبيرة وخطيرة، وهذه هى التي صنعت منه مفكراً كبيراً، اقول هذا رغم انني اختلف معه في كل شيء كتبه، فيما عدا حروف الجر والتسكين والنصب)!!
فهل حقاً يختلف د. محمد وقيع الله مع الاستاذ محمود في كل شيء كتبه ماعدا حروف الجر والتسكين والنصب، أم ان هذا ضرب من المبالغة المفارقة للصدق، والتي ان جازت في القصص والحكايات لا يمكن ان تقبل في النقد العلمي للافكار؟! وحتى يضع وقيع الله يده بنفسه على مبلغ الخلل في عبارته تلك، نورد له هنا نصاً من كتاب الرسالة الثانية من الاسلام، فقد جاء في صفحة «17» (عندما استعلن النور الالهي بمحمد الأمي من جبال مكة في القرن السابع الميلاد، اشرقت شمس مدينة جديدة، بها ارتفعت القيمة البشرية الى قمة لم يسبق لها ضريب في تاريخ البشرية. ولقد قامت تلك المدنية الانسانية الجديدة على انقاض المدنية المادية الرومانية في الغرب، وعلى انقاض المدنية المادية الفارسية في الشرق، ولقد بلغت هذه المدنية الانسانية الجديدة أوجها، من الناحية النظرية على الاقل غداة انزل الله تعالى على نبيه الآية التي صدرنا بها هذا السفر، وهى قوله تعالى (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً)، فهل يختلف وقيع الله مع كل ما ورد في هذا النص أم يتفق مع بعض ما ورد فيه بخلاف حروف الجر والتسكين والنصب؟!
وحين سأله الصحافي المحاور (ولكن الا ترى ان تفكير محمود كان عميقاً في كتاب (الرسالة الثانية من الاسلام؟) أجاب بقوله (كان فكره عميقاً ولكنه كان متحاملاً على الاسلام الذي نعرفه ويعرفه سائر الناس. وأنا شخصياً أعد نفسي مدافعاً عن الاسلام واتحفز لمهاجمة من يهاجمونه اياً كانوا، ورسالتي الشخصية في الحياة هى الدعوة الى الاسلام، وانا حساس تجاه أي انسان يمس ثوابت الاسلام أو يعمل على تحريف الاسلام او يعادي الاسلام مهما يكن متفوقاً ثقافياً، ولا أقبل المساس بكلام الله سبحانه وتعالى او سنة نبيه صلى الله عليه وسلم)!
ولم يذكر لنا هذا الباحث الجامعي، كيف كان الاستاذ محمود متحاملاً او محرفاً، او معادياً للاسلام.. وانشغل عن ذلك- رغم القائه التهم جزافاً- ليحدثنا عن نفسه، وكيف انه متحفز وحساس، ومتأهب للدفاع عن الاسلام!! والحق ان الاسلام لا يحتاج الى من يدافع عنه، وإنما يحتاج المسلمون الى ان يفهموه لينصروه في انفسهم، ثم يبشروا به البشرية جمعاء، وهذا ما يجدر بوقيع الله ان يؤهل نفسه فيه إن كان هذا الامر يعنيه حقاً، وإلا فإن فاقد الشيء لا يعطيه!!
ولما رأى الصحافي المحاور أن وقيع الله متحامل دون موجب قال (لماذا لا تنظر لمحمود محمد طه كمجتهد اكثر من انه يمس ثوابت الاسلام؟) فأجاب وقيع الله (لا.. لم يكن محمود مجتهداً في اطار الاسلام، وانما اتى بشيء جديد مختلف عن الاسلام)!! وواصل قائلاً (محمود محمد طه بدأ اجتهاده بتقويض الصلاة وهى عمود الاسلام الاكبر. ورفض الحج، وانكر شرعية الزكاة، وغير شرع الاحوال الشخصية، ونادى بالغاء سلطة القرآن المدني لأنه مليء بالتشريعات، ودعا للاكتفاء بالقرآن المكي حيث تقل التشريعات، فهذا كله لا يمكن ان يعد تجديداً، وانما هو شيء يستهدف صميم الاسلام)!! ولقد حق للصحافي المحاور ان يستغرب لهذه الاكاذيب ويقول (هل كل ما ذكرت موجود في كتب «الرسالة الثانية»؟) فلم يتردد وقيع الله، بل تمادى في القاء القول على عواهنة قائلاً (نعم هذا هو اقل ما في كتاب الرسالة الثانية الذي يقوم على أي القرآن المكي فقط، ومحمود لم يعترف بالقرآن المدني، فهو بالتالي خارج عن الاسلام.. وهو في اعتقادي واعتقاد الكثيرين شخص غير مسلم)!!
فاذا كان الأستاذ محمود محمد طه قد اقام فكرته على رفض اركان الاسلام، وتقويض شرائعه ونبذ القرآن المدني، فلماذا وصفه وقيع الله بأنه مفكر عميق وكبير وذلك حيث قال (اعتقد ان محموداً كان من كبار المتأملين المفكرين في السودان، وكان يعيش احلاماً كبيرة وخطيرة، وهذه هى التي صنعت منه مفكراً كبيراً)؟!
إن ما ردده وقيع الله هنا من أكاذيب وجهالات لا تتعلق بالفكرة الجمهورية ولا تعتمد على مصادرها، وإنما هى شائعات كنا نسمعها من البسطاء والسذج، من رواد حلقات الوعظ، وكنا نعذرهم لعلمنا بأنهم مضللون، وانهم لا يستطيعون التأكد من مصادر الفكرة.. اما ان يكرر نفس هذه الاقاويل شخص يزعم بأنه مفكر، ومثقف وباحث واستاذ جامعي، يفترض ان يتثبت ويتحقق، فهو ما لا يقبل بأية حال من الاحوال.
إن وقيع الله يعاني من التناقض والازدواجية في التفكير، لأن في ذهنه مناطق متفرقة لاشياء كثيرة متنافرة.. فهو يعيش في اميركا ويعجب بديمقراطيتها ويدعونا لاستلهامها. وفي جانب آخر من عقله يعيش في جبة فقهاء القرون السالفة.. ولهذا لم يلتقط ان جوهر هذه الديمقراطية اعتبارها لحقوق الانسان، وان من اهم ما اتفقت عليه مواثيق حقوق الانسان حرية الاعتقاد، وإلا لكان قد شعر بمبلغ التناقض الذي يرزح تحته حين دعا للديمقراطية، ثم قال عن الاستاذ محمود (هو مرتد طبعاً هذه هى الردة بعينها)!!
ولو كان وقيع الله يفهم الاسلام، لعلم ان الاسلام في اصوله ليست فيه ردة، لأنه اعطى حرية الاعتقاد، قال تعالى (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)!! ولعلم ان الاسلام في هذا المستوى الرفيع يتفق مع مواثيق حقوق الانسان.. وان هذا هو المستوى الوحيد الذي يمكن ان تتحقق به الديمقراطية التي حدثنا عنها وهو لا يدرك كنهها؟!
وحين رأى الصحافي المحاور ان وقيع الله يكفر الاستاذ محمود، ولا يجرؤ على تكفير الترابي سأله (طيب انت قلت ان الترابي لا يستحق ان يقام عليه الحد، أليست هذه ازدواجية معايير ان محمود كان يفكر ويجتهد والترابي يفعل الشيء نفسه الآن؟) فأجاب (محمود لم يكن مجتهداً، والترابي نفسه في تجديفاته الاخيرة لا يعد مجتهداً، واكثر ما قاله اخيراً قالته الفرق الغالية قديماً، وبعضه موجود في تراث محمود محمد طه)!! فاذا سلمنا، جدلاً بأن ما قاله الترابي مأخوذ من تراث الأستاذ محمود، فلماذا لم يحكم عليه بما حكم به على الاستاذ محمود؟! الا يدل هذا الموقف الذي وصفه الصحافي الحصيف على عدم صدق، ومن ثم عدم الحرص على الاسلام؟!
ولقد كان الصحافي المحاور منصفاً حين سأل وقيع الله عن ايجابيات الاستاذ محمود، فاضطره ليقول (كان محمود ثابت الجأش في المحكمة وحتى في قتله كان ثابتاً) وحتى يقلل من هذه الايجابية التي اضطر اضطراراً لذكرها، واصل قائلاً (كثير من الخارجين على الاسلام بدوافع الجذب والشطح والايمان بالاشياء الغامضة، واجهوا مصيرهم بمثل هذا الثبات والابتسام.. والحلاج صلى ركعتين قبل قتله، وهناك آخرون صدقوا مع انفسهم ولكن الصدق لا يعني الصحة والصواب)!! ويكفي ان شهد وقيع الله للاستاذ محمود بالثبات على المبدأ حتى الموت، وبمواجهة الموت بالابتسامة وبالصدق مع نفسه.. وكلها صفات لن يجد لها اثراً في زعماء الحركة الاسلامية، التي يؤمن بها ويخشى ان يتنظم في تنظيمها حتى لا يتحمل مسؤولية فكره وعمله!!
وحين ذكر الصحافي ان هناك من يقول بأن محاكمة الاستاذ محمود كانت عملاً سياسياً اجاب وقيع الله (قد يكون.. لكن هو ايضاً لم يكن بريئاً من التآمر السياسي ضد خصومه. وقد تآمر مع حكومة نميري والشيوعيين ضد الانصار، وايد ببيانات كثيرة ضرب الانصار يوم ضربوا في الجزيرة ابا عام 1970م..) ولم يخبرنا وقيع الله كيف تآمر الاستاذ مع حكومة نميري ضد الانصار؟! او ماذا جاء في احد البيانات التي قال انها كثيرة؟! وهل اخراج البيانات وتوزيعها في الشارع سواء أكانت مؤيدة او معارضة لموقف من مواقف الحكومة يمكن ان يعتبر تآمراً؟!
وحين ذكر الصحافي أن هنالك من يقول بأن القضاة الذين حاكموا الاستاذ لم يكونوا مؤهلين، قال وقيع الله (القضاة الذين حاكموا محمود كانوا مؤهلين بلا شك، وبعضهم كانوا يحملون درجات اكاديمية عليا، والعلامة هنري رياض الذي راجع الحكم هو من كبار فقهاء القانون في السودان) وكل هذا تخطيط وتشويش لا يجوز في حق باحث يفترض ان يتأكد من كل ما يكتب قبل ان ينشره على الناس.
فالقضاة لم يكونوا مؤهلين، لأنهم لم يدرسوا القانون، وانما درس بعضهم الشريعة والفقه، ثم انهم عينوا سياسياً، وليس من قبل مجلس القضاء العالي. ولقد ذكر الاستاذ محمود ذلك في المحكمة وسجله القاضي بيده. ولم يكن هنري رياض عضواً في المحكمة الابتدائية التي حكمت على الاستاذ، وكان قاضيها المهلاوي، او محكمة الاستئناف التي ايدت الحكم عام 1985م وكان قاضيها المكاشفي، وانما كان عضواً في المحكمة العليا التي ابطلت ذلك الحكم في عام 1986م، ولقد اتفقت المحكمة العليا مع ما قرره الاستاذ من ان قضاة محكمة الموضوع كانوا غير مؤهلين ولهذا اتوا بحكم مخالف لكل قيم العدالة، جاء في قرار المحكمة العليا (ولعلنا لا نكون في حاجة الى الاستطراد كثيراً في وصف هذا الحكم، فقد تجاوز كل قيم العدالة، سواء ما كان منها موروثاً ومتعارفاً عليه، أو ما حرصت قوانين الاجراءات الجنائية المتعاقبة على النص عليه صراحة، او انطوى عليه دستور 1973م الملغي رغم ما يحيط به من جدل، ففي المقام الاول اخطأت محكمة الاستئناف فيما ذهبت اليه من ان المادة (3) من قانون اصول الاحكام لسنة 1983 كانت تبيح لها- او لاية محكمة اخرى- توجيه تهمة الردة)!!
خاتمة:
* لقد كان من الممكن متابعة المزيد من مفارقات هذا الحوار العجيب، فهو لا يزال ينضح بالتناقض والتضارب.. ولكن فيما ذكر، ما يكفي لتأكيد ما اردت اظهاره، عن مستوى خصوم الفكرة الذي يتصدون لها بغير كفاءة. ولابد لي من الاشادة بالروح العالية والصبر الفريد الذي تحلى به الصحافي صلاح شعيب وهو يدير هذا الحوار العجيب، فلقد حاول جهده أن يجعل من محاوره شخصاً موضوعياً يبرر ما قدمه به من انه استاذ جامعي يدرس في اميركا!! ثم انه سعى باسئلة محددة، وشاملة للموضوعات التي اثارها حتى يضمن للقارئ عملاً ممتعاً ومتكاملاً، لولا ان محاوره قد هبط بمستوى الحوار بصورة مؤسفة، بل انه في اكثر من مرة لم يفهم مجرد السؤال!! فحين سأله الصحافي (حينما فكرت الانقاذ في ذلك- يعني الانقلاب- كانت تستند على مرجعية دينية، أم مرجعية ديمقراطية؟) اجاب (ماذا تعني بذلك؟!) وحين قال له الصحافي (لكن الآلية التي كان يعتمد عليها الصادق المهدي ديمقراطية) اجاب (ماذا تعني؟)!!
فاذا كان السؤال البسيط المباشر يحتاج الى ان يشرح لهذا العالم الباحث، فإن ذلك بطبيعة الحال، يجعل مهمة الصحافي المحاور شاقة ومرهقة، وما كان للأستاذ صلاح شعيب ان يحتملها ويساوق الاسئلة خلالها، لو لم يكن صحافياً متمرساً. والشكر موصول لصحيفة «الصحافة» الغراء التي نشرت هذا الحوار، فعرفنا من خلاله د. محمد وقيع الله، فقد قال السادة الصوفية (المرء مطوي تحت لسانه فتحدثوا تُعرفوا)!!


http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147507359&bk=1

Post: #156
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 04:00 PM
Parent: #155



الدكتور محمد وقيع الله في حوار فكري وسياسي مع «الصحافة»:
إذا سقطت الدولــة ستعـــــود الحركـــةـ الإسلاميــــة لسابــــق وضعـــــها
مفهوم الثورة لا ينطبق على مايو والإنقاذ..!!
الدكتور محمد وقيع الله استاذ جامعى يدرس فى الولايات المتحدة، وهو مفكر اسلامى وباحث يساهم فى الحياة العامة باوراق ودراسات معمقة، وكتابات سياسية وفكرية فى القضايا المعاصرة والشؤون السياسية، كما يساهم عبر المنابر والمنتديات بافكار جريئة.«الصحافة» جلست اليه وطرحت عليه قضايا عدة.. وفيما يلى نص الحوار:
حاورهبواشنطن: صلاح شعيب
* ما هي علاقتك بالحركة الاسلامية، وما هي المحطات البارزة في درب الحركة الاسلامية السودانية الحديثة؟
- علاقتي بالحركة الاسلامية ثقافية وليست تنظيمية، لقد كانت فيما يسمى عادة بالنشاط الموازي، أي النشاط غير التنظيمي وغير السياسي. وفي هذا السياق كنت ومازلت ارى نفسي موجوداً في داخل الحركة الاسلامية، وفي ذات الوقت ارى نفسي خارجها. وهذا توصيف قد يصعب على بعض الناس تصوره ولكنه الحق.
وبعبارة أخرى يمكن أن أقول إنني جزء من العمل الثقافي الاسلامي العام المعلن. وإنني غير موجود في الاعمال التنفيذية والشورية، ولا اتلقى اوامر او محاسبة من أحد، ولا أجد تقويماً من احد، إنما انا منطلق في عملي الإسلامي أؤديه بانسجام مع أي عمل إسلامي صالح فيما أرى، وذلك منذ أن كنت في الحادية عشرة من عمري.
أما عن الشق الثاني من السؤال وهو عن المحطات البارزة التي شكلت تأثير الحركة الاسلامية على مجمل النشاط السياسي السوداني.. فقد كان طابع هذا التأثير عقائدياً على الاقل حتى الآن.. بمعنى أن السياسة في السودان قد ارتبطت بالإسلام ارتباطاً قوياً جداً، وصاغت الاحزاب السياسية الاخرى التقليدية لإحياء الجانب الوراثي في كياناتها، وهو جانب إسلامي. وأضحت هذه الأحزاب تجاري الحركة الاسلامية في هذا الجانب، خاصة حزب الامة على يد الصادق المهدي، وأما الاحزاب العلمانية الخالصة كالحزب الشيوعي فأمست تخاف من مهاجمة الاسلام، وتأدبت معه بفعل سطوة الحركة الاسلامية فكريا وثقافيا. وأحزاب أخرى حاولت أن تعمل مناورات على الاسلام وتتبنى بعض الشعارات الاسلامية، فهذه تأثيرات بارزة للحركة الاسلامية السودانية على الأحزاب السودانية. وفي الوقت الحالي اعتقد أن الحركة الاسلامية أصبحت تضع الاجندة والمبادرات للعمل السياسي السوداني عامة، هذا الأمر يجري منذ عقد ونصف من الزمان تقريبا، فالحركة الاسلامية السودانية هي صاحبة الشأن الاعلى والجميع يصدرون ردود فعل لما تفعله الحركة الاسلامية، وقلما يبتدرون عملا إلا كرد فعل على اعمال الحركة الاسلامية التي أعتقد أن تأثيرها قوي جدا إن لم يكن ساحقاً على الحركة السياسية السودانية.
* هذا الحديث يعطي انطباعا بأنك غير منظم داخل الحركة الاسلامية، ونحن نعرف أن المنتمي للحركة الاسلامية هو منظم فيها، هل نفهم انك تجمع خصوصية الانتماء واللا انتماء للحركة؟
- أنا لست منتظما في داخل الحركة الاسلامية، وإنني أيضا غير منتظم في اي اطار آخراجتماعي رسمي او غير رسمي، وحياتي محورها النشاط والعمل والانتاج الدائم الدائب. وأنا أؤمن بالانتاج فقط ، ولا أؤمن بالاطرالاجرائية. وفي حالتي الخاصة الاجراءات الضيقة معوقة لعملي أيما تعويق، لذلك أصطدم بالناس الذين يعملون معي. ودائما ما أعمل عملاً انفراديا، ولا أحب ان التقي في تعاون أو تنظيم أو تنسيق مع أي شخص. وهذه ميزة يعرفها كل من يعرفني جيداً، فبهذا المعنى لم أكن في انتظام بالحركة الاسلامية بمعناها الواسع ولا في عداء او شقاق او معها.
* في هذا الخصوص هل يمكنك ان تكون جزءاً من حركات الاسلام السياسي، ويمكنك أن تساعد قاعدة حزب الامة او الجمهوريين وتتناغم ادوارك مع اهدافهم الاسلامية؟
- أدواري لا يمكن أن تتسق مع ادوارالجمهوريين ولا ادوار حزب الامة، بل حتى في الحركة الاسلامية لا تتسق مع أدوار ومزاجات بعض الناس. وأنا سريع الاحتدام والاصطدام مع الشخص الذي يختلف معي في الفكر والرأي.. لذلك أحب أن أعمل دائما على انفراد كامل حتى في مجال عملي المهني، وهو التدريس، ولا أحب أن اكون رئيس قسم اكاديمي، ولا مسؤولاً عنه، ولا عميداً، وأحب أن أبقى دائماً كمدرس مسؤول امام تلاميذي فقط.
* وفقا لما تقول هل دخلت في صدامات داخل الحركة الاسلامية؟
- لا لم يحدث ذلك. ولم توجد مبررات لحدوثه.
* ولكن ما الذي يمنعك ان تكون مؤثرا داخل الحركة الاسلامية بحيث تدفع بعمل الوحدة الفكرية للحزب، ولماذا لا يكون دورك فاعلا في اطرها العامة؟
هذا يتناقض مع طبيعتي كما اسلفت القول، إذ انني لا أحب العمل اليومي المنظم الاجرائي الرتيب، بالاضافة الى انه يعرضني الى سوء الفهم والصدامات والاحباطات، ولهذا اهتم بالعمل الثقافي والتعليمي، واكتفي بهذا الدور وهو ليس بالدور اليسير.
* وهل قبلك الاسلاميون بهذه الشروط؟
- كيف لا يقبلون؟! إنه ليس لشخص منهم سلطان عليَّ. لقد كان عليهم ان يقبلوني على علاتي. وهم سلفا يعرفون انني اعمل للاسلام بلا مزايدات ولا تطرف ولا حسابات شخصية، فقبلونني كما انا في الحقيقة، ولم يفرض احد منهم عليَّ شيئا، بل لا يستطيع احد منهم ان يفرض عليَّ شيئاً.
* هذا يعني إنه بالامكان ان توجه انتقادات داخل الحركة الاسلامية لخطابها او مسارها الحركي؟
- طبعا. هذا جانب من العمل الثقافي، ومهمة المثقف - ان جاز لي ان أحشر نفسي في هذه الطائفة - ان يعمل الاشياء التي لا يعملها الشخص الذي ينفذ الاعمال اليومية، وفي هذا المجال يستطيع المثقف ان يسهم اسهاما نافعا حتى ولو كان مقيما في برج عاجي. فعمل المثقف هو أن يتكلم وينتقد ويشير ويقدم الاقتراحات العملية التي تهديها اليه لحظات التأمل والتجلي. وأستطيع أن أقول في هذا المنحى أن ركون بعض المثقفين السودانيين والصحافيين منهم خاصة وكتاب الأعمدة على الأخص، إلى النقد الجارف وادمان انتقاد الآخرين نقداً سلبياً مدمرا، وانتقاص جهود الخصوم لا يمثل عملاًً طيباً، ولا يفيد البلاد بشئ. والأجدى من ذلك النظر المتوازن والحديث عن جانبي الكوب الفارغ منهما والملئ..!!
* وهل قدمت مشروعا نقديا للحركة الاسلامية يبين قصورها مثلا ؟
- هذا لم يحدث، ولا أعتقد ان لدى الحركة الاسلامية السودانية كيانات تنظيمية كما كانت في الماضي.
* كيف؟
- عدم وجود الشئ لا يحتاج الى برهان. والشئ الموجود هو الذي يحتاج الى برهان، فاذا كان تنظيمهم معدوما او غير موجود أو غير مشاهد فهذا لايحتاج الى برهان. ولا أعتقد ان لديهم مثل تلك التنظيمات الفاعلة في الماضي. انهم مشغولون بالدولة اكثر من أي شئ آخر.
* إذن هل تقصد ان الحركة الاسلامية اختبأت في الدولة؟
- نعم.. لقد ذابت فيها.
* وإذا سقطت الدولة؟
- تعود الحركة الاسلامية الي شئ شبيه بوضعيتها السابقة وتبدأ من وضعية متخلفة جدا.
* هل حادت الحركة الاسلامية عن مسارها؟
- لا لم يحدث ذلك.. مضت الحركة الاسلامية في مسارها القديم قدما، وقطعت اشواطا طويلة جدا في الاتجاه المقصود، لكن يمكن القول إن الكثير من افرادها قد تنكبت بهم السبل وضلوا سواء الطريق.
* هل ماتزال الحركة على ثوابتها؟
- نعم.
* إذن نسأل عن ثورة الانقاذ كما سميت؟
- الاسم غير مهم أبداً. ليس مهما إن يُقال إنها انقلاب او ثورة. والحرص على تحقيق هذه الناحية يأتي من المكايدات السياسية.
* بهذا المستوي هل يمكن أن نقول ثورة مايو مثلا؟
- كان منصور خالد بعد انقلابه على نميري وخصومته معه يقول ثورة مايو. هذه التسميات لا غضاضة في استخدامها.
* هل يعني ان مايو لا ينطبق عليها مفهوم ثورة؟
- بالتعريف العلمي ليست كلها ثورات.
* حتى الانقاذ؟
- حتى الانقاذ.. لأن الثورة بتعريفها العلمي هي الانقضاض التام على القديم وتحطيمه، وبناء شئ جديد ناجح مختلف اختلافا جذريا عنه، وكلها بهذا المعنى ليست ثورات.
* إنما هي انقلابات؟
- نعم انقلابات او تحولات او تغيرات في النظام السياسي الفوقي.
* إذن ماذا كان دافع الحركة الإسلامية من الانقلاب؟
- الدافع الاول كان أمنيا، وهذا امر له شقان، الاول هو الحفاظ على امن الحركة الاسلامية نفسها، لانها كانت مستهدفة من قبل الجيش والقوي الخارجية وبعض القوى الداخلية. والثاني هو الحفاظ على امن الوطن نفسه لانه كان مستهدفا من حركة التمرد. وقد كان على رأس البلاد آنها شخص ضعيف متردد لم يكن يبالي ان يمزق البلد أو يضيعها. وكان لابد للحركة الاسلامية ان تستلم السلطة.. وكانت هذه تقديرات الحركة الاسلامية لانتزاع السلطة منهم، لا لحب السلطة ولكن للحفاظ على امن البلد من التمزق. واعتقد انهم نجحوا في الحفاظ على وحدة البلد وامنه حتى الآن. وما كان بإمكان أحد غيرهم من الفرقاء السياسيين أن يحافظ عليه مثلهم.
* حينما فكرت الانقاذ في ذلك هل كانت تستند على مرجعية دينية أم مرجعية ديمقراطية؟
- ماذا تعني بذ لك؟
* كما تعلم ان الحركة الاسلامية كانت جزءا من العملية الديمقراطية وارتضت بالممارسة كعهد، ولكنها ارتدت عن هذا العهد، وخططت للانقلاب. أعني على اي اساس استند هذا الانقلاب؟
- ينبغي ان يوجه هذا السؤال للجميع وليس للحركة الاسلامية وحدها، لان الفائز الاكبر في الانتخابات نفسه لم يكن ملتزما بالنظام الديمقراطي ولا بالفلسفة الديمقراطية.. وقد حاول لسنتين كاملتين ان يجيز في البرلمان تعديلات دستورية يحجم بها حرية الصحافة وحرية الاحزاب، وكان يعمل على شل سلطات البرلمان نفسه وتعطيل تكوين لجانه. والجيش ايضا لم يكن راضيا عن النظام الديمقراطي، والحزب الاتحادي كان يعمل علي تعويق شريكه في الحكم. وانت بلا ريب تذكر الاحتكاكات العبثية الكثيرة بين اهل الحكم، كتلك التي جرت بين ابي حريرة والصادق المهدي، هذا فيما كان البعثيون والشيوعيون يتربصون بالنظام، وكانت حركة التمرد واجنحة كثيرة لها خارجة عن النظام الديمقراطي. واذن فليست الحركة الاسلامية وحدها ينبغي ان تتهم هنا.
* لكن الآلية التي كان يعتمد عليها الصادق المهدي ديمقراطية؟
- ماذا تعني؟
* أعني انه كان يعتمد على التفويض الديمقراطي في التعاطي مع شؤون الحكم؟
- الصادق لم يكن ديمقراطيا في يوم من الايام بالمعنى الصحيح للكلمة، وهو مايزال غير ديمقراطي الهوى، انك لا تزال تري آلاف الناس يقبلون اياديه، فهل رأيت زعيما ديمقراطيا آخر في العالم يقبل الناس اياديه او يرضي هو بان يقبل الناس اياديه كما يفعل الصادق المهدي؟! انني اتمنى من هذا الشخص ان يمنع انصاره ان يقبلوا اياديه. وهذا الشخص عندما يرضى بأن يقبل الناس اياديه على اساس ديني لا يمكن ان يكون ديمقراطيا، فهل توافق على ذلك؟
* هل تقصد ان الصادق ليس ديمقراطيا على الاطلاق؟
- لا، ليس على الاطلاق، إنما ليس كاملا او صادقا في ديمقراطيته.
* وهل ينطبق هذا على الحركة الاسلامية؟
- نعم. وهي حركة اسلامية كما وصفت نفسها وليست ديمقراطية، ويصعب عليها ان تكون ديمقراطية.
* وما هو السبب في ذلك؟
- هذا سؤال جميل. والسبب في ذلك هو أن الثقافة السياسية للشعب السوداني ليست ديمقراطية، فيصعب على القادة وعلى الاحزاب والحكومات ان تكون ديمقراطية. فالسودانيون في عامتهم تربوا على الولاء الكامل أو شبه الكامل، سواء على مستوى الاسرة او المدرسة أو العمل، فالثقافة العامة للشعب هي ثقافة اتباعية. وفي وضع كهذا فحتى إذا اعطيت الانسان حرية الممارسة الديمقراطية فهو يميل للاتباع والطاعة العمياء أو شبه العمياء، وتأييد القادة بأسلوب حماسي لا عقلاني، ويستثمر القادة سواء في الحركة الاسلامية او غيرها جيدا في هذه الناحية.
* وهل هذا يعود الى طبيعة الثقافة السودانية؟
- هذه ليست طبيعة الثقافة السودانية وحدها. وإنما طبيعة الثقافة المتخلفة في السودان وغيره.
* وما هو دور القيم الاسلامية في مكافحة هذه المثالب والعيوب؟
- لست ادري ان كنت استطيع أن اجيب على هذا السؤال. ولكن القيم النظرية والشعارات العامة ليست بشئ كافٍ لاحداث النهضة. فمن الناحية النظرية إن نظام التعليم ينبغي ان يكون رأس الرمح في عملية النهضة والتقدم، ولكن من الناحية الواقعية نرى أن هذا النظام قائم هو الآخر على الاتباع والتلقين. إن مناهج التعليم لا تزال كما العهد بها مثالا مطلقا في السخافة والعقم . فهي لا تعطي للطالب ادنى فرصة لكي يفكر او يناقش او يعبر عن نفسه أو يطبق الكلام النظري على واقع محدد. والاستاذ يمثل سطوة مخيفة ومرعبة علي الطلاب، وهذا الامر عام في بيئاتنا الحياتية، فالسياسي نفسه لا يعترف بحريات الناس وحقوقهم ولا يحترمها، ومعظم قادة الاحزاب إنما هم حلقة أو شلة قديمة متقادمة لا ترضي بزحزحة نفوذها أو خلخلته، وهكذا فإلى حد كبير نرى أن الشعارات والقيم السياسية شئ والممارسة السياسية شئ آخر. وأما الحل أو المخرج من هذا الواقع فليس سهلاً ولا متاحاً للتو واللحظة. إننا نحتاج الى حلول تدريجية تنقلنا خطوة خطوة، ونحتاج إلى عشرات السنين حتى نصل الى تشرب هذه القيم الديمقراطية أو الشورية بالأحرى.
* ولماذا بعد هذه السنين الطويلة منذ مجئ الاسلام تظل احوال المسلمين متخلفة على مستوى البنية الاجتماعية والسياسية؟
- المسلمون خرجوا من حلبة الحضارة والتاريخ منذ زمان مديد. وبتعبيرالدكتور محمد إقبال، رحمه الله، فإنهم قد سقطوا من مكان عالٍ جداً. والذي يسقط من مكان عالٍ لا ينهض إلا بعد زمن طويل يداوي فيه كسوره والجراح. وإذا كنا نتحدث عن الجانب السياسي ففيه أكثر الجراح والآلام. ولكن في الجانب التربوي والقيمي هنالك تفوق كبير على القيم الإنسانية وقيم الثقافة الغربية وآدابها واخلاقياتها.
* هل نحن محتاجون الى استيراد قيم سياسوية؟
- لا اعتقد.. من جانب آخر أعتقد ان دراسة وتمثل الموروث الشوري الاسلامي القديم وفهمه بنضج متقدم يكفي في حد ذاته. لكن لا مانع من الاستزادة بالتجارب الديمقراطية العظيمة المتطورة في الغرب، خاصة في الولايات المتحدة الأميركية. وليس من واجبنا ان ننظر إلى أميركا على انها فقط مؤسسات سياسية في شكل الكونغرس والاحزاب، علينا أن نستلهم نماذج التدريس في المدارس ونتعلم من نظم التعليم الديمقراطي، وحكومات المدن والأحياء ومجالس الولايات. وهذه البلاد تمارس فيها الديمقراطية ممارسة حقيقية حية وقوية وناضجة وشريفة، كذلك يمكن ان نستهدي بآليات ترشيد العمل الديمقراطي كمراكز البحوث ونظام اللجان البرلمانية في الكونغرس أو في مجلس العموم البريطاني، فهذه الاشياء مهمة لتنمية العمل الديمقراطي، فالعمل الديمقراطي لا تقويه المناقشات والمجاذبات وخلافات في الرأي، وإنما تقويه الدراسات الناضجة التي تقدم الحلول القوية للمشاكل الملحة.
* ولكن هذه القيم التي تتحدث عنها أتت وفق مرجعية علمانية؟
- لا ليست علمانية. كما أن العلمانية ليست كلها ضرر. وهذه اشياء علمية وعالمية وكامنة في التراث الإسلامي وروح الإسلام ومقاصد التشريع. ومع أن المسلم مكلف بأن يستصحب أي شئ نافع في الحياة ، إلا أنه في هذه الحالة بالذات قد لا يحتاج إلى استصحاب أصلا، لان كل ذلك كامن في التراث الاسلامي إذا قرأناه قراءة ذكية وعميقة ومتقدمة، ولا سيما إذا كانت قراءة مقارنة مع التجارب الليبرالية الحية.
* هل ما يزال المشروع الحضاري للدولة السودانية قائماً؟
- نعم مازال قائما ومتقدما للامام فيما ارى من بعيد.
* وماذا حقق على المستويين الاجتماعي والاقتصادي؟
- انا لست موجودا في السودان منذ ستة عشر عاما حتى اقدم اجابة علمية صحيحة، واعتقد ان للمشروع تأثيرات كبيرة على الواقع السوداني الذي اذا قارنته من زاوية اسلامية بواقع ما قبل الانقاذ، سترى أن المجتمع كله تحول نحو الالتزام بالقيم الاسلامية، والمؤسسات كذلك متقدمة اي نحو الاسلام، وهذا قد لا يُعزى أثره إلى دولة الإنقاذ أو عناصر الحركة الإسلامية وحدهم، وإنما كذلك للتأثير السلفي لأنصار السنة وغيرهم، ولجهود الأفراد المسلمين المستقلين، وأداء المعلمين بالمدارس النظامية والمدارس القرآنية.
* نشرت بحثا قبل فترة عن الاستاذ محمود محمد طه ولكنه اثار جدلا كبيرا؟
- أعتقد أن محمودا كان من كبار المتأملين الفكريين في السودان، وكان يعيش أحلاما كبيرة خطيرة، وهذه هي التي صنعت منه مفكرا كبيرا. اقول هذا رغم انني اختلف معه في كل شئ كتبه فيما عدا حروف الجر والتسكين والنصب. وهذا الكلام ينطبق بالذات على كتابه التأسيسي ذي الاطار النظري المكين وهو الموسوم بـ «الرسالة الثانية من الاسلام»، ولا شك ان هناك مبدعين غيره أكثر إبداعاً منه مثل الدكتور عبد الله الطيب الذي هو من أعمق الناس وأكثرهم إنتاجاً وأشدهم إخلاصاً لقضية الفكر والثقافة، ومن أكثرالادباء والمفكرين مقبولية في الاوساط السودانية والعربية، وقد كتب بكثافة وأثر في أجيال من الطلاب وانتشر على مستوى العامة، ولكن اكثر الاوساط الفكرية لا تهتم به وتبذل اشد اهتماما اكبر بمحمود لانه يساعد البعض في مهمة تجاوز الشريعة.
* لكن ألا ترى أن تفكير محمود كان عميقاً في كتاب «الرسالة الثانية من الإسلام»؟
- كان فكره عميقاً، لكنه كان متحاملا اشد التحامل على الاسلام الذي نعرفه ويعرفه سائر الناس. وأنا شخصيا أعدُّ نفسي مدافعا عن الاسلام، واتحفز لمهاجمة من يهاجمونه أياً كانوا. ورسالتي الشخصية في الحياة هي الدعوة إلى الاسلام ، وأنا حساس تجاه أي إنسان يمس ثوابت الاسلام أو يعمل علي تحريف الاسلام أو يعادي الاسلام مهما يكن متفوقاً ثقافياً. ولا أقبل المساس بكلام الله سبحانه وتعالى او سنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
* لماذا لا تنظر لمحمود محمد طه كمجتهد أكثر من انه يمس ثوابت الاسلام؟
- لا. لم يكن محمود مجتهدا في إطار الإسلام، وإنما أتي بشئ جديد مختلف عن الاسلام.
* أليس في الاجتهاد مشروعية للخطأ والصواب؟
- الاجتهاد عمل ايجابي غرضه التطوير لا التدمير. إنك لا تستطيع تجديد عمارة أو تطويرها بتقويض أعمدتها لأن البنيان كله سينهار. ومحمود محمد طه بدأ اجتهاده بتقويض الصلاة وهي عمود الاسلام الأكبر، ورفض الحج، وانكر شرعية الزكاة، وغير شرع الاحوال الشخصية، ونادى بالغاء سلطة القرآن المدني لأنه ملئ بالتشريعات، ودعا للاكتفاء بالقرآن المكي حيث تقل التشريعات، فهذا كله لا يمكن ان يعد تجديدا وانما هو شئ يستهدف صميم الإسلام.
* هل كل ما ذكرت موجود في كتب «الرسالة الثانية»؟
- نعم. هذا هو أقل ما في كتاب «الرسالة الثانية» الذي يقوم على آي القرآن المكي فقط. ومحمود لم يعترف بالقرآن المدني، فهو بالتالي خارج على الاسلام ، وهو في اعتقادي واعتقاد الكثيرين شخص غير مسلم.
* لكن لايستحق عقوبة الردة؟
-لا هو مرتد طبعاًً.. هذه هي الردة بعينها ولا توجد ردة اكبر منها. والانسان المسلم إذا أنكر معلوماًً من الدين بالضرورة ، فهو بالضرورة شخص مرتد.
* لكن العلماء الذين ناقشوه مثل صلاح أبو اسماعيل وصلوا لطريق مسدود معه وإن لديه رؤية وفكرا؟
- أعتقد أن هذه مجرد إشاعة. وأنا لا علم لي بمناقشة صلاح أبو اسماعيل بالذات. لكن أي عالم شرعي يستطيع بسهولة ان يستنتج ان محمود شخص مرتد.
* طيب أنت قلت إن الترابي لا يستحق أن يُقام عليه الحد. أليست هذه ازدواجية معايير، إن محمود كان يفكر ويجتهد والترابي يفعل الشئ نفسه الان؟
محمود لم يكن مجتهداً، والترابي نفسه في تجديفاته الاخيرة لا يعد مجتهدا، وأكثر ما قاله اخيرا قالته الفرق الغالية قديما، وبعضه موجود في تراث محمود محمد طه.
* طيب ما هي إيجابيات محمود محمد طه؟
- لقد شق طريقا في التأمل في الوسط الفكري السوداني الخامل. واستفاد في ذلك كثيرا من فتوحات محيي الدين ابن عربي. ولمحمود بعض المساهمات الاصلاحية المحدودة في الزواج الجماعي. وكان محمود ثابت الجأش في المحكمة، وحتي في قتله كان ثابتا. وعلى فكرة كثير من الخارجين عن الاسلام بدوافع الجذب والشطح والايمان بالاشياء الغامضة، واجهوا مصيرهم بمثل هذا الثبات والابتسام. والحلاج صلى ركعتين قبل قتله، وهناك آخرون صدقوا مع أنفسهم. ولكن الصدق لا يعني الصحة والصواب بالضرورة.
* هناك أيضا من يرى أن الهدف من محاكمته كان سياسياً وليس دينياً ؟
- قد يكون.. لكن هو أيضا لم يكن بريئاًً من التآمر السياسي ضد خصومه. وقد تآمر مع حكومة نميري والشيوعيين ضد الانصار، وأيد ببيانات كثيرة ضرب الانصار يوم ضربوا في الجزيزة أبا في عام1970م، وظل يردد تأييده لضربهم سنين عددا، ولو راجعت الموقع الالكتروني لحزبه لوجدت هذه الاقوال لا تزال مثبتة في ادبيات الحزب.
* هناك حديث حول أن قضاته كانوا أقل تأهيلاً عنه؟
- القاضي هو قاض ٍ . فأنا مثلا لو كنت بروفيسوراً وجاء أحد تلاميذي لمحاكمتي، فهل أقول إنني أشد تأهيلاً من القاضي.
* لكن يا دكتور لابد أن يكون القاضي مؤهلا ً في النظر لهذه القضايا الدينية؟
- القضاة الذين حاكموا محمود كانوا مؤهلين بلا شك، وبعضهم كانوا يحملون درجات أكاديمية عليا. والعلامة هنري رياض الذي راجع الحكم ، وهو من كبار فقهاء القانون في السودان، وكان قاضيا في المحكمة العليا، قال إن محاكمة محمود صحيحة من حيث الاجراءات القانونية، وقد كان هنري رياض من ضمن القضاة الأربعة الذين صوتوا أن المحكمة صحيحة في مقابل الخمسة الذين قالوا بعدم صحتها.
* هناك حديث من البعض أن الصادق المهدي يعد مفكراًً أكثر منه سياسياً.. كيف تقومه أكاديمياً؟
- لقد جمعت كما ضخما من نصوص الصادق المهدي، وأنا في سبيل اجراء بحث تحليلي نقدي شامل في مضامينها اهتداءً بمنهجية «تحليل محتوى» ولا أريد الآن أن أسبق النتائج، لكن انطباعي العام من قراءاتي لها يفيد بأن الصادق مجرد ملخص نصوص وليس مفكراًً كما يقال. بمعني ان الصادق لا يلتزم بنظرية معينة في المعرفة، ولا يملك أصولاً ثابتة للفكر، ولا يمتلك الصدق الذي كان لمحمود محمد طه مثلا. إنما هو يجمع نصوصاً من هنا وهناك بطريقة cut and paste غير الالكترونية. إن هناك خللاً منهجياً كبيراً في كتابات الصادق. ولا أريد أن أفيض في هذا الأمر الآن، ولكن هذه بعض نقاط التركيز في الدراسة الشاملة التي أتمنى أن أنجزها في المستقبل عنه. وعموماًً لا أعتقد أن الصادق مفكر، رغم إنه مشهور جدا بأنه مفكر أكثر منه سياسياًً.
* هل تعني انه كاتب؟
-نعم هو مثقف وكاتب متوسط أو فوق المتوسط؟
* هل تعني إنه مسنود طائفياً؟
- لا . هذا لا دخل له في الموضوع . هذا امر يتعلق بطبيعة الصادق المهدي الشخصية. إنه لا يملك الصبر الكافي لاتقان أي شئ يعمله. وهو يكتب مقالاته ودراساته بسرعة شديدة، ولا يربطها بمجمل أفكاره السابقة، ولا يؤسسها نظرياً، ولذلك لا تخفى على القارئ المدقق كثرة التعارضات في افكاره، كما تبدو له مظاهر العشوائية واضحة فيها، والفكرالجاد لا يحتمل العشوائية والتعارض. وبخصوص الصادق المهدي فإن الشخص القارئ البسيط يعتقد ان الصادق مفكر عميق لانه يطرق قضايا كثيرة، ولكن من يقرأ افكار الصادق بذهن فاحص يدرك جلية أمره.
* يقول الكثيرون في الصراع الفكري بين جماعة صادق عبد الله عبد الماجد والترابي، أن جماعة صادق أكثر صدقا؟
-الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد، حفظه الله، من أكثر الناس الذين أحببتهم في السودان، والحبر يوسف نور الدائم ، حفظه الله، أستاذي في السنة الأولى بالجامعة الإسلامية، ودرسني تاريخ الفكر الإسلامي، لكن هذين الشيخين الجليلين لم يتمكنا من بناء حركة إسلامية قوية.
* الدكتور عبد الله علي ابراهيم قال إنه عندما انهزم التيار التربوي داخل الحركة الاسلامية، قلت القيم الروحية والاخلاقية داخل الحركة؟
- والله أنا بعيد عن السودان، ولم أقرأهذا القول المنسوب للبروفسور عبد الله علي ابراهيم في سياقه الذي قاله فيه حتى أفهمه على حقيقته وأقول فيه بشئ. ولكني من ناحية عامة اعلم أن البروفيسور عبد الله علي ابراهيم إنسان حصيف، ويقول كلامه باحتراز العلماء وجدهم.
* إذن أسالك بصيغة أخرى عن الحالة التربوية.. ألا ترى أنها انتهت حين دخل الاسلاميون السلطة؟
- الإسلاميون يحرصون على تربية أنفسهم وأولادهم تربية إسلامية صحيحة، بغض النظر عن وجود حركة إسلامية مننظمة من عدمه. والقول عن الحالة التربوية بأنها انتهت فيه مبالغة شديدة، حيث أن معدلات التربية الإسلامية في وسط السودانيين على مختلف مشاربهم عالية، وهي في علو وتنامٍ مستمر.
* أنا أقصد على مستوى الدولة؟
- على مستوى الدولة لا أستطيع أن أحكم . وارى أن معظم أعضاء الحركة الاسلامية يستصحبون قيمهم الدينية الإسلامية، وإن كان القليلون قد أهملوا هذا الأمر.
* سؤالي يتجه بالأساس إلى توظيف الاسلاميين للدعم العربي والاسلامي الاقتصادي لصالح ثرائهم وتورطهم في مسألة الغلاء؟
- طبعاً هذا يحتاج لتدقيق وتمحيص وتحقيق، فأنا لا أريد أن ألقي الكلام على عواهنه وأكون مسؤولا عنه أمام الله سبحانه وتعالى، وبالتالي لا أستطيع أن أعلق على هذا الموضوع.
* لكن أنت كباحث إسلامي تحتاج للبحث عن هذه الاتهامات ومعرفة الخطأ والصواب في الممارسة السياسية للاسلاميين. ألم تسمع بمحاولات تخزين العيش لبنك فيصل الذي يديره إسلاميون مؤثرون في الحركة؟
- في مسألة تخزين العيش أتذكر أن هذا الاتهام قال به الفاتح بشارة وكان حاكما لكردفان ايام نميري، فرفع البنك قضية ضده واضطر لسحب كلامه، وبنك فيصل هو بنك اقتصادي وليس هو الحركة الاسلامية.
* فلنأتِ إلى الدولة التي يسيطر عليها الاسلاميون حالياً.. ألا تري أن الفساد الذي أحدثه الاسلاميون في كل مناحي العمل العام ليس خافياً على أحد؟
- الفساد موجود في أي بلد، هو أمر مستنكر، ولا أحد يدافع عن الفساد، والمهم ألا يبالغ الناس في الحديث عن الفساد، لأن ذلك يعطي مشروعية للفساد في النهاية، ويخفف من وقعه المنكر على القلوب، ولو انبرى البعض لمواجهة الفساد قانونيا لأرعب بذلك المفسدين ولو بنحو جزئي، ولطامن من جرأتهم الفادحة على ارتكاب الاعمال والبيوع الفاسدة والمفسدة. والفساد حتى لو حدث حتى من أخي - لا سمح الله - فهو عمل غير صحيح ولا استطيع ان ادافع عنه، لكني في الوقت نفسه لا استطيع ان ابالغ واعمم وألقي الكلام بصورة جزافية في اتهام الناس بالفساد. وفي كل الأحوال ينبغي أن يُقال إن الفساد موجود في كل مكان في العالم، وأن لنا من ذلك بعض النصيب.
* ولكن محاسبة الانقاذ تتم بالمعيار الاسلامي، لانها طرحت نفسها هكذا ثم أتت بأهل الثقة؟
- لكن الاسلام نفسه لا يمنع أن تأتي بأهل الثقة ليكونوا عوناً لك لا عليك.
* لكن ليس على حساب العدالة؟
- ما خلاص، إذا هم تجاوزوا العدالة فهم على خطأ. ولكني لا أستطيع التأكد مما إذا كانوا قد تجاوزوا العدالة أم لا، لكن من حيث المبدأ هذا الفساد موجود في كل العالم، وموجود في السودان من قديم، ولم تأتِ به الإنقاذ


http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147507172&bk=1

Post: #157
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 04:01 PM
Parent: #156



على ضوء المساءلة العامة
الحــــــزب الشيـــوعي في الميـــــزان
صلاح شعيب
الكتابة عن اليسار مشكلة، وعن الحزب الشيوعي تساوي مشكلات عدة، والسبب بسيط: هو أن المراجع التي تناولت اليسار قليلة ومتناثرة وفي أحيان كثيرة تأخذ طابع المذكرات، وما كتب عن الحزب الشيوعي من نقد كان معظمه أميل للتشفي أو الهجوم المدمر الذي لم يأت في كثير من محبة، هذا الأمر تم من قبل الذين كانوا يعتقدون فيه وفي إيمانه بالقضايا التي تبناها تاريخياً ثم خرجوا عن الحزب نادمين أو مغبونين «صلاح أحمد إبراهيم، أحمد سليمان، عبدالله علي ابراهيم، بقادي، الخاتم عدلان، وراق وآخرون»، أما باقي نقدة الحزب فقد جاءت مشاريعهم بعد التقاعد نتاج كتابة خصوم من إسلاميين وغير إسلاميين، هؤلاء الذين لم ينظروا للتجربة الماركسية في السودان ضمن رؤى موضوعية ترتبط بالظروف التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والاقليمية التي كفلت الوجود القدري للحزب، كما أن بعضاً من الخصوم إشتطوا في نقده ولم يروا في الحزب إلا مسألة من قبيل الإلحاد والتفسخ كما أرادوا بذلك لحرقه ولم يفتشوا بشفافية على جهة الأخطاء الموضوعية أو المنافع الأيديلوجية الماركسية التي يتبناها الحزب وأثرها على النسيج المجتمعي السوداني، أو حتى أثرها على الدائرة الحضارية التي نستند عليها في كثير من رؤانا الفكرية والثقافية.
هناك مشكلة أخرى تواجه النقاد حين يتناولون أمراً يخص الحزب وهي الحساسية العالية للأفراد الشيوعيين تجاه الانتقادات التي تواجه الحزب وربما يعود ذلك إلى نوع من غياب الأنتلجنسيا اليسارية عن تأسيس خطابات ناقدة، وذلك بقناعة أن النقد هو سبيل الأنتلجنسيا وغيرهم لمراجعة تجاربهم في إنزال مفاهيم تقدم وعدالة اجتماعية وشؤون للديمقراطية والتنوير الفكري أو الثقافي. وقد يتجاوز هذا الغياب في التفاكر الذهني ليشمل طبيعة المجتمع السوداني المجبول على النفسية المتسامحة حتى تجاه ما هو عام.
إلى ذلك فإن طبيعة التكوين الداخلي للحزب كان حرمت المهتمين من متابعة حصاد النقد الذاتي الذي هو مفهوم -بطريقة ما- لضرورات العمل السري، بيد أن المرء ليستغرب كيف أن تجربة الحركة الإسلامية مثلاً، وخصوصاً قبل وبعد ما سمي «بالمفاصلة التاريخية» شهدت ولا تزال إجراءات نقدية صارمة نهض بها أكابر الشخصيات التاريخية في الحركة وبعضٌ من رموز الجيل الثاني، وكان يمكن أن تظل تلك الإجراءات داخلية أو حبيسة الصدور، ولكنها في خاتم المطاف خرجت إلى فضاء العمل السياسي العام من دون أن يخرج أصحابها أو يتنصلوا عن الحفاظ على مسافة ممكنة لترميم الجسم العام للحركة الإسلامية، وفي ذهني الآن مذكرة العشرة التي حوت أدباً سياسياً للخلاف في ظروف بالغة الحرج بالنسبة للحركة آنذاك، وكذلك يتذكر المرء محاولات الدكتور عبدالوهاب الأفندي والطيب زين العابدين وعمار محمد آدم والمرحوم محمد طه محمد أحمد ومحجوب عروة وعثمان ميرغني وغيرهم من من بقيت كتاباتهم إجتهادات جريئة للحفاظ على جوهر الحركة الإسلامية رغم فداحة الأعباء وعظم النائبات.
وصحيح أن محاولات الإسلاميين للجهر بالحوار بينهم عجلت بها إنحرافات السلطة التي تماهى الحزب فيها ولكنها مثلت -المحاولات- في الواقع إنفراجاً للضغط السياسي على الحركة الإسلامية على الرغم من إنشطارها، وفي ذهني أيضاً أن هذا الإنشطار يمثل جزءاً لانشطارات حزبية عايشتها كل الفاعليات السياسية ولكن لم تستثمرها للبحث عن الدوافع الحقيقة له كما استثمرته الحركة الإسلامية. ونعود لهذا الانشطار فيما بعد.
ولكن في خاتم المطاف إن الاسلاميين إلتفوا حول إنشطارهم رغم بعض الجراحات المرة وظلوا يتغازلون بإمكانية معالجتها ولا يستبعد المرء رغم مراراتهم إنهم سوف يجدون في التصالح سبباً لوجودهم البارز في الساحة السياسية السودانية، وربما رأوا أن لا أحد يمكن أن يستغني عن آخر منهم إذ أن مستقبل العمل السياسي القادم، إذا تم تجاوز معضلات دارفور والجنوب والشرق، يفترض اتحادهم، وخصوصاً بعد تواتر أنباء بأن هذا الشهر قد يشهد تقارباً بين الجناحين المتصارعين على خلفية تصريح البشير بقوله إن كل الأشياء واردة حين سؤل مرة عن توحيد حزبي المؤتمر الوطني والشعبي ضمن تنازلات هنا وهناك ووفق رؤى إستراتيجية عن مستقبل العمل السياسي الإسلامي.
نعم إن المرء ليستغرب وعي الحركة الإسلامية بأهمية النقد المكشوف أكثر مما هو حادث في الحزب الشيوعي السوداني الذي أصبح أبناؤه الذين استحقوا وضعيتهم السياسية عبره يحاولون في نقدهم له كما لو أنهم يضربون كعبة الحج السياسي السابقة بالمنجنيق، ليس هذا فحسب وإنما يلجأ بعضهم إلى حافة «اليمين الخصم» إنضماماً أو مهادنة أو مغازلة، هذا الأمر حدث لأحمد سليمان الذي بقي مشروعه السياسي، فيما بعد، الإنتقام من كل إرثه وإرث الحزب، حتى أن خبراته السياسية تم توظيفها ضمن التيار اليميني ولا ينسى القراء الكرام التقارب السياسي والفكري الذي تم بين الشاعر صلاح أحمد ابراهيم والنظام، وهو الشاعر نفسه -الله يرحمه- الذي وصل به الطلاق البائن مع فكر اليسار والحزب الشيوعي إلى أن يهجوا المرحوم الزعيم عبدالخالق محجوب بقصيدة وصفته بكل ما هو مشين، وفي هذا الإطار يتذكر البعض مقالاته الساخنة التي بادل بها الراحل عمر مصطفى المكي والتي حفلت بما لا يدخل في شرف الخصومة السياسية، وهناك عبدالله عبيد ومحمد سعيد معروف اللذان إنتهيا إلى أدوات طيعة للإسلاميين وكذلك ميرغني حسن علي الذي صار يغرد كما يغرد شنان! أما عبدالله علي ابراهيم فقد بدت مقالاته تبطن «عداءً فناناً» للحزب والقوى التقدمية وتجاهلاً مشكوكاً فيه لأخطاء اليمين السوداني والذي هو الآن بيده مفاتيح ومغاليق الأزمة، وربما يكاد المرء أن يقول إن الدكتور إبراهيم وهو المعتبر من أكثر اليساريين علماً ونقداً ومسرحاً يبدو الآن في ممارسة الردة عن تاريخه، متجاوزاً القضايا الفصل ومتعمداً الكتابة حول إسقاطات الأشياء أكثر من سبر غور العوامل التي أدت إليها، وذلك بأسلوب أدبي راقٍ ، ولقد كان الإعتقاد أن عبدالله بما اكتسب من ريادة وذائقة نقديتين هو الأكثر تأهيلاً في الكتابة عن شؤون الحزب الشيوعي والتجربة اليسارية في السودان عموماً، وذلك بما يفيد الأجيال الراهنة والقادمة بما ذهب خطأ في مشوار التحديث والتنوير الفكري والثقافي، ولكن يبدو أنه لم يمتح من بئر مؤسسة بنقدة حميمين بالحزب واليسار معاً وكل ما سعى إليه أنه أعاد إنتاج مذكرات أحمد سليمان ومعروف ويس عمر الإمام، وفي معمة الحديث عن تنكر أبناء الحزب فإننا لا ننسى الأستاذ أحمد علي بقادي الذي وجد في كتابة المذكرات الصحفية مجالاً لتأكيد ما فعل وليس لنقد ما فعل الآخرون، والآخرون إذا كانوا هم تقويم الحزب يتجاوزهم التأريخ الشخصي.
طبعاً، هناك بعض رموز للشيوعية السودانية مِنْ مَنْ لاذوا بالصمت لحسابات شخصية أو لحساسية نقد كل ما هو مرتبط بالحزب أو لاعتبارات اجتماعية ونفسية، وفي تقديري أن الشيوعيين عموماً لا يحفلون بالنقد أيَّاً كان خصوصاً حين يرتبط بزميل سابق، كما دلت تجربة الخاتم، ومن جهة ثانية إن طبيعة العمل التنظيمي كما قلت تستدعي سرية النقد إذا كان داخلاً في الحاجة للإصلاح التنظيمي، أما الشيوعيون الملتزمون بعضويتهم فلا مجال أمامهم لنقد الحزب علنياً وإلا فإن ذلك يعد خرقاً لللائحة، وربما هذه واحدة من الأسباب التي أدت إلى أن يتعرض الحزب في السنين الأخيرة إلى إنشقاق مجموعة متميزة من كوادره بقيادة الخاتم عدلان ووراق وهشام عمر الأمين واللذين رأوا أن الحق معهما لتكوين «حق» وفيما بعد اختلفوا بمرارة، ومضى كلٌّ إلى حال سبيله، صار الخاتم رئيساً لقسم الترجمة بصحيفة «الشرق الأوسط»، غير متحرج من كون أن الصحيفة مدعومة من اليمين الوهابي الذي لا تستطيع نقده وهو اليمين المصنف عالمياً ضمن اليمينيات الداعمة للإرهاب والعاملة ضد حركة التاريخ نحو التقدم الإنساني، أما الحاج وراق فلا يجد شكوكاً في التعاون إن لم يكن التحالف السياسي مع قوى سياسية، دعامتها اليمين الطائفي، وربما تقوده -وراق- أفكاره الجريئة للتضامن مع إسلاميين منشقين ومستثمرين لناحية بلورة مشروع إعلامي طموح مثل «الوسائط» وبغير ذلك فإن وراقاً لا يعدم وخز اليسار والحزب رمزياً عبر مقالاته السابقة من دون أن يفيد الحركة السياسية السودانية بمشروع سفر نقدي حول تجربته مع الحزب الشيوعي، هذا لو إن كتب عن ما ذهب خطأ في التجربة التي أفنى جزءاً من عمره فيها، ولكن أنى لوراق أن يأتي بما لم يستطعه الأوائل، فإرث الأنتلجنسيا اليسارية لم يقدر بعد على فتح الأوراق القديمة ونقدها على ضوء محاولة موضوعية وحميمة للتدارس، فالحساسية من الفقد الاجتماعي للأصدقاء الذي ارتبط بهم واردة برغم أن النقد لا يعني بالضرورة إفساد الود كما نعلم.
إن العلاقات المميزة التي نماها الأستاذ وراق داخل الحقل الصحفي كان يمكن أن تساعده في فتح ملف اليسار أو الحزب الشيوعي وذلك بإستضافة رموز عاملة وصامتة أمثال كمال الجزولي وفاروق كدودة ومحجوب شريف وابوبكر الأمين ومحمد عوض كبلو وكبج وغيرهم، ولكن عوَّل وراق على حقيقة الإبتعاد عن الهم والغناء له بمقالاته، كما أن التجربة لم تتح له الإستناد على هامش المناورة أو المبادرة السياسية للأعضاء إلا إذا كانت هذه المبادرة تتخذ نشاطاً آخر مثل نشاطات الشعراء والأدباء والفنانين والذين دائما ما يبهرون القاعدة التائقة للتغيير بمبادراتهم الرائعة «وفي الأمثلة» كمال الجزولي حين يقتحم فضاء الصحف الممولة إسلامياً ليكتب درراً من الدراسات والمقالات ومصطفى سيد أحمد حين يتعاون مع الشاعر عبدالقادر الكتيابي ذي الميول الإسلامية، وبشرى الفاضل حين لا يرى حرجاً في المشاركة في مهرجانات ثقافية في الداخل التسعيني لتمرير فكرته التقدمية وابوعركي البخيت حين لا يلتزم التعاون مع كثير من شعراء الحزب مثل إلتزامه في التعاون مع الشاعر هاشم صديق ووردي حين لا يجد حرجاً في الإلتقاء بقيادات إسلاموية ويكرم عبرهم.
كل هذه المواقف تجعلنا نطرح أسئلة من شاكلة هل إن «السياسي الفنان» أكثر إستلهاماً وثقة في ذاته من السياسي الملتزم باللائحة التي صممت على ألا تمسها «الحداثة أو التحديث».. الحداثة نفسها التي ألهمت الفنان ولا يستطيع أحد محاسبته أو التشكيك في أنه المتخاذل.. أو الخوان الكفور؟ وهل يتأخر السياسي دائماً عن فتح شرفات التجديد، وهل استطاع الفنان السياسي الإلتفات إلى أهمية التجديد والاستجابة إلى التحولات الداخلية والخارجية وأن يعبر عنهما أكثر مما فعل نديمه السياسي..؟
إن المشكلة التي تعاني منها تيارات اليسار الإشتراكي عموماً في منطقتنا العربية والإسلامية خصوصاً تتمثل في كساد المرجعية التي ينطلق منها الآن في مقارعة إشكالات الحاضر ومراجعة المتراكم الماضوي، وبالحق إنه لم يسع رغم ذلك الكساد، إلى إستلهام أفكار عملية جديدة تستوعب عناصر ملهمة في التفكير من الوسط ويسار الوسط ويسار اليمين والمستقلين والليبراليين والذين هم أيضاً عناصر مشتغلة على ضوء مفاهيم العقلانية ومبدأ التنوير عند النظر إلى الواقع الإجتماعي لنشله من بؤرة التخلف، بل ويقاسمون اليسار الإشتراكي خطوط التفكير والعمل التقدمي، ولقد كان متوقعاً في الحزب الشيوعي أن يشكل قفزة نوعية في زيادة عضويته ولملمة هذه الطاقات عبر تحالف سياسي عريض وجديد من شأنه، إذا تم التقعيد الفكري المتين، أن يحقق وثبات على مستوى العمل السياسي ويسهم فيما بعد في إنجاز مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والتنمية الحضرية وتطوير بنى الأجهزة الحكومية والاهتمام بمشاكل الجماعات الإثنية وتجديد النظر في العلاقة بين دول العالم العربي وافريقيا ومراجعة مواقفنا تجاه العالم والإنسانية.. وفي الحقيقة أن هذه المفاهيم لم تعد مرهونة بكونك منتمياً للحزب الشيوعي أو عدمه، إنما صارت مفاهيم عالمية وهماً إنسانياً لا يتعارض مع فكر الإتجاه السياسي الذي تنتمي إليه.
مضافاً إلى هذا أن واحدة من حزمة القضايا التي ترتبط في بلداننا بالتنمية الشاملة هي مسألة الموقف من توظيف الدين بالشكل الصحيح وبالطريقة التي يستحقها تأثيره المجتمعي، فالدين يلعب دوراً عظيماً في حيوات الشعوب، وما جاءت ظاهرات الإسلام السياسي، المعتدل والمتطرف فيها، إلا للفجوة الحادثة في أدبيات الأحزاب اليسارية. إذا أخضعنا الإسهام الفكري للحزب الشيوعي السوداني لدرس الدين تاريخياً وفقهياً ومعاملاتياً، فإننا لا نجد تفرغاً بحثياً أو أكاديمياً بذلته الوحدة الفكرية للحزب ليوازي عطاء التفرغ الذي أنتج مباحث مقدرة بأقلام محمود محمد طه ومحمد ابوالقاسم حاج حمد والصادق المهدي وعبدالله النعيم وحيدر ابراهيم، ونورد هؤلاء كمثال لما توصلوا إليه في أبحاثهم وليس إتفاقاً على ما طرحوه من تنظيرات حول الدين، وخارجياً ربما وجدنا جرأة محمد سعيد العشماوي -ومهدي عامل والطيب تزيني ونصر حامد ابوزيد وسيد القمني والعفيف الأخضر وحسن حنفي وغيرهم من المفكرين المنتظمين سياسياً أو الليبراليين منهم- وقد كان لها تأثيرها الإيجابي.
إن تعامل الحزب الشيوعي مع مسألة الدين لم يتبعه تنوير خلاق عن دوره الإيجابي في الحفاظ على القيم وضبط المعاملات الإنسانية وتأثيره الضخم الذي أنتج هذه الأجيال الجديدة من الإسلاميين على النطاق الداخلي والخارجي، ولقد ظل تعامل الحزب مع الدين تعاملاً خاضعاً للفعل ورد الفعل واستطاع اليمين السوداني عموماً توظيف تجاهل الحزب للمسألة الدينية ودمغه بالالحاد والتفسخ في بيئة لا تزال تشكل الغيبيات أساس إيمانها وتقواها وموقفها نحو الخطأ والصواب.
لقد كان جميلاً أن يسعى الأستاذ نقد حول البحث والتأليف، ومقدر جهده في كشف علاقات الرق التاريخية، ولكن ألا يهم بالنسبة للزعيم نقد، وهو المعروف بتدينه الشخصي، البحث في علاقات العلمانية والإسلام في هذه اللحظة التاريخية بإنعكاساتها المحلية والخارجية، حيث صار الدين محركاً أساسياً للجماهير ومستغلاً بكل ما وسع لتطويق رغباتها، ثم لماذا يظل اليسار السوداني عموماً متلقياً في مسائل التنظير الديني عبر وسائط اليمين السودانيين والعرب منهم أو حتى عبر رؤية اليساريين العرب أنفسهم في مسائل الدين.. ولماذا لا يوجد لدينا باحث شيوعي، ولو على سبيل العمل الأكاديمي، ليقدم جهداً علمياً رفيعاً في إمكانية فهم الدين معرفياً؟
من جهة أخرى كان يحسب للحزب الشيوعي تأثيره القوي على المجالات الفكرية والأكاديمية والتربوية والثقافية والفنية والاعلامية والعسكرية ربما وكذلك تأثيره غير القابل للجدل وسط النقابات وأجهزة الخدمة العامة، ولا يزال الحزب يمارس بعض النشاطات في هذه المجالات رغم الضربات المتلاحقة التي تعرضت لها الكوادر من قبل النظام سواء بالفصل التعسفي أو التشريد إلى الخارج، غير أن كل هذه المعطيات جديرة بالمراجعة لخلق البدائل الممكنة حتى يحتفظ الحزب بحيويته، فعلى جهة الخدمة العامة لا يشك عاقل إن الانقاذ كانت ولا تزال مارست إحلالا كادرياً يصعب تجاوزه، وعلى ناحية أخرى فإن كوادر الحزب قد هاجرت إلى الخارج ضمن هجرات ضخمة للكوادر اليسارية وأصبح للأسف أن رصيد هؤلاء الفكري مرتبطاً بظروف المعاش والاستقرار هناك.
صحيح أن الحزب الشيوعي قد إجتهد ولا يزال وشأنه هو شأن أحزابنا الأخرى التي أخفقت في جانب بسبب الظروف التي تعرضت لها من الأنظمة الديكتاتورية، وما من شك إن الحزب كان لديه طموحات لخدمة جماهير الشعب، والموضوعية تحتم القول إن النضال الذي قدمه الحزب لم يقل عن نضال أي حزب آخر، كما لا يجهل للحزب ريادته في تبني القضايا الاجتماعية وعمق نظرته لجذور الصراع السوداني وصلابة المواقف تجاه الأنظمة الشمولية والتزامه جوانب التعريف بالعطاء الفكري الإنساني، غير أن هذا الموروث السياسي بحاجة إلى طاقات جديدة ومراجعات للفكرة والمسيرة تسمح بإنفتاح الحزب أمام الطاقات المتوثبة للعمل والتي لم تجد في أحزاب أخرى مجالاً للإبداع والمشاركة الفاعلة وتتوق الآن إلى ماعون سياسي حديث وأوسع فشلت بعض الأحزاب والاتجاهات التقليدية في خلقه وعليه غداً أن أعداداً هائلة من الجماهير والانتلجنسيا تبحث عن بديل لاسطورة اليمين واليسار الثابتة لأجل أن يمارس هذا البديل القطيعة مع مفهوم الحزب السياسي التقليدي ويتجه بالطاقات والمواهب إلى مجالات التفجير والنماء.
ختاماً إذا جاءت هذه الكتابة عن الشيوعي السوداني ضمن مساءلة عامة مطلوبة لكل أقسامنا السياسية الملتزمة عملياً بدفع الوطن نحو ما نرغب فإن المرء لا يسعه إلا الأمل أن تثير هذه المساهمة المتواضعة والقاصرة عن الإحاطة الكاملة بأمر الحزب الشيوعي الاختلاف الخلاق أكثر من الاتفاق المستحيل، ذلك أن الاختلاف بحميميته ومراراته يفتح مجالاً للجدل والتأويل والتقصي، ألا يعني الاختلاف إنه عامل صحة ونذير رحمة أيضاً.

http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147506926&bk=1

Post: #158
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 04:02 PM
Parent: #157



محضر مشاهدات عابر للأطلسي 2-2
الاحتفاء" بحولية" الخاتم تحت شعار أي عقل انطفأت جذوته؟
نجم الدين محمد نصر الدين
واتتنى الظروف ويسرت لى الاحوال فى طريق عودتى الى واشنطون رجوعا من الغرب الامريكى الاوسط، إدبارا إلى البلاد ان اكون حضورا فى هذه الاحتفائية وتلك الذكرى العامرة بالشذي الحافلة بالعبير، فالشكر لمن جعلوا هذا ممكنا كما درج المفكر النابه الخاتم على القول ، ولقد تولى العام وطفح زيادة لاشهر عددا ولكن وكما علمنا لاحقا إن ذاك التأجيل وهذا الارجاء قد حدث بفعل من إنتظار المؤلف الاول الذى جمع للمفكر الكبير عقب رحيله الفاجع المباغت فيما لم يتمكن هو من الوقوف والاطلاع عليه كوحدة وكتاب ، إذ انه حوى مجموعة مقالات صدرت منجمة متفرقة بما اوجب كتابتها من ظروف واسهمت فيه من أحداث ، ولقد تم اصدار هذا الكتاب وباقتراح ترافق مع الرحيل تقدم به المشرف على وصاحب موقع" سودانيز اون لاين" الاسفيرى المهندس بكرى ابو بكر، لكى يعين ريعه اسرة الراحل الاستاذ الخاتم على هناءة العيش عقب انقضاء اجل عائلهم وخروجه من دار الزوال والفناء هذه ، واحسب ان هذا المقصد قد تخلف الان اولا لانه قد تمت للكتاب طباعة فاخرة فخيمة انيقة بالقاهرة وتحت إشراف الناشر المتميز الشاعر الياس فتح الرحمن ، والكتاب مما سنفرد له بابا نتناوله فيه بتفصيل وافاضة سيما واننى قد فرغت لتوى من قراءته كلمة كلمة وفى نفسى شئ من حتى اوقل هى كاملة ، وسأسعى لافرد للكتابة عن الكتاب -إضاءة لمداخله وسيندرج اى حديث عنه الان فى مغالبة الكتابة حوله، والتى هى من المزاحمة واللحاح فى غاية ، سيما وان الراحل المقيم قد ذكر فى بعض لقاءات صحفية اجريت معه تم نشر جزء منها ، بأنه وافكاره وقومه وبرامجهم كانوا موضع حرب لاهوادة فيها وابعاد شديدين حيلولة دون نشر هذه الافكار وترويجها حتى على مستوى التجمع الوطنى الديمقراطى الذى سعى وبنجاح للمرة الاولى منذ انشائه فى عدم افراد اجنحته لضمهم محلقين مع بقية السرب ، معارضة للنظام املا فى القضاء على اركانه وقواعده مشاركة للاخرين هذا الشرف حد التفكير فى حمل السلاح قتالا الى جانب بقية القوات والفصائل ولكنه حيل بينهم و بين ما يشتهون بدعوى انهم محض إنشقاق عن الحزب الشيوعى السودانى وانهم ان فتحوا مثل هذا الباب لعجزنا عن سده اذ انه الباب" البجيب الريح" رغما عن اننا لم نعرف طوال حياتنا السياسية مثيلا لانقسام الاحزاب الذى حدث اخيرا حتى تحولت الى شظايا وافراد صمديين ، ولقد بح صوت الاستاذ الراحل الخاتم فى فلق هذا الفرق بين الانشقاق عن الاحزاب تحت رايات ومسميات مختلفة مع طفيف تعديل او تعديلات فى برامج الحزب، بدعوى إصلاح شأنه وحاله والخروج بطبعة منقحة عن افكاره ولا بأس من ان تكون مزيدة كما يقول بذلك الناشرون ، وبين مغادرة محطة هذا الحزب او ذاك نهائيا وابدال افكاره بأخرى نعتقد انها اكثر صلاحا لمعاشنا ، وحال دنيانا ورفاه شعبنا ورقيه وتقدمه ونهضته وتعديل سبل كسبه والاهتمام بصحته وبيئته، وتعليمه وتوفير كرامته وسؤدده وتحقيق آماله وطموحه فى الحياة الحرة الكريمة ، توسلا لهذا ببرامج واطروحات ورؤى غير تلك التى للحزب المتهم هذا المفارق لجماعته بالانفصال عنه تحقيقا لمطامع عجز عن بلوغها، والحال كما كان فى الحزب ، ولكن صيحاته هذه كانت صرخات تتردد اصداؤها فى واد سحيق الغور بعيده، وضرب من الطرق على الحديد البارد ونحت للصخر بالاظافر ، فكان وكما ذكر فى الكتاب والذى شكل لى مصدرا يتيما بجانب اوراق وفعاليات الاحتفالية التى كنت عليها من الشاهدين ، بأنه قد تم قصر النشاط على تكريس الترابط والتواصل بين هذه العضوية واقتصرت الادوار على المساهمات الفردية الفكرية و غيرها فى الحياة السودانية فى عمومها ، ولقد تميزت هذه الفترة بالكثير من الاسهامات الفكرية فيما هو مسطر فى الكتاب المكنون على الاقل بالنسبة للراحل المقيم ،وكان الامر سوف يكون غير ما هو عليه الان لو انه كانت هنالك مساجلات فكرية بالحسنى حول ما طرحه من افكار لم تلقَ الا الازراء والاهمال والتجاهل ، مما حدا به الى الاستقالة عن الحزب الشيوعى السودانى كما قامت بهذا التصويب فى مسيرته السيدة حرمه تيسير مصطفى، والتى هى بالنسبة له اكثر من شريكة حياة زوجية فهى فوق ذلك كما قال الراحل المقيم الاخر العقيد الدكتور جون قرنق دى مبيور اتيم، بولاية ايوا حين تقديمه للوفد المرافق له فى العام 2003 عند زيارته الشهيرة للولايات المتحدة الامريكية بمدينة "أأيمس " التى نال في جامعتها درجة الدكتوراة فى الاقتصاد الزراعى ، حيث اطروحته المقدمة لنيلها حينما وصف السيدة ربيكا بأنها وعلى حد تعبيره "أكثر من زوجة وانما هى شخص يشكل جزءا من الصيرورة السياسية بأكملها فى مسيرتهم ، ولقد صدق حدسه وصحت نبوءته ، فلولا ما اتسمت به من حكمة وبصيرة لسبح الكل فى حمامات دم عقب الرحيل الفاجع الاخر لد. جون . سعى الاستاذان بشير بكار ود. حيدر بدوى صادق، واللذان هما وحتى الانقاذ عضوان راتبان فى الحزب الجمهورى ومن تلاميذ الاستاذ محمود محمد طه السالكين ، ولقد اعلنا انضمامهما للحركة الشعبية والجيش الشعبى لتحرير السودان باعتبارهما الاكثر تلبية لاشواقهما فى رؤية الانقاذ وهى هاوية متداعية منطرح مشروعها الحضارى ، مشفعين ذلك بكل مؤكداته الى ان ظهرت حركة حق بعد تكوينها وصدور المانيفستو خاصتها عقب إستقالة مؤسسيها ، فلم يتردد الاستاذان فى السعى للحاق بمركبها كما اعلنا ذلك رغما عن خلافهما مع قائدها حول وسائل النضال لاسقاط نظام الجبهة والاكتفاء بالسلمى من مقارعة دون العسكرى حتى لحقا بالفصيل الاخر فى الداخل ، وظلت حبال الود بينهم وبينه موصولة رغم هذا الخلاف ولقد سعيا لتأكيد ذلك و للقول بأنه اى الخاتم ثالث ثلاثة فى تاريخ السودان الحديث من حيث الفاعلية وتوفير النموذج الملهم " بضم الميم" للمفكر السياسى الفذ المتفرد قائد ورائد التغيير فى حياتنا العقيمة، ولقد درجوا على إرتداء هذه القبعات الثلاث الواحدة تلو الاخرى او مجتمعات ، فى محاولة للمزواجة بين افكار الرجال الثلاثة تلبية لاشواقهم فى الحرية والكرامة الانسانية والعدل . ولقد تفضل زميل بجعل الخاتم رابع اربعة بعد ان اضاف الشهيد عبد الخالق محجوب الى هذه القائمة الباهية ، اقيمت الحولية بمدرسة متوسطة او ثانوية بالاكساندريا بولاية فيرجينيا بمنطقة واشنطون الكبرى، ولقد كان الحضور متواضعا اول الامر جريا على العادة السودانية الراسخة المرتبطة جينيا بأبناء شعبنا بتفاوت درجة الايغال فى ذلك من عدمه ، ونما طرديا مع تقلص زمن الاحتفال حتى شهد ذروته فى نصف الساعة الاخيرة، ولقد كان دقيقا وتلقائيا ومنضبطا على طول زمنه والذى لم ينقطع الا لمرتين غاية فى القصر لتناول بعض طعام او شراب وكما هو معلن ، فلقد سبق الدخول فى البرامج توزيع الكتاب ممهورا بتوقيع الاستاذة تيسير لمن قاموا بإقتناء نسخهم فى حضورها ، سواء كان الغلاف سميكا ام غير ذلك ، عقب ذلك دخل الكل قاعة كبيرة اديرت منها فعاليات هذا الاحتفال مستهلين له بفاكهته وهى قصيدة عصماء رصينة كان مضنون بها من قبل الشاعر الكبير كثيف الشاعرية شفيف الوجدان والروح ، المسكون بالايثار ونكران الذات ،عبد الله اخوى، صاحبى المتمم كيفى كما قال الشاعر الحاردلو ، واصفا صديقه ابراهيم فى قصيدته الشهيرة ولقد امتنع ليس عن ممانعة عن القبول حتى بإدراجه فى قبيلة الشعراء وهو إمامهم وذكر الحضور بأنه موسيقى بعيد كل البعد عن هذا العالم ، وكالعهد به يغشى الوغى ويعف عند المغنم. كانت القصيدة فتحا جديدا فى الشعر ، ولقد استحسنها كل من اصاب سمعه والقاه وهو شهيد طرف منها ، مصحوبة بطريقة الغاء عامرة بالدراية قائمة على كمال معرفة وان حاول صاحبها التستر على ذلك كله ، انه السيد عبد الله محمد عبدالله، الشهير بفلوت لبراعته وتفوقه فى عزفه بقدر عزوفه عن الاضواء وتواضعه الدائم المتصل، فكانت بمثابة فاتح الشهية كما يقول اهل الموائد ومن يحفلون بترتيب تقديم الطعام، اعقبتها كلمة للاستاذة تيسير مصطفى التى حضرت من لندن حيث تقيم وابناها خصيصا لتشارك فى هذه المناسبة، ولقد استهلت حديثها العامر بأنها آلت على نفسها وليست" النائحة كالثكلى" الا تفسح للدمع مكانا رغما عن العدمية وبرد الحياة وكل لواعج الفراق ، الا دمعة تغافلها وتهرب ، ولتجعل يوم الذكرى هذا إحتفالا به واحياءً مع هولاء المتحلقين المحتفلين، ولقد كان حديثها مزيجا من خواطر المشجون و"ويل للشجى من الخلى" كما تقول العرب،ومن ذاك مستلهم الامل مستعيضا عن الفقد الذى لاراد له بالعمل على جعل ما اوقف الفقيد حياته له ممكن الحدوث والتحقق سيرا فى ركابه ، وما لا يدرك كله لا يترك كله، وهكذا وبهذا او ونحوه قد اخبرت . تعاقب على المنصة المتحدثون ومقدمو الاوراق بحسب ما تم اعلانه من جدول وترتيب فى تناول لبعض من افكار الراحل المحتفى به حول التغيير الذى نادى به حين آن اوانه وازف زمانه ، رغما عن المقاومة التى لقيتها دعوته هذه اول امرها وكيف ان هذا ثبتت ضرورته الان وهو على كل قيد الحدوث وعلى نار التكوين والتشكيل ، ولقد قدمت العديد من الاوراق وجرت مناقشات وسعى الجميع حقا لايجاد مكان للمفكر الراحل ولتبيين اوجه كل هذا باشتراك جميع الوان الطيف السياسى السودانى فى تجاوز نبيل حتى لحالة الخلاف الذى اضحى فكريا بينه وبين اعضاء الحزب الشيوعى السودانى ، الذين سما بعض منهم فوق هذه المخاصمة اللجوجة العاطلة عن إعمال الفكر والابحار الهادئ فى سبر غور ما شجر بين الناس من خلاف فكرى، هو دليل عافية اذا تم تجريد الامر من الانفعال والعاطفة ،,ولانصرف الجميع الى ما ينفع سيما وانه كما ذكر فلقد كان استعداده وجاهزيته عاليين لكى يتم إثراء وإغناء للحوار حتى يصير متأتيا لناشئة الشباب الاختيار الرشيد البصير، ولكن كسائر شؤون حياتنا فلقد كان الامر اقرب الى شعار النظام العالمى المدعى الركون اليه فى مكافحة الارهاب وهو من ليس معى فهو ضدى ،ما القطيع او القطيعة ، كما ذهب بذلك للقول الشا عر محمود درويش وهذه عموما بعض ملاحظات حول هذه الحولية والتى رأيت من الواجب علينا جميعا ان نعيش هذه الذكرى ونجعل ذلك سنة ، ونتذاكر الكتاب و ما سطره قلمه لكى نتلمس الاجابة للسؤال الذى شكل شعار المهرجان والذى يظل دوما حائرا وهو أى عقل حقا قد انطفأت جذوته ؟؟ و يجدر بى قبل مغادرة مقامى هذا ان انوه الى انه وإكمالا لجهد السيد مدير موقع سودانيز اون لاين الاسفيرى، المهندس بكرى ابو بكر ، فلقد تم تسجيل وقائع هذا الاحتفال كاملة، ويمكن الرجوع الى ذلك فى إرشيف الموقع بالشبكة العنكوبتية فى تاريخه من الارشيف بحسب ماهو مدون ومسجل ، سيما وانه كان حضورا واشرف هو شخصيا على هذا التدوين والتسجيل لمن اراد توثيقا ومضابط، كما واننا نأمل ان نرى ونشهد الاجزاء التى لم تتم طباعة لها من اعماله، ولقد سعت دار الخاتم عدلان للاستنارة لبسطها فى حياتنا فما احوجنا الى ذلك كله .


http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147506894&bk=1

Post: #159
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 04:23 PM
Parent: #1



«محمود محمد طه» الفكرة الجمهورية.. الإسلام الجديد وعقاب المقصلة

مع قليل من المبالغة؛ سيُعدّ السوداني محمود محمد طه - من زاويةِ المعرفة المنزوعة النهايات - من أشهر المجهولين في ساحة الفكر الإسلامي المعاصر، وبشيءٍ من المجازفة فإنه يكاد يكون من قلائل المفكرين الذين عنوا ببلورة أفكارهم على مقربةٍ لصيقةٍ من ساحات العمل. وإذا جرى التسامح مع المبالغة والمجازفة، فلابد أن يُصنّف طه في قائمة ‘’الإسلاميين’’ القلائل الذين نهجوا طريق التنظير لأفكارهم على هدى الإسلام. سيناقش كثيرون في ‘’إسلاميّته’’، وثمة منْ سيناقش في ‘’إسلامه’’ أيضاً، وفي كلا الحالين لن يُتاح للجميع أنْ يطمس الإنتاج الفكري الغزير الذي رفَد به طه أكثر من موقع من مواقع التجديد والنهوض الديني. مبكّراً حدّد في ‘’قل هذه سبيلي’’ بدايات الرؤية في العام ,1953 كان الإسلام حاضراً في قوّته المضمونية، إلا أن الصّيغة الهيكلية كانت مع كتاب ‘’الإسلام’’ الصّادر في العام .1960 ما كان يدعو إليه طه هو إسلام حقيقي، يعود بالناس إلى نهج الإسلام الأول. دعا إلى اعتماد الرسول محمد منهاجاً في السلوك الديني، ولكن وفق طريقة تأويلية لتطوير التشريع الإسلامي، فكانت دعوته للانتقال من الآيات المدنية، إلى الآيات المكية. إنه انتقال يُريد به محاكمة آيات الشريعة بآيات العقيدة، آيات التنظيم والعقود والحدود بآيات العدل والتضامن والمساواة الاجتماعية.
رفضَ ما أسماه بالهوس الديني والاستخدام السياسوي للدين. كانَ حرباً لا هوادة فيها ضد كهنوتية رجال الدين، وهي تسمية دأب على مجّها مجّاً، واعتبرها وافدة على التحضّر الإسلامي. منذ البدء، جعل الحرية الشعار الأول، ونظرها عمودَ الدين ومفتاحه الحقيقي، ومنها نافح كلّ ما يتعارض معها وصولاً إلى ما يسميه بالمدنية الإسلامية، وانطلق من موضوع المرأة، ليبدأ في جسْر أول قنطرة في أعقد موضوعات الإصلاح الديني. من أصول الدين لا فروعه نجد الخلاص، وانكبّ يُعيد فلسفة الأصول بما يمنحها وظيفة الخلاص المفقودة. في احتدام الجدال الحامي بين التطرف والاعتدال، سيجده البعض نموذجاً لابد منه لإعادة الحيوية للاعتدال الديني، بما هو مطارحة فكرية وجرأة في نقد الموروث. في تلك الصّورة سيُعجب به باحثو الغرب، وسينظرون إلى حياته على أنها تنويعة لصيرورة المفكر الحر في بلد مسلم، كما هي صورة ‘’جاليلو’’ في حقبة الظلام الأوروبي. إنها نمذجة ستكبُر مع حكم الإعدام الذي طال طه في يناير 1985م وعمره يتجاوز السبعين. اُتهِم طه بالردّة. هكذا كان يروي حكم المقصلة. لقد وقفَ ضدّ تطبيق الشريعة الإسلامية في عهد النميري. لم يكن رافضاً للإسلام، كما تقول وثيقته. لقد قال في ‘’محكمة الردّة’’ أن جلاّديه جاؤوا بما فيه’’مخالفة للشريعة وللإسلام’’، وأفعالهم ‘’شوّهت الشريعة، وشوّهت الإسلام ونفّرت عنه’’. لقد كان الرجلُ، إذن، حريصاً على الإسلام، لا رافضا له، ولذلك سيخذله العلمانيون. يحضر فيه مالك بن نبي، وكلاهما مهندس وصاحب نهضة. يمرّ عليه علي شريعتي، حيث الإسلام النضالي والنفرة من رجال الدين. وعندما يُعدَم لا يتذكّره إلا الحلاّج، فقد خرجَ طه من ملئ فراغ الحماس إلى ملئ فراغ الفكر عندما عكفته السجون واعتكف في منزله سنوات، ليخرج بعدها مليئاً بالروح ومتشوّقاً بالمعاني حدّ العروج.

http://alwaqt.com/art.php?aid=31456

Post: #160
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 06:44 PM
Parent: #1


تعقيب على د. الأفندي
حول أزمة الحركة الإسلامية
عبد الوهاب عمر الفكي
-------------------
محمود محمد طه
المتابع لكل ما يكتب الآن عن اشكالية الفكر الاسلامي المعاصر وتحديات المعاصرة او الحداثة، لا شك ان المتابع يحس بشعور مزدوج بين الغبطة لما يُثار من آراء جريئة وطرح لا يخلو من الجدة في التناول، وبين احساس بالقصور في فهم بعض اطروحات المفكرين المعاصرين، او تخريجها بما تهوى نفس الكاتب ليفهمها القارئ كما يريد هو «اي الكاتب» لا كما اراد لها صاحبها. بل وتبلغ الجرأة بالكاتب احياناً ان يأتي بقول وينسبه الى ذلك المفكر الذي لم يقله في كتاباته او محاضراته وندواته ولا حتى عند خاصته.
ومما يؤسف له ان تجد من تعتقد انه يكتب بعمق لا يقرأ للآخرين، بذات العمق او بالشحذ الذهني الذي يكتب به. وهذا ما يوقع الكاتب في فخ الاستسهال لفهم مراد الرأي الآخر او الاستمساك بذهنية لم ترق الى مرتبة الحياد. حتى اولئك الذين كنا نظن انهم قد قفزوا فكرياً من عتبة «الشيخ» الى اعلى، لم تكن لقفزتهم القوة الطاردة للخروج من مدار العباءة. ولعل اصدق الامثلة على ما ذكرنا هو ما خطه قلم الاستاذ عبد الوهاب الافندي في مقاله عن الشيخ الترابي وأزمة الحركة الاسلامية المعاصرة «الصحافة» العدد «4626». وما ادهشني في هذا المقال الفقرة التي تحدث فيها عن الفكرة الجمهورية واستاذها محمود محمد طه، وذلك الطرح الذي اقل ما يمكن ان يوصف به انه بائس.
وقبل ان استرسل عنَّ لي التذكير انني لا انتمي الى الفكرة الجمهورية، الا بقدر انتمائي لكل فكر حر يسعى جاداً لتحرير الانسان من آفة الخوف بكل اشكاله ومسمياته، وعلى رأس هذه الافكار «فكر محمد» عليه الصلاة والسلام.
ولابد من التذكير ثانياً بأن الجمهوريين هم الاقدر على الرد في ما يلي فكرتهم من كتابات وآراء «كتب هذا المقال قبل نشر مقال د. القراى». وقد أورد الكاتب هذه الفقرة من مقاله «الحلول التي لجأ اليها معظم الاصلاحيين تمثلت في محاولة التركيز على نصوص معينة دون اخرى وادعاء اولوياتها، ولعل الحل الجذري الابرز هو ذلك الذي لجأ اليه المفكر الراحل محمود محمد طه وحركته الجمهورية حين قرر نسخ كل النصوص القرآنية المدنية ومعها «السنة» وما تفرع عنها من موروث اسلامي، والبدء من جديد في استحداث تشريع اسلامي من نقطة الصفر. ولكن الحل الجمهوري واجه اشكالين رئيسيين، الاول هو حين كنس التشريع الاسلامي الموروث بأكمله بجرة قلم أحل محله رؤية تتطابق مائة بالمائة مع المنظور الغربي الحديث في الحريات وحقوق الانسان، وهو تطابق حري بان يجعل اية دعوة من هذا النوع مشبوهة، والثاني ان مثل هذا الحل الجذري يحتاج الى دعوة بسند سماوي جديد، اي بمعنى آخر ان الامر يحتاج الى وحي جديد ودين جديد، وهو تحديداً ما تضمنته الدعوة الجمهورية، وهو امر يجعلها مشبوهة اكثر، خاصة عند اهل الحداثة الذين تستهويهم دعوتها الاولى. ولكن يصعب عليهم تقبل محتواها الصوفي. الميتافزيقي» انتهى.
وليجد القارئ العذر لايرادي الفقرة كاملة.
وقبل التعقيب على ما جاء في هذه الفقرة لعل القارئ قد فطن إلى ما اعتور هذه الفقرة من اضطراب حتى في صياغة عباراتها خاصة في جزئها الاخير. وبفهمي المتواضع والمتواضع جداً وقراءتي المتعددة للفكرة الجمهورية، فلم يذكر الاستاذ محمود محمد طه او اي من تلاميذه ان الحل الجذري الابرز هو نسخ كل التشريع الاسلامي ومعها السنة.. بل انني قد فهمت من كتاباتهم وليست امامي الآن مراجع من كتبهم للاستشهاد بها نصاً.. ولكن في تلخيص ارجو ألا يكون مخلاً ان هنالك آيات اصول وهي الآيات المكية وهي مراد الدين في حقيقته، وعندما كان مجتمع القرن الرابع عشر اقل قامة من تطبيق تلك النصوص، فقد نسخت او انسئت الى ان تصبح البشرية قادرة على تطبيقها في مسار تطورها المضطرد نحو الكمال. ولتثبيت هذا الرأي اوردوا كثيراً من الامثلة يمكن الرجوع اليها في مظانها، ولا بأس ان نورد مثالاً او مثالين: فآية «لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي..» نسخت هذه الآية بآية السيف «فاقتلوا المشركين حيث ثقفتموهم» لحاجة الدعوة آنذاك الى التمكين كما أن الجمهوريين يرون ان آية الشورى التي يعول عليها الاصوليون ليست آية ديمقراطية، وانما هي آية وصاية «وشاورهم في الامر فاذا عزمت فتوكل على الله» بينما يرى الجمهوريون ان آية الديمقراطية هي «فذكر انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر» وما لم يقله الجمهوريون البتة نسخ السنة، بل ان دعوتهم في لحمتها وسداها تركز على الحياة في مستوى سنة النبي. وبما انني لا احبذ صيغ التحدي في المساجلات الفكرية، لكنني ارجو ان اطلب والح على عبد الوهاب الافندي ان يأتيني بدليل واحد على فريته ان الجمهوريين قرروا نسخ السنة تحديداً، وانبه الاستاذ الافندي الى ان الجمهوريين يفرقون في كتاباتهم بين السنة والشريعة.
واطمئن الاستاذ عبد الوهاب الافندي بأنني سأسخر قلمي هذا في لعنة الجمهوريين ومن والاهم ومن شاورهم من امثالي. واؤكد له مجدداً ان الجمهوريين لم يدعوا الى استحداث تشريع اسلامي من نقطة الصفر. ولا ادري ما هي مقاييس او معايير التطابق مائة في المائة مع المنظور الغربي التي اعتمد عليها الكاتب، فالتطابق في الحريات وحقوق الانسان في الميثاق الدولي وبين الاسلام او اي تشريع سماوي آخر، لا يعني بالضرورة ان الفكرة الجمهورية تتبنى المنظور الغربي. ولنا ان نسأل الاستاذ الافندي عن رضاء «المنظور» الغربي عن الفكرة الجمهورية وهي تبقي على تشريع الجرائم الحدية كحد السرقة وحد القذف وغيرها من الحدود؟ وما خلصت اليه من قراءتي لحجتهم في ذلك: ان تحقيق العدالة الاجتماعية الشاملة والحرية الفردية المطلقة يجعل من المجتمع الاسلامي مجتمعاً يرتفع عن قاعدة الحدود ولا يحتاجها الا في نطاق تضيق حلقته كلما صعد المجتمع الى اعلى، بل ان من يطبق عليه الحد سيكون مدركاً وراضياً بل وسعيداً بذلك، ثم يستمر الكاتب في تضليل القارئ بالقول ان الاشكال الذي يواجه الجمهوريين في حلهم الجذري، هو حاجة هذا الحل الى وحي جديد ودين جديد ثم هو يخلط خلطاً مريباً بين الالهام والوحي، ثم يقرر في ختام فقرته ان ما تضمنته الدعوة يجعلها مشبوهة اكثر.. وما يدعو للدهشة ايضاً ان كاتباً بحجم عبد الوهاب الافندي يجنح نحو هذا التبسيط المخل والتشويه المتعمد في بضعة اسطر لفكرة لها من المؤلفات والندوات والمحاضرات والاتباع، ولفترة امتدت لاكثر من اربعة عقود او تزيد.
خلاصة القول ان ازمة الحركة الاسلامية المعاصرة وفي السودان على وجه الخصوص، او لنقل ان احد اسباب هذه الازمة.. هو كسل مفكرين يرضون من غنيمة البحث بالتثاؤب وفضيلة الاتباع، بينما يحتاج الاسلام الى كثير سهر وبعد نظر واعمال فكر واستنباط حلول.
أخيراً: أرجو من الأخ الافندي ان يقرأ للجمهوريين ثانياً وثالثاً ورابعاً ولا ضير في ذلك. فانا قد اعدت قراءة كتاب رسالة الصلاة لاكثر من ثماني مرات، عندما استشكل عليّ فهمه، ولم احس مطلقاً بقدح في قدراتي الذهنية على الفهم والاستيعاب، بقدر ما يجعلني استوثق من فهمي حتى لا اقع في ما وقع فيه الافندي، ليكتب مثل هذه الآراء الفجة والفطيرة في شأن يمس عقيدة المسلم وهو يلهث لايجاد حلول لمشكلات تخيم على صدره وتأخذ بخناقه.
عبد الوهاب عمر الفكي



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147504594&bk=1

Post: #161
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-04-2008, 11:46 PM
Parent: #160


الانفصاليون: خطلُ الفكرة وتمزيق البلاد
خالد أحمد بابكر
[email protected]
لـ (أحمد عبد المعطي حجازي) :
هَمَجٌ رمتْ بهم الصحارى جنة المأوى
تَهِرُّ كلابهم فيها وتجأرُ في المدى قُطْعَانهم
يمشونَ في سُحبِ الجرادْ
كأنَّ أوجُهَهُم لغربان
وأعْينَهُم لذؤبان
وأرجُلَهُم لثيران
يدوسونَ البلادَ ويَزْرعُونَ خَرابَهُم
في كلِ وادْ
مضى زمانٌ على أهل السودان كانت المجاهرة في الدعوة للانفصال أو الترويج له بمنزلة الجرم، وإنْ بدا شيء من ذلك يُقابل باستهجان واسع وتذمر من الأكثرية التي كانت تنظر للوحدة الوطنية بعين الرضا، وتراها قيمة سامية لا ينبغي المساسُ بها والتجرؤ على لكز صرحها المنيع في نفوس السودانيين. فبالوحدة يكون صلاح البلد وأهله وتنتفي عوامل التشرذم المهددة للمصلحة العليا لإنسان هذه الأرض. لكننا عشنا حتى يوم الناس هذا، ورأينا كيف كرّس بعض الإسلامويين للانفصال، ليس بإبداء الرأي فحسب، بل شرعوا في إنشاء منابر التحريض الدعائي وبناء منصات الهجوم على الوحدة الوطنية. ماذا أصاب أهل السودان؟ الآن صحيفة بكاملها تنفثُ روائح الانفصال الكريهة كالتي تنبعثُ من ديدان التعفن (صحيفة انفصالية في ظل ما يُسمَّى بحكومة الوحدة الوطنية) يتولاها شماليون متأسلمون، وسلطان المدينة وعيونه، متغافلون!!
لقد احتملَ أهل السودان ـ بكل تصنيفاتهم ـ مرارات الحرب سنين عددا، ودفعوا فاتورتها باهظة ومكلّفة، وصبروا على الأذى صبراً جدُّ جميل، يحدوهم أمل الوحدة ويتغشّاهم نسيمها بعد كل منعطف سياسي مرّوا عبره، يخرجون منه وهم أكثر إلحاحاً في تحقيق هذه الأمنية. وخلال تلك المنعطفات، كانت تُسمع من حين لآخر بعض الأصوات تنادي بالانفصال عبر الصحافة السودانية، لكنها كانت تمثلُ وجهةَ نظر أناسٍ بعينهم، ولا تمثل الموقفَ الرَّسميّ للأحزاب والتكوينات السياسية، وسرعان ما كانت تخبو.. فلماذا الآن بالذات يجري تصعيد الأمر وإعطائه حجماً ما كان ينبغي أن يكونَ عليه، والسماحُ لرهط من الإسلامويين باستصدار صحيفة تنادي بدعاوى بغيضة تسعى عبرها لتقطيع الوطن الكبير (بلحيل) على مقاس أيديولوجيتهم؟؟.. فالسودان أوسع من أن تستوعبه منظورات الأصوليين الانفصاليين.
الأصولية الإسلاموية بضيق أفقها كفّرتْ كلَّ مَنْ خالفها الرأي، وراحت تدينُ بالجُرم المشهود كل مجتهد جَرُؤ على التفكير وتُهدر دماء الكتّاب. وليس بخافٍ ما جرى للأستاذ الحاج وراق من تهديدٍ ووعيدٍ بلغ بالتكفيريين مبلغاً عظيماً جعلهم يُهدرونَ دمَه!.. والأستاذ محمود محمد طه قتلته محكمة التفتيش النميرية بإيعازٍ من الظلاميين، في محاكمة ـ قال عنها الأستاذ المرحوم صلاح أحمد إبراهيم ـ تستنكف عن قِصَرها وتلفيقها العدالة الوضعية ناهيكَ عن عدالة الإسلام. وأمر القاضي (المهلاوي) بإحراق كتبه. ومن الكتّاب كذلك نصر حامد أبو زيد الذي صُودِر كتابه «الخطابُ والتأويل». وإدوارد سعيد الذي دافعَ عن الحقِّ الفلسطيني في أكثر مراكز الصهيونية ضراوة، ودافع عن الإسلام والحضارة الإسلامية (وهو المسيحي البروتستانتي) ما لم يدافعه مسلمو الغرب.. هو نفسه إدوارد سعيد الذي أهدر الأصوليون دمه في كتاب «الحداثة في ميزان الإسلام» للأصولي السعودي عوض القرني عام 1989م. إذن كيف للتكفيريين والمتزمتين ومن نحا نحوهم أنْ يقيموا وطناً يسع الجميع على اختلاف مشاربهم؟
إنَّ ما يُقْدمُ عليه الآن الإسلامويون الانفصاليون هو مخططٌ يسعى لتمزيق البلاد وتقطيعها من أطرافها بدعاوى بائسة ممعنة في التضليل والمغالطة. وهم بذلك يزرعون بذور الفرقة بين أبناء البلد الواحد ويخدمون أجندات قد تكون دافعاً لاستهداف وحدة البلاد والعمل على خلخلة جسد هذه الأمة التي تعوّل على الوحدة بأكثر من الانفصال. وأنّ مثل هذه الدعاوى تنطلق من نظرة آحادية لا تخدم مصلحة أهل السودان على أية حال، ولا تعزز من اقتناص فرص الوحدة مستقبلاً. كما أنّ بعض الانتهازيين منهم استغلَّ (أحداث الاثنين) ليبرهن على هشاشة الوحدة بين الشمال والجنوب.
كنتُ ومازلت أرى مصلحة السودانيين في وحدتهم وتصالحهم مع أنفسهم. وقد ذكرتُ قبل أكثر من عام أنّ خطاب السّاسة الشماليين في مؤتمر «المائدة المستديرة» عام 1965م كان متسامحاً على النقيض من موقف الجنوبيين.. حيث عرض السيد إسماعيل الأزهري تصور حزبه في خطاب ألقاه أمام المؤتمر، ورد فيه:" إننا نسعى جاهدين للالتقاء بإخواننا الجنوبيين حول نظام يوفر السعادة والرفاهية لنا جميعاً ويوطدُ أواصر المحبة والسلام بين مختلف أجزاء القطر. وسوف نقبل طواعية واختياراً بل بكثيرٍ من الغبطة والرضا أي وضع يبلغ بنا هذا الهدف، ولا يهم في كثير أو قليل أن يُسمّى ذلك النظام بالفيدرالية أو الحكم المحلي أو الحكم الإقليمي. ونحن كإفريقيين نعلمُ جيداً أنّ قرارات منظمة الوحدة الإفريقية تنادي بأنْ تُعلن الدول المنضوية تحت لوائها في تأكيدٍ وعزم أنَّها تحافظُ على الحدود التي ورثتها عندما نالت الاستقلال".
إلا أنَّ الانفصالي الشمالي المتطرف ذي النزعة الطالبانية، والذي استبدّ به الرأي واشتطّ عن الحق، ما فتئ يتردّى وهو يتساءل متهكماً في كل محفل ومنتدى..."ما السبب الذي جعل السودان مليون ميل مربع؟ من قرر ذلك، ليسوا هم السودانيين"؟!. إنَّ هذا القول مع بؤسه وخطله البائن لا يَصْلُح أنْ يُتَّخَذ حُجة يُقيم عليها عتاة الانفصاليين الشماليين مزاعمهم وأهواءهم الذاتية. فأهل السودان لم يُقرروا ولم يُنصِّبوا دعاة الانفصال متحدثين بالوكالة عنهم. منْ الذي أقرّ هذه الدعاوى؟ ليسوا بالطبع أهل السودان، بل فئة من عاطلي الفكر تحاول النيل من استقرار ووحدة هذا النسيج البشري المتسامح بطبعه، والذي تربطه أواصر ووشائج وعلائق ضاربة في القدم منذ مملكة سنار الماجدة(1504 - 1821م)، والتي قامت على نهج سوداني استطاعت عبره توحيد أهل السودان داخل إطارها على أسس قوية وراسخة، جعلتها تستمر لعدة قرون.
في ندوة (إشكالات البناء الوطني، رصد الصحافة 22 / 7 / 2004م)، قال زعيم الانفصاليين الإسلامويين الجدد الطيب مصطفى: " ظللنا نعالج الأمر معالجة عاطفية، لا نريد أن نتعامل مع الأمر بالعقل، نريد أن نتعامل تعاملاً هتافياً وعاطفياً كتبه شعراء (منقو قل لا عاش من يفصلنا) .. وظللنا نردد هذه الكلمات حتى ترسخت في وجداننا بشكل عاطفي قوي، غدونا أسرى له حتى الآن، ولا نريد مواجهة الحقيقة.. مواجهة الحقيقة تقتضي شيئاً واحداً، أن نتخلص من كل العواطف، من كل الثوابت" .
هكذا يبدو الخطاب الانفصالي الإسلاموي في أردأ صوره، فهذا الحديث ليس غريباً على هؤلاء النفر من الإسلامويين الذين ساهموا في تصعيد مرارات الحرب وأضرموا النيران في الجسد السوداني إبان حقبة التمكين (التُّرابية) الطالبانية المتزمتة. هم أنفسهم الذين ساقوا الشباب والكهول إلى الأحراش للقتال تحت شعارات أصولية، وهو ما أسموه (جهاد الكفّار) . وعمدوا إلى فكرة (إعادة) صياغة الإنسان السوداني، وتفننوا وأبدعوا في (بيوت الأشباح) وممارسات الفصل القسري من الخدمة بدعوى الصالح العام، وأصبح الولاء للتنظيم يومئذٍ معياراً للوطنية والانتماء للوطن. والثوابت التي أراد الطيب مصطفى التخلص منها هي الثوابت الداعية للوحدة ـ التي ما يزال بعض أوفياء أهل السودان يُلْزِمون بها أنفسهم، وتنضح بها صدورهم.. هذه الثوابت الوحدوية هي التي تُكبِّل تفكير الزعيم الانفصالي ورهطه الذين ما برحوا يسيرون على خُطاه، حذوكَ النَّعْلَ بالنَّعْل، لكي يُعيدوا النظر في الخطأ التاريخي الذي ارتكبه (صُنّاع الاستقلال) حين اعترفوا بهذه الحدود التي حدّها (غيرهم) وجعلوا السودان بهذا الشكل المتناقض الذي استمرت الحرب فيه لنصف قرن ـ على حد تعبيره!!.
هذا وأيم الحق قولٌ يدعو للعجب، إذ من فرط الزهو والتعالي (الفارغ) على أهل السودان، اتخذ الطيب مصطفى من ذاته مُخطِّطاً جديداً و(رسّاماً) لحدود السودان المقترحة في مخيلته، وهو بهذا يُنكر علينا حدودنا التي ورثناها وأقرها أهل الاستقلال الشوامخ، ويستعدي في جُرأة بالغة لا تكاد تصدر إلا عن نزق مهووس حين يصف السودان بـ (الشكل المتناقض) . ماذا يريد الطيب مصطفي؟ هل يريد من كل ذلك أن يَخْلُصَ إلى أنَّ هذا السودان بشكله الحالي لا يُعجبه؟ أم يود أنْ يُصمّم سوداناً ذا (سحنة واحدة) على طريقته، أم تراه يسعى لتجريم الذين ناضلوا من أجل استقلال ووحدة هذا البلد؟
في السياق ذاته، يمضي في اجتراح أسئلته غير الوقورة وغير البريئة: هل فعلاً كانت هناك دراسة موضوعية ومنطقية لتجعل السودان بهذا الشكل، لم تكن هناك دراسة تراعي التجانس بين عناصره". ونحن بدورنا نناشده أن يمددنا بأنموذج لدراسة منطقية بحوزته تتحدث عن أي قطر مماثل للحالة السودانية. هذا الحديث عن التجانس (المزعوم) ينطوي على إهمالٍ فكريّ كبير لدى الذهن الانفصالي، وينبئ عن قصور جدُّ مزرٍ بمعرفة وأحوال الشعوب والتكوينات البشرية. فالأمم والمجتمعات الإنسانية ـ منذ عصور سحيقة ـ بمختلف عناصرها وسحناتها، قامت على من التعايش، ولم تقم على المزاعم والتأويلات والأقاويل والأباطيل المختلقة.
هل كان الطيب مصطفى يرمي بالحديث عن الدراسات المنطقية إلى أنه كان ينبغي أنْ تُجرى دراسة لأهل السودان تجمع شمل العناصر المتجانسة في وطن واحد، وتبقى العناصر غير المتجانسة في رقعة أخرى تخصها؟ إنْ كان ذلك ما يعنيه حقاً فهي الكارثة.. إنَّ المرء ليأسف لهذا المنطق المنقوص الأرعن.. إنه منطق الاجتثاث والبتر وتفصيل الوطن على (قدر) مقاس فئة تجتاحها أفكار مجنونة ليست خاضعة لسلطة العقل والمنطق. وهم كأولئك الذين أبدع في وصفهم الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي في مُفتتح هذه الكلمة.
فاصلة
قال محدثي: ماذا لو اختار الجنوبيون الانفصال بعد الفترة الانتقالية التي حددتها اتفاقية السلام وبعد الاستفتاء؟ قلت: إن اختاروه فهو حقهم، لكن أن يجرى تصعيد أمر الانفصال من قِبَل بعض الشماليين ـ وهم في هذه الفترة أحوج ما يكونون لثقافة التسامح وقبول الآخر ـ فهو ما لا ينبغي الصمت إزاءه.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147504391&bk=1
_____

Post: #162
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-05-2008, 00:10 AM
Parent: #1



عودة إلى مأزق الأفندي!!(1ـ2)
د. عمر القراي
توقع بعض القراء، الذين تابعوا مقالي السابق في الرد على د. الأفندي، ان يرد بمواجهة المسائل المحددة التي أثرتها في ذلك المقال.. فيعقِّب مثلاً، على ما ذكرته من جهله بالفكرة الجمهورية، ثم عدم تردده في الخوض فيها، واتهامها دون الرجوع لمصادرها، بأنها تدعو إلى دين جديد، وتدعي وحياً من الله!! أو ما أثرته عن ان د. الافندي يقع في مأزق، فهو يعارض د. الترابي، شيخه السابق، ويعارض الجناح الآخر من الحركة الاسلامية، ثم لا ينفي أنه ما زال في اطار الفكر الاسلامي، ثم هو لا يحدثنا عن رؤية جديدة، تختلف عن اجتهادات الترابي، التي هاجمها، أو آراء خصومه الذين كفَّروه، وتتفق مع الاسلام، ومع مفاهيم الحداثة الغربية التي يزعم انه عالم بها.
لقد كان نقدي السابق، مؤسساً على ما كتب الافندي، فلم يترك لصادق مندوحة إلا الموافقة عليه، أو على أقل تقدير قبوله، وعدم التعقيب.. ولقد كنت لحسن ظني بالأفندي، اتوقع منه ذلك، ولكنه اخلف حسن ظني، فلم يواجه الموضوع كما تصوَّر بعض القراء، ولم يصمت كما توقعت أنا، وانما دار هنا وهناك، يباعد الامر ويقاربه، ويذكر اسمي على استحياء، وكأنه لم يكتب ليرد عليَّ، وينسب لي التناقض فيما لا تناقض فيه، وذلك ليبرر لنفسه وللقراء، انه قد رد على مقالي، وانه يتابع ما يكتب حول آرائه، ثم يجنح مرة اخرى للتعميم، ليؤكد أنه غير متأثر بنقدي له، ولا يود متابعته بالرد المفصل، الذي يوهم القراء بأنه يستطيعه ثم يزعم أننا لم نفهم القضية الاساسية، ويخبرنا انها ليست تكفير الترابي، ولا هي قضية حرية الرأي، ولا هي مأزقه هو، ويقفز بنا الى مسائل جديدة مثل جدلية الوحي والفكر الانساني ويدعي أنها هي الموضوع الاساسي للحوار!! ولو كان د. الافندي واثقاً من ثقافته الغربية، ومن فكره الاسلامي، لما اضطرب كل هذا الاضطراب، في قضايا بدهية، كان عدم المامه بها، كافياً ليحرمه من الكتابة فيها، لو كانت الكتابة، تقتضي اي قدر من المسؤولية العلمية أو الدينية.
أسوأ المآزق ما لا يشعر به صاحبه
يقول د. الأفندي (وبالتالي فإن تكرار الحديث بأن العبد الفقير إلى مولاه يواجه «محنة» أو «مأزقاً» بسبب التدهور الذي اصاب الحركة الاسلامية عامة والسودانية خصوصاً يعكس محنة ومأزق من فرضوا على نفسهم الأمية ويريدون كما كررت سابقاً للكاتب ان يكتب ثم يقرأ نيابة عنهم، وهو دور للأسف لا نملك الوقت ولا الرغبة في القيام به. فلسنا وكلاء عن من فرضوا على أنفسهم الأمية خاصة في عصر الانترنت الذي يكفي ان تجري البحث فيه عن اسم كاتب فترِدك آلاف الصفحات عما كتب وما كتب عنه بكل اللغات. ونحن ننصح هؤلاء الاخوة بمداواة أميتهم بشئ من القراءة أو أن يسألوا أهل الذكر كما يفعل الاميون الذين يحترمون انفسهم قبل أن يخوضوا فيما ليس لهم به علم). هذا ما قاله الافندي، وهو ينضح بالغرور والادعاء، إذ يتهمنا بالأمية، وينصحنا بالقراءة، ويشرح لنا كيف نستعمل الانترنت كي نداوي اميتنا، أو نسأل أهل الذكر اذا لم نستطع استعمال الانترنت!! ولكن مع كل ذلك، عجز الافندي عجزاً بيِّناً، عن دفع الاتهام بأنه هو شخصياً يعيش في مأزق.. ليس بسبب التدهور الذي أصاب الحركة الاسلامية السودانية، وانما بسبب عجزه هو شخصياً، عن ان يتبنى رؤية جديدة، تمثل فكراً اسلامياً بديلاً، يخرجه من هذه الأزمة العامة، الى ما تطمئن به نفسه، ويصح به دينه.
فلو أن الافندي عقَّب على حديثنا السابق عن مأزقه، بأنه لا يعاني أي مأزق، وانه خلافاً للترابي، وخلافاً لجماعة الانقاذ، منسجم مع افكاره، ولم يغيِّر مواقفه ومنطلقاته، وانه حين ادان هؤلاء، يملك الفهم الاسلامي الصحيح، البديل عن تطبيقاتهم الخاطئة، ودلل على ذلك من كتابته التي ذكر انها تسد الافق، لواجه الاتهام الذي رفعناه في وجهه. ولكن الافندي فضَّل أن يقف موقف المتفرج، في لعبة لا تعنيه، ينظر فيها من عل الى الحركة الاسلامية، التي تربى في كنفها، وهي تعاني من محنة انقسامها، وفشل شعاراتها، وتكفير مرشدها، وفساد حكامها.. وكأن مهمته في الحياة هي مجرد النقد، وكأنه لم يكن الى وقت قريب، يعمل مع حكومة الانقاذ، التي وصفها في مقاله بالظلم والفساد، ولم يكن متبعاً للترابي كشيخه وقائده.. إن الافندي يريد ان يمسح تاريخه بجرة قلم، ويلقي باللوم على اخوانه في الحركة الاسلامية، ويظل هو رغم حيرته، بمعزل وكأنه المفكر الذي لا يعاني من اي مشكلة.. أليس هذا في حد ذاته، انفصاماً غريباً، يحتاج صاحبه الى علاج، ينبغي ان يشغله عن نقد الآخرين؟!
أما نحن فقد ركزنا على مأزق الافندي، لحرصنا عليه، لاننا نرى ان الافندي غاية في ذاته، وان واجبه الاساسي هو تدارك امر نفسه.. وذلك لان الاعتبار الديني الاول، هو اعتبار الانسان لنفسه، قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا عليكم انفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم الى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون). وقال جلَّ من قائل (ومن يرغب عن ملة ابراهيم إلا من سفه نفسه).. فلماذا يريد د. الافندي ان يسفه نفسه، ولا يحفل بمصيرها، ثم اذا ذكر بذلك يتطاول على من نصحوه، ويصفهم بالأمية؟!
ولا عبرة لوصف الافندي لنا بالأمية، لأن فهمه لها فهماً سطحياً، فهو لا يعني اننا لا نستطيع القراءة والكتابة، وانما الأميه عنده مطابقة للجهل، وهذا هو الفهم الشائع، والسطحية دائماً، تأتي من اتباع الفهم الشائع.. والحق أن الأمية لا تعني الجهل، فقد كان أعلم الخلق وأكرمهم على الله أمي!! قال تعالى (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر).
أما الاستاذ محمود محمد طه، فإنه حين رفع النبي صلى الله عليه وسلم، نموذجاً تتأسى به البشرية جمعاء، في كتابه (محمود محمد طه يدعو الى طريق محمد)، رفع الأمية، كقيمة ايجابية، فقال (والأمية تعني سلامة الفطرة من زغل التحصيل وتعقيد التفلسف والتنطع الذي يصاحب التعليم عادة).
ما هي القضية الأساسية؟
نحن نرى ان القضية الاساسية، هي ان الأفندي غير مؤهل لنقد الحركة الاسلامية.. لانه كان ولا يزال جزءاً منها، ولأنه في داخلها مضطرب الولاء والتفكير، ولأنه انتقد الترابي وانتقد جناح الانقاذ الحاكم، ثم لم يحدد رؤيته الاسلامية التي تختلف عنهما، ومن هنا تحدثنا عن مأزقه.. ولكن الأفندي لا يظن ان فكره، ومواقفه هي القضية الاساسية، بل يرى ان (القضية الاساسية التي اردنا معالجتها «وظللنا نعالجها من زوايا مختلفة لاكثر من اربعة قرون» هي المتعلقة بالفكر الاسلامي المعاصر، وهي انه فكر يستصحب الحداثة والعقلانية الاوربية المعاصرة في نظرته للتراث الاسلامي. والفرق بين الاسلاميين وخصومهم من العلمانيين هو ان الآخيرين يحاكمون التراث الحداثي الغربي. بينما يتخذ الاسلاميون موقف الدفاع عن التراث الاسلامي عبر محاولة المواءمة بينه وبين ما يصعب رده من مقتضيات الحداثة. ولكن موقف الاسلاميين الدفاعي يختلف أيضاً عن موقف التقليديين الذين يماثلونهم في بناء الخنادق الدفاعية في أن الحركات الاسلامية تحتضن بعض مظاهر الحداثة، بل تعتبر نتاجاً لها وترفض بعض توجهات التقليديين المحافظة).
هذا وصف الافندي للقضية الاساسية، وهو وصف خاطئ، ولكننا لا نود ان نقف عنده الآن.. فلو اننا سلمنا جدلاً، بأن وصفه هذا صحيح، فهل قدَّم حلاً للحركات الاسلامية أو العلمانية؟ وهل وضَّح للقارئ ايهما افضل اتجاه تبني الحداثة ام اتجاه التعصب الذي يرفض الحداثة أم اتجاه العلمانيين؟ وهل أبان عن موقفه هو من هذه التيارات؟
ان مثل هذا السرد القصصي، الذي يشبه الروايات الضعيفة، هو ما شغل به الافندي نفسه، خلال اربعة عقود، فلم يعطه وقتاً ليفكر في نفسه، ويهتم بمصيرها، واين يضعها بين هذه الجماعات المتباينة.
اما الخطأ في هذا الوصف، فيجئ من ان الحركة الاسلامية، لم تختر الحداثة عن قناعة، ولم تستصحبها عن نظر متعمق، يدرك قيمتها، وانما اضطرت إليها اضطراراً، حماية لمصالحها في الكسب السياسي، الذي لا علاقة له بالدين.. فالترابي نفسه بدأ متشدداً، ولقد صرَّح حين طرح الدستور الاسلامي لأول مرة، بأن غير المسلم، لا يجوز له مجرد الترشيح، لمنصب رئيس الجمهورية، وكان هو من وضع مادة الردَة في القانون.. فاذا قال اليوم إنه ضد التكفير، وان غير المسلم يمكن ان يتزوَّج المسلمة، وعارض حكومة الانقاذ التي كان عرَّابها، فهل فعل ذلك لانه أراد ان يستصحب الحداثة، ام لانه يريد ان يصاحب مصلحته، التي لا علاقة لها بالدين؟!
والافندي كنموذج آخر، بدأ مؤيداً لحكومة الانقاذ، وموظفاً فيها، ثم شعر بأن هناك هجمة عليها من الدول الغربية، التي تبنت مؤخراً اتجاه الهجوم على الارهاب والتشدد الاسلامي.. ولما كان يريد ان يظهر كمفكر وباحث، في جامعاتها، كان لا بد ان يركب موجة نقد التطرف الاسلامي.. وهو لا يمكن ان يقبل منه ذلك، الا اذا اثبت بنقد الحركة الاسلامية المكثف، انه لم يعد عضواً فيها، وهكذا فضَّل مصلحته الدنيوية على معتقده الديني!! والدليل على ان الافندي ليس مخلصاً للفكر الغربي الحديث، بل ليس ملماً به بالقدر الكافي، ما ظهر في مقاله عن فهمه للحرية، مما سنعرض له في موقعه.
[email protected]



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147503968&bk=1

Post: #163
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-05-2008, 03:04 PM
Parent: #1


تعقيب على مقال الأفندي «عن الشيخ الترابي وأزمة الحركة الإسلامية المعاصرة» 1ـ2
مأزق الأفندي..!!
في صحيفة «الصحافة» بتاريخ 25 -4-2006 ، كتب د. عبد الوهاب الافندي ، مقالاً على ضوء الضجة الاخيرة، التي اثيرت حول آراء د. الترابي .. ولقد انشغل د. الافندي، عن جوهر القضية، الذي ينبغي ان يركز عليه كل مثقف حر، مهتم بحرية الفكر، وبكرامة الانسان.. فبدلاً من مواجهة اتجاهات «التكفير» ، وادانة مصادرة الحق في التعبير، من حيث المبدأ، على انها اعتداء سافر على الحقوق الاساسية ، ثم هي مفارقة كبيرة ، لاصول الاسلام ، المتمثلة في قوله تعالى «وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، ترك د. الافندي كل هذا جانباً ، ليحدثنا عن الكتاب الذي شارك في اعداده «لفيف من الاكاديميين والمفكرين من مختلف انحاء العالم»، والذي كتب فيه فصلاً عن آراء الترابي .. لقد كان حرياً بدكتور الافندي، ان يدين الحملة الجائرة التي كفرت الترابي، وطالبته بالتراجع عن افكاره، قبل ان يحدثنا عن آرائه، و يسعى لتبريرها، او رفضها.
أقول هذا، دون ان اغفل عن ان د. الترابي ، هو الذي اسس للاعتداء على حرية الفكر ، وحرية التعبير في هذا البلد .. وذلك منذ اثارته لقضية حل الحزب الشيوعي السوداني65م، ثم اخراجه للمسيرة المليونية ، تأييداً لقوانين سبتمبر 83م التي قطعت ايادي الفقراء ، بينما كانت حكومة نميري تعلن المجاعة !! ثم ضلوعه في مؤامرة اغتيال الاستاذ محمود محمد طه ، وتصريحه اكثر من مرة ، بان الاستاذ الشهيد يستحق القتل ، بسبب آرائه ، التي اعتبرها الترابي ردّة !! والترابي هو الذي كان قد افتى بان الردِّة الفكرية لا غبار عليها ، ثم هو الذي اعاد مادة الردة في القانون الجنائي !! وهو الذي كان عرَّاب حكومة الانقاذ ، الذي ساقها الى تبني الشعارات الاسلامية، التي سجنت بها خصومها في بيوت الاشباح ، وعذبتهم بسبب آرائهم ، ثم رفعت برعاية الترابي ، وتوجيهه ، شعار الجهاد، وقتلت اخواننا في جنوب السودان ، وفي جبال النوبة بنفس دعاوي التكفير .. ولقد بدل الترابي ، وغيَّر كثيراً في مواقفه وافكاره ، وما حديثه اليوم - حين ردت اليه بضاعته - عن حقه في حرية التعبير، الا ضرب من عدم الصدق.
والاشياخ الذين هرعوا لتكفير الترابي، ليسوا افضل حالاً منه !! فقد كفروه لاباحته زواج المسلمة من الكتابي ، ورفضه لنزول المسيح ، لانه بذلك خالف نصوصاً من القرآن والحديث.. ولكنهم هم ايضاً ، كاعضاء في مجمع الفقه ، التابع لرئاسة الجمهورية ، قبلوا ان يكون نائب رئيس الجمهورية ، مسيحياً ، وان يكونوا تابعين له ، وموالين له ، فخالفوا بذلك قوله تعالى « يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء بعضهم اولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين»!!
ومهما يكن من امر الترابي وآرائه ، فإن د. الافندي لم يكن محدداً تجاهها، فتارة يبدو مدافعاً عنها ، وتارة يبدو ناقداً لها ، وبين هذه وتلك ، يضطرب ، ويتردد، ويحاول شرح معانٍ دينية عميقة ، بلا علم ، وبنفس منهج الجرأة الزائفة، الذي عابه علي الترابي .
حديث الذبابة وحديث النخل:
تعرض د. الافندي الى حديث الذبابة ، وتعليق الترابي المشهور عليه ، فقال «وتميز موقف الترابي بأنه اتخذ موقفاً جذرياً بدأ برفض المنهج التقليدي وهو التشكيك في صحة الحديث وبالتالي التشكيك في اعتقاد سائد بين المسلمين السنة بصحة كل ما ورد في صحيحي البخاري ومسلم .... وحجة الترابي هي ان البخاري بشر غير معصوم ولا بد انه اخطأ فيما اسناد بعض ما اورده. ولكن حتى لو كان البخاري على حق في روايته فإن من المحتمل ان يكون الصحابي الذي نسب اليه الحديث قد أخطأ فيما نقل او لم يفهمه كما يجب، والصحابة ايضاً غير معصومين بل ان بعضهم قد سجل عليه كذب وتزوير، وحتى لو تجاوزنا عن هذا واثبتنا ان السند صحيح وان الصحابي المذكور قد نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم بدقة وموثوقية، فإنه يحق لنا ان نرفض المقولة النبوية اذا كانت تتعلق بشأن دنيوي. فعصمة الرسول صلى الله عليه وسلم تتعلق بالتبليغ في امر الدين وهو القائل «انتم اعلم بشؤون دنياكم» كما ورد في الحديث الذي نصح فيه المسلمين بعدم تلقيح النخل، وهي نصيحة اتضح انها لم تكن صائبة» هذا ما قاله د. الأفندي يدفع به عن آراء د. الترابي، ويعلن صراحة، موافقته عليها !!
فلماذا الحديث عن التحري عن صحة الحديث ، وعن صدق الصحابة ، اذا كنا ببساطة «يحق لنا ان نرفض المقولة النبوية اذا كانت تتعلق بشأن دنيوي» كما قرر د. الافندي؟! ان الدقة في التحقق والتحري، سببها انه يجب علينا ، بمقتضى الايمان ، ان نقبل بتسليم ، ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم .. قال تعالى في ذلك «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً» وما يشجر بيننا ، انما يتعلق بأمور الدنيا ، وليس امور الآخرة.. فالترابي قد خالف نص هذه الآية ومعناها ، وهو لم يقل بتضعيف الحديث، كما حاول د. الافندي ان يوهم القراء ، وانما قال «هذا امر طبي آخذ فيه برأي الطبيب الكافر ولا آخذ رأي النبي ولا اجد في ذلك حرجاً ولا اسأل عنه عالم دين» «راجع كتاب الصارم المسلول لأحمد مالك» .. فالترابي يرفض رأي النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يجد في نفسه حرجاً ، بينما انه لو قبله ، ووجد في نفسه حرجاً ، لاخرجه ذلك من الايمان، حسب ما نصت الآية !!
والترابي في رفضه لحديث الذباب قد بنى على حديث النخل ، والافندي تابع له في ذلك .. فقد ورد في الحديث «ان النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة ، وجد الناس يلقحون النخل ، فقال: لو لم تلقحوه لأثمر . فلم يلقحوه ولم يثمر. فقالوا : يا رسول الله لم نلقحه ، ولم يثمر قال: اذهبوا فأنتم اعلم بشؤون دنياكم» .. فحين لم ينظر الترابي والافندي بعمق ، ظنوا ان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخطأ ، بل ان الافندي قال في جرأة ، لا تدانيها غفلة ، الا جرأة الترابي «كما ورد في الحديث ، الذي نصح فيه المسلمين بعدم تلقيح النخل ، وهي نصيحة اتضح انها لم تكن صائبة» !! والحق ان الافندي هو الذي أخطأ ، ولما لم يكن هنالك ادب ديني مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا ورع يعصمه عن التورط في التهلكة ، فإنه لم يتردد في قول ما قال .. وخطأ د. الافندي يجئ من عدة وجوه:
1- افتراضه ان النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي عاش كل حياته ، في جزيرة العرب ، لا يعرف ان النخل يلقح ، مع ان هذه المعرفة ، متوفرة لأي اعرابي ، لمجرد معيشته هناك.
2- أسوأ من ذلك !! افتراضه ان النبي صلى الله عليه وسلم، يفتي في ما لا يعلم ، وهو بذلك يسلك في مستوى، دون ما طلب الله من المؤمنين ، في قوله تعالى «قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وان تقولوا على الله ما لا تعلمون» .. فهو عليه السلام ، لا يقول بما لا يعلم ، ولا يتحدث فيما لا يعنيه ، ولقد كان يسئل، فيصمت ، او يقول لا اعلم ، انتظاراً للوحي.
3- لو كان ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم ، في امر تلقيح النخل خطأ، لصححه الوحي ، وهذا مقتضى العصمة، فالمعصوم هو الذي اذا اخطأ صححه الوحي.
ان الفهم الصحيح ، هو ان النخل لا يثمر بالتلقيح ، وانما يثمر باذن الله، وهذه الحقيقة هي مقتضى التوحيد .. ولقد قصد النبي الكريم ، ان يدعو الاصحاب ، الى مستوى رفيع من التوكل ، حين دعاهم لاسقاط الاسباب ، اعتماداً على الله ، وتوكلاً عليه ، فقال «لو لم تلقحوه لاثمر» ، لان الله في الحقيقة ، هو سبب الاثمار وليس التلقيح .. ولكن الاصحاب ، لم يحققوا هذا المستوى من التوكل ، فلم يثمر النخل .. ولهذا دعاهم مرة اخرى، الى الاسباب، حين قال «اذهبوا انتم اعلم بشؤون دنياكم» !! أي ان دنياكم دنيا اسباب ، ولهذا اذا لم تؤدوا الاسباب، سوف لن تجدوا نتائج، الا اذا ارتفعتم من الاسباب ، الى رب الاسباب.
أما مريم ابنة عمران ، فإنها تركت الاسباب، ولم تلتفت اليها ، فتحقق لها ما تريد .. قال تعالى «كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب» فهي لم تترك المحراب لتكسب رزقها ، فارسل الله لها رزقها في محرابها ، بلا حاجة لسبب!!
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يعلم ان الاصحاب دون هذا المستوى الرفيع، من التحقيق ، ولكنه كان يشدهم اليه ، حتى يشمروا نحوه، ويحققوا منه اقداراً متفاوتة .. فقد ورد في الحديث انه صلى الله عليه وسلم قال «لا عدوى ولا طيرة» فقال اعرابي: يا رسول الله انا نرى البعير الاجرب يلحق بالقطيع فيحيل ما فيه من الابل جرباً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فمن اجرب اولها ؟!» فسكت الاعرابي . ففي الشريعة هناك امراض معدية، وواجب الاصحاء ان يجتهدوا في الابتعاد عن المرضى، ولكن في الحقيقة ان المرض بيد الله ، وانه ليس هناك عدوى!!
حديث الافندي عن الفكرة الجمهورية يفتقر للصدق:
يقول د. الافندي «ولعل الحل الجذري الابرز هو ذلك الذي لجأ اليه المفكر الراحل محمود محمد طه وحركته الجمهورية حين قرر نسخ كل النصوص القرآنية المدنية ومعها السنة وما تفرع عنها من موروث اسلامي، والبدء من جديد في استحداث تشريع اسلامي من نقطة الصفر. ولكن الحل الجمهوري واجه اشكالين رئيسيين: الاول هو انه حين كنس التشريع الاسلامي الموروث بأكمله بجرة قلم، احل محله رؤية تتطابق مائة بالمئة مع المنظور الغربي الحديث في الحريات وحقوق الانسان. والثاني أن مثل هذا الحل الجذري يحتاج الى دعوى بسند سماوي جديد وتصريح الهي مباشر من الهام او نحوه. أي بمعنى آخر ان الامر يحتاج الى وحي جديد ودين جديد وهو تحديداً ما تضمنته الدعوى الجمهورية، وهو امر يجعلها مشبوهة اكثر، خاصة عند اهل الحداثة الذين تستهويهم دعواها الاولى، ولكن يصعب عليهم تقبل محتواها الصوفي الميتافيزيقي».
ولو كان د. الافندي باحثاً جاداً ، او مفكراً مسؤولاً ، لما خاض في امر الفكر الجمهوري ، بهذه السطحية ، وهذه العفوية. ذلك لأن الفكرة مرصودة في كتبها ، ومسجلة على اشرطة ، وقد وضعت في صفحات الكترونية ، يطلع عليها من شاء ، من جميع انحاء العالم .. وكل من قرأ ولو كتابا واحدا للفكرة الجمهورية ، يعلم ان الاستاذ محمود، لم يقل مطلقاً بنسخ كل النصوص المدنية، ولم يقل بنسخ السنة، بل دعا الى بعث السنة .. وهو على التحقيق، لم يقل بـ «كنس التشريع الإسلامي الموروث بأكمله بجرة قلم» !! فهل يعارض الأفندي الفكرة، بأن ينسب اليها ما لم تقله، ام ان ما يليق به كباحث هو ان يرجع اليها في مظانها، ويناقشها فيما جاء في الكتب؟
ولما كان د. الافندي لا يعتمد على الفكرة الجمهورية، ولا يورد ما يصدق دعواه من كتبها، فإن ما قرر انه اشكالية تواجهها ، لا يقوم الا في وهمه فقط .. فهو قد قال ان اشكالية الفكرة الجمهورية الاولى ، انها قدمت رؤية تتطابق مئة بالمئة ، مع المنظور الغربي الحديث ، في الحريات وحقوق الانسان .. وهذا غير صحيح !! فالفهم الغربي الحديث ، يوافق اصول القرآن ، التي دعت اليها الفكرة الجمهورية، اجمالاً.. ولكن هنالك خلاف جذري ، بين الفكرة وبين الفكر الغربي الحديث ، لا يتسع المجال لتفصيله. ولكن فحواه هو ان الفكرة الجمهورية ، حين دعت للحرية ، والديمقراطية ، طرحت منهاجاً اخلاقياً تربوياً، هو سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، لتحقيق هذه القيم ، بينما الفكر الغربي لا يملك منهاجا ، ولا يهتم بالتربية الاخلاقية.
والاشكالية الثانية ، حسب زعم د. الافندي ، ان الحل الجذري يحتاج الى وحي جديد، وهو ما تضمنته الفكرة الجمهورية، وجعلها مشبوهة !! فأين ذكرت الفكرة الجمهورية ، انها دين جديد ، وانها تحتاج الى وحي جديد ؟! ان ما زعمه د. الافندي ، عار تماماً من الصحة ، ومنذور الحظ من الصدق و الامانة العلمية ، ثم هو يتناقض تماماً ، مع ما ذكرت الفكرة في كتبها .. فهل كان د. الافندي يعرف ذلك ، ثم ادعى ما ادعى ليخفف وطء مفارقات الترابي ؟! أم ان د. الافندي لا يعرف شيئاً ، ويعتقد حقاً وصدقاً ، ان الفكرة الجمهورية تدعو الى دين جديد ؟! وهذا ان صح ، فإنه جهل فريد من نوعه ، لا يجاريه فيه ، غير وعاظ التكفير ، امثال عبد الحي يوسف ، الذي حين اورد نصوصاً من كتب الاستاذ ، اضطر لبترها ، تزويراً ، وتحريفاً ، وكذباً ، حتى يستطيع ان يخلص الى تكفير الاستاذ محمود والجمهوريين.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147503451&bk=1
_________________

Post: #164
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-05-2008, 03:51 PM
Parent: #163


التُّرَابِى: حَرْبُ الفَتَاوَى!
لست متيقناً تماماً من الفرق بين (مجمع الفقه الاسلامى) و(الرابطة الشرعيَّة للدعاة والعلماء) ، بل أقرُّ بأننى لم أجد فى نفسى دافعاً للوقوف على هذا الفرق ، فضلاً عن أننى أكاد أجزم ، ولطول عشرة المسلمين فى بلادنا مع هذه المسميات ، متعدِّدة الأسماء متحدة الجوهر ، بأن هذا الفرق لم يشغل ، ولو للحظة ، أحداً مِمَّن اطلع مؤخراً على البيانين الصادرين عن هذين الكيانين ، بقدر ما أهمَّهم دخول (المخاشنة) بين د. الترابى وحوارييه السابقين عمق اللحم الحىِّ!
فرغم ما لهذه (المخاشنة) من سوابق ، إلا أنها تتجاوز هذه المرَّة ، بالنظر لمجمل الظروف المحيطة ، كلَّ خطوط (استواء) الذهن الشمولى المؤسَّسة ، افتراضاً ، على خبراته القبْليَّة ، حيث يسعى الكيانان ، فى ما يبدو ، لإنتاج ذات الملهاة المأساويَّة التى أفضت لإعدام الشهيد محمود محمد طه عام 1985م ، دَعْ الاعتداء على الشيوعيين عام 1965م ، وتكفير جماهير الأنصار عام 1970م ، وإهدار دماء كتاب وصحفيين وسياسيين وقضاة ومحامين مقابل عشرة مليون جنيه (للرأس الواحد!) فى مايو عام 2003م ، وتحريض السلطة على أحزاب وتنظيمات طلابيَّة ، وعلى كلِّ معتنقى الديمقراطية والاشتراكية والموالين للنصارى ، على حدِّ الفتوى ، فى يونيو عام 2003م ، وما سبق هاتين الواقعتين من تصاعد لثقافة العنف خلال تسعينات القرن المنصرم ، مِمَّا تمخض عن الاغتيالات الشهيرة للمصلين فى مساجد الجرافة ومدنى وأنصار السنة بأم درمان ، فضلاً عن اغتيال الفنان خوجلي عثمان ومحاولة اغتيال الفنان عبد القادر سالم ، وذلك بعد زهاء القرن من فتوى (مجلس العلماء) التى كانت قد باركت ، بذات الرؤية التكفيريَّة ، تنكيل الادارة الاستعماريَّة بالشيخ على ود عبد الكريم ، حتى لقد لاحظ باحث بريطانى أن (المجلس) منح ذلك التنكيل السياسى "بُعده الشرعى!" (تيم نبلوك ؛ صراع السلطة والثروة فى السودان ، 1990م).
بيان (المجمع) يحوم ، حثيثاً ، حول (تكفير) بعض آراء (الشيخ) ، بوصفها ، على حدِّ تعبير فتواه ، "تصادم نصوص القرآن والسنة" ، فصاحبها بالتالى ".. يدخل فى زمرة من تنطبق عليهم الآية الكريمة: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبيَّن له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا" ، داعياً إياه إلى "التوبة إلى الله تعالى من القول عليه بغير علم ، وتضليل جماهير المسلمين" ، وموجباً على السلطة "التعامل معه بما يقضى الحق ويوقف الشرَّ والضرر" (الصحافة ، 20/4/2006م). أما فتوى (الرابطة) فتنصبُّ ، صراحة ، على تكفير (الشيخ) لذات الآراء ، ومطالبة رئيس الجمهوريَّة بمحاكمته ، أسوة ، كما قالت ، بما فعل النميرى مع محمود محمد طه ، لأنه "كافر مرتد يجب أن .. يعلن توبته على الملأ مفصَّلة ، ويتبرَّأ عن كلِّ ما صدر منه أمام طائفة من أهل العلم بحكم قوله تعالى: إلا الذين تابوا وأصلحوا وبيَّنوا" ، كما طالب بالحجر عليه وعلى كتبه ومقابلاته (السودانى ، 23/4/2006م).
لقد سبق (لتخاشن) هؤلاء (الاخوة الأعداء) أن لامس حواف (الخطر) ، بصورة أو بأخرى ، وفى أكثر من مناسبة! فقد عَمَدَ كلاهما ، مثلاً ، إلى (تكفير) بعضهما البعض من خلال صراعهما (الدنيوى) على أسلاب السلطة فى عقابيل (مفاصلة رمضان) الشهيرة ، حيث اعتبر الترابى ، حينها ، أن إبعاده من الحكم ليس سوى ".. محاولة لإبعاد كلمة الاسلام وأصل الدين"! (الشارع السياسى ، 13/2/2000م). وآزره على الحاج ، أحد أقرب معاونيه ، واصفاً ذلك الاجراء بأنه ".. يمثل تمريراً لفصل الدين عن الدولة"! (الصحافة ، 6/1/2000م). ثم ما لبث الترابى أن هبَّ ، على خلفيَّة حديث منسوب إلى نائب رئيس الجمهورية ، وقتها ، حول إمكانيَّة القبول (بفصل الدين عن الدولة) من خلال التفاوض مع الحركة الشعبيَّة آنذاك ، واصفاً إياه بأنه "كفر ببعض الكتاب وإيمان ببعضه" (الصحافة ، 21/2/2000م). وذلك بالرغم من رأى الترابى القديم فى (التكفير) ، والمنشور ضمن حوار محمد الهاشمى الحامدى معه ، والذى استغرق كتاباً بأكمله ، حيث وصف نزعات (التكفير) بأنها ".. أمراض تصيب المسلمين كما أصابت قبلهم أهل الكتاب" ، ووصف (التكفيريين) بأنهم إما حفظوا الدين تقاليد ميتة ، أو يريدون أن يسكتوا هذا التديُّن الجديد الذى يؤذى مصالحهم ، أو يخدمون الغرب بضرب المسلم بأخيه. لكنه استبعد أن يكونوا ".. قوة ذات وزن تستحق أن نفرط فى طاقاتنا المحدودة .. للعناية بهم وبترهاتهم. دعهم يتحدثوا حديثهم" (حسن الترابى: آراؤه واجتهاداته فى الفكر والسياسة ، 1996م).
ولم يكد ينقضى عام على ذلك حتى أبرم حزب الترابى نفسه مع الحركة الشعبية ، بجنيف فى 19/2/2001م ، مذكرة تفاهم نادى فيها بعقد اجتماعى جديد لا يسمح بالتمييز بين (المواطنين) على أساس (الدين) أو غيره. ومع أننا حمدنا للترابى ، وقتها ، إقراره الضمنى بأن (السياسة) طحن (دنيوىٌّ) محض ، تدور رحاه بين البشر على الأرض ، لا فى السماء ، إلا أننا لاحظنا أنه لم يتكبَّد عبء التأسيس المقنع لتغيير الفقه القديم الذى كان اجترحه بنفسه ضمن أطروحته عن (التدين بالسياسة) و(توبة الدولة إلى الدين) ، والتى تشكل الركيزة الأساسية لمشروع (التمكين) السلطوى الذى ما انفكت حركة الاسلام السياسى تجدُّ فى طلبه ، على كلا حالى وحدتها وشقاقها! فقد نَحَت المذكرة إلى جعل (المواطنة) هى المرجعيَّة. وهو منحى يقطع مع صمديات طرح الرجل السابق لمشروع (الدولة الدينية) المفارق للاسلام ، نصاً ومثالاً ، والمطابق ، بلا سند أو طائل ، بين (الوحدانيَّة) و(التوحيد) كمفهومين دينيَّين وبينهما كمفهومين سياسيَّين (راجع: الترابى ؛ خواطر فى الفقه السياسى ، ص 8 ـ 13) ، وهو الأمر الذى لا مندوحة من تبيينه. فبما أن (الوحدانيَّة) هى صفة الله سبحانه وتعالى ، وحقيقته العرفانيَّة القائمة فى ذات وجوده المطلق ، وأن (التوحيد) هو فعل التسليم من العباد بهذه الحقيقة ، فإن مدار الاختلاف فيهما محكوم بمعايير (الإيمان والكفر): "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". أما (السياسة) فهى تدبير العقل البشرى للمكان والمعاش والتساكن وسائر (أمور) الدنيا ، حيث تتنوع الرؤى ، وتتناظر المدارك ، ومدار الاختلاف فيها محكوم بمعايير (الصواب والخطأ) ، وهذا هو رأى الامام الغزالى والكثيرين غيره. ولو كان الأمر بخلاف ذلك ، لما اختلف الصحابة ، بالقطع ، حول اختيار الخليفة الأول يوم السقيفة ، ولما كان النبى (ص) قد تركه دون بيان ، وهو الذى تلا فى حجة الوداع: "اليوم أكملت لكم دينكم" ، ولما توفى تاركاً أمور الدنيا لمدارك الناس فى الحديث الشريف: "ما أمرتكم بشئ من دينكم فخذوه ، أما ما كان من أمر دنياكم فأنتم أدرى به" ، ولما اختلف على وعائشة وهما متيقنان من أنهما إنما يختلفان فى أمور دنيويَّة وصفتها عائشة بأنها من سنخ "ما يكون بين المرأة وأحمائها" ، ولما اختلف الناس ، وفيهم صحابة مبشرون بالجنة ، مع عثمان إلى حدِّ قتله. وتلك ، فحسب ، بعض أمثلة لأسياف المسلمين وقد سُلت حول (الدولة) ، لا (الدين).
الشاهد أنه ما أن صدرت تلك المذكرة حتى عَمَدَ على عثمان ، بدوره ، وقد كان الترابى استهدفه ، صراحة ، بصفة (الكفر ببعض الكتاب والايمان ببعضه) ، إلى ترجيح اشتمال المذكرة ، بين سطورها ، على مسألة (علاقة الدين بالدولة) التى تشكل ، على حدِّ تعبيره ، جزءاً من حملة الحركة ، فلا يعقل أن تتفق مع الشعبى ".. دون أن تكون قد توصلت إلى إجابة لهذه النقطة" ، مفسِّراً عدم بروزها ، علناً ، فى الاتفاق بأن ثمَّة ".. بنوداً أخرى لم يعلن عنها لأنها تثير أسئلة صعبة حول طبيعة التزام المؤتمر الشعبى نفسه بقضية علاقة الدين بالدولة" (الصحافة ، 23/2/2001م).
وإذن ، فإن إحجام الترابى عن أىِّ تفسير مقنع ، فى إطار من النقد الذاتى المستقيم ، لإعادة تأسيسه معادلة (الحق والواجب) ، فى مذكرة التفاهم تلك ، على مبدأ (المواطنة) السياسى الدنيوى ، بدلاً من مفهومى (التوحيد) و(الوحدانيَّة) اللذين يتماهى لديهما (الدينى) مع (الدنيوى)، هو الذى فتح الباب على مصراعيه أمام خصومه لترويج سوء الظن (الدينى) به ، خالطين بين (الرأى) و(الكفر) ، وبين (الاختلاف السياسى) و(الخروج عن الملة). فقد أدانت (هيئة علماء السودان) المذكرة ، فى 22/2/2001م ، باعتبارها "فتنة وبغياً ومهدداً للشريعة .. ودعوة للحرب وإسقاط السلطة الاسلامية" ، وخلصت إلى وجوب "توجيه النصح والاستتابة .. للترابى حتى يثوب إلى أمر الله وأمر السلطان عمَّا اكتسبه من إثم" ، ودعت السلطة ".. لأخذ الباغين مأخذ الجد ، ومعاملتهم بالحزم والحسم ، حيث لا عدوان إلا على الظالمين" (المصدر). أما (المجلس الأعلى للحج والدعوة والأوقاف) فقد وصف الترابى ".. بالخروج عن الملة ، حيث أن موالاة الكفار من المحرمات التى تخرج مقترفها من الملة". ووجه أئمَّة المساجد والعلماء ".. بتبنى حملة لإرشاد المسلمين بتوضيح الجريمة التى ارتكبها" ، داعياً الدولة ".. لاتخاذ إجراءات قوية لردع الخارجين" (المصدر). وباسم (جماعة من العلماء) شنَّ محمد عبد الكريم وسليمان أبو نارو وعبد الحى يوسف وآخرون هجوماً عاصفاً على الترابى لتأييده حركة (طالبان) فى إثر واقعة 11 سبتمبر ، معتبرين موقفه ".. مزايدة .. وشنشنة فى المكر .. يبغونه عوجاً ويريدون أن يتخذوا بين الكفر والاسلام سبيلاً" ، مطالبين الشعبى بإعلان ".. البراءة من الترابى ومقولاته الإلحاديَّة" ، ومحذرين من اتباع كل ناعق ومارق ".. فالنجاء النجاء لمن أراد الله والدار الآخرة ". والآن ، وفى ذات السياق ، يصدر بيانا (المجمع) و(الرابطة) لإدانة (آراء) الترابى التى يراها (تجديداً) ويرونها (كفراً) ، مطالبَين باستتابته أو إقامة حد (الرِّدة) عليه.
لكن ، وأيَّاً ما تكون حُجَّتهم ، فسوف يتعيَّن عليهم ، قبل أن يأملوا فى كسب ثقة الجمهور فى أنهم يصدرون ، بالفعل ، عن نيَّة خالصة لوجه الله تعالى ، لا لوجه السلطان ، أن يجيبوا على بضعة أسئلة تمسك برقاب بعضها ، نبرز منها أربعة تشغل هذا الجمهور على نحو مخصوص كالآتى:
(1) كيف يمكن تفسير هذه (المصادفة) العجيبة التى تجعل فتاواهم لا تصدر ، قط ، إلا ضد من كانت له خصومة مع السلطة ، أيَّة سلطة ، منذ الحقبة الاستعماريَّة وحتى يوم الناس هذا؟!
(2) وإذا كانوا يقولون بعظمة لسانهم إن الترابى ظلَّ منذ ستينات القرن الماضى ".. يردِّد أقوالاً شاذة ، وأفكاراً ضالة ، يفترى فيها الكذب على الله ورسوله (ص) .. وتصبُّ كلها فى معين واحد هو السعى إلى تبديل الدين" .. الخ ، فكيف يفسِّرون صمتهم عنه وصبرهم على (كفره) هذا لأكثر من أربعين سنة؟! أفلو كان ما يزال هو (شيخ) النظام الأكبر ، أكانوا سيجرؤون على (تكفيره) ، أم تراهم كانوا سيواصلون اللواذ بالصبر (الجميل) والصمت المطبق؟!
(3) ثم أىُّ قضاء هذا الذى يريدون من رئيس الجمهوريَّة تقـديم الترابى إليه ، أسوة ، كما قالوا ، بما فعل النميرى مع محمود محمد طه؟! أهو نفس الحكم الذى قضت الدائرة الدستوريَّة للمحكمة العليا ، عام 1986م ، ببطلانه لمخالفته القانون والتقاليد القضائيَّة ، كون المحكمة التى قضت بإعدام الشهيد ، والتى أيَّدت الحكم فى مرحلة الاستئناف ، قد منحت نفسها سلطة فى التشريع ليست من اختصاصها أصلاً ، وسلبت المحكمة العليا صلاحياتها بلا أىِّ سند فى القانون أو المبادئ العامَّة للشرعيَّة ، علاوة على كونها قد اشتطت بإضافة تهمة جديدة لم يتم توجيهها فى مرحلة المحاكمة ، وبعدم سماعها رد المتهم قبل إدانته ، بالمفارقة للمبدأ الأزلى الذى تأخذ به كلُّ المجتمعات الانسانيَّة ، على اختلاف عناصرها وأديانها ، كقاعدة مقدَّسة من قواعد العدالة الطبيعيَّة ، فهى بذلك لم تغفل ، فحسب ، التقاليد القضائيَّة التى سادت هذه البلاد عبر السنين الطويلة ، بل وخالفت نصوص القانون الصريحة ، ناهيك عن كون ما صدر عن الرئيس السابق (النميرى) من استرسال ، عند تصديقه على ذلك الحكم المعيب أصلاً ، لا يعدو أن يكون محض تزيُّد لا أثر له ، بل وقد اكتفت المحكمة العليا بتقرير صدوره بالتغوُّل على السلطة القضائيَّة ، وبالافتقار إلى أىِّ سند فى القوانين والاعراف؟! (أنظر سابقة: أسماء محمود وعبد اللطيف عمر ضد حكومة جمهوريَّة السودان ، المجلة القضائيَّة لسنة 1986م ، ص 163). فأيَّة (أسوة سيئة) هذى التى يدفعون ، الآن ، رئيس الجمهوريَّة دفعاً كى يتأسَّى بها بعد صدور ذلك الحكم بعشرين سنة؟! وكيف ، إذن ، يصل التقاضى إلى ساحل تستقرُّ فيه الأحكام إذا كان القضاء يحكم والناس ماضون فى مصادمة هذا الحكم ، بلا مراجعة صحيحة ترسى قاعدة قانونيَّة بديلة أو نقد مرموق يؤسِّس لمرجعيَّة يؤبَّه بها؟! أوَلا ينطوى ذلك على استخفاف واستهانة وزراية فظة بالقضاء وسلطته وحكمه الصادر عن قممه الشوامخ بصفة نهائيَّة ، وفى أعلى مرحلة من مراحل إجراءاته؟!
(4) أما المسألة الأخيرة التى لا مناص من أن تجابهها هذه الجماعات باستقامة تامَّة ، إذ لن يفيدها الازورار عنها بينما تواصل نشر (فتاواها التكفيريَّة) ، فهى ضرورة الابانة الشافية حول حقيقة فتواهم (بتكفير) جماهير الانصار فى أحداث الجزيرة أبا عام 1970م. فبعد أن وصفوا تلك الأحداث ".. بالفتنة المتدثرة بثوب الاسلام" ، قال (علماء السودان) بالحرف الواحد: "إن مبادئ مايو لا تخرج عن مبادئ الاسلام التى تقوم على العدل والاحسان ومحاربة الظلم والفساد ، لذلك فإن الوقوف بجانبها واجب دينى قبل أن يكون واجباً وطنياً ، والخروج عليها خروج على أمر الله ، ومخالفة صريحة لأهداف ومبادئ الاسلام!" (صحيفة الأيام ، 3/4/1970م). فهل كانت تلك (فتوى دينيَّة) لوجه الله سبحانه وتعالى ، فلا يكون للمسلمين ، جمهوراً وحكاماً ، أىَّ عذر بعدها فى عدم إيلاء (فتاوى) هذه الجماعات (الثقة) المطلوبة؟! أم تراها كانت محض (زلفى سياسيَّة) للنميرى ولنظام حكمه اليسارىِّ ، آنذاك ، فيصدق فيهم رأى الترابى المار ذكره بأنهم إنما يصدرون ، فحسب ، عن ضرب من (التديُّن) يبتغون به حماية (مصالحهم) ضد كلِّ ما يؤذيها ، فليسوا ، فى حقيقتهم ، ".. قوة ذات وزن تستحق أن نفرط فى طاقاتنا المحدودة .. للعناية بهم وبترهاتهم" (م. ا. الحامدى ؛ حسن الترابى: آراؤه واجتهاداته فى الفكر والسياسة ، 1996م).
ولعلَّ الكثير يتوقف على إجابتهم الواضحة على هذا السؤال بالذات ، بما فى ذلك تثمين الجمهور للكيفيَّة التى سيتعامل بها الترابى ، قبولاً أو رفضـاً ، مع الدعوة التى وجهوها له ".. إلى مناظرة أمام الملأ فى أىِّ مكان وزمان يختار" (الرأى العام ، 23/4/2006م).



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147503189&bk=1
__________

Post: #166
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-06-2008, 04:04 PM
Parent: #1


مفاكرة الجمعة
موت الثقافة وإنسانها الخاتم «2»
الأفريقى عند الأوربيين: أهو حلقة بين القرد والإنسان؟
الشيخ عمر الأمين احمد
كنت أظن وانا أحاول فتح نوافذ علوم (الجغرافيا الثقافية) أنى قد توصلت منفرداً الى إحدى متروكات منظومة العلوم الأوربية ضمن تجافيها عن عملية الكشف عن حماقات جمة ووافرة، لا يود علماء التاريخ الأوروبى إزاحة ستار النسيان للكشف عن حقائقها، فظلت هذه الحماقات من التابوهات الكبيرة في المعرفة والفكر الأوربيين، (أنظر لما أقصده من مصطلح أوربا في المفاكرة الماضية).
لكن ما أن زودنى الأخ الدكتور على محمد عثمان المحاضر بجامعة السودان بكتاب مهم ضمن دراسات التاريخ الأوروبى للبروفيسور «جورج كوبلر» ترجمة عبدالملك الناشف اصدار دار فرانكلين للنشر نيويورك 1965 بعنوان «الصورة في الزمن»، طرح فيه بقدر وافر من القوة والوضوح الباهرين وحدة زمنية جديدة أسماها «الساعة الثقافية» حتى أخذتنى تماماً سداد بياناتها الأساسية في تفاصيل حدود معروفة ضمن التحولات التاريخية في الفنون الأوروبية مثل الإنتقال من فترة كان يحتل فيها أسلوب تعبيرى (ctyle) واقعي أمسك بتلابيب تعبيرية عصر النهضة الأوربية مطلع القرن السادس عشر والقرن الذى يليه، ثم جاءت تعبيرية «إنطباعية» كحركة تالية، ثم جاءت بعدها مدرسة «تكعيبية»، ثم «سريالية» في حركة انتقالية لأساليب تعبيرية متنوعة منذ الثورة الفرنسية الى منتصف القرن العشرين، فتلك كلها فواصل بائنة الوضوح يمكن تقسيمها الى وحدات قياسية زمانية للفعل الثقافي، تزودنا بوقائعية لتاريخ راصد لتحولات شكلت إضاءات مهمة في تاريخ وجغرافيا الثقافة. فإذا أضفنا ما سبق أن توصل اليه البروفيسور «إريك قومبردج» الى إضاءات بروفيسور «كوبلر» فسنكتشف أن «بروف قومبردج»، لم يكن كما كنت أظن أنه وحيد وفريد عصره وهو يطرح نظرية السبق والتعاقب التاريخي في كتابه «قانون الإثبات التعاقبي» لملاحظة أن الفواصل التاريخية لا يسهل اخفاؤها، إذ تكمن في أي أثر تاريخي مادي تمثلات لمختلف أساليب التعبير الجمالية والمعرفية ويشمل ذلك بالطبع كوامن الحوادث التاريخية بما في ذلك مسكوتات عنها. فالجغرافيا الثقافية أو الساعة الثقافية أو قانون الإثبات التعاقبي فهذه كلها لا يضرها مجافاة الفكر والمعرفة الأوربية لأطروحاتها بفعل الحماقات التاريخية، بحسب أن فيها محفوظات تشير بوضوح ودون أدنى قدر من المواربة الى ما يخاف الأوربيون من طرحه صراحة. وتلك تحوي إشارات قوية، باطنية وظاهرية، الى دوران المعركة الطاحنة الأزلية التاريخية بين الحضارة والثقافة.
لكن وباستئناسنا بمتلازمة التسامح المفهومي عند الدكتور الطيب حاج عطية مع تخوف مشروع من اختراق انساقنا الثقافية بفعل «آيديولوجيات كولينيالية» كما عبر عنها دكتور عطية فإن تخوفنا الوقوع داخل أطر مثل هذه الإختراقات المعروفة تجعلنا ذوي حساسية خاصة عن حيادية علمية في هذا الصراع الثقافي الحضاري الكبير الذي يحتاج الى كشاف خاص مصاحب، غرضه معرفة أمكنة الضعف التى يتم منها عادة هذا الإختراق اللعين من ناحية، وعلمنا بوجود جانٍ متخفٍ ومجني عليه غير ملم بحدود وأطر الجريمة الإختراقية من ناحية أخرى. فالجغرافيا الثقافية مكاناً والساعة الثقافية كتفصيل زماني للتحول المعرفي، إضافة الى تراكم تاريخي غير منظور في مخلفات «الثقافة المادية»، والتى يقولون بها كمصطلح لما صنعه البشر بأيديهم، فإن ذلك كله مما يعيننا الى تعيين مخارج من هذه الإشكالات لنظر متحرر منها.
ولا أظن أن النظر القويم يستنكف أن يرى في الإنتظام الحضارى المتهم سرياناً ثقافياً يجري أسفل ما هو ظاهر ومعترف به من أطر الحداثة، في حين تمثل كل الصفات غير المواتية التى جعلت شقاً معتبراً من البشرية يتجافى عن الإنتظام الحضاري إعتصاماً خلف ثقافتهم، رغم أن مجاري الحضارة تجري كذلك بمياه حداثية معتبرة تحت جسور الثقافة، لذلك ففي مستوى من مستوياتها فهذه المعركة طبيعية ومنسجمة مع انسانية الإنسان، رآها كذلك دهاقنة المدرسة الكريستالية كالأستاذ محمد حامد شداد الذى قال بها في وجه الأستاذ الشهيد محمود محمد طه بحسب أن الحداثة هي تحولات مقصود منها تقليل الجهد. وأظن أن الجهد عند الأستاذ شداد يوازي الضنك المصاحب للعمل وهذه نفسها مدخولة باختراق أن مثل هذا الخوف من الجهد في العمل انما هو من مخلفات القنانة الأوربية.
إذاً فهذه الشجاعة في الإعتراف بالحق لا تبرر حسن النية، إذ أن الأزمة تعود مرة أخرى لتمسك بتلابيبنا المعرفية أن جلاء وبهاء ما نلاحظه في تخريجات البروفيسورين الجليلين « كوبلر وقومبردج» لا تعيننا كثيراً لثبات متمحور حول حسن النية المعرفية إذا ما قبلنا بصحة مقولة الإختراق المعرفي الكولينيالي حسب الدكتور عطية، حتى يتم التأكد من تحديد معرفي حاسم أكثر عمقاً من المحددات المصطلحية التي تصافقنا عليها في المفاكرة الماضية حول الثقافة والحضارة، فنرفدها بما تستحق من التطبيقية حتى نتوصل الى فرز واضح للعاملين الذاتى والموضوعي في الحضارة وفي الثقافة كليهما معاً. بدون ذلك فإن ضمانات التحرر من الأطر الإختراقية مستحيل إذ أنه يبدو أن أكثر ما يوضحه الكشاف الفاحص هو أن اختلاط ما هو ذاتي وموضوعي بين طرفي المقابلة هو من أكبر مستلزمات الإختراق. وأظن أن فرضية واضحة تقول إن المتهم الرئيسي في تهمة الإختراق هو بالذات من يسعى الى الخلط بين العاملين الذاتي والموضوعي بإثارته لغبار كثيف يؤدي الى عدم رؤية أي تمايز بينهما.
لكن فهذه القضية متى ما تم وضعها في مسارها القويم للنظر فان مناظير كشافة معقدة كما هي «الجغرافيا الثقافية» أو«الساعة الثقافية» أو«تراكم الأسلوبية المتعاقب» لا تبدو أنها كشافات وحيدة بقدر ما بإمكان ما هو أقل تعقيداً منها مثل قانون الإثبات الجنائي البسيط ربما بإمكانه أن يقدم صحيفة اتهام واضحة بأدلة وبراهين على قفا من يشيل أن أهل هذا الفريق هم الذين «يلخبطون» أسس النظر العقلاني والمعرفي و الراصد التاريخي.
وتلخيصاً نقول إن ما يتوجب علينا التركيز عليه هو تقويم تطبيقي غير تجريدي لأسس الإنتظام الحضاري وموجبات الثقافة المجتمعية برؤيتهما كل على حدة في عامليهما الذاتي والموضوعي من وقوع فعليهما على المجتمع. وذلك رغم أنف اعتراف سابق أن كلا البعدين -الحضاري أو الثقافي- ربما يكونان بصورة من الصور من المرغوبات فيهما للمجتمع.
وبعودة الى علوم التاريخ فإن أزمة الإختراق هذه تشير الى أن بعض هذه الحضارات الباكرة موضوعة تحت النظر التاريخى الراصد وذلك بفضل وقوع تاريخها داخل حظيرة التسجيل الكتابى، لذلك فما تعتبره الموسوعة البريطانية (Encyclopedia Britannica) حضارياً هو ما يقع تسجيل وقائعه التاريخية كتابة، فالكتابة عندها هى الفاصل ما بين الحضارة والبدائية، وذلك يخالف بالطبع ما خطه البروفيسور «كوبلر» في إقراره أن التاريخ انما هو فعل يتم بخيارات تتكامل فيها عوامل المكان والزمان والبيئة حيث يبين ما هو متوهم بأن فيه عوامل قطع وفصل حضاري فيه عدم معرفة كافية بحلول الساعة الثقافية، لذلك فأية ظاهرة مجتمعية عند «بروف كوبلر» هى نتاج لما كان قبلها دون قواطع أو مفصولات تاريخية، حتى ليصير ما يظن أنه عبقرية تاريخية هى فقط حالة تمثل عدم الإلمام بمدى كمون ظاهرة ما في أحشاء ما سبقها من ظواهر تنتظر لحظة ميلادها، فالكتابة نفسها كظاهرة مجتمعية مهمة لا تحتاج لوضعها كظاهرة متحفية بقدر ما تحتاج الى تنقيبية آثارية. وهذا هو نفسه عند البروفيسور قومبردج تعاقب تاريخي يحوي مضمور كسور رمزية صوتية توصيلية آلت الى هذا الشكل الذى يؤخذ متحفياً كمصمت جامد وكحامل وحيد فرد لبداية انطلاق الحضارة البشرية كما تقول الموسوعة البريطانية.
وفق هذا المفهوم فحضارة كرمة وما تبعها من حضارة انتظمت حوض وادي النيل الأعلى والأوسط والأدنى لا تبحث بعيداً عن صورة وضعها «ويل ديورانت» في كتابه الموسوعي «قصة الحضارة» عن ما أسماه «تجمعات صائدى الأسماك على ضفاف الأنهار» كشريحة أولية لشكل مجتمع متحضر لاحق، إذ أن تلك صورة يصعب دعمها بشواهد متحفية مادية كما هي «دلتا نهرالنيل» التي يقول ببداية الحضارة فيها جل المؤرخين الأوربيين في محاولة لإلحاق الحضارة المصرية القديمة بأوربا كفرضية عاطلة عن ايجاد حتى ولا شاهد مادي واحد يمثل أثراً لا بد من تخلفه مهما كانت قلة وضعف ظهوره. وتتبدى هذه الحقيقة المرة بطعم العلقم على أماني وأحلام المؤرخين الأوربيين اعترف بها بصورة خجولة المؤرخ الأوربى الشهير «جورج تشايلدر» في كتابه «الشرق ما قبل التاريخ، الناشر بايو، باريس 1935 م» فوقع لقمة سائغة في فك «الشيخ انتا ديوب» المفترس الذى أخرج كتاباً فيه تتبع تحقيقي آثاري لا يمكن رد بيانات البرهنة لفرضياته بسهولة خاصة للأوربيين وبعض علماء المصريات الذين يقولون بإن الحضارة المصرية حضارة قام بها إنسان أبيض. فقد قال الشيخ ديوب تدعمه شواهد «الثقافة المادية» وشواهد التتابع الظاهراتى عند البروفيسورين «كوبلر وقومبردج» إن الحضارة المصرية أفريقية سمراء و سوداء ما زالت الى يومنا هذا تمتد وتتمدد شواهدها المادية في النحت والخزف وكافة المصنوعات والمصوغات اليدوية في أفريقيا السوداء والسمراء كليهما معاً في تضافر وتواقع مادي وثقافي تدعمه شواهد من وحدات لغوية سائدة تكاد تستند بعضها الى البعض، وشواهد آثرية ممتدة من صعيد مصر الى أرض الشلالات النوبية العليا الى مملكتي مروي ونبتة السودانيتين، وذلك من وفرة في هذه الشواهد بحيث أنها تخزي أي عين تبحث عن شواهد أخرى غير موجودة ولا معروفة ولا مرصودة كتابة بشواهد مادية لأي شكل من أشكال الإندياح الثقافي أو المادى بطريقة عكسية من أوربا الى أفريقيا، فأوربا قبل الحضارة البطلمية كانت أرضاً تقطنها مجموعات همجية بربرية لم تعرف أي شكل من أشكال التحضر، ذلك الذى جاء لاحقاً بفعل انتقال من الحضارة المصرية الى اليونان وروما. أنظر الشيخ انتا ديوب، الأصول الزنجية للحضارة المصرية، ترجمة حليم طوسون، دار العالم الثالث للنشر، 32 شارع صبرى علم القاهرة 1995م.
لكن السؤال: من أين جاء هؤلاء؟ فهذا سؤال معرفة الأصول التاريخية وربما الحضارية. وهو سؤال غير مشكوك كون أن الإجابة عليه تمثل هاجساً معرفياً مهماً، فمن أين جئنا وما هى أصولنا... فهذه أسئلة لا أظن أنه ممكن أن يوجد من على ظهر هذه البسيطة من لا يلقيه على نفسه فرداً كان أم شعباً أم أمة. وهو سؤال الهوية، فلا يوجد أي آدمي إلا وتتملكه رغبة أن يقال إنه من أصول وضيئة. ولا نلاحظ غير فعاليات حداثية بعينها تحاول أن تطمس هذا السؤال الهويوي بغرض إحلال هوية عالمية جديدة تعتمد على صفة الفرد وصفة الشعوب من حيث الإنطلاق من واقع هويوى راهن يعتمد على فاعلية منتجة للإنسان المعاصر دون النظر الى أصوله، وذلك اتجاه سنتطرق الى فحصه فحصاً ظاهرياً متتبعين حلقات تسلسله وتعاقبه حتى نتبين هويته في ذات نفسه.
لكن الشاهد أن الهوية الحضارية لا تكاد تنفصل أو تختلف كثير اختلاف عن الهوية الثقافية في ذلك التاريخ الباكر لنشوء المجتمع الإنسانى، لذلك فإننا لا نعدم تعاطفاً مع السيد «ويل ديورانت» أنه يود أن يقول بإن أوربا هي منشأ الحضارة البشرية، وبسبب ذلك تتلون كافة فرضياته شأنه في ذلك شأن إخوته من المؤرخين الأوربيين بهذا اللون الأبيض الفاقع الذى يشير في راهنه الى أهم صيغ التمدين والتحضر والحداثة. لكن لا يدعم كثيراً الفحص الظاهراتي القوي للظروف الذاتية والموضوعية في الحضارة الأوربية المعاصرة بأي منهج بحث حتى بما في ذلك مسكوتات عنها في قصة الحضارة كما هي عند «ويل ديورانت» مع اعتبار كافٍ لتخريجات علماء الأنثربولوجيا الأوربيين الذين كانوا الى عهد قريب يجادلون في تخريجات تعتبر أفريقيا هى مهد لإنسان ما زال قريباً من الحالة الحيوانية لا يزال يحتاج للكثير مما يؤهله ليصير انساناً متحضراً، وهذه تخريجات لم تهزمها معارف علمية أفريقية بقدر ما هزمتها حركات الفنون الأمريكية السوداء ستينات وسبعينات القرن الماضى أذكر مثالاً لها حملة غنائية قوية للمغني الزنجي الأمريكي «جيمس براون» الذى كان يقدم غناء فيه محمول ثقافة سلمية مضادة للعنصرية البيضاء آنذاك كأغنية يقول فيها: «قلها بملء فمك إنني زنجي وفخور بزنجيتي» وكان يقدم معها رقصة «الجيرك» التى تحتوي نفسها على مضمون جمالي جسدي زنجي يتطابق مع مفهوم القوة والجزالة والجمال كانت تقول: «الأسود هو الجمال» وما أسرع ما كان انسحاب الجمالية العنصرية الأوربية أمام ذلك المنطق الجمالي الباهر فاعترفت هوليود بتلك الفنون، وحاز الممثل الزنجي «سيدني بواتييه» على جائزة الأوسكار وأظنها على دور مثله أمام «بد سبنسر» عن مشكلة زواج الأسود من آنسة شابة بيضاء. ومن ثم فقد تم سحب والتستر على جريمة ارتكبت في حق الفتاة الأفريقية « سارتجي بارتمان» تلك الفضيحة العنصرية الأوربية بالغة السوء حيث، كانت «سارتجي» فتاة من المستعمرات الفرنسية من غرب أفريقيا اعتبرها علماء الأنثربولوجى الفرنسيين تمثل حالة بين القرد والإنسان فأخذوها معهم الى فرنسا وتم عرضها كما القرود في قفص عارية كما ولدتها أمها للنظارة الأوربيين كى يتثبتوا من علموية في «تصانيف عرقية» لحلقة الوصل ما بين القرود والإنسان المعاصر الذى يمثله الأوربى المتحضر من طرف ، ويقابله الزنجي الأفريقي من الطرف الآخر. أنظر دكتور حسن محمد موسى في محاضرة ألقاها بمركز عبدالكريم ميرغني الثقافي بأمدرمان 2005م.
لذلك فشواهد تطبيقية قوية لفرضيات المعرفية الأوربية تعيدنا الى مربع دكتور الطيب حاج عطية التحذيري من الخوف أنها مدخولة «بآيديولوجية كولونيالية»، أفترض هنا أنها لا تقوى للإرتفاع لمقام الفحص عن الظروف الذاتية لنشأة حضارية انسانية كظاهرة متوسطة ناقلة لموجبات الإجتماع البشرى الذى يلتصق في ظروفه الذاتية والموضوعية مع ثقافة إنسانية وضيئة منسجمة مع موجبات الفطرة البشرية السوية في تحققها بأسس الحق والخير والجمال. فالحضارة الأوربية ذات عطالة واضحة عن هذه المقومات درجة الزعم أن نشأتها وصيروتها كانت تستند الى تمرد ثقافي كبير لم يجد له مخرجاً من أزمة الرصد المعرفي سوى خلط أوراق النظر التاريخي والفكري المعرفي إثارة لغبار كثيف حتى لا يرى لا ذاتية ولا موضوعية في أي انتظام بشري أو تصافق إلا من خلال التجربة الأوربية التاريخية المتمردة الشوهاء، وذلك ما سأعمد الى فحصه الأسبوع القادم بمزيد من الشواهد التى تقعد الحضارة الأوربية في مكانها الصحيح وتوسمها بما فعلته مدخولاتها في منظومة الحياة البشرية. والله من وراء القصد وعليه التوكل إنه نعم المولى ونعم النصير. «نواصل».



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147503157&bk=1

Post: #169
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-06-2008, 10:59 PM
Parent: #166


د. خالد المبارك.. وصراع الرؤى

مطالبة أهل الشمال بإعادة تعريف ذواتهم أمرٌ فيه مغالاة
خالد أحمد بابكر
ما دايرين على الواجـب ثواب وعفارم
وما كايسـين على حُـب المبادئ مغانم
ما بنخاف وعيد في الحق ونخشى الظالم
الجسـم إنْ سِلِمْ من السـنين ما سـالم
(صلاح أحمد ابراهيم)
الأكاديمي والأستاذ الجامعي والسياسي والمؤلف المسرحي الأديب النابه د. خالد المبارك مصطفى ينتمي لقلة من الانتلجنسيا السودانية التي تؤمن بالديمقراطية واستقلالية الفكر والتعبير، فلا قيمة لحرية الفكر بدون تعبير. هو مثال للمثقف الحقيقي الذي لا يتهافت على موائد السلاطين وينشد الشعر في المناسبات البهيجة.. لا يُجمّل قول السلطان إذا نطق بتافه القول ـ كما تفعل أبواق الأنظمة في كل زمان ومكان.. فهو ليس من مثقفي السلطة ـ وإن شارك فيها في وقت ما، إلا أنه ليس من الذين يصفون سوء الأوضاع وضيق حال الناس في معاشهم بأنه طبيعة التقدم.. لم يكن من الكتّاب الذين يرون أن على الكاتب أن يقول قولاً لا يوقظ نائماً ولا يزعج مستيقظاً.. هو على شاكلة المثقف الذي يحمل الحقيقة في وجه القوة.. هو من النوع الذي أشار إليه الكاتب البحريني جابر الأنصاري بقوله: المثقف هو من غادر حقل الاختصاص.
كان مصادماً كبيراً لنظام الفريق عبود (1958ـ 1964م) حتى فُصِل من الجامعة.. له إلمام عريض بالأدب والسياسة، وقد ألّف فيهما العديد من الدراسات والمؤلفات.. لم تقف السياسة حاجزاً بينه وبين الأدب ـ كما فعلت بكثير من مثقفينا.. لذا فقد نجا من مقولة مولانا جلال الدين الرومي الذي وصف شأن بعض الأدباء الذين هجروا الأدب وتدافعوا بالمناكب متهافتين على السياسة بقوله: «ترك الوقحاء الأدب وأخذوا كالمتسولين يتخاطفون قطع اللحم». عمل مديراً لمعهد الموسيقى والمسرح على عهد مايو.. من مؤلفاته المسرحية «ريش النعام»، ومسرحية «رث الشلك» التي كتبها في نحو 1972م قبل تكوين الحركة الشعبية والتي تمثل ـ حسب اعتقادي ـ أنموذجاً للاهتمام الشمالي بثقافة أهل الجنوب السوداني، وتبطل الحجج والدعاوى القائلة بتجاهل الشماليين للثقافة الإفريقية المحلية.
ظل طوال التسعينيات ساخطاً على سياسات النظام خاصة إبان فترة التجاوزات البشعة التي اقترفت وأسهمت في تصعيد مرارات الحرب الأهلية في ما عُرف بالأسلمة القهرية أو الجهاد الترابي ضد الجنوب. كما شهد بأم عينيه اجتياح الكويت من قبل النظام العراقي، فقد كان يومذاك أستاذاً بدولة الكويت التي غادرها مضطراً لبلاد الفرنجة. هنا يحضرني قوله الوقور بأنه عمل حارساً ليلياً في بريطانيا (وهو الأستاذ الجامعي) ليحفظ مكانته ككاتب وصاحب رأي.. وجاءت قولته هذه في معرض رده على الدكتور عمر القراي أحد منتقديه من الجمهوريين السودانيين (أتباع الأستاذ محمود محمد طه) حول رؤوس قضايا عديدة من بينها ملابسات ما سُمي بـ (ثورة رفاعة) التي قادها الأستاذ محمود محمد طه في الأربعينيات في شأن خفاض البنات. وقد رأى د. خالد المبارك أنّ محموداً وقف موقفاً متخلفاً ورجعياً في تلك الواقعة لإقراره خفاض البنات، بينما حثَّ الإنجليز الأهالي على محاربته.
ومن المبارزات الشهيرة وصراعات الرؤى والتصورات ما دار خارج السودان من سجال بينه وبين الدكتور منصور خالد في الصحافة العربية. وكان د. خالد المبارك قد ذكر في الندوة التي أقيمت على شرفه بمركز عبد الكريم ميرغني (يناير 2003م) أن ما كتبه حول د. منصور خالد سيصدر في كتاب. وليس بخافٍ أن الدكتور منصور خالد هاجم كتّاباً بعينهم في اثنين من مؤلفاته هما: «النخبة السودانية وإدمان الفشل» و«جنوب السودان في المخيلة العربية». ولعل بعضهم قد تأذى أيما تأذٍ من تلك الكتابات التي سعى عبرها لمعركة ظل في غفلته يستفزهم إليها. ففي كتابه «النخبة السودانية ـ الجزء الثاني» تعرض للدكتور خالد المبارك والأديب الطيب صالح بشئ من السخرية والقسوة التي حملته على وصف الطيب صالح بأنه يرى نفسه (أوكتافثيو السودان) هكذا في سياق تهكمي. وسخر في إحدى مقالاته من الدكتور خالد المبارك حين أشار إليه بـ (مدير معهد التمثيل).
لكنّ منصور خالد عاد بعد زمان مضى وبعد أن اختيرت رائعة الطيب صالح «موسم الهجرة إلى الشمال» Season of Migration to the North ضمن مجموعة من أفضل الأعمال الأدبية عالمياً، ووضعت إلى جانب إلياذة هوميروس ـ مع ذلك ـ غاب الطيب صالح عن الاحتفال.. كتب منصور خالد كلمته الرصينة «الزين يغيب عن عرسه»، وفيها أجاد وأبان من ضروب البيان. وقد علّق الدكتور محمد إبراهيم الشوش بكلمة ساخرة على كلمة منصور خالد جاءت تحت عنوان «عودة الأديب لنبع إلهامه» وفيها يُعيب على منصور تركه الأدب والفكر ـ اللذين من خلالهما دخل المجال العام ـ وانشغاله بالسياسة.
كتب د. خالد المبارك في (الرأي العام 19/8/ 2002م) يقول: «المعروف أن الدكتور منصور خالد استهدف المبدع الكبير الطيب صالح وآخرين منهم شخصي في مستهل الهجوم اللاذع على الثقافة العربية وعلى الكتّاب الملتزمين بها. تزامن ذلك الهجوم مع كتابات الدكتور فرانسيس دينق الذي خصّ شخصي بعدة فقرات في كتابه (صدام التصورات). وأصيب الطيب صالح بقدر كبير من التجريح في (أبحاث) شباب الحركة الشعبية في جمعية الدراسات السودانية في واشنطن».
ما نحن بصدده هنا، هو تلك الفقرات التي خصّ بها البروفيسور فرانسيس دينق د. خالد المبارك في كتابه «صراع الرؤى» War of Visions أو (صدام التصورات) ـ كما سماه خالد.. وتتناول الفقرات المعنية قضية الهوية بشكل محوري وتفرعاتها في فقرة بعنوان (أبعاد التصورات The Dimensions of Visions ). وقد ذكر البروفيسور دينق أن معظم السودانيين غير منشغلين بتحليل هوياتهم أو بالطريقة التي تؤثر بها هذه الهويات على مكانتهم في المجتمع. ولكن، وحتى في ما يتعلق بهذا الأمر، ينبغي التفريق بين الشمال والجنوب ـ على حد تعبيره. ويعزو عدم اهتمام الشماليين بهذه القضية إلى أنها لا تؤثر سلباً على مكانتهم في المجتمع العربي الإسلامي الذي ينتمون إليه. بينما يدرك الجنوبيون أن هويتهم الإفريقية غير العربية وغير المسلمة في البيئة العربية الإسلامية في السودان، تشكل سبباً قوياً لوضعيتهم المتضررة.
لكنه يذهب إلى القول بأنه لا يمكن له أن يجادل بصورة جازمة بأن الشماليين لا يهتمون بوعي بقضايا تتعلق بشأن هويتهم على ضوء الفجوة الواضحة بين نظرتهم الذاتية والحقائق المجافية ـ حسب قوله ـ التي لا تجعلهم يدركون أزمة الهوية على المستوى الفردي أو الوطني. لكنهم يعون ويعتزون بعروبتهم ودينهم الإسلامي، الأمر الذي يمنحهم شعوراً عميقاً بالتفوق النسبي الفردي والجماعي على أقرانهم من غير العرب وغير المسلمين. وهي الحقيقة التي تولد العداء والرفض عند غير العرب من السودانيين. لكن الأسوأ ـ كما يقول، هو أنهم أصبحوا أكثر وعياً بأن ما يعتقدونه عن ذواتهم، وما يبدون عليه حقيقة، وما يعتقده الآخرون عنهم ـ يعبِّر عن مفاهيم متباينة كثيراً.
في سياق مماثل، هاجم فرانسيس دينق من أسماهم مستغليّ التعريف الثقافي للعروبة ـ الذين لا يرون وجود أزمة هوية لأن عروبة الشمال لا تتضمن تبايناً عرقياً، ولأن الاختلاف مع غير العرب يُعد أمراً ثقافياً. ولهذا فإن الاختلاف ليس بذلك القدر من العمق ليوصف بـ (الأزمة)..
تحت عنوان (التوجه العربي ـ الإسلامي) يشير دينق لحديث الدكتور خالد المبارك ويصفه بتماسك آرائه ووضوحها، خاصة وأنها تركّز على طبيعة الهوية السودانية الشمالية المركبة. وقد رأى د. خالد المبارك أن الهوية الشمالية تجد القبول على حالها هذا. وأنه كسوداني شمالي لا يرى أية أزمة تخص الهوية. يقول: أرى ذاتي داخل الثقافة العربية الإسلامية.. وأنا في سلام ورضاء مع نفسي، لا أنكر أن دمي يحتوى على عنصر إفريقي زنجي أسود.. وأعلم بأنني لست عربياً على شاكلة السوري العربي، لكن لا إشكالية في ذلك ـ كما يحاول البعض تصوير الأمر. لا أسهر الليالي أفكر في ما إذا كنت عربياً أم إفريقياً، واعتقد بأنه قد حدث تمازج هائل وتداخلت كل الخصائص بطريقة جعلتني قانعاً بأني نتاج لتمازج عديد المشارب.
إن المشكلة التي يراها الدكتور خالد المبارك ليست في التعارض بين النظرة الذاتية الشمالية والتعريف للهوية الوطنية ـ كما تَرِد في المطلب الجنوبي الداعي لإعادة الصياغة التي تشكك في تعريف الشماليين لذواتهم على أنهم عرب ـ بل تكمن المشكلة في ما يراه بوجه خاص من الإخوة الجنوبيين بابتعادهم عن وجهة النظر التي يتفق فيها معهم، يقول: أتفق معهم في نظرتهم للشريعة، وأتفق معهم حول عدم الوفاء بالوعود من جانب الشمال، وأتفق كذلك مع ضرورة إعادة توزيع الثروة والصناعة وكل شئ. أوافق على ذلك تماماً، لكنهم يذهبون خطوة أبعد ويقولون لكي يتحقق السلام، على الشماليين أن يعيدوا تعريف ذواتهم. واعتقد بأن هناك مغالاة لا أكثر، فقد ناضل الجنوبيون من أجل لغتهم وثقافتهم ودينهم، مسيحياً كان أم معتقدات وثنية.. أقبل كل ذلك عن طيب خاطر، لكنهم يأخذون ذلك كله ثم يقولون بأنه قد تبقى شئ آخر: ينبغي أن تُقروا بألا علاقة لكم بالعالم العربي!
يعلّق فرانسيس دينق على كلام خالد المبارك بأن مطلب الجنوب ليس مطالبة الشماليين بالتخلي عن عروبتهم وإسلامهم، إنما المطلب هو عدم إبراز الإسلام والعروبة أعمدة للهوية الوطنية والتي على أساسها يجري تحديد مكانة الفرد في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
غير أني أقول، إن ما قال به فرانسيس دينق قد لا يمثل رأي الأكثرية المثقفة من الجنوبيين، لأن بعض المتشددين منهم وهم كثر لازالوا يعتقدون بأن على الشماليين ألاّ ينظروا شمالاً، بل عليهم أن يروا ما هو جنوب الصحراء. والحديث عن أعمدة الهوية الوطنية ينبغي أن يحترم خصوصية الثقافات، فلا العروبة ولا الإسلام يشكلان حائلاً دون اتفاق أهل السودان على شئ ما دام ذلك لا يتخطى جوهر الخصوصية لكل ثقافة.
حملت الفقرة الأخيرة الخاصة بالدكتور خالد المبارك سؤالاً موجهاً له من قِبَل البروفيسور دينق عن الطريقة التي يفسر بها العملية التي دعّمت فيه عناصر الهوية العربية الإسلامية، وعما إذا كانت تلك العملية نتاج نظرة دونية للعناصر الإفريقية عرقياً وثقافياً ودينياً، وعما يشعر به حول حقيقة أنه يحمل مظاهر تدعو للنظر إليه بازدراء.. أجاب الدكتور خالد المبارك على ذلك بقوله: إذا ما نُظِر إلى جانب مني باحتقار فلن أقبل ذلك. أما إذا نظرتُ (أنا) لهذا الجانب باحتقار فإني بذلك أحتاج لعلاج نفسي. لكني اعتقد أن العديدين ـ حتى من بين أكثر المثقفين الجنوبيين استنارة ـ لا يدركون درجة وعي الشماليين بالعنصر الأفريقي في ذواتهم، وأرى بأن هناك رؤية غير واضحة فيما يختص بهذا الشأن.. ونحن أيضاً نعي بُعداً آخر يجهله إخواننا الجنوبيون، وهو وعي العنصر الأسود في البلدان العربية والإسلامية بأصلهم (الأسود). لقد كتب (الجاحظ): وهو من عظماء كتّاب العربية موسوعته (فخر السودان على البيضان)، وهي عن تفوق السود على البِيض. وكان الجاحظ نفسه ـ حسب بعض المصادر ـ ضارباً في السُمرة، لا يختلف كثيراً عن شكل السوداني الشمالي.
فاصلة:
ـ مفتتح هذه الكلمة مقاطع على طريقة شعر المسادير أو المربعات من ديوان الشاعر العظيم صلاح أحمد إبراهيم «محاكمة الشاعر للسلطان الجائر».. وهو أغلبه هجاء مر لجعفر النميري، لكن مع ذلك نضح الديوان بعظيم معاني الفروسية السودانية وقيمها الأصيلة المتمثلة في الموروث الشعبي (الأمثال) التي استفاد منها الشاعر ووظفها بعناية، يقول في بعض الأبيات:
ما نخلي الضعيف في الحارة إلا نضافروا
وما نجامل دجـل طوّل عليـنا أضـافرو
وما نشرك نظام للشـعب إرهاب ضافروا
إلا نعافرو.. ندفنـو في الفريق الحـافرو
ـ قال لي أحدهم إن الغناء الغربي لا يهتم بالسياسة كما يحدث في بعض بلدان الشرق الأوسط. قلت له إن المغني الأمريكي الذائع ذي الأصول الجامايكية (بوب مارلي) له أغنية مسموعة تسمي Rat Race أي (سلالة الجرذان) يهجو فيها الساسة The Politicians والـ C. I. A، Central Intelligence Agency.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147503047&bk=1
_________________

Post: #170
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-07-2008, 01:07 AM
Parent: #169


عن الشيخ الترابي وأزمة الحركة الإسلامية المعاصرة
عبدالوهاب الأفندي
بمحض المصادفة توافقت الضجة التي أثارها الشيخ الدكتور حسن الترابي بآرائه الأخيرة في قضايا خلافية في الفكر الإسلامي مع صدور كتاب عن الفكر الإسلامي الحديث كنت أحد المساهمين فيه بفصل عنوانه "حسن الترابي ومحدودية الحركة الإسلامية الإصلاحية الحديثة". محرر الكتاب المذكور (والذي يصدر هذا الشهر عن دار بلاكويل في أكسفورد) هو الدكتور إبراهيم أبوربيعة، المحاضر في معهد هيرتفورد بالولايات المتحدة وعنوانه:
The Blackwell Companion to Contemporary Islamic Thought
ويتناول الكتاب الذي ساهم في إعداده لفيف من الأكاديميين والمفكرين من مختلف أنحاء العالم جوانب متعددة من الفكر الإسلامي المعاصر، ومساهمات أبرز الشخصيات المعاصرة فيه. وفي الفصل الذي قمت بإعداده تناولت بالتحديد الإنتقادات والجدل الذي أثارته اجتهادات الشيخ الترابي بدءاً من حكاية حديث الذبابة، وتشكيكه في صدقية بعض الصحابة وفي عصمة الأنبياء وموثوقية صحيح البخاري، وآرائه حول المرأة والردة وزواج المسلمة من الكتابي وغير ذلك. ومن الصعب بالطبع تلخيص كل ما ورد في ذلك النقاش الأكاديمي المفصل والمتعمق لمساهمات الشيخ الترابي وردود الفعل حولها في هذه العجالة، خاصة وأنها تعتبر تكملة لكتابين تناولت فيهما بشيء من التفصيل مساهمات الشيخ، هما "ثورة الترابي" (1991)، وكتاب "الثورة والإصلاح السياسي في السودان" (1995). ولكن يمكن هنا إعطاء بعض الإشارات التي تعين على فهم بعض الجدل الدائر حالياً حول اجتهادات الشيخ، وهو جدل قديم جديد تنبع أهمتيه من أنه لا يعبر عن الإشكاليات التي تطرحها آراء فرد، بغير ما هو انعكاس لأزمة تواجه كل محاولات إحياء الاجتهاد في العصر الحديث.
فالضجة التي ثارت حول رفض الترابي لحديث الذبابة تجسد في جوانبها المختلفة أزمة أي محاولة لتحديث الفكر الإسلامي في وجه النظرة التقليدية السائدة. ذلك أن حديث الذبابة يمثل حالة نادرة من تعارض نصوص إسلامية معتمدة (في هذه الحالة حديث ورد في صحيح البخاري) مع اكتشافات قطعية خرج بها العلم الحديث. فهناك إجماع بين العلماء على أن الذبابة تنقل الأمراض فوق ما عرف بأنها تنقل القاذورات. وبالتالي فإن اتباع نصيحة الحديث المنسوب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم بغمس الذبابة في الشراب الذي تقع فيه بدلاً من إخراجها تتناقض في ظاهرها مع صريح العلم، رغم أن الحديث المزعوم يقدم ما يشبه نظرية المضادات الحيوية بالقول بأن جسد الذبابة يحمل معه ما يشفي مما تحمله من أمراض. ولا بد من أن نذكر هنا أن الصراع بين الدين المسيحي كما كانت تعبر عنه المؤسسات الكنسية والعلم الحديث كان من أهم أسباب تراجع سلطة الدين في الغرب وهيمنة العلمانية على الحياة.
الحركة الإسلامية الحديثة سعت إلى تجنب مصير مماثل للإسلام بمحاولة إحياء الإجتهاد والتخلص من المقولات التي تتعارض مع العلم الحديث أو المفاهيم السياسية والاجتماعية الحديثة (الحريات، حقوق الإنسان، حقوق المرأة، إلخ...)، إما بالتشكيك في صحة نسبة هذه المقولات إلى مصادر إسلامية موثوقة، أو بإعادة تفسيرها وتأويلها. وتميز موقف الترابي بأنه اتخذ موقفاً جذرياً، بدأ برفض سلطة حديث الذبابة جملة وتفصيلاً، وتدرج إلى ذلك بعد أن بدأ بالمنهج التقليدي، وهو التشكيك في صحة الحديث، وبالتالي التشكيك في اعتقاد سائد بين المسلمين السنة بصحة كل ماورد في صحيحي البخاري ومسلم (وهو موقف لا يشاركهم إياه الشيعة). وحجة الترابي هي أن البخاري بشر غير معصوم، ولا بد أنه أخطأ في إسناد بعض ما أورده. ولكن حتى لو كان البخاري على حق في روايته، فإن من المحتمل أن يكون الصحابي الذي نسب إليه الحديث قد أخطأ فيما نقل أو لم يفهمه كما يجب. والصحابة أيضاً ليسوا بمعصومين، بل إن بعضهم قد سجل عليه كذب وتزوير. وحتى لو تجاوزنا عن هذا وأثبتنا أن السند صحيح وأن الصحابي المذكور قد نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم بدقة وموثوقية، فإنه يحق لنا أن نرفض المقولة النبوية إذا كانت تتعلق بشأن دنيوي. فعصمة الرسول صلى الله عليه وسلم تتعلق بالتبليغ في أمر الدين، وهو القائل "أنتم أعلم بشؤون دنياكم" كما ورد في الحديث الذي نصح فيه المسلمين بعدم تلقيح النخل، وهي نصيحة اتضح أنها لم تكن صائبة.
من الواضح أن الدافع الأساسي للإصلاحيين الإسلاميين المحدثين هو التعامل مع مطالب الحداثة، ومواجهة الانتقادات الصادرة من الغرب والعلمانيين من أبناء الإسلام، وهي انتقادات يستبطنها الإصلاحيون في أحيان كثيرة استبطانهم مبادئ مثل الإيمان بالديمقراطية أو حقوق الإنسان. ولهذا فإنهم يكونون في صراع مستمر مع أنصار النظرة التقليدية التي ترى أن الإسلام يجب أن يؤخذ كما هو. ومن السهل على الإسلاميين انتقاد ما يصفونه بأنه جمود تقليدي أو تفسير خاطئ للنصوص، أو غلبة موروثات غير إسلامية على فهم الدين. ولكن الإشكال يأتي حين يواجهون نصوصاً صريحة تتعارض مع ما يقبلون به من أفكار حديثة، مثل الحرية الدينية مقابل حد الردة، أو مساواة المرأة مع الرجل مقابل النصوص حول وضعها وشهادتها وحقها في الميراث، إلخ.
الحلول التي لجأ إليها معظم الإصلاحيين تمثلت في محاولة التركيز على نصوص معينة دون أخرى، وادعاء أولويتها. ولعل الحل الجذري الأبرز هو ذلك الذي لجأ إليه المفكر الراحل محمود محمد طه وحركته الجمهورية حين قرر "نسخ" كل النصوص القرآنية المدنية ومعها السنة وما تفرع عنها من موروث إسلامي والبدء من جديد في استحداث تشريع إسلامي من نقطة الصفر. ولكن الحل الجمهوري واجه إشكالين رئيسيين: الأول هو أنه حين كنس التشريع الإسلامي الموروث بأكمله بجرة قلم، أحل محله رؤية تتطابق مائة بالمائة مع المنظور الغربي الحديث في الحريات وحقوق الإنسان، وهو تطابق حري بأن يجعل أي دعوى من هذا النوع مشبوهة. والثاني أن مثل هذا الحل الجذري يحتاج إلى دعوى بسند سماوي جديد، وتصريح إلهي مباشر من إلهام أو نحوه. أي بمعنى آخر إن الأمر يحتاج إلى وحي جديد ودين جديد، وهو تحديداً ما تضمنته الدعوى الجمهورية، وهو أمر يجعلها مشبوهة أكثر، خاصة عند أهل الحداثة الذين تستهويهم دعواها الأولى ولكن يصعب عليهم تقبل محتواها الصوفي-الميتافيزيقي.
الشيخ الترابي اتهم من قبل خصومه بأنه يقارب في دعاواه الإصلاحية الشطحات الجمهورية، ولكن الترابي لم يدع وحياً جديداً وإنما استصحب دعوى الحداثة الأكبر (ودعوى قدامى فلاسفة المسلمين حتى ابن رشد) من أن العقل الإنساني هو في حد ذاته مصدر سلطة قد تعلو أحياناً على أي سلطة أخرى دون سلطة الوحي، ويمكنها كذلك أن تعيد تفسير الوحي بما ينسجم مع متطلبات الحياة البشرية. من هذا المنطلق استخدم الترابي الأدوات الفقهية التقليدية، مثل التعمق في البحوث اللغوية والتاريخية، ونقد النصوص ومحاولة قراءتها قراءة جديدة ترفض القراءات التقليدية التي تلبست كما يرى بمواريث تقليدية غير إسلامية، ترجع إلى حياة المجتمعات الإسلامية وقيمها السابقة على الإسلام. على سبيل المثال انتقد الترابي بشدة النزعة الأبوية في المجتمعات الإسلامية التقليدية وتغولها على حقوق المرأة، بحيث أصبحت شؤون المرأة تكاد تكون الجانب الوحيد من الفقة الإسلامي الذي يرفض فيه التقليديون (على غير ديدنهم) صريح النصوص التي تؤكد على حقوق المرأة بدعوى أن ما كان يصلح للمجتمع النبوي ومجتمع صدر الإسلام لم يعد يصلح للمجتمعات اللاحقة التي لا يمكن أن تضاهي في صفائها الأخلاقي تلك المجتمعات الطاهرة.
الإشكال في منهج الترابي هو أنه واجه رفضاً من التقليديين دون أن يجد القبول عند الحداثيين والعلمانيين. فالحداثيون لا يقبلون بما هو دون الحل الجمهوري من تخلص بالجملة من الموروث الإسلامي الفقهي، أو على الأقل يدعون لما يسميه الدكتور محمد أركون ب "نقد العقل الإسلامي"، أي عملية تفكيك تحلل الموروث الإسلامي من الخارج وتحكم عليه بأنه كان أسير واقع تاريخي معين لا بقاء له خارجه. وبالمقابل فإن التقليديين يرفضون اجتهادات الترابي جملة وتفصيلاً كما يرفضون منهجه. وقد كان الترابي يميل حتى وقت قريب إلى مداراة التقليديين، ولا يحفل كثيراً بنقد الحداثيين، وإن كان يتوجه بكثير من خطابه إليهم وإلى الغرب. فقد اضطر مثلاً إلى التراجع عن معظم أقواله حول زواج المرأة من كتابي وحد الردة والتشكيك في البخاري والعصمة النبوية أمام انتقادات التقليديين العنيفة. وقبل ذلك كان قد نشر كتيبه عن المرأة في مطلع السبعينات باسم مستعار في أول الأمر.
وقد أدى هذا بدوره إلى ازدواجية في الخطاب. فقد كان للشيخ الترابي حلقة داخلية صغيرة من الأنصار يخاطبها بصريح آرائه الفقهية، بينما كان يدخر خطاباً آخر لـ"عوام الخلق". وقد نتجت عن هذا الوضع عدة نتائج، أولها بروز عقلية صفوية بين أعضاء هذه الحلقة الداخلية تشبه إلى حد كبير ما انتقد الإمام أبوحامد الغزالي عن فلاسفة عصره الذين كانوا يعتقدون التميز عن الأقران بفهم خاص للأمور يرتفع كثيراً عن فهم العامة. وأخذ يسود وسط هذه الصفوة المدعاة استخفاف كبير ببقية المسلمين وفهمهم للدين، بل وبكثير من تعاليم الدين. وهذا بدوره سلب الحركة الإسلامية سلاحها الأمضى في وجه خصومها من العلمانيين، والمتمثل في قدرتها على تعبئة الجماهير وراء مواقفها بتوسل الشرعية الدينية. ولكن إذا كانت الحركة الإسلامية ترفض الموروث الديني كما هو فإنها تواجه نفس إشكال العلمانيين، بل إشكالاً أكبر، لأن العلمانيين على الأقل لا يتدخلون في أمور الدين ولا يسعون إلى تغيير عقائد الناس بل يكتفون بتجاهل الدين ومقولاته أو التظاهر نفاقاً بالقبول بها. وهناك شواهد كثيرة على أن العلماء التقليديين والجماهير الإسلامية تتقبل الإعراض عن الدين أكثر من تقبلها لما ترى أنه تحريف للدين أو تغيير له. ولهذا واجهت الحركة الإسلامية بقيادة الترابي عزلة مزدوجة لأنها كانت تحارب العلمانيين والتقليديين في نفس الوقت.
التوجه الجديد للصفوة المحيطة بالترابي كانت له انعكاسات عملية، منها التنكر لتقبل الحركة الإسلامية التقليدي للديمقراطية، لأن الاحتقار للجماهير، بما في ذلك الجماهير المتدينة، يستتبع بالضرورة رفض الديمقراطية كمنهج. وقد ولدت هذه النظرة كذلك استخفافاً بكثير من القيم المتمثلة في الصدق مع الناس أو احترام حقوق العباد، ولعلها كانت مسؤولة إلى حد كبير لما وقع من انتهاكات وتجاوزات ميزت عهد ثورة الإنقاذ تحت رعاية الترابي. وهي بلا شك مسؤولة عما وقع للترابي على يد تلاميذه الذين تعلموا منه الاستخفاف بالناس وبالقيم دون أن يكون لديهم ما كان له من العلم، فلم يجدوا بأساً في الإيقاع به وإنكار سابقته، لأنهم أصبحوا يرون أنفسهم فوق كل شريعة وعرف. ولا نزال نسمع من بعضهم تصريحات يستخفون بها بالعباد أفراداً وأحزاباً وأمة، إضافة إلى ما نعلمه مما يتداولونه في مجالسهم ويتناجون به من آراء خلاصتها أنهم قادرون على حكم الشعب بالحديد والنار والكذب والنفاق وشراء الذمم، وأن الأمة بكل من فيها من شمال وجنوب وشرق وغرب ليس فيها فرد أو جماعة تستطيع تحديهم، وهو غرور أورد الترابي ما هو فيه، وسيكتشف تلاميذه قريباً أن شيخهم كان محظوظاً، لأن مصيرهم سيكون أسوأ بكثير.
آراء الترابي الأخيرة وما ولدته من ردود أفعال لا يجب إذن أن ينظر إليها على أنها إشكالية فرد أو جماعة، وإنما هي ورطة أمة لم تعد تجد في تراثها ما يكفي لمواجهة الحداثة، ولكنها تتمسك بهذا التراث على علاته، وتقبل أن يزول هذا التراث جملة من أن يتعرض لتعديلات تضمن بقاءه. وهي أيضاً أزمة نخبة حديثة إما أنها أعرضت عن الإسلام إعراضاً أو أنها فشلت أخلاقياً وفكرياً في قيادة الأمة باتجاه إحياء الفكر الديني، فهي تتأرجح بين قيود التراث ومتاهات الخواء الأخلاقي الحداثي.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147503048&bk=1
__

Post: #171
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-08-2008, 05:53 PM
Parent: #1


مفاكرة الجمعة
الشيخ عمر الأمين احمد
ما كنت أظن ان تجبرنى الظروف فى يوم من الأيام على مناقشة أمر ختان الإناث لسبب بسيط، أن حياء طُبع عليه الرجل السودانى يدفعه بعيداً عن مجرد الاقتراب من هذا الحقل الشائك. وأتمثل بامتعاض أحسست أنه يتملك والدى الشيخ الأمين أحمد وهو يستمع الى خطبة منبرية يوم جمعة ما، أداها شاب مثقف جامعى التعليم، تطرق فيها الى مناقشة هذا الأمر من أعلى ذلك المنبر بعد خطبة الجمعة، معدداً مضار تلك الممارسة وضعف نسبتها الى السنة النبوية المطهرة تبعاً لضعف الحديث المروى فى شأنها.. وعندما أعدت التفكير فى امتعاض والدى ذاك، لاحظت أن ذلك الأمر لم يكن شأنه لوحده، بل هو شأن كل الرجال السودانيين التقليديين الذين يستفزهم مجرد طرح هذا الموضوع للمناقشة، فالرجل السودانى التقليدى لا يتدخل بأى شكل من الأشكال فى أمر ختان الإناث، فذلك شأن أنثوى متروك فيه أمر صناعة القرار وتنفيذه للشق النسائى من المجتمع. وما على الرجال إلا الطاعة واستجلاب ما يطلبه النساء لأجل مناسبتهن تلك. ولا يستطيع كائن من كان أن يدعي أن الرجل السودانى فلان الفلانى هو الذى أمر بختان ابنته، أو أصدر قراراً بهذا الصدد، إذ أنهم لا يطيقون حتى مجرد وروده كفكرة فى مخيلتهم، وفى اليوم الذى تجرى فيه هذه المراسيم، يهرب الرجال ويتخارجون من منازلهم مبكرين خوفاً من مجابهة إجرءات تلك المناسبة، و يتركون دورهم لتكون فى ذلك الوقت مستعمرة نسائية خالصة لا مكان للرجال فيها. لكن ومع ذلك فكل الرجال يكونون على قلب رجل واحد على أهبة الاستعداد للدفاع عن حقوق نسائهم فى ممارستهن تلك، ونتذكر فى هذا الصدد محاولة المستعمر الإنجليزى أن يتدخل فى هذا الشأن، فجابهته ثورة عارمة للدفاع عن تلك الحقوق النسائية. وقعت تلك الحادثة على بعد خمسة منازل من منزلنا الكائن بمدينة رفاعة، ورغم انى حينها لم أكن قد خرجت الى الحياة، إلا أننا كجيل، فقد عاصرنا جل من شارك فيها من الشيب و الشباب تحت قيادة الأستاذ محمود محمد طه الذى كان فى مقدمة الركب، ومعه كتفاً بكتف، جدى لوالدتى الشيخ الجليل الوقور الذى كان حينها شيخاً على سجادة السادة الصادقاب بمدينة رفاعة الشيخ على الشيخ أحمد قوى.
وقد اتجه رجال تلك الانتفاضة الأماجد بعد تدمير (المركز= مركز البوليس + المجلس البلدى) الكائن فى طرف المدينة الشرقى تدميراً كاملاً، الى مطاردة (الإنقليز) عبوراً للنيل الأزرق الى (الحصاحيصا). وحكى من كان يستمع الى جدى الشيخ حينها أنه كان يصيح: (الإنقليز ديل نخليهم لغاية ما يخشوا في اي شي، والله أخير لينا الموت من كدى = هذا الموقف). وما أظن أن الشيخ أو الأستاذ الشهيد كانا يدافعان عن تلك الممارسة، بقدر ما كانا يدفعان أى تدخل فى شؤون نسائهن. فإذا كانوا هم انفسهم لا يتدخلون، فكيف بربك يقبلون بتدخل الأجنبى المستعمر؟
ومما يجعلنى فى قناعة حول مسافة يأخذها الرجل السودانى التقليدى بعيداً عن التدخل فى تلك الممارسة، أنى لم أصادف طوال حياتى رجلاً يسأل رجلاً آخر عن (ختان ابنته)، وعلى أتم يقين أنه لو فعل، فستقوم قيامته فى تلك اللحظة، إذ يعدها الرجل المسؤول قصداً مباشراً مع سبق الإصرار على إهانته والتشنيع به والحط من قدره. ولكن من حق أى رجل أن يتبرم محتجاً من مسلك رجل آخر إذا قام بتأخير طهارة ابنائه الذكور. وذلك شأن رغم أن النساء لا يمتلكن حق التقرير فيه، إلا أنهن يمتلكن حق المشورة لدورهن الأصيل فى احتفالية الختان الذكورى المعلن عنها، والمحضورة درجة إقامة الولائم والمراقص. لذلك فالنساء يخرجن فائزات فى محصلة المسألة الطهارية على الرجال 2/1 لانفرادهن بالأولى وتعادلهن فى الثانية.
و طهارة البنات شأنها شأن الولادة والزفاف، فتلك ممارسات فى المجتمع السودانى التقليدى كانت كلها شؤونا نسائية خالصة. فأربعون يوماً كانت هى فترة الولادة تمكثها المرأة، إما فى بيت أبيها برفقة أمها، خاصة (الثلاث ولادات الأولى) أو تصطحبها الى منزل زوجها في ما يلى من ولادات، وفى كلتا الحالتين فإنها تأخذ بيدها لوحدها صك ملكية حجرة ابنتها، فلا يدخلها أى شخص لا ترغب هى فى دخوله عليها، ويشمل ذلك بالطبع زوجها، وذلك من باب خصوصيات نسائية محترمة رجالياً ينصاعون لها دون تذمر.
ومما سمعنا به ولم نشهده من نحو تلك الممارسات الاجتماعية، أن مراسم الزواج كانت تستمر أربعين يوماً كانت تنتهى بيوم الزفاف، وكان يتم (قطع الرحط) يوم (السبوع) تقلص على أيامنا الى يوم (التالتة)، وشهدنا فيه كيف كانت تقف المرأة لا يسترها إلا (رحط) وهو إزار مصنوع من جلد ماعز مدبوغ ومقطع الى خيوط طولية كثيرة و(مردفة) على بعضها البعض عرض الواحد منها 4 ملميترات بالتقريب. ويربط ذلك (الرحط) الى وسطها وينتهى طوله غالباً فى منتصف ساقها. وكل أمهاتنا وحبوباتنا رقصن به بأمر أمهاتهن وحبوباتهن. ويومها أيضاً كان كل الرجال من أهل العروس يختفون عن ساحة احتفال (قطع الرحط) ويفرون منه فرارهم من طاعون حل بديارهم. وكذلك يوم الزفاف الذى تقلص طوله على أيام صبانا من الأربعين الى الأسبوع، وفيه تخلى الساحة تماماً من الرجال من الفريقين، أهل العروس وأهل العريس، وكذلك الصبية الصغار والصبيات الصغيرات، وتستلم الساحة تماماً الحبوبات والأمهات كبار السن.
وعلى أيامنا هذه وقد أتى مجتمع الحداثة على أخضر ويابس العادات والتقاليد والأعراف السودانية، إلا أنه لم يستطع أن يمحو تماماً ثقافة كامنة خلف تلك الممارسات، فظل الحياء يشوب طابع مواجهة أمر ختان البنات فى غالب أمره عند الرجال، لكننا ينبغى أن نحمد الله، ويحمده كذلك الأستاذ محمود محمد طه والمربى الجليل الشيخ على الشيخ أحمد قوى، إن كان قدر لهما أن يحضراه، أن حوارا لا دخل (للإنقليز) ولا الرجال فيه، إنما هو حوار خاص داخل البيت النسائى، وتقوم به أخوات كريمات، لا نشك فى رجاحة عقلهن ولا كريم معتقداتهن. لكن وبحسب طرق تبادل المعلومة والحوارعلى أيامنا هذه، فهو يجرى فى الهواء الطلق نقرأه ونستوعبه، فنستحسن حسنه ونستقبح قبيحه. لكن فلا أظن أنه بمقدورنا أن نقوم بغير دور الحجاز رغم ما يمكن أن يلقاه من (عكاز).
ولا أعرف السيدة الجليلة الدكتورة آمنة عبد الرحمن التى قيل إنها على رأس جمعية محاربة العادات الضارة (اسم الدلع للطهور) ولا السيدة الجليلة الدكتورة ست البنات خالد التى تحارب ترك هذا العادة بتبنى أمر الفضيلة، حيث تدفع بأن هذه الحملة القصد منها الدعوة للفجور والرذيلة، ولكننى قرأت أكثر من مرة لسليلة الأكابر الأستاذة رباح كريمة السيد الإمام الصادق المهدى، وهى تدافع دفاع الفرسان ضد هذه العادة التى تراها ذميمة. وحقيقة الأمر فلم استطع أن أحدد موقفى تماماً، فلهؤلاء منطق وجيه ولأولئك منطق لا يقل وجاهة.
وقد سألت من أثق فى أحكامه أن يفتينى فى هذا الأمر، فزادنى حيرة على حيرتى. فقال لى ـ ويا بشرى الأستاذة رباح: (إن كان استحسان المسلمين لأمر الخفاض بحسب ما هو مأثور عن المصطفى ــ عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ــ فى قوله: (اخفضى ولا تنهكى) فذلك قول ينبغى أخذه بحذر، إذ أن الأمر لو كان مستحسناً فى السنة النبوية على هذا النحو، لورد لنا خبر عن خفض ابنته فاطمة الزهراء ــ عليها السلام ــ ذلك الأمر التى سكتت عنه السنة المشرفة كدليل على عدم حدوثه. كذلك فلم يرد على لسان السيدة عائشة أم المؤمنين التى تعد روايتها مرجعية يعتد بها فى الفقه النسائى).
عموماً فهذه من الأمور التى أظن أن الشارع قد سكت عنها رحمةً بنا، ولم يرفضها المصطفى ـ عليه وعلى آله أفضل الصلاة وأتم التسليم ــ صراحة، وكذلك لم يأت بها كممارسة أو بشبيهة لها، فلا مندوحة من أن يكون حكمها هو الإباحة فعلاً أو تركاً. وأظن ظناً لا استطيع أن أرفعه لدرجة اليقين، أن فى ذلك الأمر امتحانا إلهياً خفياً أمره علينا لحكمة يعلمها (هو). وفوق كل ذلك، فمما لا بد من قوله إن أى عاقل لا بد أن يقول بحسن مقصد الأستاذة رباح والدكتورة ست البنات.
وأقول فى الختام أنه يستحسن بنا نحن الرجال أن ننصرف عن هذا الأمر ونتركه لنسائنا، فهن قديرات أن يصلن به الى قرار صائب، فنؤيدهن وننصرهن إذا اجتمعن على هذا، أو اجتمعن على ذاك، فلا نتدخل إلا إذا تدخل (الإنقليز). وأظن أن ذلك يكفى الأخوات الكريمات، كى يحسنَّ سبك طبختهن دون أن يدخل الرجال أيديهم فى (حلة الطبيخ) (فيجوطوها) قبل أن تستوى.
حاشية:
نقبل تماما بما كتبه الأخ الكاتب سعد الدين ابراهيم حول قولى للدكتور لام أكول أن يبعد نفسه عن ناس (أمسك لى واقطع ليك)، واعترف بأننى دقة قديمة، وأن طريقة المسك والقطع قد صارت الى صورة لا نمتلك أدوات فهمها. وكأنى به يقول: ليس الخطأ فى المثل الذى صار: (أمسك لى وأقطع لنفسى) لكنه فى افهامنا غير المواكبة. ولم ينصحنا بكيفية المواكبة هذه، فهل فعل.
والله من وراء القصد وعليه التوكل إنه نعم المولى ونعم النصير.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147502552&bk=1

Post: #172
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: Yasir Elsharif
Date: 04-08-2008, 08:31 PM
Parent: #1

لك التحايا النواضر يا عزيزي عبد الله.. الله يقوِّيك..

Post: #173
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-09-2008, 03:58 AM
Parent: #1


ساعات مع الأستاذ محمود محمد طه
بقلم عباس إدريس
الدستور
لقد سمعت بالأستاذ محمود محمد طه لأول مرة فى عام 1961 عندما جاء لمدينة عطبرة فى إطار جولة على الأقاليم اقام فيها عدة ندوات لتعريف الناس بدعوته
فى عام 1980 شاءت الظروف أن أجتمع ببعض الأصدقاء ممن اعتنقوا الفكر الجمهورى ودار بيننا نقاش حاد انتهى بأن قدموا لى الدعوة لزيارة مقرهم بالثورة الحارة الأولىالأستاذ محمد الذى ولد فى عام 1911 تقريبا وتخرج مهندسا من كلية غردون 1936 كان قد انتهج نهجا دينيا متفردا وبدأ بترك الوظيفة الحكومية وتفرغ لمجاهدة الاستعمار البريطانى ودعوة المواطنين للتمسك بعاداتهم عن حياة الرفاه وتقليد الأجنبى الذى انحرف نحوه معظم زملائه من المثقفين.
وقد كانت بداية الصدام مع السلطة الحاكمة عندما خرج الأستاذ فى مظاهرة ضدها عام 1946 احتجاجا على قرار الدولة بتحريم الطهارة للبنات وتم القبض على الأستاذ وأودع السجن

Post: #174
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-09-2008, 03:59 AM
Parent: #173


مريض بالحب ...علاجو الحب
طارق الأمين
====
واحب محمود محمد طه ـ
والحرية واللا خوف من الاحزان
=====
بحب بالجد
ومن غير حد
أحب بالجملة والتقسيط
أحب بالدور بدون فطفيط
أحب من كسلا لي مليط
أحب من حلفا لي توريت
أحب من دون عذر واسباب
وازيد كل ثانية في الاحباب
أحب الجامعة والطلاب
أحب الثانوي والكتاب
أحب الوالي والارباب
وأموت في كورة الشراب
أها ما لكم.. شنو ليكم؟
بحب الطالبات من جم
وأشوفن زي بنات العم
وأشوف فيهن ظرافة دم
تخلي هوا الحياة أنعم
تسوي على الجراح بلسم
تزيد فرح الوطن الهم
تخلي الحاقدين أرحم
وتخلي الجيم ثري ابكم
أها ما لكم.. شنو ليكم..
بحب أنا مية في المية
كل تنهيدة سودانية
حتى الفول مع الطعمية
هم العملو لي شخصية
أحب ميدان ابو جنزير
وأغاني خضر بشير والصير
بحب عرمان وسلفاكير
ومنكر في القبير.. ونكير
أحب عمر البشير كمشير
وأحب حسن الترابي كغير
ومحمد صالحين وغدير
وعوض الشكسبير كخطير
وطه على البشير ككبير
ام درمان وشارع كرري
وشاطي أبروف.. سرير في سرير
أحب العدل و«الحرية»
والجبهة الديمقراطية
بحب كل حاجة سودانية
حتى لو افترضنا «غبية»
بحب الصادق المهدي
حفيد القبة والمهدي
بريدو وليهو طال سهدي
وضاع صبري وكمل جهدي
أها مالكم.. شنو ليكم
أحب تاريخنا أب ضجة
وأريد المهدي وأبقرجة
أحب العود والكمنجة
والعسكري أب طبنجة
أحب عون الشريف قاسم
وبدري وبابكر وقاسم
أحب الغنا والمراسم
وبحلم بالخليل باسم
وأحب ضل شجرة واقع في بياض
جنحين حمامة بتنقد الحبة
جمب سحلية مكتأبة
وأتوه في بحر المحبة
وأحب أولاد أبو قفطان وناس قطان وابو جبة
وأحب ناس خوجلي العثمان حبة.. حبة
أحب اولاد القماير واحب اصحاب الضماير
والبنات أم خصلا مساير
أحب كل قادة العشاير
وأموت في البت أم ضفاير
أحب ناس حوا الطقطاقة
وأموت في وزارة الطاقة
والباسبورت والبطاقة
أحب شيخ المرغنية
ومامون العجيمية
أريد كل الافندية
حتى البمشو كداري
والما صرفو ماهية
أها مالكم.. شنو ليكم
أريد الويكة والدمعة
وصورة النيمة في الترعة
أحب لمة سوق الجمعة
وأموت أنا في ندى القلعة
أريد محجوب كبوشية
وأحب سوق الحرامية
وأحب معمورة منشية
وأحب عاشة الفلاتية
أحب أولاد حاج الماحي
البيشعلو فرح الضواحي
اللي بيهم طابت جراحي
والبواصلو النمة صباحي
وبرضو بعشق معتز صباحي
أحب نادر واحب حوتة
وجمال فرفور
وبرضو عصام محمد نور
وكل مغمور وكل مشهور
وأغاني السيرة والطمبور
بحب أنا كل سوداني
يستريح في جوة وجداني
المحبة الدايمة عنواني
والبريد في العالم التاني
أحب قدال.. احب حميد
وكل الشعراء .. حتى الطيف
ومحجوب الكلامو شريف
ارقى شاعر واجمل ظريف
لو بقرة عترت يوم في الجريف
هو البساهر حد النزيف
أنا بحب ناس بيت الامانة
وناس علي ابو راس الفي السجانة
لو مرة جات عصفورة زهجانة
يعزموها غدا وبرتكانة
وتاني ترجع.. تصدح معانا
أنا بحب اهلي الفي الديوم
البشوفو الدنيا باليوم
هم رجال التقوى والصوم
وهم قيامتنا الـ ح... تقوم
بحب مجان
احب لله .. بدون الكبرياء والجاه
واحب الله..
وأحب كل البحب الله
واحب شكر الله خلف الله..
وخليفة ولد حسن بله
ولحدت حمزة عوض الله
أحب الهيلاهوب .. وتيراب
وكل الشعراء والكتاب
دكتور مرتضى الغالي
الاديب الشاب
وعثمان ميرغني الكتاب
البوني وزهير وحسين
وحاج وراق
وحتى البدعو للارهاب
وأحب الكورة جندي نميري
وهيثم مصطفى اللعاب
أحب نقد.. وعلي عثمان
والمسجون والسجان
واحب محمود محمد طه ـ
والحرية واللا خوف من الاحزان
واحب الحاج عطا المنان
والشيوعية والكيزان
مادام كلو في السودان
اها مالكم.. شنو ليكم؟
أحب الطرق الصوفية
واحب ناس شيخ الهدية
واحزابنا اليسارية واحزابنا اليمينية
وسجادة المكاشفية
اها مالكم.. شنو ليكم؟
بحب ديلا وبحب ديلاك
منو البقدر/ يمنع قلبي بي قانون
من حب مافي منو فكاك
وشنو ليكم؟ بحب متمردي دارفور وحكاياتم
واحب الجنجويد ذاتم
اها مالكم؟ شنو ليكم؟
أحب باقان وادوارد لينو
والشهداء من الطرفين
احب الماتو دبابين
علي الفتاح وطه الماحي والباقين
اها مالكم.. شنو ليكم؟
أحب عبد العزيز خالد
والدكتور منصور خالد
والدكتور عمر خالد
احب فاطمة وربيكا كمان
كحب الوالدة والوالد
اها مالكم؟ شنو ليكم؟
احب الشوش
وفيليب غبوش
وعبد الناصر الطائف
كمان بالذات
محمد ود نعيم سعد الحلو البسمات
وفايزة اختنا بت عمسيب
في عيني لسه شباب ولسه بنات
وأحب شمبات
ومبارك حسن بركات
احب الاب فيلو ثاوس
وكل جنودنا الاشاوس
والجامع والكنيسة.. واحب علوية وخميسة
احب دكتور مهندس بروفسير
عبد المنعم عطية
صحي ما شفتو قبال دا
ولا لاقتني كورساتو المكثفة بالالمانية
بس عاجبني اسمو شديد
وبكون زول عندو شخصية
بهذا اعلن الحب الكبير
بدون فترة انتقالية
محبة اكيدة دايمة كمان
محبة وطاقة ازلية
وادعوكم جميعاً للمحبة بصورة رسمية
بدون قانون.. وأي ظنون
وافكار فارغة زي دي
متين يكبر معانا الحب؟
ويصبح حاجة عادية؟
متين نعرف نحب الناس
ونمسح ماضي الازية؟؟
متين نعرف نعيش الحب
بدون ادنى انتهازية؟
متين ح تشيلني في عيونك
واشيلك جوة عيني؟
طارق الأمين


http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147502333&bk=1
_________________

Post: #175
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-09-2008, 05:15 PM
Parent: #1


ليت شعري
د. عبد اللطيف سعيد
هكذا يفكِّر الأستاذ جمال البنا
دعت صحيفة «الصحافة» كُتاب الاعمدة فيها لحضور لقاء تفاكري مع المفكر جمال البنا في ظهر الثلاثاء 14/2/2006 بدار الصحيفة، والاستاذ البنا اخ الامام حسن البنا مؤسس جماعة الاخوان المسلمين في مصر، وهو في تقديري قد تجاوز السبعين من عمره بقليل. وقد كان لقاءً تشكر الصحيفة على تنظيمه لما فتقه من افكار وردت في كلام الاستاذ البنا وفي التعقيبات التي تلت كلامه.
دخل الاستاذ البنا مباشرة في موضوعه قائلاً إننا في العالم الاسلامي قد اغقلنا باب الاجتهاد منذ ألف سنة وذلك معناه اننا ادخلنا فكرنا في اجازة والحمد لله أننا الى الآن نمشي على رجلين، مشيراً الى انه كان الاولى والحال تلك ان نمشي على اربع كالدواب أو نزحف على بطوننا كالزواحف.
وقال إن اغلاق باب الاجتهاد قد ولَّد طالبان.
وقال ان الاحاديث الصحيحة الواردة عن الرسول نادرة بل هى كالشعرة البيضاء في الثور الاسود وأن الاحاديث النبوية قد اثقلها الوضع.
ثم ذهب الى انه لا بد من إعادة تأسيس المنظومة الاسلامية من احاديث واحكام، ولا بد من فهم القرآن بدون الطبري وابن كثير، لان هذه التفاسير ملوثة بالخرافة والمذهبية والاسرائيليات.
ثم قال إن السنة لم تدَّون طوال 150 سنة بعد النبي وان التدوين الذي بدأه عمر بن عبد العزيز في القرن الاول كان مداه قصيراً، وهو سنتان مدة حكم عمر بن عبد العزيز وبعدها هُجر التدوين طويلاً، وبذلك تشكك في صحة ما ورد من السنة بالمشافهة. مقللاً من قيمة صحيفة عبد الله بن عمرو بن العاص والمدونات المختلفة في هذه الفترة قبل عمر بن عبد العزيز، واستمر قائلاً انه لابد من تجريد البخاري للتضارب الحاصل به. وانه لابد ان تربط السنة بمعايير من القرآن الكريم (دون ان يوضح كيف؟) وشكك في صحة الحديث الذي يقول (من بدَّل دينه فاقتلوه) وقال إن تبديل الدين مسألة حرية تفكير وفي الحديث ارهاب واعتمد الفقهاء هذا الحديث دون احاديث اخرى اشد تواؤماً مع حرية التفكير.
ثم قال إن الاسلام لم يفرض الحجاب، ولكن الحجاب هو الذي فُرض على الاسلام، وقال إن سبب فرض الحجاب هو أن الرسول لما تزوَّج بالسيدة (زينب بنت جحش) ولم يكن في حجرات زوجات الرسول أبواب، كان الناس يدخلون على الرسول بدون انقطاع وكان الراجل (يعني رسول الله! تأمَّل) يريد ان يخلو بزوجته الجديدة ولذلك فرض الحجاب. ثم إن جمال البنا انكر الناسخ والمنسوخ وقال إن الاقدمين لم يفهموا فحوى بعض الآيات ولذلك استعملوا سلاح الناسخ والمنسوخ لإلغائها.
ثم هاجم الازهر والمعاهد الدينية خاصة المعاهد السعودية وقال إنها سبب البلاء.
وانتهى بإثبات الشهادة لمحمود محمد طه وقال انه قد اخطأ في بعض افكاره الخاصة بتقسيم القرآن الى مكي ومدني، ولكنه كان شهيد الفكر لما أصر ألا يعترف بالمحكمة وقدَّم حياته فداءً لما يؤمن به من أفكار.
نسبت أن أقول إن الاستاذ البنا قد القى محاضرة بتراء ما بدأها ببسملة ولا حمد لله تعالى ولا صلاة على رسول الله ولا حتى بسلام على الحاضرين!
أتراه كان يرى أنه من الاجتهاد ترك البسملة والحمد والصلاة على الرسول والسلام على الصحافيين السودانيين؟



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147501545&bk=1
_________________

Post: #176
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-09-2008, 11:31 PM
Parent: #1


مفاگـرة الجمعة
الشيخ الدكتور والمرحومان حاج حمد ومحمود وصحيفة «الانتباهة»
ثلاثة مواضيع نتطرق إليها فى مفاكرتنا لهذا اليوم وهي:
أولا: حول عرضحال أهل العرفان على تخريجات الشيخ الدكتور، أحدث ما نشرناه في مفاكرة الأسبوع الماضي حول حديث دكتور الترابي عن عودة المسيح عليه السلام، ما أحدث وسط قراء هذه المفاكرة، فقسمهم الى قسمين:
القسم الأول: أشاع وسطه الحديث راحة واضحة نقلها لى عدد مقدر ممن صادفته أو هاتفته تلفونيأ او هاتفنى. أما القسم الثاني فقد كان ملخص ما حاول أن يبثه ويوصله رسالة فحواها أن ما قدمته من حديث يوغر الصدور. و أن هذا ليس دأب أهل العرفان إذ يجتمع عادة حولهم الخلق ولا يتفرقون. فإذا صار أهل العرفان إلى تبنى موجبات الفرقة وصاروا هم أنفسهم مركز استقطاب لآرائهم، فقد الجامحون في الرأي آخر حصن وملاذ يمكنهم الرجوع إليه، وانطمس أمام ناظريهم معالم طريق العودة والإياب.
وبمراجعتي للأمر رأيت أن ما قدمه القسم الثاني أكثر وجاهة، ورأيت أن ما كتبته فيه قدر لا يستهان به من فظاظة مقارنة مع لين جانب أهل العرفان، و فطنتهم التى تجعلهم دائما فى منأى من مواجهة مباشرة بالقول لأصحاب المفاسد القولية والفعلية، أن يقال لهم انتم كذا وكذا. وذلك خوفا أن تأخذهم عزة بالإثم، يكره العرفانيون أن يروا أنفسهم جزءاً من أزمتها، فيكونون قد ساهموا أن يكون الإجرام أكثر تعقيدا وتركيباً.
لذلك فإنني اعتذر أشد الاعتذار عن فظاظة جاءت في مباشرة ذلك الخطاب، بما في ذلك نقل تفاكر ومحاورة خاصة، كان من المفترض أن تكون (مضمون بها على غير أهلها).
الاعتذار كذلك أقدمه ثانية للقسم الأول من الذين يرون أن ما طرحته كان مفيداً. وأطمئنهم أن هذا الموضوع سيجد حظه من المناقشة ضمن أطروحات هذه المفاكرة، بعد تعديل أسلوب خطابها تركيزاً على القضايا وبعداً عن المواجهات المباشرة.
ثانيا: ما بين العالمية الاسلامية الثانية والرسالة الثانية من الإسلام.
أتحفنى الأخ أسامة سيد أحمد من أسرة الفقيد المفكر الاستراتيجي الضخم الأستاذ محمد أبو القاسم حاج حمد، طيب الله ثراه، بكتابي «العالمية الإسلامية الثانية»، «جدلية الإنسان والغيب والطبيعة». ولم أكد استلمها حتى أخذتني تماما إلى عوالمها الفكرية المدهشة لمفكرنا الراحل الضخم، فاحتلت مكاناً خالياً (سادة فرقة) فكرية كبيرة متممة لمقابل قوي ومتكافئ مع الرسالة الثانية من الإسلام لمفكرنا الراحل الضخم الشهيد الأستاذ محمود محمد طه طيب الله ثراهما. وأكثر ما استوقفني إضافة إلى عمق الأطروحتين الفكريتين، أن حواراً صامتاً يدور بينهما يشكل جدلية مهمة وقوية ترفد الفكر الإسلامي وتمده بعكازتين جديدتين قويتين تعينانه على النهوض. لكن مع ذلك فالأمر يحتاج الى معالجة، إذ أن الأطروحتين متقابلتان شكلاً ومضموناً، فالعالمية تعمد إلى استنطاق الجدل المعرفي العقلاني، ووسائلها تجريبية حسية في سبرها لغور جدلية الظاهرات الوجودية كواقع له فعله في التاريخ البشري الواسع مقروءاً مع نصوص التنزيل الحكيم.
أما الرسالة الثانية فإنها شهادة لما وراء العقل المادى، تأنس بالحوار الداخلى (الباطنى) المقابل لهذا الفعل الظاهراتي التاريخي. وتعتمد الرسالة الثانية هي نفسها على نصوص التنزيل الحكيم.
إعادة صياغة المنهج المعرفي الذي يتخذه المفكران الكبيران مع اعتبار لجدلية الأطروحتين، فذلك مقترح وجيه لإنتاج أطروحة متوسطة، قد تكون هي الأخرى إسهاما لا يقل ضخامة عنهما. بل وتحتوى على إمكانية تجاوزهما، خاصة إذا ما تم التوصل الى أن الأطروحتين تحتاجان الى بعضهما البعض. ونحن أكثر حاجة الى توحيد حقيقي بين القراءتين مع تعديل مقولة القراءتين في العالمية الإسلامية لتكون قراءة واحدة للعقل الظاهراتى، وتحويل اتجاه القراءة الثانية نحو العقل في حواره الداخلي (الباطني) وهو حوار عرفان مهم لا أظن أن الرجلين كانا سيرفضانه متى ما تم تحقيقه ووضعه بين أيديهما.
عموماً فالمفكران قد قدما ما يستحق النظر إليه، والمضى به قدماً إلى الأمام بعد إجراء التصحيحات اللازمة فى تجديدية في القراءتين... وهذا وعد ينتظر الرجل المكلف الذي نرجو له أن يتقدم لأخذ زمام المبادرة.
ثالثًا: مرحباً بـ «الانتباهة»..
أظن أنه الآن قد اكتمل ناقص الساحة السياسية.. فبعد أن توقفت الحرب وهدأت قعقعة السلاح الناري في جنوب البلاد. فقد بدأت حربا جديدة ناعمة باردة في مظهرها يتحارب فيها أطرافها المتحاربة باستدعاء أقوى ما يمتلكون من أسلحة دفاعية فكرية وسياسية ومعرفية، وتلك ايجابية ذات بعد واحد. فالحكومة التى كانت طرفاً أصيلاً فى القتال، أصبحت ترى نفسها مسؤولة عن وحدة الوطن، فتقوم بتشييد خطابها متجاوزة أية مغالاة فى أطروحات القوى التي كانت تحاربها، ظناً منها أن ذلك مما يجعل الوحدة جاذبة. لكن فالملاحظ أن الطرف الآخر المعني لا يقدم خطاباً متكافئاً فيه عمل لإنجاز هذه الوحدة، وذلك بسبب افتراض سياسي ساذج أن الشمال كله كتلة واحدة تمثلها الحكومة، ينبغي أن يقدم مغريات جاذبة لهذه الوحدة تقنع الجنوبيين. لذلك فقد صار الجنوبيون ذوي شراهة لا تحدها حدود، علماً بأن فيهم أصلاً أصحاب رغبة طوباوية واهمة لدك حصون الثقافة الشمالية والاستيلاء عليها أو طردها عبر البحر الأحمر، وذلك من أجل إحلال ثقافة (أفريقية سوانوية) بدلها، أو على أقل تقدير حصرها في أضيق نطاق إذا ما تم الانفصال.
لذلك يصبح صدور صحيفة «الانتباهة» ضروريا لتكملة ناقص الخطاب. فإذا حدث تكتل جنوبي أو حتى تكتل غرباوى أو شرقاوى. فلا يرعوى أهله عن أحلام لا تمت الى العقل الواقعى بصلة قريبة أو بعيدة، إلا بوجود تكتل مكافئ شمالي يضبط المقالعة السياسية الجارية الحالية، ويحول بينها وبين حلم مريض، أن يتحول السودان إلى (أندلس) أخرى في أفريقيا.
لكن لابد لنا أن نتساءل: أليس هنالك من خطاب ثالث عاقل يسجل غياباً ملحوظاً؟ أقول: نعم فهنالك احتياج كبير إلى التعقل، لا أقول أن «الانتباهة» تجافيه، إذ أنها مجبرة على عملية جبر الكسر السياسي، فصوت العقل مغيب فعلاً، وغيبته ليست مصادفة اقتضتها ضرورة الصراع السياسي. فالفاعل يبدو كحمل سياسي وديع يتربص متنكراً في داخله ذئب عنصري جبان، لا يمكنه الظهور مواجهة كأن يبدو في قوة الأسد شجاعة ومواجهة من الأمام، لكنه يتحين ظروف ضعف خصمه، ويجهد نفسه عملاً على انتاج شروطها. وذلك للأسف ناتج عن شدة تحكم عنصرية بغيضة تشكل عنده حالة مرضية مزمنة مستعصية لا شفاء له منها.
لذلك فلابد من الترحيب بـ «إلانتباهة» عسى أن تكون انتباهة عن غفلة كبيرة، وعملاً بجد واجتهاد على تجاوز موجباتها.
والله من وراء القصد وعلى الله التوكل، انه نعم المولى ونعم المصير.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147501231&bk=1
_

Post: #177
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-10-2008, 01:18 PM
Parent: #1


في ذكرى كبير الشهداء محمود محمد طه
اعرف العالم الاستاذ محمود محمد طه عن كثب لأنه كان يجاورني بالمكتب بعمارة ابن عوف سليمان الشايقي بالسوق العربي الخرطوم لعقد من الزمان في اواخر الستينات من القرن الماضي..
كان محمود جم التواضع.. عزيز النفس.. يحفظ القرآن عن ظهر قلب، ويحفظ معظم الاحاديث القدسية.. لا يتكبر ولا يتعالى.. بل يأكل الفول في الصباح مع مراسلة المكتب على الارض.. ويركب المواصلات العامة الى منزله بأم درمان الثورة الحارة الرابعة بالقرب من السينما في منزل متواضع من الدرجة الثالثة بجوار ابن عمنا المرحوم الفاضل حسين حمور.. وهو الذي كان في مقدوره إن أراد وهو من الرعيل الاول من المهندسين في السودان أن يكون من اصحاب الحول والطول.. ويتطاول في البنيان.. والحياة البذخية.. إلا انه كان متقشفاً في حياته اذ كرَّس نفسه للفكر الاسلامي والدعوة إليه.. واسس الحزب الجمهوري الاسلامي في منتصف الاربعينات، ولا يتوانى في نشر رأيه في نشرات وكتيبات عن قضايا الساعة في كل مجالات الحياة السياسية والاجتماعية.. والثقافية..
وقد دخلت معه في مناقشات فكرية بطلب منه في صحيفة «السودان الجديد» وكان لا يمل ولا يكل ويستعد للحديث والدفاع عن رأيه.. وكان يهابه الاخوان المسلمون.. ويخشون فكره لأنه يتحدث بالادلة والبراهين الربانية والاحاديث النبوية..
وذات مرة قال لي إنه مستعد للدخول في مناظرة عالمية مع الاصوليين الاسلاميين جميعهم بكافة نحلهم وفرقهم.. وتكون مكشوفة للرأي العام العالمي ليحكم له أو عليه.. وهو واثق من نفسه في التغلب عليهم من الرأي العام العالمي.
كانت مناقشتي معه مفتوحة في جريدة «السودان الجديد» التي كان يرأس تحريرها ابو الصحف احمد يوسف هاشم.. ومن بعده فضل بشير.. ويقوم بإدارتها طه المجمر.. ولعلها تكون موجودة في دار الوثائق المركزية بالخرطوم العام 1968.. وكنت أدعو للقومية العربية الانسانية غير التعصبية ذات المضمون الديمقراطي والعدالة الاجتماعية في نطاق الوطن العربي والامة العربية من المحيط إلى الخليج من أجل الوحدة والحرية والاشتراكية، وكان الاستاذ محمود يدعو من أجل الاسلامية العالمية.
لم يعرف عنه في حياته الارهاب الفكري.. أو الفحش من القول أو المهاترة أو الاستفزاز.. أو اللجاج أو النفاق الاجتماعي أو التزلف للسلطة.. أو السكوت عن الباطل.. مما عجَّل بشنقه في عهد مايو الأسود تحت مظلة السفاح نميري وهو ابن الخامسة والسبعين من عمره.. بالرغم من أنه محرَّم في كل الشرائع العالمية على نطاق الكرة الارضية ان يشنق شخص فوق السبعين من عمره مهما كان جرمه مما يخالف القوانين الدولية وميثاق حقوق الانسان.. ويتعارض مع نص المادة 247 من قانون الاجراءات الجنائية لعام 1983 القانون الساري في ذلك الوقت.
ولو اعترف الشهيد بواقعة المحكمة الماثل أمامها وسمح لي بالدفاع عنه.. لكسب من الوقت ما يمكن العالم بعدالة قضيته وطلب الافراج عنه فوراً.. إلا انه ذكر ان المحكمة غير مؤهلة لا فنياً ولا قانونياً لمحاكمته.. ومن ثم أبى ان يخاطب المحكمة وان يقدم ما يخفف الحكم عنه Mitication. وفي الحال اصدرت المحكمة حكمها بإعدامه شنقاً حتى الموت وارسلت حكمها الى محكمة الاستئناف التي شكلها الرئيس جعفر نميري وايَّدت الحكم فوراً.. ووافق عليه الرئيس فوراً..
وكان هذا الحكم هو بداية النهاية لعهد الظلم والطغيان الذي اودى بالنظام السياسي كله في عهد الانتفاضة الباسلة العام 1985.
تقع المشنقة داخل سجن كوبر في الغربيات على يد السجانين العتاة، ويسمى الشناق الذي شنق عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي السوداني من أوائل الخمسينات من القرن الماضي.. والشفيع أحمد الشيخ سكرتير اتحاد عمال السودان والوزير في عهد اكتوبر العام 1964م والحائز على جائزة لينين.. وجوزيف قرنق المحامي المثالي والجنوبي الانساني تحت مظلة العهد المايوي البغيض.
إلا أن مشنقة محمود محمد طه نصبت في باحة السجن من الناحية الغربية كي يراها الخاصة من المسؤولين..
وتلك أول ظاهرة في تاريخ السودان الحديث... وكان من المفروض فقهاً وقضاءً ان يستتاب حتى لو سلمنا انه كفر أو ألحد.. وبعد ذلك يقام عليه الحد الشرعي..
ولقد نفذ فيه حكم الشنق.. وذكر الشناق انه نفذ اكثر من 25 حكماً بالاعدام قبل محمود.. لكنه لم يجد محكوماً مثله في ثباته ورباطة جأشه وهدوئه.. وانه قد صعد الى حبل المشنقة بمفرده غير مساعدة من احد.. وهو يرتدي جلباباً وطاقية وسروالاً.. وقد عبر باحة السجن الى حيث المقصلة.. كأنه ذاهب الى بيته.. وكان قبلها في غرفة تحوي سريراً وفراشاً.. ومن مستلزماته التي كان يحرص عليها مصلاته ومسبحته.. وكان يتناول غذاءه ويصحو وينام بصورة عادية.. وشنق وهو يبتسم لتلك المهزلة التاريخية ولم يضعف او يرتجف ووقف كالطود الاشم ليلقى مصيره.. ومن الغريب في الامر ان جثمانه لم يسلم الى ذويه.. ولم يدفن في مقابر المسلمين بعد أداء الفروض الشرعية نحوه.. بوصفه مرتداً بل اخذته طائرة بإمرة احد الضباط.. والقت جثمانه للصقور والاسماك الكواسر في عرض البحر الاحمر.
وطُلِّقت عليه امرأته.. وصودر منزله.. وحرقت كتبه ونشراته ولعلنا ندرك الفارق الكبير بين محاكمة محمود محمد طه في العهد الديمقراطي بتهمة الردة.. في ظل سيادة حكم القانون واستقلال القضاء في العام 1968م برئاسة مولانا توفيق احمد الصديق قاضي المحكمة العليا الشرعية.. وبين محاكمته في ظل النظام الشمولي الدكتاتوري في محاكمة استثنائية برئاسة المهلاوي واستئناف المكاشفي.
لقد ولد الشهيد محمود في رفاعة العام 1909م في اسرة دينية يرجع نسبها الى الشيخ محمد الهميم الصوفي السوداني الشهير.. احد ابرز تلاميذ تاج الدين البهاري اول من ادخل الطريقة القادرية للسودان بعد قدومه من بغداد في القرن السابع عشر.
كانت اول مقولة للاستاذ محمود انه بسبيل انشاء حركة وطنية تسير بالبلاد من شحوب حياة هذا العالم المدبرة الى فجر حياة جديدة على هدى من الدين الاسلامي.. وبرشد من الفحولة العربية.. وبسبب من التكوين الشرقي مع إعمال الفكر الحر.
ودعى الى التحرر من القيود الطائفية والجهل.. ونادى بالمساواة بين الجنسين، وفي العام 1946م حكم عليه بالسجن سنتين بدعوى الحض على كراهية الحكومة تحت المادة 105 من قانون عقوبات السودان.
وبعد إطلاق سراحه اعتكف لمدة ثلاث سنوات في خلوة دينية برفاعة نادى بعدها بنظريته التي تدعو الى تطوير التشريع الاسلامي.
ومن ثم أصبح رائداً للتجديد الديني في السودان ورفع شعار الحرية.. لنا ولسوانا..
يرى ان دولة القانون يجب ان يخضع فيها الجميع لسيادة حكم القانون والمساواة والحرية.. وذلك بترجمة القانون في السلوك الفردي على أساس أن القرآن هو دستور سلوك الافراد والجماعة.. وليس ذلك من قبيل الدعوة الى الدولة الدينية بقدر ما يعنيه طبيعة وقيادة الدولة وخصائصها التي تقودها حكومات رجال هذَّب الدين نفوسهم.. ونقى قلوبهم وصفى أفكارهم.
ويرى الرفيق الدكتور بكري خليل في كتابه التأويل الصوفي للحداثة في الاسلام.. عرض ونقد فكر وفلسفة الجمهوريين في السودان.. ان مقصود الجمهوريين في نهاية الامر هو تأسيس نظام دستوري قاعدته التأليف من المنقول الرباني.. والمعقول الوضعي من احكام الدين وتراث القانون بحيث يأتي في المحصلة استجابة لتعاليم الاسلام وروح العصر.
وطالما ان المجتمع متغير.. فان القوانين ينبغي ان لا تلبث على حال الامر الذي دعاهم للمطالبة بتطوير الشريعة.. إذ أن كمالها هو في تحولها وعدم ثباتها على صورة واحدة.
ويرون ان مبدأ السيادة ليس غاية في حد ذاته وإنما وسيلة للحريات.. وحتى لا يحوز من يباشر السلطة.. ان يتغول على حقوق الافراد لأن السلطة ملك للشعب.
اما الدستور فهو المثل الاعلى للأمة التي تحاول تحقيقه في الواقع بالسلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية ومن ثم كان لابد من فصل السلطات.. والحفاظ على الدستور رأساً للقوانين.. بينما تكون فروع القوانين مجالاً للتطور ما عدا شريعة الحدود والقصاص التي ينبغي اصطحاب تطبيقها بعمل تربوي.. ووسائل درءاً للحدود بالشبهات لإقامة اخلاق الشعب على جادة الدين.
وواجب الحكومات هو ان تزيل الضرورة الملجئة للسرقة وإزالة المغريات المفضية إليها.
والقاعدة في النظام السياسي هي الديمقراطية التي تجسدها الشراكة في السلطة وتوزيعها من الناس فهي عندهم وسيلة وليست غاية في نفسها لانها تهدف الى تحقيق كرامة الانسان.. وهي ليست اسلوب حكم فحسب وانما هي منهاج حياة.. تلك كانت من ذكرياتي في ثلاثة اجزاء من الحجم الكبير وللموضوع بقية إن شاء الله.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147501131&bk=1

Post: #178
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-10-2008, 01:24 PM
Parent: #1


الإرهاب.. الإرهاب «2-3»
طرحنا في الحلقة السابقة السؤال الاساسي وهو: لماذا يبرز الارهاب مخرجاً لجيل الشباب المحبط؟ هناك مجموعات من الشباب نأت بنفسها عن كل مساقط الطفيلية ورذائلها، منهم من استمسك بقيم مجتمعه، ومنهم من وجد في الاغتراب كنفاً يلوذ به، وإن كان صعب المراس. ومنهم من انكفأ على نفسه يغرق فيها رايات طموحاته المنكسة.
وفي هذه الحُلكة «بضم الحاء» برزت حركات الهوس الديني، وأسميها الهوس الديني، بينما يسميها البعض الاسلام السياسي أو التأسلم أو الاسلاموية. ولكنها في جوهرها كلها هوس ديني Fanaticism. وتتخذ من الاسلام شعاراً لها بدرجات متفاوتة، رغم أنها كلها حركات سياسية. فهى حركات سياسية لا علاقة لها بالاسلام. إن الاسلام دين هداية. جاء القرآن يحمل رسالة أزلية وهى هداية البشر ليقتربوا من الخالق، ليقتربوا من المطلق، وهو اقتراب فيه مشقة، ويحتاج الى درجة عالية من مجاهدة النفس. إن القرآن من أول سطر فيه الى آخره يقوم على الهداية. ولكن حركات الهوس اقحمت الدين في معترك السياسة، وهى تتوهم أنها عندما تلصق الاسلام بها سوف يعطيها حصانة ويضفي عليها قدسية. وتهجم على مخالفيها ليس لأنهم يختلفون معها سياسياً. ولكن لأنهم خرجوا على قداسة الدين.
ومالنا نذهب بعيداً. فقد اعلن نميري في العام 1983م دولة دينية. ونميري أحد بلطجية الهوس الديني، رغم أن نظام الانقاذ الحالي يقيم معه حلفاً. فقام نميري باعدام محمود محمد طه في مسرحية فجة، لعلها أسوأ ما شهده المسرح السياسي في السودان. وكان محمود أعف لساناً وأطهر يداً من كل الزبانية الذين تجمعوا يرقصون طرباً حول المقصلة.
وعندما تتخذ تلك الحركات من الاسلام شعاراً لها، نقف ونسأل: أي اسلام يقصدون؟ هل هو اسلام طالبان؟ ام اسلام بن لادن؟ أم اسلام الزرقاوي؟ أم اسلام نميري؟ أم اسلام الانقاذ؟ أم اسلام السعودية؟ أم اسلام الخلافة العثمانية التي يحفظ التاريخ مخازيها، والتي سجلها الروائي اليوغسلافي اندرتش في روايته الشهيرة «جسر على نهر درينا» وحصل بها على جائزة نوبل للأدب. وعندما سقطت تلك الخلافة خرَّ البعض بكياًَ.
أى اسلام تنادي به تلك الحركات. الاسلام ليس برنامجاً معداً سلفاً ما علينا إلا أن نستله ونديره فيعمل آلياً. الاسلام له تجلياته المختلفة التي تعكس وعي كل عصر ودرجة تطوره. ولكن حركات الهوس الديني اتخذته شعاراً لنشاطها السياسي وجرَّدته من منهج الهداية الشمولي، وهو منهجه الخالد. ثم استلت لها برنامجاً لا يخرج عن إغلاق الخمارات والجلد بالسياط وحجاب النساء وفتح الباب على مصراعيه للنشاط الطفيلي يعربد في جنبات المجتمع تحرسه قوة الدولة الباطشة.
وتستل حركات الهوس الديني آيات من القرآن وتجردها مضمون الهداية ومن محتواها التاريخي. فقالوا إن الديمقراطية مضمنة في قوله تعالى: «وأمرهم شورى بينهم»، وقوله: «وشاورهم في الأمر» ولكن الآيتين وردتا في سياق منهج الهداية، ولا يمكن تلخيص كل نظام الحكم بهذا التبسيط.
ويصفون نشاطهم السياسي بانه جهاد، وخصومهم كفرة وملاحدة. ومالنا نذهب بعيداً فقد كانت الحرب في السودان بين الشمال والجنوب تدار على أساس انها حرب دينية، ويخرج جحافل الشباب تحت رايات التهليل والتكبير. والذين يموتون في أتونها يصبحون شهداء. وبعد أن انطفأت شمعة ذلك الشباب الغض، انطلق النشاط الطفيلي يمضي رخاء، ثم جلس المتحاربون يتفاوضون سلمياً. هذا هو الهوس الديني يعبث بالدين ما شاء له العبث، ويريدنا أن نبقى أذلاء.
وتصف حركات الهوس الديني الاستعمار بأنه صليبية جديدة، والصهيونية بأنها يهود، والجهاد ضدهم واجب مقدس. وهؤلاء أصحاب كتاب وليسوا وثنيين، ولكن وصفهم بالاستعمار والرأسمالية والطفيلية، يرتفع بدرجات الوعي، ويساعد على كشف سوءة الطفيلية.
والهوس الديني له مظاهر أخرى، ولكن ما هى علاقة الهوس الديني بالإرهاب؟ نتعرض للقضيتين في المقالة القادمة.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147500801&bk=1

Post: #179
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-10-2008, 05:42 PM
Parent: #1


حل فيدرالي للصراع في السودان (الحلقة الأولى

ترجمة: سيف الدين عبد الحميد
يعتبر الدكتور م.أ فازال المحاضر الأسبق في جامعة ويتنجهام واحداً من المهتمين بشؤون القانون الدستوري والقانون الإداري ، وحقوق الإنسان وقد أعد ورقة تحمل عنوان «حلّ فيدرإلى للصراع في السودان»، والورقة عبارة عن استعراض موجز للصراع في السودان بحسب رؤية الكاتب واستعراض ُمسهب فيه حول التجارب الإدارية والقانونية في بلدان كالولايات المتحدة والهند، والمانيا،واستراليا، وغيرها من التي وطدت فيها التجربة الفيدرالية، وما اذا كانت بعض الملامح الفيدرالية فيها ملائمة لتطبيقها على السودان.



خلفية:
ترجع جذور الحرب الأهلية في السودان إلى الخمسينيات، فقد كانت مديريات الجنوب الثلاث: الإستوائية، بحر الغزال، وأعالي النيل مراكز معارضة لسلطة الخرطوم منذ الأيام التي سبقت الإستقلال.
وبعد استقلال السودان في 1956م غضب الجنوبيون من أن يحل إداريون سودانيون شماليون محل الإداريين البريطانيين في الجنوب. وتعلقت المشكلة بوضع الخدمة المدنية، ففي 18 أغسطس 1955م تمردت القيادة الإستوائية وهي وحدة عسكرية مكونة من الجنوبيين في توريت، وكانت هذه بداية الحرب الأولى في جنوب السودان. وأدت الحرب إلى مصرع 000،500 شخص بنهاية الستينيات. ولاذ بضع عشرة آلاف جنوبي فراراً إلى الغابات أو هرباً إلى معسكرات اللاجئين بالبلدان المجاورة.
وفي فبراير 1962م ونسبة للمعاملة القاسية التي لقيها المدنيون الجنوبيون من جانب القوات المسلحة الشمالية، شكل المتعلمون الجنوبيون (الذين خدموا في الوظائف الحكومية إو كانوا معلمين) الإتحاد القومي للمناطق المقفولة.
وفي أبريل 1963م، غيرت المجموعة إسمها إلى الإتحاد القومي السوداني الإفريقي «سانو» وأيدت الإستقلال المباشر لجنوب السودان.
وفي ذات الأثناء شكل عدد من الجنوبيين الأقل حظاً من التعليم مجموعة عصابات الإنيانيا التي بدأت العمليات في 1963م وفي عام 1969م خلقوا إتصالات خارجية وحصلوا على الأسلحة والتدريب. وبهذا تطورت الإنيانيا إلى قوة عسكرية مؤثرة، وسيطرت بحلول عام 1971م على معظم المناطق الريفية في الجنوب. وقد كونت القيادات العسكرية للإنيانيا تنظيماً سياسياً هو حركة تحرير جنوب السودان.
وفي عام 1972م ناقش جعفر نميري الذي أصبح رئيساً للسودان عام 1969م إتفاقية مع حركة تحرير جنوب السودان في اديس ابابا «عاصمة اثيوبيا»، واتفقت الحكومة وحركة تحرير جنوب السودان، بموجب بنود اتفاقية اديس ابابا على وقف إطلاق النار واعترفت الحكومة بالحكم الذاتي الإقليمي للمديريات الجنوبية الثلاث. واثناء فترة المفاوضات طالبت حركة تحرير جنوب السودان بدولة فيدرالية مع حكومة جنوبية منفصلة. وبعد توقيع الإتفاقية، اصدر نميري مرسوماً ينص على تأسيس مجلس إقليمي جنوبي.
راعت حكومة نميري طوال عقد السبعينيات اتفاقية اديس ابابا رعاية عادلة ومخلصة، كما أن الحرية السياسية النسبية للجنوب اختلفت إختلافاً حاداً مع الحكم الإستبدادي في بقية البلاد. ولكن اضعفت اتفاقية اديس ابابا لاحقاً لذات الأسباب التي حركت التمرد الجنوبي في الستينيات أي المخاوف من أن الشمال يقرر فرض الإستعراب والأسلمة على الجنوب. ونسبة للتأثير المتزايد للإخوان المسلمين «الحزب الإسلامي اليميني» على سياسات الحكومة المركزية ألغى نميري إلغاءً فعلياً إتفاقية اديس ابابا بحل المجلس الاقليمي الجنوبي في 1981م «مكتبة الكونغرس الأميركي: السودان».
وتتشكل نسبة المجموعات الدينية الرئيسة في السودان كالآتي: المسلمون السنيون :«75%»، المعتقدات المحلية «25%»، المسيحيون «5%». وقد ظلت المشكلة دائماً هي التوفيق بين هذه المجموعات الدينية، ونجد أن الحركة الشعبية لتحرير السودان تعارض تطبيق الشريعة على غير المسلمين. وفي فبراير 1983م اندلع تمرد وسط القوات الجنوبية. وفي أغسطس 1983م قام عقيد سابق في الجيش السوداني- جون قرنق- بتشكيل الحركة الشعبية لتحرير السودان، وفي سبتمبر 1983م عندما قام نميري بفرض الشريعة على كل البلاد، تحولت الحركة الشعبية التي نسقت بجناحها العسكري الجديد «الجيش الشعبي» إلى حرب واسعة، وهو صراع استمر حتى الآن، حيث يقدر أن حوالي مليوني شخص لقوا مصرعهم منذ عام 1983م، وطال النزوح الداخلي اكثر من «500،4» مليون شخص، فالخرطوم وحدها لديها «4» ملايين نازح، وهناك مليون سوداني يعيشون في المنفى في البلدان الأخرى. وهذه الأرقام تعد من جملة «30» مليون نسمة في السودان «منظمة العفو الدولية، السودان».
وتعد هذه الأرقام مؤشراً لمدى الدمار الذي سببته الحرب الأهلية.
وخلافاً لسابقتها حركة تحرير جنوب السودان، سعت الحركة الشعبية لتحرير السودان لا للإنفصال ولكن لوجود حل قائم على نظام علماني ديمقراطي وفيدرالي سياسي. وبما أن أ حد الإجراءات الأولى للحكومة الإنتقالية التي اطاحت بنميري في 1985م كان هو تعليق انفاذ قانون الشريعة المطبق في سبتمبر 1983م، فقد وافقت الحركة الشعبية على التفاوض مع الحكومة المركزية. وفي 1986م التقى قادة الحركة الشعبية وكثير من الشماليين في مدينة كوكادام الأثيوبية حيث وقعوا إعلاناً مهماً. ورغم ذلك فان القضية الأصلية التي تعزل الحركة الشعبية من الاحزاب الشمالية ــ أي دور الشريعة ظل غير محسوم. ولا تزال تلك القضية غير محسومة رغم المحاولات المتلاحقة لحّلها.
إكتشاف النفط والغاز:
يسمى السودان بسلة غذاء العالم العربي، فالزراعة الآلية الواسعة تمتد في جنوب كردفان، كما أن التدفق الكبير لرأس المال العالمي واكتشاف النفط والغاز يجب إن يجعلا من هذه الرؤية واقعاً.
ورغم ذلك يبدو أن النفط سيكون الشرارة الأخيرة للإنتفاضات وتكوين المعارضة المسلحة في السودان مثل الإنيانيا «2» والجيش الشعبي لتحرير السودان في 1984م.
فقد استهدفت عمليات الجيش الشعبي الأولى في 1984م عمال شركة شيفرون العاملة في النفط والتي بدأت عملياتها في البحر الأحمر وقرب بانتيو، ملكال، المجلد في الجنوب وجنوب غرب السودان في 1974م. وفي عام 1980 شرع نميري في إعادة تقسيم الجنوب من وحدة ذات حكم ذاتي إلى ثلاث ولايات. ووضعت خارطة مرفقة بمشروع قانون الحكم الإقليمي المنطقة التي اكتشفت فيها النفط في الجزء الشمالي من السودان.
فخلق ولاية جديدة حول بانتيو لاستقطاعها من الجنوب سبب هياجاً سياسياً وسط الجنوبيين مثلما فعل المرسوم الرئاسي القاضي بأن تنشأ مصفاة النفط في كوستي في الشمال بدلاً عن إنشائها في بانتيو.
رغم الإتفاقية المتفاوض حولها بين الحكومة والجيش الشعبي تحت بروتوكول مجاكوس الموقع 20 يونيو 2002م، فقد قام الجيش الشعبي بشن ضربات عسكرية في المناطق الغنية بالنفط. ووفقاً لبيان الجيش الشعبي الصادر في 2 أكتوبر 2002م، فقد شنت إحدى وحداته العسكرية هجوماً على مجمع تجميع وانتاج النفط في هجليج ودمر المحطة الرئيسة وقطع بذلك الامدادات النفطية عن الخرطوم. فحسابات هجليج لمجمل انتاج النفط السوداني تصفى حالياً 000،240 برميل يومياً، حيث بدأت الإنسياب في أغسطس 1999م لتجعل من السودان بلداً مصدراً للنفط. وإذا حدث هذا الهجوم فإن ذلك سيسدد ضربة لخطط الحكومة القاضية برفع الإنتاج إلى 000،300 برميل يومياً بنهاية 2003م وإلى أكثر من 000،450 برميل يومياً بحلول 2005م.
ونقلت الأخبار أيضاً عن قتال مكثف في مناطق غرب أعالي النيل في ذات الوقت، وزعم الجيش الشعبي في بيان صحافي صادر في 2 أكتوبر2002م أن الهجوم على هجليج إتخذ تسمية شفرة «بترولنا» واستهدف الهجوم خطة الحكومة القاضية بنهب مواردنا.. وجدد الجيش الشعبي في بيانه تحذيراته لكل شركات النفط مطالباً إياها بإيقاف إنتاج النفط ريثما يتحقق سلام عادل.
وقال البيان إن كل عقودات النفط ستتم إعادة التفاوض حولها إن كان لابد من توقيع صفقة سلام.
ووفقاً لآخر تقارير صحافية لدى كتابة هذه الورقة استعادت القوات الحكومية تلك المناطق الغنية بالنفط واستؤنفت محادثات السلام تحت اشراف الإيقاد عقب إتفاقية مؤقتة لوقف العدائيات. ويقول تقرير صحافي صادر في 30 أكتوبر 2002م أنه نسبة لهذه العدائيات أن شركة النفط الكندية تالسمان قد باعت أسهمها النفطية في السودان لشركة نفط قومية هندية مقابل «758» مليون دولار. ولقد عملت تالسمان بالسودان لأربع سنوات بـ «25%» من الأسهم في شركة النيل الكبرى للبترول في مشروع الإنتاج وانبوب النفط. أما بقية الأسهم فتمتلكها الشركات النفطية الصينية المملوكة للدولة «40%»، ماليزيا «30%»، والسودان «5%». أما تالسمان الكندية فقد انهت اخيراً صفقة في 9 مارس 2003م لبيع فوائدها النفطية في السودان لشركة نفطية قومية هندية مقابل حوالي «2،1» بليون دولار.
وهذا يثير السؤال ما إذا كان للمعادن التي تشمل النفط والغاز أن تقع تحت السلطة الفيدرالية أو الإقليمية في حالة أن تحقق حَّل فيدرالي للصراع في السودان.
ü الحلول المتعلقة بمسألة الشريعة:
إن قضية دور الشريعة كانت حجر عثرة في كل المفاوضات بين حكومة السودان والحركة الشعبية حيال طبيعة الدولة. فالدور الرسمي للقانون الإسلامي في الدولة تعتبره الحركة أداة للهيمنة الشمالية. ففي سبتمبر 1983م عندما ادخل نميري قانون الشريعة، استخدمها نظامه لإرهاب وإذلال خصومه مع الإعتقال غير المحدود بأجل مسمى، الجلد أمام الملأ، وعقوبة القطع والإعدام للهرطقة، واستخدم نميري قانون الشريعة لتبرير اعدام محمود محمد طه الذي يعتبره كثيرون قديساً. إن دور القانون الإسلامي في الدولة ظل القضية الأكثر تحدياً في البلدان المسلمة الأخرى أيضاً. وبهذا حدثت معظم الجدالات العاطفية حول هذه القضية في الجمعيات التأسيسية لباكستان حيث ثارت مسألة تبني دستور البلاد «انظر تقارير الجمعيات التأسيسية لباكستان( 1948-1956).
وفي النهاية فإن المواد الإسلامية الوحيدة التي ظهرت في دستور 1956م نصت على:
أ/ أن يكون رئيس باكستان مسلماً.
ب/ أن تحكم المبادئ الإسلامية حياة المسلمين هي مجرد تهليل لا اكثر. «المادة 24 والمادة 32 من دستور 1956م».
وفي السودان بذلت عدة محاولات من وقت لآخر لحل هذه القضية.
أ/ تقوم معالجة واحدة على إجتهادات الراحل محمود محمد طه فعمله الرئيسى عنوانه الرسالة الثانية للإسلام.
فاجتهاداته تميز بين مصادر القانون الإسلامي «القرآن الكريم بالذات» ونظام القانون الذي تم تطويره من تلك المصادرفيما بعد.
ويقال أن الأخير يقوم على القرآن والسنة «أي على تعاليم وأفعال نبي الإسلام الكريم محمد - عليه صلوات الله وسلامه. وبالأخص تلك المناسبة بالحاجات الإجتماعية والسياسية المحددة للشرق الأوسط في القرنين الثامن والتاسع. فهو اذن كان يقوم -كما ذهب لذلك الجدال- على المؤسسات والمعاير السائدة في ذاك الزمان والمكان اللذين لم يكن بهما مفهوم المؤسسية وحكم القانون بالمعنى الحديث لهذين المصطلحين، ويمكن للمسلمين الآن -بتأسيس نظامهم الحكومي على المبادئ الأصولية للعدل والمساواة والحرية المضمنة في أجزاء آخرى من القرآن والسنة، إن يطوروا نظاماً مؤسسياً حديثاً يوفق بين تطلعات المسلمين الذين يحكمون وفقاً لتعاليم الإسلام وحقوق كل المواطنين.
ويقال أن هذا المدخل يتقبل بعض القوانين الإسلامية ويرفض آخرى بإعتبارها غير منسجمة مع الأفكار الحديثة. كما يرفض أيضاً النهج المتبع لتأويل الشريعة. ولم يستطع مؤلف هذا الكتاب أن يوافق على هذا المدخل أو تأييده مدخلاً أصيلاً أو إسلامياً.
ب/ المعالجة الأخرى هي معالجة او مدخل د. بيتر نايوت كوك. ونايوت كوك كان رئيساً لجمعية قانون جنوب السودان. فقد اقترح كوك عام 1991م أن يستمد مبدأ عام من التعايش القانوني والسياسي من أداة استخدمت في مشروع القانون الجنائي لعام 1988م. وهذه الأداة ادخلها الترابي نائب عام الجبهة الإسلامية القومية ورّسخها قادة الإخوان المسلمين «وبالأخص حسن الترابي الذي لعب - بصفته نائباً عاماً لنميري دوراً مفتاحياً في تطبيق الشريعة في سبتمبر 1983م مطلقاً بذلك العنان للحرب الأهلية الحالية. وبهذا قيل أن على المسلم في الجنوب أن يختار بين عقوبة الحدود «العقوبة الإسلامية» أو العقوبة اللاحدية.
وقد قيل أن هذا المدخل يتبنى تطبيقاً جزئياً وإقليمياً للقانون الإسلامي، ومن المشكوك فيه ما إذا كان هذا المدخل ذا طابع إسلامي. إن تطبيق قانون الشريعة سيكون أمر اختيار للمسلم اعتماداً على حيثية سكنه. ففي جزء من البلاد لن تكون له خيرة في الأمر في حين أنه في جزء آخر من البلاد يمكن أن يقبله أو يرفضه. ومؤلف هذا الكتاب يجد أن مثل هذا المدخل غير مقبول مدخلاً إسلامياً.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147500482&bk=1
_______

Post: #180
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-11-2008, 03:21 AM
Parent: #1


لمحة تاريخية «3-4»

تحالف الصادق التـرابي
«التحالف السادس»
لعل التحالف بين الزعيمين قد تواصل، ولكن تظهر له تجليات، حتى جاء العام 1976م. وفي مطلع ذلك العام قامت مجموعات مسلحة من حزبي الأمة والإخوان تلقت تدريباً عسكرياً في ليبيا بدخول السودان خلسة ومهاجمة المؤسسات العسكرية بهدف إسقاط نظام نميري، وكان هجوماً جريئاً. ولعل الخطأ الأساسي أنه هاجم المؤسسة العسكرية كلها، بما فيها أنصار مايو. فما كان أمام المؤسسة العسكرية إلا أن تدافع عن شرفها وتصد الهجوم الذي استهدفها. إن مهاجمة نظام عسكري من الخارج فيه مغامرة، غير محسوبة الخطى. هذا هو الخطأ القاتل.. كما أن الهجوم لم يهيئ الشارع ليساند التحرك العسكري، فكان عملاً عسكرياً شبه معزول، كما أن الهجوم الذي تسلل من ليبيا أزعج كثيراً من الناس الذين تهيبوا تدخل ليبيا بأسلوبها الفظ في السياسة الخارجية.
وكان من نتائج فشل الهجوم أنه دفع النظام إلى ممارسة أساليب وحشية ومحاكمات جزافية، تناولها بعض الكتاب في الصحف وكان مثل قشة الغريق التي أخرجت النظام المايوي من لجة المتناقضات التي أخذت تحيط به وتلتف حول عنقه. فبدأ يفكر في أساليب سياسية يحتوي بها المعارضة، فانفتح الباب لإعلان المصالحة، وتقبلتها بعض قوى المعارضة بالترحاب واعترضت عليها قوى أخرى ورأت فيها تلاعباً سياسياً.
«التحالف السابع»
ورغم أن قبول المصالحة مع نميري من قبل الصادق والترابي لم يكن نتيجة تحالف وثيق بينهما، إلا أن قبولهما المشترك لها يجعل موقفهما أقرب إلى التحالف. وكان الشريف حسين عليه واسع الرحمة، قد رفض الدخول في تلك المصالحة، كما رفضها الحزب الشيوعي. ورأى نميري في المصالحة فرصة لإحتواء المعارضة، ورأت فيها المعارضة فرصة لإحتواء النظام من الداخل. ولكن أخطر ما في المصالحة أنها أدخلت الدين إلى حلبة الصراع السياسي، وبدأت المزايدة باسم الإسلام، فقد أشار نميري في محاولة لإحتواء تلك المزايدة إلى الصادق المهدي بأنه «كمفكر إسلامي يشاطرني الإيمان بأن الإسلام كان باعث حضارة كانت، وأنه لا بديل له لقيام حضارة تكون، لا خلاف ولا اختلاف». (نميري، النهج الإسلامي، ص 223). وفي مطلع العام 1978م، تم تعيين الصادق المهدي عضواً في المكتب السياسي للإتحاد الإشتراكي، ولكنه إلتمس جانب الحذر في تعامله مع مؤسسات النظام، حتى تمت القطيعة بينهما.
أما الترابي وقيادة حزبه فقد اندفعوا نحو النظام، تنفخ في أشرعتهم رياح التجارة بالدين التى كان النظام يرفع ألويتها. فقال الترابي بعد أول لقاء له بعد تعيينه في لجنة التشريع «إن اللقاء أتاح له مجدداً، أن يلمس حرص الرئيس على بناء المجتمع الموحد الفاضل وتأسيس كيانه القانوني. وفي حديث آخر أفاض في الإشادة بنميري قائلاً: «إن التزام نميري تجاه أمته جاء متسامحاً وسخياً على عكس الظنون التى توهمت أنه سيلجأ للبطش بحكم ثقافته العسكرية»، واستطرد يقول إن البلاد تهيأت لحركة سياسية حديثة نحو الإسلام مبرأة من الجمود والقيود. وأكد في مناسبة أخرى أنهم لا يكادون يختلفون مع الثورة إلا في قضايا فرعية. وأشار إلى دواعي لقائه مع الثورة تعود إلى إتجاه قيادتها نحو المنهج الإسلامي، في سلوك القادة وتربية المجتمع وأوضاعه التشريعية، وأنه شارك في العمل الثوري القائم من أجل مراجعة تشريعات البلاد بما يناسب الشريعة الإسلامية (القدال، الإسلام و السياسة في السودان، ص 189). ولكن بعد سقوط نميري كتب الترابي في العام 1990م، يقول: «إن المصالحة مع النظام المايوي أثارت خلافاً حاداً في التقرير الفقهي السياسي، وذلك نظراً لطبيعة النظام غير الديمقراطية وغير الإسلامية ولثأرات الحركة من تلقائه، ظلامات في الأموال والحريات والعروض والدماء. (الترابي، الحركة الإسلامية في السودان، ص 195). فهناك نميري حريص على بناء المجتمع الموحد الفاضل ويتجه نحو المنهج الإسلامي، وهنا نظامه غير ديمقراطي وغير اسلامي وبينهم ثأر ودماء.
وذهب يس عمر الإمام إلى الزج بالدين في المعترك السياسي بطريقة فجة. فقال إن المصالحة إستجابة للمبدأ القرآني الذى يحكم مبدأ التعامل السياسي مع الخصوم، والمصالحة أصل في الإسلام ومن ركائز النهج الإسلامي، ودعا المعارضة إلى التعرف على فقه المصالحة الثابت الأصول في الإسلام، (القدال، المرجع السابق).
كان للمصالحة نتائج لا تخلو من خطورة، فقد أعطت النظام نفساً جديداً ليواصل حكم البلاد بأسلوبه القمعي. ثانياً، أقحمت الدين في معترك السياسة بطريقة فجة ومسطحة، ودفعت بنظام مايو المترنح إلى إعلان قوانين سبتمبر التى كانت قشة الغريق. ورغم إختلاف منهج كل من الصادق والترابي في التعامل مع المصالحة، إلا ان دخولهما فيها كان الركيزة التى امتد بها أجل النظام المايوي.
«التحالف الثامن»
لم يكن هذا تحالفاً بالمعنى الدقيق، بقدر ما كان موقفاً متقارباً من قضية شغلت البلاد وأورثتها مآسٍ، ما الذي حدث؟ في سبتمبر 1983؟ أعلن نميري في بيان صحفي من الإذاعة قوانين العقوبات الجديد التي سماها الشريعة، ولكنها عرفت في الأدب السياسي السوداني بقوانين سبتمبر سيئة السمعة، وكان المشهد السياسي كله تجارة باسم الدين، وكشفت الفهم القاصر للإسلام والفهم الأكثر قصوراً لقضايا المجتمع المتعلقة بالجريمة، وتفجرت ردود أفعال متباينة، فاعترض عليها الصادق لأنها تمت بطريقة متعجلة. فاعتقل لموقفه ذاك. ويبدو أن اعتراضه كان على الطريقة التي تم بها الإعلان وليس على الفكرة نفسها، لأنه عندما جاء إلى الحكم في العام 1986م، لم يلغها بينما إلغاؤها لم يكن يحتاج لأكثر من جرة قلم.. ولسنا هنا بصدد مناقشة مدى سلامة ذلك الموقف، إنما نستعرض موقف الصادق من سياسة نميري وتقاربه من موقف الترابي.
واعترض الأستاذ محمود محمد طه على تلك القوانين، واعتقل وأطلق سراحه نهاية العام 1984م، فاصدر منشوراً عاماً قال فيه إن قوانين سبتمبر أذلت الشعب السوداني وامتهنت كرامته ولا تصلح للتطبيق ودعا إلى الغائها، فاعتقل مع بعض أنصاره وقدموا للمحاكمة، فقال في المحاكمة: (أعلنت رأيي مراراً في قوانين سبتمبر، من أنها شوهت الشريعة وشوهت الإسلام، ونفَّرت منه.. ووضعت واستغلت لإرهاب الشعب.. ثم انها هدت وحدة البلاد.. والقضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنياً وضعيفين اخلاقياً.. من اجل ذلك فإني غير مستعد للتعاون مع اية محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل، ورضيت أن تكون أداة من أدوات إذلال الشعب وإهانة الفكر الحر والتنكيل بالمعارضين السياسيين، فحكمت عليه المحكمة بالإعدام في أكبر مهزلة يشهدها القضاء السوداني، فأعدم، ولكنه دخل التاريخ كأحد الرموز الصامدة أمام المبدأ.
فماذا كان موقف الترابي وجماعته من تلك القوانين...؟!



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147500235&bk=1
_________________

Post: #181
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-11-2008, 06:32 PM
Parent: #1


البصلة وقشرتها

گيف نمحو آثـار الطغيـان؟
تظاهرت مجموعة من الشبيبة الشيوعية قبل أيام في الميدان الاحمر بموسكو احتجاجاً على قرار اعلنه بوتين يقضي بترحيل ضريح القائد والمفكر الأممي فلاديمير ايلتش لينين من موقعه الحالي الى مكان آخر... لا ادري ما تم بهذا الشأن ولكن دعونا نناقش الموضوع من حيث المبدأ وغض النظر عن الشخصية التي يراد ترحيلها.. الاحياء من جيلنا لا شك يتذكرون الجدال الذي دار بين اقلية قليلة رافضة لترحيل تمثالي غردون وكتشنر واغلبية غالبة ترفض بقاء التمثالين... الرافضون لترحيل التمثالين انقسموا الى قسمين: قسم يقول بوضعهما في المتحف القومي واشخاص لا يتعدون اصابع اليدين يدعون ان الرأي الصواب هو تركهما في مكانيهما... وكذلك الذين يريدون ازالتهما هم ايضاً انقسموا الى قسمين: قسم يرى استباحتهما للجماهير كي تنكل بهما كما نكلا بأفراد الشعب السوداني ولسنين عدداً، والعقلاء يقولون بترحيلهما لوطنهم الأم -بريطانيا- وكفى الله المؤمنين والكفار شر القتال وهذا ما تم بالفعل... وكلنا يتذكر جماعة طالبان عندما انهالوا بمعاولهم تهشيماً على تماثيل بوذا التي شيدت قبل ظهور الاسلام في افغانستان رغم فتاوى مشائخ الاسلام حول عدم تحريمها واستغاثة البوذيين من كل ارجاء الدنيا واسترحامات الأمم المتحدة... هذه الامثلة -اقصد ترحيل ضريح لينين وابعاد تمثالي غردون وكتشنر وتحطيم تماثيل بوذا تذكرني بتلك المرأة (الخملة) الكسول التي تفاجئها جارتها بزيارة غير متوقعة والبيت -كما هو متوقع-عبارة عن (كوشة) فتأخذ مقشتها وتخبئ الأوساخ تحت الأسرة... صحيح ان الزائرة لن ترى الاوساخ ولكنها -نقصد الأوساخ- باقية هنالك في الدار تمد لسانها ساخرة من كل ناكر لوجودها.
مثال آخر من جنوب افريقيا.. فعندما كسر ذلك الشعب الجبار بقيادة زعيمه الاسطورة نيلسون مانديلا قيود الأبرتايت وحقق استقلاله نادى البعض بتحطيم أو على الاقل إزالة تماثيل أساطين الاستعمار التي تكتظ بها شوارع اغلبية مدن الجمهورية مثل بريتوريا وجوهانسبرج وكيب تاون ومدن اخرى ومنطقهم يقولون: هؤلاء هم رموز الماضي البغيض وبقايا فترة لا نحب ان نتذكرها لانها تمثل نقطة سوداء لا في تاريخ جنوب افريقيا وحدها بل هي وصمة عار في جبين الانسانية كلها كما لا نريد لأطفالنا التعرف على الطغاة العنصريين الذين ساموا اجدادهم العذاب وأذاقوهم ألواناً من القهر والعذاب... أول من عارض هذا الرأي هو المناضل الجسور الذي لا يشك احد في وطنيته... نيلسون مانديلا قائلاً: هذا هو تاريخنا بخيره وشره بقبيحه وجميله ثم تساءل: هل ازالة تماثيل هؤلاء الطغاة يزيل تلك الفترة من صفحات تاريخنا؟ ولماذا لا نعرف أبناءنا وأحفادنا بفظائع تلك المرحلة حتى يتمكن منهم كره الظلم والاستبداد غض النظر مَنْ يمارسه ضد مَنْ؟... ان انكارنا أو اعترافنا بالواقع لا يغير شيئاً في حقيقة وجوده ولن نستطيع ان نغطي نور الشمس بشبكة وكل ما نفعله ان نحن حاولنا ذلك هو تعتميم الرؤية فقط في أحسن الأحوال لا اكثر.
ولنعد الآن للتعرف على من هو لينين... فلادمير ايلتش لينين من اعظم فلاسفة ومنظري البشرية على مر العصور وهو مكمل الماركسية لتصبح (الماركسية ـ اللينينية) وله اسهاماته المقدرة في الاقتصاد السياسي التي تدرس في الجامعات الى يومنا هذا، كما هو من اعظم مهندسي الثورات ويكفيه فخراً انه وكنتيجة لتخطيطه ظهرت اول دولة اشتراكية في العالم -نقصد الاتحاد السوفيتي- وهي تجربة لا شك عظيمة رغم انهيارها أواخر القرن الماضي ولكن سوف تبقى تجربة انسانية ثرة واضافة نوعية متميزة ومفصلية في تاريخ البشرية جمعاء... وهنا يجب ان ننبه ان انهيار المعسكر الاشتراكي والاتحاد السوفيتي لا يعني على الاطلاق خطأ النظرية اللينينية على الاقل لا في مجملها رغم ما قد يعتورها من نقائص تحتاج التطوير والتكملة... لكل ما سبق نجد ان لينين قد ترك بصماته لا على الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي وحدهما بل على كل اصقاع العالم وله تلاميذ في كل انحاء حتى يوم الناس هذا... من هذا المنطلق نستطيع القول إن لينين وافكاره اصبح يمثل تراثاً انسانياً اتفقنا مع رؤاه أو لم نتفق وليس ملكاً للدولة التي يقع فيها ضريحه لذلك فإن ازالة ضريحه من مكانه جريمة لا تقل عن جريمة تحطيم التماثيل البوذية في افغانستان.
وكم يحزنني منظر عاصمتنا الخالية تماماً من أي تمثال بعد ترحيل «الخواجيّن» غردون وكتشنر الى بلدهم الأم وبعد ان حطم ثيران التطرف الديني تمثال المهاتما غاندي واختفاء تمثال الشيح بابكر بدري داخل حوش مدرسته بين حفيداته بينما اغلبية العواصم العربية تعج بمختلف التماثيل تخليداً لرموزهم الوطنية... وكان الاجدر بنا ان نجمِّل عاصمتنا بصور وتماثيل ابطالنا من امثال الامام المهدي والخليفة عبد الله وأبي عنجة وهو يمتطي صهوة حصانه ويشير بحسامه نحو النيل الخالد معلناً بداية تطهير البلاد من رجس الاستعمار... وحتى من عايشناهم من الرموز الوطنية... الزعيم اسماعيل الازهري... والدبلوماسي الشاعر محمد أحمد المحجوب... والمفكر الثوري الفذ عبد الخالق محجوب... والاستاذ المجتهد عدو التكلس الديني محمود محمد طه وآخرين... وأخيراً وليس آخر شهيد السلام الدكتور جون قرنق وغيرهم وغيرهم من أمثال الشعراء جيلي عبد الرحمن وعمر الدوش وعلي عبد القيوم وصلاح أحمد ابراهيم وآخرين وآخرين فحواء السودانية ولدت وما فتئت... واذكر وأنا في مدينة حلب في زيارة رسمية لمنظمة «الإكاردا» ان اصطحبني أحد العاملين في المنظمة ليعرفني على ابرز معالم المدينة وكان من بين الامكنة التي زرناها حديقة صغيرة بها تمثال لأبي فراس الحمداني. فقلت لمضيفي: ان أبا فراس توفى وهو في مرحلة الشباب... قال: لست متأكداً ولكن هنالك تاريخ ميلاده ووفاته ويمكننا التأكد من ذلك. وفعلاً وجدناه قد توفى وهو لم يبلغ الاربعين من العمر... عندها سألني مضيفي بدوره: كيف عرفت هذه المعلومة؟ فقلت له من قوله:
ابنيتي لا تجزعي كل الأنام الى ذهاب
قولي لهم إذا ناديتني وعييت عن رد الجواب
زين الشباب أبو فراس لم يمتع بالشاب
سكت مضيفي مدة ثم قال: صدق الذين يقولون: عندما تأتي الى الشام تعال لترى التاريخ ولن تحتاج الى قراءته!!! ونعود الى بلادنا ونتساءل: من أين اتانا هذا القحط الثقافي وما سبب عداوتنا غير المبررة للتماثيل؟ هل لا نزال نؤمن ان البيت الذي بداخله تمثال أو صورة - كما تقول المدرسة السلفية المتحنطة- لن تزوره الملائكة أم -يا ترى هو خلل في تركيبتنا الثقافية؟ كم أتمنى ان أرى في شمبات مثلاً تمثال لمن هم في قامة مولانا عوض الله صالح وبلبل شمبات خضر بشير والثنائي المتفرد الخالد عوض وابراهيم ومولانا الفكي يس وغيرهم تجمل ميادين وشوارع البلدة... وتتزين مدني بتمثال لابراهيم الكاشف..



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147500162&bk=1
_________________

Post: #182
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-11-2008, 06:33 PM
Parent: #181


لمحة تاريخية «2-4»

تحالف الصادق التـرابي
* (التحالف الثالث)
ولعله اخطر تحالف بين الزعيمين لأنه كان في مواجهة مؤسسة القضاء. وعرف القضاء السوداني باستقلاله حتى في اكثر الظروف حلكة، حتى جاءت اوضاع شاذة سلبته ذلك التاريخ الناصع. وقد قال المرحوم السيد عبد الله الحداد مفتي حضرموت في حديثه في العام 1996 قبيل وفاته باسبوع، قال إن القضاء في السودان انزه قضاء في العالم العربي، والقضاء في اليمن فاسد. وكان الشيخ الحداد قد درس في جامعة الخرطوم في كلية الشريعة في الخمسينيات وتلقى تدريباً عملياً في المحاكم السودانية. وكان الرجل غزير العلم شجاع الرأى. فقد خرج على النظام في اليمن الديمقراطي في العام 1968 احتجاجاً على تدخل السلطة في عمله كرئيس للقضاء، وجلس في منزله حتى وفاته. فحكمه على القضاء في السودان له وزنه، لأنه حكم من الخارج ولأنه حكم رجل شجاع.
بعد قرابة العام أصدر صلاح حسن قاضي المحكمة العليا في 22/12/1966حمكاً اعلن فيه ان الحريات المنصوص عليها في المادة الخامسة من دستور السودان المؤقت لعام 1964 لا يجوز الحد منها بتشريع او تعديل دستوري، وحكم بعدم دستورية التعديلات التي اجريت في العام الماضي، واصبح ذلك الحكم سابقة قانونية يرجع لها فقهاء القانون. وبناء على ذلك الحكم اصدرت محكمة مديرية الخرطوم حكماً ببطلان حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان. فماذا كان موقف تحالف الصادق- الترابي من حكم القضاء؟
قال الصادق المهدي إن حكم المحكمة العليا حكم تقريري. فهل هذا يعني ان المحكمة العليا عندما اصدرت حكمها كانت في منتدى ثقافي او جمعية ادبية؟ وهل كان ذلك التصريح من موقف انفعالي ظل عالقاً بالنفوس لاكثر من عام؟ ولماذا امتثلت القوى السياسية منذ البداية باللجوء الى القضاء اذا كان حكمه تقريرياً؟أم ان الامر لم يكن سوى أُلعوبة نقبل بحكمها إذا وافق هوانا ونرفضه اذا لم يصادف منا هوى؟ إن تصريح الصادق ينسف كل المؤسسة القضائية وهى احدى ركائز النظام الديمقراطي اللبرالي. وبعد مضي قرابة عقدين قال الصادق تعليقاً آخر عن ذلك الحكم في محاضرة القاها في المانيا عن حقوق الانسان المستدامة. قال إن قاضي المحكمة العليا صلاح حسن عضو خفي في الحزب الشيوعي، ورئيس القضاء في ذلك الوقت كان عضواً مشاركاً في الحزب الشيوعي. وهذا تعليق يثير الدهشة. فالقضاة ليسوا مخلوقات تهبط من السماء، ليس لهم إنتماء حزبي. ولكن عندما يجلسون في منصة القضاء يحكمون قانونياً إلا إذا كان القاضي ضعيف العقل منعدم الضمير. لقد كان تعامل القضاء مع القضية قانونياً عندما كان القضاء في قمة شموخه المهني، وتعامل معها الصادق سياسياً فأصبح حكم القضاء إرثاً قانونياً، وكان تعليق الصادق مثل رماد اشتدت به الريح في يوم عاصف. ومن المؤكد ان قاضي المحكمة العليا ورئيس القضاء ليسا عضوين في الحزب لا بالخفية ولا بالاشتراك.
أما الترابي فقد نشر كتاباً سبق ذكره. ونصب الترابي من نفسه محكمة فوق المحكمة العليا. واغرق نفسه في مغالطات عبَّر عنها الاستاذ محمود محمد طه في كتابه سالف الذكر. ويبدو ان الترابي لم يفرق بين اجابة طالب نبيه على سؤال امتحان وبين تناول مستقبل امة.
وتصاعدت الازمة بطريقة اختلط فيها امر السياسية العابرة بثوابت النظام البرلماني، وانتقلت المعركة لتنال من المؤسسة القضائية واستقلال القضاء، مما دفع برئيس القضاء بابكر عوض الله ليقدم استقالة مدوية، ختمها قائلاً:- «إني عملت ما في وسعي لصيانة استقلال القضاء منذ أن كان لي شرف تضمين ذلك المبدأ في ميثاق اكتوبر. ولا اريد لنفسي أن أبقى على رأس الجهاز القضائي لأشهد عملية تصفيته وتقطيع اوصاله وكتابة الفصل الأخير من فصول تاريخه».
( راجع تفاصيل الازمة في كتاب القدال: الاسلام والسياسة في السودان:651-1985).
لقد كان التحالف الثاني والثالث بين الزعيمين من اخطر التحالفات في تاريخ التجربة الديمقراطية، فقد نسفا أهم ركائز النظام البرلماني، ولم يبق منه إلا صناديق الاقتراع والخطب العصماء في البرلمان. واذا كان اصحاب المصلحة الحقيقية في النظام البرلماني لا يحفلون بثوابته، فإن هذا يفتح الباب امام العسكر ليقطعوا ما تبقى من اوصاله. انتهت الازمة بكل مراراتها ولم يبق إلا ان نعيد الدرس لنستفيد منه، وبدون الوعي بالتاريخ ينحط الانسان الى درك سحيق من الملهاة العبثية.
(التحالف الرابع)
لم يكن تحالفاً بقدر ما كان وقفة مشتركة حول الدعوة للدستور الاسلامي والجمهورية الرئاسية كلاهما دعوة لحكم متسلط ودفعت تلك الدعوة بالصراع السياسي باسم الدين الى ذرى عالية وكانت الدعوة للدستور الاسلامي قد انهزمت في العام 1957، وجاءت مسودة الدستور التي وضعت في ذلك العام علمانية. ولكن انقلاب 1958 عطَّل المضي فيها، وفي يناير 1967 كوَّنت الحكومة لجنة من الجمعية التأسيسية لوضع دستور دائم للبلاد. وكان موقف الترابي مندفعاً، أما الصادق فكان ملتوياً في موقفه وكان مناوئاً لعمه الإمام الهادي فصرَّح قائلاً: إن الحديث عن الدستور قبل التغلب على مشاكل البلاد الكبرى التي تهدد حدود السودان، يعد عبثاً ما بعده عبث.
إن الدعوة للدستور الاسلامي والجمهورية الرئاسية كانت نذير شر مستطير من أية جهة جاءت. وكان تعديل الدستور وحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان ثم الدعوة للدستور الاسلامي والجمهورية الرئاسية هى التي فتحت الطريق لانقلاب 25 مايو.
(التحالف الخامس)
كان التحالف الخامس اقل التحالفات متانة، ولكن له آثاراً بعيدة الغور. في بداية العام 1970 قام جماعة من حزب الامة والاخوان والاتحادي بمواجهة نظام مايو عسكرياً في الجزيرة أبا، وكانت مواجهة شجاعة استبسل فيها نفر من الشباب بجرأة. وكان خطأ المواجهة انها واجهت نظاماً عسكرياً بمجموعات ضعيفة التسليح والتأهيل العسكري، وفي جزيرة مقفولة، فقام النظام بمحاصرة الجزيرة وضربها بالطائرات، ثم اقتحمها بالدبابات والمدرعات، ولم يكن للترابي والصادق دور مباشر. فقد كان الترابي في المعتقل والصادق في الخرطوم. ولكن لم يصدر منهما ما يوضح معارضتهما له.
أكسبت احداث الجزيرة أبا نظام مايو احساساً بالقوة ربما كان مبالغاً فيه، ولكنه انطلق منه ليستأسد على الحركة السياسية فأقدم على نفي الصادق وعبد الخالق إلى مصر. واصبح اكثر اعتماداً على القوة العسكرية بدلاً من النفوذ الجماهيري. ولعل احداث الجزيرة أبا كانت مقدمة للأحداث التي وقعت في العام 1976 وكانت هى محور التحالف السادس.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147500047&bk=1
_____________

Post: #183
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-11-2008, 06:34 PM
Parent: #182


بضعة أسئلة للدكتور نافع ودعوة للمثاقفة

وقف الدكتور نافع علي نافع نائب رئيس المؤتمر الوطني خطيباً وهو كثيراً ما يفعل، ولولا أن الدكتور قيادة ملء السمع والبصر، بل وهو من الذين يصنفهم المولعون بالعقلية التآمرية بأنه ثاني أربعة يديرون دفة هذه البلاد، إضافة إلى أنه والكاتب رغم المعرفة المباشرة، أبناء منطقة واحدة (الخليلة - ود رملي) لأنكره الكاتب وظن أن في الأمر التباساً، لاختلاف اللغة والنبرة والمنهج وبعد الشقة بينما يُطرح وما تراكم وتراتب من إرث وتقليد لامس حد المعتقد في تعامل أهل الإنقاذ مع قضية الحريات والتحول الديمقراطي.
كان هذا في الندوة التي نظمها حزب المؤتمر الوطني بمقره قبالة المطار، وكانت الندوة بعنوان (إصلاح الديمقراطية السودانية في ضوء التجارب الإنسانية الناجحة)، والعنوان ورقة أعدها الأستاذ عوض الكريم موسى القيادي بالحزب الحاكم وآخرون، وعقَّب عليها الدكتور عوض السيد الكرسني والأستاذ عمر مهاجر والأستاذ ياسر عرمان والدكتور إبراهيم الأمين ثم الدكتور أحمد بلال عثمان.
نصب معدو الندوة فخاً محكماً اصطادوا به الحضور والمشاركين مستغلين إرهاصات التشكيل الوزاري الوشيك، وإثارة لهفة المهتمين والخائفين والطامعين، عندما أعلنت الصحف أن السيد رئيس الجمهورية سوف يعقب على الورقة، فتقاطر الناس بكثافة شديدة، وإمعاناً في إحكام الفخ لم يتم الاعتذار أبداً عن مشاركة السيد الرئيس، مما جعل الحضور في حالة ترقُب مستمر بأنه قد (يطبْ) في أية لحظة، الأمر الذي لم يحدث حتى نهاية الندوة، لا طبّة الرئيس ولا الاعتذار رغم أن الأمر كان واضحاً منذ البداية لعدم وجود إجراءات إستثنائية، وشرب الجميع المقلب ومنهم بالطبع كاتب هذه السطور، فقد تكبد مشاق الحضور، لا لأن الرئيس لديه الجديد الذي سيقوله ولكن لأن ندوة وورقة يعقب عليها السيد رئيس البلاد مهما كان رأي الناس فيه لأمر جدير بالاهتمام.
معد الورقة الأستاذ عوض الكريم موسى والذي يحظى بقدر كبير من الإحترام، قد تنقَل في البلاد، حيث بدأ وعرفه الناس وهو في مدرسة تقول إن الحرية لنا ولسوانا، حيث كانت شعار الجمهوريين، وفي ذات الوقت هي مدرسة ذات فكر توقيفي، فمرجعه غير القابل للمراجعة هو الأستاذ محمود محمد طه (يرحمه الله)، وبالتالي تبقى الحرية الفكرية مرهونة به، ثم والعهدة على الرواة أنه قد انتمى إلى حركة اللجان الثورية التي يقوم فكرها على الكتاب الأخضر للقائد معمر القذافي وتنادي بسلطة الشعب، ثم انتهى به المطاف في رحاب المؤتمر الوطني حيث التقليد الراسخ مهما كانت الشعارات المرفوعة (الحرية لنا وحدنا). كم سيكون رائعاً ومفيداً لو أفرد الأستاذ مقدم الورقة مساحة لتجربته الشخصية لهذه المدارس المتباينة، وكيف وجد كلاً منها وكيف انجز هذا الإنتقال السلس وهل حقق ذاته في الحزبية التي ارتد إليها بعد أن إنعتق منها؟ وهي بالطبع تبقى تجربة متفردة، ومبلغ علم الكاتب أن ليس من أحد مر بهذه التجارب مجتمعة من قبل، وليس بالطبع في ذلك ما يعيب، إذا اتخذ الإنسان لنفسه موقفاً ثم رأى الحق في غيره أن يغير ذلك الموقف، فإن الحق قديم لا يبطله شيء، شريطة تبيان ذلك الحق.
الورقة في متنها العام ورقة أكاديمية تصلح لطلاب العلوم السياسية، هذا بالطبع ليس قدحاً، فهي قد بُذل فيها مجهود يستحق التقدير ولكنها حصرت نفسها في ظاهر الممارسات الديمقراطية نقداً وتقويماً، وتجاهلت الجوهريات الأساسية للديمقراطية وفلسفتها، إضافة إلى ذلك اعتمدت النموذج الغربي للديمقراطية الليبرالية بوصفه النموذج الممارس والذي يمكن أن تجرى عليها عمليات الإصلاح. وقد بذل مقدم الورقة جهداً مقدراً في تبيان مطلوبات الإصلاح الديمقراطي من المؤسسية والشفافية والحكم الرشيد، وتوسيع دائرة المشاركة وإعلاء دور مؤسسات المجتمع المدني وإنشاء الإعلام الحر غير المملوك للدولة، الذي يستطيع أن يقود خطاها ويرقب حركات الحكومة ويقوِّم أداءها ويملك الحقائق للناس، هذا إلى جانب إفساح المجال لتمثيل المرأة وكل الفئات التي تتطلب التمييز الإيجابي.
وعلى التجربة السودانية طرحت الورقة نقطة في غاية الأهمية وهي أن الاستعمار نقل التجربة الليبرالية للمستعمرات ثم تركها وخرج، وأخذت التجربة دون وعي وتبصر، فالنجاح النسبي الذي حققته الديمقراطية الليبرالية في الغرب إنما ذلك بسبب أن الديمقراطية قد أعقبت مرحلة البناء الوطني من تنمية الموارد وتنمية بشرية والبنى التحتية وبناء مؤسسات الدولة، وبالتالي هي نتاج تطوير طبيعي أخذ الوقت الكافي ليتشكل. أما في السودان فقد بدأ الأمر بالمقلوب، بدأت الأحزاب وسبقت كل البنى التحتية اللازمة، وبالتالي أصبحت هي ذاتها أداة من أدوات مصادرة الديمقراطية التي ابتلعتها الطائفية والجهوية والقبلية والعرقية. وهذه النقطة تؤيد ما ذهب إليه الدكتور الكرسني المعقب الأول، بأنه لم تكن هناك أصلاً ديمقراطية في السودان وبالتالي فالأمر يحتاج إلى بناء، ثم أن ضعف القوى الحديثة أدى إلى عدم القدرة على بناء الديمقراطية مما أوقع البلاد في الدائرة الشريرة، انقلاب - ثورة شعبية. واتهم الدكتور المؤتمر الوطني بأنه يتقوقع ولا ينفتح، ولم يتجاوز بعد سيطرة الحركة الإسلامية على مفاصله.
وبما أن المقالة ليست رصداً للندوة، فقد فعلت الصحافة ذلك، فسيتم تجاوز الكثير من النقاط المثارة بواسطة المعقبين، وأثار الأستاذ عمر مهاجر رداً على إيجاد طريق ثالث للهوية بين الزنوجة والعروبة قائلاً إن الهوية لا يمكن البحث عنها عبر مجهول. ومن النقاط المهمة ما أثاره الأستاذ ياسر عرمان ممثل الحركة الشعبية، أن ما اعتُمد من نظامين في بلد واحد إنما كان خياراً للتعايش والمواءمة ولكنه ليس بالطبع الأفضل ولا يجب أن يدوم، ولكن يجب أن يجتهد المفكرون لإيجاد صيغة للتعايش لكل أهل السودان، فالأمر يحتاج إلى الاجتهاد الجرئ من أهل الفقه وأهل السياسة ومناقشة مسألة الشريعة والعلمانية بشفافية ووضوح، مادحاً تجربة تركيا الإسلامية وتجربة حزب الله في لبنان.
والباحث الرصين دكتور إبراهيم الأمين أشار إلى نظرية دانكوت روستو التي اعتمدها الطرفان الحركة الشعبية والحكومة، وهي تتلخص في أن تكلفة إخضاع الخصم أقل من تكلفة التفاهم معه، وامتدح أن الطرفين قد فطنا لذلك. والدكتور أحمد بلال عثمان انتقد ابتسار أن يكون الحزبان المتواجدان في أنحاء السودان المختلفة على المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، وأضاف أن أحزاباً أخرى منها الاتحاد الديمقراطي تتمتع بهذه الخاصية.
كل هذه المقدمة لإعطاء القارئ العزيز خلفية عن المحفل الذي وقف فيه الدكتور نافع علي نافع خطيباً، وقد كان المتحدث الأخير ليذهب الناس بما علق في أذهانهم من كلماته، وهذا مؤشر جد خطير، وهو يعكس أن عقلية الاتجاه الإسلامي لم تتطور منذ الحركة الطلابية بالجامعات، وأن الدكتور نافع مع كل الاحترام لا يزال يختزن تجربة طالب كلية الزراعة، فقد كان الاتجاه الإسلامي يحرص دائماً أن تكون ندوته الأخيرة أي عشية انتخابات الاتحاد، وهي دائماً ما تكون ندوة يُحشد لها حشداً قوياً ويُجلب لها حتى العمال من مصنع النسيج السوداني، ويقدم فيها التنظيم قياداته المتمكنة خطابياً، ويوزَع جمهور التصفيق الموقَّع والهتاف المنظم على أنحاء الندوة، وعليه يجعل الاتجاه الإسلامي بقية خصومه من التنظيمات السياسية في حَيصَ بَيصَ، فإما أن تنظم ندواتها الأخيرة في يوم سابق فيأتي الاتجاه الإسلامي ويمسح ما أحدثوه من أثر خصوصاً وسط طلاب السنة الأولى (البرالمة)، فيصبحون على صندوق الاقتراع وفي آذانهم آخر صدى الضجيج، أو أن يتجرأ تنظيم في إقامة ندوته في ذات الليلة وهو حتماً لا يملك مقدرات الاتجاه الإسلامي في الحشد، وهنا ستكون الطامة الكبرى بحيث تكون الانتخابات قد حسمت قبل أن تبدأ بما سيحدث من مقارنة.
كان الأوفق أن تكتفي الندوة بالورقة والتعقيب والمناقشة، ولكن من الواضح أن للندوة أيضاً أهدافاً تجنيدية، فتقديم البروفسور إبراهيم أحمد عمر والدكتور نافع في ختام الندوة يؤكد هذا، كان الأفضل أن يتحدث الدكتور نافع بعد المتحدث الأول، ويكون هو المعقب على الورقة بدلاً عن الرئيس البشير الذي كان طُعماً لاجتذاب الجمهور الذي من بينه كاتب هذه السطور، ثم يتيح للآخرين فرصة مناقشة أفكاره والرد عليها، ولكن يبدو أن سياسة الخم والكلفتة وافتراض الغباء في الآخرين هي السائدة، أو الإحساس بأن المؤتمر الوطني وحده على الساحة وان الباقين ما هم إلا رصيد مهمل يعب منه ما شاء. ولكن مع ذلك فقد طرح الدكتور نافع نقاطاً جديرة بالمناقشة، واشرأب الكاتب بإصبعه يطلب فرصة الحديث ولكن دون جدوى، فالأمر على ما يبدو مرتباً، فقد كان يريد فقط أن يقول إنه يريد فرصة كاملة على المنبر كمتحدث أساسي عن إصلاح الديمقراطية بمفهوم مختلف.
أثار الدكتور نافع عدداً من النقاط كل نقطة تولد عدداً من الأسئلة والاستفسارات والاستفهامات والتعجب. النقطة الأولى التي أثارها هي أن التحدي الحقيقي للإصلاح هو النظر للمواعين والنظم داخل الأحزاب، وهذا يعني المؤسسات والمؤسسية. وأجاب الدكتور بنفسه أن كل الأحزاب ستدَّعي أن لديها المؤسسات والقنوات وتمارس الديمقراطية والمؤسسية في داخل نظامها السياسي.
والسؤال الذي يجب أن يطرح للدكتور نافع، وإذا افترضنا جدلاً أن المؤتمر الوطني لديه المواعين والنظم التي يمارس من خلالها الديمقراطية والمؤسسية، رغم أن الحقيقة غير ذلك تماماً والشواهد على ذلك كثيرة، ولكن هل كل الأحزاب أتيح لها ما أتيح للمؤتمر الوطني بأن خرج من عباءة السلطة؟ فالجبهة الإسلامية بعد أن استولت على السلطة بالانقلاب العسكري، سخَّرت كل إمكانات الدولة لبناء تنظيمها السياسي، ابتداءً من الدار التي تبلغ مساحتها عشرات الأفدنة، ما كان يمكن الحصول عليها لولا صولجان السلطة، ثم المال السائب بلا حساب والعربات والأثاثات والمرتبات المهولة ثم التسهيلات إضافة إلى إخضاع الخصوم والتضييق عليهم. حتى الشركات التي سيقال غداً ان التنظيم يمول من ريعها، كل ذلك لا يمكن أن يتم إلا بالسلطة والاستعمال العسفي لها. وعليه فإن الحزب ما هو إلا شركة حكومية، وقطعاً لو وجد هذه الإمكانات أي حزب مهما كانت أطروحاته غريبة فإنه سوف يحقق ما حققه المؤتمر الوطني وأكثر، ويمكن أن يتهكم قادته على الآخرين بعدم المؤسسية والقنواتية. ذكر الله بالخير الأستاذ مختار عبيد الذي ظل يتنقل بأطروحاته النبيلة من عهد حزب العمال والمزارعين إلى دعوته لقيام التكامل المصري السوداني الليبي ولا يزال مشلهتاً، وليتصور القارئ العزيز لو أن الأستاذ أمين بناني نيو بكل قدراته وعصاميته وجد بعضاً يسيراً من إمكانات المؤتمر الوطني إذاً لأصبح حزب العدالة حزباً يدخل الناس إليه أفواجاً. ويكفي أن الكاتب قد ظل يحلم بعقد مؤتمر للمستقلين منذ مقالته المستقلون قادمون، لينطلقوا بعده في البلاد والعباد يبشرون بفكرتهم القائمة عدم تفويض الإرادة لأحد ولا يزال عاجزاً عن التنفيذ.
الأمر الذي يجب أن يعيه أهل المؤتمر الوطني أن الحزب لا مستقبل له بدون السلطة ودعم السلطة، وهو الأمر الذي يجب أن يناقشوه فيما بينهم بصراحة وتجرد وأن يجدوا له الحلول، هذا ضروري من أجل الإستقرار السياسي، إن كانوا صادقين في مسألة التداول السلمي وليس لهم سيناريو يفاجئون به الحلفاء والخصوم.
ودعا الدكتور نافع إلى ضرورة وجود شخصيات وطنية محايدة، والسؤال حول هذه النقطة بالذات إنها تحتاج إلى شرح وتوضيح، أما مسألة الإعلام الشفاف الذي يقوم بالمقارنة، ودعوته أن ينظر الآخرون إلى تجربة المؤتمر الوطني في الممارسة السياسية وأن تخضع للتقويم والامتحان، وهنا ظن الكاتب أنه يستمع إلى شخص آخر من بلد آخر وتنظيم آخر، لا النموذج الذي خبره وعجم أعواده، فالامتحان الأول هو نقد التجربة والاعتراف بالأخطاء وعدم التعدي على الحريات بأشكالها كافة، ورد الحقوق والمظالم. ولكن أن يقف المرء حيث انتهى به المطاف ليقول احكموا علىَّ من الآن فصاعداً، فهذا هو الابتسار بعينه، ولكن ليطمئن أهل السلطة فالكاتب لايدعو إلى التغيير الرادكالي، فقد عانت منه البلاد ما يكفي ولكنه يدعو إلى التطوير الجاد.
ونقطة أخيرة دعا الدكتور نافع جماهير الأحزاب، أن لا تنتظر الديمقراطية كما ينتظر الفقير الصدقة، لأنها حق والحق يؤخذ أخذاً، وعليها إذن أن تثور على قادتها وتحملهم على الديمقراطية حملاً، ولم يجد الكاتب إلا أن قال بصوتٍ ربما سمعه الجالسون بجواره (بي جَدَّكْ؟!). ولو عممنا دعوة الدكتور نافع هذه على الشعب السوداني الصابر والمصابر ستة عشر عاماً فهذا يعني أنه يحرضه على الإنقاذ، وعلى جهاز الأمن الوطني الذي كان هو على رأسه أن يسارع باعتقاله. جماهير الشعب كانت ستثور، فهي عقاب ثورات (وأقرع ما ببالي من قوبة) ولكنه الإحباط المستمر من الأحزاب التي كانت دائماً تستولي على ثوراته الشعبية البطلة وتنحرف بأهدافها وتجهضها ولذا لم يجد فائدة من أن يثور.
ختاماً يمكن القول إن الندوة ناجحة بالنسبة للحزب، فقد كان فيها بعضاً من طلاب السنة الأولى، إذ علا التصفيق أكثر من مرة، ولكن الندوة لم تناقش إصلاح الديمقراطية السودانية ولا غيرها وهو محور الندوة، فالمحاور التي كان يجب أن تُناقش للوصول إلى الإصلاح الحقيقي والمستدام وهي ما سيناقشه الكاتب إن أتيحت له الفرصة، وهذا طلب مفتوح من الكاتب للمؤتمر الوطني ويلزم الكاتب بالحديث فقط عن الإصلاح دون كيل النقد للحزب الحاكم، فالكاتب كما هو معلوم مستقل ولا يسعى للسلطة وإنما يسعى بقوة لتمليكها للناس في القواعد. هذا بالطبع إن صدق ما ظل يردده مقدم الندوة الناجح الأستاذ الوزير أزهري التيجاني بأنهم يعترفون بالآخر وهذا يعطيهم المبرر لدعوته، فإن أبو، وعلى حد قوله إنما هم يهزمون خطهم الأول. (والموية تكضب الغطاس)
أولاً: تأمين الديمقراطية وهذا لا يتأتى إلا بالإدانة الجماعية للاستيلاء على السلطة بالقوة من نظام ديمقراطي مهما كان ضعيفاً أو منحرفاً (بلاش حكاية ميثاق الدفاع عن الديمقراطية)، فكيف يمكن الحديث عن أصلاح لديمقراطية مهددة بنزوات العسكر والمغامرين.
ثانياً: ماهية الديمقراطية ودور الشعب فيها الذي يجب أن يتجاوز التعبير الشعبي إلى حكم الشعب.
ثالثاً: لا يمكن مناقشة الديمقراطية الليبرالية بمعزل عن البيئة الغربية، فالليبرالية هي أداة المجتمع الطبقي الرأسمالي، وهي حتماً بصورتها تلك لا تناسب مجتمعنا السوداني، أو قل الإسلامي على الأقل.
رابعاً: ثم جدلية الديمقراطية والشورى.
خامساً: إزالة أدوات سلب الديمقراطية من قانون انتخابي وصندوق اقتراع وكشوفات تسجيل، وكل ذلك من مداخل الفساد والتزوير، والضمان هو الممارسة المباشرة للديمقراطية.
سادساً: مبدأ المحاسبة بواسطة الجماهير بمن تقوم بانتدابهم وعزلهم إذا دعا الحال لا الانتظار إلى موسم الانتخابات القادمة.
سابعاً: مفهوم ممارسة السلطة التي يتصارع عليه الناس، والمؤتمر الوطني وكي يؤمِّن هذه السلطة حتى لا ينتزعها منه أحد، هو أن يتحوَّل إلى مؤتمر حقيقي ويعيد السلطة للناس لممارستها، وأن يعود الدكتور نافع إلى مؤتمر حي من الأحياء بريف ود رملي لتصعيده بدلاً من علمليات القفز بالزانة هذه، وتصعيده بالطبع مؤكد فهو قيادة فذة.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147499635&bk=1
_________________

Post: #184
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-11-2008, 06:36 PM
Parent: #183


الندوة الشهرية لرابطة الكتاب السودانيين .. «حسن سلامة: هندسة الهامش والمركز»

حسن سلامة: يجب ان يفهم الناس ان الحركة الوطنية لم تكن - مجرد (تسليم وتسلم)
د. عبدالله علي ابراهيم: حسن سلامة له القدح المعلى \ إلغاء نظام (السخرة) بالريف
د. محمد المهدي بشري: حسن سلامة مفكر منسى لم نعطه حقه
اقيمت الندوة الشهرية لاتحاد الكتاب السودانيين بمسرح صحيفة المشاهد ليلة السبت 13 أغسطس وجرى التداول هذه المرة عن تجربة الاستاذ حسن سلامة.
«هندسة الهامش والمركز »
حضور غفير أم المكان في اشارة واضحة لعودة الروح للراهن الثقافي ومداولاته .. قدم الاستاذ عبدالله شابو رئيس الرابطة الدكتور عبدالله علي ابراهيم في كلمة ضافية.. وقد اضاف في حديثه المختصر ان الاستاذ حسن سلامة يعتبر من المفكرين المتميزين في السودان والذين اسهموا في خضم الثقافة بصورة ايجابية.
المتحدث الرئيسي د. عبدالله علي ابراهيم قال انه اتيحت له الظروف ان يلتقي الاستاذ حسن سلامة في عام 1960م، بحي المسالمة حيث قدمني له الاستاذ مكي وكان سلامة حينذاك قد انفصل عن الحزب الشيوعي .. المرة الثانية التي التقى بها فيه كان في تحضيرات الاحتفال بالذكرى الثانية لمؤتمر الخريجين .. والثالثة وكما يقال (الثالثة واقعة) اتاح لي بعض الاخوان ان التقى به في حلقات لا سجل حيوات وخبرات اولئك التقدميين ، وأضاف نحن نتحدث الآن عن العزة بالجهل والتجاهل لأربعين سنة.. بدأت اضع الرفيق وجيله وما بعد جيله وكنت افكر حين عودتي وقبلها ان انظم ندوة عن الاستاذ حسن سلامة وقد كلل الله المساعي اليوم بالتوفيق وكذلك في خاطري شيبون وعبدالخالق وغيرهم ويجب ان يكون لنا رباطة الجأش في زمن الهرج، والتمسك بالمعاني ما امكن...
ثم قدم د. عبدالله علي ابراهيم نبذة عن الاستاذ حسن سلامة الذي ولد في العباسية بام درمان في عام 1924م، ووالده درس في كلية غردون، وكان حسن يرافقه في تجواله عندما كان صغيرا ومن هنا بدأت روابطه بالريف وهموم الريف.. تربي في حي العصاصير الذي كتب عنه علي المك وخلده في كتاباته وهو يقع بين شارعي مكي وابوروف ، التحق بالاحفاد الاولية وتوقف تعليمه عند هذه المحطة عام 1939م، دخل مع الاخوان المسلمين ناس صادق عبدالماجد وفر منهم بعد اجتماعين فقط لا غير.. في ما بين عام 41 - 1943م، نشط في الجمعيات الادبية المحاضرات وتعليم الانجليزية ، وصار عضوا بحزب الاشقاء ثم انشق عنهم بسبب مكيافيلية يحيى الفضلي وعقب ذلك تكوين حزب الاحرار من قبل حسن الطاهر زروق وعوض عبد الرازق وغيرهم..
كان حسن سلامة العقل المدبر لصحيفة الاحرار في بداية الاربعينيات وكانت تطبع ثلاثة الاف نسخة وتنفد من الاسواق جميعها... انخرط في الحزب الشيوعي وكان عضو ا للجنة المركزية حتى عام 1960م.
بعد ذلك انتقل د. عبدالله علي ابراهيم للحديث حول ثلاثة محاور: لماذا لم تأخذ قضية الهامش بتلابيب وعقل الحزب الشيوعي، والحديث عن عشوائية قيام الحزب الشيوعي، ولماذا لم يتفهم الحزب قضية الهامش، اما في معرض حديثه عن الهامش مستحضرا في ذاكرته حسن سلامة، . استدل بمقولة (النار بتقوم من الاطراف) والتي استقاها من حوار تم بين حسن سلامة وسجين (رباطي) ألتقاه ابان سجنه في كوستي بعد مظاهرات 1952م، فكان النقاش يدور من ان التغيير لا يجب ان يبدأ من الوسط.. ألتقط حسن الفكرة وروج لها في اضابير الحزب وفتح حوارا حول الاهتمام بالريف والهامش منذ ذلك الاوان، واضاف ان جيل حسن سلامة كانت لهم مواقفهم ضد قضايا التهميش والعرق... ولهم مواقفهم الصلبة في مجابهة نظام السخرة المتفشي تلكم الايام وهو نظام استعماري معروف استمرأه البعض هنا... الحزب آنذاك قاومه في مروي وديار الجعليين ومناطق الغلفان، حيث منعوا الاهالي من بناء مساكن خاصة ابان فترة عبد الله خليل واذعنوا للامر وخرجوا بمظاهرة تشيد بحزب الحرية مما ادخل نظام الاجر المستحق في القيام بالاعمال واصبح شيئا راسخا وامتد حتى جبال النوبة ودفع ثمن ذلك حسن سلامة ورفاقه بالسجن لتأليبهم الاهالي وتم سجنهم في الدلنج واطلق سراحهم بعد فترة واستطاعوا تجنيد تسعة من المشايخ والزعماء المحليين للتنظيم هذا مع احتفاظهم بأنصاريتهم...
واعتقد د. عبدالله علي ابراهيم انه لمن المؤسف ان تغيّب هذه الحقائق من الاجيال اللاحقة وتغذيتها بأنهم - اي هؤلاء - من (ادمنوا الفشل) .. وعن المحور الثاني: عشوائية قيام الحزب الشيوعي كما قال البعض ومنهم د. نوري المهاجر بامريكا ... والدعوة لتذويب اليسار في الاحزاب الاتحادية، اعتقد ان جيل حسن سلامة جرب الاحزاب الاتحادية ووجدها اقل ماعونا من الاستيعاب الفكري ووجدها غير مجدية (نضال كونتنيال) و (يحيا الرُز) ... لقد كان في الحركات الاتحادية وحاولوا ان يوسعوها ولكن... يبدو ا ن فتيل تلك الاحزاب ما بتشيل كتير... حتى ان احمد خير وخضر عمر خرجا عن الحزب لا نه لم يستجب لنظراتهم الراديكالية لذلك اتجهوا الى انتماء آخر.. فالخيبات التنظيمية عامة في اليسار او غيره ولا يجب ان تكون كمأخذ لمقارعة التاريخ..
للتأكد من الوقائع اقرأ كتاب (تلك الايام) للاستاذ كامل محجوب. فكامل بدأ كأخ مسلم ثائر على مؤتمر الخريجين ومعهم الاستاذ محمود محمد طه والجمهوريون .. وكان همهم كيف يصلوا الي الشعب... لقد كانت هنالك تنظيمات تبحث عن مواعين غير الخريجين وروافده... وكامل له الفضل في تثبيت مطالب اتحاد الجزيرة بعد ان عمل مفوضا في الحزب وسط المزارعين بكوستي والجزيرة.
ü اذن نظرية تذويب اليسار داخل الاحزاب اعتبرها استرجاعية وغير منطقية.
وفي الحديث عن محور لماذا لم يتفهم الحزب قضية الهامش - وما زال الحديث منسابا من لدن عبد الله علي ابراهيم، اوضح ان حسن سلامة هو كادر ديمقراطية الريف كما كان الشفيع كادر العمال وغيرهم.. لكن لماذا لم يجد كادر الريف منبره... هذه نقطة جددت لمآلات الاشكال والمتاعب وحسن سلامة بتجربته في الريف وبعد ان جند المشايخ وزعماء العشائر في الريف كما ذكرت.. مركز الحزب طلب منهم دخول الانتخابات البرلمانية كشيوعيين وكان رأيهم ان ينزلوا مستقلين... وهنا حدث خلاف... واستطاعوا ان يترشحوا للبرلمان كمستقلين مما جعل مركز الحزب يعود ويطلب منهم الانضمام له وهذا ما لم يحدث وكان ردهم (يفتح الله) وهذا جزء من النظرات غير الثاقبة للريف.. انظر الى المشاكل التي تبدأ الآن من هناك، ان ما استوعبه حسن سلامة عن الريف لم يستوعبه غيره لذلك اصبح التعامل مع المركز بالقوة.
اكتفى بهذا . وامامكم الآن حسن سلامة الخاتي ملامة ... وقفه .. وتصفيق.
ü اما حسن سلامة.. فلم تسلبه سنوات العمر نضارة الفكر واتقاد الذاكرة.. وللدقة والامانة سانقل حديثه دون تبويب او تنصيص فقط ليسترسل ولي حق الكتابة..
(تلك حياتنا.. فترة سقوط الامبريالية ونهاية الاستعمار فترة كان علينا اسقاطها ومجابهتها.. والعالم كان ينادي كله باسقاط الاستعمار يؤسفني ان اسمع ان الحركة الوطنية لم يكن لها وجود مجرد (تسليم وتسلم) ولكنهم لم يدركوا واقع الحياة السودانية ولا العالمية. ان سياسة المناطق المقفولة التي اوجدها الانجليز كان القصد منها ان تمتد الي دارفور وجبال كردفان والانقسنا.... ولكنهم وجدوا مقاومة شرسة راح ضحيتها العشرات من المواطنين الشرفاء وابيدت العشرات من المواشي والابقار.. لقد استبسل الحوازمة ، جزء من الجوامعة، جزء من الرزيقات ، واولاد حسين .. قبائل كانت تشكل فاصلا بين القبائل التي يسعى لفصلها الانجليز والزنجية... ولما شعر الانجليز بأن الحزام الفاصل مخترق امروا بضرب اي بشر او حيوان يخالف الاوامر ومات نتاجا لذلك الكثيرون دون ان يدرك اي نسان هذه الحقائق او يتطرق لها حبر وقبعت كغيرها في ا لملفات السرية..
كثيرون لا يدرون المعاناة والشقاء الذي عاشه السودانيون في مظلة الاستعمار.. التقيت بأحد السلاطين من الفرتيت منفيا في الفاشر بسبب انه اصر على قيام صلاة الجمعة ورفض الخواجة فتم ضرب المصلين بالنار ونفي الي الفاشر .. ألم تكن هذه مقاومة!!
ولكن الملاحظ ان القادة الذين يحررون الشعوب تقوم الشعوب باسقاطهم من الحكم - استالين مثلا - لسبب بسيط ان الشعوب لا تجد مطالبها علي ار ض الواقع...
ان ما حدث قبل فترة في الخرطوم لم يكن تعبيرا سياسيا لم نسمع (يسقط ، عاش) بل ضرب وحرق ونهب... اين السياسة من هذا !؟
اعتقد بنفس المستوى الشعبي (المتحيل بتبكيه الريشة) فهذا تجمع معاناة - فقر - عطالة، فكري كون في النفوس هذه الضغائن التي احدثت الاحساس بالتهميش.. وانبه ان تكون هذه الحوادث لها ما بعدها..
وعن الحركة الوطنية لم تكن تكترث للجانب الفكري اقول غياب التفكير والتحفيظ الذي يستوعب الحياة والحركة الوطنية والكتاب السياسي الذي يلخص الحياة في السودان حال بائن... لقد علمت ان الخصم (الانجليز) ليس بالسهولة في الاعتقاد لمجابهته، نعم وقعت اخطاء منها الانعزال عن القوة الوطنية... وغياب التفاكر مع الآخر واذكر ان يحيى الفضلي قال لي اننا كرهنا بعض ا لكلمات العربية واسقطناها من الاستخدام لكثرة استخدام الشيوعيين لها وانطباعها في الاذهان بالشيوعية مثل (نضال ، كفاح) .... يضحك، لقد اختلف الناس في كيفية مجابهة المستعمر... هل بطريقة نهرو ام غيره من الثوار الافارقة والمناهضين.
ومن الا خطاء ايضا للحزب بعد الاستقلال لم يكن هناك تحديد لرؤى مستقبلية في السودان من نواحي حكم وخلافه... .
الي هنا انتهت افادات الرجل الذي لم تهزمه السنوات.. ولم يفارق جلبابه النصوع والاناقة .. اتكأ على عصاته حتى يستمع الى المناقشات التي انهمرت مدرارا..
محمد الجيلاني / رابطة الكتاب السودانيين:
من محاسن تراجم / د. عبدالله علي ابراهيم، للرجال تلك الشهادات والاعترافات التي نحتاج اليها لتأسيس قول سوداني او مناسب حول اسئلتنا..
فمن ما قال الاستاذ حسن سلامة ان جيلهم (إنذروه) في مسألة الرؤية الفكرية التي تشكل مرجعا لمواقفنا وأنا اقول هذا جيد وحافز لإعادة النظر في المشروع التحرري كله كله حيث حكمته في مستوى الذات مكونات العقل التالية (الوجدان - القبيلة ، الدين) ، او العلاقة الاستلابية تجاه المستعمر لذا برز قولهم كنقيض للمستعمر ولم يفهم مدى وجودنا المستقبلي في خطابه الي خطاب المستعمر، وان الايدولجيا المستلفة لم تسعفهم.. مع تأكيدي على اهمية ما طرح الدكتور في مسألة الهامش والمركز ولكن لضيق الوقت اكتفي ...
محمد سيداحمد / الحزب الاتحادي الديمقراطي ، كيان الشمال:
تطرق الى ان وحدة وادي النيل من ابداعات الاتحاديين كشعار مرحلي.. واعتبر ان هذه اضاءة مهمة في الندوة.
محمد احمد عبدالمجيد / باحث اجتماعي:
حمد للاستاذ حسن سلامة التنوير في وسط الريف ضد البرجوازية والانتهازية والاسهام في تثقيف مواطن الريف .
د. محمد المهدي بشرى:
حسن سلامة مفكر منسي ومجهول... انا مهتم بمسألة المثقف والسلطة افتكر ان المشكل الاساسي هو التكتيات وليس الاستراتيجية الحزبية كلها تقوم على ذلك... وتحدث عن المركزية في الاحزاب والانزواء تحت تلك الالوية..
ونجد ان البحث في جوانب الصراعات وسط التنظيمات مسبباتها هو غياب الجهد الجماعي، وسيطرة الفردية وعدم ايجاد فرصة للتعبير عن الذات.
واشارات أخر ... دارت كلها في فلك محور الندوة عقب عليها د. عبدالله علي ابراهيم، الذي ابدى سعادته بالاسئلة التي انبنت على خلفية المحاور النقاشية، واعتقد ان الحرب ضد المستعمر كانت مجرد حرب، دون المشروع الفكري، الاجتماعي واعتقد ان هذا المنحى يحتاج الى تدقيق اكثر لنكون على بينة علي شروط التحرر الوطني.
واضاف ان د. عبدالله علي ابراهيم د. عبد الله الطيب قال (اخذنا من المستعمر الكثير دون ان نعرف) وهذا ما يسمى دراسة ما بعد الاستعمار، اعتقد ان تلازم قيام الحركة الوطنية والحزب الشيوعي كان (رقبة لي رقبة) المسألة هذه يجب ان نهتم بها .. الحزب له سابقيته ووطنيته في النضال ضد الاستعمار هنالك استفراد بالموقف النضالي . .. كان هناك وضع مزدوج (national idea ) وحركات قاعدية جماهيرية.. لم يكن هناك فارق كبير بينهما... لقد كانت هناك برامج لتفكيك الفكر الاستعماري سارت جنبا الى جنب مع الحركة التحررية.
وهو مشروع يحمل ادوات جيدة (النقابة ، النادي، الاتحادات) وهذا افضل ما وصلت اليه الحركة الفكرية السودانية. نعم هناك مسألة استغلال العلم... وهذا معروف .. بعد ان طرد الاستعمار لاحقه البعض ليضرب بها النقابات - وهذا موثق، النقابة كانت اوسع وعاء من القبيلة ، اللون، الحزبية ولها ادبها واناشيدها ( يا قاسم امين...).
شيبون حاضرا:
وسأل احد الحضور .... عن شيبون ... وقال عنه د. عبدالله علي ابراهيم انه من احد تلاميذ حسن سلامة الجالس بقربي وهو من الذين شملهم برعايته واهتمامه لقد نشأ مع هذه الدوحة السامقة (واشار لسلامة) و (الكلام يجيب الكلام)، لا اريد ان افصل الموضوع فقد فتح خاطرات وتحقيقات كثيرة.. كتب عنه الكثير.. وظهرت رواية بقلم من رفاعة على صفحات الملف الثقافي بالصحافة اعتقد انها مهمة .. سبق ان قابلت الضابط الذي حقق في قضية شيبون وقال انه وجد ورقة في جيبه مفادها انه يرفض ان ينضم لوزارة الاستعلامات بعد العرض الذي قدم له منها ... ويبدو ان شيبون كان ممزقا في القبول واللاقبول.. علي العموم هذا منحى آخر له ميقاته ومساحته.. وما زلت ابحث واستقصي..
رصد: حسام الدين ميرغني




http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147498602&bk=1

Post: #185
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-11-2008, 06:38 PM
Parent: #184


العدالة الاجتماعية في السودان من منطلق إسلامي
د. أحمد محمد البدوي
( من: ابن حزم, ، سيد قطب ، , برنامج جبهة الميثاق 1965، مصطفى السباعي, إلى يوسف أبوشرى)
( إلى د. محمد وقيع الله من الإجلال)
الديموقراطية لا تعني ورقة التصويت فقط, ولا تنحصر فيها, وإنما تقترن ب: قطعة الخبز, بمعنى أن تكفلها الدولة كحق, لكل من يحتاج إليها, على أن تكون بندا مضمنا في الميزانية العامة, لا أقول هذا منطلقا من واقع معايشة التجربة البريطانية ومتابعتها, وإن كنت لا أنكر تبنيها, وإنما اعتمادا على منطلقات (إسلامية و سودانية خالصة), وذلك بعد الاطلاع على مسودة الدستور, التي استوعبت بعض قيم الحداثة مثل: البيئة وحقوق المرأة, ولكنها خلت من هذا البعد الأساسي, ولهذا سنتناول هنا هذه القضية,من منطلق متوائم مع توجه الحركة الإسلامية ممثلة في الحكومة القائمة ( مع استبعاد الحركة الجمهورية, فقد كان المرحوم الأستاذ محمود محمد طه واضحا ومتقدما وميدئيا في تناول القضية إلى حد بعيد, حتى لا يقال إنك تفرض علينا برنامج خصم تاريخي, أو كما يقول عبد الصبور: نحمل دمه في رقبتنا, وأتمنى أن ينهض بذلك أحد إخوتنا الجمهوريين) علاوة على أن الطرف الآخر في لجنة الدستور ملتزم بمبدأ: قطعة الخبز! مستهل عهدها, بدت حركة الإسلام السياسي في السودان, في كلية الخرطوم الجامعية,



عند مطلع الخمسينات, مهتمة بالقضية الاجتماعية, استخدمت مصطلح : اشتراكية الإسلام, وكان أول شعار لها هو شعار الأرض لمن يفلحها, مما ورد عند غير واحد من مؤرخي الحركة من الداخل.



و اشتراكية الإسلام, مصطلح استخدمه الإمام مصطفى السباعي,( مؤسس حركة الإخوان المسلمين في سوريا) ( ومحرر مجلة حضارة الإسلام ومؤلف كتاب: اشتراكية الإسلام) منذ الأربعينات, بل دخل الانتحابات عام 1948, باسم: الجبهة الإسلامية الاشتراكية, التي شاركت في وضع الدستور, وأصرت على تحديد الملكية الزراعية, بأثر رجعي, وقام انقلاب, ودخل الإمام السجن, وذهب إلى المنفى,وفي نهاية المطاف, وضع الدستور, وحددت الملكية الزراعية بأثر رجعي. ( كان من نواب الجبهة الاشتركية في البرلمان السوري: الأستاذ محمد المبارك , الأساذ بجامعة أم درمان الإسلامية سابقا)



وقد تحاشا سيد قطب مصطلح : الاشتراكية, والتزم استخدام: العدالة الاجتماعية ضربة لازب,وهو من حيث المضمون معنى بقضية توزيع الثروة توزيعا عادلا, والحقوق الاجتماعية, في مواجهة قضية القهر الاجتماعي في مصر قبل ثورة يوليو 1952.



ففي العدد الأول من مجلة : الفكر الجديد التي أسسها سيد قطب مع الناشر(الأخ المسلم) حلمي المنياوي: كتب سيد قطب : الدستور الإسلامي: البند الأول:



" تقديم إعانة للعاطلين والمرضى والمسنين والعاطلين عن العمل تساوي المرتب الأساسي.



توفير العلاج والدواء مجانا.



توفير التعليم مجانا.



إدخال ضرائب تصاعدية على الأرباح والأموال, بحيث توفر الدولة: المسكن والعلاج والتعليم, وما يقابل الحاجات الأساسية لمن يحتاجون إليها من المواطنين, وذلك مجانا, وبلا مقابل."



( كتاب العدالة الاجتماعية طبع أكثر من عشرين مرة, وترجم إلى الإنجليزية مرتين)



الحركة الإسلامية في السودان نفرت من مصطلح الاشتراكية, ولكنها في برنامج جبهة الميثاق الإسلامي, تبنت بوضوح مبدأ التاميم, ولكنها عندما وصلت السلطة, قضت على مؤسسات العدل الاسلامي الموروثة من عهد الإنجليز: مجانية العلاج والتعليم, ومضت في مجاملة البنك الدولي إلى حد رفع الدعم الحكومي عن السلع الأساسية, الذي يستفيد منه الفقراء والمساكين, وبدلا من أن ينحسر ظل الفقر إلى ما يشبه " ظل الظهر" استطال إلى ما يماثل تماما حاله " عند صلاة المغرب"! وفي الوقت نفسه, أطلت مظاهر الثراء الفاحش والإقبال المريض على قشور الدنيا اللذيذة على قوم في السلطة أو محسوبين عليها. وانحصر العمل المرتبك في معالجة قضية الفقر, في حلول تشبه الإسعافات الأولية, لمريض يحتاج إلى عملية جراحية و نقل دم على وجه السرعة!



قبل ألف عام كتب ابن حزم في الأندلس في كتابه: الإحكام في اصول الاحكام :



أن على الدولة أن توفر للمحتاجين: المسكن المناسب والطعام الضروري, والملبس, ونص على أن يكون المسكن: واقيا من الحر والبرد ومن "أنظار المارة"!



عندما كتبه في قرطبة, في القرن العاشر الميلادي, كان سكانها يشربون الماء من "مواسير" الرصاص, في بيوتهم, وكانت الشوارع مضاءة طول الليل, فلكل شارع في قرطبة: مصباح وعسس ( خفراء) وكلاب يحرسونه!



ولهذا عندما نتحدث عن المجتمع السوداني اليوم, نقول :إن مناداتنا بالحقوق الاجتماعية, ترتبط ارتباطا عضويا بالديموقراطية, على أساس أن "لقمة الخبز" مسؤولية الدولة,أولا, ثم تأتي موسسات المجتمع المدني ثانيا,بما في ذلك: الزكاة التي يجب أن ترعاها مؤسسات مستقلة عن جهاز الدول, وكذلك الأوقاف.



ولا أود أن أعرض لديوان الزكاة وممارساته,ولكن أود أن أبين تقصيره من حيث الفهم والتطبيق, لمسالة واحدة, تتعلق بحق المسافر, لأن الإسلام هو الحضارة الوحيدةالتي نصت على حقه, وسمته: ابن السبيل. وجعلته أحد مستحقي الزكاة, نصا صريحا في الآية الكريمة,



أين تقنين هذا الحق, وممارسته العادلة والشاملة والشعبة التي ترعاه!



على أن بعض إخواننا في الحركة الأسلامية السودانية, يقبل مبدئيا بوجاهة "العدالة الاجتماعية" من حيث تساوق المبدأ مع أصول الإسلام, ولكنه يرى, أنها غير عملية, تحتاج إلى ميزانية ضخمة, وهو يوافق بذلك على التفريط في حقوق إنسانية أساسية, من أجل مسوغات شكلية وإجرائية ( إن لم نقل لجاجة تبلغ حد "سلخ النملة") والجواب القريب هو أن العالم (الكافر) أعلن الحرب على الفقر, فعلى أي دولة عاجزة عن إطعام مواطنيها, في أي مكان منها, ان تعلن ذلك ( يامروة) وسيأتون قطعا ولن يموت أحد جوعا)



بيد أن الأمر في السودان أيسر مما يتخيلون, لسببين:



الأول: هناك الذهب في الشرق,ألف كيلو في العام نصيب الدولة وحدها, ودع عنك نصيب الشركة الفرنسية, من حيث المبدأ الفقهي المالكي, هذا الذهب بالبداهة,ركاز. للفقراء والمساكين حق فيه يبلغ الخمس, أي حوالي مائتي كيلو, وكذلك الخمس من نصيب الشركة الفرنسية. هذا النصيب وحده كاف للقضاء على مشكلة الفقر والمرض والبؤس( في شرق السودان الذي يموت أهله تحت خبطات الأبواب المنهارة, عندما يجتمعون محتشدين لنيل حقهم من آل البربري رحمه الله, وأكداس الذهب تستخرج من أرضهم!)



وهناك البترول, إن اعتبرناه ركازا, ففيه الخمس, وإلا فيجب توظيف قدر مناسب من عائده, لتوفير الحقوق الاجتماعية في الجنوب وكردفان, وفي كل أنحاء السودان. هذه ثروة طبيعية, لكل المواطنين حق فيها. يجب أن لا يقتصر إنفاق العائد منها على بهرجة الوزراء والسفراء, وشراء الأسلحة وتخزينها لحماية السلطة القائمة, ودفع وجبات ضخمة بملايين الدولارات للمحاسيب, من خلال شركاتهم واستثماراتهم وعضويتهم في المؤسسات وخدماتهم هم, ولأقاربهم وأصهارهم وأولاد دفعتهم ( وياحليل زمان) مثل ما حدث في نيجريا وكنشاسا, خرجت قلة بالبلايين, ثم انفض السوق, فإذا الغالبية قد زادتها النعمة الطبيعية من البترول والذهب والماس, بؤسا وفقرا وفاقة ومرضا وتعاسة!ومن ناحية أخرى ظهر البترول في بلدان لم تكن فيها خدمات عامة, مثل السودان سابقا, وكان البترول مملوكا لشركات خاصة, فصار مملوكا للمجتمع والدولة, وصارت في تلك البلدان خدمات عامةأساسية مجانية, مثل قطر والكويت وليبيا,



ومؤخرا: فنزيويلا التي منحت الزوجة المتفرغة لرعاية بيتها وأولادها, مرتبا ونصيبا من الثروة البترولية.



أما نحن في السودان: أيتها الأمة المسكينة - العبارة للتجاني- فينبغي أن تعاد الخدمات الأساسية التي دمرتها الإنقاذ, باسم التوجه الحضاري, ويجب أن تعاد وتحظى بما تستحق من تطوير, لأنها حق وليست منة من أحد!



الأمر الثاني: أن الله سبحانه وتعالى,وهب السودان طبيعة معطاءة, هناك كثير من الخيرات والنعم يتحصل عليها الإنسان من الطبيعة مباشرة بلا جهد, ودعني أذكر هنا نماذج معظمها من كردفان الغرة:من بينها ما يصدر: الدليب واللالوب " الأهليلج" والعرديب( الذي يسميه إخوتنا في شمال الوادي: التمرهندي - وهو مسمى قريب من اسمه العلمي- ويصدر كل عام) والقضيم والدوم والقنقليس " الحمر" والنبق الذي يباع في سوق الفاكهة بالحجاز, والحطب والعسل والقرض والأبنوس, والأعشاب الطبية والخضروات الموسمية, فضلاعن الحيوان البري والسمك" في النيل والبحر الأحمر, والطير البري كالدجاج والحبارى. كل هذه الخيرات, مما تجود به الطبيعة, ومن حق كل المواطنين أن يكون لهم نظام يكفل الحقوق الاجتماعية, في بلد بإمكان الناس ان يعيشوا معتمدين اعتمادا كاملا على ما يرزقهم الله بما أودع في الطبيعة التي يعيشون في كنفها من المنن. هذا بلد رفهه الله, فكيف يحرم أهله الضعفاء من الطعام والعلاج!



فأي مجتمع هذا الذي يحتفي بالأقوياء, ويهمل المسحوقين, فالأمم لا تكتسب العافية, إلا إذا عمت كل أعضاء جسدها!



أما في التجربة السودانية, متمثلة في يوسف أبي شرا الولي الصالح, فقد ورد عنه في الطبقات أنه كان يطعم الجائع ويكسو العريان, ويهتم بكفالة طلاب العلم ويعين الناس على نوائب الدهر من الجوائح, كالقحط والسيول والحرائق والحروب. كان هذا العركي بمثابة مؤسسة. يقوم بما ينبغي ان تقوم به الدولة الآن.



وبعد ليس من خيار, أمام كل المنظمات السياسية, ومنظمات المجتمع المدني, غير تحمل مسؤوليتها في الالتزام بالحقوق الاجتماعية, ولا مناص للجنة الدستور من كفالة هذا الحق, بصرف النظر من مآل الدستور الانتقالي, على الأقل مساواة البشر بالبيئة من حيث الحق في الحياة والرعاية.هذا ملخص ينم عما نريد, وكنا نريد أن نيدأ باسم البلد: الجمهورية والسودان, وضرورة إخضاعه للمناقشة, ولكن يبدو ذلك من قبيل الترف الفكري, إذا قيس بالحقوق الاجتماعية! فإلى لقاء قادم.



http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147497071&bk=

Post: #186
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 01:46 AM
Parent: #1


لـو أنت نسيـت
مأمون عيسى
لو أنت نسيت أو تناسيت أنا ما نسيت والخطاب موجه لفريد عصره ووحيد زمانه الدكتور حسن الترابي مفجر ثورة الانقاذ المباركة عقب خروجه من المعتقل وقد عصفت بعقولنا دهشة واعترانا ذهول ونحن نستمع اليه وهو يتحدث عن السلام والديمقراطية والدستور والعدل والحرية حتى أوشكنا أن نظن أن المتحدث ليس هو الدكتور حسن عبدالله الترابي الذي نعلم من أمره علم اليقين ونعرفه معرفة وضعت بصماتها غائرة على نفوسنا وعلى أجسامنا.
اتقِ الله يا رجل وتواضع قليلاً ولا تحسبن أن شهور الاعتقال هى النهر المقدس الذي تطهر مياهه نفوس الخاطئين ودعنا ننبش الدفاتر قديمها وحديثها ونتحاسب حساباً دنيوياً واما حساب الآخرة فمع من لا تخفى عليه خافية.
نرجع أولاً الى دفتر أسود قاتم رغم أنه ليس الأكثر سواداً يوم كنت مستشاراً للسفاح نميري تزين له الباطل وتحسن له السيئ المعوج وتماديت حتى بايعته إماماً للمسلمين وانت تعلم جوره وكبرت وهللت مادحاً ومباركاً له يوم اغتيال شهيد الفكر المرحوم محمود محمد طه وشاركته كل مسيرته تعب أنت وجماعتك من اموال الشعب التي سخرها لكم نظامه الجائر حتى بشمت وفاضت خزائنكم بالأموال وظهرت لأول مرة طبقات الثراء الطفيلي التي كنت انت وجماعتك اهلها وعمدها . وبعد أن امتلأت اشرعتكم بهواء مايو وشقت سفنكم طريقها اضمرت الغدر به ولكنه فطن لتربصكم به وتغدى بكم قبل أن تتعشوا به وزج بجمعكم في السجون وكان ذلك خيراً وبركة حلت بكم وكان ذلك قبيل الانتفاضة حيث خرجت أنت وجماعتك من السجون من ضمن من أطلق سراحهم واعتليت المنابر تتحدث عن الحرية وتزم نميري وعهده وتكيل له السباب كأنك لم تكن يوماً عقله المدبر ويده الباطشة. وها أنت الآن وقد استعذبت اللعبة واستمرأتها تكرر المشهد وتزعم أن خلافك مع أصحابك كان من أجل الديمقراطية والكل يعلم عدم صحة ذلك فالخلاف كان من أجل عيون السلطة وبريقها والتكالب على مغانمها وتصب استهجانك لوضع دستور رهطك وحوارييك وتنعى عليهم وضع دستور بواسطة لجنة فقط وقد تناسيت أن دستور 1998م بعد أن وضعته لجنة تسلمته انت وحذفت منه ما كان خيراً وأضفت اليه ما كان قيداً حتى جاء دستوراً انكرته اللجنة التي وضعته فهو في النهاية دستور وضعه فرد واحد هو أنت وليس لجنة ظناً منك أنك أكثر رشداً من أية لجنة وأكثر إحاطة من أى برلمان.
بعد حقبة مايو وحلول الفترة الانتقالية والديمقراطية الثالثة كنت أنت واعوانك تخطط وتدبر لاغتيال الديمقراطية حتى تم لك انجاز ما تريد وكان ما كان وتسنمت ناصية الحكم وأمسكت صولجان السلطة تديرها وتحركها بفلسفة تعتنقها وتؤمن بها وتعمل من أجلها بدءاً بما صرَّحت به مراراً في رغبتك في تغيير الشخصية السودانية وبالفعل طفقت تفعل ذلك وتحطم كل موروث إذ تدخلت في لبس الناس وموعد نومهم حتى لغة التخاطب أدخلت عليها مفردات غريبة عنها وكالثور في مستودع الخزف عبثت بكل شئ وحطمته كأن بينك وبين الشعب السوداني غلا وملأت عقول الشباب بالدجل والشعوذة.
ورميت بالألوف منهم في ساحات حرب احترقوا بلهيبها كالفراشات الحمقاء باسم الجهاد تدفعهم عقول خاوية ويحرضهم شبق عارم لعناق بنات الحور ولما أنفض السامر وتشعبت الدروب (وتكاجر) القوم صرخت وصرحت بأن تلك لم تكن حرباً جهادية.
ما وصل اليه السودان وحال شعبه الآن من فقر وإملاق لاتخطئها العين وأصبح الشارع السوداني قفراً يباباً من كل ما يسر ترى الكل يمشي مذهولاً مذعوراً كأنه يفر من خطب يوشك أن يلم به أو كأنه يريد إدراك ملاذاً آمناً وكل ذلك كان من إبداعاتك وثمرة تفكيرك.
يا سيدي المستشار أطال الله عمرك تأكد أن ما مر بك من محن وما قاسيت من عنت ومشقة هو نتاج عقلية حزبك المؤسسة على العنف وكراهية الغير تلك التي آ من بها المودودي وتلقفها سيد قطب بعد إنشاء حسن البنا تنظيماً لها 1928م في مدينة الاسماعيلية باسم الأخوان المسلمين وانتشرت بعد ذلك يميناً وشمالاً واتت الينا في السودان تتآمر وتقنن الكذب تحلله باسم فقه الضرورة وتغير اسمها وجلدها وتتلون حسب الظروف والاحتياجات.
تارة باسم الأخوان المسلمين وتارة باسم جبهة الميثاق وتارة باسم الجبهة الاسلامية وهل...
وهل ينبت الخطى الا وشيجه




http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147498191&bk=1
_________________

Post: #187
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 03:30 PM
Parent: #1


وَســـــائِـــلُ خَسِـــيـــــسَــــــةْ (4ـ6)

كمال الجزولى
حَمَدنا (لمركز الأمل السودانى) ، فى ما تقدَّم ، حملته للدفع باتجاه المصادقة على (الاتفاقيَّة الدوليَّة لمناهضة التعذيب) ، تلك الممارسة اللا إنسانيَّة المستبشعة والمذمومة فى كلِّ العقائد والثقافات بجامع الفطرة السليمة. وفى تقصِّينا لجوهر الموقف الاسلامى من (الاستبداد) و(القهر) اللذين يندرج (التعذيب) فى سياقهما توقفنا ، فى المقالة السابقة ، عند الوضعيَّة القرآنيَّة (للتكريم بالعقل والفطرة) ، أو (المسئوليَّة) المؤسَّسة على (حريَّة الاختيار) ، قبل أن ننفذ إلى الصورة المخصوصة التى وردت بشأن (التعذيب) نفسه فى هذا الخطاب.
لكننا شدَّدنا على أن هذه الوضعيَّة لم تنسرب فى تاريخ (الفكر الاسلامى) بذات السلاسة التى هى عليها فى (النصِّ المقدَّس). (فالقرآن) لا ينطق بنفسه ، وفق التنبيه الثاقب لسيدنا على ، بل تنطق به ألسنة البشر الذين ليس نادراً ما يسبغون عليه من التأويل ما يخالط مصالح (دنيويَّة) بأعيانها. وفى هذا أحد أهمِّ وجوه الفارق بين (الدين) و(التديُّن) ، بين (الاسلام) وبين (تاريخ الدولة الاسلاميَّة)!
لقد ظلَّ الخلاف ينشب دائماً ، فى تاريخ الفكر السياسى الاسلامى ، على تخوم العلاقة بين (إرادة الله) وإرادة (السلطان) ، وذلك فى خلفيَّة الاختلاف حول العلاقة بين (إرادة الله) و(إرادة البشر). ".. ولعل الحقبة الأمويَّة تكثف المخاضات الأولى لمفهوم الإيمان والعدل والظلم .. فى صراع مفتوح على السلطة يبحث باستمرار عن الغطاء الأيديولوجى للطاعة" (هـ. مناع ؛ "الانسان فى الثقافة الاسلاميَّة" ، "رواق عربى" ، ع/20). وفى إطار ذلك الصراع أجمع (المرجئة) ، أو ما يُعرف أحياناً (بالخطاب المفكر للحزب الأموى) ، على تأويل (آيات الوعيد) فى ما يتصل خصوصاً بظلم الحاكم ، باعتبارها تنطوى على استثناء مضمر (!) وهو ما يعدُّه مفكرون معاصرون ، بحق ، مسلكاً تبريرياً للظلم والفساد (ن. ح. أبو زيد ؛ الاتجاه العقلى فى التفسير ، ص 17).
تيار (الارجاء) تأسَّس ، فى غالبه ، على نظريَّة (الجبر) لسلب الانسان نعمة (الاختيار) بردِّ ظلم الحاكم وفساده (لإرادة الله)! وربما كان بمستطاع أعجل نظر أن يرى انعكاساً بيِّناً لهذه النظريَّة فى السودان ، من خلال أطروحة د. حسن الترابى الساعية للمطابقة بين مطلوبات (النظام السياسى) ومطلوبات (الإيمان) ، من حيث وجوب (التوحيد) ، عنده ، فى كليهما ، لولا أن الله ".. يبتلى الناس .. فيشركون .. فى مجال (السياسة) كما .. فى كل مجالات الحياة .. فى العِلم وفى الاقتصاد" (خواطر فى الفقه السياسى لدولة إسلاميَّة معاصرة ، ص 6). فإذا كان معنى (الشرك) ، ببساطة ، أن يُعبدَ مع الله غيره: "إنه من يشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنة ومأواه النار" (72 ؛ المائدة) ، فما هو معنى (الشرك) فى (السياسة) التى لا تعتبر (أصلاً) من (أصول الإيمان) الثلاثة التى تستوجب التوحيد: الألوهية والنبوة واليوم الآخر ، بل هى من (الفروع) التى تحتمل الاختلاف بمعايير الصواب والخطأ ، لا الإيمان والكفر (محمد عمارة ؛ الاسلام والسلطة الدينية ، ص 77)؟!
غير أن تاريخ الفكر الاسلامى شهد أيضاً تياراً آخر يمثله مفكرون أحرار اشتغلوا على الاعلاء من شأن مفهوم (حريَّة الارادة الانسانيَّة) فى القرآن ، مقابل المغالاة فى تأويل (الجبر) كتبرير للظلم ، فاضحين الدوافع (السياسيَّة) الكامنة فى أساس نظريَّة (الارجاء) الملغومة! ولذلك لم يكن محض مصادفة أن يُغتال أبرز رموز هذا التيار من خلال صراعات الدولة الاسلاميَّة فى خواتيم القرن الأول ومطالع القرن الثانى الهجريَّين ، كمعبد الجهمى وغيلان الدمشقى والجعد بن درهم ، تماماً مثلما اغتيل محمود محمد طه فى السودان ، ولذات الأسباب، عام 1985م. لقد سأل سائل الحسن البصرى ، أحد أقوى أبكار المدافعين عن فكرة العدل المؤسَّس على المسئوليَّة وحريَّة الاختيار (21 ـ 110 هـ): "آخذ عطائى من بنى أميَّة أم أدعه حتى آخذه يوم القيامة"؟ فأجابه من فوره: "قم ويحك خذ عطاءك فإن القوم مفاليس من الحسنات يوم القيامة!" (هـ. مناع ؛ الامعان فى حقوق الانسان ـ مادة "الحسن البصرى").
وإذن فإن أنصع قراءة مفهوميَّة إسلاميَّة (للانسان) ، وبالتالى (حقوقه) ، ككائن معرفىٍّ عاقل ، قد وردت فى سياق الصراع الفكرى والسياسى حول منظومة المفاهيم القرآنيَّة (للتكريم) و(الاستخلاف) و(العقل) و(الاختيار) و(المسئوليَّة) و(العدل). (فالانسان = العاقل = الحر = المختار) لا يملك كائن من كان أن يسلبه شيئاً من هذه الخصائص أو يحط من قدرها. لقد انتبه كثير من مفكرى وكتاب (حقوق الانسان) الحداثيين إلى أن النصوص المرجعيَّة والمواقف الاخلاقيَّة فى الاسلام ، كما فى الأديان الكبرى كافة ، يُفترض أن تمثل مصدراً أساسياً للالهام بالعديد من هذه الحقوق. وأخذوا ، من ثمَّ ، على أنصار (المذهب الانسانى) بشتى تعبيراته أنهم "أهملوا المصدر الدينى .. الثرى والمهم وعميق الجذور فى الوجدان الجمعى لأغلبيَّة البشريَّة" ، وذلك ".. لمجرد وجود خلافات .. مع المؤسسات الدينيَّة المنتمية لأديان مختلفة .. (ف) تركوا الدين كليَّة لتفسيرات رجعيَّة ومحافظة ومعادية للتوسُّع فى إضفاء الكرامة على الكائن الانسانى وتأكيد استقلاليَّته وحريَّته وحقه فى المساواة" (محمد السيد سعيد؛ "قضيَّة الحوار مع الحركات ذات الاسناد الدينى" ، ضمن "رواق عربى" ، ع/9). وانتقد هؤلاء المفكرون والكتاب أيضاً ، بوجه خاص ، صائغى (الاعلان العالمى لحقوق الانسان لسنة 1948م) كونهم لم يلتفتوا ، مثلاً ، إلى حقيقة أن المادة التأسيسيَّة الأولى فيه ، والتى تنصُّ على أن (كلَّ البشر قد ولدوا أحراراً ومتساوين فى الكرامة والحقوق) ، تكاد تطابق ، مبنى ومعنى ، نص الاستنكار العُمَرى: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)؟! ، "وهو أمر يستحق التنويه والاحترام والتوثيق التاريخى وليس مجرَّد الالتفات والاهتمام" (المصدر نفسه).
وعلى هذا ، فالشريعة الاسلاميَّة ، وإن عرفت نظام (الاعتراف/الاقرار) كدليل فى الاثبات ، إلا أنها ، على العكس مِمَّا يفهم الكثيرون من الداعين إليها للأسف ، سيَّجته بقدر من الأشراط، وكبحت استخداماته بقدر من القيود ، بحيث يستحيل على (الوالى) إغفالها أو تجاوزها دون أن يكون قد أغفل أو تجاوز أشراطاً فى أساس العقيدة نفسها!



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147498104&bk=1
_________

Post: #188
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 03:32 PM
Parent: #187


تأملات حول إطلاق سراح الدكتور الترابي
د. محمد سعيد القدال

من اقوال الشهيد محمود محمدطه الشهيرة: «الحرية لنا ولسوانا». طافت بذهني هذه المقولة بعد اطلاق سراح الدكتور الترابي، والتصريحات التي اخذ يدلي بها عن الحرية للجميع وعن الديمقراطية. وهذا امر جديد في موقف الترابي، ولعله يمثل بشرى لبداية عودة الوعي.

ان ما قاله الاستاذ محمود لا يمثل موقفا تكتيكيا ليتلاءم به مع مقتضى الحال، بل هو موقف ظل الرجل متشبثا به، ومرابطا عنده حتى اعدم. وما كان اسهل عليه ان يتراجع ليتجنب مواجهة رهبة الموت. ولكن كانت اقدامه راسخة في ارض الثبات على المبدأ. وقد احسن منصور خالد الاستشهاد بقصيدة لأبي تمام عندما رثى محمود ومطلعها:

لقد كان فوت الموت سهلاً فرده اليه الحفاظ المر والخلق الوعر

وربما نتفق او نختلف مع محمود، ولكننا لا نملك الا ان نحترم التجانس بين سلوكه الشخصي ومواقفه العملية وافكاره. وهي مواقف يقل فيها التناقض. وقد عبر هو عن ذلك قائلاً: «ان الاسلام ليس ثوبا يلبس عند مقام الوعظ ويخلع على الرف اذا اقتضى الامر الحديث عنه امر مدني، وانما هو صبغة فكرية لا تنفصل عمن انصبغ بها ابد الدهر».

فماذا قال الترابي عن محمود بعد اعدامه. اولا نشير الى ان المحكمة العليا اصدرت قرارا في 18/11/1986م، ببطلان حكم الاعدام الذي صدر في حق محمود. ولكن بعد مضي عام ونصف على صدور ذلك القرار، قال الترابي لجريدة الوطن: « لا استشعر أي حسرة على مقتل محمود.. ان ردته اكبر من كل انواع الردة التي عرفناها في الملل والنحل السابقة.. وعندما طبق نميري الشريعة تصدى لمعارضته لانه رأي رجلا دينيا يريد ان يقوم بنبوة غير نبوته هو، وأكلته الغيرة فسفر بمعارضته.. ولقي مصرعه غير مأسوف عليه» (جريدة الوطن، 30/4/1988م).

ويبعث تصريح الترابي على الدهشة ، بل الكثير من الدهشة. فهو اولا يختصر وقفة محمود الشامخة امام حبل المشنقة وهو ثابت الجنان بأنها بسبب الغيرة. وهذا تبسيط لا يخلو من سطحية، بل يمكن ان نقول ما هو اكثر من ذلك. ثانياً يصف نميري بانه رجل دين، بينما هو احد تجار الدين، ثالثا، ان التصريح يناطح قرار المحكمة العليا. وكيف نقيم حكما ديمقراطيا دون مؤسسات تحافظ عليه، والمحكمة العليا من اهم تلك المؤسسات؟. أليس من حقنا ان نرتاب في تصريحات الترابي عن الحرية للجميع والديمقراطية؟

وكان الترابي قد صادم قرارا آخر للمحكمة العليا الخاص بحل الحزب الشيوعي عام 1965م، ولو وقف الترابي مع قرار حل الحزب الشيوعي مع من وقف من السياسيين في تلك الايام الكالحة، لقلنا لعله قد انجرف وراء رياح التيه التي عصفت بالحياة السياسية. ولكنه نشر كتابا بعنوان «اضواء على المشكلة الدستورية: بحث قانوني مبسط حول مشروعية حل الحزب الشيوعي». وصدر الكتاب في يناير 1967م، اي بعد مضي شهر على قرار المحكمة العليا بعدم دستورية حل الحزب الشيوعي. ويقوم الكتاب على فكرة بائسة. واثار ردود فعل عنيفة، كان اكثرها حدة ما قاله محمود محمد طه في كتاب نشره في الرد عليه. قال: «ان الكتاب من حيث هو فلا قيمة له ولا خطر، لانه متهافت، ولانه سطحي، ولانه ينضح بالغرض ويتسم بقلة الذكاء الفطري.. ولا نعتقد ان الدكتور الترابي ذهب في كتابه الغريب بفعل الرغبة او الرهبة، بقدرما ذهب بفعل ضحالة الثقافة وسطحية التفكير».

ويثير كتاب الترابي بعض الاسئلة. هل نصب الترابي من نفسه محكمة فوق المحكمة العليا؟ وهل اصبحت في البلاد محكمتان، احداهما حكومية والاخرى خاصة بالدكتور الترابي؟ ولماذا لم يعترض على عرض القضية على المحكمة منذ البداية، وظل صامتا لمدى عام؟. واذا اعترض الترابي على احكام المحكمة العليا مرتين، فكيف يمكن ان تتحقق الحرية للجميع وكيف تتم ممارسة الديمقراطية؟ والاسئلة تترى.

وفي استعراضنا لموقف الدكتور الترابي، نحتاج لوقفة عند علاقته بنميري. عندما قبل بالمصالحة مع من قبل من الاحزاب، لم يكتف بالصمت عند ذلك الموقف مع الذين صمتوا، بل ادلى بالعديد من التصريحات عن نميري ونظامه. فقال بعد اول لقاء مع نميري انه يشيد بالصدق الذي ساد اللقاء، واتاح له اللقاء ان يلمس مجددا حرص الرئيس على بناء المجتمع الموحد الفاضل، وتأسيس كيانه القانوني. وافاض في حديث آخر في الاشادة بنميري فقال: «ان التزام نميري تجاه امته جاء مسامحا وسخيا عكس الظنون التي توهمت انه سيلجأ للبطش بحكم ثقافته العسكرية.. ومهما كان من سياسات اتخذها ازاء الطائفية، فقد انكسرت اليوم شوكتها، وتهيأت حركة سياسية حديثة نحو الاسلام، مبرأة من الجمود والقيود، وتتجه نحو المستقبل.. ان اتساع الفراغ السياسي بالتمزق قد ملأته ثورة مايو حتى وصلت الى شموخها الحالي». واشار في حديث آخر الى ان «مبادرة الرئيس القائد لدعم الوحدة الوطنية خطوة شجاعة ورائدة» واكد ـ انهم لا يكادون يختلفون مع الثورة الا في قضايا فرعية، لا يفك الناس عن الاختلاف حولها». (جريدة الايام 23/12/1977م و20/3/1978م).

ولا خلاف لنا حول ما قاله الترابي عن نميري، فهذا من حقه. ولكن خلافنا معه بل دهشتنا، حول ما قاله بعد سقوط نميري. فقال عام 1990م: «ان المصالحة مع النظام المايوي اثارت خلافاً حاداً في التقرير الفقهي السياسي، وذلك نظراً لطبيعة النظام غير الديمقراطية وغير الاسلامية، ولثارات الحركة من تلقائه، ظلامات في الأموال والحريات والعروض والدماء (من كتابه الحركة الاسلامية، ص 195).

هذا الانقلاب الدرامي في موقف الترابي، يزيد من ريبتنا حول تصريحاته عن الديمقراطية والحرية للجميع.

ثم جاءت سنوات الانقاذ. ولسنا بصدد اجراء محاكمة لما حاق بالبلاد من خراب خلال تلك السنوات العجاف ، فهذا أمر متروك للتاريخ والتاريخ لايرحم. ونكتفي ببعض المقتطفات من الكلمة التي نشرها الطيب صالح في مجلة المجلة بعد خروج الترابي من السجن . قال: « اليوم ينعم الله على الترابي نعمة اضافية، بعد ان مكن له في بلاد السودان، يشاء ان يذهب طليقاً.. وبينما هو كذلك، شاءت له ارادة الله ان يسقط فجاءة من عليائه.. وان يذوق على ايدي انصاره السابقين بعض ما ذاق الناس على يديه، لم يكن حبسه القسري في مرارة بيوت الاشباح والزنازين التي وصفها الذين دخلوها بأنها لاتسمح للجالس ان يقف، ولا الواقف ان يجلس، ولا المضطجع على جنبه الايمن ان ينقلب على جنبه الأيسر. وغير ذلك من اهوال يشيب لها الرأس. ولايشفع للدكتور الفاضل امام الله والناس ان يقول انه لم يكن يعلم، وانه ليس مسؤولاً عما حدث. ان الله يعلم والناس يعلمون ان كل تلك الاهوال قد ارتكبت، ان لم يكن بتدبيره ، فقد حدثت من دون اعتراض منه. وكان الله رحيماً حقاً حينما انتزعه من عالم الغرور والكبرياء الذي كان يحيط به ، وزج به في غياهب الجب حتى يثوب الى نفسه.. ولعله فعل. لأن بعض ما قاله إثر خروجه من السجن ان الجبهة الاسلامية بزعامته اضطرت الى احداث تغيير عسكري في البلاد قبل نحو خمسة عشر عاماً، ولكنها اتعظت من التجربة، ويعجب الانسان: هل كان لزاماً ان تدخل الجبهة في التجربة اصلاً؟ وهل كانت تحتاج الى خمسة عشر عاماً حسوماً لتتعظ من التجربة؟ كم ربح السودان في هذه الاعوام وكم خسر ؟ وكم ربح الاسلام وكم خسر ؟ وكم ربح الدكتور الترابي وكم خسر روحياً وعقليا؟.. انني بوصفي رجلاً مسلماً من غمار الناس، ارجو للدكتور كل الخير، وقد سعدت انه خرج من ضيق الحبس الى براح الحر ية، وأخذ من فوره كعهده دائماً يملأ الدنيا ويشغل الناس. ولكنني انصحه نصيحة خالصة، واقول له : «انك اليوم تواجه أصعب امتحان واجهته في حياتك. فكر جيداً ماذا تصنع امام الله والناس. أي طريق تسلك؟ وأي وجهة تتجه؟ هل تعكف على عقلك وروحك فتنجو بنفسك...؟ ام تنغمس مرة أخرى في مستنقع السلطة والحكم والتحالفات والمؤامرات»؟

ولعل الطيب صالح ليس وحده الذي انزعج للتقلبات في مواقف الترابي السياسة. فقد كتب الاستاذ محمد احمد محجوب في كتابه «الديمقراطية في الميزان » (ص190) يقول، انه يقدر عالياً قدرات الترابي القانونية، ولكنه لايثق في أسلوبه في العمل السياسي. وقال الاستاذ محمد ابراهيم نقد في الجمعية التأسيسية عام 1965م تعليقاً على ما قاله الترابي: ان تصريحات الترابي متضاربة. ومن المهم ان يواجه الانسان خصماً سياسياً له رأى واضح، اما التذبذب والتلون في المبادئ والاخلاق، « فلا أجد نفسي في حاجة للرد عليه) «محاضر الجمعية التأسيسية.

فهل يمكننا ان نقول ان تصريحات الترابي عن الحرية للجميع وعن الديمقراطية هى خروج عن تراثه السياسي منذ ان اعتلى منصة النشاط السياسي، وانها تمثل بشرى بعودة الوعي بعد طول غياب؟. وهل نحتاج ان نذكر ان الانسان موقف، وهو موقف يصبح الفرد بدونه عرضة للتطويح كلما هبت رياح عاتية؟

الصحافة 11/ يناير 2004م

Post: #189
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 03:35 PM
Parent: #188


اللغـة والراوي
قـراءة في عالم زهـاء الطاهر القصصـي
زهاء الطاهر أحد كتاب القصة القصيرة، الذين أفرزتهم مرحلة التحولات الحداثية، منذ اواخر السبعينيات من القرن الماضي.. ملمحان اساسيان يستوقفان قاريء زهاء الطاهر، سواء أكان في كتابته القصة القصيرة (مجموعة ليلى والجياد ـ مثلا) او في (وجه جالا يتجلى ـ كتابة)(1)، التي اصدرها عن مركز الدراسات السودانية في عام 2003م، او في قصصه العديدة التي طالعناها في الملفات الثقافية المختلفة. والملمحان الاساسيان هما:ـ الاسلوب المميز في تعامله مع اللغة القصصية، او لغة الكتابة كما في وجه جالا يتجلى ـ ونوعية الراوي (المتكلم) التي يستخدمها في كل كتاباته ـ حتى في خطابات تكريم الآخرين (عثمان علي نور: العدد الثاني والعشرون من كتابات سودانية ـ ديسمبر 2002م ـ والتي استعنا بمجتزأ من خطاب زهاء في هذا العدد الخاص بتكريم مركز الدراسات السودانية لعثمان علي نور، في مقدمة هذا الكتاب). وقد اشار الناقد معاوية البلال من قبل الى أن زهاء الطاهر من أميز القصاصين، الذين يستخدمون صيغة المتكلم، كاسلوب سرد ذي فعالية، دون افتعال(2) وتعمل هذه الصيغة بالاحالة للبلال على توافق سردي بين الايقاع والنسيج وتعمل على ضبط حركتها داخل النسق السردي من خلال تدفق الوعي. وصيغة المتكلم هذه تقنية حديثة، تتيح ما يمكن قوله الى ما يجاور ويلامس تخوم الشعر، وارتبطت هذه الصيغة بتيار الوعي..
كما ان لغة زهاء الطاهر القصصية، تتميز بالاختزال والتكثيف والايحاء(3) وكتمهيد لقراءة الراوي في قصته القصيرة (الساهي) (4).. نبدأ اولا بملاحظاتنا حول اللغة في (وجه جالا يتجلى)..
أولاً: اللغة في وجه جالا يتجلى:
تتكون هذه المجموعة (وجه جالا يتجلى) من 13 نصا (اتتركني ليزدردني وحدي المطر ـ ليتها لو انها كانت هي الزمن كله ـ حين خرج المساء من بهر السماء ـ شربنا فهمنا فاستهامت نفوسنا ـ آه يرول ما انقى لسانك ـ محمود محمد طه آخر عهدنا بالفرح ـ وجه جالا يتجلى ـ هي دنيا تحجل في رونقها ـ ذاك.. ايها الولد المشاكس.. اين نحن الآن؟ ويزهر الطيب صالح هكذا.. دوما هكذا ـ نضرة وزاهية هي الطائرات رغم اجهادها ـ ثم اني لا املك الا اوتاري وعقيرتي). وأول ما نلاحظه على هذه المجموعة وجه جالا يتجلى التوظيف المدهش للغة عند زهاء. اذ تتناثر مفردات العامية لتشكل مع الفصحى ولغة الوسط جسدا واحدا لا تكاد تبين بينه المستويات الفاصلة للغة. لكننا سنتخذ هنا نموذجا نصه الذي وظف فيه ايضا لغة غرب السودان (النص: يا بعض أهل الله بالله كيفكمو؟)
اللغة بالنسبة لسوسيور جزء معين من الكلام، وان كانت اساسه الجوهري، وهي كل مستقل بذاته قابل للتصنيف، وعلى ذلك فإن اللغة هي: نظام من الرموز المختلفة التي تشير الى أفكار مختلفة(5) يقول علماء اللغة: ان ادراج الكلمة في بنية مركبة متعددة المستويات، يضفي عليها قيمة دلالية موحدة، تجعلها صالحة لاداء وظائفها على هذه المستويات المختلفة(6).. واللغة عند زهاء الطاهر مدهشة. بانسيابها، ونعومتها.. هذا المزيج من الدارجة التي تتخللها مفردات من غرب السودان، وفقا لتراكيب العربية الفصحى.
ويتقاطع زهاء الطاهر هنا على ـ مستوى اللغة ـ مع لغة الطيب صالح: لغة وسط السودان ومع ابراهيم اسحاق في استخداماته المزيج. وبذلك تشكل اللغة في كتابة زهاء الطاهر نسيجا مختلفا عن اللغة عند الطيب صالح بذات درجة الاختلاف عن اللغة عند ابراهيم اسحق، اذ تقف لغة زهاء في منتصف المسافة بينهما لكنها تقيم حوارا مع اللغة عند كل منهما، فلغة زهاء ليست صعبة بمفردات غير مألوفة تماما، كما نستشعر عند ابراهيم اسحق، وليست سهلة بسيطة كما نجدها عند الطيب صالح.
وربما أسهم زهاء بذلك في لعبة اللغة القصصية، بأن جعلها ـ لغة القصة ـ قادرة على تأدية معانيها الى أقصى حد ممكن، لكأن لغته تخرج من اغوار ذلك العالم الحكائي الحلمي الناعم لألف ليلة وليلة، لتمتزج بلغة القصة المعاصرة ولغة الشعب في غرب ووسط السودان ـ ليشكل هذا المزيج خصوصية اللغة عند زهاء. ونلاحظ ذلك في «يا أهل الله بالله كيفكمو»(7) وقبل أن نسترسل في وجهة نظرنا نشرح هذه القصة «يا أهل الله بالله كيفكمو» بهذا التخطيط السمولوجي:
التعليم المدني ــــــــــــــــ الدراسة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ النجاح في الدراسة
والتخرج والوظيفة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ الرضاء التام بما تم التوصل اليه
التعليم المدني
ــــــــــــــــــــــ انعدام الرضاء
المخطط يشرح المنفعة التي يسعى اليها بطل القصة (الراوي المتكلم/ زرقان). فقد تحول لدى لقائه امرأة «جفالة» من «مهاجري»: أي طالب علم قرآني في الخلاوي ـ الى طالب تعليم مديني» رأتني حين رأيتها.. مالك والشرافات وحطب الخلاوى.. كلمت ناظر المدرسة عشان ياخدك في المدرسة تدرس مع العيال(. ونجح في دراسته بالتعليم المديني وتخرج من مدرسة الرسم «التي صاغوني بها جيدا حتى صيروني مدرسا بها (9) «لكنه لا يشعر بالرضاء بعد كل هذه السنوات» يا ولد. ناديت على نفسي.. هو انا في اسمال الذكرى.. ازمان الرمل والمدارس بكل فصولها الاربعة ومستقبل الالوان الذي تسبب في موتي وبعثي لكني لم اشأ. وزغردت بجفالة بجلال وجمال ووفاء، فيا بعض اهل الله بالله كيفكمو؟(10)». ويشرح المخطط ادناه الضرر المحتمل، لبطل هذه القصة جراء تركه لطريق اسلافه، واتخاذ طريقا مدنيا جديدا:
التخلي عن حياة الخلوة ـــــــ مساكنة زرقان لجفال
ــــــــــ التخلي عن حفظ القرآن في الخلوة
ـــــــــــ التخلي عن جفالة
التخلي عن حياة الخلوة ـــــــــ ضياع زرقان.
فقد تخلى زرقان عن حياة الخلوة. والمهمة الاساسية التي ابتعثه اهله لاجلها «حفظ القرآن» بمساكنته جفالة، ما يعد ضياعا له وفقا لوجهة نظر الفقيه الذي يحفظه القرآن، ووفقا لوجهة نظر اهله وزملائه «وبكى الفكي ابكر كثيرا حتى تمخط ثم استغفر وهو يقول: زرقان ضاع الى الابد(11). وانخرط زرقان في التعليم المدني واستمرت حياته مع جفالة بعد التخرج والوظيفة.
حملت لغة القصة عند زهاء هذه الأفكار. بسهولة ويسر، فبينما نجد لغة الوسط تكاد تطغى على لغة النص: «يلا بينا فقرا.. وتغطيني من العين، واكتب لي بخرات.. ثم خرج الفكي مبسوطا.. يا ولية كيفن اقعد وسط عيال فرافير ادرس معاهم؟.. بكره من صباح الرحمن تمشي السوق لحمدين الترزي، الخ..) نجد ان الفصحى تزاحم هذه اللغة «فلما مددت لها بآياتي المكتوبة.. كان عاما كريما حين خرج بنا الفقيه ابكر المسلاتي.. ذهبت معها وقابلت الناظر والمدرسين، الخ..) تتخلل هذين التوظيفين للغة مفردات غرب السودان بصورة تنافس التوظيفين السابقين للغة (عبد البنات.. الاضية.. جفالة.. ابكر المسلاتي.. انبسطت الداجاوية.. دقيق الجير.. اسكت يا جنقجورا.. وانا الارنتنق ضحكت معها.. ترى انتايا الناظر.. الورتاب، الخ). فاللغة عند زهاء ليست مجرد مرآة عاكسة للحياة فقط.. حياة هذه الشريحة من الناس: المهاجرية ـ بل هي كائن في حياة هؤلاء المهاجرية، يقع في قلب عالمهم المحفوف بسلطة الفقيه، والتعليم المديني والمجتمع، الذي تنتمي اليه جفالة، بكل طموحاته وتطلعاته.. ومن هنا لا تكتفي اللغة في يا اهل الله بالله كيفكمو في توصيف العالم الباطني للراوي المتكلم بطل القصة وحبيبته جفالة، اذ تتحول الى نشاط يكشف عن دلالات كثيرة وغنية، تتلاقح فيها لغة الوسط مع الغرب والفصحى «ان الامساك بالجانب المتعلق بمحتوى اللغة بصورة علمية، هو أصعب من الوقوف على الجانب المتعين منها، أي الجانب الذي يتمثل في التعبير بصورة ملموسة، فالوحدات التي تتمثل على مستوى الدلالة، اكثر كثيرا منها على مستوى النحو او الصوتيات. ذلك بأن ما هنالك من صيغ نحوية واشكال صوتية أقل مما هنالك من المعاني(12).
وتقودنا هذه الملاحظة الى حقيقة ان محتوى النص اللغوي، مراوغ بحيث يصعب ضبطه، على نحو ما يصنع علم النحو، او علم الاصوات اللغوية. وأهم من هذا ملاحظة ان المعاني ـ على ضخامة حجمها ـ انما تتجسد لغويا في عدد محدود نسبيا من الصيغ. وهذا ما يخلق مسافة كبيرة في بعض الحالات. بين الصيغة النحوية والمحتوى الدلالي للعبارة. ولتوضيح ذلك لنفكر نحويا في الجملة عند زهاء الطاهر. على سبيل المثال: (كنت اسجع. فقربت مني(13). فمن الناحية النحوية تحدد هذه الجملة علاقة بين فعل وفاعل. لكن من حيث الدلالة الامر مختلف فاقترابها «جفالة» وهو «زرقان» في سجعه نحويا يمكن قراءتها بصورة عامة هكذا: (التاء في محل رفع اسم كان. واسجع فعل مضارع مرفوع. والفاء للعطف وقربت فعل ماضي. والتاء للتأنيث في محل رفع فاعل. ومن حرف جر والياء للمتكلم ومني: «جار ومجرور»).. وعلى المستوى الدلالي نجد ان جفالة ليست هي فاعل الاقتراب. لان سجع زرقان، مارس دور الغواية، ودفعها للاقتراب. فهي اقتربت مدفوعة دفعا بغواية السجع. بالتالي زرقان اقرب لان يكون فاعلا في حالة: السجع.. وهي أقرب لان تكون مفعولا بها. عكس القراءة النحوية.. التي تعلن عن حالة الفعلية في (كنت اسجع) في شقها الاول، وفي شقها الثاني (فقربت مني).. تعلن عن حالة الفاعلية. في حين انها تضمر بشقيها الاول والثاني على المستوى الدلالي ـ وفقا لما ننحاز اليه من تأويل ـ حالة واحدة فقط اما: الفاعلية، او الفعلية. وتقودنا هذه الملاحظة الى الوقوف على اللغة، بوصفها نظاما عاما ينطوي على مجموعة، من النظم المتكاملة والمتآزرة (النحوي ـ الدلالي ـ الوظيفي) ولمزيد من التوضيح، يمكننا أخذ مثال من النص (حملنا اخراجنا على ظهورنا. ظهور أيامنا(14). فهذه الجملة المكونة من جملتين متصلتين ـ طريقة بناء الجملة عموما عند زهاء ـ يربطهما التأكيد (ظهور ـ ظهورنا). موضوعها «الايام» ـ وليس «الاحمال» كما قد يتبادر الى الذهن، على المستوى النحوي ـ فالكلام هنا وصفي ـ يصف فيه المتكلم بضمير الجمع، ان للايام ظهورا. فهو يعرف ذلك ومفردة «ظهور» نفسها ليست غريبة على أحد فلكل شخص ظهر ـ بل كل كائن حي نراه حولنا ـ كما ان هناك فضل الظهر كتعبير كنائي ـ لكن ليس ذاك هو غرض المتكلم ـ فهو يريد تمليكنا معلومة جديدة هي: ان ظهورهم التي حملوا عليها احمالهم، ليست هي الظهور التي نعرفها. فهي ظهور الايام واكد على ذلك بالتكرار.
وهكذا نجد ان المتكلم اضاف هنا حقيقة جديدة للايام من معنى يندرج في التجريد الذهني، الى جسم مادي محسوس، وهو ان للايام ظهرا، بالتالي لها جسد هذا الظهر جزء منه، وهذه الحقيقة هي حقيقة محتملة بين عدد من الخيارات، فمثلما للأيام ظهر لها انياب وساق واقدام واسنان وعيون ولسان، الخ الخ.. وهو امر مدهش ان تكون الايام = غير المحسوسة. جسد محسوس. فمن خلال الدلالة التي يحملها اللفظ، ندرك هذه المعرفة الجديدة، وهكذا..
ان زهاء الطاهر بلا شك اضاف للغة القصة القصيرة اضافات مهمة. وأتصور انه الى جانب ابراهيم اسحق، قدما مداخل لمشروع لغوي جذري للقصة ـ ينهض في بلاغة وجمال الدارجة ولغة غرب السودان ـ حري به ان يكون هو لغة مستقبل القصة الحديثة في السودان، التي تتلاقح وتتفاعل فيها لغات السودان في مختلف اطرافه، ليتخلق من هذا المزيج، نصا لغويا مشحونا بالدلالات المتنوعة، ويفيض بالمعاني المدهشة.
ثانياً: الراوي في الساهي:
لابد لنا من الاشارة الى ان للمتكلم في الحكي حالتان: اما ان يكون الراوي، خارجا عن نطاق الحكي، او ان يكون شخصية حكائية، موجودة داخل الحكي. فهو راوٍ ممثل داخل الحكي. وهذا التمثيل له مستويات «فاما ان يكون الراوي مجرد مشاهد متتبع لمسار الحكي، ينتقل عبر الامكنة، ولكنه مع ذلك لا يشارك في الاحداث. واما ان يكون شخصية رئيسية في القصة». وعندما يكون الراوي ممثلا في الحكي كما في قصة الساهي ـ اي مشاركا في الاحداث اما كشاهد او كبطل، يمكن ان يتدخل في سيرورة الاحداث، ببعض التعليقات او التأملات، تكون ظاهرة ملموسة. اذا ما كان الراوي شاهدا، لانها تؤدي الى انقطاع في مسار السرد، وتكون مضمرة متداخلة مع السرد، بحيث لا يصعب تمييزها اذا كان الراوي بطلا. وفي بعض الحالات التي يكون فيها الراوي غير ممثل في الحكي، ويلجأ الى التدخل والتعليق على الاحداث، فإن الامر قد يؤدي الى تصديع البناء الخيالي الذي اقامه الراوي نفسه ـ وهذا ما لا نجده عند راوي زهاء ـ اذ يصعب بعد هذا على القاريء ان يصدق بأن الابطال لديهم حرية الحركة والتصرف(15). الراوي/ المتكلم في الساهي يباشر بالحديث المتواطيء عبر الجملة ذات الايقاع الوصفي، مما يجعل المتلقي منذ السطر الاول يشرع مشاعره لتداعيات هذا الراوي «ومفعما كنت حتى الجلد، وحتى منبت الكلام وارجاء الروح الهادلة، وشائقا كعهدي، وشيقا كعهدها ومندفعا كلي نحوي، تواقا وعذبا كنهير في حلم أخضر، فياضا ومسكونا ببعض الوحي الموحي. كنت كأني اصيل مذهول(16)» فنلاحظ في هذا المجتزأ ان الجملة التعبيرية تدفع بالقاريء الى التسلل الى النسيج السردي. اذ يستخدم زهاء الاحالات المجازية الباعثة على التأثير في وجدان المتلقي «ومفعماً كنت حتى الجلد ـ اصيل مذهول ومنغوم، الخ» وهكذا يتم توظيف طاقة الانفعال في المجاز الذي يسقطه في عالم الأشياء «لأصبحت لهذه الادارة نكهة آسرة وحالمة» واستخدام المجاز هنا ليس إلا من مستويات التعبير عند زهاء، والذي يستخدمها في توسل الراوي للتحقق مما يسرد.
الأنا/ إلهي:
يرصد زهاء هنا شخصية الراوي عبر ضمير المتكلم، وشخصية سالي (الهي) مبينا كيف نشأت العلاقة بينهما من قلب التناقض «ما لها لو غارت او طارت، فإن فعلت فحتما أبداً لن اطراها طريت النبي» ـ «لو انه توقف أو اوقفوه وفارقنا لاصبح لهذه الادارة نكهة أخرى».. وهكذا ابتداءً يتم تحديد الابعاد النفسية للأنا (الراوي) ولـ (الهي) = سالي موضوع حب وحنين الراوي.. ويجد المتلقي نفسه مرتبكا ازاء هذه العلاقة، فالعلاقة تنهض بشكل اساسي في (السهو) وهكذا يشكل السهو محورا لعلاقات السرد، تنهض فيه علاقة الراوي الساهي بسالي الساهية «مرة اخرى رفعت رأسي بجبهته العريضة ولم اسألها بل سألت ضيفتها: اما جاء وسأل عني احد في غيابي يا رجاء؟ لم يكن اسمها رجاء. ابدا لم تكن رجاء، فغمغمت بضياع ثم قالت لي: فقط ابوك سأل عنك لكنه لم يجيء. اين كنت يا ناصر؟.. لم يكن هذا اسمي ابدا لم اكن ناصر.. اذا هي امك التي سألت.. ابتسمنا ثلاثتنا واخرجت لهما صورة امي من جيب جلبابي..» واخيرا: تحتشد هذه القصة بالدلالات والرموز التي تتأسس على المفارقة في عدم تطابق الاسم مع المعنى «رجاء/ الرجاء» ـ «ناصر/ النصر».. يسرد زهاء بضمير الراوي بلغة مميزة لا تعوق الحدث. لغة مزيج من العامية والفصحى. يسحبنا بهذه اللغة الى أغوار سرده دون ان تحس بملل.
ü هوامش:
(1) زهاء الطاهر. وجه جالا يتجلى ـ كتابة. مركز الدراسات السودانية. الطبقة الاولى 2002م.
(2) معاوية البلال. الكتابة في منتصف الدائرة. الشركة العالمية للطباعة والنشر. ص:162.
(3) معاوية البلال. الشكل والمأساة «دراسات في القصة القصيرة السودانية» الشركة العالمية للطباعة والنشر. ص: 80.
(4) كتابات سودانية «كتاب غير دوري». مركز الدراسات السودانية. العدد العشرون يونيو 2002م ص: 105.
(5) د. صلاح فضل نظرية البنائية في النقد الادبي. مكتبة الاسرة. مهرجان القراء 2003م ـ ص:20.
(6) السابق. ص: 199.
(7) زهاء الطاهر «مرجع سابق» ص:7
( السابق ص: 10
(9) نفسه: ص: 12
(10) نفسه ص 12
(11) نفسه ص 8
(12) فصول للنقد الأدبي. المجلد الخامس. العدد الرابع. يوليو أغسطس سبتمبر 1985م ص: 43
(13) زهاء الطاهر «مرجع سابق» ص: 7
(14) السابق ص: 9
(15) محمد السيد محمد ابراهيم. بنية القصة القصيرة عند نجيب محفوظ «دراسة في الزمان والمكان»، الهيئة العامة لقصور الثقافة 2004م ص: 347.
(16) كتابات سودانية. «مرجع سابق» ص: 107.

أحمد ضحية
[email protected]



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147497579&bk=1
_________________

Post: #190
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 03:39 PM
Parent: #189


نافذة المترجم

يحررها د. التجاني الجزولي
====
لاَ مَشْرقَ وَلَا مَغْربَ...
بَلْ رباط وَاحِد (1)
1
كلاهما عالم علامة جياش القريحة. كلاهما متمكن من مصادره ومادته، مسترسل في عبارته، مجتهد بدوافع الخير والمحبة لأمته، فلئن اصاب في محاولته فله أجران، أما إن اخطأ فله مع ذلك بالتأكيد اجر الاجتهاد المخلص. ثم يبقى لـ «اليوم السابع» فضل استثارة جدل مهذب وممتع ومفيد. وبالغاً ما بلغ انتقادنا لواحدهما أو الآخر أو لهما معاً، فلن يجحد ذلك بأية حالة حقهما علينا في التجلة والتمجيد.



هذا، وان حرص احدهما على ان يعلن بأعلى صوته على الملأ، مايراه حقه وحق نظيره في المدح، لكأنما غير واثق من ذمة القراء في ذلك. هكذا سمح الدكتور حنفي لنفسه في الحلقة الثامنة كي يقول من غير تحرج: «كنا في غاية التحضر نعطي جيلنا نموذجاً فريداً (هكذا - بخ بخ) لأدبيات الحوار.. اشبه بنجمين ساطعين يهديان الناس في ظلمة الليل... كما احتار الناس فيك احتار الناس فيَّ ايضاً... مع أنا كلانا ذوات عربية لا تموضع نفسها». اما ما حيرني انا شخصياً، فهو المسوغ الذي رخص للقائل وهو النجم الساطع الهادي، لاسيما لنشء عربي تتعرض لغته للامتهان والاستهتار والتقويض من داخل وخارج، ان يرفع اسم «ان» في «كلانا»، وان يجعل المثنى جمعاً في «ذوات» بجانب اخطاء اخرى لا اشك في ان مبعثها العجلة ولكن خطأ الكبير كبير.



واذ الشئ بالشئ يذكر، لماذا يحرص الدكتور حنفي على ان يحذو حذو آخر من المتقدمين. فهو في نفس الحلقة الثامنة يجنح لاستدراك ما فات، لا لأن هناك، ما يستدرك بالفعل، ولكن لأنها على قوله «عادة الفلاسفة في الاستدراكات، وكما فعل أوغسطين». وبما انه يحب لأخيه ما يحب لنفسه فقد اخذ يحضه راجياً بأن «يفعل مثلي»، دون ان يتبادر لذهنه ان ربما ليس لأخيه ما يدفع به للاستدراك «مثله». كذلك اوضح تحقيبه السباعي بحسبانه «محاولة لعمل فلسفة جديدة في التاريخ بعد ابن خلدون، وكما قام بها روسو وفولتير من قبل... وفيكو وهيغل وكومنت». تمنياتنا له بالتوفيق الذي هو بحق اهل له. ولكن ليفرغ مفكرنا القدير من انجاز محاولته أولاً ويترك لغيره إلحاقه بالخالدين. فالمهم الفعل لا الافتعال، والعطاء الحقيقي لا المحاكاة العقيمة او التي تلد معوقاً.



ولا املك إلا ان ألاحظ نوعاً من عدم الاتساق في مداخلات د. حنفي منذ الاستهلال. عدم اتساق ينزلق حيناً الى بعض تناقض اعيد منه مفكرنا المستوجب الاحترام. فتراه ينكر القول بأن الحوار المزمع «بين مشرق ومغرب». ولماذا ينكر ذلك القول؟ يجيب: «لأن هذه القسمة نشأت في حضن الاستعمار تقطيعاً للعالم الاسلامي الى اسلامي وعربي اولاً، ثم للعالم العربي الى مشرق ومغرب ثانياً» اذا كان الامر كذلك في نظره فلماذا قبل سيادته الاشتراك طرفاً في الحوار منذ البداية، تحت هذه القسمة «الاستعمارية المنشأ»؟ ولماذا نسى نكرانه «القول بها» فدأب على القول بها بعد ذلك تكراراً بلا استنكاف او اعتذار عن نكوصه؟ واذا كانت هي قسمة نشأت في حضن الاستعمار بغرض التقطيع والتقسيم كما فسرها لنا، فما تبريره لاستخدام السلف الصالح لها ولا نخال مقصدهم كان: ان تضيع وحدة العالم العربي واستقلال المنطقة بعد ان يذهب نصفها الى الغرب ونصفها الى الشرق». كما تقول كلماته بالحرف. فهل خرج ابن تيمية مثلاً من قبعة الاستعمار (على النحو الذي خرج به الاستقلال من جبة الافغاني بتعبيره المتبسط والمغالي في التبسيط) حين صاح في ابن عربي: ماذا يريد هذا «المغيربي» منا؟ أو الدكتور حنفي وهو يستخدم تعبيراً «للمشارقة» بأن محاوره الجابري «عمل من الحبة قبة»؟ ليستقر الدكتور حنفي اذن على حال: ايقول بمشرق ومغرب، أم لا يقول؟ أيرتضي هذه القسمة ام لا يرتضيها؟ فكما يقول اهلكم السودانيون «الرجل يمسك بلسانه». ناهيك عن المفكر ولاسيما اذا كان «نجماً ساطعاً».



ويقول الدكتور حنفي في اولى مقالاته: «وجاء جيلنا وغالى البعض منا في القطيعة، ودعا الى خصوصية مغربية عقلانية علمية طبيعية في مقابل مشرق صوفي اشراقي ديني. مما يجعل المغرب اقرب للغرب والمشرق اقرب الى الشرق». سأغض الطرف عن العبارة الاخيرة الملغومة بحق، لأضاهي مقولتها هذه كلها برجائه في مطلع الحلقة الثامنة ان: «يعذر المغربي العقلاني أخاه المشرقي الصوفي الذي لا يزال يرى في الصورة الفنية قدرة على التعبير فيتضح جلياً ان الرجاء الاخوي جاد تماماً. ولكن ما بين الحلقتين الاولى والثامنة كان الكاتب المحترم قد نسى اتهامه بعضهم بالمغالاة في القطيعة بما عزوه لمشرق ومغرب من خصوصيات بعينها، فخاض مع الخائضين ولا حرج.



يقرر د. حنفي محقاً وذلك في الحلقة السادسة: «ان تحديد المصطلحات منذ البداية قد يوضح كثيراً من اللبس الشائع» وعد بالانضباط المصطلحي والدقة في حصر المفهوم، وما ذاك على باحث رصين مثله بمستكثر. غير انه يفاجئنا بعدم الالتزام الصارم به بما يوقعنا في اللبس الخاص به. ومثال على ذلك تقلقل مصطلح «ليبرالية» على يده. فهي تعني مرة الممارسات العامة مما يطوله في العادة نعتها (كالقابلية لاستقبال الوافد والجديد، وتحمل المخالف والتعايش في تعددية) في مقابل «المحافظة التقليدية». وتارة يجعلها تبدو المناقض لقيم لا أظن ان لليبرالية أية صلة بها مثل «عقدة السامواري» التي في اعمق الاعماق في اليابان: «الشهامة وقطع الطريق». وحيناً يعني بها مناخ الحرية السياسية بصورة عامة. وحيناً آخر النظام البرلماني تحديداً.



عين الاستخدام الاريحي نجده في مقالته عن «الهوية في مقابل التغريب» حيث يتعرض بالذكر للمجتمعات التراثية فما هي هذه «المجتمعات التراثية» وإن كنا نحدس المعنى المقصود وندرك الاصل المترجم عنه. او حين يضع «الثورات العربية» بإزاء «القوى الوطنية» لكأنما يمكن فصل «الثورة» عن «القوى الوطنية»، رغم أننا -مرة ثانية- نعلم ان المقصود السلطوية العسكرية بالشعارات الوطنية والتقدمية مع تأييد جزء له اعتباره من الشعب، بإزاء الولاءات السياسية الاكثر تجذراً. أو حين يفسر «الحداثة» اذا ما انتشر الجديد عبر الترجمة والنقل وانتشار ثقافات أخرى» (الحلقة السادسة). وبذلك تتعرض المصطلحات لنوع من اللغة الخاصة التي تلهث وراء جمعها كلما انبهلت.



إنما هي تذكرة. ويقترح د. حنفي بأن يتجه الحوار نحو الواقع مباشرة وليس حول النظرية ويحدد تحديات رئيسية سبعة على رأسها تحرير الارض وما عداه الصواب. وسرعان ما ينسى د. حنفي بتفادي الخلاف النظري في الحوار، ليتساءل الى أي حد استطاع الفكر المعارض صياغة نظرية في تحرير الارض ومقاومة الاحتلال. ومع ذلك تحسبه سيطرح عليك معالم برنامج عمل واقعي مباشر، ولكن لا. بل سيحاول الزج بك في متاهة ذات رمال متحركة ومهالك. وبدل استنهاض القوى البشرية الكائنة في يومنا هذا يفكر باستحضار ارواح الصراعات الغابرة والفتن الدائرة: «الخلق أم الفيض أم القدم؟ وهل بإمكان وحدة الوجود مثلاً اعطاؤنا لاهوت الارض وتصوف الارض لمساندة شعر الارض ويوم الارض وانتفاضة الارض؟» فلا نملك إلا ان نضرع: سيدي وبكل اتضاع أمام علمك الزاخر وقصدك الطاهر، اجاد انت حقاً فيما تقول؟ ثم ماذا تقترح للعرب المسيحيين الذين يتساقط فلذاتهم جنباً لجنب مع اخوتهم المسلمين في فلسطين من بعض ما دار عليه الاصطراع بين يعاقبه ونساطره حول الطبيعتين والاقاليم؟



ومن عجب ان د. حنفي فيما يشبه الشطح هذا. لم يتعرض لعملين اكثر مباشرة ووروداً مما ذكر، أومئ إليهما حيث ليس «على الحكي جمرك» كما يقول اخوتنا اللبنانيون. أحدهما مبحث القس السابق عبد الأحد داؤود في كتابه «محمد في الانجيل» الذي تولت دولة قطر مشكورة نشره بالانجليزية والعربية، وفيه فصل يدلل فيه هذا الحبر اللاهوتي بأن العهد ابرم في الواقع بين الرب وابراهيم بحضور اسماعيل الذي ختن واخذ العهد هو وذريته بالارض الموطوءة ما بين النيل والفرات بحسبانه البكر المستحق الارث المعنوي وفق القانون الرعوي السائد آنذاك. والثاني مبحث الدكتور كمال الصليبي «التوراة جاءت من جزيرة العرب». وهو مبحث جرئ يغضب الاطراف كافة. ولكنه ان صمد للتنفيد العلمي ينقل التنازع التاريخي بين نسل اسماعيل واسحاق نقلة كبرى يقهقه لها إبليس التاريخ متفكهاً دون ان يكون في ذلك بالضرورة ما يعطي الصهيونية حقاً في جزيرة العرب. ثم يبقى الحل الحقيقي كامناً في قولة المناضل عبد الناصر «ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة» وثورة حتى النصر. ولماذا اغفل مفكرنا الاسلامي العارف مستهل سورة الاسراء؟



عن الحريات العامة يقرر د. حنفي ان «لأزمة الحرية والديمقراطية في وجداننا المعاصر جذوراً تاريخية». ويقيني انه تقرير (على صدقه) فضفاض. كل واحد له في رؤاه الخاصة تصور خاص مختلف له. وحيث ان استاذنا الجليل ينظر من خلال موشور التجربة المصرية في احيان كثيرة، فلعله راجع بتلك الجذور الى ما قبل «مينا» على حين ان الذين رماهم الرئيس السادات بالبداوة على ايام ملاحاة «أجلاف العرب» قد لا يكون في وجدانهم جذور لأزمة حرية وديمقراطية. مرة اخرى، لابد من دقة ووضوح في «الحد».



الليبرالية التي ذكر استاذنا الجليل بأنها بدأت «منذ اتصالنا بالغرب منذ مائتي عاماً» (أي منذ «يا سلام من هذه الآلام» على ما وصف الجبرتي) والتي من اجل فضلها على الحريات اعلن مفكرنا الاسلامي الموقر حنينه للثورة الفرنسية ولا جناح، أبانت جلياً في البلاد التي تدين بفضل تلك الليبرالية لحرياتها الفشل السطحي والمحلي للنفي الذي في «لا إله إلا الله» في تقديم ما قدمته تلك للحريات العامة. أمر واضح كالواحد نصف الاثنين اذا صحت قراءتنا لمساهمة د. حنفي في هذا الحوار. فكيف نستمد من هذا النفي الجدوى الحقيقية الكامنة فيه، وهنا دائماً تأويلان متضادان له؟



ويجدر بنا هنا ان نضاهي بين موقف الذين نادوا بقرار واضح بإعدام المفكرالاسلامي السوداني محمود محمد طه قبل دعوته لمجادلتهم، والذين حرضوا على اعدامه واجازوا ذلك. والذين أمسكوا ألسنتهم لائذين بالصمت المطبق كمن ينظر من نافذة طائرة على حين كان يشنقه قضاة النار بتلك المحاكمة الابليسية التي لم يتعد مجموع ما أخذته من وقت تداول سوى سويعات - وموقفهم هم انفسهم بإزاء كتاب سلمان رشدي حتى لا يحسبوا مع الخميني الذي كان موقفه مع رشدي هو نفس موقفهم السابق حيال محمود طه. سوى ان «محموداً» يتقي النار والتكفير بلا إله إلا الله، ويتحشمه غاية التحشم إزاء من لم يكن يرد ذكره على لسانه او قلمه إلا بـ «المعصوم» على حين اعلن «رشدي» كفره وفجوره وانتهازيته المحسبة المضر به بالطريقة التي نعرفها. للأول الشنق وللثاني ان يرد عليه برواية مضادة واستدعاء للمثول مع فتح باب النقاش. ثم ما لبث ان نسوه.



بكل ما في فؤاد د. حنفي من طيبة، ابدى عشمه في ان «يبدأ المثقفون والقادة حواراً - الأولون بعيونهم على الوطن والآخرون بآذانهم على الثقافة» وهو ما أنهى به مقالته الأولى. دفع هذا العشم النبيل شيطاني ليتخيل المرحوم عبد الناصر في رحاب الابدية امام الديان الاكبر ومن حوله شهدي عطية وفرج الله الحلو وسيد قطب ومحمد عودة وعبد الرزاق السنهوري وجمال سالم (لأنه طلب من الهضيبي قراءة سورة قرآنية بالمقلوب) والنقابيان خميس والبقري، قال له شيطاني: السلطان بالتأكيد بنت كلب. قلت له: ربما كانت الثقافة احياناً هي الاخرى بنت كلب. او على الاقل هي كذلك في نظر السلطة -غير ان الدنيا دار امتحان في جميع الاحوال- النفي الذي في «لا إله إلا الله» لا معنى له إلا لدى من كان يؤمن حقاً بأن ثمة إلهاً في الكون. وإنه إله فعال.



أما الدكتور محمد عابد الجابري في استجابته بالحلقة الاولى، فإنه لا يكتفي بتقرير خصوصية «مغربية» وحسب (وهو امر لا معدى عنه) بل ويميزها -عن الخصوصية «المشرقية» بداهة- بكونها «عقلانية»، جاعلاً من معالجة العلماء الاندلسيين لحديث «الفرقة الناجية» مقفزاً لذلك. العقلانية في عطاء الذهن الاندلسي والمغربي امر كائن ونعتز به أيما اعتزاز. ومع ذلك كان أحرى بعقلانية د. الجابري نفسه، سواء وصفت «بالمغربية» اقتصاراً او «بالعربية» اشتمالاً (وهي عقلانية فيه، نغبطه عليها، ونجلها ونتماهى معها، ونعدها رصيداً لتقدمنا، وصوتاً من أصوات حكمتنا) ان تسارع وقد مال الغبيط بهما معاً (وهذا من فصيح الفصحى) ان تنبهه بأن مثل قوله بذلك التمايز بالعقلانية بين مغرب ومشرق، ينافى تماماً دعوته الصادقة لعدم «تكريس الاخلاف بل الغوص فيه الى اعمق اعماقه للكشف عما يقوم عليه من سوء فهم». أصاب وبخاصة اذا قام سوء الفهم على وهم قديم على شاكلة ملاحظة القاضي صاعد الاندلسي في زعمه عن العرب بأن: «علم الفلسفة لم يمنحهم الله عز وجل شيئاً منه، ولا هيأ طباعهم للعناية به، ولا اعلم أحداً من صميم العرب شهر به إلا أبا يوسف يعقوب بن اسحق الكندي والا محمد الحسن الهمداني». ولقد نعت مؤلف كتاب «النزعات المادية في الفلسفة الاسلامية» مثل هذا الزعم بكونه «اسلوب النظر العرقي، مثله مثل النظريات ذات الطابع العنصري في القرن التاسع عشر، القائلة بأن هناك طريقتين للتفكير: طريقة غريزية وتركيبية للشرق، واخرى منطقية تحليلية للغرب. ومثل النظريات القائلة بأن الزنجي ناقص بيولوجياً وابداعياً، دون تاريخ ودون تقاليد ثقافية (غير تراثي؟) أو كتلك القائلة بأن القابيات العقلية للجنس السامي أدنى مرتبة مما هي عليه لدى الجنس الآري. فلا غرو أن علق البروفيسور الغاني «ويليام ابراهام» في كتابه «عقل افريقيا» بأنه «اذا كان الله قد خلق الانسان، فإن الله لم يخلق في الوقت ذاته الثقافة. فالثقافة ليست بيولوجية ولكنها كلية من صنع الانسان».



وفي هذا الصدد ينوه كل من «باراهام» في كتابه المذكور و«نيكروما» في «الوجدانية» (ترجم للعربية ونشر ببيروت) بالفيلسوف الغاني «أنطون ويلهلم أمو» المولود العام 1700 ميلادية. المجاز في الفلسفة في ويتينبيرج، حيث كان «كانط» لايزال صبياً، والذي قابل بدوره وهو صبي «ليبنتز» وصار من بعده فيلسوفاً عقلانياً يحاضر في عدة جامعات ألمانية، وكان على رأس اطروحاته تلك التي تقلل من الفوارق النسبية بين الحضارتين الافريقية والمسيحية مما كان يستخدم آنذاك في تبرير الرق. كما كان من استنتاجاته المذهلة آنذاك ايضاً، بما فند به بعض طروحات ديكارت، أن الاحساس ليس بملكة عقلية. عشمي ان اقوم بتقديمه للقارئ الكريم بأطول في مناسبة أخرى، ليقيني بأن كثرة من العرب فيهم جاهلية، يستكثرون على أخيهم الزنجي العقلانية والتفلسف ونصيبه المستحق من التفوق الذهني. يقول المثل السوداني بمنتهى البساطة «سيدي بسيده».


http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147497134&bk=1
_________________

Post: #191
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 03:41 PM
Parent: #190


الحاج ورَّاق في حواره مع «الصحافة»

لست «سمسـار» سياسة ولن أعـود إلى «حق» مرة أخرى
حوار: صباح أحمد
ثمة أسئلة دارت في مخيلتي- وغالباً- في مخيلة كثيرين غرقوا في بحر دهشة عقب إعلان قيادة حركة القوى الحديثة «حق» العليا تقديمها لإستقالتها وتنصيب قيادة جديدة قرباناً لوحدة «حق» من جديد.
فقد أعلن الحاج وراق الأمين العام لحركة القوى الحديثة ود.هشام عمر النور نائب الأمين العام وهادية حسب الله مسؤول الاتصال والتنظيم خلال مؤتمرصحفي عقد الأسبوع الماضي بمكتب غازي سليمان المحامي ابتعادهم عن الحركة من أجل فتح الباب أمام وحدة حركة القوى الحديثة وحركة القوى الجديدة بزعامة الراحل الخاتم عدلان. وطالبوا في ذات الوقت بتنحي كل القيادات المتورطة في الصراع القديم لضمان وحدة «حق» و..و..هلمجرا.
ومبعث الدهشة هو توقيت اعلان الاستقالة وتوقيت الدعوة لوحدة حق من ناحية ومسوغات الوحدة نفسها من ناحية أخرى.
كثيرون شككوا في صدقية دوافع الإستقالة ومسوغات الوحدة والموقف نفسه حتى أن أحدهم - وهو سياسي مرموق- أقسم لي بأن الحاج وراق «يتكتك» لإتخاذ خطوة جديدة والانتقال الى مجال آخر كمنظمات المجتمع المدني ـ مثلا ـ بعد «فشله» في تحقيق مايبتغيه وهو موجود بحركة «حق» الأمر الذي جعله يفكر ويدبر حتى خرج على الرأي العام بفكرة تقديم استقالته وما صاحب ذلك من تداعيات.
* ثمة أمور أخرى لم تكن واضحة بالنسبة ليّ فيما حدث ويحدث ولربما كانت غير واضحة أو حتى مفهومة لآخرين.
فكرت أن اسأل عنها الحاج وراق وها أنذا أفعل وأبدأ بسؤال عن:
* الوصول لقرار الإستقالة كيف كان، هل تم تدارس الأمر في المؤسسات أم أنها كانت محض قرارات شخصية؟
- توصلت شخصياً الى قرار استقالتي من عضوية وقيادة «حق» في المطار عند قدوم جثمان المرحوم الخاتم عدلان.
ولأنني أمين عام حركة منتخب من مؤتمرها العام، كان لابد من دعوة المؤتمر العام للحركة، وهكذا طرحت في المكتب التنفيذي إقتراحاً بإعادة دعوة المؤتمر الاستثنائي للحركة للانعقاد، وهذا ماتم في يوم 6/5/2005م.
ومالذي حدث يومها؟
في المؤتمر طرحت استقالتي المسببة، وطالبت المؤتمر بإنتخاب أمين عام جديد. وكانت رغبتي الشخصية أن يستمر د.هشام عمر النور- الأمين العام المناوب لحق، وأن تستمر هادية حسب الله -المسؤول التنظيمي،

كانت رغبتي أن يستمرا في قيادة الحركة
فلهما مبدئية، والتزام أخلاقي وسياسي عالي بمصالح الشعب والحركة، ولكنهما آثرا الاستقالة بحكم أن ماينطبق عليّ ينطبق عليهما، وهذا ماحدث.

* الا تعتقد إن المسألة برمتها كانت عاطفية وشتان ما بين العاطفة والسياسة؟
- ما تصفينه بالعاطفية، كان بالنسبة لنا قراراً أخلاقياً وإنسانياً. وبالطبع الإنسانية والأخلاق تتضمن عاطفة ما.

وفي النهاية فإنه لايمكن لأي سياسي أن يكرس حياته لمبدأ ما دون شغف وعاطفة تجاه هذا المبدأ.

بالنسبة لي شخصياً فإنني أرى بأن السياسة لابد أن تتضمن وتنطلق من اعتبارات إنسانية وأخلاقية .وتحتاج خصوصاً لهذا المبدأ حالياً في مواجهة الحركات الأصولية والظلامية، فآفة هذه الحركات الأساسية، وعلى عكس إدعاءاتها، أنها لا تحتفي بالاعتبارات الانسانية والأخلاقية، كقيم الرحمة والرأفة، ونجدها تضع النصوص قبل البشر، رغم أن النصوص إنما جاءت رحمة بالبشر، ولهذا فإنني اعتقد إن أحد إشكال مواجهة هذه الحركات الظلامية الاحتفاء بالانسان وبالإنسانية وجعلهما المرجع لكل قرار سياسي.

ثم أن ما فعلناه أملته علينا ضمائرنا، وقد تعودنا دوماً أن نفعل ما نراه صحيحاً إيا كانت تكلفته.. وقطعاً أي قرار أخلاقي هو مكلف، والذين يريدون القرارات السهلة والمجانية عادة ما يختارون القرارات غير الأخلاقية.

* لكن ..بعضهم وعلى رأسهم الشيوعيون يرون أن خطوة الاستقالة وإن كانت «نبيلة» لازالت تحتاج الى مكملات من قبيل تقديم النقد الذاتي.. طالما إعترفتم بوجود أخطاء لازمت تجربتكم. لماذا لا تقدمون نقداً ذاتياً لهذه التجربة؟
- الذين يقولون بذلك هم المطالبون حقاً بتقديم نقد ذاتي.

لايمكن تفسير استقالتنا ابداً وكأنها اعتذار عن المواقف الفكرية والسياسية التي اتخذنا بما في ذلك المواقف ضمن الخلاف في «حق».

ولكننا قطعاً لسنا راضين عن الوحشية والقسوة التي تورطنا فيها ضمن ذلك الخلاف، وعلى هذا لدينا الجرأة لتقديم نقد ذاتي، وعلى كل فلسنا وحدنا، بل ولسنا الذين بدأنا بالوحشية والقسوة.

أما الحزب الشيوعي، فمن يقدم نقداً ذاتياً؟ هل نحن الذين تورطنا في الاتهامات الجائرة والمجانية؟ هل نحن الذين اعتمدنا مناهج إغتيال الشخصية و«حرق» المخالفين في الرأي؟

وهل نحن الذين استعضنا عن الجدال الفكري والسياسي بشائعات جلسات الإنس؟ وهل نحن الذين بعثرنا وحدة القوى الديمقراطية، وأصرينا على أن يكون مركزها الحزب الشيوعي، حتى ولو كانت تكلفة إستدامة هذا المركز بعثرة الحركة الديمقراطية وتقطيع أوصالها، وإستغفال رموزها «بالفراكشنات»؟
* معني هذا انكم ترفضون اية عملية مراجعة حتى لو كانت موضوعية؟
- لا.. نحن مستعدون لأية عملية مراجعة موضوعية ونزيهة، ونعتقد بأن هذه العملية يجب أن تستلهم واقعة تشييع المرحوم الخاتم عدلان نفسها، ففي المطار كان هنالك الاستاذ/ نقد والاستاذ غازي سليمان، ود.هشام عمر النور، والاستاذ عبداللطيف عمر، والعشرات من كوادر الحركة الشعبية، هؤلاء اضافة الى المئات من الشيوعيين ومن جناحي «حق» كانوا في التشييع موحدين بمشاعر الحزن كتفاً بكتف ودمعة بدمعة، أفلا يمكن تطوير وحدة المشاعر هذه على رحيل الخاتم الى وحدة أكثر ديمومة؟ أي وحدة على أساس الرؤية والبرنامج السياسي؟
* ألا تعتقد أن قضية الوحدة كانت ستسير خطوات للأمام لو تم الاتفاق عليها مع الطرف الآخر أو حتى النقاش حولها أو تدارسها؟
- أسبابنا للاستقالة انسانية وأخلاقية، وهى إننا نربأ بأنفسنا من أن نكسب ميزة برحيل المرحوم الخاتم عدلان، ثم إننا لانود الاستمرار في وضعية تذكرنا بإختلافاتنا مع الراحل أكثر من حزننا عليه.

هذا إضافة الى أننا قدرنا بأن الظروف الجديدة مثل توقيع اتفاقية السلام، توفر فرصة لإعادة توحيد «حق» من جديد، وبالتالي فإننا قدرنا أن استقالتنا ستزيح المرارات الشخصية الناجمة عن الخلاف وتوفر فرصة حقيقية لإعادة توحيد «حق».

وفي ظل البيئة السياسية السائدة والموبوءة بالاتهامات وسوء الظن قدرنا أن أى نقاش قبل خطوتنا العملية سيفسر وكأنه إلتفاف أو مناورة أو مسرحية.

* رهن الوحدة بابتعاد العناصر المتورطة في الصراع من الجانبين هل قصد به إبعاد عناصر بعينها وقفت مواقف متشددة تجاهكم ذات يوم، وتعويلكم على عناصر أخرى «جمهورية» لدعم الوحدة وإنجاحها هل قصد به في الأساس تسليم حركة «حق» للجمهوريين وتحويلها لتنظيم جمهوري؟

- نحن لم نرهن أي شئ بأي شئ. نحن رأينا بأن استقالتنا ستفتح الطريق لإعادة التوحيد من جديد، وفعلنا مايلينا من المسؤولية والواجب، وقيادة الطرفين في «حق» هما المؤهلتان لمناقشة أسس الوحدة ومطلوباتها وإستحقاقاتها.

* وماذا عن تلك العناصر الجمهورية التي عولتم عليها في وحدة حق كالباقر عفيف وبشير بكار وحيدر بدوي؟

- كل متابع لحق يعرف بأن قلة من تلاميذ الشهيد الاستاذ محمود محمد طه قد ساهموا في تأسيس «حق» وعند وقوع الخلاف ذهب مع مجموعة الخاتم د.الباقر العفيف، وكان معنا د.بشير بكار ود.حيدر بدوي والثلاثة وبغض النظر عن مواقفهم السياسية أو التنظيمية ظلوا يتصفون بسماحة الجمهوريين وإتساع صدورهم ولذا شكلوا نسيجاً مشتركاً بين الطرفين.

وبالطبع فإن الغالبية العظمى من الجمهوريين ظلوا حريصين على هويتهم وخصائصهم المستقلة ولم يلتحقوا بأية حركة سياسية، وبالتالي فإن دور هؤلاء الثلاثة في «حق» لايعني بأنها تحولت أو يمكن أن تتحول الى تنظيم جمهوري، ولكن «حق» كحركة مفتوحة تقبل فكرة المنابر داخلها، وليس لديها آيديولوجية شمولية تقولب بها عضويتها، ولهذا كانت ترحب بالمنطلقات الآيديولوجية المتعددة، بما في ذلك أن يدخل فيها عدد من الجمهوريين، وقد أضافوا اليها الكثير الإيجابي والإنساني بدخولهم، ولكنهم في النهاية ظلوا استثناء بالنسبة للمجتمع الجمهوري الأوسع.

* طيب.. ماذا يحدث ان لم تتحقق الوحدة واتضح وجود عقبات موضوعية غير الشخصية أمام تلك الوحدة وإن لم تقدم قيادات الطرف الآخر استقالتها أو تبتعد عن مواقعها ماذا ستفعلون؟
- لن أرجع أبداً عن استقالتي وأعتقد بأن هذا هو نفسه موقف د.هشام عمر النور وهادية حسب الله، لأننا لم نشرط استقالتنا بضرورات الوحدة وحدها، وإنما كذلك بالاعتبارات الانسانية والأخلاقية.
وأى حديث عن ان قرار الاستقالة قابل للمراجعة لاحقاً، يجعلها إستقالة «مناورة» وليست إستقالة مبدئية وأخلاقية.
أما ماذا يفعل الطرف الآخر فذلك شأن يخص الطرف الآخر ولايخصنا نحن.
* عفواً.. هل يمكن أن تكون المسألة مجرد «تاكتيك» منكم لخطوة أخرى، وجني مكاسب عينية أو مادية في مجالات أخرى بعد مافشلتم في جني تلك المكاسب وأنتم في «حق»؟
- اذا كان المقصود تاكتيكاً فهل كنا نستقيل عن عضوية الحركة نفسها رغم أننا سكبنا لأجل هذه الحركة زهرة عمرنا وشبابنا؟ واذا كنا نريد مواقع ما فهل نتنازل بمثل هذه البساطة عن مواقع قائمة لنا الآن تسلمناها بجدارتنا وبانتخابات ديمقراطية، لنراهن على ما في رحم الغيب؟

واذا كنا «سماسرة» سياسة كما يشير إتهامك، فأيهما الأفضل ،السمسرة وأنت في قيادة حركة قائمة أم السمسرة كأشخاص مستقلين، بلا أية قواعد وراءهم؟
* لكنكم لا زلتم اعضاء في جميعة التنوير الثقافية التابعة لحركة «حق» وهذا من شأنه أن يقدح في صدقية الابتعاد عن الحركة؟
- جمعية التنوير منظمة ثقافية كان غالبية عضويتها من «حق» وبالتالي وبعد استقالتنا ستتم مراجعة ذلك لاحقاً، أما بتكريس استقلاليتها التامة والنهائية عن «حق» أو انسحابنا عنها وتأسيس منظمة مجتمع مدني أخرى.

* ماهى الخطوة القادمة.. الى أين سيبحر قارب وراق السياسي؟
- لن اغلق على نفسي في صومعة اعتزال أو رهبانية، سنظل في ساحات العمل المختلفة، سنظل بأقلامنا وأفكارنا ومجهوداتنا في قلب معارك الحركة الديمقراطية لأجل التحاق بلادنا بالمدنية المعاصرة، ولأجل تحقيق العدالة الاجتماعية وترسيخ السلام والوحدة الوطنية.

ولإستيعاب طاقاتنا بشكل ملموس غالباً ما نتجه الى النشاط في منظمات المجتمع المدني.




http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147497067&bk=1
_________________

Post: #192
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 03:44 PM
Parent: #191


عزاء لم يكـتمل
د. محمد بابكر
* عقب انتفاضة مارس أبريل، وتحديداً في صيف العام 1986م. كانت البلاد تلج صبح ميلاد عجزت أقلام الكتاب والشعراء عن وصفه حينذاك.
* كانت الأحزاب السودانية تملأ فضاء الوطن بنشاط وحيوية كوادرها، وكانت النظرة للخصوم أقرب للرأفة، لأن منطق الأشياء يشي بإمكانية الحراك والتحول، ومزاج المتصوفة هو السائد آنذاك، ورغماً عن العنف السافر في يوليو 1971م وفي يناير 1985م باغتيال الاستاذ/ محمود محمد طه إلا أن القوى السياسية تيقنت أن الديمقراطية هى المخرج والمآب.
* كان الاخلاص يملأ جوانح الكثيرين من القوى السياسية كافة، وكانت الانتهازية هى الاستثناء.
* كان البعض يحلم بدولة الاسلام، والبعض بدولة يتساوى فيها الناس حقوقاً وواجبات استلهاماً لقيم الإشتراكية العظمى آنذاك.
* في هذا الجو عرفت الاستاذ/ الخاتم عدلان منافحاً ومكافحاً من أجل الشعب وقضاياه، مؤمناً بالفكرة، باذلاً من أجلها الغالي والنفيس ثم أتيح لي أن أتعرف على الرجل أكثر فأكثر وعلى تاريخه المتمثل في مغالبة الديكتاتورية وتقديم زهرة الشباب لأجل قضايا الشعب وطموحاته.
* لقد كان إنضمام الخاتم للتيار الماركسي علامة فاصلة في تاريخ ذلك التيار فهو لم يكن كمن سبقوه ولعله الأميز بين أولئك الذين جاءوا معه.
* تميز الخاتم بالجرأة على تجاوز ركام التجربة فكان مع رفاقه من أوائل المنادين بإعادة التقييم بدلاً عن الذهول إزاء ما حدث.
* ذهبت بنا الدنيا الى نواحٍ عدة وتفرق الشمل وعدنا عقب الانقاذ لنجد البلاد غير تلك التي عرفناها بل الناس غير أولئك الذين عرفناهم.
* ترك الخاتم حزبه مع رفاق له ما لبثوا أن اختلفوا كذلك، الا أن القادة من هؤلاء واولئك ظلوا بامكانات لاينكرها الا مكابر، كما أن جهودهم من أجل رفعة الوطن كلٌّ عبر فكرته ومن مواقعه سيرصدها التاريخ ايجاباً.
* إفتقدت البلاد الاستاذ/ الخاتم عدلان في زمن هى الأحوج فيه لكل ابنائها.
* يرحل الخاتم وبلاده منتقصة الأمل لم تكتمل ملامح السلام فيها ولم تمتلك فيها إرادة الاصلاح.
* وكأنما أردنا حينما ودعناك يا خاتم أن نذكرك بأننا قد أدمنا الفعل الناقص فودعناك بعزاء لم يكتمل.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147496809&bk=1

Post: #193
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 03:48 PM
Parent: #1


لن نجزع... فالشهيد حي بيننا
د. كامل إبراهيم حسن
كان من المفترض أن تقرأ هذه الكلمة في الإحتفال بذكرى إستشهاد الأستاذ محمود محمد طه بمكتبة البشير الريح يوم الثلاثاء 18 يناير 2005 م إلا أن جماعة من رجال الأمن أوقفوا الإحتفال رغم تصريح الجهات المسئولة بقيامه.
لا تبحثوا عن أمرىء القيس في الكتب لأن امرأ القيس ذلك قد مات وانتهى... أما هذا فهو حي وموجود بوجود الإحتفال المسرحي ومتجدد بتجدده ومستمر بإستمراره. لا تبحثوا عنه خارج العلاقة بين الشرق والغرب، بين الماضي والحاضر، بين الممكن والمستحيل. فامرؤ القيس الجديد لا يمكن أن يكون في الأخير سوى روح هذا الزمن الجديد أي زمن الإغتراب وزمن الإغتيالات وإنقلابات العسكر وهجرة الأدمغة واليد العاملة بحثاً عن الخبز والكرامة... ومن هنا فإن المسرحية ليست مأساة فرد فقد عرشه وراح يبحث عنه وإنما هي مأساة أمة بكاملها... أمة تعيش الماضي في الحاضر والتخلف في التقدم والتفتح في الإنغلاق... أمة تحيا التمزق بين أن تمنح ولاءها للمدينة أو للبداوة... بين أن تأخذ بحوار الكلمة أو بحوار الدم.. بين أن تتمسك بماضٍ مات أو تعانق الآن والآتي.
من مسرحية: امرؤ القيس في باريس -الجزء الأول- بقلم: عبد الكريم برشيد، من هو امرؤ القيس هذا الموجود بوجود الإحتفال المسرحي هل هو اسم أم رمز؟ألا ترون بأن هذا النص - وبقليل من تبديل وتحوير في الزمان والمكان وأسماء الشخصيات- يصلح أن يعطي صورة دقيقة للبطل «امرؤ القيس الجديد/محمود» مع الإبقاء على الصورة الخلفية؟ إذ أن امرأ القيس الجديد لا يموت حتى في زمن الإغتيالات وإنقلابات العسكر، لأن الإحتفال المسرحي «توصيل الرسالة» لم يكتمل حتى الآن... فالهدف إنقاذ أمة تعيش مأساة التخلف والإنغلاق وحوار الدم... أمة تتمسك بماضٍ مات وفقد كل مقومات البقاء «الهوس الدينى وكبح جماح الفكر المبدع الخلاق» وهو يريد لها أن تعانق الآن والآتى... وهو يبحث عن عرش وملك ضاع وفي نفس الوقت لا يبحث عن جاه أو ترف شخصي هدفه فقط إعادة تشغيل عقل عطله أهل مملكة ضاعت بضياع دوره... وفي الظاهر يبدو وكأن الأستاذ يبحث عن إبرة ضاعت في كومة من الجهل ليرتق بها الفتق... كومة لا يزيدها كر الأيام إلا سجماً على رماد ونكاد نحن -الذين لا نملك صبره وإرادته- نعتقد بعبثية التضحية ولاجدوى ذلك العناد غير المبرر..
تساؤل أصر علىَّ مرات ومرات: لماذا أصر سقراط السودان أن يقتفي أثر سقراط اليونان وقبّل أن يتجرع السم ورفض الإستتابة وهو يعلم أن مشنقة حاكم ظالم متكبر لن ترحمه وقد عايش كيف أودت بحياة الكثيرين من أمثاله رجال المبادئ والرسالات: عبد الخالق... الشفيع... جوزيف قرنق... بابكر النور... هاشم العطا... والصف طويل طويل لحملة أفكار الواحد منهم في قامة أمة غيبها الجهل والظلم؟ ماذا لو طأطأ الرأس أمام عاصفة الجنون المخبولة تلك وتركها تمر فالتُفية جزء من الحكمة؟ وأعود أقول لنفسي: استغفر الله لو فعلها لما كان محموداً الذي نعرفه فمواقف الإنسان هي التي تُعرف بالإنسان... محمود لا ينكس راية المقاومة ولا يحني الرأس أمام «إمام» ظالم لأن الصدع بالرأي في مثل هذه المواقف هو الجهاد الحق... والأشياء -كما يقولون- تعرف أفضل بأضدادها... فلولا ما يثيره فينا القبح من إشمئزاز وتقزز لعجز الجمال أن يحرك فينا خلجة ويجعلنا نرقص طرباً.. ولو لا إكبارنا للشجاعة لصفقنا للجبن... نعم لا يمكن لزعيم حقيقي أن يتملص من أفكاره ومبادئه وأن ينخلع قلبه رعباً أمام غطرسة سلطان جاهل ولذلك نجد حذاءً مشنوق الشرف والحرية دائماً أعلى من هامة القاتل. في فيلم شاهدته منظر يحكي عن سفن الأعداء تحيط بالغواصة التي أنقذت بعض الناجين من سفينة بريطانية دمرها الألمان إحاطة السوار بالمعصم... ومن بين الناجين طبيبة هي المرأة الوحيدة بين عشرات الرجال... إستغرب طاقم الغواصة كيف إهتدى هذا العدد الكبير من سفن الأعداء الى غواصتهم فما كان طاقم الغواصة يعلم أن من بين «الناجين» عملاء للألمان وهم الذين يوهمون الغواصة عن طريق الخديعة وتعطيل بعض الآليات بوجود سفن لا وجود لها في الواقع، حتى يجبروا الغواصة على المكوث تحت سطح الماء أكبر وقت ممكن... وهكذا ينفد الأوكسجين وبالتالي تتزايد نسب الهيدروجين نتيجة توقف المحركات والآليات المولدة للأوكسجين... بدأت المشاكل تتفاقم وبدلاً من أن يواجه الطاقم المشاكل الحقيقية نجد أن أغلبية الجنود -نتيجة سيطرة الخرافة على عقولهم- يرون في المرأة سبب النحس الذي ألم بهم.. لأن وجود إمرأة واحدة بين عددٍ كبير من الرجال يسبب سوء الحظ... ويبدو أن بحارة الغواصة لم يتوصلوا الى حكمتنا بوضع حجر أو طوبة معها... زادت الهلوسة مع إزدياد نسبة الهيدروجين والنتيجة غياب العقل والمنطق لتصبح الخرافة سيدة الموقف إلا رجل واحد لم يفقد عقله وهو الذي إكتشف العملاء وأنقذ الغواصة والطاقم بمساعدة الفتاة الطبيبة وقادها الى بر الأمان.
هكذا أرى الموقف الذي كان يخيم في تلك الأيام كالحة الظلام... سياسات نميري البلهاء مع غياب شمس الحرية «إنعدام الأوكسجين» تكتم الأنفاس ويعد زبانيته ما يخرج من زفرات الغلابة المغبونين... وجماعة الهوس الديني يبثون الدجل والخرافة «الفهم المتكلس للإسلام» وبزيادة الهايدروجين «تكبيل حرية الفكر والإجتهاد» تتزايد التشنجات والهلوسة وتتمدد لتسيطر قوى اللاعقل واللامنطق فيعربد الإرهاب الفكري وينفلت العنف من عقاله موجهاً ضد كل ما هو علمي وجميل... ضد الفتاة الطبيبة الشابة النضرة «محمود وأضرابه من دعاة الديموقراطية والإشتراكية».. وللأسف لم يكن في غواصة السودان يومها ذلك البطل العاقل لينقذ حياة الطبيبة الشابة ويزيح -حتى عن عيون القتلة- تلك الخرقة البالية ليروا النور ومرفأ النجاة... وبعد كل هذه التضحيات من محمود وأضرابه من شهداء الحرية والديموقراطية هل لنا أن نتعشم ببزوغ وشيك لفجر الحقيقة!!؟
ما تذكرت مقطع مرثية نزار قباني للزعيم جمال عبد الناصر الذي يقول فيه: «قتلناك يا آخر الأنبياء» إلا وتذكرت قصيدة د. محمود شعراني التي أهداها الى «جماهير الطلاب والنساء... سنابل الرجاء وشعلة النضال» تحت عنوان: «أرثي لكم جميعاً قصة السودان»، والتي يقول فيها:
أرثي لكم جميعاً.. حكومة وشعباً... طوائف وقادة
وشيعة مضادة
وعامة وسادة
ودولة تنقصها مظاهر السيادة
العنكم جميعاً لأنكم قتلتم
مواطن الكرامة في موطن الكرامة
الى أن يصل الى قوله:
فكيف تأكلون؟ ثم كيف تشربون
كلا ستعلمون ثم توقنون
أن لعنة الأطفال قد تصيب «سنسفيل» جدكم يزيد
ما عدتمو عروبة... ما أنتمو بنوبة
أنصافكم رجال... رماحهم تدلت
وخيلهم تولت
ويستمر ليقول: أروى لكم حكاية ممجوجة الرواية
أبطالها جميعاً من نسلنا الكريم
طوائف وعسكر
وصفوة أجيرة وكل من تمسخر
رغم أن هنالك إختلافاً بين موقف الشاعرين من حيث إتهامهم لنا بالمشاركة في المذبحة إلا أن نزار يصنِّف نفسه معنا نحن القتلة بينما لا تشعر بذلك في قصيدة محمود فهو يستثني نفسه إلا لماماً ... رغم ذلك يبقى السؤال الرئيسي أو التهمة الرئيسية: هل كان لنا فعلاً دور كبيراً كان أو صغيراً في قتل ائمتنا؟.. أو لنضع السؤال في كلمات أخرى: هل كان يمكننا منع الجريمة لو تحركنا وتصدينا لقوى الإستبداد أم أن مثل هذا الحديث مجرد جلد للذات يجافي الموضوعية؟يقول العلم إن الحدث لا يمكن أن يحدث إلا بعد حدوث أحداث أخرى متباينة تأطر للمناخ والظروف كشروط موضوعية لحدوث الحدث المعني وذلك يعني فيما يعني أن ما حدث كان يجب أن يحدث في إطار الظروف المعطاءة... ولكن العلم يقول أيضاً إن تدخل الإنسان يغير من توازن وقوة فاعلية العوامل المؤثرة وبالتالي قد يقود الى ظروف أخرى تكوّن بدورها مناخاً آخر مواتياً لحدوث حدث مختلف... والنتيجة: إذا تحركنا ففي إمكاننا -على الأقل نظرياً- أن نقلب الوضع أو نغير فيه لهذا الحد أو ذلك ولكن لا يشترط أن يكون هذا التغيير كافياً دائماً لتبديل المواقف... ويثار السؤال: هل نحن من يحدد شكل ونوع التدخل أم أن الأمر في مجمله مرتبط بعوامل خارج سيطرتنا؟ الموضوع شائك ولكن في رأيي يجب أن نعي الدرس... ألا نستكين للتباكي من ناحية كما يجب أن لا نرضى بدور المتفرج على الأحداث من الناحية الأخرى بل يجب أن ننشط من دورنا في صنع الأحداث ونجعل تدخلاتنا محسوسة وإيجابية التأثير... كما أن ما يعوضنا بعض الشئ أن دم محمود وأضرابه لم يضع هدراً إذ أن ما حدث في نيفاشا اليوم ما هو إلا أحد نتائجه فلولا ما حدث لما انكشف ختل مدرسة الهوس الديني ولما قبل رواده واقتنعوا بضرورة السلام... صحيح أن التغيرات الكمية - مهما كانت صغيرة- لابد وأن تقود الى تغيرات كيفية مهما طال الزمن.




http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147496409&bk=1

Post: #194
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 04:16 PM
Parent: #1


عشرون عاماً على الإنتفاضة..

الحصاد والمآل
أسراراً تذاع لأول مرة
على لسان ثلاثة من قياداتها «الصحافة» تكشف
عشرون عاماً مضت على ذكرى انتفاضة السادس من ابريل.. عشرون عاماً بحلوها ومرها، شهدها المسرح السياسي، سلباً وايجاباً، صعوداً وهبوطاً.
ترى ماذا جنينا خلال العشرين عاماً التي انصرمت؟
ما هي النظرة للمشهد السياسي الراهن، وكيف نرى آفاق المستقبل؟
للإجابة على هذه الاسئلة والمحاور التقينا ثلاثة من صنَّاع الاحداث والملمين بتفاصيل الانتفاضة هم: د. أمين مكي مدني والعميد «م» عبد العزيز خالد، والنقابي عبد العزيز دفع الله.
إعداد: الفاتح عباس
واجتهدنا للقاء اللواء كمال حسن احمد مدير جهاز الامن الوطني وقتها الا ان مشغوليات الرجل لم تمكننا من لقائه وتسجيل شهادته. اما الاستاذ عمر عبد العاطي المحامي، فذهبنا اليه بمكتبه، وجلسنا و«تونسنا»، وعندما حاولنا فتح جهاز التسجيل، وضع يده على فمه وانزلها، ثم قال: لقد قررت منذ «10» سنوات وضع الـ «5*2».. ثم اردف اكتبوا على لساني:
لن اتحدث بعد اليوم إلى صحيفة.. لقد اعتزلت العمل العام، وتفرغت لاسرتي، وكفى.
* قلت للدكتور امين مكي مدني:
بداية اسأل عن قصة مقابلة جورج بوش الاب لبعض اساتذة جامعة الخرطوم في مارس من العام 1985م عندما كان نائباً للرئيس الاميركي ريغان؟
= بعد نجاح الانتفاضة ترددت اقاويل كثيرة عن لقاءات تمت بين بوش وبعض الاساتذة واذكر انه اطلق على اولئك الاساتذة ابناء بوش!! كذلك تمت بعض المقابلات مع شخصيات سياسية سودانية. اما في ما يتعلق بأساتذة الجامعة وحسب علمي فان هنالك استاذين اجتمعا مع بوش .. اما عن شخصي فأنا لست عضواً بهيئة التدريس بالجامعة وانما اعمل كاستاذ خارجي بكلية القانون.. عليه لا علاقة لي بلقاء بوش بالاساتذة.
* هل تسربت اليك اية معلومات عن المواضيع التي تناولها ذلك الاجتماع؟
= بالتأكيد فقد علمت ان تلك الاجتماعات تناولت الاوضاع بالسودان لاسيما وان نظام مايو كان يحتضر فقد ناقش الاجتماع الوضع السياسي والاقتصادي، وكانت النقطة الاساسية التي اثارها الاساتذة هي ان نظام مايو مسنود من اميركا وهذا السند يحسب عليها لان جرائم النظام تعدت الجرائم السياسية والاقتصادية ووصلت الى تقنين اهدار حقوق الانسان باصدارها لقوانين سيئة السمعة.
* كيف ترى المشهد السياسي بعد عشرين عاماً من الإنتفاضة؟



= المشهد عموماً يمكن تصنيفه في «خانة الاسوأ».. والنظام الآن وبصورة منهجية ومنظمة ومنذ الايام الاولى له عمل على تفريغ النقابات والخدمة المدنية من الكوادر المؤهلة لإحداث التغيير الذي ينشده فاصدر قانون النقابات ودمجها بعضها ببعض مما ادى الى تشريد النقابيين ودفع بهم الى الهجرة بعد ان ذاقوا مرارة الاعتقال وملاحقة الاجهزة الامنية، ويواصل مكي في اليوم الاول لانقلاب يونيو تم حل كل النقابات والاتحادات، احلوا محلها لجان التسيير التي تم تعيينها من النظام وليس من قبيل الصدفة ان يصبح اعضاء لجان التسيير هم الاعضاء المنتخبون لاحقاً ونقابة المحامين تقف اكبر شاهد على ذلك!! وذات الشئ حدث وسط القوى والاحزاب السياسية فحدث ما حدث بداخلها من انشقاقات وانقسامات وتحالفات مع النظام.. حتى الحزبان الكبيران لم يسلما من التشرذم والانقسام فأصبحا اربعة وخمسة «كيمان»!! هذا الوضع المأساوي جعل من آلية التغيير ضعيفة وهشة بالرغم من غلاء المعيشة وانعدام حقوق الانسان.. و..!! عليه فالمواطن السوداني يعيش اليوم في حالة ترقب وخوف من المستقبل.. والمستقبل غير واضح المعالم.. فالمواطن العادي يرى في رفع حالة الطوارئ تحسيناً للامور ويرى كذلك ان مشاركة الحركة الشعبية في اقتسام السلطة قد تبدل الامور نحو الافضل.. وفي اعتقادي ان العامل الاقتصادي هو الذي جعل كل الناس ينصرفون عن العمل العام واصبحت لقاءاتهم تتم فقط في صوالين العزاء ومناسبات عقد القران!! اما اللقاءات التي كانت تحدث سابقاً فقد اختفت الآن، واصبح المواطن في لهث دائم كي يلبي بالكاد احتياجات اسرته، فاستاذ الجامعة اصبح يحمل «شنطته» متجولاً بين اكثر من جامعة «ليلاحق» المعيشة وصراحة كنت الى وقت قريب متفائلاً.. ولكنني اليوم اشعر بالاسى فهناك حالة من اللامبالاة وعدم الاهتمام بالشأن العام بل وتفشي روح اليأس بين المواطنين... فلا رفع حالة الطوارئ.. او مشاركة د. جون قرنق في السلطة ولا غيرهما يغير هذا الوضع.. ولعلك لاحظت ومع وجود هامش الحرية الآن الا ان لا احد يتحدث عن الاحوال المعيشية فالكل يتحدث عن اقتسام السلطة ومِنْ مَنْ تتكون لجنة الدستور؟! ويتحدثون عن نسبة الـ «14%» من السلطة.. فلا احد يتحدث في الشأن الحياتي.. لا احد يتحدث عن لقمة العيش وهموم التعليم من مرحلة الاساس الى الجامعة.. باختصار لا يتحدث احد عن هموم المواطن العادي... ودوام هذا الحال من المحال.. وهذا الامر يتطلب «وقفة».. وعلى الكلٍّ استشعار المسؤولية... وهي فرض عين على كل انسان ليرصد ما هو واقع على هذا البلد وما هو الشئ الذي سيقدمه لتغيير هذه الاوضاع السيئة.
* ذكرت أن إشراك الحركة الشعبية في السلطة لن يشكل مخرجاً للازمة.. كيف؟!
= د. جون قرنق رجل عسكري خارج من معركة طويلة وبالتأكيد له قدرات سياسية، لكن من الواضح انه سيهتم اكثر بالجنوب.. وعندما يشارك د. جون قرنق في السلطة فهو يحتاج الى مستشارين وناصحين ليطلعوه على مشاكل المواطن خارج الاقليم الجنوبي.. وليستشيرهم في الامور الاقتصادية الكبرى مثل ماذا يحتاج مشروع الجزيرة؟ وماذا عن الوضع في الخطوط البحرية؟ وبالتالي اشتراك الحركة الشعبية لن يشكل المخرج ولن يصبح العصا السحرية لحل ازمة السودان المعقدة!! وكما ذكرت سابقاً الحل يتمثل في استشعار المسؤولية والخروج من حالة البيات التي طالت ولن يتحقق ذلك إلا بتفعيل منظمات المجتمع المدني كي تصبح هي المعبرة والمتحدثة عن هموم المواطن العادي من مأكل ومشرب وعلاج وتعليم والخروج عن ادبيات تقسيم السلطة والثروة ونسبة الـ «14%».
* كثر الحديث حول تشكيل لجنة الدستور.. واهمية الدستور ما رأيك في ما يدور؟
= من الغرائب أننا وعلى مدار الاسابيع الثمانبة الماضية ظللنا نتناول مشروع دستور لجنة المعهد الالماني.. وهذا غير معقول لان هذه اللجنة بدأت اعمالها منذ العام 2002م ووضعت مسودة دستور وبدأ النقاش حول تلك المسودة عبر العديد من ورش العمل واللقاءات.. والآن اصبح ذلك الدستور متداولاً بين الناس كدستور مقترح.. اما عن لجنة الدستور وتشكيلها فهناك رأي التجمع الوطني الديمقراطي وكذلك رأى حزب الامة «الصادق المهدي» فقد اتفقت آراؤهما حول مقاطعة اللجنة المناط بها وضع الدستور اذا جاء تشكيلها بذات النسب الواردة في اتفاقيتي قسمة السلطة والثروة.. في المقابل نجد ان الحركة والحكومة تؤكدان بان اللجنة سوف تشكل بذات النسب الواردة في اتفاقية السلام!! وهذا باختصار شديد يعني ان «80%» من نسبة الشمال ستكون من نصيب الحركة والمؤتمر الوطني و «100%» بالجنوب للحركة!! إذن يبقى الدستور الذي هو اساس كل القوانين ومنظم كل نواحي الحياة.. يبقى مقسماً بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية والآن التداول جارٍ على دستور الـ «7+7» -في اشارة للجنة المكوَّنة من سبعة اعضاء يمثلون الحكومة وسبعة آخرين يمثلون الحركة- الذي وضعه حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية.. مع ملاحظة ان لجنة الدستور المرتقبة لم تشكَّل بعد بالرغم من مرور اربعة اشهر على توقيع اتفاقية السلام.. وهنا يتبادر الى الذهن السؤال الآتي: لمصلحة من تتم مقاطعة لجنة الدستور تحت ذريعة اي مسمى او شكل؟ وفي اعتقادي ان القوى المعارضة عليها ان تعكف على وضع دستورها وتقديمه الى الشعب وهذا اقتراح جيد وعملي قدمه الاستاذ محجوب محمد صالح رئيس مجلس الادارة ورئيس تحرير صحيفة «الايام»..
* هل شرعت القوى المعارضة في وضع مشروعها للدستور؟



= نعم.. لقد بدأ هذا العمل وسط مجموعة تجتمع بانتظام وسوف تفرغ من وضع مشروع دستورها ومن ثم تقدمه لكل القوى السياسية بأسرع فرصة ممكنة فهم يسابقون الزمن قبل اجازة دستور الحكومة والحركة.
* امامي الآن بمكتبك الدستور الانتقالي لعام 1985م ما رأيك في هذا الدستور؟
= الطريقة التي تم بها وضع ذلك الدستور لم تكن هي الاسلم فقد فقدت عنصر المشاركة.. فقد شكَّل المجلس العسكري الانتقالي حينها، لجنة لوضع ذلك الدستور لذا جاء خالياً من الكيفية التي يتم بها تشريع وتقنين عملية التحول الديمقراطي في السودان.
* اخرجتم نميري من السلطة عبر بوابة الانتفاضة واليوم جاءكم من شباك اندماجه مع الحزب الحاكم.. رأيك في هذا؟
= للاجابة على سؤالك هذا احيلك الى مقال كتبه د. عبد الوهاب الافندي بعنوان «انتحار ميت..!» فنميري قد بلغ من العمر عتياً وانفض الناس من حوله وفقد المقدرة على تجميعهم.. ثم عندما جاء انقلاب 30 يونيو ذكروا بانهم امتداد لانتفاضة ابريل.. والسؤال اذن على من انتفض الشعب في ابريل؟! وما هو الجامع بين نميري والمؤتمر الوطني؟!
* سألت يوماً الفريق عبد الرحمن سعيد عن رأيه في قرار حل جهاز أمن الدولة.. فكان رده بان ذلك القرار اتخذه مجلس وزراء الانتفاضة دون التشاور مع المجلس العسكري الانتقالي.. نعيد عليك الآن هذا السؤال بحكم مسؤوليتك كوزير وقتها؟
= حل جهاز أمن الدولة جاء تلبية لرغبة نبض الشارع السوداني.. فقد حاصر الشعب مبنى جهاز الامن منذ الصباح الباكر.. وكان يوم عمل».. حتى المساء وظل يردد هتافاً واحداً.. حل جهاز امن الدولة واجب وطني.. وبالتالي لم يتخذ قرار الحل لا مجلس الوزراء ولا المجلس العسكري الانتقالي وإنما الشعب هو الذي قرر حل ذلك الجهاز لسمعته السيئة.
* سؤال اخير.. هل ما زال التجمع الوطني الديمقراطي حياً يرزق؟
= التجمع الوطني الديمقراطي تجاوزته الاحداث خاصة بعد توقيع اتفاقية السلام مع الحركة الشعبية ونشوء حركة شرق السودان.. فاصبحت اجزاؤه منشطرة بين الغرب والشرق والجنوب مع خروج حزب الأمة منه.. فاصبح التجمع يجمع بين الحزب الاتحادي الديمقراطي المنقسم لعدة اقسام وبين الحزب الشيوعي السوداني المنقسم كذلك.. وبحكم هذه الانشطارات وتسارع الاحداث اتخذ التجمع الوطني الديمقراطي مقعده بين المشاهدين على مسرح الاحداث السودانية..!
أما العميد عبد العزيز خالد فكان سؤالنا الأول له:
* سيادة العميد.. كيف كانت الاوضاع داخل القوات المسلحة ايام الرابع والخامس والسادس من ابريل 1985م؟
= قبل الاجابة على هذا السؤال لابد من قراءة المشهد السياسي والوطني قبل تلك التواريخ.. وعن ذلك المشهد يمكن القول بان فترة مايو الاخيرة كانت تشير الى ان النظام يسير في نفق مقفول وبالتالي لابد للخروج من ذلك النفق الى فضاء اوسع.. وقد كانت هناك مجموعة من الضباط داخل القوات المسلحة منظمة في تنظيمات مختلفة حول رؤى سياسية مختلفة، وان كانت تعرف بعضها البعض.. ومن تلك التنظيمات كان هنالك تنظيم قاد فيما بعد انقلاب رمضان الشهير في بدايات الانقاذ، كذلك كان هنالك تنظيم للضباط الاسلاميين نفذ فيما بعد انقلاب الثلاثين من يونيو 1989م.. وكذلك مايو كان لها تنظيمها داخل الجيش.. وكان هنالك تنظيم الضباط الاحرار الذي انتمى اليه..
* الضباط الاحرار تنظيم يجمع بين الشيوعيين والديمقراطيين أليس كذلك؟
= لا.. وسوف اوضح ذلك لأنني اتخوف من هذا اللبس.. فتنظيم الضباط الاحرار الذي انتمي اليه ليس من بينه شيوعي واحد.. وتشكل هذا التنظيم في العام 1975م من مجموعة من الضباط تتفق رؤاهم السياسية.. الرؤية سواء أكانت على المستوى العسكري المتمثلة في «الاحترافية»، وفي الرؤية السياسية المتمثلة في مستقبل السودان بشكل عام، وهذا التنظيم «الضباط الاحرار» لعب دوراً مهماً في انجاح الانتفاضة وحمايتها.. والتنظيمات الاخرى كانت ايضاً تعمل وتتقاطع ادوارها ومهامها بصورة او اخرى بعد بداية الانتفاضة.. وتنظيمنا استطاع عقد لقاءات تشاور مع العديد من النقابات والاتحادات «اطباء.. محامين.. مهندسين» واوضحنا لهم بأننا داخل القوات المسلحة لن نقوم بضرب الشعب بالنار.. وقدمنا التزاماً ووعداً بذلك لتلك النقابات والاتحادات، اما على الجانب السياسي فلم تكن لنا صلة بالقوى السياسية.. كذلك تم تنسيق بيننا وبين الشرطة «على مستوى الافراد» وتبقى جهاز الامن واقولها بكل صدق باننا استطعنا تحييد جهاز الامن ولعب الجهاز دوراً مهماً في انجاح الانتفاضة «وفي اعتقادي ان من اكثر سلبيات الحكومة الانتقالية بعد الانتفاضة حل جهاز امن الدولة وجاء الحل لانه احد اهم اهداف الحركة الاسلامية».
وفي فترة تصاعد التظاهرات برز تيار قوي داخل القوات المسلحة مناهض لتيار الانحياز للشعب وان يكون الولاء للقائد العام المشير جعفر نميري، وكذلك برز التيار المضاد الذي ينادي بضرورة انحياز القوات المسلحة للشعب وكان يقود ذلك التيار «تقريباً» كل الضباط في رتبة المقدم والعقيد وبعض العمداء.. في يومي الرابع والخامس من ابريل وصلت الانتفاضة الشعبية الى قمتها مما استدعى تأهب القوات المسلحة بالمقابل ورفعنا شعار «وحدة وتماسك القوات المسلحة» هذا كان شعار الضباط الاحرار، وكان الهدف من ذلك الشعار تفادي التناقض داخل الجيش لان ذلك التناقض سوف يعبر عنه بالبندقية.
وفي الخامس من ابريل تبلور الوضع داخل الجيش كالآتي:
استلام السلطة بواسطة الضباط من رتبة المقدم وما فوق او انحياز القيادة بكاملها للشعب.
وهنا يجب الاشارة الى شئ مهم وهو وجود النفوذ الحزبي داخل القوات المسلحة، للحزبين الكبيرين «الامة والاتحادي» وذلك لان افراد القوات المسلحة من ضباط وضباط صف وجنود اساساً هم من ابناء الشعب الذي يتوزع معظمه بين هذين الحزبين. تبقى الحزب الشيوعي والجبهة القومية الاسلامية، الحزب الشيوعي بعد 19يوليو 1971م ابتعد عن الجيش مما فتح المجال واسعاً امام الجبهة القومية لتعمل بمفردها تقريباًَ داخل القوات المسلحة.. وارجع هنا الى مقولة يرددها الساسة ليس عن جهل وانما قصداً وهي مقولة «ان تركيبة القوات المسلحة تركيبة انقلابية» واقول بكل وضوح بان التيار العام داخل القوات المسلحة ليس انقلابياً وضد الانقلابات وكل الانقلابات التي تمت بالسودان تمت بواسطة الاحزاب يسارها ويمينها.. وايضاً هنالك مقولة تقول «الحياة السياسية السودانية تدور في حلقة شريرة هي انقلاب فانتفاضة او ثورة شعبية ثم انقلاب».. هذه المقولة ايضاً يجب ان تصحح.. والحقيقة هي انتفاضة وانقلاب احزاب ثم انتفاضة ضد انقلاب الاحزاب.. ومن المؤسف اننا نجد ان كل الاحزاب الكبيرة بالسودان وعلى مر التاريخ في حالة عداء فكري مع القوات المسلحة وفي حالة عداء لافكارها ومهامها..
* سعادة العميد.. باختصار شديد ماذا حصد الشعب السوداني من الانتفاضة بعد مرور كل هذه السنوات؟
= الاجابة على هذا السؤال تعتمد على «النظارة».. التي ترى بها الاشياء.. وبالاجابة على سؤالين اساسيين هما: هل حققت الانتفاضة شعاراتها؟.. ولماذا فشلت في تحقيق تلك الاهداف؟ ومن هو الذي اطاح بتلك الشعارات؟
* وفي لقائنا بالنقابي عبد العزيز دفع الله سألناه عن كيف سارت الاحداث يومي الخامس والسادس من ابريل؟
= أجاب الخامس من ابريل 1985م تم التخطيط لاجتماع بمنزل بشارع «15» بالعمارات.. وعندما وصلت الى المنزل المحدد قابلت علي عبد الله عباس «عضو الامانة العامة للتجمع النقابي ممثل اتحاد اساتذة جامعة الخرطوم».. واخبرني بتأجيل الاجتماع الى مساء ذات اليوم.. وفي المساء تم ذلك الاجتماع وكان الحضور نقابة أطباء ومثلها د. عبد الرحمن ادريس، واتحاد الاساتذة مثله علي عبد الله عباس، ونقابة المهندسين ومثلها المهندس عوض الكريم محمد احمد، ونقابة المحامين مثلها عمر عبد العاطي، ونقابة البنوك مثلها يحيى سنادة، ثم شخصي ممثلاًَ لنقابة التأمينات الاجتماعية.. اما من الاحزاب السياسية فحضره من حزب الأمة المرحوم د. عمر نور الدائم، وصلاح عبد السلام الخليفة، والحزب الاتحادي الديمقراطي مثله سيد احمد الحسين والمرحوم ابراهيم حمد، وعن الحزب الشيوعي جاء محجوب عثمان. كانت اجندة الاجتماع هي وضع ميثاق للتجمع الوطني بشقيه النقابي والسياسي. واتفقنا في ذلك الاجتماع على كل الخطوط العريضة للميثاق من الغاء قوانين سبتمبر والغاء الطوارئ واطلاق سراح المعتقلين السياسيين، واتفقنا على شكل الهيكل التنفيذي لحكومة الانتفاضة «مجلس الوزراء» فبرز اتجاه ينادي باعطاء «60%» للقوى الحديثة و«40%» للقوى التقليدية مع عكس النسب في الهيئة التشريعية.. ورفض حزبا الأمة والاتحادي هذه النسب باعتبار أن وزنهما السياسي في الشارع السوداني اكبر من تلك النسب معتبران ان القوى الحديثة لا تخرج عن كونها واجهات لأحزاب وعليها الرجوع إليها، تمت صياغة الميثاق ووقعنا على كل ما تمت مناقشته ما عدا موضوع النسب الذي اتفقنا على مواصلة النقاش حوله.
كان من المفترض خروج موكب العمال والهيئة القضائية في صبيحة السبت السادس من ابريل، لان العمال والهيئة النقابية لم يشاركها في موكب الثالث من ابريل بصورة مكثفة.. وكان الهدف ايضاً تجديد دماء المواكب والمظاهرات لاننا لم نكن نتوقع انهيار نظام مايو بتلك السرعة.. واذكر انه سرت بعض التكهنات باحتمال انحياز الجيش للانتفاضة في اجتماع الجمعة 5/4، وكان السيناريو المتداول لذلك الانحياز هو عزل النميري بواسطة نائبه الاول عمر محمد الطيب لكن كل المجتمعين رفضوا ذلك الخيار، لكن بقى انحياز الجيش وارداً فاتفق الاجتماع على مناقشة كل الامور عند وقوعها بدعوة لاجتماع لمناقشة كل تغيير قد يطرأ على الساحة السياسية، وبدا واضحاً ان هنالك تحركاً وسط القوات المسلحة وقوات الشرطة وان كانت هذه التحركات تتم بصورة فردية.
انتهى ذلك الاجتماع في تمام الساعة الثالثة صباحاً من يوم السبت فخرجت من المنزل ومعي المحامي عمر عبد العاطي وكنا مطاردين بواسطة رجال الأمن.. المهم كنت المسؤول عن ترتيب موكب الهيئة القضائية والعمال وكان معي طارق عطا وعثمان ميرغني ومحمد خليل وهؤلاء كانوا مكلفين باجراء الاتصالات وكتابة الشعارات وللحقيقة والتاريخ كان يقف خلف كل هذا العمل المرحوم محمد توفيق مدير شركة التأمينات التي كنت رئيساً لنقابتها.. ذهبت الى منزل محمد خليل ببري حيث كنت اختبئ فيه، وبعد سماع بيان المشير سوار الدهب ذهبت ومعي طارق عطا الى دار المهندس حسب الاتفاق مع ممثل الاحزاب.. ولم نجد احداً فذهبنا الى منزل كمال ابراهيم احمد.. وانتظرنا هنالك حتى ما بعد الساعة الواحدة ظهراً ولم يحضر أيَّاً من ممثلي الاحزاب وعرفنا لاحقاً بان ممثلي حزبي الامة والاتحادي قابلا المشير سوار الدهب بالقيادة العامة وباركا انحياز الجيش للانتفاضة.
بدأت النقابات تتجمع بدار اساتذة جامعة الخرطوم التي تحولت الى شبه مقر دائم للتجمع وفي مساء السبت عقد اجتماع لكل النقابات تم فيه اعادة هيكلة وتشكيل مكتبها التنفيذي وبرز في ذلك الاجتماع تيار قوي ومجمع عليه برفض عسكرة الانتفاضة وعلى ضوء ذلك الرفض تقرر ارسال وفد من التجمع النقابي لمقابلة المشير سوار الدهب بالقيادة العامة. وكان الوفد النقابي يتكون من الجزولي دفع الله، وميرغني النصري، وعدنان الحاردلو ومختار عثمان، ويحيى سنادة، وعبد الله محمود.. تمت المقابلة مع المشير سوار الدهب عند منتصف الليل بالقيادة العامة.. وبعد السلام والتحايا ابتدر الحديث ميرغني النصري فاشاد بدور القوات المسلحة بالانحياز للشعب وبان التجمع النقابي هو مفجر الانتفاضة والقائد الشرعي لها ولدينا بعض الملاحظات اولها: ان القوات المسلحة انحازت للانتفاضة وبالتالي التجمع النقابي هو الاساس في عملية التغيير التي حدثت.
ثانياً: لم يصدر حتى اللحظة بيان رسمي من القوات المسلحة لتفكيك وحل اجهزة نظام مايو وضرب مثلاً بجهاز أمن الدولة. وكان رد المشير سوار الدهب مهذباً للغاية فقال: حقيقة نحن انحزنا للشعب والمطالب التي ذكرها الأستاذ ميرغني النصري ينفذها من يقوم بانقلاب عسكري لانه يكون عارفاً ماذا يريد؟ والقوات المسلحة كل ما فعلته هو تأمين الشعب وحقن دمائه وبعد ذلك نتفاكر ونتشاور مع اصحاب الشأن في المستقبل السياسي للبلد. وفي تقديرنا كان الاجتماع ناجحاً لان المشير سوار الدهب أمن على دور التجمع النقابي وتم الاتفاق على الاجتماع في مساء ذلك اليوم للتفاكر حول استكمال مهام الانتفاضة.. وفعلاً تمت الدعوة لذلك الاجتماع الموسع للتجمع بشقيه النقابي والحزبي بدار الاطباء.. فحضر ممثلو الاحزاب الثلاثة الاساسية وهي الأمة والاتحادي والشيوعي، بالاضافة الى حضور كم هائل من ممثلي الأحزاب الاخرى وكان حشداً سياسياً كبيراً بدار الاطباء حيث لا يمكن لاحد ان يحدد من هو الحزب الذي يمكنه حضور مثل ذلك الاجتماع في ذات اليوم تم تشكيل اللجنة السياسية التابعة للمجلس العسكري وكان يرأسها اللواء عثمان عبد الله العميد وقتها ودعت تلك اللجنة لاجتماع بالقيادة العامة في التاسع من ابريل وتم اشراك الجبهة الاسلامية لاول مرة في هذا الاجتماع وكان يمثلها د. عثمان خالد مضوي واعلن في ذلك الاجتماع بانه ممثلاً للجبهة القومية الاسلامية وعندها علق د. الحاردلو:« والله يبدو في ناس بخجلوا من اسمائهم القديمة وظهروا لنا باسماء جديدة».
في احد الاجتماعات بدار الأطباء وقف مختار عبيد وخطب في الاجتماع قائلاً: «إكراماً للتجمع النقابي ودوره القيادي في انتصار الانتفاضة ارشح رئيسه ليرأس الحكومة الانتقالية».. فانقسم الناس إلى قسمين قسم يرى ان يتولى ميرغني النصري رئاسة الوزارة فيما ايد القسم الثاني رئاسة الجزولي دفع الله. واتفق الجميع على ان يتولى الاستاذ ميرغني النصري ديوان النائب العام إلا انه رفض بشدة، ولذلك لم تستطع تعيين نائب عام إلا بعد ثلاثة اسابيع من اعلان تشكيل حكومة الانتفاضة وتم اختيار الاستاذ عمر عبد العاطي بواسطة المجلس العسكري الانتقالي نائباً عاماً.
* رفع الاضراب:
تم اجتماع بدار نقابة الأطباء في مساء التاسع من ابريل واثناء انعقاد الاجتماع حضر اللواء حمادة عبد العظيم حمادة واللواء عبد العزيز محمد الامين ودخلوا علينا ونحن في الاجتماع واستأذنوا ثم قالوا «في الحقيقة نحن مبعوثون في الجيش والاوضاع الأمنية خطيرة للغاية وعليه لابد من رفع الاضراب وتداول الاجتماع فكرة رفع الاضراب وللحقيقة والتاريخ الشخص الوحيد الذي رفض فكرة رفع الإضراب هو الأستاذ ميرغني النصري. وللنصري أشياء كثيرة اختص بها وحده وكان يصر عليها مثال ذلك كان يطلق على الانتفاضة ثورة 26 مارس ويعلل ذلك بان الثورة تعلن وتسمى بتاريخ يوم انطلاقها.
على إثر تلك المقابلة تم رفع الاضراب وفي ذات اليوم تم تشكيل المجلس العسكري الانتقالي واحتج التجمع الوطني بشقيه النقابي والحزبي على ذلك التشكيل، ولكن تعلل المجلس العسكري بان الموازنات داخل القوات المسلحة فرضت تشكيل خلافتنا معه حول مسألة التشريع. الميثاق الوطني اقرَّ بان الدستور الذي سوف يحكم السودان هو دستور 1956م المعدل لعام 1964م الذي اعطى السلطة التشريعية لمجلس الوزراء.. وجاءت مبادرة نقابة اساتذة جامعة الخرطوم التي هدفت الى عدم اشراك الاعضاء الاساسيين في النقابات التي قادت الانتفاضة في الوزارة حتى لا يحسب عليهم بانهم قاموا بالانتفاضة من اجل السلطة، وانا شخصياً كنت مع هذا الطرح لانه يتيح للنقابات إدارة الحوار خارج الحكومة وتمتلك سلطات اقوى من سلطات الحكومة وبهذا تكون بمثابة برلمان يراقب ويحاسب الحكومة. ولهذا كان وزراء الحكومة الانتقالية لا طعم ولا وزن لهم بخلاف شخصين هما د. أمين مكي مدني، وعبد العزيز عثمان موسى. وحتى نعرف مدى عدم التزام وزراء الانتفاضة بالتجمع الوطني النقابي فعندما هاجم تيار الجبهة القومية الاسلامية محمد بشير حامد وزير الاعلام ووصفه بانه شيوعي وحتى يبرئ نفسه من تلك التهمة دخل في عداء سافر مع نقابة العاملين بوزارته.
الحكومة الانتقالية- مايو «تو»:
بعد محاكمة الاستاذ محمود محمد طه واعدامه تمت صياغة ميثاق التجمع الوطني النقابي وذلك في نهاية يناير.. وعندما جلسنا لصياغة ميثاق التجمع الوطني النقابي السياسي اتفق الجميع على ارسال نسخة من ذلك الميثاق للحركة الشعبية لتحرير السودان وتبنى ذلك الطرح عبد الله علي عباس من نقابة اساتذة جامعة الخرطوم وتحديداً تم اختيار د. لام اكول للقيام بهذه المهمة «وهو عضو نقابة اساتذة جامعة الخرطوم».. لكن مع تلاحق الاحداث وسرعتها وفجائيتها لم يتم ذلك.. وللأسف اخذت الحركة الشعبية موقفاً ضد حكومة الفترة الانتقالية وسمتها «مايو 2» «مايو تو».
وبالرغم من ذلك عقدنا ندوة كوكدام لطرح القضايا الأساسية لعموم السودان، ومع الاسف مع بوادر ذلك الاتجاه لاستكمال بناء الصف الوطني لقيادتنا لمرحلة انتقالية ثانية.. ظهر تيار امان السودان وبدأ الترويج للحرب. ومع الأسف وجد هذا التيار هوىً في نفوس بعض اعضاء المجلس العسكري الانتقالي وعندما اصر على ان تكون كل السلطة التشريعية بيده وبعد جهد جهيد تقاسم مجلس الوزراء مع المجلس العسكري الانتقالي السلطة التشريعية.. مع ملاحظة تركيبة مجلس الوزراء اذ ان وزيري الدفاع والداخلية عسكريان بالاضافة الى ثلاثة وزراء من الجنوب تم تعيينهم بواسطة المجلس العسكري الانتقالي.. ولهذا جاء دستور الفترة الانتقالية وقانون الانتخابات الذي كان نتيجته جمعية تأسيسية ناقصة بثلاثين دائرة.. وسارت الاحوال هكذا حتى انهارت الديمقراطية الثالثة.. في يونيو من العام 1989م.




http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147496444&bk=1
_____________

Post: #195
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 04:17 PM
Parent: #194


قراءة ومراجعة في نقد وتجديد الخطاب الديني (4 ــ 5)
محمد المنتصر حديد السرَّاج
النسخية الطاهوية
التيار الطاهوي الجمهوري يبدو انه يعود بقوة اندفاع فكرية وثقافية في اطار مشروع التحديث الجوانبي للعلمانية المؤمنة التي توظف فهمها «الليبرالي» للاسلام لتقدمه الى العالم المعاصر اسلاما علمانيا حداثيا ينسخ كثيرا من قطعيات الدين التي يضعونها في قالب تاريخي ماضوي يجب تجاوزه على حد قولهم لنواكب العصر والتيار الطاهوي الجمهوري انتهى الى رؤية جوانية ودينية تحريفية تؤلف بين الرأسمالية الليبرالية والشيوعية الماركسية والصوفية الفلسفية الشاطحة والمارقة عن اصول الدين الاسلامي المسقطة للتكاليف التعبدية التي هي اركان الاسلام وبنائه لتقود الى ثورة ثقافية تبدل كل الثوابت الايمانية للامة الاسلامية ، ومن اراد التثبت فليراجع كتاب «الثورة الثقافية» لمحمود محمد طه المطبوع في سان جورج بالخرطوم 1972م.
ونواصل مع السيد الصادق المهدي حديثه عن «مستقبل الاسلام في السودان» واشارته الهامة الى «النسخية الطاهوية» وهو يقدم حقائق قبل ان يناقش آراءها ، والحقائق هي : المقلدون المسلمون يقولون ان احكام الشريعة قد فصلت تفصيلا نهائيا ونقلت الينا كاملة فلم يعد امامنا سوى الالمام بصحيح المنقول وتطبيقه ، الطاهوية قبلت هذا المفهوم وقلبته قائلة : مادام هذا هو الاسلام فهو مفصل على زمان غابر وغير صالح للقرن العشرين . فإن سقط رأي المقلدين لسقط معه الافتراض الطاهوي الذي قام عليه ، الفكر الطاهوي عالة على افكار تقدمته فما جاء فيه من قول عن العبادات مستمد من اقوال صوتية «مغالية» وما جاء فيه من اقوال عن الجهاد والمرأة ونسخ الشريعة والرسالة الثانية اقوال مطابقة لما تقدمهامن اقوال اليابية والبهائية والقادبانية .
الطاهوية تقوم على تعاريف خاصة بها مخالفة لمعانيها المعروفة : فالنسخ في مفهوم من اثبته ومن انكره من المسلمين هو تعطيل الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر وعبارة الاصول تعني في مصطلح المسلمين علم مصادر الشريعة وكيفية استنباط احكامها والفروع تعني الاحكام المستنبطة .
وعبارة اسلام تعني في فهم اهل القبلة التوحيد الذي جاء به النبيون وتعني احيانا الرسالة المحمدية خاصة وتعني احيانا الخضوع للسيادة الإسلامية دون ايمان حقيقي كما كان حال بعض الاعراب ، والسنة تعني الثابت من اقوال وافعال المصطفى صلى الله عليه وسلم والرسالة في الفهم الاسلامي اوسع درجة من النبوة فكل رسول نبي وما كل نبي رسول .
اما معاني هذه العبارات في الفكر الطاهوي فمختلفة تماما فالنسخ هو الغاء القرآن المكي المتقدم زمانا للقرآن المدني المتأخر زمانا وعبارة اصول تعني ذلك القرآن الذي نزل في مكة وكان ارفع من فهم واستيعاب اهل القرن السابع الميلادي .. وعبارة فروع تنطبق على القرآن المدني المفصل على ظروف القرن السابع . وعبارة اسلام تعني في نظرهم خضوع الكون طوعاً او كرها لله . وتعني ايضا حالة لم يدرك شأوها الا الانبياء باشخاصهم واتباع الرسالة الثانية في القرن العشرين والسنة تعني في نظرهم سلوك النبي في خاصة نفسه ، وهو سلوك لم يطلع عليه صاحبته ولم يفهموه لانه ارفع من مستواهم وهلم جرا.
ليس في الاسلام طبعا دليل على صحة هذا الافراغ لمفاهيم وشحنها بمعان جديدة والدليل الوحيد هو ان يحدث فتح صادق ينقلنا الى المفاهيم الجديدة او ان نحسم الظن بصاحب الرسالة الجديدة فنصدقه فيما روى من روايات الطاهوية في الواقع ملة جديدة ولعل اقوى حجة يسوقها الطاهويون لاقناع منكريها هي ان الدين اسهام للانسان .
وان الاسلام المنقول غير صالح للقرن العشرين ما يوجب رسالة ثانية وان مبادئ تلك الرسالة مخبوءة في نص القرآن المكي فتصدى لبيانها محمود محمد طه .
ان النقد والتجديد الذي يتجاوز الاصول الثابتة للاسلام وفهمه وتطبيقه في القرآن الكريم وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم واجماع المسلمين على حجية القرآن وحجية السنة ، ومن ثم بروز اصول فقه الدين والتعامل مع النصوص والحوادث فإن فهم المسلمين وفكرهم في مقابلة الواقع والحكم عليه هو موضوع النقد والتجديد وفي هذا متسع للمجتهدين والمجددين ليبعثوا الامة من سباتها العميق قوية حرة قادرة على القيادة والحياة في القرن الواحد والعشرين وما بعده ولكن ان تنسف اصول الدين من الداخل وان يتم التفريق التطبيقي بين القرآن المكي والقرآن المدني وان تعتبر تجربة الرسول (ص) بكل دلالاتها الحضارية تجربة تاريخية ماضوية عفى عليها الزمن في القرن السابع الميلادي وبالتالي وجوب تجاوزها الى تجارب معاصرة ليبرالية محقونة بدماء الحضارة الغربية الامريكية الساحقة ! نعم ان تجارب التاريخ كما يذكر القرآن دائما تأتي للاعتبار والاستفادة من الدروس واستيعاب المعاني الكلية الصالحة لكل زمان ومكان لاستصحابها ومحاولة انزالها على الواقع بقدر المستطاع وحسب مطلوبات التدين الاسلامي الواضحة المعالم في ادني مستوياتها الفردية والجماعية من الشهادتين واقامة اركان الدين الخمسة الي ذروة سنام الاسلام في الجهاد بحسب الظرف وضغوط الواقع الذي يتطلب الاصلاح وحتى في هذا الامتثال تتعدد المستويات من السابقين من الشهداء والصديقين ومن اصحاب اليمين من الصالحين ومن رافقهم ، ومن الظالمي انفسهم من المسلمين الذين يتمسكون بحدود الدين والملة ولكن لا يوسعونها بالتزام اركان الدين ولا يغذون حياتهم بمخالفة هوى النفوس وكبح جماحها ولكنهم لا يلحدون في آيات الله ولا يكفرون باصول الدين ولا يرفضون الاركان ولا يحرفون في ثوابت الاسلام وربما ييسر الله تعالى لهم طريقا يفيدون به الدين وامة الاسلام فهم في بحبوحة الشهادتين يعيشون ولا يقفون موقف المغضوب عليهم ولا الضالين.
نعم نحن وفي اطار نقد وتجديد الخطاب الديني مع «الباقر العفيف» في الدعوة الجهيرة جدا للحرية الدينية وللسلام ونبذ العنف وللديمقراطية والشورى وللمساواة بين البشر ولنبذ الهوس الديني وغير الديني ولسيادة حكم القانون ومحاربة الارهاب الفكري وضد حشد الناس والعقول كقطعان الماشية بلا علم ولا يقين ولكن الاختلاف مع العفيف في انه لكل دين ولكل فكر خطوط حمر وحدود من تعداها وجبت محاربته واخراجه مثال حدود الوطن الا ان يدخلها بالاجراءات المرعية ويمتلك جواز ذلك او يخرج منها كذلك هذا في اطار الوطن والبلد المعين وفي اطار مركزيته الثقافية الغالبة وهو امر ينطبق على كل العالم من الولايات المتحدة والى جزر القمر وجمهورية السودان الجديدة اللادينية او جمهورية الاماتونج في جنوب السودان بعد الانفصال المحذور. ان الله تعالى قد ضمن لكل انسان حرية تامة في الايمان والكفر وفي الاهتداء لاحد النجدين ، ولكن عندما يتحدد العيش داخل دولة بعينها ذات دستور وقانون وذات مركزية ثقافية غالبة امثال الولايات المتحدة فأنت تعيش وتتمتع بكل الحريات المكفولة داخلها ولكن عندما تتجاوز الخطوط الحمراء بها فإنك واقع تحت طائلة الدستور والقانون ومتجاوز لمركزيتها الثقافية فواجب محاربتك واخراجك وللتسامح حدود قصوى عند البشر.
ان اى مركزية ثقافية غالبة سواء كانت عربية اسلامية أو غيرها لها أوجه تعبير متعددة منها المتطرف المغالي ومنها المتوسط المعتدل ومنها المتدني البسيط وكل ذلك به درجات متفاوتة من الالتزام وعدمه وعلى القائمين على أمر نقد وتجديد الخطاب الديني التمسك باصول الدين ومحاولة الانطلاق منها وانها (القاعدة) الثابتة الى آفاق البعث والاحياء لهذه الامة التي اصابها الموات الطويل على كافة الاصعدة والبدء من الظرف المحلي وتقوية مركزيته العربية الاسلامية المعرضة للهجوم الكثيف عبر سيناريوهات متعددة وشاملة من مراكز الطغيان العالمي الحاكمة والباحثة والمتربصة وفي هذا السياق الواضح يجب رفض اى نزوعات لتقويض اسس الدولة الوطنية مهما كانت الاسباب وعلى القابضين على جمر الدولة ان يخففوا قبضتهم حتى لا تصبح رمادا تذروه الرياح وان يتركوا الوان الطيف المركزي الثقافي في قبضهم على «الجمر» حتى يدركوا جميعا مدى حرارتها واحراقها ويلتزموا بضم الصفوف ولم الشمل لمواجهة الآتي القريب وطالما ان المركزية الثقافية العربية الاسلامية حاكمة في السودان بكل مستوياتها وتعبيراتها بكل الحرية المطلوبة والعدالة والمساواة وضمان حقوق الاقليات فلا بأس ان يحكمنا «كافور الاخشيدي» والرسول صلى الله عليه وسلم قد خاطب اهل المركزية العربية الاسلامية المكونة حينها من قريش وغيرها من قبائل العرب ومن عاش معهم من الاحباش والسودان وغيرهم خاطبهم الرسول صلى الله عليه وسلم اسمعوا واطيعوا وان امر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة.
ولنا عودة



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147495835&bk=1
_______

Post: #196
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 04:18 PM
Parent: #195


جَنَازَةُ البَحْرْ!

كمال الجزولي
فى تقليد الإحالات الميتافيزيقيَّة لدى قدماء البحَّارة ، أنهم كانوا إذا ما عصفت الريح ، واصطخب الموج ، واضطربت السفينة ، وأوشكت على الغرق ، يهرعون من فورهم للبحث عن (جثة) مخبوءة ، ولا بُدَّ ، وسط الزكائب والحاويات المشحونة ، وقد حلت عليهم هذه اللعنة بسببها ، فلا سبيل ، إذن ، لرفع البلاء إلا بالعثور عليها وإلقائها فى البحر ، كى تنقشع العاصفة ، ويسكن الموج ، وتعود السفينة تمخر عباب البحر كما لو كان بساطاً من حرير!
غير أن (بحَّارة) نظام الانقاذ يعتمدون ، فى ما يبدو ، نظاماً ميتافيزيقياً معاكساً تماماً لنظام البحَّارة القدماء! فما أن أحكمت البلايا تطويقهم ، واحتوشتهم الرزايا من كلِّ حدب ، وأحاطت بهم الزوابع من كلِّ صوب ، حتى انطلقوا يبحثون ، وسط الموج الهادر ، عن (جنازة بحر) يدخلونها إلى سفينتهم!
حسناً .. لنوضح المسألة أكثر. هل تذكرون (تحالف قوى الشعب العاملة) ، الاسم الآخر (للاتحاد الاشتراكى) الذى هبَّ الشعب فى وجهه ، قبل عشرين سنة ، فأطاح به ، وبنظامه المايوى ، ورئيسه النميرى ، فى انتفاضة أبريل عام 1985م؟! أها .. لقد جاء فى الأخبار أن (جنازة البحر) هذه شكلت ، أواخر الأسبوع الماضى ، (اللقية السحريَّة) فى الميتافيزيقيا السياسيَّة لحزب المؤتمر الوطنى الحاكم! فبعد أن ظلَّ يبحث ، بلا جدوى ، عن حلٍّ لأزمته الداخليَّة المعقدة ، ولورطته الخارجيَّة المستفحلة ، حتى أعياه البحث فى كلِّ الآفاق ، ما عدا الأفق الوحيد الذى ما تزال ملابسات الظرف التاريخى تتيح له فرصة نادرة لاستثماره بالاقدام على مصالحة مستقيمة مع الشعب ، لم يجد مخرجاً إلا بإدخال النميرى الملفوظ من نفس هذا الشعب ، وتنظيمه الذى مات وشبع موتاً قبل هبوب العاصفة بدهور ، فى كيان الحزب الحاكم الذى يُفترض ، أصلاً ، أن فيه ، بدون ذلك ، ما يكفيه ، بل والذى يُفترض ، منطقاً ، أن يكون مصير تلك (الجثة) نفسها هو أكثر الكوابيس قضَّاً لمضجعه!
حفلُ الاشهار كان حافلاً بالعديد من المفارقات. فقد برَّر المشير عمر البشير ، رئيس المؤتمر الوطنى ، هذه الخطوة بأن "الانقاذ جاءت على ذات النهج المايوى فى تطبيق الشريعة الاسلاميَّة" (الصحافة ، 3/3/05). لكن المشير جعفر النميرى لم يفصح من جانبه ، فى تلك اللحظة ، عمَّا إذا كان قد عبَّر أو لم يعبِّر ، فى أىِّ وقت خلال فترة هروبه بالقاهرة ، عن تراجعه عن قوانين سبتمبر 1983م التى كان قد أصدرها تحت عنوان (الشريعة) المُعرَّفة بالألف واللام! فلو أنه اعترف ، مثلاً ، بوقوع شئ من ذلك ، ضمن أجندة (عدائه) لنظام الانقاذ طوال سنوات التسعينات ، لانهارت ، من أساسها ، الحجَّة التى انبنى عليها التحالف الجديد!
كذلك طرح رئيس المؤتمر الوطنى دعوته ، بهذه المناسبة ، للقوى السياسيَّة كافة "لتوحيد صف الجبهة الداخليَّة وإقامة تحالف قومى بعيداً عن العصبيات الحزبيَّة" (المصدر). ويقيناً لا يمكن للشق الأول من الدعوة ، والمتعلق "بتوحيد الجبهة الداخليَّة" ، إلا أن يصادف ترحيب كلِّ الوطنيين ، خاصَّة إذا اقترن بعمليَّة اختراق تاريخيَّة يقدم عليها النظام بهذا الاتجاه ، مِمَّا بحت الحناجر من المناداة به. لكن الشق الآخر الداعى "لإقامة تحالف قومى بعيداً عن العصبيات الحزبيَّة" ، كشرط "لتوحيد صف الجبهة الداخليَّة" ، إنما يحتقن ، فى حقيقته ، بمصادرة صارخة على المطلوب ، لا لأن (العصبيات الحزبيَّة) أمرٌ حسنٌ ، بل لأن الدعوة نفسها تشطب فى الحقيقة ، وبجرَّة قلم ، كلَّ الذاكرة التاريخيَّة لأحزاب المعارضة ، وخبرتها المريرة مع مثل هذه الدعوات عموماً ، وأشهرها مشروع (المصالحة الوطنيَّة) الذى كان قد طرحه النميرى عام 1977م ، فما لبث أن تكشف ، فى الحساب الختامى ، عن محض خطة لإخصاء تلك المعارضة بالذات ، دع عنك المعطيات المتوفرة من واقع التعاطى مع نظامى مايو والانقاذ مجتمعين ، والتى أثبتت ، بشكل يقينى ، على مدى أكثر من ثلاثين سنة ، أن الحزب (الطيِّب) الوحيد ، من زاوية النظر (الشموليَّة) ، هو الحزب (المطيع) ، (المُدجَّن) ، (الحليف) أو (المتوالى) ، ويا حبَّذا لو حلَّ نفسه واندغم! أما أيَّة (ممارسة حزبيَّة) تحاول أن تتمسَّك باستقلالها عن إرادة السلطة الشموليَّة وحزبها الحاكم فإنها تمسى مرفوضة ، من جانب هذه السلطة ، بل ومُدانة كمحض (عصبيَّة حزبيَّة)!
وليس أبلغ للتدليل على ذلك من أن الدعوة للنأى عن هذه (العصبيَّة الحزبيَّة) تصدر الآن عن (حزب حاكم) لم يجف ، بعد ، مداد التصريح الذى أدلى به أحد أعمدته ـ د. مصطفى عثمان اسماعيل ، وزير الخارجيَّة ـ بأن تقرير لجنة الحقائق الدوليَّة حول دارفور "قد يمسُّ بعض الأفراد .. لكن هذا لن يغيِّر فى بنية النظام" ، و".. واهمٌ من يتصور أن التقرير سيؤدى إلى تغيير بنية النظام" ، حيث الكلام هنا ، كما سبق أن أشرنا فى مقال سابق ، ليس ، فى حقيقته ، عن (التقرير) كسبب محتمل (لتغيير بنية النظام) ، بل عن النفى المؤكد لأدنى احتمال ، من الناحية المبدئيَّة ، (لتغيير هذه البنية) من الأصل! فإن لم تكن هذه هى (العصبيَّة الحزبيَّة) بعينها ، فكيف تكون (العصبيَّة الحزبيَّة) إذن؟!
ومن المفارقات التى فجَّرها حفل الاشهار أيضاً أن النميرى لم يكتف بالاعلان المشترك مع البشير عن قيام التنظيم الجديد باسم (التحالف الوطنى) ، بعد أخذ كلمة واحدة من اسم كلٍّ من الحزبين ، وإنما ذهب إلى أبعد من ذلك بإعلانه هذا التنظيم (حزباً) جديداً ، بل وتجرؤه على إعلان "فتح عضويَّته أمام كلِّ السودانيين .. الشرفاء" (المصدر).
لندَعَ الانقاذ وحزبها اللذين ما زالا فى ساحة الصراع المفتوح على كلِّ الاحتمالات ، تحت هذا الظرف التاريخىِّ المحدَّد ، ولنطرح السؤال الذى لا بُدَّ منه هنا: أىُّ سودانيين (شرفاء) يدعو النميرى للالتحاق به ، والانخراط معه ، فى أىِّ عمل سياسى؟! هل هم نفس السودانيين الذين حصبوا بالحجارة ، ذات ظهيرة لاهبة من أواخر مارس 1985م ، موكبه المنطلق نحو المطار ، ومن هناك لأمريكا ، تاركاً وراءه حزمة من المخازى الطازجة ، ناهيك عمَّا تراكم عبر ستة عشر عاماً ، حيث السجون تغصُّ بالمعتقلين السياسيين دون محاكمات ، والمراجل تغلى فى الصدور من بشاعة إعدام شيخ مفكر مسالم كمحمود محمد طه ، وجهاز الأمن يتلقى توجيهاته من عناصر السى آى إى فى السفارة الأمريكيَّة بالخرطوم ، وضغث الطفيليَّة الاسلامويَّة ينضاف إلى إبالة الطفيليَّة المايويَّة لتشيع المتاجرة فى الأقوات ، وليستشرى الغلاء يطحن حتى الطبقة الوسطى ، والناس فى الغرب ينبشون بيوت النمل بحثاً عن الطعام فى مجاعة لم تسبقها سوى (مجاعة سنة ستة) ، وصفقة النظام الدنيئة مع واشنطن وتل أبيب لترحيل اليهود الفلاشا إلى إسرائيل تتناقلها الاذاعات والألسن؟! هل هم السودانيون أنفسهم الذين انحازت القوَّات المسلحة ، فجر السادس من أبريل ، لانتفاضتهم الباسلة ، فدكوا صروح نظامه دكاً ، وألجأوه إلى القاهرة لأكثر من خمسة عشر سنة ، لا ليشن معارضة ، أو يقود مجابهة ، وإنما فقط ليفرَّ بجلده ويجرى فحوصاته الدوريَّة؟! أم إنهم ، يا ترى ، سودانيون آخرون بلا ذاكرة ولا تاريخ ، يعتقد أنه يمكنه خداعهم بعبارات اعتاد أن يمضغها ويثفلها بلا معنى محدَّد على شاكلة "الاستقرار ، والتنمية المتوازنة ، وإزالة الفقر ، وإشاعة المساواة" ، مِمَّا ورد فى تصريحاته فى حفل الاشهار؟!
أسئلة كثيرة لن يفلح النميرى فى الردِّ عليها إلا باتهام كلِّ من شارك فى تقويض حكمه بالخيانة والعمالة وما إلى ذلك من بضاعة كاسدة ليس فى جعبته سواها. لكنه ، حتى فى هذه الحالة ، سوف يصطدم ، يقيناً ، بمفارقة أخرى لن يمكنه تليين استحالاتها إلا بالكثير من النفاق والمُداراة ، حيث سيتعيَّن على اتهاماته هذه أن تطال ، لأسباب معلومة ، شخصيات سبقته إما إلى الاندغام أو التحالف مع الحزب الحاكم ، كسوار الدهب والشريف زين العابدين الهندى على سبيل المثال. ولئن كان الأخير ، بالذات ، قد أفلح شيئاً فى إقناع جزء من جماهير الاتحاديين بجدوى التحالف مع الانقاذ خلال الفترة الماضية ، فسوف يتعيَّن عليه الآن أن ينبش فى ركام خردة التبريرات السياسيَّة ولو عن (إبرة) صدئة تقنع هذه الجماهير بسداد تحالفه مع النميرى من بوَّابة تواليه مع الحزب الحاكم ، وهم من ظلوا يحفظون فى سويداء القلب مبادئ وتعاليم زعيمهم التاريخى المرحوم الشريف حسين الهندى الذى ما كفَّ لحظة عن النضال ضد النميرى ونظامه إلا بعد أن كفَّ قلبه عن النبض!
لا نسأل عمَّا دفع النميرى إلى هذا التحالف يرتق به فتقاً لم يقع بينه وبين حلفائه قبل عشرين سنة إلا بسبب التكالب على كراسى السلطة. كما وأن لدينا ، فى التحليل النهائى ، ما يحملنا على الاعتقاد بأن الرجل هو من سعى إلى ذلك سعياً عله يردَّ بعض (جميل) الانقاذ عليه ، وأنه هو الرابح الوحيد منه ، إذ لم يعُد لديه ، أصلاً ، ما يخسره ، بعد أن رأى بأم عينيه ، منذ عودته من القاهرة ، كيف انفضَّ السامر من حوله ، وكيف هرول جزء معتبر من رجاله إلى أروقة الحزب الحاكم ، وعلى رأسهم أبو القاسم محمد ابراهيم ، وما أدراك ما أبو القاسم محمد ابراهيم ، وكيف استحال (تحالف قوى الشعب العاملة) إلى طيف ذكرى باهتة لا تصلح حتى لتسلية (الجنرال فى متاهته) ، وحفنة حرَّاس شخصيين حفيت أقدامهم من السعى وراءه بين بيوت المآتم ، يبدِّد فيها سحابة نهاره ، وقد يقضى بعض الوقت فى دار (التحالف) الخاوية على عروشها بشارع الجامعة ، والتى لا تملك من مقوِّمات العمل الحزبى سوى لافتة وبضعة شغالين!
واستطراداً ، فإن أكثر ما يثير السخرية ، إن لم يكن الرثاء ، فى تصريحات النميرى تلك ، أنه لم يجد ما يزكى به جدارة حزبه بأن يلعب دوراً ما فى المرحلة القادمة غير التأكيد على رصيده من "الخبرات فى مجالات وقف إطلاق النار وإعادة التوطين"! ولا تعليق! نعم ، لا نسأل عمَّا دفع النميرى إلى ذلك ، ولكننا نسأل عمَّا حدا بالحزب الحاكم لاتخاذ هذه الخطوة ، وفى هذا التوقيت بالذات. ونطرح ، باتجاه الاجابة ، فرضيَّتين:
أولاهما أن الانقاذ ربما أرادت أن تستعين بعلاقات الرجل القديمة مع أمريكا لتليين مواقفها إزاءها! لكن هذه الفرضيَّة ليست بأفضل ولا أسوأ من أيَّة فرضيَّة أخرى بإمكانيَّة استعادة شاه إيران أو السادات من قبريهما ، مثلاً ، كى يلعبا دوراً ما فى تمتين علاقات بلديهما مع أمريكا!
أما الفرضية الأخرى فقائمة فى أن من محضوا الانقاذ هذا النصـح ، ودفعوا بها إلى هذا الخيار ، هم ، بالتحديد ، من يمثلون التيار الأكثر تشدُّداً داخلها ، والذين تتحقق مصالحهم السياسيَّة أكثر ، كلما أمكن إدخال المزيد من العِصى فى عجلة السلام. وهى فرضيَّة تبدو ، على أيَّة حال ، أكثر معقوليَّة واحتمالاً. فالمنهج الاستفزازى provocative معروف فى العمل السياسى. والطرف الآخر فى اتفاق السلام كان قد بلغ به هاجس المقت لنظام النميرى حدَّ التشكك حتى فى المجلس العسكرى الانتقالى الذى تشكل ، برئاسة سوار الدهب ، فى عقابيل انتصار الانتفاضة الشعبيَّة عام 1985م ، معتبراً إياه ، خطأ ، محض استمرار لذلك النظام فى سياق آخر ، فأطلق عليه التسمية الشهيرة (مايو الثانية May Tow) ، ورفض التعامل معه على هذا الأساس! وقد توصلت الحركة الشعبيَّة الآن لتسوية مع الانقاذ تعتبرها مجزية ويعتبرها المتشدِّدون فى السلطة وبين القوى الاجتماعيَّة الداعمة لها (قسمة ضيزى). لكن هذه التسوية تؤسِّس ، على أيَّة حال ، لشراكة بين الطرفين على مدى ست سنوات قادمة. فبأى حسن نيَّة يمكن أن تنظر الحركة إلى بادرة يُمهِّد بها شريكها القادم لعدوِّها أن يتسلل من النافذة إلى داخل بيت الشراكة ولمَّا يجف ، بعد ، حبر التوقيع على اتفاق السلام؟! وربما انطبق الأمر نفسه على موقف قوى المعارضة السياسيَّة ، سواء تلك التى تقف خارج التجمع ، أم تلك التى تتهيَّأ فى إطاره لإبرام الاتفاق المنتظر مع الحكومة خلال الأيام المقبلة.
لكن هزال حزب النميرى ، على مستوى الشارع والعلاقات الخارجية ، قد يجعل الحركة والقوى السياسيَّة الأخرى تقلل من شأن أى تأثير لتحالفه مع الحزب الحاكم على اتفاقاتها وترتيباتها السياسيَّة. ولن تكون غير محقة فى ذلك إن فعلت. ولعلَّ د. ابراهيم احمد عمر ، الأمين العام للمؤتمر الوطنى ، قد قصد أن يبعث برسالة فى هذا المعنى لمن يهمهم الأمر ، حين صرَّح ، فى سياق ردِّه على أسئلة الصحفيين حول بدء العمل بالمسمَّى الجديد ، بأن ذلك سوف يكون فى (مرحلة قادمة) ، أما الآن فسيتواصل ".. العمل باسم المؤتمر الوطنى نسبة لارتباطه كطرف فى الاتفاقيات الموقعة أخيراً" (المصدر).
مهما يكن من أمر ، ومهما يكن (الكسب) الذى يتوقع الحزب الحاكم أن يصيب من إدخال حزب النميرى فى كيانه ، فإنه لن يتحقق ، بينما ستبقى (اللعنة) وحدها التى سيجلبها عليه هذا الاجراء ، كبرت أم صغرت ، سواء على صعيد الذاكرة الشعبيَّة ومراراتها ، أم على صعيد نقمة الأطراف التى يبرم معها اتفاقات التسوية ، وسوء ظنها السياسى به!



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147495782&bk=1
__________

Post: #197
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 04:21 PM
Parent: #196


الدكتور منصور خالد وقضية الساعة وتقويم الثقة
د. عبد الله عوض عبد الله
كان المقصود من كتاباتي بذل النفيس من تعب ومشاق وتضحية في سبيل نشر دعوة السلام (الإسلام) : كما قصدت منها التعامل مع الجمهور مباشرة دون حجاب.. فإن الصوت القوي المصوب الى القلوب.. يفرض على الآذان السماع وعلى القلوب الانصات.. فمثلي الكثيرين من المفكرين والكتاب والادباء المبدعين.. فهؤلاء فعلوا اكثر مما قالوا.. لهم العتبى...
فإنه وارد: (ان كلمتي لاترجع الى فارغة) وفعل مثل هذه المقالات ساير وماض في كل افراد المجتمع وسيفعل فعله لا ريب في ذلك.
فكل ما كتبته في المقالات السابقة هو ما جادت واسعفتني به الذاكرة وهو شذرات ونذر يسير لحياة عامرة ثرة بالعطاء الذي لا يغيض ولا ينقطع .. فيه تجديد لذكرى تلك الايام السوالف الخضراء عند قدامى الاخوان والاخوات ومخضرميهم وفيه وفاء للذين ذهبوا.. فعندما نكتب ننفذ قناعتنا الفكرية.
انني ارمي في كتاباتي الى إنشاء الثقة في صدور الخلق من العباد بقوة ورحمة بين الخالق وراء كل ذلك ، الى إنشاء الصلة بين الخالق والخلق بصورة تقوم على الثقة والمحبة ، وقتها يكون انسياب المعرفة من منبعها الاصيل دون ان تعترض طريقها الحواجز والعقبات.
ان دعوتنا الى اجهزة الإعلام ، المقروءة ، والمسموعة، والمرئية الى فتح ابواب الحوار الموضوعي، وتوسيع قاعدة المشاركة الفكرية في القضايا العامة وفق الدستور والقانون الدستوري، يجب ان تعم، وترعى وتشجع، وتصان بكل سبيل، فإن إنشاء الوعي السياسي، والديني ، بين افراد الشعب ، عن طريق الحوار، انما هو صمام الامان الوحيد لدى الشعب في وجه التضليل الطائفي والارهاب الديني و التآمر السياسي!! بل هو الأمن الحقيقي.
فان قفل باب الحوار في القضايا الفكرية ان وجد الاستجابة لا قدر الله من الصحف وهي ذات مسؤولية وطنية وفكرية، رفيعة عن نشر الوعي وصيانة حرية الرأي، فعلى الوعي، وعلى حرية الرأي العفاء !!
فهلا ادركت صحافتنا هذه البديهة؟! حتى لا يتم الاعتداء على الحريات العامة، وتوسيع دائرة الارهاب الفكري، فقد سمحت جريدة الأيام للدكتور منصور خالد بكتابة مقالات مبوبة (حوار مع الصفوة) اثرى بها الحوار والنقاش بالمجتمع السوداني والعالمي وكيف لا فقد كتبت مجموعتها الاولى عقب انتفاضة اكتوبر عام 1964م. عندما كان يعمل مندوباً للأمم المتحدة بالجزائر. وكتب مجموعتها الثانية خلال فترات التيه والضياع التي اعقبت ذلك وعندما كان يعمل في منظمة اليونسكو في باريس .. (ذلك استدراك رأيناه ضرورياً ... ثم .. نترك المنصة للحوار القديم الجديد).
ولد الدكتور منصور خالد بمدينة ام درمان وأكمل تعليمه حتى المستوى الجامعي في مدارس السودان . نال اجازة الماجستير في القانون من جامعة بنسلفانيا بالولايات المتحدة واجازة الدكتوراة من جامعة باريس في القانون الدولي - عمل محاميا في بداية تخرجه ثم انتقل للعمل بالإدارة القانونية بالامم المتحدة في نيويورك، انتقل من بعد للعمل في منطقة اليونسكو بباريس. عمل كاستاذ للقانون الدولي. في جامعة كلورادو بالولايات المتحدة عمل منذ مطلع نظام مايو 1969م، كوزير للشباب ثم سفير للسودان في الامم المتحدة . تقلب في عدة مناصب في السودان من وزارة الخارجية ووزارة التربية وكمساعد لرئيس الجمهورية ، عمل كزميل في معهد ودرو ويلسون بمؤسسة اسمثونيان بواشنطن عقب تركه السودان في عام 1978م، شغل موقع نائب رئيس للجنة الدولية للبيئة والتنمية التي انشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1982م، ومقرها جنيف.. ألف عددا من الكتب حول السياسة السودانية باللغتين العربية والانجليزية كما نشر العديد من المقالات في الحوليات الدولية عن قضايا التنمية والسياسة في العالم الثالث، كما انه مهندس جميع اتفاقيات السلام بالسودان بدون منازع فهو رجل مفكر واكاديمي مميز وسياسي وكاتب واديب وقانوني ذلك استدراك رأيناه ضروريا ثم نترك المنصة لتتشرف جائزة نوبل للسلام باسم الدكتور منصور خالد محمد عبد الماجد وباسم الاستاذ محمود محمد طه الذي قال عنه الدكتور منصور خالد وهو يهديه احدى كتبه: الى روح الاستاذ محمود محمد طه الذي ذهب مبغيا عليه في عهد اللوثة ولسان حاله يقول:
(يا احبابي في بلد الاشياء)
(في بلد المشي على اربع)
(هذا آخر عهدي بوجوهكم السمحة)
(بعقولكم العطشى للإنجاب الفكري الممنوع)
(فالحكم الصادر، لقضاة مدينتكم في مجلسه المرموق)
(عالجني بالموت).
قال تعالى : (واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزاً * كلا ، سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضداً) مريم : 81 - 82 .
نعم... من حقهم علينا ان نوليهم السند، ونحبهم بالمؤازرة حتى يرد لهم كرامة سلبت وينزل منهم اهل الخوف في كنف الامن بترشيحهم لجائزة نوبل للسلام. فالدكتور منصور خالد لجدير ان يدله اهلوه الثقة ويمنحونه التأييد وقد رأوا له الجزل من المواهب هذه.. وهو رجل من الاصالة قريب وفؤاد لماح زكي.
فنحن على موعد مع السلام وجائزة السلام ومع الرفاء ومع الآمن يحكي كل ما فيها من مشاهد ومن سؤال ومن فوز ومن نور هو يوم (التغابن) فيجب ان نكون في مستوى التأدب والحضور معه فاللوم الذي جرى على الصحف هو ايضا بسبيل من حماية الحقوق الاساسية لجميع المواطنين . فنحن لا ندفع للصحف إلا بما نثق في سلامته ، ونقدر على الدفاع عنه امام النقد، والمواجهة المحددة... حتى لا ينفتح الباب امام الوصاية، والتسلط، والارهاب الفكري، حتى ننتهي، دون ان نشعر، الى خلق الرأي العام الضيق، المتعنت ، غير المتسامح.
وحينها لا تبقى للحقوق الاساسية ادنى حرمة.. ولا تقوم للفكر، والحوار الموضوعي ، قائمة.. وبكل ذلك يشقى الإنسان، ويرتد في سلم التطور.. وتلك هي الفتنة التي لا تصيبن الذين ظلموا منا خاصة ، وما علم (الجبل) ان ذلك كان لأجل محتوم.. وان لكل اجل كتاب... وقد امتدت اطرفه وكأنه في محاولة لصد ابنائه من ملاقاة الموت... انه تعبير صادق عما اضمره ولا املك التعبير عنه.. ان مجتمع (الحرية) و (الصحافة) هو مجتمعي واسرتي الكبيرة والصغيرة مع علمي التام ان الذي يحب اثنين معدد وان الحب شرطه التوحيد..
كان بإمكاني ان لا ألتفت اليهم ولا اتحرك من مكاني حتى يبح صوتهم ويفت عضدهم ويخرجوا مدحورين خائبين .. ولله في امره شؤون.
بارك الله في السود .. فان ضمائرهم انقى من ماء المزن الهتون ولكن ننفذ قناعتنا الفكرية عندما نكتب ونعمل ونرى في وحدة لا تفت .. فجائزة نوبل للسلام ليس لها إلا الاستاذ محمود محمد طه والاستاذ الدكتور منصور خالد محمد عبدالماجد.
الحوار الحر هو قضية الساعة وتماسك الجبهة الداخلية هو واجب الساعة... ذلك بأن الحوار الحر ينجب الشعب الحر، وبحسبه شرفا ان يكون بمثابة الوسيلة لهذه الغاية العظيمة فهو كالانشاد ينغم النشاز الداخلي في النفس البشرية، فيزيل حالة القلق والاضطراب وينشر الجو الروحي الذي يسمو بالارواح ويعلو بها.
فالدكتور منصور خالد محمد عبد الماجد رجل فذ مفتوح الذهن متحدث ووارداته حاضرة .. وهو صاحب الصوت القوي المصوب الى العقول والقلوب يفرض على الآذان السماع وعلى القلوب الانصات...
فالاستاذ محمود محمد طه والدكتور منصور خالد محمد عبدالماجد فعلوا اكثر مما قالوا فلهم العتبى ولهم حق التشريف والترشيح لنيل جائزة نوبل للسلام مع انني اعرف ان امثال هؤلاء الرجال يجب ان يرشحهم من هو في قامتهم ولكن الفضل يعم.. بلغ الحد من الإلتباس ، في وقتنا الحاضر ان الناس، يرون، ويعملون، كما لو ان الحياة المادية ، حياة هي الغاية، ويجعلون كل ما عداها وسيلة لها .. ولكني هنا قد جمعت بين الروح والمادة والقلب والعقل والاصالة ليكتمل بهما السلام وجائزة السلام والامن الحقيقي .. فالتصفية الفكرية الجذرية عندهما بالسلام والحوار.
قال تعالى: (ذلك فضل الله، يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم) . الآية.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147495678&bk=1
_________________

Post: #198
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 04:22 PM
Parent: #197


ثورة رفاعة هل هي ثورة مجهولة؟
* صدر كتاب «ثورة رفاعة المجهولة».. لمؤلفه ابراهيم يوسف يؤرخ لثورة رفاعة عام 1946م، وهي ثورة قام بها اهالي رفاعة ضد قانون سنه الانجليز.
الجدير بالذكر ان الاستاذ محمود محمد طه، ومجموعة كبيرة من الجمهوريين قد تم اعتقالهم في هذه الاحداث ومؤلف الكتاب الاستاذ ابراهيم يوسف هو احد تلاميذ محمود محمد طه ظل رغم تقدم السن يشارك في الندوات والعمل العام.




http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147495628&bk=1
_________________

Post: #199
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 04:23 PM
Parent: #198


قراءة ومراجعة
في نقد وتجديد الخطاب الديني (3 ــ 5)
بقلم : محمد المنتصر حديد السرَّاج
توطئة عفواً !
نواصل قراءتنا ومراجعتنا في مشروع العلمانية السودانية واسهامها في نقد وتجديد الفكر الاسلامي من خلال الاطروحات التي يتبناها د . حيدر ابراهيم وما كتبه «الباقر العفيف» في ملف «كتابات سودانية» .ونؤكد في البدء ما قرره الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم منذ الازل والى الابد في امر الدين حيث قرر بصورة نهائية وقاطعة جداً ولا تقبل المساومة او المداورة مهما آمن المؤمنون او كفر الكافرون أو نافق المنافقون «إنما الدين عند الله الاسلام» في تنزله الاخير والخاتم للرسالات بشرعته ومنهاجه اللذين هما بلاغ «محمد صلى الله عليه وسلم» الى العالمين والى الناس اجمعين ـ عربهم وعجمهم ـ وهكذا اسس «الرسول صلى الله عليه وسلم» في الوجود ومنذ التنزلات الاولى للقرآن الكريم اسس للمركزية العربية الاسلامية وهكذا كانت ارادة الله تعالى ان ينزح الدين كل تلك النزوحات الكبرى في التاريخ ثم يعود بعد دورة او دورات الى مركزه في الارض «مكة المكرمة» وتنداح الدوائر من بعد لتتسع لكل المسلمين في العالم.
هذا الدين ـ الاسلام ـ اليوم تواجه مركزيته العربية الاسلامية في السودان ضروبا من الهجمات والنزوعات العرقية والفكرية والسياسية والاقتصادية الداخلية والخارجية يشجعها حال من الانحلال والتفكك والتساقط يصيب اطرافنا برغم الصمود الصابر للقابضين على جمر القضية والواعدين والآخذين حذرهم من مكامن ومكائد المتربصين بسوداننا ليقتطعوه جزءا جزءا ويقوضوا مركزه فتذهب ريح «الدولة» مهما كانت حكومتها ومما يؤسف له ان سهام الطعن الصائبة قليلا والطائشة كثيرا تأتي من مراكز (علمية) (ثقافية) تريد جرنا الى المعاصرة «الامريكية الساحقة» بلا ارتكاز على اصولنا الدينية الثابتة من القرآن والسنة مهما تعددت المدارس الاسلامية عندنا من السلفية المنكفئة على القديم والصوفية الجماهيرية البسيطة ، والحركات الاسلامية التجديدية المتطرف منها والمعتدل ، المقاتل منها والمهادن فلكل ظرفه وواقعه يتجاوب معه بما اتفق مع مبادئه ومفهوماته ولكن كل ذلك لا يغير في متن الدين ولا اصله ولا يفرق بين «المقدس والمتعالي والواقعي والارضي» حيث لا تناقض لان المقدس والمتعالي اصلا جاء ليصاغ على ضوئه الواقعي والارضي وحتى لا نسبح في الوهم فانا نقول بوضوح تام ان القرآن الكريم ومثال النبوة الذي صاغه الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه على انوار الوحي كل هذا هو ما يتطلع اليه المسلمون في صوغ حياتهم في الماضي والحاضر والمستقبل مهما تخلفت وتباعدت هذه الصياغات او تقاربت وتقدمت نحو ذلك المثال مستصحبة معها روح العصر وقضاياه المتجددة والقرآن عندنا نصوص مطلقة محكمة تقرأ كل الزمان في ابعاده الثلاثة وتهدي الانسانية التي هي اقوم في كل شئ فقط عليها ان تحسن القراءة وتجيد التدبر لتمتلك البصائر !
ونحن مع «الباقر العفيف» في استعراضه لخطاب المثقفين المرفوع لرأس الدولة ردا على نص الفتوى التي تحرم الانضمام لتنظيم الجبهة الديمقراطية معه في رفض الاستعلاء الديني والثقافي واللغوي والنعري والعرقي سواء دعمته السلطة او لم تسنده ومعه في رفض الاقصاء وقهر الرأي الآخر داخل نظام الدين الواحد والجماعة الواحدة او خارجه وضد عدم الاعتراف بالمعتقدات والثقافات الاخرى لان ذلك يتناقض مع حقوق المواطنة بل وحقوق الانسان ولاننا نتوجه الى السلام والديمقراطية واشاعة الحرية فان واجب السلطة الحاكمة الاساس هو التصدي لظواهر التكفير واهدار الدم والاغتيالات العشوائية على الهوية والمعتقد والضمير والتحريض على سفك الدماء وتحقير وتكفير الآخرين ـ نعم لقد رفع خطاب المثقفين الى رأس السلطة الحاكمة للشكوى ضد تلك «الفتوى» التي هي نتاج ـ على حد قولهم ـ وحصيلة تجربة مكررة ذات حظ سائر القت بالبلاد في قبضة اناس من شاكلة «اهل المشروع الحضاري» وهل رأس السلطة الحاكمة الا المعبر الاول عن «المشروع الحضاري» مهما تعثرواحاطت به المثالب من الداخل الذي يتآكل والخارج الذي يحاول الانقضاض !
«الباقر العفيف» اورد «نص الفتوى ونص خطاب المثقفين» للاشارة الى ضرورة الاصلاح الديني وخطورة الدعوة لتطبيق الشريعة الاسلامية في غياب هذا الاصلاح ـ ويمضي في نقد حاضر «المشروع الحضارى» حتى يسأل : ما سر هذه الازمة الفكرية المستعصية التي ظلت تواجه صفوة الدعاة الاسلاميين اليوم فيما يتعلق بمسألة التجديد الديني ؟ وماهو سبب عجزهم عن ضمان الحقوق المتساوية للجميع في اطار دولهم ، الماثلة منها والموعودة ؟ ومجموع هذه الاسئلة ـ سؤال واحد كبير وهو هل يحتوي الاسلام كدين على عناصر تجديد ؟ واذا كانت الاجابة نعم ، لماذا لم يهتدِ اليها المسلمون ؟ اما الاجابة المباشرة فهي أن الاسلام قطعا يحتوي على عناصر تجديد اما لماذا لم يهتد اليها المسلمون فببساطة لأنهم يبحثون عنها في المكان الخاطئ .
وقبل أن نخوض في تفاصيل نقاش «العفيف» والذي يؤسسه على تلمذته الفكرية على الاستاذ محمود محمد طه الذي «ضرب لهم المثل والنموذج في ممارسة التجديد وحراسة الحرية والاستعداد الدائم لدفع ثمن حراستها» قبل هذا الخوض نلقي ضوءاً كاشفا على تجددية (محمود) وقد وجدنا اصدق تعريف بها نقله الينا «النور محمد احمد) الذي كان «جمهورياً» وانسلخ فاعطانا معرفة داخلية من واقع تجربة وممارسة ولكن لا يتوفر لنا اليوم معرفة الرجل ولكن نتذكر بعض افاداته لنا ونتجاوز ذلك الى كشف آخر اتحفنا به السيد الصادق المهدي في محاضرة عن «مستقبل الاسلام في السودان» بقاعة الصداقة في نوفمبر 1982م في الانعقاد الاول لجماعة الفكر والثقافة الاسلامية ـ حيث تحدث عن «النسخية الطاهوية» وقدم خلاصة لافكارها قائلا : «الطاهوية تشكل تحديا لمستقبل الحركة الاسلامية في السودان يقابله اكثرنا باستخفاف لا يليق بهذه الامور الهامة» وخلاصة الطاهوية هي:
(1) الاسلام رسالتان رسالة اولى اجملها القرآن المدني وبينتها اقوال وافعال النبي محمد والامة التي نزلت عليه تلك الرسالة فآمنت بها هي امة المؤمنين ، ورسالة ثانية اجملها القرآن المكي ومارسها النبي في خاصة نفسه ومارسها قبله الانبياء في خاصة انفسهم ولكنها كانت فوق مستوى الناس في تلك الازمان تلك الرسالة آن اوانها في القرن العشرين وبينها بفتح من الله محمود محمد طه ، والذين يتبعون هذه الرسالة هم المسلمون .
(2) الرسالة الاولى قائمة على العقيدة وعلى عبادة توجب الصلاة المكتوبة ، والصيام في نهار رمضان عن شهوتي البطن والفرج ، واخراج الزكاة ذات المقادير والحج على الكعبة في مكة وتقوم الرسالة الاولى من ناحية المعاملات على الوصاية في نظام الحكم وعلى الرأسمالية في نظام الاقتصاد وعلى الحرب في نظام العلاقات الدولية .
(3) العقيدة توجب التحزب لمعتقدها وهذا التحزب هو من سمات الرسالة الاولى ، اما الرسالة الثانية فتقوم على العالم الذي يلغي التحزب ، وتقوم الرسالة الثانية على عبادة فردية ، الصلاة فيها وصول لله واتصال مستمر به والصيام في الرسالة الثانية صيام عن الشر كله ، والزكاة فيها انفاق مازاد عن الحاجة والحج فيها تجربة روحية ليس فيها انتقال من مكان الى مكان والرسالة الثانية تقوم من ناحية المعاملات على الديمقراطية في نظام الحكم وعلى الشيوعية في نظام الاقتصاد وعلى السلام في تنظيم العلاقات الدولية.
(4) الرسالة الاولى تمثل مرحلة ولذلك اوجبت على امة المؤمنين وصاية على غيرهم آيتها الجهاد واوجبت للرجل وصاية على المرأة آيتها القوامة وان تكون المرأة نصف الرجل في الشهادة والميراث وربعه في الزواج.
(5) الرسالة الثانية تمثل النضج لذلك نسخت مظاهر الوصاية كالجهاد والقوامة ونسخت الشريعة التي فصلت احكامها الرسالة الاولى ونواصل مع السيد الصادق المهدي في مقال قادم عن «النسخية الطاهوية» التي يقول تلميذها «العفيف» فالاسلام شريعتان والمسلمون في الفترة المكية والنصف الاول من العهد المدني كانوا على شريعة كما سنبين لاحقاً.
والشريعتان تختلفان من حيث نسق الآيات التي تعتمد كقاعدة لاستخلاص الاحكام فاحداهما ذات صفات كونية انسانية والاخرى ذات صفات محلية ايمانية » أ . هـ . ونختم بأن امة الاسلام خير امة اخرجت للناس بشروط ذلك من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والايمان بالله وبالاخذ بشروط النهضة الحضارية وعمارة الارض من قيم العدل والحرية والمساواة وبأن المركزية العربية الاسلامية في السودان الآن مهددة تماما وعليها ان تستجمع قوتها وتلملم شتاتها السياسي والعرقي وان تنبذ النظام المتبادل والتشبع الانقسامي الذي يسهل على الذئب أكل القاصية في اغنامنا !؟ .



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147495633&bk=1
___________

Post: #200
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 04:24 PM
Parent: #199


في حضرة المجذوب (4-4)

الكابلي أفسد قصيدة المولد لهذه الاسباب!!
بعض الناس يود أن يلتصق بالمجذوب فيختلق عنه الأكاذيب
رصد: أحمد عوض
* يختتم الدكتور احمد بابكر في هذا الجزء الرابع والاخير من المنبر باجاباته حول مداخلات الحضور حول سيرة الشاعر محمد المهدي المجذوب ومصادر شعره وعلاقاته بالادباء والكتاب الآخرين ، بالاضافة الى ما تردد حول انتمائه السياسي للاخوان الجمهوريين.
حتى ان توفيق قد ذكر ذلك في قصيدته:
ايا دامر المجذوب لا انت قرية بداوتها تبدو
ولا انت بندر
خرجنا قبيل الصبح منك
وفيك باقر وقلندر
وهذان الاثنان كانا يعملان في المساحة وكانا اصدقاء محمد المهدي المجذوب وقد رد على توفيق عبد الله الطيب بقصيدته المعروفة:
بلى انا فوق ذلك كله والدنيا
الخرطوم وبارا وبربر
وقد اخترت لهذه المحاضرة (نار المجاذيب) مقدمة نار المجاذيب وهى مقدمة تعتبر لكل دواوين محمد المهدي المجذوب كان من الممكن ان اتناول دواوين (تلك الاشياء) و(منابر) و(شحاذ في الخرطوم) وغيرها ولا يمكن ان اتحدث عن شعر المجذوب في ساعة أو ساعتين فقصدت المقدمة لانها تعتبر ديوانا بحاله وقد فصل فيها مهدي كثيرا من مصادر شعره ولا يوجد احد يعرف المجذوب مثلما يعرف المجذوب نفسه وهذا ما اوضحه في المقدمة، قد اعددت لهذه المحاضرة مايقارب الثلاثين غرضاً ، قال فيها المجذوب شعراً، مثل التراث، الحنة، الدلوكة، وانصح الناس ان يقرأوا (غمائم الطلح) وكثيرا من القصائد الاخرى مثل قصيدة المولد وهى قصيدة تستحق ان نتوقف فيها كثيراً لأنها من أهم قصائده ومشهورة جداً ولكن كثيراً من الناس لا يعرفون للمجذوب سوى قصيدة المولد واعتقد ان الكابلي قد افسد هذه القصيدة لشئ واحد لو تساءلنا عن رسالة هذه القصيدة؟ هل هى: الفتي الذي تثني وتحنى بيمناه عصاه، هل هى صورة؟! ابداً اعتقد ان الرسالة المقصودة والتي من المفترض ان يرددها الكابلي هى:
ربي ارسلت يتيماً
قام بالحق رحيما
فقد ذكرناه فهل نذكر
من امسى عديماً
وهو مولد والاحتفال بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم (اليتيم) هل نذكر الايتام الاخرين، فالكابلي تغنى بجزء آخر وانا اعتقد ان الرسالة الحقيقية التي يريدها المجذوب هى مسألة اليتيم هذه فالمجذوب اصدقاؤه كثر ، كنت مرة اعمل بالامارات جاء الطيب صالح وقال لي ان احدهم حكى له لا اريد ان اذكر اسمه ان المجذوب لولا انه ذهب به الي مستشفى سوبا لمات في الشارع، فقلت له ان المجذوب عمه محمود على حسيب عميد كلية الطب بجامعة الخرطوم، وخال ابنائه النقر طبيب بمستشفى الخرطوم وكل الناس تعرف ان هذا ابن المجذوب جلال الدين فكيف يموت في الشارع؟ فقلت له ان هذا الشخص كذاب، وهذا الشخص انا رأيته وجاء وزار المجذوب في المستشفى مرة واحدة، هنالك بعض الناس من يريد ان يلتصق بالمجذوب وهو شاعر كبير جداً فلابد ان يحكي اية حكاية غير صحيحة يمكن تشوه سمعته وهو لا يقصد ذلك، المهم ان هناك كثيرا من الناس التصقوا بالمجذوب او سعوا للالتصاق به، انا اعرف واحدا منهم ولا اريد ان اذكر اسمه ، شحذ من المجذوب ان يهديه في ديوانه.
اما عن الكرستالية فصحيح ان المجذوب كان فناناً وقد ذكر ذلك في مقدمته انه اشتهى ان يكون رساماً ولكن والده منعه لأن في رأيه ان الرسم حرام وامام والده ترك الرسم ولذلك تتطورت هذه التجربة لديه ولكنه رسم بالكلمات، وصحيح انه صاحب مدرسة فكرية او على نحو من ذلك ، اما قصة انه جمهوري اود ان احسم هذه القضية، ان المجذوب ترك الحزب الجمهوري ولكنه ظل صديقا حميما جداً لمحمود محمد طه وكان الاستاذ محمود يأتي باتباعه ويقول لهم استمعوا للشاعر وانا حضرت ذلك، محمد المهدي المجذوب لم يمت جمهورياً أو منتمياً الى اي حزب سياسي آخر ، وقد قدم استقالته ، وقد قال لي ان محمود انحرف من السياسة الى الدين بعد خروجه من السجن مباشرة ،إلا ان العلاقة بينهما كانت مستمرة، اعطيك مثالا آخر عبد الله الطيب لم يكن جمهورياً ولكنه رثى محمود محمد طه، فالمجذوب لم يلتزم بما كان عليه اهله فما بالك بما قاله الجمهوريون، ولديه كثير من القصائد في هذا الاطار منها قصيدة التوبة التي يقول فيها:
ابى المجذوب غوثاً ونجداً
اذا ما سد حوض الهاشمية زحام
واذكر وانا طالب بالجامعة في السنة الثانية كتبت بحثاً صغيراً بعنوان الثورة والتمرد في شعر المجذوب وكان مشرفاً عليه عبد الله الطيب ، وقمت باستخراج كل الابيات التي فيها تمرد على الموروث فاعجبت عبد الله الطيب كثيراً، والذي اصر على ان ادرس اللغة العربية ، ولكنني ذهبت ادرس اللغة الانجليزية، المهم ان المجذوب كان متمرداً على كثير من الاطر التي تريد ان تقيده ، واستقالته من الحزب الجمهوري ليس وحده كان معه منير صالح عبد القادر، المجذوب كان صاحب مدرسة متفردة جداً، حتى ان عبد الله الطيب اعترف في احدى المحاضرات ان المجذوب صاحب مدرسة متميزة جداً، يعرف العروض والبحور ويعرف الشعر..الخ.
الاخ الذي كان يتحدث عن علاقة الشرق والدامر وهنالك اشتراكية وصوفية في حياة وشعر المجذوب، صحيح ان علاقة الدامر بشرق السودان قوية جداً، والشيخ المجذوب صاحب الديوان الذي تأثر به كل الشعراء ، وكان بالمدينة المنورة تسع سنوات، جاء الى سواكن واقام مدرسة هناك وكان له حيران وتلاميذ كثر، وعندما توفى جاء ابن اخيه واسمه الشيخ الطاهر المجذوب وخلفه في شرق السودان وكان استاذاً لعثمان دقنة ، وهذه هى الصلة بين المجاذيب والانصار ، وهو الشيخ الطاهر استاذ عثمان دقنة وتجد في رسائل المهدي للخاتمية بشرق السودان ان يسلموا على الشيخ الطاهر، وقد تصاهر المجاذيب مع آل عثمان دقنة او ما سموهم بالدقناب، حيث تجد واحدا منهم اصفر اللون وطويل القامة لا يعرف عربي بل يرطن ويقول انه من المجاذيب، فهناك علاقة بين الدامر وشرق السودان مثل سواكن واركويت، محمد المهدي المجذوب لديه قصائد كثيرة في كسلا، وكان عمه قاضي في كسلا ولديه قصيدة جبل الميرغني، هذه الصلة محتاجة لقراءة، اما عن علاقة المجذوب بالتصوف فقد تربت في نفسه، اما الاشتراكية فهى موجودة في شعره، انا لا استطيع ان اقول انه كان شيوعيا ولكنه يحب الاشتراكية ويحب الناس الفقراء وليس لي شك في اشتراكيته ، خير دليل على ذلك اختياره من قبل انقلابيي يوليو كوزير للثقافة والاعلام.
اما غراميات المجذوب ، اعتقد ان ذلك حديث فيه كثير من المبالغات ويذكرها اناس اذكر انهم طلبوا من المجذوب ان يهديهم ديوانا فرفض ، فاشاعوا هذه الاشياء، والمجذوب رجل صادق مع نفسه جداً وكان يبحث عن الرجل السوي، فالمجذوب كان لا يعرف المحسوبية والوساطات، وانا احكي لكم قصة : ان زوجته لامته عليها ، فقلت له ان يكلم لي الاستاذ احمد الطيب صديقه ، وكان عميد بخت الرضا لكي احصل على اجازة اذهب فيها للدامر ، ولكن المجذوب رفض وقال لي اذا طلبت منه حاجة اليوم فسوف يطلب مني حاجة غداً.
وآسف انني لم اعد شيئا عن شعر المجذوب .




حلم زارا
شعر علي التولى
جاء المساء يطرز خطوك
طل ارتعاش مبجل
رواؤك حلو يطل بنافذتي
يحمل لحنا رذاذا يلوح
تحجل وجوه اللواتي يزركشن سطح زجاجي المبلل
ورودا ، مهاري لهيب
تشق جيوب المعابر
خيوط المغيب
تضيء بقلبي نسيج لقاء الليالي
وتتلو صحائف عشقي المسافر
تلهب جماحي تحت الجذوع
تمد حبال القطيعة خلف القطاطي
بلغت تراقي صياصي الفضاء
جاء المساء
يغازل افق المرايا (المغرود)
يراوغ ظلك خلف السقوف
يلاحف كفي حر دوالي اتقادك
ينازل فينا وجوها تلون موج البحار
يصارع ظل الرصيف الخفي
بريق نجوم الكتوف الصفيق
جاء المساء
هزِّي جزوع نخيل السماء
وواري سقوط المدى المتقضن
بين وعي المسافة
والجبة المستبدة
افيقي ودلّي الجدائل فوق اشتهاء الزمان السّخي
وفضيّ نظام الغيوم الحميم




http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147495476&bk=1

Post: #201
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 04:26 PM
Parent: #200



في حضرة المجذوب (3)

ماهي علاقة المجذوب مع الجمهوريين، وهل شارك في انقلاب يوليو؟!
هل كان المجذوب مجدداً من خلال علاقته مع جماعة الكرستالية التشكيلية؟!
* يواصل منبر (الصحافة) في هذا الجزء الثالث من سيرة المجذوب التي تفضل بسردها على اسماعنا الدكتور احمد بابكر صديقه واحد معاصريه، هاهو الآن ينتقل الى مرحلة اخرى هامة من حياة ا لمجذوب وهى علاقته الحقيقية بالاخوان الجمهوريين، واختياره وزيراً للثقافة والاعلام في حكومة انقلاب 19/ يوليو 1971 ضد جعفر نميري، هذا بالاضافة لمداخلات حضور المنبر والتي سوف نعرض لاجابات الدكتور عنها في الجزء الرابع والاخير من هذا المنبر يوم الثلاثاء القادم:
* والمجذوب نظم قصائد في مناسبات كثيرة ولاغراض الشعر المختلفة ومن اجمل قصائده التي ذكرت في الجنوب منها قصيدة (امطار الجنوب) وكان محمد المهدي جمهورياً سابقاً قبل ان يحول محمود محمد طه الحزب الجمهوري الى حركة دينية فقط .واذكر في يوم من الايام وكنت معه في بيته وهو بيت يفتح على محطة السكة الحديد، زاره اربعة اشخاص وقام المجذوب باكرام وفادتهم وكان بينهم محمود محمد طه وبدأ مهدي على طريقته يتحدث مايقارب ساعة كا ملة وكان يحكي لهم عندما كان الحزب الجمهوري يجتمع عنده في (الكراكسة) في بيت المال ويأتي المرحوم محمود ويصلي العشاء ثم اربع ركعات بعد العشاء و يتعبد حتى يضيع علينا وقت الاجتماع وفي نهاية الامر يتم تأجيل الاجتماع الى الغد ويأتي الغد والاستاذ بنفس طريقته ويضيع علينا الاجتماع وانتبه مهدي الى نفسه وقال انا بدأت اتحدث حتى الاخوان نفسهم لم اعرفهم وكان واحد منهم الطيب الشائب وقد قال لنا ان الاستاذ قال لهم عندما تذهبوا عند الشاعر استمعوا فقط فقد كان محمد المهدي المجذوب يتميز بأنه رجل حلو الحديث واحكي في هذا المقام قصة طريفة .. المجذوب كان في الدامر ويريد العودة وكانت المواصلات صعبة جداً فذهبت معه الى محطة القطار فوجدت عربة بها ستة اشخاص وطلبت منهم ان يركبوا معهم هذا الرجل العجوز فوافقوا على مضض وكانوا متضايقين جداً في البداية ولكنهم افسحوا له مجالاً بينهم فجلس بعدها بزمن وفي الحج بالمملكة العربية السعودية اوقفني رجل سوداني وقال لي انت الذي اركب معنا الشاعر محمد المهدي المجذوب فقلت له نعم، فقال لي عرفتك ورغم هذه السنين لم ننسَ هذه السفره، فقد بدأ يحدثنا وكان يتحدث بطريقة الجنوبيين وقد كان يحكي لنا حتى وصلنا للخرطوم وكان لديه قصائد كثيرة عن محمود محمد طه وكان يسميه (المنتظر) وعنده قصيدة بعنوان الى محمود محمد طه المنتظر على وزن المهدي ويقول مطلعها:
بئس دعيت فلا تحين الهواري
وطني استدع اني دعوته ولم تصفي
ام انت بين هوافل الاذهار
ادمنت يا سرغام طيني
اما ترى صبحي الجديد على سماء اشعاري
وحي عليك اخ الفراعة مبهماً
نفس عذابك في لهيب النار
ان القيود وان تطاول عهدها
تفقع في كؤوس غفار.. الخ
وغيرها منها قصيدة المجاهد وقد قيلت هذه القصيدة بعد زيارة الى سجن كوبر وقد منعت السلطات زيارته وقال فيها:
اطلقت بعدك لوعة وغليلاً
وحملت قلبي بالشجون ثقيلاً
يرنوا باعينه الغفاء فلا يرى
ويغض بارق ناظريه كليلا
وطني وما نفع الخ..
الى ان يقول: يا صاحبي والم....... فرق بيننا
زمناً على قلبي الوحيل طويلاً
انا في الحياة واذ سعيت مقيداً
وبقيت انت بكوبر مغلولاً
دافعت عن حسب الكرام ونجرهم
لما رأيت حيائهم مبذولاً
وهى من اطول القصائد، ومحمد المهدي المجذوب تكلم عن المساكين كثيراً وكتب عن بائعة الكسرة وبائعة الفول، وماسح الاحذية وواحدة ترمي الودع بالقرب من سوق الخرطوم وسمى القصيدة (العرافة) وهى من اجمل قصائده ايضاً وهناك قصيدته عن المساكين وهو يتعاطف في شعره حتى مع (النشال) الذي ربما يكون قد نشله ولديه ايضاً رمزية مثل قصيدة (الحب والحصان) وهى قصيدة نشرها في صحيفة (الثورة) زمن ابراهيم عبود ولم ينتبه لها احد وكانت تسمى هذه الصحيفة (البرش بقرش) ولا اعرف سعر الصحيفة الآن؟! وكان المجذوب ضد التحزب وكتب قصيدة في هذا الاطار وكان يميل بطبعه الى اليسار أو الاشتراكية واذكر في الانقلاب الذي حدث عام 1971 ضد الرئيس جعفر نميري فقد ظهرت اسماء الوزراء الذين اختارتهم هذه الثورة لحكومتها وفظهر اسم المجذوب كوزير للثقافة والاعلام وكان هذا اختيار مناسب جداً ولم يعتقل وحكى انه ذهب بعد ذلك لاحتفال بالقصر الجمهوري وكان نميري يجلس بالقرب منه وقال له (ان الجماعة ديل اختاروك معاهم وزير ثقافة واعلام ولولا عمر الحا ج موسى كنا اعتقلناك) وبالفعل فقد قال لهم عمر الحاج موسى انهم اختاروا المجذوب لأنه فعلاً رجل مثقف وهو ليس له انتماء معهم واضاف المجذوب قال للنميري بعد حديثه معه ( والله مافيش حظ يا ريس) ولا اعرف ان كان فهمها ام لم يفهمها!
بعد ذلك فتح الباب للمداخلات والاسئلة:
دكتور زهير السراج:
عندما تأتي سيرة المجذوب يتبادر الى اذهاننا مبارك المغربي وايضاً الشيخ الطيب السراج ولو تفضل الدكتور بالحديث عن علاقة المجذوب بهؤلاء الشعراء؟
عبد المنعم ابو ادريس:
انا اعتقد ان المجذوب احد الذين عبروا عن سؤال الهوية في شعرهم وذلك يتجسد في التعبيرات السودانية مثل قوله ( واجترع المريسة) واجترع هذه لن تجدها في اي لغة اخرى غير السودانية، وكنت اتمنى ان لا يحصر الدكتور احمد بابكر حديثه عن نار المجاذيب فالدواوين الاخرى مثل الشرافة والهجرة يجسدان تطور المجذوب شعراً وهذا يدعم الكلام الذي يقول ان قصيدة التفعيلة كتبت هنا قبل ان تكتبها نازك الملائكة او كراسته شحاذ في الخرطوم والتي هى قصيدة نثر، ماهي علاقة المجذوب بمدرسة الكرستالية وهى مدرسة تشكيلية؟
عمار محمد آدم:
اعتقد ان البيئة من الاشياء المهمة التي كونت المجذوب وهى الدامر والدامر تجمع ما بين الشمال والشرق، وفما هى العلاقة بين دامر المجذوب وشرق السودان؟
قرشي عوض:
من شعر المجذوب يمكن ان تأخذ التصوف، والعدل والاجتماعي وهى الاشياء المهمة ايضاً المجذوب وشعره عن الفقر من الأشياء المهمة التي يجب ان يتم التركيز عليها منها قصيدة شحاذ في الخرطوم خاصة البيت الذي يقول وقوف شحاذ امام البنك مسخرة)..؟
علاء الدين بشير:
علاقة المجذوب بالفكر الجمهوري او بالاستاذ محمود محمد طه.. اعتقد المجذوب لم يترك الحزب الجمهوري لأنه بسبب انه لم تعد لديه قناعة بافكاره وإنما لان الفكرة الجمهورية بعد الرواية الفلسفية الجديدة (الدينية) اصبح لدى الاستاذ محمود محمد طه نمط من التربية شديد وقد آثر المجذوب الحياة الطلقة واحتفظ بالود بينه وبين الاستاذ محمود محمد طه ولم تنقطع العلاقة بينهما وكان المجذوب لديه عقيدة في محمود محمد طه ، ايضاً اتمنى لو حدثنا الدكتور احمد بابكر عن غراميات المجذوب مثل علاقته مع روز ماري الناقدة؟
حسن البطري:
المجذوب كان مؤمناً بالفكرة العامة للجمهوريين ولكنه قد لا يكون ملتزماً بالتعليمات التنظيمية للفكر الجمهوري واعتقد من المفيد ان يتم البحث في هذه المسألة وتقديمها للناس، ايضاً مسألة توقيع المجذوب على بيان الكرستالية الذي وقعه مع فناني هذه الحركة، وانا فيما اعلم ان المجذوب قد بارك هذا البيان ولم يوقع عليه وهذا نابع من اهتمام المجذوب بجيل السبعينيات في المدارس المختلفة سواء كانت شعرية او تشكيلية، وكل هؤلاء تتلمذوا على يديه رغم ان المجذوب في شخصه لم يكن له مدرسة ولكنه كان للآخرين مدرسة، اقترح ان تتبنى جريدة الصحافة عبر الملف الثقافي ان يكون يوم 3 مارس عدد عن المجذوب واعتقد ان المجذوب من الذين عبروا عن سؤال الهوية وهو مثقف حقيقي فالمجذوب هو المعادل الشعري لثقافة السلام التي يتحدث عنها الناس الآن؟
الاستاذ حيدر المكاشفي:
اثنى واوافق على تبني ملف عن المجذوب يوم 3 مارس.
ذهبنا للمجذوب لتقديم مقدمة عن كتاب عن تاريخ ....... النيل وقد كتب لنا المجذوب خمس صفحات بيده وصدر المرجع وكانت المقدمة بخط المجذوب؟
عوض الكريم محمد المهدي المجذوب:
اود ان اصحح بعض الأشياء منها ان المجذوب ما تعرض له من تنقل في الشرق وفي الشمال والجنوب بسبب الاستعمار اضافت لنا شاعر كبير جداً ورائع جداً وقد ادخل انسان الجنوب في الشعر وهو جانب غير مطروق في الشعر السوداني، اما ما قاله ابو ادريس فالعاصمة الثقافية لم ترد اعمال المجذوب ولكن تم اهمالها بسبب البيروقراطية الخاصة بلجنة النشر ايضاً تقييم المجذوب مثله مثل اي كاتب هاو ويعطي 20% من حق النشر..
اما الغراميات فهى موجودة ولكن ليس بنفس الصورة التي تكرم بها مؤلف كتاب حديث الذكريات وهو كتاب بكل اسف اساء للمجذوب ولسيرته ومؤلف الكتاب لم يكن شجاعاً ولم يحتفظ ببعض الخصوصيات للمجذوب وسرد كثيراً من الاحاديث التي فيها اكاذيب، اما علاقته بالحزب الجمهوري انتهت بعد ان تحول الى حزب ديني باستقالة شهيرة جداً كتبها ونشرت بصحيفة الوان.
عبد الرحمن ابراهيم:
الحقيقة قبل ان اعطي الفرصة للدكتور للرد على المداخلات احب ان اشير الى حديث الاخ قرشي بأن السودانيين يقدمون العاطفة على العقل بمقولة قالها الرحالة بيركهارت والذي قال انه زار احدى مدن السودان فوجد اهلها همهم النميمة والقطيعة وزار مدينة اخرى فوجد اهلها يرتادون الحانات ويشربون الخمر في الصباح ويشربونها اذا جن المساء، وزار اخرى فوجد اهلها زهاد نساك عباد عاكفون في المساجد وكأن حر السودان لم يجد مكان للتوسط والاعتدال، فأما عكوفاً في المساجد واما ارتياداً للحانات، المسألة الثانية هل كان المجذوب معتنقاً للفكر الجمهوري، اذكر انه في محاكمة محمود محمد طه عام 1984 والقاضي المحلاوي كان رئيس لمحكمة الموضوع واصدر الحكم وكنت صحفي مندوب عن الايام فسألت المحلاوي فقال انهم يتفقون مع محمود محمد طه تماماً لأن المحلاوي من منطقة النيل ابو قرون وهم متصوفة ومحمود فكره صوفي تماماً ولكن مشكلة محمود اباح علم الخاصة للعامة وقال ان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول امرنا نحن معاشر الانبياء ان نخاطب الناس على قدر عقولهم واننا عندما نحكم عليه لأنه اذا اتاكم من يريد ان يفرق عصا جمعكم وفي هذه النقطة اود ان اقول ان المجذوب نشأته صوفية وخلفيته صوفية، ولا يوجد ما يحيل بينه وبين اعتناق الفكرة الجمهورية الامر الذي اريد ان اسأل عنه الدكتور احمد بابكر هو ان في شعر المجذوب نهج غربي والنهج الغربي الذي اقصده ان المجذوب قدم شعره للناس عارياً تماماً، في الشرق وفي عالمنا الشرقي لا تجد من يقدم سيرته بهذه الشجاعة وهذا الوضوح..
الدكتوار احمد بابكر:
سوف احاول ان ارد على بعض النقاط، السؤال الاول الاخ دكتور زهير السراج، عن علاقة المجذوب والشعراء الآخرين مثل الطيب السراج حدثني المرحوم كرف يرحمه الله اننا كنا طلاباً بالمعهد العلمي بام درمان وكنا نحفظ قصيدة عن محمد المهدي المجذوب قصيدة اسمها لوسي:
تلك لوسي فجيناتي لوسي
تلك كأس عقل رؤوس
شعرها العسجدي ينساب كالشلال
ينصب في قرار وكوسي
وكنا معجبين بهذا الشاعر ولكننا لا نعرفه وفي يوم سمعنا ان هذا الشاعر عنده ندوة في ام درمان بنادي الخريجين وقد امتلأ النادي بطلاب المعهد العلمي لكي يستمعوا للمجذوب وكان المجذوب عندما كتبها كان دون الخامسة والعشرين وقد بدأت الندوة بمشكلة اثارها طلاب المعهد العلمي الذين اعترضوا على هذا الشعر ولكن هذه المشكلة كانت سبب في علاقة صداقتي بالمجذوب التي امتدت بعد ذلك وكان من اصدقائه الحميمين جداً الشاعر محمد عبد القادر كرف وهو لديه علاقة بالشيخ الطيب السراج ايضاً استاذنا وكنت زميله في مدرسة وادي سيدنا الشاعر محمد محمد علي وكان يأتي كل خميس الى المجذوب ويجلسان في (لودو) على ما اذكر، وكان المجذوب يوصل محمد محمد علي حتى موقف وادي سيدنا في سوق الخضار بالخرطوم، وقد رثا المجذوب شيخ الطيب السراج بقصيدة جميلة جداً التي يقول مطلعها:
الشط لا تبدو منه اليوم، شط دمي
وقد عرف عبد الله الطيب بالشيخ السراج وكانوا يجلسون ثلاثتهم ويجودون الشعر وكانت القصيدة تبدأ:
لا تدنو اليوم مني شط دمي
واذا ظمئت فعاقر دم منتقم
الى ان يقول:
جالست عندك اوطاراً ظفرت بها
كأساً وشعراً وازلاماً على صنم ... الخ
واربط هذه العلاقات مع بقية الشعراء، فوالد محمد عبد الحي كان صديقاً للمجذوب، خانجي مثلاً كان والده زميلاً للمجذوب، بل ان خانجي حضر رسالته في المجذوب، وانا شخصياً عرفت المجذوب بصديقي فضيلي جماع ومنذ ذلك الوقت وفضيلي جماع يأتي يومياً للمجذوب وكثير من الادباء قصدوا التعرف على محمد المهدي المجذوب، ايضاً علاقته بتوفيق صالح جبريل وزميلهم في المساحة قلندر.
ونواصل




http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147495332&bk=1
_________________

Post: #202
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 11:32 PM
Parent: #1


الشمولية ذهنية عقلية
د. الطيب زين العابدين
اتيح الفرصة اليوم للأخ الدكتور محمد زين العابدين الذي يعلق علي ما كتبته الاسبوع الماضي تحت عنوان بين الشمولية والحرية . والذي كتب يقول
قبل أن اعلق على مقالك بعنوان «بين الشمولية والحرية» اشيد بشجاعتك في الصدع بالحق مهما كان مؤلماً. والحق يقال قد عرفناك ضد الشمولية وضد انقلاب الانقاذ من أول يوم ولكن لو قال غيرك ما قلت لقُطع إرباً إرباً مهما كان الحق في جانبه ولعل اهل الانقاذ يحفظون لك دوراً في الحركة الاسلامية ولم تنازعهم على سلطة وجاه.
لقد شن قلمك هجوماً عنيفاً على اللواء عبد الرحيم محمد حسين في تصريحه لوكالة الأنباء الكويتية بأنه من المستبعد اطلاق سراح الدكتور حسن الترابي الامين العام للمؤتمر الشعبي قريباً لأن ذلك مرهون بمدى التزامه بالقواعد الديمقراطية وتغيير نهج حزبه من العنف الى الحوار والى المشاركة في العملية السياسية. يا أخي الضرب على الميت حرام وانت سيد العارفين فيجب ألا تطعن في ظل الفيل وانت تعلم ان الفيل يمكث أمامك. كل العساكر الذين نفذوا انقلاب الانقاذ ما هم إلا اداة في يد غيرهم من السياسيين الذين تعلمهم وكلهم ليس هنالك من يمكن أن نقول انه أصبح رقماً سياسياً ولكن يمكن ان نقول انه اصبحاً رقماً سلطوياً وإلا فأين أرقام فيصل مدني ورفاقه اعضاء مجلس قيادة الثورة فهم الآن نكرات لا يؤبه لهم ولا نسمع لهم ركزاً. ووزير الداخلية وغيره من العسكريين لا يفقهون إلا في الديكتاتورية وإلا في العسكرية. فكل تصريح لوزير الداخلية فهو تصريح وكالة وانت تعلم أين اصحاب التصريحات الحقيقية ولكن مرات تتطلب المرحلة ان يصرح آخرون نيابة عنهم.
لقد اتهمت الشيخ الدكتور حسن الترابي بأنه قد جاء بأمثال عبد الرحيم محمد حسين للسلطة ويجب ان يقضي أياماً وأسابيع وشهوراً زيادة تكفيراً عن ذنوبه السياسية. وبرغم اني لست منتمياً لأي من الأحزاب الاسلامية ولكن الحق يقال ان الشيخ الدكتور حسن الترابي لم يكن يوماً من دعاة أو مؤيدي الشمولية بل كان من قواد الثورات من أجل ازالة النظم العسكرية وأول خلاف له مع المرحوم الرشيد الطاهر بكر الامين العام السابق للاخوان المسلمين هو ضلوع الرشيد الطاهر في الانقلابات العسكرية ومحاولة جر حركة الاخوان المسلمين للعمل العسكري والانقلابي وكان حادي ركب ثورة اكتوبر المجيدة. أنت تعلم أخي الطيب وانت سيد العارفين من الذي بدأ العمل التجنيدي داخل الجيش السوداني ومن الذي كان يقود ندوات التوجيه المعنوي داخل القوات المسلحة في عهد نميري ومن الذي اشار على بعض طلاب الاتجاه الاسلامي بالثانويات ليلتحقوا بالقوات المسلحة.
يبقى أخي دكتور الطيب ان الشمولية هي عقلية ذهنية وفكرية متغلغلة في كل من انتمى لحركة الاخوان المسلمين اللهم إلا من رحم ربي وتفتحت بصيرته بأن الاصل في خلق الانسان والحياة هو الحرية الكاملة. ان معظم فكر الاخوان المسلمين انبنى على الفكر الانقلابي والثوري للاخوين سيد قطب ومحمد قطب وعبد القادر عودة ورفاقهم في ذلك الزمان من مفكري حركة الاخوان المسلمين وينظرون لكل المجتمع المسلم الذي حولهم أنه في جاهلية، فصار الاسلام هو الحل شوق للمحبطين والمستعمَرين من قبل الغرب والمضطهدين وحلماً تاريخياً لدولة الخلافة الراشدة والتي كانت دولة بسيطة اشبه بالقبيلة منها بالدولة. والذين رفعوا شعار الاسلام هو الحل لم يقدموا ولم يجتهدوا بأن يجعلوا من العلماء في الشؤون الدينية ايضاً فقهاء في معركة دينهم. فطغت الفكرة الشمولية والانقلابية لغرض الرؤى الآحادية بالقوة وليس بالعقل والمنطق والفكر والحوار والحرية الكاملة، فأعادوا سيرة الكنيسة ظل الله في أرضه بصورة مغلفة أخرى وكان شعار الحاكمية لله قناع لممارسة السلطة الدنيوية باسم الله قهراً على جماع المسلمين من غير خيار أو اختيار.
ولذلك أخي الطيب كل الاسلاميين شموليين إلا من رحم ربي كما قلت من امثالك وليس عبد الرحيم محمد حسين بصورة شاذة. واضافوا على الشمولية حب النساء والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة فكان الفساد وشاح غالبية الاسلاميين ومن تحت هذا الوشاح يرقد شعار أو صورة سيرة أبا ذر الغفاري. عندما تساءل أخي الطيب من قبل أستاذنا الكاتب الأديب الطيب صالح في مجلة المجلة عام 1990م تحت عنوان «من أين أتي هؤلاء» رددت عليه أنا من قبل بمدينة لندن «أن هؤلاء الذين يحكموننا الآن باسم الاسلام هم أبناء عمومتنا وانهم زملاؤنا في الدراسة وفي القرى والاحياء ولكنهم لا يشبهوننا. ولك الحق أيها الطيب صالح ان تتساءل هذا السؤال ولكن نقول لك ان هؤلاء قد اتوا من رحم الانغلاق الفكري والنظر الآحادي والذهنية الشمولية، فهم يشبهوننا مظهراً وسحناً ولكنهم يختلفون عن كل أبناء شعبهم قيماً وتقاليداً وفكراً» هذا كان هو ردي للكاتب الطيب صالح وهو ايضاً يصلح لوصفهم الآن.
إن الشيخ الدكتور حسن الترابي قد اختلف مع الانقاذ من اجل الحرية وليس من اجل السلطة ولو أرادها لكانت بين يديه من قبل ان يتمكن الذي تمسكن. وهو ايضاً له من الشجاعة ما جعله ان يقول انه اخطأ وان ينتقد التجربة التي كان هو جزءاً منها نقداً علمياً وموضوعياً ليس فيه اسفاف. وكل من قرأ كتابه الذي كتبه في السجن «الاسلام والحكم بين أصول النظم السلطانية وسنن الواقع» يدرك ان الممارسة الفعلية للشعار الاسلامي على ارض الواقع قد اوصلت الشيخ حسن الترابي لنمط تفكير جديد لدور الاسلام في حياة المسلمين وحياة الانسانية جمعاء ولعله في مراحل يكاد يكون اقرب لفكر الاستاذ الشهيد محمود محمد طه والجمهوريين قاطبة في تناول قضايا الحكم العصرية.
إن المجموعة التي كانت تعمل في الحركة الاسلامية منذ امد طويل لمثل ما تراه سيظل منهاجهم كما هو ولن يتغيروا إلا بالغلبة والانهزام وهي التي كانت تعمل منذ امد بعيد من ما بعد انقلاب 25 مايو 1969م لتجعل هنالك حاجزاً بين شيوخ الحركة الاسلامية والكوادر الحديثة وقاموا بتشكيلها كما يريدون لهذا اليوم المعروف بـ 30 يونيو 1989م وكانوا يشكلون الحاجز بين هؤلاء الشباب والشيوخ والذين كثير منهم لم يرهم الشيخ حسن الترابي ورفاقه في جبهة الميثاق الاسلامي إلا وهم على ظهر السلطة والوظائف العليا ولعل الشيوخ قد تحسروا على الثقة العمياء التي أولوها لمن كانوا يثقوا بأنهم الميراث الطبيعي لهم وليس الميراث التآمري والانقلابي والذي انتفت فيه أبسط قيم الوفاء التي يتمتع به السوداني الاصيل.
إن القابضين على السلطة في عهد الانقاذ هذا قد كالوا كثيراً من الاتهامات التجريمية للشيخ حسن الترابي ولم يبرزوا دليلاً واحداً ويعتقدون بذلك انهم يمكنهم ان يحاكموه اعلامياً واغتيال شخصيته امام الشعب السوداني ونسوا ان المجتمع السوداني مجتمع مفتوح ويعرف كثيراً مما هور وراء الكواليس. وليتهم تأتيهم الشجاعة لتقديم الشيخ الدكتور حسن الترابي الى محاكمة علنية ومنقولة على كل اجهزة الاعلام المرئية والمسموعة ووقتها ستكون هذه المحاكمة محاسبة وكشف حساب كامل لكل فترة الانقاذ وسيحولها الدكتور الترابي الى محاكمة سياسية لكل الفترة الانقاذية سواءً التي كان جزءاً منها أو التي لم يكن جزءاً منها فهو اعلم الناس بمظاهر وخفايا الانقاذ وليتهم ايضاً حتى بدون محاكمة يتركونه ينطق فوقتها سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون. إني اختلف مع الدكتور حسن الترابي في كل توجهاته الفكرية والسياسية ولكن الحق يقال انه من الشخصيات القليلة التي لها بصماتها الواضحة في تاريخنا السياسي والفكري الحديث اختلفنا أو اتفقنا معه. وخوفي أكثر ان تتم تصفية الشيخ الترابي جسدياً من قبل ان ينطق بالمكنون من حكم الانقاذ لأن فترة التحول الديمقراطي القادمة لابد ان تكشف كل المخفي من حكم الانقاذ.
أتمنى أخي دكتور الطيب ان تكون هذه مساهمة منشورة في المساحة المخصصة لك بصحيفة الصحافة وألا يعمل الرقيب فيها تقطيعاً.. ولك في الختام ودي..
أخوكم أبداً
دكتور/ محمد زين العابدين عثمان
جامعة الزعيم الأزهري
شكراً للدكتور محمد زين العابدين الذي يبدو انه متابع جيد للشأن العام داخل الحركة الاسلامية وخارجها على هذه المساهمة البليغة. وارجو أن اتمكن من التعقيب عليها لاحقاً..




http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147495290&bk=1
_______________

Post: #203
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 11:33 PM
Parent: #202


محمد أبو القاسم حاج حمد: لو ما الزمن كان ليل
عبد الله علي ابراهيم
كنت رتبت نعياً للراحل الأستاذ محمد أبو القاسم حاج حمد، استعيد فيه بعض ذكريات الصبا على عهد عطبرة الثانوية في النصف الثاني من الخمسينات. وكنت أعلم أنني ساقول فيه قولاً قليلا. فقد غاب المرحوم عن رادار لقاءاتي وإطلاعي منذ فارقنا الثانوية حتي تجدد اجتماعي به في ساحة جريدة «الصحافي الدولي» في أول هذا القرن. كنت سأكتفي في كلمتي القصيرة بقولي إنني كنت أراجعه في جغرافيا واقتصاد مشروعات طلمبات المياه في ريف الشمال كخلفية لرواية كنت أخطط لكتابتها وعنوانها «الباجور» فيها صدي من ذكريات «باجور» بلدنا الممتد من البرصة الى النافعاب. وربما أملاها عليَّ تأثري القوي برواية «الأرض» لعبد الرحمن الشرقاوي. ولم أكتب الرواية بعد. وكان لوالد محمد «باجور» في مقرات الرباطاب او الصالحين، قدرت أن محمد مطلع علي حيثياته. وكنا نسمي محمداً «العمدة» لخطوه وعباراته الواثقة التي لم تزايله حتى لحق بالرفيق الأعلى.
وآخر عهد صباي بمحمد كان بأم درمان بانت. فقد استأجرت اسرته منزلاً بالحي. ودعا محمد بعضاً من دفعتنا وهو دوننا في حسابها، بجامعة الخرطوم للغداء وفيهم المراحيم صابر بحاري وعبد الله صالح وعبد الله محسي (ورحمة الله تغشاهم جميعاً). وكان تاج السر محمد خير وود الأحمدي فيهم أيضاً. وما فرغنا من الغداء الطيب حتي اخرج علينا محمد مسودة كتابه الأول عن القومية العربية وقرأه علينا من أوله الى آخره. ولم يغفر له تاج السر محمد خير هذا التثقيف القسري. وقال وقد ودعنا محمداً وتركناه خلفنا نخطو نحو شارع الأربعين بحثاُ عن طراحة تاكسي: «ده غداء اشغال شاقة. يا أخي تغدينا تقرأ علينا مولد بحالو». ولم نكن نقرأ في منزل آل محمد خير خوجلي حرفاً واحداً على كثرة «مغادينا» في منزلهم العامر بعطبرة بين رفق الوالد سر التجار محمد خير وإشراقة ابنه الأكبر هاشم، عليهما الرحمة.
أردت تطويل نعي محمد ودعمه بقراءة بعض كتبه. ولما وقفت علي مؤلفه «السودان: المأزق التاريخي» عرفت لماذا تعطل علمي بمحمد بعد تلاوته أول كتبه علينا، فهذه هي المرة الأولي التي اقرأ فيها كتاب المأزق على انه صدر في الثمانينات الأولى. وقد قلبته مرات في الماضي وانصرفت عنه. ولم يكن إعراضي عنه لمحض ذوق شخصي. وربما إزورَّ عنه ايضاً جيلي وقبيلي من خريجي جامعة الخرطوم ممن اسميهم «الغردونيين»، فكتاب محمد ثمرة رحلة وتجربة في الآفاق الخاطئة منظوراً اليها من وجهة النظر الغردونية، فقد حرد محمد التعليم الجامعي بعد نهاية ما للمدرسة الثانوية. وسافر للشام محتقباً عقيدته في القومية العربية وشغفه بالقضية الإريترية. وهذا الحاد عند الناشئة الحاضرة من أبناء سنوات الهرج. فهي تحرم الجمع بين أفريقيا والعرب في جملة مفيدة. وقد ذكر محمد دائماً فضل مكتبة حامد المطري في محطة الخرطوم الوسطي التي وثقت عرى تعلقه بأدب بيروت الشام على عهد تنامي فكرة القومية العربية في شقها البعثي. وانصرف محمد الى شواغلها وقد أدار ظهره للتعليم النظامي. وقد انقطع عن العالم في خلوة درس في بيروت يلقي علمه كفاحاً واقعاً ومجازاً. فهو شيخ نفسه أولاً ثم هو يقايس بين المعرفة والكفاح للقومية أولاً بأول، لا يقيم وزناً لترفع العالم عن خوض غمار الممارسة. وأكثر هذا تجديف في نظر الغردونيين. ولم تقع هذه الخلوة الإ لمنشق غردوني آخر هو المرحوم محمود محمد طه الذي آوى الى رفاعة في الأربعينات، يلقي علوم الدين كفاحاً. وجريرة محمد كبيرة. فليس محمد كاتباً بالسليقة والعصامية وحسب، بل أنه استقى علمه في الشام العربية الفرنسية التي ليست بشيء في مقامنا الغردوني الذي انجلترا ومشتقاتها هي قبلته ومحياه.
وكان محمد عالماً بميلاده في المكان الخطأ في الهرمية التعليمية في السودان. ولذا ميَّز نفسه عن الغردونيين مراراً في كتابه. وفعل ذلك بكبرياء ونقد بصير، فقد لاحظ أن السياسة هي الابأس حظاً في الكتابات عن السودان. وترتب على ذلك أنها افتقدت «معاناة الإصول المعرفية في تركيب الواقع الواقع السوداني.. وبقيت علي السطح وفي حدود المقالة السياسية الظرفية أي تبسيط الإمور». وقد نسب هذه السطحية الى تأثر المثقف السوداني بالفكر الإنجليزي التجريبي خلافاً للفرنسي المائل للثقافة أو الألماني المائل للفلسفة. وعليه فقد يكون المثقف السوداني، في قول محمد، إدارياً أو سياسياً ناجحاً، غير أنه يقصر دون أن يصبح مثقفاً فالحاً تكون السياسة والإدارة بعض شغله الفكري. وقد اخذ علي جعفر بخيت، الذي استعان به كثيراً، قوله أن سايمز، حاكم عام السودان في 1933، «حاكم عام عظيم» لانتهاجه سياسة حديثة في الإدارة. وقال إن من اعدوا رسائل جامعية في بريطانيا راعوا شعور المشرفين عليهم من الأساتذة الإنجليز أو طلبوا ودهم. وقال أنه استخلص من رسالة جعفر الوقائع وأعرض عن تحليله. وعاد لينعي على المثقف السوداني عجزه النفاذ الى خصائص جدل التكوين السوداني، بالنظر الي تدريبه الأدبي والسياسي الإنجليزي الذي حرمه من «الرؤية الفلسفية - التاريخية» للإمور. وقد وجد محمد نسباً ثقافياً له في معاوية نور، الذي هجر غردون الي بيروت، علماً وجراءة. وقال أن معاوية نور، البيروتي، علي خلاف الغردونيين اشتغل بفن التفكير، أو ما سماه محمد بـ «عادة التفكير». فقد قرأ الموضوعات في الكتب لا الكتب محضاً، حتي أنه لم ير في منشورات طه حسين وهيكل وسلامة موسي «فكرة أساسية». ولعل أكبر مآخذه على المثقف الغردوني أنه غير معني بتحليل المجتمع من حيث تراكيبه التاريخية. فحظه من التحليل رزق يوم بيوم في سرد طولي للتاريخ الذي ينسكب على الصفحات عشوائياً. وكأنه لم يتخلق من تراكيب مستترة تملي عليه أكثر حركته ووجهاته. وهذا حديث ليوم آخر.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147495016&bk=1
__

Post: #204
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 11:36 PM
Parent: #203



بين دامر المجذوب وجرف السيدة صافي الني والفزع للجزيرة

رصد: أحمد عوض
ظل محمد المهدي المجذوب، رقماً مهماً في خارطة الشعر السوداني، وفارساً من فرسان القول الشعري الحديث، وقد عرفه الناس من خلال دواوينه (نار المجاذيب) و(الشرافة والهجرة) و(منابر) و(تلك الاشياء) وعدد من الكراسات الشعرية (البشارة والقربان) و(شحاذ في الخرطوم) وعدد آخر من الدواوين التي لم تنشر.
ولعل دواوين محمد المهدي المجذوب، قد حدثت عن شعره ولكن هنالك جوانب كثيرة من سيرة حياته الشخصية والادبية خافية على كثير من الناس، وقد استضاف منبر الصحافة، الدكتور احمد بابكر الطاهر، استاذ الادب بجامعة الامارات العربية المتحدة، وهو رفيق درب شاعرنا محمد المهدي المجذوب، واحد معاصريه الاقربين، متحدثاً عن سيرة المجذوب ومضيئاً الكثير من الجوانب الخاصة بحياته، خاصة علاقته بالأديب الراحل، بروفيسر عبد الله الطيب، ومصادر شعره التي عددها ما بين خلوة المجاذيب بالدامر وعمله متنقلاً في شتى انحاء السودان، فكانت هذه المداولة الطريفة:
في قصيدة يودع فيها عبد الله الطيب خدين الصبا:
أين الليالي مضيئة هنالك في كنز لدى
الأمس مقفل
اتذكر ناراً أوقدت عند خلوة عشاء تغنى
بالكتاب المنزل
وارجها الحيران حتى تلفتت، والقت على الالواح
انظار ايدلي
ويرقبنا شيخ على كل قاريء له اذن تحصى حروف المرتل.
وتستمر القصيدة إلى أخرها، وهي من اجمل قصائد الشاعر محمد المهدي المجذوب، واستمر في مقدمة ديوانه.. والدي هو الشاعر المعلم الحافظ العلامة الفذ العالم الشيخ، محمد المجذوب، وهو شيخ مجذوب جلال الدين. كان استاذاً في كلية غردون التذكارية، استاذاً للغة العربية والدراسات الاسلامية، ومن اغرب الاشياء انه كان شاطراً جداً في الرياضيات واذكر وأنا في الثانوي تخصصي كان رياضيات وليس لغة انجليزية، وكنت اقوم بترجمة مسألة الرياضيات فيقوم بحلها، سألته مرة ماذا تريد ان تتخصص، عربي، أم فلسفة أم رياضيات، فقال لي نحن ليس لنا تخصص مثلكم، العلوم التي ندرسها كلها نتخصص فيها، فقد كان استاذاً في كلية العلوم، وابن الفكي احمد والذي كان خليفة سجادة المجاذيب ابن الفكي احمد بن الفكي جلال الدين بن الفكي عبد الله النقر بن الفكي حمد، بن طيب النية الشاذلي ابن الفارس الفكي محمد المجذوب، وهذا من سمى عليه المجاذيب، والغريب في الامر ان السيد محمد المجذوب الكبير والذي سمى به المجاذيب، مدفون في سنار، والرجل المدفون في الدامر وهو صاحب القبة والديوان والقبر الذي يزار حتى الآن، اسمه محمد المجذوب بن كمال الدين، أو محمد المجذوب بن علي البكاء، أو يسمونه على الدامع لأنه ذكر عنه انه كلما ذكرت له اسم الله، يبدأ بالبكاء ابن حمد ضمير الدامع بن عبد الله المشهور براجل «درو» وهو من الشعديناب...الخ
ويقول شاعرنا المجذوب في مقدمته لديوان «نيران المجاذيب»، .. (وخرجت مع الحيران الى الفزعة لنحتطب، وهي نار توقد من الحطب، وفي قبضتي الصغيرة «فرار وماء من بحر النيل في زجاجة خضراء) وتغوص اقدامنا في كثبان الرمال وتتعلق عيوننا بزرقة النيل وبالدوم والنخيل، ونريح طفولتنا في السدرالظليل ونعود الى النار بالعشر والسلم، ونوقد النار مغرب كل اربعاء كرامة وتطعمنا الاربعاء كرامة من بليلة اللوبيا المبارك وعيش الريف الحلال، ولازال كل يوم اربعاء «كرامة في الدامر»، واحياناً هنالك من يتبرع «بعتود أو عمبلوق»، يتم تقطيعه مع عيش الريف ويأتي الحيران ويقسمون هذه الكرامة بينهم، وفي الليل الساكن الحابس بالنجوم وهي البيئة التي خلقت هذا الشعر، هي الفزعة والخلوة والحطب والنيل ومن ليل الدامر الساكن الهامس بالنجوم وبمدائح الولي الكامل جليس الرسول صلى الله عليه وسلم، السيد محمد المجذوب ووحده الصالح وضوءه النار، وهي مدائح من ديوان الشيخ المجذوب، وهذا الديوان هو مجموع مدائح لثلاثة من الشعراء اولهم الشيخ المجذوب كمال الدين وفيه الشيخ الطاهر وابنه الشيخ محمد المجذوب، وهذا هو ديوان المجاذيب، ويمدحون منه في جميع المناسبات او بعد كل صلاة عشاء اهلنا يمدحون في ديوان الشيخ المجذوب، حتى محمد المهدي المجذوب وعبد الله الطيب، كانا مداحين ويحفظان الشعر وينشدانه: حيث يقول المجذوب في مقدمته: «ومن فرحي الغامر بصحبتي لقسيم الصبا والاحلام والشباب الشاعر الفذ الفنان، عمي واخي وسيدي بالبركات عبد الله بن السيد الوالد الشاعر الحافظ المعلم الشيخ الطيب عليه رحمة الله ورضوانه» وهو البروفيسر عبد الله الطيب، رحمة الله عليه وهو عم محمد المهدي المجذوب بالنسب، رغم انه في السن اصغر منه، وعبد الله الطيب توفى والده وهو صغير، فتولى تربيته شيخ مجذوب، ورثى عبد الله الطيب الشيخ المجذوب في قصيدة قال فيها:
«كان أبي بعد أبي»
ومطلعها: نعوا إليك جلالاً
وشيخ مجذوب تولى عبد الله الطيب وكان استاذه، وذلك لأن والد عبد الله الطيب كان زميل الشيخ المجذوب في الكلية، ويحكى لي انه في احدى المرات تأخرنا في احدى العطلات نسبة لمناسبات مدينة الدامر الكثيرة، وحضرنا بعد مرور شهر من الدراسة، ففصلنا مدير الكلية، فكتبت بيتي شعر معتذراً له ومدحت فيها الخواجة، فرضى عني وارجعني للكلية وطلب مني ان اكلم الطيب ان يكتب شعرا ويعتذر، إلا ان الطيب قال لي أنا لا امدح إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت له سوف اكتبهم أنا على لسانك، فقال لي سوف اذهب للخواجة واقول له كتبهم مجذوب، ولذلك فصل الطيب من الكلية، وكان طالباً فذاً وكان في قسم المعلمين، وكان معروفاً ان المعلم يمتطي حماراً أبيضَ ويعلق عليه فرجية من الامام، ولذلك كان الطيب يمتطي حمارا أبيض بفرجية، واشتغل بتجارة الصيني، وكانت في ذلك الوقت اواني الصيني لها تجارة رائجة. بعد فترة تم تعيينه معلماً في كسلا فأخذ معه ابنه عبد الله الطيب، وهذه البيئة التي صنعت من المجذوب شاعراً بالاضافة لما سبق ذكره وصحبته عبد الله الطيب.
ويمضي في مقدمته ليصل الى «ومن لالاء نور اللوبيا السيدة صافي النية، رضوان الله عليها ورحمته ومن رقتها وحنانها العميق» وهذان سطران ولكن لو اردت ان اكتب كتابا عن هذين السطرين لفعلت، لأنه فعلاً جرف السيدة صافي النية، تربى فيه محمد المهدي المجذوب لأنه عشق الحرية وكان يهرب من البيت ويذهب الى الجزيرة في هذا الجرف، وكان والده رجلا صارماً جداً، ورجل دين ووالدته كانت امرأة صارمة ايضاً وكان يقول لي انني تربيت في جرف السيدة صافي النية، ومن سير التاريخ الحافل آخذاً عن جدتي الحافظة (وهي جدته مريم بنت الحاج عطوة) وفعلاً جدته مريم بنت الحاج عطوة كانت تحفظ القرآن، الذاكرة الحاجة مريم بنت الولي الصالح الحاج عطوة التاجية المغربية، وهي جدة محمد المهدي المجذوب، والسيدة البر الكريمة ابنة الاضياف البر الوهاب، بنت النقر رضى الله عليهما ويرحمهما وهي جدته من امه، ويقال عن زوجها الفكي البشير بالدامر «انه ما عنده باب وسكينته حمراء» وهذا جده من أمه، أما جدته عن أبوه مريم بنت الحاج عطوة، وعطوة هذا جاء مع الجيش التركي وكان يأتي ويصلي في الخلوة مع الناس، فقالوا له كيف تكون عسكري؟ فطلبوا من الضابط المصري ان يعفيه، فقال انه لا يستطيع ذلك واوصى لهم بأن يخفوه في الخلوة، ويعتبره مفقودا من الجيش، وبالفعل اخفوه في الخلوة واستمرت بعد ذلك الحملة وتزوج من بربر فأنجب ثلاث بنات، واحدة زوجوها للشيخ محمد الخير الغبشاوي استاذ محمد احمد المهدي، وأولاده منها الشيخ البشير وواحدة تزوجها خليفة المجاذيب الفكي محمد وانجب منها شيخ مجذوب جلال الدين واخته عامرة، والثالثة تزوجت في بربر ويسمونهم «ناس حاج عطوة» وموجودون الآن في «المكايلاب»، وكانت جدته تعلم النساء القرآن، وتوفيت والمجذوب كان كبيراً في السن. «ومن طبول المقدم القادري تلميذ الشيخ الجعلي دياب، رحمة الله عليه ومن الصدق الذي علمنيه اياه والداي». والحقيقة ان محمد المهدي المجذوب عرف بقصيدة المولد «صلي يا ربي علي المدثر» لأن الفنان عبد الكريم الكابلي، تغنى بها وقد حضرت هذه القصيدة عندما كتبها المجذوب، فقد اخذ ابناءه الصغار الى المولد، في ميدان عبد المنعم بالخرطوم، وفي صباح اليوم التالي وقف على السفرة وبدأ يكتب القصيدة، حتى اننا طلبنا منه الجلوس، ولكنه قال لنا ان شيطان الشعر قد هاجمني، والكثير من الصور في القصيدة من الدامر مختزنة في ذاكرته خاصة الطريقة القادرية وذكرهم:
والمقدم قد تقدم ورمى الذكر
ودمدم
وانحنت حلقته حين انحنى
رغم ما في القصيدة من ذكر لعبد المنعم ذلك المحسن حياه الغمام، ولكن ذاكرة الشاعر كانت فيها صور مولد الدامر، خاصة الشيخ الجعلي ودياب، ودياب هذا رجل ابيض ضخم الجثة ويصيح في الحلقة «الله» فينحنى كل المولد.
إن كلام محمد المهدي المجذوب عن الصدق كان ثريا جداً لأنه كان يبحث عن الرجل السوي، لأنه كان رجلاً سويا وصادقا جداً مع نفسه، ووالده الشيخ مجذوب جلال الدين، استاذ التربية الاسلامية واللغة العربية ولم يكذب عن نفسه، محمد المهدي المجذوب كان يجلس في «الانداية» ويقول:
«واجترع المريسة في الحوانى واهزر
لا أُلام ولا ألوم
طليقاً لا تقيدني
قريش باحساب الكرام ولا تميم
تركت القيد عند أبي لغيري وقيد
للتجارب والهموم.
وكان يقرأ هذا الشعر وابوه ساكن في امدرمان، وهو يسكن في بيت آخر، بعد ان اخذ المعاش من الكلية انتقل الى معهد امدرمان العلمي، محمد المهدي المجذوب عاش حياته وكان صادقاً مع نفسه جداً وفي شعره لم يخف شيئا حتى ان هنالك الكثير من القصص التي يرويها لي، إنه جاء الى البيت وقد قفز من الحائط وكان «عنقريبه» بالقرب من الباب فصرخ اخوه الاصغر مبارك المجذوب «الحرامي، الحرامي»، فصحا كل اهل الدار، وكان يسكن مع الشيخ مجذوب مجموعة من الطلاب، وقد عرف عنه ان بيته يستضيف كل عام عددا من الطلاب يصل الى سبعة أو ثمانية مثل «بوب المحامي» وأولاده، مهدي، والهادي، والطيب النقرو فاستيقظ كل هؤلاء وبدأوا في البحث عن «الحرامي» فقرص شيخ مجذوب ابنه مبارك من اذنه وقال له (وين الحرامي، مهدي حرامي؟!) وكان الشيخ مجذوب يسكن في الموردة، ثم انتقل الى العرضة عندما جاء للمعهد العلمي، وكنت احد الذين سكنوا معه وقد ادبنا الشيخ مجذوب أدباً نادراً في هذا الزمن، كنا نجلس جلسة معينة للأكل، عندما نجلس للغداء، يبدأ بنا واحداً واحداً قائلاً اعرب الآتي:
إذا قالت خزامي فصدقوها
فإن القول ما قالت خزامي
ثم اعرب شواهد الالفية وهكذا، بالدور ويبدأ بالنقر، ثم محمد منصور، ثم أنا، ثم احمد شيخ مجذوب وهو اخوه الصغير ، كل ما ذكرت في محبة وعرفان ووفاء انعقد جوهر هذا الشعر، من الجزيرة، وجرف السيدة صافي النية من الشيخ محمد ود الطاهر ومن عبد الله الطيب وسير التاريخ من جدته مريم بنت حاج عطوة.
سادتي القراء، «معاذ الله ان افقه وأنا من تراب» والحقيقة ان المجذوب كان شخصا ترابيا جداً غاية في التواضع، وسوف احكي عنه بعض الاشياء التي توضح كيف ان المجذوب كان يحب المساكين والفقراء، وشعره كثيراً كان عن ماسح الاحذية، بائعة الكسرة والفول ...الخ
في ذات يوم ذهب معي الى زريبة المواشي بأم درمان بغرض شراء خراف، وعندما وصلنا هناك وجدنا «بهائم حمر» وكنت اريد حوالي ستة خراف، وقد ذكر الراعي ان الخروف بـ «22» جنيه فقلت له لماذا «بجيب أمدرمان»؟ وكان الراديو في ذلك الوقت شيئا بديعا، وقلت للراعي بي «21» ولكن مهدي اعترض وقال لي اعطيه «22» هذا الراعي ربي هذا الخروف منذ وقت بعيد. مثل الطفل!! وتركت محمد المهدي داخل «راكوبة» مع الرعاة وحضرت ووجدته يجلس معهم على الارض ويتحدث معهم عن حياة البداوة والرعي، فكان رجلاً متواضعاً ومن تراب.
ً«ولقد علم العلامة انني ما اردت بالذي ذكرت إلا اقراراً بعجزي وشكري، وانتقلت بعد الخلوة القرآنية في الدامر الى مدارس الحكومة في الخرطوم» وفي الحقيقة انه بعد الخلوة انتقل محمد المهدي للخرطوم وكان والده يعمل استاذاً في كلية غردون الى مدرسة الخرطوم والتي حالياً مكانها برج البركة، والذي لو كان حياً لتحسر على ذلك وكتب قصيدة في هذا الموضوع وهذه الفترة هي خط فارق بين حياة محمد المهدي المجذوب في الدامر وهنا، ففي ذلك ديوان شعر كامل سماه «الشرافة والهجرة» وهو الديوان الثاني بعد نار المجاذيب وحتى مجموعة اشعاره ترمز للدامر وللخلوة والبراءة والطهر، والهجرة هي ذهابه للخرطوم وبدأ حياة جديدة بأمورها وقشورها. والحياة في الخرطوم ادخلته في حقل مختلف جداً عن حياة الدامر، «حتى تخرجت من كلية غردون ولم ألقِ بالي بوعي كامل الى هذه المدارس، ولم امنع نفسي من شرورها وقشورها ومازلت اعاني من امورها» كلنا والحمد الله عانينا من قشور المدارس بالخرطوم «وجدت عند أبي قراءة حافلة ودرسا متصلاً» واخترت من كل ذلك ثلاث نقاط وقد اخترت كثيراً من مخالطة الناس وخصوصاً المساكين من صدق أخاذ نفعني واشقاني» لماذا خط ثلاث نقاط بعد اخترت؟ ومحمد المهدي المجذوب من حيث انه زميل لعبد الله الطيب، زميل للدكتور احمد الطيب، كان يريد ان يعمل مدرساً، الدكتور عبد الله الطيب عمل مدرساً ودكتور احمد الطيب بعد ان عمل محاسباً في جبال النوبة تم تعيينه مدرساً وبعث الى بريطانيا، محمد المهدي المجذوب رفض تعيينه مدرساً بسبب انه كان سياسياً فمحمد المهدي المجذوب كان جمهوريا عندما كان الحزب الجمهوري حزباً سياسياً، وكان للمجذوب كثير من قصائده، عندما كان الناس ينادون بالسيد عبد الرحمن ملكاً على السودان، ومن جانب آخر كان هناك من ينادي بفاروق ملك مصر والسودان، كان محمود محمد طه ومحمد المهدي المجذوب ومنير صالح عبد القادر والنور ابراهيم كانوا ينادون بالجمهورية السودانية، وليس عليها ملك. المجذوب كان يطوف بالمقاهي ينادي بالجمهورية السودانية، فرفض الانجليز تعيينه معلماً، فذكر «اعمل حاسباً في حكومة السودان» أي محاسباً وعمل محاسباً في كثير من انحاء السودان شرقه وغربه الى شماله، بورتسودان، وواو، وقد سمع وجرب كثيراً حزناً وسروراً «وكنت اصنع هذا الشعر على احوال مختلفات ولقد علمت بعد الممارسة والتجربة ان الشعر اصعب الفنون، وتؤهلني طاقتي الى بلوغ غايتي فيه» وفي هذه أنا لست معه، وفي رأيي انه بلغ الغاية في الشعر، «وقد اذاني الشعر فقد رسخ هنا في اذهان الناس ان الشاعر من كوكب آخر، وهو لا يأكل الطعام ولا يسعى في الاسواق. واذكر اول التحاقي بالوظيفة ان رئيسي في الديوان مصري، رأني اختلس النظر الى ديوان العقاد كنت خبأته في احد ادراجي، واصلح الرجل الطيب شاربه الملكي وابتدأ بوظيفته رئاسة المكتب ونظر وعبس وبسر وقال في اشفاق واستخفاف: «يا ابني الشعر ما يسقيش ميه» واعترف هنا انني لم أنتفع بنصيحته قط، وما انتهت نفسي عن غيرها وليس لها سابق» وتذكرت نصيحة الرجل الطيب، وقد حسبني مداحاً وقد فطن الى ضعف الشاعر في هذا الزمان واخشن القوم في الشرق العربي ينظرون الى شخصه لا عمله»، والحقيقة الناس ينظرون الى عمل الانسان هل هو مدير، هل هو.. ولقد كان الشاعر في السودان مذبوحاً».
ونواصل
http://www.alsaloon.org/forum/posting.php?mode=reply&t=3491

Post: #205
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 11:37 PM
Parent: #204



حوار مع ورقة دكتور أحمد الشاهي
عبد العزيز حسين الصاوي
نشر د. أحمد الشاهي، العراقي الاصل البريطاني الجنسية السوداني الهوى والهوية، ورقة على الانترنت كان قد قدمها في ندوة عقدها «مشروع دراسات الديمقراطية في البلدان العربية» بمدينة اكسفورد بعنوان «ضرورة الديمقراطية الوفاقية في السودان»، نفس الندوة التي قدمت فيها ورقة المفكر والاكاديمي العراقي فالح عبد الجبار التي نشرتها «الصحافة» في عددها بتاريخ 16 سبتمبر بعنوان «الاقليات والاكثريات: الديمقراطية الليبرالية والديموقراطية التوافقية».
الديمقراطية الوفاقية مصطلح حديث نسبياً يشير الى صيغة ديمقراطية مرحلية تطول او تقصر حسب ظروف كل بلد، تتوفر فيها كافة المقومات من انتخابات نزيهة وصوت واحد لكل فرد، فيما عدا اعمال مبدأ غلبة الاغلبية، برضائها وبالاجماع الوطني يتم تجميد هذا المقوم لصالح توافق تتقاسم فيه كافة اطياف البلاد السياسية والاثنية والقومية السلطة، ريثما تترسخ التجربة ويصبح ممكنا اعمال هذا المبدأ ايضا. وكانت الندوة مخصصة لهذا الموضوع في بعض الاقطار العربية. هذه مجموعة من الملاحظات اثارتها ورقة د. الشاهي.
تحمِّل «بشد الحاء» الورقة المثقفين والجيش السوداني مسؤولية فشل الديمقراطية، وهذا يحيل الى مسألة اولى وهي مدى مشروعية التمييز بين الاثنين. رغم خصوصيات التأهيل المهني للعسكريين، فهم في الحقيقة جزء من المثقفين من حيث نوعية التعليم والتطلعات الفردية والجماعية والعقلية واسلوب الحياة عموما. ومن ناحية اخرى فإن الانقلابات لم تكن صناعة عسكرية بحتة، وانما صناعة مثقفين مدنيين ايضا الى درجة بعيدة، سواء من حيث تهيئة الاجواء بالنقد غير الديمقراطي للاحزاب التقليدية، اي المصحوب بالترويج لنظريات التغيير الفوقي وحرق المراحل، او المشاركة الفعلية. والامر وصل في السودان الى تزايد الاشتراك الفعلي للمدنيين في تنفيذ الانقلابات درجة التوازي مع دور العسكريين في الانقلاب الاخير عام 1989م، عبر تطور صيغ الانقلابات فيه، بدءاً بنموذج العسكري- العسكري في انقلاب جنرالات نوفمبر 58م، هؤلاء كانوا عسكريين محترفين غير مسيسين، رغم ان الانقلاب جاء نتيجة تواطؤ مع بعض سياسيي حزب الامة، وبالتالي دون اجندة راديكالية لتغيير المجتمع. والطور الثاني كان طور العسكري شبه المدني شبه المسيس في انقلاب صغار ومتوسطي الضباط. وهؤلاء كانوا مسيسين جزئياً بحكم الانتماء السطحي لمعظمهم الى التيارات السياسية اليسارية القومية العربية والوطنية، وبالتالي ذوو اجندة راديكالية في هذه الحدود خلال مرحلتهم الاولى. وفي الطور الثالث تحقق التماهي بين العسكري والمدني، وتسنم السلطة الانقلابية العسكري- المدني ذو الاجندة الراديكالية، بحكم الانتماء الكامل لضباط الانقلاب الى الحركة الاسلامية، واشتراك مدنيين مسلحين في التخطيط للعملية الانقلابية وتنفيذها ثم حمايتها. وحتي وقوع الانشقاق البشيري- الترابي بعد ذلك، لم يغير معطيات هذا التوصيف تغييرا اساسيا.
الملاحظة الأخرى في الورقة، حول ان اهل الريف اعرف بمصالحهم وظروفهم صحيحة، بمعنى المصالح والظروف المباشرة، ولكنها غير صحيحة في ما يتعلق بكونهم اكثر تأهيلا لمواجهة قضايا التطور العامة. وفي الواقع، وبمعنى من المعاني المهمة للغاية، العكس هو الصحيح، خاصة في ما يتعلق بمسألة الديمقراطية.. فالحقيقة هي أن مشكلة السودان وربما بقية الدول العربية مع الديمقراطية، هي تضاؤل درجة التحضير او التحضر URBANIZATION في العقلية والسلوك وأسلوب الحياة الشخصية لدى سكان المدن «المتعلمون، ممارسو المهن الحديثة، المحتكون بالعالم الخارجي ايجابيا الخ.. الخ..» وارتفاع درجة الترييف في هذه النواحي نفسها خلال ربع القرن الاخير. ويعود هذا الى فشل استزراع الديمقراطية عربيا وسودانيا، ومن ثم فشل التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك نوعية التعليم وازاء اسرائيل، مما ادى الي ظواهر مثل النزوح الريفي الاستثنائي للمدن ونمو الاصولية الاسلامية والعقلية التقليدية عموما. وبعبارة اخرى التصفية الكاملة تقريبا لما تحقق على يد حركات الاستقلال الوطني والحركات السياسية والتيارات الفكرية والادبية الحديثة، من تقدم في التكوين النوعي للانسان السوداني والعربي منذ الخمسينيات. وبعبارة اخرى ايضا تقلص رصيد الاستنارة وهي الترجمة العربية المعتمدة لمصطلح ENLIGHTENMENT الذي يشير الى الحراك الفلسفي والفكري والاجتماعي والاقتصادي الكبير خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر، الذي اخرج اوروبا من ظلمات القرون الوسطي.
ان نجاح الديمقراطية في أوروبا الغربية، والسهولة النسبية للانتقال اليها في اوروبا الشرقية بعد انهيار المعسكر الاشتراكي، يعود الى انها كانت مسرح عصر النهضة والتنوير، ومن ثم الثورة الصناعية والديمقراطية والتقدم المادي والمعنوي. ورغم اعتماد هذا العصر في انطلاقه على مدخلات اساسية من الحضارة العربية الاسلامية، الا ان المنطقة ودولها بقيت بعيدة عن التأثر به. ونسبيا مصر والمشرق العربي كان لهما نصيب من الاستنارة لكنه غير كاف والبقية، خاصة السودان، كان نصيبه من الاستنارة اقل حتى من نصيب مصر والمشرق.. بل ان العقود الماضية شكلت فترة ردة عن القليل المتحقق منها اواخر القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين. واهم مظاهر ذلك انحدار فئات سياسية- فكرية منتمية الى دائرة الفئات الـ «حديثة» مثل الاسلاميين السودانيين، الى درك ممارسات بربرية بخلق الاجواء والضغوط السياسية لتنفيذ حد الردة شنقا بل والمشاركة فيه «حالة اعدام محمود محمد طه»، بعد نجاح سابق في تقنين وتنفيذ عقوبات بتر الايادي والصلب. وحصيلة هذا الوضع هي ان السودان والدول العربية الاخرى تعيش حلقة مفرغة بين استحالة الديمقراطية او ترسخها لانعدام الرصيد الاستناري تاريخيا او ضعفه، وكونها الطريق الوحيد لمراكمة عناصر الاستنارة تدريجيا.
والمخرج ذو شقين، التركيز كأولوية لدى المعارضات والحكومات المهمومة فعلا لا قولا بقضية الديمقراطية، على التعليم الحديث المفتوح على العقلانية والعالم المتقدم في اوروبا واميركا واليابان ودول مثل الهند وماليزيا والآن تركيا. وهذه هي النقطة المحورية لكسر الحلقة المفرغة كون التعليم النوعي شكل تاريخيا وعمليا المدخل الاساسي لليقظة السودانية والعربية والعالمثالثية، مع بداية الاحتكاك مع العالم المتقدم، واداة رئيسية للتفاعل معه. وهو بؤرة تنمية الاستنارة واشعاعها على تكوين المجتمع والافراد مدينة وريفا.
والشق الثاني هو اعادة صياغة العلاقة مع الغرب، بحيث يتسنى التمييز بين الصراع مع حكوماته واستراتيجياتها وسياساتها حول القضية الفلسطينية وغيرها، والاستفادة من تقاليده المتجذرة ومخزونه الغني من العقلانية والديمقراطية.
وهذه قضية مثيرة للجدل، لازال العقل العربي والسوداني حتى الذي يعتبر نفسه منتميا الى التقدمية او هو فعلا ذلك، غير قادر على تكييفها بصورة ايجابية. ومما يساعد على ذلك الاقرار بأن قوى التقدم والتحديث، بصرف النظر عن تعريفها الصحيح، تعاني من ضعف كمي وكيفي يجد مكامنه في حالة المجتمع وليس اوضاعها الذاتية فقط، مما يجعل التخلص منه صعبا ويستدعي بالتالي عدم اهمال اي مصدر للتقوية مهما كانت اشكالياته. والنقطة الثانية في هذا الصدد، هي أن الاستيعاب الخلاق للنواحي الايجابية في التجربة الغربية بمقاييس احتياجاتنا المصيرية والملحة، عنصر فعَّال في تحسين شروط الصراع حول كافة القضايا موضع النزاع مع الولايات المتحدة وغيرها من الدول الغربية، لأنه يساهم في معالجة نقطة الضعف الرئيسية، وهي ضعف مكونات مجتمعاتنا كعقلية وسلوك ديمقراطي ومستنير، وبالتالي ضعف احزابنا وانظمتنا السياسية وحكوماتنا.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147506475&bk=1
_________________

Post: #206
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 11:40 PM
Parent: #205


بيزنطة الجديدة
حيدر ابراهيم علي
تعيد بيزنطة القديمة -بعد قرون مديدة- نفسها مرة أخرى في القرن الحادي والعشرين. وقد اكتسبت شهرة سيئة السمعة بسبب جدلها العقيم وعدم القدرة على تحديد الأولويات ومعرفة الأهم والأكثر خطورة. فقد أُخذ على البيزنطيين سوء التقدير وهذه صفة تجلب معها القرارات الخاطئة والمضرة وربما في بعض الأحيان التهور أو السذاجة. وفي كل الاحوال فإنها تورث غياب الحكمة وبعد النظر بالإضافة للإنصرافية والاهتمام بقضايا مضيعة للوقت والجهد وتظل المشكلات والتحديات بلا حلول صحيحة. بيزنطة رمز لغيبوبة أو اختلاط الامور أو عدم الجدية المقصودة أو غير المقصودة، والحال في السودان الراهن هو عودة لدرجة التطابق مع بيزنطة القديمة. فالبلاد محاطة بالكوارث وتترى عليها كل يوم الأزمات والبلايا أو الابتلاءات كما يقول الاخوة، ولا يظهر في هذا النفق المظلم بصيص أمل لو سارت الامور كما نرى. ومع ذلك يتسلى أهل بيزنطة الجديدة بفتاوى الترابي وصادق عبد الله وعبد الحي يوسف، وللمفارقة استطاعوا أن يجروا النخبة المستنيرة الى ميدان معركة انصرافية تكرِّس وضعية قوى الماضي بدعم من دعاة المستقبل. وذلك لان الممارسة البيزنطية تحوِّل نظر الجميع عن رؤية الواقع، وتجعل من القضايا الثانوية والهامشية محور الاهتمام، وبالتالي تضيع الطاقة والمجهودات، والأخطر من ذلك، ألا نلتفت إلى الاولويات. وهذا مقتل اي أمة، حيث لا تعرف ماذا تريد؟ وما الذي يضرها وأين تجد نفعها؟ ورغم أن مظاهر عودة البيزنطية كثيرة ولكن المجال لا يسمح إلا بنماذج أكثر الحاحاً وبروزاً هذه الأيام.
تنشغل الساحة السودانية بفتاوى الشيخ حسن الترابي، فالصحف مليئة بالنقاشات والمهاترات حول الفتاوى، والندوات وجدت في الفتاوى وصاحبها ما ينفض عنها الكسل حيث تصدمنا الملصقات كل صباح بعنوان مثل: «فرفرة دجال!» وهذه ليست مسرحية كوميدية ستعرض قريباً، ولكنها سيبتدرها استاذ جامعي مرموق للفلسفة، ومعاصر للشيخ، وجاب العالم من السعودية الى واشنطن ينثر علمه ومعرفته. فلينظر القارئ الى حسن اختيار العنوان ألا يدل على العودة المجيدة لبيزنطة الجديدة؟
هذا الضجيج حول الفتاوى وأخبار الكوليرا (أو الاسم الحركي الاسهال المائي) تحتل الصفحات الأولى. وتصاحبها انفلونزا الطيور -رغم صورة السيد الوالي وهو يعلمنا كيف يؤكل كتف الدجاج؟!- وهي خطر تتجاذبه مصالح أصحاب هذا القطاع وقروض البنوك من جهة، وصحة المواطن من جهة أخرى. ومع الكوارث الطبيعية تحاصرنا الكوارث البشرية، ففي دارفور يقتل اربعمائة شخص كل عام. وتوقفت امدادات الغذاء للجوعى والنازحين بسبب نقص التمويل وانعدام الامن، ولا ننسى الهجوم على الدول المانحة وعدم السماح للرسميين منها بزيارة دارفور. ولقد استغربت لجرأة حكومتنا التي تكرر الحديث عن أوسلو وتربطه بالمنح وإعادة البناء ثم ترفض دخول مسؤول نرويجي كبير لدارفور؟ إلا أن تكون لم تربط بين أوسلو والنرويج. ومن المصاعب الكبرى فشل حكومة الوحدة الوطنية في تسهيل عودة الجنوبيين إلى مناطقهم، وهذا أس اتفاقية السلام الشامل كي تعني السلام والاستقرار والتنمية. وتنشر الصحف أخبار احتمال فشل الموسم الزراعي لعوامل كثيرة تحتاج لمعالجات سريعة.
هل تستحق فتاوى الترابي اهتماماً يفوق هذه القضايا الواقعية واليومية الساخنة؟ والعجيب في الامر أن تيار الفتاوى جرف مجموعات من المثقفين الجادين ليشكلوا لجاناً للدفاع عن حرية التعبير والوقوف ضد التكفير. فالمبدأ سليم ولكن التوقيت والشخص يجعلان التوفيق يجانب هذه الحملة.
نحن أدرى بحرص الكوكبة التي شكَّلت لجنة الدفاع عن حرية التعبير والتفكير ونقدر مبدأيتهم، ولكن قيام هذا الجهد في سياق صراع الثيوقراطيين ينسف نبل الغايات، لأننا ندافع عن تيارات دينية متعصبة تُجمع حول تكفير الآخرين. والآن ارتد كيدهم عليهم والله ليس بغافل. ولا أدري هل نسي الاخوة المدافعون عن حريات التفكير والتعبير ما فعله الترابي في تاريخ هذا البلد، القريب؟ ليست هذه دعوة للإنتقام والثأر ولكنها دعوة للمصالحة مع المبادئ التي يحتمي بها الترابي. فقد رفض الشيخ رفضاً أن يعتذر عن جرائمه وجرائم حزبه للشعب، وهنا يخرج الحاوي إحدى حيله الدينية ويقول إنه يعتذر ويثوب الى ربه فقط. وهذا لا يعفي الترابي من كونه مداناً لهذا الشعب باعتذار للإهانة والقمع اللذين مارسهما ضد الشعب السوداني، خاصة وهو يدعي ان الخلاف بينه وبين الآخرين حول الحرية والتجديد. وهذا الإدعاء يفقد مصداقيته إن لم يسبقه الإعتذار عن جرائم شتى.
أولها حل الحزب الشيوعي السوداني، فقد كان الترابي حريصاً على التنظير والتبرير لذلك القرار، فقد أصدر كراسة عنوانها: «أضواء على المشكلة الدستورية: بحث قانوني مبسط حول مشروعية حل الحزب الشيوعي» وفيه يتلاعب بقدراته الفنية في القانون على حسب الموقف المبدئي من الحريات.
يقول: «مهما كانت حماية الدستور للحريات الأساسية فقد حل الحزب الشيوعي بمقتضى تعديل للدستور نفسه وقد قدمنا أنه في تعديل الدستور القائم تتجلى السلطة التأسيسية كما تتجلى في إنشاء الدستور الجديد الدائم ويندرج التعديل في زمرة المبادئ العليا التي تكلِّف المحكمة بحراستها» (ص 21) ويضيف: «ثم انه من العجب العجاب -بعد الذي تقرر من أحكام في شأن تقييد الحريات بالإجراءات التشريعية المعتادة- أن يتمادى قانوني في الضلال الفقهي حتى يبلغ به الامر أن يقول إن الحريات معصومة حتى من تعديل الدستور نفسه». (ص22). وتعتبر الكراسة تدشيناً لدور الترابي القمعي مسلحاً بالدين أو الفقه والقانون. وكانت قمة انجازاته المضادة للحريات، قوانين سبتمبر 1983م، وقد دافع عن هذه القوانين بأنها اسلامية، رغم آراء رجال الدين والفقهاء الذين أتوا بدعوة من السيد الصادق المهدي وبدعم من الشيخ.
كان الامر المهم في هذه القوانين نشر الخوف والإذلال بين السودانيين، ولم يكن للترابي الذي يدافع عنه بعض الاخوة ان يستغل نشاطهم لحماية الحريات، بعيداً عن ممارسات تنتهك قيم حقوق الانسان كلها، فقد دشَّن أول حكم بقطع اليد بحضوره في سجن كوبر، ويقال إنه أُغمي عليه. وهو شريك في دم الواثق الذي قطع من خلاف وصلب، ولم يكن بعيداً عن مأساة تكفير واعدام الاستاذ محمود محمد طه، وهو ينأى بنفسه عن تلك المحاكمة ولكن هل إرتفع صوت الشيخ المجدد والمدافع عن الحرية -آنذاك معارضاً أو استقال من موقعه التنفيذي المهم؟ تواصلت مؤامرات الشيخ على الحرية والديمقراطية لتبلغ أوجها في إنقلاب 30 يونيو 1989م، الذي اعترف بهندسته والتمويه لإنجاحه. وهنا نسأل أين كان صوت المجدد -المجتهد والمدافع عن الحريات، حين انتشر القمع والتعذيب بل حاول في زيارته للولايات المتحدة الاميركية أن يستخف بشكاوى انتهاكات حقوق الانسان. ولا أنسى قوله بأن السودانيين حساسون لو ترك الشخص في غرفة اعتقال مضاءة حتى الصباح، يعتبرون هذا الفعل تعذيباً!.
أردت القول بأن الشيخ لم يُعرف عنه الدفاع عن الإنسان غير الاخوانجي، لذلك يصبح الدفاع عنه مضيعة للوقت وسذاجة إلا بعد أن يعلن موقفاً واضحاً من حقوق الانسان في التاريخ السوداني الحديث، الذي شكَّل جزءاً مهماً منه، ولكن المهم في ضجة الفتاوى الترابية أنها عمل سياسي في شكل مواقف دينية وفقهية. فالترابي يستعد للعودة (Come back)، كما يقول الاميركان، ويريد ان يرمي بالماضي بعيداً ويغسل أفعاله وأقواله. لذلك كانت تصريحاته للعربية وبعد مدة قصيرة الفتاوى التي شغلت الناس بالفعل، فقد جرَّنا الشيخ الى نقاشات بيزنطية حقيقية لانها غير مرتبطة بالمشكلات الحياتية اليومية التي سبق ذكرها. فقضية المرأة لا تحلها فتاوى الترابي أو القرضاوي أو الغنوشي، ولكن تحل من خلال الواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي المتغير. فلم تكن الكنيسة الكاثوليكية أقل تشدداً، ولكن الثورة الصناعية هي التي حررت المرأة وليس مارتن لوثر أو كالفن أو الاصلاح الديني. وعلى الجميع أن يسأل كيف ساعد الترابي في تحرير المرأة السودانية، حين كان هو محرِّك السلطة؟ تم فرض الحجاب وأصبح شرطاً للتوظيف، وتفنن الحرس الجامعي في إهانة الطالبات، كل هذا ولم يتحدث الترابي عن إمامة المرأة في الصلاة أو حقها المتساوي في الشهادة، فهل نزل الاجتهاد والتجديد الديني فجأة على الترابي وهو يستعد للانتخابات بعد سنوات قليلة ويعيد تنظيم حزبه؟
أختم بالقول، دعوا الترابي يحارب معركته وهم يعرفون بعضهم جيداً. ويجب ألا ننشغل بهذه المعارك البيزنطية وأن نقرر أن الدجاجة وجدت أولاً، أقصد أن نهتم بالحي والمتحرِّك والذي يصيح. لأن مشكلات التنمية تتحدانا باستمرار، فهناك الثالوث التقليدي الذي جاء الاستقلال ليحاربه: الفقر والجهل والمرض. وهذه قضايا لم يقل ابن تيمية أو ابن القيم أو السيوطي فيها شيئاً، ولتكن هذه القضايا هي معركتنا الحقيقية.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147503303&bk=1

Post: #207
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 11:42 PM
Parent: #206


مجموعة (آلام ظهر حادة) بمنتدى محمد صديق بأم درمان:
النص يمثل اتجاهاً في الادب يطلق عليه (الواقعية الصوفية)
اعداد: نادر السماني
نظم منتدى محمد صديق الثقافي بأم درمان جلسة يوم الخميس الماضي لمناقشة مجموعة عبد الغني كرم الله (آلام ظهر حادة)، حيث قدَّم الناقد عز الدين ميرغني ورقة رئيسة، كما شكل الكتاب حضوراً وأجاب على كثير من المداخلات، وقد ابتدر عز الدين ميرغني ورقته بقوله بان النهج المستخدم في هذه المقاربة لمجموعة آلام ظهر حادة هو منهج بنيوي تركيبي، وهو منهج اقترحه الناقد الفرنسي لوسيان غولدمان، وقد حفلت الورقة بعدد من المداخلات من قبل الحضور.
وقد أشار الناقد الى ان النص قد استخدم الترميز العيني ومثل لذلك بالحذاء الذي يرمز الى النفس الامارة (وهو مفهوم صوفي)، كما رمز بالمعزة إلى الحقيقة التي يرضعها الصوفيون، والخمر ترمز للمحبة عندهم ايضاً. وقد استشهد الناقد بالنص لتوضيح فكرته، وقد لاحظ الناقد على ان النص قد سرد بضمير المتكلم مما يجعل الذات كمركز للسرد بل أدى إلى تضخمها.
وقد لاحظ الناقد جمال اللغة التي مكَّنت النص من التخلص من الزوائد اللفظية غير مقيدة مما جعلها لغة موحية ومكثفة.
واستناداً على التفكيكيين (كما يرى الناقد) فإن النص ليس بخارج عن الايدلوجيا وانما يعبر عن رؤية ايدلوجية. وقد صنف الناقد النص ضمن نصوص الحداثة. ونحت لهذا النوع من الكتابة مصطلحاً سماه «الواقعية الصوفية» ذاكراًرفضه اعتبار النص واقعياً تسجيلياً ولرؤيته الصوفية اعتبره الناقد يمثل اتجاهاً جديداً أسماه «الواقعية الصوفية»، وقد طوَّف الناقد باعلام الصوفية «ابن عربي» «الحلاج» «السهروردي» «محمود محمد طه» باعتبار أن مقولاتهم تمثل البنية التي انبثق عنها النص وعبرت عنه خصوصاً رؤى الاستاذ «محمود محمد طه» واستند الكاتب في معظم آرائه السابقة على النص مستشهداً به. وهذا قد شملت ورقة الناقد كثيراً من الملاحظات النقدية المتفرقة. وبعد ذلك انداح الحضور في حوار حول الورقة، ابتدره الاستاذ محمد الجيلاني: طالباً من حضور المنتدى قراءة الفاتحة على روح المرحوم القاص والروائي (محمود محمد مدني) (تغمده الله بالرحمة).
ثم أشاد بمدخل الاستاذ عز الدين في استناده على البنوية التكوينية لأنها لا تتعامل مع النص منفرداً بل في سياقه الابداعي والتاريخي ثم استدرك بأن النص لم يطبِّق عليه تفكيكا مدرسيا، وهو يرى بأن النص لا يستطيع الصمود أمام تصنيفه نصاً قصصياً لافتقاده عناصر السرد القصصي لكنه يعتبره «نصاً» جديراً بأن ينظر فيه وصنَّفه ضمن تيار الوعي معتبراً النص تمريناً جمالياً جيداً يبشر بمقدم مبدع جيد لو امتلك ادوات عمله الفنية ولم يستند على ذاكرة مبدعه الثقافية وانما اجترح رؤى جديدة ومغايرة مستنداً على الخيال الذي غاب كثيراً عن النص.
ثم اُتيحت الفرصة للاستاذ محجوب كبلو: فأشار في بداية حديثه الى ان معياره لتقويم النصوص هو: ان يصفي النصوص تعتبر (ثقافة) وأخرى تجارية وصنَّف كتابة عبدالغني من ضمن النصوص الثقافة التي تورط المتلقي لذا فهي كتابة نادرة. ثم توقف عند مصطلح (واقعية صوفية)، مشيراً ان الصوفية غيب وهو ضد الواقع لذا المصطلح متناقض يحتاج من الاستاذ مراجعة اخرى. كما رفض فكرة ان تكون النصوص متأثرة بكتاب «طبقات ود ضيف الله» كما رفض فكرة التناص من حقل مختلف وذكر بأن التناص يكون من الحقل الابداعي نفسه او المشابه ورفض فكرة ان تفسر الورقة الرموز، زاعماً ان هذا ليس من سلطتها.
ثم تحدث بعد ذلك الاستاذ محمود أبو دقن: منتقداً تركيز الناقد على الايدلوجي باحثاً في النصوص فقط عما يؤيد فكرته متجاهلاً تماماً العلائق الشكلية. كما فرَّق بين الخيال والذاكرة، مؤكداً على ان الخيال أبعد من الذاكرة ولكنه لا ينفصل عن الواقع كذلك الصوفية لا تبتعد عن الواقع، فالأذكياء هم الذين يحاولون الخروج الى واقع اشمل ثم عرَّج على فكرة عبد القاهر الجرجاني الخاصة بارتباط الكشل بالمعنى، رافضاً ما يزعمه الحداثيون بأن الجرجاني كان يتجاهل المعنى على حساب الشكل.
وختم حديثه بأن الصوفية انواع وليست نوعاً واحداً.
ثم كان الحديث للاستاذة حكمة أحمد رابح سائلة: كلما همَّ كاتب بفض بكارة منطقة ما ووجه بسلطة ما؟!
ثم تحدث الاستاذ كامل التوم: واعتبر النص نصاً انسانياً موجهاً لكل العالم.
ثم تحدث الكاتب: شاكراً الحضور معتزاً بأن اتيحت له فرصة التعرف على المنتدى واعضائه، مشيراً إلى ان ما يهمه هو اللحظة الحاضرة، كما نوَّه إلى ان الضجة حول الكتاب لم تنشأ في السودان بل في المنطقة العربية ومن كتاب ونقاد لا يعرفونه ولا يعرفون علاقة تتلمذه على الاستاذ محمود محمد طه.
ثم اتيحت فرصة اخيرة للاستاذ عز الدين للتعقيب الاخير وختم المنتدى بأغنية «أيام صفانا» غناها الاستاذ مامون المحامي... وهذا قد ادار المنتدى الاستاذ نادر السماني.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147502937&bk=1

Post: #208
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 11:43 PM
Parent: #207


الإصلاح السياسي وركوب السرجين

بقلم: حمزة بلول الأمير
ظلت قضية الاصلاح السياسي تتقدم على غيرها من القضايا الاجتماعية والاقتصادية، ربما لأنها تمثل شرطا رئيسيا وأساسيا للنهضة- لأنه بدون نظام سياسي مستقر وديمقراطي، لا يمكن أن تتقدم المجتمعات الانسانية- ولعل هذه الاشكالية واجهت دول العالم الثاني- مع تحفظنا على التصنيف- بصورة أكثر وضوحاً، فهى قد حققت تطورا اقتصاديا ملحوظا، ولكنها ما زالت تعاني في سبيل نهضتها من إشكاليات عدم ترسيخ الديمقراطية في مجتمعاتها.
أما ما يسمى العالم الثالث فهو يعاني الاثنين معاً «سياسياً واقتصاديا» ولعل المشكلة تتعدد عواملها وقد تتقاطع، ولكني سأحاول التركيز في هذه المقالة على عامل وحيد وهو ارتباط المفكرين أصحاب المشاريع السياسية اليومية، والتي تدفع باتجاه جعل الفكرة في خدمة الموقف السياسي والتكتيكي. مما يعوق تطور المشروع في الاتجاه الاستراتيجيي. وسأعرض نماذج بارزة في تاريخ الفكر السياسي الانساني والاقليمي والمحلي، لتوضيح عمق المشكلة التي يحددها عامل انغماس المفكر في إنجار مشروعه بنفسه.
وسنبدأ بالفكر الاشتراكي ونختار نموذجين بارزين في هذا الاتجاه، وهما (كارل ماركس- باكونين) - ماركس طرح مشروعاً فكرياً متكاملاً في اتجاه تغيير شامل لمناحي الحياة الإنسانية- اجتماعياً- اقتصادياً- سياسياً وهو كمفكر لا يمكن لأى باحث أو صاحب فكر أن يتجاوز منتوجه الفكري- في حالة الاختلاف أو الاتفاق معه- الا أن محاولته بناء تنظيم اشتراكي استغرقت جزءاً كبيراً من وقته، مما منعه من أصدار الجزءين الثاني والثالث من مخطوطة رأس المال اثناء حياته، بالرغم من أنه أصدر الجزء الأول قبل وفاته بزمن طويل، مما ألقى مهمة المراجعة والتصحيح على رفيقه انجلز- بل والأهم أن صراعات ماركس داخل تنظيم «الدولية أو الأممية الأولى» قادته في نهاية الأمر الى أن يسعى لحل التنظيم وتحويل مقره لأمريكا، أما رفيقه العبقري باكونين الذي قدم مساهمات متميزة في تطوير الفكر الاشتراكي، نجد أن صراعه مع ماركس وتعجله للسلطة أخذ معظم وقته، مما جعل نفسه الفكري قصيراً، فلم يتعمق في البرهنة على صحة كثير من أفكاره المتميزة. ومن جهة أخرى أفادت مجموعات سياسية ذكية في انجلترا «الغابيين» من أفكار باكونين وماركس وطرحت الاشتراكية الديمقراطية، وهى ممازجة بين قيمتين أساسيتين، العدالة الاجتماعية والاشتراكية والحرية «الليبرالية»، وصارت هذه الأطروحة طريقاً ثالثاً قاد أوروبا الغربية للاستقرار السياسي والرفاه الاقتصادي الى الآن.
وعلى المستوى الاقليمي، نجد أن حسن البنا طرح مشروعاً فكرياً متطوراً على غيره من المشاريع المنطلقة من ذات الخلفية الاسلامية.
ولو قدر لحسن البنا الاستمرار بمشروعه الفكري باستقلالية عن قيادة تنظيم سياسي، لتطور هذا المشروع جداً. وذلك لأن حسن البنا كان متفقاً مع الديمقراطية النيابية، وبهذا يكون الطريق ممهداً لتطوير الفكر السياسي الاسلامي، ولكن نجده رهن مشروعه لصالح المواقف السياسية اليومية والتكتيك السياسي، وانشغل عن تطوير مشروعه. مما جعل المشروع ينتج في نهاية الأمر حركات راديكالية لا تقبل بالخيار الديمقراطي عن قناعة، وربما تتعامل مع الديمقراطية ببراغماتية سالبة، لأن الاتجاه الفكري وأطروحاتها تعبر بوضوح عن رفض الآخر مما يناقض أساس الديمقراطية.
أما على المستوى المحلي «السودان» فيمثل عبد الخالق محجوب وحسن الترابي والأستاذ محمود محمد طه- أصحاب مشاريع فكرية تتسم بعمق وإبداع، فعبد الخالق رغم مساهمته المهمة في تبيئة الماركسية وإيجاد موطئ قدم لها في الحياة السياسية السودانية، الا أن قيادته للحزب الشيوعي أصبحت عاملاً سالباً في تطوره الفكري، فلم يقدم عبد الخالق نقداً عميقاً للواقع الاجتماعي ويسهم فكرياً في تطويره، أما على المستوى السياسي فقادته ممارسة العمل السياسي الى المقصلة، وكذلك وبدون تفاصيل الاستاذ محمود محمد طه، رغم نجاحه في التطوير الفكري نسبياً، الا أنه كسياسي وقع في أخطاء كبيرة، ومع مراعاة بعض الاختلاف نجد حسن الترابي صاحب المشروع الاسلامي، انتهت به ممارسة السياسة اليومية الى متردد على السجن على أيدي تلاميذه. ولعل الترابي أكثر هؤلاء الثلاثة يؤكد رؤيتنا في سلبية انغماس المفكر في العمل السياسي، وذلك لأن معظم إنتاجه الفكري كان في «السجن».
عوداً على بدء، وبعد هذا العرض السريع لبعض المفكرين أصحاب المشاريع الاصلاحية، نجد أن في المقابل في التاريخ الفكري الانساني مفكرين مستقلين طوروا فكرهم بعيداً عن ضغوط المواقف السياسية ورغبات الاتباع والصراع، منذ أرسطو وسقراط وهيغل الى ماكسي فيبر.
ختاماً نقول إن عملية الاصلاح السياسي في العالم الثالث بصورة خاصة، لا تحتاج الى مفكرين جدد أصحاب مشاريع تغيير، بقدر ما هى في أشد الحاجة الى مجموعات سياسية ذكية، لها القدرة على التقاط الايجابي من التجارب السابقة على المستوى الفكري الانساني عموماً، وبذل الجهد الذهني في قراءة الدافع، ونقد سلبيات المشروعات النظرية وتطبيقاتها، والتركيز على إيجاد ماكنزمات مرنة للمراجعة والتقويم، حتى لا ينقلب مشروع الاصلاح السياسي الى نقيض أهدافه.
عموماً خلاصة هذه الرؤية، مطروحة للحوار الجاد، باعتبار أن الاصلاح بالنسبة لنا كديمقراطيين هدف نحاول الوصول اليه، عبر التحاور مع الجميع وخاصة الآخر المختلف.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147502556&bk=1
____________

Post: #209
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 11:45 PM
Parent: #208


الكاتب عادل القصاص بمركز عبد الكريم ميرغني:
العلاقة بين الشكل والمضمون جدلية يجب النظر لها بوعي
* استضاف مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي القاص السوداني المهاجر عادل القصاص، وذلك في ندوة لمناقشة تجربته في الكتابة، والكتابة القصصية علي وجه خاص، وقد ابتدر النقاش الناقد والصحافي احمد الطيب عبد المكرم الذي اشار الى ان عادل ينتمي الى مجموعة من الكتاب، برزوا وتميزوا في فترة الثمانينيات، وهم مجموعة هدفت الى أن تحقق عبر كتاباتها انجازاً كتابياً جديداً يرتبط بالتجاوز والتغيير، واذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر احمد المصطفى الحاج، محمد عثمان عبد النبي، احمد حمد الملك، وقد تبنت هذه المجموعة النص القصصي الجديد الذي ينتمي الى حساسية جديدة، ووعي بالكتابة الجديدة، وظل القصاص في إطار الوعي السائد بالكتابة الجديدة متميزاً في مستوى معالجة الشكل والموضوع، واحدثت اعماله نقلة نوعية على مستوى القص السوداني، كما اشار لذلك الدكتور بشرى الفاضل بقوله ان قصص عادل القصاص تنتمي الى البعد الشعري وترتبط به كانسان يكتب عن اليومي، وايضاً تنتمي اليه كمبدع وكاتب، وتعطي سحرها من تميزها وحداثة حساسيتها.
* ويضيف عبد المكرم ان كتابات عادل حققت له انتصاراً شهد له كثيرون، ولعل ابرز ما يميز أعماله التكنيك القصصي الذي يستخدمه للدرجة التي تجعل من اقاصيصه تحكي عن تجربة جمالية، وتدفع طاقات الكتابة الى مدى اوسع. وفي اعتقادي ان اكثر الملاحظات دقة، ان القصاص يستفيد الى اقصى مدى من المعلومات والمعرفة الاخرى غير الادبية في النص القصصي، وهذه ميزة لا يمتلكها الا الكتاب الذواقون في مجال الكتابة. والعلاقة بين الشكل والمضمون علاقة جدلية، ولابد من النظر اليها بوعي موضوعي، ولابد عندما يكتب الكاتب أن يتكيء على مجموعة من الافكار الواعية بالمجتمع وبالحياة، وعادل القصاص استخدم تكنيكاً يتفاعل فيه مع القارئ ويتفاعل فيه النص مع موضوعه، وأي نص يجب أن يتكيء على تاريخ الكتابة، ولأن للكتابة تاريخا موازياً لتاريخ العالم، ولذلك فإن لعادل قدرة على تنمية هذه الذائقة، وتجد عالمه القصصي منشبكاً باليومي. وبجانب استخدامه لتقنية المعلومات والمعارف العامة في مجال القصة، نجد أيضاً ان القصاص يتميز بقدرة فائقة على الوصف، وصف المكان والشخوص والوسائط، سواء أكانت هذه الوسائط مهنا او نمط حياة، وتجلت هذه القدرة في نص «ذات صفاء، ذات نهار أخضر سادس». ويصف عمل «النقاش» وهو يتعامل مع الجدران والستائر وخلافه، وفي الختام هذه مداخل عامة للولوج الى عالم عادل القصاص القصصي، ونفتح باب النقاش حول هذه النقاط. وفي البداية أتيح الفرصة لعادل القصاص ليتحدث عن تجربته:
* عادل القصاص:
اعتقد ليست هناك تجربة كتابة مكتملة، فالكاتب في حالة تحول مستمرة، والكتابة نفسها في حالة تحاور مع نصوص اخرى، وانا اود ان اسمع آراء الناس حول التجربة، وعن المشهد الثقافي بالداخل، والحديث عن التجربة الشخصية صعب جداً، لأن ذلك يوقع الكاتب في نمذجة نفسه، أما عن غربة الكتابة فهذه من أصعب الاشياء، فالغربة مقرونة بالعمل السياسي، فهي مجلبة لتعاسة غير عادية، وذلك لان انخراط المبدع في العمل السياسي اليومي، يليه عن ابداعه، ايضاً تحيط بالمبدع او المثقف عدة إشكالات عندما ينتزع من مجتمعه ويضطر الى هجرة قسرية، حيث يواجه مجتمعا جديدا مختلفا، وينفق وقتاً طويلاً في محاولة التأقلم عليه، ولذلك تصبح الغربة قطعة من الجحيم.
* د. محمد المهدي بشرى:
عدد كبير من المبدعين السودانيين يختارون الغربة، وبعد ذلك تحدث لهم اشكالات فيها.. وهذا خيارهم، اما عن تجربة عادل، فهو قد ترك القصة الى اشكال اخرى تسمى احياناً نصاً، كتابة، الخ.. قد أكون كلاسيكياً فالقصة عندما تفقد عناصرها تضيع وتصبح هلامية، وانا اعيب على عادل القصاص انه انساق وراء اللغة الشعرية، واصبحت القصة بلا ملامح.. ايضاً يحيى فضل الله في كتاباته «تداعيات» فهي كتابات جميلة ولكن لا يمكن ان تكون قصة.
* عادل القصاص:
العلاقة بين السياسة والثقافة معقدة وواضحة في آن واحد، وهي ازمة مفاهيم، والمبدع عندنا في السودان سياسي والسياسي غير مثقف، ان تجد سياسيا مثقفا فهذا نادر جداً مثل المرحوم محمود محمد طه، وهو مثال للمثقف والسياسي الذي له رؤية لها علاقة بالعالم، ولها حساسية عالية بالمجتمع الذي يعيش فيه، ولذلك نجد أن السياسي والثقافي لا يلتقيان، لأن المثقف رؤيته للاشياء شمولية ومستقبلية، والسياسي رؤيته آنية مرتبطة بالمصلحة الآنية، أما حديث الاخ محمد المهدي بشرى - وانا اشكر له هذه المداخلة - اود ان اقول انني كنت مستفيداً مما اتاحه لي الوضع او الواقع وكنت اقبله تماماً، وذلك لان لدى مشروعا ابداعيا، أما عن نصوصي فأنا لست نزاعا للدفاع عنها، واعتقد اذا ما فهمت صحيحا ان الاخ مهدي يقصد قصتي الاخيرة وهي قصة لها تكنيك، كنت قد استفدت فيه من القصص التي كتبتها سابقاً، اما عن الاشكال الهلامية فهذه لم اطلق عليها قصصاً، ولكنها كانت تجربتي في الكتابة الشعرية ومرتبطة باحوال المنفى، وبالنسبة لي الشعر في المنفى هو معتبر كثيف جداً، وهو وفق إنساني، وفي ذهني عدة مشاريع منها الكتابة عن تجربة المنفى وجزء منها معالجة لواقعنا الثقافي.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147502249&bk=1
_________________

Post: #210
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 11:46 PM
Parent: #209


حتى لا نزداد طمعاً بأوهامنا ( 3 ـــ 3)
أ.د. عبد الله عوض عبد الله
اذا كان السلام قد اصبح ضرورة بهذه الصورة التي ذكرناها ، فكيف السبيل اليه !؟ وماهي مقتضياته ؟ او ماهي العوامل الاساسية والضرورية لتحقيقه !؟ يقولون : «طالما ان الحرب تبدأ في عقول الناس ، ففي عقول الناس ، يجب ان نخوض معركة السلام» .. وهذا حق الى حد كبير ، ولكنه يحصر قضية السلام ، في اطار الفكر فقط ، وهي قضية اكبر من ذلك بكثير ... ففي بيان للبرت انشتاين ـ عالم الفيزياء المشهور اصدره في عام 1946 بعد القاء قنبلتى هيروشيما وناجزاكي جاء قوله : «لقد قدم العلم هذا الخطر ، ولكن المشكلة الحقيقية لا تكمن في القنبلة ، وانما تكمن في عقول الناس وقلوبهم وليس في مقدورنا ان نغير مافي قلوب الناس الآخرين بطريقة آلية ، فحسبنا أن نغير مافي قلوبنا ، وان نتكلم بشجاعة : يجب علينا ان نبخل على العالم بما نعرفه من قوى الطبيعة ، ولكن علينا قبل ذلك ، ان نضع لها الضوابط لتأمينها ضد سوء الاستعمال ، يجب علينا ان ندرك انه محال علينا ان نخطط للحرب ونخطط للسلام في وقت واحد !! وعندما تصفو عقولنا وقلوبنا عندئذٍ فقط نجد في انفسنا ما يقهر المخاوف التي سيطرت على العالم» الإسلام والسلام ، استاذ خالد الحاج عبد المحمود.
ولكن كيف تصفو عقولنا وقلوبنا !؟ ان الامر ليس بهذه البساطة التي تبدو من العبارة سالفة الذكر للبرت انشتاين !! هذا الامر ليس له إلا الدين .. اذ ان تحقيق السلام يقتضي حلاً للتناقضات الاساسية في الوجود وهي :
ـ التناقض بين الارادة الالهية والارادة الانسانية.
ـ التناقض بين الانسان وبيئته.
ـ التناقض بين العقل الواعي والعقل الباطن عند الافراد.
وهذه الامور جميعها تعبر عن حقيقة واحدة ، تبتدى في مجالات مختلفة .. والاصل فيها جميعاً هو التناقض بين الارادة الإلهية والإرادة الانسانية.. فبدون حل هذا التناقض الاساسي ، لا يمكن ان يتحقق السلام ، كما اشار انشتاين .
وحل التناقضات هذه لا يتم الا في اطار مذهبية ،، ويجب ان تكون المذهبية شعبية ، في متناول الجميع ، وليست قاصرة على صفوة من الناس فقط ، وتكون ببساطة وفي متناول كل فرد ، ثم هي عميقة في نفس الوقت ، كما يحتاج الى منهاج علمي وعملي تفضي ممارسته الى تغيير الانسان من داخله ، وترويض النزعات الحيوانية عنده ، بما يفضي الى توحيد شخصيته ، وسلامتها من الصراع الداخلي ومن الانقسام ثم لابد من تنظيم المجتمع من الاسرة والى العلاقات بين الدول ، على اسس تقوم على قيم السلام .
فالتغير السليم يقتضي تنزل الفكر على الواقع .. والحضارة الغربية هي الواقع ، واقعنا جميعا ، فهي حضارة كوكبية ... وهي ترمز الى التقدم المادي .. والتقدم الروحي مرتبط بالأخلاق ، والقيم وهو بالتالي مربوط بالحرية والسلام .. فحسن التصرف في الحرية ، الذي هو الاخلاق يقتضي مسالمة الآخرين فالبيئة في الفهم الديني بيئة روحية ذات مظهر مادي وهذا معني افادة العلم الحديث ، ولكن افادة لم يتفطن اليها الكثير من الناس الى الآن .
والتواؤم مع البيئة الذي يتحقق به السلام يقتضي التواؤم مع جوهرها الروحي ، مع مظهرها المادي.
وهو بذلك يكسب الفرد المقدرة على المواءمة بين حاجته وحاجة الجماعة التي يعيش فيها ، فإنه يعلمه ان ابعد حاجاته منالا ، ليس اليها من سبيل الا حب الجماعة.
«ان الشعب المربى هذه التربية هو الشعب الذي يستحق السيادة كاملة ونحن انما نعطيها في الدستور لشعبنا منذ الوهلة الاولى لأن ممارستها تجعل تربيته امرا ممكنا .. وليس هناك طريق لتربية أي شعب تربية حرة الا بوضعه امام مشاكله ، ومحاولة اعانته على تفهمها ، والتفطن الى طرائق حلها بنفسه ، حتى يضطرد تقدمه الى تحقيق الديمقراطية المباشرة» الاستاذ محمود محمد طه.
فالمظهر العملي للتناقض بين الارادة الإلهية ، وإرادة البشر ، هو التناقض بين الانسان وبيئته ، بالمعني العام والشامل للبيئة ، وهكذا يصبح السلام هو التواؤم بين الانسان والبيئة.
فلكي يكون الانسان في سلام حقيقي لابد ان يكون امنا على مستقبله وعلى مستقبل من يهمه امرهم من الآخرين.
المستقبل دائما مهدد ، بصورة حاسمة وفظة بالمرض ، والعجز والشيخوخة ، وبالموت ، هذا الموت الذي دلت تجربة البشرية الطويلة على أنه لا يمكن تفاديه بشتى الحيل ..فلا يمكن لسلام داخلي حقيقي ان يتحقق الا بعد المصالحة مع الموت .. بمعرفة حقيقية ، بصورة تؤدي الى الاطمئنان له ، أو على الاقل الاطمئنان الى أنه ، ليس صيرورة الى العدم فاذا كان الموت صيرورة الى العدم ، تصبح الحياة لا معنى لها ، ولا طعم .. فما من نفس الا وتطلب الخلود وتحطم به ، وتعتقد فيه ، كان هذا الاعتقاد مشعورا به في العقل الواعي ، او كامنا في العقل الباطن .. ولولا ان هذا الاعتقاد يعمل فينا شعرنا أو لم نشعر لاصبحت الحياة جحيما لا يطاق.. ولكن هذا الشعور وحده ليس كافياً لتطمئن النفوس ، وتحقق السلام الداخلي ، فهو شعور تكتنفه الشكوك فالنفوس عليها ان تستيقن ان الموت ليس صيرورة الى العدم ، حتى تطمئن .
فتحقيق السلام ايضا يقتضي اقامة بنائه على ارض ثابتة في الفكر والشعور عند الافراد ، وهذا الى جانب المذهبية يحتاج الى منهاج عملي وعلمي تفضي ممارسته الى تغير الانسان من داخله ، وترويض النزعات الحيوانية عنده ، بما يفضي الى توحيد شخصيته وسلامتها من الصراع الداخلي والانقسام.
ان السلام والديمقراطية كلاهما منهاج حياة ، ومن خلال العمل التعبدي كذلك يصير الدين اسلوب حياة ، ويقتضي التعليم والتعليم يقتضي المعرفة باصل البيئة : الطبيعة والبيئة الاجتماعية ، وكيفية التواؤم معها وهو تواؤم يبدأ العمل فيه ، ولا يتم الفراغ منه حسب مستجدات الحياة فإن اقامة حكومة القانون في حياة الجماعة العامة تتحقق على خير صورها اذا كان كل فرد من افراد الجماعة يقيم حكومة القانون في حياته الخاصة ونحن لم نجد هذا الاسلوب التربوي الا في القرآن.




http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147502255&bk=1
__

Post: #211
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 11:47 PM
Parent: #210



حتى لا نزداد طمعاً بأوهامنا «1-2»
أ.د. عبد الله عوض عبد الله
قضيت رحلة العمر كلها في يوم واحد ممتد، بين التعليم والتربية واهوال الحرب وطموحات السلام.
وفي كل مقالاتي السابقة بصحيفتي «الحرية» و«الصحافة»، كنت اعبر عن اشواق دفينة للحياة الحرة الطليقة، واليوم اسعى لربط كل هؤلاء برابطة تساهمية مع السلام الحقيقي-الداخلي والخارجي- ووحدة الوطن.
لقد تطور المجتمع البشري بين أهوال الحرب وطموحات السلام، حتى صار الى ما نحن عليه الآن، وتطورت قوانينه، واعرافه، وقيمه الدينية والمدنية، فتطور نظام السلطة فيه، وانتشر العلم والتعليم، وزاد الوعي.. ورغم ذلك لا القانون، والعلم والتعليم، ولا الدين حد من العنف والحرب.. بالرغم من قول الله تعالى: «قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين، يهدي به الله من اتبع رضوانه سُبل السلام، ويخرجهم من الظلمات الى النور بإذنه ويهديهم الى سراط مستقيم» المائدة «15-16» صدق الله العظيم .
ان الامر مرتبط بالفكر وحرية الفكر ويقتضي عملاً علمياً شاملاً يحتاج الى عمق في الفكر، وقوة في الادراك، وسعة في الثقافة.. وتلك امور لم يكن حظ جميع الناس فيها موفور.. في الزمان والمكان الحاليين على الناس ان يروا بعيون جديدة، ويفهموا بعقول جديدة، قبل ان يتمكنوا بحق، من التحول الى طرق جديدة للتعليم والمعيشة وحتى تكون القيم العالمية في فهمهم، وفي نظرهم، هي حجر الزاوية، في ادارة مجتمعهم وشؤون المجتمع العالمي.
نجد في الساحة السودانية والعربية والاسلامية بشكل خاص وفي العالم اجمع بشكل عام، ان الاحباط قد اصبح هو العامل الاساسي للصراع القائم اليوم، وان جميع الاسباب التي تذكر للحروب، لها وجهها من الصحة، ولكن الذي يعنينا هو كيف توظف معرفة هذه الاسباب لخدمة قضية السلام.. وحتى تلك الصور من الفضائل المنسوبة للحرب، قد تجاوزتها الحرب الحديثة، فلم يعد لها مكان فيها.. فلم تعد الحرب الحديثة، تحتاج الى الشجاعة، كما كان الحال بالنسبة للحروب التقليدية القديمة.. اما الحرب الحديثة بالسلاح الحديث، فقد اصبحت تقوم على العلم، وعلى التكنولوجيا والهدف يتم تحديده في الخارطة، وعلى السلاح بعد اطلاقه وفق الحسابات العلمية المطلوبة، ان يقوم بالباقي فالامر اصبح امر علم وتكنولوجيا وليس امر شجاعة، وامر السلاح نفسه لم يعد يحتاج الى قوة جسدية بقدر ما يحتاج الى علم ومران على استخدام تكنولوجيا السلاح.
معركة كرري في السودان، تلك المعركة التي دارت بين الجيش الانجليزي الفاتح، وقوات انصار المهدي في عام 1898م فقد كان الانصار شجعانا شجاعة كبيرة مستمدة من عقيدتهم.. ولكن في الواقع رغم شجاعتهم المشهود بها، حتى من خصومهم، لم تحتاج هزيمتهم لاكثر من جزء من النهار.. ولكنهم كانوا اشجع من مشى على وجه الارض.. كما قال عنهم تشرشل.
ولقد ترك لنا الانصار اثراً معبراً جداً، عن طبيعة التغير الذي طرأ على الحرب، هو عبارة عن مدفع به اثر من ضربة سيف!! فهذا الاثر يدل على شجاعة، ولكنها شجاعة يائسة مغلوبة على امرها لا امل لها في النصر الا عند الله.
ان القوة النووية الموجودة بالفعل في العالم اليوم، كافية تماماً لتدمير الحياة على الكرة الارضية، وان اثرها من خلال الاشعاعات يطال اجيالاً ينتظر ان تكون قادمة في المستقبل.. وهذا امر جديد تماماً على الحضارة البشرية، فلم يحدث في التاريخ قط امر مشابه، لهذه الامكانات لتدمير الحياة على الارض عن طريق الحرب.
والنتيجة لهذا التطور الرهيب في السلاح هي انه جعل السلام، ولاول مرة في التاريخ ضرورة حياة او موت، كما ادى الى ابطال دور الحرب كوسيلة لحل المشكلات، وقام بالغاء دورها الايجابي في التفاعل الحضاري الغاءً تاماً. كما فقدت الحرب، والعسكرية اية فضيلة لهما.
ان السلاح وسيلة غير طبيعية لحل المشكلات، واي استخدام للعنف كوسيلة لحل المشكلات، هو بالضرورة، ومهما كانت ايجابية ينطوي على سلبيات كبيرة، وخطيرة، فهو تعبير عن قصور الفكر ونقص القيمة، ويقوم على الخوف، واسلوب يقوم على الخوف والتخويف ليس اسلوباً سوياً وان اقتضته بعض الظروف، لا يمكن ان يكون الحل الذي ينبني عليه، حلاً نهائياً وكاملاً، فكما يقال: «ان الشئ الذي لا يمكن تحقيقه بالحراب، هو الجلوس على رؤوسها» فالآلة التي تستخدم لانتزاع الحياة، لا يمكن ان تكون هي نفسها وسيلة حفظ الحياة.. والقاعدة، فما يكن اليوم صحيحاً، يصبح غداً خاطئاً.
وحتى لا نزداد طمعاً بأوهامنا، علينا ان نربط التعليم بالتربية والبيئة برباط وثيق، كما لا يمكن ان يكون هناك تعليم وتربية بدون سلام.. حتى اذا انتشر العلم والتعليم وزاد الوعي.. يستطيع الناس ان يعيشوا تحت ضوابط القانون «الدستور» والتربية في سلام.. لان الحرب تمثل منطقة الانانية السفلى عند الانسان في حين ان منطقة السلام هي منطقة الانانية العليا.. فليس لاحد على الاطلاق الآن مصلحة حقيقية فيها، وليس فيها خير تقدمه، وهذا مما يجعل ذهابها محتوماً.. فالحروب كلها عبر التاريخ بما حققته من تغير لاوجه الحضارات ومكاسب، فإنها من وجهة نظري «كما قيل» لا تساوي حياة رجل صالح واحد. كذلك نربط بين التعليم والتربية والبيئة حتى يكون السلام والاسلام وجهين لحقيقة واحدة، فتعليم بلا تربية وبيئة صالحة لا يورث من بعض الوجوه غير الحروب والشقاء والدمار.
نواصل بإذن الله تعالى



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147502023&bk=1
___

Post: #212
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 11:49 PM
Parent: #211


لله في خلقه شؤون
بسؤالكم عن لماذا خلق الله امريكا؟ انعقد مجلس الفتوى والبحوث بهيئة ونسة الشعبية للاجابة عن هذه الاسئلة ، فنقول بعد ان نثني على الله ونصلي ونسلم على سيدنا محمد، ان هنالك ادلة شرعية من القرآن والسنة وجمهور العلماء وما عليه عمل اهل المدينة. اما الدليل من القرآن: «لنبلونكم بالخير والشر فتنة». والشر اميركا ولذلك خلقت من اجل البلوى. وقال: (صلى الله عليه وسلم) «عجباً لأمر المؤمن أمره كله خير ان اصابته نعماء شكر وان اصابته ضراء صبر ، حتى الشوكة يشاك بها فتكون له كفارة»، فالضراء هنا اميركا وهي الشوكة وذات الشوكة (لا بتنبلع لا بتفوت).
اما جمهور العلماء من السنة: فانها عندهم من المخلوقات التي سخرها الله لخدمة البشرية من صنع واعمال سخرة فكرية.
اما جمهور الشيعة:
فعندهم اميركا الشيطان الاكبر ومعلوم ان الله خلق الشيطان لاقعاده في صراط المؤمنين للغواية.
اما جمهور العلماء غير السنة وغير الشيعة:
1- محمود محمد طه: اميركا هي المسيح الدجال لانها تملك عين واحدة وهي المادية وانه ليس هنالك مسيح دجال ولا حاجة، ووافقه بذلك الشيخ الترابي بندوة بورتسودان. والله اعلم.
اما عامة المسلمين:
فقال احدهم انه نموذج من يوم القيامة خصوصاً مناظر (جوالاتناموا) وابو غريب.ومنهم من ذكر ان لها مدلولا لغويا فمفكوك اميركا هو امي ريكا والريكا تعنى حسب المثل الدارفوري (الفنقل الريكة) = الماعون الكبير، اي امي ماعون كبير لا يملأ وفاضي ، واستحسنه علماء اللغة لتطابق المعنى مع قرعة اميركا حول بترول العالم وحفرة النحاس واليورانيوم.
تفاسير:
لماذا أصيب العالم بانفلونزا الطيور؟
هنالك اقوال راجحة ومرجوحة ومجروحة.
الراجح من القول:
عندما رأت الطيور البشر داخل اقفاص (جوالاتناموا) أبو غريب قررت:
الموت في الفضاء بالرصاص خير من دخول الاقفاص.
اما الرأي المرجوح:
فهو رأي الطبيب البيطري بعد ان علق (مناظيره) فوق رأسه وقال: (ان الذي أدى الى ذلك هو ازدواجية المعايير التي يعامل بها «بوش» الحيوانات ، فرأت الطيور انه يقصدها شخصيا بتدليله لكلبته مع ان منزله يحتوي على (صقر) و(دجاجتين) فاذا بحكيم الطيور يربط ذلك بالعرب لما عرفوا عنهم بتربية وحب الصقور ورأوا ان بوش يعامل الغرب والكلاب بمعيار يختلف عن الذي يعامل به العرب فعرف مصير العرب وعلم ان الدور قادم اليه من ابادات وحروب استباقية فقرر ان يثأر لجنسه من العرب والطيور.
المجروح
القول المجروح وهو لصاحب (خبيث المدينة).
ان المشكلة تكمن في التخلف في عالمنا الثالث وان المرض لا يعدو ان يكون مرض سمير ولكن ترك مهنة البيطرة والاتجاه لغيرها من مسببات المال والشهرة، بمتلازمة أنفلونزا الطيور رغم أنف لونزا وكوندليزا.
والله أعلم.
أبو خطاب



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147502046&bk=1
_

Post: #213
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 11:50 PM
Parent: #212



الدكتور عبد الله علي إبراهيم في منبر (الصحافة) (1-2)
تسويق القضايا عن طريق التأليب يترك هرجاً في المفاهيم
قضية فلسطين تصوّر على أساس أنها قضية العرب فقط بينما هي قضية استضعاف
* استضاف منبر «الصحافة» مطلع الاسبوع الماضي الدكتور عبد الله علي ابراهيم في محاضرة تركزت حول ما اسماه بالهرج المفاهيميي الذي يصرف الناس عن قضاياها الاساسية ويلهيها عن عدالة قضيتها ضاربا امثالا بقضايا «الابرتايد» و«الفصل العنصري» و«معاداة السامية» متخذا من القضية الفلسطينية نموذجاً وتحدث عن الخلط المفاهيمي باعتبار انه يمكن ان يؤلب الناس تجاه قضيتهم ولكنه يؤدي في نهاية الامر الى ضياع القضية الاساسية ونقدم فيما يلي الجزء الاول مما دار في المنبر.
رصد: أحمد عوض
استهل د.عبد الله محاضرته قائلاًَ:
* أنا اتساءل منذ مدة عن لماذا هي قضية سنة 1948م وايضا عن مفاهيم كثيرة جدا تلغي لدينا عملية التفكير، على سبيل المثال انا كنت اسمع من بعض زملائنا واصدقائنا في الحركة الشعبية المعارضين والناقمين على هذا النظام يصفون السودان بنظام الابارتايد وهذا خطأ كبير، اذا ما تكلمنا عن المفهوم ما هو الابارتايد، وما هي العنصرية، لانه هناك مفهومين يجب ان يفرق بينهما، يوجد فصل عنصري، ويوجد ابارتايد، الابارتايد هو موضوع العرق في المجتمع المعين الذي فيه عنصرية، ولذلك في دولة الفصل العنصري، يحدث الفصل فيها فهو يحدث في دولةذات حدود وسيادة، اما الابارتايد فهو يحدث في دولتين، وهذا هو مشروع الابارتايد في جنوب افريقيا ولذلك سمي بهذا الاسم «ابارتايد» مشتقة من كلمة (apart) الانجليزية، وبذلك يصبح أي وصف للنظام في السودان بانه نظام «ابارتايد» هو غير صحيح وفيه حرج، يمكن لهذا الحديث ان يسوق قضيتك في العالم الغربي ولكنه مصطلحيا لا يمكن، ذلك لان هناك جيش يقاتل، والناس تنادي بالدولة الواحدة ينطبق المصطلح في حالة واحدة فقط عندما ينفصل الشمال وينفصل الجنوب على اساس العرق فقط، هذا من ناحية ايضا كلام عن الاستعمار الداخلي، وهذا ايضا من الهرج في المصطلحات، هنالك البعض يقول ان هنالك جلابة يستعمرون الناس في السودان، وحتى نعالج دعونا نذهب للمصطلحات، ما هو الاستعمار، الاستعمار هو بلد يغزو بلدا آخر، والاقلية من البلد الغازية تحكم الاغلبية من السكان المغزوين المغلوب على امرهم، أهم شيء في الاستعمار ان سياسة البلد المغلوب تدار من مركز امبريالي بعيد، ونعني البلد الغالب اي تدار من لندن مثلا، فالقطن تتم زراعته هنا لينتفع به صناع النسيج في لانكشير ويوركشير بانجلترا ولذلك الاستعمار يفترض بلدين، بلد غالب وآخر مغلوب، الامر الآخر في الاستعمار ان البلد الغالب يستحقر المواطنين المحليين ويفترض انهم قصر وانهم يحتاجون الى رعاية والى تمدين والى كذا.. وهذا لا ينطبق علينا هنا، الا مجازا او بحثا عن عبارة لافتة وجاذبة لتسويق قضية ما في العالم الغربي، والسؤال هو هل نحن سوف نراجع امر هذه الكلمات مصطلحياً، وهل الصحفي او الكاتب عندما يجد له كلمة براقة ومؤلبة ومهيجة سوف يجري خلفها حتى النهاية؟!. ذلك لانه لا يساعد على ايقاف الهرج، لا يعين الناس على توطين المزايا والمثل، ايضا لا يساعد على الخلاف بذكاء يعني بالمثل البلدي (عايرة وادوها سوط) هذه المقدمة تقودني للحديث عن عام 1948م وانا حزين جدا لان قضية فلسطين كأنها قضية العرب، وينتهز البعض الفرصة اذا ما كانوا غاضبين على العرب للكيد بهم باستخدام هذه القضية، ونحن ننشأ على ان القضية الفلسطينية قضية عربية بل ان من اخطر الاشياء على القضية الفلسطينية الرجعية العربية، ذلك لانني اعتقد ان الملوك والاباطرة العرب هم دعاة الاستيطان الاستعماري، فمن اين اتى المفهوم الذي يقول ان قضية فلسطين هي فقط قضية العرب وليست قضية مستقلة او يتراوح فيها العرب ما بين مندفع، وما بين موافق، ومطبع الى آخره.. حتى لو لم يعلن المواطن العربي ذلك، ولكن في حقائق الثروة في حقائق المال والبترول، من حلف بغداد وحتى الآن بطريقة او بأخرى يدعم الوجود الاسرائيلي في البلد.
هنالك ملابسات، فمتاعب الجماعات العربية الحاكمة، سواء كانت الجماعة العربية الاسلامية الحاكمة في السودان، سواء كان في مصر، في الجزائر، او موريتانيا، فقد اتخذت التشفي وسيلة، كثير من الحكومات العربية كانت نازية ليس لانهم يؤمنون بفكرة النازية ولكنهم كانوا نازيين بالتشفي لان هتلر كان يتشفى لهم من بريطانيا وفرنسا، هذه نقطة، النقطة الثانية نحن انتقلنا من عروبة القومية العربية سواء كانت تلك التي نادى بها عبد الناصر او غيره الى عروبة جديدة وهي عروبة الكفيل، البعض منا ذهب ووجد العرب كفلاء لأول مرة، الناس تعرف العروبة سواء عند طه حسين او العقاد او غيرهما، ثم ذهبوا ورأوا الكفيل لأول مرة، وحقيقة ان هذا وضع غير عربي، وضع امبريالي، وضع رأسمالي، سمه ما شئت، الناس رأت عروبة الكفيل ورأت الاهانة وما يصاحبها من انبعاث لتراث ان الشخص اسود، واشياء كثيرة جدا والعربي الكفيل هذا لم نكن نضعه في أس القضية الفلسطينية هذه الاشياء كلها بالاضافة الى انه من الواضح ان الحركة الشعبية قد ورثت نوعا من التعاون سواء كان بالتصريح او التلميح، او بالتعاون الواضح وذلك كان واضحا في زمن جوزيف لاقو، وهذا يحدث في اطار العلاقات مثلا شخص كالقذافي يعطي سلاحا للحركة الشعبية، السعودية نفسها في طور من الاطوار كانت تدعم الحركة. ويمكن ان تحدث مثل هذه الاشياء في السياسة. انا اعتقد ان الحركة يجب عليها ان تعرف كيف تتآخى معنا ليس كمسلمين وعرب بل كتقدميين وعرب وفلسطين وقضية الاستيطان الاسرائيلي بوصفها قضية انسانية، وقضية استعمار وقضية حق وحقيقة نحن لا نريد فقط من الناس ان تقف معنا لانها قضية عربية ولكن نريدهم ان يقفوا معنا فقط كما قال الزعيم مانديلا «لانها قضية انسانية» عربية لانها صدف انها عربية وكانت يمكن ان تكون هذه القضية افريقية، ذلك لان واحدة من الاقطار البديلة لليهود كانت يوغندا، ولذلك يجب ان نتحقق من هذه الحقائق ونكون فيها واضحين.
اعود مرة اخرى الى عام 1948م واتحدث عن حقائق الاستضعاف في العالم، وكنت قد طالبت في ندوة من قبل ان الذكرى للشهيد قرنق تحيا بواسطة مركز للاستضعاف، لان ذلك هو ما يجمعنا فنحن مستضعفين ذلك لانه في حالة العراك الدائر بيننا تنتفي منا هوية المستضعفين وتصبح هناك تصنيفات هذا مستضعف من الدرجة الاولى وهذا من الدرجة الثانية وهكذا.. وهذا مدخل قد يساعد الحركة الشعبية او الحركات الاخرى المعارضة ان يأتوا منه، ومن هذه الدروس الناس تعود الى التجربة الاسبانية، حقائقها ودقائقها ومستخلصاتها، ومن ضمن الكتب المهمة التي قرأتها في هذا الصدد كتاب مهم وهو كتاب «لافت للانظار» يقول ان المسلمين والعرب صنعوا حضارة في اسبانيا وهي حضارة جامعة وقد آخت اليهود بشكل خاص والمسيحيين الموجودين في اسبانيا بواسطة نظام حاليا الناس لا تحبه وهو نظام الذمة، تصوروا بسبب نظام اهل الذمة الاسلامي الفقهي، الملوك في الاندلس استطاعوا ان يقيموا نظاما عادلا، لان هذا النظام يعترف على الاقل بان هناك آخر عنده وضعية وهذه الوضعية مقننة، مهيأة في جوانب كثيرة منها ولكنها على الاقل انت تتآخى وتتعرف على الآخر، والآخر مصان، في حياته وماله وولده، ولذلك ازدهرت الثقافة وتمازجت وظهرت حكاية الموشحات والفنون المختلفة والقصور والمعمار، وانا سمعت هذا الكلام من حسن الترابي الذي قال لي ان في الاسلام هناك قانون على الاقل يحكم علاقة المسلمين بالآخرين، الغرب ليس لديه مثل هذا القانون ليس له اي شيء ملزم تجاه الآخر، ولذلك نجد ان كل استيطاناته واستعماراته بازالة الشعوب، حتى تفتقت في ذهنه المواثيق الدولية، ولذلك فان الغرب خلف المواثيق الدولية، من حقوق انسان، الخ.. الا نحن كمسلمين عندنا هذا الميثاق النفسي ويمكن ان يتطور، والواقع ان الغربيين يكتبون من واقع الحضارة العربية والاسلامية في الاندلس، المسألة الثانية الدولة الاندلسية تشير الى نشأة الدولة القومية الطالبة للخلاص وايضا استعمارية، وذلك عندما استرد المسيحيون بلادهم في جزيرة ايبيريا طلبوا من كل شخص ان يحول دينه للمسيحية، بعد كل ذلك حتى الذين حولوا دينهم تم طردهم من البلاد كلها فحدث خروج اليهود والمسلمين من اسبانيا نشأت دولة الصفاء العرقي، لا على التمازج والتخالط لا تعامل مع الآخر بذمة او بغير ذمة، عقب ذلك مباشرة قامت دولتا البرتغال واسبانيا وبدأت حركة الكشوف الجغرافية واعقبها انتشار التجارة والسفن في العالم وبداية الاستعمار هذه حقائق عن قيام الدولة القومية في الغرب وأصل الامبريالية..
فنحن ضحايا قيام هذه الدولة في الغرب، في جنوب افريقيا تم تطبيق هذا عام 1948م عن طريق حكومة الابارتايد دولة خالصة للبيض، اسرائيل هي نفايا الدولة الوطنية القومية لان اوروبا لم تعرف كيف تصنع مع اليهود فقد قتلتهم في الهولوكوست، في القوقاز في روسيا، في افران الغاز في ألمانيا، الخ.. نتاج لذلك ظهرت الحركة الصهيونية، ولم تتقو الا بالنازية، ولذلك لفظت الدولة القومية في اوروبا اليهود وتم ما تم من اتفاقيات (وعد بلفور) الذي منحهم وطنا في فلسطين، كان يمكن ان يتم استيعابهم كمواطنين عاديين في اي بلد هم فيه، بنفس المستوى في جنوب افريقيا قامت حكومة البيض بمثل هذه النظافة وخلقت مجتمعا يقوم على الفصل العنصري وبذلك خلصت، سواء في افريقيا او في العالم العربي او في اي مكان في العالم ضاق الغربيون بالآخر فتخلصوا منه، وهذه ثقافة نازية وتتمثل في الحل النهائي لمسألة العرق بالاستئصال هذه الاشياء يجب ان نضعها في الاعتبار لاننا نتورط في عداء للسامية وهي اشياء ليس لدينا بها اي علاقة، مثل بروتكولات صهيون وغيرها، لان العداء للسامية هو عداء اوروبي وليس لنا به اي دخل فالعرب ساميون في آخر الامر، ولا يمكن ان يكونوا اعداء لانفسهم، وبروتوكولات صهيون هي اشياء مزيفة ومزورة وهي جزء من العداء الاوروبي للسامية وهي اشياء وضعها الجوستابو الالماني، والقياصرة الروس للخلاص من اليهود، يجب ان لا تأخذنا الغفلة الفكرية وقلة الحيلة السياسية في ان نصدق اننا اعداء للسامية، نحن لدينا قضية واضحة وهي قضية وطن محتل وهو فلسطين اما العداء للسامية فهو مرض اوروبي تم تصديره لنا.
فنحن اصحاب حق ولكن يتم تضليلنا عنه بقضايا أخرى، المفكر العربي الوحيد الذي يعلمنا ان هناك حق لنا ولابد لنا من اخذه هو ادوار سعيد وكان يدعو في مؤلفاته الى ان تكون المقاومة الفلسطينية مقاومة فاعلة، وذلك بان تطرح هذه القضية في الغرب لان الغرب متهرب من هذه النفايات، وقد قال سعيد ليس هناك في امريكا تقليد لبرالي لنقد اسرائيل ربما لسيطرة اليهود الاقتصادية او حتى سطوتهم ولكن المهم في الامر ان التيار الغالب الذي يقود الرأي العام ليس لدينا فيه اي نصيب تماما وهذا بالتالي يعطينا تكتيك جديد للتعامل مع القضية بدلا من تبني قضية العداء للسامية، انت في اوروبا او امريكا يمكن ان تنكر الله سبحانه وتعالى ولا احد يمكن ان يقول شيئا ولكن لا يمكن ان تنكر الهولوكوست لانك تصبح معاد للسامية، انا حاولت ان اقول ان القضية الفلسطينية ليست فقط هي قضية العرب ولكنها قضية معقدة ومعقدة ومركبة في الاستضعاف على نطاق العالم، ذلك لاننا بيننا كعرب ومسلمين هنالك من يقول ان اسرائيل هذه مالنا ولها، او ان محمود محمد طه، قال اصطلحوا مع اسرائيل، وحتى الآن القضية ليس في صالح اسرائيل ولكن القضية في يدنا نحن، وهذا لا يعني ان ترمي اسرائيل في البحر ولكن يمكن ان تحدث تسويات كثيرة فالامر لا يحتاج الى كل هذه الشرور واعتقد ان من القضايا ستكون اشكالية كبرى في السودان هي كيف تصنع مع اسرائيل، اذا كان هناك اناس يعتقدون انها قد ساعدتهم في قضيتهم فتصبح هناك مشكلة في اتخاذ القرارات بشأنها اليوم.
مداخلات الحضور:
* زين العابدين محمد محمود
انا اعتقد مثلا ما يحدث الآن في وزارة الطاقةفي جمهورية السودان من سيادة عنصر معين او قبيلة معينة في الوظائف اعتقد انه يمثل فصلا عنصريا، او ان يسيطر حزب على بلد ويستفيد من مواردها لصالح منسوبيه، اعتقد انه فصل عنصري، لم يعد الفصل العنصري بالمعنى القديم للكلمة؟!
- الدكتور عبد الله علي ابراهيم
انا في الحقيقة اريد ان اتحدث عن مصطلحات مثل الاستغلال والفساد والطبقية، فاذا كنت انت كل هذه شملتها في الفصل العنصري فانت تكون قد اسقطت كل هذا من حساباتك، وهذه ممارسات استغلال واستحواذ ويمكن ان تقول: (Jenoside) احد الكتاب العقلاء الذين كتبوا عن مشكلة رواندا، وتحديدا عن الـ (Jenoside) هذه المسألة اذا ما قتلوا عشرة آلاف او مائة ألف يعني ذلك تطهير عرقي، اشار هذا الكاتب الى ان كل من قتلهم ستالين مثلا في روسيا لا يمكن ان يكون تطهير عرقي، ان ذلك كان صراع سياسي التطهير ان تقصد قتل الشخص بسبب ذاته او عرقه على سبيل اذا كان هو افريقي فيجب ان تقتله لهذا السبب بان تستأصل شأفته، ولكن ان يكون خلاف حول موضوع ما ان تكون هناك ديمقراطية ان تكون هناك رأسمالية ان تكون هناك اشتراكية ويتم قتلك فان هذا القتل تم بسبب قرارك السياسي. انا قدمت هذه الامثلة لكي نحاول ان نستثمر كل المصطلحات من باب الوعي ومن باب العقل، وليس من باب التأييد للقضية، ويمكن ان تكسب ولكن تكون قد هرجت، وانا فرقت بين الابارتايد والفصل العنصري، الابارتايد يتم على حساب الامة الوطنية على حسابها لانه يقسمها الى اثنين او ثلاثة او اربعة. الفصل العنصري الذي انت قلته سواء في وزارة الطاقة او غيره يتم في الوطن الواحد فهو يحدث ويستنكر ويكافح ضده، التعريف الذي اريد ان اقوله انه يحدث في بلد موحد، وانا اتيت بمدخل الابارتايد لان بعض اعضاء الحركة الشعبية كان يشير في ادبياتهم الى ان ما يحدث في السودان كان ابارتايد، وهذا لم يحدث في السودان لان الدولة الاسلامية التي كانت مجيشة جيوشها وجهادها لم تكن تريد ان تفصل السودان.
وهذا لا يخلق علم بمواجعنا وقضايانا ومشاكلنا في السودان، وانما يخلق هرج في المصطلح وكل شخص يستفيد من الهرج وبالذات غياب المفاهيم وكل الحدود الفاصلة وهو ما اشكو منه.
امل هباني:
- ما هو شكل السيناريوهات المقبلة على السودان من الوجود الاسرائيلي، خاصة وانه سوف تكون هناك علاقات بين حكومة جنوب السودان واسرائيل؟
نور الدين مدني:
- ألاحظ ان الدكتور ركز على المفاهيم في حين ان المشكلة الاساسية هي مشكلة سياسية، وهل يعني اننا يجب ان نتصالح في اطار معالجة مفاهيم او معالجة سياسات للعدل والسلام الاجتماعي؟
حسن البطري:
- بالنسبة للمصطلح الا يمكن ان يتم تطوير استخداماته بحيث انه يمكن ان يستوعب معان جديدة تضاف اليه مثل الاستعمار مثلا، ثانياً، القضية الفلسطينية هي قضية انسانية ما الذي يمنع اضافة كلمة عربية، حتى تجيء كقيمة تفضلية تمنحني انا غير الفلسطيني شرف الانحياز اليها والتعاطف معها، ايضا مصطلحي الدولة الوطنية والدولة القومية ما هو الذي يميز بينهما؟
عمار محمد آدم
ان كلمة اسرائيل الواردة في القرآن لم تتحدث عن عرق ابدا ولكنها تحدثت عن سلوك لبعض الناس، فيه نقض للعهود والمواثيق، يعني الاخلاقيات عامة والماسونية هي الآن ذراع من اذرع الصهيونية وهي لها وجود في السودان المهم ان الشيوعية كانت مقدمة لما سيحدث في نهاية الامر لاسرائيل؟
ونواصل



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147500877&bk=1
_____________

Post: #214
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 11:52 PM
Parent: #213


شيبون وعبد الخالق: الشعر بفمه الأهتم . . وأنت بحفلات التأبين

د. عبد الله على ابراهيم
كتب أحدهم علي صفحات سودانيزأونلاين بالشبكة كلمة بعنوان «عبد الخالق محجوب ورفاقه أبطال من كرتون يحملون سيوفا من خشب» (12-4-05) قال فيها إن أستاذنا عبد الخالق محجوب ليس بشيء. وتوالت عليه تأكيدات الشيوعيين انه بشيء وأكثر. وأخذوا يسوقون في رثائه القصيدة بعد القصيدة في بيان ميزة الرجل. وهي قصائد أوسعوها المرحوم. وكأنما توقع كاتب سودانيزأونلاين منهم ذلك، فقال لهم انصرفوا بقصائدكم عني وقولوا لي «وبخشمكم الذي سيأكله الدود» من هو عبد الخالق في كلمتين أو ثلاتة. ويطلق أهل هذا المنبر بالانترنت على مثل سوق القصائد وكتب الزعماء من قبل اتباعهم مصطلحاً ذكياً هو «عتالة النصوص». واشتهر بها الجمهوريون من أنصار المرحوم محمود محمد طه، فما تغلط وتكتب ما لم يرضوه عن فكرهم، حتى عرضوا عليك نصوص الأستاذ كلها، بلا استثناء، حرفاً وشكلة.



وهكذا لم يعد أستاذنا عند الجيل الشيوعي الذي لم يشهد مأثرته عياناً بياناً سوى قصائد مادحة بينما احتكر خصومه نثر هجائه: عدو الخالق، صانع الانقلابات ومنكرها ثلاثاً، المنبطح على النصوص الماركسية، العاطل المنعم باسم الشعب، المستبد صاحب النظرات المفخخة يديرها فيصيب ويصيد، وشيخ الطريقة ذو الغارات يحرق بها من خاف على نفسه من منافستهم: الجنيد وقاسم أمين وخلق كثير. لقد قتل الشعر بفمه الاهتم أستاذنا عبد الخالق وقتله الشيوعيون بحفلات التأبين كما ورد في عبارة جيدة لود المكي في رثاء صديقنا الشاعر علي عمر قاسم.



ربما تأخرنا جداً في فك ارتباط مأثرة الشاعر الشيوعي محمد عبد الرحمن شيبون (1930- 1961م) عن مدونة المرحوم صلاح أحمد إبراهيم. فقد اقتصر علمنا بشيبون على ما كتبه صلاح عنه. وهي كتابة شحيحة و مغرضة. فلم يزد ما كتبه عنه من بيت شعر في قصيدة «أنانسي» (ديوان غضبة الهبباي) هجا بها صلاح أستاذنا عبد الخالق محجوب لدفعه شيبون للانتحار. واتصلت بالبيت تحشية اقتطف فيها فقرة من كلمة كان شيبون نشرها عام 1960م بجريدة «الأيام».



وظل هذا الاتهام لأستاذنا معلقاً فوق رؤوس الشيوعيين لا يملكون له صرفاً ولا عدلا. وهذا من سحر الشعر ووقعه. وقد ذكرني الأستاذ غازي صلاح الدين بالأمس بقول المتنبىء في التحريج من عداء الشعراء: «فإن عداوة الشعراء بئس المقتني». وبلغ بالشيوعيين الخزى من الأمر انهم لا يريدون لأمر شيبون أن «ينبش» في عبارة لأحدهم سألته في الأسبوع الماضي أن يدلي بما عرف عن شيبون. ولم يترك شيبون مجالاً لمستزيد حول هوية الذين ساقوه سوقاً إلى الانتحار، فقد كتب أسماء الشيوعيين الثلاثة أو العاطفين على الشيوعيين من زملائه المدرسين على مذكرة احتجاجه على الحياة التي وجدتها شرطة الحصاحيصا في جيبه على جسده المتأرجح من السقف. بل قال لي عبد الوهاب سليمان أنه كان قد بعث له رسالة في هذا المعني رسخت له منها عبارة جاء فيها: «بعنا لهم أنضر سنوات العمر بتراب الجحود». وقد كتب نفس الشيء لزميله الأمين أبو ممن تشرد معه من كلية الخرطوم الجامعية عام 1952م.
أريد في «جرد حساب» محنة شيبون الذي انشغلت به منذ أسابيع أن افرق بين تبعة مزعومة لأستاذنا عبد الخالق في انتحار الشاعر وتبعة حزبه. وهي تفرقة قصدنا منها أن تعين على الفهم الحسن لهذه المسألة المعقدة لا طمسها وتفريق دم شيبون بين القبائل. وسنرى كيف ميز شيبون نفسه بين من أحسن إليه من الشيوعيين ومن أساء.
اتفق الرفيق حسن سلامة والأستاذ عبد الوهاب سليمان أن أستاذنا عبد الخالق محجوب لم يكن يرتح لشيبون. بل ألمح لي الإنسان الشيوعي الحبيب حسن سلامة (طال عمره وخيره ونبله) من أن شيبون ربما دخل في مواجهات مع أستاذنا بحكم كتاباته الأدبية. ويرى حسن سلامة أن قصيدة «تذكر يا أخي» المنشورة بجريدة «الصراحة» هي موجهة إلى أستاذنا تذكرة له بوثاق القضية التي جمعت بينهما. ومن أسف إننا لم نقع بعد لا على القصيدة ولا ردة فعل أستاذنا لها. وسنترك مناقشة الأمر هنا حتى يتوفر لي أو لغيرى الوقوف على جلية الأمر. ووجب التنبيه مع ذلك الى أن ما يكتبه الكاتب مرة ليس هو رأيه في كل مرة. فقد نشرت أنا نفسي كلمة جافية بحق أستاذنا في عام 1968م ثم ما لبثت أن وجدتني أخطو خلفه في السكة الخطرة. وأحبه جداً.
ربما طمع أهل الفضل في دور أميز لأستاذنا في استنقاذ شيبون. ولكن الواقعية تقتضي أن نحاسبه على ما تمليه مسؤوليته في قيادة حركة سياسية آخذة في الاتساع وفي ملابسات نظام عسكري قيد من طلاقته.
تسنى لي لقاء الأستاذ محمد إبراهيم نقد خلال غملته الثالثة. ورميت له سؤالاً عن شيبون زميله على عهد حنتوب (1948م) وكلية الخرطوم الجامعية حتى فصلا معاً في 1952م بعد إضراب 17 نوفمبر من نفس السنة احتجاجاً على مناورات إنجليزية أتينا بطرفها في كلمة مضت. وقد استفاد نقد من بعثة عرضت للحزب من بلغاريا، بينما تفرغ شيبون لعمل الحزب. ثم أخذ شيبون للشراب مما لا يستغرب في ثقافة «القعدة» الوطنية والشيوعية مما سيكون موضوع حديث قادم. وافرط شيبون في الشرب. وخشي الناس عليه خاصة بعد فترة قضاها معتقلاً. وتدارس مركز الحزب مسألته واستقر الرأي على رفع تبعة التفرغ عن كاهله. وأوفد المركز استاذنا والمرحوم الشفيع أحمد الشيخ (أو المرحوم إبراهيم زكريا) لمناقشته في الأمر. وقال نقد أنهما عرضا عليه أن يذهب في بعثة دراسية إلى دولة بالمعسكر الاشتراكي أو يشتغل بالتدريس. وقد جاء شيبون بهذه الواقعة حرفياً في كلمته بجريدة «الأ يام» (1960م) التي أخذ منها المرحوم صلاح أحمد إبراهيم ما ناسبه في هامشه من قصيدة «انانسي» (غضبة الهبباي) وترك الباقي. وفي هذا الباقي المتروك يصف شيبون أستاذنا وزميله من المركز بالفضل لأخذه بعيداً عن مدرج سكة الأفندي المضاد الخطرة، وهي سكة إدارة الظهر لشغل الأفندية المأمون، ونذر النفس لقضية العدالة الاجتماعية. فقال: «ولن نعدم سلاحاً إذا كنا نحارب عواطف إنسان. ومن بعيد جاء الأهل بدافع من حرصهم وأجبروني على أمور روضت نفسي على قبولها. وكما ينحسر ماء النهر في فصل الجفاف تلاشت حماستي وتدثرت بحكمة الجيوش المنهزمة وبدأت أتراجع بانتظام. وتفضل ضابط مباحث فأجهز على البقية الباقية باسم القانون، واجتزت آخر المراحل بعون رجلين فاضلين. وكان ثاني اثنين منهما إذا هما في وفد مركز الحزب هو أستاذنا عبد الخالق.
ولم يعرض أمر شيبون على أستاذنا إلا القي السمع وهو شهيد. فقد حدثني الرفيق حسن سلامة عن انزعاجه لما آل إليه حال شيبون من انصراف إلى الشراب واعتكاف بالمنزل. وقد تقدم قولنا أنه كان بين سلامة و شيبون ود عظيم. وكان شيبون يتخذ سلامة قدوة ومثلاً. وقال سلامة أنه قابل استاذنا عبد الخالق بشأن شيبون، وطلب أن يصطحبه إلى الأبيض التي هي مقره كالسكرتير السياسى للحزب الشيوعي بمديرية كردفان. واستحسن أستاذنا الفكرة وأجازها. وأضاف الأستاذ عبد الوهاب سليمان أن شيبون أقام بمنزل السيد مكي عبيد الموظف بشركة مركنتايل بشرط أن يكف عن الشراب. وبملاحقة من سلامة دقيقة ورؤوفة. واستعاد شيبون نفسه السياسية والشاعرة في الأبيض. وما لبث أن تسلل عائداً إلى الخرطوم في ملابسات نأتي عليها في حديث قادم. وقال سلامة أنه لم يعلم برجوعه ولكنه أخذ يتفادى لقاءه متي كان بالخرطوم.
وصف شيبون لأستاذنا بالفضل كلمة صادفت أهلها. فأستاذنا، على نفاذ عقله ومتانته، رجل رقيق الحاشية يصغي للعوجة ويسد الفرقة. وهذا بعض تربيته. فقد توفيت والدته، أم النصر الحسن في عام 1944م، وهو في السابعة عشرة من عمره. وتركت صغاراً بين من هو في الرابعة ( المرحومة هدى) ومن هو في السابعة (محمد). وكان رحيل الوالدة الأميرة الدبيرة هزة لم يسلم البيت بعدها، وبخاصة والده الذي قطعت رأسه أبداً حتى وفاته في 1956م. وتولي عبد الخالق مع اخته آمنة رعاية الزغب والوالد. فكان يأخذ هدى إلي مدرسة الراهبات في طريقه لمدرستة هو، ثم يعود بها بعد الظهر. وكان هو الذي ردف محمد على العجلة وأدخله المدرسة الوسطى في حي العرب بمعرفة الرفيق آدم ابو سنينة وآخرين.
وعرف استاذنا عن كثب ما يجره خيار الأفندي المضاد، أي من تفرغ للعمل السياسي الشعبي وعمل في السكة الخطرة، على أسرة أملت أن يرفع من شأنها بأجر الأفندي الجزيل. فقد صبر والده على قراراته في السفر إلى مصر وهجران كلية الخرطوم الجامعية، ثم قراره الذي فاتح فيه الأسرة وهو تبني الشيوعية خطة في حياته، ثم اعتقاله في مصر. وآزاره الوالد بوجع لم يخف على أحد. ولما عاد مصمماً للتفرغ للعمل الحزبي زاد الأمر ضغثاً علي إبالة. واضطر أن يعمل بجريدة «سودان هيرلد» لفترة محدودة إرضاءً للوالد. وقالت السيدة فاطمة محجوب: «ولا انسي اول ماهية لعبد الخالق وكيف صرفت على كسوة العيد وشراء راديو وادخال الكهرباء للبيت».



وكان الانتحار بعض عاصفات حياة أستاذنا المركزية. فقد انتحرت أخته هدى في 1960م وهو رهين كوبر وأخوه محمد قعيد سجن الروصيرص. وحرموه أن يزورها في المستشفى وهي تلفظ انفاسها بين حرائق جسدها الفاقعة. وخرج من السجن لفراش البكاء. وكتب لأختيه، آمنة وفاطمة، رسالة من السجن يقويهما على نائبة الدهر ويستوحي من صبرهما قائلاً: «وإنني في هذه الظروف الشديدة الحساسية، أود ان اؤكد لكما عزمي المصمم على المضي في طريق الاستقامة والشرف. ولكنني ايضاً أؤكد لكما اننا سنشهد بزوغ الشمس في منعطف الطريق وسيبتسم محمد وهدي والجميع من حولنا». وقالت فاطمة لقد صدق واحتفل الحي كله معنا بثورة اكتوبر 1964م وخروج محمد من السجن. واتفق أهله أنه لم يبلع غصة هدى حتى فارق الدنيا.
وأستاذنا بكاء.. بكى يوم حمل نعي الرفيق خليل لإخوته في البيت في عام 1951م وقال أخوه محمد إنه لم يره يشرق بالدمع لا قبل ذلك ولا بعده. وتلك حكاية ترد.



http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147497122&bk=1
__________

Post: #215
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 11:56 PM
Parent: #1



--------------------------------------------------------------------------------

Dec 2, 2006


السيد الصادق المهدي ومشروع السودان الجديد : من يدعو للاستقطاب ؟ (1 ــ 5)
د . الواثق كمير
[email protected]
مقدمة:
شاركت في المؤتمر العام لاتحاد الكتاب السودانيين 19 سبتمبر 2006م ، بتقديم ورقة بعنوان السودان الجديد : نحو بناء دولة المواطنة السودانية ، وسعدت كثيرا بما لاقته الورقة من نقاش وحوار ، إذ حظيت باهتمام عدد من الكتاب والباحثين والمهتمين بمستقبل الوطن من جنوب وشمال السودان ، علي حد سواء ، وعقب عليها كثيرون من بين مؤىد لرؤية السودان الجديد ومضيفا اليها ، أو منتقدا لها بموضوعية ، بينما رفضها البعض مبدئيا وكلية ، ذلك بجانب من فضلوا إشباع رغبات ذاتية فطرحوا اسئلة (ظنوا انها محرجة) على شاكلة: هل توافق على زواج ابنتك من «جنوبي»؟ ولماذا اراد جون قرنق ان يحتسي القهوة في «المتمة» ؟ وهذا عرض «بره الزفة» ، وبذلك تكون الورقة قد حققت هدفها الرئىس الذي حددته في مقدمتها ألا وهو «اذكاء وإثارة النقاش والحوار حول مفهوم السودان الجديد» ، وللمضي شوطا ابعد بالحوار حول بناء دولة المواطنة السودانية والذي اقترحته الورقة ، يهدف هذا المقال إلي كشف اوجه القصور وتبيان مواطن الخلل في خطاب المعارضين لمشروع السودان الجديد والمناوئين له . ويقوم المقال علي فرضية أساسية مفادها أن المرء قد يتفهم موقف الرافضين للمشروع من السودانيين الجنوبيين فهم ، كما عبروا بصراحة ، لا يطمحون في وحدة السودان ، قديما كان ام جديدا ، ويتأهبون للتصويت «بنعم» لدولة جنوب السودان المستقلة في الاستفتاء المرتقب ، كما المس العذر للاستاذ الطيب مصطفي ، صاحب الانتباهة ، والذي ينأى جهرا بنفسه عن أىة وحدة مع السودانيين الجنوبيين ، بل ويتزعم منبر الانفصال في شمال السودان.
هذا المقال يركز على تعقيب السيد الصادق المهدي على الورقة في جلسة «افادات القوي السياسية» ضمن فعاليات المؤتمر العام لاتحاد الكتاب السودانيين والذي نشرته صحيفة «اخبار اليوم» في عددها الصادر بتاريخ 22/9/2006م وملاحظاته المكتوبة التي بعثت بها للاتحاد . ولعل حكمة اختياري للرد تحديدا على السيد الصادق هي ان تعقيبه قد صادف هوي في نفوس الداعين للانفصال ، من الشمال كانوا أم من الجنوب ، حتي ان الغم الذي اصاب الطيب مصطفي «جراء قراءة مداخلة د . بشير البكري علي ورقة الاكاديمي الشيوعي الواثق كمير حول مشروع السودان الجديد خاصة حول علاقة الحركة الشعبية بالدين والشريعة» (الانتباهة 28/9/2006م) قد زال عنه في اليوم التالي حين قرأ ملخصا لمداخلة الصادق المهدي الذي قال في مشروع السودان الجديد وورقة كمير أكثر مما قال مالك في الخمر ، بالرغم من أن الرجل لم يقل كل ما يعلم او كل ما ينبغي ان يقال : (الانتباهة 28/9/2006م) ، فهل اضحى السيد الصادق المهدي من اليائسين في وحدة السودان ومن الداعين للانفصال ولو بمواربة وعلى استحياء؟
وللاجابة علي هذا السؤال ، سيتبع المقال منهجا يقوم علي تحديد القضايا التي اختارها السيد الصادق بعناية وانتقائىة بعد انتزاعها من سياق مشروع السودان الجديد كما استعرضته الورقة ، فأصبح كمن امعن النظر في الشجرة فتاهت عنه الغابة ! فلا غضاضة في ان يختلف السيد الصادق مع مشروع السودان الجديد ، بل هذا متوقع ومطلوب ، ولكن الموضوعية تستدعي مقاربة المشروع كحزمة متكاملة من المبادئ الاساسية او بالمقابل طرح فكر مغاير او مشروع جديد لادارة التنوع والتعدد في السودان يحفظ له وحدته ويعامل كل اهله كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات ، وذلك بدلا من الاكتفاء بوصم المشروع وتصويره في جملة واحدة بأنه كان اشتراكيا ماركسيا في عهد التحالف مع مانقستو هايليمريم ، وصار في ظل تحالفاته الجديدة علمانيا ، انجلوفونيا افريقانيا كما جاء بالحرف في ملاحظاته المكتوبة ، بدون تحليل موضوعي او تقديم البراهين والادلة المقنعة ، كما استخدم السيد الصادق لغة عنيفة واسلوبا جافا تراوحت تعبيراته بين «يا هذا» (ويقصد الواثق كمير) و«حدية» و«قطعية» و «استقطاب سياسي حاد» فهو يرى ، كما جاء في هذه الملاحظات ان ما ورد في تصوير للسودان الجديد في الورقة فإنه مشروع استقطاب جديد ! فمن هو ، يا تري ، الذي يدعو للاستقطاب ويروج له ؟ سنجيب في بقية المقال على هذا السؤال.
السيد الصادق والسودان القديم:
يقول السيد الصادق المهدي ان «الورقة حملت على السودان القديم بصورة غير موضوعية» فهل هذا صحيح ؟ حقيقة ، لو لم اكن متأكدا بأنني الواثق كمير المعني لحملني الظن بأن السيد الصادق يتحدث عن ورقة كتبها كمير آخر ! فقد شددت في الورقة علي ان احد مصادر اللبس والتشويش حول مفهوم السودان الجديد في علاقته مع السودان القديم هو ان كثيرين اغفلوا اعتبارا منهجيا مهما في هذا الخصوص ، فالسودان الجديد ليس بنقيض للسودان القديم ، كما أن الرؤية لا تهدف الي هدم السودان القديم كلية وبناء سودان جديد على انقاضه كما ظن السيد الصادق وتوهم آخرون . فبناء السودان الجديد هو بالاحرى عملية «تحويلية» (Transformative) قوامها إحداث تغييرات اقتصادية واجتماعية جوهرية وإعادة هيكلة سياسية تستصحب كل العناصر الايجابية في السودان القديم مسترشدة بكل تجاربنا التاريخية والمعاصرة ، ومدركة بل ومؤهلة لمجابهة التحديات الضخمة للقرن الحادي والعشرين . هذا ما جاء في الورقة وبالحرف الواحد . كما ان السيد الصادق اساء الظن ايضا باعتقاده خطأ بأن مشروع السودان الجديد لم ينصف التجربة الديمقراطية ولم يعطها حقها ، إذ أن المشروع لا ينظر للسودان القديم إلا من خلال ثقوب الديمقراطية وتضخيم عيوبها وعثراتها ، وكأنما يضمر عداءً للنظام الديمقراطي في دوراته المتعددة ، فهو يرى أن الورقة اعتبرت كل التجربة الديمقراطية السودانية ظلاما متصلا خاليا من الايجابيات ، وفي رأيي ، يرجع سوء الظن هذا ، والصحيح سوء الفهم للقراءة الخاطئة والاقتراب المبتسر لمشروع السودان الجديد ، كما سأبين ذلك لاحقا.
اولا : بينما لم تفرد الورقة الا فقرة واحدة (ستة عشر سطرا بالتحديد) تعرضت فيها للحكم الديموقراطي وحقوق الانسان كأحد الدعائم الاساسية لمشروع السودان الجديد ، استفاض السيد الصادق في الدفاع عن النظام الديموقراطي عندما كان هو في سدة الحكم وخصص لذلك 60% من ملاحظاته المكتوبة ، وكأنما هو شخصيا المقصود بهذه الفقرة ! فاختار موضوع الديمقراطية وحقوق الانسان بانتقائىة ملحوظة من بين مجمل مكونات اساسية لرؤية السودان الجديد فصلتها الورقة في: 1) بلورة هوية سودانية متجذرة في تنوع المجتمع السوداني وتعدد ثقافاته واديانه واعراقه بدون استبعاد أى من المحددات الجوهرية في سياق عملية للبناء الوطني تستوجب إمعان النظر داخل السودان وليس خارجه ، واستصحاب تجارب الآخرين وصولا لتكوين أمة سودانية منفردة ، 2) تأسيس وحدة الوطن علي المجموع الكلي للعناصر التي تشكل جميعها التنوع التاريخي والمعاصر للسودان ولا تقتصر ، كالوحدة التي قام عليها السودان القديم ، علي عاملين اثنين فقط (العروبة والاسلام) بينما تجاهلت مكونات حيوية ومفتاحية اخري ، 3) إعادة هيكلة السلطة المركزية بصورة تضع في الاعتبار مصالح كل المناطق والقوميات المهمشة ، مع التشديد على لامركزية السلطة عن طريق اعادة تعريف العلاقة بين المركز والاقاليم ، 4) الحكم الديموقراطي الذي يقوم علي حماية حقوق الإنسان بحيث لا تكون الديمقراطية فيه صورية او مجرد اجراءات تعمل على استدامة المصالح المكتسبة لمجموعات بعينها أو وسيلة للتنافس على السلطة فحسب ، بل كنظام تنافسي لترسيخ الحكم الراشد وضمان توفير وتطوير الخدمات الاجتماعية لكل أهل السودان ، و 5) التنمية المتوازنة والمستدامة من خلال تطوير منظومة اقتصادية تضمن التوزيع العادل لثمار النمو وتضع حدا لكل اشكال التهميش والحرمان.
إذن ، يتشكل مشروع السودان الجديد من حزمة متكاملة من المبادئ الاساسية يقود انتقاء بعض منها ، أو اختزالها دون اعتبار لعلاقتها العضوية ببقية المبادئ وتفاعلها مع بعضها البعض ، إلى فهم خاطئ وقاصر ، فماذا نرجو من الديمقراطية إن لم تفض الي سودان تكون فيه المساواة والحرية والعدالة الاقتصادية والاجتماعية واقعا ملموسا يعيشه الناس ، وليس مجرد شعارات تردد دون محتوى ؟ وما معنى الديمقراطية ان فشلت في حسم قضايا البناء الوطني التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من جملة مبادئ السودان الجديد ؟ وهذا هو كل ما نتطلع اليه وندعو له ، فهل هذا يعين تجنيا أو تحاملا على ديمقراطية السودان القديم ، وهل يفهم القارئ من توصيفنا هذا للديمقراطية التي نصبو لها أن كل التجربة الديمقراطية السودانية لم تكن الا ظلاما متصلا ، كما ذهب السيد الصادق في تعقيبه علي الورقة ؟ وللمفارقة ، فإن السيد الصادق نفسه يعترف ، وعلي حد قوله بأن 1) «الديمقراطية لليبرالية التي مورست خلت من التوازن المطلوب وكفالة حقوق مشروعة لجماعات وطنية ، هذا العيب لحق بممارسة الديمقراطية الليبرالية في وطننا وفي بلدان كثيرة اخرى» ، و2) «مورست العلاقات الخارجية بصورة غير متوازنة مما انحرف بها بصورة تتطلب توازنا مشروعا ، فهل يكفل السيد الصادق حق انتقاد التجربة الديمقراطية ويحله لنفسه ، بينما يحرم هذا الحق على الآخرين ويحرمهم منه ؟
ثانيا :يأخذ السيد الصادق على الورقة أنها ساوت «بين احتكار السلطة في أىدي قليلة سواء كانوا ضباطا او احزابا او اسرا او طوائف ، هذه المساواة هي بالضبط استنساخ لحجة الشموليين الذين استباحوا بها التعدي علي حقوق الانسان والتسلط على رقاب أهل السودان . كيف يجوز لكاتب موضوعي ان يساوي بين نظام التزم بالحريات العامة وحقوق الانسان ونظام بدأ عهده بمصادرتها ؟هذا مثال صارخ آخر للانتقائية وانتزاع النصوص قسرا من سياقها التي وردت فيه عند استعراض الورقة للدعائم الاساسية لمشروع السودان الجديد ، ففي معرض التفسير للمقصود باعادة هيكلة السلطة ، قلت وبالحرف «وهذا يعني ابتداء إعادة هيكلة السلطة المركزية بصورة تضع في الاعتبار مصالح كل المناطق والقوميات المهمشة ، سواء أولئك الذين حملوا السلاح أو الذين ظلوا يعارضون بصبر وفي صمت ، وهذه هي الطريقة الوحيدة لإنهاء احتكار السلطة في يد فئة قليلة أيما كانت خلفياتهم ، وسواء جاءوا في زي الاحزاب السياسية أو أسر حاكمة أو طوائف دينية او ضباطا في الجيش» ، فهل يشير هذا من بعيد أو قريب ، او يستشف منه خلط أو مساواة بين اشكال الحكم المختلفة ، خصوصا بين نظام يكفل الحريات وآخر يصادرها ؟
في رأىي ، أن هذا الفهم الخاطئ يرجع ، بجانب قراءة خارج حزمة المبادئ الأساسية لرؤية السودان الجديد ، إلى الاختلاف بيني وبين السيد الصادق في تشخيص ادواء السودان القديم ، ومن ثم اسلوب وطريقة معالجتها ، فالعلة الجوهرية للسودان القديم ، بعكس ما يعتقد السيد الصادق ، لا تكمن فقط في شكل نظام الحكم ، مدنيا ام عسكريا ، ديمقراطيا أم شموليا ، (ولا يعني انها متماثلة أو متطابقة ، أو أن لا فرق بين نظام وآخر) إنما في الرؤية القاصرة للنخب التي آلت إليها السلطة السياسية بعد رحيل المستعمر وعجزها عن إدارة التنوع العرقي والإثني والثقافي للمجتمع السوداني ، إذن ، فسياسات النخبة الحاكمة هي المحك ، وليس شكل الحكم ، فقيادات تاريخية مثل تيتو ونكروما وجمال عبد الناصر وليبولد سنغور ، لم تحكم من خلال انظمة ديمقراطية ولكنها نجحت في خلق اطر قومية لتأسيس الدولة - الأمة ، وظلت شخصيات تمجدها شعوبها ويذكرها التاريخ ، فأزمة الهوية الوطنية ليست بظاهرة سودانية فحسب ، بل افرزتها نظم الحكم في اغلب انحاء القارة الافريقية ، فقد انتهجت النخب الحاكمة ، مدنية ام عسكرية ، سياسات افضت الى اقصاء قطاعات واسعة من أهل السودان من المشاركة في الحكم وبالتالي تهميشها في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية مما حرض المهمشين الي اللجوء للمقاومة ، إذ لم تعد هذه القطاعات الواسعة مشاركة أو صاحبة حق في حكومات يفترض انها تمثلها ، إن المهمشين ، وليس مشروع السودان الجديد ، هم الذين يساوون بين نظام الحكم الذي يكفل الحريات وذلك الذي يصادرها ، فالنظامان عندهم سيان طالما احسوا بالاقصاد وتذوقوا مرارة الاستبعاد ، فإن تحدثت الى المستضعفين في اصقاع السودان النائية عن الديمقراطية فلا شك سيقولون «ما نوع هذا الحيوان !» فدائما ما تنتهي السلطة بيد مجموعة أو مجموعات معينة من شمال السودان ، وهذا ما وصفه الراحل قرنق «بالصدف التي لا تحدث صدفة» ! فهل تجاوزت الموضوعية وتخطيت حدودها كما يرى السيد الصادق المهدي ؟ لا اعتقد ذلك ، فالسيد الصادق نفسه اعترف كما ذكرت سابقا وبالحرف بأن «الديمقراطية التي مورست خلت من التوازن المطلوب وكفالة حقوق مشروعة لجماعات وطنية ، هذا العيب لحق بممارسة الديمقراطية الليبرالية في وطننا وفي بلدان كثيرة أخرى».
ثالثا : من فرط سوء ظنه في مشروع السودان الجديد كنقيض للديمقراطية ، يرى السيد الصادق أن الورقة تحدثت عن «السودان القديم بمظهريه من 1956 الى 1989 ومن 1989 الى 2005م ، جامعة بين المظهرين في ليل ظلامي واحد ، هذا تحامل جائر لأنه تجاوز عن سياسات وممارسات نظام مايو الظلامية ، وسياسات وممارسات نظام «الإنقاذ» الدموية وألحقهما بعهود ديمقراطية خلت من تلك السياسات والممارسات ، كما ان الورقة على حد قوله حاكمت النظام الديمقراطي بممارساته وطالبت ان يحاكم السودان الجديد بنواياه لا بأفعال رواده ، لو صحت هذه الرخصة لجاز لجماعة «الانقاذ» أن يطالبونا بالحكم على تجربتهم بأنهم إنما قصدوا إنقاذ السودان . إذا صحت هذه الرخصة لما قيل لاداء بعض الناس «جاء يكحلها عماها» وجاء يتفولح جاب ضقلها يتلولح ! بتعليقه هذا يعتبر السيد الصادق ان السودان الجديد هو ذات ونفس السودان القديم ربما ناقصا فترات النظام الديمقراطي ، من جهة وانه مساوي او صنو لنظام الانقاذ في عدائه للديمقراطية ، من جهة اخري . ومربط الفرس ان السيد الصادق يتوهم ان مشروع السودان الجديد والداعين له يتربصون به ويضمرون له عداء ً شخصيا كحارس أمين ومؤتمن على الديمقراطية وهو عداء ترجمته جماعة «الانقاذ» الى فعل فأطاحت بحكمه في 30 يونيو 1989م وفي هذا خلط شديد وتمويه جلي لقضايا البناء الوطني من وحدة طوعية وسلام مستدام التي طرحتها الورقة للنقاش . فمن جانب فإن مشروع السودان الجديد ليس بنظام حكم إنما إطار قومي لبناء دولة المواطنة السودانية يشترك فيه ويتراضي عليه الجميع ، فهو لن يأتي علي ظهر دبابة أو عبر فوهة مدفع حتي يحاكمه الناس بنواياه المعلنة في بيانه الأول ! ومن جانب آخر ، فالورقة لم تقصد أصلا وليس من بين أهدافها المقارنة بين انظمة الحكم «الظلامية» والنظام الديمقراطي (بصرف النظر عن من يكون على رأسه» . وذلك رغما عن أن المقارنة مشروعة ، بل ومطلوبة لتبيان الفروق بين هذه الأنظمة واستلهام الدروس ، ولكنها ببساطة تقع خارج نطاق الورقة المعروضة للنقاش والحوار . كما أن هذا الموضوع قد طرقه اخرون وباتت هذه الفروق واضحة حتي أصبح من ينادي بالعودة الى الشمولية يعتبر في حكم فرعون وقلة عقله ! فالورقة تناولت الديمقراطية بوصفها احد الركائز الاساسية لبناء السودان الجديد والتي لا يختلف اثنان على تناقضها التام مع الشمولية والتسلط مما يجعل التطرق لمثل هذه الانظمة بالتقريع والادانة ، في سياق مشروع السودان الجديد كتفسير الماء بعد جهد بالماء !
رابعا : وحتي وان بادرت انا او اى كاتب آخر بدراسة مقارنة بين النظام الديمقراطي (في دوراته المتعددة) والنظام الشمولي (في اثوابه المتعددة) لخاب ايضا ظن السيد الصادق فيما قد تتوصل اليه الدراسة من نتائج ، فمن ناحية ليس من الموضوعية في شئ ان نقفز فوق بعض انجازات الانظمة الشمولية مهما اختلفت الآراء حول تقييم هذه الانجازات، النظام العسكري للفريق ابراهيم عبود مثلا ، شهد عهده طفرة اقتصادية في مجالي البنيات التحتية وصناعة السكر صحبها رغد في العيش مما جعل البعض يهتفون باسمه بعد الاطاحة بحكمه: ضيعناك وضعنا معاك يا عبود ! . ونظام مايو ، رغما عن فساده وإفساده نجح في وقف الحرب لفترة في جنوب السودان وتوصل الى اتفاقية سلام منح بموجبها الجنوب حكما ذاتيا كان يصبو اليه ، مما جعل السودان ينعم باستقرار سياسي استمر عقدا من الزمان ، لا ينقص من انجاز النظام للسلام ، ان جعفر نميري نفسه لاحقا انقلب على الاتفاق حتي قوضه ، أو أن اتفاقية اديس ابابا استندت على مقررات مؤتمر المائدة المستديرة او لجنة الاثني عشر خلال فترة الديمقراطية الثانية (1964 - 1965م) ففي نهاية الأمر ، العبرة في التنفيذ ! اما نظام «الانقاذ» فبكل خطاياه واخطائه التي يعرفها القاصي والداني ، فقد توصل الي اتفاقية وضعت حدا لحرب قضت على الاخضر واليابس وحقنت دماء سالت بين ابناء الوطن الواحد ، وإن جاءت متأخرة ، وان لم نستبين نتائجها المستقبلية بعد ، وذلك رغما عما ظل يردده السيد الصادق وشدد عليه في تعقيبه علي الورقة بأن «النظام الديمقراطي سعى لانهاء الحرب الاهلية باتفاقية سلام عبر مؤتمر قومي دستوري يعقد في 18/9/1989م اتفق الطرفان علي كافة مقدماته ، وكان من بين انقلاب 1989م الحيلولة دون انعقاد ذلك المؤتمر واشقاء البلاد بـ 17 عاما من الحرب الاهلية ، فمهما كان التحضير جيدا لاىة عملية جراحية لانقاذ مريض من الموت تظل حياته مرهونة باجراء العملية ، وليس بالتردد حول الظرف الذي افضي الى ضرورة اجراء هذه العملية «وتوضيحاته» !!
ومن ناحية اخرى ، يعيب السيد الصادق على الورقة أنها تحدثت عن «الديمقراطية الحقيقية لا الديمقراطية الزائفة الخادعة للجماهير» وأنه «اذا سأل الكاتب نفسه لعلم ان اتحاد الكتاب الاول وجد من النظام الديمقراطي الاعتراف والدعم في عام 1988م بينما اطاح به النظام الانقلابي في عام 1989م وصادر املاكه وحولها لاتحاد موالٍ له ، لا يجوز لرأى موضوعي ان ينكر ان النظام الديمقراطي التزم بحقوق الانسان ، وبالحريات العامة ، وبحيدة الخدمة المدنية ، والخدمة النظامية ، واستقلال القضاء ، وحرية الصحافة ، وبدولة الرعاية الاجتماعية ، وكلها حقوق مشروعة قوضها النظام الشمولي الانقلابي، بالطبع أعلم كل ذلك فقد كنت من الاعضاء المؤسسين للاتحاد ، كما لا يعقل ان ادافع عن «النظام الانقلابي الشمولي» وانا من ضحاياه الذين لاحقهم حتي خارج حدود السودان ، إذ تم اعتقالي وترحيلي اكثر من مرة بعد ان ارشد علي زبانيته بسفارة السودان في الجارة اثيوبيا ، في وقت كانت فيه العلاقات سميكة بين الخرطوم واديس ابابا ، ولكن ان كان الشئ بالشئ يذكر ، لم يكن النظام الديمقراطي كله حريات في حريات ولم تكن كل صفحاته ناصعة في مجال الالتزام بحقوق الانسان كما تباهي السيد الصادق ، فقد تعرضت انا شخصيا ومعي عشرون آخرون من المهنيين والنقابيين الي الحبس والتحقيق والتشهير لمجرد مشاركتنا في ندوة مع عدد من قيادات وكوادر الحركة الشعبية بمدينة امبو ، اثيوبيا ، في فبراير 1989م.
كانت الندوة معلنة ولم تخرج اجندتها عن مواصلة الحوار مع الحركة استهداء بما تم نقاشه في لقاء كوكادام من قضايا في 1986م ، وهو الاجتماع الذي شارك فيه حزب الامة نفسه ، فقد تم دمغ المشاركين بالعمالة والطابور الخامس وافشاء اسرار القوات المسلحة ووصفنا بكل ما يتضمنه قاموس السياسة من نعوت ممجوجة للنيل من الخصوم ، وبالرغم من ان النائب العام برأ ساحتنا بعد التحقيق ظلت اسماؤنا محفوظة في سجلات الحظر من السفر حتي لجأت لوساطة التنفيذيين من المقربين لرئىس الوزراء (السيد الصادق) ليسمح لي بالسفر للمشاركة في منتدي الفكر العربي بالاردن والذي كان هو عضوا فيه ، وللمفارقة كان عنوان الندوة : الديمقراطية والتعددية في الوطن العربي ! ووقتها تيقنت بأن للاجاويد دورا لا يمكن الاستغناء عنه في ديمقراطية السودان ! والادهي ام الطريف في الأمر لا ادري ،ان نظام «الانقاذ» نفذ وصية النظام الديمقراطي فأبقي على كشف الحظر كما هو، فعندما قررت السفر الي مصر في مايو 1990م رفع وزير الدخلية الحظر مؤقتا بقرار نص بالحرف السماح له بالسفر على ان يعاد ادراج اسمه بالقوائم عقب عودته ، وبالطبع نصحني المريدون والمحبون ان لا اعود تخوفا من عواقب وخيمة لمثل هذا القرار ، وفعلا لم تطأ قدماي ارض الوطن الا في ابريل 2005م ، كما تعرض الدكتور عشاري احمد محمود والدكتور سليمان بلدو للاعتقال واتهما بالتخابر مع جهات اجنبية لمجرد قرعهما لاجراس الانذار حول مذبحة الضعين ، وبدلا من التحقيق في هذه الاتهامات الخطيرة ، كما طلب الاستاذان ، تعرضا للتحقيق والاستجواب ولم يقتصر سجل النظام الديمقراطي والسيد الصادق على قمته ، على الزمن القريب وإنما يرجع للستينات من القرن الماضي في ايام الديمقراطية الثانية حينما طرد نواب الحزب الشيوعي من البرلمان وحل الحزب ولم تحترم كلمة القضاء بعد أن افتي بعدم دستورية قرار الحل وطرد النواب ، كما ادخلت مادة الردة - لاول مرة في تاريخ السودان - في مسودة مشروع الدستور وهي نفس المادة التي حوكم بموجبها واعدم الاستاذ محمود محمد طه في 1985م.
ولكن رغم كل هذه الهنات والانتهاكات الخطيرة للحريات وحقوق الانسان ، والتي لم اوردها تشفيا او شماتة بل توخيا للموضوعية والدقة في التحليل ، فلا مجال للمقارنة بين النظام الديمقراطي ، الذي ازدهر في اطاره المجتمع المدني ونشطت فيه الحركة النقابية المستقلة عن سلطان الدولة ووفر فرصا للاختيار الحر ووسع مواعين الفعل السياسي وفتح آفاقا ارحب للتطور ، والنظام الشمولي الذي تكفى صفحة بيضاء خالية من الكتابة لوصف بشاعته وقبحه ، كما جاء في الطرفة السودانية الشهيرة ولكن كما قلت ، فالشئ بالشئ يذكر !
«نواصل»



http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147508296&bk=1
___________

Post: #216
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 11:57 PM
Parent: #215


الشباب عدة المستقبل المـُضيّع
-نجم الدين محمد نصر الدين
الشباب تلك الشريحة العمرية الاقرب للانخراط فى قيادة المستقبل وتوجيه الحياة وبنائها وتجسيد أحلام الأمة وتحقيقها، هم الأولى والأحق بالتعهد والرعاية والإعداد الجيد، لأنهم يشكلون إنعكاساً مرائياً لمايجب ان نكون عليه، ولقد عانى هذا القطاع ما عانى من إزراء وتغييب وإقصاء من الحياة العامة، وإهمالاً مريعاً فى الإعداد الجيد والتدريب والتزويد بالمعارف والتاريخ الموفر للذاكرة الوطنية، الرابط بين الماضي والمكوِّن الثقافي والحضاري الوطني المغذى للقومية وصدق الانتماء، مع عدم تشريبه بالمعارف الإنسانية الأساسية وإروائه بقيم الديمقراطية وتنشئته عليها وعلى غيرها مما هم في أمس الحاجة إليه، إن كنا على قدر من الجدية فى رؤية وطن مختلف وحياة غنية حرة كريمة.
ولجيلين فلقد رزح الكل تحت نظامين شموليين سرقا أجمل فترات حياة شعبنا وزهرة عمره، وكان حصاد ذلك كله الهشيم والبوار، ولقد كان الشباب والطلاب دوماً مطايا للأنظمة هذه، بتعبئتهم التعبئة الملائمة لما يراد منهم وتسخيرهم لخدمتها، وجعلهم أدوات لكسر أطواق عزلتها التى تعانى منها واستغلالهم كواجهات لتحقيق مثل هذه المخططات وقصر ربطهم بالمعارف الإنسانية بما يراد تعريفهم به فقط دون سواه فى انتقائية تمليها حالة الشمولية واحادية النظرة التى عليها هذه الأنظمة مفطورة ومجبولة، الشئ الذي يبدأ من المنهج الدراسى المرسوم والموجه على ما يُبتغى له، باعتبار ذلك جماع ما يتعين عليهم معرفته فى يقينية غريبة لايفت فيها كل ما يقال عنها وحولها رمياً لمن يسعون بمثل هذا القول بالغرض المبيت فى إغفال تام وتغافل بيِّن عن حقائق الحياة والتاريخ حتى فى عصر العولمة وغياب الستار الحديدي وفى مغالطة ظاهرة، شاملاً ذلك غير المناهج من برامج إن كان ذلك في الإعلام المرئي الموجه كامل التوجيه، اوالمقروء المحظور الذي لايخرج للناس الا وفق ما يراد له وإغلاق الأبواب والنوافذ والمنافذ فى وجه أى إنتاج بشرى مخطوط قادم من وراء الحدود غير ذلك الملبى للمطلوبات منها مما أنتج تغييباً كاملاً لهم وترتب عليه حرمانهم من كل ما لا يرادلهم معرفة به بل ابعد من ذلك حيلولة بينهم وبين تحصيل مثلها وتعبئتهم بما يناقضها ويسعى لنفيها رغما عن أنها جزءً عضويا ًمن وقائع حياتنا ومكوناً للذاكرة الوطنية غير منكور وهو بعض مما نباهى به الأمم عين ما يفعلون.
في إحدى المدن الأميركية التى تعيش فيها مجموعة كبيرة من ابناء شعبنا ممن فروا بمعتقداتهم والانقلاب طازج لايزال شأن الكثيرين فى المهاجر والشتات، وجلهم من تلاميذ الاستاذ الشهيد المغوار محمود محمد طه، والذين ظل بعضهم يحتفظون بصورة له من الحجم الكبير كآخر ما يربطهم من رباط، اذ بإحدى الشابات مِنْ مَنْ كان خروجهن الى الدنيا متزامناً مع إماتته شنقاً كما يقول بذلك الإعلام الشرعي!! المشحون بالافتراء على الله والأستاذ الشهيد الذى اصدرته المحكمة الشرعية ثأراً لغيرها من المحاكم الشرعية التى بذل طرفاً من حياته فى مناجزتها بغرض إصلاح امرها، هذا فوق تعديها عليه حياً برميه بتهمة الردة التى انتهت بتلك الصورة المعروفة، ان ايراد كلمة «اماته الله شنقاً» هذه وبالكيفية تلك لهي ضرب من القول بان ما حدث له كان انتقام جبار مقتدر.. في محاولة لغسل أياديهم الملطَّخة بدمه، استغلالاً غاية في البشاعة واستثارة للعاطفة الدينية وفي سعي مردود للتنصل من المسؤلية عن قتله.. فمن الذي يميت الناس جميعاً ويحييهم غير خالقهم؟!! حتى من المنظور الديني المجرد وهل ثمة مجال للقول بغير هذا بأي حال؟!! وهو لا يعاقب الناس بأفعالهم وما يأتون والا لما رزق كافر به شربة ماء، «فهذا تقوّل عليه وتغول على عباده والقول بالتفرد بالحكمة كاملة والاختيار والانفراد بسداد الرأي وصحة المعتقد، في يقينية مغمورة بالزيف منغمسة فيه وهذا دوماً حال الاسلامويين في رميهم للآخر بقصور الادراك بل انعدامه تكريساً لمحاولات الاقصاء المضطردة التي يقومون بها في مواجهة الآخر ونفيه سعياً لاحتكار العلم بالدين والانفراد بالقيام عليه والعمل به...
الشاهد ان هذه الصبية ارسلت وفى براءة تامة سؤالا للكافة بلسان انجليزى مبين.... How come this man's picture in every body's house?? ما ترجمته كيف ان صورة هذا الرجل فى كل بيت من هذه البيوت؟ فهى رغماً عن رؤيتها للصورة وهى فى هذا أوفر حظاً من اقرانها وقريناتها فانها لا تعرفه وهو ليس من.... Celebrities «المشاهير» الذين تعرف ويحتفى بهم الناس هنالك شديد الإحتفاء ولكننى أُراهن بكل ما املك «على قلته» وانا من الارتياح فى غاية: بان هنالك ملايين الشباب مِنْ مَنْ هم داخل السودان دعك من اولئك خارجه لم يسمع به البتة، ولايعرف عن حزبه ولا تلامذته ولا عن الاستاذ عبد الخالق محجوب وغيره مِنْ مَنْ أسهموا فى صياغة تاريخنا الحديث، مِنْ مَنْ ناصبهم الشموليون والمتعصبون الممسكون بزمام امرنا لهم كرهاً وتقليل شأن لدورهم وعداء لفكرهم، ولا تتعدى معرفتهم بهم معرفتهم للغة الصينية او اليابانية اذ لم تذهب ابعد من هذا وتطالبهم بمعرفة تاريخ السودان القديم والوسيط مما أرادت له الشمولية حجباً بانتقاييتها المعروفة تلك لما تظن انه جماع المعرفة وسدرة منتهى العلم ولا زيادة فوقه لمستزيد!!! إن اصول التربية الوطنية تقتضى ومعها الامانة العلمية ان يكون التعريف بكل موروثنا متساوياً ملؤه الحياد والتثمين المتعادل لأدوار من اسهموا فى السعى لتغيير حياتنا فيما يعتقدون فى صحته وصدقه وبذلون كل مرتخص وغال دفاعاً عنه الى حد تقديم ارواحهم رخيصة فدى له. وإن كرهنا ذلك او ضقنا به نفساً فالمعروف ان الحياة لا تقبل الفراغ ولا تعرفه والبرامج الدراسية القائمة الآن عمادها الحشو والحفظ والترديد الذي ان انست ارواحهم نفوراً منه فإنهم يلجأون وكما هو الحال للغربى من منتوجات العولمة النافذة رغماً عن محاولات الحيلولة بينهم وبينها وامثالها، والتى ذاهبة الى ادراج الرياح فى حتمية تامة ويكون مردود كل ذلك الهجين الثقافى الذى نعيش وغربة الروح التى يتنفسون. إن الشباب قد تغربوا واوسعوا تغريباً ويتم ادراجهم فى النشاط السياسى والحزبى بما ورثوا، إذ أنهم يصيرون وفى اغلب الاحيان من يسيرون فى ركاب اسلافهم فى غياب برامج الانفتاح الكامل الذى يتلقونه ويصير المنزل او مكان التنشئة هو المورد الرئيسى الذى منه ينهلون هذا بخلاف العصبية والحمية وإمتدادات الاسرة الموروثة حتى فى طريقة التفكير والانتماء هذا إذا إستثنينا بالطبع من تقوم الاحزاب والتنظيمات الساعية لاستقطابهم فى ميكافيللية تامة تبرر الغاية لديها الوسيلة وتبذل من الاغراءات الكثير فيما درج البعض عليه فى إستغلال غاية فى البشاعة للظروف السائدة الآن والاوضاع المذرية التى يعيشها الكثير منهم فى وجوب توفير معاشهم ومسكنهم ومشربهم والملبس حتى فى ايام الطلب والتلقى هذه، إن الانظمة الشاملة كالانقاذ ومثيلاتها دوماً تعاني من العزلة وانصراف الناس عنها وتسعى بما اوتيت لاستبقاء البعض باذلة كل غالٍ لا يثنيها عن فعل هذا تبديد او الخوف من تضييع الاموال، ان كان بعض قول بوجود مؤيدين لها... فتغدق على هؤلاء إغداقاً ييقظ ويحيي حب الثروة وقرينتها السلطة من وقت غاية في البكور لأمثالهم... لتعد بذلك ساسة المستقبل الفاسدين والمفسدين والذين يصيرون نموذجاً لامثالهم مِنْ مَنْ هم على السدة الآن لنعيد إنتاج الازمة والنموذج.



http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147496571&bk=1
_________________

Post: #217
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-12-2008, 11:59 PM
Parent: #216


وردة المعيش: الاقتصاد السياسي للسرد
-احمد صادق احمد ـ سلتي

عماد برَّاكة في روايته عطر نسائي
دار الحضارة للنشر ـ القاهرة ـ اغسطس 2004م
«236 صفحة»
«السرد ببساطة هو الحياة نفسها»
رولان بارت S/Z
«إن الاقتصاد السياسي هو ببساطة، كل ما يدور بين السماء والارض»
روزا لوكسمبرق
احمد صادق احمد ـ سلتي
ـ بقطيعة بينة من حيث التيمة والاسلوب من سائر السرد، او قل ذاكرة السرد في السودان، يكتب براكه عمله الروائي الاول الذي يحكي فيما يحكي عن التفكك النفسي واللساني، لبنية المجتمع السوداني بمستوياتها المختلفة من سياسية ، اقتصادية وثقافية. ويصف الراحل ادوارد سعيد «البدايات» في تجريدات تحكي عن المخيلة السردية حيث يقول «انها تبدأ بسلطة ان تبادر تؤسس وتنمو بنتاج متزايد على نصوص منجزة ومن ثم يدفع القاص بتلك السلطة لكي تتحكم في موضوعها متى تتخذ افقا يصير بها الى «حكاية» تتكرس نفسيا وجماليا من خلال مجهودات الروائي الفنية.
وحينما اقتيد عماد الى المنفى والاقتلاع، ظل يهزو حين كتابته لهذا العمل «عطر نسائي» بمملكة النيل المفقودة الى خرائبها، للصندل والبخور وبهارات لم تظللها غمامات والى طقوس عبادة الشمس، وقد ظل خطاب السرد في الكتابة ا لسودانية لفترة لم تطرأ فيها اية تحولات مفاهيمية داخل النص بالطبع باستثناء بضعة محاولات في عقد التسعينات ومطلع هذا القرن.
ينتقل بنا المشهد الى بانوراما «فشل الثورة» لدى رفاق خالد عز الدين الذي ربما هو الشخصية المحورية في الرواية حيث المكان جامعة الخرطوم «الداخلية واشجار اللبخ وقهوة حاجة آمنة» والزمان منتصف عقد الثمانينات لحظة اغتيال المفكر محمود محمد طه، حيث يلتقي/ يعرف خالد عز الدين «طعم المرأة الاولى» «احلام يس».
ولم «يسرح» الكاتب كثيرا حيث سريعا نرى خالد عز الدين وقد انتهى به نضاله في المعتقل حيث تعرض لتعذيب ادى الى خروجه من السودان تاركا «الزملاء والزميلات» ومحبوبته الى هولندا واللجوء السياسي حيث النفي والاغتراب والاقتلاع الحقيقي.
سرعان ما تزيد سرعة الايقاع السردي متنقلين من مشاهد هنا في السودان وحركة شخوص في هولندا وفجأة احلام يس متزوجة ولها ابن وزوج لا يبدو انها تحبه كثيرا، في امريكا «واشنطون».
في هذا الزمن السردي شبه الدائري، تتطور الاحداث صعودا حتى نلتقي «بمناضل» من نوع آخر، طالب سوداني بعث للدراسة في بلغاريا «خالد عبد المنعم» و«فشل» ثم طوف بانحاء عديدة في العالم منها ليبيا، حتى استقر به المقام في الخرطوم لنراه يصطاد الفتيات حيث الظهيرة وصيف وتصعق ذاكرتنا جميعا، حينما يقتاد احدى الفتيات الصغيرات في احد نهارات الخرطوم الغائظة ليكتشف انه عمها، فقد مات اخوه «الشهيد» اثناء غيابه.. هكذا تتسارع المشاهد shots هنا، لنلتقي خالد عز الدين «جيفارا» في اسمرا في حراسة ذلك الشخص وهو الذي التقى شقيق احلام ليس في ليبيا وكذلك هو الذي كان على علاقة «حميمة» مع احلام يس.
هنا يتسرب اليأس الى خالد عز الدين الذي قرر ان ينهي فترة «رومانسية الثورة» ويعود باكاذيب ونضالات وهمية الى هولندا رغم ان «زوربا شخصية خيالية ابتكرها الادب، اما جيفارا فمناضل حقيقي» الرواية ص 158 ـ تماما مثلما ان عطيل كان اكذوبة.
وفي شقة صغيرة او قل جناح ملحق بشقة احلام يس في «واشنطون» يلتقي العاشقان مرة اخرى بذات المناسبة التي التقيا فيها في الجامعة تلك اللحظة التي التقطها الروائي ـ اغتيال محمود محمد طه ـ فقد جاء يشارك بورقة عن فكر محمود ويتكثف الحدث بشكل درامي ويستخدم الروائي هذا اللقاء ليكون عنصرا هو مفتاح البناء السردي، حيث يترك خالد عز الدين «مفكرته الحمراء» والتي تكمل بها احلام يس باقي «الحكاية» رغم تدخله بصوت صاحب السيرة ضمن عناصر البناء السردي.
يعود خالد عز الدين ـ بعد ان استنفد الروائي «بحث ونبش ذاكرة «مثقف ثوري» ـ الى قرية وادعة في ريف هولندا وانكفأ على ذاته مهوما في سكة سقوط ظلامي لا مناص سوى ان يركن للكتابة وينبش ذاكرته المتخمة باحباطات السياسي والهم العام وتوهان بسبب علاقة معقدة مع النساء لم تدفع به لشيء سوى اختزالها «المرأة» لجسد حار للشهوة الا انه لم يكن روحا عظيمة الانقاذ.
اهم ما يلفت النظر في تشكيل السرد هو اندغام الالفاظ والعبارات اليومية في متن السرد بجرأة حتى صارت الى جملة سردية متماهية تماما مع ايقاع السرد، فنرى اليها تتراقص ويهتز النص بكامله «انظر الى وجهه الغياظ ص 120، والكأس ليهو رافع يا صديق ص 118 او افعالا كثيرة من مثل يضفر، يفسخ، ايعزق، تفرعنت، تنقز، تنطط.. الخ»
ترى الى حس السخرية والتهكم في كل فقرة ولم يشكل السرد الكلمات والالفاظ ونحتها فقط بل هنالك تشكيل حينما تعجز العلامة «اللغوية» تصير العلامات التي تولد المعنى الى علامات بصرية ص 83 ـ 96 ـ 227
من جانب آخر نجد ان بنية السرد اعتمدت على التقاط تحولات المجتمع المهاجر وتجلياتها في الذاكرة الاخلاقية السودانية وهنا نجد ان الكاتب اعتمد على ذاكرة عنيفة في استدعاء كل ذلك، في مقابل مخيلة مرهقة وتوازن الاثنين ذاكرة/ مخيلة في نسيج سردي يحكي واقعا متشظ «كسيح» عجز عن بناء الانسان ودفع به الى الشتات والهجرة والاقتلاع.
ومن موقع احلام يس تعلق قائلة «ترد قصة بطولة خالد عز الدين، معتمدا في ذاكرته على اشياء واقعية تمهد طريقة السرد ص 229 وقد تم توازن سردي فيما بين فضاء مكاني وآخر زماني بافق اقرب الى ان يكون «جدليا».
من ضمن منظومة السرد، هناك «نقد نسوي، يرى ذات الآخر/ الانثى من موقع نقدي ـ اي ذات متحررة من ربقة آيدلوجيا الذكورة الفجة رغم ان ذات الافق عمل على «هدمهن» واختزالهن لاشباح نساء مبتذلات في مظهرهن وفي سلوكهن، والاشارة الى ان هذه هي عوامل السردية وليس اي شيء غير ذلك فمثلا هنالك اوجه عديدة لاحلام يس، التي طلعت من بنيه وعي ريفي «اقليمية» وصارت الى «مومس» في حواري وازقة ا لمدينة، وهنالك سارة وهي ابنة شهيد من نوع آخر وتعيش مع اسرتها كلاجئة، وتقاطع معها خالد عز الدين في لحظة فتحت القول السردي على مشاهد حميمة وعلاقته بها قد دفعت الى مزيد من العزلة والانزواء.
قراءة هذه الرواية ممتعة، اقلها انني فقط انتمي وخارج من نفس العوامل التي «قصدها» في متن السرد وهي ليست تعبيرا عن شأو بلغته لغة السرد في السودان، بل اننا نستطيع العثور فيها على ذلك الخيط الذي يقود الرواية الى علاقاتها مع القضايا التي تطرحها الازمة المزعومة للرواية وليست بالضرورة الاندفاع في قراءة سياسية مباشرة لهذا العمل المدهش الذي هو ارهاص لخطاب سردي قادم.
فلنغنِ جميعا لكل كتابة تنتمي لاسئلة التاريخ والسيسيولوجيا بل واكثر علينا ان نعترف جميعا بأننا:
... كذبنا قليلا
وانا انحنينا قليلا..
لتمضي الرياح الى حتفها....
وانا سقطنا سقوطا نبيلا..
عبد الله شابو 1988م



http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147494847&bk=1
_________________

Post: #218
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 00:00 AM
Parent: #217



عودة إلى الحوار العجيب !! (4)
بين وقيع الله والترابي
د. عمر القراي

حين سئل وقيع الله في الحلقة الأولى ، من الحوار، ذكر بأنه مؤمن بأفكار الاتجاه الإسلامي ، ولكنه غير منظم ، لأسباب في طبيعته الشخصية ، كنت قد علقت عليها ، في ردي السابق.. ثم ذكر انه لا يعتبر الترابي مجتهداً ، وفي الجزء الثاني من الحوار، سئل عن اجتهادات الترابي الأخيرة ، فقال ( هذه الاطروحات لم يفصح عنها الترابي بشكل علني من قبل ... وهذه الاطروحات الشاذة وغيرها مما يصرح به الترابي الفينة بعد الفينة كفيل بتحويل ما يسمى بالمؤتمر الشعبي الى نحلة جدلية نظرية مشغولة بمسائل غير واقعية وكل ما اخشاه هو ان يتحول تنظيم المؤتمر الشعبي الى تنظيم مغلق كتنظيمات الرافضة والقرامطة والجمهوريين ) وحين سأله الاستاذ صلاح شعيب ( هل هذا يعني انك لا توافق على فتاويه الاخيرة التي تتطرق لمسائل العقيدة ؟ ) أجاب بقوله (قطعاً انني غير موافق عليها وهذه الفتاوي ليست مفيدة ولا مطلوبة ومسائل العقيدة لا تطرح للاجتهاد بله الجدل العقيم الذي غايته اغاظة الخصوم ومخالفة الجمهور ) وحين ألح عليه صلاح شعيب ، بسؤال آخر عن الترابي ، ضاق ذرعاً من ذلك ، وقال ( ياخي خلينا نخرج من الموضوع دا ) !!
أما أنا ، فلن ادعه يخرج منه ، حتى يعرف الناس ، أن د. محمد وقيع الله ، قد كان منظماً في الاتجاه الإسلامي ، منذ أن كان في الجامعة الإسلامية !! وانه كان يعرف للترابي ، من قبل ، اجتهادات شاذة ، في مجال العقيدة ، أسوأ من اجتهاداته الاخيرة ، وانه اخرج كتاباً يدافع به عن ما قاله الترابي ، في حديث الذباب المشهور!! جاء في ذلك الكتاب ( فقد كنت في صيف 1986 شرعت ارد الشبهات واقاويل الارجاف التي ثارت مع حمى الانتخابات السياسية التي كان وقودها خطب السياسيين ومن استعانوا بهم من الدعاة المتعصبين فكتبت في صحيفة ألوان الغراء مقالاً بعنوان " جلاء الشبهات الضبابية من الفتاوي الترابية " رددت به على الشيخ الطحان بعض ما كذب به على الشيخ الترابي وكنت بأمل ان اكتب مقالاتً آخر اناقش فيها فكرة التجديد وتهجم متعصبة الدعوة عليها .. الا ان احد مشائخ الحركة الاسلامية وهو الشيخ أحمد محجوب حاج نور كان له رأي آخر وهو الا ننشغل في معركة الانتخابات الشاملة التي ستقرر جانباً من مصير العمل الاسلامي بهذه الاختلافات التي ينشغل بها دعاة الفروع وهواة الجدل الفقهي .. وقد استجبت لرأي الشيخ حاج نور على مضض) !! ( د. محمد وقيع الله : التجديد الرأي والرأي الآخر . الخرطوم : المركز القومي للانتاج الإعلامي ص 2-3 ).
فوقيع الله إذا ، قد كان منظماً في الجبهة الاسلامية القومية ، وكان يدافع عن زعيمها ، أمام الإسلاميين الذين نقدوا اجتهادا ته ، ثم يقبل ان يوقف كتابته ، حتى يركز التنظيم على معركة الانتخابات ، التي قدر قيادياً اكبر منه ، هو المرحوم حاج نور، أنها أهم من تبرئة شيخهم ، مما نسب له ، من الخروج عن الدين، وما كان لوقيع الله ان يخالف التنظيم ، ولهذا قبل رأي حاج نورعلى مضض .. لماذا أخفى وقيع الله كل هذه الحقائق الآن، حين أصبح الدفاع عن الترابي صعباً ؟!
وبعد نهاية الانتخابات ، اخرج وقيع الله دفاعه عن الترابي ، في كتابه هذا !! ولما كان منفعلاً كعادته ، منذ ذلك الوقت ، فقد وصف من نقدوا الترابي بقوله (مروجو الفتنة امثال الدكتور الطحان ... والمدعو أحمد مالك والمدعو محمد احمد حامد محمد خير والمدعو الصادق المهدي والداعية المغمور الذي ناظرته من شيعته والداعية المغمور الآخر ) (المصدر السابق ص 6)
أما مفارقة الترابي في ذلك الوقت ، التي حاول وقيع الله ان يدافع عنها ، فهي انه سمع حديث الذباب المشهور ( اذا سقط الذباب في اناء احدكم فليغمسه وليشرب ..الخ) فقال ( هذا أمر طبي آخذ فيه برأي الطبيب الكافر ولا آخذ رأي النبي صلى الله عليه وسلم ولا أجد في ذلك حرجاً ولا أسال منه عالم دين) !! ولقد اوضحنا فساد عقيدة الترابي في حينه ، عندما ثار هذا الموضوع ، في أواخر السبعينات ، في أركان النقاش بجامعة الخرطوم .. والذين عاصروا تلك الفترة من القراء الكرام ، يعرفون أن أعضاء الاتجاه الإسلامي بدأوا بإنكار، أن الترابي قال مثل هذا الحديث .. حتى جاء في محاضرة ، بكلية العلوم السياسية، وسئل عنه فلم ينكره !! ولم يأت وقيع الله بجديد ، في كتابه هذا ، وإنما خلص إلى نفس رأي الترابي ، من أن النبي صلى الله عليه وسلم ، يؤخذ منه امر الدين ، وأما أمور الدنيا فإننا يمكن أن نرفض رأيه فيها ، وأورد آراء بعض الفقهاء ، الذين وقعوا مثل الترابي ، في هذا الخطأ ، وقال ( ،أما المسائل المتعلقة باشياء الطبيعة التي يمكن فيها درك الحق ، وحسم الخلاف بالادراك البشري فتركت من ثم لكسب البشر ) (المصدر السابق ص 68 ) .. ولقد اعتمد وقيع الله ، مثل الترابي نفسه ، على الفهم المغلوط لحديث تلقيح النخل ( راجع الرد على هذا الفهم في الرد على د. عبد الوهاب الأفندي في اعداد ماضية من الصحافة ) .
ولسنا هنا ، بصدد بيان مفارقة الترابي العقائدية ، في موضوع حديث الذباب ، وهي نفسها مفارقة وقيع الله ، الذي دافع عن باطله ذاك .. ولكننا بصدد كذب وقيع الله ، حين أخفى انه قد كان عضواً متحمساً في الجبهة القومية الإسلامية ، مدافعاً عن زعيمها ، حين اجتهد في امر العقيدة ، بما رآه إسلاميون آخرون خروجاً عليها ، ثم هجومه على نفس الزعيم ، الآن ، حين قال بما هو دون ما ذكر آنفاً !! إن السؤال الذي يواجه وقيع الله هو، لماذا كان يدافع عن الترابي ، ويشيد باجتهاده، رغم باطله الظاهر حين كان قريباً من السلطة ، قبيل الانتخابات ، ثم ادعى انه ليس بمجتهد ، وشبهه بالقرامطة ، حين أصبح منبوذاً ، ومكفراً ، من تلاميذه الذين يمسكون بمقاليد الامور اليوم ، ويعتبرون نقد الترابي تقرباً اليهم ؟!

الجمهوريون ومايو :
لقد كانت التجربة الديمقراطية ، قبيل مايو، مؤوفة بآفات كبيرة ، حولتها إلى دكتاتورية مدنية ، تتحالف فيها الطائفية ، مع جبهة الميثاق الإسلامي، وترفع فيها شعارات إسلامية ، بغرض السيطرة السياسية .. فلقد عدّل الدستور، ليتم طرد الشيوعيين ، المنتخبين ، من الجمعية التاسيسية عام 1965 م ، مما يعد انقلاب على الديمقراطية ، من داخل مؤسساتها ، وضربها في جوهرها ، وهو حق التعبير، وحق التنظيم .. وحين قاوم الاستاذ محمود ، تزييف الديمقراطية ، بسلسلة من المحاضرات ، تحت عنوان " مناهضة حل الحزب الشيوعي السوداني " ، سعت الطائفية والجماعات الإسلامية ،إلى إسكات صوت الجمهوريين، بما عرف بمحكمة الردّة ، التي حكمت بردة الاستاذ محمود ، وإغلاق دور حزبه ، ومصادرة كتبه .. ولكن محكمة الردّة فشلت ، لأن المحكمة الشرعية ، كانت تعمل خارج اختصاصها ، والدستور الانتقالي ، لا يقر الردّة ، لهذا استقلت المحكمة بواسطة الجمهوريين ، لشرح فكرتهم بصورة أكبر، ولنقد المؤامرة والجماعات التي وقفت خلفها.. فسعت الطائفية وجبهة الميثاق الاسلامي لطرح الدستور الإسلامي ، حتى يتمكنوا من اسكات صوت معارضيهم باسم الدين .. وفي عام 1969 م كان الدستور الإسلامي ، مطروحاً للقراءة الثانية ، في الجمعية التأسيسية.. وكانت لجنة الدستور، في مداولاتها شديدة الجهل ، شديدة التخلف ، حتى أنها ذكرت إقصاء كلمتي ديمقراطية ، واشتراكية ، لانهما ( لم يردا في الكتاب والسنة ) !! في ذلك الوقت ، ذاع تصريح من السيد الهادي المهدي ، يقول بان الجمعية اذا لم تجز الدستور ، فان الانصار سيجيزونه بحد السيف .. ولقد تصدى الجمهوريون وحدهم لموضوع الدستور، أو كما سمّوه مؤامرة الدستور الاسلامي المزيف.. وافرد الاستاذ محمود محاضرات في اسبوع مناهضة الدستور الاسلامي . وخرج كتاب "الاسلام برسالته الاولى لا يصلح لانسانية القرن العشرين" وكتاب " الدستور الاسلامي .. نعم ولا !!" .. في هذه الظروف التي تتهدد البلاد ، بتحول النظام البرلماني المتعثر، إلى دكتاتورية دينية ، تفرض دستوراً متخلفاً ، يهدف إلى تصفية خصوم الطائفية ، وحلفائها في جبهة الميثاق الإسلامي ، وقع انقلاب مايو 69 ، بمثابة انقاذ للبلاد !! فأوقف مؤامرة الدستور الاسلامي في الجمعية ، ومحاولة فرضها بالسلاح ، التي كانت تدبر في الجزيرة أبا ، ثم انه افلح في ايقاف الحرب التي ظلت مشتعلة منذ عام 1955 بين الشمال والجنوب ، وعجزت كافة الحكومات الوطنية عن ايقافها . أخلص من هذا السرد التاريخي، الى حقيقتين في غاية الأهمية : اولهما ان الجمهوريين ، كانوا قبل مايو ، يطالبون بايقاف الدستور الاسلامي ، وايقاف حرب الجنوب ، وابعاد الطائفية من فرض هذا الجهل بقوة السلاح .. فجاءت مايو وايدت ، عملياً ، هذا الطرح.. فاذا كانت هذه المبادئ هي ثورة مايو ، فان الجمهوريين قد ظلوا مخلصين لهذه المبادئ ، حتى بعد ان تنصل عنها نميري ، واخذ يهدم فيها ابتداء بالتحالف مع الطائفية والأخوان المسلمين، وانتهاء بإشعال حرب الجنوب ، واعلان الدستور الإسلامي ، مرة أخرى .. وثانيهما ان مايو كانقلاب عسكري ، لا يقوم على فكرة ، لم يكن من الممكن للجمهوريين تأييده ، وإنما كان موقفهم في البداية التاييد السلبي ، أي عدم المعارضة أو مساعدة المعارضة ، حتى لا يسقط النظام ، الذي كان بديله الجاهز اسوأ بكثير .. ولقد قرروا ذلك ، في اجتماعهم لتقييم مايو، بعد يومين فقط من قيامها ، وكان مما سجل في ذلك الاجتماع ، الذي عقد بمدينة ودمني ، قول الأستاذ محمود ( أنا كنت متأكد أن الله لن يخلي بين الشعب السوداني ، ومؤامرة الطائفية لتمرير الدستور الإسلامي المزيف ، في سعيها للاستيلاء على السلطة الزمنية والسلطة الدينية .. لكن ما كنت عارف الوسيلة اللي راح يستعملها الله ، في حماية الشعب من المؤامرة دي ، حتى جا نميري ورفاقه من خور عمر فشعرت أن الله استخدمهم في ساعة الصفر، للحيلولة بين الشعب السوداني وبين مؤامرة الطائفية .. لكن ثورة مايو ماها البديل الصحيح عن الطائفية .. نحنا البديل الصحيح لو كنا جاهزين .. ولذلك لن نؤيد مايو تأييد إيجابي ، بل نؤيدا تأييد سلبي ، بمعنى اننا لن نعارضا ، لأن معارضتنا ليها ستذهب في ترجيح كفة الطائفية ، ولو عادت الطائفية ستعود طائفية كلوب .. وعليه سيكون موقفنا من مايو التأييد السلبي، الا اذا تعرضت لمؤامرة الطائفية ، في الوقت داك ، ناييدها نأييد ايجابي ... مايو جات لتكسر شوكة الطائفية وتقلم أظافر الشيوعية ، وبعد ان تؤدي دورها راح تفسد ، وتكون اخطاها واضحة بصورة كبيرة في أخريات أيامها وراح نتصدى ليها بقوة ، فتذهب على أيدينا ) !!
وكان لابد ان يعترض التحالف بين الطائفية وجبهة الميثاق الإسلامي، على حكومة مايو، التي أجهضت برنامجهم .. ولم يتحركوا في اتجاه التوعية ، أو الدعوة إلى المقاومة السلمية ، أو العصيان المدني ، وإنما اتجهوا إلى جمع السلاح ، وبدأوا تدريب الأنصار، بواسطة أعضاء جبهة الميثاق ، من أمثال المرحوم محمد صالح عمر.. ولقد حاول النظام تجنب المصادمة ، وأرسل إليهم القائد أبو الدهب يحمل رسالة للتفاوض ، لكنهم جلدوه ، وأرسلوه في رسالة واضحة ، إلى الحكومة ترفض التفاوض ، وترفض دخول رموز الحكومة ، إلى جزء من أجزاء الوطن .. فكان لابد من المواجهة المسلحة ، ولقد كانت الحكومة أمضى سلاحاً فانتصرت .. ولقد تكونت جبهة للمعارضة ، جمعت بين الاحزاب التقليدية ، وجبهة الميثاق الإسلامي ، وبدأت تعارض من الخارج ، ثم قررت غزو السودان واسقاط النظام في عام 1976!! ولم يكن من المحتمل ، أن يواجههم النظام بغير السلاح ، فدحر الغزو، فما كان من قادته ، إلا أن صالحوا نظام نميري في عام 1977 دون أي شرط ، ودخلوا في داخل الحزب الواحد الاتحاد الاشتراكي ، رغم ادعاءهم الايمان بالتعددية .. ودخل الترابي زعيم جبهة الميثاق ، في اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي ، وادى قسم الولاء لثورة مايو الظافرة ، وبدأ الصراع داخل السلطة بين (القادمين والقدامى ) !! في هذه الظروف طرح الجمهوريون ، ضرورة قيام المنابر الحرة ، ولكن نميري لم يستمع لذلك ، ولم يستطع دعم أشياعه ، الذين كانوا يحاولون وقف التيار القادم ، حتى لا يؤثر على اتجاه الحكومة ، وهو يبطن المعارضة ويظهر المصالحة .. وبعد فترة ، بدأ نميري يتأثربالجماعات الاسلامية ، بدلاً من ان يؤثر فيها ، فعين الترابي مستشاراً له ، فقبل ذلك دون تردد ، ولم يرفض التعاون مع النظام ، الذي قتل أفراد تنظيمه.. وحين استجاب نظام مايو لكيد معارضيه ، الذين ادعوا مصالحته ، اخذ يحطم انجازاته الواحد تلو الاخر ، فبدأ باتفاقية أديس ابابا ، فتنصل عنها ، وسعى الى تقسيم الجنوب ، فبدأ التمرد بمظاهرات رمبيك الثانوية التي تم اغلاقها.. ثم اخذت التنمية تتساقط تحت ضربات الفساد ، وخضع النظام الى البنك و الصندوق ، فرفع الاسعار ، وبدأ في خصخصة السكة حديد ، فاشتعلت المظاهرات .. ثم حل الرئيس الاتحاد الاشتراكي ، واعفى كبار قادة الجيش ، ثم واجه اضراب القضاة في مايو 1983 باعلان القوانين الاسلامية في سبتمبر 1983 . حين رجع النظام الى النقطة التي بدا منها في الواقع السوداني ، نقطة الدستور الإسلامي ، والقوانين الإسلامية ، أخذ الجمهوريون في المعارضة ، بالصورة التي يعلمها الناس حتى حدثت المحاكمة ، والاعتقالات ، والتنفيذ للاعدام .. الذي تكون بسببه التجمع الوطني الديمقراطي واشتعلت المعارضة ، وسقط النظام بعد 76 يوماً فقط !! المهم هنا ، هو حديث الأستاذ محمود في يومية التحري ، والذي قرأ في المحكمة، حيث أكد ان الجمهوريين لا زالوا مع مايو بمعنى تاييد المبادئ ، وان الحكومة قد انحرفت عن مسارمبادئ ثورة مايو ، وسنظل نحن مع تلك المبادئ ، التي رفعناها حتى قبل قيام ثورة مايو، لأنها في رأينا السبيل في المرحلة لتوعية الشعب ..
هذا هو موقف الجمهوريين من مايو، فهل يستطيع وقيع الله ، تشويهه باستجداء عواطف الأنصار، وظنه بأنه يستعديهم على الجمهوريين، بقوله (ما هو السلاح الذي استخدم ضد الانصار ولم يعترض محمود على استخدامه بل اقره ووافق عليه وبدا كانه يحرض على المزيد منه .... انه ليس سوى سلاح الطيران الرهيب الذي اجتلب من الخارج وتم به حصد الالوف المؤلفة من جماهير الانصار الاطهار ...) ؟! فاذا كان وقيع الله ، صادقاً في تأثره لضرب الجزيرة أبا ، فلماذا لم يعترض على تنظيمه حين صالح نميري ، ودخل في حكومته ، بعد كل ما جرى للأنصار؟! بل دخل في الحكومة بعد حرب عام 1976م ، التي قتل فيها اعداداً من اعضاء الاتجاه الإسلامي ، في مجزرة دار الهاتف ،وصالح الترابي النظام ، وعين فيه ، قبل أن تمحى دماء أعضاء تنظيمه ، من حائط دار الهاتف ؟! هل منع وقيع الله دخول الترابي في النظام الذي قتل الانصار والاخوان المسلمين ، من أن يخرج كتاباً يدافع فيه عن سقطاته ؟! أم أنها المزايدة التي لا علاقة لها بالصدق والحق ؟!

خاتمة
أما بعد ، فلقد يلاحظ القراء الكرام ، أنني نأيت بجانبي صفحاً ، وأعرضت عمداً ، عن مجاراة وقيع الله في مهاتراته .. ولكنني رغم ذلك ، واجهته بعبارات ، وحقائق مؤلمة ، ما كنت فيها من المتكلفين، وإنما أرجو أن أكون مترسماً التوجيه الإلهي ( وقل لهم في أنفسهم قولاً بليغاً ) .. ولم تكن حالة وقيع الله غريبة ، وإنما هي حالة نمطية ، لمئات الإسلاميين ، الذي كنا نحاورهم ، حين كنا طلاباً في جامعة الخرطوم ، وكانوا يتهجمون على الفكرة الجمهورية ، دون أن يطلعوا عليها ، أو يقفوا عند تفاصيلها .. ولكن الغريب في أمر وقيع الله ، انه يحمل شهادة ماجستير، وشهادة دكتوراه في الدراسات الصينية ، ويقوم الآن بتدريس الدراسات الإسلامية في جامعة أمريكية ، ولم يسعفه كل ذلك ، ليتجاوز، ولو قليلاً، مستوى طلاب الاتجاه الإسلامي في الجامعات !!
ومع ذلك ، فاني لا أحقد على وقيع الله ، وأتمنى أن يوفقه الله ، ليجتهد في فهم الفكرة الجمهورية ، وربما كان الاجتهاد المطلوب منه ، هو مجرد الصبر عليها .. فمن يدري ؟ فقد يتضح له حقها ، مثلما اتضح له باطل الترابي ، الذي ما كان يظن ، حين دافع عنه ، انه سيأتي عليه زمان ، يتهمه فيه ، بالخروج من الدين !!

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147508329&bk=1

Post: #219
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 00:02 AM
Parent: #218


في محاضرة (ما بعد الهرج) عاد فيها لاستخدام منهج التحليل الطبقي

السلام لا تحرسه النيات الحسنات بقدر ما تحرسه القوة الشعبية
الصحافة يجب أن تتحول من واجهة عرض الي أداة وعي متشككة ومتسائلة
د. عبد الله علي إبراهيم
عبد الله علي ابراهيم لا يثني على احد في نيفاشا ويعتبرها جاءت في اطار «التجاحد» كإحدى نتائج الهرج المستمر في الحياة السياسية والذي يقسمه الدكتور لحكمداريات.. ويعزى د. عبد الله استمرار الهرج لسيادة طبقة البرجوازية الصغيرة على الساحة السياسية واحتكارها للسلطة كمنتج للثروة.
هذه بعض الأفكار الاساسية التي جاءت علي لسان د. عبد الله في اللقاء الذي جمعه باسرة (الصحاف ) عبر منبرها الدوري يوم الاحد الماضي .
اعدها للنشر : قرشي عوض
ما بعد الهرج:
نحن متجهون الى نيفاشا وهناك لمة كبيرة حولها. وغداً ستحدث لمة اخرى في الفاشر او القاهرة او غيرهما من منابر التفاوض. بالطبع يستحق الذين قاموا بهذا الجهد التهنئة لكن ايضاً من حقنا ان نتحفظ على ما توصلوا اليه، وإنا لا استثنى احداً سواء أكان قرنق او طه وارنو الى انتباهة اخرى واود ان الفت اليها انتباه الصحافيين. واقول ان الصحافة يجب ان تتحول من واجهة عرض الى اداة وعي متشككة ومتسائلة تعرِّف بأحجام الاشياء والناس لان الصحيفة اليوم هي «غازيتا» الصف السياسي التي يبحثون فيها عن الوجاهة وهم لا يخشون الصحافة لانها ليست خطيرة ولا تضع الناس امام مسؤولياتهم.
رؤيتي «لنيفاشا» انها جاءت ثمرة ابداع غير خلاَّق وليس فيها ابداع حيث ما زالت الدماء لم تجف في دارفور وغيرها من مواقع الصراع. وكنت اعتقد ان اعادة التفاوض يمكن ان تكون مساحة للتسامح وتعلم ثقافة التنازل. لكن الذي حدث ان التفاوض جاء في اطار «التجاحد» لانه لم يسبقه خيال. فمثلاً الاستاذ سيد الخطيب الذي لعب دوراً مهماً في التفاوض قد قام بهذا الدور كناطق رسمي وليس كخبير استراتيجي وظهرت اجادته للغة الانجليزية اكثر من اجادة المعرفة الاستراتيجية وكل ذلك في تقديري يعود الى تمكن فكرة الهرج.
والهرج حيلة طبقية واجتماعية الهدف منها التضليل. والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في حديث ما معناه ان افضل عبادة هي العبادة في ظل الهرج.. الهرج امتداد عندنا لعصر باكمله ويمكن تقسيمه الى حكمداريات متواصلة.
ونحن قد تفادينا الغوص في جدل الهرج ومنطقه وفكرته التي تمتد في حياتنا السياسية منذ مؤتمر الخريجين وبدايات الحركة الوطنية. وانا اضع الهرج في مقابل الثقافة وهو مفهوم انتجه المفكر «ماثيو ارنولد» وقد تعرفت باكراً على افكاره عند محمد عبد الحي وقد استنتج عبد الحي ان افكار محمد احمد محجوب قائمة بالاساس على استنتاجات ماثيو ارنولد سوى ان محجوب طبقها على القبائل.. وفي نظر ارنولد ان الطبقات الانجليزية في عصره منتجة للهرج ويجب على المثقف أن يتعالى عليها.
المنشأ الإجتماعي للهرج:
انا ارجعت الهرج لطبقة البرجوازية الصغيرة التي تعرفت على مواقفها من السلطة وتغيرها من خلال تجربتي في مايو.. وقد كانت هذه الطبقة تعبر عن نفسها من خلال القوى الطائفية لكنها عبرت عن كيانها المستقل من خلال ثورة اكتوبر 1964م لزيادة التعليم بعد افتتاح عدد من المدارس الثانوية وتزايد النفوذ العسكري الذي لازم توسعة الجيش مما جعل هذه الطبقة تتقوى مادياً ومعنوياً.
اصبحت البرجوازية قادرة على التعبير عن نفسها من داخل الحزب الشيوعي واحدثت «مايو» بفرض خطتها في العمل السياسي وهي «الانقلاب» عبر شقها المدني في الجيش لكن لهذه الطبقة بعد آخر ريفي وبالتالي تأتي استدامة الهرج من تعدد رؤوس هذه الطبقة والسبب في ذلك يرجع الى انه لم تتخلق عندنا طبقة برجوازية كبيرة تخلق استقراراً اجتماعياً وسياسياً وتختم بخاتمها السلم الاجتماعي لان الطريق يقطع امامها بواسطة الرؤوس المتعددة لطبقة البرجوازية الصغيرة واستهدافها المستمر للسلطة التي اصبحت تشكل اهم مصنع للثروة وبالتالي تستميت هذه الطبقة في الوصول الى السلطة والتشبث بها جاعلة منها ساحة لها الشئ الذي ينعكس في استدامة الهرج.
ونحن في الحركة بدأنا نعي بهذه الطبقة وادوات عملها منذ وقت مبكر لكن بعد انقلاب يوليو 1971م توقف اجتهادنا بخصوصها واصبح البعض ينظر الى حزب «نقد» باعتبار انه مبدأ من البرجوازية الصغيرة، خصوصاً وان الانقلاب نفسه جاء بعد ان انجزت البرجوازية مايو وكان يعتقد ان صفوف الحزب قد خلت منها لكن هناك بقية منها دفعتها حزازات ابناء الدفعة للانتقام وكانت تحيط بالسكرتير العام ولم تكن لعبد الخالق صلة بالحزب اثناء تواجده في مصنع الذخيرة وهذه المجموعة هي التي اعادت اخفاءه داخل القصر الجمهوري ونفس هذه الطبقة هي التي احدثت انقلاب يوليو. وهذا انقلاب الحديث عنه يسبب الكثير من الحرج للشيوعيين لان به شهداء واسر شهداء وبغض النظر عن انقلاب يوليو فان الحزب الشيوعي يقوم بالانقلابات غصباً عنه لوجود هذه الطبقة داخله مع ان تقاليده وخياراته السياسية قبل اشتداد ساعد هذه الطبقة داخله وفي المجتمع كانت تقاليد وخيارات ديمقراطية كما اوضح ذلك كمال الجزولي في مبحثه الوافي حول هذا الموضوع، كما انني قد انتقدت هذا المسلك في مقال سابق لي بصحيفة «الصحافة».
يتضح من مسيرة هذه الطبقة ومن صراعاتها فيما بينها على السلطة او في قيادة تكويناتها المختلفة انها طبقة شريرة وبلا اخلاق وميالة للعنف وسيادتها على المجتمع عبر الدولة احدث اختلالاً في معايير الترقي والعطاءات وطبع الحياة العامة بما يمكن ان نسميه «بالتخريمة» بمعنى ان لا احد يرغب في سلوك الطريق القويم في الوصول الى اهدافه وانما يتخير الطرق الملتوية.
اما في الشق الريفي للبرجوازية فنلاحظ انها توسلت بالاعراق في الوصول الى اهداف ويلاحظ من خلال الكتاب الذي صاغته هذه الطبقة ان الحديث انكب على الوظائف لان الوظائف هي التي تصنع الثروة وقد اختبرت هذه الطبقة اهمية ذلك من خلال تواجدها في المجالس واللجان الشعبية.



ما يجب ان يحدث:
يجب ان نخرج من موقع المتفرج الى الفعل بتكوين جبهة شعبية يأتي اليها الحزب الشيوعي معتذراً لان هناك تحفظات كثيرة عليه ولم يعد هو في موقع من يوافق او يرفض لكن رغم كل ما يمكن ان يقال عن الحزب الشيوعي يظل صاحب انبل تقليد في العمل السياسي وتتميز تجربته بطهارة اليد، وهذه تقاليد يجب ان لا يتردد في الاستناد اليها كما اننا يجب ان نذهب الى المنابع الشعبية المجففة داخلنا وهذا يتمثل في ان لا تقود الاحزاب بصحفها «لسان الحال». كما اننا مطالبون بانشاء صندوق لرعاية قدامى المحاربين حتى لا يرى الشعب مناضلاً منكسراً وحتى نحبب للناس النضال. كما يجب ان يكون السلام تحت رقابة الحركة الجماهيرية حتى نتجاوز حالة الهرج.
مناقشات الحضور:
بله علي عمر:
المفكرون يقفزون فوق الاحداث. وحديثهم يعتمد على الحكي وليس إستباق الاحداث.
زين العابدين محمود :
ماهى ملامح الثورة التي تبشر بها؟
وراق:
اود الدخول بمدخل صغير للأسبقيات التي وصفها د.عبدالله. وهى مثل تأسيس صندوق لقدامى المحاربين، التجمع الوطني الديمقراطي منذ تأسيسه 1989م اكتوبر منذ الانقاذ كان له في المهاجر آلاف المغتربين وكلهم متعاطفون مع النضال لاسقاط الانقاذ، لم ينظم أى جهد لجمع مال حتى للعمل السياسي عند الانقاذ، واذا قارنا ذلك بالثورة الاريترية نجد أن بعضهم كانوا يعملون خدماً في المنازل لكن عندما تقبض الخادم مرتبها لايمكن أن تنسى مساهمة الثورة من ذلك الراتب ولذلك انا لا أعتقد ان الموضوع متعلق بالتحليل الطبقي او البرجوازية الصغيرة على إطلاقها لأن الثورة الاريترية قادها من يسميهم د. عبدالله البرجوازية الصغيرة لكنها حققت نموذجاً في التضحية والاخلاص الى أن انتصرت. وانا اعارض د. عبدالله بدكتور عبدالله نفسه واعتقد أن النخبة التي افرزها النضال الوطني كانت تعاني من فقر في الخيال. ود. عبدالله تحدث عن مزالفة وعيها بمعنى محدودية ذلك الوعي مقارنة بالسودان الكبير وهذه هى الأزمة لأن الثورة الناصرية رغم انها برجوازية صغيرة لكنها احدثت منجزات ما زالت تستند عليها مصر وفي التاريخ الانساني الثورة الفرنسية كان عمادها البرجوازية الصغيرة وفي اوربا كلها الطبقة التي قامت بالتغيير هى الطبقة البرجوزية المدنية وهى التي احدثت التحولات الاجتماعية واحدثت الاستقرار الذي قامت عليه النهضة ويبقى السؤال ماهو سبب الانقطاعات ولماذا تستطع الطبقة البرجوازية الصغيرة في السودان ان تحدث استقراراً في نظامها السياسي رغم فسادها. لكن اعتقد ان د. عبدالله من التحليل الثقافي والنفسي يرجع للتحليل الطبقي الماركسي التقليدي هذه ردة واعتقد ان مشكلة عدم تحديث السودان اكبر من أن تعزى للبرجوازية الصغيرة وهذا اضافة الى أن غالبية المجتمع الحديث ما يسمى في الماركسية بالبرجوازية الصغيرة والغالبية في السودان هم برجوازية صغيرة ويبقى السؤال هل ينادى د. عبدالله باتحاد شعبي لا يعبر عن غالبية الشعب؟
واعتقد ان هذه الدعوة يمكن أن تكون «تكئة» لممارسة ارهاب فكري ضد المثقفين لانها تستخدم من قبل مثقفين ضد مثقفين ولذلك يجب أن نتحدث عن فضائل بغض النظر عن الطبقة وموضوع مثل طهارة اليد افضل أن نطرحه على المستوى الثقافي الاخلاقي المعنوي.
اخيراً انا اتفق مع كل الاسبقيات التي ذكرها د. عبدالله واعتقد انها لا تتعارض مع ايقاف الحرب وايقاف السلام واتحاد القوى الشعبية يعطيها المحتوى الملائم ويجب أن نعمل لتجسيد قيم إتفاق السلام.
نور الدين مدني:
انا اعتقد ان خلفياتكم السياسية يا د. عبدالله مسيطرة عليكم وهى خلفيات ديكتاتورية وهل مازلتم غير مقتنعين بالديمقراطية واعتقد أن الحل ليس في هذا الكلام المعمم بقدر ما هو في الديمقراطية وان الاخلاق وطهارة اليد تأتي عبر الديمقراطية.
علاء الدين بشير:
في حديث الدكتور عن نيفاشا قال إنها هرج وليس فيها افكار وانا اقول إن فيها استثمار افكار غربية وان الخبراء والمفكرين السودانيين لم يكونوا بعيدين عن مؤسسات الابحاث الغربية التي انتجت تلك الافكار فهل للدكتور اعتراض على الافكار الغربية التي انتجت نيفاشا؟
وايضاً تحدث الدكتور عن البرجوازية الصغيرة والطغم العسكرية فهل هناك فرق بينهما ومن الذي يستخدم الآخر؟ ونريد من الدكتور أن يقرأ لنا ذلك على ضوء ما يحدث اليوم لأن الانقاذ هى حلف بين البرجوازية الصغيرة والطغمة العسكرية.
الياس الملك
اثبت التطور السياسي السوداني تشابه العهود ولم تأت بجديد كما حدث في تركيا حيث حدث انفصال تام بين الجديد والقديم وايضاً في ايران لكن ذلك لم يحدث في السودان حيث يدور التطور السياسي في حلقة مفرغة. كذلك كانت الصفوة تلجأ للجيش لاحتكار السلطة. لكن في نيفاشا تمت مخاطبة اشياء اساسية مثل تقسيم السلطة والثروة والاستعداد للتحول الديمقراطي وهذه ستكون نقلة حقيقية للمجتمع وهذا هو الفرق.
حسن البطري
ü اعجبني حديث الدكتور عن طهارة اليد وعن انها مؤسسة وليست فضيلة فردية ومن هنا يأتي السؤال من اين يمكن ان تأتي هذه المؤسسة؟
وانا اعتقد ان الحديث الجميل عن الرجوع الى الشعب هو حديث جميل، لكن الواقعية تقول إن هذا الشعب في اضعف حالاته وهذه القوى تكاد تكون غير موجودة ونحن محتاجون لدرب اني ويظل للنخبة فيه دور مهما هاجمها الناس.
عادل الباز
ü الأستاذ عبد الخالق محجوب نفسه كان على رأس الهرم الحزبي والسؤال الى اي مدى كان للحزب الشيوعي حرية تعبير اذا كانت كل هذه المؤامرات والانقلابات تقوم بها البرجوازية الصغيرة داخل الحزب واذا كانت البرجوازية الصغيرة هى الجهاز العسكري والفكري للحزب الشيوعي فعن ماذا يعبر الحزب الشيوعي؟
هذا يعني انه حزب للبرجوازية الصغيرة وهذا يجعلني اتفق مع وراق في ان عبد الله ارتد وهل يمكن في عالم اليوم التحدث عن طبقة واين نضع المعلوماتية، والشئ الآخر اتمني ان لا تكون دعوة عبد الله الشعبية دعوة الى تنظيم آخر لمرحلة مابعد الهرج لان ذلك لا يتناسب مع روح العصر واتمنى ان يكون دعوة لرأى جمعي بتوعية المؤسسات القائمة.
الاحمدي
ü التكوينات القديمة من الصعب ان تستعيد عافيتها مع نهوض القوى الاثنية ومع طبيعة الصراع والسؤال الى اي مدى يستطيع التنوع الثقافي في ان يكون تبعثراً او ثراء مهدراً وان يشكل دافعاً للحركة السياسية في ان تذهب الى الاطراف واذا عممت اوراق نيفاشا على الشرق والغرب والشمال ستكون الحركة الشعبية، قد كسبت امتياز تشكيل السودان الجديد.
تعقيب د. عبد الله
ü الحديث عن فشل المثقفين يعاني من الشمول وحديث اخونا منصور خالد مثل حديث وراق يفتقر الى مفهوم الطبقة واذا رجعنا الى جيل الاربعينات من الماركسيين نجده بوعي كبير اختار الحركة الجماهيرية لأنهم وجدوا حركة الخريجين برموزها المعروفين قد دخلوا في الطائفية وتجردوا من المعاني التي قالوها في مجلة الفجر من عداء للطائفية والدعوة للعلمانية فخرج منهم راديكاليون مثل محمود محمد طه ومحمد المهدي المجذوب واستنوا سنة الحديث للناس في المقاهي، ومن خيانة المثقف الصفوة خرج الجيل اليساري الذي اختار بطريقة ما ان يكون مع الشعب وكامل محجوب يقول في كتابه كيف حدث هذا الاختيار وهو ليس مجرد فضائل مجردة وإنما فضائل شخصية قررت ان تتخذ خيارات من القوى المختلفة ومن الطبقات الاجتماعية المختلفة والفترة التي حدد فيها كامل محجوب خياراته كان يكثر فيها الحديث عن الذهاب للشعب وليس كمثل اليوم حيث يحصر الناس خلافاتهم حول ما قال مبارك الفاضل وماذا قال مسار وقد اردت ان وهؤلاء اناس ليسوا بهذا القدر من الاهمية حتى تفرد لهم الصفحات في الصحف.
واذا نظرنا في تجربة كامل محجوب نجد انه حينما كان في الحركة الاسلامية ذهب مع اخوانه الى كوستي واسسوا ساقية حتى يتصلوا بالشعب وهو لم يكمل الثانوي وحينما وجد الشيوعيين يتحدثون عن الشعب كان مهيأ للانضمام اليهم، وانا ادعو الاخ وراق ان يتأمل معي في هذه الفضيلة، وانا لا اعتقد ان يكون كامل محجوب وعبد الخالق محجوب وحسن الطاهر زروق مسئولين عن مايذهب اليه منصور خالد ويمكن لمنصور ان يسأل عن الفساد الذي حدث امثال مبارك زروق ومحمد احمد محجوب وغيرهم لكن ليس من المعقول أن اسأل عنه التيجاني الطيب ورغم مشروعية الاختلاف مع خيارات التيجاني لكنه لم يختار ان لا يعطي الجنوب الحكم الذاتي بل ان البرنامج الكامل الذي يناقش الآن في نيفاشا كما قال الاستاذ نقد خارج من الحزب الشيوعي بشكل او بآخر، ولذلك فان مفهوم الصفوة والأدباء السودانيين والمثقفين السودانيين يظلم هذا الرعيل لانه لا يمكن ان نضع عبد الخالق ومنصور خالد في مقام واحد وانا لا اريد ان ادافع عن نفسي بأنني لا استبق الاحداث لكنني حينما كتبت الارهاق الخلاق عام 1991 كنت جزءاً من المصالحة الوطنية وما زلت اشقى من هذه الكلمة وحينما كتبت ذلك كان واضحاً لي ان القوى التي انتمي اليها لا تستطيع ان تفعل ما يفعله من يحملون السلاح في الغابات او في قرورة وليس هناك حركة نقابية تحمل السلاح او تختفي مثل (نقد) وما حدث ان التجمع هاجر بالحركة السياسية والنقابات واصبحوا رموزاً تتجول في العالم وكنت انا انادي بابعاد البرجوازيين الصغار حتى نعود للحركة الجماهيرية. اذاً انا خطي انني استبقت الاحداث لان الجميع الآن يفاوضون الانقاذ في كل المنابر ويعترفون بأن البشير رئيساً لهم وعليه اصبح انا متهم ببعد النظر والخطأ في من يتهموني وليس في انا.
ايضاً انا وصفت ما يحدث الآن في نيفاشا بأنه تجاحد وهذا الحديث كتبته في اعمدة سابقة لي. وانا ارحب بنيفاشا لأنها تأتي في اطار فكرتي من وضع للسلاح ودخول قوة اخرى في الصراع غير التي تعودنا عليها وانا اطالب بأن تجد هذه صيغة للعمل وانا اسميها حركة اجتماعية وهي القوة التي تحرس السلام والسلام لا يحرس بحسن النية والنوايا الحسنة بقدر ما يحرس بقوة شعبية. وحديث وراق عن الطبقة واننا كلنا برجوازيين صغار ربما يحتاج لنقاش اوسع لكن اقول إن الانسان رغم انه يولد في طبقة معينة لكنه قادر على التخلق وطهارة اليد اتفق معك في انها ليست قاصرة على طبقة معينة لكن هناك تربية والحزب قادر على التربية والحديث هنا ينصب على حركة تنمي الانسان لا حركة تشتري الانسان والحركة الاسلامية كانت تشتري الناس والحزب فرضت عليه البرجوازية الشراء عن طريق البعثات الدراسية لكن هذا موضوع يجب تفصيله في وقت آخر.
لكن طهارة اليد شئ كُنا نتعلمه والحزب اسمه لم يرد في كل القوائم التي استلمت أموالاً من الاتحاد السوفيتي والمرة الوحيدة التي ورد فيها انه اوصى ان يعطي احداً اموالاً.
اما في موضوع الطبقة انا ما زلت امزج بين التحليل الطبقي والعرقي ومفهوم الجندر.
ايضاً اود ان افرز بين البرجوازية الصغيرة والبرجوازية الكبيرة لأن هناك حديثاً عن ما فعلته البرجوازية في بلاد اخرى واني ارى ان المشكلة هى ان ربنا لم يهب لنا برجوازية لأنها كلما تنمو يقطع امامها الطريق وانا ليس لي افكار اقتصادية حول ذلك لكنها تحتاج للدراسة ولعل واحدة من النظريات اليسارية الرائجة انه لا يمكن ان تكون هناك ديمقراطية طالما انه لا توجد طبقة برجوازية ولذلك ظهر الحديث عن ديمقراطية جديدة وهى الديمقراطية (السقطت حجرنا) ونحن في الحزب الشيوعي كنا ديمقراطيين الى ان جاءتنا البرجوازية الصغيرة واستعجلنا ودفعتنا للانقلاب ومررنا بفترات اضطراب وانا رجعت لها في مقالي «مصادر العنف في الثقافة السودانية» في كتاب ثقافة الديمقراطية في السودان وتجارب الاحزاب الشيوعية العالمية، لا تنطبق علينا وهو من الاحزاب المستقيمة وانا لا ادري لماذا يبدو الحزب الشيوعي مفزوعاً من سقوط الاتحاد السوفيتي وغيره علماً بأنه هو لم يسقط وما زلت اذكر ان الشعب السوداني انتظر خلو دائرة البراري لينتخب احمد سليمان مرشح الحزب الشيوعي نكاية في الذين قاموا بحل الحزب الشيوعي، وفي البرلمان حينما عرض قانون مكافحة الشيوعية قال احد النواب اننا نناقش هذا الموضوع في دائرة الشيوعيين لان البرلمان كان يقع في دائرة الخرطوم شمال التي فاز فيها الحزب الشيوعي، وربط الحزب الشيوعي بالسوفيت من تراث مايو والاسلاميين والحزب الشيوعي لم يسمع كلام السوفيت في اي موضوع وكان يعيش استقلالية غير منقوصة.
اما الحديث عن الطبقة ما عادت مصطلحاً اقول انها ما زالت مصطلحاً سائداً ولا يمكن ان تفهم السياسة الاميركية مثلاً بغير مفهوم الطبقة ولا في اوربا والترابي قال لا يمكن تحديد النفقة بدون رأى خبراء في المعيشة وانا تعلمت في اميركا ان الماركسية صحيحة وللاسف عندما اثبتت صحتها كان الماركسيون قد اصيبوا بداء الغيبة والآن افتتاحيات الصحف في الغرب تتحدث عن أهمية المال في الانتخابات مثلاً وهذا حديث قاله الماركسيون ولم يعودوا يقولونه لأنهم اصبحوا (مبسوطين) من الليبرالية.
اما بالنسبة للتنظيم الشعبي فالحزب الشيوعي يصف نفسه بأنه تحالف طبقي وليس من شروط الانتماء له ان يكون المرء عاملاً.
بخصوص نيفاشا المفهوم الذي قلته هو اعادة التفاوض في الوطن ونيفاشا مثلها مثل ابوجا والقاهرة قررت حقيقة ان هذا الوطن الموروث يجب ان يعاد التفاوض حوله لأنه كما قال وراق وطن كبير ورثته ثقافة واحدة.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147494772&bk=1
________________

Post: #220
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 00:30 AM
Parent: #1


Yousif
التاريخ: 08-03-2004, 07:23 م

ولعل من أبرز المواقف التي أجمع كل صاحب فكر وحس فني وريشة وقلم على خطورتها، خروج جماعة لا تملك حق تكفير الغير بقرار يقضي بردة الأستاذ محمود محمد طه الذي كان على أيام تلك الفترة شعلة نشاط فكري جذبت قطاعات كبيرة ممن يحترمون فكر الرجل أو ممن يرغبون في مقارعته الحجة0 ولا أود أن أسهب في هذا المجال، ولكن ربما يكون أكثر الذين وقعّوا على عريضة الدفاع عن حرية الفكر ضد قضاة الأستاذ ، لا يؤمنون بفكره ولكنهم انطلقوا من حرص شديد على صيانة حقه في التعبير ومن مغبة استخدام التكفير ضد الآخرين إن هم عبّروا بما لا يرضي قضاة الأستاذ يوماً ما0

وكان أيضاً من دواعي تكوين أبادماك، تلك (الفركشة) الشرسة والدامية التي نفذها دعاة الهوس الديني مستهدفين بها نشاط الجبهة الديمقراطية بجامعة الخرطوم عندما كانت تقدم جانباً من فنوننا الشعبية التي من الواجب أن نتوحد حولها ونرضي بها كأصالة يقوم عليها إرثنا الفني، بدلاً من النظر إليها بمنظار مظلم وظالم أعتبرها من قبيل التفسخ والإنحلال0 ولعل المتأمل لهذه الخلفية يدرك تماماً تشابه الأمس واليوم، فما تكفير وردة وإعدام الشهيد محمود محمد طه على أثر إصدار قوانين سبتمبر 83 أو حتى شغب وسقوط الباستيل ببعيدين عن الأذهان، إضافة إلى ممارسات الحجر الفكري العديدة في مجال الفنون ووسائل نشرها التي تقف دليلاً على وهن خيط الوصل بين أصحاب وجعة الحرية والتعبير0

صلاح يوسف
=================
عقب ليلة شعرية أقيمت بنادى أبناء حلفا ـ فى ذكرى أكتوبر وكان ذلك عام 1968 اشترك فيها بعض من الشعراء وقام بالتعقيب عليها الأستاذ عبدالله على إبراهيم والذى فى نهاية الليلة قدم دعوة للشعراء الحضور بأن هنالك شبه اجتماع سيقام بدار الصداقة السوفيتية للتفاكر حول الهجمات الشرسة التى توجهها القوى المعادية للتقدم والحرية ، وكمثال لذلك ما حدث فى جامعة الخرطوم عند قيام جمعية الثقافة الوطنية وضمن مهرجانها السنوى ، عند قيامها بعرض للفنون الشعبية ، قامت تلك القوى بمهاجمة مقدمى العرض بوسائل التعدى البربرى اليدوى والسيخى ، وأيضا مثال لذلك ما تم من هذه القوى من رفع قضية على الأستاذ محمود محمد طه أمام المحكمة الشرعية ومطالبة هذه القوى بالحكم بالردة عليه ومن ثم تنفيذ ما يتبعها من تطليق لزوجه و . و .
لذلك وجب على كل الكتاب والفنانين التقدمين التجمع مع بعضهم حتى لا نتكسر آحادا . انطلق المشاركون إلى دار الصداقة السوفيتية وهنالك وجدنا لفيفا من الشبان المشتغلين فى مجال الأدب والفن وكان أكثرهم يعرفون بعضهم البعض وكان هنالك أيضا الأستاذ محمد أمين حسين المحامى ذلك الرجل النشط والمعروف بكتاباته الوطنية . بعد التداول والمفاكرات إتفق المجتمعون على صياغة بيان يدين ماتم من هجوم على ليلة الفون الشعبية بجامعة الخرطوم . وأيضا ما تم من ملاحقة للأستاذ محمود محمد طه قضائيا وأدين كلا العملين فى ذلك البيان وشمل البيان إعلان صريح بأن كل قوى الفكر والتقدم لن تتهاون فى الدفاع عن نفسها ضد أى هجمات تصدر من أية جماعة وأننا نملك السلاح الرادع لوقف مثل تلك الهجمات وأيضا أننا سائرون فى طريق الفكر الحر والعلم متخذين من موروثات شعبنا ما ينير لنا هذا الطريق وأننا أبناء لشعبنا وأننا طلائعه سنهتدى بذلك الموروث فى سيرنا الأدبى والفنى والفكرى .
صديق ضرار
====
اباداماك والمرحوم محمود محمد طه:
في إجتماعنا الأول العاشر من يناير 1969 أجزنا قرارين. واحد يشجب الإخوان المسلمين علي إعتدائهم علي حفل جمعية الثقافة الوطنية بجامعة الخرطوم في شتاء 1968. أما القرار الآخر فقد شجبنا فيه حكم الردة الذي صدر بحق المرحوم محمود محمد طه. وهذا نصه:

يستنكر إجتماع الكتاب والفنانين التقدميين التضييق الذي تمارسه بعض الجهات علي العقل بإسم الدين. إن الحرج الذي تعرض له العقل والوجدان بوقوف فكر ومنهج الأستاذ محمود محمد طه أمام القضاء الشرعي لهو حرج في افئدة كل الذين يريدون لبلادنا أن تستظل بالحوار وأن تسترشد بالحجة والبيان وأن يصان العقل من الاستعلاء والاستعداء. وإننا لنؤكد بالقطع مسئولية الفكر في خلق سودان معاصر في التاريخ والزمان والمكان. لن ننثني أمام محاكم الردة وما أشبه . . ففي عمق رؤانا يعيش شعبنا وتراثه وبإسمه نستشرف آفاق المعاصرة والبهاء.

د. عبدالله على ابراهيم
==

<a href="http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=print&board=13&msg=1139077595&rn=" target=_self>بين أبادماك و بورتبيل

Post: #221
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 00:37 AM
Parent: #220


وكان أبادماك يعرف بلغة عبدالله على إبراهيم الرضينة المدهشة سواء في بيان إستنكار محاكمة محمود مخمد طه، أوإعتقال عبد الخالق أو مسرحية قائمة بأسماء الشهداء، أو كتاب الإشارة أو مسرحية جودة، ولعل الفضل يعود للأستاذ الدكتورعبدالله في القدرة على لم وتوحيد المبدعين دون تزمت وأذكر جيدا أني قلت، وقد كنت صديقا لمحمد المهدي بشرى وعبد الهادي صديق (ولذلك قصة ربما نحكيها في وقت أخر) لعبدالله "أن بعض الناس يلمونه عي تقريب محمد المهدي وعبد الهادي" فقال لي "دعك منهم فهؤلاء شباب مجتهدين والمجتهد بيصل". وأثبت التاريخ صحة رأيه وأنظر لإسهمات الإثنين في الثقافة السودانية.
Sidgi Kaballo
====

كما تفضل الدكتور عبد الله علي إبراهيم، فإن كثيرا من الأفضال في مسار التحولات الوعيوية، في سودان أواسط القرن الماضي، في عموم ساحات االفكر، والسياسة، والثقافة بضروبها المختلفة، إنما ترجع بشكل رئيس، إلى حركة اليسار السوداني. وحين أقول هذا القول، فإنني أميل لأن أضع حركة الجمهوريين، تحت مسمى اليسار أيضا. أضعها هناك، وأنا مطمئن، تمام الإطمئنان، رغم إطارها الديني الذي لفها. فهي من حيث التقويم السياسي، إنما تقع تحت مسمى اليسار. واليسار في مفهومه الواسع لا يرتبط فقط بالعمل لتحقيق الحلم الإشتراكي، كما تنبأت به، ورسمت خريطة طريقه، الماركسية اللينية. وإنما هو في حقيقته، فضاء عريض، فيه تحدو قوى كثيرة، وعريضة، قافلة حركة التقدم، والتحرير، في عديد جبهاتها، ومساراتها. وقد دار الزمان، دورات سريعات في أخريات النصف الثاني من القرن العشرين، وتقلص جسد اليسار المتطرف، المتمثل في التنظيمات الحزبية الماركسية اللينينة، بأسرع مما تنبأ به أي أحد من العالمين. وأصبحت فصائل اليسار، من اقصى يسار اليسار، إلى أقصى يمينه، تتوافى رويدا، رويدا، على بساط الإشتراكية الديمقراطية الذي سبق أن جلس عليه اليسار الفرنسي، منذ الستينات، مع من تبعه في ذلك النهج، من قوى اليسار الأوربية. هذا مجرد استطراد قصير، أقتضته محاولتي لوضع حركة الجمهوريين، تحت مسمى اليسار.

استشعر الحزبان الكبيران، الأمة والإتحادي، خطر الشيوعيين والجمهوريين. فكان الإستغلال المتعمد لحادثة طالب معهد المعلمين، التي انتهت بتعديل الدستور، بغرض إخراج النواب الشيوعيين، من الجمعية التأسيسية. رغم أن الشيوعيين قد جاءوا إلي الجمعية التاسيسية كنواب منتخبين من جانب الشعب. بل جاءوا من دوائر الخريجين، التي هي دوائر الوعي. وقد أثبت مؤرخ حركة الإخوان المسلمين، الدكتور حسن مكي، استغلال جبهة الميثاق لتلك الحادثة. وأعترف بالتصعيد المتعمد الذي قامت به جبهة الميثاق من أجل إيقاف نشاط الشيوعيين. وقد كان كل من السيد الصادق المهدي، والدكتور حسن الترابي، في مركب واحد من حيث الدعم والحماس الذي أبداه كليهما لطرد الشيوعيين من الجمعية التأسيسية. وقد بلغ الأمر بالسيد الصادق المهدي، الذي كان رئيسا للوزراء وقتها، أن رفض الإنصياع لقرار المحكمة الدستورية، التي قضت بعدم دستورية حل الحزب الشيوعي، وطرد نوابه من البرلمان.

خرج الشيوعيون مطرودين من الجمعية التأسيسة، بسبب إجراءات تعسفية مثلت في حقيقة الأمر، إنقلابا مدنيا على مبادئ الديمقراطية. بل، لقد كان ذلك الإنقلاب أسوأ من أي انقلاب عسكري، لأنه قد تم بإسم الديمقراطية. وعلى أثر ذلك، تكثف نشاط الحزب الجمهوري في دوره. وبدأ الأستاذ محمود محمد طه، سلسلة من المحاضرات في فضح تلك المؤامرة، وتعريتها من المسوغات القانونية. ثم أخرج الأستاذ محمود كتاب، ((زعيم جبهة الميثاق الإسلامي في ميزان: 1- الثقافة الغربية 2- الإسلام)). ردا على كتاب الدكتور الترابي ((أضواء على المشكلة الدستورية)). ومن هناك بدأ الضيق بحركة الأستاذ محمود يتزايد. وبدأ العمل المنظم لعرقلة محاضراته، بحجة أنها تثير الأمن. وقد تصاعد نشاط الأستاذ محمود أيضا ضد ما تلى المؤامرة على الشيوعيين من محاولة حثيثة لتمرير ما سمي، بالدستور الإسلامي، من داخل الجمعية التاسيسة. وقد كانت جبهة الميثاق هي المزمر الأكبر لذلك المسعى. وقد كانت هي التي ساقت وحدت كلا من الأزهري، والسيد الهادي المهدي، وأركبتهما ذلك المركب الخطر. وبالفعل فقد ساعد خلو الجمعية التأسيسية من الشيوعيين، وقد كانوا أكثر جناح المعارضة وعيا، وأفصحهم عبارة، في التسريع بحبكة ما سمي بالدستور الإسلامي. تم التخلص من الشيوعيين، وصوتهم المزعج داخل البرلمان، ولم يبق غير إسكات الأستاذ محمود الذي كان نشيطا في المنابر العامة. فقامت من أجل ذلك مجكمة الردة في عام 1968. ولكن، بعد ستة أشهر من تلك المحاكمة، قام انقلاب مايو، الذي مهد له الحزبان الكبيران، وجبهة الميثاق الإسلامي، بما جرى منهم مجتمعين، من سوء استخدام مسرف، للمسار الديمقراطي. وقد قاد التلاعب بالديمقراطية، في تداعياته، إلى زهد الجمهور في تجربة الحكم الديمقراطي، برمتها. وكان أن استقبل الشعب بمختلف فئاته قدوم الحكم العسكري الثاني، في مايو 1969، بالأحضان.

كان لابد لي من هذا العرض الموجز لبعض جوانب تلك الحقبة التاريخية، وذلك لأن معرفة حالة المسرح السياسي، وقتها، يساعد كثيرا في فهم تجربة أبادماك، وامتداداتها، في المدارس. خاصة وأنني أحكي عن تجربة (طلائع الهدهد)) في حنتوب. كما أن ذلك يساعد أيضا، في فهم دور حركة اليسار في عمومها، في بلورة الوعي السوداني. فالحزبان الكبيران لم يكن لهما فكر، يزيد في كثير، أو قليل، على حالة الولاء الطائفي التي ظلت تربط الجمهور بالبيتين الكبيرين، الذين مثلا النواة للحزبين الكبيرين ((الأمة، والإتحادي الديمقراطي)).

أما جبهة الميثاق الإسلامي التي أعادت انتاج حركة الإخوان المسلمين السودانية في قالب جديد، عقب ثورة أكتوبر 1964، تحت الزعامة الداينميكية للدكتور حسن الترابي، فلم يكن لها فكر غير فكر السلف. فهي قد اقتاتت فقط، على الرصيد الحركي لحركة الإخوان المسلمين في مصر. ولم تكن بهذا المعنى، سوى صدى باهت لحركة الإخوان المسلمين في مصر. نعم، لقد أوصل الدكتور الترابي، هذا الحركة، إلى ما لم تصل إليه ضريباتها، في دول المشرق العربي، من حيث بناء الجسد التنظيمي، ومن حيث التمكن من الوصول الى دست الحكم. إلا أن الحركة قد ظلت، مع ذلك، أرضا خلاء، من حيث المُنتج الفكري، وأهم من ذلك، من حيث المُنتج الأخلاقي، أيضا.

ومما يدلل على سمة الإقتيات على موائد السلف، في حركة الإخوان المسلمين السودانية، في أطوارها، وتخلقاتها المختلفة، ومما يدلل أيضا على عقمها الفكري، والرؤيوي، خلو هذه الحركة، شبه الكامل من المبدعين، المتميزين، عبر كل تاريخها. فقد ظل الإبداع السوداني، المتميز، يساريا، في غالب أحواله. وسوف أعود في المداخلة القادمة لأصل الموضوع، وهو البعد التعليمي الجديد، الذي مثلته ((طلائع الهدهد)) في محيط حنتوب الثانوية، وما تم اثر ذلك، من تجربة القوافل الثقافية في قرى ريف الجزيرة المروية
elnour hamad
=====
أبادماك: تهمة لا ننكرها وشرف ندعيه

د. عبد الله علي ابراهيم



(كان ريحانة المجلس ...جميل المحيا... شاعراً غزلاً متلافاً حتي في حب الوطن . . عثمان خالد ياحليلو)
أسعدني تلاحق الإهتمام والتوثيق لتجمع الكتاب والفنانين التقدميين (أبادماك، يناير 1969 ـ يوليو 1971 ) علي صفحات سودانيزاونلاين على شبكة الإنترنت. وهو التجمع الذي سعدت بقيادته طوال تلك الفترة. وقد فتح باب هذا التوثيق ابن حلال هو الشاعر صلاح يوسف وساهم فيه الشاعر صديق ضرار عضوا التجمع . ثم تتالت كتابات من جيل اصغر هم السادة حسن الجزولي والنور حمد والفاضل بشرى. والأخيران إنتسبا الى أبادماك من خلال منظمات قامت على هئيته وتطلعه في المدارس الثانوية. ثم تداخل جيل اصغر فيهم السيدة نجاة محمود، بنت استاذنا محمود محمد الأمين، والسيد عاطف عبدالله. وقضيت سحابة أمس الأول أكتب مذكرة عن أبادماك تحكي بعضاً من تاريخه وتجيب على اسئلة قيمة أثارها الجيل الحدث.
سألني سائل على الشبكة عما إذا كن أبادماك هو وليد شرعي للحزب الشيوعي. وقلت انه تهمة لا ننكرها وشرف ندعيه. فأي شيء جميل في بلدنا منذ الأربعينات لم يكن وليداً شرعياً للحزب الشيوعي. واريد مع ذلك أن نفهم أننا لم نكن وليداً بمعني الدسيسة والإملاء. فلم يحرضنا أحد على بنائه ولم يحملنا ما لاطاقة به. فقد خرج التنظيم بصورة مباشرة من بيئة صدام ثقافي وضع حرية التعبير على المحك. فقد تجمعت سحابات برمنا بتضييق الجماعات الدينية لتلك الحرية بعد اقتحام عصبة من الإتجاه الإسلامي لحفل جمعية الثقافة الوطنية في شتاء 1968 الذي اشتموا منه خروجاً من العرف بسبب رقصة العجكو الشعبية العرفية. ثم جاء حكم المحكمة الشرعية العليا بردة المرحوم محمد محمد طه وغزل السيد إسماعيل الأزهري مع قضاة الشرع ليجعل يدهم العليا علي القضاة المدنيين. وأملت علينا ملابسات تلك الحرب على التقدم أن ننتظم دفاعاً عن الثقافة وحرية التعبير.
صدر أبادماك عنا ونحن في كامل صحونا وحريتنا. كان قدحنا في هذه الحرب المعلنة لإنزال التقدم المعاش بالغاء الوظيفة . لم يتعقبنا كوميسار من الحزب يضع لنا عمل اليوم والغد. وأذكر أنني التقيت استاذنا عبد الخالق محجوب بمنزل المرحوم حبيبنا عبدالله محمد الحسن ( رحمه الله على فيض وده لنا). وجاء استاذنا يبارك له زواجه. وكان بين المرحومين لغة وقربي وإلفة عجيبة. وكنت قد عدت لتوي من قافلة أبادماك الثقافية التي زارت منطقة الجزيرة في اغسطس 1969 . وعرضنا فيها مسرحاً وغناءً وتشكيلاً وشعراً. وقال لي أستاذنا: ولماذا إخترتم الجزيرة. لماذا لم تنجعوا الى الهامش حيث الحاجة ماسة؟ قلت له: يأستاذ ولكن تقريركم الأخير وضع الجزيرة كأسبقية للعمل الثوري لطبيعة جمهورها من المنتجين الصغار وتذبذبهم السياسي. ولم يزد أستاذنا. فقد علم أننا ليس بحاجة الى وصاية وإننا نقرأ ونفهم ونفعل. ولم يسؤه هذا الرد الصريح بل ظل يتعهدني بمودة إنتهت بي الى التفرغ للعمل الحزبي. كان هذا الحزب وكنا نحن كذلك وكان أبادماك وليد الشيوعيين في هذه المعاني من الإستقامة والندية.
كان شاغلنا الكبير في أبادماك هو كسر الحائط بين المبدع والجمهور. وكان ذلك منهجاً مشهوراً في العالم وقد تسرب الينا عن طريق مصر التي نفذ مبدعوها مسرح القهوة وأشياء اخرى. وبدأنا بالمدينة الثقافية في حديقة المقرن في يوليو أو اغسطس 1969 وكانت المرة الأولى التي يكون معروض اليوم الخيري بالمقرن ثقافة وليس بضاعة من مناديل وخبيز كما قال صديق ضرار. ونصبنا خيمة لكل ضرب من ضروب الإبداع. وقد تقاطر الجمهور الى مناسبتنا واستخدمنا دخلها لتمويل قافلتنا الثقافية للجزيرة. لم نحصل على أي مال من الدولة (المفروض انها تحت قبضة الشيوعيين) وساعدتنا وزارة الإعلام ببص وهذا عون كبير بالطبع.
اقمنا في مدني بإتحاد مزارعي الجزيرة خلال طوافنا الإبداعي بالجزيرة في إغسطس 1969 وكان اتحاد الشباب والنساء هما همزة وصلنا بالقرى والأحياء . وكنا نطلب من أهل القرى أن يشتركوا بفقرات من إبداعهم نضمنها البرنامج العام. وتوقفنا عند مساهمة شباب قرية برتبيل في البرنامج. واقترحنا عليهم على الفور ان نعقد زمالة إبداعية نتفق عليها فيما بعد. وهي صداقة اسفرت عن إبتعاثنا لمندوبين عنا اقاموا في القرية ودربوا شبابها على ضروب المسرح والفن والشعر. وقد عرضوا حصيلتهم على مسرح الجزيرة بمدني والمسرح القومي. ومما أحبه الناس في قافلتنا غناء جاز فرقة الرجاف الجنوبية المكونة من نفر موهوب من العمال. وكانت الفرقة قد قبلت ان تكون لها عضوية جماعية في أبادماك. . وفي عام 1980 أخذني مديرها وفنانها إسماعيل واني اخذاً من إستراحة مدينة ياي (وكان قد استقر بها) وأسكنني معه في بيته ومع اسرته وقضى لي كل غرضي. وهذه هي إلفة. وسأعود مرة اخرى الى أبادماك لأحدثكم عن مسرح الشارع وحفلنا بذكرى عنبر جودة ومعرضنا عن أبا وليلتنا لسميح القاسم.

Post: #222
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 00:50 AM
Parent: #221


لم يغير الأفندية الذين جلسوا على مقاعد الإنجليز بعد الإستقلال منهج الإنجليز الذي لم يكن همه أكثر من إخراج مهنيين يملأون الوظائف. وتجربتي الشخصية مع المنهج المدرسي اتسمت في عمومها، بالمعاناة. لقد تركت المدرسة ثلاث مرات في حياتي. مرة في الإبتدائية، ومرة في المتوسطة، ومرة في الثانوية. وأذكر أنني حين وصلت رابعة ماركوني في حنتوب، أصبحت لا آتي إلى حجرة الدراسة إلا قليلا. ولولا أن مشرف الفصل، قد كان أستاذنا الجليل، الطيب عبد الرحمن البقاري، وقد كان ذا أفق واسع، وإدراك تربوي راسخ لحالات الإضطراب، وربما الإكتئاب، التي تعتري من هم في مثل تلك السن، لتم فصلي من المدرسة. كان جاري في رابعة ماركوني من جهة اليسار، الدكتور حسن مكي، وقد كان في تنظيم الإخوان المسلمين، منذ ذلك الحين. ولم نكن نحدث بعضنا كثيرا، بسبب التباعد الآيديولوجي، غير أننا كنا نحترم بعضنا كثيرا جدا. فحسن مكي كان منذ شبابه، شخصا هادئا، رزينا، ووقور السمت. كان ثابت الإستقامة، ويتصرف، بل ويتحرك بطريقة كهل أو شيخ. كنت أغيب عن الفصل أسابيع ثم أعود، وأرى في عينيه نظرات الإشفاق نحوي. الطريف أنني بعد أن تخرجت من حنتوب، والتحقت بكلية الفنون، وتعرفت على الأستاذ محمود محمد طه، وجدت أن شقيق حسن مكي الأكبر، وإسمه إبراهيم، أحد المنتمين للجمهوريين.
elnout hamad
==========
وأذكر أنني حين وصلت رابعة ماركوني في حنتوب، أصبحت لا آتي إلى حجرة الدراسة إلا قليلا. ولولا أن مشرف الفصل، قد كان أستاذنا الجليل، الطيب عبد الرحمن البقاري، وقد كان ذا أفق واسع، وإدراك تربوي راسخ لحالات الإضطراب، وربما الإكتئاب، التي تعتري من هم في مثل تلك السن، لتم فصلي من المدرسة. كان جاري في رابعة ماركوني من جهة اليسار، الدكتور حسن مكي، وقد كان في تنظيم الإخوان المسلمين، منذ ذلك الحين. ولم نكن نحدث بعضنا كثيرا، بسبب التباعد الآيديولوجي، غير أننا كنا نحترم بعضنا كثيرا جدا. فحسن مكي كان منذ شبابه، شخصا هادئا، رزينا، ووقور السمت. كان ثابت الإستقامة، ويتصرف، بل ويتحرك بطريقة كهل أو شيخ. كنت أغيب عن الفصل أسابيع ثم أعود، وأرى في عينيه نظرات الإشفاق نحوي. الطريف أنني بعد أن تخرجت من حنتوب، والتحقت بكلية الفنون، وتعرفت على الأستاذ محمود محمد طه، وجدت أن شقيق حسن مكي الأكبر، وإسمه إبراهيم، أحد المنتمين للجمهوريين.
elnour
====
كما حفظنا قصيدة طويلة لشاعر أبادماكي، على ما أظن، غير أنه اختفى بسرعة، بعد نشره لتلك القصيدة الوحيدة وكانت هي كل ما في الديوان الصغير الذي حمل عنوان، (أطوار). وقد كان تصميم الغلاف، من عمل الفنان، بشير عبد الرحيم (زمبة)، شقيق دار السلام عبد الرحيم. وقد تخرج (زمبة) من كلية الفنون، قبل أن ندخلها. الشاعر صاحب تلك القصيدة الطويلة، هو الشاعر توفيق السنوسي. وحين انضممت إلى حركة الجمهوريين، في عام 1971، وجدت أن الأستاذ محمود محمد طه قد رد على اسئلة تقدم بها إليه، توفيق السنوسي، ووردت الأسئلة مع الردود، في كتاب الأستاذ محمود محمد طه، (أسئلة، وأجوبة) الذي صدر في نفس ذلك العام.

elnour
====
كان اليمين الذي جسده الإخوان المسلمون، ومدرسو التربية الإسلامية، في حنتوب نهاية الستينات، كثيرا ما يردد في معرض تصديه للطرح اليساري، أن المجتمع السوداني مجتمع غير طبقي! وحين دارت الأيام، ووصل هذا التيار عبر مسمياته المختلفة إلى السلطة، جسد بنفسه، من الطبقية في المجتمع السوداني، ما لم يعرفه السودانيون طوال تاريخهم. لقد كان هناك صراع طبقي، وهناك علاقة قوة، وهيمنة، على الدوام، في السودان وفي غير السودان. فهذه ظاهرة لا يخلو منها مجتمع بشري، على الإطلاق، لكونها متجذرة في تاريخ المجتمعات، ولا يتم محوها بين يوم وليلة. فهي قد تشتد حدة أحيانا، كما هو الآن في السودان، وقد تخبو قليلا، كما كان عليه الحال في السودان، قبل بضعة عقود. الشاهد أن علاقة الأستاذ والطالب علاقة بين طرفين غير متساويين في فرص امتلاك السلطة، والجلوس في موقع القوة، والنفوذ. ولهذا فهي علاقة تتسم في كثير من صورها بالقمع، وبالفوقية، ولابد أن تخضع لمبضع النقد، ولمحاولات التفكيك. وقد أخضعها الآخرون لكل أولئك، قبلنا. فهلا فعلنا؟

فيما هو مقبل من حلقات، سوف أحكي عن غرامنا بالسينما في أول السبعينات، وعن أفلام أول السبعينات، وتجربة مؤسسة الدولة للسينما، وعن فلم (زد) وزيارة ميكس ثيودوراكس. ثم عن مفترق الطرق، حين تشعبت المسالك بمجموعتنا تلك، وتحول كل من شخصي، والأخ خلف الله عبود، إلى فكر الأستاذ محمود محمد طه.
nour
===
كانت كلية الفنون، في تلك الحقبة قلعة يسارية. وقد كان اتحادها مسيطرا عليه من قبل الشيوعيين. كان رئيس الإتحاد حين وصلنا الكلية في أخريات عام 1970، الأخ خلف الله عبود الشريف، وقد كان شيوعيا نشطا، وقد ذكر، بعد أن أصبح كلانا جمهوريين، أنه كان من الذين يساعدون في الجوانب الفنية في صحيفة الميدان. وأظن أن خلف الله عبود قد ذكر لي أيضا، أن الأستاذ جرجس نصيف سلامة، الذي ترك التدريس بالكلية قبل دخولنا لها، قد عمل معه هو الآخر، في الجوانب الفنية، والإخراجية، وغيرها من المهام الإعلامية في صحافة، وإعلام الحزب الشيوعي السوداني. كان من أبرز اليساريين في الكلية، في تلك الحقبة بالإضافة إلى خلف الله عبود، كل من النور أحمد علي، ومحمد سيد أحمد (طبطب)، ودار السلام عبد الرحيم، وبديعة الحويرص، ونجاة جاد الله جبارة. غير أن خلف الله عبود قد أخذ يميل قليلا قليلا، نحو فكر الإستاذ محمود، وانتهى به الأمر أن أصبح جمهوريا في نهايات عام 1971.

في سكننا ذي الغرف الثلاث المفتوحة على بعضها، كان يزورنا، وبانتظام شديد، إبراهيم قرني. كان إبراهيم قرني في السنة الرابعة، في كلية الفنون، في قسم طباعة المنسوجات. وقد كان، هو وهاشم إبراهيم، الذي كان طالبا بالأقسام الهندسية، الجمهوريان الوحيدان، في المعهد الفني. ظل إبراهيم قرني مثابرا في زياراتنا في سكننا. وبعد حلقات كثيرة من النقاش الذي كان يمتد لساعات، دعانا للذهاب إلى منزل صديقه عمر صالح بمنطقة (اللاماب بحر أبيض). كان لعمر صالح الذي كان يعمل موظفا بشركة سرقاس بالمنطقة الصناعية في الخرطوم، مسجل صوتي كبير، من النوع القديم، ذي البكرات الدائرية، وأظنه قد كان من طراز "غروندق"، على ما أذكر. يحتفظ عمر صالح بتسجيلات كثيرة، لمحاضرات الأستاذ محمود محمد طه، التي كان يلقيها في مدن السودان المختلفة، في حقبة الستينات. وقد أستمعنا ضمن تلك المحاضرات، إلى محاضرة (الإسلام والفنون)، التي كان قد قدمها بكلية الفنون، قبل وفادتنما إليها. وكان ذلك في عام 1968. وأذكر أن الذي قام بتقديم الأستاذ محمود للحضور، في تلك المحاضرة، وقد كان وقتها طالبا بكلية الفنون، هو الدكتور، موسى الخليفة الطيب. وقد خرجت تلك المحاضرة لاحقا، مع مقدمة في كتاب الأستاذ محمود محمد طه (الإسلام والفنون). ترددنا مرات على منزل عمر صالح، وقد كان أستاذنا عبد الله بولا، كثيرا ما يصحبنا، في تلك الزيارات. قادت علاقتنا بإبراهيم قرني بالتزام كل من خلف الله عبود، وشخصي، للفكرة الجمهورية. وقد سبقني خلف الله عبود في الإلتزام ببضعة شهور.

خيمت سحابة من الحزن، والأسى على شلة اليساريين في كلية الفنون، وكنا كثيرا ما نطالع نظرات الإشفاق علينا، في عيون أولئك الصحاب. وعموما، فقد بقي الود بيننا قائما. فقد كانت المجموعة، مجموعة متفتحة، ومفكرة، ولم يفسد تباعد الرؤى الذي حدث وسطنا، للود قضية. نعم، لقد أحزن خروج خلف الله عبود، من الحزب الشيوعي، الشيوعيين المنظمين. أما انا فلم أكن منظما، حتى في الجبهة الديمقراطية، وقد كان موقفي من التنظيم، من حيث هو ثابتا، منذ أيام حنتوب، وحتى تلك المرحلة. وعموما فقد كانت مجموعتنا، مجموعة مختلفة المشارب، جمع بينها الهم المعرفي، والحلم الإنساني العريض. ولم يؤثر على صداقتنا تباعد الرؤى فيما يخص قضية الإنخراط في منظومة اليسار المنظم. كان أغلبنا يعرف مآزق التنظيمات العقائدية، ومصادراتها للحرية الفكرية للفرد، وتضييقها لمساحة الفردية. ومع ذلك، فقد كانت سيوفنا، في أغلب القضايا، مع حركة اليسار، في كلية الفنون، وفي المعهد الفني ككل. منذ تلك اللحظة قل انغماس شخصي، والأخ خلف الله عبود، في تلك المجموعة، فقد استوعبتنا حركة الجمهوريين التي أصبحنا أعضاء كاملي العضوية، في تنظيمها، وانشغلنا، من ثم، في نشاطها اليومي.

تخرج إبراهيم قرني، وخلف الله عبود، وهاشم إبراهيم، في صيف 1972. وحين عدنا في نهايات خريف 1972، وكنت قد انتقلت من السنة الأولى إلى السنة الثانية، اصبحت الجمهوري الوحيد النشط. في معهد الكليات التكنولوجية. وأصبحت أخرج صحيفة (الجمهوري) الحائطية، لسان حال رابطة الفكر لجمهوري، بمعهد الكليات التكنولوجية. وقد أصبح أصدقائي من اليساريين يتندرون علي، في ردودهم على مقالاتي في الصحف الحائطية بأقوال من شاكلة: (ذكر السيد رابطة الفكر الجموري). فهم قد كانوا يعلمون أنني قد كنت، وقتها، الشخص الوحيد في تلك الرابطة.

في خريف 1972 وصلت دفعة جديدة من الطلاب لكلية الفنون، وقد دعمت تلك الدفعة اليسار في الكلية، بدماء حارة، نشطة، ومجربة. أذكر أن الباقر موسى، وعبدالله محمد الطيب (أبوسفة)، قد وصلا من القضارف الثانوية، وقد كان كليهما عضوا في طلائع القندول. وكما ورد ذكره، فقد سبقهما إلى الكلية، قبل عام، من طلائع القندول، عضو مجموعتنا الراحل، آدم الصافي. كما وصل من طلائع الهدهد في حنتوب، الراحل، أحمد البشير الماحي، (هبار)، وهاشم محمد صالح.

حين أعود سوف أحكي عن عبد الله بولا، وبداية حملته، مع حسن موسى، على مدرسة الخرطوم، ومسلسل مقالات بولا الشهير في الصحف عن (مصرع الإنسان الممتاز) وعن شداد، ونائلة الطيب، ومانيفستو الكرستاليين، ومعرض اللحم والخضار بكلية الفنون، ومعرض الثلج بصالة أبي جنزير، وبعض أمورٍ شيقةٍ أخرى.

<a href="http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=print&board=13&msg=1139077595&rn=" target=_self>بين أبادماك و بورتبيل

Post: #223
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 00:55 AM
Parent: #222


انضم الأخ الراحل، بشير محمد علي، المعروف بـ (بشير حِريْشَة)، إلى الجمهوريين عقب تخرجه من كلية الفنون. وقد عمل كل من خلف الله عبود، وبشير محمد علي، في مكتب النشر بالخرطوم، الذي تغير إسمه إلى (دار النشر التربوي). وقد عملا في صحيفة (الصبيان) مع الفنان، شرحبيل أحمد، وعدد كبير آخر، من خريجي كلية الفنون. أذكر ممن تم تعيينهم في ذلك العام، إضافة إلى خلف الله عبود، وبشير محمد علي، كلا من محمد الحاج، ونجاة جاد الله جبارة، وربما عمر مدني. بعد فترة عمل قصيرة هناك، تقرر نقل كل من خلف الله عبود، وبشير محمد علي، ومحمد الحاج، وشخص آخر لم أعد اذكره، إلى العمل بمكتب النشر بجوبا. وحين سافروا كنا في وداعهم في مطار الخرطوم. وأذكر من المودعين، حسن موسى، ومحمود عمر، وربما آدم الصافي، وبدر الدين حامد عبدالرحمن. وقفنا في شرفة المطار القديمة حتى أقلعت بهم طائرة الفوكرز التابعة لسودانير. في المساء عرفنا أن الطائرة قد ضلت طريقها، ولم تصل إلى جوبا. وبقي مصيرهم مجهولا. لاحقا عرفنا أن الطائرة سقطت في إحدى الغابات، وقد سيطر عليها أعضاء حركة أنانيا. مات في ارتضام الطائرة بالأشجار الكابتن الأجنبي، وعدد قليل جدا من الركاب، ربما لم يتعد الإثنين. ويبدو أن السقوط فوق الأشجار قد قلل كثيرا من عدد الوفيات. كما عرفت من الأخ خلف الله، أن الكابتن قد ظل يحلق في بحثه الطويل عن مدينة جوبا التي ضل عنها، حتى نفذ الوقود. وقد جنب ذلك الطائرة احتمال الإحتراق عند الإرتضام. أصيب بعض الركاب بجروح متفاوتة، أما عبود وبشير، ومحمد الحاج، والشخص الرابع معهم، فلم يصابوا بأي أذى. ظل أولئك الصحاب في أسر أنانيا التي كانت تنقلهم من معسكر، لآخر، وظلوا يسيرون على الأقدام، لمدة شهر كامل، حتى أصبحت ملابسهم أسمالا، وخرقا بالية. وقد تم تسليمهم، في نهاية الأمر للسلطات، عن طريق الصليب الأحمر، بعد اتفاق بين حكومة نميري، وحركة أنانيا. وأعقب ذلك، بوقت قصير، توقيع إتفاقية السلام المشهورة، التي أدخلت البلاد في حالة من السلم استمرت حتى بدايات الثمانينات. بعدها عاد خلف الله لمكتب النشر بالخرطوم. أما بشير فقد عاد إلى مكتب جوبا، وأمضى فيه سنوات.

لا أزال أذكر حالة الحزن التي لفت مجموعتنا في كلية الفنون، حين ضاعت الطائرة، وأصبح مصير ركابها مجهولا. كما أذكر حالة الحزن التي لفت المجتمع الجمهوري، خاصة وأن عبود وبشير كانا قد التحقا بالحركة الجمهورية، لتوهما. ظل الأستاذ محمود محمد طه، مشغولا جدا بهما، وكم كانت الفرحة كبيرة حين عادا سالمين، بعد شهر تضاربت فيه الأقوال، وكثرت فيه الشائعات. ولم تكن الحكومة، كعادتها، تقدم من المعلومات ما يشفي غليل أهل وأصدقاء المفقودين. وربما لم تكن لديها معلومات أصلا.

قل ارتباطنا أنا والأخ خلف الله عبود، بمجموعتنا تلك، في كلية الفنون، كثيرا عما كان عليه في السابق، وذلك بسبب التزام كلينا الفكرة الجمهورية. ظل عبود يعمل في مكتب النشر، وظللت أنا في الكلية، وأصبحت ألاقي أفراد المجموعة في ساعات العمل، في الكلية. وقد كنا نمضي في الكلية وقتا طويلا جدا كل يوم. أما الأنشطة المسائية للمجموعة فقد أصبحنا لا نشارك فيها كثيرا. فقد تبدل فينا، أنا والأخ خلف الله عبود، روح المرح اليساري، بروح صوفي جديد، سمته العبادة، والذكر، والقنوت، والمحافظة.

الحديث عن طلائع الهدهد، وارتباطها بأبادماك، وانعكاس تجربة ابادماك على مدرستين كبيرتين، هما حنتوب، والقضارف الثانوية، ودخول عدد من أفراد طلائع الهدهد، وطلائع القندول، إلى كلية الفنون الجميلة، تقود كلها، وبشكل تلقائي، إلى الحديث عن عبد الله بولا. كان عبد الله بولا أحد أهم عرابي حركة التحديث في مجال تدريس الفنون في الثانويات. لم يكن عبدالله بولا معلما في المرحلة الثانوية، وحسب، وإنما كان جامعة متحركة. بل كان جامعة شديدة التأثير على الطلاب. كان لغزارة ثقافته، ولبساطته، وعدم إحساسه بمكانته كمعلم، وسط طلابه، سحرا لا يقاوم.

حين جاءنا في حنتوب لحظنا عليه شرودا، واستغراقا يجعلك تحس بأن شعوره بما يحيط به، شعور ضعيف. حين تخاطبه في ِان ما، يعود إليك بعد برهة، وكأنه خارج من غيابة جب. أرانا بعض رسوماته التي أنجزها، وهو طالب في كلية الفنون. أذكر منها لوحة "الخرفان" ولوحة "طبيعة صامتة"still-life ضمت زجاجة خضراء، وفتيل شفاف، وقطعة دمورية، موضوعة كلها على طاولة ضغيرة. وحين رأينا تلك الأعمال، عرفنا اننا أمام أستاذ، وفنان، من عيار خاص جدا. لا أزال أذكر لوحة "الخرفان" التي كانت تشبه رسومات رسامي مرحلة الكلاسيكية الجديدة. كانت اللوحة عبارة عن مجموعة من الخرفان تشغل مقدمة الصورة من جهة اليسار، ثم مساحة من العشب متدرجة نحو ما يشبه الخور الذي تحف به بعض الشجيرات. وخلف الخور تمتد مساحات من الأرض، تنتهي بجبال تبدو في لون مزرق باهت، عند الخلفية. وكان لون الجبال يندغم في سلاسة مع لون السماء المضيئة من بين فرجات السحب. كانت لوحة واقعية تنم عن حرفية عالية. يضاف إلى ذلك فإن فيها شاعرية طاغية، لا تخفى على عين مشاهد. فالطبيعة في تلك اللوحة حية بشكل لا يصدق. حتى أن المرء ليحس بغلالة غريبة تكتنف المشهد كله. كنت حين أرى تلك اللوحة، وقد كنت مغرما بالتأمل فيها، أسمع صوت فيروز يطن في مؤخرة رأسي، وهي تردد، أغنيتها القديمة، المسماة (إلى راعية):

سوقي القطيع إلى المراعي
وأمضي إلى خضر البقاعِ
ملأ الضحى عينيكِ بالأطيافِ من رقصِ الشعاعِ
سمراءُ يا أنشودةَ الغاباتِ يا حلم المراعي

قلب عبد الله بولا حياتنا رأسا على عقب. كان قارئا لا يشق له غبار، وتعلمنا منه الكلف بالقراءة. عرفنا منه الكثير عن الفكر الماركسي، والفكر الوجودي. كان عبد الله بولا من أوائل الذين فتحوا أعيننا على مأزق الماركسية، حين كانت غالبية الماركسيين يعتقدون أنها سدادة التاريخ، في مجال الفكر. كان الشيوعيون يحترمون معرفته، ولكنهم كانوا يرون فيها خطرا على عقول الطلاب الذين يريدونهم حزبيين، منظمين. ولربما كان الشيوعيون يرون في فكر بولا، وقتها، شيئا أقرب إلى الترف. وربما جرى تصنيف حالته، في واحدة من خانات أمراض البرجوازية الصغيرة. وقد كانت تلك هي الشماعة التي يتم عليها، عادة، تعليق كثير من الظواهر غير المفهومة على ضوء منهج التحليل الماركسي، الجامد، السائد، وقتها.

في تلك السن المبكرة، تعرفنا على جورج لوكاتش، ومكسيم رودنسون. قرأنا قصة رامبو، الشاعر المتشرد، الذي كتب الشعر بين سن العاشرة، والسادسة عشر، ثم صمت. وأضحى بعد ذلك متشردا, وانتهى به المطاف في اليمن، ثم ما لبث أن قضى نحبه في إقليم هرر بأثيوبيا. وقد تاثرنا كثيرا بقصة رامبو، وصديقه الشاعر الفرنسي المعروف، بول فيرلين. تعرفنا على غارودي، وقرأنا (ماركسية القرن العشرين)، وتحسسنا بدايات رحيل اليسار الفرنسي، والأوروبي من مضارب اللينينة، ميمما شطر الديمقراطية الإشتراكية. فهمنا من عبد الله بولا، مدلول حركة الطلاب في فرنسا في نهاية الستينات، وعرفنا ما كان يقول به "قورو" اليسار الجديد، هربرت ماركوزا، في إنسانه ذي البعد الواحد. كما أصبحنا نتذوق شعر محمود درويش،:

عشرون أغنية عن الموت المفاجئ
كل أغنيةٍ قبيلةْ
ونحب أسباب السقوط على الشوارعْ
كل نافذةٍ خميلةْ
والموتُ مكتملٌ
قفي ملء الهزيمةِ يا مدينتنا النبيلةْ

ومن جنس ذلك:
شولوميت انكسرت في ساحة الحائط خمسين دقيقة
من الجهة الأخرى يمر العاشقون

ومن جنس ذلك، أيضا:

حلقت ذقني مرتين
ومسحت نعلي مرتين
استعرت قميص صاحبي
وأخذت ليرتين
لأشتري لها قهوة مع الحليب ....... إلخ

وأعتذر لأهل الشعر وحفاظه، إن خانتني ذاكرتي في التذكر الصحيح للأبيات المثبتة أعلاه.

حين جئنا إلى كلية الفنون، أسعدنا الحظ، مرة أخرى، بوصول بولا إليها. ترك بولا حنتوب الثانوية إلى القضارف الثانوية، حيث أنشأ طلائع القندول. وحين انتقلنا إلى كلية الفنون، وجد بولا وظيفة أستاذ بالكلية، غير أنه لم يستمر فيها طويلا. وتمرد بولا، وصراعاته، مع إدارة كلية الفنون، قديمة، وترجع إلى الوقت الذي كان فيه، طالبا بها. وقد ورثناها منه نحن أيضا، تلكما الحالتين، من التمرد، والصراع، كما تقدم ذكره.

واصل بولا رعايتنا الفكرية في كلية الفنون. منه تعرفنا على مجلة مواقف، وعلى كتابات يوسف الخال، وحوارات أدونيس ومنير العكش. وفي تلكم الأيام قرأنا مطولة أدونيس: ((مقدمة لتاريخ ملوك الطوائف)). كما استمتعنا بتجارب الحداثيين المنضوين تحت لواء "مواقف"، وكان المغربي محمد بنيس واحدا منهم. حفظ أغلبنا واحدة من قصائد التجريب الحداثي، وردت في مجلة "مواقف" في مطلع السبعينات، وأذكر منها:

هذا الليل توسلت له
قلت ستخرج من جسدي العربات مع الأشباح
وترحل عبر الصحراء إلى سيناءْ
وتوسلت له، ما أنت سوى أنت
وما جسدي المقتول سوى ردهةِ موتٍ
ومؤسسةٌ تجتمع الأيام به
تشرب قوتها
تتعارف
تعرف مرسوم الإتيكيت
تقول: أقدم نفسي
ناهيك مثانة خنزيرٍ
وأنا أعمدة التلغراف
ناهيك حقول الإقطاعي
وأنا كتب الجنس المملوءة بالأخطاء
وأكتب شعرا شعبياً للأطفال
وأشياءً شيقةَ اخرى
لا كركة هذا العصر ولا السكسون
ولا كل مناشفة العالم
يمكنهم تعريف أساسي

ومن هذه القصيدة أيضا:

وفي الليل كنت وحيداً
أجوب الشوارع في كوستريكو
واسأل: أين المراحيضُ يا مودموزيل؟

وكان بولا هو الذي أتانا بديوان "أمتي" لشاعرنا الطليعي، محمد المكي إبراهيم. وقد كان الديوان مزينا برسومات أساتذنا إبراهيم الصلحي. وقد أضحت قصائد أمتي هي الترانيم التي نقتات عليها صباح مساء. حفظنا الكثير من قصائد ذلك الديوان العجيب، الذي فتح للشعر السوداني، أفقا غير مسبوق. كما عكفنا لاحقا في 1973 على ديوان العودة إلى سنار لمحمد عبد الحي، الذي برز هو الآخر بوجه طليعي، مميز جدا.

ظل بولا ناقدا ثابتا لما يجري في كلية الفنون، وأظنه قد كان متقدما على جيله كثيراً، في مجالات الرؤية، والإستشراف، مما تسبب له في كثير من المتاعب. كما بدأ بولا في الترويج قليلا قليلا لطروحته النقدية، حول مدرسة الخرطوم. وقد كتب في هذا الباب، في الملاحق الثقافية التي نشطت كثيرا في الصحف السودانية، في النصف الثاني من السبعينات. وقد بدأ حسن موسى هو الآخر في الكتابة إلى الصحف في تلك الفترة. ولقد تطورت طروحات بولا، وحسن موسى كثيرا، في التسعينات، فانفتحت على سؤال الهوية، وشمل النقد ما جرى التعارف على تسميته بـ "مدرسة الغابة والصحراء"، ومرتكزاتهاالعربسلامية.

نفذ الحيز المتاح لهذه الحلقة. وحين أعود سأواصل عن بولا، وحسن موسى، ومدرسة الخرطوم. ثم محمد شداد، الذي أعتبره، الرائد الأول في السودان، لفن التراكيب installations وتوظيف الخامات البديلة alternative media. ثم إنقلاب الكرستاليين، وملابسات ورود إسم أستاذتنا كمالا إبراهيم اسحق، في مانفستو التأسيس لمدرسة الكريستال.

elnour hamad

===
من عبدالله علي إبراهيم الي بكري

الأخ الأستاذ بكري،
ارجو ان أعبر لكم عن عظيم شكري وأمتناني لعنايتكم الشخصية بتوثيق تجمع أباداماك ومشتقاته الذي تناصر عليه شباب وكهول ومشائخ علي منبركم الأغر بعد أن إفتتحه الأستاذ الشاعر صلاح يوسف عضو التجمع . وأنني لسعيد أن تجد تجربتنا هذه في الممارسة الثقافية هذه الأهتمام من اللاحقين. وقد تابعت توثيقات اخري للمرحومين محمود محمد طه وعلي المك. فكانا عنواناً علي العرفان الذي لا سماد للثقافة بدونه الي جانب متعتهما كعلم بمأثرة الرجال والنساء. وأتمني أن أري هذا التوثيق باباً اصيلاً في شغل المنبر. فقد بدا لي أن أكثر محننا في هذا القفز الرشيق في الظلام ناجمة عن ضعف بصر بالتاريخ وبصيرة به. وستؤجرون علي هذا العمل الذي يبقي في الناس وينفع الوطن.
وبوسعي وضع بعض وثائق التجمع، والمانيفستو بالذات، بيدكم لنشرها علي المنبر تعميماً للفائدة متي ما سمح وقتكم. وشكراً.
ذيول ابادماكية:
نحن ودار الثقافة
اشار د. النور أن إيثار الدولة لنا ربما كان وراء فتح دار الثقافة لنا. وكانت الدار مما يواجه القصر ويقع في ظل وزارة الخارجية القديمة. ولم يكن الأمر بهذه المباشرة. فلم تكن للحكومة يد في الدار. فقد آلت بعد خبو الحيوية الي جماعة من الشيوخ الأفندية يسمرون فيها اول الليل في حلقة ترص وعلي شاي يدار. وكان فيهم احد وزراء مايو واحسبه وزير التجارة. ولم نعترض علي ذلك إلا من باب الطنطنة. ولم نوسط الحكومة في الأمر. فقد كنا سيء الظن بها مع ان النميري اعلن ذات يوم من علي المنابر فرحه بنشاطنا. ولم نعلق او حتي نطلب لقائه بالعرفان. ووربما كان هذا لؤماً. وأكتفينا بالإستئذان من حلقة المشائخ باستخدام الحديقة الخلفية ندخلها بشارع زقاقي يقود من شارع الجامعة الي شارع الجمهورية. وقد تركنا الحلقة علي حالها حتي انفض حافلنا ولم ينفض حافلهم بعد.
إجتماعات هامة
إجتماع جمعية الصاقة الإلمانية (جهة سينما كلوزيوم):
10 يناير 1969 (أو انقص او زد عليه قليلا)
1) "دوار" عوض جاد الرب ومحمد تاج السر

كان هذا فاتحة الأجتماعات ورتبناه لإجازة المانفستو. وزيناه ببرنامج فني جاذب. فقد استمعنا الي اغنية من الأستاذ عوض جادالرب من كلمات المهندس محمد تاج السر إسمها "دوار". ومما يؤسف له أن ليس بيدنا ارشيفاً للأغنية وهي التي اسكرت (واقعاً ومجازاً) الجيل. وكان عوض مغنياً مجيدا وكان محمد تاج السر شاعراً مجيداً. ولا تزال طلاوة الأغنية مما اتذكره. كانت محاولة لإشهار غناء جديد. فهل تكرم من له سجل بها كأغنية او قصيدة بنشرها علينا. . . يكسب ثواب.
2) مريم ما كيبا
واستمعنا في نفس الجلسة الي اغنية من المغنية جنوب افريقية مريم ما كيبا عنوانها " أغنية الكليك" والكليك هو الإسم الأوربي للغة البوشمن أو الخوسان بالجنوب الأفريقي. ولو شاهدت فيلم "الآلهة لابد مجنونة" ستري انها لغة اولئك القوم القصار الذين لهم لون النحاس. وتسربت لنا الأغنية خلال منتصف الستينات ضمن الإسطوانات التي ترد من غناء الستينات الأمريكي المقاوم للحرب من مثل أريتا فرانكلين وجون باييز. وكانت مريم مكيبا وقتها لاجئة بأمريكا وكانت نوارة في هذا القبيل الفني الثوري. وقد قدمت الأغنية للمجتمعين بدار جمعية الصداقة الألمانية قائلاً أنكم تذكرون كيف كان يختبرنا أولئك الذين لم يدخلوا المدرسة من جيلنا او من هم اكبر بقولهم "أكتب لي . . . " ثم ينطق صوتاً بطرقعة الأسنان واللسان لكلمة "نعم". وقلت أنهم كانوا يعدون كتابة "نعم" السنونية مما يعجز عنه المتعلم. وقلت أن مريم مكيبا قد استثمرت طرقعة الأسنان هذه لكتابة اغنية رصينة تحتج فيها علي الغربيين الذي سموا لغة القوم "طرقعة" لأنهم لا يحسنون قول ". . . ." ثم نطقت شيئاً من لغة البوشمان وتزحلقت من هناك الي الأغنية نفسها. (عدت للأغنية مراراً وربما تداخل الماضي بالحاضر).
من أطرف ما أذكر في مانيفستو الجماعة أنني كتبت "ذواكر" كجمع ل "ذاكرة". ونشرناه هكذا. وصوبني المرحوم محمد سعيد معروف في كلمة له. واذكر انني "تتريقت" عليه في ردي لعنايته بالقشور دون اللباب. ولو إستقبلت من امري ما أستدبرت لقبلت التصويب مع الشكر والعرفان.

إجتماع إتحاد طلاب جامعة القاهرة بالمقرن:
لا تاريخ له عندي ولكنه إتبع الإجتماع التأسيسي
ناقشنا فيه إسم التنظيم. وقد وردت إقتراحات اذكر منها "سنار" بالتبرير الغابي صحراوي المعروف. ثم ورد أبادماك. وكان اقوي ما زكاه لنا أنه خلق سوداني قديم له ثلاث روؤس تمثل الحكمة والشجاعة والقوة. وربما كنا بصدد تسجيل إحتجاج عال النبرة علي ما يسميه البعض الآن العربسلامية التي كان رمزها آنذاك مشروع الدستور الإسلامي المعروض امام الجمعية التاسيسية. ولم يغب هذا الإحتجاج علي العربسلاميين فقالوا لنا من اين نكتم هذا الهبل القديم.
مع تمنياتي بالتوفيق.
عبدالله علي إبراهيم

Post: #224
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 01:04 AM
Parent: #223


كان انعكاس حركة النهضة العربية متجلية في العشرينات، من القرن الماضي، في السودان، على أصعدة شتي. غير أن انعكاسها في مجال الإنتاج الأدبي، تَمَثَّل في القمة، في انتاج مبدعين، طليعيين، هما التجاني يوسف بشير، ومعاوية محمد نور، وحمزة الملك طمبل. وفي الأربعينات، بزغت شمس جيل جديد، كان على رأسه الأستاذ محمود محمد طه، الذي انضم إليه من شباب الجمهوريين، في ذلك الوقت، شعراء، شباب من أمثال، محمد المهدي مجذوب، ومنير صالح عبد القادر، ومنصور عبد الحميد. وفي نفس تلك الفترة ظهرت حركة اليسار ممثلة في الجبهة المعادية للإستعمار. كانت حركة الجمهوريين، حركة مناهضة للوجود الإنجليزي، ومناهضة لمشروع الوحدة تحت التاج المصري. كما كانت حركة الجمهوريين، مناهضة، أيضا، وفي ذات السياق، لمشروع تنصيب السيد عبد الرحمن المهدي، ملكا على السودان. مثَّل الجمهوريون والشيوعيون تململ طلائع المتعلمين والمثقفين، ضد الأوضاع السائدة. ومن يرجع إلى كتابات الأستاذ محمود محمد طه الأولى، يجدها منصبة على تحقيق الإستقلال، لا كغاية في ذاته، وإنما كخطوة مهمة في مجال إصلاح التعليم، والنهضة بالريف، ومحاربة الفقر. (راجع منشور السفر الأول 1945) . وحين تحول تنظيم الجمهوريين، في 1951، من مجرد حركة سياسية، تهتدي، هديا عاما بالإسلام، إلى حركة إسلامية ذات رؤية مذهبية جديدة، أساسها تطوير التشريع الإسلامي، ليواكب المستجدات، وليصبح في مقدوره توجيه بناء دولة عصرية حديثة، استوحش من هذا الطرح أكثرية الذين انتموا إلى الحزب الجمهوري، في حقبته السياسية من المتعلمين، والمثقفين، الأوائل. وكان من بين أولئك، الذين ابتعدوا عن الخط الجديد، الشعراء الذين جرى ذكرهم عاليه، وهم محمد المهدي مجذوب، ومنير صالح عبد القادر، ومنصور عبد الحميد، وغيرهم. غير أن فكرة التطوير التي أتي بها الأستاذ محمود، أجلت وجه الإسلام الإشتراكي، ووجهه التحررى. وهذان الوجهان كانا مندغمين في تجربة التصوف التاريخية، وحياة النبي، فيما يسلكه هو، في خاصة نفسه. فرق الأستاذ محمود محمد طه، بين جوهر الروحانية، في الدين من حيث هو، وبين تقييد الظرف التاريخي، لذلك الجوهر. والآن، فإن تاريخ الدعوة الإسلامية، تُعاد قراءته، على ضوء جديد. أعني على ضوءٍ، يعيد تركيب صراع السلطة والثروة في ذلك التاريخ من جديد. ويميط التزييف الذي قامت به المؤسسة (الملكية)، الإسلامية الحاكمة، من صياغة التجربة الروحية الإسلامية، بما يوافق مصالحها، وضرورات حراستها لسلطتها تلك.

elnour
===
أشار غارودي، في كتابه، (حو حرب دينية). أن المسيحية، كما عاشها المسيح، الذي كانت حياته كلها، اتهاما للنظام القائم، قد جرى تفريغها، من محتواها الإنساني، لتصبح ديانة للأباطرة والملوك، بها يتم إخضاع العقول لقوتي، السلطة، والثروة! ومقتل الحلاج، ومقتل بن المقفع، ومقتل السهروردي، وكل ما جرت تسميتهم بـ (زنادقة)، لم يكونوا سوى مفكرين ثوريين، عرفوا كيف جرى تزييف التجربة الروحانية للناس. وهذا هو ما دفع السلطات، المستعينة بسلطة رجال الدين، والدين بوصفه مؤسسة قابضة، إلى تصفيتهم، جسديا. وكل ذلك، تُعاد اليوم قراءته، بوعي مستبصر. وأذكر، في هذا المجال، على سبيل المثال، لا الحصر، إسهامات نصر حامد أبو زيد، وسيد محمود القمني، وخليل عبد الكريم. وأرى أن كل هذه الكتابات، ليست سوى هوامش، على ما ظل يطرحه الأستاذ محمود محمد طه، منذ بداية الخمسينات. غير أن الكٌتَّاب، في العالم العربي، لا يقرأون بعضهم بعضا. كما لا يحفلون بإسهامات تأتي من قطر مثل السودان، ظل دائما، مصنفا في خانة المستهلك، الذي لا يُنتظر منه، إسهام ذا بال. كما أنهم، لا يبنون على انتاج بعضهم بعضا، بل ربما تعمدوا إغفال ذكر بعضهم بعضا. لم تقم في الوطن العربي، حتى الآن، تقاليد أكاديمية راسخة، ولا أخلاقيات اكاديمية راسخة. بل إن الوطن العربي ـ وبلا مغالاة ـ خلو، حتى يومنا هذا، من الأكاديميا التي تستحق إسمها.


أرجو ألا تُرى مثل هذه التقريرات، من جانبي، تعصبا لحركة الجمهوريين، ولفكر الأستاذ محمود محمد طه، لمجرد أنني قد عملت في حقلهما، لسنوات طويلة. وإنما أرجو أن يُنظر إليها، بوصفها محاولة مني، لربط قوى اليسار السوداني، برابط يقع خارج إطار المرجعية الأوروبية. وهذا أمر قد بدأ يتنبه إليه آخرون، من خارج دائرة من عرفوا، تنظيميا، بـ (الجمهوريين). فالفكر الإسلامي، الذي ربما اثار حساسيات الكثيرين، ليس فكرا وافدا من جزيرة العرب، كما يظن الكثيرون. وإنما هو فكر متجذر في حضارة وادي النيل القديمة، خرج منها، ثم عاد إليها، بعد أن لبس حللا جديدة بفعل رحلته الجغرافية، والإثنوثقافية. فالقرآن ليس سوى التوراة والإنجيل في صياغة أخرى. وقد ورد في القرآن الكريم: (مصدقا لما بين يديه من الكتاب، ومهمينا عليه). ولذلك فجوهر الفركة الإسلامية، الذي هو بعده التصوفي، الإنساني، التحرري، متجذر في بنية تاريخينا، ويمثل مدى لهويتنا الإفريقية الممتدة لما يقارب العشرة الف عام. فرؤيتنا للكون والحياة، ومفهومنا للمجتمع، وللروابط الإجتماعية، ونمط حياتنا الإقثصادي، الذي ظل حتى وقت قريب، متسم بكثير من السمات المشاعية، لم تأتنا، كلها، من جزيرة العرب، وإنما ترجع إلى تجربة طويلة تمتد إلى العصور التي بدأت فيها سكان ما يسمى الآن، بالصحراء الكبرى، في النزوح إلى ضفاف النيل، بسبب الجفاف الذي قاد تدريجيا إلى تكوين تلك الصحراء. والفكر من حيث هو، بما في ذلك الدين، الذي يقع تحت مسمى فكر، هو الآخر، تعاد صياغته وفق مقتضى الظرف، ومقتضى تبلور حالة الوعي. فالدين في جوهره السامق، والأصيل، إنما يقع خارج النص، ولا تمثل مرحلة النص فيه، سوى حقبة. وهذا مما يفتح بابا جديدا، لمساءلة المستقر من الثنائيات، المتعارضات، تاريخيا، dichotomies من شاكلة (ديني/علماني).

حين ظهرت حركة الإخوان المسلمين، في السودان، لم تمثل سوى صدى لحركة الإخوان المسلمين في مصر. وقد كان الفكر الإخواني، في تلك الحقبة، مشدودا بحنين دافق، لإحياء الخلافة الإسلامية. بل إن فكر الرواد في هذا التيار، من أمثال سيد قطب، ومحمد قطب، قد كان متوجسا من الحضارة، ومتشككا في توجهاتها، بشكل عام. وقد كان ما ينتظم تصورات، ومسلك، أولئك الرعيل، أقرب إلى العصاب الديني، والهوس، منه إلى الفكر. وعموما فقد ظلت حركة الإخوان المسلمين دائرة في فلك قوى القديم في السودان. فالمسار السياسي لهذا الحركة، منذ الإستقلال، وعبر عهود الحكم الوطني، أظهرها مجرد نبتة طفيلية متسلقة، على جذع شجرة الحزبين الكبيرين. فهي قد اقتاتت عليهما، عبر العديد من المناورات، وقوي عودها على حسابهما. وقد بلغت في يونيو 1989 أقصى أمانيها، بتسلم السلطة بمفردها.

هل أسرفت في وعظكم؟
اغفروا لي، إذن، فإنني سليل تاريخ مليء بالمواعظ!

Post: #225
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 03:53 AM
Parent: #1


متاهات الجدل.. وصراع النفوس
د. عبد الله عوض عبد الله
قبل حديثي عن الفتنة التي صار اليها مجتمعنا في المقال السابق، كنت قد ذكرت إن ابسط صور الموضوعية أن ننسب للآخر رأيه هو، لا ان نضع في اوانيه ما ليس فيها، ثم نناقش ما وضعناه على اعتبار انه رأيه ونحكم عليه.
وقد كانت نيتي المشاركة بإثارة بعض القضايا، وعلى رأسها موضوع الطائفية، والذي ما اخرته الا لاعتبار ترتيب الاولويات حسب تصوري.. وهناك موضوع «ادب الحوار» عبر الصحف اليومية، وموضوع عن الواقع الحضاري.. وكنت اظن ان هذه المواضيع ستثري الحوار، وتساهم في توجيهه، ولكن الامور سارت الى غير ما احب لها.. والآن اكتب لا لأن الامور صارت الى ما هو أفضل، بل على العكس من ذلك، صارت الى ما هو أسوأ بكثير.
إن أبسط مقتضيات الحوار الموضوعي، أن يكون حول آراء وافكار. وان يبعد عن اسلوب السباب والاتهام والتجريم، والكلمات الجارحة، والا فإن الحوار يتحول الى صراع نفوس، لا خير فيه.. وحتى الحوار الموضوعي اذا لم تكن النفوس منطوية على الاخلاص والمودة، مع الحرص على دقة التعبير، بالبعد به عن كل ما يمكن أن يستفز الآخرين، فهو معرض لان ينزلق الى متاهات الجدل، وصراع النفوس.. ووصف الآخرين بأوصاف لا مجال معها للحوار الموضوعي.
فاذا كان الانسان ينسب اليه غير ما يقول، او عكس ما يقول، فلا يمكن أن يكون هذا حواراً.. كما يمكن تخريج الاقوال والكلمات ليفهم منها عكس ما يُقال.
ولو كانت القيادات الحزبية القديمة قائمة على مذاهب فكرية وتطرح نفسها للشعب على أساس برنامج موحد.. لكانت دعوتها الى الحوار منطقية ومقبولة. ولكنها للأسف تعتمد على استراتيجيات دولية، او على قواعد طائفية. وهم ينطلقون من مركزية واحدة، هي نفوسهم، ولا يرون في الآخرين الا وسائل وادوات، لتحقيق اغراض النفس. وهذا هو موطن الداء الاساسي. والا بربك ما هو الغرض من تصنيف الجمهوريين بدعوة لا نعرف لها مصدراً او مرجعاً تاريخياً مثل «الطهوية». وحقيقة الامر على العكس من ذلك تماماً، فالدعوة الجمهورية هي دعوة لبعث الاسلام. وهي الداعية لبعث السنة النبوية الشريفة. وافرادها يعيشون وفق نهج السنة، في تقليد النبي صلى الله عليه وسلم في العبادة والمعاملة.
ومن له أبسط إلمام بالدعوة الجمهورية، يعلم انها تدعو الى «طريق محمد» صلى الله عليه وسلم.
ان شتى صنوف الشتم والسباب تهون. ولكن ان يطل على الجمهوريين سوداني من علٍ ويقرر مصيرهم الروحي، اسوأ قرار على الاطلاق، بأن يخرجهم من الملة، فأمر يشق عليهم كثيراً.
ومعلوم أن مجرد الشهادة باللسان، يجعل صاحبه داخل الاسلام وامره الى الله، فما بال الجمهوريون ينطقون بالشهادة، ويؤمنون بالاركان، ويعملون بالحدود، فكيف يطاح بهم الى قاع الشرك!؟
ان هذه المنطقة من الحديث مقبضة ومحزنة. والامر فيها يحتاج الى كثير من المراجعة بغض النظر عما اذا كان ما قيل فيها عن قصد، او عن غير قصد، لابعادها ودلالاتها المختلفة. ويطل عليهم آخر من واشنطون ليصفهم بما لا يعرف، ما هو الدافع لكل هذا!؟ هل هو الحرص على الاخوان الجمهوريين- رغم كل ما قيل عنهم؟ وما تم فعله بهم؟ وهل المخاطبون هم من الغفلة والغباء بحيث اذا قيل لهم: تخبطوا.. راحوا متخبطين!؟ واذا قيل اطمئنوا.. قعدوا مطمئنين!؟ ام هو حرص يراعى فيه حق الإخوة والزمالة!؟
وفي الدين معيار الدخول والخروج، من بعد فضل الله، هو الايمان والعمل الصالح. ولذلك هو مرتبط بالفرد اساساً. ومن هنا تأخذ عبارة القرآن «عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلَّ اذا اهتديتم» دلالتها.
إن ما ينقص الإنسانية وزنها هو القيم، فعلينا أن نستشعر قيمة هذا الوزن، من حيث المبدأ. وأن نعرف الفضل الالهي علينا فيه. وأن نكون شاكرين قولاً وفعلاً، ثم أن نشعر بتقصيرنا من حيث واقع حالنا، فلا نخلط بين الفكرة كمثل وبين حالنا كواقع، فإذا تواضع الجمهوريون فإنهم لا يتواضعون في حق الفكرة وانما في حق أنفسهم.
وانا أعرف أن الجمهوريين يعرفون وقتهم ويعرفون وزنهم، كجماعة وكأفراد. وواضح انهم كجماعة ليس لهم وزن عددي، ولا تنظيمي، ولا وزن مادي، لا من سلطة، ولا من مال. وإنما وزنهم كله في الجانب الفكري والقيمي.. فهم كجماعة ليس لها وزن دنيوي وانما وزنها ديني. وحتى هذا الجانب ليس مسلماً لهم به من الآخرين.. والوزن الديني هو الوزن الحقيقي. والوزن الاهم بالنسبة لاصحابه. وهو ما تحتاجه الانسانية المعاصرة، فعلينا ان نستشعر قيمة هذا الوزن.. وهو الذي يجعل الجمهوريين كاليقاظ بين عالم من النيام.. وبالطبع فالجمهوريون ليسوا على مستوى واحد في هذا الامر. وانما بينهم تفاوت يختلف باختلاف ايمان كل واحد منهم. وان السمة الغالبة على عصرنا هي العلم، فإن البعث الديني المنتظر يقوم على العلم - العلم بالله - وهذا ما يشكل السمة الاساسية للفكرة. وبختم النبوة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فإن الوظيفة الرسالية لم تتغير في طبيعتها، الا من زاوية انه لن يكون هناك وحي جديد. وان العلم يوخذ عن الله من القرآن وفوق كل ذي علم عليم.
حزنت لان بعض الذين كتبوا في صحيفة «الصحافة» وغيرها كانوا يجعلون من الأستاذ محمود محمد طه تقية لأفكارهم، بل لأنفسهم في الحقيقة، فقد كانت الكلمات تستخدم في بعض الحالات لتبرير المواقف الشخصية، جدل، هو بالضبط الجدل المنهى عنه في السنة.
اللهم ارنا الحق حقاً والزمنا اتباعه. وارنا الباطل باطلاً وجنبنا اتباعه. واحمنا من شرور أنفسنا. واجعلنا ممن يستمعون القول ويتبعون أحسنه.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147492590&bk=1
_________________

Post: #226
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 03:54 AM
Parent: #225


متاهات الجدل... وصراع النفوس «2-2»

د. عبدالله عوض عبدالله



رحم الله الصوفية، فقد كانوا على علم كبير بأدواء النفوس، وآفات السلوك، فقد قالوا ذا اشتهيت إن تحدث، فأسكت، واذا لم تشته فحدث).
لأن شهوة الحديث ليست بالشهوة الهينة. وكان بشر بن الحارث يقول: (أنا اشتهى ان احدث ولو ذهبت عني شهوة الحديث لحدثت).
ولما لم أكن من أنصار بشر بن الحارث، فاني اجد في الحديث النبوي الشريف راحة نفسية كبيرة حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم. «كل كلام ابن آدم عليه ، لا له ، الا ثلاثة: أمر بمعروف، أو نهي عن منكر، أو ذكر الله تعالى».
هذه السكينة الداخلية، الناجمة عن العلم بالله، والثقة به، هى البطولة الحقة، واليها يجب أن يرجع موقف كل انسان، كثمرة لفهمه عن احاديث الرسالة والنبوءة والولاية لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم. ومن أراد ان يعلمنا لا مانع لدينا من أن نتعلم منه، فقط نطالبه بالأسلوب المناسب، الذي يعيننا على التعليم، فجماعة التعليم عندنا بالجامعات والمدارس، يقولون إن التعليم يقوم على أمرين معاً: المادة، والطريقة.. والطريقة أمر مهم جداً. فأسلوب العصا الغليظة قد خلفته أساليب التربية الحديثة وهذه التربية يجب أن تكون موصولة بالأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فمنطلق الدين في بعض جوانبه لا يختلف عن منطلق العلمانية واعتبارات المستقبل أمر اساسي للحياة، واهمية الدين تأتي من أنها مرتبطة بالإيمان. كما أن دوافع العمل تقوم عليه.. فاذا اتحد السودانيون بالدين فليس عندهم ما يفقدونه سوى ظلام نفوسهم. وكي نعي هذا يجب أن نفهم ان الجمهوريين لايخرجون احداً من الاسلام وحتى من يخرج نفسه، يطمعون في ان يدخله الله، وهم لا يخسرون شيئاً، لأنهم لايدفعون لأحد من عندهم فما الذي يمنعهم ان يطمعوا بأن يعطيه الله من فضله ومن ثم يستمد الناس قناعتهم بالحق والخير.
إن التحديات التي تواجه بها طبيعة البلاد «السودان» سكانها تتمثل في ثلاثة توحيدات، بدون تحقيقها لا تقوم تنمية إجتماعية على الاطلاق، هذه التوحيدات الثلاثة هى:
أولاً: الوحدة الجغرافية، الوحدة الجغرافية لا تعني اننا يمكن أن نتحكم في الطبيعة الاقليمية تحكماً تاماً، ولكن نعني اننا يمكن أن نروض الطبيعة ترويضاً نتجنب به الضرر ونستجلب منه النفع، وذلك بفضل الله، ثم بفضل معطيات العلم الحديث».
ثانيا:ً الوحدة السياسية، وهذه يمكن أن تتحقق في مستويات كثيرة، وانما نقطة البدء فيها احلال التعايش السلمي بين عنصريات السكان المختلفة، وقبائلهم المتباينة المتعادية.
ثالثاً: الوحدة القومية، الوحدة القومية تعني ان تنصهر القوميات والقبليات والعنصريات المختلفة العديدة التي يعج بها السودان في داخل حدوده الجغرافية الحاضرة في بوتقة واحدة لتخرج شعباً واحداً متحد المصير متشابه الخصائص متقارب الفهم، يفهم افراده المسائل المهمة والخاصة بنحو قريب من قريب. «الوحدة القومية تتطلب كل المجهود العلمي والثقافي، والفكري لتحقيقها بل إنما هى اساساً، لا تتحقق إلا عن طريق كل المناشط كقاعدة، وعن طريق الثورة الثقافية، والثورة الفكرية.
كتتويج لهذه القاعدة، وعندنا أن الثورة الثقافية والثورة الفكرية لاتنهضان الا على أساس البعث الديني. ومن هنا تأتي الوحدة الحقيقية.
وعن حديث الاستاذ محمود محمد طه عن ثورة أكتوبر قال: «إن ثورة اكتوبر لم تمت ولا تزال نارها تضطرم، ولكن غطى عليها ركام من الرماد. فنحن انما نريد أن تتولى رياح الفكر العاصف بعثرة هذا الرماد حتى يتسعر ضرام اكتوبر من جديد فتحرق نارها الفساد، ويهدي نورها خطوات الصلاح وليس عندنا من سبيل الى هذه الثورة الفكرية العاصفة غير بعث الكلمة «لا إله الا الله» جديدة دافئة، خلاَّقة، في صدور النساء والرجال كما كان العهد بها في القرن السابع الميلادي. من مقدمة كتاب «لا إله الا الله» للاستاذ محمود محمد طه.
إن الثورة الفكرية اليوم متخلفة تخلفاً مزرياً وكل هذا التخلف انما مرده الى الجهل بالدين الذي نصرف عليه اموالاً طائلة، فلكأننا نحن نصرف اموالاً لتمكين الجهل من شعبنا، وهذا وضع جد مؤسف، ويجب الاقلاع عنه والأخذ بكل جديد مثمر في هذا المجال، وحتى لا يقفل الطريق امام انجاز شعبنا لوحدته الوطنية والقومية. ولكن لا ضير، فإن الشعب السوداني الذي هب في اكتوبر وأطاح بالدكتاتورية العسكرية الأولى ثم هب مرة ثانية، فأطاح بعرش الدكتاتور نميري وسدنته المهووسين، لقادر بعون الله على إزالة هذا الغثاء من وجه المعين الصافي، حتى يرده الشعب وترده الانسانية جمعاء، بإذن الله تعالى.
قال تعالى: (ونريد أن نمُن على الذين استضعفوا في الارض، ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، ونمكن لهم في الأرض ونرى فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون) الآية...
وقال تعالى: (لقد مكر الذين من قبلهم، فأتى الله بنيانهم من القواعد، فخر عليهم السقف، من فوقهم، وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون).
تمر البلاد هذه الايام بمرحلة من أخطر مراحل تاريخنا الحديث، فلابد من تحصين هذا الشعب بالمعلومات الوافية، الصحيحة، حتى يستطيع حماية نفسه من الجهل، والتضليل، الذي يحيط به من كل جانب، فيقف بصلابة ضد من يستغلونه، باسم الدين، لتحقيق أغراض السياسة. وليكن شعارنا في هذه المرحلة (الطاعة بفكر والمعصية بفكر) نرفعه امام كل رأى عنيد فالحق ليس هو فقط ما هو حق في ذاته، فلابد بالاضافة الى ذلك من الانطباق على حكم الوقت. فالقرآن كله حق، ولكنه كما قال عنه سيدنا على: حمال وجوه.. فليس كل من تحدث بالقرآن أو إستشهد به، هو على حق «يضل به كثيراً، ويهدي به كثيراً..» الآية.. والفكرة الجمهورية معبرة عن القرآن، فهى كذلك حمالة وجوه، بل كل الحديث العرفاني حمَّال وجوه، فالأمر ليس مجرد قياس صوري. فعندهم «العارف فوق ما يقول».
إن ما هو ثابت بالنسبة لمواقف الجمهوريين ليس هو ظاهر الفعل، وانما هو القيمة والمعرفة وليس الأمر كما يبدو عند البعض مجرد عبارات تقال!! هرطقة كلامية؟ ومهما قيل عن الجمهوريين، بأى معنى فهم، فهو ليس أكثر من قول الله تعالى لهم البشرى في الحياة الدنيا والآخرة. لاتبديل لكلمات الله. وذلك هو الفوز العظيم) كل من يعرف الجمهوريين يعرف أنهم لايهادنون، ولايخادعون، وإنما هم ينطلقون في مواقفهم من الآخرين من قيم ومبادئ لا يحيدون عنها.. فهم ينتقدون من يختلفون معه نقداً موضوعياً ويؤيدون من يتفقون معه تأييداً موضوعياً، فلايعادون من يختلفون معه، ولايجاملون من يتفقون معه، وانما همهم الدائم توخي الحق لانهم يعلمون انهم مسؤولون امام الله عن مواقفهم وعن آرائهم واقوالهم. وهذا هو موقفهم عندما أيدوا واختلفوا مع الدكتاتور نميري. ونظام نميري منذ قيامه هو دكتاتورية عسكرية، والفكرة الجمهورية من حيث المبدأ، ضده بصورة واضحة، ورغم ذلك تم تأييده في بداية أمره، فأيدوه بفكر وعارضوه بفكر.
إن علاقة الاستاذ محمود محمد طه بالجمهوريين ليست علاقة داعية بمدعوين، وانما هى اكثر من ذلك علاقة سالكين بمربيهم، بكل ما تحمل كلمة تربية من دلالات الفهم الديني.. فاذا تركوا الدفاع عن الاستاذ محمود محمد طه، فان خطورته انه ينطوي على كثير من الجحود.
اما عن الفكر الاوربي والحضارة الاوربية، فإن الحضارة الاوربية هى الحضارة السائدة اليوم، والتأثر بها سواء كان من قبل الجمهوريين أو بالنسبة لغيرهم، هو أمر طبيعي طالما اننا نعيش في ظل هذه الحضارة. ولكن الجمهوريين لم يفرغوا الاسلام من محتواه بسبب تأثرهم بالحضارة الغربية، فلم يتحولوا الى دعوة علمانية تتبنى الحضارة الغربية. وانما ظلت الفكرة الجمهورية دعوة دينية، وموقف الجمهوريين من الفكر الاوربي والحضارة الاوربية، ليس موقف الرفض التام، ولا هو موقف القبول التام.. فالجمهوريون لا يرفضون التراث البشري، ولا يقبلونه على علاته، وانما يعرضونه على ميزان التوحيد، ميزان الكلمة «لا إله إلا الله»، فما وافق منه الاسلام أخذوه إليهم، وصححوه، وكملوا نقصه ونموه. وما لم يوافق الاسلام وقيم الإسلام تركوه.. فالحضارة الاوربية، ليست باطلاً مطلقاً.. والأعراف الصالحة هى من الدين، ومطلوب ديننا الأخذ بها، وهذا معنى قوله تعالى: (خذ العفو وآمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين).. فالعرف هنا هو كل ما تعارف عليه الناس، بشرط ألا يتعارض مع غرض من أغراض الدين.. لقد دعونا الله حفظ دينه، وحفظ هذا البلد الطيب.. فهلا تشرف السودانيون بأداء واجبهم في ذلك؟
وليكن ما كتبته رداً موجزاً لعدة تساؤلات واستفسارات تم طرحها بجريدة «الصحافة» الغراء من بعض الكتاب الكرام.
والله ولي التوفيق



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147492904&bk=1
__

Post: #227
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 03:55 AM
Parent: #1


السحرة الهواة..ساحة النقد بين جنجويدية ماريال وطاهوية القراى

*واشنطن حسن أحمد
عبر أيام خلت تابعت تعليقات صديقي "ماريال" من شباب الحركة في واشنطن حول من نعتهم دون تأمل بجنجويد الإنترنت والندوات وخص بالأسم المفتقر لله والأخ صلاح أبوجبر مستغربا توافق رؤآنا في أهمية النقد وموضعه , لقد أخذ تعبير "جنجويد" ألقا دعائيا عبر وسائل الإعلام المحلية والدولية من خلال مدلوله الذي يحمل ضربا من سوءات الممارسة لبعض الجانحين إنسانيا ولما كان الفرق شاسعا بين الصفة والموصوفين بها الذين قصدهم ماريال أضحي التعليق أقرب إلي مفاكهة سياسية تنم عن عجز الواصف أمام مجابهة الموصوفين بحجج مقنعة بسبب ماساقوه من جمل خلافية في إحدي لقاءات واشنطن حول بروتكولات نيفاشا حيث كشفت تلك الندوة التي قدمت نقدا موضوعيا لبروتكولات نيفاشا عن حقيقة أن الحركة بحاجة الي تمرين ديمقراطي كما كشفت عن ضيق بعض ناشطي الحركة الشعبية في واشنطن ومن بينهم صديقي ماريال بنقد سياسات الحركة التي لم يسبق أن تعرضت لأي إنتقادات جادة بسبب المجاملات السودانية في الشأن العام أونقد زعيمها الذي عوده حلفاؤه في التجمع الوطني إبان حقبة التسعينات علي المدح والإطراء دون أن يجرؤ أحد علي القول بأن "البغلة في الإبريق" خاصة من بعض المثقفين الذين إستهوتهم شعارات الحركة الي حين حتي كان خروج حزب الأمة علي هذا النص والذي بلغ أوجه من خلال الرسائل المتبادلة بين السيد الصادق المهدي والسيد جون قرنق حيث حفلت تلك الرسائل بما يجب أن تسمعه الحركة من رأي آخر طالما أنها قبلت مبدأ التفاعل السياسي. وكان لابد من تأكيد حقيقة النقد المسموع لكشف مواضع الضعف والخلل في مفاهيم الحركة التي تستمد مقوماتها المفاهيمية من إفتراض تناقضات مزعومة تستدعي هدم كل ماهو قائم وإقامة كل ماهو نقيض .
ومهما كان نقدنا فإنه لايصل في الواقع الي مستوي النقد الذي وجهه السيد بونا ملوال عبر عدة مقالات
نشرتها صحيفة «الرأي العام» أو ماعبر عنه العديد من قادة القوي السياسية الجنوبية المهمشة والتي قد تحتاج الي رفع شعار " الجنوب الجديد " لإستعادة حقها في المشاركة السياسية لتشكيل مستقبل الجنوب الآن وغدا.
ولافرق بين السودان الجديد الذي تدعو له الحركة في كل السودان والجنوب الجديد الذي يدعو له الجنوبيون ممن هم خارج الحركة بنفس المقاييس في جنوب الوطن إلا إذا إعتبر ماريال السيد بونا ملوال وغيره من الجنوبيين الناقدين من الجنجويد أيضا .
لكننى قد أجد العذر لمن يضيق صدره من أنصار الحركة بنقدها رغم مشروعية النقد لأن القوي السياسية المعارضة من حلفاء الحركة في التجمع هي التي تنازلت وأعطت حق "العصمة" أو حق الفيتو السياسي عليها للحركة بكامل قواها العقلية رغم أن الحركة تنظيم سياسي كغيره من التنظيمات لذا تجد من الطبيعي أن ترفض الحركة مثلا إشراك التجمع في مفاوضات نيفاشا رغم أنها عضو في التجمع بحجج واهية لايصدقها عاقل وتشارك في نفس الوقت دون حرج في مفاوضات التجمع والحكومة في القاهرة بحجة أنها عضو في هذا التجمع رغم أن حرصها علي الحضور بدافع حمايتها علي مكاسبها الحزبية التي حققتها في نيفاشا وحتى لايكون هناك أي إتفاق بين الحكومة والتجمع قد يؤثر علي مكاسبها وخططها وأجندتها وأن تزيد ما أمكن من مساحة التناقض بين الطرفين حتي يكون ميزان القوي لصالحها لتظل القسمة في السنوات الست الإنتقالية بين إثنين فقط من الناحية الفعلية إن سارت الأمور علي مايرام وأن يجتهد الآخرون كما قال الدكتور قرنق في إنتزاع حقوقهم .
إن نقد الحركة وسلوكها السياسي في الشأن العام حق مشروع لأنه يمس حياة المواطن العادي المستضعف
في الشمال والجنوب وليس الغرض منه بالطبع إنتقاصا لدورالحركة أوتقليل لمكانتها التي ساعدت عوامل كثيرة على صنعها من أهمها دور القوي السياسية في الشمال من دعم للحركة ماديا ومعنويا وإعلاميا فقد جمعتنا بعدد من قياداتها سنوات عديدة من النضال والعمل المشترك علي المستويات التنظيمية أو مستوي التجمع المعارض لكن هذا لايمنع بالطبع من أن يقول البعض أحيانا إن البغلة في الإبريق حتى لو كان ذلك ثقيلا على ماريال وأصدقاءنا الحميمين في الحركة دينق ألور وياسر عرمان وباقان والواثق كمير ونيال دينق وماجوك أيوم وآخرين لكن يبقي التواصل بيننا جسرا يرتكز علي الصراحة والوضوح حتي يتواصل الجنوب والشمال علي أسس العدل والمساواة التي تنفي الظلم والتمييز ليظل الوطن بستانا لكل الثقافات حيث لكل ثقافة عطرها الخاص.
وفي المقابل فهناك فرق بين النقد المؤسس علي حقائق ملموسة كالنقد الذي يوجه في الشأن العام لممارسات وسياسات ومابين الهجوم غير المبرر الذي يستند إلي مواقف مسبقة لامجال لتغييرها كسهام الإستهداف التي تعود إطلاقها علي سبيل المثال الأخ الأستاذ "الطاهوي" عمر القراي الذي بدا وكأنه يتحين الفرص للنيل من أحد قادة ورموز الحركة السياسية والثقافية في السودان وهو السيد الصادق المهدي "بتهمة "أنه مفكر ومجتهد يدحض من داخل مدرسة الكتاب والسنة محاولات التبعيض والتجزئة للنصوص الإسلامية القطعية والمتحرك في الشريعة ويكشف في نفس الوقت محاولات إختطاف النص القرآنى من قبل جماعات الهرطقة الكلامية .
ويمكن بوضوح ملاحظة أن معظم مساهمات الأخ القراي منحصرة في محاولة إغتيال (المفكر الإسلامي التجديدي) في شخص الصادق المهدي كالمحاولات التي وصفها برهان غليون في كتابه "إغتيال العقل" والمهدي هو ذات الرجل الذي مهما كان حجم الإتفاق أو الإختلاف معه إلا أن أحدا لا يملك إلا أن يحترمه لأنه يحترم خصومه ولأن مايفيض به من إجتهاد للتوفيق بين قضايا الأصل والمعاصرة في نطاق مشروعية الإجتهاد الإسلامي يكشف في الواقع زيف إدعاءات الطاهوية التي تحاول إعتقال المتحرك من فقه المعاملات في الشريعة ورميه بالقصور لتسويق هذه الإدعاءات الكلامية التي انهارت بإنهيار الجماعة الطاهوية وبنيانها ومقولاتها واعتقادات أتباعها بل وتحول بعض دعاتها من النقيض إلي النقيض بعد استهداف نظام نميري المأساوي لمفكرها الشيخ محمود محمد طه.
وهكذا فهناك من يعتبر أن مايسوقه عمر القراي مجرد إفتراءات تمثل اجحافا لايرتقي لمستوي النقد الفكري ويرجعها الي التراكمات والتصورات المسبقة التي لاتحتمل التغيير لدي البعض وهو ماينم عن إعتمالات نفسية مزمنة تطلق في الهواء في شكل سياقات فكرية تمكيج مفرداتها وتلبس رداءات نصية وعباءات من التاريخ . فقد يستطيع أي شخص أن يكتب أويقول مايريد لكنه قد لايستطيع السيطرة علي مردود القول أوالكتابة . وهكذا كانت الطاهوية التي أطلقها الأستاذ محمود محمد طه والتي حولت مروجيها إلي ضحايا علي المستويين المادي والمعنوي ولعل المعاناة المعنوية التي لاتزال تظلل حياة الكثيرين من أنصارها لتعد ابلغ دليل علي عدم القدرة علي السيطرة الموضوعية لما يطلق من لغو الحديث والكلام رغم أن البعض كالأستاذ القراى لايزال أسير إسقاطات هذه المعاناة دون قدرة على الإحاطة بها وهى هرطقات كلامية صورتها مرايا الأدب الإنساني منذ عقود فمع بدايات مرحلة البيروسترويكا قدم المخرج الفرنسي الشيوعي سابقا انطوان فيتيز عرضا فنيا في مهرجان افينيون العالمي للمسرح من تاليف الكاتب الآسوجي لارس كلبيرغ عنوانه " السحرة الهواة " وموضوعه ندوة فكرية خيالية (أشبه بجلسات الجمهوريين) جرت وقائعها في غرفة مغلقة في موسكو عام 1935تجمع حول مائدة مستديرة بعض أرباب الثقافة الإشتراكية في جدل عام ينتهي إلي طروحات أيديولوجية فيما كان يعرف في الإتحاد السوفيتي آنذاك بالسوابرافة.ويبرر فيتيز اختيار عنوان السحرة الهواة للعرض المسرحي بان الساحر الهاوي في القاموس الفرنسي صفة تطلق علي الشخص الذي يبتكر شيئا او يفتح موضوعا ثم لا يكون باستطاعته السيطرة عليه وهذا ما اراده الكاتب ايضا في معالجة موضوعه ضمن الغرفة المغلقة لان الأبواب اذا انفتحت يقول فيتيز" اذا فتحت " يصير من الصعب إغلاقها ثانية لأنها تصبح تحت رحمة بوابين آخرين وهو ما آل إليه مصير الطاهوية وأتباعها . ورغم ان الهم السوداني العام يدعو الجميع للاسهام الإيجابي في تبديده إلا أن بعض المحاصرين بلحن القول ممن يجتهدون علي الصفحات لايزالون أساري لبعض المفاهيم والمصطلحات التي تجاوزها واقع الحال كحال الأخ القراي ممن ينحدرون بقيمة النقد إلي درك الإستخفاف بالآخر والشخصانية المباشرة دون قدرة علي تقديم المعادل الموضوعي فتصبح المجادلة المتجردة من رداء الإحترام المتبادل في الشان العام اشبه بلغط في محفل شعبي وهو مالا تستحقه حرمة النقد .
ولم يخفي القراي روح الوصاية الفكرية التي يتشح بها وينكرها والتي تجلت في نقده الحانق على الأستاذ كمال
الجزولي في إحدي مقالاته التي أشاد فيها بمساهمات السيد الصادق المهدي الفكرية واجتهاداته الفقهية الأسلامية فأصابته حسرة مجيدة وهو لايقوي علي رؤية منصفة عبر عنها الرجل في حق شخصية عامة . وهي روح ولغة إتسم بها الطاهويون تجاه خصومهم وهي ذات اللغة التي سادت عندما كانوا حلفاء موالين للرئيس السابق جعفر نميري في ظلمه في عهد إزدهارهم به قبل انقلابه عليهم لغة يغلب عليها الإستعلاء و الإستعداء والتحريض ضد الخصوم السياسيين والفكريين وما الكتيبات التأليبية التي كانت توزع علي رؤوس الشوارع والأزقة إلا شاهد علي ذلك. وكنت اعتقد ان العاديات التي ألمت بجماعة الجمهوريين في أعقاب مقتل الأستاذ محمود محمد طه وانهيار الإعتقاد الذي ساد البعض منهم بحدوث معجزة تحول دون ماساة ذلك اليوم وحالة الفوضي الفكرية التي شلت قدرة الحركة التنظيمية والفكرية حتي يومنا هذا قد يحمل الناشطين الجمهوريين الذين يعتبر الأخ عمر القراي من ناشطيهم أن تكون أولوياتهم أن يجيبوا علي تساؤلات مهمة لاتزال عالقة ومؤجلة من أهمها ماهو مستقبل الفكرة الجمهورية بعد موت الأستاذ الذي ظنوا موته مستحيلا لما ران من غشاوة بغض النظر عن يد الظلم التي شايعها وغدرت به من بعد .
وليس خافيا علي أحد الصدمات الفكرية والنفسية التي نالت من قطاع واسع من اتباع الفكرة بعد حادثة "منصة المشنقة" المؤسفة بسجن كوبر التي غيرت من مسار حياة أتباع الطاهوية واعتقاداتهم بعد تلك النهاية المأساوية التي نالت من الشيخ الجليل اليس هذا أولي بالتأمل من الإستخفاف الفكري غير المبرر بالخصوم .
ثم كيف يفسر القراي تداعيات كل هذا علي الحالة الطاهوية نفسها علي مستوي الجماعة والأفراد الذين طلق بعضهم الفكرة طلاقا بائنا لارجعة فيه فيما اتخذ آخرون لأنفسهم مكانا قصيا من ساحات النشاط التي ازدهرت بهم قبلا في تلك الأيام . ورغم الإختلاف الفكري السياسي مع الإخوة من جمهور الطاهوية إلا أن أحدا مثلا لم يتجنى علي شخصية كالأستاذ محمود محمد طه لخلق السودانيين الصوفي كما يتجني القراي علي شخصية سودانية أخري كالسيد الصادق المهدي ولايخفي القراي إستنكافه من رؤي الآخرين من عدول الباحثين والمفكرين مستنكفا مايراه علي سبيل المثال كمال الجزولي ومصادرا لحقه في تقييم عطاء واحد من المجتهدين والمجددين فكرا وسياسة ممن يؤمنون بإنكسار زجاجة التقليد وبضرورات صبها من جديد على رأي الإمام الغزالي وأئمة التجديد .
كان الأوجب علي القراي ان يري بعين الباحث التي حملت رجل من يسار الطيف السياسي السوداني (الجزولي ) تقوده نزاهته ويحمله تجرده الي تقييم موضوعي يختلف أو يتفق يعيد الإحترام إلي روح النقد كما اجتهد الجزولي في مساهماته. ورغم الإختلاف معهم , يظل اخواننا من جمهور الطاهويين الذين جمعتنا بهم الأيام وفصول الدراسة محل تقدير واحترام علي رأي الإستاذ محمود ( إن أشخاصهم موضع حبنا ولكن ماتنطوي عليه عقولهم موضع حربنا ) رغم مغالاة البعض ممن غلبت عليهم شقوتهم وهم يظنون أنهم يحسنون صنعا .



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147492469&bk=1
_

Post: #228
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 03:58 AM
Parent: #1


بيننا

رباح الصادق
بعد اختتام ورشة هيئة شئون الأنصار
نحـو مرجعية إسلاميـة متجــددة
اختتمت يوم الأربعاء الماضي الموافق 18 أغسطس ورشة نظمتها هيئة شئون الأنصار تحت عنوان: نحو مرجعية إسلامية جديدة متحررة من التعامل الانكفائي مع الماضي والتعامل الاستلابي مع الوافد، وذلك تحضيرا لمؤتمر إسلامي جامع يشارك فيه المفكرون والعلماء المسلمون من جميع المشارب الفقهية والدول داخل وخارج العالم الإسلامي. حيث أعلنت الهيئة أنها بتلك الورشة تريد الانتقال من الاجتهاد الفردي (قدمت في الورشة ورقة أعدها الإمام الصادق المهدي هي عصارة فكره عبر السنين) إلى الاجتهاد المؤسسي، وذلك إدراكا لأهمية الاجتهاد الجماعي المؤسسي وتجاوز الاجتهاد الفردي بالرغم من تقدير مجهودات الأفراد» كما جاء في البيان الختامي. نتناول في منبر "بيننا" اليوم بعض الأخبار والأفكار حول الورشة..
لقد كان من أهم التعديلات في اسم المادة المقدمة للمؤتمر هو التعديل الذي تقدم به الأستاذ عبد الباسط عبد الماجد وزير الثقافة المثقف حقا، والمتتبع لنشاطه يراه يكاد لا يغيب عن محفل ثقافي وفي كل حين يضيف من معينه فكرة أو نظرة، والجديد أنه في ورشة الهيئة التي حرص على حضور جميع مداولاتها كان يسهم في كل مرة إسهامات بمثابة إضافات فكرية حقيقية للمفاهيم الواردة في الورشة، من تلك الإضافات ما أشرنا له من تغيير وصف المرجعية من "جديدة" إلى "متجددة".. ذلك أن الأصل في الفقه التجدد لا الجدة.. وقد ذكرني حديثه ذلك بالنقد الذي سيق للطهوية (مذهب الأستاذ محمود محمد طه) وكان أبلغ ما قيل في ذلك أن المذهب الجمهوري حين حديثه عن رسالة ثانية قد اختصر عتبات التطور في درجتين: الأولى في القرن السابع والثانية في القرن العشرين، وهذا غير معقول.. وفي بعض النقاشات مع زميلي المهذب الأستاذ علاء الدين بشير ذكر لي كيف أن النقاء يقود لوضوح الرؤى وأن ما كتبه الأستاذ قبل أربعين عاما لا يزال -حسب رؤيته- يصف الواقع الوطني والعالمي، وردي هو أنه ومهما كان من صدق رؤية ما في زمان ما ومكان معين، فستظل تلك الرؤية مربوطة بواقع تاريخي وإن طال مداه. وبغض النظر عن النقد العقدي الذي سيق للطهوية والذي أراه صحيحا في استنكار نسخ القرآن المدني كله، فإننا لن نفلح في حديثنا عن شيء جديد دائم الصلاحية لتفسير الأحداث والتجاوب معها.. نحن نريد شيئا متجددا.. مصداقا لكلام حبيبنا عليه السلام المهدي الإمام (إنما لكل وقت ومقام حال ولكل زمان وأوان رجال).
إن من أهم الملاحظات على ورشة الهيئة، أنها أهرقت جهدا وزمنا لتصل كافة الجماعات الإسلامية من جميع المشارب الحركيون والصوفيون والدعويون، بل أصمت الهيئة أذنها نوعا ما عن بقية فصائل الفكر السوداني.. كأنما تلك المرجعية "المتجددة" والتي تزمع التحرر من الانكفاء مع الماضي والاستلاب للوافد موجهة فقط لأهل الخطاب الإسلامي (وأكثرهم من أهل الانكفاء).. وكنت أرى أن من حاملي الفكر المنحاز للعصر على حساب الأصل بعض الذين يهتمون بالفكر الإسلامي، والذين تخاطبهم المرجعية المتجددة مثلما تخاطب غيرهم من المنحازين للأصل على حساب العصر.. فالأطروحة المقدمة ترى الخروج من الموقفين باعتبارهما غير صائبين إلى مربع جديد، وهي بالتالي تخاطب الجميع، وتحتاج إلى تعليقهم وتعقيبهم مرة بمقياس الأصل (الذي يفلح فيه قوم) ومرة بمقياس العصر (الذي يفلح فيه قوم آخرين).. كان تركيز الدعوات على الأوائل الذين لم يستجب منهم في الغالب إلا المغردين خارج أسرابهم (فيما عدا البروفسير حسن مكي والأستاذة عائشة الغبشاوي) ، ولاذت تلك الأسراب بالابتعاد حتى عن النقاش.. وكان من أهم المناقشين من قادة الفكر والرأي السوداني الذين حرصوا على حضور الورشة والمشاركة في مداولاتها إضافة لمن ذكرنا (أ. عبد الباسط، ود. حسن وأ. عائشة) الدكتور الطيب زين العابدين والأستاذ كمال الجزولي والدكتور مرتضى الغالي والأستاذ علي هاشم السراج أمين عام مجلس الطرق الصوفية، شاركوا جنبا لجنب مع قيادات هيئة شئون الأنصار وكوادرها في مداولات الورشة. وقد كانت إضافة الدكتور مرتضى الغالي في الجلسة الختامية بالتركيز على ضرورة مشاركة قادة الرأي في العالم الإسلامي حتى من خارج الحقل الشرعي من الانتلجنسيا في كافة التخصصات، هي مما ورد في مداولات الورشة بشكل ركز على ضرورة أن تصحب المعرفة الشرعية خبرة فنية حديثة ولكنه أضاف إليها التنوع حتى في النظرة الفلسفية.. ولعل هذا هو الدرس الأبلغ الذي أرى أن تخرج به الهيئة من تلك الورشة.. فخطاب الجدلية أو الخروج من نقيضين لخط إبداعي ثالث يجب أن يخاطب الجميع، وهو خطاب مهما ادعى لنفسه التصالح مع الجميع سيستعداه البعض من أهل الانكفاء، ويستعداه البعض من أهل الاستلاب، وعليه أن يفتح بابه للجميع لأنهم مهما كانت مشاربهم قابلين لأن يضيفوا لهذا الموقف الجديد وأن يتعاطفوا معه.
هذا الحديث لا ينبغي أن يفهم على أن خطاب المرجعية المتجددة يستعدي بالضرورة أهل الانكفاء أو أهل الاستلاب، لأنه وكما قال الإمام المهدي عليه السلام وكرر قوله مرات عديدة فنحن ليس لنا عداوة مع أحد، وكما أوصى الإمام الصديق بذلك وهو على فراش الموت أننا لا نعادي أحدا. نعم على خطاب المرجعية ألا يستعدي أحدا وألا يعزل أحدا.. ولكن عليه ألا يعول كثيرا على البعض ممن اتخذ مواقف عدائية وأصر عليها، ولا ينبغي أن يكون على مثله بواكي.
لقد كان من أهم ما التفت إليه في الورشة مناقشة مفهوم أسلمة المعرفة، فقد اهتم بذلك المحور الدكتور الطيب زين العابدين الذي أضاف نظرات ثاقبة فيما يخص الكيفية التي يجتزئ فيها البعض المفهوم في تحويل المصطلحات إلى أصول إسلامية أو نقدها بعيدا عن منطقها الخاص. وبين سوء حالة العلم في بلادنا وترديها.. وما نود نقاشه هنا هو مفهوم الأسلمة نفسه باعتباره وكما قدمت الورقة يجب ألا يتعدى فكرة أن العلمية لا يمكن أن تحكم على الغيب، بل مجالها هو عالم الشهادة فلا يمكن إثبات الإلحاد على أسس علمية.
ومن أهم الإضافات التي رأتها الورشة ضرورة إضافة فصول عن التعليم، والإعلام، والطفل، والصحة عامة مع الاهتمام بالصحة الإنجابية باعتبارها من الحقول التي تتعارض فيها وجهات النظر بين المنظور العلمي الحديث والسائد في المنظور الشرعي، مما يوجب البحث فيه بمنطق التحرر من الانكفاء والاستلاب معا.
لقد خرجت الورشة بتصورات حول المؤتمر المزمع عقده، والمادة التي ستقدم فيه من قبل الهيئة بتطوير الورقة الحالية المقدمة في مبناها وفي إضافة بعض الموضوعات ومراجعة بعض التفصيلات، وذلك عبر لجنة أوصت الورشة بتكوينها. كما خرجت بتصورات عن مكان وزمان وتمويل المؤتمر، على أن تقدم تلك التصورات للجنة التحضيرية للمؤتمر والتي شددت الورشة على ضرورة اهتمامها بآلية المتابعة بعد فض المؤتمر لكي يخرج من كونه مجرد منبر للعلاقات العامة كديدن المؤتمرات في العالم الإسلامي اليوم، إلى كونه منبر حقيقي لبلورة مرجعية يلتف حولها سواد المسلمين الأعظم عبر مذاهبهم وطوائفهم استشرافا لمستقبل يعيدهم إلى صفحة التاريخ.
إننا إذ نناقش ورشة تنظمها هيئة شئون الأنصار تحضيرا لمؤتمر إسلامي جامع، وتدرس ورقة مقدمة من إمام الأنصار بهدف تحويلها من مجهود فردي إلى مؤسسي جماعي حتى تقدم في ذلك المؤتمر ذي الإطار الأوسع، فإننا لا نستطيع إغفال ما دار في حلقة النقاش التي نظمتها صحيفة الصحافة لمناقشة كتاب الدكتور عبد الله علي إبراهيم الهام حول (الشريعة والحداثة)، فقد أشارت في تلك الحلقة مولانا رباب أبو قصيصة لخلوة ود البدري التي صارت تستعين بالكمبيوتر في تعليم الحيران، وأشرت فيها على أنه لا يمكن -وفي معرض الحديث عن الشريعة والحداثة- إغفال ما جرى من تفاعل بين الأصل والعصر وصيغه الإبداعية العديدة داخل قطاعات كثيرة .. فذلك الجدل لم يحدث فحسب داخل القطاعات القانونية (القضاء والمحاماة وما إليه) أو التعليمية (معاهد التعليم والجامعات والخلاوى والمدارس) اللذان تعرض لهما الكتاب بشكل تفصيلي، بل كان داخل كل القطاعات التقليدية والحديثة.. ففي كل الكيانات المسماة تقليدية نبت غرس العصر وإن بدرجات متفاوتة مما يوحي بأنه توجد تربة أصلح لتلك النبتة من تربة أخرى، وفي كل الكيانات الحديثة نبتت غرسة الأصل بدرجات متفاوتة أيضا.. لقد تمنيت لو حضر الدكتور عبد الله علي إبراهيم ورشة الهيئة ولكنه سافر في نفس يوم افتتاحها.. إذن لكان اندهش من الفكر (المتجدد) المعروض، والورشة نفسها كآلية حديثة للبحث كيف ذللتها الهيئة لبحث علومها الشرعية، بل وباستخدام أحدث التقنيات حيث كانت حتى أعمال المجموعات تعرض عروضا ضوئية باستخدام الحاسوب، ناهيك عن الورقة المقدمة والبيان الختامي.. مستويات لم نرها بعد حتى لدى الحركات الإسلامية المسماة حديثة، وصلت لها هيئة شئون الأنصار المسماة تقليدية.. وذلك تأكيدا لما ذهبت إليه أن دوائر جدل الأصل والعصر في السودان في تفاعل الشريعة بالحداثة هي أوسع مما ذهب له الكتاب المفيد.
وأخيرا، إن هذه الفكرة الأخيرة حول تجديد هيئة شئون الأنصار وتحديثها، بدرجة أكبر مما يوجد لدى الكيانات الإسلامية المسماة حديثة هو مما يؤكد أننا في السودان نطلق تسميات وندع ضبطها للهوى.
وليبق ما بيننا!.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147491611&bk=1
_________________

Post: #229
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 03:59 AM
Parent: #228


الآخر لنيفاشا «5-5»

السودان الجديد: ما الذي تحويه مائدة قرنق؟
الحركة تطالب بمثقفين شماليين للمشاركة في عملية التغيير
كتب: موفد الصحافة إلى نيفاشا
اواصل حديثي عن حواشي نيفاشا باعتبار ان متنها هو البرتوكولات التي وقعت.. وما اكتبه هو حصيلة رؤى تكونت لديَّ بعد احاديث ومشاهدات اتيحت لي في سياق متابعتي لجولة المفاوضات الأخيرة بين الحكومة والحركة الشعبية بنيفاشا لمدة شهرين بالتمام والكمال، التي انتهت بينهما بتوقيع ثلاثة بروتوكولات حول قسمة السلطة ومنطقتي جنوب النيل الازرق وجبال النوبة ومنطقة أبيي.
زواج مشروعين:
في حواشي خطابه ليلة التوقيع على بروتوكولات السلام الثلاثة بنيفاشا في السادس والعشرين من مايو الماضي، قال الدكتور جون قرنق قائد الحركة الشعبية، وهو يشير الى الجانب الذي يجلس فيه وفد الحكومة وضيوفها الذين قدموا من الخرطوم لحضور حفل التوقيع، انه وبدخول حركته والمؤتمر الوطني مرحلة السلام، فإننا نريد أن نزاوج بين مشروع الانقاذ الحضاري، ومشروع الحركة لتحرير السودان، لتصبح الخلاصة المشروع الحضاري التحرري!
في تقديري ان د. جون قرنق لم يقصد الدعابة بحديثه ذلك كما بدا لكثير مِنْ مَنْ استمع للخطاب، بقدر ما اراد ان يهيء الانقاذ للخطوة القادمة وهي عملية التغيير الحقيقية التي من أجلها قامت الحركة. وهي سودان جديد يقوم على أسس جديدة من العدل السياسي والاقتصادي والاجتماعي وهو الغاية التي «تعاقدت» عليها الحركة الشعبية مع كثير من منتسبيها وخاصة المثقفين منهم لتحقيقها. فبروتوكولات السلام في تحليل أهل الحركة الشعبية ليست هي الغاية بالنسبة لهم وإنما هي وسيلة لبلوغ الغاية الحقيقية وهي اجراء تغييرات جوهرية في الدولة السودانية وبالضرورة في وعي شعبها لأن الدول بحسب محمد حسنين هيكل ليست المؤسسات او الجغرافيا وإنما هي الشعوب.. بروتوكولات السلام هي في رأيهم لتهيئة المكان لإستقبال فيض التغيير الذي يأتي بالمحتوى ليملأ أوردة وشرايين ودماغ- المكان «المجتمع الدولة السودانية» وذلك عبر عملية «التغيير الحقيقية».
تحول مفاهيمي:
يقصي كثيرٌ مِنْ مَنْ يوصفون بالقوى الحديثة، الحركة الاسلامية في تصنيفاتهم لقوى السودان الجديد لانهم يستصعبون تحولها الفكري والسياسي لمقابلة استحقاقات التغيير المنشود، ويعتقدون أنها عبر تربعها على السلطة «بالقوة» تقف عقبة كأداء في سبيل تحقيق وعد السودان الجديد الاخضر، لذا فانهم يرون ألا إمكانية لتحقيق تلك الغايات إلا بازاحتها عن طريقهم بالقوة، وليس بقوة- يا يحيى خذ الكتاب بقوة- الآية. غير ان د. جون قرنق في دعوته ليلة التوقيع لاتحاد المشروع الحضاري للانقاذ مع المشروع التحرري للحركة يحمل دلالات عدة، فهو عندي ليس براغماتية سياسية، ولا مجاملة في احتفال رسمي، وانما يعكس واقعية سياسية لدى زعيم الحركة وقعت له وتقع له يومياً من خلال ممارسته للعمل السياسي والعسكري في آن واحد. والواقعية السياسية التي اناخت رحالها لدى قائد الحركة في تقديري هي نتاج ما اسميته من قبل «صوفية قرنق» حيث تأكد له ان التغيير الحقيقي لا يتحقق عبر العمل المسلح «العنف» كما في الماركسية التي تسرب قدرٌ مقدور منها في منفستو الحركة الشعبية التأسيسي، وان الحرب لا يمكن ان تحقق تغييراً وان قصارها ان تجبر الطرفين او الطرف المتعنت للجلوس على مائدة التفاوض لحل المشكلة الاساسية التي من أجلها نشبت الحرب عبر الحوار والأخذ والرد. لذا فإن زعيم الحركة قبل الجلوس والتفاوض مع الانقاذ التي كانت تمثل موئل الشر في واعية اهل الحركة، رغم أنه كان قد أعلن في ندوة واشنطن قبل ثلاثة أعوام ان التفاوض مع نظام الانقاذ ليس للإتفاق معه وإنما من أجل تفكيكه لانه على حد تعبيره لن يسهم في إطالة امد نظام شمولي موصوم بالاصولية ورغم الاعتقاد الراسخ لدى اغلب افراد الشعب السوداني بان طرفي التفاوض الانقاذ والحركة الشعبية لم يجيئا للتفاوض الا مصفدين بسلاسل امتحان المجتمع الدولي، بعد ان أظهرا صدوداً وخاصة الانقاذ، من قلائد الاحسان التي مدت لهما من قبل، إلا انه وفي رأي البعض ان ذلك من باب احتشاد الظروف والاسباب من اجل تهيئة الواقع للتغيير المرجو، وكان قائد الحركة قد اعترف بان ضغوطاً قد مورست عليهم من اجل الوصول لاتفاق سلام متفاوض عليه، ولكنه استدرك بأنها ضغوط كلفة الحرب العالية.
واقعية سياسية:
هذا التحول المفاهيمي، الذي بدأ بتغيير الحركة الشعبية لاستراتيجيتها وجلوسها للتفاوض مع نظام الانقاذ وهو النظام الاشد نأياً وعدوانية وتناقضاً مع غايات الحركة، والأكثر شراسة ومنعة وبأساً في منازلتها على حلبات الصراع العسكري والسياسي والفكري. وصل في مرحلته الثانية إلى استصحابه في عملية التغيير المرجوة، فبدعوة قائد الحركة في حفل يوم التوقيع بان يتحول المشروع الحضاري للإنقاذ والمشروع التحرري للحركة الى المشروع الحضاري التحرري، فان ذلك لا يعني شراكة سياسية كما ذهب البعض الى تأويله وإنما هو دعوة من شاكلة: «ما الذي اعجلك عن قومك يا موسى» الآية. وليست الانقاذ من قوم قرنق والحركة بما تعطي البداهة، ولكن التدافع السياسي ودفع الله الناس بعضهم ببعض وضع الطرفين في قيادة مركب التغيير الامر الذي اوعز لقائد الحركة الشعبية ان يفتح ذهن حلفائه الجدد الى انه صاحب دعوة للتغيير وليس طالب سلطة وكان قد عبر عن ذلك بلباقة وسرعة بديهة عندما كانت قضية مؤسسة الرئاسة مثار خلاف في المفاوضات واعلان النائب الأول للصحافة المصرية، استعداده للتنازل عن منصبه لقائد الحركة اذا كان ذلك هو ثمن السلام، وعندما طرحت أجهزة الاعلام ذلك لقائد الحركة اجابهم بسرعة: «منو القال ليكم أنا عاوز شغل».
وبالرغم من ان الانقاذ واجهت الحركة بأولى العقبات في سبيل تحقيق مشروعها للسودان الجديد حينما اصرت على ان تكون التسوية على اساس نظامين في دولة واحدة، نظام في الشمال قائم على التشريعات الاسلامية وآخر في الجنوب قائم على التشريعات المدنية. وهو ما كاد ان يحصر الحركة لتتفاوض كحركة جنوبية صرفة بدلاً عن حركة قومية تنادي بإقامة سودان جديد. الدين فيه للأفراد والوطن للجميع، بالرغم من ذلك إلا ان قائد الحركة لم ييأس من «قومه» الجدد «الانقاذ» وامكانية ان يُخرج الله من بينهم من يؤمن بمشروع السودان الجديد «الديمقراطي» التعددي ثقافياً وفكرياً، إيماناً حقيقياً يصدقه العمل وليس القول فقط. وبذلك يكون قائد الحركة قد خالف قناعة قومه وحلفائه القدامى من القوى الحديثة التي لا ترى خيراً أو بارقة أمل في الإنقاذ، ولكنها تعجز في الوقت نفسه عن إزاحتها من الطريق. لكن قائد الحركة وقع له ان الانقاذ لن تفاوض في امر سلامتها وانها ليست من الوهن الشديد بحيث توقع على شيك السودان الجديد على بياض، وأن الحركة لم تنتصر عليها حتى تملي شروطها كما ظل يؤكد معظم قادة الحركة الشعبية سواء من زار منهم الخرطوم وسماعهم لمطالب ومآخذ الحانقين على الانقاذ مِنْ مَنْ يرون في الحركة «المخلص» بالنسبة لهم من جور أولى القربى الانقاذيين، أو من التقيت بهم في نيفاشا. بل أنني لمست حنقاً من أهل الحركة على هؤلاء الذين يريدون من الحركة أن تصبح لهم بمثابة حصان طروادة الذي يحملهم إلى فردوسهم المفقود في السودان الجديد العلماني الخالي من الانقاذ واسلامها الحنبلي دون ان يدفعوا الحد الادنى من استحقاقات هذا السودان الجديد «العلماني» بان يجهروا ويصدعوا بالقول إنهم لا يريدون «الشريعة» ويكون لهم القدرة على الصمود أمام مزايدات الانقاذ الدينية، وقد عبر عن ذلك قائد الحركة الشعبية بعد توقيع بروتوكول مشاكوس الاطاري حينما قال: «إننا استطعنا أن نبعد الشريعة عن الجنوب، ولا مانع لدينا ان نساعد الشماليين إذا ارادوا إبعادها عن الشمال». ولكن لم يجرؤ احد على الكلام كما قال السيناتور الاميركي السابق بول فندلي في كتابه ذائع الصيت.
السودان الجديد: وجهات نظر!!
يمثل مشروع السودان الجديد مشروع حياة او موت بالنسبة للحركة الشعبية، وبحسب رؤية اهلها فانه يمثل الضمانة الوحيدة لتحقيق السلام الحقيقي والوحدة الطوعية، فالسلام عندهم لا يقتصر على تدابير اجرائية في اقتسام السلطة والثروة ووضع تشريعات تقنن ذلك، وإنما هو عملية تغيير مفاهيمي وسط الجماهير تحملهم لتحقيق السلام الداخلي في النفوس وفي العقول حتى يحافظوا على صيانة هذه المكتسبات التي تحققت عبر التفاوض، وقد عبر عن ذلك باقان اموم، رئيس وفد الحركة الشعبية الذي زار الخرطوم في شهر فبراير الماضي، في ندوتهم الشهيرة بقاعة الصداقة التي كانت عبارة عن درس في المسكوت عنه في ثقافة السودانيين وخاصة الشماليين منهم، بأن التحدي الاساسي الذي يواجههم في الحركة هو كيفية اقامة مشروع السودان الجديد، واضاف «نحن نحتاج في المرحلة القادمة لفكرة اصيلة تتيح لنا امكانية ان نتعايش معاً في سلام.. نحتاج الى ايجاد عقد اجتماعي جديد». وقد استشعرت ذلك القلق من خلال تواجدي بنيفاشا ولمست أنه لا يوجد تصور متكامل لمشروع السودان الجديد لدى اهل الحركة، فهو الى الآن مجرد مشروع سياسي ليس لديه الاطار الفكري المتماسك ليجعل الرؤية واضحة. وخيراً فعلت الحركة بهذه الاستغاثة الفكرية، لانها توفر قدراً كبيراً من الضمانات لقيام «تحالف الراغبين» في السودان الجديد لصياغة اطار فكري نتيجة حوار طويل وعميق في ما بينهم وصولاً لصيغة تراضٍ بين جميع افراد هذا التحالف ولعل هذا ما عناه قائد الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق حينما وصف السودان الجديد في حواره مع الصديق الزميل مصطفى سري لصحيفة «الشرق الاوسط اللندنية» «بان السودان الجديد مثل افطار رمضان عند المسلمين في السودان، كل يأتي بمائدته إلى الشارع» وهي دعوة منه لكل قادر بالمساهمة حسب قدرته ، وفي تعريف قرنق هذا حكمة بليغة ورمزية عميقة تشير إلى رغبته في القربى الفكرية والوجدانية والنفسية من الآخر المسلم لانه استخدم تعبيراً في تعريف السودان الجديد أقرب إلى الوجدان الشمالي المسلم والمتشكك حتى الآن في دعوة السودان الجديد. فرغم أن مصطلح ومضمون السودان الجديد ليس غريباً عن ساحة العمل السياسي والفكري في السودان، اذ يعود المصطلح إلى بداية الأربعينات من القرن الماضي وتمظهر في كتابات الرعيل الاول من الخريجين والمثقفين السودانيين ودعوتهم التي كانت تنشد تأسيس سودان أو وجود مغاير، كما عبر الشاعر والفيلسوف التيجاني يوسف بشير، خال من الاستعمار والطائفية والبداوة الضاربة اطنابها فيه آنذاك، ثم توالت الدعوات والكتابات، غير ان المفهوم لم يأخذ ذلك التحديد العميق إلا عندما استلهمته الحركة الشعبية وجعلت منه واجهة ومضمون مشروعها السياسي، ثم طفقت بعد ذلك بقية القوى السياسية في التبشير به، غير ان المصطلح والمفهوم يختلف مدلوله في ذهن التكوينات السياسية المختلفة فبحسب الدكتور ابكر آدم اسماعيل في مبحثه عن السودان الجديد، فإنه يمثل لدى القوى التقليدية التحول الديمقراطي وعودة التعددية السياسية، ولدى قوى اليسار هو تحول اقتصادي يقود الى اوضاع اكثر عدالة اجتماعية، ولدى النخب هو سودان ديمقراطي علماني ليبرالي، ولكنه لدي قوى الهامش والحركة الشعبية جماع لكل ذلك وان اخذت قضية التغيير الثقافي مركز الصدارة في مطالبهم بحيث تتراجع مركزية الثقافة العربية الاسلامية المهيمنة برأيهم لتتواضع وتصبح مكوناً من مكونات الثقافة السودانية وليست الثقافة الرسمية التي ظلت تهيمن على جهاز الدولة لعقود.
تركيز الخطاب:
وبحسب تحليل أهل الحركة الشعبية فإن نظام الإنقاذ يمثل قمة التجلي لهذه العصبية العربية الاسلامية التي تلبست جهاز الدولة، وهم يستصعبون امكانية منازلتها في ساحة الشمال نتيجة ارتكازها على خطاب تجييشي يخاطب عقلية القطيع لدى الشماليين، ولعل هذا ما عبر عنه استاذنا الدكتور عبد الله علي ابراهيم باكراً وبنى عليه موقفه المعارض بقوة على حد تعبيره للانقاذ وليس بالقوة كما قال لانه يرى خلال نقاش دار بينه وبين الدكتور منصور خالد في كمبالا عام 89 أو 90 لا ادري بالضبط، ان الانقاذ جاءت إلى السلطة متحزمة بالدين -الاسلام- وبالعروبة، وبالقوات المسلحة، وهي على حد تعبيره معانٍ عزيزة على الشماليين، لذلك فإنها ستبقى طويلاً عكس الذين يرون انها آفلة قريباً لا محالة. وان صعودها للسلطة كان وقوده الاساسي هو التهديد الذي تمثله الحركة الشعبية للهوية والوجود العربي والاسلامي في السودان على حد زعمهم.
وقد اورد الدكتور منصور خالد تحليلاً قريباً من هذا في استحالة اقتلاع نظام الانقاذ عبر انتفاضه كما في السابق كان قائد الحركة قد جادل به قوى التجمع، وذلك عبر مقالاته التحليلية لبروتوكولات السلام بصحيفة «الرأي العام» 22 يوليو 2004م، حيث اورد «لا غنى للعمل العسكري عن العمل الجماهيري في المعارضة فكلاهما يكمل بعضه البعض، الا ان الظن بامكانية قيام انتفاضة ضد حكومة البشير على النهج المعروف ظن ليس في محله»، وسبب ذلك بان «الفريق البشير لم يقم بانقلاب عسكري وإنما قاد انقلاباً لمصلحة تيار سياسي له رؤاه وتنظيماته ومراكز ارتكازها الداخلية والخارجية».
مشكلة شمال!
بعكس كل التحليلات ما عدا ما كتبه الاستاذ محمود محمد طه فإن جميع التحليلات ذهبت إلى توصيف النزاع الاهلي الناشب في السودان بانه «مشكلة الجنوب» ولعل هذا ما حدا بالحركة الشعبية أن تضمن في الفصل الأول من المنفستو التأسيسي لها عام 1983م وفي سياق تحليلها للجذور التاريخية لمشكلة السودان «بان ما يسمى بمشكلة جنوب السودان هي في الواقع مشكلة السودان عموماً، زادها تفاقماً في الجنوب الممارسات التعسفية والأنظمة الشللية التي لا تعبر إلا عن الأقلية، التي تعاقبت على دست الحكم في الخرطوم». لذلك تذهب تحليلات أهل الحركة الشعبية حالياً إلى أن أصل المشكلة في العقل الشمالي الذي ركن لتصميم الدولة السودانية الاستعماري. وظل يدير الدولة السودانية ويفصلها على مقاسه ووفق خياله القاصر عن استصحاب المكونات الأخرى لهذه الدولة. ويرون أن العنف المادي والمعنوي الذي بدأ منه إزاء الثورات المتململة من سياساته في الجنوب. او غيره يحتاج لعملية تغيير وتحول كبرى في تلافيق هذا العقل، لان العنف المضاد الذي تولد من هذه الجماعات الثائرة ما هو إلا إنعكاس لما هو مستكن داخل العقل الشمالي ومن هذا التحليل خلصوا الى ان جهداً كبيراً ينبغي ان تنصرف فيه الحركة الشعبية طالما ظلت على توجهها القومي وهو قيادة عملية تغيير واستقطاب داخل الساحة الشمالية، ولان هذا في رأيهم من الصعوبة بمكان لاستعلائية الشماليين ورفضهم الانصياع لقيادة جنوبية، فإن الحركة كانت قد كوَّنت ما سمى بلواء السودان الجديد كوعاء مساند للحركة ليضم عناصر شمالية مؤمنة بمشروع السودان الجديد، وهذا ما قاله ستيفن وندو ممثل الحركة الشعبية بواشنطن، وقد عهد للدكتور الواثق كمير، وهو اكاديمي كان يعمل استاذاً بجامعة الخرطوم بقيادته، ثم تولى قيادته شمالي آخر كان يعمل ضابطاً بالقوات المسلحة وهو فيصل مصطفى، غير ان التجربة فشلت ولم تصب القدر المرجو من النجاح لها.
كوادر نوعية:
تهتم الحركة الشعبية بالشمال لكونها تتبنى خطاباً قومياً ولأنها راهنت على وحدة السودان، ولان الشمال يعتبر امتحاناً حقيقياً لخطابها وقدرتها على قيادة السودانيين إلى آفاق التحديث والتنمية والسلام والوحدة ولأنه هو الذي يرفض التعايش مع الآخر وفق شروط عادلة، غير أنها تعي بان للشماليين محدداتهم التي تتحكم في خياراتهم السياسية والفكرية- وهي في الغالب محددات غير موضوعية قائمة على أساس العرق أو الدين، لذلك وهي تكابد عناء التحول من حركة عسكرية إلى قوى سياسية فاعلة تسعى لاستقطاب كوادر شمالية نوعية مدربة تدريباً سياسياً جيداً ومؤهلة تأهيلاً فكرياً عالياً تمتليء مائدتها بما يعين على الاستقطاب، وفي هذا الصدد بدأت اتصالاتها مع مجموعات من السودانيين الشماليين، وقد التقى قياديان منها هما ياسر عرمان ودينق الور، ببشير بكار ود. حيدر بدوي من كوادر حركة الاخوان الجمهوريين سابقاً، والقياديان بحركة حق وأدارا معهما حواراً حول هموم الحركة بعد ان تتغير بيئة التنافس من صراع سياسي هدفه الوصول للسلطة إلى صراع أفكار من أجل التغيير، وأن الحركة تتخوف من انحراف مسارها الديمقراطي بعد وصولها السلطة في حال عجزها عن التمدد الجماهيري، ولانهم يعتقدون في الحركة أن الشمال إلى الآن هو مصنع الأحداث في السودان وتطرقا معهما لتقاطع مشروع الحركة الشعبية السياسي مع بعض مشاريع القوى السياسية الاخرى. وقد وجها الدعوة إلى حركة حق للإندماج داخل الحركة الشعبية، وطلبا منهما أن يبشرا بها وسط مجاميع الجمهوريين والمثقفين السودانيين في الداخل والخارج .
مخاوف لدي النخبة:
لكن هناك مخاوف لا تزال لدى كثير من المثقفين الشماليين من مشروع السودان الجديد كما تتصوره الحركة، إلى جانب تحفظهم على العمل السياسي تحت لوائها، منها أنهم يخشون أن يصبحوا شركاء في ما اسموه تاريخ الحركة الشعبية العسكري، وسجلها المليء بانتهاكات حقوق الانسان، كما انهم يرون ان الحركة تقيم تحالفات تكتيكية وليست مبدئية وتتخذ من حلفائها هؤلاء حصان طروادة فما يدريهم أنها لن تتخلى عنهم حال رؤيتهم أنها استنفدت غرضها منهم ومع تسليمهم بأهمية الحركة الشعبية ودورها في التغيير الذي سينعم به السودان ولكنهم يعتقدون أنها تحتاج لمزيد من الوضوح بشأن رؤيتها المستقبلية للبلاد ككل، كما يطالبونها بأن ترسل اشارات ايجابية على انها تنشد الحداثة والتنوير باجراء اصلاحات حقيقية تقلل من طابعها العسكري وبنيتها القبلية إلى حركة سياسية حديثة تدار وفق الآليات الديمقراطية الحديثة. واتفق كثيرون على أنهم لا مانع لديهم من تنسيق المواقف والتحالفات مع الحركة، غير انهم رفضوا الاندماج، ولكن لا تزال حوارات د. حيدر بدوي مستمرة في الخرطوم.
حاشية حواشي نيفاشا:
ليلة التوقيع وقبل ان تبدأ مراسم حفل التوقيع شوهد ياسر عرمان في مصافحة حارة وحديث ودود مع الاستاذ احمد عبد الرحمن محمد القيادي الاسلامي المعروف وعرفت ان كثيرين داخل الحركة الشعبية يعدونه احد اكثر الشخصيات إحتراماً داخل تيار الاسلاميين الحاكم، كما انني علمت أن أحمد عبد الرحمن عندما جاء ضمن وفد الخمسين الذين اختارهم د. غازي صلاح الدين عندما كان يمسك بملف السلام، وفي الاجتماع الذي ضمهم مع قائد الحركة الشعبية كتب مذكرة صغيرة الى الدكتور منصور خالد افتتحها بالاخ والصديق العزيز منصور خالد، وطلب من الذين يجلسون حوله ان يسلموها له. وبعد الانتهاء من الاجتماع دخل الاثنان في مصافحة حارة وحديث ودي. يذكر ان الاستاذ احمد عبد الرحمن كان قد تولى منصب وزير الداخلية إبان حقبة مايو.
ü كذلك وقبل بداية حفل التوقيع قام الدكتور منصور خالد من مجلسه في جانب الحركة وهرول برشاقة ليصافح بحرارة الرائد «م» ابو القاسم محمد ابراهيم، عضو مجلس قيادة ثورة مايو، ليقول له الأخير «وين إنت يا آخ!!». وكان المشهد يقول في «حكاياتنا مايو» !!



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147491530&bk=1

Post: #230
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 04:01 AM
Parent: #229


الحقيقة واحدة.. عند الدين والدولة ولا منتهى ـــ«1-2»

د. عبدالله عوض عبدالله
كتبت جريدة «الرأى العام» بتاريخ الاربعاء 11/8/2004م مقالاً سطره قلم الكاتب الاستاذ كمال الجزولي حول «حوليات الحلم الإنساني» مما اعتبرته مدخلاً أدلى فيه برأى عن الدين والدولة ضمن مجريات الاحداث الحالية بالسودان لأن حى السودان أهله أهل العبقرية.
إن الاستاذ كمال الجزولي رجل عقلاني يؤمن ويعمل بنظرية الاختيار (التخير) دون الجبر (التسير) كما ذكر. وان نظرية التسير عبر عنها بنظرية ملغمة لاتصلح ضمن الفهم العام لحل مشاكل الفرد والجماعة ويستدل على قوله بآيات كريمة وأحاديث نبوية شريفة.. مثل قول الله تعالى: (لو كنا نسمع أو نعقل ماكنا في أصحاب السعير) «الملك: 10». وكما ذكر أيضاً حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: (أول ما خلق الله العقل فقال له: أقبل فأقبل، ثم قال له أدبر فأدبر، ثم قال الله عز وجل: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً أكرم علىَّ منك، بك آخذ، وبك أعطي، وبك أنيب، وبك أعاقب) «أخرجه الطبراني في الأوسط».
أول ما تجب الاشارة إليه هو إضطراب الاستاذ كمال الجزولي الواضح في أمر التخير والتسير. فإن كان الأمر كما قرر في الحديث النبوي الشريف عن العقل فهو يرى إذن التسير «الجبر»، لا التخير.. لأن الذين يرون التسير «الجبر» لايرون غير هذا. هم يرون في العقل الطاعة الكاملة للأوامر الإلهية في الاقبال والادبار والتسليم له دون أى اعتراض، تسليماً تاماً، كما أن عجز الحديث قد أودع الله فيه التسير في المنحة ولكن أودعه بصورة خفية، تناهت في الخفاء، واللطف حتى جاز على الاستاذ كمال الجزولي فوهم أن عقله حرٌ ومخيرٌ ونسى المنحة (التسير الخفي) الذي أعطاه الله للعقل.
أما الآية الكريمة قول الله تعالى: «لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير».. إن أصحاب السعير يعقلون ويفهمون في أمور دنياهم ولكنهم يجهلون بأمور العليا «الأخرى» لذلك كانوا من أصحاب السعير وحتى لا ينخدع القراء ببهرج آراء الاستاذ الجليل كمال الجزولي التي أرسلها حول أصل اصول الدين «في الجبر والاختيار» إرسالاً، لزم علىَّ أن اوضح الآتي: إن الذي ساق الناس الى الاختيار هى الحركات الارادية من تحريك اليد والقدم... الخ. والتي نولت لأنفسنا ان نزعم ان لنا ارادة اختيار كاملة والحذق يقضي بألا ننساق وراء هذا الوهم، لأننا على أيسر تقدير، نعلم أن هناك في آهابنا حركات لا تخضع لإرادتنا.. واننا لا نستطيع السيطرة على ضربات القلب، ونعلم أن الدم الذي تضخه قلوبنا، يغذي الدماغ، وفي الدماغ مراكز الحركات الارادية وبذلك يكون الله مسيرنا تسييراً من وراء عقولنا.
ثانياً: إن الاستاذ كمال الجزولي يأخذ الانسان كما في القرآن على انه وجد على الصورة المعاصرة من الوهلة الاولى؟ وانه نسى تطور الانسان منذ بدايات هى في حقيقتها، نفس عناصر العالم الذي يعيش فيه الآن؟ فالإنسان لبث في رحم الحياة آماداً سحيقة قبل أن تكون له ارادة، وقبل أن تكون له حرية. قال تعالى: «هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً، انا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه، فجعلناه سميعاً بصيراً انا هديناه السبيل، إما شاكراً، وإما كفورا» النطفة هنا الماء الصافي. ونطفة أمشاج معناها الماء المخلوط بالطين. هذه نشأة الانسان في رحم الحياة وهى نشأة قد استغرقت من عمر الزمان دهراً طويلاً، ولم يكن للانسان فيها إرادة، ولا حرية، لأنه لم يكن له يؤمئذ عقل، عقل يقوم عليه التكليف، وهذا معنى قوله تعالى: «لم يكن شيئاً مذكوراً». وللانسان الآن نشأة رحمية ثانية. هو يتكون في رحم الام من نطفة «أمشاج» أيضاً وهى، هاهنا ماء الرجل المخلوط ببويضة الأنثى ويمكث في هذه النشأة الرحمية نحواً من تسعة أشهر، يطوي خلالها جميع الصور التي مرت في النشأة الرحمية الأولى، ان يرتفع من دودة منوية إلى بشر سوي، وهو في هذا الرحم كما كان في ذلك ، لا إرادة له، ولاحرية وإنما خاضع، تمام الخضوض للقانون الأزلي القديم، الذي تخضع له الاحياء، والاشياء، والذي قال تعالى عنه: (أفغير دين الله يبغون وله أسلم مَنْ في السموات والارض، طوعاً وكرهاً وإليه يرجعون)؟ وهو خاضع للإرادة الإلهية التي لايعصيها عاص، ولايشذ عنها شاذ. هى دائماً تطاع حتى بالمعصية، ألا ترى أن الأستاذ كمال الجزولي قد ذهل عن نظرته العلمية وأخذ يحدثنا عن الانسان كنتيجة ناجزة، بل أنه لا يحدثنا عن الانسان المعاصر من حيث هو، وإنما عن الانسان المعاصر في مجتمع بعينه هو في الغالب المجتمع الذي يعيش فيه الاستاذ كمال الجزولي. كما ذهل أيضاً عن المفهوم القرآني للانسان. اسمعه يقول في نفس الجريدة ونفس التاريخ قوله في «2/1» (من غير الممكن مقاربة مضمون حقوق الانسان في الاسلام من دون مقاربة المفهوم القرآني للانسان إبتداء وهو مفهوم يرتكز على ثلاث شعب انسانية المخلوق المكرم بالأمانة- المخلوق المكرم بالاستخلاف- المخلوق المكرم بالعقل مما يفترض علمه من الدين بالضرورة لدى كل مسلم) وهذا هو مفهوم الاستاذ كمال الجزولي عن الانسان والمفهوم القرآني للانسان بالضرورة. وإلا فليحدثنا الاستاذ كمال الجزولي عن الانسان (المخير) وهو يتطور في أطوار الجنين في الرحم وشذوذه عن جنين الارنب، أو جنين الشاة مثلاً؟ وماهو دوره، وماهى يده في هذا الشذوذ والإختلاف؟ أليس هو في الرحم خاضعاً خضوعاً تاماً لا لبس ولا شك فيه، للإرادة الهادية، الحكيمة التي سيرت ذراري السماء، وسددت ذراري الارض؟
وإلا فليحدثنا عن الانسان الذي يعيش في الصقيع.. الصقيع الذي جعل شتاءه ليلاً واحداً طويلاً. هل فقد هذا الانسان بعض حريته؟ ام فقدها كلها؟ وما هى حريته، على أي حال، وأين هى؟ أم هل اختيار انسان يعيش في مثل هذه المنطقة العجيبة فكان له ما اختار؟ وماهى حرية من لا يعرف اكثر من حاجات معدته وجسده؟
ثالثاً: فان التخير يقتضي اتخاذ موقف من موقفين، على أقل تقدير، أو موقف من عدة مواقف. واتخاذ هذا الموقف يقتضي الوزن، والتميز، وملكة المفاضلة، وهذه تعتمد على العقل. فكيف يكون موقف المعتوه، أو موقف ضعيف العقل بسبب الوراثة لمجيئه من ابوين معتوهين أو ناقص العقل؟ هذا مخير؟ أم هو مسير؟
خامساً: وانك حين تكون عايشاً في ظروف خوف على حياتك، لا تكن مالكاً لحرية الاختيار وذلك لأن العقل يتأثر وحرية الاختيار تتأثر، لأن الامور تكون قد تلبست عليك فلا تعرف ماذا تنوي ولا ماذا تختار.
سادساً: إنك لا تختار امراً لا تعرفه فان كنت لا تملك ظروف علمك، أو جهلك من حيث المواهب التي ركزت فيك، ومقدرتها، أو عجزها، عن التعليم ومن حيث الظروف الخارجية التي تجعل التعليم ميسراً لك أو متعذراً عليك، فإنك من ثم لا تملك لا حرية النية ولا حرية الإختيار، وإنما أنت مسير إلى أن تنوي نية جاهزة، وان تختار اختياراً ناجزاً ولكنك تتوهم أنها نيتك واختيارك، لأن التدخل في أمر حريتك قد كان من اللطف ومن حسن التأني بحيث لم يزعجك، ولم يشعرك أنه يتدخل في أمورك. وهذه غفلة سقط فيها أكثر المفكرين، ومنهم مع الاسف الاستاذ الفاضل.
ولم يغتل الاستاذ محمود محمد طه نتيجة نظرية (الارجاء) الملغومة كما ذكرت وإنما اغتيل من أجل الانسان وحرية الانسان.. الحرية لنا ولسوانا كما ذكر.
إن النظرة العلمية تقول إن الإنسان مسير حتى حين يختار. هو محاط باختياره، وهو يدخل الحياة، ولا اختيار له في الدخول. ويخرج من الحياة ولا اختيار له في الخروج. ويعيش في ما بين الدخول والخروج، في بلد ليس له فيه اختيار، وفي مجتمع ليس له فيه اختيار ويكون مالكاً لحرية «اختيار» مع كل أولئك.
انظر مرة أخرى الى اضطراب الاستاذ كمال الجزولي الفكري عندما تحدث عن الانسان الكامل في قوله بالفقرة الاخيرة عندما قال: «فشعار الدولة الدينية، في حقيقته هو صنو الادعاء بأن «انساناً» ما يحتكر وحده «الوكالة» عن الله عزَّ وجلَّ في «معرفة» حكمه، و«تنزيله» على سائر الناس في المجتمع المعين. أو بأن هذا «الانسان» هو نفسه الإله المعبود» فما هو الإله وماهو الله وماهو الرب!
كل ما هناك أن الانسان كلما ترقى نحو الاطلاق «بالعلم» المادي والروحي، ادخل طرفاً من علم الاطلاق في القيد، وظل الاطلاق في اطلاقه، فهو إذن سائر الى المطلق «ذات الله»، ولن يبلغه، وذلك لسبب واحد بسيط هو أن المطلق لايبلغ، وإلا لما كان مطلقاً.
أو بمعنى آخر أن الانسان الكامل في الملكوت ونحن نحاول أن نحققه في الأرض عن طريق العلم المادي والروحي معاً. ومن وجهة نظر أخرى نجد أن العلم المادي تجريبي«علم الفيزياء» مثلاً أن كثيراً من علمائه امثال: البرت إنشتاين، واستفين هوكنز، وغيرهما يطرحون هذا المفهوم ويأتون بالجديد المعرفي كل يوم ونحن نصدق به ونعمل به في جامعاتنا وندرس كل نظرية جديدة قيدها فهمهم لعلم الأكوان. وقد أصحبت مثل هذه المفاهيم معروفة ومدروسة. «وفوق كل ذي علم عليم»، ويمكن اضطلاع الآخرين عليها متى ما أصبحوا مستعدين لفهمها. الإنسان الكامل في ملكوته من وجهة النظر الدينية والمادية لم يعتقه الله من كل القيود فما ظنك بالانسان في الارض؟ فالانسان مقيد بشتى القيود وهو يتحرر من القيود كلما علم، وارتقى في درجات القرب من الله وهو لن يكون حراً مطلق الحرية لأن ذات الله هى قيده وذلك قيد سرمدي. فإن النظرية الملغومة في عالم اليوم أصبحت تاريخاً كما لم تصبح الدنيا اليوم ضره للآخرة. إن النظرية العلمية التي ذهب إليها كارل ماركس من أن المادة سابقة للعقل، وأنه تابع لها، مسير بها، نظرة لها حظ من الصحة ما كان ينبغي ان يزهل عنها الاستاذ كمال الجزولي وإنما يجئ الخطأ لماركس من إنكاره لوجود عقل سابق على المادة، مؤثراً فيها، ومسيراً لها، وذلك هو «العقل الكلي» المتسامي على المادة، المتخطي لها، المسيطر عليها. وهو خطأ جسيم، اخرج ماركس من مرتبة العالم المحقق الى مرتبة الملحد الجاهل. وعند النظر لمقالات الدين والدولة بنفس الجريدة نجد أن الدكتور منصور خالد محمد عبدالماجد رجل عالم، ولعل الأمر الذي يتميز به في كتاباته عن الدين والدولة الثقافة العلمية الواسعة المرتبة ولعله في هذه المقالات يشعر بتنازع ولاء بين العلم والدين فقد ظلت، في عقله، مناطق منفصلة، للفلسفة وللعلم والدين ولم تظفر هذه المعارف الغزيرة بفرصة جيدة لتنصهر في بوتقة التوحيد..
يتبع......



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147491536&bk=1
__

Post: #231
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 04:01 AM
Parent: #230


الحقيقة واحدة.. عند الدين والدولة ولا منتهى (2-2)

د. عبدالله عوض عبدالله
* لقد ذكرت في مقالي الأول إن النظرية العلمية التي ذهب اليها كارل ماركس من ان المادة سابقة للعقل، وانه تابع لها، مسير بها، نظرة لها حظ من الصحة ما كان ينبغي ان يذهل عنها الاستاذ كمال الجزولي. وانما يجئ الخطأ لماركس من إنكاره لوجود عقل سابق على المادة، موثراً فيها، ومسيراً لها، وذلك هو (العقل الكلي) المتسامي، على المادة، المتخطي لها، المسيطر عليها. وهو خطأ جسيم، اخرج ماركس من مرتبة العالم المحقق الى مرتبة الملحد الجاهل.
وعند النظر لمقالات الدين والدولة بنفس الجريدة - الرأي العام - نجد ان الدكتور منصور خالد محمد عبد الماجد رجل عالم. ولعل الامر الذي يتميز به في كتاباته عن الدين والدولة الثقافة العلمية الواسعة المرتبة. ولعله في هذه المقالات يشعر بتنازع ولاء بين العلم والدين، فقد ظلت في عقله مناطق منفصلة للفسلفة وللعلم والدين. ولم تظفر هذه المعارف الغزيرة بفرصة جيدة لتنصهر في بوتقة التوحيد.. وعندما يكون التوحيد صفة الموحِد (بكسر الحاء) تستمد الافكار المنطلقة من هذه الصفة التوحيدية، وحدتها ومضاءها وعمقها، وفعاليتها، فترى جديدة متجددة، كلما مر عليها الزمن.. ولهذا نجد في بعض الاحيان عند حديث الدكتور منصور خالد محمد عبد الماجد عن الدين والدولة، انه لا يتحدث كمفكر، كما عهدناه دائماً. وانما يتحدث كسلطة، يصدر القرارات في فورمات سلطانية وينتظر من الآخرين السمع والطاعة، فهو لا يهمه ان يكون ما يقرره مخالفاً للواقع الاسلامي (الجديد) او مناقضاً له. وهو لا يحتاج الى إقامة اي دليل الى ما يقوله!! اسمعه يقول بجريدة «الرأى العام» يوم الاربعاء 11 اغسطس 2004م تحت عنوان «اعداد الدستور.. اي دستور؟» قوله على ان الذي يجب ان يكون واضحاً للجميع هو ان نصوص الاتفاق تقدم- للمرة الاولى- حلاً شاملاً لداء السودان السياسي المتوطن. وأساساً لدستور يضمن الوحدة والسلام والاستقرار بعد نصف قرن من عدم الاستقرار. وهذا لا يعني انها لم تترك زيادة لمستزيد، وانما يعني ان اية محاولة للاخلال بنص الاتفاق او روحه بدافع التزيد او المكايدة أو التشاطر، سيكون اولاً جهداً بلا طائل. وثانياً عملاً ضاراً. وعندما اقول ضاراً، اعني الضرر والاذى الذي يصيب السودان في الخاصرة وقد يمزقه إرباً. فهل هذه هى الغاية التي يبتغيها المتزيدون؟!
واستمع الي قوله مرة اخرى بجريدة «الرأي العام» يوم 13 اغسطس 2004م تحت عنوان ( الدين والسياسة.. زراعة الإحن وحصاد المحن) حيث يقول بالفقرة الاخيرة والامر الخامس والاخير هو ان نخفض قليلاً من سقف مطامحنا، اي ان نسخر الدين والسياسة لاصلاح حال السودان، بدلاً من ان نجعل لنا دوراً أممياً نجمع به اهل الارض كلهم على الهدى. وهذا هو الحمق بعينه. نحن نسعى لان يكون السودان نموذجاً للوحدة العالمية. انا لا اريد ان اذهب في جدل على طريقة انا وانت، انا قلت وانت قلت، لأنه لا فائدة ترجى منه. ولانني انما اكتب بغرض صرف الناس عن الجدل الى الحوار، حتى لا يؤدي الى صورة من صور الجدل المنهي عنه.. ثم انني لست في حاجة للرد على المحتوى. وانما اهتمامي اساساً على الاسلوب. واذا تحدثت عن المحتوى فإن حديثي يكون في اطار اهتمامي بالاسلوب: اسلوب التعامل مع الآخر. وأنا لست في حاجة للرد على المحتوى لاعتبارات منها:
- اولاً: معرفتي التامة بكتابات الدكتور الفاضل منصور خالد محمد عبد الماجد. وصدقه وأمانته العلمية في محتوى ما يكتب.
- ثانياً: نص حديثي عن الدين والدولة ومواضيع اخرى تتعلق بهذا الامر موجودة بجريدتي «الحرية والصحافة» لكل من يرغب في ذلك. وقد شارفت كتاباتي على العامين تحسباً لما يدور الآن من حديث. فما رأي الدكتور منصور خالد محمد عبد الماجد، في قول الله تعالى ان الدين عند الله الاسلام) وفي قوله تعالي هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا) وما رأي الدكتور الفاضل في قول المسيح عليه السلام: (ما جئت لانفض الناموس وانما جئت لأكمل).. ولان شريعة اليهود هى شريعة النصارى جاء السيد المسيح عليه السلام ليكمل.. كل هذا من اجل دستور إنساني عالمي يعاش بالسودان اولاً والعالم ثانياً ويدعو للسلام والوحدة والحرية والعدالة الاجتماعية والسياسية.. هل هذه دعوة للتزايد والمكايدة أم دعوة للسلوك؟ إن حديث الدين والدولة عندي كله دعوة لفكرة السلام والديمقراطية والوحدة والحرية والعدالة الاجتماعية داخل السودان وللعالم اجمع. والدعوة للفكرة وإن أعطت المزيد لا يمكن ان تكون دعوة ضارة تصيب السودان في الخاصرة وقد تمزقه إرباً.. فالدستور والحديث عنه والفكرة والحديث عنها دعوة لتغيير الواقع، فالافكار الثورية لا تعمل على مسايرة الواقع الحضاري أو نيل اعترافه. وإنما هى تعمل على تغيير هذا الواقع ليتوافق مع رؤاها هى.. ففي الواقع دائماً يوجد امران مما ينفع الناس والزبد) ومما ينفع الناس هو التيار الرئيسي.. منفعة كل الناس داخل السودان وفي العالم اجمع.. ومعرفة التيار الرئيسي تقتضي معرفة اتجاه الحركة ومعرفة القيم التي تملك صلاحية الاستمرار.. ثم ماذا أريد كانسان اكثر من ان أنال تصوراً للدستور يقتنع به عقلي وتطمئن له نفسي وينسجم مع معطيات العلم المادي ومع العرفان.. وأن أجد الدستور الذي يحل لي التناقضات الاساسية في الوجود ويعطي المعنى للحياة ويحدد الغايات والاهداف.. ويجعل كل ذلك في اطار الممكن عملياً.. ويجعلني اتذوق طرفاً من وعود الله الآن، ثم هو يجعل الامل في الغد المشرق لي.. وللإنسانية جمعاً ونتيجة طبيعية للمقدمات التي يقدمها.. ماذا اريد اكثر من ان تكون ابواب المعرفة مشرعة أمامي دائماً. وكذلك ابواب الحياة الحرة الكريمة، التي تتطلع الى تجاوز كل صور الشر وتتسامى عن كل قيد.. انا لم اجد غير الدين كفكرة أو كدستور يمكن ان يعطي كل ذلك أو يعد به ولو من بعيد!!
كل ذلك ورد في كتاباتي، فاذا اراد البعض رغم ذلك ان يفهم منه أنه دعوة للمزايدة او المكايدة او هو الحمق بعينه، فعلى الارض السلام وبالله المسره. ماذا يمكنني أن افعل؟!! وما هو الضمان أن اي شىء افعله لن يقود الى نفس النتيجة.
وانا اعتقد ان الدور الاممي والعالمي واضح في الدين (الاسلام) وهو ليس دعوة محلية ( وكفى بالله شهيداً).
والغرب في هذا الصدد لا يبني مواقفه على الحق والرأى السليم. وإنما على المصلحة فقط.. فهو يتعامل مع الدول حسب وزنها عنده. وهو لا يقيم للعرب والمسلمين مجتمعين وزناً، ثم هل الدين (الاسلام) الآن في حاجة لمن يعترف به؟!.. ان المشكلة ليست هى الاعتراف بالدين (الاسلام) من جانب الغرب. وانما الاعتراف بالسلام. والغرب لا يدري ان السلام الحقيقي هو الدين (الاسلام). ولكنه ضل الطريق اليه.. اذن ما القضية، ان القضية هى قضية نفوس، وقضية حس وليست قضية فكر او دستور.
والحضارة الغربية في مجال المعرفة تقوم على التحليل والتفصيل. وبسبب ذلك وبسبب الاتجاه الى التخصيص تشذرت فيها المعرفة وتفرقت. واصبحت تفتقر الى الخيط الذي ينظمها جميعها.. في سلك واحد، يجمع شتاتها ويوحد بين متباينها ويوظفها.. التوظيف الامثل لخدمة اغراض الحياة، وفق تصور شامل لاغراض.. الحياة. وهذا امر لا يقوم إلا على مذهبية. والحضارة الغربية لا تملك هذه المذهبية.. وبسبب غياب المذهبية اصبحت المعرفة في هذه الحضارة، معرفة لا تملك اي اطار مرجعي وليست لها مركزية.. وحتى (المادية) كإطار فلسفي للمعرفة لم تعد قائمة بعد الاكتشافات العلمية الحديثة وما يقوم عليها من فلسفة.. وبتفتت وتشذر المعرفة تفتت حياة الناس واضطربت، ولم تعد المسكنات والمهدئات التي تقدمها الحضارة السائدة تجدي. واصبح لابد من حل جذري.. هذا هو التحدي الذي يواجه الحضارة ويواجه اي فكر يطرح نفسه لتوجيه حياة الناس في اطار الواقع الحضاري السائد.. هل يملك هذا الفكر نظرية في المعرفة، تؤطر للواقع الحضاري السائد وتستوعب طاقاته المعرفية والحياتية وتوجهها؟!
نحن نعتقد ان الدين (الاسلام).. الدعوة الاسلامية الجديدة هى التي تملك الحل لازمة الانسانية المعاصرة. ولازمة المعرفة التي تشعبت. وليس في هذا اية مزايدة او مكايدة أو تشطر في الامر كما ذكر الدكتور الفاضل منصور خالد محمد عبد الماجد.. وان الدين (الاسلام) سوف يجعل لنا دوراً أممياً نجمع به اهل الارض كلهم على الهدى بفضل الله تعالى وليس في هذا الحمق بعينه. وإنما هو موعود الله.. قال تعالى ( هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً). وسوف يكون (القرآن) الدستور في آيات اصوله.. قال تعالى: (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتكم العذاب بغتة وانتم لا تشعرون). واحسن ما انزل الينا من ربنا هو القرآن في آيات اصوله حيث سادت بمكة ثلاثة عشر عاماً - حيث تمت ممارسة وتطبيق العدالة السياسية (الديمقراطية) والعدالة الاقتصادية (الاشتراكية) والعدالة الاجتماعية ( محو الفوارق والطبقات). وحيث السلام والوحدة واكتمال الجانب الروحي لحياة الانسان بالرضاء المرضي بالله في الاسلام لا عبرة بالتحصيل النظري، اذا لم يصحبه التطبيق، فهو امر يمكن ان يتم حتى من الملحد. ولكن المعرفة بالله لا يمكن ان تكون إلا للمؤمن العامل بعلمه.. فالمعرفة ليست ثمرة للاطلاع والتحصيل النظري، ولا للتأمل المجرد. وانما هي ثمرة للعمل السلوكي في العبادة والمعاملة. وهو ما يعبر عنه في الدين بالتقوى.
فاذا كانت المعرفة في الحضارة الغربية، تتجه الى التحليل والتفصيل، فإن المعرفة في الدين (الاسلام) تقوم على (التوحيد) فترد جميع القضايا وجميع المظاهر والحقائق الى اصل واحد. ولا يشذ عن ذلك شئ في الوجود.
والمعرفة بالدين (الاسلام) تستهدف غاية واحدة، هى الحياة.. الحياة الحرة الكريمة، التي تتسامى عن كل قيد، وتتجافى عن كل نقص. والمعرفة في الاسلام لجميع الخلائق مصدرها واحد: هو الله. والاختلاف بين الخلائق فيها ليس اختلاف نوع وإنما هو اختلاف درجة .. واختلاف الدرجة امر يقتضيه موقع الخلائق من مصدر المعرفة من حيث القرب والبعد. ومن حيث الاستعداد للتلقي، هو أمر مرتبط بوضع الاحياء في سلم التطور. وهو نفسه امر القرب والبعد من مصدر المعرفة ( الله) لأن القرب والبعد هنا ليسا امر زمان او مكان. الفكرة هى بأن الدين ( الاسلام) هو الذي يوحد ويعطي السلام بدون سيف او سوط. وأرجو أن يزول البعد بالقرب مع تباشير فجر السلام الصادق عن طريق دستور انساني يدعو للسلام والوحدة. وأن النظرة العلمية تقول إن الانسان مسير حتى حين يختار وهو محاط باختياره لا يملك عن هذه الاحاطة فكاكاً ولا انعتاقا.. وهو يدخل الحياة ولا اختيار له في الدخول. ويخرج من الحياة ولا اختيار له في الخروج. ويعيش فيما بين الدخول والخروج في بلد ليس له فيه اختيار.. فكيف يكون مالكاً لحرية اختيار، مع كل ذلك.. فالانسان لا يملك في اختيار الاسباب الخارجية مما يجعل اختياره الداخلي حراً. ولفهم هذا الامر يحتاج الانسان للاستواء على الوسط بين طرفين كليهما اذا اخذ بمفرده خطأ. ومن ثم يكون النصر المعزز بالله.
مع احترامي وتقديري للدكتور الفاضل منصور خالد محمد عبد الما جد.
والله من وراء كل ذلك محيط.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147491973&bk=1
_

Post: #232
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 04:03 AM
Parent: #231


ونسة مع عمار محمد آدم
أنا مزروع في الجبهة من سنة خامسة ابتدائي
عرسته لكن مااااتزوجت لسع ع ع ع
سمّاني عامل التلغراف
عمار محمد آدم.. يعرفه البعض عضو بالاتجاه الاسلامي ثم الجبهة الاسلامية يهتف ويخطب في التجمعات السياسية وغيرها.. ثم ترك كل هذا ومضى الى حزب آخر (صباحاً يتركه مساءاً) جلست اليه انا خليفة حسن بله وحذفت بعض اسئلتي له لاجاباته التي قد تؤدي الى فصلي من الجريدة طبعاً.. وتركت الاخريات وربنا يجيب العواقب سليمة له ولي وللصحافة.
* انت منو؟
انا عمار محمد آدم، ولد من اولاد كسلا اتولدت في القرير

* سنة كم؟
9/7/1961م القرير محافظة مروي
* انت من القرير الوداك كسلا شنو؟
لا ابوي اصلا عامل - محولجي - في السكة الحديد وكان في سنة 1961م في الابيض قام حجز لي امي في القطر وسافرت علشان تلدني في القرير.
* وسماك عمار على منو؟
ما سماني ابوي .. سماني عامل التلغراف .
* كيف؟
ابوي بعد ما عرف انو امي جابت ولد رسل تلغراف قال سموهو عماد قام بتاع التلغراف داس بدل النقطة شرطة.. النقطة في التلغراف دال والشرطة راء . قامت وصلت البرقية سموهو عمار وبعد داك بقي ابوي امام الامر الواقع وصرت عمار...
* تفتكر كان ممكن تكون عماد؟
افتكر انا عندي مؤهلات ابقى عماد ود ظريف ولطيف وممكن تعتبروني وسيم .. لكن عمار خلتني الزول الدشن ده.
* كنت اول الابناء ؟
لا كنت الثالث بعد بنتين.
* ذكريات طفولتك؟
اول حاجة عندنا خالتنا حواء قالت ليهم عثمان حسين بحييكم وبهنيكم بالمولود لانو صادف انو مع ولادتي كان عثمان حسين بغني.. لكن الحاجة الحكوها لي ومؤكدة انو انا من بطن امي ما في زول استلمني.
* كيف يعني؟
يعني من بطن امي الداية ما لحقت تمسكني وقعت في الطشت طوالى وكان فيه موية حارة.
* دي الوقعة اللي يوم الليلة
بالضبط كده... الوقعة الىاها .. دي مؤشر
* انت شايقي؟
لانو ابوي كمساري فكل سنة بنقعد شهرين في القرير ، الاجازة لكن موطني كسلا حي العرب.
* ..............؟؟
انا فتحت في كسلا في قطاطي السكة حديد وريحة السكة حديد عشان كدة انا مرتبط جدا بالسكة الحديد ولي هسة انا بمشي المحطة اشم ريحة القضبان والورشة.
* السكة حديد وعمالها ارتبطوا بالىسار؟
ابوي كان يساري ونقابي وهو القاد القطر المشهور بتاع اكتوبر من كسلا وجابو هنا وساهم بي كدة في ثورة اكتوبر المشؤومة انا بعتبرها ثورة مشؤومة.
* ابوك يساري وانت مشيت يمين.؟
ابوي في النهاية بقي متدين لكن بنفس طريقة الىسار.. بقي انصار سنة لكن مازي هسة.. لا.. انصار سنة بتاع نضال وتحرر ما زي بتاعة الليلة دي شركات واموال واستثمار ومنظمات..
* ..........؟
ناس ابوي زمان بشبههم هسة ابوزيد محمد حمزة مقاومة وثورية.
* متين دخلت الىمين؟
الناس لغاية الليلة بعتبروا فيني ريحة اليسار .
* انت كان داير الجد ناس كتار بعتبروك .. (مجهجه ) ساكت !!
الجهجهة دي عاملة انا براي..
* قاصد يعني؟
قاصد طبعا..
* وجواك محدد موقفك؟
طبعا لكن الزمن عابس.. والزمن عبث ساكت.
* طيب انت جواك شنو؟
سوداني ود بلد... سوداني ممعن وموغل في السودانية ..انا اصلا من الشمال متربي مع الهدندوة وبحب السكة حديد وجامعة الخرطوم.
* اول مرة تجئ الخرطوم للجامعة؟
قبلها ما بعرف حاجة اسمها الخرطوم عندي بنطلون واحد ! كنت وانا صغير بسقوني اللبن من الضرع طوالى .. وكت جيت الخرطوم جيت بدون شنطة استقبلوني ناس الاتجاه الاسلامي ..
* انت جيت قاصد الاتجاه الاسلامي؟
انا كنت كوز من سنة خامسة ابتدائي.
يا زول استقبلوني وودوني استديو بابا صوروني بي كرفتة .. كنت نحيف واضنيني كبار حتى في واحد حلفاوي قال والله انت يا عمار لو قعدت في بطن امك 3 شهور تاني كان طلعت حمار...
* ودخلت معمعة السياسة؟
طبعا رشحوني للانتخابات من اول سنة جيت لكن التسجيل عطّل دخولي الاتحاد 1981م،
* ندمت ؟
بالعكس .. كنت سأكون لي هسة لاصق في القيادة .. كل الناس الدخلو الاتحادات دي تلقاهم ما بقبلوا يكونوا موظفين او مواطنين عاديين ... الحمد لله ما دخلت الاتحاد كنت ما حأقبل بعد داك الا اكون زعيم... ودي مشكلة السياسة السودانية.
* .......؟
قعدت في الفترة ديك مع ناس عبيد ختم شيخ صبير في الجامع وعلىهما رحمة الله.
* ..........؟
انا ما كنت متدين كتير لكن كنت ساكن في الجامع وعندي كافتريا .. كنت مرتاح وعرست وعمري كان 22 سنة وانا طالب.
* قريبتك؟
لا لا ... عرستها من هنا .. بري والجريف عرفتها في التنظيم وعقد لي الترابي سنة 84 وبنتي الكبيرة دخلت الجامعة السنة دي .
* استقبلوها الاتجاه الاسلامي؟
ما اظن يستقبلها اي زول... حيستقبلها منو يعني؟ الوطني ولا الشعبي ولا ياتو جناح في انصار السنة ؟
* في واحد حكى لي انك هجيت نفسك في جامعة الخرطوم؟
ايوه جيت الجامعة متأخر وقامت واحدة شافتني وقالت : سجمي ده بقرأ معانا ..
قمت قلت ليهن:

سجمكن بالحيل سجمكن

وسجمان انا الساكن بلدكن

وسجمان انا الحزين المركن

زي وحشا طلع بالليل خلعكن



وزي اسدا نهر بالليل فزعكن

غالبني الكلام ما مخي شركن

لكن تمام بالحيل سجمكن ..

* حتى الآن لم تهج نفسك؟

بعد داك قلت اهجو نفسي:



ما شفت الزمن يا اب فقرة جابك راجع



زي قدرا كعب يا اب فقرة جيتهم واقع



زعزعت البنات قلقلت نوم الشافع



مالك بالجامعات يا اب فقرة شوفلك جامع



ما شفت الجامعات يا اب فقرة صارت روكه



داك ياكل في اللبان ويغني بالدلوكه



وديك تشحد في زميلها يقسملها البازوكه



زمن اولاد الدشوش ما بياكلو بالمفروكه



وزمن اولاد المدن ما جربوا السلوكه



زمن المتقرضمات ما قربن للدوكه



ما تقول الزمن يا اب فقرة جاني علىكا



ده الحال الكعب سويتو بي ايديكا



خليها الديار ليه تسعى للمابيكا



لايوقا عديل حاكيت ملاح الويكه..



قال اب فقرة قال يا اخوان كلامكم صاح



خليتها الديار ما اظن وراها نجاح



سوق الناقة وين هناك بس ارتاح



وزي كل الرجال اجلب جمال وسلاح.



* متى بدأت رحلتك نحو كيانات وتنظيمات اخرى غير الاتجاه الاسلامي؟



- أنا رفدوني من الاتجاه الاسلامي.



* ليه؟



- السبب مشكلة مع طالبة في الجامعة قامت هي في نقاشنا مع بعض ضربتني كف.

* وكان السبب يستحق هذا الكف؟
- انا كنت بتكلم معاها عن الزي اللابساه فما احتملت كلامي.

* واتصرفت كيف انت؟
- انا دفعتها بس.. وده ما افتكر انو السبب الحقيقي لرفدي لكن لانو بعد اعلان نميري للشريعة قلت ليهم بعد ده انحنا متلمين ليه مش عشان نعمل شريعة اسلامية خلاص نميري عملها لا يجوز بيعة الاثنين بايعنا نميري بالتالي سقطت البيعة الثانية ويظهر خافوا من انتشار التيار ده فاستغلوا مشكلة الطالبة وفصلوني الحمد لله من التنظيم بعد مجلس محاسبة ونشروا الخبر في جريدة «آخر لحظة» في جامعة الخرطوم..



* اظن انو كف غالي جداً؟
- شوف الكف ده نوع من العلاقة.. مش الشاعر قال: قد جاءني سبُك لي فسبي
ألم يجري اسمي على فيك فحسبي
* لكنك عدت بعد الانتفاضة للجبهة؟
- نميري اعتقلني معاهم قبل الانتفاضة وبعد طلعنا عملوها جبهة واسعة تلم اي زول فلقيت نفسي معاهم تاني.. وكنت بمثل التيار الايراني وكنا متحمسين للثورة الايرانية..

* متين كسلت من العمل في الاتجاه الاسلامي والجبهة؟
- أنا اعتقد اني اصلاً ما كنت اتجاه اسلامي حتى من خامسة ابتدائية.. الاتجاه الاسلامي كان بالنسبة لي مجتمع.. وأعتقد اني كنت مزروع في الاتجاه الاسلامي من خامسة ابتدائى.

* الزارعك منو؟
- القدر.. عشان اكشف كتير من المستور.. كنت متفرج.

* وخليتهم؟
- انا قلق جداً حتى في الجبهة كنت بشتغل في مكتب لمدة كم يوم كده وابدي قلقي لارحل لمكتب آخر.
* دي الجهجهة الاتكلمنا عنها قبيل؟
- عندي اخوي ما بستقر في شغل.. قالت امي كلما اجي من كسلا القى خالد غير شغلو وعمار غير حزبو..
* لكنك استقريت مع زوجة واحدة؟
- الآن اكملنا 20 عاماً في علاقة ما اتخللتها اي مشاكل انا عايز اتزوج زوجة ثانية اعلنها لكن بفهم.

* فهمك شنو؟
- الاولاد يكبرو ويوعوا ويفتحوا، التانية دي زواج.
* والاولى كانت شنو؟
- الاولى عرس.
* وفي فرق بين العرس والزواج؟
- عندي قصيدة قلت فيها:
لو تعرفي انو الزواج ماهو العرس

اصلو الزواج لما النفس تهوى النفس

ولما النفس تهوى النفس

يبقى الزواج تمّ وخلص

اصلو الزواج ماهو المهر

اصلو الزواج نفحة قدر

ولما الشجر يهوى الشجر

من غير مهر ينتج ثمر

لو قلت نكتب للكتاب اصلو الزواج في الغيب كُتِب

يعني بتأكد في القدر حاشا القدر يصبح كضب

فاعتقد انو الزواج فهمو عميق.

* يعني الزواج عند عمار هو درجة اكبر من العرس؟
- استعير مقولة الاستاذ محمود محمد طه: زوجتك هى انبثاق نفسك عنك خارجك..
التعبير بتاع الضلع مجازي، الله قال من انفسكم ما قال من اضلعكم، الله شالها من نفسك وانت بتفتش عن جزء من نفسك لتكتمل.. والمرأة زي ما قال ابن عربي: المرأة معراج روحي..

* طيب في علاقتك مع اولادك برضو بتعيش بنفس طريقتك خارج البيت؟
- انا زوج واب ممتاز.. انا الحياة بره ما معترف بيها لكن بيتي معترف بيهو عشان كده جادي جداً في بيتي.
* يعني انت مختلف جوه البيت عن خارجه؟
- انا في اليوم عندي ثلاث شخصيات بعيش بيها في شخصين بالصباح للسوق ووسط الناس وفي الجرايد ودي فيها عدم اعتراف بالحاصل واحساس بالعبث الفيهو وتمرد عليه وسخرية بالغة عليه.
في شخصية تانية بعيشها بعد الساعة الواحدة ظهراً لغاية بعد العصر دي في جامعة الخرطوم عندي علاقة وطيدة جداً واعتقد انو عندها هدف مستقبلي.. الشخصية الثالثة بعيشها مع اولادي في البيت من المغرب لغاية صباح بكره ودي فيها مسؤولية كبيرة.

* عندك كم ولد وبت؟
- انا ولدي الكبير اتوفى اسمو سياف كان عمرو سنتين اتوفى في يوم داير نعمل ليه عيد ميلادو الثاني:

كان سياف جميلاً كالقمر

كان سياف ضحوكاً قد تفتح كالزهر

مات سياف بريئاً لم يمس احداً بشر

انها الاقدار تجري ليس يخطئنا قدر
بعدو (لينا) هى الآن طالبة بجامعة الخرطوم علوم، محمد غرة عيني ربنا يحفظو في الثانوي العالي ، ومودة تمتحن هذا العام للعالي، وابراهيم الشقي الفقُر عمرو 8 سنوات ونصف.
* علاقتك بيهم كيف؟
- عندي معاهم قصص ونكات.. يوم انا بتكلم مع صاحبي مغترب في التلفون بقول ليه والله كويسين وماعندنا اي مشكلة ختفوا السماعة وقالوا ليه بغشك والله ما عايشين كويس ولا حاجة.
* بتحاول تأثر على اتجاهاتهم؟
- شوف التربية بالتلقين ما بتنفع.
* طيب لو (لينا) جات قالت ليك انا بقيت شيوعية او حزب امة او غيرهما؟
- بي طريقتها لكن لو دايرة نصيحتي حا قول ليها ما تنتمي لي اي حزب خليك سودانية بت بلد انا نفسي اولادي كلهم يبقوا سودانيين اولاد بلد.
* هسه هم شايقية ولا اولاد خرطوم؟
- امهم محسية طبعاً وأنا حاولت ازرع فيهم حكاية شايقي دي لكن ما شايفها نجحت بالحيل هم مايلين على اهل امهم فبقيت ماسك في سوداني وغبش ما بتاعين دلع.
* انت دائماً بتردد انو الشايقية هى القبيلة الوحيدة الما عندها بديل في السودان؟
- ايوه كدي اتخيل السودان ده بدون شايقي.. ما ممكن.. الجعلية ممكن تلقي بدلهم الرباطاب.. والدينكا بدلهم النوير.. الدناقلة بدلهم المحس أو الحلفاوين، الشكرية بدلهم البطاحين، الرزيقات بدلهم المسيرية إلا الشوايقة.
* وده للحاجات الكويسة في الشايقية ولا العكس ذلك؟
- بصراحة أنا اعتقد انو الشايقية هم شعب الله المختار وهم ما محتاجين لزول يعترف بيهم وفي ناس بقولوا اصل الشايقية بجة وهناك شبه كبير بينهم. انا حأعمل مركز حضارة وثقافة البجه.
* بتسمع منو من الفنانين؟
- بحب غناء محمد وردي لكن ما بحبو هو.
* ليه؟
- مفتري ومغرور.
* صحي بتاكل في كل الموائد وتنقل اخبار وتطلق اشاعات؟
- ايوه ده كله عدم اعتراف بيهم كلهم وسخرية منهم وعبث بيهم.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147491274&bk=1
_________________

Post: #233
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 04:04 AM
Parent: #232


عندما يكون الناس كواكب يكون المسلمون شموساً ـــــ«2-3»

د. عبد الله عوض عبد الله
العقل ليس صورة ثابتة، وانما هو نامٍ مضطرد النمو، ما لا يدركه اليوم، يدركه غداً.. وسبيله إلى إدراك ما لا يدرك اليوم، التصديق، وحسن النظر، واطالة الفكر، وارتقاب العرفان.. والعقل كريم عند الله، كل الكرامة.. سواء أعرف واجبه، أم لم يعرفه.. وهو حين يعرف واجبه يكون في مستوى، وحين يجهل واجبه يكون في مستوى آخر.. ولذلك كان الاسلام، في طرفه القريب، مجرد تصديق، مع انه في طرفه البعيد محض علم.. وكل علم دنيا لا يتعدى الى العليا «الاخرى» مضر.. فهو ان لم يفت اصول الاجور، يفوت درجات القرب.



لقد طرح الدكتور حيدر ابراهيم «إشكاليات الدين والوطن بصحيفة «الصحافة» يوم السبت الموافق 24 يوليو 2004م العدد «4007» بقوله شاركت يوم الاثنين الماضي 19 يوليو 2004م في ندوة عن مشكلات البناء الوطني في السودان مع الاستاذة د. هويدا عتباني ومحمد ابو القاسم حاج حمد والطيب مصطفى وهذه من القضايا ذات الأهمية القصوى والحيوية خلال الفترة القادمة. لذلك فهي تحتاج لفكر قوي للمعالجة، اي فكر واضح ومنطقي وعميق.. وقد اثارت اهتمامي في الندوة قضيتان هما: الوطن والدين في السودان، والاخرى مفهوم السودان الجديد، ولكن سوف ابدأ بالقضية الاولى لخطورة الفكرة ولانها تعكس طريقة التفكير داخل اكبر حركة عقائدية تجاوزاً- في السودان» انتهى حديث الدكتور الفاضل. ولما كانت اشكاليات الدين والوطن القريب والبعيد من اكبر اهتماماتي التي اعيشها يومياً بعقل المعاشي وبعقل المعاد لذلك لزم علىَّ إبداء الرأي في مثل هذا الموضوع من وجهة نظر مختلفة تختلف عن وجهات نظر المشتركين بالندوة.



إن الاسلام بداية ونهاية.. فقد كان موسى عليه السلام مسلماً، وكانت امته النصارى .. وكان محمد صلى الله عليه وسلم مسلماً، وكانت امته المؤمنون. قال تعالى: «إن الذين آمنوا، والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً، فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون» البقرة «62» نجد هنا الذين آمنوا، في مقابلة الذين هادوا.. وهذا ما جاء في سياق الآية الكريمة. وقال تعالى: «قولوا آمنا بالله وما أُنزل إلينا وما أُنزل إلى إبراهيم واسحق ويعقوب والأسباط وما أُوتى موسى وعيسى، وما أُوتى النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون». «البقرة «136».



وقال تعالى: «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أُنزل إلينا وأُنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون». «العنكبوت 46». وقال تعالى: «لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها». «البقرة 256».



إن الاسلام دين واحد، بدايته في الأرض في التعدديات والوثنيات البدائية. ونهايته عند الله، في اطلاقه، حيث لاعند.. والسير في مراقبة سير سرمدي.. وقد جعل الله حياة محمد صلى الله عليه وسلم مفتاحاً لمغاليق ابواب المعارج.. فمن ابتغاها فعليه الممارسة في دقة تقليد عمل محمد صلى الله عليه وسلم، في العبادة، وفي المعاملة. فانه ليس سبيل الى الله غير هذا السبيل.. «قل إن كنتم تحبون الله فابتعوني يحببكم الله»..



وقال تعالى: «ومن يتبع غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين». وقال تعالى: «إن الدين عند الله الاسلام». مثل هذا الفكر يحقق الوحدة الدينية والوحدة الوطنية على مستوى حرية العقيدة وحرية التطبيق والممارسة في إطار الوطن الواحد، الوطن الكبير «العالم». والصغير السودان. متماشياً مع القانون ومع حقوق الانسان، بل عند التحقيق يحقق انسانية الانسان والدستور الانساني المنشود وايضاً قد ذكر الدكتور منصور خالد محمد عبد الماجد بصحيفة «الرأي العام» يوم الاحد الموافق 25/7/2004م، قوله «وكما ذكرنا في المقال السابق استطال الحوار في كوكادام بين الحركة والتجمع الوطني حول إن كان المشكل الذي ينبغي حله هو قضية إقليم محدودة (الجنوب) او قضية الوطن كله. ولعل ذلك الانكار من جانب الطبقة السياسية الشمالية ان الوطن كله مأزوم. هو الذي حمل الاستاذ محمود محمد طه في الستينات، حين استبد بالناس الحديث عن مشكلة الجنوب، الى اصدار كراسة اتخذ لها عنواناً: «وللشمال مشكلة ايضاً». حقاً، كان الخطاب السياسي يومذاك في الغالب الاعم، يتمحور في مشكلة واحدة هي مشكلة الجنوب وفي قضية واحدة هي قضية الديمقراطية. الاولى تذكرنا بها دوماً الحرب الاهلية والثانية لا نستذكرها إلا عند وقوع الانقلابات او سقوط الانظمة العسكرية فنبدأ عن وسائل حمايتها» وذلك عند حديثه عن السلام الشامل ما هو؟ وما هي وسائل تحقيقه.



ولقد كان الدكتور منصور خالد رائعاً في طرحه لهذا الموضوع كما الفنا ذلك منه، ولكني كنت اتوقع منه الكثير فيما يخص السلام العالمي كفكرة كبيرة و«عامة». والسلام الشامل بالسودان «خاصة» ووسائل تحقيقهما. فالموقف السياسي الراهن يتطلب حكمة السلطة ووعي الشعب بالسودان كما يتطلب الديمقراطية والسلام لأنه الطريق لحل مشكلة السودان والشرق الاوسط والعالم اجمع فالتاريخ يعيد نفسه بصورة ما تختلف عن الصورة القديمة، والذي يعيش خارج الزمان والمكان هو المطلق «الله». وهو ايضاً متنزل في مراتب التعدد وموازين القوى التي حملت الناس على التفاوض ابتداء. وهو ليس بغائب إلا في وهم الواهمين وحتى الجنة والنار يحويهما الزمان والمكان.



وعن قضية المحاسبة: اي محاسبة النظام على الجنايات التي يتهم بارتكابها من جانب معارضيه او من جانب من لحق بهم اذى او ضرر. كتب الدكتور منصور مشيراً باشارة للسيد الصادق المهدي يعيب فيها تلك الفقرة لانها تتحدث عن المصالحة دون اشارة لضرورة التقصي عن الجنايات التي ارتكبت خلال فترة حكم الانقاذ»، كما ذكر. ومثال آخر طرحه الدكتور ليدعم به مثل هذا الرأي هو حديث الدكتور الشفيع خضر، ومن ثم جاء بحديثه عن الموضوع فقال: «على خلاف ذلك، اقول يلزم ان يكون الإقتراب من تلك القضية على وجهتين: الوجهة الأولى تتعلق بحقوق الذين انتهكت حقوقهم من البشر، والثانية تتعلق بكشف الحقائق كلها تطهيراً وتعقيماً للجسم السياسي حتى تقوم المصالحة على اساس متين وسليم، فالجرح الذي يضمد على قيح لا يبرأ. وفي الحالة الأولى لا أحسب ان اي اتفاق بين طرفين او اكثر، بل اي قانون حتى القانون السماوي لا يلغي حقوق الناس، فالله يعفو عن حقه ولكن لا يعفو عن حقوق العباد.



روى سفيان الثوري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال: «إن لقيت الله تعالى بسبعين ذنباً فيما بينك وبين الله تعالى، أهون عليك من أن تلقاه بذنب واحد فيما بينك وبين العباد».



وذكر عن ابي بكر الوراق انه قال: «أكثر ما ينزع من القلب الإيمان ظلم العباد، وليس في أي نص من نصوص الإتفاق نداء موجه للأفراد أو الجماهير كيما تتخلى عن حقها في السعي لرد أموالها، أو المطالبة بمحاسبة من انتهك حقها. والوجهة الثانية هي... ألخ». المحاسبة عندي تقع في طرف المعاملة والمعاملة كالعبادة، تقع في ثلاثة مستويات فهناك معاملة في مستوى الشريعة، معاملة في مستوى الشريعة، معاملة في مستوى السنة «الطريقة» ومعاملة في مستوى الحقيقة. قال تعالى: «وجزاء سيئة، سيئة مثلها، فمن عفا، واصلح، فاجره على الله».



فـ «جزاء سيئة سيئة مثلها» هذه منطقة شريعة.. اما «فمن عفا» فهي تشير الى تحمل الأذى، وهي منطقة سنة «طريقة».. اما مستوى ادب الحقيقة في المعاملة فتشير اليه عبارة «واصلح» من الآية السابقة. فأدب المعاملة «المحاسبة» في الحقيقة يقوم على توصيل الخير للناس بإصلاحهم وهي المرحلة المطلوبة في الاساس، وما المرحلتان السابقتان إلا مقدمة، ووسيلة إليها، إذ بهما يتم تدريج النفس، وتتم سياستها، حتى تصل إلى مرحلة الإصلاح، وتوصيل الخير للناس.
قال تعالى: «واتبعوا احسن ما انزل اليكم من ربكم من قبل أن يأتكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون».
واحسن ما انزل الينا من ربنا الإسلام، الذي هو نهاية، اذ به يتم سلامنا مع نفوسنا، وسلامنا مع اخواننا في الحياة. المحاسبة في الإسلام فيها العقاب، وفيها العفو وفيها ايضاً العفو مع الإصلاح والإرهاب الديني وغيره هو الذي يهدد حرية الفكر ويحبذ الإنتقام ولله حكمه وراء كل هذا..



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147491121&bk=1
_________________

Post: #234
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 04:05 AM
Parent: #233


بين التاريخ والأخلاق وإختيار الواقع دون السلام (1 ـ2)

لقد سمى النبي الكريم صلي الله علىه وسلم النبوه الادب ، فقال : (ادبني ربي فاحسن تأديبي) ... ولقد مدح الناس احد الاصحاب امام النبي علىه افضل الصلاح واتم التسليم فقال : (قصمتم ظهر اخوكم ، ما افلح لو سمعها) .
ومن هذا المنطلق سوف اترك مديح الدكتور منصور خالد والاستاذ الحاج وراق وآخرين ، الله يعرفهم ، وهم يعرفون انفسهم اكثر مني .. وسوف يأخذ مجري الحوار اتجاهات ثلاثة : في الادب والتاريخ واختيار الواقع دون السلام وهو يعني عندي الاسلام .
فلقد ذكر الدكتور منصور خالد محمد عبد الماجد بجريدة الرأي العام السودانية الموافق الاربعاء 7يوليو 2004م العدد 2470 قوله : «وبالرغم من ان الدين واللغة عنصران مهمان في تكوين حضارة اية امة الا انهما بمفردهما لم يكونا دوما عنصر توحيد للامم ، لو كانا لما توحدت كندا بلغتيها ، ولما توحدت سويسرا بلغاتها الاربع ، ولما توحدت الهند بلغاتها الرئيسية الست عشرة ، ولو كان الدين وحده عنصر توحد لما تمزقت باكستان الى دولتين رغم رابطة الدين الواحد (الاسلام السني) ، بل رغم ان الدولة قامت اساسا على وحدة الدين على يدي محمد على جناح ، انتهي حديث الدكتور الفاضل .
لقد كون المجتمع رأيا عاما عما دار في حديث في الاونة الاخيرة للدكتور منصور خالد والاستاذ الحاج وراق وهو يعني فيما يعني حديثا عن فصل الدين عن الدولة .
والرأى العام هو الذي يضبط الناس ، في ان يكون سلوكهم حسنا ، والرأى العام معناه رفض صور السلوك الناقصة ، والرأي العام هو الذي يؤثر ويهذب المجتمع .. وفي السير العفوي ، والحديث العفوي لا توجد قيم نضحي في سبيلها ونرعاها ونعطيها الوزن الكبير .. ولا تغرنكم المعرفة بالكلام والمقدرة على هزيمة الخصوم ، فلابد من الدقة بمجريات التاريخ الحديث بالسودان خاصة .. حيث تم تقديم الدين الواحد (الاسلام السني) الفكرة الكبيرة متماشيا مع قول الله تعالى : (ان الدين عند الله الاسلام) فما ظنكم وبرغم علمكم بهذه الفكرة الدينية الصحيحة حيث يكون الاسلام هو امل الانسانية لتحقيق السلام ولاشباع حاجة الفرد المعاصر للحرية والرخاء لانه يقدم الاشتراكية ويقدم الديمقراطية ويساوي بين الرجال والنساء في الحقوق والواجبات كما يساوي بين الرجال والرجال ، وهو لا يفرض عقيدته على احد بالسيف ، وانما بالحجة والاقناع ويجعل غير المسلمين مواطنين متساوين في الوطن الواحد امام القانون ، في الحقوق والواجبات .. ان الاسلام بمستواه هذا هو المرشح لتوحيد العالم فكريا بعد ان توحد جغرافيا وهذا الفهم ايضا يعطي الوحدة والقيمة الروحية ، ان هذا الفهم الاسلامي ليس فيه للفهم الديني المتخلف قدم كما ليس لمحمد على جناح يد في ذلك . ومن البديهي ان حركة الفكر الاسلامي المتخلف سترجع بنا خطوة الى الوراء اذا لم ننتبه الى ذلك بالسودان فما الذي تأخذونه على الفكر الاسلامي الصحيح دع عنكم من وحدة اللغة التي سوف يتكفل التاريخ بحلها لغة عالمية موحدة تدرس بالمدارس دون حروب او اتفاقيات سلام ، وصاحب الفكرة الاسلامية هو الاستاذ محمود محمد طه فماذا يريد خصوم الوحدة وحدة الدين والدولة ؟ ام يظنون ان الدين يفرق ولا يجمع حبا لموروثاتهم القديمة ولا يعلمون ان الفكرة مؤيدة بالقرآن والسنة النبوية الشريفة سنة النبي محمد بن عبد الله بن عبد المطلب النبي الامي المبعوث بمكه في القرن السابع الميلادي وهي (طريق محمد) .

فالذي يريد ان يكون ديمقراطيا هوالذي يعرف الديمقراطية والديمقراطية تعني التواضع وسنة النبي صلي الله علىه وسلم الديمقراطية «انا لست ملكا وانما انا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد» يقلل النبي الكريم صلي الله علىه وسلم من مكانته حتي يرفع رأسه بين الناس والذي يريد ان يعرف الاشتراكية علىه ان يكون اشتراكيا ، والذي يريد ان تكون عنده عدالة بين الناس ، الرجال والرجال والنساء والنساء علىه ان يتخلص من رواسبه التي تجعله مقيدا ، ان هذا المجهود يجب ان يكون داخليا حتي نستطيع ان نرفع فكرة السلام والسلام يعني الاسلام وحتي نستطيع ان نرفع انفسنا بها .
فماهو لون فكرك في قولك بجريدة الرأى العام يوليو 2004م بحديث يعجب الكثيرين ولكن الىس هو تنازع ولاء بين السلام واختيار الواقع فاخترت الواقع على السلام وكثير من قادة العالم يفعلون هذا يفضلون الواقع على السلام لان شروطه الداخلية والخارجية غير متوفرة لديهم ولان السلام الحقيقي يعني الاسلام.

استمع الى قولك : «ما تعودت التهجم على احد ، ولكني في ذات الوقت لم احجم ابدا عن رد الصاع صاعين للمتهجمين علي او على صحبي ورفاقي ، وليس من بين اولئك الصحب والرفاق من يقبل ما اقول دون سؤال ، ثم ذهب الكاتب الاديب للفحص في امر مايو فاوقع نفسه في حفرة لن نردمه فيها ، «لئن بسطت الى يدك لتقتلني ما انا بباسط يدي لاقتلك» .

سنخرجه من تلك الحفرة كما اخرج صدام لنسلط الضوء على وجهه وفمه ومناخيره ثم نحمله حملا حتي يري وجهة في مرآة مستقيمة من بعد افراطه النظر الى وجهه في المرايا المقعرة .
فهذا واضح ان الدكتور منصور اختار الواقع في تلك اللحظة كما اختار قواد الولايات المتحدة الامريكية صدام بالعراق .
فأنت رجل عالم مافي ذلك ادني شك ولكن للواقع رجاله وللسلام الحقيقي رجاله وهناك تداخل بين الاثنين .
ان المسلمين الىوم مرشحون لقيادة العالم ، ولتوجيه البشرية وترشيدها ، واعطائها اسباب السلام والاستقرار والرخاء والكرامة ولقد تكفل الله بذلك ، وبشر به نبيه فقد قال تعالى : «هو الذي ارسل رسوله بالهدي ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا» .
وما كان الله شاهدا علىه لا يقع في حقه الكذب فالاسلام عائد ، حيث يظهر على الدين كله ، وحيث يملأ الارض عدلا كما ما ملئت جورا ، نلاحظ هنا الوحدة ، وحده الدين المنتصر ولا اثر عند تحقيق موعود الله للدولة !! وانما الدين (السلام) للعالم ، ولكن الاسلام بهذا المعني ، وبهذا المستوي يباعد بيننا وبين مجيئه ويعوق بعثه ، ويصد الناس عنه انخداع المسلمين بكل دعوة تهجم على الحكم وتستولي على السلطة باسم الاسلام ولا تعيش الاسلام .
نرجو ان يري الناس ، وبخاصة المسلمين ، البصيرة حتي يعملوا على استنقاذ انفسهم باستنقاذ سمعة دينهم يومئذ تتضح حقيقة الاسلام فإنه ليخشي على هذا الشعب ان يفقد في ظل هذه الاحداث الجارية بالسودان حتي السلام الذي احرز .. كما انه ليخشي ان التشويه الذي تعرض له الاسلام ان يؤخر عقارب ساعة خلاص الانسانية ولكنه ليس الاسلام الذي يتعامل مع الناس تلك المعاملة الهمجية التي عومل بها الذين نفذ فيهم حكم الاعدام حيث عرضت جثثهم مما يأباه الاسلام الذي كتب على المسلمين رعاية حرمة الميت ، وستره في هيبة ورهبة وتقديس .
يبدو ان احتجاجات الرأي العام العالمي هي التي جسدت للمسلمين بشاعة الاعمال التي تقوم بها فصائل منهم فادانوها فاصبح الفكر السياسي الانساني هو فكر السلام وهو ايضا الاسلام قال تعالى : «وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن اكثر الناس لا يعلمون ، يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون» .
يتبع




http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147490773&bk=1
_________________

Post: #235
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 04:06 AM
Parent: #234



حوار الطريق والحركة الشعبية.. ما بين البرعي وقرنق 2-3

كتب : موفد «الصحافة» لنيفاشا
أواصل ما بدأته من قبل عن الوجه غير الرسمي لنيفاشا، ذاك الوجه غير الذي اتسم باللجاج والشد والجذب اللذين طبعا حركة التفاوض. وما اكتبه هو حصيلة مشاهدات ورؤى تكونت لدي نتيجة شهرين من المعايشة اللصيقة لحركة التفاوض والمتفاوضين ما بين نيفاشا ونيروبي. وهذا الوجه الذي أرمي إلى تجليته هو وجه غير عابس أو كالح... هو وجه سوداني بسيط السيماء هادئ المحيَّا مثل سائر وجوه أهل بلادي الطيبين في قعداتهم وبين ونساتهم .
شماليو الحركة!!
شماليو الحركة الشعبية إذا جاز هذاالتوصيف الذي يرفضونه، تسنموا ذرى المسؤولية فيها. ونالوا ثقة كافة منتسبيها من ادناهم الى اعلاهم. وتوكل اليهم دائماً مهام فوق العادة،. وقد تلمست بعضا من هذه المهام، فغير قيادات الصف الاول في الحركة ممن يعرفهم الرأي العام الشمالي امثال الدكتور منصور خالد وياسر عرمان وعبد العزيز الحلو ومالك عقار وغيرهم، هناك رهط كبير من الشباب والكهول، جاءوا الى الحركة الشعبية من مواقع مختلفة وبمواهب متعددة اثروا بها ساحتها. وتراهم متفانين في اداءالمهام الموكولة اليهم، لا يبتغون من ذلك فضلا سوى نصرة القضية التي خرجوا لأجلها.. تلمست ذلك عند عبد الباقي مختار ووليد حامد وسليمان محمد سليمان «قور» وهاشم بدر الدين وعبد المنعم رحمة ورمضان محمد ممن عايشتهم. وهم يحدثونك عن عملهم وتجربتهم داخل الجيش الشعبي والحركة الشعبية بحب كبير وتواضع اكبر، ليس بعين الرضاء التي تكل عن كل عيب او بروح الفتاة المعجبة بابيها، فهم ينظرون لحركتهم بانها حركة مثلها مثل غيرها من القوى السياسية في البلاد، لها اسهامها المقدر في حل مشاكلها كما لها اخطاؤها الكبيرة والصغيرة في حق البلاد. ويريدون من الآخرين ان ينظروا لهم و للحركة في هذه السياق.. فهم لا ينكرون خلفياتهم الثقافية والاثنية، بل انني لمست اعتداداً منهم بها من غير تنطع ولا شوفينية. وقد أكدوا لي في معرض نقاشي معهم انهم لم يشعروا في يوم من الايام انهم محتاجون للتنازل عن شماليتهم داخل الحركة الشعبية، لانهم وطنوا أنفسهم على ألا امتياز موروث لديهم على حسابها، كما هو دارج عند بعض الشماليين، رغم ان من بينهم الجعلي والشايقي والرباطابي والمسيري والجامعي والبجاوي وغيرها من اعراق الشمال. واغلب هؤلاء ادباء ومبدعون يقرضون الشعر ويكتبون القصة والمسرح. ويلونون بفرشاتهم ويرسمون لوحة السودان الجديد القادم الذي يبشرون به. وهم يسطرون ابداعهم ذلك بالحرف العربي المبين. وتراهم يهيمون بالمتنبئ وابي العلاء المعري. وتأسرهم مواجد الإمام الأكبر الشيخ محيي الدين بن العربي. ولديهم ذخيرة وافرة من الادب الشعبي السوداني، كما لهم إلمام جيد بادب المدائح وكتابات الاولياء الصالحين في السودان، رغم انحدار اغلب هؤلاء من خلفيات يسارية. ويظهر ذلك جليا في تأثرهم بادب الحركات الثورية اليسارية في امريكا اللاتينية. وهو ادب شائع بحسب ما عرفت داخل اروقة الجيش الشعبي، الا انهم ذوو نزوع صوفي بائن، فما من مجلس سمر ونقاش ضمنا الا ويتجلى اغلبهم في الحديث عن مواجد العارفين وتجلياتهم. ويطلبون مني ان احدثهم عن الاستاذ محمود محمد طه، الذي علمت ولمست ان هناك تقديرا خاصا له داخل اروقة الجيش والحركة الشعبية، من ادني سلمها والى قائدها الدكتور جون قرنق. وبعض من هؤلاء تراه هائما بالامام الغزالي لدرجة الوله مثل هاشم بدرالدين. وآخرون يعشقون ابن عربي وتجريديته امثال عبد المنعم رحمة وعبد الباقي مختار. ويتقلد هؤلاء مواقع مهمة في استخبارات الحركة الشعبية، وفي التوجيه المعنوي والسياسي لكوادر الجيش الشعبي باتجاه الاهداف السياسية التي ترمي الحركة الشعبية لتحقيقها .. يقرأون كثيراً لمنصور خالد، الدكتور محمد سليمان، الدكتور الباقر العفيف، الدكتور فرانسيس دينق، الدكتور أبكر آدم اسماعيل وغيرهم من الكتَّاب السودانيين المعاصرين، كما يقرأون في الفلسفة والفكر الغربي في الرواية والادب العالمي، الى جانب قراءاتهم في كتب المتصوفة الكبار والقراءات المستحدثة في الفكر الاسلامي المعاصر.
وهناك شخصيتان من ضباط الجيش الشعبي الشماليين لهما صيت كبير. ولا ينعقد مجلس سمر الا ويرد اسماهما في حكاية من حكاويهما الكثيرة. وهما الدكتور محمد سعيد بازرعة والطاهر أب جقادو، فقد طبَّقت شهرتهما آفاق الجيش الشعبي والمناطق التي تسيطر عليها الحركة، كما لهما روح مرحة ومواقف طريفة كثيرة حتى مع الدكتور جون قرنق أو«البنج» كما يسمونه. وخاصة الدكتور محمد سعيد بازرعة الذي كتب اغلب اناشيد وجلالات الجيش الشعبي. وكانت نساء الحركة يتغنين باهازيجها يوم حفل التوقيع على البروتكولات الثلاثة بنيفاشا. وهو ابن عم الشاعر الكبير محمد حسين بازرعة.



وللدكتور جون قرنق مستشار خاص «شمالي» آخر بخلاف مستشاره السياسي الدكتور منصور خالد. وهو الدكتور مهندس الكامل أبو قرجة حفيد أمير المهدية أبو قرجة. وهو المستشار الفني لقائد الحركة، رجل زاهد في الأضواء قليل الكلام كثير التبسم في وجوه الآخرين، بسيط المظهر والهندام، كثير الهم بمستقبل السودان والمآلات التي يمكن ان تنتهي به.
أي مستقبل ينتظرهم؟
هؤلاء الشماليون يصرون دائماً ليس بالحديث وانما بالافعال كما تلمست، على انهم ليسوا ضيوفا مرحليين في الحركة الشعبية، او وافدين اغراب على ساحتها. وانما هم اصلاء وشركاء لا اجراء. وتحس بحدتهم ازاء من يحاول ان يتعامل معهم على هذا الاساس، سواء من خارج الحركة او من داخلها، فهم لا يعتقدون انهم وفدوا لنصرة قضية آخرين. وانما هي قضيتهم بالاصالة ايضا، لانهم يصرون على ان التعريف الدقيق للمشكلة، انها مشكلة السودان باسره وليست مشكلة الجنوب. ومع ذلك فإنني شعرت بان بعضهم لم يستطع ان ينفذ الى اغوار الوجع الجنوبي الذي تسبب في المشكلة اصلا. ولمست ايضا ان شيئا من القطيعة النفسية التي ترين على علاقة الشماليين بالجنوبيين تلقي بظلالها قليلا على علاقتهم برصفائهم من الجنوبيين داخل الحركة، فالتواصل الاجتماعي الحميم جدا بينهم لاينسحب بنفس القدر على صلتهم بجنوبيي الحركة. وربما كان الاستثناء في حالة القياديين في هرم قيادة الحركة من مثقفي الجنوب .. ولكني لم المس ان ذلك يسبب عقدا او غبنا لدى جنوبيي الحركة، فهم لديهم اكبار خاص لهؤلاء «الجلابة» مجازا، الذين انتزعوا أنفسهم من جلدة امتيازاتهم ليقودا النضال جنبا الى جنب معهم ضد «وغش» العنصرية والعصبية الشمالية التي هيمنت على جهاز الدولة في السودان. وهم يقدرون ان التغيير لا يحدث ضربة لازب، خاصة ما يتعلق منه باغوار النفس البشرية ودهاليزها.
ماذا ينتظرهم؟!
كانت لي قناعة، قبل ان اعيش بين شماليي الحركة، ان اغلبهم وخاصة ممن ولجوا ساحتها بعد وصول الاسلاميين الى السلطة، انهم لم يأتوا اليها الا غبنا وكيدا للاسلاميين، نتيجة خصومتهم الحادة وصراعهم الطويل معهم في ساحات العمل السياسي المختلفة، لذلك فإنهم يرون في الحركة افضل وعاء في هذه المرحلة لمنازلتهم بالقوة، دون انفعال حقيقي بجوهر قضية الحركة الشعبية وطرحها. وقد اقرَّ بعضهم بذلك. وقالوا إن نظرتهم للامور تغيرت بعد تجربتهم داخل الحركة الشعبية. وان رؤيتهم لمشاكل السودان اتسعت وتلمسوا ابعادا واوجاعا اخرى في جسد السودان العليل، لا تقتصر على «الجبهة الإسلامية فحسب» على حد تعبيرهم، كما انهم وجدوا نموذجا للقيادة يتمثل في الدكتور جونق قرنق لم يألفوه في تكويناتهم السابقة. ومتى ما تخلص الشماليون من ضيق أفقهم ومن محدداتهم غير الموضوعية التي تحكم خياراتهم وانتماءاتهم السياسية، فبإمكانهم ان يجدوا فيه قائدا حقيقيا للسودان الذي ينشدونه. ولما رأيت أن المفاوضات التي جرت وقائعها في غابات كينيا كانت تتم على اساس ثنائية شمال جنوب، كنت حريصا على أن اسمع وجهة نظرهم حيالها. وألا يعد ذلك في رأيهم نكوصا عن مشروع السودان الجديد، الذي طالما بشروا به وحملوا السلاح من أجل تحقيقه، خاصة بعد ما تم تثبيت مبدأ نظامين في دولة واحدة، نظام في الشمال قائم على التشريعات الاسلامية. وآخر في الجنوب قائم على النظم والتشريعات المدنية، اضافة الى ان مبدأ حق تقرير المصير وضع وحدة البلاد في امتحان جدي، فربما افضت الست سنوات الانتقالية الى تغيير الشكل المألوف لخارطة السودان. وبالتالي ما هو موقفهم في هذه الحالة؟ هل سيصبحون اقلية في دولة الجنوب؟ كما تساءل من قبل صديقنا وزميلنا الاستاذ ضياء الدين بلال في مبحثه عن الشماليين داخل الحركة الشعبية. ولكنهم ينافحون بقوة وثقة بان مآل العلاقة ما بين الشمال والجنوب هو الى الوحدة الطوعية وفق أسس جديدة. وأن الرؤية التشاؤمية هذه ما هي الا اضغاث عند الشماليين، ممن يرفضون تغيير نظرتهم وسلوكهم السياسي والاجتماعي تجاه الجنوب والجنوبيين، لذلك فإن على الناس ألا تستبق الامور وتقطع فيها بآراء جازمة. وهم يشددون على ضرورة العمل الجاد من الطرفين وخاصة الشماليين، لاجل ان يبقى السودان موحدا وان هناك امكانية لذلك، لان اتفاقية السلام وضعت الاسس الصحيحة لقيام علاقة صحية في المستقبل بين السودانيين، بمختلف اتجاهاتهم واعراقهم. ويؤكدون أن تقرير المصير ما كان له ان يدخل ضمن اتفاق السلام، الا بعد اصرارالحكومة على مقايضته بحكم الشمال بالشريعة الاسلامية والابقاء على العلاقة غير الرشيدة بين الدين والدولة حسب رؤيتهم.
وشماليو الحركة يرفضون تحديد خياراتهم في حال انفصال الجنوب، هل سيبقون في اطار الجنوب ام يعودون الى الشمال؟ ويقولون ان الاجابة على ذلك سابقة لاوانها. ولكن بعضهم قال انه سيواصل الحرب من اجل الوحدة، فيما اختار الآخرون الهجرة الى خارج السودان باسره. وربما كان هذا السؤال مؤرقا حقيقيا لهم. وقد فطن اليه الاستاذ أبيل الير في كتابه «جنوب السودان والتمادي في نقض العهود» حينما قال: «إن الحركة الشعبية تتحدث عن السودان الجديد الموحد. ولكن قواعدها انفصالية. واذا ما انتصرت هذه القواعد وفرضت رؤيتها الانفصالية، فإن ذلك سيكون نهاية التعاون بين المثقفين الديمقراطيين في الشمال وبين الجنوبيين والحركة» انتهى.



والشماليون داخل الحركة الشعبية اختاروها بمحض ارادتهم واختارتهم هي لكفاءاتهم واخلاصهم. واتضح لي انهم ليسوا «تمومة جرتق» داخلها.
وعن قرنق نحكي مرة أخرى
كنت قد كتبت في حلقة سابقة عن صوفية قرنق. ولم يتسن لي ان اذكر في معرض ذلك الحديث، أن قائد الحركة الشعبية الدكتور جون قرنق يقرأ الآن كما علمت من مقربين جدا له، القرآن الكريم باللغة الإنجليزية «The Holy Quran» الى جانب تفاسير لعلماء دين قدامي ومعاصرين، من أمثال ابن كثير وابن تيمية وغيرهم من القدامي وبعض المفكرين الاسلاميين المعاصرين، فهو يقرأ الرسالة الثانية من الاسلام للاستاذ محمود محمد طه في نسخته الانجليزية. ويقرأ للشيخ محمد حسين فضل الله من لبنان. ولنصر حامد ابو زيد وبعض مفكري حركات الاسلام السياسي. وتجئ قراءات قرنق في الدين والفكر الاسلاميين بعد فراغه من قراءة «البايبل» الكتاب المقدس باغلب تفاسيره وشروحه، ثم قراءاته في الكونفوشية والبوذية. وعرفت ان ولعه بقراءة الأديان كمؤمن أولاً، ثم انه يريد ان يعرف الخيط الناظم بينهما، حتى يتسنى له ان يناقش الغلاة من المسلمين والمسيحيين وهو مقبل على تجربة العمل السياسي السلمي بين السودانيين، الى جانب كونه يقود حركة تسوق نفسها قومياً لكل السودانيين، لذا فإنني اتوقع ملحقاً آخر لخطاب السودان الجديد قريبا.
وعلمت أيضاً ولمست ذلك، ان الشيخ حسن نصر الله الزعيم الروحي لحزب الله في لبنان، يمثل رمزا ملهما داخل الجيش الشعبي. وقال لي كثيرون ان د. جون قرنق يعده نموذجا مثاليا لثائر يعرف جيدا الطريق الى نصرة قضيته، لانه يجيد الظهور والاختفاء عن أجهزة الاعلام في الوقت المناسب. ويعرف ماذا يقول تحديدا عندما يظهر، كما إنه يجيد فن قيادة حركة ثورية وسط محيط داخلي واقليمي وعالمي دعائي متلاطم الامواج. ومع ذلك استطاع أن ينجح حتى الآن في توجيه ضربات موجعة لاسرائيل من الناحية العسكرية والسياسية. واجبارها على الانسحاب من جنوب لبنان.
وقد استمعت لطرف من نقاش حول حزب الله والشيخ حسن نصر الله دار في هذا الاتجاه بين ياسر عرمان وبعض من طاقم السفارة السودانية بكينيا.
حوار الطريق والحركة
ولمست كما قلت نزوعا صوفيا بائنا لدى شماليي الحركة الشعبية ولدي قائدها جون قرنق، اذ شعرت بان لديهم اكبارا خاصا لمشائخ الطرق الصوفية في السودان. وبعض منهم متطرف بشكل شخصي وسالك في طريق القوم. وعندما حضر ليلة التوقيع على البروتكولات الثلاثة بنيفاشا الشيخ البرعي. والشيخ البروفيسور حسن الفاتح قريب الله شيخ السجادة السمانية. والشيخ سيف الدين أبو العزائم. والشيخ البروفيسور عبد العال الإدريسي، حرص ياسر عرمان الناطق الرسمي باسم الحركة، على الذهاب اليهم وملاقاتهم عند مدخل المنتجع الذي يبعد كثيرا عن مكان سرادق الاحتفال. وسلم على الشيخ البرعي بأدب ومحبة الحيران. وسمعته يقول ان التوقيع تم ببركتكم يا شيخنا. واستمر ممسكا بيده ويمشي معه وئيدا حتى اوصله الى المكان الذي أعد لصلاة المغرب. ودهشت جداً عندما رأيت أجهزة الإعلام العالمية تتسابق جميعها لالتقاط صور للشيخ البرعي. ولا أدري من اين عرفوا انه شخص ذو مكانة روحية لدى السودانيين، اذ لم يكن عليه ما يلفت الانتباه سوى سمته.
فبعد أدائه للصلاة ومصافحته للنائب الأول ووفد الحكومة المفاوض، قاده أفراد مراسم الدولة الى إحدى الغرف بالمنتجع، لان الجو كان بارداً جداً، إضافة إلى ان حفل التوقيع كان لايزال امامه وقت كثير حتى يبدأ. وكنت قد ذهبت إلى تلك الغرفة وبرفقتي زميلتي سناء عباس من الزميلة «الرأي العام» لأشحن بطارية كاميرتي. وطلب منا الشيخ البرعي ان نسدل عليه الأغطية جيداً لأنه يشعر بالبرد، ففعلنا، ثم طلبت منه سناء دفقاً من بركته فباركها ودعا لها. وأذكر أنها كانت منتشية جداً تلك الأمسية، لدرجة قللت لديها الإحساس بحفل التوقيع، فداعبتها قائلاً: «حظك خلاص دربك مرق».
وغداة اليوم التالي للتوقيع اصطحب د. جون قرنق زوجته ربيكا وذهب بها الي حضرة الشيخ البرعي ومن معه من رجال الدين. وعرفها بهم. وأشار الى شيخ الهدية قائلا لها: ان هذا أصبح (My freind). وسأل الشيخ البرعي قرنق:«انت قاعد هنا طولت» فرد عليه بالايجاب، ثم حكى له الشيخ البرعي انه عقد في الزريبة أكثر من الف زيجة، بينهم شماليون تزوجوا من جنوبيات والعكس. ودعا قرنق لزيارة الزريبة بعد السلام، فرد عليه قرنق بأن ذلك العدد من الزيجات غير كافٍ . وقال «انا عاوز زيادة عشان بنات يولدوا كثير.. البلد ده محتاج رجال عشان يبنوه يا شيخ البرعي».



ومحبة أهل الحركة الشعبية للطرق الصوفية لها تجلٍ واضح في ادائهم السياسي وخططهم السياسية مستقبلا، فهم يعدون الطرق الصوفية واسلامها مستودع التسامح وقيم التعايش بين السودانيين. ويرون أنها مفتاح مغاليق المجتمع الشمالي. ولها دور كبير في ترسيخ معاني السلام وتوطيد أركان الوحدة. والمعين على غارات الاسلام السياسي والسلفي التي خبروها ويتوقعونها لاحقاً، لذا نجد الحركة حريصة على مد جسورها مع مشائخ هذه الطرق، فقرنق يحتفظ بعلاقات جيدة مع شيخ عبد الله «أزرق طيبة» شيخ العركيين. ومع السادة المكاشفية الذين اتصلوا اثناء احتفال الحركة الشعبية بتوقيع بروتكولات نيفاشا الثلاثة، بقاعة كينياتا بنيروبي، مهنئين بالتوقيع وطالبين من قائد الحركة ان يخاطب احتفال طريقتهم بالذكرى السنوية لمؤسسها العارف بالله الشيخ المكاشفي، فحرص قرنق على ان يذيع ذلك للآلاف الخمسة من السودانيين الذين اكتظت بهم القاعة. ويعرج بحديثه قليلا ليتحدث عن الصوفية، كذلك لمست أن علاقة قرنق الشخصية بالسيد محمد عثمان الميرغني، تأخذ عمقها الاكبر من كونه شيخا للطريقة الختمية، اكثر من كونه زعيما للحزب الاتحادي الديمقراطي.
واذكر أن ياسر عرمان كان حريصا جدا على الصور التي التقطتها له مع الشيخ البرعي ومع الشيخ البروفيسور حسن الفاتح قريب الله، فعاتبني عبد الباقي مختار احد ضباط الجيش الشعبي على تفويتي الفرصة عليهم لأخذ صور مع الشيخ البرعي، فقلت له انه حضر بدعوة وبرفقة الحكومة. وانتم لكم رأي دائما في الذي تأتي به الحكومة، فلماذا هذا الحرص في حالة الشيخ البرعي، فأجابني: «الا الشيخ البرعي لأنه في حقيقة الأشياء هو الذي جاء بالحكومة وليست هي التي أتت به»!!



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147490749&bk=1
_

Post: #236
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 04:07 AM
Parent: #235


بين الثقافي والسياسي (1)


منح التفـرغ للإبـداع
أحمد الفضل أحمد
ليس للكتابه والابداع والفنون عامة سند رسمي واهتمام جاد ومعينات محددة.. في محيطنا العربي والافريقي وفي خاصتنا فان هذا الامر ضعيف الشأن..
ونحن هنا مازلنا نسعى ونحبو في مرحلة الضرورات الاولية لتوفير المأكل والمشرب والمسكن والتعليم والعلاج والفقر الشنيع معمم في كل الجيهات مع وطأة الحرب..!
وتردي الذوق العام له مجاهل عديدة - من ذيلية حضارية وضعف سياسي واقتصادي ومنهجي واجتماعي متردي.. والظاهرة الواضحة هي الشفاهية والفنون اليدوية والاستعراضية الغالبة في الاطراف..
والموقع الثقافي في العهد الوطني سياسي بالدرجة الاولى.. وماهو موجود من تدوين ابداع.. فكري شحيح بغير ما يتوقع.. وفي المخيلة الشعبية ان ليس هناك فنان او مبدع او مفكر مجمع عليه لدى الغالبية له جمهرته وجاذبيته الطاغية كرمز قومي يعتد به كما في البلدان العربية الاخرى.. ومستوى الفنان لا يتعدى ا لمطرب الغنائي او لاعب ا لكرة في مناطق الوسط. على المستوى الجمعي.



ومايحدث امامنا الا صدى ضعيف من الصفوة القليلة ودراسات بعيدة ومتفرقة لدى الآخرين من العرب.. والامثلة مجسدة في - الطيب صالح - بلا منازع..
واين مشاريع الابداع الاخرى في مخيلة الآخرين بسبب الاهمال وعدم الاهتمام والنشر والتوزيع وفي جلسة خاصة جمعتنا بالاستاذ الناقد والمبدع جابرحسين والباحث الاكاديمي والمسرحي عمر محمد السنوسي 0وشخصي) تناولنا هذا الامرعلى عدة مستويات ورؤوس مواضيع تحتاج لوقفات متأنية.. وحلول مؤقتة ودائمة.. ودراسات..وكان المدخل عن رعاية الفنان..وجعله جماهيريا ومنتجا نافذا ومحرضا ونافعا..
بعض الكبار والشباب يشتجرون فيما بينهم وينسون قضيتهم.. لا يعتمدون في معاشهم الا على الوظيفة وما يقدمونه مجهودات فردية بلا سند..



يكثرالقول عن عدم الاهتمام بوضع استراتيجية ثقافية لان ذلك ليس من الاولويات او الاهتمامات على طول المدي في العهد الوطني..
وفي هذا الفراغ يبرز على المسرح بعض المهرجين اصحاب الضجيج وتضخم الذات والادعاءات الكذوبة يتمسحون باعتاب السلطان يرتزقون يسعون بانفسهم للجوائز والمخصصات ولا يبق منهم بعد ذلك شئ للتاريخ..
وبعض الادعياء يتصالحون مع كل العهود ويجدون لهم مخارج ومنافع وقتية.
ويبدو ان الفنون والمهرجانات الثقافية قد وجدت حيزا واهتماما من بعض الانظمة الشمولية العربية عشائرية كانت ام آيديولوجية.

وللاستاذ - محمود محمد طه كتاب قيم ومتسامي في فكرته - الاسلام والفنون - وبعض الاسلاميين - الترابي وعباس مدني =- الخ قد نظروا في الفنون . وقد تجاوزوا النظرة التاريخية..ولمصر ريادة فكرية وثقافية قديمة في التأليف والطبع والنشرواسبابها معلومة ومفهومة لا تحتاج لمزايده..وحتى في العهد الملكي كان جانب التأليف مزدهرا وميسورا ومتاحا ومدعوما بشكل من الاشكل.. وكانت وزارة المعارف تساهم في ذلك قبل نشوء وزارات الثقافة فيما بعد..
وحتى فكرة معهد السينما والمسرح اتت من احد الباشوات في مجلس خاص مع الملك فؤاد وتم تنفيذها بعد ذلك!!! في المنظومة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفيتي كان - لينين - مهتما بالابداعات والفنون.. على مستوى ذاته الشخصية والمذهب الاشتراكي.. الذي اقام دعائمه وظهر الاهتمام الجاد بالمبدع ونوعيته ورسالته ومنتوجه بعد قيام المؤتمر العشرين وما تلا ذلك من اسهامات ابداعية واضحة على المستوى الانساني.
اصبح للفنان مكانة عظيمة، وعلى درجة من المستوى السايسي في مقام عضوية المكتب السياسي اوفوق ذلك.
ومهما كان من تحفظات بان المسألة لاتخرج من ان ذلك لا يبعد عن نشر ثقافة المذهبية السلطوية عبر وسائط الفنون المتعددة بغيرالادوات الاعلامية المباشرة فالظاهرة التي ترسخت لدى بقية الشعوب في العالم الثالث ان الفنون اصبحت جماهيرية واصبح الاهتمام بها انسانيا استنفعت به العامة من البسطاء مع كل التحفظات من اهل الرأى الآخر والمغاير..!!
في الآيديوولوجيا العربية القومية الحديثة كان النموذج واضحا من تجربة البلدان الاشتراكية.. التي استلهمت منها لمشروعها العربي وعلى عهد الجمهورية العربية المتحدة في الفترة الناصرية على وجه لتحديد.. تولت الدولة المركزية امر الثقافة.. وكانت انشاءاتها في البني الثابتة من مسارح وسينما وموسيقى وقصور ثقافية ومطابع ودعم للمجلات والكتب ونشر للثقافة الجماهيرية على اوسع نطاق وجوائز تقديرية وتشجيعية ومنح تفرغ.. الخ..



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147490577&bk=1
__

Post: #238
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: Badreldin
Date: 04-13-2008, 07:58 AM
Parent: #1

عبد الله رصدك (جمع فأوعى) اما انت ف(أوفيت وما قصرت)

Post: #239
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 04:18 PM
Parent: #1



محمد أبو زيد الجعلي يكتب من «مرايا النفس»
بطاقة دعوة شخصية للسيد رئيس الجمهورية
أرجو أن أوجه عبركم دعوة للسيد رئيس الجمهورية لزيارة دار الشيخ ابو زيد للمعرفة بعطبرة ضمن برنامجه في زيارته المرتقبة لولاية نهر النيل.
وهي مكتبة عامة ومركز ثقافي ومعهد كمبيوتر، بعد ان حولت البيت الى دار عامة تنفع الناس جميعا.. قلت لاخواتي وهن ثلاث، كيف ننوب عن الناس في ارث نحن من ضمن مستفيديه.. كان الناس يغشون هذه الدار وبشكل مستديم لمجالس العلم ولتلاوة القرآن وللاستشارات الشرعية والحياتية والتندي بسماع الشعر.. دخل الشيخ ابو زيد محمد الامين الجعلي عطبرة في عام 1931م عقب تخرجه في المعهد العلمي بام درمان. وظل بها الى ان توفاه الله عام 1981م.. خمسون عاما كاملة وهو يعلم الناس. تتالت عليه اجيال واجيال من الرجال ومن النساء، نهلت من فيض علمه الغزير في الدين وفي اللغة العربية وفي التاريخ وفي اصول القبائل. والرجل نسابة اخذ عنه الباحثون والنقابة والعلماء حتى اصبح من الركائز التي شكلت وجدان اهل عطبرة العارف. كان صديقاً ودوداً للزعماء السياسيين بمختلف انتماءاتهم ورؤاهم السياسية الشفيع أحمد الشيخ، الطيب حسن، الحاج عبد الرحمن، عبد الله بشير ومحمود محمد طه وكبج، كانوا يغشون مجلسه الضاحك (بالحق) والناضح بالحق والنصيحة والريان بالدين. ولم يستطع أي منهم ان يقول له «يا مولانا صوت لينا» اتفقوا جميعا في ان يعتبروه قمة رفيعة تتصاغر دونها رغائب الدنيا.. وكساه المرحوم الزعيم الازهري كسوة الشرف الدينية في اول حكومة وطنية تثمينا لدوره المتعاظم في الدعوة الاسلامية. ونحن نحاول أن يكون بيته بيته.. هذا الاستطراد ساقني حتى كدت ان انسى ان اقول ان اخواتي رحبن حتى جدن بمصاغهن.. قدمنا عبر المركز الثقافي عدة محاضرات عقب الافتتاح الذي تم في أخريات فبراير في هذا العام. واحدثك سيدي الرئيس عن الافتتاح الذي كان عملا غير مسبوق في تاريخ السودان. والذي حضره الشيوخ الاجلاء الشيخ عبد الرحيم البرعي الذي رغم وهن السن واعتلال الصحة جاء بطائرة خاصة، الشيخ حسن بن الشيخ الفاتح جاءنا في مائتين من رجاله النجباء لينوب عن والده الشيخ الفاتح بن الشيخ قريب الله صفي أبي وخدنه وزميل دراسته وليفتتح «ويبرك» موسمنا الثقافي بمحاضرة عن التصوف، الشيخ عبد الله البدري جاء في كوكبة من ابنائه وتلاميذه، الشيخ محمد التجاني جاء نائبا عن التجانية واهل الدم، اما ابنه الشيخ محمد حاج حمد الجعلي، فلقد كانت الدعوة باسمه مستقبلا، كل هؤلاء الشيوخ الاجلاء والمسؤولين السياسيين والحكوميين والآلاف من غمار الناس. وخاطب الحفل البروفيسور عبد الله احمد عبد الله نيابة عن تلاميذه، حقا كان يوم فرح كبير تدافعت هذه الجموع لتقول للشيخ ابو زيد اديت دورك الديني والوطني والاجتماعي كاملا، فأهنأ بالرضاء العام وينداح فرضا لننعم بالدار التي انشأناها تحمل اسمه ـ ذكرى وتخليداً وقبلهما صدقة جارية واستمرارا لدوره التعليمي، بالدار، الحقنا معهد كمبيوتر انفتاحا على علوم العصر وجزءا من المكونات العصرية للمعرفة. وليكون ترياقا ماديا للدار رغم سعره الرمزي الذي يتوافق مع ظروف المدينة.. قلت لأختي سامية أحمد محمد وزيرة التنمية والرعاية الاجتماعية.. تحملي عنا مرتبات العاملين بالدار.. وهي بالمناسبة من أهلي ورحم عديل ـ خاصة ونحن نشاركها هموم تنمية الانسان ونعمل بدأب في ذات مجال اهدافها.. رفضت ورجعت ـ خائبا ـ مثلما رجع اهل دنقلا عندما خاطبهم الرئيس الاسبق جعفر نميري قائلا «ستكونون يا اهل دنقلا آخر المستفيدين من مايو».



(زعلت) مثلهم تماما ولكني ما رطنت.



يا سلام يا سيدي الرئيس عندما اجلس وأرى الاطفال يتسابقون ويتدافرون ماشين دار شيخ ابو زيد نقرأ، قصص وفيض من السعادة غامر والطلبة والطالبات، الكبار والصغار، وهم يقلبون الكتب بحثا عن اضاءة المعرفة. والنساء يؤمن الدار في العصريات ليتعلمن التدبير المنزلي. وفي الامسيات يجلسن للعلماء. وهن يصغين للعلماء الاجلاء وهم يقدمون الاستنارات الدينية.
بعد كل هذا أليس جديراً بزيارة السيد رئيس الجمهورية، رغم انه ليست لدي الامكانات التي اوظفها لاستقبال كبير يستحقه السيد الرئيس، فقط كباية موية زرقاء ويشد على يدي ويقول كما يقول العسكريون «مبروك». ويروح في سبيل حال السودان بعد ان يتم ناقصة الدار.
ارتكز في مجمل قناعاتي بتوجيه هذه الدعوة على حديث سمعته دار بين الشيخ حاج حمد الجعلي عليه رحمة الله والامام الصادق المهدي. وفي بيته تتوسطنا «اللقمة» الكردفانية. وكان ذلك عقب الرحلات الماكوكية للشيخ حاج حمد لرأب الصدع بين ابناء الوطن الواحد، قالا حديثا طيبا وكثيرا عن الرئيس عمر البشير.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147490425&bk=1

Post: #240
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 04:19 PM
Parent: #239


معضلة تطبيق الشريعة.. في ظل الدولة القومية القطرية


خليفة محمد الطيب - المحامي



طالعت تعليقاً للأستاذ كمال الجزولي انتقد فيه مبادرة هيئة علماء السودان لتحقيق السلام وتثبيت الشريعة بالسودان، وقد حق له ذلك ما دام أن القوم قد خاضوا في وحل التناقض حتى الركب. ولا أريد أن أخوض في جدلٍ عقيم يناقش كل التفاصيل ويترك ما هو أهم من ذلك. فالعجب كل العجب أن يتداعى أعضاء هيئة علماء السودان، وهم بصدد الدفاع عن الشريعة الإسلامية، ويخرجوا علينا بتخريجاتٍ لا تليق بمن يسمي نفسه بالعلمية، بل لا تتفق أصلاً مع مناهج البحث العلمي الموضوعي. فما دام الموضوع هو الشريعة الإسلامية وتطبيقها كان ينبغي على هيئة علماء السودان تناول الموضوع بشموله الذي أنزله به ربَّ العباد (أتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض)، وإلا وجب عليهم تبيان وجه الاجتهاد المبدع الذي تجاوزوا به أصلاً شرعياً مثل الإمامة الكبرى في الوقت الذي يتنادون فيه لتعضيد قطع يدِّ السارق وجلد الخمير في العاصمة. فهل يا ترى أن الإمامة الكبرى - وهي مسألة دستورية- باتت أقل شأناً من حدِّ القاذف وجلد الشارب؟! وهل يا ترى ارتد القوم عن عقيدة الولاء والبراء التي طالما شنفوا بها آذان خصومهم من أهل السياسة والفكر زمناً طويلاً؟! وهل يا ترى ما عاد القوم يؤمنون بتقسيم السلف للديار بين (دار الحرب) ودار الإسلام)؟! وهل يا ترى أن رجال العلم هؤلاء اطلعوا على آراء فقهاء الإسلام بشأن عدم جواز ولاية غير المسلم للقضاء حتى على أهل ملته؟! وهل يا ترى أنهم اطلعوا على ضوابط العهد والأمان للكتابيين في الإسلام؟! وليقل لنا هؤلاء الأفذاذ ما هو التأويل المبدع المقنع الذي تأولوه لآيات (براءة) حتى نسلم لهم باختزال الأمر في الحديث عن الشريعة في العاصمة القومية (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرَّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون) - الآية 29 التوبة، (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفورٌ رحيم) - الآية 5 التوبة. ثم ألم يفتوا مراراً بقوامة الرجال على النساء، وأن المرأة لا تلي ولاية صغرى ولا كبرى، وأن الأحناف يجيزون لها ولاية الفصل في المعاملات دون الدماء والحدود؟! ألم يتدارسوا في حلقات علمهم أن لا شهادة للمرأة في الدماء والحدود لقوله تعالى: (وأشهدوا ذوي عدلٍ منكم) وأن شهادتها في المعاملات مقيدة بقاعدة (أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى)؟! ألم يتدارسوا في حلقاتهم تلك (أن للذكر مثل حظ الأنثيين)؟! أتناسى هؤلاء القوم فتاواهم بأن الديمقراطية تناقض الشورى، وأن الأولى لا تقيم للدين وزناً بينما الثانية مقيدة بالدين لقوله تعالى: (والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) فلا يشاور إلا من يستجيب لداعي الله والرسول؟! أتناسى بعضهم قوله -أيام الصحوة- بعدم شرعية تكوين قوات الشعب المسلحة على النحو الذي ورثناه من الاستعمار لقوله صلى الله عليه وسلم للذي تبعه يوم أحد للقتال معه وهو مشرك (ارجع فإني لا استعين بمشرك)؟! وهل غضوا الطرف عن ما اتفق عليه الفقهاء بشأن حقوق أهل الذمة وما لخصه عبد الرحمن بن غنم في ما يعرف عند أهل العلم الشرعي كافة بشروط أهل الذمة ومن بين ما ورد فيها: «ألا نضرب ناقوساً إلا ضرباً خفياً في جوف كنائسنا ولا نظهر عليها صليباً ولا نرفع أصواتنا في الصلاة والقراءة في كنائسنا، ولا نظهر صليباً ولا كتاباً في سوق المسلمين»؟! ولو ذهبت أعدد من مثل هذا لضاق الإناء وطفح الماعون.



ثم ماذا بعد.. جاءت برتوكولات نيفاشا لتقول لهيئة علماء السودان إن المرجعية في الحقوق والواجبات السياسية والاجتماعية والاقتصادية هي الإعلانات العالمية لحقوق الإنسان ليس في العاصمة وحدها بل في السودان كله. وليت هؤلاء القوم دروا أن طبيعة هذه الإعلانات علمانية صرفة تناقض الشريعة أيما تناقض وإقرارها على النحو الذي جرى في برتوكولات نيفاشا يجعل من السودان بلداً علمانياً لا محالة ناهيك عن عاصمته التي نافحت هيئة علماء السودان عنها وأبت إلا أن تقيم فيها شرع الله المطهر. فالحديث عن إسلامية العاصمة بعد توقيع مشاكوس وبرتوكولات نيفاشا يصبح تزيداً ينافي العلمية والموضوعية وليس ذلك شأن العلماء. فقد نصت المادة (6-1-1) من برتوكول (قسمة السلطة) على أن: «حكومة السودان على كل المستويات وفي كل أنحاء القطر سوف تفي تماماً بالتزاماتها وفق المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان التي تكون أو ستكون طرفاً فيها، هذه المعاهدات تشمل المعاهدة الدولية حول الحقوق الأساسية والمدنية والمعاهدة الدولية حول الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمعاهدة الدولية حول إزالة كل أشكال التمييز العنصري.. إلخ». وإمعاناً في التأكيد على أن المواثيق المذكورة أصبحت مرجعية أهل السودان فقد نصت المادة (1-6-2-16) من برتكول (قسمة السلطة) في فقرتها (أ) على أن «حقوق الإنسان والحريات الأساسية المتضمنة في المعاهدة الدولية حول الحقوق المدنية والسياسية سوف تنعكس في الدستور»، مع أنه من المعلوم لرجال القانون أن الدولة إذا وقعت وصادقت على معاهدةٍ دولية ما فإنها تصبح جزءاً من التشريع العادي لكنها لا ترقى إلى مستوى النصوص الدستورية عند غالبية أهل الفقه القانوني. ولا شك أن وجود هذا النص سيجعل كثيراً من قوانين الشريعة الإسلامية عرضةً للطعن فيها بعدم الدستورية. فعلى سبيل المثال نشير إلى أن المادة الثامنة عشرة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصت على أنه «لأي إنسان الحق في حرية الفكر والضمير والدين، وهذا الحق يشمل حرية تغيير ديانته.. إلخ»، أليس تضمين هذا النص في صلب دستور السودان يناقض (حد الردة) الذي نصت عليه (المادة 126) من القانون الجنائي السوداني، بل يفتح الباب واسعاً للطعن فيها بعدم الدستورية؟! ويأتي نص المادة (1-6-2-16) في فقرته (أ) ليقول: «يتم تأكيد الحقوق المتساوية بين الرجال والنساء كما هو مبيَّن في المعاهدات الدولية حول الحقوق المدنية والسياسية»، أي أن المرجعية في تعريف (الحقوق المتساوية) في هذا الصدد تكون للإعلانات العالمية وليس للشريعة الإسلامية. فإن أنت ذهبت إلى القول بأن لا شهادة للمرأة في الحدود والدماء، أو أن شهادتها في المعاملات امرأتان عدل رجل لقيل لك إن هذا النص التشريعي مطعون فيه بعدم الدستورية لأنه يعارض ما جاء في عهد نيفاشا من أن الإعلانات العالمية هي مرجعية كل أهل السودان في تعريف (الحقوق المتساوية)، وإن قلت إنها -أي المرأة- لا ولاية لها في الحدود والدماء ولا تصلح أن تلي مجلس القضاء في هذا الصدد قيل لك إن قولك هذا يناقض ما نصَّ عليه الإعلان العالمي وكذا برتوكول نيفاشا من منع التمييز في تولي الوظيفة العامة بسبب الجنس مع شهر سيف عدم الدستورية بذؤابتيه وهكذا دواليك.



وإذا ذهبنا نعدد فروض التعارض بين الشريعة وبين ما جاء في برتوكول (قسمة السلطة) لطال بنا الحديث إلى أن يدخل السأم النفوس، وإنما الذي أردناه في هذا المقام أن نلفت الأنظار إلى أن بيان هيئة علماء السودان عن إسلامية العاصمة ما هو إلا تزيد لا يسمن ولا يغني من جوع، فليت القوم انشغلوا بعيب أنفسهم ليصلحوه، مع أنه لا عيب فيهم سوى التهافت والتناقض الذي يقسم النفس أشتاتاً تركن معها إلى الترقيع والتلتيق الذي ينافي النظرة الشمولية والمبدئية.



وفي باب هذا الترقيع والتناقض حزَّ في نفسي ما سمعته من أحدهم في ندوةٍ في جامعة الخرطوم قبل اشهرٍ قلائل بعنوان (تجديد الفكر الإسلامي) ظن فيها صاحبنا ومن رافقته أنهما أتيا بما لم يأت به الأولون مع أن المشكلة تحددت منذ أيام الإمام الشوكاني رحمه الله، ورسم معالمها في العصر الحديث شيوخ التنوير (الأفغاني ورشيد رضا والإمام محمد عبده)، ومن ثم أصبح التحدي ليس في تحديد المشكلة وإنما في ابتكار الوسائل والآليات التي تحل المشكلة بحيث لا نحس معها بالتناقض والانقسام. فهل طرح محدثنا في ندوته تلك حلولاً وآليات؟! لا والله ولا كرامة. والغريب أنه عرض بما أسماه بالطاهوية (فكر محمود محمد طه)، مع أن ذلك الرجل عاش حالةً من وحدة الفكر لم يرق إليها محدثنا، وأنف عن الترقيع والتلتيق، وبنى فكره على منهجٍ شامل بغض النظر عن اختلاف الناس فيه، وهذه المزية المنهجية (مزية عدم الانقسام والتناقض) لو أخذت بها هيئة علماء السودان، لكنا وصلنا إلى برِّ الأمان منذ زمنٍ طويل، ولعرفنا مصيرنا هل نحن أهل جهادٍ وقتال لرفع كلمة الله أم أننا رضينا أن نكون مع الخوالف والقاعدين أم أننا أهل موضوعية تدخل إلى النفس اليقين.



وختاماً أقول لهيئة علماء السودان إن تطبيق الشريعة في ظل مفهوم الدولة القومية القطرية سيظل ضرباً من الأوهام والأحلام ، وذراً للرماد في العيون، خاصةً إذا ما كان هناك تنوع ديني وثقافي. وهذا أمرٌ وصل إليه قبلي أستاذ الحركة الإسلامية أبو الأعلى المودودي يرحمه الله الذي أدرك بنور البصيرة أن الحركات الإسلامية التي تحاول الوصول إلى السلطة لتقيم الدولة الإسلامية ولتطبق الشريعة في ظل مفهوم الدولة العصرية القطرية تعيش حالةً من المغالطة والوهم فاسمعه يقول في كتابه نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون والدستور -طبعة مؤسسة الرسالة ص 92 - ما نصه: «ومن الناس من يقول بتأسيس دولة قومية للمسلمين ولو غير مستندة إلى قواعد الشريعة الغراء، يقولون به ويدعون إليه ويغتنمون هذه الفكرة في المرحلة الأولى، ويزعمون أنه إذا تم لهم تأسيس دولة قومية يمكن تحويلها تدريجاً في ما بعد إلى دولة إسلامية بوسائل التعليم والتربية وبفضل الإصلاح الخلقي والاجتماعي، ولكن شهادات التاريخ والسياسة وعلوم العمران تفند مثل هذه المزاعم، وإن نجح مشروعهم كما يزعمون فلا شك أنه يكون معجزة.. فليت شعري كيف يمكن أن تكون دولة قومية مؤسسة على طراز الديمقراطية عوناً لنا ومساعداً في استكمال هذا الإصلاح الأساسي وإنجاز مهمته» (انتهى)، ويقول أيضاً في ذات الكتاب: «وإني على مثل اليقين في نفسي من أنه لو خوَّل المسلمون اليوم أن يؤسسوا دولةً لهم في بقعة من بقاع الأرض لما استطاعوا أن يقوموا بإدارة شؤونها وتسيير دفتها وفق المبادئ الإسلامية ولا ليوم واحد فإنكم معشر المسلمين لم تعدوا المعدات اللازمة ولا هيأتم العوامل الكافية لتنشئة رجالكم وشبابكم على الطراز المخصوص للتفكير والأخلاق الذي تحتاج إليه الدولة الإسلامية لتسيير دفة أمرها وتنظيم دوائرها العديدة المتشعبة» (انتهى كلام الأستاذ أبو الأعلى).
وعند مسك الختام آمل أن تتلمس هيئة علماء السودان الحلول في النهج العلمي الموضوعي، وفي المصداقية مع النفس، ونبذ الانقسام النفسي والفكري، فلا خير في التناقض، ولا شئ يشين المرء ويرمي به في الهلكات أكثر من التهافت. والله ولي التوفيق وهو الهادي إلى سواء السبيل.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147490379&bk=1
_________________

Post: #241
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 04:20 PM
Parent: #240


الوجه الآخر لنيفاشا


النائب الأول لقرنق:أصبحت My Boss
كتب: موفد الصحافة لنيفاشا
لصوص نيفاشا!!



نايفاشا Naivasha كما يطلق عليها اهلها. او نيفاشا كما اشتهرت عندنا، مدينة دخلت التاريخ السياسي والاجتماعي للسودانيين، باحتضانها لأهم جولات مفاوضات السلام السودانية، اذ وقعت بها حتى الآن خمسة بروتوكولات بين الحكومة والحركة الشعبية. هي بروتوكول الترتيبات الامنية والعسكرية، وبرتوكول قسمة الثروة، وبروتوكولات قسمة السلطة، ومنطقتي جبال النوبة والنيل الازرق، ومنطقة ابيي.. هذه المدينة الصغيرة الوادعة التي تقع على بعد «120» كيلومتراً شمال شرق العاصمة الكينية نيروبي ربما ما كان لها ان تكتسب هذا الصيت العالمي لولا احتضانها لمفاوضات السلام السودانية، فرغم اهميتها كمصدر رئيسي للزهور الطبيعية التي تصدرها كينيا الى العالم، إلى جانب بحيرتها ذات المناظر الطبيعية الخلابة والزاخرة بأفراس البحر «القرنتية».. ووقوعها على طول منطقة الاخدود الافريقي العظيم «الرفت فالي» إلا انها لم تكتسب ذيوعا لدى الكينيين ولا ترد في وسائل الاعلام الكينية إلا لماما وعادة ما يكون ذلك مرتبطاً بمفاوضات السلام السودانية، عكس صيتها وشهرتها التي اكتسبتها لدى السودانيين، غير ان مدينة نايفاشا او نيفاشا كما نطلق عليها، صعدت فجأة في سلم اولويات وسائل الاعلام بكينيا وصارت على كل لسان، وتصادف ان حدث ذلك إبان رفع طرفي التفاوض لمواقفهما، الى سكرتارية الايقاد وعودة النائب الاول الى الخرطوم والحدث الذي ادخلها الى دائرة الضوء كان هو هروب عشرين من عتاة المجرمين من سجن نيفاشا وهو حدث غير عادي في بلد مثل كينيا، تعاني اصلاً من عدم استتباب الامن فيها نتيجة الفقر المستشري والفساد الذي ينهشها بعد تغلغله في مستويات الدولة كافة، بالرغم من المحاولات الجادة لحكومة الرئيس الحالي كيباكي ومساعيه الدؤوبة من اجل الاصلاح التي لا تخطئها العين المجردة، فقد عزل اعداداً كبيرة من قيادات الشرطة والقضاء والمؤسسات العدلية. وعين مديراًً جديداً للشرطة جيء به من صفوف القوات المسلحة الكينية وهو من اصل صومالي كما اطلق يد الصحافة المحلية للدفع باتجاه الحكم الرشيد ورفع مستوى الشفافية لدى المسؤولين الحكوميين ونواب البرلمان، وذلك بحثها على ملاحقة الفساد والمفسدين، لذا تبارت الصحف هناك في نشر قوائم المسؤولين الضالعين في مخالفات وصفقات مريبة وامتدت بها الجرأة لتنشر احصاءات بممتلكات هؤلاء المسؤولين، ولا تخلو صحيفة يومية في كينيا من خبر او تعليق على خبر او كاريكاتير عن واقعة فساد لمسؤول او مسؤولين في الحكومة او البرلمان.



وواقعة هروب عشرين مجرماً من سجن نيفاشا أدت الى التدقيق والتفتيش بطريقة فوق العادة في عدة نقاط للشرطة والجيش على طريق نيروبي نيفاشا لاكثر من اسبوع، واستمرت تخطف الاضواء حتى بعد التئام شمل المتفاوضين مجدداً بمنتجع سيمبا بنيفاشا، ولم تحمل الأنباء أخباراً عن إلقاء القبض على هؤلاء المجرمين حتى انفضاض سامر جولة المفاوضات السودانية على خير.




صوفية قرنق
حرص الدكتور جون قرنق قائد الحركة الشعبية، في خطابه الذي ألقاه عشية توقيع البروتوكولات الثلاثة بنيفاشا على ازجاء الشكر لكل من اسهم في انجاح الجولة وتمكين الطرفين من الوصول لهذه الاتفاقات، وتعدى قرنق في توزيعه لآيات العرفان البشر الى التعبير عن امتنانه للطيور التي ظلت تشقشق داخل المنتجع طيلة جولات التفاوض، والحيوانات البرية من وعول وغزلان وحتى أفراس البحر ببحيرة نيفاشا التي يطل عليها المنتجع التي ظلت تصيخ السمع وتتحمل لجاج التفاوض والمتفاوضين بصبر وأناة، وتجاوز عرفان قرنق الحيوانات ليمتد ويشمل اشجار الطلح الغزيرة التي ظلت شامخة ويانعة طوال ايام حلول طرفي التفاوض ضيوفاً على افيائها الوارفة، وقد ظن كثير من الناس ان قرنق افرط في هذا الثناء بدافع الطرفة ليس إلا، غير انني ارى غير ذلك اذ ارد ثناء قرنق على تلك «الكائنات الحية» لرؤية فلسفية صوفية عميقة تقوم على مبدأ ان المخلوقات جميعها صدرت من اصل واحد هو الله واليه تعود وانها في صدورها هذا عبارة عن سلسلة في هرم التطور حتى تفيء الى مآلها الاخير، وهي في رحلتها هذه لا تنفك عن التسبيح بحمد الله «وان من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحه» ولهذه الفكرة اصل في العهدين القديم والجديد «التوراة والانجيل» وخاصة في سفر التكوين كما انها عماد التصوف الاسلامي ولها تجلٍ واضح في مواجد العارفين الكبار أمثال ابن عربي والحلاج والنابلسي الذي قال:



أبداً تحن إليكم الأرواح



ووصالكم ريحانها والراح



هذا الوجود جميعه إشراقكم



وجميع من في الكون مع عشاقكم



وربما رأى كثيرون غرابة في رؤيتي هذه، فكيف لشخص يدعو للعلمانية مثل قرنق او كان يتبنى منظوراً ماركسياً للحياة، او غير مسلم بالنسبة للغلاة من المسلمين. او انه غير متدين أياً كان دينه، ولهؤلاء وأولئك اقول، إن الدعوة لعلمانية الدولة لا تتناقض مع مبدأ التدين الشخصي وهو اتجاه موجود حتى لدى كبار المتصوفة المسلمين، علاوة على ان الابعاد الاخلاقية في عصر التنوير بأوروبا دعا لها فلاسفة عرفانيون مسيحيون ونظروا لها فلسفياً.



ملاحظتي الشخصية على قائد الحركة د. جون قرنق انه شخص مقل جداً في طعامه وحتى في ذلك هو قليل الاكل للحوم علاوة على ان مقربين جداً من قرنق اكدوا لي عندما سألتهم انه قليل النوم كثير القراءة والتفكير الى جانب الكتابة على الكمبيوتر الشخصي. أزد على ذلك ملاحظة اخرى لاحظتها يوم التوقيع وكنت قريباً جداً من المنصة الرئيسية انه وعندما اخذ القسيس في تلاوة الصلوات في مبتدأ حفل التوقيع دققت النظر في د. قرنق فوجدته غارقاً في ترديد الصلوات مع القسيس في حالة من التبتل والخشوع.



ان قيادة حركة ثورية بهذه الكارزما لمدة واحد وعشرين عاماً هطع إليها مثقفون ذوو قدرات وعقول مفكرة من مختلف الاتجاهات لدرجة ان الدكتور امين حسن عمر عضو الوفد الحكومي المفاوض شبه لي علاقة اعضاء وفد الحركة المفاوض بقائدهم د. جون قرنق، بالعلاقة التي ربطت بين الاستاذ محمود محمد طه وتلاميذه، هي قيادة تحتاج الى شخصية لها قدر من الإلهام والاشعاع الروحي على عضوية الحركة تشدهم لمواصلة مسيرة النضال رغم الشدائد وتثنيهم عن التقاعس، وهذا لا يتوفر في شخص تأتي به الصدفة.



على العموم نريد ان نرى هذه الخصائص حية تمشي بين افراد الشعب السوداني بعد ان يكون لقرنق مركز صداري في سدة الحكم، بأن تتنزل عليهم حرية ونماء ونهضة وخير وبركة وأمن وطمأنينة، فصناعة السلام وإهدائه الى البشرية هي مهمة اضطلع بها على مدار التاريخ الكبار من المصلحين والانبياء والحكماء وكان آخرهم الزعيم نيلسون مانديلا، وفي امتحان قيادة الشعب السوداني بسلاسة وكفاءة تساقط الرعيل تلو الرعيل.




لقاء الشيخين!
لنيفاشا وجه آخر غير الوجه الرسمي الصارم الذي طبَّع حركة التفاوض ولجاجها وشدها وجذبها. حافل بالمشاهد والمواقف والمفارقات الطريفة ذات الدلالات، ومن هذه المواقف ان النائب الاول لرئيس الجمهورية كان دائم المداعبة لقرنق عندما يشتجر الخلاف بين الطرفين في تفاصيل صغيرة جداً بالقول له: «انت بقيت My Boss - أي رئيسي - لذلك مشي الأمور دون تعقيدات»



كما ان قرنق كان ينادي على النائب الاول «بشيخ علي» بعدما سمع بذلك، وداعبه مرة بعدما رأي ان وفد الحكومة اقام له خيمة للصلاة داخل المنتجع جوار غرفهم، قائلاً له «شيخ علي عملت ليك Mobile Mosque أي مسجداً متجولاً مثل الهاتف السيار.



اذكر مرة سألت دانيال كودي عضو وفد الحركة المفاوض عن حركة التفاوض في ذلك اليوم فأجابني بان شيخ علي وشيخ قرنق عقدا اجتماعين في ذلك اليوم. وعندما انتبه ليصحح حديثه تلعثم مرة اخرى وقال ان شيخ قرنق ود. علي اجتمعا فضحك من ذلك الحاضرون.




جلسة في سيمبا
* وكنا في «الصحافة» قد نشرنا صوراً لأبناء النائب الاول مع قائد الحركة د. جون قرنق والتي كان لها اصداء كبيرة في الداخل وداخل نيفاشا ومن ضمن الصور كانت هناك صورة لموفد الاذاعة السودانية الاستاذ الطيب قسم السيد مع قائد الحركة وعندما رأت اسرته في الخرطوم الصورة اتصلوا به واخبروه ان جدته «الشايقية القحة» سألت والدته «انت يا بخيتة ولدك الوداهو لي قرنق شنو؟! فاجابتها امه بانه ذهب مع علي عثمان وليس قرنق، فردت عليها الجدة: نان ما قالوا علي عثمان ذاتو ختّ راسو مع قرنق؟!».



* ياسر عرمان الناطق باسم الحركة كان في جلسة نقاش مع عدد من طاقم السفارة السودانية باستقبال منتجع سيمبا حول بعض القضايا الجدلية في المفاوضات. كان والحضور مستغرقاً تماماً بالنقاش. فحضر الدكتور مطرف صديق عضو الوفد الحكومي المفاوض في طريقه الى صالة الجيمانيزم لممارسة تدريباته الرياضية كعادته، وحيا الحضور وداعبهم قائلاً «جلسة في الحرم يا جماعة ثم نظر الى عرمان ضاحكاً ولا شنو يا ياسر». فرد احدهم نريدها في الخرطوم اولاً.




ترنح!!
* بعدما زار وفد رجال الدين نيفاشا وكانت قضية وضعية غير المسلمين في العاصمة لا تزال محتدمة واجتمعوا بقائدي التفاوض واستمعوا لشرح منهما حول موقفيهما من القضية عاد الوفد الى الخرطوم وأصدرت جماعة علماء السودان بياناً مذيلاً بتوقيع امينها العام البروفيسور محمد عثمان صالح، قالت فيه إنه لا مساءلة على شرب الخمر لغير المسلمين إلا اذا سكر الشخص لدرجة الترنح. فسألنا دانيال كودي عن صحة هذا الحديث وكنا قد قرأناه على الانترنت فأكدنا له صحته، فضحك ضحكاً شديداً. وقال إنه موافق على جلد كل المترنحين بشرط عدم استثناء الدراويش الذين يترنحون في حلقات الذكر!!

* كان هناك تشديد لدى الطرفين والجنرال سيمبويو بعدم الإدلاء بتصريحات لاجهزة الاعلام أو أية جهة عن سير حركة التفاوض، فحضر الى نيفاشا القائد باب الله احد قيادات الحركة الشعبية بمنطقة النيل الازرق وطلب من د. جون قرنق عند لقائه به ان يطلعه على آخر المستجدات في المفاوضات فاعتذر له قرنق، فألح عليه باب الله بانه ذاهب الى قواته في الميدان ويريد ان يأخذ لها معه شيئاً من نيفاشا. فأجابه قرنق ضاحكاً «ما عندي حاجة تشيلها ليهم الا كان تقطع من الطلح الكتير الفي المنتجع ده او من الصيد السارح داخله».



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147490383&bk=1
_________________

Post: #242
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 04:22 PM
Parent: #241


بعد اتفاقيات نيفاشا..


رعب في الشمال؟؟!!
الدكتور عبد الرحمن ابراهيم الخليفة:
الجنوبيون يبتزون الشماليين بدعوى الانفصال
* لشدة ما ألف الناس في السودان حالة الحرب، صاروا يتخوفون من السلام، كأن السلام امر مجهول. وعموماً فالمفاجآت في السلم اقل من المفاجآت في الحرب.. والكوارث والمشكلات في حالة السلام أقل بكثير جداً من حالة الحرب. ولكن من الطبيعي ان يتخوف الناس للأسباب التي ذكرتها لك من امر لم يأت بعد. والشيء الذي لا افهمه هو تضخيم هذه المخاوف للدرجة التي تحدث الآن، فأنا لا اعتقد البتة ان هنالك مخاوف تهدد مكونات الثقافة الشمالية، فهي ثقافة متجذرة عبر القرون. وهي ثقافة قوية وغالبة، خاصة ان القادم سيكون مهموماً بلم شمله وتنميته وقضايا اخرى. ثم ان المخاوف على كيان الشمال، كأنما تصف ثقافة الشمال بالهشاشة.



* يتخوف البعض من انفلاتات أمنية خصوصاً ان هنالك قوات مشتركة في الخرطوم؟



ـ هذا التخوف يمكن ارجاعه الى الجهل بطبيعة الاتفاق، الآن هنالك فروقات هائلة جداً بين اتفاقية الخرطوم للسلام وبين اتفاقية الترتيبات الامنية ووقف اطلاق النار في بروتكولات نيفاشا، هذه المرة لن يكون السلاح في ايدي الجنود كما كان في المرة السابقة، قوات رياك مشار كانت تحمل السلاح وتجوب به في الخرطوم. واذا احتدم الصراع بين الطرفين تم اطلاق النار دون ضوابط.. لكن هذه المرة ستكون هذه القوات تحت امرة القوات المسلحة.. وسلاحها سيكون في المخازن. وبعد نهاية العمل ستذهب هذه القوات الى مساكنها شأنها شأن بقية الناس. وفي النهاية هم مواطنون لن يأتوا لشر. وانما هم قادمون من اجل السلام.



وهذا بطبيعة الحال لا ينفي وجود مشكلات، لكن يمكن احتواؤها والسيطرة عليها، كمثال حدوث انفلاتات لا تعدو ان تكون فردية ومحدودة. وبالتالي لن تشكل مخاوف ولن ترقى لان تكون مهددات أمنية تثير هلع الناس.



* وقد يتخوف البعض من شعور بعض الجنوبيين بالاستعلاء. ويشيرون الى ذلك بما حدث في جامعة النيلين أخيراً باعتباره مساً لاحدى اهم قيم الثقافة الشمالية.. في هذه الحالة اقول ان حدث مثل هذا الشيء فستكون احداثا معزولة ومن اشخاص معزولين، بمعنى لن يكون هنالك تيار يفعل ذلك. وحتى الحركة الشعبية ستعمل على ادانة مثل هذا النوع من السلوك. كما ان اجهزة الامن والشرطة ستكون متيقظة جداً.



* هل الطرفان جاهزان للتعامل مع مخاطر قد تأتي في الفترة القادمة؟ وهل من المتوقع حدوث خلافات بين الطرفين وان كانت اجرائية؟



ـ هذا السلام لا يعني مطلقاً انه سلام منتصر ومهزوم.



فهو اصلاً مبني على انتصار الطرفين. واي طرف يستعلى على الآخر سيكون مرفوضا. واعتقد ان الوعي الجماهيري سيفوت الفرصة على اية محاولة ساذجة مثل هذه.



* كيف بوجهة نظرك ستتعامل قوات حفظ السلام مع اكثر من «18» جيشا في السودان؟ كيف تحسبتم لاختلالات قد تحدث مع هذه الجيوش؟



ـ اذا كنت تقصد أن هذه مخاوف فمن المفروض الا تكون مخاوف المواطن السوداني. وانما هي مخاوف القوات الدولية. ولكن في الحقيقة يوجد من يدعى بوجود اكثر من «18» جيشا، ففي الواقع سيكون هنالك جيشان فقط «جيش الحركة الشعبية - والجيش السوداني»، صحيح ستكون هنالك قوات صديقة للطرفين. ومهما بلغ عدد هذه الفصائل ستندرج في دائرة القوات الصديقة. وسوف تحسب هذه الفصائل وتقسم الى اصدقاء الحكومة كجانب اول واصدقاء الحركة الشعبية كجانب ثانٍ. وعليه سيكون لدينا في النهاية كيانان مسلحان. ولذلك الحديث عن «18» جيشاً هو ضرب من المبالغة والتهويم.



* هل تعتقد أن الترتيب للتعامل مع هذه الجيوش كافٍ لامتصاص كافة احتمالات التوترات المتوقعة؟



ـ لا.. في الواقع بعد هذه الاجراءات قد تكون هنالك مشاكل ناجمة عن هذه القضية، لكن في النهاية سيكون تعاون الطرفين هو الضمان للتعامل مع نوع هذه المشاكل المتوقعة - واحتواء اي تفلت امني يتسبب فيه اي طرف من الطرفين، الحكومة والحركة الشعبية.



* هل معنى هذا أن مسؤولية هذه الفصائل ستقع على الحركة الشعبية والحكومة، كل مسؤول عن اصدقائه مثلاً؟



ـ سيسعى الطرفان الى الا تحدث اية انفلاتات من الجانب الموالي له او الصديق له. وان يكون هنالك التزام كامل باتفاقية وقف اطلاق النار «والترتيبات العسكرية».



* ماذا عن الفصائل المسلحة في دارفور والشرق.. هل لديهما تأثير على إثارة مخاطر من نوع ما على الفترة المقبلة؟



ـ لا صلة لدارفور مطلقاً باتفاقية السلام في جنوب السودان. واية محاولة للربط بينهما ليس فيها حسن نية، دارفور قضية منفصلة كلية واية معالجة لها ستكون ايضاً منفصلة كلية. ولذلك انا لن اتحدث عن دارفور، طالما انا بصدد الحديث عن اتفاق السلام وما سيترتب عليه، لكن في الشرق الوضع مختلف، نسبة لوجود قوات في الحركة الشعبية هناك. ونسبة لان القوات المقاتلة من الحركة الشعبية موجودة في الحدود مع اريتريا. وهذه يشملها اتفاق السلام.



* حسناً.. لكن هنالك مؤشرات كثيرة من ضمنها بروتكول التعاون العسكري بين مؤتمر البجا وحركة تحرير السودان.. ماذا لو انتقلت مجموعة من فصائل العمل المسلح في دارفور الى شرق السودان؟



ـ ستظل هذه افتراضات نجيب عليها في حينها. ولكن اية احداث تقع بعد الاتفاق انا شخصياً استبعد ان يشملها الاتفاق.



* هنالك مخاوف من النمو المضطرد في سكان العاصمة مقابل موارد شحيحة. وذات هذه المخاوف تتطور لتصبح احياناً هواجس اثنية من تمركز اثنيات محددة في طوق يحاصر الخرطوم.. الا تتوقع ان تحدث مواجهات بين مواطني الحزام الفقير «النازحين» مع قوات حفظ السلام التي من ضمن برامجها اعادة النازحين الى قراهم؟ فماذا لو رفضوا؟.. اذن السؤال متشعب لكن اعتقد انه واضح بالنسبة لك.



ـ اولاً انا لا ارتاح كثيراً للحديث عن اية اشارات عرقية في العاصمة، فهي مثلها مثل كل ارض السودان ملك للجميع، فالحديث عن مجموعات معينة وكأنها ضيف على العاصمة وكأن العاصمة ملك لجهة محددة، اعتقد انه حديث غير لائق، خصوصاً ونحن على اعتاب مرحلة السلام.



أما بخصوص مهمة قوات حفظ السلام في اعادة النازحين، فانني اقول «لن تكون هنالك عملية اعادة قسرية، حتى يصل الامر الى الاستعانة بقوة مسلحة»، فمن اراد ان يستقر في العاصمة ووجد له سكنا وعملا فله الحق بحكم مواطنيته، نحن نتحدث عن عودة طوعية للذين هجروا ديارهم بفعل الحرب. وهذا الامر لا يستعان فيه بقوة مسلحة. ووجود القوات المشتركة في العاصمة امر رمزي جداً يراد به الترميز للوحدة. وتبدأ هذه الوحدة بالطرفين اللذين خاضا حرباً عنيفة.



* نأتي الآن إلى أم المخاوف وهي نقطة ذات وجهين «هناك من هم متخوفون من الانفصال. وآخرون متخوفون من الوحدة بشروط الاتفاق، اذ يرونها مجحفة في حق الشمال، كيف تقرأ هذه الرؤية المزدوجة- المتخوفون من الانفصال يعتمدون مثلاً في تأسيس وجهة نظرهم هذه على وجود جيشين وبنكيين وقانونين..الخ.



ـ بالمناسبة ليس هناك حديث عن بنكين بالمعنى الذي يتحدث به الناس. البنك واحد لكن يفتح على نافذتين في الشمال والجنوب. وهي مراعاة للظروف الاقتصادية في الجنوب والمغايرة في النظام الاقتصادي. واقول بالنسبة لسؤالك ينبغي ألا ننشغل بمخاوف الانفصال، فاهلنا المصريون يقولون «البخاف من العفريت يطلعلو». ولذلك فالشخص العاقل يجب أن يعمل للوحدة.. وينخرط في العمل العام والعمل الوطني من اجل ذلك.
اما اذا حدث انفصال فهذه ارادة يجب ان تُحترم. وحقيقة الامر نحن اعطينا الجنوبيين حق اتخاذ القرار.. بين الانفصال والوحدة.. ويجب ألا نتخوف من قراره.. وهذا يصبح شأنا جنوبيا، لكن انا كحكومة والحركة الشعبية ايضاً، يجب ان نعمل من اجل الوحدة.
* من خلال أجواء التفاوض والحوارات خارج الغرف الرسمية.. هل تعتقد أن الحركة ستعمل بجد من أجل الوحدة؟
ـ سيظل الانفصال امر مزايدة تستخدمه الحركة حتى آخر لحظة. وللأسف اصبح قطاع كبير من الجنوبيين يبتزون اهل الشمال بدعوى الانفصال، حتى دعا ذلك أهل الشمال للتطرف والمناداة بالانفصال. وستظل قناعتي الشخصية ان احتمالات الوحدة عند الجنوبيين أكبر.. وهذا الأمر لا يستبعد الانفصال بحد ذاته.







د. محمد محجوب هارون
أستاذ علم النفس السياسي بجامعة الخرطوم وكاتب صحافي
العنصرية في السودان سطحية
ولن تفكك الوحدة



لا يمكن نفي أن هنالك مخاوف وسط النخبة على وجه التحديد خاصة نخبة الشمال النيلي، تقابلها مخاوف تطرحها كذلك نخبة الحركة الشعبية القيادية. نخبة الشمال النيلي لاعتبارات تبدو مرتبطة اكثر بحسابات عرقية وبحسابات قوة سياسية، تعبر عن مخاوفها الحقيقية من اعادة هيكلة القوة داخل المجتمع.



والراجح ان هذه التخوفات حقيقية. فالشمال النيلي ظل حاكماً على امتداد عمر الدولة السودانية، خاصة في حقبة ما بعد الاستقلال. وبالرغم من أن هذه النخبة النيلية ترفع رايتي الثقافة والدين احياناً باعتبار ان الخطر مصوب نحوهما، إلا ان رأيتي الثقافة والدين، تستوجبان التمسك بالوطن الواحد «شمالاً وجنوباً» لأن هذه النخبة ثقلها من الاسلاميين النيليين. ظلت تتبنى أطروحة أممية تجاوز حدها الوطنية، كما انها ظلت تتمسك بالجنوب بصفته بوابة الاسلام إلى داخل القارة الافريقية. هذه النخبة تتراجع بتخوفاتها هذه من مربع ما هو فكري وثقافي وديني، إلى ما هو عرقي وسلطوي. أنا مقدر ان كثيرين من هؤلاء تغلب عليهم النيات الحسنة، ويغيب عنهم المضمون الاستراتيجي، وهكذا فإنهم يصيحون من منطلقات المبدئية التي أسسوا عليها ماضياً وراهناً ومستقبلاً، المشروع الاسلامي الذي تبنوه.



أما نخبة الحركة الشعبية فهي منازعة ما بين الخوف والتهديد، فمن ناحية، يعاني كثير من مثقفي جنوب السودان من حالة عدم ثقة برصفائهم من نخبة الشمال. وبهذا السبب، يعبرون عن تخوفهم من أن تعجز نخبة الشمال عن الوفاء باستحقاقات السلام وفقاً لما رتبته الاتفاقات التي مضيت، لكن النخبة الجنوبية في الحركة الشعبية خاصة، ربما رأت كذلك ان ترفع راية الخوف من باب التهديد، ويبدو هذا واضحاً جداً في تحميل الدكتور قرنق بوتيرة مستمرة مسؤولية الوحدة للطرف الحكومي.



هل هذه حقيقة؟.



أنا انظر الى موضوعات تخوفات نخبتي السودان النيلي شمالاً وجنوباً، من باب كونها تحديات، فالطبيعي ان مجمل التطورات على الساحة الوطنية في ربع القرن الاخير والتي بلغت ذروتها باتفاقات مشاكوس/نيفاشا، قد قادت الى طرح قضية بناء الأمة على الطاولة. وعلى نحو من الجدية والتأكيد، بالطبع لا يمكن أن يبقى التاريخ «مكانك سر». نحن أمام حراك ثقافي/سياسي يتفاعل عبر حدودنا الوطنية مع عوامل اقليمية ودولية، لا يمكن اسقاطها، وبالتالي فنحن وجهاً لوجه مع عملية كبرى لاعادة بناء الأمة. وهكذا يجب أن ننظر إلى مجمل التفاعلات التي أفضت إلى هذا الوضع بوصفها تحديات. والأمة تدخل منعطفاً جديداً، وهذا وضع في مسيرة الأمم يتطلب أول ما يتطلب ، وجود قيادة مدركة وملهمة تستطيع أن تحدد للتغيير اتجاهه وتستطيع مع ذلك أن تحشد قدرات المجتمع وطاقاته، لصالح هذا التغيير الذي تم تغيير اتجاهه سلفاً.



يمكن للمتخوفين من الطرفين ان يزدادوا تخوفاً لو اننا موعودون بحالة غياب قيادي، وأنا لا اقصد بالقيادة أعلى هرم السلطة في المجتمع، بل أقصد بها نخبة عريضة قائدة، هي الرهان في أن تعبر طائرة الأمة المطبات الهوائية بسلام.



النخبة الشمالية المصنفة إلى اليسار تتخوف من احتمال انقسام السودان ،أنا أراها اكثر وعياً بأهمية وحدة السودان»، ربما لأسباب خاصة بها كتيار. فاليسار ينطلق في تمسكه بالوحدة ليس فقط لأسباب تتعلق بمثال انساني أو «علماني». هذه النخبة تتخوف من انقسام السودان بدرجة اكبر خشية ان تجد نفسها أسيرة لشمال تيار اسلامي أقرب إلى التشدد.



لكن في تقديري، إن معززات الوحدة في مستقبل السودان وفرصها تبدو اكبر من دواعي ومسوغات الانفصال، أنا لا اقول بذلك بسبب ان المعطيات اقليمياً ودولياً تعمل لصالح سودان موحد. ومستقر في نفس الوقت. بل أرى أن فرص الوحدة أكبر، لأن السودان في مجمله يستند على تاريخ طويل من التعايش بين تكويناته المختلفة، ولأن عملية التحديث الجارية في المجتمع وفقاً لمحركات التعليم والاقتصاد الحديث والتحول الحضري، تدعم الوحدة لا الانفصال. ولأن الدين الغالب «الاسلام» وفقاً لنسخته التي يتبناها السواد الغالب من المسلمين هو دين متسلح باستعداد كبير للتعايش مع الآخر والتفاعل معه. فهو ليس كطبقات من الاسلام نجدها مثلاً في الجزيرة العربية، عند شيعة/فارس والرافدين.



والحسابات العرق والاثنية، فالعنصرية في السودان سطحية. كثيراً ما تتراجع أمام مد التحديث، وبالتالي، ليس منظوراً، ان تعمل هذه العنصرية الهشة على تفكيك أوصال الوحدة.



نحن نحتاج نخبة قائدة مدركة وملهمة وفاعلة وفي حال توفرها، فإن المناوشات والتفجيرات التي يمكن ان تقع هنا وهناك أثناء فترة الانتقال لن تتمكن من أن تصرفنا عن التركيز على الهدف الكبير متمثلاً في الوحدة والنهضة.



أنا لاحظت كذلك، ان خطاب زعيم الحركة الشعبية الدكتور قرنق في الآونة الأخيرة تحديداً، يركز على مشاكل نهضوية واضحة. مثل تركيزه مثلاً على أن تولى الحكومة القادمة عناية زائدة، لرفع معدلات استيعاب الاطفال في المدارس أو تحسين الرعاية الصحية الأولية أو تشييد البنية التحتية أو الاهتمام بالزراعة، وتحسين موقف الصادرات السودانية.



هذا خطاب يمكن أن ينسجم مع خطابات مشابهة وسط نخبة الكتلة التاريخية «المسلمون المستعربون» ولو حدث هذا التلاقى، فإن ذلك سيضيق كثيراً فضاء الاختلاف. وذلك مما سيعزز فرص الوحدة، ويحاصر تخوفات المتخوفين. لكن كل هذا التفاؤل، لا ينبغي أن يصيبنا بغفلة تُغيِّب عنا النظر في وضع نسبة لاحتمال فشل القيادة لمعناها الاوسع، في تعزيز فرص الوحدة والنهضة. باستغراقها «القيادة» في ضلالها القديم، واظهارها وتكريسها حالة العجز القيادي التي ظلت سائدة طوال حقبة الحكم الوطني الراهنة.







العيش في المدينة طوّّر
وعي المصلحة لدى المواطنين
د.ابكر آدم اسماعيل
من المنظور الفكري ـ لا السياسي ـ لا يمكن عزو أي حركة اجتماعية أو ثقافية أو سياسية، إلى مجرد "عبقرية" شخص ما أو مجموعة من الأفراد أو إلى "مؤامرة". إذ لابد من تحقق شروط تاريخية داخل الحراك الاجتماعي. وبالتأكيد، فإن "فكرة" السودان الجديد "قديمة". ولكنها أصبحت راشدة وأمست مكلفة مع ظهور الحركة الشعبية لتحرير السودان التي ـ كما يقول د. صلاح الزين ـ "استطاعت أن التأسيس لمستوى من الممارسة والفعل السياسي"، وتقدمت أيضا نظريا من خلال أطروحات منظريها.



وما يؤهل الحركة الشعبية ويؤكد جدارتها بهذا الموقع هو موقفها النابع من بعد نظر قادتها في تعاملهم مع الأحداث لحظة وعقب سقوط نظام النميري، إذ هرع طلاب السلطة إلى حيث الكراسي، وعادت الجماهير إلى المنازل بعد انفضاض "الكيتة" لتشاهد مسرحية "الصراع حول كراسي السلطة" إلى أن ظهر "الدودو" في الثلاثين من يونيو. كانت الحركة الشعبية لتحرير السودان الجهة الوحيدة التي فطنت للمسألة وأشارت إلى "الدودو" خلف قناعه قائلة (مايو تو)، ولكن لا حياة لمن تنادي. ولنتصور أن الحركة أيضا غفلت عن ذلك وخاضت مع الخائضين، فبالتأكيد سيكون السودان الجديد في بيت الطاعة اليوم، ويكون دعاته ونقاده الآن تحت (عباية) حسين خوجلي .



ولكن كل ما سبق لا ينفي وجود أفكار هنا وهناك يمكن تضمينها في تاريخ الدعوة للسودان الجديد. فمثلا، يرى البعض أن تنظيم اتحاد القبائل في العشرينات هو ـ تاريخيا ـ أول الداعين إلى السودان الجديد، باعتبار تقارب ما يطرحه ذلك الكيان مع الكثير من أطروحات اليوم. ومن حق البعض أن يعتبر ذلك رؤية ثاقبة لم تكتمل شروطها التاريخية. ويمكن حتى وضع دعوة اتحاد وادي النيل ضمن قائمة الداعين للسودان الجديد، باعتبارها تطلع "غير واعٍ" لسودان في صورة مصر، أو إسقاطا لصورة مصر على سودان متخيل؛ خاصة بعد أن اكتشف نقاد الأدب عمق الخليل ورواد تلك الدعوة.



ويمكن أيضا وضع الأستاذ عبد الرحمن علي طه ورفاقه واضعي كتاب "سبل كسب العيش في السودان" ـ المقرر المدرسي المقبور ـ من الرواد العاملين من أجل السودان الجديد. بالإضافة لدعوات الفيدرالية من الأحزاب الجنوبية وأطروحات الجبهة المعادية للاستعمار، وأطروحات الحزب الجمهوري برئاسة الأستاذ محمود محمد طه. بالإضافة إلي تيارات الطلاب المستقلين في مؤسسات التعليم العالي التي تكاثفت منذ السبعينات، حيث أنهم ـ فكرياً على الأقل لهم قصب السبق في طرح وتوطيد الكثير من المقولات التي تتأسس عليها جل خطابات "السودان الجديد" اليوم، خاصة مسألة الهوية والمنظور الثقافي والدعوة للاعتراف بالتعددية الثقافية باعتبارها أساس الدولة وليس العكس "بوتقة الإنصهار" خاصة في كتابات الأستاذ مجمد جلال هاشم ـ أحد المنظرين الأساسيين لحركة المستقلين منذ أوائل الثمانينات.



ولكن من ناحية التوقيت، لماذا لم تظهر الدعوة للسودان الجديد قبل الآن بهذه الشكل الصاخب ويكثر طلابها وخطابها ـ بالصدق وبالكذب بالشكل الذي نراه اليوم؟



للإجابة على هذا السؤال نعود من جديد إلى الحقل. تعالوا نتلمس الظروف التي انحشدت لبروز الدعوة بصورتها الراهنة. فأهم العوامل والظروف هي تصاعد الوعي القومي لدى الكيانات المهمشة من جانب، وتصاعد وتائر الهيمنة والقهر والتمركز والتهميش من جانب آخر.



فمنذ الاستقلال، بدأت انهيار الكثير من التوازنات التي كان يحافظ عليها نظام الحكم الإنجليزي، فعلى المستوى الاقتصادي تم الإحلال التدريجي لنمط الاقتصاد الطفيلي المرتبط بالوعي "الريعي العشائري" في الثقافة العربية الإسلامية بدلا من نمط الاقتصاد "شبه الرأسمالي المنضبط بوتائر الإنتاج لحد ما" الذي عمل على إقامته نظام الحكم الإنجليزي كجزء من استراتيجية الإلحاق الحضاري بالمراكز الرأسمالية في الغرب. وقد أدى الإحلال المذكور إلى تدمير البنيات الاقتصادية ـ الإنتاجية خاصة. وتمحور ذلك مع تمدد كيان النخبة الإسلاموعربية في جهاز الدولة عبر آلية المحسوبية، ومن ثم الاستبداد بالسلطة وتضخم التيارات النازعة نحو الديكتاتورية كما يسميها الأستاذ محمد جلال هاشم. وتلازم ذلك مع محاولات فرض الثقافة العربية الإسلامية وفرض هوية عربية على السودان عبر استغلال جهاز الدولة. وكانت النتيجة بينونة الطبقيات ذات الطوابع العرقية، وتصاعد وتائر العنف المعنوي من خلال إلباس الناس أصولا غير أصولهم وثقافات غير ثقافاتهم وقومية غير قومياتهم. والعنف المادي من خلال العنف الموجه عبر الجيش والبوليس والكشات وتكسير المنازل … إلخ.



ومن ناحية أخرى، ظهرت انتهازية النخب المتعلمة التي هي "القوى الحديثة" من خلال انخراط غالبيتها في مشاريع الهيمنة والدكتاتورية والقيام بدور البيروقراطية التنفيذية لتصبح جزءا من قوى السيطرة، أو بالهروب من حلبة الصراع إلى دول البترودولار حيث الثروة الفردية للحاق بالمشروع الاستبدادي في منعطفات قادمة تتمفصل فيها المصالح. هذا من جانب النخب.

أما من جانب "الجماهير"، وهو الجانب الأكثر أهمية، حيث أدى إهمال التنمية واستنزاف الريف وتزامن ذلك مع تدهور البيئات الطبيعية إلى أشكال من النزوح الداخلي من الريف إلى المدن، وقد كان لمغامرة العيش في المدينة هذه دورا كبيرا في تطور وعي المصلحة لدى الكثير من المواطنين ومن ثم تبلور وانبثاق نوع من الوعي السياسي ومن ثم تحديد مواقف مختلفة من مصادر الاستغلال بالمع أو بالضد. كل ذلك مجتمعاً أدى إلى الانتقال من مرحلة اللامبالاة تجاه "الدولة" إلى مرحلة التعاطي لدى الكثير من الفئات.

كان هذا الحراك الاجتماعي هو ـ في رأينا ـ الأساس الذي بنيت وتنبني عليه دعوات التغيير، التي من بينها دعوة السودان الجديد.




http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147490385&bk=1
_

Post: #243
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 04:23 PM
Parent: #242


إشكالية مفهوم الوسط الكبير بين الأستاذين كمال الجزولي ومنصور خالد

محمد أبو القاسم حاج حمد



صدق الأستاذ (كمال الجزولي) في عنوانه ومقاله المنشور بجريدة (الصحافة - الخميس 29 ربيع الثاني 1425هـ/ 17 يوليو (تموز) 2004م - العدد 3970) - (حاج حمد: من رمضاء السوسيوبوليتيكا إلى نار الجيوبوليتيكا!) فأنا واقع بالفعل بين رمضاء السوسيولوجي ونار الجيوبوليتيك وكأني أذوق مس سقر.



ولا مهرب لي من رمضاء الوسط والشمال والشرق كوحدة جيوبوليتيكية منذ ألفين وسبعمائة عاماً بكل أبعادها التاريخية والحضارية والاجتماعية والاقتصادية ليس لأني مكوّن ضمنه فقط ولكن لأني أعاني سلبياته التركيبية التي ذكرها الأستاذ الجزولي «ان الحقيقة التي لا تجوز المغالطة فيها هي أن غالب الطبقات والشرائح الاجتماعية (للجلابة) الذين تمكنوا، منذ خمسة قرون، من الاستحواذ على الثقل الاقتصادي السياسي والاجتماعي الثقافي في بلادنا، انما ينتسبون إلى الجماعة المستعربة المسلمة المنتشرة، أساسا، في الشمال ومثلث الوسط الذهبي (الخرطوم - كوستي - سنار)، وهي التي تشكل في رحمها، لهذا السبب، التيار (السلطوي/ التفكيكي) المستعلي على (الآخرين) في الوطن بالعرق والدين والثقافة واللغة، علاوة على الثروة بطبيعة الحال.



لقد تكونت هذه القوى الاجتماعية في ملابسات النشأة الاولى لنظام التجارة البسيط على نمط التشكيلة ما قبل الرأسمالية في مملكة الفونج، منذ مطلع القرن السادس عشر (ك.بولاني - ضمن تيم نبلوك، 1990م)، وضمت مختلف شرائح التجار والموظفين والفقهاء وقضاة الشرع، او الطبقة الوسطى الجنينية وقتها. وعند انحلال المملكة أوائل القرن التاسع عشر حازت هذه القوى على اراضيها وثرواتها، فجرى تكبيل قوى الانتاج البدوي بين القبائل الطرفية، كما في الجنوب وجبال النوبا والفونج والنيل الابيض مثلا، من عبيد وانصاف عبيد رعاة ومزارعين وحرفيي انتاج سلعي صغير، بالمزيد من علاقات الانتاج العبودية والاقطاعية المتداخلة. وكان هؤلاء يعتبرون موردا رئيسا للرقيق والعاج وسلع اخرى كانت تنتزع بالقوة.. مما جعل لهذه العملية تأثيراتها السالبة على المناطق المذكورة (المصدر).



كان لابد لهذا التأثير السالب ان ينسحب على العلاقات الاثنية عموما، ليس لجهة الاقتصاد فحسب، وانما لجهة الثقافة والاجتماع ايضا، مما مهد لحجاب كثيف بين العنصر المستعرب المسلم وبين (الآخرين) ، حيث استعصم العنصر الزنجي مع لغته وثقافته بالغابة والجبل، وحدث الشيء نفسه تقريباً في سلطنة الفور ومملكة تقلي (محمد المكي، 1976م). ومنذ العام 1820م جرى تعميم النموذج مع دولة الاتراك الحديثة التي تمتلك ادوات تنفيذ عالية الكفاءة، فبرز النهج الاستتباعي للثقافة العربية الاسلامية بشكله السافر (أبكر آدم اسماعيل، 1999م).



ومع مطالع القرن الماضي حصلت هذه القوى على دفعة كبيرة من الاستعمار البريطاني الذي احتاج إلى (مؤسسة سودانية) تدعم وجوده في الاوساط الاجتماعية، الامر الذي هيأ لقوى (الجلابة) من كبار الزعماء القبليين والدينيين وكبار التجار وخريجي (الكلية) وراثة السلطة بعد الاستقلال، بذهنية تنزع لتأكيد (نقاء) عرقها ولغتها وثقافتها، وتقديم نفسها كنموذج (قومي/ مركزي) يزعم تمام التأهل لاختزال مجمل التكوينات الاخرى، ففاقمت بذلك من اوضاع القهر والاستعلاء برسم وتطبيق سياسات (الأسلمة) و(التعريب) القسرية.



تلك هي الوضعية التي استقبل بها (الجلابة) صورة الوطن ومعنى الوطنية والمواطنة. بالمفارقة لكل معطيات (الهجنة) التي ترتبت على قرون من اختلاط الدماء العربية الوافدة والافريقية المحلية، بالاضافة الى كل حقائق (التنوع) الذي انكرت استحقاقاته الانظمة المتعاقبة، مما أفضى الى مأزقنا الراهن الذي تساوق فيه (التهميش) الاقتصادي السياسي مع (التهميش) الاجتماعي الثقافي، كمصدر اساسي لهذا الحريق الوطني العام، وهو ما ينكره حاج حمد».



قد انتهى الاستاذ الجزولي الى القول: (وهو ما ينكره حاج حمد).



والصحيح ان هذا ما لا ينكره حاج حمد، بل ويضيف حاج حمد الى ذلك ان العروبة في هذا الوسط ليست (حضارية) تماثل البناءات الحضارية العربية في دمشق وبغداد وقرطبة والقاهرة، وانما هي عروبة ذات نمط (ثقافي شفهي بدوي).. (محاضرة آفاق السلام في السودان)- رؤية ميدانية. تحليلية- المجمع الثقافي- ابو ظبي- 4/4/2004 راجع الصحافة 17 إلى 24 ابريل 2004 - 5 حلقات.



وان ميلاد العروبة في السودان هو (ميلاد متعسر) ، فقد نشأت هذه العروبة والمماليك يحكمون مصر وإثر سقوط آخر مظهر حضاري عربي في قرطبة (السودان: المأزق التاريخي وآفاق المستقبل - الصفحات ).43- 48- المجلد الاول- ط 2.



ولا يملك السودان من عروبته سوى (كتابة) اللغة العربية التي (استوردها) من المراكز الحضارية، وخط بها مصاحف القرآن على (الجلد). ولم تنتج عروبة السودان سوى مخطوطة واحدة هي (طبقات ود ضيف الله).



اما الذين حكموا هذا الوسط الكبير ـ ومع انجازاتهم ـ هم مجرد كتبة ومحاسبين واداريين من ذوي المؤهلات الوسطى كفئة وطنية مساعدة للادارة الاستعمارية فلما اعتلوا سدة السلطة بالسودنة تكشف خلو اذهانهم من أي (منهجية) في الفكر والفلسفة ومن أي رؤية استراتيجية في السياسة والحكم والبناء الاقتصادي والتنموي وكانت عقليتهم عقلية (موازنة مالية) و(مراجع عام) وليس عقلية تنمية اقتصادية واجتماعية وثقافية.



وان المزاعم الحضارية لابناء الوسط لم تتجاوز بناء (دامر المجذوب) وليس عطبرة حيث مجمع الورش. والسكك الحديدة، وشتان بين (الدامر) الوطنية وعطبرة المرتبطة بالاستثمارات الاستعمارية.. وشتان بين (بورتسودان) و(سواكن) وبين مشروع القطن في الجزيرة وسواقي الشمالية، وشتان بين اكاديميات بخت الرضا وخورطقت وحنتوب ووادي سيدنا، مبانيا ومناهج حديثة في التأهيل والتدريب وبين (الخلاوي) الوطنية التي انتهى اليها (سقف) الجهد الوطني في الوسط، واخيرا شتان بين (الخرطوم) وقصر الحاكم العام (القصر الجمهوري) وبين ام درمان وقبة الامام المهدي.



لهذا كتبت اني اكثر ادراكا ووعيا بسلبيات هذا الوسط والشمال من كل الذين كتبوا ضده، فالمستعلون من الشماليين (الجلابة) هم من نسيج هذا التخلف او (ثقافة الجلابية) كما كتب الاخ القائد (باقان اموم).



لان قادة الشمال هؤلاء من الكتبة والمحاسبين ومعلمين متوسطي الثقافة فقد قادوا السودان كله نحو الهاوية اذ انهم يفتقدون الى الخبرة والمؤهلات بما في ذلك الانقاذ الذي يزخر بالكوادر وحملة الشهادات العليا ـ من امريكا واوروبا ـ غير أن تنشئة الكادر التنظيمي القيادي فيهم قد اقتصرت على (علوم آخروية) وليست (دنيوية)، وحين يفهمون الدنيا فانهم يفهمونها بمنطق التراث المرتبط (بتاريخانية) انتاج ثقافي وذهني عرفي منذ عصور التدوين الهجرية الثلاثة الأولى، فلا يصلون الى اطراف وهوامش (ابن رشد) في العقلانية والفلسفة، ولا الى اطراف اطراف (ابن خلدون) في علم التحولات الاجتماعية، ولا الى ذرة داخل صفر من علوم (ابن عربي) الإلهية.



بل وفي قول للاخ (الدكتور غازي صلاح الدين) اثناء مؤتمر الشريعة الذي عقده مركز الاسلام والديمقراطية المؤسس في واشنطن في قاعة الصداقة بالخرطوم (19 - 21 ابريل/ نيسان ) قال ان مصادر فشل تجربتهم الاسلامية عدم وجود مصادر ومراجع سابقة على تجربتهم توضح لهم كيفية البناء المعاصر، نظرا وتطبيقا، للاسلام. ففضحوا جهلهم بكل الاجتهادات الاسلامية في عصر التنوير (1789/ 1940) من محمد عبده وإلى علي عبد الرزاق ومفهومه في (الاسلام واصول الحكم).



وفضحوا جهلهم وعدم تعاطيهم مع اكثر من ثلاثة آلاف بحث على مدى عشرين عاما منذ 1970م وفي عدة ندوات ومؤتمرات وورش عمل. فالتجربة (ترابية) ولازالت كما قال (الدكتور حسن مكي) في نفس المؤتمر.



اني فعلا احترق بنار (السوسيوبوليتيكا) وبحيثيات هذا الوسط المركزي الفاشل والذي فصلت فشله تلك الدراسة القيمة حول (مواصفات الدولة الفاشلة) للسيد (روتبرج) بأكاديمية كيندي والمنشورة في فصلية واشنطن الصادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية صيف 2002م والتي رجعت اليها في محاضرتي (الوجود الامريكي في افريقيا وموقع السودان منه) بتاريخ 23 فبراير (شباط) 2004م - (مركز دراسات الشرق الاوسط وافريقيا - الخرطوم). والمنشورة في «الصحافة» بداية من 2 مارس- اذار 2004 وكذلك مقالي «صفات الدولة الفاشلة- الصحافة- 21/4/2004 العدد 3913



فاذا اراد محررو (الكتب السوداء) في الغرب نقد الوسط المركزي الى حد (التهشيم) وليس (التهميش) فأنا رجلهم وقلمهم وكذلك الآخرون، ويكفي ان عنوان كتابي هو (المأزق التاريخي).



فأنا أشد تهشيما لهذا الوسط المركزي من الاستاذ الجزولي، وأشد كرها واشمئزازا من استعلائيته ذات البنى القبلية، والثقافة العربية الهامشية والشفهية وفكره التقليدي من (طوائفه) الى (انقاذه). فالوسط قد فشل في قيادة السودان وبنائه على أسس وطنية حديثة. «راجع مقالتنا التي تكشف عجز قادة الوسط بعنوان/ السودان ازمة فكر وقيادة- الصحافة- 10- 11 يوليو - تموز 2003م.



ولكن.. ولكن.. ولكن: كيف العلاج؟.



يكمن العلاج في نشوء حركة وطنية ديمقراطية مستقطبة وجاذبة لكل السودانيين تطرح مخططا للتنمية الاستراتيجية الشاملة وللنمو الاقتصادي والاجتماعي والفكري والثقافي.



مهمة هذه الحركة الوطنية الديمقراطية الشاملة ان تحول الجغرافية السياسية للسودان المعاصر والتي فرضها المصريون قسراً في المرحلة (1821 - 1874) حين مدوا مركزية الوسط الى الغرب والجنوب، الى (تدامج وطني) يستوعب ثم يتجاوز (جدل التجزئة) المركب على القبلية والاثنية والطائفية والجهوية بمخطط علمي ـ استراتيجي. ومن مهمة هذه الحركة الوطنية الديمقراطية الشاملة الخروج من عقلية الافندية في (الموازنة) الى عقلية النمو الاقتصادي الاستراتيجي الشامل انطلاقا من المشروعات الاقتصادية الحديثة التي أسسها البريطانيون تبعا لمصالحهم في السودان من مشروع الجزيرة للاقطان والى ميناء بورتسودان وورش عطبرة.. فقادة الشمال في كل احزابهم لم يقرأوا كتابا واحدا لامثال (بول باران) حول (التخلف والتنمية) ولا (ايف لاكوست) حول (جغرافية التخلف) ولم يتابعوا دراسات (منتدى روما) ولا حتى اوراق ومقررات (مؤتمر اركويت) .انهم حكام (فهلوة) و(تخلف) وليسوا حكام تخطيط علمي وحداثة وتقدم.



ولابد ان تستند هذه الحركة الوطنية الديمقراطية الشاملة على قاعدة (القوى الاجتماعية الحديثة) في (كل السودان) من (فرانسيس دينج) في الجنوب والى (كمال الجزولي) في الشمال والى (فقراي) في الشرق والى (بهاء الدين حنفي) في اقصى الشمال والى (هارون كافي) في جبال النوبا والى (شريف حرير) في الغرب والى والى والى.



ولابد ان تستند هذه القوى الاجتماعية الحديثة الى (الجيل الثالث) الذي بدأ بعهد نميري المظلم منذ 1969م ويشارف الان سن الثلاثين، حيث يعيش (عدمية الانتماء) الوطني والثقافي متطلعا نحو (العولمة) وثقافتها وآلياتها ومفتقرا بذات الوقت لبناءات النمو الذاتي التي تدخله عالم العولمة بكيفية يتداخل مع ايجابياتها وتصرف عنه تحكم شركاتها الكبرى وفرض هيمنتها.



فمنهجي علماني ليبرالي ديمقراطي «بالكيفية التي طرحتها ووثقتها» وحتى ادرأ عن الديمقراطية تعالى الطائفية والحزبية طالبت بإعادة «مجلس الشيوخ» ليمارس «رقابة دستورية» على اغلبية الطوائف والاحزاب الميكانيكية، مناديا بإعادة تطبيق المادة «44» من دستور السودان المؤقت لعام 1956 وهذا مجالك القانوني- اخي الجزولي- «المأزق التاريخي- ص 747/ 750» ونشرت مقالي الاخير في صحف الخليج «الوسط- البحرين» بعنوان: علمانية العاصمة ضرورة اسلامية» لاسقاط المفهوم الثيوقراطي للسلطة الدينية التي لا اساس لها في الاسلام. والتي اعدمت من قبل الشهيد محمود محمد طه وتريد ان تعدم في ايران المفكر الاصلاحي «اغا جاري» والتي تكيل اتهامات «الردة» لكل مفكر ومصلح.



فالتجديد الاسلامي يحتاج إلى «العلمانية» قبل حركة قرنق، والاسلام يحتاج إلى العلمانية ليعرف على حقيقته بعيدا عن وصاية فقهاء الرسوم.



هذا هو العلاج الوطني الديمقراطي الشامل، وهذا هو (المخرج)، ولم ادخر وسعا ماليا ولا جهدا ذهنيا ولا حتى عضليا لأحقق ذلك منذ صدور كتاب المأزق التاريخي في طبعته الاولى عام 1980م. والى دعوتي للمؤتمرات القومية التداولية قبل سقوط نميري في عام 1984م وقد ضمنت وقتها تأييد سورية وليبيا مما دفع نميري حين اصبح اماما للهجوم على شخصي واتهمني بتدبير انقلاب ضده بالتحالف مع المرحوم حافظ الاسد ومعمر القذافي في مسجد القوات المسلحة، بتاريخ 8 يونيو/ حزيران 1984م ثم تناوشتني كلاب صيده في (ألوان) وفي غيرها من الصحف بتاريخ 12/11/1984م و 2/3/1985م ولم يدافع عني في هذه الحملة الرسمية الشرسة التي طالبت بطردي من منصبي في خارجية الامارات، والتي طالبت بمنع مقالاتي في الصحف الكويتية سوى رجل واحد فقط ـ ليس من ابناء الوسط المركزي وليس من ابناء السودان هو المرحوم (جاسم المطوع رئيس تحرير الوطن بتاريخ 12 ديسمبر 1984 العدد رقم 3383 ) الذي أفرد نصف الصفحة الاولى كاملة من صحيفة الوطن (الكويتية) للرد على نميري بعنوان: (سوداني.. يسأل نظامه). واضطررت بعدها لمغادرة الخليج كله الى (قبرص).



اذن، «فمنهجي» وطني ديمقراطي، لست بأثني ولا جهوي ولا طائفي، ولا عنصري ولا قبلي، وأدين (ثقافة الجلابة) واستعلائية بدو الوسط وثقافتهم الشفهية وتصدرهم السلطة بثقافة الافندية والكتبة والمحاسبين، وموروثات التراث منذ القرن الهجري الثالث.



وحتى اسلاميتي ومؤلفاتي منذ صدور (جدلية الغيب والانسان والطبيعة ـ العالمية الاسلامية الثانية) والتي فهمت خطأ ـ لمجرد تماثل العنوان ـ (كرسالة ثانية) بما اورده المرحوم الشهيد محمود محمد طه وهو الامر الذي نفيته بالصفحات 114/ 127 من المجلد الثاني» ـ لا تماثل اسلامية قادة هذا الوسط، فاسلاميتي (ابستمولوجية معرفية قرآنية ومنهجية) تأخذ بالليبرالية ولكن انطلاقاً من العائلة وليس الفرد وتأخذ بالعلمانية الرافضة والنافية للسلطة الثيوقراطية الكهنوتية وولاية الفقهاء ومجالس شورى الاحزاب الدينية، مؤكدا على أن الاسلام (حاكمية كتاب) مفتوحة على العقل البشري وليس (حاكمية الهية) كما ذهب الى ذلك المودودي وسيد قطب، وليس (حاكمية استخلاف) كما يذهب الى ذلك فقهاء السنة والشيعة. ولكني اميز بين علمانية الدولة التي ادعو لها وبين (الفلسفة الوضعية العدمية) في المجتمع والتي ارفضها لأن مكونات الانسان (كونية) وليس مجرد مادية.



(فمنهجي) نسيج كل هذا الذي ذكرته والذي تحول الى مساقات اكاديمية ومحاضرات منذ ربع قرن، في جامعات تونس وماليزيا والجامعة الاسلامية في بيروت وبعض جامعات الاردن والدراسات العليا في جامعة القاهرة وتأسست على هذه المساقات ذخيرة معهد (اسلام المعرفة) بجامعة الجزيرة في الخرطوم واكتنزت بها مكتبة (فرجينيا) للمعهد العالمي للفكر الاسلامي في واشنطن وكذلك مركز دراسات الاسلام والديمقراطية في واشنطن. ولك - اخي الجزولي- ان تراجع اصدارتنا الاخيرة «منهجية القرآن المعرفية» و«الستمولوجية المعرفة الكونية» ومحاضرتي الاخيرة في مؤتمر الشريعة الاسلامية في الخرطوم «الاسلام ومنعطف التجديد- 19- 21 ابريل 2004» ومحاضرتي «علاقة الدين بالدولة» في جامعة ام درمان الاهلية»



اذن، فهمي للعروبة مختلف عن هذا الذي يسود في الوسط المركزي، فالعروبة بالنسبة لي (جماع حضارات وثقافات وأعراق) من سبأ في اليمن والى البابليين والآشوريين في العراق والى الاراميين والكنعانيين في سورية والى القرطاجيين في تونس، والى لقاحات البانتوية والعربية في سواحيلية شرق افريقيا.. والى.. والى.. والى.. فهي ليست قومية عنصرية آحادية متعالية، ولكن الذين تعالوا بها ضمن رؤاهم الضيقة هم الذين جعلوا من العروبة مادة للسخرية وجعلوا منها تفريقا بينهم وبين الاكراد والبربر والزنوج، ويكفي ان هذا الاستعلاء قد انتج اسوأ معاهدة اذلال فرضها (عبد الله بن ابي السرح) على النوبة لاستجلاب العبيد واسمها (البقط) وبالنوبية (العهد).



انتقال داء الوسط الى الاطراف:



ان داء الوسط هذا قد انتقل الى الاطراف (برد الفعل العكسي) فظهرت مقولة (التهميش) التي لم تطرح النهج الوطني الديمقراطي الشامل وانما طرحت العين بالعين والسن بالسن والجروح قصاص، وهذا مبدأ توراتي، فتمثل (المهمش) عقلية (المهمش) فارتد الى العنصرية والجهوية، فتشكلت نفسية (المعذّب) بنفسية (المعذِب) كما قال المرحوم (فرانز فانون) في كتابه (المعذبون في الارض) وهو يبحث الحالات العصابية في تجربة الثورة الجزائرية.



وقتها استهدف الوسط المركزي بمنطق اثني عنصري معاكس ومضاد، فلا يمكنني ان ابرر للاطراف دعواها العنصرية بذات الكيفية التي رفضت الدعاوى العنصرية في الوسط نفسه. وكم كتبت في محاضراتي منذ (كيف يفكر الجنوبيون السودانيون) عام 1986م «صحيفة الخليج- الشارقة 16/12/1986م أشيد بالمانفستو الذي اصدرته حركة تحرير شعب السودان وادانة المانفستو لانفصالية الانانيا وانفصالية حركات مماثلة اخرى في الشمال، واقسمت على (وحدوية) قرنق وراهنت عليها، وتثبيت هذا الموقف يحتاج تسجيلا وتوثيقا أي صفحة اخرى في جريدة (الصحافة) ولكن حين انحرفت حركة قرنق عن النهج الوطني الديمقراطي الشامل وبدأت بالممارسات العنصرية والجهوية تحالفا مع النوبا والانقسنا ودينكا ابيي، ومدت جسورها الى (الفور) و(البجا) زيفت توجهها الوحدوي الذي كان من المفترض ان (يركب عليه السودان الحديث الموحد) وانتهت الى (تفكيك) السودان كله اثنيا وجهويا وليس الوسط فقط. حينها واجهت وانتقدت ولازلت على موقفي.



فاذا استقام قرنق وابناء الغرب للنهج الوطني الوحدوي الديمقراطي الشامل فأنا لهم ومعهم وبالمنطق العروبي والاسلامي الذي ذكرته، اما منطق الآخرين في الاسلام والعروبة فأنا ارفضه، وقد كتبت فصلا كاملا في كتاب (السودان: المأزق التاريخي - المجلد الثاني) حول ان الحركات السياسية العربية في السودان هي حركات (استعراب مستوردة) عن القاهرة.. ودمشق دون فهم للعروبة ودون فهم (لجدل الواقع السوداني).- «الصفحات 356/374و 477/ 492



ويقودني هذا القول للكشف عن جهد كنت ازاوله عام 1964م وإثر ثورة اكتوبر حيث كنت مستمسكاً بخط عربي (عام) وواسع في فهم العروبة وعلاقتها بالآخرين في الاطار الوطني ضمن (جدلية الوحدة) الوطنية وليس (جدلية التجزئة العنصرية) وقد طرح هذا التوجه في المغرب المرحوم الشهيد (المهدي بن بركة) مؤسس الاتحاد الوطني للقوى الشعبية وقد كانت صلتي به عبر المرحوم (الباهي محمد) وهو من أصل (موريتاني) ورفيق (فرانز فانون) في ادبيات الثورة الجزائرية، وقد وصل الخرطوم أثناء ثورة اكتوبر. وافترض الناس وقتها اني (بعثي) وهذا غير صحيح البتة. واكبر دليل على ذلك، نقدي لمقررات المؤتمر القومي السادس للبعثيين في عام 1966م واتهامي لهم (بالفرز الطبقي) على حساب «التوجه القومي العام» مما يمزق وحدة المواجهة الوطنية لاسرائيل.



علني بهذه الواقعة اكشف ما ذهب اليه أخي وصديقي الدكتور منصور خالد حين أخطأ ونسب خلفيات تفكيري العروبي للبعث ونمطية افكار العروبيين في السودان. وستأتي مساجلتي ـ باذن الله ـ مع الدكتور منصور خالد وكتابه (جنوب السودان في المخيلة العربية) والنصوص التي أوردها عن طريقة تفكيري.



وسأوضح دواعي محاولات حفاظي على هذا الوسط المركزي الذي يتأكد فشله كل يوم، ومنذ عام 1954م، ويزيده الانقاذ فشلاً، كما سأوضح دواعي محاولاتي لربط الوسط مع الشمال ومع الشرق. مع طرحي لفدرالية الغرب وكنفدرالية الجنوب السوداني. لا يوصف ذلك (هروبا) من زلزال الاطراف كما ذكر الاستاذ الجزولي ولكن (لاعادة صياغة) الابعاد المختلفة في مكونات جيوبوليتيك السودان بغير الكيفية التي وحده بها المصريون جغرافيا وسياسيا (1821/ 1870) وبغير الكيفية التي ادار بها الحكم الثنائي السودان (1899/ 1956) وبغير كيفية الكتبة والمحاسبين (1956/ 2004) مع تعقيب حول ما طرحته (حركة تحرير السودان) على الانترنت حول كتاباتي بتاريخ 17 يونيو (حزيران) 2004م. فالسودان كله يحتاج لإعادة تأسيس وطني ديمقراطي وليس إلى حركات تجزئة بعقلية شماليين او جنوبيين او غيرهم.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147490200&bk=1

Post: #244
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 04:24 PM
Parent: #243


حول : موقف الأحزاب الدينية من قضية السلام


عمر الصايم
الادمغة حبيسة التاريخ ، لا تبصر الواقع ومتغيراته ولا تعترف بسيرورة الزمن وارتياده آفاق جديدة دشنها العقل الانساني في نضالات ممضة وطويلة وهي تتعامى عمدا عن الواقع وما يمكن ان يقترحه من اسئلة واجابات ، فالاسئلة الصائبة هي تلك التي طرحها الاسلاف وماعداها تجديف بالقول ، والاسئلة المطروحة حاليا اجاب عنها الاسلاف في كشوفاتهم المعرفية اما التي لا تنعم بالاجابة فهي محض مؤامرات اجنبية صيغت بعناية لاغواء الامة ولاجل ذلك يتم تأسيس خطاب ذاخر بالمصادرات المنطقية ، بحيث تنطوي المقدمة على النتيجة نحو : كل انسان فان خالد انسان اذن خالد فان .



وتكون المقدمة الاولى التي تنطوي على المصادرة نصا مقدسا متعاليا عن اشرطه التاريخية وعن وقائعه وعن مكانه ويفضي بذلك الى النتيجة الثاوية بين تلافيفه ، هذا المنهج هو تحالف المنطق الارسططاليسي مع النص الديني والذي اقعد اوربا لسنوات طويلة في وهدة التخلف ، وجعل جاليلو يجثو على ركبتيه ولقد كان الفكاك من هذا المنهج بداية للعقلانية والحداثة ، اما اعادة تصميمه في خطابنا السوداني فهي دلالة نكوصية خطيرة لانها مصادرة واحتراز قسري لاناس وارض داخل حقبة تاريخية ظل السودان هامشا لكل منجزات هذه الحقبة ، ولئن تلبس هذا النهج بمسميات مختلفة ، فإليه تعزي محاكم العدالة الناجزة ، واعدام الاستاذ الشهيد محمود محمد طه ومحق احتمالات وبوادر البناء الوطني .



تغترف الاحزاب الدينية من التاريخ ـ على زعم انه ناصع ـ بمقادير متباينة ويجمع بينها جميعا انها تسكت عن فظائع هذا التاريخ واخفاقاته ، وتشيح بوجهها عن الواقع الماثل ، فالحركة الإسلامية ، وجماعة انصار السنة المحمدية ، وحزب التحرير ، وكل من يرى في نفسه انه الفرقة الناجية ، فخلافهم في الكم وليس النوع ، لذلك فإن صعود الجبهة الاسلامية للسلطة عبر انقلاب 30 يونيو شكل سندا قويا لهذه الكيانات ، ليس فقط من خلال توفير المنابر والحماية والدعم السياسي ، لوكان من خلال اشاعة آيديولوجيا دينية في الحقل السياسي ، ومن ثم حصرت الخلاف في الكم بعد ان حسمت نوعيته ، وشحذت الاحزاب الدينية قدراتها للتعبير عن اكبر قدر للتماهي مع الصورة التاريخية ، وهكذا ولد خطاب الحركة الاسلامية خطابات اخر تزعم لنفسها قدرا أعلى من الصدقية ، يعضده انحياز اعلى للشواهد الماضوية ، وصارت المباراة حول ايهم الممثل الحقيقي للدور الاسلامي ومن هنا برزت الجماعات التكفيرية والارهابية بكافة اضرب الارهاب وظهرت الخلافات السياسية على اسس دينية فكل قضية تنطرح في الشأن العام تتناولها الاحزاب الدينية من موقع واحد وبنتائج متباينة فمثلا عندما طرح النظام دستور 1998م تناولته بعض القوى بنقد شكلاني لا سيما لكلمة «التوالي» بينما قبلت بفحواه بحسبانه يستند على الإسلام بيد ان الاخوان المسلمين ، جماعة سليمان ابو نارو ، رفضوه لانه يحوي مصادر للتشريع خلاف الكتاب والسنة ، وفيه ترتيب للحقوق والواجبات على اساس المواطنة ، وهذا فبالرغم من ان الموقع واحد للانطلاق نحو تحليل ظاهرة سياسية الا ان النتائج جد مختلفة ، ولو انهم نظروا في واقعهم لرأوا ان الديمقراطية مهمة لادارة التمايز .



التنازلات السياسية التي قدمتها السلطة منذ دستور 1998م شكلت خصما على هذه القوى . لانها تكسب في ظروف القمع الذي تمارسه السلطة على القوى السياسية ، ولما كانت قضية السلام تمثل وثيقة التنازلات الكبرى ، فإن الاحزاب الدينية ، والتي اعدت نفسها لكي تكون اليمين المعارض في ظل الدولة الدينية ، وجدت نفسها في قارعة الطريق وعليها ان تقول كلمتها في هذه القضية خاصة وان هنالك تحولات كبرى ستترتب على السلام ، والواقع اننا يمكن ان نقسم مواقف الاحزاب الدينية تجاه السلام الي موقفين هما :




أولاً : الداعمون
انبنى موقف دعم السلام انطلاقا من الحفاظ على بيضة الاسلام ، ضد المخاطر التي تحدق به وهذا يجد سنده في الشواهد التاريخية السابقة ، وما يعلن عنه الداعمون او الموقعون انفسهم وينطوي هذا الفهم على طاقة انقلابية ، في حال افرخت البيضة ، فمن الممكن العودة مجددا الى العادات المرزولة في قمع الآخر ، كما انه موقف تكتيكي مرتبط بظروف المرحلة ، مما يجعل الركون اليه امر في غاية الخطورة لانه لم ينبع من افكار تؤمن بمبدأ المواطنة ، وبالوطن او نهضته الا بمقدار ما يكون اداة لتحقيق المشهد التاريخي واعادة انتاجه في الراهن وعلى هذا الاساس اتخذت جماعة انصار السنة ـ المركز العام ـ بزعامة الشيخ الهدية موقف الداعم لعملية السلام وهذا موقف لا نستغربه فهي ظهير النظام ، وممثلة في حكومته الحالية ويحتاجها النظام في المرحلة اللاحقة لاستبقاء ، ركائز نظامه الاستبدادي ، على الاقل في الشمال وستؤدي هذا الدور من خلال الفتاوي والتعبئة الداعمة لسياسته ، وستتبرع الجماعة من جانبها بتقديم التفاسير لنصوص اتفاقية السلام على نحو يقنع القواعد بأنه لم يكن ثمة مناص من توقيع الاتفاقية جاء في بيان هذه الجماعة بعد توقيع الاتفاقيات الثلاث ما يلي «جاء السلام ومعه تثبيت اعلان الشريعة ، شريعة الله جل وعلا التي ظلت جماعتنا تدعو اليها في جميع العهود» منذ برلمان الاستقلال في فجر خمسينات القرن الماضي والى يومنا هذا جاءت الشريعة وباعترافات دولية هذه المرة يتضح ان السند الاول لدعم السلام هو تثبيت رؤية الحركة الاسلامية واخيرا انصار السنة لتصوراتهم عن الدين وشريعته ، بكل مراحلها التاريخية منذ الدعوات البرلمانية الى قوانين سبتمبر وحتى تجربة الانقاذ وهذا يعني تثبيت ركائز دولة السودان القديمة في الجزء الشمالي منه حيث يمكن ان تلقي الشعارات الدينية رواجا ويتم توظيفها لخدمة اغراض سياسية محضة ، وعلى هذا فإن موقف جماعة انصار السنة المحمدية لا يمثل دعما حقيقيا للسلام ، بل دعما للنظام وسياسته في افراغ خزينه من الاستبداد في الشمال وإن فعل انصار السنة ذلك فانهم يردون الجميل للنظام الذي ظل يدعمهم طوال عمره الثقيل كما يضمنون امكانية توفر الاجواء التي تسمح لهم بالامتداد بين الجماهير .



تفسر جماعة انصار السنة تأييدها ومباركتها للسلام بأنه جاء وجاءت معه الشريعة باعتراف دولي هذه المرة يمكن ان نتفهم تجاوز انصار السنة لمبادئ المواطنة وحقوق الانسان ، الى غير ذلك مما ورد في الاتفاقية باعتباره لا يعبر عن اهدافها ، ولكننا لن نتفهم تجيير الاتفاقية لجهة هيمنة الاسلام السياسي او تكرار مقولة جاءت الشريعة باعتراف دولي ، فاتفاقيات السلام لم تصنع الاسلام السياسي بالسودان ، بل صنعته نخب كلية غردون التذكارية وتضافرت عوامل وشروط مختلفة لتجعل منه ماثلا في ساحة العمل الاجتماعي والسياسي وشكل مثوله التطبيقي من خلال انقلاب الانقاذ ومشروعها الاسلاموي ، وشهد هذا التطبيق مقاومة شرسة من الشعب السوداني وستستمر الى ان يتم احداث نقلة في الحياة الاجتماعية والسياسية السودانية ، إذن لم تنفض المعركة حتى يتم اعلان النصر اما الهاجس بالاعتراف الدولي فهو لا ينفصل عن الرغبة في ارساء الهيمنة والاستبداد اذ ظل المجتمع الدولي يمثل الهراوة المرفوعة على رأس المشروع الاسلاموي في السودان ، لذلك ثمة اعتقاد بأن السلام سيكون مقايضة كالارض مقابل السلام بحيث تكون المقولة هي السلام في الجنوب مقابل الاسلام السياسي في الشمال ، على هذا فإن المعركة لا يمكن بحكم التركيبة الراهنة للحركة الشعبية ان تخوضها في احراش الجنوب ، او في مائدة التفاوض ، بل هي منازلة تخوضها مؤسسات المجتمع المدني والمثقفون وسائر القوى الاجتماعية ومع ذلك فإن د . جون قرنق ساهم في تقديم النصح لهيئة علماء السودان ومن بينهم ممثل جماعة انصار السنة بأن المرحلة القادمة الخطر فيها لا يتهدد الاسلام انما يتهدد الوحدة الوطنية ان على الشعب السوداني ان يشكر المجتمع الدولي لمساعدته في محنته الكبيرة خلال العقود الماضية ولكن من غير المجدي انتظار تغيير اجتماعي يقوم به المجتمع الدولي منفردا فالكرة الآن في الملعب الوطني وتحتاج الى تضافر الجهود من اجل الخروج بوطن جديد ومتحد .




ثانياً : الرافضون
وهم الاكثر ايغالا في سرادب التاريخ بينهم وبين التكفير شعرة النموذج المعلن لهذه الظاهرة هو حزب التحرير الذي يعمل تحت بصر الحكومة وينشط وسط الطلاب وفي تخوم العاصمة ويريح حزب التحرير نفسه من عناء التفكير في وقائع المجتمع والسياسة فنموذج التاريخ هو الاطهر والابرك ، وما على المجتمع الاسلامي الا استلاف هذا النموذج ببرهته التاريخية ، على هذا الاساس رفض حزب التحرير اتفاقيات السلام ، واصدر بياناً بتاريخ 31/5/2004م بعنوان (عطاء من لا يملك لمن لا يستحق) البيان في مجمله مجموعة من المصادرات المنطقية ، تفضي في النهاية الى أن الاتفاقيات غير ملزمة شرعا جاء في البيان ما يلي : «إن فكرة تقسيم السلطة التشريعية والتنفيذية باقتسام مقاعد البرلمان والحقائب الوزارية فكرة غريبة عن المسلمين لا تمت الى الاسلام بصلة بل هي من افكار الحضارة الغربية، حضارة فصل الدين عن الدولة والمعروف ان الحضارة الاسلامية في تأسيس نهضتها استفادت من حضارات مختلفة ولم ترفض منجزها لكونه آت من بلاد فارس او بلاد الروم ولكن في عصر الانحطاط والانحباس التاريخي يتم اعلان ان هذا ينتمي للآخر المغاير للتبغيض والدعاية المضادة وهذا لا يقود الى الانعتاق من المأزق الراهن ، بل يجعله حالة مستدامة رفض تقسيم السلطة ، هو رفض للسلام ، واستدعاء لثقافة الغنائم والمحظيات ، والواقع ان السلطة الآن بيد مجموعة من البشر ، يسمون انفسهم بالانقاذيين ، وهم يملكونها بالفعل والقوة بالتالي فإنهم لا يمثلون الله في الارض ، من ثم يمكن منازعتهم هذه السلطة واقتسامها معهم ، او اسقاطهم منها وليس من الممكن ان تدعي السلطة الماثلة او اي سلطة اخرى انها مشيئة الله وارادته على خلقه ونقبل بذلك فكيف يتسنى لحزب التحرير اقناعنا بأن الحكومة الحالية لا تملك السلطة ؟ يرى حزب التحرير ان السلطة في الاسلام انما هي لتنفيذ الاحكام الشرعية على الناس وهي بذلك ليست للبشر حتى يقسموها بينهم ، من هنا فإن كل ما جاء في نيفاشا غير ملزم شرعا والسلطة التنفيذية عنده تنعقد بالبيعة للخليفة ولتأكيد ذلك فإن يحشد عددا من النصوص الدينية كمقدمات تقود بالضرورة الى نتيجته ان اثبات نظام الخلافة هو ثمرة جهد بشري في سياق تاريخي ، وليس هو الدين امر في غاية السهولة ، وان هذا النظام كان له حسناته كما كانت له اخفاقاته المشهودة ولكن حزب التحرير ينتظر الخلاص من اولاد فهد بن مالك الذين لا نعرف لهم سلالة في بلادنا او في البلاد العربية الاخرى.



يرفض حزب التحرير الاسس التي ينبني عليها السلام من انشاء السلطات الثلاث ، والفصل بينها ، وامكانية التحول نحو نظام ديمقراطي ، فما هي الاسس التي يمكن ان تحقق السلام جاء في البيان (11) لقد آن الأوان لتطلعوا بحق الى الخلافة الراشدة وتداركوا ان خلاصكم وعزكم ونهضتكم ومنعتكم ، وان هؤلاء الساسة والحكام المتآمرين اعداء لكم فاذا كانت الخلافة تتعقد بالبيعة ، من المسلمين ولرجل تتوافر فيه الشروط الفقهية للخلافة ، فإننا اذا ذهبنا مع التصور الى نهايته فإن على الجنوب ان يدفع الجزية ، او يسلم مواطنيه ، ويتحول الى ارض خراجية ، هذه الاسس التي يمكن ان تقود الى سلام حسبما يرى حزب التحرير ، وطالما انها انعدمت فإن اتفاقيات السلام مرفوضة ، المدهش في الامر انه يرفض الانفصال جاء في البيان «اما النص في الاتفاقيات الاطارية الاخيرة هذه على اجراء استفتاء لمنطقة ابيي لتحديد تبعيتها للشمال ام للجنوب علاوة على وجود اكثر من تشريع واكثر من جيش فيه دلالة واضحة على نية فصل الجنوب ، وهو ظللنا نحذر منه .



فكيف تستقيم تلك الرغبة في الوحدة والتحرير من مغبة الانفصال مع رفض الاسس التي تقوم عليها الوحدة ، كالمواطنة واقتسام السلطة ، والديمقراطية ، ام ان الوحدة تعني ابتلاع الجنوب وحشره في النموذج التاريخي المختار لحزب التحرير .
ان الموقع الذي ينطلق منه حزب التحرير لنقد الاتفاقية يجعل من الحكومة مارقة ، ولا شرعية لها ومن الساسة اعداء ومتآمرين ، ومن الغرب كافر جدير بشدخ يافوخه ، ويرفض السلام واسسه والديمقراطية وانظمتها والحل باختصار هو اقامة الخلافة فهل بعد هذا بون شاسع من اعلان الهجوم على المجتمع . لقد صنعت حركة الاسلام السياسي كل هذا وفي سياق تنازلاتها ، ستجني الشوك وعليها ان تواجه صنائعها ، الذين شبوا عن الطوق.
واملا في سلام مستدام ووطن متحد فإن مواقف الاحزاب الدينية الداعمة للسلام والرافضة له تحتاج لمزيد من الاستجلاء ، ومواجهتها ، فقد اصبحت قضية الانفصال تشكل تهديدا من الشمال ، خاصة مع غلواء الخطاب الاسلاموي وشغله للمساحات التي افردتها له السلطة وهذا جهد يحتاج الى أن يضطلع المثقفون باعبائهم كاملة ، وفي كل الميادين حتى تعبر البلاد من الانفاق الظلامية الى ساحات الديمقراطية واحترام الانسان وصوت حقوقه .



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147490122&bk=1
_

Post: #245
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 04:25 PM
Parent: #244


حركة «حقوق» ولدت بأسنانها: السودان الجديد وغازي سليمان بقناة الجزيرة
د. حيدر بدوي صادق

شاهدت الاستاذ غازي سليمان المحامي، والرئيس الدوري لحركة الحقوق الديمقراطية والاجتماعية، التي تم اعلانها قبل شهر تقريباً في لقاء بثته قناة الجزيرة. تناول اللقاء مجمل قضايا السودان. ولكن لفت انتباهي فيه اليقظة الذهنية، والرؤية الثاقبة، اللتين طاوعتا الاخ غازي هذه المرة، بصورة جعلت التعبير الصادق السلس يطاوعه هو الآخر.



ابرز ما أكده الأخ غازي هو أن السودان به مشروعين سياسيين أساسيين لا ثالث لهما رغم تعدد الكيانات السياسية المتعددة التي تعبر عنها. المشروع الاول هو مشروع السودان القديم، وتمثله القوى القديمة التي حكمت السودان حوالى نصف القرن، منذ استقلاله، وقد فشلت هذه القوى في قيادة السودان بحيث ضعفت بنيتنا الاجتماعية والسياسية، وصرنا على حافة التمزق الى دويلات، ستسهم في إضعاف الكيانات الاسلامية والعربية، والافريقية، ان استمر الحال على ماهو عليه. وحكوماتنا الراهنة ما هى إلا امتداد لتلك القوى القديمة. وتتميز هذه القوى القديمة باستغلالها للدين كأداة للقمع ولتحقيق مصالحها، ليس إلا. ولم يؤد بها استغلال الدين في نهاية المطاف إلا الى تمزيق أوصال الوطن، والى الكساد الخلقي والمالي والقمع بأشكاله كافة، مع ادعاءات جوفاء بأنها قوى ديمقراطية.



اما المشروع الآخر فهو مشروع السودان الجديد، وهو مشروع تمثله حركات متعددة، مثل الحركة الشعبية لتحرير السودان، وحركة الحقوق الديمقراطية والاجتماعية، وكيانات اخرى. واهم ما يميز اطروحات قوى السودان الجديد هو فصل الدين عن الدولة، بما يتيح احتراماً اكبر للدين نفسه ولدوره في الحياة. وقد عبَّر الاستاذ غازي عن هذا الامر خير تعبير حين قال بأنه فقيه ابن فقيه، وبأن أسره متصوفة، ولهذا فانه لا يعارض الدين حين ينادي بفصل الدين عن الدولة، وانما لا يريد للدين ان يكون مطية سياسية. وكأنه اراد ان يقول بان تعريض الدين للاستغلال السياسي يدنس مدعيه، كما دلت تجربة الجبهة الاسلامية، وتجارب الهوس الديني، الفاسدة في حكمنا منذ الاستقلال.



وحين سئل الاخ غازي عن حركة الحقوق الديمقراطية وعن وزنها، واجاب بأنها «ولدت بأسنانها».



ومن ابرز النقاط التي أكدها غازي هي تفاؤله بان السودان مقبل على عهد جديد سيشق فيه سكة «مفروشة بالورود» ان استطاعت القوى الجديدة توليد طاقات وقيادات ديمقراطية حقيقية. ولكنه نبَّه الى ان هذا التفاؤل قد يهدده استمرار قوى السودان القديم في تقويض المشروع الجديد، الذي ظل يقاوم ويتقوى منذ الاستقلال. وسيتهدد المشروع ان لم تبرز قيادات ديمقراطية جديدة من خلال تجميع قوى السودان الجديد المشتتة، كما ستتهدده قوى السودان القديم ان اصرت على استخدام الدين كأداة للاسترزاق والكسب السياسي. وكأنه أراد ان يقول هنا بأن دور القوى الجديدة في هذه المرحلة هو ان تنظم نفسها لتسهم في المزيد من التفكيك لقوى السودان القديم، لصالح سودان جديد يتعايش فيه الجميع- قوى قديمة وقوى جديدة - في سلام، وعلى أسس ديمقراطية تكفل حقوق الجميع في التجمع والعمل السلمي.



تناول اللقاء عدة محاور ولكني اكتفي بهذا الملخص لادلف الى النقطة المحورية في افادات الاستاذ غازي وهى كون قوى السودان السياسية باتت على مقربة من الثنائية التي نراها في كثير من الدول التي اختارت المسار الديمقراطي عبر تاريخ تعاطيها الطويل وغير المكتمل، في مجال الحقوق والحريات. اريد ان اقول بأنه بات وشيكاً أن تتجمع القوى المفككة للسودانين القديم والجديد في كيانين جديدين مختلفين عضوياً عما نراه اليوم. قد يبدو هذا القول مثالياً للبعض. ولكن نظرة «واقعية» عميقة للمخاضات الحادثة في كلا الجانبين تؤكد حتمية ما نقول به هنا.



فان ظاهرة الانقسامات الحادة المتفشية في معسكرى القوى القديمة والقوى الجديدة تؤكد ما نقول به. هذه الانقسامات تدلُّ على عملية فرز تاريخي عميقة الجذور. ولكنها تسارعت اليوم بفضل ثورة الاتصال والانتقال، في العالم من حولنا، بحيث لم نعد نملك غير الاستجابة المتسارعة لتداعيات هذه الثورة. وعلى المراقب الحصيف ان يتابع أثر هذه الثورة على ما يجري من احداث في دارفور الحبيبة، المجروحة، بعد أن اصبحت آخر معاقل التعبير عن الصراع بين ثنائية القديم والجديد.



فان أهل دارفور يقولون للعالم بانهم يرفضون القوى القديمة ممثلة في الهوس الديني والطائفية. وتتلون القوى القديمة بالالوان القديمة كافة، بما فيها لون الدم الأحمر القاني، باستخدام الاداة العرقية بعد أن فشلت في تطويع الدين لأغراضها في ذلك الجزء العزيز من وطننا. فمنذ الثورة المهدية ظل أهلنا في دارفور وقوداً للقوى الطائفية. ثم لقوى الهوس الديني، باستغلال عواطفهم الدينية لصالح تلك القوى. دارفور تقول «لا» اليوم لهذا الاستغلال بصوت عال ولاول مرة في تاريخ السودان الحديث تعمل على «الانفكاك» من قبضة القوى الطائفية والقوى المتهوسة. هذا هو جوهر الصراع في المدينة وفي البوادي، والارياف في السودان. ولكن البوادي والارياف لم تعد هوامش، كما يحلو للعبض ان يسميها فقد بدأت تعي حقوقها، وتعمل لأجل تحصيلها، بسبل الصراع كافة.



ومن فضل الله على الشعب السوداني اننا جربنا الوسائل الدموية، وتعلمنا انها لن تفلح في حسم الصراع، وقد تعلمنا كما تدل المفاوضات في نيفاشا، على أن الوقت قد حان لتحويل الصراع الى التفاوض والحوار والجدل الحضاري. فكون اسوأ نظام حكم جربه السودان جلس للتفاوض مرغماً، وكون وأسوأ منظومة فكرية عرفها أهله اصبحت تتشدق بالخيار الديمقراطي، فان هذا لعمري انجاز تاريخي للقوى الجديدة في السودان. فان البشير الآتى على ظهر دبابة، وعلى عثمان محمد طه مهندس انقلاب الجبهة يتحدثون عن التحول الديمقراطي، وان كانوا يعدون اجهزتهم الامنية والسياسية، للمرحلة المقبلة بصورة فيها خبث لم يعد يخفى على حصيف.



مستقبل السودان لم يعد حكراً على الجبهة، ولاعلى الاحزاب التقليدية هذا بفضل الله علينا، ثم بفضل تطور وسائل الاتصال والانتقال وتطور حركة الحقوق المدنية على المستوى الدولي. في عالم تضئ وسائل الاتصال بؤره القاتمة كل يوم، ليس هناك مكان للقوى الظلامية التي تدنس حقوق الناس وتحتقرها وتذل الناشطين في سبيلها باسم الله وباسم الدين.



في خاتمة هذا المقال الموجز يجب التعريف بحركة الحقوق الديمقراطية والاجتماعية «حقوق» فهى حركة جديدة تضم عدة كيانات سياسية، من ضمنها حركة القوى الحديثة «حق» التي انتمي اليها. «حقوق» ليست الا امتداداً لتمخيض الصراع ليؤدي الى الثنائية التي تحدثنا عنها. وبحكم انتمائي للفكر الجمهوري، استطيع ان اقول بكل ثقة، بان هذا الصراع بدأ منذ بدأت مقاومة الاستاذ محمود محمد طه للقوى الاستعمارية والقوى الطائفية. ثم قوى الهوس الديني، وحتى استشهاده في سبيل سودان وعالم جديدين.



وقبل أن أبرح مقامي هذا احب ان أضغط على نقطة أكدها الاخ غازي، وهى نقطة اكدها كذلك الاستاذ محمود محمد طه في قاعة المحكمة المهزلة التي حكمت عليه بالاعدام. مخاطباً فيها غازي نفسه، ومعه عدداً من المحامين الذين تطوعوا للدفاع عن ابينا الشهيد. ففي معرض شكر الاستاذ محمود للأخوة المحامين، الذين أذكر منهم الاستاذ مصطفى عبدالقادر وغازي سليمان. قال الاستاذ محمود ما معناه ان الجمهوريين لايحتاجون لمن يدافع عنهم، ولكن الشعب السوداني ينتظر مثقفيه للدفاع عنه وعن حقوقه المسلوبة بواسطة قوى الهوس الديني الذين يتصدى الجمهوريون لمقاومته.



وفي نفس هذا المعنى قال الاخ غازي ما معناه ان قيادات القوى الوطنية الجديدة في الشمال تعاني من ضعف مزمن، على الرغم من مثابرة قلة منهم في المقاومة المستمرة لمشروع الهوس الديني والطائفية. وقراءتي الخاصة لمثل هذا القول هى أن المثقف السوداني. وبالأخص في الشمال ما زال فاشلاً في التسريع بحركة التجديد والتنوير في السودان، بعد ان نهضت الهوامش ووضعت نفسها في مركز الصراع لأجل سودان جديد.
حركة الحقوق الديمقراطية والاجتماعية «حقوق» هى محاولة جادة، متفردة، نرجو ان يتجرد دعاتها من «حظوظ النفس» والاطماع الذاتية وما ذاك إلا لكون الشعب قد اصبح هو القائد الآن، لو كانوا يعلمون.
الولايات المتحدة الاميركية
د. حيدر بدوي صادق
[email protected]



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147489932&bk=1

Post: #246
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 04:26 PM
Parent: #245


دراسات نقدية
عادل القصاص..( مجموعة لهذا الصمت صليل غيابك)
------------

4ـ3ـ10ـ4: في اطار العفو عن قيادات التمرد تتساءل (في غير براءة) عن غياب مثل هذا التسامح عن محمود محمد طه، الشفيع احمد الشيخ، مجدي محمد احمد، رغم ان أياً منهم لم يحمل سلاحاً ص (106/107).



4ـ3ـ10ـ5: وهى تثبت طقساً من طقوس زيارة الشيوخ والأولياء (بيان السيدة علوية الحربية) كان الزي العسكري في ذلك الزمان خاصاً بالرجال، ولبسه للنساء غريباً، كان زمان مضى، وجاء زمان ينادي فيه الولاة بنبذ التوب القومي استبدلت الصبايا عرس القرمصيص بعرس الشهيد، واصبح لزاماً عليهن ان يتعلمن عمل القراصة والكسرة، والعصيدة، والحلو مر، وطقوس (فرك الأجساد بعجينة الدلكة العطرة) ص (19).



4ـ3ـ11 : تفسر الكتابة بعض أهم قضايا الصراع السوداني (الانتماء والهوية) على النحو التالي ضاعت العبارات مني كما ضاع يقيني في انتصار الوحدة السودانية، وفي صدق الانتماء لسلسلة الجذور العربية، هذه القناعات التي حملتها زماناً طويلاً، في داخل عقلي اصبحت الآ ن يغالب فيها الشك الواضح اليقين، فلا هو رفض ظاهر، هذا اليقين والدين، وبيك شك الملامح واللون والسحنات والشعر الافريقي الأكرت، هو الذي يمطر نفوسنا بالأسى ويجعل الحزب ينبثق احمراً قاتماً بلون الدم، تحمله شرايين عيوننا) ص (121) وتشير الكاتبة في ذات السياق، على تداع وجداني .. الا أن الحضور العربي لم تفرضه السيوف، فقد ردّ رماة الحدث .. الغزاة على أعقابهم بالقرب من تنقسي الجزيرة في منطقة دنقلا، وكان للأتقياء الصالحين فضل انتشار الثقافة العربية. ص(20).



4ـ3ـ12: الصراع بين الخليفة عبدالله التعايشي وزعماء الجعليين، كامتداد لصراع أولاد الغرب وأولاد البحر ص(119/120).



5/ يمكن من خلال تلك الدراسة التفصيلية، استخلاص المؤشرات والمعطيات التالية.

5ـ1/ تقوم (الرواية) على بعد نفسي ووجداني ـ يغشاه (العقل) في حيز يستند الى (المونولوج)ـ تداعياته المتواليةـ وربما الى حد كبير، تداخل وتقاطع تداخل ـ تلك التواعيات (مخاطبة عاصم)، على نحو أساسي قضية (سناء) حكاية (بدور) اسقاطات (ودالنمير) وفاطنة السمحةـ ومما افسد ذلك ـ في انسياب الحدث التدخل التقريري، كما يثبت ذلك هذا النص (اصبحت حكاية الفلاتي حاج احمد تحكى للبنات الصغيرات ـ تحذيراً لهن من فتح الابواب أو اشراع النوافذ امام نظر الغرباء) ص (115) (لقد استأثر النيل بشرف حسناوات القبيلة...الخ ( راجع ما سبق ص (118) أو (لقد خلفت الحروب في السودان جروحاً غائرة ) ص (122).



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147489442&bk=1

Post: #247
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 04:27 PM
Parent: #246


حركة الحقوق الديمقراطية والاجتماعية .. لتوحيد القوى وتفعيل كل الطاقات
بقلم : إبراهيم يوسف
كانت جريدة الصحافة بتاريخ 24/4/2004م قد نشرت عن تكوين حركة الحقوق الديمقراطية والاجتماعية إذ تنادت تجمعات المثقفين وحاملي هموم العمل العام لانشاء حركة «الحقوق» بغرض توحيد القوى وتفعيل كل الطاقات لاستقبال المرحلة التحولية المصيرية التي يمر بها السودان ومنطقة الشرق الأوسط والعالم اجمع ، واعتقد ان من حسن استقبال تلك المبادرة ان نحييها بالحوار لان هذا التجمع على ضرورته ان لم يقم على «فكرة» سيكون مثله مثل التجمعات التقليدية ان لم نقل دونها وأقل منها أثراً.
فلسفة الحكم الرشيدة:
إنه لأمر إيجابي ان يسعى المثقفون والقوى الحديثة لتوحيد جهودهم لينهضوا بمسؤوليتهم نحو انفسهم ونحو شعبهم حين يسعون للحرية وللسلام ولحقوقهم العصرية «حقوق الانسان» اما وهم يسعون لتقديم حكم صالح لشعبهم الذي ابتلى بمعاناة الحكومات من دكتاتوريات مدنية وعسكرية وعقائدية فلابد من تقديم فلسفة حكم رشيدة تمكن الشعب من حكم نفسه بنفسه وحسن ادارة مقدرات بلده المعطاء حتى يتذوق الاستقلال حرية ورخاء وعدالة اقتصادية ، او قل تتم مشاركة شعبية حقيقية في السلطة وفي الثورة.



الشعب هو القائد:
قد مضى الوقت الذي يصنع فيه التاريخ ويقود التغيير القادة والزعماء والائمة ، ونحن نعيش عصر رجل الشارع الرجل العادي المغمور الذي يحدثنا عنه الاستاذ محمود محمد طه فيقول «عصر الرجل العادي المغمور الذي استحرت على مضجعه شمس الحياة الحديثة، فنهض وحمل عصاه على عاتقه وانطلق يسير في الشعاب يبحث عن حياته وعن حريته وعن نفسه بعد ان أذهل عن كل أولئك طوال الحقب السوالف من تاريخه المكتوب وغير المكتوب ذلك التاريخ الذي اخذ يراجع الىوم ويكتب من جديد على هدي قيم جديدة وهذه القيم الجديدة هي التي ستوجه المدنية الغربية الآلية الحاضرة وجهتها الجديدة وتبني بذلك المدينة الجديدة»، وشعبنا في ذلك هو شعب جاهز وهو بثورة اكتوبر عندما تجاوز الزعامات والولاءات التقليدية وانطلق بفطرته السليمة وعشقه للحرية قدانجز ثورته الفريدة التي ارخت لدورة جديدة في التطور البشري وذلك بانجاز تغيير اساسي في المجتمع تم بالقوة بدون عنف ، قوة الارادة وقوة الاجتماع وبعد ذلك اضطردت مسيرة هذه الدورة التي ابتدعها الشعب السوداني في شرق اوروبا وغيرها ولم توأد أهداف تلك الثورة الشعبية العظيمة الا لان الشعب كان يملك ارادة «التغيير» ولكنه لم يكن يملك «فكرة» التغيير ليبني الصلاح مكان الفساد ، فإذا ما وجدنا فكرة التغيير الصالحة فارادة التغيير جاهزة عند الشعب باكثر من اي وقت مضي.



ان زعامات الافراد التقليدية لا تقوي على مواجهة واقع السودان الجديد ومتطلبات الدولة الحديثة التي يقف السودان على اعتابها لاول مرة وذلك بحكم افتقارهم للمذهبية وللبرامج ، وانما كان طريقهم للسلطة هو تحويل الولاءات الطائفية العقائدية الى ولاء سياسي وهذا لن يعود جواز مرور للسلطة في ظل السودان الجديد وكذلك الشعارات الدينية الحاوية و المجربة بالفشل لن تعود.



ونحن نستقبل السودان الجديد ودولة حقوق الإنسان فان من يطمع في قيادة او حكم الشعب السوداني علىه ان يقدم برامجه العملية لتفعيل مبادئ ميشاكوس في العدالة الاقتصادية والمساواة بين المواطنين وتأصيل وتأكيد المواطنة المتساوية لكل السودانيين بكل اختلافات اديانهم وفرقهم وكريم معتقداتهم ، وتأصيل مبدأ المواطنة هذا ان لم يكن مراوغة من القادة في الطائفية التقليدية والطائفية الحديثة جماعة المؤتمرين فإذا كانوا يعنونه حقاً فإنه لن يستقيم ولن ينزل الى قواعدهم الا بثورة فكرية اسلامية تقوم على اصول القرآن.



كما ان الزعامات الطائفية انما تفرض ولاءها بالوراثة، وفي الدين ليست هناك وراثة روحية للقداسة. قال تعالى لسيدنا ابراهيم «قال اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين» ، كما ان الاسلام السياسي قد انكشف بالتجربة العملية ولم يبق امامنا الا البديل الاسلامي العملي، منهاج النبي الكريم في العبادة وفي السلوك فهذا المنهاج هو القدوة النبوية هي التي مكنت العرب من تلك النهضة الكبيرة السريعة التي حيرت التاريخ وجعلت من اشتات العرب امة واحدةن هضت بحضارة كانت جديدة على عهدها حتى صفت الحضارة الفارسية والرمانية وورثة ايجابياتهما وذلك المنهاج البسيط منهاج الاميين الذي حررهم وطورهم هو اصلح منهاج واسرع منهاج لنهضة وتحرير شعبنا الامي ، وهو خير ما توظف له عاطفة الشعب الدينية التي تستغلها القوي السلفية والاسلام السياسي.



المعركة دينية:
ولكل ذلك فان المعركة هي معركة دينية اساساً لان القوي التقليدية والطائفية الحديثة قد استغلت الدين للوصول للسلطة والبقاء فيها ، وانت لن تستطيع ان تغير اغلبية شعب الشمال ليحسن ممارسته للديمقراطية ويحسن اختيار حكامهم ويراقبهم ويحاسبهم الا اذا وعيت الشعب فسحبت البساط من تحت اقدام الطائفية بتقديم المنهاج النبوي كبديل ديني اساسي ذلك لان الذي نسأل عن بيعته وعن اتباعه هو النبي الكريم علىه افضل الصلاة و اتم التسليم . قال تعالى «قل ان كنت تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله» . فالنبي الكريم هو اولى من كل ولي بل هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم، كما ان تقديم اصول القرآن التي قامت علىها السنة النبوية تؤصل لحق المواطنة المتساوية في بلد التعدد كما انها توصل لثقافة السلام لانها تقوم على الجهاد الاكبر جهاد النفس الذي ينجب الانسان الذي يحقق السلام مع نفسه ومع الاخرين، كما اننا اذا تركنا امر الدين للطائفية والقوى السياسية واخذنا بنشر القيم العصرية في ظل العلمانية ستظل الطائفية والاسلام السياسي يحولون بين الشعب وبين الممارسة الصحيحة للديمقراطية ، كما اننا اذا تركنا امر الدين للعلماء والقوي السلفية سيهددون حق المثقفين انفسهم في الحقوق العصرية بل سيهددون حقهم في الحياة كما في التهديدات الاخيرة لمجموعات من المثقفين، كما ان الحكمة تقرر ان تطوير الشعب من خلال واقعه ومن خلال تطوير تراثه هو الاحكم والاسرع وتلك مهمة كان ينهض بها الاستاذ محمود والآن اصبحت هي واجب المثقفين وان لم تقنعنا كل هذه التوضيحات بقيادة ثورة فكرية اسلامية تؤهل لحقوق المواطنة و حقوق الانسان فلنتذكر انه ليس لنا من ذلك بد ان لم نسر الىه بلطائف الاحسان.. ذلك ان اتفاق ميشاكوس اقر بتطبيق الشريعة في الشمال ورغم ما اكتوينا به من معاناة باسم الشريعة في عهد الانقاذ وفي عهد نميري وسوق المثقفين للبيعة القسرية فان هذه التشويهات لا ينبغي ان تصرفنا عن حقوقنا الاساسية المدخرة في الدين لمثل عهدنا الحاضر، وألا تدفعنا للعزلة عن شعبنا وتراثه.



الدفاع عن الديمقراطية:



كان الاستاذ محمود محمد طه قد اشترك في مؤتمر الدفاع عن الديمقراطية ايام حل الحزب الشيوعي فاقترح الاستاذ على المؤتمر مادام زيفت الديمقراطية وصودرت حقوق الانسان باسم الاسلام فان الدفاع الجذري عن الديمقراطية ان نتخذ من دفاعنا البديل الاسلامي الذي يؤصل للديمقراطية ولحقوق الانسان فكم مأسي نكون قد تجنبناها وقد كانت تنسب للدين زوراً وبهتاناً .. كم؟



ويبدو ان المطلوب هو مناهضة استغلال الدين في السياسة وهذا لا يتم الا باكتشاف وجه الاسلام التقدمي الديمقراطي السلمي والتسلح به وتسليح شعبنا به وهذا من بداياته ان ما يدعونا لتحكيم الشريعة انما يدعونا لتطبيق فهمه هو للشريعة وهو فهم بشري قابل للخطأ وللصواب ، ويمكن تقسيم جدواه في حل مشاكلنا اوتعقيدها ويمكن نقده بل رفضه ونحن على دين ، وقد كان ائمة الفقه علىهم الرضوان ، كانوا لعلمهم ولورعهم ولامانتهم ومسؤوليتهم الدينية حين يطرحون رؤاهم يقولون هذا ما قدرنا علىه فاعرضوه على الكتاب والسنة فان استقام معهما فبها وإلا فاضربوا به عرض الحائط.
كما ان المنابر الحرة هي المسرح للثورة الفكرية علماً بان الثورة الفكرية هي واجب الفرق الاسلامية نفسها لاننا نعيش في مرحلة الفرق التي انذر بها المعصوم وقال انها كلها هالكة الا واحدة ولا سبيل للفرقة الواحدة الناجية الا عبر الحوار والاعتراف بالاختلاف والرأي الآخر ، أما إذا كانت كل فرقة كما هي الحال الآن تدعي انها تنفرد بالحقيقة المطلقة ومن ثم تصادر الرأي الآخر بل تصفي حملته فاننا لن نأتي بمجتمع إسلامي بل نهدد الامن الاجتماعي والوحدة الوطنية ونعم بلدنا «المسالم شعباً» بالإرهاب.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147489409&bk=1

Post: #248
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 04:27 PM
Parent: #247


بين مبارك المهدي والصادق المهدي

بقلم الخاتم عدلان
لا يمكن للصادق المهدي ان يسكت عن اتهامات مبارك الفاضل إلا اذا اختار الاستسلام للذبح المعنوي دون مقاومة
الوثيقة المنشورة التي تثبت ان الصادق كان يعلم بانقلاب الانقاذ معلومة لدينا
مبارك الفاضل خلط خلطا منكرا بين اصلاح حزب الامة والالتحاق بالسلطة
الإتهامات التي ساقها السيد مبارك المهدي ضد الصادق المهدي في صحيفة الصحافة الصادرة يوم 5 مايو الحالي، إتهامات خطيرة لا يمكن للوسط السياسي أن يتغاضى عنها، مهما كانت الدوافع، كما لا يمكن للصادق المهدي أن يسكت عنها إلا إذا اختار أن يستسلم للذبح المعنوي دون مقاومة. وبالطبع سيكون هناك إغراء ضخم للوسط السياسي عامة، وللصادق المهدي شخصيا، أن يقلل من قيمة الإتهامات بالقدح في شخص من أطلقها، محاولا أن يبرز أن مبارك المهدي لا يقف على أرضية أخلاقية عالية عندما يتعلق الأمر بالمؤسسية والتعاون مع النظم الشمولية واتهامات الفساد المالي. ولكن هذا ليس هو الموضوع، إذ ان قول الحقيقة لا يتوقف على الصالحين، بل هو حق مباح لكل شخص مهما كان موقعه ومهما كان موقفه من الحقيقة نفسها.



تتناول رسالة السيد مبارك المهدي قضايا جوهرية تتعلق بالديمقراطية داخل حزب الأمة وهوان المؤسسة الحزبية، وإستعلاء الزعيم الطائفي على قاعدته مستندا إلى السند الأعمى الذي يجده من بعض البسطاء ودكتاتوريته الطليقة، ورفضه لأي نوع من المنافسة مهما كانت درجتها ومهما كان شكلها، وإهانته لكل ذي رأي مستقل داخل حزبه والتنكيل به وإجباره على التوبة والندم وهي ممارسات تذكر بالعصور الوسطى الأوروبية، وأساليبه البوكاسوية والنميرية عندما يجي إلى الإجتماعات الحزبية مدعوما بحراسة مسلحة من أبنائه وأزلامه، وفساد ذمته المالية بتناول الرشاوي المالية من سلطة يدعي كاذبا أنه يعارضها وتصرفه في هذه الأموال غير المعترف بها من قبله بإنفاقها على نفسه وأسرته أو أستخدام بعض فتاتها كرشاوى لبعض مريديه وبعض حلفائه الصغار. بل وتصل الإتهامات إلى حد الإهانة التي لا تمحي عندما يتهم مبارك المهدي زعيمه السابق بإستجداء رئيس المؤتمر الوطني، حتى يدفع له ثمن العودة إلى السودان بعد سياحته القصيرة في القاهرة، مقابل إعلانه بأن ابتعاده لا ينطوي على أي معنى سياسي، مما يجرد الصادق من زينة الكرامة الشخصية.



ويمسك السيد مبارك المهدي عن بعض الأسرار الخطيرة ويهدد بكشف الوثائق الدامغة إمعانا في الإهانة والتخويف، مهددا بالعودة إذا خرج الزعيم السابق عن حدود الأدب!!
نحن لا نريد في هذه المرحلة أن نحكم بصحة أو خطأ كل ما جاء في رسالة مبارك المهدي، ولكننا لن نفسر صمت الصادق المهدي عنها،اذا أختار أن يصمت، بأنه نوع من الترفع وعلو المقام، بل سنفهمه كنوع من العجز عن المرافعة والدفاع وكاعتراف منه بأن ما جاء فيها صحيح كله، وسنتعامل معها على هذا الأساس حينها. ولكنا نقول الآن أن الإتهامات تبدو على درجة كبيرة من المصداقية حكما بعدة أشياء.
منها أن السيد مبارك المهدي تحدث عن أشياء كانت محضورة في غالبها من قبل آخرين: مثلا الوثيقة التي قال أن أربعين من قادة الحزب وكوادره وقعوا عليها، التقرير الذي أعده الأستاذ عبد الرحمن نقد الله ورفضه الصادق المهدي بعد أن تحدث عنه هو نفسه كثيرا جدا. وقد غضب نقد الله لهذا الرفض واعتكف، وتحمل بعد ذلك هموما ثقيلة جاءت كلها من تلقاء زعيمه الطاغية الذي يعتقد أن الديمقراطية هي إعطاء أهوائه الخاصة غطاء من التأييد الحزبي الكاذب. ونحن ندعو له بالشفاء العاجل ليواصل نضاله العنيد، المبدئي والمستقيم، من أجل الديمقراطية الحزبية ومن اجل الديمقراطية السودانية، ومن أجل الوحدة الوطنية فهو رجل جمّاع، تهفو إليه القلوب.



هناك ماضي الصادق المهدي وسيرة أدائه الحزبي، فقد كان يرفض قرارات حزبه شبه الإجماعية ويستعيض عنها بقرارات شخصية، مستندا إلى الدعاوى ا لكهنوتية حول المعرفة الإلهامية التي تحدث عنها في كتابه يسألونك عن المهدية، ومعتصما بحيل مفضوحة مثل " الإستخارة" التي بررت له إدخال الجبهة الإسلامية إلى الحكم في مواجهة رفض إجماعي من كل قاعدته وقيادته الحزبية. مثل هذا الرجل لا يستبعد منه أن يأتي بما نسبه إليه إبن عمه وحافظ أسراره.
وهناك الوثيقة المنشورة التي تثبت أن الصادق المهدي كان يعلم أمر الإنقلاب، مثله مثل قادة أحزاب معلومة لدينا، وأنه، وهو رئيس الوزراء لم يفعل شيئا لمواجهة الإنقلاب وإفشاله، مما يستوجب المحاكمة مع الإنقلابيين أنفسهم. وقد وجهت له هذا السؤال نفسه في أول ندوة عقدها في لندن فلم يستطع ان ينكر علمه بالإنقلاب، ولم يستطع أن ينفي عجزه عن مواجهته، ربما لأنه لم يكن يعرف هل يقف مع إخوته الأيديولوجيين الذين يريدون أن يطيحوا بحكومته الديمقراطية، أم مع خصومه العلمانيين المتمسكين بالديمقراطية والراضين عن وجوده هو نفسه رئيسا للوزراء. وهو موقف هاملتي نتجت عنه كل هذه المآسي التي لم تصب الصادق المهدي خاصة، بل أصابت الوطن ككل.



ثم هناك أمر الأموال التي استلمها من السلطة. إن على الصادق المهدي أن يقول بكل وضوح إما أنه أخذ هذه الأموال بالفعل، أو لم يأخذها. وإذا كان قد أخذها هل أبلغ عنها حزبه؟ وكيف تصرف فيها؟ وهل التعويضات الخاصة بحزب الامة مفصولة عن النهب الشامل الذي تعرضت له البلاد ككل من قبل صقور الجبهة الإسلامية الجارحة الجائحة؟ وهل صحيح أنه أستجدى رئيس المؤتمر الوطني المشرف على عملية النهب الشاملة، ليدفع له تكاليف عودته من سفرته تلك؟
لن نحترم أنفسنا ولا زعماءنا ولا أوطاننا إن مررنا على مثل هذه الإتهامات الغليظة مرور اللئام، لأن تجاهل مثل هذا القضايا مع الحديث عن الديمقراطية والمؤسسية ليس سوى لؤم بعيد الأغوار. ولن ينقذ الصادق من ورطته الحالية ومن حرجه العظيم إلا الصدق والمواجهة. أي لن تنقذه منه إدعاءات الرفعة والتسامي الأخلاقي الزائف، ولن ينقذه منه اللجوء إلى سوق إتهامات مضادة يمكن أن تدين صاحبه دون أن تبرئه هو، ولن تنقذه منه بركاته أو معارفه الإلهامية، بل لن ينقذه منه حتى المثقفون من أهل الترقيع الذين يقفون مع الطائفية والحداثة، ومع الديمقراطية والدكتاتورية، ومع اليسار ومع اليمين، ومع محمود محمد طه ومع قاتليه، ومع عبد الخالق ومع الترابي، ومع الحكومة والمعارضة، والذين يعتقدون أن الأحزاب ملكيات خاصة ببعض الأسر يفعل فيها زعماؤهما بما لديهم من البركات، ما يعن لهم من الأفعال، فهي أحزاب مأمورة بالطغيان الفردي، وبالفساد المالي، وبغياب المؤسسية وما على الناس سوى الصمت وأداء فروض الطاعة والولاء للزعيم الذي أهلته البيولوجيا قبل أن تؤهله الأيديولوجيا.

وأقول إن ما ساقه السيد مبارك المهدي حول محاولات إصلاح حزب الأمة، وحتى مع مقاومة الصادق المهدي، لهذه المحاولات، مع وجود تيار واسع يدعو للإصلاح، كان من شأنه أن يقنع مبارك بالتفرغ الكامل لعملية الإصلاح، على أرضية النقد الذاتي لممارساته هو نفسه في العهد الديمقراطي، وكان من شأنه أن ينقل حزب الأمة إلى أفق جديد، علماني وغير طائفي. ولكن مبارك لم يختر ذلك، بل خلط خلطا منكرا بين إصلاح الحزب وبين الإلتحاق بسلطة شمولية القاعدة والتوجهات، ولا تقبل الحلفاء إلإ كتابعين، ولا تدنو إليهم إلا لتفرق شملهم وتعصف بهم. وهذه أمر يؤسف له، لأن مقدرات مبارك السياسية المتميزة يعرفها كل من عمل معه. ولكن المقدرة يجب أن تقترن بالحكمة، وهو قران لم يتم للأسف الشديد.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147489219&bk=1

Post: #249
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 04:28 PM
Parent: #248


أنقذوا جامعة الخرطوم قبل أن تصبح مقبرة أكاديمية

محمد سعيد القدال



نشرت جريدة الصحافة في عدد 5/4/2004مقالاً لاحد اساتذة جامعة الخرطوم رداً على ما نشرته حول الحجاب في الخطاب القرآني. وانهال الكاتب بالسباب على مجموعة من رموز الاستنارة في عصرنا فقال عن قاسم أمين صاحب كتاب (تحرير المرأة) انه من اذيال الفرنجة وابواق الغزاة. ثم قال ان محاربة الحجاب دعمها رتل من المهووسين بالحضارة الغربية ومظاهرها امثال سعد زغلول وزوجته صفية زغلول وهدى شعراوي ودرية شفيق وسهير القلماوي وامينة السعيد. ألا يعلم الدكتور ان هؤلاء الذين يستخف بهم، هم جيل الرواد الذي حقق التلاقح الخلاق بين الحضارة الغربية والحضارة العربية الاسلامية؟ انهم جيل يقف في صف طويل بداية من رفاعة الطهطاوي الذي يمثل نموذجاً فريداً للتفاعل الجدلي مع الحضارة الغربية، ثم علي مبارك والافغاني ومحمد عبده، حتى الجيل الذي انهال عليه الدكتور بالسباب. واذا كانوا هم (رتل) كما يقول فهم كُثر . أم كلمة رتل فحشر بها دون أن يكون مدركاً لمعناها.



ثم قال عني إن لغتي سمجة وعباراتي رثة ومفرداتي مخنثة. ووقفت كثيراً عند هذه الالفاظ لأني لم اسمع بمثلها في الحقل الاكاديمي، ولأن معانيها غامضة. فما هو المقصود باللغة السمجة والعبارات الرثة واللغة المخنثة، وما هى الادلة التي ساقها ليوضح بها الكلمات التي قالها. أم هى مجرد كلمات رمى بها فقط من أجل السباب؟ وهذا ليس من الشيم الاكاديمية . فهذه الفاظ لم نألف مثلها فيما يكتب فقلت لاشك ان هذا دكتور معجزة ودكتور خارق لأنه يقف فوق منصة عالية ويحكم من فوقها على شخصيات لها وزنها التاريخي وعلى اساليب الكتابة فأخذت أبحث عن مكانه هذا الدكتور المعجزة وعن انتاجه.



يعمل الدكتور المعجزة استاذاً مساعداً بجامعة الخرطوم في قسم يسمى مطلوبات الجامعة. ولي شأن آخر مع هذا القسم في وقت لاحق. وقد حصل الدكتور المعجزة علي شهادته الجامعية من المدينة المنورة، وحصل على الماجستير 1995 والدكتوراة 1999 من جامعة الخرطوم. فأخذت أقرأ في رسالتيه، وهما عن الشريعة والقانون الجنائى السوداني لسنة 1991.



واسوقفتني فقرة في الصفحة الثانية من رسالة الماجستير قال فيها في التاريخ القريب حكمت السلطة القضائية السودانية على المضل محمود محمد طه الذي تشكك في عصمة الشريعة وزعم عدم صلاحيتها للعصر الحديث. وكان ذلك الحكم الشجاع من اروع انجازات القضاء السوداني عبر تاريخه الطويل، لا يلتفت الى طعن البغاث في ذلك الحكم العادل وإنما حالهم كحال الهر يحكي انتفاخاً صوله الاسد) ـ ص5ـ .



يستعمل الكاتب نفس الفاظ السباب مثل : المضل والبغاث والهر. واضاف اليها تعابير جانحة مثل : ( كان ذلك الحكم الشجاع.. وعصمة الشريعة) وهذه الفاظ غير علمية وغير متداولة في الحقل الاكاديمي فهل اطلع على كل احكام القضاء السوداني ووجد ذلك الحكم اشجعها، وهل يقصد ان اجتهادات العلماء في أمر الشريعة معصومة. أو أنه يطلق الاحكام دون أن يحفل بدقتها او لعله يستعمل الفاظاً لا يدرك معانيها؟ وكيف اجاز المشرف هذه التعابير، وكيف اجازها الممتحن الخارجي؟ واي شريعة معصومة هذه التي يتحدث عنها الدكتور المعجزة، هل هي القوانين التي صاغها نميري وبطانته والتي تعرف في الادب السياسي السوداني بقوانين سبتمبر؟ وهل الشريعة المعصومة هي قوانين القمع والبطش التي مارسها مرتزقة النظام المايوي، والتي دفع محمود حياته ثمناً لوقوفه ضدها ببسالة ورباطة جأش؟ ألا يدري الدكتور المعجزة ان إعدام محمود كان الشرارة التي فجرت الانتفاضة الشعبية المدوية واطاحت بنظام مايو؟ او لا يدري الدكتور المعجزة أن محمود الذي يسميه المضل هو الذي احتفى اساتذة جامعة الخرطوم عام 1986 في دارهم بمناسبة مرور عام على إعدامه. كان ذلك على ايام الجامعة الزاهيات عندما كانت الجامعة تهز وترز قبل ان تتحول الي مستنقع لحزب سياسي. وليرحمنا الدكتور المعجزة وليرحم نفسه، فالتاريخ لا يكتب بمزاج الافراد وإنما بالافعال. ولو سمح لي الدكتور المعجزة فأنا أشير عليه بالرجوع الى كتاب المستشار محمد سعيد العشماوي: أصول الشريعة الاسلامية الذي صدر عام 1968، وصدرت طبعته الثانية عام 1992 فلعله واجد فيه ما يعيده الى رشده. أم لعله هو ذيل آخر؟



وماذا يقول الدكتور المعجزة في حكم المحكمة العليا التي اعلنت بطلان الحكم الصادر ضد محمود لأنه تجاوز كل قيم العدالة سواء ما كان موروثاً او متعارفاً . والمعروف ان المحكمة التي حكمت على محمود بالاعدام لم تستغرق جلساتها سوى بضعة ايام، بينما ظلت محكمة الاستئناف تتداول لعدة أشهر، فالقضاء العادل يحتاج الى وقت قبل أن يصدر احكامه، خصوصاً اذا كان الحكم يتعلق بحياة إنسان. والأمر شبه المتفق عليه ان تلك المحكمة كانت مهزلة في تاريخ القضاء السوداني بتقاليده العريقة. وقد نشرت مقالاً بجريدة الميدان بتاريخ 5/12/1986 بعنوان مغزى قرار المحكمة العليا ببطلان الحكم الصادر بإعدام محمود محمد طه) ولعله كان وقتها في تابعية لأحد المال في بلاد البترول. ولأن لغتي ركيكة فلا أنصح الدكتورا المعجزة بقراءته.



وعندما بدأت اتصفح الرسائل الجامعية للدكتور المعجزة استوقفتني عدة أمور. فرسالة الماجستير من كلية الدراسات العليا قسم الدراسات الاسلامية والدكتوراه من كلية الآداب قسم الدراسات الاسلامية. ثم استوقفني ان الباحث المعجزة لا يعرف الفرق بين التقديم والمقدمة، وهما مختلفان. وقد شرحت الفرق بتوسع في كتابي الدليل لكتابة الأبحاث الجامعية: فأ رجو أن يغفر لي الدكتور المعجزة لغتي السمجة وعباراتي الرثة ومفرداتي المخنثة ويرجع لهذا الكتاب حتى يتجنب مثل هذه السقطة التي لا تليق بشخص معجزة.



وتنقسم رسالة الماجستير الي مبحث وباب وفصل. ووجدت صعوبة في فهم مبحث هذا ولعله اسم جديد لم ندرك كنهه بعد. وعندما جاء الى رسالة الدكتوراه تخلى عن مبحث وقسم الرسالة الى ابواب وفصول.



ووجدت ان كل الهوامش بلا استثناء في الرسالتين مكتوبة بطريقة خطأ. وأحب ان اؤكد للدكتور المعجزة أن هوامش البحث لها طريقة واحدة متفق عليها من دول الاستكبار الى الدمام. وحتى اذا كان الدكتور المعجزة له طريقة فريدة خارج الاجماع الاكاديمي. فعليه أن يكون متسقاً CONSISTENT، ولا يكتب الهوامش في كل مرة بطريقة تختلف عن سابقتها. وأضاف في أغلب هوامش رسالة الدكتوراه كلمة (أنظر) وسألت نفسي ماذا ننظر اذا كنا نحن نقرأ في الهوامش؟ وربما يرى الدكتور المعجزة أن كتابة الهوامش بطريقة متسقة امر تافه لا يحفل به امام القضايا الكبرى التي يعاجلها. و أنا اسأل في حيرة: كيف اجاز المشرف هذه الرسالة وكيف اجازها الممتحن الخارجي دون تعديلها؟ ام لعل الرسائل الجامعية في جامعة الخرطوم مثل التعيينات الاكاديمية اصبحت مؤخراً تخضع للانتماء السياسي وليس الانتماء الاكاديمي؟ إنها كارثة بحق أن تتحول مؤسسة قومية اكاديمية الى حظيرة خلفية لتنظيم سياسي فيدمرها تدميراً يكاد يكون اسطورياً.



ووجدت كل المراجع في الرسالتين مكتوبة بطريقة غير الطريقة التي تعلمناها منذ أن بدأنا دراسة مناهج البحث في دول الاستكبار والاستعمار عام 1962. ما الذي أصاب جامعة الخرطوم خلال سنوات التيه العجاف منذ عام 1989، حتى اختل منهج البحث بهذه الطريقة؟



ويكتب الدكتور المعجزة محتويات البحث في نهاية الرسائل، وليس في البداية، لماذا، الله أعلم؟ ويستعمل في الرسالتين عنوانين مختلفين في مرة يكتب فهرسة الموضوعات، وفي المرة الثانية فهرست. وفي رسالة الماجستير يعطي عنواناً هو (خاتمة القول) وهو عنوان لا يخلو من غرابة ولكن عندما يأتي للمحتويات يكتب فقط (خاتمة القول) وهو عنوان لا يخلو من غرابة ، ولكن عندما يأتي للمحتويات يكتب فقط (خاتمة) فما الذي حدث حتى اختفت كلمة (القول؟) وربنما لا يهتم الباحث بسفاسف الأمور هذه لأنه يعالج قضايا كبيرة.



ومن المتعارف عليه أن يكتب للرسالة الجامعية خلاصة باللغة الانجليزية ABSTRCT ولكن الدكتور المعجزة لا يكتب هذه الخلاصة. ولعله لا يريد أن يدنس طهارة رسالته بلغة الاستعمار والاستكبار.



واذا انتقلنا لمادة البحث فهذا امر لا علم لي به، وسوف اسعى لدراستها والكتابة عنها مستقبلاً.ولكن الذي استوقفني ان الباحث يخلط بين امرين وهما سبب البلاء في المجتمع الاسلامي. فهو يقول إن كلام الله وما استنبطه الناس من كلام الله شئ واحد مقدس. إن كلام الله الذي انزله في القرآن على لسان نبيه كلام مقدس، ولكننا لا نضفي تلك القداسة على اجتهدات البشر. فاجتهادات البشر تتغير بتغير العصور واختلاف درجات الوعي، وإلا تجمدت المعرفة البشرية في القرون الاولى. أما كلام الله فهو باقٍ لا يتغير بتغير الظروف، هذا المرتكز الذي تقوم عليه دراسة الدكتور المعجزة مرتكز واهٍ. لذلك كانت الدراسة اجتراراً للدراسات السابقة التي هى اجترار للدراسات التي سبقتها. فأين البحث العلمي؟ ويطلق احكاماً لا ادري من اعطاه حق اطلاقها فيقول في مقالاته بجريد الصحافة إن الحجاب عبادة. وهو بهذا القول يريد ان يضفي على استنتاجه قداسة. يقول الاستاذ العقاد الذي اتمنى ألا يكون من أبواق الفرنجة وأذيال الغزاة. إن القرآن ارتفع بالدين من عقائد الكهنة والوساطة والمحاربين الى عقائد الرشد والهداية. ( الانسان والقرآن ص 10).



واذا كان هذا ما يكتبه الدكتور المعجزة ، فماذا ياترى يقول لطلابه في المحاضرات؟ انه أمر يقلقني أيما قلق من هو المشرف الذي اجاز الرسالتين وقدمهما للمناقشة؟ اشرف على الرسالتين الاستاذ حافظ الشيخ الزاكي. وأ مر هذا الاستاذ مع جامعة الخرطوم مثير للعجب. فبعد ان تخرج من جامعة الخرطوم عمل بالمحاماة والسياسة، وله انجازه ونشاطه المقدر في هذين المجالين، ولكنه لم يمارس اي نشاط اكاديمي سواء أكان نظرياً او عملياً، إلا حصوله على درجة الماجستير. وفي بداية حكم الجبهة عام 1989 استدعى من منزله وعين عميداً لكلية القانون امام دهشة الوسط الجامعي. ولقى تعيينه معارضة قوية، ولكن السلطة القابضة على زمام الأمور ومدير الجامعة فرضوه فرضاً، وعندما لقيت المدير الذي فرض ذلك التعيين بعد تركه منصبه قال لي بالحرف إن ذلك التعيين كان غلطة، فقلت له لم يكن غلطة وإنما كان كارثة لأنه دمر الاساس الذي يقوم عليه الانضباط الاكاديمي. ثم استدعى الاستاذ حافظ مرة اخرى من منزله ومنح لقب زميل بمخصصات البروفيسور المالية. ولكنه يستعمل لقب الاستاذ ولم يمر الاستاذ حافظ بمعاناة التحضير للدكتوراه ولا بمشقة البحث الاكاديمي. إن اللقب لا يمنح للشخص لدماثة خلقه وحسن معشره، ثم اصبح الاستاذ الزاكي يشرف على رسائل الدكتوراة والماجستير. فما هى النتيجة؟ النتيجة هى هذه الرسائل التي تفتقد اغلب مقومات البحث الاكاديمي. فتحولت الجامعة من مؤسسة قومية اكاديمية الى حظيرة خلفية لحزب سياسي، حيث يتم التعيين والترقيات فيها بالولاء الحزبي. ولنا عودة لهذا الأمر.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147489142&bk=1

Post: #250
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 04:29 PM
Parent: #249


دراسة تحليلة نقدية (1 - 3)
د. بركات موسى الحواتي
حـــــول روايــــــة صهيـــــل النهــــر للروائيــــ بثيـــــنــــ خضــــر مـــــكي
من قلب الحياة يجئ الابداع لينثر على الورق مشاوير الوجع، ومهرجان القناعات، ولقد اخذتني ظروف عديدة عن متابعة اوجه الخلق في الساحة، ولعل من اهم تلك الاسباب سكون الفكر وفقر الخيال وغياب الاقحام ظل العقل خبيئاً يجترح مجد السنين الغابرات راكداً يمتهن الخواء، تفادياً لكل اوجه العطاء الطهور.. فسيد المقام ظل عطناًً لا يستبين أفقاً، فاجراً يستسيغ التعدي والانتهاك! وعلى طبيعة الاشياء من قلب العتمة يجئ الضوء ليبهل بعض سنا وليدلق بعض نور، ورواية صهيل النهر -في ما ارى- بعض ذلك الضوء والسنا:

2/ قرأت علي قدر حذر في البداية رواية صهيل النهر، للروائية السودانية بثينة خضر مكي، (143 صفحة- حجم 14.50 * 45سم) صادرة عن سدرة للطباعة والنشر طبعة اولى الخرطوم 2000 ولقد فرضت على لوحات الراية الماثلة نفسها تماماً، اذ ظلت شخوصها النموذج دائبة الحركة متناسقة الإيقاع كما توالت احداثها تربط في تلاحق مثير وعلى خفاء ولين، بين التاريخ والجغرافيا وتعاريج النفس المطمئنة والراضية، والامارة بالسوء. ولقد رأيت - خصوصاً وقد اتيح لي قبل ذلك ان اقرأ (اشباح المدن/ اطياف الحزن/ اغنية النار)- ان اثبت بعض خواطر عنت لي فصهيل النهر جديرة بالتمعن والتوقف، تحليلا واستشرافا للرؤى نقداً وتحليلاًً.-----------------
-10-3 الشفيع احمد الشيخ ، محمود محمد طه، مجدي محمد احمد ص: «10»



4-10-4 جون قرنق ص: «118»



5-10 واستدعت الكاتبة في تلميح ذكي محمود (حبيبها الدائم ) في مواجهة عاصم وسندس ابنة اخوها (عادل) المهاجر في (كندا) كما استدعت ضرتها زوجة عاصم الثانية.




http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147489119&bk=1
_________________

Post: #251
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 04:30 PM
Parent: #250


في آخر ندوة عامة لقرنق بواشنطون (1)


نموذج التفاوض الراهن سيوقف الحرب لفترة أنتقالية محدودة ولكنه لن يؤدي الي وحدة طوعية
أستراتيجيتنا تقوم علي التفكيك السلمي للنظام عن طريق التفاوض
ترجمة وتحرير: خالد موسي
هذه الندوة قدمها الدكتور جون قرنق بواشنطون منتصف العام قبل الماضي ونقوم بنشرها لانها تحتوي علي الافكار الاساسية للدكتور قرنق .
تجري بضاحية نيفاشا الكينية مفاوضات السلام بين الحكومة والحركة حيث تم أحداث أختراقات كبيرة تبشر بقرب تحقيق السلام وتبقت بعض القضايا العالقة الخاصة بوضع العاصمة ومنطقتي جبال النوبة وجنوب النيل الأزرق ونسب المشاركة في السلطة. ولكن رغم التفاؤل السائد وسط الجماهير والنخب السودانية بقرب تحقيق السلام إلا أن قعقعة خطاب الحركة وأدبياتها السياسية المتطرفة القائمة علي أعادة تشكيل السودان وفق أشراط الحركة وتصوراتها الخاصة وتفكيك ما تسميه النموذج العربي الأسلامي يدق أسفينا من الشكوك ويبدد ثقة الشراكة القومية في صنع السلام والأنتصار لخيار الوحدة في ختام الفترة الأنتقالية..ومما يزيد من هذه الشكوك أن قرنق قد طرح في آخر محاضرة عامة له في واشنطون عن مسارات تحقيق السلام وأستراتيجية التفاوض خياراته الكلية وقال أن أهمها هو التفكيك السلمي للنظام عن طريق التفاوض متأسيا بتجربة جنوب أفريقيا ..و يعتقد معظم المراقبون أن أسلوب الحركة في التفاوض الراهن قائم علي أنفاذ هذه الأستراتيجية وقال قرنق في تلك الندوة بأن علي حكومة الخرطوم الأختيار بين وحدة الدين والدولة أو أنفصال الجنوب وأطلق قرنق علي نموذج التفاوض القائم الآن بالسودان الأصغر الجديد the minimuim new Sudan وهو يقوم علي تطبيق الشريعة في الشمال وأستثناء الجنوب منها..وهو ما تريده الحكومة وأكد بأن هذا النموذج سيوقف الحرب لفترة أنتقالية محدودة ولكنه لن يؤدي الي الوحدة الطوعية الطبيعية.. توضح هذه المحاضرة التي سكب فيها قرنق جملة تصوراته عن مسارات السلام وأستراتيجيات التفاوض رؤية وأهداف الحركة التي لا تحيد عن شيئين: أما تحقيق نموذج السودان الجديد بملامحه العلمانية الأفريقانية عن طريق تفكيك النظام سلميا بوسائل التفاوض أو القبول بنموذج السودان الأصغر الجديد الذي يطبق الشريعة في الشمال وأستثناء الجنوب لتحقيق السلام لفترة أنتقالية محددة..بأعتباره نظاما أنتقاليا لتحقيق السودان الجديد أو الأنفصال إذا تعذر ذلك لأقامة هذا النموذج في الجنوب المستقل.



إن هذه المحاضرة تجيب علي الأسئلة المشروعة حول كيف تفكر الحركة وما هي أجندتها وأهدافها من صنع السلام ..وما هو النموذج الذي تطمح الي تحقيقه ..ومدي حرصها علي الوحدة ..وهي ربما تزيد من تفاؤل المتفائلين وتضاعف من غيظ المتشائمين..



قبل نحو عام ونصف من الآن قدم د. جون قرنق زعيم حركة التمرد ندوة بقاعة فندق دبل ترى DOUBLE TREE بواشنطون أمها جمع كبير من السودانيين يقدورن بألفي شخص . مثل الأخوة من جنوب السودان أغلبية الحضور..هذا فضلا عن الحضور النوعي والكبير من ناشطي المعارضة السودانية كما حضرها عدد مقدر من الأمريكيين المهتمين بالشأن السودانى الذين يمثلون عدد من الجمعيات الدينية ومنظمات حقوق الأنسان . وقدم فى كلمته التى أستمرت زهاء الثلاث ساعات أستعراضا لما أسماه مسارات تحقيق السلام فى السودان وأستراتيجيات التفاوض ورؤية الحركة للسودان الجديد والأوضاع العسكرية والسياسية الراهنة .



أولا : تعريف المشكلة :



أبتدر الندوة بما أسماه توصيف المشكلة problem statement



.. وقال إن مشكلة السودان مركبة إذ استمرت حرب الأنانيا حوالي 17
عاما والأن تتجاوز الحرب الراهنة 19 عاما وما زالت مستمرة ، ولعل السؤال لماذا يرهن السودان إجياله لمعاناة الحرب طيلة هذه الفترة، والأجابة عندى أن الحكومات المتعاقبة على سدة الحكم عملت على تكريس حكومات عربية إسلامية متجاهلة حقوق وتطلعات بقية الأعراق الأخرى مما أدى إلى إشتعال الحرب، وإطالة أمدها مما يؤكد أن طريق القوة المتبع لفرض دولة إسلامية فى السودان لن ينجح ..
سأبدأ بالنموذج الثالث وهو ما يسمى بالدولة العربية الإسلامية وهو النموذج الراهن المطبق الأن فى السودان، وفى هذا النموذج فإن جنوب السودان يشكل نسبة ضئيلة ضمن دائرة هذه الدولة وقد تم توقيع إتفاقية إديس أبابا عام 1972م وفقا لهذا النموذج وقد فشلت لأنها لم تحقق تطلعات الجنوبيين . وهو كذلك ذات النموذج الذى أستوعب إتفاقية 1997م مع الفصائل الجنوبية الأخرى بقيادة مشار . وقد أعترض الجنوبيون على هذا النموذج وأرادوا فى المقابل الوصول إلى إنشاء دولة مستقلة فى جنوب السودان . وكل الحكومات التى تعاقبت على حكم السودان منذ الأستقلال عملت على تكريس هذا النموذج خاصة حكومة الفريق عبود التى عملت على فرض الأسلمة والتعريب على مواطنى جنوب السودان، مما أدى إلى تكثيف الحرب بواسطة الأنانيا وطرح صيغة أستقلال جنوب السودان .



أما النموذج الرابع فهو يحفظ حقوق المواطنيين ذوى الأصول الأفريقية ويشجعهم على إنشاء دولتهم



INDEGENIOUS AFRICAN STATE .
رؤيتنا فى الحركة الشعبية لتحرير السودان أن النموذج الراهن الذى تمثله الحكومة القائمة يجب رفضه لأنه يؤدى إلى أستمرار الحرب. أما النموذج الرابع وهو يشير إلى إقامة دولة أفريقية زنجية مقابل دولة عربية إسلامية هو نموذج إفتراضى ومستبعد .
هذان النموذجان هما للحرب لأنهما يقومان على المقاومة والتصدى لفرض دولة عربية إسلامية من قبل مجموعة محددة وما نريده هو خلق هوية جديدة تقوم على عكس حقائق التعددية فى السودان .. فإذا أخذنا الموسيقى كمثال ووعاء حامل للثقافة لوجدنا أن الموسيقي السودانية تشبه إلى حد كبير الموسيقى الصومالية، الأثيوبية والأريترية أكثر من الموسيقى السعودية، ولهذا فمحمد وردى مثلا مشهور جدا فى الصومال وأثيوبيا .



فقد ظللنا لمدة 19 عاما، نحاول أن نحقق النموذج الأول وهو ( السودان الجديد ) ولكن المهمة ليست سهلة فالمشكلة الأساسية هى قضية الدين لأن الشريعة هى القانون والمصدر الأساسى للتشريع . لذا ظللنا نطرح بصورة مستمرة عبر كافة المبادرات والمفاوضات من أبوجا وحتى القاهرة ضرورة فصل الدين عن الدولة بصورة دستورية . فنظام الجبهة فى الخرطوم عليه أن يختار بين وحدة الوطن أو وحدة الدين والدولة . وهذان الخياران لا يتلازمان مطلقا . ونحن لا نقصد بالفصل بين الدين والدولة إقامة دولة أثنية بل ستظل الأديان الرئيسية فى السودان هى الأسلام، المسيحية والمعتقدات الأرواحية الأفريقية .. فالدين هو علاقة بين الفرد وربه أما الوطن فهو للجميع فالله لن يعاقبنى لأننى أنتمى إلى وطن بعينه ولكن يحاسبنى بأفعالى وتصرفاتى كفرد . فنظام الجبهة عرقل كل المفاوضات التى جرت بيننا فقد رفض قبول مبدأ الفصل بين الدين والدولة، وعليه عملنا على تطوير النموذج رقم (2) الذى ينادى بأنشاء الدولة الكونفيدرالية . وهو ما أسميه السودان الأصغر الجديد THE MINIMUM NEW



SUDAN وهو يقوم على دولة فى الشمال تطبق ما تريده من شريعة
ودولة أخرى فى الجنوب تقوم على الفصل الدستورى بين الدين والدولة ( وهذا النموذج هو ما تريده الحكومة فى الخرطوم ) ..وسيضمن هذا النموذج حرية الحركة للمواطنيين والخدمات والسلع ستكون كونفدرالية الجنوب مهتمة بتعزيز ورعاية الحريات الأساسية مثل حقوق الأنسان وحتى حرية شرب الخمر . وستهدد بذلك كونفدرالية الشمال، إذ سيأتى الناس إلى جوبا للأستمتاع بالحريات وشرب الخمور فى عطلات نهايات الأسبوع وربما يضطرون إلى الهجرة إلى دولة الجنوب لذات الأغراض . وهذا النموذج سيحقق السلام وينهى الحرب ويؤدى إلى التسوية السلمية لفترة إنتقالية محددة .
ورغم أن هذا النموذج لن يفرض على حكومة الشمال أيقاف تطبيق الشريعة الإسلامية إلا أنه لن يؤدى إلى الوحدة الطبيعية فأثناء فترة نميرى كان السودان هو الدولة الوحيدة التى قامت فيها جمعية تضم الذين طبق عليهم حد القطع من المسيحيين فقد تم أستخدام الإسلام والشريعةٌ الإسلامية لأغراض سياسية والمفارقة أن نميرى كان شخصيا شارب خمر، ولما أشبع رغبته فيها أراد أن يتوب ويكون أماما .



أستثنى دستور عام 1998 المسيحين من تطبيق الشريعة الإسلامية إلا أنكم تعلمون قبل أسابيع قلائل خبر المرأة المسيحية ( أبوك ) التى حكم عليها بالرجم نسبة لجريمة الزنا . ففى عقائد الدينكا يدفع الرجل مقترف الزنا إبقارا كفارة للجرم ولكن لا تعاقب المرأة . ونسبة للضغط الدولى فقد تراجعت الحكومة عن تنفيذ العقوبة .



بالنسبة للنماذج المطروحة فإن من يريد تحقيق السودان الجديد أنصحه بالأنضمام الفورى للتجمع ومواصلة الكفاح لتحقيق ما يريده، أما الذين يريدون دولة مستقلة فى الجنوب عليهم أيضا أن يقاتلوا من أجلها.



لذلك يمكن قبول النموذج رقم (2) كخيار إنتقالى يقود إلى النموذج الأول ( السودان الجديد ) أو إلى الأنفصال كما هو موضح فى النموذج الخامس . وستكون هناك فترة إنتقالية فى حالة تبنى خيار الدولة الكونفدرالية يعقبها إستفتاء علي تقرير المصير إما لبناء السودان الجديد أو أعلان إستقلال دولة جنوب السودان .



إن السودان الراهن يتجاذبه قسطين من التنوع أو ما أسميه التنوع المعاصر أو التنوع التاريخى CONTEMPORARY



DIVERSITY AND HISTORICAL DIVERSITY فالتباين
التاريخى ينقسم إلى عدة حقب تاريخية تبدأ منذ عهد كوش مرورا بكل الممالك التاريخية من المغرة وعلوة ومملكة سنار حتى الوقت الراهن .
لقد قرأت كتابا فى نيروبى قبل أن أتى إلى واشنطون بعنوان



TWO THOUSAND YEARS OF CHRISTIANITY IN THE SUDAN فقد أتضح لي أن أول مسيحيي من خارج ملة اليهود
كان سودانيا، وكان مسئولا فى محكمة مروى فى المملكة القديمة، وهو يعنى أنه من شمال السودان، وقد يكون محسيا أو دنقلاويا ونحن فخورون بذلك. وكذلك سيدنا موسى تزوج بالصدفة من سودانية تدعى حايزة زفورا وهى جميلة مثل بعض الحضور فى هذه القاعة . وفى التاريخ قامت مملكات أخرى فى السودان مثل المغرة و آمون وكان المصريون القدماء يعتقدون أنه اله الماء الذى يسوق مياه النيل إلى مصر ويعتقد بعض العلماء أن آمون هو اله قبيلة الأنواك على الحدود الأثيوبية وقد أمتدت مملكة واوات من كوش الراهنة إلى دارفور وكردفان وحتي واو كل هذه الممالك والحضارات قامت قبل ظهور العهد العربى المسيحى وقبل العهد النوبى المسيحى. حيث جاءت ممالك سوبا، علوة. وعقبت تلك الحقبة هجرة العرب ودخول الأسلام حيث قامت ممالك إسلامية قوية مثل مملكة سنار ودارفور فى الفترة من 1500 ?1820 . ومن ثم جاء الحكم التركى المصرى حتى قيام الثورة المهدية فى 1889 . وأعقبها الحكم الثنائى الأنجليزى المصرى حتى قيام السودان الحديث بالأستقلال فى عام 1956 وجاء نظام الجبهة منذ العام 1989 وحتى الوقت الراهن . هذا التاريخ الذى سردته يحدد لكم هوية السودان الحديث . فقد ذابت كل هذه الممالك والمجموعات الأثنية المكونة لها فى مواقع جغرافية مختلفة مشكلة هوية السودان المعاصر، لذا فمن الخطأ أن تدعى مجموعة احقيتها بالسودان . فهذا النظام يدعى أن السودان أبتدأ بمجيئهم إلى السلطة ليدعوا ملكيته وحيازته . والسودان ملك لجميع السودانيين فأنا أرفض أي فكرة تحاول أن تفصلنى من مروى أو كوش لأننى أنتمى لهذا التاريخ والحضارة الثرة . لهذا فإن حركة تحرير السودان
SPLA/M أسميت أحدى رئاساتها كوش الجديدة NEW KUSH
ولماذا لا إذ توجد يورك الجديدة NEW YORK والتى تشكلت عبر هجرة الأطلسى من أنجلترا إلى أمريكا، أما كوش الجديدة فقد تشكلت عبر التاريخ .
أما القسط الثانى من التباين الأثنى أسميه التنوع المعاصر، فالسودان كما هو معلوم فيه ما يقارب الـ 500 قبلية تتحدث 130 لغة وهذه القبائل تنقسم إلى قسمين كبيرين، القبائل الأفريقية السودانية وهى تشكل 69 ? 70% من جملة السكان وفقا للتعداد السكانى للعام 1955م وأما المجموعات العربية فتبلغ نسبة 30% فقط حسب اللغات والألسنة العربية، أما العرب عرقا ودما فلا يتجاوزون 15% فقط ..



وهناك صعوبة فى تقسيم الناس إلى عرب وأفارقة فى السودان فالتصيف البريطانى للعرب والأفارقة فى السودان قام على أساس لغوى . العامل الثانى فى التباين الأثنى المعاصر هو الدين . فالمسلمون تبلغ نسبتهم من 65 ? 70% من جملة السكان . المسيحيون و معتنقو المعتقدات الأفريقية والأرواحية تبلغ نسبتهم حوالى 30-35% من السكان ..لذا من الخطورة بمكان الحديث عن أغلبية مسلمة فى السودان لأن الاخرين يمكن أن يتحدثوا أيضا عن أغلبية أفريقية فى السودان ..NO BODY IS ANY BODY?S



MAJORITY AND NO BODY IS ANY BODY?S MINORITY فقد تحدث البند الأول فى دستور عام 1998م عن أن
الإسلام هو دين الأغلبية فى السودان ويمكن للاخرين أن يدعوا أيضا أن الأفارقة هم أيضا أغلبية فى السودان كما يمكن الأدعاء أن غالبية أهل السودان من النساء فلماذا لا ينص الدستور على ذلك ؟ . إن الحكومات المتعاقبة حاولت أن تبنى دولة عربية مسلمة على حساب حقوق المواطنيين فى بقية أنحاء السودان مما أدى إلى أشتعال الحرب الراهنة، و عليه فأن أى حل مستقبلا يجب أن يستصحب هوية أهل السودان جميعا .
ففى حرب الأنانيا الأولي قتل حوالى 750 ألف الي مليون شخص و فى الحرب الراهنة يقدر عدد القتلى بـ 2 مليون شخص . مما يدلل على أن الحرب أشتدت وتسارعت عجلتها بسبب الحكومة الإسلامية الأصولية، فقد أعلن النظام الجهاد عام 1993م ضد مواطنيه .



فى عام 1998م ذهبت إلى جنيفا لحضور المؤتمر السنوى للجنة حقوق الأنسان بالأمم المتحدة وقد تقدمت بسؤال فى المؤتمر وهو ماذا يعنى الجهاد هل هو حق دينى للذين أعلنوه أم حق أنسانى للذين أعلن ضدهم ؟ وتحت هذا الظلم أعدم النميرى بقوانيين الشريعة محمود محمد طه زعيم الأخوان الجمهوريين الذى أحيه من مقامى هذا وأعتبره بطلا وزعيما قوميا .



إن خيار الوحدة بين التحالف والحركة يعتبر خيارا أستراتيجيا لأنه كسر الحواجز التاريخية والنفسية التى تفصل الشمال عن الجنوب، وأحى أبطالنا فى الجنوب الذين أتخذو القرار التاريخى الذى لم يكن سهلا بل هو نتيجة عمل متصل إستمر لمدة خمس سنوات . وأن هذا الأندماج يعتبر خطوة هامة وسيكون علامة فارقة فى تاريخ السودان الحديث .



بهذه الخلفية أريد أن أعطى تعريفا دقيقا للسودان الذى أسيئ تعريفه فى عام 1956م عام الأستقلال والتعريف الحسابى للسودان يمكن تقسيمه بطريقة وظيفية إلى ثلاثة متغيرات XYZ . المتغيرX يمثل التباين التاريخى الذى تحدثت عنه من قبل . والمتغير Y يمثل التباين والتنوع المعاصر الآن فى السودنْ . والمتغير Z يمثل المؤثرات الأخرى التى ساهمت فى بلورة وتشكيل السودان الراهن وبالنظر إلى هذه المعادلة سيجد كل السودانيين أنفسهم فى السودان الجديد ولكن وللأسف فأن نظام الجبهة يعرف السودان الحالى بمقتضى متغيرين هما الأسلام والعروبة . ونحن نقول بمنتهى الوضوح أننا لسنا ضد العرب فى السودان فهم مواطنون يتمتعون بنفس الحقوق والواجبات للسودانيين . كما أننا لسنا ضد الأسلام والمسلمين فنحن يشارك معنا العديد من المسلمين مثل ياسر عرمان الذى قدم لكم فى هذه المنصة من قبل ود. منصور خالد . كما لدينا الكثير من المسلمين من جبال النوبة و جنوب النيل الأزرق مثل مالك عقار وكذلك المرحوم يوسف كوة من جبال النوبة . فالمسلون يمثلون أغلبية فى السودان، ولكننا ضد أستخدام الأسلام كأداة سياسية فنحن لا نقبل أن يقضى الرجل جل حياته فى شرب الخمر ثم يعلن رغبته فى أن يكون أماما ..



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147488993&bk=1
__

Post: #252
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 04:31 PM
Parent: #251


الأدب والـديـــن والحـيـاة

بروفسير عبد الله عوض
لقد ذكرت في مقالي السابق قول الاستاذ محمود محمد طه والذي كتبه بجريدة صوت السودان، قوله: (ان اكبر عائق في سبيل تحقيق الحياة العليا ـ حياة الفكر والشعور ـ انما هو الخوف.. ولا تتجه وسيلة الى تحرير الفرد من الخوف اتجاهاً مليئاً بالنجاح غير وسيلة الدين.. فاذا اخبرنا أديب ان الدين بمثابة (جدول أو نهر) يصب في محيط الادب لم يكن ذلك الاديب عندنا إلا متعصبا للأدب سطحي التفكير).
ان الانسان مفطور بشعور عميق، بان هناك قوة هائلة هي التي اوجدته واوجدت الكون من حوله.. وان موضوع شمولية اللغة ودلالاتها عنده، يذهب الى آماد ابعد وأعمق بكثير مما يذهب اليه الادب والعلم والفلسفة.. الخ. ففي الاسلام، الكون كله مصنوع من مادة الفكر!! فكل جزء منه، وكل حركة فيه او سكون هي تعبير عن معنى يمكن ادراكه، او ينبغي ادراكه.. فالخلق جميعهم كلمات الله بهم، وعبرهم تتجلى ارادته، وتبتدي حكمته.. والله تعالى يقول في ذلك: (وان من شيء إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم) آيه (44) الاسراء ـ فمن يفقه الله، يفقهه تسبيح كل شيء، وما من شيء إلا وهو داع الى الله بلسان فصيح، فهي على ذلك اشارات لها دلالات، عميقة ومتنوعة.. ثم هي لا تصمت اطلاقا عن الدعوة لله، والتسبيح بحمده.. يقول تعالى: (ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته) آيه (13) الرعد. اما عن الأحياء، يقول تعالى: (وما من دابة في الأرض، ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم) آيه (3 الانعام وجميع هذه الامم من حيث وجودها، وحكمة وجودها، ووظيفتها، هي من كلمات الله، هي مسبحة بحمد ربها، ولا تنفك.. ثم هي فيما بينها كأمم، لها لغتها التي تتواصل بها، حاجاتها كمجتمع.. وجميع هذه اللغات هي ما يمكن للانسان علمه؟! ولغة البشر هي اكمل اللغات والفرق بينها وبين لغة الاحياء الآخرين، وغير الأحياء، كالفرق بين البشر وهؤلاء جميعا.. وبالطبع موضوع اللغة ليس موضوعنا بالاصالة، وانما نحن نتعرض له هنا، من باب دور اللغة في تحقيق المعرفة او الحجاب دونها ودون قوانين الحياة. كما ان كل هذا يمهد لحديثنا عن النص القرآني، الذي هو اداة المعرفة الاساسية عندنا.. كما نجد ان النص القرآني يقرر معنى الحياة المطلقة الكاملة ويوضحها لمن ينكرها.. فهناك في الوجود، الناقص.. وهناك الكامل.. والعقل يستطيع ان يدرك الناقص، وان يحدده.. وهو يستطيع بالمقارنة، ان يدرك ما هو اكمل منه، كما ايضا يستطيع ان يلاحظ ان الناقص يتطور نحو الكامل.. فالعقل يستطيع ان يدرك الناقص، وهو يستطيع ان يدرك الكامل، نسبي الكمال.. وهو ايضا يستطيع ان يتصور وجود الكامل، مطلق الكمال.. وواضح ان كل كمال فوقه كمال اكمل منه ويستطيع الخيال ان يمتد بنا في متابعة الكمال الى غير نهاية.. فهناك اذاً كمال غير متناه.. هذا الكمال غير المتناهي نستطيع ان نتصور وجوده، وان عجزنا عن الاحاطة بكيفية وجوده.. ونستطيع ان نسميه: (الكمال المطلق) ذلك بأننا ان عجزت عقولنا عن الاحاطة بكيفية كماله، لان عقولنا (معقولة) بمعطيات الحواس والمطلق غير معقول (غير مقيد).. والقرآن وحده يستطيع ان يخلصنا من وهم العقول ووهم الحواس ويفتح طريقنا للمعرفة عن الله من القرآن وبذلك نصير احرارا.. ومن العلم الا ننكر (المطلق) لاننا نجهل كيفية اطلاقه.. ولن يجيء يوم يكون فيه علمنا بالمطلق، علم احاطة.. والا لما كان (مطلقا) ووجود المطلق هو أس الرجاء في نظرة التطور، ذلك بان حياتنا انما تتطور من (الناقص) الى الكمال النسبي، وهي تطلب الكمال المطلق.. وهيهات!! وهذا يعني ان ليس هنا حد لكمال حياتنا. وان اشباع حاجتنا الى الله، هي حاجة فطرية، قائمة في الصدور يبحث عنها الادباء ويضلون السبيل اليها.. كما يبحث عنها الفلاسفة والعلماء والفنانون بكافة تخصصاتهم من رسم وموسيقى.. الخ. القرآن هو كلام الله، الموصى به الى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في القرن السابع الميلادي، والذي به ختمت النبوة.. وهذا امر لا خلاف عليه بين المسلمين.
ولكن القرآن في حقيقته الازلية، حقيقة علوية، فهو يعلمك كل شيء، ولا يعلمك شيئا بعينه.. هو ينبه قوى الادراك ، ويشحذ ادوات الحس في جميع وجودك، ثم هو يخلي بينك وبين عالم المادة لتدركه على اسلوبك ، ولتكن منه لنفسك انموذجاً تتأثر به في حياتك اليومية، بازاء الناس، والاشياء.
هذا هو القرآن.. وهو بهذه الصفة الخالدة، لا يخضع للتطور، وانما ينتهي اليه تطور كل متطور.. هل للفلسفة والعلوم والفنون والموسيقى بل كل المعارف الانسانية مثل هذه الصفة الخالدة للقرآن؟ لا اعتقد ذلك ولا ينبغي. دع عنك ان يكون الدين (جدول او نهر) يصب في محيط الأدب.
نواصل ان شاء الله تعالى.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147488883&bk=1
_________________

Post: #253
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 04:33 PM
Parent: #252


المناهج المختلفة في الخطاب القرآني (1 - 2)

محمد سعيد القدال

حمل القرآن منذ نزوله تفاعله مع حركة المجتمع في تغييرها المستمر، وتجلي ذلك التفاعل في عدة مظاهر، تجلي في نسخ آيات بآيات، وهو موضوع فيه اجتهادات شتى ، الا ان اساسه الذي يندرج في سياق هذه الدراسة هوتغيير الاوضاع وظهور مستجدات استوجبت استبدال نص يحكم وضعا سابقا بنص جديد يلائم الوضع الجديد، على الرغم من ان الظروف في وقت نزول القرآن كانت شبه ثابتة وقليلة التغيير. ومع ذلك كانت النصوص تستبدل بنصوص اخري.
وتجلي ذلك التفاعل ايضا في الآيات المكية والمدنية، فالآيات المكية تختلف في اسلوب مخاطبتها ومنهجها والقضايا التي تناولتها عن الآيات المدنية، وذلك لاختلاف الاوضاع في كل من المدينتين، رغم انهما كانتا في عهد واحد ولا تبعدان عن بعضهما البعض سوي بضعة فراسخ.. كان المسلمون في مكة يصارعون ضد وثنية مسيطرة على الاوضاع السياسية والاقتصادية، وكان جهدهم منصبا على نقل اهل مكة من الوثنية الى الوحدانية. اما في المدينة فقد تأسس مجتمع اسلامي يحيط به مجتمع من ا ليهود والمسيحيين. فبرزت الحاجة لوضع الاسس التي يتعامل بها المسلمون مع اصحاب الديانات السماوية الاخري. كان المسلمون في مكة يتحركون خارج السلطة القابضة على زمام الامور، اما في المدينة فأصبحوا هم السلطة التي تنظم المجتمع. ولكن مقومات منهج الخطاب القرآني سواء في مكة او في المدينة ثابتة.
يقول الدكتور نصر حامد بوزيد ان مرحلة المدينة هي مرحلة البناء الاجتماعي وتقنين هذا البناء وهي مرحلة لم تبدأ الا مع استقرار المجتمع الجديد في مكان يمكن ان يكون اساسا لدولة واضحة المعالم ومحدودة الحدود والاطراف. كان هذا المكان هو المدينة حيث توافرت اسس المجتمع كما كان يمكن ان تتوفر في تلك المرحلة التاريخية، ومع تمايز المجتمع الجديد في المدينة عن المجتمع القديم في مكة وانفصاله بدأ الصراع بين المجتمعين، وبدأت التشريعات تتري. (نصر حامد ابوزيد ص 15).

ويقول الامام السيوطي في تفسير الفرق بين القرآن الذي نزل في مكه والذي نزل في المدينة : ونجد في السور المكية الدين الذي اتفق علىه الانبياء فخوطب به جميع الناس، والسور في المدينة فيها خطاب من اقر بالانبياء من اهل الكتاب المؤمنين(السيوطي ترتيب سورا لقرآن، ص 40 ).

وهناك اجتهاد الاستاذ محمود محمد طه الذي تناوله في العديد من مؤلفاته، ولا يهمنا من امر تلك الاختلافات الا توضيحها للفرق في الخطاب القرآني بين مكه والمدينة لاختلاف الاوضاع بينهما.
وبعد وفاة الرسول صلي الله علىه وسلم توقف نزول الوحي، فتوقف نزول الآيات التي تتصدي للمستجدات في حياة المسلمين وتعالج مشاكلهم . فعالج المسلمون تلك القضايا باستعمال العقل، العقل الانساني في حركة لا تحدها اطارات، ولكن القرآن وضع مؤشرات لتسترشد بها تلك الحركة وتسير على هديها. وارتكزت تلك المؤشرات على منهج الخطاب القرآني القائم على الهداية الذي يتكيف مع الاوضاع المتغيرة والمستجدات التي تطرأ على حياة البشر.
وللخطاب القرآني آلىات مختلفة، فاشارالقرآن الى الاسلوب والمنهج الذي خاطب به الله الشعوب التي سبقت ظهور الاسلام، كما تناول الخطاب الموجه الى اهل الجزيرة العربية ابان نزول القرآن . وفيه ايضا الخطاب الموجه الي شعوب الارض قاطبة . وتقوم اشكال الخطاب القرآني علي ركيزة اساسية وهي الايمان بوجدانية الله المطلق. وفي ذلك الخطاب ايضا خصوصية تنحصر في اطار كل عصر وتتعامل مع درجات الوعي التي بلغها ذلك العصر.
فيحكي القرآن عن الخطاب السماوي للشعوب التي سبقت نزول القرآن . فيذكر ان تلك الشعوب جاءها عدد من الانبياء والرسل . كانوا يتوالون الواحد اثر الاخر ، احيانا يأتي عدد من الرسل على شعب واحد. جاء ذلك في الآيات التالىة:

البقرة 87: (ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل...)



المائدة 70: (لقد اخذنا ميثاق بني اسرائيل وارسلنا الىهم رسلا..)



المؤمنون 44 : ( ثم ارسلنا رسلنا تترا كل ما جاء امة رسولها كذبوه فاتبعنا بعضهم بعضا..)



فصلت: 14 : ( اذا جاءهم الرسل من بين ايديهم ومن خلفه الا تعبدو الا الله..)



فخاطب الله تلك الشعوب بعدد من الانبياء والرسل، لان وعيها استدعي التدرج بهم عبر عدد من الرسالات السماوية، وجاء كل واحد من اولئك الرسل بمعجزة خارقة لقوانين الطبيعة. فمنهم من ركب في فلك تجري بهم في موج كالجبال فنجا هو ومن معه، ومنهم من وضع في النار فكانت بردا وسلاما علىه. ومنهم من شق بعصاه البحر ثم عبره، ومنهم من سخر له الجن. ومنهم من كلم الناس في المهد واحيا الموتي.. وكانت كل معجزة تناسب ثقافة العصر الذي جاءت فيه، ولان قوم موسي كانوا متفوقين في السحر، كانت معجزته من جنس ما تفوقوا فيه . وكانت معجزة عيسي ابراء المرضي واحياء الموتي، لان ثقافة عصره تتميز في علم الطب . والعرب الذين نزل فيهم القرآن كان الشعر مجال تفوقهم، لذلك كانت المعجزة نصا لغويا هو ذاته نص الوحي.



وكان الناس يطالبون بالمعجزات حتي يصدقوا الرسالات السماوية، وكانوا يشاهدون تلك المعجزات فتدفعهم الى الايمان برسالة السماء. وقد لخص القرآن التمازج بين المعجزات والرسالة السماوية في الآيات التالىة من سورة آل عمران:



(4 (ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والانجيل (4) ورسولا الى بني اسرائيل اني قد جئتكم بآية من ربكم اني اخلق لكم من الطين كهيئة الطير فانفخ فيه فيكون طيرا باذن الله وابرئ الاكمه والابرص واحي الموتي باذن الله وانبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم ان في ذلك لآية لكم ان كنتم مؤمنين (50) ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولاحل لكم بعض الذي حرم علىكم وجئتكم بآية من ربكم فاتقوا الله واطيعون).



وحتي بعد تلك المعجزات كان البعض يطالب برؤية الله تحديا منهم فاخذتهم الصاعقة (البقرة 50، النساء 153).



وطلب نبي الله موسي ان يري ربه ليزداد يقينا، فجاءه الرد قاطعا: (انظر الى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلي ربه للجبل جعله دكا وخر موسي صعقا).. (الاعراق 144) وطلب سيدنا ابراهيم من ربه ان يريه كيف يحي الموتي، فقال له (اولم تؤمن قال بلي ولكن ليطمئن قلبي) (البقرة 260) واراد الله ان يتدرج بابراهيم في مراقي الايمان من الكوكب الى القمر الى الشمس، حتي انتهي ابراهيم الى القول (اني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والارض).. (الانعام 75 - 79).



وتعكس المطالبة برؤية الله سواء كان مصدرها التحدي والتشكيك او الايمان الباحث عن يقين، ضعف الوعي بالمطلق، وهذا الوعي المتدني جعل الخطاب القرآني لتلك الشعوب يتجلي في اشياء محسوسة تتناسب ودرجة وعيهم، ويعتبر الثواب والعقاب في العالم الاخر من المرتكزات الاساسية في الرسالات السماوية وهو مكمل للايمان بالغيب ، ولكن الرسالات السماوية للشعوب التي سبقت الاسلام حملت عقابا صارما للذين كذبوا بها وذلك العقاب المادي المحسوس الذي حكي عنه القرآن يقوم دليلا على ضعف وعي تلك الشعوب بمفهوم الغيب وبفكرة المطلق بشكل عام، والقرآن ملئ بصور ذلك العقاب الدنيوي، مثال ذلك: الاعراف 133: (فارسلنا علىهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات..).



هود 82: (فلما جاء امرنا جعلنا عالىها سافلها وامطرنا علىها حجارة من سجيل منضود..)



العنكبوت 40: (فمنهم من ارسلنا علىه حاصبا ومنهم من اخذته الصيحة ومنهم خسفنا به الارض ومنهم من اغرقنا..)



فصلت 16/17 : (فارسلنا علىهم ريحا صرصرا في ايام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الاخرة أخزي وهم لا يبصرون+ واما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمي على الهدي فاخذتهم صاعقة العذاب الهون...)

سبأ 16: (فاعرضوا فارسلنا علىهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذوات اكل خمط واثل وشئ من سدر قليل).

سبأ 19: (فجعلناهم احاديث ومزقناهم كل ممزق...)
الحاقة 7/6 : (فاما ثمود فاهلكوا بريح صرصر عاتيه + سخرها علىهم سبع ليال وثمانية ايام حسوما فتري القوم فيها صرعي كانهم اعجاز نخل خاوية).
ان الاكثار من صورالعذاب المادي الدنيوي الذي حاق بتلك الشعوب له دلالات مهمة، الهدف من العقاب الدنيوي الملموس تقريب صورة العذاب في العالم الاخر لتلك الشعوب نسبة لضعف وعيها الذي لن يمكنها من ادراك عذاب العالم الاخر بدون تلك النماذج من العذاب الملموس. اما بالنسبة للشعوب التي جاءها القران، فان ذكر ذلك العذاب دون توقيعه علىهم بنفس الاسلوب الذي طبق به على الشعوب السابقة، فان الهدف منه الموعظة وهي كافية بالنسبة لهم لادراك عذاب العالم الاخر لان درجة وعيهم سوف تمكنهم من ذلك الادراك.
ان الخطاب القرآني للشعوب التي سبقت الاسلام له صفات محددة. فقد حمل تلك الرسالات عدد من الرسل كانوا يأتون تباعا، واحتاجت بعض تلك الشعوب لاكثر من رسول ونبي. واحتاج اقناعهم الى معجزات يشاهدونها حتي تهتز جدران شركهم وتنفتح امامهم سبل الىقين. واما عقاب من كذب بتلك الرسالات فلن يكون في الىوم الاخر فحسب، بل سوف يصيبهم عقاب في هذه الدنيا، وهو عقاب يحمل كل اشكال القسوة التي يألفها اهل تلك المجتمعات ويستشعرون باسها (لهم عذاب في الحياة الدنيا ولعذاب الاخرة اشق ومالهم من الله من واق) (الرعد34)



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147488817&bk=1
__

Post: #254
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 04:35 PM
Parent: #1


المناهج المختلفة في الخطاب القرآني (2 - 2)

محمد سعيد القدال

اختلفت رسالة القرآن عن الرسالات السماوية السابقة، ولم يكن الاختلاف انقطاعا عن الماضي، بل كان تدرجا حمل معه المبادئ الاساسية في تلك الديانات، ولكن القرآن كان رسالة جديدة وكان ايضا الرسالة السماوية الاخيرة، لماذا؟ القرآن لم يدع الى وحدانية الله فحسب، بل قال ان الله هو المطلق، وما كان وعي البشرية في الماضي قد وصل درجة تمكنهم من ادراك المطلق، مما استوجب التدرج بهم في مراقي الايمان حتي وصلوا درجة من الوعي مكنتهم من هذا الادراك. وكان ادراك المطلق ومازال امرا عصيا على كثير من الناس، فكان القرآن رسالة السماء الاخيرة لانه لا شئ بعد المطلق، (سوف نتناول هذا الموضوع بتوسع في دراسة لاحقة).



وجاء الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بمعجزة واحدة هي القرآن، ويختلف اعجاز القرآن عن معجزات الرسل السابقين، فالقرآن ليس معجزة خارقة لقوانين الطبيعة كما في معجزات الرسل السابقين، وانما اعجازه في بيانه اللغوي، والقرآن واعجازه باقٍ لم ينته بوفاة الرسول الذي حمل امانته، بينما معجزات الرسل السابقين انتهت بانتقالهم من هذه الدنيا ، ولم تبق إلا تعالىمهم ولكنها بلا معجزات.ولم تواجه الرسالة التي حملها محمد الى العرب باشياء خارقة لقوانين الطبيعة، وانما في لغتهم التي ألفوها وكانوا يعتزون بها واعتقدوا انهم بلغوا ذروة بيانها البلاغي فخاطبهم القرآن برسالة مكتوبة بلغتهم وتحداهم ان يأتوا بمثلها، فقال لهم: البقرة 23ـ24(وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقينüفان لم تفعلوا ولن تفعلوا...)



يونس 38: (أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعو ما استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين..)
هود 13: (ام يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله..)
الاسراء 88: (قل لو اجتمعت الانس والجن على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا..)
على ان هناك من الناس على ايام الرسول من لم يرتفع وعيهم عن وعي الشعوب السابقة الذين احتاجوا لمعجزات ملموسة، فلم يكتفوا باعجاز القرآن، وطلبوا ان يأتيهم الرسول بمعجزات ملموسة. واشارالقرآن الى ذلك في الايات التالىة:



الانعام 8: (وقالوا لولا انزل علىه ملك...)
الانعام 37: (وقالوا لولا انزل علىه اية من ربه..)
هود12 : ( ان يقولوا لولا انزل علىه كنز او جاء معه ملك..)
الاسراء 89 ـ 93
ونجد في التراث بعض المعجزات للرسول الخارقة لقوانين الطبيعة. واخذت تلك الروايات تتناقل عبر الاجيال. فينقل الصابوني في تفسيره الذي صدر عام 1981 عن ابن كثير ، ان النبي جاع اياما فدخل على ابنته فاطمة الزهراء يسألها عن الطعام فلم يكن عندها شئ ، وارسلت لها جارتها برغيفين وقطعة لحم وضعتهما في جفنة، ثم رأت الجفنة وقد امتلأت لحما وخبزا (الصابوني الجزء الاول ص 201)، ويروي ايضا ان النبي اخذ قبضة من تراب يوم بدر فرمى بها القوم وقال: شاهت الوجوه، فما بقي احد من المشركين إلا اصاب عينيه ومنخريه تراب من تلك القبضه وولوا مدبرين (المصدرالسابق ص 493)، ان مثل هذه الروايات، رغم نبل مقاصدها، هزيلة ومفتعلة وتقلل من وقفة المسلمين في بدر وتضعف من رسالة القرآن الخالدة واعجازه.



ولكن ماذا عن الاسراء والمعراج؟ لم يشاهد الناس اسراء الرسول من المسجد الحرام الى المسجد الاقصي وانما جاءهم خبره في القرآن فالذي يؤمن برسالة محمد وبالقرآن سوف يصدق خبر الاسراء والمعراج ، فلم يكن الاسراء لاقناع الناس برسالة محمد لانهم امنوا بها قبل ان يأتيهم خبر الاسراء ، كما انهم لم يشاهدوا تلك المعجزة. ان قصة الاسراء والمعراج جاءت في سياق ومحتوى ديني يختلف عن معجزات الرسل السابقين فالاسراء خاص بالرسول. وقد وضح القرآن الهدف في الاية الاولي في قوله: (لنريه من آياتنا).



والثواب والعقاب في رسالة القرآن مؤجل الى الىوم الاخر، فلم ترد في القرآن عقوبات صارمة حلت بالذين كذبوا رسالة محمد مثل العقاب الذي حل بالشعوب التي كذبت برسلها. فالجنة والنار هما جوهر الثواب والعقاب في رسالة الاسلام.
ونجد بعض الجوانب في الخطاب القرآني فيها خصوصية مجتمع الجزيرة العربية في القرن السابع الميلادي، تماما مثلما نجد في الخطاب الموجه للشعوب الاولى خصوصية مجتمعاتها. وكان الخطاب الموجه لاهل الجزيرة العربية الخطوة الاولى لتأهيلهم لحمل رسالة القرآن للشعوب الاخرى.وتشير بعض الآيات الى توضيح الرسالة لاهل مكة، فجاء في سورة الانعام 92وهذا كتاب انزلناه مبارك مصدق الذي بين يديه ولتنذر ام القري ومن حولها....). وجاء في سورة الشوري 7: (وكذلك اوحينا الىك قرآنا عربيا لتنذر ام القرى ومن حولها....).



وكان لمجتمع الجزيرة العربية موروثاته الحضارية فجاء الخطاب القرآني متضمنا بعضها وعلى رأسها اللغة العربية لغة القرآن، ورصد خليل عبدالكريم خمس شعائر كانت سائدة في الجزيرة العربية وجاء الاسلام ووافقهم عليها وخاطبهم من خلالها، وهي الشعائر التعبدية والاجتماعية والجزائية والحربية والسياسية، (الجذور التاريخية للشريعة الاسلامية). وهذا التعامل هو من جوانب الخلود في ا لخطاب القرآني القائم على التدرج وعلى التعامل الجدلي مع الموروثات..



وكان مجتمع الجزيرة العربية الذي نزل فيه القرآن مجتمعا سادت فيه الحياة الرعوية القبلية. فجاء القرآن بنماذج ساطعة تربط بين خطابه وذلك الواقع، فهناك اشارات عديدة للانعام وخاصة الابل لدورها الكبير في حياة اهل الجزيرة العربية فاتخذ منها القرآن منطقا لخطابه (راجع الآيات التالىة: النحل 5.6، 80 ـ المؤمنون: 22، 21 ـ يس: 71 ـ 73 ـ غافر: 79 ـ 80 ـ الزخرف: 12 ـ 13 الغاشية: 117) . وحدد القرآن منافع محددة للانعام (النحل 5 الى 8 : (والانعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلونüولكن فيها جمال حين تريحون وحين تسرحونü وتحمل اثقالكم الى بلد لم تكونوا بالغيه الا بشق الانفس ان ربكم لرؤوف رحيمü والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون) ـ النحل80:



توقف الوحي بعد وفاة الرسول، ولكن حركة المجتمع لم تتوقف، فليس من سبيل إلا الرجوع الى النص القرآني للاسترشاد به، ولم يتحقق ذلك إلا بفهم جوهره من خلال الحركة المتجددة في المجتمع البشري، اي من خلال الوعي الذي ارتقى الىه المجتمع، وهو وعي اختلفت درجة رقيه عن وعي المجتمعات السابقة. والعودة الى النص بذلك الوعي المتجدد ، هي التي جعلت عطاء القرآن متجددا عبر الزمن . واختلافه هو ايضا تعبير عن وعي البشر التاريخي، فالرجوع الى النص جهد ونشاط بشري لا يتوقف فهو في حالة نشوء وارتقاء وتبرز العودة الى النص في مراحل تجدد الوعي المختلفة ، جوانب من جوهره استطاع ذلك الوعي استنباطها. وتصب كلها في جماع القيم التي تمتد عبر خصوصية الزمان والمكان ومتجاوزة الزمان والمكان في آن واحد.. والعودة الى النص القرآني محكومة الخطى بعدة اعتبارات تنطلق كلها من الموقف الاجتماعي والاهتمامات الثقافية ومنهج البحث. وتداخلت الاعتبارات الثلاثة تداخلا متوارناً .



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147488997&bk=1
_________________

Post: #255
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 05:10 PM
Parent: #1



الأدب والدين والحياة «1ـ2»

بروفيسور: عبدالله عوض عبدالله



استرعى انتباهي حديث طريف معزو الى الأديب ميخائيل نعيمة عالج فيه ماهية الأدب ومهمته. أما ماهية الادب عنده فهو المحيط الذي تنصب فيه، وتلتقي عنده، جميع المعارف البشرية، العلم، الدين، الفلسفة، الفنون..الخ. اما مهمة الادب فهى (التعبير عن الانسان، وكل حاجاته، وحالاته، تعبيراً جيداً، صادقاً من شأنه ان يساعد الانسان على تفهم نفسه وتفهم الغاية من وجوده، وان يمهد له الطريق الى نهايته) اهـ .



والحقيقة ان في هذا خلطاً سببه أمران: التعصب للأدب،(شأن كل ذي مهنة لمهنته) وسطحية التفكير. اذ ،الادب في حقيقته لا يبلغ هذا المبلغ، وان كان يتجه اليه فالمسعاه الانسانية كلها في المعارف والعلوم تتجه الى الاستزاده من الحياة لتحقيق حياة الفكر، وحياة الشعور، فالمعارف وسائل والحياة الخصبة المحيطة ـ حياة الفكر الحر، والشعور المتيقظ ـ هى الغاية، والادب ليس خير الوسائل الى تحقيق هذه الحياة، بل هو لا يمكن ان يفضى اليها، على الاطلاق، لأسباب! منها الأدب لا يقدم أسلوباً للحياة، وانما يقدم متاعاً للفكر، بما يرصد من تجارب الأديب المنتج. ومنها ان الأدب لايعرف قوانين الحياة، ولا يتسع للتعبير عنها، حتى يستطيع ان يرشد الى أسباب الاستزاده منها، ذلك بأن حياة الفكر، وحياة الشعور، لا تحقق إلا بالحياة، وفق قوانين الحياة. فالوسيلة التي تفضي اليها يجب أن تقدم من أول وهلة أسلوباً للحياة، وأسلوباً للفكر، وفق قوانين الحياة العليا، حتى يستطيع الحي باتباع تلك الأساليب ان يترقى من الحياة الدنيا الى الحياة العليا ـ حياة الفكر وحياة الشعور. وانت لا تجد وسيلة من وسائل المعارف البشرية غير الدين ـ الدين بوجه عام ـ والدين الاسلامي بوجه خاص، تقوم الحياة العليا ـ حياة الفكر والشعور ـ انما هو الخوف.. ولا تتجه وسيلة الى تحرير الفرد من الخوف اتجاهاً مليئاً بالنجاح غير وسيلة الدين.



فاذا أخبرنا أديب ان الدين بمثابة (جدول أو نهر) يصب في محيط الأدب لم يكن ذلك الأديب عندنا إلا متعصباً للأدب، سطحي التفكير. ويجب التنبيه الى ان الشبه شديد بين الوسائل الانسانية الى تحقيق الحياة العليا التي هى وحدها الغاية من السعي البشري في هذا الكوكب، ولذلك صعب التميز وكثر الخلط، ولهذا اهتم القرآن اهتماماً بالغاً ان ينفي من الاخلاد انه شعر، وان محمداً صلى الله عليه وسلم شاعر، كما توهم المتوهمون. هذا ما كتبه الاستاذ محمود محمد طه لجريدة صوت السودان (جريدة صوت السودان 1954م) . فاذا نظرنا الى معطيات اللغة نجد ان المسلمين في الشرق أو الغرب والشمال والجنوب يستخدمون كلمة (توحيد) استخداماً خاصاً يجعلها من أهم مفاتيح ادراك حديثهم عن المعرفة في الإسلام والاديان الكتابية الاخرى وأى قصور في فهم دلالات هذه الكلمة بالنسبة لما يكتب أو يقال يؤثر سلباً على إدراك القارئ أو المستمع وكذلك كلمة (تقوى) وهى كلمة متحركة لها دلالات أعمق بكثير من المعنى التاريخي والوصفي ثم هى كلمة متفاعلة مع كلمة (توحيد) وتتسامى بتساميها ثم هى مرتبطة بمختلفة الانماط من السلوك التعاملي والتعبدي.. ومن هنا يأتي الدين حيث تلتقي عنده جميع المعارف البشرية: العلم، الفلسفة، الفنون..الخ. وفق قوانين الحياة العليا، ومن هنا أيضاً نجد ان استخدام الادب لهذه الكلمات، استخداماً لايقدم فيه أسلوباً للحياة وأسلوباً للفكر، وفق قوانين الحياة العليا حتى يستطيع الحي باتباع تلك الأساليب ان يترقي من الحياة الدنيا الى الحياة العليا ـ حياة الفكر وحياة الشعور. وانما يقدم متاعاً للفكر بما يرصد من تجارب الأديب المنتج وحده. وفكر الاديب المنتج متغير مع تغير ايقاع خطوات الحياة السريعة الدائمة التغير. ومن ثم تبدل الدور التقليدي للأديب كمركب وصارف للمعلومات والحقائق بشكل ثابت وسريع يكون قد شارف نهايته بعكس ما يعطيه الدين للسالكين. قال تعالى: (لهم فيها ما يشاءون ولدينا مزيد) يحققون المزيد من المعارف والكمالات باستمرار حتى اذا اصبح فكرهم واقعهم يظهر لهم دافع من الله (هنالك مزيد) فتطير احلامهم الى آفاق ارحب فتحقق لهم وهكذا المسار الأبدي. لا نهاية له للاستزاده من الحياة.. حياة الفكر وحياة الشعور والأدب ليس خير الوسائل الى تحقيق هذه الحياة، بل لايمكن ان يفضى اليها..لأنه لايعرف قوانين الحياة.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147488705&bk=1
___

Post: #256
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 05:58 PM
Parent: #1



الأدب والدين والحياة (3 ـ3)
-بروفيسور: عبدالله عوض عبدالله

الخوف هو العنصر الغالب في مشاعر الاحياء، وفي الحق، ان الخوف (القهر) هو الذي استل المادة العضوية من المادة غير العضوية، فبرزت بذلك الحياة.. ثم ان الخوف هو السوط الذي حشد الاحياء في زحمة سباق التطور.. فالحياة مولودة في مهد الخوف، ومكتنفة بالخوف في جميع مدارجها.. ولايزال الى الآن هو الاصل في سوق الحياة الى كمالها في جانب الله، بايقاظ الفكر، والتزام القيم، بما يحقق المعرفة المنشو دة.. فمن قهر العناصر ظهرت الحياة.. ومن قهر الحياة برزت العقول، فالقهر ولد الخوف، ومن جراء الخوف ولدت الحياة، وسارت محفوزة في المراقي، سمتا فوق سمت، الى ان بلغت مرتبة ظهور العقل البشري في اعلى الحيوانات.. ولاتزال الحياة تطرد، وتطلب مراتب كمالات العقل والقلب.. فالعقل هو الروح الإلهي المنفوخ في الانسان والقلب هو مكان النفخ، وصراع العناصر المختلفة، التي تزخر بها البيئة الطبيعية، هو العامل المباشر، والله من وراء كل اولئك محيط.. وهذا النفخ مستمر، وهو سرمدي، ويأخذ في اللطف كلما برزت لطائف الحياة من كثائفها، وكان لها السلطان.. وسيجيء يوم يبدل الله فيه الخوف امنا، والحرب سلاما، والعداوة محبة.. قال تعالى: (ما يفعل الله بعذابكم ان شكرتم وآمنتم. وكان الله شاكراً عليما) آية (147) النساء. فالخوف في بدايات الحياة ونشأتها ضروري ولكنه عقبة في نهايات كمالها وهو اكبر عائق في سبيل تحقيق الحياة العليا ـ حياة الفكر والشعور.. ولا تتجه وسيلة الى تحرير الفرد من الخوف اتجاها مليئا بالنجاح غير وسيلة الدين.



ان عالم الانسان هو عالم الفكر، هو عالم العقول التي ركّبت في الاجساد لتحيل كثافتها الى لطافة ومن مادة الفكر صنع العالم، ولذلك هو عالم ليس غريبا على الفكر، ولن يكون مستعصيا على المعرفة.. والغاية واحدة، هي الحياة.. الحياة الحرة الكريمة، التي تتسامى عن كل قيد، وتتجافى عن كل نقص..



ان اعجاز القرآن ليس، فحسب، في لغته، ولا هو في علميته بآيات الآفاق، من ارض وسموات، وانما معجزته كلها، في آيات النفوس الوارد اليها الاشارة في قوله تعالى: (سنريهم آياتنا، في الآفاق وفي انفسهم، حتى يتبين لهم انه الحق. أولم يكف بربك انه على كل شيء شهيد).



ان القرآن قد استخدم اللغة العربية استخداما معجزا ما في ذلك ادنى ريب، ولكن مع ذلك، ولعله رغم ذلك، فان اعجاز القرآن في المعاني، وليس في اللغة.. والقرآن، (بالدرجة الأولى) علم ـ هو علم نفس.. وما موسيقاه الباطنية إلا ذلك العلم.. القرآن استخدم التنغيم الخارجي ليحدث به تنغيما داخلياً في تضاريس النفس البشرية التي شوش عليها الخوف العنصري امرها. القرآن اتخذ اللغة العربية وسيطاً الى لغته.. وهي اناغيم النفس الانسانية التي تنساب في اودية قد تجبت بحجب الانوار، وبحجب الظلمات.. قال تعالى: (حم ü والكتاب المبين ü انا جعلناه قرانا عربياً لعلكم تعقلون ü وانه في أم الكتاب لدينا، لعلي حكيم).
هذا هو القرآن، وهذه هي لغته.. وانما صب في قوالب التعبير العربية، لتدركه عقولنا القواصر: (انا جعلناه قرآنا عربياً لعلكم تعقلون) . فاذا عقلتم فما ينبغي بكم ان تقفوا عند جمال مظهره، وانما ينبغي ان تقصوا آثاركم راجعين الى المنبع حيث تجدون انفسكم التي ضللتموها، فضللتموها.
ان الانسان بصورة عامة، والانسان المعاصر بصورة خاصة، تشغله القضايا الوجودية، وتلح عليه الاسئلة حولها.. هو يريد ان يعرف نفسه، وان يعرف الكون حوله.. يريد ان يعرف من هو، ومن أين أتى، ولماذا هو هنا، وما هو مصيره، وما هي علاقته بالكون حوله؟! هذه الاسئلة وشبيهاتها، ليست هي مجرد فضول، وانما هي حاجة، لابد لها ان تشبع، او تترك أثرها السلبي على حياة الانسان، الذي يجعل قضية المعرفة بالنسبة للانسان قضية اساسية للحياة، وليست مجرد ترف او اشباع للفضول.. وهذا ليس له إلا الدين.
القرآن يستعمل لغة تقع حروفها على ثلاث مراتب: رقمية، وهي تتكون من الثمانية والعشرين حرفا، التي تشتمل عليها الابجدية في اللغة العربية.. والحروف الصوتية، فهي لا حصر لها، وذلك لانها تنتج عن حركات المتحركات، كل ذرات المادة في حركة ما تنقطع.. ويقابل عددها في الخارج عدد مماثل في داخل النفس البشرية.. وهي، في المسموع منها، وغير المسموع، تولف الخواطر.. واما الحروف الفكرية، فهي ملكوت كل شيء.. وهي كلمات الله التي قال عنها، جل من قائل: (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي، ولو جئنا بمثله مددا ). ومن هذه الحروف الفكرية، تتكون الخواطر المستكنة في العقل الباطن.
والى الحروف الرقمية، والحروف الصوتية، والحروف الفكرية، وردت الاشارة بقوله تعالى: (وان تجهر بالقول فانه يعلم السر، واخفى) فالقول المجهور به يقابل الحروف الصوتية.. واما الحروف الفكرية، فيقابلها سر السر.

هل للفلسفة والادب والعلوم والفنون والموسيقى بل كل المعارف الانسانية لغة تعبر بها مثل هذه الصفة الخالدة للقرآن، لا اعتقد ذلك ولا ينبغي، وحل مشاكل الانسان المعاصر اليوم ليست معضلة فلسفية عالية ولا ادبية وعلمية، على كل حال، انما هي مشكلة فكرية، تدركها العقول المرتاضة على دقة الفكر، ووضوح الرؤية.. ومن اجل رياضة العقول على دقة الفكر انزل القرآن، وشرعت الشريعة، ونهض التكليف.. قال تعالى: (وانزلنا اليك الذكر، لتبين للناس ما نزل اليهم، ولعلهم يتفكرون). والفكر يقتضي حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة.. وهي هي الاخلاق.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147489031&bk=1
_

Post: #257
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 05:59 PM
Parent: #256


طلاب جامعة الخرطوم يتأهبون لمعركة انتخابية ساخنة


كوسو في
دورة جديدة
الجبهة الديمقراطية والجمهوريون والاتجاه الإسلامى أبرز التنظيمات فى تاريخ الحركة الطلابية
رقصة العجكو والصراع حول دستور الإتحاد أهم الأحداث
ظلت انتخابات اتحاد طلاب جامعة الخرطوم مثار اهتمام من كل التنظيمات السياسية داخل الجامعة وخارجها حيث تحشد التنظيمات السياسية قواعدها الطلابية وتستعين بكوادرها القيادية والوسيطة من خارج الجامعة ويأخذ التنافس اشكالا عدة يتحول من صراع الفكر والسياسة الى عنف في بعض الاحيان وكثيرا ما جمد المنبر النقابي لسنوات بسبب العنف الذي استخدمت فيه الاسلحة البيضاء والقنابل الحارقة وهي ما تعارف عليها الطلاب «بالملتوف» كانت جامعة الخرطوم قد قدمت الشهيد «القرشي» ابان احداث ثورة اكتوبر 1964م والشهيد بابكر عبد الحفيظ والشهيد حران .



إعداد : رحاب طه
وتأخذ انتخابات الاتحاد اهميتها حيث ان الجامعة ظلت تخرج قيادات البلاد في كل المستويات فمعظم وزراء الانقاذ هم من خريجي الجامعة والكثيرون منهم كانوا في قيادة الاتحاد او مكتبه التنفيذي فالنائب الاول لرئيس الجمهورية الاستاذ علي عثمان محمد طه كان رئيسا للاتحاد دورة 69 ــ 70 والداعية الاسلامي جعفر شيخ ادريس كان رئيسا للدورة 58 ــ 59 والاستاذ حافظ الشيخ الزاكي رئيس القضاء الاسبق كان رئيسا لدورة 63 ــ 64 والاستاذ علي محمود حسنين القيادي البارز بالحزب الاتحادي الديمقراطي كان رئيسا لدورة 59 ــ 60 ويومها كان منتميا للتيار الاسلامي والاستاذ ربيع حسن احمد كان رئيسا لدورة 64 ــ 65 والمرحوم شهيد الدعوة احمد عثمان المكي كان رئيسا لإتحاد شعبان 72 ــ 73 والدكتور التجاني عبد القادر كان رئيسا للاتحاد 77ـ 78 والدكتور المعتصم عبد الرحيم وكيل وزارة التربية والتعليم والي الولاية الشمالية السابق كان رئيسا لدورة 78 ــ 79 والاستاذ امين بناني وزير الدولة بوزارة العدل السابق كان رئيسا لدورة 80 ــ 81 والدكتور غازي صلاح الدين مستشار السلام السابق كان عضوا بالمجلس الاربعيني دورة 74 ــ 75 والاستاذ سيد الخطيب مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والناطق الرسمي باسم وفد الحكومة لمفاوضات السلام كان عضوا بذات المجلس كما ان الدكتور مطرف صديق عضو وفد المفاوضات وكيل وزارة الخارجية كان عضوا بذات الدورة وهي دورة 74 ــ 75 والدكتور الطيب ابراهيم محمد خير وزير رئاسة الجمهورية مستشار الأمن القومي كان عضوا بذات الدورة ، عشرات الوزراء السابقين والحاليين تخرجوا في اتحاد طلاب جامعة الخرطوم قبل ان يتخرجوا في جامعتها وفي هذه الايام تتسابق التنظيمات السياسية للفوز بالمنبر حتى يكون اضافة لرصيدها في الجامعة .




النشأة والتطور
بدأت نواة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم بانشاء جمعية الثقافة والإصلاح عام 1938م والتي تولى رئاستها حين ذاك الطالب عبد المجيد امام ثم تحولت جمعية الثقافة الى لجنة اتحاد كلية غردون والمدارس العليا عام 1941م وتولى رئاسة لجنة الاتحاد التنفيذية الطلاب احمد ومبارك زروق ومحمد الحسن ا بوبكر ثم تغير الاسم من لجنة اتحاد كلية غردون الى اسم اتحاد الكلية ا لجامعية في عام 1946م وتولى رئاستها الطالبان عبد القادر مشعال ومحمد سعيد ثم تحول الاسم عام 1948م الى اتحاد عام الطلاب السودانيين الذي تولى رئاسته الطالب حسين عثمان وني والطالب مصطفى سيد ثم حل الاتحاد بقرار من الادارة عام 49 ــ 1951م وظل يعمل سرا حتى تمت اعادته عام 1952م وجاء حاملا اسم اتحاد الكلية الجامعية الذي تولى رئاسته الرشيد الطاهر بكر ثم تعاقب على رئاسته كل من عثمان سيد احمد وعمر مصطفى المكي وميرغني النصري ودفع الله الحاج يوسف ثم تغير الاسم الى اتحاد طلاب جامعة الخرطوم وظل هذا الاسم ملازما له حتى هذا التاريخ وقد تولى رئاسة اول دورة بعد تغيير الاسم الطالب ابو القاسم سعد 57 ــ 1958م والاتحاد هو الجهاز الطلابي الذي يتولى مهمة تنمية مواهب الطلاب العلمية والثقافية والفنية والاجتماعية ويقوم الاتحاد بتسيير انشطته المختلفة معتمدا بصورة اساسية على موارده المالية الذاتية والتي انشأها الاتحاد في دوراته المتعاقبة وهي عبارة عن ايرادات منشآته المختلفة ذات الطابع الاستثماري وتستوعب انشطته المختلفة واحتفالاته ومهرجاناته الثقافية الغالب الاعم من هذه الايرادات واعتماد الاتحاد على موارده الذاتية كان احد اسباب القوة التي يتمتع بها وعندما تنتهي دورة الاتحاد وينتخب اعضاء الاتحاد بعد الدورة الجديدة يقام اجتماع تقليدي يحضره مدير الجامعة ونائبه وعميد الطلاب ويتم فيه اختيار مدير المجلس الاربعيني ورئيس الاتحاد الجديد واعضاء لجنته التنفيذية وهناك علاقة اجتماعية قوية بين ادارة الجامعة واتحاد الطلاب الا انه احيانا كثيرة تزداد حدة الصراعات حول المسائل الادارية التي تنشب من حين لآخر بين الاتحاد والادارة وتبدو العلاقة وكأنما مقطوعة ولكنها سرعان ما تعود الى طبيعتها . التنظيمات السياسية في الجامعة .



يتحدث الدكتور التجاني عبد القادر عن الاطر الثقافية لطلاب جامعة الخرطوم فيقول نحن هنا امام مقابلة ومواجهة حادة بين اطارين ثقافيين كل منهما له خصائصه الثقافية الاسلامية العربية والثقافية العلمانية الغربية فكيف تكون العلاقة بين هذين الاطارين ؟ اتقوم على التعايش ام على الصراع ؟ وكيف تستطيع المؤسسة التعليمية ان تستوعبهما معا ..؟ وبمتاعبة الارقام يبين ان الصراع بين التنظيمات السياسية يتسم بوضوح نسبي يجسد الرفض البين من الطالب الملتزم باصوله الاسلامية المستعصم بتراثه العقائدي سياسة طمس معالم الثقافة الاسلامية بل حتى محاولات تحويرها ويعلق الدكتور التجاني قائلا : ان الصدام بين الحضارتين الغربية والاسلامية قد نشأت عنه فئتان من السودانيين فئة تعتصم بالدين حتى يصفها الكتاب الغربيون بالتزمت والدروشة والتخلف وفئة تنسلخ من الدين فيصفها الكتاب الغربيون بالانفصام في الشخصية واللوثة في العقل والذي ينظر لحركة الطلاب السياسية في جامعة الخرطوم خلال العشرين عاما الاخيرة يجد تباينا واضحا بين قضية الإسلام التي اصبحت محورا ثابتا تنأى عنه الاحداث وتقترب ولا تستطيع منه فكاكا ويلاحظ ان هنالك تقلبا كبيرا في ثقافات الطلاب ولكن ثمة امر جامع يربط بين اطراف هذه التقلبات وهو البعد الثابت من منطقة الالحاد والاقتراب المضطرد من ساحة التدين والالتزام العقائدي وفي فترة الخميسن عاما ظهرت العديد من التنظيمات السياسية في ساحة الجامعة الا ان اكثرها تأثيرا في الحياة السياسية بجامعة الخرطوم هو الاتجاه الاسلامي وتؤكد ذلك نتائج الانتخابات خلال عشرين عاما والتي اجريت فيها الانتخابات ست عشرة مرة فاز فيها الاتجاه الاسلامي «ثلاث عشرة مرة» وفقدها ثلاث مرات في اعوام 68 ــ 69 ــ 79 ــ 81 ــ 84 ـ 85 اما الجبهة الديمقراطية وهي الاسم الطلابي الذي يطلق على الطلاب الذين ينتمون الى الحزب الشيوعي او الذين يتفقون مع اطروحات الشيوعيين الاساسية كلها لكنهم لسبب ولآخر ولم يصبحوا اعضاء ملتزمين في الخلايا الشيوعية في داخل جامعة الخرطوم وهي تنظيم سياسي عريق تكونت اولى خلاياه في عام 1946م في كلية غردون التذكارية وتأسست في عام 1954م بعد انعقاد مؤتمر الطلاب الشيوعيين في سنة 1949م والذي انبثقت منه فكرة الجبهة الديمقراطية في العام 1950م قامت محاولة تكوين حزب او تجمع للطلاب المستقلين عندما تأسس مؤتمر الديمقراطيين الاشتراكيين والمحاولة الثانية في عام 1964م بظهور تنظيم الفكر الحر بقيادة مجموعة من الطلاب المستقلين الذين استطاعوا تكوين قائمة من عشرين شخصا وخاضوا الانتخابات ودعم الشيوعيين المستقلين فتم اقصاء الاتجاه الاسلامي من قيادة الاتحاد ليتولى رئاسة الاتحاد اسماعيل الحاج موسى ومن قيادات المستقلين آنذاك بشير عبادي ، خالد المبارك ، عثمان سيد احمد ، حسن عابدين ثم ضعفت الحركة المستقلة ولم تكن لهم صحيفة منتظمة مثل بقية التنظيمات وانما كانت تصدر متقطعة ويعتمدون على البيانات اثناء الاحداث .



كما شهدت الجامعة ميلاد الحزب الجمهوري الذي اسسه الاستاذ محمود محمد طه في عقد الاربعينيات وللجمهوريين مفاهيم عديدة في قضايا الرسالة والنبوة والدين والشريعة وهل الانسان مخير ام مسير ولهم مفاهيم خاصة لمعاني الطاعة والمعصية والجنة والنار والولاية والطلاق والزواج وحسب مقولاتهم فإن فكرة الجمهوريين تعتمد على رؤية جديدة من أجل تطوير منهج إسلامي يتماشى مع تطورات العصر وفي جامعة الخرطوم كان تنظيم الجمهوريين مؤثراً وفعالاً تحت اسم رابطة الفكر الجمهوري وكانوا يصدرون صحيفة حائطية دورية تسمى (الفكر) تعبر عن مواقفهم الفكرية والسياسية يركزون فيها على مهاجمة الاتجاه الاسلامي وكانت لهم علاقة حميمة مع نظام الرئيس جعفر محمد نميري يؤيدون برامجه السياسية باعتبار ان ثورة مايو هي الخيار الامثل لحل مشكلة السودان المعقدة .




أهم الاحداث
مرت الجامعة باحداث كثيرة الا ان ابرزها هي حادثة (رقصة العجكو) وعرفت فيما بعد «بحادثة العجكو» وتؤدي رقصة العجكو بنمطها التراثي اداء متميزا ويرقص فيها الرجال والنساء في حشد وسط انغام الطبول وكانت هذه الرقصة من المفترض ان تقام بقاعة الامتحانات الكبرى بعد ان دعت اليها جمعية الفنون الشعبية التي يسيطر عليها الشيوعيون بغرض احياء التراث السوداني ولكن الاتجاه الاسلامي رفض فكرة الحفل اصلا وعبر عن ذلك الرفض صراحة من خلال اجهزته الاعلامية وبرر رفضه بأن هذا الحفل حسب رأيه «دعوة سافرة للخلاعة والمجون قصد منه استفزاز مشاعر المسلمين وافساد ابنائهم وبناتهم واعلن عن عزمه على ايقاف الحفل ومنع قيامه مهما كانت الظروف ولم يستجب احد لتهديدات الاتجاه الاسلامي حضر المدعوون لمكان الحفل وعندما بدأت الاحتفال بطابور الفتيات يرقص رقصة العجكو ويؤدينها بطريقتها التراثية المعروفة صعد احد اعضاء الاتجاه الاسلامي الى منصة الاحتفال واعلن عن ايقاف الحفل وطلب من جميع الحاضرين مغادرة القاعة فورا حفاظا على سلامتهم منها ارتفعت اصوات المعارضين تدعو للاستمرار ليحدث اشتباك عنيف بين عضوية الاتجاه الاسلامي والشيوعيين استخدمت فيه الكراسي والزجاجات الفارغة حتى سقط الطالب سيد عبد الرحمن الطيب كنة قتيلا بطعنة من احد زملائه .




دستور الاتحاد
دستور التمثيل النسبي هو دستور ينظم انتخابات مجلس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم منذ عام 1957م استنادا على عدد الاصوات التي يحصل عليها كل تنظيم ويرجع هذا الدستور الى الجبهة الديمقراطية التي عدته وقدمته ليصبح دستورا رسميا للاتحاد عام 1957م وذلك خلال فترة قيادة الجبهة الديمقراطية وتقول نظريته لكل طالب الحق في التصويت بكل مقاعد المجلس وله حق ان يمنح كافة اصواته لقائمة واحدة كما له الحق ان يمنحها لقوائم مختلفة وليس من الضروري ان يستنفذ الناخب مجموع اصواته وبعد نهاية التصويت تجمع الاصوات التي نالتها كل القوائم وتقسم على مقاعد المجلس لتحديد قوة المقعد اما الدستور الحر المباشر فهو الدستور الذي حل محل دستور التمثيل النسبي وكان ذلك عام 1973م بعد فترة من الاضطراب السياسي حُل فيها الاتحاد وجُمد نشاطه .




التحالفات السياسية
التنظيمات السياسية في سعيها للفوز بانتخابات اتحاد طلاب جامعة الخرطوم تلجأ للتحالفات وكان الاتجاه الاسلامي دائما هو التنظيم الذي تتحالف ضده التنظيمات ومع ذلك حقق الاتجاه الاسلامي الفوز باغلبية دورات الاتحاد حيث فاز بأكثر من ثلاثين دورة في دورات الاتحاد التي لم تتعد الاربعين دورة وفي انتخابات الاتحاد السابقة تحالفت معظم التنظيمات السياسية ضد حركة الطلاب الاسلاميين الوطنيين التي تمثل الاتجاه الاسلامي وكسب التحالف الانتخابات التي جاءت بعد تعطيل الانتخابات لاكثر من خمس سنوات .الاسبوع الماضي اعلنت قوائم الانتخابات وبدا واضحا ان تحالف القوى الديمقراطية الذي فاز بالانتخابات السابقة قد اعاد تحالفه من جديد الذي يضم الجبهة الديمقراطية والاتحادي الديمقراطي وحزب الامة وحركة القوى الجديدة حق جناح الحاج وراق اضافة الى حزب البعث وتنظيم الـ (ANF) والمستقلين بينما اعاد التيار الاسلامي تنظيم صفوفه حيث تحالفت حركة الطلاب الاسلاميين الوطنيين الاسم الجديد للاتجاه الاسلامي مع انصار السنة الامانة العامة وجماعة الاخوان المسلمون اضافة الى اتحاد قوى المسلمين وهي جماعة عبد الحي يوسف ومحمد عبد الكريم وقد احرزت المرتبة الثانية في الانتخابات السابقة وحازت على اكثر من الف صوت اما القائمة الثالثة فهي قائمة الوحدة الطلابية التي تضم جماعة حزب البعث وحزب العدالة والناصريين و (ANF) والقائمة الرابعة هي قائمة الاصلاح التي تضم جماعة انصار السنة جماعة ابوزيد والاخوان المسلمون جناح ابو نارو وهناك قائمة الجهاد اضافة الى قائمة الحركة الاسلامية التي يمثلها طلاب المؤتمر الشعبي وكانت هذه القائمة قد احرزت المرتبة الخامسة في الانتخابات السابقة .



احتمالات الفوز والخسارة



تشير متابعات الصحافة ان اقوى القوائم المرشحة للفوز هما قائمتا التيار الاسلامي وتحالف القوى الديمقراطية حيث ان تحالف القوى الديمقراطية احرز اكثر من خمسة الف صوت في الانتخابات السابقة بينما احرزت قائمة الاتجاه الاسلامي اكثر من الفي صوت وقائمة انصار السنة اكثر من الفي صوت وجماعة قوى المسلمين التي انضمت لقائمة التيار الاسلامي اكثر من الف صوت .



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147488430&bk=1
__

Post: #258
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 07:55 PM
Parent: #1


وكتبت للمسرح القومي ؟



< اول اعمالي للمسرح ا لقومي كانت مسرحية الزوبعة وهي في الحقيقة ما من تأليفي لكن سودنتها من كاتبها المصري محمود دياب اخرجها شاب اسمه عوض محمد عوض جاء في الوقت داك من مصر تخصص اخراج الكلام ده سنة 1970م وقام بطولتها ابراهيم حجازي والهادي الصديق والريح عبد القادر وسمية عبد اللطيف ونادية جابر ومحمد رضا حسين عليه رحمة الله .



* لكن انا بعرف انك كنت في ابا دماك والكلام ده سنة 1969م .. ودي فترة لازم نسمع فيها ؟



< صاح كنت انا من ضمن الناس الأسسوا ابادماك .



* هي شنو ابا دماك دي ؟



< في يناير 1969م تمت دعوة عدد من الادباء والفنانين والكتاب لاجتماع في مسرح البعثة التعليمية عشان يقفوا ضد اعدام محمود محمد طه وفي الاجتماع وزعنا ارانيك فاكتشفنا بيننا كتاب وشعراء ومسرحيين وتشكيليين طوالي قلنا يا جماعة نعمل تجمع وقد كان .



* من وين جاء ابا دماك ؟



< انا اقترحت نسميها سنار باعتبارها بوتقة الثقافة العربية والافريقية لكن عبد الله جلاب كان اكثر عمقا مني فاقترح ابادماك وهو شاعر نوبي وعنده قصائد جميلة وعلى ما اظن هو صاحب قصيدة (يا بنات النقعة والمصورات) وهو اخرج الناس من عبادة امون رع وفي ناس يعتبروه اول إله نوبي وبتلقاه في معبد الاسد في المصورات وده هو زاتو على شكل اسد وافقنا على الاسم لما فيه من قوة واصالة .



* ومارس التجمع ده نشاطه في كافة المجالات ؟



< نعم وبنشاط كبير قدمنا سوق خيري في المقرن عرضنا فيه مسرحيتين (سقوط دبشليم لللفيتوري) اخراج صلاح ومسرحية (الكتاحة) د . خالد المبارك وطوالي عملنا رحلة للجزيرة لقرية بورتيبل وكنا دايرين نقيس درجة تقبل الناس للمسرح هناك والمفاجأة كانت انو المسرحية الوجدت تجاوبا كبيرا جدا هي (سقوط دبشليم) وكونا فرقة بورتيبل وفعلا عرضت في قرى الجزيرة وبنت المسجد بتاع القرية بعائد المسرح.



أما في الخرطوم فنحنا أول من قدم مسرح الشارع عندما عرضنا مسرحية «إلى القصر حتى النصر» تأليف عبد الله علي إبراهيم إخراج صلاح قولة ومثلت فيها أنا دور مزارع الكلام ده سنة 1969م 21 أكتوبر.



وجاء ما يو



سمعنا البيان الأول بتاعها ونحنا في غرب الجزيرة في قرية بورتيبل.. وبعدها أشاد بنا نميري في بعض بياناته.






http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147488292&bk=1
_________________

Post: #259
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 07:56 PM
Parent: #258


قذاذات وجذاذات
مركز الضاد للثقافة والدراسات العر بية
د. عمر شاع الدين
مراجعة تحقيق الطبقات
لبروفسير يوسف فضل
اريد ان اقف مراجعا قولا سابقا كنت قلته عند مراجعتي سيرة الشيخ محمد بن مدني دشين قاله ود ضيف الله: واخبرني جدي موسي ودريّه قال انا في مصر فرأيت في بعض السكك جاريه فوق السطوح لابسه الذهب والحرير وتقول يا ولد مدني يا طاهر الشيبه جوهني وجوه الكريبه: 332 .
كنت رجحت انها اصلا (وجهني) وذكرت ان مما يقوي هذا عندي هوكلمة وجوه.
قلت: في مراجعة لاحقة لسيرة الشيخ ابودلق وجدت ود ضيف الله يقول: هو احد الذرايب السبعه الذين جوههم الشيخ عجيب لولد جابر.
----------------
واغلب الظن ،ان الخليفة لم يتصل بنثر الشيخ جلال الدين المجذوب، لم يقرأ النحو علي حسيب المجذوب ، لم يدرس بخلاوي الغبش ببربر ، وبين الغبش والمجاذيب صلة واشجة ، فمن اين له ان يكون خليفة علي الناس ؟!
ولا يدري البروفيسور عبد الله الطيب ان كان كتاب الخليفة علي حظ حسن من العربية الفصحى، وهي فجوة ايديولوجية واسعة، سيتمكن البروفيسور ، عبرها من اسقاط اسماعيل الكردفاني ، وكتابيه اللذين كتبهما بتكليف من الخليفة (سعادة المستهدي و الطراز المنقوش)، دون ان يرف له جفن، فيما يعتمد في ترفيع الشيخ جلال الدين على قطعة صغيرة من وريقاته في المولد النبوي. وعبر ذات الفجوة، يسقط الهاشماب جميعا، وقد كان بعضهم كتابا للخليفة ، وآل الحجاز، ويمسك بالحسين الزهراء قليلا ، قبل ان يسقطه بدعوى ان اسلوبه معقد ومتقعر، لا يسمو الي ما استشهدنا به ، ص 30 والحسين الزهراء كتب اكثر من ثلاثة كتب في زمن الخليفة ، وتحت وصايته.
بيد انه - البروفسور- لا يجد تناقضا مطلقا ، حين يقدم للبروفيسور ابوسليم كتابه عن الحسين الزهراء عالم المهدية، في ان يصفه بالعالم، المتميز واسلوبه بالسلامة والجودة ، ويشبه محنته مع الخليفة بمحنة محمود محمد طه مع جعفر نميري !!.




http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147488174&bk=1
_

Post: #260
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 07:57 PM
Parent: #259



د . سعاد ابراهيم عيسي تخص الصحافة بتجربتها

انشأنا مدرسة الاتحاد النسائى المتوسطة والتي تحولت الى مدارس الأم
اسمي لجنة الاتحاد النسائى بالعشر المبشرات بالجنة
الحركة النسائىة السوداية منذ انشائها تتجاذبها عدة تيارات بعضها يعلى من شأن الاهتمام النسائي الخالص وبعضها ينادي بدخول ميدان السياسة مباشرة وهنالك تيارات لا يمكن الحديث عنها لاسباب اقلها انها لم تفصح عن نفسها وتختبئ داخل معاطف اخرى .
ويبدو ان هذه التيارات تصطرع اكثر واكثر في ظل التحولات الحالىة ونحن بغرض توفير المعلومات الظاهرة باعتبارها واجبنا المهني المقدم نواصل حوارنا مع الرائدات ونلتقي في هذه المرة بالدكتورة سعاد ابراهيم عيسي ضمن سلسلة حوارات نعد بها القارئ الكريم والى مضابط الحوار .
حوار : قرشي عوض ــــ تصوير : عصام عمر
* الدكتورة سعاد ابراهيم عيسي مرحباً بك في جريدة الصحافة ونريد ان نقف على تجربتك في العمل النسائى والعمل العام ؟.
< شكرا جزيلا على هذه الدعوة واتمني ان اكون عند حسن الظن ، انا بدأت العمل العام في الخمسينات كعضو في الاتحاد النسائى وفي عام 1953م انشأت مدرسة الاتحاد النسائى المتوسطة كأول مدرسة للبنات في الخرطوم والحقت بها روضة اطفال وظللت اعمل في هذه المدرسة بمرتب وقدره 4 جنيهات ، وفي عام 1956م عندما كانت الاستاذة فاطمة احمد ابراهيم رئىسة الاتحاد النسائى انا كنت السكرتيرة وانا اعتقد ان تجربة المدرسة من التجارب التي مرت على وانا اعتقد ان التعلىم هو الاساس لاى عمل اخر واذا استطعنا ان نعلم المرأة فهذا يعني انه بمقدورنا ان نعدها للعمل السياسي والاقتصادي والاجتماعي .
* ثم ماذا بعد مدرسة الاتحاد النسائى بالخرطوم ؟
< بعد ذلك فكرت في فتح متوسطة اخري في القطينة بلدي لكن للاسف رفضت الفكرة رغم ان القطينة من المناطق التي بدأ فيها التعلىم مبكرا واكثر المعلمات كن من القطينة لكن بالرغم من ذلك لم يكن اهل القطينة حريصين ان نفتح مدرسة باسم الاتحاد النسائى ومدرسة الاتحاد النسائى التي اقمتها في الخرطوم تطورت واصبحت مدارس الام بعد ان ضمتها الوزارة . وانا واصلت العمل العام والفترة التي توقفنا فيها كانت ايام عبود ، وبعد اكتوبر قل نشاطي بعض الشئ لكن بعد مايو انضممت لاتحاد نساء السودان واعتقد ان اتحاد نساء السودان انجز اشياء كثيرة كان قد بدأها الاتحاد النسائى وذلك يرجع لوجودنا نحن اتحاد نساء السودان كعضوات سابقات في الاتحاد النسائى وذلك مثل الاجر المتساوي الذي طالب به الاتحاد النسائى وتحقق جزئىا بعد اكتوبر واصبح معمما لكل النساء بعد مجئ مايو ودستور 1973م ساوي بين المرأة والرجل في العمل والحقوق والواجبات .
* قبل الحديث عن تجربة اتحاد نساء السودان نريدك ان تحدثينا عن الرائدات اللائى لم يسلط علىهن الضوء ؟
< الرائدات سلط علىهن الضوء وكل العشرة اللائى كون الاتحاد النسائى وانا اسميهن العشرة المبشرات بالجنة فهؤلاء لازالت الاضواء مسلطة علىهن وبطريقة كادت تحرقهن لكني اعتقد ان عمائم ايدام من العشرة اللائى لم يسلط علىهن الضوء وايضا الاخت سعاد عبد الرحمن وقد لا استطيع ان استحضر كل الاسماء .
* المرحلة الاخيرة ربما تكون ظاهرة حوارات نسائىة حيث اجرت العديد من الصحف لقاءات مع الرائدات ماهو تقييمكن لتلك الحوارات ؟
< افتكر انها ظاهرة جيدة واعتقد ان حركة المرأة لازالت تحتاج لتوثيق وتدوين ورغم ما كتب من خلال تلك الحوارات التي اتسمت بالامانة والشفافية والنزاهة لكن لازالت هنلاك جوانب ناقصة ونحن في مجموعة المبادرات النسائىة استنينا سنة ان تكتب كل واحدة كتابا عن الحركة النسائىة ويطرح على مجموعة من الناس الذين يمكن اعتبارهم مراجع بغرض التمحيص والتنقيح وقدمت الاستاذة نفيسة المليك دراسة نوقشت على مدى يومين .
* في تقديرك ماهي الجوانب التي لم تشملها التغطية الاعلامية لقضية المرأة من خلال ما نشر حتي الآن ؟
< اعتقد ان الكتابة عن التاريخ بالذات ان لم يكن هناك تجرد وشفافية ونحن لدينا مشكلة تتمثل في الخلط بين السياسة والتاريخ واذا انا كنت مثلا ضد الانقاذ فالنزاهة تفرض على ان اري حسناتها وسيئاتنا لانه لا يوجد نظام سيئ مطلقا او حسن مطلقا وما كتب عن المرأة يحتوي على اشياء موجبة لكنه في نفس الوقت ينطوي على اشياء سالبة وهنالك ايضا نواقص . * اذا انت تعتقدين ان ما كتب حتي الآن لم يغط كل تاريخ الحركة النسائىة ؟
< لم يغط وتجاوز اشياء مثلا تاريخ المرأة يشتمل على الصحة والتعلىم والتاريخ في هذا الجانب معروف والعمل السياسي هو الذي يأتي فيه الاخذ والرد واذا حدثت اشياء موجبة للمرأة في وقت انت كنت فيه ضد النظام فانك ستعتبرها سالبة ولهذا تلك الجوانب لم تغط بالقدر الكافي او ربما القفز فوقها لان الانسان لا يريد ان يظهرها وهذا خطأ لاننا نتحدث عن حركة متسلسلة في حقب مختلفة ودائما الفجوة في السياسة تنسب للنظام القائم وانا لا اريد ان امتدح الانظمة الشمولية رغم انني عملت فيها لكن اعتقد انها اعطت المرأة حقوقا .
* في تقديرك ماهي اهم الاختراقات التي حققها اتحاد نساء السودان في قضية المرأة ؟
< الى جانب الاجر المتساوي ومساواة الدستور للمرأة بالرجل اعطي دستور 1973م المرأة الحق في المعاش وهنالك ضجة حول هذه المكاسب حيث يقول البعض ان الاتحاد النسائى هو الذي حققها للمرأة . نعم نحن نقول ان الاتحاد النسائى حقق الكثير من الانجازات للمرأة وهو الذي قام بتوعيتها ولفت نظرها لحقوقها وواجباتها ووضع الاسس التي تبني علىها هذه الحقوق والواجبات . لكن التنفيذ تم جزئىا بعد اكتوبر وكاملا بعد مايو واتحاد نساء السودان في مايو استطاع ان يحقق حق الميراث ، وبعد ذلك في قوانين العمل في سنة 73 ــ 1975م اعطيت المرأة حقوقا مثل اجازة الوضوع وساعات الرضاعة وحق مرافقة الزوج للخارج وفي العمل خصصت نسبة للنساء في المجالس الشعبية حيث بلغت النسبة 25% من المقاعد وهذا الوضع لم ينشئ اعتباطا لان المشرع يعتقد ان النساء لازالت تجربتهن في هذا الجانب ضعيفة ويحتاجن الى سند .
* اتحاد نساء السودان مثله مثل اتحاد شباب السودان متهم بأنه كان واجهة لسلطة، يلعب دورا في تمرير سياساتها ويحتلب ثدي الدولة كما تفعل تنظيمات بعينها الآن فما قولك ؟
< انا لا اريد الكذب فالحقيقة يجب ان تقال فاتحاد نساء السودان كونته مايو وانا قدمت ورقة في هذا الشأن قلت فيها ان الحكومات العسكرية التي تأتي للسلطة من غير سند جماهيري تفكر دائما ان يكون لها سند جماهيري في التنظيمات التي تنشؤها مثل تنظيمات النساء والشباب ومايو انشأت اضافة الى ذلك تنظيمات فئوية كثيرة فاتحاد نساء السودان تنظيم سلطة لكن العناصر التي تشكل منها كانت واعية وصلبة واستطاعت ان تنتزع حقوقها .
* الم يلعب الاتحاد دورا في تمرير سياسة السلطة ؟
< مثل ماذا ؟
* مثل زيادة سعر السكر ؟
< استطيع ان اجزم بأن اتحاد نساء السودان لم يكن يمرر سياسة خاطئة او يوافق علىها واذكر في قضية الاستاذ محمود محمد طه كتب المكتب التنفيذي للاتحاد خطابا استنكر فيه ذلك وارسل الى القصر وجاء فيه ان الرأى يحارب بالرأى وليس بالقتل والرئىس كان مسافر لكنه توعد من كتبوا هذا الخطاب بعد عودته وقد استغرب النميري ان يقف تنظيم من صنعه ضد سياساته وقال حينما يعود سوف يقوم بتأديب من فعلوا ذلك .
* تعتقدي هذا الخطاب يكون بحوزة من ؟
< هذا الخطاب ذهب الى القصر لكن لا ادري يكون مع من والمؤسف ان وثائقنا لم نستطع ان نحملها معنا بعد الانتفاضة وقد استغرب الاتحاد الاشتراكي هذه الجرأة من النساء المهم هو هددنا ومشى ، ومشي وتاني ما جاء .
* طيب زيادات السكر ؟
<وقفنا ضدها .
* الم يعرض التلفزيون في حينها بعض رموز الاتحاد للحديث عن الاضرار الصحية للسكر ؟
< انت مشيت خطوتين في خطوة واحدة حيث انه لا يمكن ان يتحدث انسان في التلفزيون في عهد شمولي ويقول الرئىس غلطان .
* نحن لم نقل ذلك لكن اولئك النساء قلن ان الاستخدام الزائد للسكر مضر. الم يحدث ذلك ؟
< من الذي قال ؟
* هذه حادثة لكي ان تنفيها او تثبتيها .
< أنا لم اسمع بها .
* اذا ماهو الدور الذي لعبه الاتحاد في مسألة زيادة السكر ؟
< زيادة السكر لم تأخذ فترة طويلة حيث قامت «القيامة» في الشارع وسحبت على اثرها الزيادات والرئىس استقال ورجع .
* اتحاد نساء السودان هل كانت همومه هموم صفوة نسائية ام استطاع ان يندمج في القاعدة النسائىة العريضة ؟
< اول شئ اتحاد نساء السودان له قواعد في كل الريف السوداني او كما يقولون من نمولي الى حلفا ومن الغرب الى الشرق وفي الجنوب بالذات كان له عدد من الوحدات ولهن مشاريع كثيرة والمرأة الريفية في ذلك الوقت عرفت حقوقها وطالبت بها وسارت خطوات كبيرة الى الامام .
* اتحاد نساء السودان كأول تجربة لتنظيم المرأة الريفية خارج الاطر الطائفية ماهو رد الفعل الشعبي علىها ؟
< حتي نكون اكثر علمية قصة الخروج الى الريف بدأها الاتحاد النسائى هم خرجوا للريف وقاموا بانشاء التكوينات النسائىة وكان لهم تنظيم في الجزيرة من اقوى التنظيمات وهذا يعني ان اتحاد نساء السودان قد وجد الارض ممهدة ومن غير الحديث عن الحزبية والطائفية لكن (النسوان) يهمهن في الاساس تعلىم الاطفال والصحة اكثر من اهتمامهن بالسفسطة السياسية واية جهة تقدم لهن مضخة مياه في دارفور افضل لهن من خطبة سياسية .
* ماهو اهم درس يمكن ان نخرج به من تجربة الاتحاد النسائى واتحاد نساء السودان في اختراق الريف ؟
< هو ان الجانب العملي اهم من التنظير والسفسطة ومهما كانت الخطط والاستراتيجيات التي توضع فاذا لم تنزل الى ارض الواقع فإنها تكون بلا قيمة وعديمة الجدوي لان النساء يهمهن ما يؤثر في حياتهن ولذلك اذا فعلت لهن حاجة بسيطة محسوسة افضل لهن من الف حاجة معلقة في الهواء .
* مسألة وصول امرأة لمواقع صنع القرار هل هي جهد نسائى خالص ؟
< هي جهد نسائى من حيث المطالبة بها لكنها جهد رجالى من حيث الاستجابة لها ولذلك على المرأة المطالبة بحقوقها والكفاح من اجل اقناع الرجل بهذا الحق ولذلك هي معركة مشتركة وبعض النساء لازلن يعتبرن هذه الحقوق ترفا .
* اذا الزاوية الحادة التي توصل امرأة الى مواقع صنع القرار ليس بالضرورة ان تكون في مثلث اضلاعه نسائىة صرفة ؟
< هي بالطبع زاوية حادة 30 درجة ونحن نتحدث عن الفجوة في هذا المجال ايهما اكثر النساء ام الرجال في مواقع صنع او اتخاذ القرار .. اذا الحكمة بالتنفيذ وليس التنظير .
* ماهي ضرورة الدعوة للنوع او (الجندر) اذا كانت المعركة مشتركة ؟
< كيف يعني ؟
* ماهي ضرورة ان يقوم ذلك على جهد نسائى خالص ؟
< جهد نسائى خالص لن ينجح ابدا وهذه مثل علاقة سالب موجب في الكهرباء واذا لم يقتنع الرجل بضرورة اعطاء المرأة حقوقها فإنها لن تنالها ونحن قلنا الاقناع باثبات الشخصية وليس بالضجة .
* كناشطة نسائىة عريقة ماهو تقييمك لاهم الفروق بين تاريخ الحركة النسائىة السودانية ودعاوي «الجندر» والنوع الىوم ؟
< هنالك حديث كثير حول حكاية الجندر وانا اسميها النوع والناس يعتقدون انه مصطلح اتي الىنا مع رياح العولمة وهنالك شعارات كثيرة اتتنا من الخارج لكننا ننظر الى هذا القادم ونطوعه ونضعه في قالبنا فالنوع هو الذكر او الانثي وهذا يختلف عن الجنس الذي بالبيولوجيا لكن النوع يرتبط بالحقوق والى اي مدي هذه الحقوق فيها تساوي وكيف تحقق هذه الموازنة فتجربة الاتحاد النسائى ومن بعده اتحاد نساء السودان كانت تشكل بداية تحرر المرأة ومسألة الجندر هذه لم تكن موجودة ولذلك لا استطيع ان اقارن بين المرحلتين لكن اعتقد ان موضوع الجندر لا يستحق كل هذه الضجة المثارة حوله ونحن نتحدث عن فروق خلقها النظام الاجتماعي وفي المقدور ازالتها وليس عن الفروق الطبيعية المرتبطة بالجنس والحركة النسائىة السودانية قادرة على التعامل مع كل المفاهيم الجديد وحتي اذا ظهر مفهوم اخر غير الجندر نحن نستطيع ان نستوعبه .
* الىس من الممكن ان تتحول مفاهيم الجندر الى موقف نفسي ضد الرجل ؟
< كيف يعني ؟
* مثلا ان تقوم حركة نسائىة ضد الرجل ؟
< لا انا ضد ان يتحول مفهوم الجندر الى حركة ضد الرجل ونحن نتحدث عن المساواة وليس تفوق النساء على الرجال ونحن عن الممكن ان نعالج الاشياء التي يتضرر منها الرجل ايضا ونحن حينما نتحدث عن الفجوة في التعلىم نعني سدها لكن اذا تفوقت البنت في الجامعة على الولد فاننا لا نتدخل .
* لماذا ؟
اجابت ضاحكة:
< «اوريك ليه» هذه اشياء يحكمها العقل ويحكمها المؤهل ولذلك ليس من حق انسان ان يتحدث عنها ونحن لم نطالب بتخصيص «كوته» للنساء في الكلية الجامعية المعنية .
* من خلال متابعتك للحركة النسائىة الم تلاحظي تيارات غريبة هنا وهناك تذهب بالدعوة الى جندر لغير مفهوم سد الفجوة النوعية ؟
< يا اخوانا هو الجندر دا شنو ؟ الا اذا كان الناس فاهمين غلط .
* في تجربتنا السودانية والعربية الدعوة الى حركة المرأة تبناها الرجال والنساء مع بعضهم البعض لكن في الغرب قامت على جهد النساء مما يجعلها مفهومة عندهم وغريبة عندنا ما قولك ؟
< انا لم الاحظ ذلك انت لاحظت ؟
* أنا صحفي مهمتي توفير المعلومات حول الظاهرة .
< عموما انا لم يقابلني تنظيم نسائى ضد الرجل .
* ولا عناصر نسائىة ؟
< هذه اشياء شخصية لا نستطيع ان نتحدث عنها واذا كنت انا ضد الرجل فهذه قضيتي الخاصة .
* تكون قضيتك الخاصة اذا لم تقومي بالتنظير لها والا يكون الامر مختلفا الىس كذلك ؟
< هذا يختلف عن تنظيم ضد الرجل .
* بعيدا عن الجندر نريدك ان تلقي الضوء على الصحافة النسائىة منذ نشأتها وحتي الان ولماذا هي متعثرة ؟
< نحن في السودان نبدأ كبارا ثم نصغر والوضع الطبيعي ان نبدأ صغارا ثم نكبر .
* قلت لها مثل نار القصب ؟
< فوافقت ضاحكة واضافت ان الصحافة النسائية منذ زمن من ناس (سر كسيان) والقافلة لحاجة كاشف وهنالك مجلة اصدرتها ايضا سعاد الفاتح وبعد ذلك جاء صوت المرأة وبعدها نساء السودان ويلاحظ انها كلها مجلات وليس بينها جريدة وكلها توقفت ولا ارجع ذلك لمقدرات المرأة ولكن لضعف الامكانيات وان الرجل دخل السوق اولا .
* باعتبارك معاصرة لقيام صوت المرأة ما قولك فيما ذكرته فاطمة احمد حول رفض اللجنة التنفيذية للاتحاد النسائى لصوت المرأة ؟
< بعض من ذكرتهن فاطمة لم يكن موجودات بالسودان مثل نفيسة احمد الامين والاخريات لم يرفضن الفكرة ولكن كانت لديهن نية اصدار مجلة ولذلك اذا كانت المجلة باسم فاطمة احمد لا يمكن ان تتحدث باسم الاتحاد النسائى لكن يمكن ان تتبني فكر الاتحاد النسائى .
* وما رأيك فيما اثير من حديث حول تمويل صوت المرأة ؟
< انا شاركت في هذا التمويل وهو 50 جنيها .
* لكن فاطمة قالت انها باعت ذهبها من اجل تمويل صوت المرأة كيف تردين ؟
< احتمال تكون باعت ذهبها فانا لا استطيع ان اجزم بذلك واقول لك نحن حينما فازت فاطمة احمد في الانتخابات اقمنا احتفالا في المقرن دعمنا بدخله صوت المرأة واذكر ان الدخل بلغ 932 جنيها وكان مبلغا ضخما جدا هذا اضافة (للغوايش) و «الخواتيم» التي تبرعت بها النساء .
* ما رأيك فيما اثير حول «الثوب» والزي الافرنجي في تاريخ الحركة النسائىة ؟
< الصراع الذي اثير في الجرائد حول هذا الموضوع انا لا اعرف واحدة في المجموعة تلك خلعت الثوب .
* مافي واحدة ما كانت لابسة الثوب ؟
< بس واحدة جنوبية لكن المسائل الشخصية تظل شخصية وهذا يندرج في اطار اتخاذ القرار الشخصي .
* اجابة شخصية عن الثوب السوداني ؟
< انا افتكر ان الثوب حاجة مهمة جدا واذا خلعنا الثوب ماذا نصير ؟ هذه شخصيتنا وهويتنا واذا تخلينا عنها بماذا يعرفنا الناس ولذلك انا ضد الملابس الجات غريبة اذا كانت باكستاني او عباية او خلافه .
* ماهو تعلىقكم على الضجة التي اثيرت على مسألة الحجاب في فرنسا مقارنة مع الزي الجامعي عندنا وكشات النظام العام لبنات الاحفاد بدعوى اللبس الخليع ؟
< اذا الرئىس الفرنسي رأى ذلك في بلده واذا لم يعجب ذلك احد علىه ان يخرج من بلده .
* اذا كان من حق الرئىس الفرنسي ان يفرض لبساً معيناً في بلده أ لىس من حق الرئىس السوداني ان يقول ذلك ؟
< الرئىس الفرنسي لم يفرض ذلك على شعبه وانما على الوافدين الذين اتوا بشئ اخر لكن انتم برضو ماقصرتو وقبل ذلك قلتوا اى امرأة تجئ داخلة السودان نصرف لها عباية في المطار المهم انا رأيي ان لبس البنات الآن في غاية الحشمة ولا يحتاجن لعباية او خلافه .
* ماهو تقييمك للصفحات النسائىة المتخصصة في الصحافة السودانية ؟
< هنالك بعض الصفحات مفيدة ومبشرة جدا لكن الفجوة كبيرة جدا في مجال الصحافة .
* كيف تحددين ذلك ؟
< يعني مثل بين كل ستة اعمدة يوجد عمود واحد لامرأة .
* لكن ما عمود ..؟
< طبعا لكن لا اعتقد ان المسألة كانت بفعل الرجال لكن متطلبات الصحافة مشكلة كبيرة .
* من تعجبك من الاقلام النسائىة الشابة ؟
< والله كانت بتعجبني لبني ، لكن لبني بعد ان تزوجت حصل ليها تخفيف لنغمتها ونبرتها ما الزمان، يعني .
* يعني ما كلام رجال ؟
< اصلا ما كلام رجال .
* طيب ماهو رأيك في تسمية هذا العمود ما ممكن يكون كلام نسوان (وشايل حيله) ؟
< لان كلام النسوان في مفهوم الناس كلام بتاع ونسة و «مشاطات» لكن كلام رجال يعتبرونه كلاما مليانا مع انني اعتقد ان كلام النسوان في بعض الاحيان مضبوط اكثر من كلام الرجال .. عموما لبني (كويسة) وايضا تعجبني في الرأي العام سمية في الجانب الاقتصادي واعتقد كل الصحفيات كويسات . * الا ترين ان اهتمام الاقلام النسائىة في الصحافة بقضايا النوع ضعيف ؟
< نعم لكن اذا اتجهن لقضايا النوع حاتقولوا الناس مشغولات بقضايا النوع فاحسن يشتغلوا زي الرجال في الحاجات العامة .
* يعني يشتغلوا كلام رجال ؟
< نعم يجب ان يشتغلوا بالقضايا العامة ويتركوا قضايا النوع لمجالات اخرى .
* ما رأيك في اتحاد المرأة الحالى ؟
< قالت ... اوه .. مابعرف عنه حاجة ..
* ومجموعة المبادرات النسائية ؟
< هذه مجموعة تهتم بقضايا المرأة وتركز على الجوانب الصحية مثل الاكتشاف المبكر لسرطان الثدي وكثير من الجهد الذي تقوم به هو عمل الدولة .
* الدولة ما بتساعدكم ؟
< نهائىا ونحن نتخذ قرارنا وانا اذكر شخصا واحدا ولا انكر حقه وهو الوالي وجائز لانه طبيب ونحن نقوم بطبق الخير تحت رعايته .
* هل تتلقون دعما حزبيا ؟
< الى الآن لا في مجال الثدي لكن جاتنا مستشفي ولادة من المانيا من بناتنا الشغالات هناك واسمها امل مصطفي عوض الله وسلمناها للولاية وجهاز الكشف نفسه تبرعت به زوجة كامل ادريس في جنيف وهي عزة محي الدين والمهم المشروع ماشي ونحاول نجيب جهاز موبايل متحرك عن طريق طبق الخير .
* ماهي نصيحتك للاجيال الجديدة في مجال العمل النسائى؟
< الممارسة .. الممارسة وحدها هي التي تسمح بانتقال التجارب ونحن الان في مجال المبادرات النسائىة معنا عناصر شابة وهذه هي الطريقة الوحيدة للتسليم والتسلم من الرائدات ويمكن تكون اسباب ضعف اقبال الاجيال الجديدة على العمل التطوعي هي ان معظم مطالب المرأة تحققت ونحن عائزنهن يعملن تنظيماتهن بطريقتهن الخاصة ونحن نساعدهن وهذا افضل من ترك الساحة خالىة كل ما قلته لن يحدث الا في جو سياسي معافي يسوده السلام والديمقراطي بهذه المناسبة .
* ماذا تقولين للمتفاوضين في ضاحية نيفاشا ؟
< اقول ليهم خلصونا وما ممكن التأجيل الحاصل هذا ولا ادري هل هم جادين في الموضوع ام انهم يلعبون باعصابنا .
* ماذا تقولين لاتحاد نساء السودان الجديد ؟
< اكيد هذا اتحاد مولود باسنانه وهو كإتحاد عمله قرنق سيكون همه الجنوب وطبعا الجنوب يحتاج لجهد كبير بعد السلام ويستطيع الاتحاد مع الدولة ان يحقق الكثير خصوصا وان العناصر التي تعمل مع قرنق عناصر قوية وفاهمه قضيتها حسب معرفتي بهن
* وماذا تقولين للدولة نفسها في جانب العمل النسائى ؟
< اقول ليها ادينا «شوية» حرية وان تدعمنا في مشروع سرطان الثدي ومفروض تفتح وحدات المناطق للاكتشاف المبكر لسرطان الثدي وفي مشروع الموبايل (يونيت) وهذا يخفض تكلفة العلاج وانا اناشد وزيرة الرعاية الاجتماعية ان تتبني هذا المشروع فهي امرأة ومسئولة عن الرعاية الاجتماعية .
* ماذا تقولين للاستاذة سعاد الفاتح ؟
< سعاد صديقتنا واختنا ومن مجموعتنا وانا افتكر لعبت دورا كبيرا في العمل النسائى بطريقتها الخاصة واتمني ان تخفف من حدتها .
* والاستاذة فاطمة احمد ابراهيم ؟
< زميلتنا وقريبتنا وعملنا معها واقول لها تخفف شوية من حدتها .
* الاستاذة امال عباس ؟
< ان يستمر قلمها في حدته .
* وماذا تقولين عن الىوم العالمي للمرأة ؟
< اصبح مسيخ ومكرر ولا ارى اى اضافة حدثت حتي نتحدث عنها والمرأة لازالت لم تصل الى مواقع صنع القرار والذين يقولون ان الجندر مستورد لماذا ينسون الاحتفال بالىوم العالمي للمرأة وهو ايضا مستورد مثله مثل الاحتفال بالكريسماس .



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147487855&bk

Post: #261
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 07:59 PM
Parent: #260


النســــــــــــــــــــاء قـــــــــــــــــــادمات





رشا عوض عبد الله
في الثامن من مارس عام 1857م لقيت أكثر من أحدى عشرة امرأة من عاملات النسيج مصرعهن في مصنع للنسيج بنيويورك جراء حريق شب في المصنع أثناء تنفيذهن لاعتصام وإضراب عن العمل احتجاجا على شروط العمل السيئة من تدني في الأجور وساعات عمل طويلة وبيئة عمل غير صحية فأدى ذلك الحدث إلى خروج تظاهرة نسوية عارمة كانت الأشهر من نوعها في العالم. في عام 1910م اقترح مؤتمر كوبنهاجن النسوي تخصيص يوم عالمي للنساء لاتخاذه رمزا للكفاح من أجل حقوق النساء، فكان ذلك اليوم هو الثامن من مارس وأول احتفال به كان عام 1911م وفي عام 1977م قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تجعل الثامن من مارس يوم الأمم المتحدة لحقوق النساء والسلام العالمي . إن نساء اليوم ولا سيما نحن نساء عالم الجنوب حيث الحروب والفقر المدقع والبطالة المذلة والاستبداد والقهر.. يجدر بنا إحياء ذكرى هذا اليوم العظيم إحياء يستدعي المعاني والدلالات العميقة لذلك الحدث التاريخي، فكلما أشرقت شمس الثامن من مارس أحسست وكأنني أستنشق دخان ذلك المصنع الذي احترق في نيويورك قبل 147 عاما وتفحمت بداخله جثث العاملات المسحوقات تحت وطأة التوحش الرأسمالي، هذا التوحش نجده اليوم يختال ويتبرج في عوالمنا البائسة في أبشع صورة لتبلد الحس الاجتماعي وانحسار قيم العدل والرحمة والرفق، فلنجعل من هذا اليوم مناسبة للتفكر والتأمل فيما حققته مسيرة النضال النسوي من إنجازات وما أخفقت فيه وما ينبغي لها أن ترتاد من آفاق جديدة في المستقبل، وانطلاقا من اللحظة التاريخية الراهنة يمكننا أن نلخص قضية المرأة في الآتي: " التحرر من الدونية والاضطهاد بكافة صوره وأشكاله والاعتراف لها بكافة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وتمكينها من ممارسة هذه الحقوق عبر تدابير سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وقانونية تكفل حمايتها من التمييز وتحقق لها الاستقلالية الفردية والحرية الشخصية وترفع عنها عصا الوصاية في حياتها الخاصة وتزيل من طريقها العقبات التي تعيق مشاركتها في الحياة العامة مشاركة أصالة لا تبعية من موقعها ككائن حر الإرادة وكامل المسؤولية والأهلية كما تزيل من طريقها أي عقبات تعرقل تقدمها الإنساني وترقيها الفردي علما وإنتاجا وإبداعا". وبهذا التحديد فإن العمل من أجل قضية المرأة لا بد أن يكون مرتبطا بالنضال من أجل السلام والديمقرا طية والتنمية والعدالة الاجتماع ية في سياق يشمل هذه الأركان الأربعة كحزمة مترابطة لا تقبل التجزيء والتبعيض وارتباط قضية المرأة بهذا السياق حتى يكون ناضجا وواعيا ومسؤولا لا بد من إعمال التفكير النقدي والإبداعي في الرؤى الفكرية الموجهة للحراك السياسي والاجتماعي، وهذه ساحة رحبة تمثل مساحة تقاطع كبيرة بين العمل النسوي والعمل الإنساني عموما، ولكن العمل النسوي لا بد أن يدرك أن لقضية المرأة استقلالا نسبيا فرضته ظروف واقعية. فالحكم على النساء بالدونية واضطهادهن تبعا لذلك ضلالة إنسانية كبرى اشتركت فيها مختلف الثقافات فأصبحت هذه الضلالة من النزعات المتأصلة في التراث الثقافي للشعوب على اختلاف انتماءاتها الدينية والإثنية والثقافية حيث نجد في ثنايا الآداب والفنون والفلسفات والأفكار التي تشكل الذاكرة والوعي والضمير الإنساني تقبع تلك النزعة الذكورية المستعلية التي تختزل كل معاني الإنسانية في الرجل وتجعله مركز الجنس البشري وتجعل من الذكورة أول معيار من معايير حساب القيمة الإنسانية! وهذا ما يفسر إلى حد كبير أن المرأة حتى في أوربا -مهد الثورات التحررية الحديثة- لم تنل حقوقها إلا في وقت متأخر جدا، فالمرأة في فرنسا حتى عام 1938م لم تكن لها ذمة مالية مستقلة ولم يعترف لها بالحقوق السياسية إلا في عهد الجنرال شارل ديغول عقب الحرب العالمية الثانية وكانت الأديبة البريطانية أميلي برونتي في صباها ترسل مساهماتها الأدبية إلى الصحف بأسماء مستعارة "مذكرة" لضمان نشرها وكان ذلك في أواخر القرن التاسع عشر!! وفي عام 1928م لقيت أملي دقتسون مصرعها تحت عربة الملك البريطاني حيث كانت تقود تظاهرة تطالب بحق التصويت للنساء!! لكن أوربا بعد النقلة الراديكالية التي أحدثها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عام 1948م مضت قدما في طريق إنصاف النساء على مستوى القوانين والدساتير والسياسات الاقتصادية والتربوية. وبالرغم من ذلك فإن أي نظرة فاحصة إلى مواقع صنع القرار ومراكز الثقل الاقتصادي في الغرب تشهد بهيمنة ذكورية واضحة ولكن الفارق الأساسي بين وضعية النساء في الغرب ووضعيتنا في عالم الجنوب ولا سيما في العالم الإسلامي إن حقوق المرأة في الغرب رسخت واستقرت بشكل لا يسمح بالتفكير في التقهقر إلى الوراء، أما في عالمنا الإسلامي تتعالى الأصوات المطالبة بالعودة إلى عصر الحريم باعتبارها عودة مقدسة إلى عالم الفضيلة والأخلاق الذي لن تقوم له قائمة إلا على أنقاض حرية المرأة وكرامتها!! إن أخطر ما يهدد حقوق المرأة في المجتمعات الإسلامية الفكر الإسلاموي المنكفئ الذي يبذل قصارى جهده في تجريد هذه الحقوق من المشروعية الدينية ويلحقها "بالميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به"!! لقد كان حريا بنا نحن المسلمين- أن نكون المبادرين إلى تحرير المرأة وتكريس حقوقها انطلاقا من نصوص قرآنية محكمة واقتداء بسنة نبينا واستقراء لمقاصد ديننا واستلهاما لقيمه، ولكننا ولظروف تاريخية معلومة غادرنا مسرح المبادرة والمبادأة الحضارية. فأضعف الإيمان في هذه الحالة أن نقف موقفا إيجابيا مما أنجزته التجربة الإنسانية في سعيها للحق والعدل،لا أن نندفع في عصبية عمياء وغوغائية طائشة في نبذ وتجريم هذه التجربة بحجة الدفاع عن الخصوصية الثقافية وكأنما ثقافتنا منبتة تماما عن السياق الثقافي الإنساني، وهذا لا يعني أن أطروحات الديمقراطية وحقوق الإنسان وتحرير المرأة وصفات جاهزة يمكن ابتلاعها طوعا أو كرها، فعملية توطين وتمكين الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة في أي مجتمع ستكون عديمة الجدوى إذا أهدرت السياق الثقافي للمجتمع وإذا تجاهلت القيم والمعتقدات السائدة فيه ولذلك لابد أن تكون الاستنارة الدينية والثقافية جزءا أصيلا في أي مشروع جاد للنهضة وعلى الحركات النسوية أن تعي ذلك جيدا إن أرادت التقدم الفعلي في خدمة قضيتها وكل 8 مارس والنساء بخير ونتمنى أن يعيده الله وقد وقعت حكومة السودان على اتفاقية سيداو بلا تحفظات!!




بمناسبة اليوم الدولي للمرأة
بالعمل والدعم ندخل الضوء إلى المخابيء المظلمة
بمناسبة اليوم الدولي للمرأة، اهنيء المرأة السودانية في كل شبر من ارجاء الوطن الحبيب. اهنئها وهي تحتطب وتزرع وتسرح وتحمل العرنوس علي الاكتاف حد الانحناء، كما اهنئها وهي في مكان آخر تفخر بحصادها الجميل والثري والمتنوع، والذي استطاعت ان تحصده بعد ملاحم ونضالات استمرت سنوات وسنوات، بعد ان اثبتت جدارتها في كل المجالات التي اقتحمتها، رغم الكثير من الضربات وكثير من المعيقات، وكثير من القوانين الانهزامية التي قصد بها الحد من ارادة المرأة السودانية، رغما عن وجود دستور وقانون اعطيا المرأة حقوق المساواة بين الجنسين ، وعززا من مكانتها باعتبارها نصف القوى البشرية والشريك الاصيل في تنمية المجتمع الذي لا يمكن ان يقوم او يتطور الا بتعاون الرجال والنساء معا ، ذلك التعاون القائم على اسس المساواة والشراكة. في الحقوق والواجبات فلننظر الي حديث الامين العام للامم المتحدة كوفي عنان في رسالته بمناسبة اليوم الدولي للمرأة العام الماضي «أنه يتعذر وجود استراتيجية انمائية فعالة اذا لم يكن للمرأة فيها دور مركزي، فما ان تنخرط النساء تماما، حتى ترى الثمار، فالاسر تتحسن صحة وغذاء، دخلها ومدخراتها، والمبالغ التي تعيد استثمارها ترتفع، وما يصح علي الاسرة ، يصح كذلك علي المجتمعات المحلية، وعلي المدى الطويلة ، على البلدان برمتها».
المرأة السودانية كسبت الرهان ولكن ...
بمعيار الكفاءة والنجاح واقتحام كل مجالات العمل والمساهمة في الانتاج والدخل القومي للبلاد، يمكننا ان نقول ان المرأة في بلادنا كسبت الرهان
سريعا، وحققت الكثير الذي لم تحققه رصيفاتها من النساء في كثير من البلدان العربية والافريقية ، ولكن بعيدا عن الحوارت النظرية التي قد تصل احيانا حد الترف ، فإن هنالك تحديات كثيرة وكبيرة ما زالت تواجه المرأة السودانية، علي رأسها الامية، ذلك الغول الذي يلتهم عقول النساء وارتفاع معدل وفيات الامهات بسبب نقص الرعاية الصحية وعدم وجود القابلة القانونية المدربة ،ذات الكفاءة. وهناك الزواج في سن مبكرة والممارسات الضارة بصحة المرأة، وسرطان الثدي، والايدز والفقر وسوء التغذية خاصة في المناطق المنكوبة بالحروب وبالظروف الطبيعية الطاردة، وهناك التحدي الاكبر الذي تواجهه المرأة الريفية والمتمثل في عدم المساواة في الحقوق وعدم توفر الخدمات الاجتماعية الحياتية والحيوية كالماء الذي تجلبه النساء في كثير من ريف بلادنا من مسافات بعيدة حملا علي الرؤوس ومشيا علي الاقدام، في صورة اقل ما توصف بها انها مأساوية ومحزنة. كما لا تزال المرأة الريفية تعاني من كوابح العادات والتقاليد الاجتماعية والنظرة الدونية للمرأة، بالاضافة الى تأثير القوى المحافظة والرجعية التي تعمل على تحجيم ادوار النساء استنادا علي تفسيرات مغلوطة للدين الاسلامي الحنيف، ليتحالف الاثنان التقاليد الاجتماعية وتأثير القوى المحافظة ضد المرأة الريفية، ويحرمانها في الغالب الأعم من كثير من الفرص التي تحقق لها حياة افضل في مقدمتها الحرمان من نعمة التعليم، حيث النظرة اليه هناك مازالت وبعد ما يقارب مائة عام من بدء تعليم المرأة السودانية نظرة سالبة، بل تضعه في خانة العيب والخروج عن القيم الاخلاقية الحميدة !
المرأة في حاجة لمزيد من العمل والدعم:
ان وضع المرأة السودانية لن يتحسن الي الافضل، ما لم يكن هناك اهتمام بالنساء في كل مكان خصة نساء الريف، وما لم يكن هناك دعم حقيقي من الدولة لحقوق النساء، وما لم تكن هناك قوانين منصفة وعادلة وسياسات وبرامج لازالة الحواجز التي تعيق النساء من المشاركة بفعالية في المجتمع، كما ان اوضاع النساء عندنا لن تتحسن، ما لم يكن هناك تفعيل حقيقي وعمل لكثير من التوصيات الممكنة، والتي لا تخرج بها الملتقيات والمنتديات المحلية فقط، بل ايضا علي المستوى الاقليمي والدولي، فبالعمل والدعم نستطيع ان ندخل الضوء الى المخابيء المظلمة،
مخابيء الجهل والفقر والمرض والقصور في الحقوق وفي الفرص التي تعيش فيها النساء في بلادنا. فكم من امرأة تقبع في تلك المخابيء كم؟؟
(فلا وقت لدينا نضيعه اذا اريد لنا تحقيق الاهداف الانمائية للالفية في عام 2015م، العام الذي استهدفناه لذلك، وما لم نستثمر في نساء العالم ، يتعذر علينا ان نتوقع بلوغ ذلك، وحينما تفيض النساء صحة ونجاحا، يفيد المجتمع بأسره، وتمنح الاجيال المتعاقبة انطلاقة افضل للحياة) ولاختم هذا المقال لم اجد افضل من هذا الجزء من رسالة الامين العام للامم المتحدة العام الماضي بمناسبة اليوم الدولي للمرأة، فلنهب جميعا دولة ومنظمات مجتمع مدني بكل اشكالها للعمل بهمة متجددة ، لتحسين نوعية الحياة بالنسبة للمرأة لان تحسين نوعية الحياة لها ورفع مستواها ، هو استقرار للامة وازدهار لها.
* وثمة شيء اخير.. وردتان الاولى اهديها وبهذه المناسبة ، لمجموعة المبادرات النسائية التي تعمل وتدعم فيما تحتاجه المرأة حقيقة ،الاخرى اهديها لشقيقتي التوأم ، التي هي في رحلة علاج بالدوحة، مع امنياتي لها بالشفاء العاجل والعودة الحميدة.
بقلم: آمال بابكر



التنــــــوير أجنحـــــــــ نحــــــــــو فضــــــــــاءات التحــــــــــرير
ان الصغيرات اليافعات الحالمات بحياة حية, يفقدن يوماً فيوماًً كل حيويتهن وهن يقيدن بثقافة تسعى لاضطهادهن وتهميشهن, اذ تعرف الثقافة الذكورية جيداً كيف تدير معركتها تجاه احلامهن الغضة لتعدمها او تجعلها احلاماً مخجلة لا تجرؤ الصغيرات على البوح بها ... اذ ان الصورة التي تقدمها الثقافة للمرأة تدفع بها للتفكير عن ذاتها بشكل مشوه, فتستصدر قرارات انسحابها عن الحياة العامة بنفسها, اذ تقيد الثقافة الذكورية عموما دور المرأة وتعاملها كعبء على المجتمع, ولا تسثنى من ذلك الثقافة السودانية التي تهمش دور المرأة وتراها (كان فأس ما بتقطع الرأس), ولذا ضمن هذا الإطار الضيق للثقافة الذكورية تضيق الخيارات لدى النساء فاما انصياع لهذه الثقافة واما تمرد فوضوي, وإذا كان خيار الانصياع بادئ الخطأ فإن خيار التمرد يصب في مصلحة السلطة الذكورية نفسها, فكلاهما كما لا يخفى خاطئان.
وفي إطار الثقافة السائدة تحتل أنماط التدين مكان المركز فهي تصوغ لحدود بعيدة وجدان الأفراد، وتصوراتهم عن أنفسهم وأنماط سلوكهم كما تؤثر في نظم وتشريعات المجتمع. ولأن مجتمعنا السوداني لا يزال مجتمعاً تقليدياً تسود فيه البنى والأفكار التقليدية, فإن غالبية المتدينين يقاربون دينهم وفق منظور تقليدي وهو منظور صاغته الثقافة الذكورية وأنتج صورة شائهة للمرأة, وقنن وبرر اضطهادها وبالتالي فليس من سبيل إلى تحرير المرأة وتمكينها ومساواتها دون مواجهة هذا المنظور مواجهة تستأنف دور الدين الطبيعي في صالح الحياة الانسانية وتغيير طرائق الناس. وهكذا فإن معركة التنوير معركة لا غنى عنها ولا محيد لها ولا مهرب منها في أي سعي من النساء لأجل كرامتهن وحريتهن.
المنظور التقليدي للدين ? التأويل السلفي :
هو المنظور الذي يتعامل مع النصوص الدينية بظاهرها وحرفيتها بمعزل عن مقاصدها الكلية وسياقاتها التاريخية والظرفية والمكانية, وهو منظور يعبر عن قوى المحافظة والجمود في المجتمع, منظور تحكمي متعسف ذي توجه ماضوي يرهن الحاضر والمستقبل للحظة ماضوية ما. ويمكن تلخيص رؤية هذا المنظور للمرأة بأنها فتنة وشيطان وتبعاً لذلك يتم الآنتقاص من كرامتها واختزال دورها لتقنين اضطهادها. وستتابع الورقة بالتفصيل صورة المرأة ومكانتها ودورها وحقوقها وفق هذا المنظور.
صورة المرأة في التأويل السلفي:
تصوّر المرأة في المنظور السلفي بوصفها كائناً دونياً غير كامل الانسانية وناقص الأهلية وتبعاً لذلك يكون كل ما هو احتقاري ومذل طبيعي ومتماثل مع وضعيتها ويضع المسوغات والتبريرات للتعامل معها باضطهاد وعنف واحتقار.
ويبدأ المنظور السلفي تشويه صورة المرأة بابتداع عيب تكويني في خلق المرأة ذاتها, فيستلف الإسرائيليات القديمة عن أنها خلقت من ضلع أعوج, وأنها بتكوينها الجوهري, كانت وستظل أبداً ـ دون الرجل... وفي هذا الاتجاه يورد السلفيون الحديث "المرأة ناقصة عقل ودين". لتأكيد تصوراتهم المسبقة عن المرأة, والتي تتناقض مع العقل والمنطق, ومع العلم الحديث, إضافة إلى كونها تسيئ فهم السياق الظرفي والحديث النبوي المعني, وهذا ما يجب تبيناه بتفصيل أدق:
ناقصة عقل ودين :
وهذا النقص الذي يدعي السلفيون انه موقف الاسلام تجاه المرأة يتضح مبدأ عدم اتساقه مع روح وجوهر الرسالة الاسلامية والتي جاءت بالمساواة فعن انس بن مالك ان رجلاً كان جالساً مع النبي فجاء ابن له فأخذه فقبله واجلسه في حجرة ثم جاءت ابنة له فاخذها فاجلسها الى جنبه فقال رسول الله: هلا عدلت بينهما. اخرجه ابن عساكر (4/254 من تهذيب عبدالقادر بدران ).1
ويستند هؤلاء على حديث رواه البخاري ومسلم عن نقص النساء في العقل والدين, وهو حديث رواه الصحابي الجليل ابوسعد الخدري فقال : خرج رسول الله "ص"في ?اضحى أوفطر ? الى المصلى فمر على النساء فقال : يامعشر النساء مارأيت ناقصات عقل ودين اذهب للب لرجل الحازم من احداكن ... قلن : وما نقصان ديننا وعقلنا يارسول الله , فقال : أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل ,قلن : بلى فقال : فذلك من نقصان عقلها , أليس اذا حاضت لم تصل ولم تصم قلن بلى : قال فذلك من نقصان دينها.2
ذلك الحديث هو الغطاء الشرعي للافكار المتوارثة ثقافيا عبرالعادات والتقاليد عن عدم اهلية المرأة, والتفسير المغلوط لهذا الحديث بيّن فاذا نظرنا في متن الحديث ومضمونه نجد نقاط واضحة .
أولها: ان الذاكرة الضابطة لهذا الحديث بها بعض علامات الاستفهام اذ ان الراوي متشكك حول مناسبة القول في عيد الاضحية ام عيدالفطر وهذا الشك لا يمكن اغفاله عند وزن المرويات والمأثورات.
ثانيها: الحديث يخصص حالة من النساء في واقع محدد بالتالي فهو لا يشرع لشريعة دائمة او عامة على مطلق النساء فالحديث عن الواقع القابل للتغيير أو للتطور شئ، والتشريع للثوابت, عبادات وقيم ومعاملات امر آخر. فعندما يقول "ص": (انا امة امية لا تكتب ولانحسب) رواه البخاري ومسلم والنسائي وابودؤود والامام احمد. فهو يصف واقعا ولا يشرع لأن تعم الامية متجاهلا ان القرآن قد بدأ بفريضة القرأة : أقرأ باسم ربك الذي خلق ..... (العلق 1- 5) وان يتعلم المسلم عدد السنين والحساب (يونس الآية 5) .
ثالثها: مناسبة الحديث, فالقارئ المتمهل لسيرة الرسول يعرف حدود خلقه العظيم "وانك لعلى خلق عظيم " (القلم 4) , كما يعرف ان الرسول"ص" كان يصر ان يكون العيد مثار فرحة للجميع للحد الذي امر فيه بان تحضر للاحتفالات كل النساء حتى الصغيرات والحائض والنفساء , فان كان هذا سلوكه بفرحة العيد ?عدا ترفقه عموما في الحديث ? فلا يمكننا تصور انه حوّل هذه الفرحة لحزن وغم وذم للنساء , لذا فانني ارشح التفسير3 الذي يقول ان المقصود كان المدح لا الذم اذ كان "ص" يمازح النساء بغلبة العاطفة لديهن والتي تغلب الرجال وحتى الحازم منهم , ونقص الدين هو الآخر وصف لواقع غير مذموم إذ ان الرخص التي تفوق المراة الرجل فيها تؤجرعليها ولا تذم لعدم ايتائها, لذا فتفسير ان حديث الرسول "ص" قام على الممازحه و التلاطف هو الاقرب للروح, ومما يبعث على الدهشة ان السلفية انفسهم الذين ساقوا هذا الحديث لحدوده القصوى التي تزري بالمرأة قال امامهم ابن القيم ان المرأة العدل كالرجل في الصدق والامانة والديانة (الطرق الحكمية في السياسة الشرعية ص236).4
لذا يتضح جليا ان تهمة نقص العقل والدين تهمة لا مجال لها في طبيعة المرأة والتي يجري تصويرها لنا انها احط من طبيعة الرجل.
المرأة الحية سبب الخروج من الجنة:
وهذه المسئولية والتي ظل الضمير الاسلامي يحمل المرأة مسئوليتها , ويتجه لتفسير مجمل سلوكها من خلالها لم ينسبها القرآن ? في منطوقة ? لها وحدها, و الاستناد في هذا التفسير على الامام الطبري والذي حاول ان يفسر بها بعض الظواهر الطبيعية والتي كانت في مرحلة تاريخية محددة يعجز الانسان عن تفسيرها علمياً كظاهرة الدورة الشهرية للمرأة ومايصاحبها من الالم، ومتاعب الحمل، واوجاع الولادة, وقد استند الطبري على "وهب بن مبنه" احد احبار اليهود الذين اعتنقوا الاسلام , اذ كان المسلمين كثيراً ما يلجأون لاخوانهم المسلمين ? والذين كانوا يهوداً مثلهم , وكان التفسير يهتم بذكر التفاصيل والجزئيات التي لم ترد في القرآن الكريم , بالاخص قصص الانبياء والامم الغابرة وبدء الخليقة , وهو ما اصبح يعرف في علم التفسير باسم (الاسرائيليات). وهناك عدة ملاحظات6 حول القصة منها ان التآمر تجاه آدم يبدو محبوكا بين ابليس والحية المرأة من وراء ظهر الله يتناقض وطبيعة صفات الله وعلاقته مع الانسان. بالاضافة لتصويرادم الرجل كمثال للخير والبراءة والانثى مثال الشر والخطيئة وبذلك يشير التفسير للمجتمع لا لتفسير النص الديني، كما يركز التفسير على ابراز التساوي بين الجرم والعقاب اذ ان البعد التعليلي هو المسيطر بافتراضه الهدف الاساسي للقصة, تبرز القصة علاقة مابين الحية حواء , والتي تحدد تبعا علاقة العداء بين الذكور والاناث والذي لا يمكن ان يهدف له الاسلام اطلاقاً.
وان يأخذ العقل المسلم هذي القصة مأخذ التصديق الحرفي لمجرد ورودها في احد اهم كتب التفسير يبدو معياراً لا يضع لقوانين العقل وزناً, ويتجاهل تراثنا الاسلامي الذي يمجد العقل والحكمة, ويكون قد استسلم للسلطة الذكورية لا لسلطة الدين التي تجنح لاستخدام العقل والاجتهاد "من اجتهد فأخطأ فله اجر" ويكره ديننا الارتكان الى التسليم "وأدعوا الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة "( وتحسر على الذين لا يعقلون أو لو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهدون ِ) البقرة 170.
الشك في انسانيتها :
ان الاصل في هذه الصورة هو النزاع حول نجاسة المرأة في ايام الحيض هل يجعلها اقل ينظر الدين , وذلك يقود للحديث حول مفهوم النجاسة نفسه والذي حاول كثير من الفقهاء جره ليصبح شاملا العمل الجنسي والحيض واللتين حاول الرسول "ص" بكل الوسائل ان يقاوم الاوهام الخرافية التي كانت تسود الجزيرة العربية حولها اذ "امر المؤمنين من الذكور الذين طرحوا اسئلة عن الموضوع بان يأكلوا مع نسائهم, ويشربوا معهن, ويشاطروهن الفراش, وان يفعلوا مايريدون عدا الجماع "7 وذلك لمقاومة السلوك الرهابي لسكان المدينة من اليهود الذين يرون المرأة محرما فلا يحادثونها وهي في حالة الطمث . كما يروى النسائي ان ام ميمونة احدى زوجات الرسول "ص" قالت : (كان يحصل ان يتلو النبي القرآن ورأسه موضوع على ركبة واحدة منا والتي قد تكون في الحيض . وكان يحصل ايضا لواحدة منا وهي تحمل بساطا للصلاة وتفرشها في الجامع , في حين تكون حائضاً.8
وعندما "امر ابن عمر النساء بان يفكن ضفائرهن قبل امرار اياديهن المبللة على شعرهن" ردت السيدة عائشة : "عجبا .. لماذا ؟ عندما كان موجوداً كنت اغتسل معه من سطل واحد .وكنت امرر يدي المبللة على شعري ثلاث مرات , ولم افك ضفائري ابدا " وقد حرصت السيدة عائشة على هذه التأكيدات لانها كانت تعرف اشكاليات اهل الجزيرة قبل الاسلام اذ يرون المرأة كمصدر قذارة وتدنيس. وهذه النظرية حول القذارة كانت يعبر عنها عبر خرافات ومعتقدات هي جوهر الجاهلية وجوهر معتقدات يهود المدينة لذا اصر الرسول "ص" على ادانتها دائما.
ورغم ان الاسلام جاء بثورة شاملة لتقاليد اليهود ? المسيحية , وبالنسبة للعلاقة النسوية الا ان الاتجاه المعادي للنساء بدأ يفرض نفسه بين الفقهاء وياخذ الافضلية فنجد ان حديث "انما الطيرة في المرأة والدار والراية "...(صحيح البخاري، طبعة مقدمة مع شرح السندي, الجزء الثالث, دار المعرفة, بيروت, 1987, ص 243).9
يردنا دون ان تورد معه روايات معاكسة رغماً عن القاعدة الفقهية التي تعطي صيغ متضادة ان وجدت. اذ لا يوجد اي اثر للتنفيذ الذي اتت به عائشة كما ورد في كتب الامام الزركشي اذ قال : شرع ابو هريرة في التأكيد ان رسول الله قال : انما الطيرة في الدأبة والدار والمرأة ... فردت عائشة : ان ابو هريرة تلقى دروسه بشكل سيئ . لقد دخل علينا في حين كان الرسول في وسط الجملة فلم يسمع سوى النهاية , كان الرسول "ص" قد قال : كان اهل الجاهلية يقولون : ان الطيرة في الدابة والمرأة في الدار.
كما ان البخاري يورد حديث يقول فيه الرسول: "ما يقطع الصلاة الا الكلب والحمار والمرأة. "ويبدو جارحاً لكرامة المسلمة لحدود عظيمة ان يأتي مثل هذا الحديث من رسول الله .ونجد انه قد جاء في صحيح البخاري نفسه (.... عن مسروق عن عائشة انه ذكر عندها ما يقطع الصلاة فقالوا الكلب والحماروالمرأة , قالت : لقد جعلتمونا كلابا لقد رأيت النبي عليه السلام واني بينه وبين القبلة وانا مضجعة علي السرير فتكون لي الحاجة فاكره ان استقبله فانسل انسلالاً من عند رجليه " (صحيح البخاري، المرجع السابق، ج1, ص 136).10 ويبقى واضحاً للمسلمة التي تنظر للرسالة المحمدية بتعمق مدى ابتعاد هذا الحديث عن الرسول الذي ظل طوال حياته داعما لتحرر النساء محبا لهم وعاشقا لعائشة : سأل الصحابي عمرو بن العاص الرسول "ص" عن احب الناس اليه فقال انها عائشة. واكد قوله رغم دهشة عمرو بن العاص المحارب الذي ظهر له ان الذي يحتل قلب الرسول لم يكن رجلا. ولقد ظلت هذه الحمية الذكورية تكافح لتدفع بكل ما يعيق تطور وتحرر النساء. ولتجعل النساء نجسات في مصاف الحيوانات .ليصبح العزل والعنف تجاههن مبرراً.
كما تجعل سوء الظن ايضا تجاه افعالهن مبررا اذ هن صاحبات مكائد لا يؤمن لهن جانب فقد قال "ص" عنهن "انكن صواحبات يوسف" اذ يظهر هذا الحديث بمعزل عن ظرفه وسياقه ويقدم كدليل ادانة لسلوك المرأه دون ان يقدم معه سياقه العام الذي يبرره , ففي ايام مرض الرسول "ص" امر بان يدعي ابوبكر ليؤم الناس في الصلاة. ولم تطعه السيدة عائشة لتقديرها ان هذه الامامة ستبدو كنوع من تعينه كخليفة للمسلمين وكانت تعلم حجم التنازع الذي سينشأ ان فعلت ذلك فامرت عمر بان يؤم الناس فلما سمع الرسول "ص" صوت عمر سألها : ولكن اين هو ابوبكر.11 فاعلمته السيدة عائشة بانها عملت على استدعاء عمر لان صوت ابيها ضعيف وانه يبكي عند قراءة القرآن . فاجابها "ص" مغتاظا وهو قد فهم مارمت اليه مما كتمت , انكن صواحب يوسف "واشار تجاه السيدة عائشة.
كما ترد واقعة اخرى تفسر الحديث اذ تقول ان نساء الرسول قد اتفقن غيرة على افشال زواج الرسول"ص" من اسماء بنت النعمان .. فنصحنها ان تستعيذ بالله عندما يدخل عليها الرسول, وقد كان ان الرسول "ص" غادرها وامر ان تلحق باهلها بعد ان قال لها "عذت بمعاذ " فبعث ابوها من يشفع لها عند المصطفى ويحدثه مما كان من نصيحة لنسائه لها فضحك "ص" وهو يقول : انهن صواحبات يوسف, وان كيدهن لعظيم (المحب الطبري: السمط الثمين، ط حلب بالشام, ص 85)12 وفي كلا التفسيرين يبدو واضحاً ان الرسول "ص" قال ماقاله في مناخ اقرب للود منه للتحذير من كيد النساء ولكن رد الفعل غيرالمؤذي هذا والذي يشوبه التودد والرقة, سيتحول بعض قرون من التراكمات المعادية للنساء للعنة تلازم الجنس النسائي.
السلفي تخطياً حاسماً وجذرياً.
أما مشروع الأستاذ محمود محمد طه فقد شكل قطيعة حقيقية مع الفكر السلفي التقليدي، ولكنه لم يخلف أثراً فكرياً ضخماً بطبيعة منهجه الإشكالي والصفوي إلى حدود معينة. وهذه قضية تحتاج إلى تفاصيل ومناقشة معمقة لا يمكن ايفاءها في هذه الورقة, ولذا نكتفي بهذه الاشارة المقتضبة.
وهكذا فقد تعددت وتراكمت محاولات التجديد والتنوير وكما يقال بأن التراكمات الكمية تؤدي إلى تحول كيفي, فإن المهمة الملحة الآن أمام الفكر التنويري أن يستند على كل هذا الإرث التنويري ليتجاوزه إلى أعلى في مشروع تنويري أكثر جذرية وأكثر اتساقاً نظرياً. ودون انجاز هذا الواجب الملح فإما أن تقبل النساء في طواعية واستسلام تصورات السلفية التي تبرر وتسوغ قهرهن واضطهادهن, وهذا مستحيل, وإما أن يبحثن عن الكرامة والمساواة خارج نسق الاسلام الحضاري, وهذه مأساة, لأنها تورث تضارب العقل مع الوجدان!
وللخروج من هذا المأزق, ولأجل هذا المشروع التنويري الجديد فإنني أقترح منهج النص والحكمة بوصفه المنهج الملائم لمعالجة إشكالية وضعية المرأة في الظروف الجديدة, وأرجو أن تتاح لي الفرصة في مرة قادمة للتفصيل في هذا المنهج وإبراز تطبيقاته المختلفة.
، بيروت, 1996, ص 46.
2 د. محمد عمارة, التحرير الإسلامي للمرأة ـ الرد على شبهات الغلاة, الطبعة الأولى، دار الشروق, القاهرة, 2002, ص 88-87.
3 المرجع السابق, ص 90.
4 المرجع السابق, ص 94.
5 قاسم أمين, المرأة الجديدة, سلسلة التنوير، الهيئة المصرية العامة للكتاب, القاهرة، 1993, ص 36.
6 نصر حامد أبو زيد, دوائر الخوف ـ قراءة في خطاب المرأة، الطبعة الأولى, المركز الثقافي العربي, بيروت ـ الدار البضاء, 1999, ص23-22 .
7 فاطمة المرنيسي، الحريم السياسي ـ النبي والنساء, ترجمة عبد الهادي عباس, الطبعة الثانية, دار الحصاد, دمشق, 1993, ص 98.
8 المرجع السابق, نفس الصفحة.
9 المرجع السابق، ص 99.
10 المرجع السابق, ص 86.
11 المرجع السابق, ص 142.
12 عائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ), نساء النبي, دار المعارف, القاهرة, 1981, ص 98.
هادية حسب الله



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147487824&bk=1

Post: #262
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 08:00 PM
Parent: #261


الإستقلال جسد روحه الحرية

ابراهيم يوسف

لأن حركتنا الوطنية كانت تفتقد المذهبية الرشيدة للتعمير بعد جلاء الاستعمار الاجنبي فان حكمنا الوطني المنبثق من احزاب الحركة الوطنية لم يستطع ترجمة الاستقلال الى تغيير أساسي في حياة المواطن حتى يشعر بحريته ويتمتع بالعيش الكريم في بلده المعطاء ومن ثم فان حق المواطنة المتساوية لكل المواطنين رغم كل اختلافاتهم لم يظهر في الطرح السياسي والمسرح السياسي إلا بعدما يقارب مضي خمسين سنة على الاستقلال كما هى الحال في الفترة الأخيرة خاصة في ما يتعلق بحق المواطنة المتساوية في الجنوب وفي المناطق المهمشة ولسائر المواطنين فالاستقلال الحقيقي انما هو عمل في الفكر والمذهبية الرشيدة وفي توعية الشعب وفق هذه المذهبية ليسوس نفسه بنفسه وليحسن اختيار من يحكمونه وان يملك محاسبتهم ولذلك فان الاستقلال في الاصل يجب ان يكون استقلالاً عن الجهل وعن التخلف في جميع صوره السياسية والاقتصادية والاجتماعية ولا سبيل الى كل اولئك من غير المذهبية الرشيدة، ولقد انصرفت الحركة الوطنية عن المذهبية الرشيدة منذ نشأتها فجاءت ممارسات الاحزاب في الحكم وفي المعارضة بعد الاستقلال تخبطاً ضاع معه معنى الاستقلال وزيفت فيه قيم ومعاني الاشياء. ان الاستقلال قاعدة للحرية وارضاً لها يجب ان تقوم عليها قواعد الحكم الصالح المبني على «الدستور» حيث يتم التوفيق بين حاجة الفرد الى الحرية الفردية المطلقة وبين حاجة الجماعة الى العدالة الاجتماعية الشاملة بمستوياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وهذا يعني ان يوظف كل الجهد وجميع التشاريع وتطوع كل الأجهزة والامكانات لانجاب الفرد الحرّ. اذن فالاستقلال الحقيقي لا يتم بغير فكرة «استقلالية» تحرر سياسة القطر من التبعية من كل الوجوه وتحرر المواطن من كل منقصات الحياة الروحية والجسدية على السواء. ولكل ذلك يجب ان يرتفع احتفالنا بالاستقلال الى هذه القمة السامقة حتى يكون احتفالنا عملاً في التوعية وفي التعريف بحقيقة الاستقلال وارتباطه بحق المواطنة المتساوية وذلك بكفالة وحماية حقوق الانسان لسائر المواطنين رغم اختلافاتهم.
نشوء الحركة الوطنية:
بعيد نشوء الحرب العالمية الثانية فقد أسهم فيها السودانيون (بقوة دفاع السودان) وقد صدرت وثيقة الاطلنطي التي تعد من تعاون ابناء المستعمرات مثل السودان بإعطائه حق تقرير المصير ومن هنا نشأت حركة المؤتمر عام 1942م بتقديم المذكرات وكان ردّ السلطة الاستعمارية ان الحزبين لا يمثلان الشعب ومن ثم لجأ الخريجون الى احضان الطائفية الدينية لإلتماس السند الشعبي واحزاب الطائفية نفسها بحكم طبيعتها الطائفية فإنها لم تتجه لتوعية الشعب ومن باب اولى لم يتجه المثقفون للشعب وتوعيته ولتجميعه وراء قضيته فأضف الى انعدام المذهبية انعدام النوعية وانعدام الدور الشعبي اذ لم يجد الشعب مرشدين وقادة كما افتقدت الحركة الوطنية الحماس اذ الحزبان الطائفيان كانا منقسمين بين دولتي الحكم الثنائي بل ان تصور الاستقلال نفسه لم يكن واضحاً بل أجهض. فالاحزاب الاستقلالية والاتحادية بدلاً من ان تستقل مناسبة المفاوضات المصرية الانجليزية «مفاوضات صدقي استانس جيد» حول السودان مارس 1946م في القاهرة بان تشعل نار الحماس وسط الشعب في السودان اكتفت بارسال وفد الى مصر ليقيم في أفخم الفنادق على حساب مصر ليراقب المفاوضات فلم يرتفع الوفد الى المطلب الشعبي الطبيعي للانعتاق التام من أسر الاستعمار.
جاء في صحيفة «الرأى العام» بتاريخ 28/3/1946م ان الوفد السوداني عقد مؤتمراً صحفي بالقاهرة اعلن فيه الآتي: (ان مطالب السودانيين تتخلص في:
1- اقامة حكومة سودانية ديمقراطية في اتحاد مع مصر. وقد ترك تحديد نوع هذا الاتحاد معلقاً لم يبت فيه.
2- مصر والسودان سيقرران معاً طبيعة هذا الاتحاد.
3- عقد محالفة مع بريطانيا العظمى على ضوء هذا الاتحاد المصري السوداني. انتهى وقد نشر الاستاذ محمود محمد طه مقالات في الصحف بعنوان لماذا مصر ولماذا بريطانيا فتنادى حول هذه المقالات مجموعة من المثقفين الذين لم يعجبهم المستوى السياسي والذين هم مِنْ مَنْ لم يقعوا في دائرة الأسر الطائفي فكونوا الحزب الجمهوري برئاسة الأستاذ محمود محمد طه. ومن ثم فقد كان «اول الاحزاب الداعية للاستقلال هو الحزب الجمهوري الذي أسسه الاستاذ محمود محمد طه عام 1945م فقد نشر الحزب برنامجاً انتقد فيه التيارين الكبيرين لارتباطهما بمصر وبريطانيا وانعدام المذهبية في عملها، ودعا الى استقلال السودان عن بريطانيا ومصر وقيام جمهورية سودانية» كتاب تاريخ السودان الحديث 1820-1955م الطبعة الثانية 2002م ص949 كتاب محمد سعيد القدال.
بناء السودان الجديد
والآن نحن نستقبل تباشير السلام والحرية والديمقراطية وقد زودنا اتفاق مشاكوس بأسس الدولة الحديثة التي تقوم على المواطنة وكفالة حقوق الانسان التي لو طبقت هى وما يتبعها سيأخذ الاستقلال معناه الحقيقي الذي سيغير من واقع الشعب الى الأفضل ولذلك لابد من اقامة المنابر الحرة ليتقدم كل من يطمع في قيادة الشعب او حكمه ببرنامجه لتطبيق وتفعيل مبادئ مشاكوس في الحرية والعدالة الاقتصادية والمساوة، فالأحزاب التقليدية الطائفية لن يكفيها بعد اليوم لحكم السودان ان تحول ولاءها العقائدي لولاء سياسي تستولى به على السلطة والاسلام السياسي لن يكفيه بعد اليوم وبعد فشله الذريع لأن يتصدى للقيادة وللحكم بالشعارات الفاشلة الفارغة، والمثقفون هل سيكتفون بالمذكرات والمطالبات ام انهم سيتجهون للشعب لتوعيته بحقوقه الجديدة ولتحريره من التضليل باسم الدين وذلك يتطلب من المثقفين ان يكونوا على صلة بتراث الشعب، تراثه الاسلامي وبتطويره ليؤصل حق المواطنة المتساوية رغم الاختلاف وتلك المهمة التي كان يقوم بها الاستاذ محمود محمد طه وتلامذته والآن اصبحت هى قدر الجمهوريين والمثقفين وخاصة ان الشمال مرشح بأن يحكم بالشريعة ولكن الشريعة بفهم من؟ فهذا هو واجب المرحلة بأن يترك المثقفون عزلتهم عن التراث فان لم يكن لتأمين حقوقهم العصرية وتأمين حقوق الانسان لشعبهم، فليكن لحماية انفسهم من الهوس الذي أخذ يبيح دماءهم ويصادر حرياتهم وحقوقهم العصرية فالاستقلال يتطلب ادواراً متضامنة متكاتفة من كل أفراد الشعب خاصة المثقفين لتوعية الشعب وتوظيف طاقاته لتحقيق حريته واستقلاله.
ابراهيم يوسف





http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147487116&bk=1
_________________

Post: #263
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 08:01 PM
Parent: #262



البروفيسور ستيف هوارد، أكاديمي أمريكي يعتنق فكراً سودانياً

أحرص على تعليم طلابي بأن هناك ما يمكن تعلُمه في الشرق
اعتقلني جهاز أمن نميري مرتين ولكنهم عاملوني باحترام
البروفيسور ستيف هوارد، أكاديمي أمريكي يعمل رئيساً لقسم الدراسات الأفريقية بجامعة أوهايو بالولايات المتحدة، رجل عاشق لدرجة الوله للسودان، فقد القت به عصا تسفاره في السودان أول مرة عام 1981م في إطار دراساته الحقلية عن أفريقيا والسودان ومع أنه أكد أنها ليست مصادفة فقد كان اختياره له بعناية لاهتمامه الخاص بالتصوف الذي ذخر به السودان، إلا أن قدماه أوصلته لمنزل الأستاذ محمود محمد طه زعيم ومؤسس حركة الإخوان الجمهوريين في السودان، ومنذ ذلك التاريخ لازم البروفيسور هوارد الإخوان الجمهوريين واعتنق أفكارهم إلي ان توقفت الحركة بعد تنفيذ حكم الإعدام على زعيمها الأستاذ محمود حيث غادر بعدها إلى بلاده أمريكا، ولكنه ظل على الدوام يحن للسودان الذي قضى فيه أجمل وأصح أيام حياته كما أكد ذلك لي.
البروفيسور هوارد زار السودان أخيرا في مهمة أكاديمية بجامعة الجزيرة استغرقت منه عشرين دقيقة، ولكنه مكث بالسودان أكثر من عشرين يوما قضاها متجولاً في صحبة أحبابه وزار خلالها أضرحة الأولياء في مختلف أنحاء السودان، وعندما ما أجرينا معه هذا الحوار كان عائداً لتوه من زيارة الشيخ الطيب راجل أم مرَّحي. وبعد فراغنا من الحوار زرنا معاً الشيخ حمد النيل بغرب أمدرمان ، وهناك رأيت علامات النشوة بادية على محيَّا البروفيسور ستيف، الذي يتحدث العربية السودانية بطلاقة لأنه كما قال لي إن سُرته مدفونة في السودان وتحديداً في رفاعة.
ناقتي تبرك في السودان:
* كيف بدأت علاقتك بالسودان ، هل كان تخصصك الأكادديمي هو المدخل لذلك؟
ـ عقب تخرجي من الجامعة سافرت إلى غرب أفريقيا ، ومكثت في تشاد حوالي عامين وتجولت في المناطق الإسلامية في كل غرب أفريقيا وعندما عدت إلى أمريكا بدأت دراساتي وأبحاثي في علم الاجتماع والتنمية في أفريقيا، وفي نفس الوقت كان لي اهتمام خاص بالتصوف وقد تعرفت على القليل فيه في غرب أفريقيا وطالعت كثيرا من الكتب عنه عند عودتي لأمريكا، وعندما بدأت رسالتي للدكتوراة أردت ان اختار بلداً زاخراً بالتراث الصوفي وفي نفس الوقت يقع في حقل دراساتي في الاقتصاد والتنمية الريفية لذا هدتني المقادير إلى السودان بلد التصوف الجميل.
* إلى ذلك الوقت كانت علاقتك بالتصوف والإسلام علاقة أكاديمية ما الذي تسرب إلى خاصة نفسك من تلك الأجواء التي عايشتها في السودان؟
ـ كنت سعيداً جداً بوجودي في السودان لأن مجتمعه دون غيره من المجتمعات التي عرفتها ، كان مفتوحا على الأجنبي، وأذكر ان بعض المواطنين كانوا يداعبونني ويقولون لي «لقد أصبحت أسمراً يا ستيف من كترة حوامتك في الشمس الحارة» وهذه روح لم آلفها في تجوالي حول العالم.
* وكيف بدأت علاقتك بالفكر الجمهوري؟
أصلاً أنا كنت مهتما بالإسلام والتصوف .. وقد تلمست بعض المعاني السامية في الدين الإسلامي ولكنني كأمريكي كنت أتطلع لمفهوم أكثر تقدمية وحداثة للإسلام وقد بحثت كثيراً عن ذلك و طفت على معظم زوايا الطرق الصوفية في الخرطوم والجزيرة و لكنني لم ألمس فيهم النقاء والصدق والتقدمية والحداثة التي كنت أتطلع إليها وفي أثناء حيرتي تلك فاجأتني زميلة أمريكية كانت تدّرس في جامعة الخرطوم بأنها حضرت عددا من جلسات الذكر والفكر للجمهوريين بأمدرمان ودعتني للذهاب إلى هناك.. وبالفعل ذهبت والتقيت بالأستاذ محمود وأحد الأمريكيين كان قد اعتنق الفكر الجمهوري.
* من كان ذلك الأمريكي؟
ـ هو الدكتور إرنست وكان يعمل وقتها أستاذاً للغة الإنجليزية بالمدارس الثانوية.
* وكيف كان لقاؤك الأول بالأستاذ محمود؟
ـ كان رجلاً متواضعاً وبسيطاً، وقد كنت اعتقد في بداية الأمر أنني سألتقي بشيخ على شاكلة مشائخ الطرق الصوفية، ولكنني وجدت إنساناً عالماً مثقفاً ورفيعاً وبشوشاً جداً ويتعامل بتلقائية دون تكلف، وأذكر أننا ذهبنا في وفد من الإخوان إلى عطبرة في مهمة عمل وكان الجو صيفا وعند عودتنا كنت أنا متسخ الملابس وفي حالة رثة ولكننا ذهبنا مباشرة إلى منزل الأستاذ محمود لنرفع تقرير المهمة وكنا حوالي عشرة أفراد من أعضاء الوفد وبدأ كل واحد ينقل انطباعاته حتى جاء دوري آخيراً وعلمت من ذلك أنه دليل قبول لي في المجتمع الجمهوري.
* وما الذي تركته فيك هذه الزيارة من أثر؟
ـ كنت سعيداً بهذا النموذج الذي رأيته فقد كان الجمهوريون يتمتعون بأخلاق رفيعة وصدق كبير، والأهم من ذلك أنه لم يكن لهم تنظيم مغلق كعادة الحركات العقائدية، فقد كان مسموحاً لي وأنا شخص أجنبي ان أقابل الأستاذ محمود منذ اليوم الأول وأعيش معهم جلساتهم في الفكر والذكر دون مواربة أو توجس منهم ، واعتقد ان ذلك نابع من أنهم لم يكن لديهم ما يخفونه عن أعين الناس، بل كانوا مرحبين بي لدرجة غريبة وكان كل واحد منهم يصر عليَّ ان أقضي الليلة معه في أحد بيوت الإخوان الجمهوريين.
* ماهو الجدل الذي نشأ في دواخلك بعد هذه الزيارات؟
ـ بالطبع أنا اختلف عن الجمهوريين السودانيين في ذلك الوقت لأنهم ولدوا لابوين مسلمين، بينما هذا لم يكن متوفراً في حالتي فلم أكن مسلماً وان كنت باحثاً عن الحقيقة وقد كان في دواخلي اعتقاد راسخ بأنها كامنة في الإسلام ولكنني لم اقتنع به من خلال النماذج التي رأيتها في تجوالي «وهذا لا يعني أنني كنت مسلماً بالنهار ومسيحياً بالليل»إلى ان عثرت على الفكرة الجمهورية والأستاذ محمود فأيقنت ان ذلك هو الإسلام الذي أريد، وقررت ان أسلك طريقهم.
لسان الحال أبلغ:
*هل دار بينك وبين الأستاذ محمود زعيم الجمهوريين أي حديث خاص جعلك تقرر اعتناق الفكر الجمهوري؟
ـ لم أكن أجيد اللغة العربية في ذلك الوقت، ورغم أنني استمعت لمحاضرات عديدة باللغة الإنجليزية عن الفكرة إلا ان ما جذبني للفكرة ليس لأنها عميقة و تقدمية فقط ولكن والأهم من ذلك وجذبني للجمهوريين معاملتهم الراقية مع بعضهم البعض ومع بقية المجتمع السوداني أو بمصطلح أدق جذبني لسان حالهم قبل لسان مقالهم.
* هل شعرت بأختلاف عميق مابين هذا المفهوم التقدمي للإسلام برأيك وبين المسيحية التي كنت عليها؟
ـ بالطبع هناك اختلاف من ناحية عصرانية الفكرة ولكن الاثنين يدعوان للسمو الإنساني، والفكره الجمهورية تخاطب المستقبل.
* كيف قبلت اعتناق فكرة في بلد صغير ومغمور مثل السودان وأنت أمريكي قادم من العالم الأول بل من مركزه؟
ـ هذا سؤال مهم فأنا متخصص في أفريقيا وتربطني علاقات جيدة مع مجتمعاتها، وهناك فكرة مركزية أحرص على توصيلها لطلابي في الجامعة وهي أنه دائماً هناك ما يمكن ان يتعلمه الغرب من الشرق وان عليهم ألا ينغلقوا في فكرة ان الشرق هو متلقي عنهم فقط، وفي السودان ثمة أشياء كثيرة جميلة يمكن ان يتعلمها المرء في جانب المعاملة وتربية الأطفال والترابط الأسري وتوقير الكبير واحترام الصغير، وهذه ليست قيم جمهورية وإنما هي قيم المجتمع السوداني، كل ما في الأمر ان الجمهوريين أخذوا أرفع مافي المجتمع السوداني من قيم وجعلوها سلوكاً يمشي بين الناس.
هناك مشقة ولكن!!:
* في ما هو معلوم ان الحياة في بيوت الجمهوريين وخاصة منزل الأستاذ محمود كانت حياة متقشفة وزاهدة؟ كيف تقبلت نفسك ذلك؟
ـ أصلاً أنا التزمت بالفكرة لأجود نفسي وكان ذلك منهجاً ممتازاً لمبتغاي .. الإسلام دين اجتماعي جداً رغم ان في التصوف هناك خلوات يعتزل فيها السالك المجتمع لفترات قد تطول ولكن بشكل عام وخاصة في الفكره الجمهورية البعد الاجتماعي للإسلام واضح جداً، وهذا الترابط هو أكبر معين للفرد السالك على تحمل المشاق في بدايات السلوك في الطريق النبوي «طريق محمد» ، واعترف بأن هناك مشقة ولكن المردود الكبير والممتع علي النفس يستحق تلك المشقة، واعتقد ان عدد الجمهوريين في السودان قليل لأن «طريق محمد» هذا يحتاج إلى تجرد وجد وتشمير ، استطيع أن أقول ان التزامي بالفكرة الجمهورية كان أهم حدث في حياتي.
* وكيف تقبلت نفسك نمط التربية الصارم عند الجمهوريين خاصة وأنك قادم من مجتمع متحرر جداً كالمجتمع الأمريكي؟
ـ يمكن ان تقول أنني كنت صوفياً في مسيحيتي فهناك تصوف أيضاً في المسيحية، اعتقد ان بيئة الفكرة الجمهورية إلى حد كبير تلائمني.
لم أدعُ أحداً:
* عند أول عودة لك إلى أمريكا بعد التزامك كجمهوري كيف كان رد فعل المقربين منك، وهل حاولت دعوة بعضهم لطريقك؟
ـ كنت أعرف قدر نفسي الضئيل في سلك الالتزام بالفكرة الجمهورية لذلك لم أكلف نفسي بدعوة أي شخص وإنما كنت مستمرا في دعوة نفسي والانشغال بها حتى أتعلم كل يوم شيئاً جديدا يفيدني في السمو والارتقاء بها. المجتمع الأمريكي مجتمع حر ولا يحجر على أي شخص ان يعتنق ما يشاء من أفكار إضافة إلي ذلك أنني أعمل في المجال الأكاديمي وهو أكثر حرية من كل المجالات ولم أشعر قط ان هناك اعتراضاً من شخص قريب أو بعيد مني على قناعاتي الجديدة بل استطيع ان أقول أنها وجدت الإعجاب لدي أغلب المحيطين بي وخاصة زملائي الأكاديميين والذين قالوا لي إنك بالفعل أكدت نظريتك التي تصر عليها وهي أنه يوجد ما يمكن تعلمه من الشرق، كما أنك خبرت المجتمع السوداني من عمقه وهذا ما يتطلع إليه أي أكاديمي متخصص في دراسات المناطق وبالتالي يمكننا ان نتعلم منك الكثير.
كما أنني أحياناً كثيرة أقدم محاضرات عن الفكرة الجمهورية والجمهوريين وكانت تجد استحساناً كبيراً من الزملاء والطلاب ويقولون لي أنها صورة مشرفة للإسلام غير التي تصلنا من عنف وإقصاء.
قصدتهم للزاد لا للسياسة:
* معلوم ان الجمهوريين كانوا ناشطين في حركة سياسية كيف كان وجودك وسطهم وأنت أجنبي ألم تتعرض لمضايقات؟
ـ حقاً كان ذلك صعباً بالنسبة لي كشخص غير سوداني، ولكن أصلاً بداية اعتناقي للفكرة الجمهورية في بداية الثمانينيات صادفت ظروفا مواجهة قوية بينهم - الجمهوريون - ونظام جعفر نميري وكانوا ينأون بي عن أي عمل سياسي، ولكن مع ذلك تم اعتقالي مرتين من قبل جهاز الأمن المايوي ليس لأنني كنت أتحدث في ركن نقاش في الجامعة أوالشارع وإنما في حملات مداهمة لمنازل الجمهوريين وكنت متواجداً فيها.
* وكيف كانت تتم معاملتك؟
ـ بكل الكرم الموجود في الشعب السوداني فحتى جهاز الأمن لم يكن استثناءً منه في ذلك الوقت، فكانوا يأخذونني باحترام كبير إلى مكاتبهم ويتم استجوابي ويطلق سراحي في نفس اليوم وبعد ان يفهموا أنه لا علاقة سياسية بيني وبين الجمهوريين وأنني لم أحضر للسودان لأقول للسودانيين اتبعوا هذا الاتجاه أو أتركوه وإنما قصدت الجمهوريين لأخذ منهم زاداً يعينني في إصلاح نفسي ودواخلي ، فأنا ليس لي دعوة في السودان سوي دعوة نفسي.
جمهوري سوداني وليس أمريكي:
* في بلادك أمريكا هل أنت جمهوري أم ديمقراطي؟
ـ أولاً ليس هناك أية علاقة بين الفكره الجمهورية والحزب الجمهوري في أمريكا سوي علاقة الاسم أما انا فميولي ديمقراطي، ولا يمكنني ان أكون جمهورياً لأن هؤلاء محافظين جداً وجاءوا بممارسات لا تشبه الشعب الأمريكي إطلاقاً.
* علمت أن جامعة أوهايو التي تدرس بها تحتفل سنوياً بشخصية أفريقية يكون لها إسهام إنساني مشهود، وقد احتفلت عام 2001م بالأستاذ محمود محمد طه كيف تم الاختيار؟
ـ أنا رئيس قسم الدراسات الأفريقية بالجامعة وقد رشحته وساندني في ذلك بعض من زملائي الأساتذة وبعض من تلاميذ الأستاذ محمود في أمريكا وقد حضر الاحتفال عدد كبير من الجمهوريين من داخل أمريكا وخارجها.
* بمن احتفلت الجامعة من الشخصيات قبل ذلك؟
ـ احتلفنا بجوليوس نايريري ونيلسون مانديلا وآخرين.
* وماهي الفكرة من وراء الاحتفال وكيف نبعت؟
ـ أصلاً الاحتفال جاء بمناسبة إطلاق سراح نيلسون مانديلا من المعتقل بعد أكثر من ربع قرن في معتقلات نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وسميناه بيوم البطل الأفريقي ويتم الاحتفال به في شهر نوفمبر من كل عام.
* الحركة الجمهورية كانت حركة نشطة حتى نهاية الثمانينيات ولكن بعد تنفيذ حكم الإعدام على الأستاذ محمود خمدت حركتها، هل تعتقد كجمهوري وأمريكي متابع للحراك العالمي ان هناك مستقبلا لعودتها مجدداً أو انتشار أفكارها؟
ـ اعتقد صادقاً أنها فكرة المستقبل لأنها دعوة للسلام الذي يحتاجه العالم اليوم مثل حاجته للغذاء والماء.
هذا سبب قوي لزيارتي:
*عرفت أنك زرت أضرحة الأولياء الصالحين في السودان خلال زياراتك العديدة للسودان وآخرها زيارتك هذه إلا تجد حرجاً في فعل ذلك كإنسان قادم من العالم الأول؟
ـ يجيب ضاحكاً، وهذا هو السبب القوي لا يوجد في بلادنا أولياء صالحين لذلك أزور السودان لزيارة الأولياء الصالحين. وأنا عمري الآن خمسين عاما قضيت منها في السودان حوالي خمس سنوات زرت خلالها أضرحة الأولياء في مختلف بقاع السودان أكثر من 2000 زيارة ، وأصلاً الغرض من زيارة أضرحة الأولياء الصالحين هي في إطار بحث الإنسان عن النماذج الإنسانية الرفيعة التي جسدت قيم المعاملة الإنسانية الحقة، وقصص الأولياء في السودان حافلة بالمعاني الروحية والإنسانية الرخيصة، ونحن نفتقد في أمريكا لمثل هذه الحياة.
* من هم الأولياء الصالحون الذين قمت بزيارتهم؟
ـ زرت اليوم، الجمعة قبل الماضية الشيخ الطيب وقبلها كنت زرت الشكينيبة فرع الشيخ المكاشفي، وأبوحراز، وفي الثمانينيات زرت كسلا مقام السيد الحسن، والعيلفون الشيخ إدريس ود الأرباب وأم ضواً بان الشيخ ود بدر ، والشيخ حمد النيل بأمدرمان، و زرت الشيخ الجميعابي وأغلب أضرحة الجزيرة زرت رفاعة.
* معني ذلك أنك تشبعث بشحنة روحية عالية وأنت مغادر إلى أمريكا؟
ـ قلت للإخوان هنا ان بئري كانت فارغة عندما جئت إلى السودان والآن قد امتلأت ورويت وامتلأت روحياً.
السودانيون دمهم خفيف:
*ماهي المواقف الصعبة التي مرت بك في أيام حركة الإخوان الجمهوريين؟
ـ كل أيامي التي قضيتها في كنف الإخوان الجمهوريين كانت ممتعة جداً لي ولكن اعتقد ان أيام اعتقال الأستاذ محمود وتلاميذه الأخيرة كانت صعبة جداً بالنسبة لي.
* وماهي المواقف الطريفة التي صادفتك في تلك الأيام أيضاً؟
أنا كنت مبسوط جداً في السودان فالسودانيون دمهم خفيف ولديهم قدرة علي الضحك والفكاهة حتى في أحلك المواقف.
ولكنني دون الإخوان كنت مرتاحاً من تهم الكفر التي تلاحقهم من خصومهم فأنا خواجة والخواجة في عرف السودانيين اصلا هو كافر .. يضحك ... وأذكر أنني ذهبت إلي مناسبة عقد قران مع بعض الإخوان الجمهوريين وبعد انتهاء مراسم العقد دعا المأذون الحضور لرفع الفاتحة للعروسين، فرفعنا أكفنا جميعا ندعو لهما. وبعد انتهاء ذلك سمعت اثنين يتهامسان قال أحدهما لاخر والله أحسن حاجة عملوها الجمهوريين خلو الخواجات الكفار يشيلوا الفاتحة.
أيضاً أذكر أننا كنا في مهمة بعطبرة ومعلوم ان السودانيين متعددون في ألوان بشرتهم وأذكر ان رئيس الوفد كان هو الأستاذ عوض الكريم موسى وهو أبيض اللون وكذلك محمود المطبعجي واثنين من الإخوان بالإضافة لي كنا جميعاً بيض البشرة وبعد المحاضرات وأركان النقاش نهض أحد المواطنين في سوق عطبرة وقال لنا الرسالة الثانية وعرفناها لكن الحلب شنو؟
القوة وحدها لا تكفي:
* ينظر الغرب وخاصة أمريكا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر للإسلام على أنه دين إرهاب وللمسلمين باعتبارهم دعاة للعنف والقتل، كيف تنظر لهذه الرؤية الغربية كأمريكي اعتنق الإسلام وعاش في مجتمع أغلبية مسلمة؟
ـ هذا مجال أعمل فيه بكثافة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وقد قدمت محاضرات كثيرة عن السلام في الإسلام في الجامعات الأمريكية وفي عدد من المراكز البحثية الأخرى.
* وهل قدمت هذه المحاضرات من منطلق الفكر الجمهوري وفهمه للإسلام أم منطلق المفهوم العام له؟
ـ أساساً أنا أفهم الإسلام علي أنه الفكرة الجمهورية وأدرس طلابي ذلك دون ان أقول ان هذه هي الفكرة الجمهورية وكذلك قدمت ومازلت أقدم محاضراتي عن الإسلام وفق فهمي له وأجريت مقابلات عديدة في الصحف الأمريكية وفي بعض القنوات التلفزيونية وقدمت دروسا في المدارس والجامعات.
* وهل وجد ذلك أذاناً صاغية لدى المجتمع الأمريكي؟
ـ اعتقد أنه صحح بعض الشئ المفاهيم الخاطئة لدى بعض المثقفين الأمريكان عن الإسلام، ومازلت مستمراً معهم كما أنهم لا زالوا يستمعون لي كما أني مستاء جداً من اتهام الإدارة الأمريكية للسودان بأجمعه بأنه بلد غير آمن وينتشر فيه التطرف، فأنا عشت في السودان وأعرف المجتمع السوداني جيداً وأنا موجود بينهم الآن وأشعر بسعادة غامرة، وفي اعتقادي أنه اتهام بغرض سياسي ولا يعبَّر عن الحقيقة وأرجو ان أكون مفهوماً هنا أنني لا أدافع عن الحكومة السودانية ولا عن فهمها للإسلام الذي أعده مفهوماً متطرفاً واقصائياً ولكني أقصد إسلام المجتمع السوداني أو مانسميه في أبحاثنا بالإسلام الشعبي.
* وماهو رأيك في الإسلوب الذي تحارب به الإدارة الأمريكية الإرهاب ؟
القوة وحدها لا تكفي وهي ليست حلاً وإنما المطلوب مجهود كبير أهمه التواصل بين المسلمين والغربيين حتى تحدث معرفة حقيقية ببعض لأن الغرب وأمريكا خاصة تنتشر فيه كثير من الآراء المغلوطة عن الإسلام، فمثلاً قرأت قبل فترة قصيرة في واحدة من الصحف الأمريكية الكبيرة ، تعليقاً تحت صورة لطفل مسلم وهو يقرأ في المصحف، وكان التعليق يقول إن الإرهاب في العالم الإسلامي يلقن للأطفال من القرآن في الصغر، واعتقد ان هذه مبالغة في التشويه.
هناك أمل:
* وهل من أمل في تقديرك لتصحيح هذه الصورة التي ارتسمت في أذهان الغربيين وخاصة أيديولوجيي الإدارة الأمريكية عن الإسلام؟
ـ اعتقد ان هناك أملا كبيرا وعلى كل فرد مسلم ان يعكس الصورة المثلى والحقيقية للإسلام، وأنا أحاول كما قلت لك عن طريق المحاضرات واللقاءات الصحفية وعن طريق المعاملة وسط المجتمع الأمريكي.
ما استغرب له ان هذه الصورة الشائهة ناتجة عن فعل شخص واحد هو أسامة بن لادن وبعض اتباعه القلائل، وليس من المعقول أو من الأمانة في شئ وصم أكثر من مليار مسلم في العالم بالإرهاب بجريرة قلة من الإرهابيين يتزعمهم رجل واحد كابن لادن.
* ولكن في نظر مفكري الإدارة الأمريكية ان بن لادن واتباعه هم نتاج لبنية وعي ديني سائدة في العالم الإسلامي وبالتالي لابد من التدخل لتصحيح هذه المفاهيم التي تشكل الوعي المسلم؟
ـ اعتقد أنها رؤية إلى حد كبير صحيحة لأن نمط التعليم الديني في العالم الإسلامي متأخر جداً عن روح العصر ولكني لا اعتقد ان وعي الأطفال الديني ناتج عن المدرسة وإنما من الأسرة والمناخ المجتمعي بصورة عامة.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147487093&bk=1
_

Post: #264
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 08:02 PM
Parent: #263



إلى معلم الأجيال كيف يكون الثبات على المبادئ
شاهين محمد سليمان
قال الذي نفذ حكم الشنق في الاستاذ الشهيد محمود محمد طه، ادريس زكريا كترا:
انه نفذ اكثر من 25 حكماً بالاعدام قبل محمود لكنه لم يجد محكوماً مثله في ثباته ورباطة جأشه وهدوئه، وانه قد صعد الى حبل المشنقة بمفرده من غير مساعدة من احد وهو يرتدي جلابية وطاقية وسروالا، وقد عبر الباحة الى حيث المقصلة وكأنه ذاهب الى بيته.
وقال مولانا د. حسن المهلاوي: نعم.. نعم انا كنت المباشر لحكم التنفيذ، انا كنت القائم على امر التنفيذ.
كيف كان محمود قبل تنفيذ الحكم بالاعدام.. هل كان ثابتاً؟
كان ثابتاً جداً بلا تردد.
وقال د. المكاشفي طه الكباشي: محمود ناكر ليوم البعث ووجهنا بالا يدفن في مقابر المسلمين.
وقال المشير نميري: لو عاد محمود للحياة لاعدمته مرة اخرى.
وقال الاستاذ الحاج وراق: التفكير الاصولي ذو الطابع الحصري والاقصائى، يشتغل بآلية اساسية هى آلية التكفير واقول:
قرأت نعيك الجميل في صحيفة الصباح
بكيت
بين كوب قهوتي وضجة الصياح
بكيت
يا معلمي وسيدي وملهمي
لانني لم اقبل الثرى الذي عليه قد مشيت. بكيت
ضحكت من اذاعة الصباح
ضحكت من غباء من نعوك
فسيدي الاستاذ لا يموت
صرخت يا جحافل التتار والمغول
سيدي الاستاذ لم يمت، لن يمون، لا يموت
ضحكت.. ضحكت.. ضحكت
هربت للمرحاض من مرحاضناالكبير
بكيت
تعال..
وزع البسمات فوق شفاهنا
تعال..
امسح مرارة عصرنا القذر الكئيب
تأتي؟ نعم تأتي على ظهر الجياد البيض
مع شفق المغيب
الخوف فر من الطريق
الذل فر من الطريق
القهر من تحديق عينك مات مشلولاً على قعر الطريق
يا من تسافر دون اذناً بالدخول
يا من تسافر دون زاد عبر حبل المشنقة
هل من رفيق؟
يا أيها العقل المتيم في فضاء المعرفة
صرنا رقيق
تعال..
اشتقت لك
تعال..
عانقني
ربت ظهري الذي يفنى
بفكر ليس يفنى
قويني.. وقدني نحو مرفاء
يا صاحب الجلباب والسروال والمركوب
يا صاحبي
اشتقت لك
تبت يداك يا قضاء ابو لهب
تبت يداك
تبت يداك
آمين



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147486987&bk=1

Post: #265
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 08:03 PM
Parent: #264


الباشا وفتوات الفكر السوداني!!

-حيدر ابراهيم علي

في البدء:
1/ أتمنى الا ينظر القارئ الكريم الى هذا النقاش مع د. حسن أبشر الطيب باعتباره معركة بين اثنين من المتعلمين الذين دأبوا على اضاعة وقته وماله وجهده ومستقبله منذ الاستقلال، في قضايا انصرافية واهتمامات نرجسية ذاتية لا ترى الوطن والشعب الا في شكل رسائل تخدم أنانيته وانتهازيته وملذاته وترفه وفساده. ولم يشغل الوطن والشعب اي موقع في عقله المليء بأحلام العصافير. ولا في قلبه المثقل بحب الذات فقط.
أؤكد- بداية- ان هذا النقاش ليس مجرد رد اعتبار لاساءة مجانية ولا هو انتقام أهوج، بل هذا الرد هو في صميم المعركة ضد التخلف بأشكاله المختلفة، فالتخلف ليس انخفاض مستوى دخل الفرد ولا تدني الخدمات والحاجات الأساسية. ولكنه - وقد يكون هذا هو الأصل ومفتاح المشكلة- يكمن في انخفاض مستوى حوارات البحث عن الحقيقة. وتدني قدرات العقل في معالجة الواقع وايجاد الحلول المنطقية للأزمات والصعوبات.
2/ ظلت المعارك المكتوبة مصدراً لافكار ثرية حين تبعد عن الشخصية والاساءة والشتم، فقد اشعل العقاد وطه حسين والمازني وشكري ومدرسة الديوان ودعاة الشعر الحديث وقصيدة النثر وروايات تيار الوعي ومدارس الواقعية.. الخ، أشعلوا الجمرات التي اضاءت وحرقت في نفس الوقت. وهذه سمة عادية في مجال احتكاك الافكار وصادمها، شريطة الموضوعية.
في المتن
أسئلة حائرة:
قفزت إلى ذهني عدة اسئلة حين اطلعت على مقال د. حسن أبشر الطيب بتاريخ 17 يناير 2004م. ويفترض ان يكون رداً على مقال لي بعنوان: قراءة موازية لأفكار د. كامل ادريس منها:
1/ ما هو دور د. حسن في هذا المجال؟ ومن أين اكتسب شرعية الرد نيابة عن د. كامل ادريس والاخير شخص قادر على الدفاع عن أفكاره ونفسه؟ وأفهم ان يرد الشخص المقصود ثم تأتي تعقيبات من القراء والمتابعين. وحقيقة اريد ان اعرف صفة تدخل د. حسن قبل صاحب الحق. وهل انتحل هذه الصفة ام كلفه بها صاحب الحق؟
2/ أعرف ان هناك جنوداً وضباطاً في افريقيا والعالم الثالث يقومون بخوض معارك عسكرية بالوكالة في قضايا تهم الغير. ولهؤلاء تسمية معروفة ومتداولة في مجال المعارك الحربية، فهل انتقلت هذه الظاهرة الى مجال الفكر ايضاً بنفس التسمية والوظيفة المناطة بهم؟
3/ وجدت رداً- حائراً بدوره- في قصص نجيب محفوظ في رواياته عن الفتوات والحرافيش والحارات، اذ يوجد كبير او «ريس» او معلم يحيط به فتوات يضربون اي شخص يرون انه اساء الى المعلم او الباشا، لان الاخير لا ينزل الى مستوى اولئك البشر، او كما تقول بعض النساء عندنا: ما بخسر يده أو «خشمه» فيهم! وتساءلت هل انتقلت ظاهرة فتوات الحواري الى مجال الفكر والثقافة؟ رغم أنني لا اريد ان اظلم صاحب الحق وأقحمه في هذه المعركة. ولكنني لا ادري- حقيقة- هل هو راضٍ عن سلوك صديقه؟ وبالتأكيد لم يحرضه لكي يشتم الآخرين نيابة عنه ولكن صمته قد يثير الشك. ولكنه قد يكون محرجاً وفق ثنائية: الصديق الجاهل والعدو العالم، فالأول يضر حين يريد أن ينفع. وبالمناسبة يمكن لدكتور حسن ان يمدح الرجال كما يشاء. ولكن هذا لا يعطيه اي حق في الإساءة الى الآخرين، الا اذا قصد المبالغة في إظهار الولاء.
في القضايا والموضوعات
أود تنبيه القارئ الكريم الى ان هذا النقاش ينتقل على صعيدين، الأول: اعادة النظر ومحاورة الأفكار والقضايا التي أثارها الرد او لم تكن واضحة في العرض، اما الصعيد الثاني- ومعذرة من القارئ أطلبها- تقتضي الضرورة النزول الى المستوى الادنى من السابق. وهذه منطقة جرتني اليها - مكرها - لغة وطريقه د. حسن في النقاش وحسب فهمه لمقتضيات النقاش.
(1)
يقع د. حسن من العنوان في خطأ منهجي ومعرفي، فالتفكير يقسم اولاًَ الى تفكير علمي او غير علمي، ثم تأتي بعد ذلك الاحكام الاخلاقية او القيمة بانه سلبي ام ايجابي، منحرف ام مستقيم، كافر ام مؤمن وهكذ. فلو بدأ الكاتب بالمنهج الصحيح وحاول ان يبحث عن علمية او عدم علمية الأفكار، لجاءت آراؤه ومواقفه موضوعية. ولكن لأن المقارنة او المدخل «Approach» كان خاطئاً، لذلك قام الكاتب بمحاولة تحليل شخصية الكاتب وليس أفكاره، فقد اوردت أفكاراً أساسية مثل الخلط بين المعايير الكمية والكيفية، ثم فكرة رؤية المستقبل من خلال المشاهد او السيناريوهات او الاحتمالات.. ما دخل هذا في استشهادات طلاب المدارس الثانوية، مثل: ومن تكن نفسه بغير جمال لا يرى في الوجود شيئاً جميلاً؟ «اتمنى ان يكون الاستشهاد صحيحاً».
ويستهل الكاتب مقاله بطرفة سمجة عن المحامي الذي لا يجهد نفسه في قراءة القضايا التي يود الدفاع عنها والذي «يلفح» الموضوع.. الخ. د. حسن يجهد نفسه في ان يكون ظريفاً وخفيف الروح - ندعو ان يوفقه الله بعد هذا العمر. وهنا لابد من جملة اعتراضية طويلة، فالمعركة المتوهمة الحالية لها جذور تمتد الى سنوات بالقاهرة، فقد كتبت في مجلة «كتابات سودانية» افتتاحية تعرضت فيها لما اسميته: «ثقافة التنمية» و«ثقافة التسلية» فقد كان الوطن آنذاك يعيش ظروفاً صعبة وقاسية، بينما كان د. حسن أبشر يكتب في صحيفة «الخرطوم» عن نكات عبد العزيز محمد داؤود ومجادعات الشعر الحلمنتيشي في الاربعينات، فاتصل بي هاتفياً يسأل هل اقصده بهذه المقالة؟ فاجبت بأنني أقصد ظاهرة وهو جزء منها. ولكن لم اكتب قاصداً ان اخصه بنقد، احتد النقاش واوقفت المحادثة وتوسط اصدقاء- لم اخبرهم بما حدث- وتجاوزت المسألة. ولكن يبدو ان د. حسن صاحب النفس المليئة بالجمال- استشهاده- لم ينس تلك الواقعة. وجاءته الفرصة حين «لفحت» أفكار د. كامل ادريس وأردت مناقشتها دون ان استوعبها، لذلك جرد الكاتب حملة الدفتردار لتأديب امثالي.
بعد «الطرفة» يدخل الكاتب في مغالطة: هل الذي بين يدينا: كتاب أم مقدمة ام مستخلص؟ هذا ليس الموضوع يمكن ان نسميه نصاً «Text» بغض النظر عن شكل التأليف، خاصة وان المؤلف يموت بعد ان ينشر نصه ويكون ملكاً للقارئ طالما كتب او نشر النص، فقد خرجت الأفكار من داخل الكاتب والمؤلف وامتلكها القراء، اعجاباً، نقداً، تقويماً..الخ. ولكن دعنا نجاري د. حسن ابشر في اهمية تحديد «نوع الحمار» اقصد النص، اذ يبدو ان المؤلف واصحابه قد ساهموا في هذا الخلط - ان وجد. ففي الصفحة الداخلية للغلاف نقرأ:
«مؤلف هذا الكتاب هو الدكتور كامل ادريس» ثم هل لا يوجد اي فرق بين مستخلص والتقدمة التي اوردها المؤلف في وصف المكتوب؟ هل المستخلص هو الخلاصة ايضاً؟ هل لنا الحق في السؤال عن الكتاب الذي اخذ عنه المستخلص، اذ يفترض وجود كتاب كامل أخذت منه هذه الصفحات؟ واذا كان الكتاب موجوداً فما هي الحكمة في مناقشة الأفكار والرؤى؟ هل سيقوم المؤلف بإعادة صياغة كتابه القادم على ضوء هذا النقاش؟ ولماذا لم يبدأ بالمناقشات ثم يشرع في الكتابة، خاصة وقد ختم المؤلف مكتوبه: «نأمل لهذا المستخلص من كتاب السودان 2020- تقويم المسار ورؤية المستقبل، ان يكون قد سلط ضوءاً كاشفاً على بعض مكنون الكتاب الذي قصدنا له ان يقدم حصيلة تقويم مسيرة تاريخ السودان» «ص 82»، فهل يتكرم د. حسن ويبين اسباب اختفاء الكتاب او الكتاب الغائب، بينما يظهر مستخلصه بينما هو موجود؟ وفي هذه الحالة تحل اشتباكات «حمار هدوم» او ما هو حيوان في الكتاب.
اعتقد مما تقدم وجود استعجال واضح للاحتفاء بكتاب لم يكتمل او لم ينجز. وفي كل الاحوال مختفٍ عن انظارنا وعقولنا. ولكن د. حسن مع مريدين آخرين حاولوا ان تكون الاحتفالية ذات بعد فكري له صلة بالكتابة والتفكير. وهذه بعض توابل التمجيد في حفل د. كامل. ويتساءل د. حسن لماذا ظننت ان اللقاء سيكون احتفالياً؟ لسببين- ظننت ذلك، طريقة تنظيم اللقاء ومن هو وراء اللقاء، وبالفعل كان اللقاء احتفالياً حسب تعليق كثيرين من الحاضرين الذين حرموا فرصة النقاش الجاد. فحسب قولهم دخل مقدم الحفل د. حسن بورقة كتبت عليها اسماء مجهزة مسبقاً. وطلب منهم الحديث عن الكتاب- المقدمة- الخلاصة - المستخلص، واقتصر الأمر على الجالسين في الصفوف الأمامية. ولم تعط اية فرصة خارج قائمة د. حسن، حتى انهى اللقاء.. واحتج احد الإخوة الجنوبيين بأنهم لم يأتوا مجرد ديكور. وتدخل د. كامل بأدب وخجل وطلب من د. حسن السماح له بالحديث. وينتهي الحوار بوعد من المؤلف بانه سيفيد من الملاحظات والآراء القيمة. ويكتب د. حسن: «ولقد كان صادقاً في ما قاله، لانني كنت الاحظه عن قرب وهو يدون كل ما قيل!» فتأمل طالما دون كل شيء فهذا يعني بالضرورة الاستفادة منه. وهنا يحشر قول علي بن ابي طالب «كل إناء بما فيه يضيق الا إناء العلم فإنه بمزيد من العلم يتسع».. مسكين علي بن ابي طالب قتل الأمويون ابناءه والآن يقتل حسن أبشر الطيب كلماته وافكارها حين يستشهد بها في تدليس واضح «دلس المحدث في الاسناد: تعمد الخطأ والخلط فيه، دلس البائع: كتم عيب السلعة عن المشتري»، فهل يظن د. حسن حقيقة ان لقاءه اضاف شيئاً يجعل العلم يتسع وهو قد حرم الناس ابسط حقوق الحوار؟ والأهم من ذلك هل رد مؤلف الكتاب على ملاحظات المتدخلين ام اكتفى بالتدوين؟
يسأل د. حسن أيضاً لماذا دخلت على اطروحات د. كامل المستكشفة لغد افضل وهو مبغض لها؟ ولو نظر اليها من منطلق المحبة لاعانة ذلك» واعود مرة اخرى لمنهج د. حسن المعوج، فالباحث لا يدخل لموضوعه ببغض او محبة بل يدخل بموضوعية او انحياز. وكلا المحبة والبغض انحيازات واحكام قبلية ضد التناول العلمي، ثم من الذي قال لك انني مبغض للاطروحة، خاصة وهي تستكشف لغد افضل، فهذه اطروحة نبيلة نعمل من اجلها، فكراً وممارسة. ولكن الذي يوحي بالبغض هو الموقف النقدي من الطريقة التي تناول بها د. كامل هذه القضية العميقة والجادة، ثم يستمر د. حسن في التدليس حين يستشهد بقول الطيب صالح من مقدمة كتاب د. حسن عن العباسي، فتأمل!! «وفي مذهبي ان الحب هو الذي يفتح بصيرة الناقد والدارس، ويجعل الشاعر موضوع الدراسة يبوح بما لا يبوح به للدارس الذي يدخل عالمه وهو مبغض». واضح ان الطيب صالح يقصد مجال الأدب وليس دراسات الواقع المستقبل التي تقوم على العقل والمنطق والعلمية، بينما يحتمل الأدب تدخل الذوق والحدس والذاتية في النقد، فقد كان الناقد يقول ببساطة: هذا البيت من الشعر أفضل ما قالته العرب! ولكن اطروحات د. كامل ليست نصاً شعرياً او قصصياً او رواية، بل هي- حسب الغلاف الخارجي: «ذلك السفر الذي قدم تحليلاً نقدياً لمسيرة تاريخ السودان السياسي المعاصر»، لذلك هذه اطروحة لا تخضع لمعايير الحب والكراهية والاستلطاف او عدمه، بل لمعايير العقلانية والمنطقية والعلمية والموضوعية.
لكن د. حسن يوظف كل شيء حتى قيم المحبة الى أغراض اخرى غريبة عن الاصل، فهو يهدف الى تأكيد اخلاصه وولائه، اذ يقول في النقطة ثانياً: «حقاً للرجل كثير من المريدين ولم تتوفر محبة المريدين اعتباطاً او صدفة» ثم يورد اسباباً يمدح فيها موقع الرجل الرفيع في المنظمة. ويختلط على القارئ هل يحب د. حسن الرجل لذاته وخصائصه وخصاله والمنصب مجرد اضافة خارجية، ام المنصب هو الذي لفت النظر الى الرجل وبدأ المريدون بعد ذلك التنقيب عن خصال الرجل الذاتية؟ دأب د. حسن على مدح الرجال النافذين والمشهورين. وهذه من مداخل البعض للوصول الى الشهرة والمجد الذاتي حسب ظنهم، لذلك نلاحظ ان د. حسن رغم كتاباته الكثيرة عن الشخصيات السودانية لم يذكر- حسب علمي- اطلاقاً مفكرين وفنانين مثل الاستاذ محمود محمد طه او عبد الخالق محجوب او محمد محمد علي او احمد الطيب زين العابدين او عمر خيري او مصطفى سيد احمد او عبد الرحيم ابو ذكرى. وغيرهم من الذين يجلب ذكرهم المتاعب وليس المجد والشهرة. وكنت اتمنى من المريدين ان كانوا يحبون د. كامل ادريس لشخصه لا لموقعه، الا يضنوا عليه بالنصيحة حين يعيد صياغة كتابه.
في النقطة ثالثاً يقول د. حسن: «اثبت الدكتور حيدر ان له من الاعداء ما يكفي! ولو كنت مكانه لانتهزت فرصة هذا اللقاء لكي اتعلم من د. كامل ادريس الخصائص التي جعلته مركز المحبة لكثير من المريدين» ارجو ان تشكره يا د. كامل، فهذا مريد مجدٍ وفصيح وناصح ويستحق تقديراً خاصاً يفوق بقية المريدين! ويستمر وهو فرح لانه وجد شخصاً كثير الأعداء يقارنه بآخر كثير المريدين. ولكن د. حسن لم يتعمق في قولي عن كثرة الاعداء، فقد كان ذلك تأسياً بمن قال: ان قول الحق لم يبق لي صديقاً. وكذلك بقول المسيح عليه السلام عن الذي يخسر نفسه ويكسب العالم، لذلك ارد اليه وصيته عن طريقة كسب الاصدقاء وتقليل الاعداء. فمن الذي قال لك انني اريد اصدقاءً على حساب الحقيقة؟ كما ارد اليه نصيحته المقتبسة من محاضرة نيوبولد «عام 1940م» عن الانسانية، فأين كانت انسانيته هو حين جاء من اقصى شمال الدنيا ليستعمر وطننا ويستغله؟ والعجيب أن يجد من يستشهد بقوله من بين السودانيين. ولكن حسن ابشر الذي اعرفه يريد ان يعلن عن ترجمته لهذه المحاضرات. واظنه ضايق الرجل الكريم المهذب محمود عثمان صالح حتى نشرها ضمن مطبوعات مركز عبد الكريم ميرغني، هي وغيرها من الكتب البائرة التي جمعها وفرضها على الناس الطيبين المجاملين الذين لا يقدرون على مقاومة الالحاح واللزوجة.
لا اظنني كسبت الاعداء لا بسبب الاخلاقية التي بثتها مدرسة حسن ابشر الطيب في الساحة الثقافية والفكرية، اذ انتشر بين المثقفين موقف وتوجه برفض اي نوع من النقد، بينما اية كتابة تفقد الحس النقدي لا تعتبر اضافة. ولكن مدرسة قال الاخ الشقيق والصديق الصدوق او كتب المفكر الفذ والاديب الكبير او ذكر العلامة والحبر الفهامة فلان الفلاني... الخ، ففي مدرسة المديح وحرق البخور وحماس الحكامات يصبح اي نقد بمثابة الشتم والتجني والحقد والهجوم الشخصي.
وهذا وضع عادي لاصحاب هذه المدرسة المادحة والمتملقة التي لا تريد اغضاب الآخرين وليس من حقهم ان يغضبوا، لذلك كان من الطبيعي ان يرى د. حسن في اختلافي حول تقييم آراء د. كامل ادريس استعلاءً - حسب لغته- ولم اقل انني في قمة جبل المعرفة وما سواى في سفح الجبل. وهو يقولني ما لم أقله ولكن لزوم شخصنة القضية.
وينسب الىَّ زوراً ادعاء امتلاك الحكمة والمعرفة، ليكتب دون مبرر عن تواضع العالم. ولكن هذه بعض الادوات المبتذلة في النقاش التي تعجبها مفردات: الاستعلاء والتطاول و.. اذا اتتك مذمتي من ناقص..الخ من ابتذال في النقاش والحوار. وبالمناسبة لا أريد ان ادعي تواضعاً كاذباً ولكن ليس استعلاءً بل هو كبرياء امارسه فقط مع من يستحقون، لأن اهلنا الصوفية قالوا: التكبر على المتكبر حسنة. وأنا اريد ان ازيد حسناتي!! والعجيب في الامر ان حسن ابشر الطيب يشتم الناس ولكن لا «يركز» ولا يتحمل مسؤولية المبادرة بالاساءة، فبعد ان يدلس مجدداً في قول لعبد الله بن عمر يقول :« انا واخي د. كامل ادريس لا نعرف كيف نشتم الناس».. لا ادري كيف يريد حسن ابشر ان يشتم اكثر مما فعل .. ان يقيم صيواناً ويحضر النقارة والنحاس والشَتَم «بفتح الشين والتاء»؟ ولكنه لا ينتفع بناظره، لذلك تستوي عنده الأضواء والظُلم «بالضم» فلا يفرق بين «الشتيمة» والنقد الموضوعي.
ومن الواضح ان د. حسن لم يكن صادقاً في دفاعه عن اخيه، لذلك اختلق او توهم آراءً على سبيل المثال، لم انكر على د. كامل ان يؤلف بمفرده ولا يعقل ان ارفض التأليف الفردي. ولكن قصدت ان يكون العمل البحثي جماعياً في مثل هذه الموضوعات ذات الطابع القومي والشامل. وقد صدق توقعي اذ لم يختم اللقاء بتكوين مجموعة بحث. ولتكن النواة كتاب د. كامل ادريس. وهذه بالفعل اضاعة فرصة ان نجمع اكثر من «103» من خيرة المثقفين من كل الوان الطيف السياسي والثقافي- كما قلت- ثم ينتهي اللقاء بتدوين المؤلف كل ما قيل. باختصار، هل اوصى اللقاء بمواصلة البحث في الموضوع ومتابعة النقاش، ام اكتفيتم بهذه التظاهرة؟
ويقدم د. حسن قبل نهاية مقاله الطرفة الحقيقية رداً على قولي ان بعض المثقفين جعلوا من د. كامل ادريس شيخ قبيلة». ومن المؤسف يصدر هذا القول من دكتور تخصص في علم الاجتماع. واحسب انه على دراية بمنهجية هذا العلم التي لا تقلل اعتسافاً من مكانة شيخ القبيلة». فلشيخ القبيلة دوره في مرحلة ما قبل الدولة الحديثة. والا لماذا ايد هو- وزير الدولة للحكومات المحلية في آخر عهد المشير جعفر نميري- قرار حل الادارة الاهلية؟ ولولا اندلاع الانتفاضة لظل حتى اليوم يمجد قرارات الرئيس! والأهم من ذلك هل يحتاج المثقف الى شيخ ام ان إمامه وشيخه هو العقل دائماً. ولا اعتقد ان صديقك المسكين الذي اختبره الله سبحانه وتعالى بهذه الصداقة يريد لنفسه ان يصبح شيخاً لقبيلة حتى وان كانت من المثقفين.
ويختم حسن ابشر الطيب مقاله باعتباره سفسطة حسب استشهاده بطه حسين: تحدث كثيراً ولم يقل شيئاً. وسبق ان اعتبر نقدي من «سقط القول» ومع ذلك اجهد نفسه في الرد على السفسطة وسقط القول. وهذا ببساطة لانني قلت ان الكتاب جاء وصفياً وسطحياً في وصفه. وانا اؤكد ذلك لان الكتاب جاء خالياً من التحليل الجديد والعميق ومن الاحصائيات الحديثة والدقيقة. وكرر كلاماً يقوله المتوسطون من الساسة والصحافيين والكتاب. ولكي نبعد عن مهاترات حسن ابشر الطيب والتي اعرف دوافعها جيداً، اقترح ان يقوم مركز الدراسات السودانية بالتعاون مع منتدى جريدة «الصحافة» بتنظيم حلقة نقاش حول الكتاب /المستخلص/المقدمة واقترح هذه الأسماء للمشاركة: الأساتذة محمد هاشم عوض، ابراهيم حسن عبد الجليل، محمد المرتضى مصطفى، محمد العوض جلال الدين، مختار عجوبة، حسن الوديع السنوسي، علي عبد الله علي، عبد الوهاب عثمان، عدلان الحردلو وفريد عتباني. ويديرها جعفر كرار لخبرته في مؤتمرات اركويت وتجربته في العمل العام.
شبه خاتمة:
يريد د. حسن ان يجعل منا ومن كتاباتنا في التفكير السلبي دراسة حالة يقدمها لطلابه. وارجوه ان يكون علمياً وان يقدم دراسة حالة اخرى عن المثقف المقاول الذي يكتب حسب الطلب ومواصفات الآخرين. واخرى عن المثقف الطبَّال. وسوف يجد لطلابه نموذجاً جيداً لمثقف دفع الشعب دم قبله لكي يؤهله لخدمة وطنه، خاصة في ما يتعلق بالادارة الحديثة والحكم المحلي الرشيد، عوضاً عن الكتابة في نقد تدهور جهاز الخدمة المدنية وسلبيات الفدرالية تحت نظام حكم شمولي، يجند قلمه في مدح الرجال ويضطر لشتم الآخرين لكي يرضيهم ويعظم بورصة الملق والتزلف.
فالمثقف لا يُقاس بغزارة علمه ومعرفته فقط. ولكن بمدى نفع علمه ومعرفته لامته ووطنه، فهناك العلم النافع وعلم من لا ينفع. ويروى في الحديث ان النبي الكريم قال انه يخشى على امته من عالم يضلها بعلمه. وهذا العلم غير النافع ناقص ويعتبر صاحبه من انصاف واشباه المثقفين مهما كانت مؤهلاته ومهما كانت الـ «د.» التي تتقدم اسمه. وقدم المفكر الماليزي العطاس تعريفاً جيداً لهذه الفئة «مجموعة متعلمة مثقفة شكلاً ولكن بعيدة مضموناً وداخلياً عن عمل وسلوك اهل الفكر. وغير قادرة على طرح وحل المسائل والقضايا بشكل مستقل. وتفكر وتعمل على مبدأ الحافز- رد الفعل «ويضيف: تتجلى الخصائص المحافظة والطفيلية لجماعة اشباه المثقفين في محاصرة النشاط الفكري التجديدي الابداعي حقاً. وفي نشر سيكولوجية ثقافة استهلاكية» وهذه- كما أسلفت- هي ثقافة التسلية ممثلة في نكات ابو داؤود وشعر الإخوانيات.
وهذا الشعب الفقير المظلوم يحتاج الى مثقفين ملتزمين بقضاياه وهمومه، اي يكونوا ضميره الشقي.
وأعجب هل يمكن للمثقف الحقيقي ان يرى في الوجود شيئاً جميلاً، بينما شعبه يعاني من الجوع والموت وتغيب كرامته بسبب المرض والجهل؟ وأين هذا الجمال من أطفال مشردين ينامون تحت الكباري وفي المجاري وعلي حوائط سينما كلوزيوم؟ واين الجمال والآلاف بل الملايين من النازحين يحيطون بعاصمة فيها المنشية والطائف والرياض والمهندسين وهم يعيشون في العراء او في رواكيب وبيوت في الكرتون والشُمال؟ واين الجمال والتلاميذ بدون «إجلاس» ولا افطار؟ الامثلة لا تحصى. والتي تحرم اي مثقف صادق عن النوم او البحث عن جمال مستحيل. وسيكون اقصى ما يتمناه كما يقول محمود درويش: «ونحن لن نحلم بأكثر من حياة كالحياة.. وان نموت على طريقتنا». وأكرر مع من سبقني:
يا شعراء السودان أصدقوا وكفى!!
وكل الذي نريده من مثقفي السودان ان يصدقوا وكفى!!



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147486953&bk=1
_

Post: #266
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 08:05 PM
Parent: #265


استيعــــــاب الجهــــــويات قبـــــــــل أن تحتـــــــــقن

ابراهيم يوسف

كان الاستاذ محمود محمد طه ينعي على الحركة الوطنية فقدانها للمذهبية الرشيدة التي ستكون فلسفة للحكم الرشيد بعد الجلاء. ولتلافي هذا النقص الخطير اصدر الاستاذ محمود بين يدي الاستقلال عام 1955م كتابه «أسس دستور السودان لقيام حكومة جمهورية فيدرالية ديمقراطية اشتراكية».. نقتطف من الكتب النص الآتي: أساس الجمهورية السودانية:
ان اهتمامنا بالفرد يجعلنا نتجه من الوهلة الأولى الى اشراكه في حكم نفسه بكل وسيلة. والى تمكينه من أن يخدم نفسه ومجموعته في جميع المواقف، التشريعية والتنفيذية والقضائية. وذلك بتشجيع الحكم الذاتي والنظام التعاوني. ولما كان السودان قطراً شاسعاً وبدائياً فإن ادارته من مركزية واحدة غير ميسورة، هذا بالاضافة الى ما تفوته هذه المركزية على الافراد من فرص التحرر والترقي والتقدم بخدمة انفسهم ومجموعتهم. ولذلك فإنا نقترح ان يقسم السودان الى خمس ولايات:
1. الولاية الوسطى.
2. الولاية الشمالية.
3. الولاية الشرقية.
4. الولاية الغربية.
5. الولاية الجنوبية.
ثم تقسيم كل ولاية من هذه الولايات الخمس الى مقاطعتين. وتمنح كل ولاية حكماً ذاتياً يتوقف مقداره على مستواها ومقدرتها على ممارسته، على أن تعمل الحكومة المركزية من الوهلة الأولى على اعانة كل ولاية لتتأهل لممارسة الحكم الذاتي الكامل في اقرب فرصة. وان تمنحها سلطات أكثر كلما بدا استعدادها نحو ذلك. ويقوم الحكم الذاتي في كل ولاية على قاعدة أساسية من مجالس القرى ومجالس المدن ومجالس المقاطعات ومجالس الولايات، حتى ينتهى الشكل الهرمي بالحكومة المركزية التي تسيطر على اتحاد الولايات الخمس. وتقويه وتنسقه بسيادة القانون لمصلحة الأمن والرخاء في سائر القطر. وفي ما عدا حالات الضرورة لا تتدخل حكومة الولاية في شؤون المقاطعة. ولا حكومة المقاطعة في شؤون المدينة. ولا المدينة في شؤون القرية، كما لا تتدخل الحكومة المركزية في شؤون الولايات التي يجب ان تمارس كل السلطات التي يلقيها عليها ذلك المقدار من الحكم الذاتي الذي تمارسه، الا أن يكون تدخلاً لضرورة الارشاد والاعانة، حتى اذا ما نشأت مسائل في نطاق غير حكومة واحدة أمكن وضع نظام مشترك، فالتعليم مثلاً يقع نظامه تحت تشريع كل ولاية على حدة. ولكن الحكومة المركزية تساعد الولايات في التعليم بالتنسيق والارشاد وبالهبات المالية، لانه يهم الأمة جمعاء، كما يهم كل ولاية على حدة. وكذلك الأمر في ما يتعلق بالصحة والتنظيم وترقية حياة الناس من جميع وجوهها. وسيكون نظام كل حكومة ابتداءً من حكومة القرية فصاعداً على غرار النظام الديمقراطي، الذي تكون فيه الحكومة المركزية في القمة، من دستور مكتوب وهيئة تشريعية وهيئة تنفيذية وهيئة قضائية. والغرض من هذا تربية أفراد الشعب تربية ديمقراطية سليمة وموحدة في جميع مستوياتهم العلمية وبيئاتهم الاجتماعية.
انتهي.. من كتاب «أسس دستور السودان....»
ابراهيم يوسف



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147486900&bk=1

Post: #267
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 08:07 PM
Parent: #266


إعدام المفكرين في التاريخ الإسلامي «1-2»

-محمد سعيد القدال

في 18/1/1985م اقدم نمير ي على اعدام محمود محمد طه لمعارضته للقوانين التي اصدرها باسم الاسلام. وفي 18/1/1986م، اقيم مهرجان بدار اساتذة جامعة الخرطوم بمناسبة مرور عام على تلك الذكرى المشؤومة. والقيت كلمة بعنوان «اعدام المفكرين في التاريخ الاسلامي». وانا لا اتفق مع كل ما قاله محمود. ولكني أقف اجلالاً أمام موقفه الشامخ وهو ثابت الجنان خلف ما كان يؤمن به.
وإعدام المفكرين باسم الدين، ظاهرة قديمة قدم الصراع الاجتماعي، فكلما احتدم ذلك الصراع وعبر عن نفسه في آراء وافكار، كلما لجأت الفئات المندحرة تاريخياً الى سلاح القهر لتحمي به نفسها من حتمية الزوال، فتصم معارضيها بالكفر والزندقة. وتقدم على اغتيالهم بقلوب يبدو على ظاهرها الرضاء ولكن ينهشها التمزق في الأحشاء. وعندما يصل النظام السياسي الى الدرك الأسفل من العجز، يتوهم ان الافكار التي تهدد بقاءه، ستزول بزوال الرجال الذين يرفعون لواءها. وهو ما عبر عنه الفيتوري في مقطع شعر نفاذ، قال:
أيحسب الطغاة ان قتل المناضل قتل القضية؟
ان هذا السلوك يعبر عن الاملاق والجهل بطبيعة العلاقة بين الفكرة وقدرتها على البقاء من جانب. والانسان بجسده الفاني من الجانب الآخر. ان اغتيال المفكرين يشعل من افكارهم ويتحول الدم المسفوك الى ينبوع ري يغذي تلك الافكار، فتنمو وتزدهر عبر الزمن. وسيظل التاريخ يذكر شهداء الفكر بالتجلة والاحترام، اما القتلة فلا يأتي ذكرهم الا مصحوباً باللعنات التي تطاردهم اينما ثقفوا.
ولم يكن إعدام محمود محمد طه هو الأول من نوعه بالنسبة للدولة الدينية في التاريخ الاسلامي، فقد سبقته في ذلك المسلك الوعر كوكبة من الرجال الشجعان الذين اختاروا الموت في سبيل ما آمنوا به من افكار. فإعدام محمود ليس الأول. ولكن يجب أن نقف بصلابة حتى يكون الأخير. وحتى تختفي والى الأبد تلك الوصمة التي شوهت جبين الانسانية.
واليوم عندما نحتفي بذكرى استشهاد محمود محمد طه، علينا ان نقف وقفة تفكر في سيرة بعض اولئك النفر من المفكرين الذين اغتالتهم آلة القمع الديني، حتى نرى صورة المأساة ونستخلص منها العبر. ونشيد من تلك العبر جداراً شامخاً يمنع نفاذها مرة اخرى.
وسوف نستعرض لمحات من سيرة ثلاثة من شهداء الفكر، وهم معبد الجهني وعمرو المقصوص وغيلان الدمشقي. وهم من أصحاب مذهب القدرية.
المذهب القدري
تأتي مشكلة القدر في طليعة القضايا التي يمكن القول انها حين بدأ التفكير العربي يشتغل بها، بدأ يتجه نحو النظر العقلي الذي مهد للتفكير الفلسفي. وكانت مسألة القدر مثار جدل ومناقشة منذ الصدر الأول للاسلام وحتى يومنا هذا، حيث نجد مفكراً مثل زكي نجيب محمود يولها اهتمامه.
وعندما جاء بنو أمية تشبثوا بالقدر. وقالوا ان ما يأتون به من افعال هو أمر مقدر سلفاً. وأعلن معاوية ان ما يأتيه من أفعال هو بقضاء الله ومن خلقه. واتخذ من هذا عذراً في ما يأتيه ويوهم انه مصيب فيه. وان الله جعله إماماً وولاه الأمر. وكانت المعارضة لبني امية تعني معارضة لقضاء الله وقدره. فانهالوا على خصومهم تعذيباً وتقتيلاً.
فجاء المذهب القدري ليرسي قاعدته النظرية على فكرة حرية ارادة الانسان ومسؤوليته عن افعاله. فجعلت الحركة القدرية دعوتها الى حرية الانسان في أفعاله، مقترنة عضوياً بالدعوة الى مناهضة الحكم الأموي لسببين. اولاً لسفكهم دماء المسلمين واخذ اموالهم. وثانياً ان ظلمهم هو قدر عليهم.
والقدرية هم أهل الاختيار. ولكن خصومهم سموهم القدرية. وتتضمن افكارهم اكثر من المعارضة للظلم الواقع بسبب الدولة الاموية، فهى تتضمن خطراً شديداً على هذه السلطة الظالمة، لأن افكارهم اذا هى شاعت في الناس، فإنها تفتح امام المظلومين منهم بابا للأمل الخلاص من الظلم، ما دام قد ظهر أن هذا الظلم ليس قضاءً الهياً مفروضاً عليهم قبوله. وان زواله مرهون بارادتهم اذا نهضوا لدفعه والقضاء عليه.
فكان القدرية يجمعون بجانب القول النظري بالقدر، افكاراً ضد الدولة الأموية. فقالوا عن حكامها: «البلاء كل البلاء اذا كان الأئمة منهم». وقالوا ان خلفاء بني أمية - عدا عمر بن عبد العزيز - قد ارتكبوا مخالفات دينية عديدة وفاضحة. واتوا ببدع معروفة دون ان يمنعهم من ذلك، كونهم نصبوا أنفسهم حماة الدين. ولخص الدكتور حسين مروة مذهب القدرية قائلاً ان مذهب القدرية انما تبلور مذهبياً ونظرياً على هذه الصورة ليكون معبراً بشكل ديني عن ايديولجية تقف على الطرف الآخر المناقض لايديولجية الحكم الأموي الجبري (النزعات المادية في الفلسفة العربية الاسلامية). ووقف بنو امية بالمرصاد لكل من يعتقد مذهب القدرية. فاخذوا يحاسبون حتى على الاعتقاد بشأن هذا المذهب. فحاربوه حرباً لا هوادة فيها. حاربوه بالجدل الفكري وبالتخويف وبالارهاب وبالقتل الجسدي.
معبد الجهني
كان أول ضحايا الدولة الأموية معبد الجهني. وقد عاش معبد بن خالد الجهني في البصرة. وكان يلحظ بعينيه تطور المجتمع الاسلامي. وفي البصرة ملتقى الناس جميعاً، بدأت المعاصي ترتكب علانية وخفية. ورأى ثمة انهيار في إقامة التكاليف والناس يتعللون في المعصية بالقدر، فقام يناهض هذا، ثم رحل من العراق الى الحجاز واتصل بعلماء المدينة. وكان معبد من رواة الحديث النبوي. وقيل ان ابن ماجة روى عنه بعض الحديث. ويوصف بأنه تابعي صدوق وكان على دين كبير.
ثم أخذ يهاجم الأمويين ويقول:«ملوك بني امية يسفكون دماء المسلمين ويأخذون اموالهم ويقولون انما تجري اعمالنا على قدر الله تعالى» وانتشرت تعاليم معبد - على حد تعبير طاش كبرى زادة - كالنار في الهشيم في العالم الاسلامي، فتصدى له الحجاج واعتقله وقتله بعد ان عذبه عذاباً شديدا.و كان ذلك عام 80هـ.
عمرو المقصوص
ثم جاء من بعده عمرو المقصوص. وهو الذي نادى بالقدر في دمشق. وكان معلماً لمعاوية الثاني ابن يزيد. وكان لاختيار عمرو استاذاً لتعليم أحد ابناء الامويين مسائل الدين، دليل في حد ذاته على انه كان على علم بالدين ومعروفاً بذلك وغير مطعون في دينه او علمه. وقد أثر عمرو في تلميذه حتى انه اعتنق مذهب القدرية في قلب مركز الجبرية.
فلما توفى يزيد، توجه معاوية الى استاذه يستشيره. فقال له عمرو :«اما ان تعدل واما ان تعتزل» فقام معاوية وخطب في الناس قائلاً :«انا بلينا بكم وابتليتم بنا. وان جدي معاوية نازع الأمر من كان اولى به منه وأحق، فركب كما تعلمون حتى صار مرتهناً بعمله، ثم تقلده أبي وقد كان غير خليق به، فركب ردعه واستحسن خطاه. ولا أحب ان القى الله بتبعاتكم، فشأنكم وأمركم ولوه من شئتم، فو الله لإن كانت الخلافة مغنماً فقد أصبنا منها حظاً. وان كانت شراً فحسب آل ابي سفيان ما أصابوه منها». ثم اعتزل الناس حتى مات بعد اربعين يوماً. فوثب بنو امية على عمرو وقالوا له أنت افسدته وعلمته، ثم دفنوه حياً حتى مات.
غيلان الدمشقي
وهو ثالث الضحايا... وكان من الفصحاء ومن بلغاء الكتاب الاسلاميين واقدرهم. قال عنه ابو حنيفة انه حجة الله على أهل الشام. عاش في دمشق ونشأ في رحاب الأمويين، واخذ مذهبه في القدر من معبد الجهني. وكان يجادل عمر بن عبد العزيز، بل أرسل له رسالة يدعوه فيها الى مذهبه قال فيها: «ابصرت يا عمر وما كدت ونظرت وما كدنا. اعلم يا عمر انك ادركت من الإسلام خلقاً بالياً ورسماً عافيا. فيا ميتا بين الاموات، الا ترى أثراً فتتبع ولا تسمع صوتاً فتنتفع ، انطفأ أمر السنة وظهرت البدعة. اخيف العالم فلا يتكلم، ويعطي الجاهل فيسأل. وربما نجت الأمة بالإمام، فانظر أي الامامين انت، فإنه تعالى لا يقول تعالوا الى النار اذن لا يتبعه احد، ولكن الدعاة الى النار هم الدعاة الى معاصي الله. فهل وجدت يا عمر حكيماً يعيب ما يصنع او يصنع ما يعيب، او يعذب على ما قضى او يقضي ما يعذب عليه، ام هل وجدت رشيداً يدعو الى الهدى ثم يضل عنه، أم هل وجدت رحيماً يكلف العباد فوق الطاقة او يعذبهم على الطاعة، ام هل وجدت عادلاً يحمل الناس على الظلم او التظالم، ام هل وجدت صادقاً يحمل الناس على الكذب والتكاذب بينهم؟ كفى ببياني هذا بياناً وبالعمى عنه عمى».
ورغم ان عمر لم يستجب لدعواه القدرية، الا أنه استدعاه لعدالته وتقواه. وطلب منه ان يعينه في اموال المسلمين. فطلب من عمر ان يوليه على بيع الخزائن ورد المظالم، فولاه. وهذه الثقة التي حظى بها من عمر، تقف دليلاً على مكانته.
فوقف غيلان يبيع الخزائن وخاطب الناس قائلاً : «تعالوا الى متاع الخونة، تعالوا الى متاح الظلمة، تعالوا الى من خلف رسول الله في أمته بغير سنته وسيرته. ومن يعذرني ممن يزعم ان هؤلاء ائمة هدى وهذا متاعهم والناس يموتون من الجوع». ومر به هشام بن عبد الملك فقال: «ارى هذا يعيبني ويعيب آبائي، والله ان ظفرت به لاقطعن يديه ورجليه».
فلما ولى هشام الخلافة خرج غيلان وصاحبه صالح الى ارمينية. واخذ يعيبان على هشام مظالمه ومظالم بني امية التي كانوا يرتكبونها باسم الحق الالهي والجبر الذي لا مرد منه، فارسل هشام في طلبهما، فجئ بهما والقى بهما في السجن، ثم استشار الفقهاء، فأفتى الفقيه الاوزاعي بقتلهما. وهو الفقيه الوحيد الذي يذكره المؤرخون من بين علماء الشريعة في ذلك العصر الذي أباح قتل اولئك القدريين. فأمر هشام بقطع أيديهما وارجلهما. وظمئ غيلان فاستسقى الناس فأبوا عليه، بل قال له بعض من كان حاضراً من أتباع الأمويين: «لا نسقيكم حتى تشربوا الزقوم» فقال غيلان لصاحبه صالحا: «زعموا انهم لا يسقوننا حتى نشرب من الزقوم. ولعمري لئن كانوا صدقوا، فإن الذي نحن فيه ليسير في جنب ما نصير اليه بعد ساعة من عذاب من الله. ولئن كذبوا، فإن الذي نحن في ليسير في جنب ما نصير اليه بعد ساعة من روح الله، فاصبر يا صالح».
ثم مات صاحبه صالح فصلى عليه، واقبل على الناس وخاطبهم قائلاً: « قاتلهم الله كم من حق أماتوه. وكم من باطل قد أحلوه. وكم من ذليل في دين الله اعزوه ومن عزيز في دين الله اذلوه» . فذهب الأمويون الى هشام وقالوا: «قطعت يدي غيلان ورجليه واطلقت لسانه، انه قد أبكى الناس ونبههم الى ما كانوا عنه غافلين». فأرسل اليه هشام من قطع لسانه، فمات.
وهناك رابط موضوعي، كما يقول حسين مروة بين قدرية غيلان وبين موقفه هذا من الامويين. وبين مذهبه الفكري ومسلكه السياسي، فليست هناك ازدواجية في شخصية غيلان. وانما تكون الازدواجية حيث يكون التناقض بين النظرية والتطبيق وبين المبدأ والسلوك.
إن قمة الكمال في السلوك البشري عندما يكون سلوك الانسان الشخصي ونشاطه العملي وأفكاره تكمل بعضها بعضا دون ان يكون بينها تناقض. وكل الشخصيات التي احتلت مكاناً رفيعاً في التاريخ الانساني كانت تقترب بدرجة او اخرى من هذا النموذج الرفيع.




http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147486801&bk=1
_________________

Post: #268
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 08:08 PM
Parent: #267


ادخل الاغنية السودانية حيزاً من الاكتمال غير مسبوق
ملف للتعبير عن الحياة
إشراف: نجيب نور الدين
إعداد : طارق شريف/ محمد عكاشة/ طاهر محمد علي / تصوير: شالكا
بعض الكلام
نجيب نور الدين

* صوت صديقنا الأديب سامي سالم يشق ليل القاهرة في ليلة من ليالي الشتاء الباردة قليلا بعد منتصف الليل، يهاتفني وعبرة تسكن الصوت ويلقي إليّ بالخبر: مات مصطفى سيد احمد هذا المساء بالدوحة..
في لحظة نشر الموت معطفا من الحزن الكبير وسكن في كل شيء.. نزلت الى الشارع في منتصف القاهرة بمنطقة الجيزة والبرد يسيطر على كل شيء في تلك الليلة الشاتئة جدا.. عقلي بارد ايضا وقلبي ساخن مفجوع.. احاول جمع شتات روحي ولوعة عظيمة تشملني من جميع اقطاري.. شعرت بأن دورة الزمان توقفت للحظة لتعلن هذه الاضافة قبل يوم من ذكرى اغتيال الاستاذ محمود محمد طه. وكأننا على قدر مع الأحزان الكبيرة هنا وهناك، فجراحنا التي لا تبرأ تزداد.. كنا في منتصف طريق الاحلام والآمال نترقب بزوغ الفجر وان يتنفس صبح الميلاد. ونحلم بمصطفى في الخرطوم الجديدة عائداً طيباً ليتقاسم احزانه النبيلة مع تلك الاجيال الجديدة التي صاغها وشكلها نغماً فريداً ومتجدداً.. تلك الاجيال التي أشاع فيها مصطفى سيد أحمد روحه المبدعة وشخصيته المثال في انحيازه التام الى القيم العليا الرفيعة من غير مزايدة او ارتداء الثياب التي تطول على البعض.. فكان مصطفى سيد احمد ابرز المجددين الكبار والمبدعين الكبار الذين يقفون ضد قطع الاعناق والارزاق ودهس الزهور.. لقد اشاع مصطفى أفقا جديدا في الغناء للحبيبة والوطن. وادخل الاغنية السودانية حيزاً من الاكتمال غير مسبوق. وهو يطرق الاساليب الجديدة في الصياغات اللحنية. واختيار القصيدة الغنائية النافذة المشحونة بالمفردة الصادقة المدهشة، فكان بذلك رائداً في تقديم لون جديد من الشعر الغنائي. ومحرضاً على كسر دائرة التقليدية في تعاطي الشعر الغنائي.. كنت احلم بمصطفى في الخرطوم أحلام يقظة أراه في احد الدور الشاسعة استاد الهلال او الخرطوم او المريخ.. فلقد ادخل مصطفى جيلاً كاملاً من الهامش العريض الذي خرج اليه مجبراً ومقهورا عندما بدأ إخراس صوت الاغنية. ويذهب خوجلي عثمان فدىً ورمزاً ومنارة وخزياً للظلاميين على مدى التاريخ..




http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147486807&bk=1
_________________

Post: #269
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 11:33 PM
Parent: #1


الكتابة في زمن الهزائم..

هل من خطاب يرتقي إلي مستوي الفجيعة السودانية؟
فاتحة
وأنا كأمهرِ صانعٍ في زحمة الصين القديمةِفي زقاق ضائع
عَبَرتْه جلجلةُ الحياة علي حمارٍ ظالع
والناس كالسيل القوي الدافع
المتكوم علي المحفّات المزركشة
بالحرير اللامع
خطو الجراد ورقصة الكوليرا
ويد الجفاف وحيرة الحقل الجديبِ البلقع
صُفرٌ وقد ملاؤا الزقاق
بكل أصفر فاقع
كاليأس كاليرقان كالغثيان
في ذاك الزقاق الضائع
(بُوذا) تخلّلي عنهمُ للطامع
من عد طول صداقة الزمن الخصيب الممرع
لم يستجبْ لتضرع
ـ صلاح أحمد إبراهيم ـ
بقلم
خالد أحمد بابكر
استهل الكاتب الصحفي في (الشرق الأوسط) مأمون فندي مقالته الرائعة (مسلسل الحب الفاشل.. بين أمريكا والعرب) بقصة مثيرة جاء فيها:
(في حديقة عامة جلس رجل إلي جوار رجل آخر، لم يكلمه للحظات، ثم وقف وأخرج سكيناً حادة وطعن بها نفسه ثم تحرك في اتجاه الرجل الآخر واحتضنه بقوة فدخل ما برز من تلك السكين في أحشاء الرجل الثاني). هذا مشهد من مسرحية عبثية (لادوارد البي) قصة بعنوان: قصة الحديقة The zoo story .
هنا لم يكن طعن الرجل لنفسه أو التصاقه بالرجل الآخر عن طريق السكين بدافع الكراهية، لكنها كانت محاولة يائسة للتواصل في عصر اغترب فيه الجميع مع غياب المرجعيات والحد الأدنى من القواسم المشتركة، فليس لدي الرجل ما يمكن أن يقوله لذلك الغريب الجالس إلي جواره. لا وسيلة اتصال تجمعهما سوى السكين. اتصال فيزيائي.
---------------
لقد فوجئت حقاً عندما اطلعت علي لائحة المثقفين والشعراء والكتّاب السودانيين الذين جنوا أو انتحروا أو قتلوا في الستينيات والسبعينيات حتى الثمانينيات. (شيبون) الشاعر ورفيق درب صلاح أحمد إبراهيم في الحزب الشيوعي الذي قال عنه صلاح: أنهم حاصروه وضيّقوا عليه حتى انتحر! عبد الرحيم أبو ذكرى الشاعر المعروف الذي قال عنه كمال الجزولي: أنه انقذف بجسده الناحل من شقته في مبني أكاديمية الفنون في موسكو! والأستاذ محمود محمد طه الذي قتلته محاكم التفتيش النميرية عصرئذٍ. وهناك كثيرون عاشوا ملاحقين من قبل السلطات.. والقائمة تطول.
كل هؤلاء دفعوا ثمن إيمانهم بالفكرة والرأي.. دفعوا ثمن ما كتبوا وتفوّهوا به.. دفعوا ثمن الحضارة والثقافة السودانية نقداً بأنفسهم. وبفضلهم تحققت بعدهم دون أن ينعموا بها ولو للحظة. لقد حرقتهم عصور الانتقال والتحول والمخاضات الكبرى. كانت الفجيعة أكبر منهم، لكن نصوصهم وخطاباتهم استطاعت أن ترتقي وترتفع وتعلو إلي مستواها، ولا تزال تشكل لنا منارات في ليلنا الدامس.




http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147486688&bk=1
_________________

Post: #270
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 11:35 PM
Parent: #269


التجميل بشارع النيل... الزنابق... والوحول

نجم الدين محمد نصر الدين
جميل جداً ان تصير عاصمة بلدنا أخيراً مرتعاً للخضرة.. وكان لها ان تكون كذلك منذ أمد طويل لولا إنشغال ساستنا بغير هذا وفشلهم فيه وفي سواه.. هذا طبعاً غير قوميتها أو خصوصيتها، مدائن ثلاثة يلتقى ويقترن في اولاها فرعا واحد من أطول الأنهار في العالم بعد أن يمران بضلعي مثلثها أم درمان وبحري، وحين يتحد هذان العنصران، كما قال الراحل "علي المك".. ليكون نهر النيل العظيم "سليل الفراديس"، منطلقا حتى الدلتا.. منتهياً بالابيض المتوسط.
عبقرية مكان كما يقول علماء تخطيط المدن والـ Landscaping " " والتى لا أجد لها ما يوفيها من ترجمة "اهو تسطيح الارض ومدها" ام الإبقاء عليها كما هي مع المحافظة على طبيعتها وجعلها جميلة في آن، إن الغّبرة في حياتنا بثلاثة أرباع المليون ميل مربع.. وبدأ قليل تقليص لها فيما لا يذكر من مساحات في العاصمة، ولقد سبق ان كتبنا بهذا الشأن حامدين له مثمنين جهد القائمين عليه.. إذ أن هذا المنحى صار نهج المدن الحضارية كلها الآن.. فشارع النيل الذي كان من الممكن ريه بالسواقي والشواديف ان تذّرعنا بشح الامكانات.. ليضفى هذا على التجميل تأكيد أثر الماضي في غابر حضاراتنا "وتعريف لاحق الاجيال بما كان يتبع من اساليب فى الرى فقليل منهم من يعرف هذا ومثله" تم الالتفات لزراعة جانبيه فى المنطقة الواقعة اسفل كوبرى كوبر حتى تقاطع المك نمر .. بعد أن شُق نصفيه الغادي والرائح بجزيرة .. زودت بأحدث وسائل الري وأكلفها.. وهو الري بالرشح والتنقيط بواسطة شبكة حفرت لها الـ " main holes" او المنهولات كما يقول أهل السباكة، وعهد بكل ذلك لشركات ذات حول فيما يبدو.. ولكنك تلاحظ اول ما تلاحظ.. انه قد تم تقسيم هذه الجزيرة تقسيما روعي فيه وبشكل ظاهر تنويع المغروس من ازاهير ورياحين وعشب.. ونجيلة.. هنا وهنالك.. وترك ذلك لمن يظن به إجادة مثل هذا العمل.. ولقد اقاموا بالفعل ألواناً فاقعة.. صفراء وحمراء وبنفسجية مع الخضرة بالطبع تسر الناظرين.. إذ نظروا اليها فقط على استقلال. إذ انه باجالة البصر في هذه المرافد وبعد محاولة اشباع العين في جمال التنوع "والتعددية" التى افتقدناها دهراً.. تصطدم العين.. بالخراطيم السوداء عارية مكشوف ظهرها فتكون الخضرة والصفرة والحمرة مختلطة مع هذه الخطوط شديدة السواد وداكنتة الاحجار الكثيرة "غير الكريمة" بالطبع، الملقاة على اطراف هذه الاحواض او في منتصفها، اغطية.. مجاري .. أكوام التراب.. قطع حديد صدئة.. بقايا من كل نوع "وسط اللّمة " منسية كل هذا جنباً الى جنب يشكل وحولاً تنمو فيها هذه الزنابق.. والقول لجبران خليل جبران.. الشئ الذي يجعل هذه المزروع اخضرُ دِمِن أى الحسن في المنبت السوء.. جرياً على الحديث الذي ينهى عن الاقتران بها.. ان ترفع بصرك بعد ذلك ذات اليمين وذات الشمال في أي اتجاه كنت فيرتد اليك طرفك محملا بصور "العُشر" والاشواك اليابسة.. واشجار السيال.. وتلك المقطوعة المحطوطبة -وأكوام مخلفات المباني- من طوب - وبلاط -وتراب "لا تَّبر فيه"، واكيس بلاستيك متشبسة بكل هذا واكوام كبيرة منه جميعاً أفرغت للتو فالمكان.. كان ولا يزال والى الآن واحدة من أكبر المزابل " لغير التاريخ بالطبع" لان تلك مكانها غير هذه..
ان الجمال كل واحد لا يتجزأ وهو نسق.. نسيق مرتب.. يريح العين . ويتمدد داخل النفوس المرهقه فيبدل رهقها راحة.. فالناظر لكل هذا ان لم ير الاحواض المرسومة... وشارع الاسفلت حديث الرصف لظن انه في غابة استوائية - وفير ماؤها غير منقطع نابتة فيها الازهار البرية المتروكة ليد الطبيعة- لتزرعها اين و كيف ما اتفق.. ان علم البستنة "Horticulture" وليس البشتنة " غدا أحد فروع الزراعة التي تفرد لها الشُّعب، كذلك الهندسة الزراعية وعلم تنسيق الحدائق، هذا فوق الجهد العظيم والدؤوب الذي تقوم به جمعية فلاحة البساتين بإقامة معارض الزهور السنوية.. بقيادة صديقنا.. د. نصر الدين شلقامي وصحبه الميامين.. والتشجيع المتصل والجوائز المبذولة والتنافس الحر كل عام في كل هذا.. وتحويل فكرة إقامة الحدائق في المنازل والمكاتب، والمصانع والطرقات، والمسارح، وأماكن العبادة والدراسة، وغيرها عملاً يومياً وليس ترفاً.. يجعلنا لا نجد لأمثال هؤلاء المتخصّصين ومن قاموا بهذا العمل في شارع النيل وغيره اي عذر... فبالله عليكم نناشدكم وبهذه التكلفة العالية.. ازيلوا هذه الوحول او تحايلوا على ابعاد منظرها من اعيننا واغرسوا مزيداً من الزنابق...
محاولة أخرى تجري الآن لتلحق عاصمتنا بركب العواصم المخططة متزامنة مع سابقتها وهي تسمية الشوارع او تأكيد تسميتها مع كتابة ذلك في لافتات أنيقه... حتى بالنسبة للفرعي والجانبي منها.. ولقد روعى هذه المرة في التسمية لتلك غير المسماة أن تكون سودانية صميمة لصيقه بالوطن والتراب، وهذه من المآثر العظام فالامم التي لا تعرف ماضيها وتاريخها لا حاضر لها.. واذا اجريت استفتاء بين طلاب الجامعات الكثيرة الحاضرة الآن.. او بعضاً مِنْ مَنْ تخرجوا منها وسألتهم عن من يكونوا هؤلاء المسماة بهم الشوارع لحاروا جواباً -فالاسماء فيها الطارف والتليد مِنْ مَنْ أسهم في دفع الحياة من أي وجه من وجوهها السياسي، او الاقتصادي، او الاجتماعي.. ففي هذا لهؤلاء الرجال بعض ايفاء -وارجوا- ألا يمنع القائمين على امر هذه التسمية الكيد السياسي من الحيلولة دون إدراج من كانت لهم مساهمات كتلك آنفة الإشارة بسبب الخلاف السياسي او الايدولوجي وحده، او الاحساس بأن جهد الآخرين هذا -كان على الوطن شراً ووبالاً فهذا تقديرهم هُم وهو ايضاً يندرج في الشمولية التي مافتئنا نسعى لابدالها.. فهل سنرى اسماء ساسة وأبطال.. من غير اهل "المشروع الحضاري" القديم والجديد.. من مفكرين -مثل الأستاذ محمود محمد طه، وعبد الخالق محجوب.. او الشفيع مِنْ مَنْ ظعنوا باعمالهم الى الآخرة "اختلفنا او اتفقنا معهم.. أو اسماء مثل وليام دينق واستانلاوس بياساما وجوزيف قرنق ودينق ماجوك، مِنْ مَنْ دافعوا عن وحدة السودان، وبابكر بدرى مِنْ مَنْ أسسوا لتعليم المرأة، والسلطان عجبنا وحجّار وعزيز كافورى وعلى بيتاى مِنْ مَنْ اسهم فى تعليم اهلنا فى الشرق والادباء العظام من امثال معاوية نور وجماع والتجانى يوسف بشير وعلى المك واستاذه الراحل الكبير البروفيسور عبد الله الطيب وعبقرينا وعبقرى الرواية العربية الفذ الطيب صالح ان خصصت اسماء شوارع لهم وهم على قيد الحياة من أمثاله أرجوا أن يتم ذلك وان نحرص كل الحرص على قومية الاسماء "وسودانيتها "وازالة تلك التسميات العشوائية التي كانت سائده قبل هذا وفوق كل هذا وذاك كتابة الأسماء وباللغة الإنجليزية بطريقة صحيحه... فلقد تغيرت اسماء بعض مِنْ مَنْ كتبت اسماؤهم باللغتين- كعبد المنعم "بكسر الميم والنون والعين...فتأمل!!! او كتابة ابو قرجة بالـ " Q" لتصبح في أحسن الأحوال "كرجه" او كتابة شارع الجامعة شارع "الجامية" بدلاً من "JAMIAA"..." ما تم ذكره هنا لهو على سبيل التمثيل لا الحصر وهذا ما طاله بصرى " . أرجوا أن نتدارك الباقي باستشارةِ أهل من سميت الشوارع باسمائهم عن كيفية الكتابة الصحيحة للاسم بالانجليزية ان عجزنا عن صحيح الترجمة، او ان نعهد بذلك لمن لهم في هذا طويل باع، او نلجأ للمضابط التاريخية والمراجع -كما نأمل أن يتوج كل هذا بترقيم ظاهر للمواقع الموجودة في هذه الشوارع - حتى لاتضل الرسائل طريقها الى اصحابها ... وحتى تشرع العشوائية في ايجاد أماكن اخرى لها، سيما وعاصمتنا... ستصير عاصمة سودان السلام ...اذا لم تنته المباحثات لغير ذلك - أوليست هي دوماً بالمفاجآت حافلة؟!! ==



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147486402&bk=1
_________________

Post: #271
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-13-2008, 11:36 PM
Parent: #270


بقاعة الصداقة أمس الأول:

باقان أموم يتحدث في المسكوت عنه، ويجلد الذات السودانية

مواطنو الخرطوم يصوتون من أجل السلام مرة أخرى

بدأ باقان زاهداً في الحديث عن سير ووقائع عملية التفاوض وان كان أكثر تركيزاً في تقديم درس في كيفية التسامح والتسامي وتنقية النفوس من السخام التي علقت بها طوال سني الحرب إلى جانب تحرير الإنسان السوداني من أوضار الاستعلاء العرقي والشوفينية القبلية والعنصرية المضادة ودعا باقان السودانيين لتأمل تجربتهم المريرة منذ الاستقلال، وحتى اليوم بصدق وتجرد ليعرف كل فرد المقدار الذي أسهم به في الخراب الذي حاق بالبلاد وقال: «نحن البلد الأفريقي الوحيد الذي أصبحت فيه الحرب هي القاعدة بينما السلم هو الاستثناء» وكذلك نحن البلد الوحيد الذي في مقدوره قتل قادته السياسيين، من أمثال الإمام الهادي، والأستاذ عبد الخالق محجوب والأستاذ محمود محمد طه بهدوء دون ان تهتز لنا شعرة واحدة، وقطع باقان بأن هذا الذي علينا ليس أمراً عادياً ويتطلب منا «قعدة» مع الذات ولمراجعة أنفسنا.


http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147486037&bk=1
_____________

Post: #272
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 00:25 AM
Parent: #1


مؤهلات ومسؤوليات التوجه الحضاري وشهداء الجوع ببورتسودان
ابراهيم يوسف
والاّ يشمل تبييض الوجه هذا انصاف المفصولين باسم الصالح العام وباسم فائض العمالة الخ... بتمكينهم من حقهم الدستوري في العمل واعادتهم لمواقعهم والحاقهم بدفعتهم ممن ثبتهم الولاء في الترقيات واخشي ان اقول قد اشتط بي الخيال وحسن الظن حيث فكرت في ضحايا مرض السل بشرق السودان الذي سببه الفقر المدقع ونقص الغذاء اليست الدولة مسؤولة عن حياة رعاياها الايمكن ان تدفع ديات لأسر اولئك الضحايا الذين قتلهم الجوع في ظل دولة تدعي الاسلام والتقصير جاء بصورة صارخة ليعلن اننا في ظل دولة (الفقر) اذ تزاحم الرجال والنساء والاطفال مدفوعين بالجوع والمسغبة بحثا عن لقمة عيش يلتمسونها عند محسن حين لم يجدوها عند دولتهم الدينية فمات اكثر من ثلاثين منهم كانوا شهداء الجوع عليهم الرحمة والرضوان وصعدت ارواحهم الطاهرة في شهر الرحمة والاحسان لترفع ظلم الانسان لاخيه الانسان حيث يموت الانسان طلبا للرغيفة في بلد موصوف بانه سلة غذاء العالم من حيث الامكانيات ولكن مصيبته في الحكومة التي تدعي الدين فتتستر وراءه من النقد ومن المسؤولية باسم الابتلاءات. هل لنا ان نذكرهم بقول الامام عمر (ولانا الله علي هذه الامة لنسد لهم جوعتهم ونوفر لهم حرفتهم فان عجزنا عن ذلك اعتزلناهم) ، كما قال (ما افتقر فقير الا بما اغتني غني.. مارأيت اسرافا في شئ الارأيت فيه حقا ضائعا) ، وقول الامام علي (ما جاع فقير الا بما تمتع به غني) ، واين من كل ذلك حكومتنا السنية التي يقولون عنها انها ادخلت مواطنيها الجوامع وانفردت بالسوق وبالفرص والبذخ في الاحتفالات فهل لنا ان نتذكر قول الاستاذ محمود محمد طه(فليتدارك الله دينا باسمه يحيا اناس في رخاء العيش ودعة النعمة وهم باسمه لا بنائه يكيدون

ولاتحسبن الكيد لهذه الامة مأمون العواقب كلا فلتشهدن يوما تجف لبهتة سؤاله اسلات الألسن يوما يرجف كل قلب وترعد كل فريصة

ابراهيم يوسف


http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147485927&bk=1
_________________

Post: #273
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 00:26 AM
Parent: #272



محنة الثقافة والمثقفين السودانيين


د.حيدر ابراهيم علي



شاركت في الاسبوع الفائت في لقاء عن الوضع السياسي في السودان اقامه مركز القاهرة لحقوق الانسان. وكان من بين المدعوين سياسي ووزير سابق وقيادي حزبي متعدد الولاءات داخل حزبه نفسه. وترك السياسي المخضرم كل مشكلات السودان الراهنة وتوقعات السلام وامكانات البناء والاستقرار، ليشن هجوما على المثقفين السودانيين، لانهم سبب كل مصائب السودان. واستغربت للطريقة التي يحلل بها بعض السياسيين الواقع والتاريخ السودانيين. وسألته بعد حديثه: هل هي دعوة للجهل ولابلسة العقول النيرة في بلد صعدت فيه نسبة الامية الفعلية الى ما يزيد عن 70%. ولكن هذا الموقف تجاه المثقفين ليس غريباً لدى كثير من السياسيين والحكام في السودان. وللمفارقة يغذي بعض المثقفين أنفسهم مثل هذا الموقف من خلال خلافاتهم ومعاركهم الذاتية التي تقلل من شأن زملائهم بسبب الغيرة والحسد والتنافس غير الايجابي. وتساءلت عن مصدر هذه الظاهرة العدائية تجاه المثقفين. ووجدت أنها تكمن في الماضي السوداني. ففي فترة دولة الفونج وكما يخبرنا كتاب الطبقات لود ضيف الله، كان التنافس بسبب سلطة رجال الدين «الفقرا» المعنوية وهيمنتهم على قلوب وعقول الناس. وتوصل بعد الحكام الى معادلة سلمية من خلال قبول شفاعة «الفقرا». وان كان بعض «الفقرا» رفض الشفاعة. وقد كانوا ـ وهم مثقفو ذلك الزمن ـ حماية للعامة من جور السلاطين. ويروى ان الشيخ ادريس ود الارباب، حين جمع الملك بادي بن رباط كبار رجال الدولة وقال لهم: ادريس شيخي وابوي داري من العسل الى البصل بقسمها له النصف. كان رد الشيخ: «هذا الدار دار النوبة وانتم غصبتوها منهم انا ما بقبلها، الرسول قال: من سرق شبرا من الارض طوقه الله يوم القيامة به من سبع ارضين» ورغم خشية بركاتهم او لعناتهم فقد خضع بعض العلماء للاضطهاد فهاجر بعضهم الى مكة «الفقيه عبد اللطيف بن الخطيب عمار» وقتل الفقيه حجازي بن ابي زيد عطشا وقتل الفقيه النجدي خنقا. ونفس الشيء في سلطنة دارفور، تقول الروايات ان السلطان عبد الرحمن كان يحب العلماء ويكثر الجلوس معهم في ليله ونهاره. وقلما يجلس مجلسا الا ومعه عالم اواثنان. فاغتاظ الوزراء منه وقالوا: كيف يتركنا ويجلس مع هؤلاء؟ لكن ان مات هذا السلطان لا نولي علينا بعد رجلا يقرأ أبدا! «تشحيذ الاذهان: ص 191». وفي الدولة الدينية المجددة: المهدية تعرض العلماء المعارضون للاضطهاد وحرقت كتبهم مثل الكردفاني. وتعرض الشيخ حسن الزهراء للسجن وغيره من الفقهاء والقضاة.



ورغم ان الادارة البريطانية حاولت خلق فئة جديدة تقابل بها احتمالات هبات المشعوذين الدينية او تمردات القبائل، الا ان هذه السياسة انقلبت بعد ثورة 1924 الى عداء تجاه المتعلمين. ثم جاء مؤتمر الخريجين ليقود النضال الوطني بعد ذلك ويدخل في صراعات مستمرة مع الاستعمار. وقبل الاستقلال بقليل كان المثقفون قد هزموا انفسهم حين دخلوا في عباءة الطائفية عدا اصوات قليلة مثل احمد خير واليساريين من بين الاتحاديين. ورغم الاحترام الشكلي للمثقفين، الا ان واقع صراع القوى جعل منهم قوة تابعة او مضطهدة اي تمنح مواقع ووظائف بسبب الولاء والطاعة او تتعرض للقمع والتهميش.. وكانت فترة النميري اقسى فترات التاريخ على المثقفين السودانيين، فقد كان صاحب استراتيجية تقوم على اذلال المثقفين. وهي فترة يمكن ان تسمى حقبة الكَسْرَة رجوعا الى انكسار جيش المهدية الوطني امام جيوش الاحتلال. فقد هزم النميري المثقفين في مجموعهم بادخال روح الهزيمة والتهافت على غنائم مايو ما عدا قلة هي التي مثلت طليعة الانتفاضة ضده. ولكنه استطاع ان يلوث ـ احصائيا ـ اعدادا كثيرة وبعض هؤلاء عناصر جيدة ولكنها اساءت التقدير والنتيجة واحدة.



ويعتبر ما تقدم من العوامل الخارجية في محنة المثقفين السودانيين. وهي لم تنتصر الا بسبب العامل الذاتي اي عيوب المثقفين انفسهم. فهل كان المثقف السوداني قادرا على لعب دوره المتوقع في الحياة العامة؟ فلنبدأ برؤية غريبة تسود بين السودانيين. وهي الازدراء الخفي لما يسمى التنظير والتفكير بالذات في السياسة. اذ يرى الكثيرون ان السياسة فعل اولا ثم تبحث بعد ذلك للمبررات وعقلنة هذا الفعل بعد ان يحدث. وبالتالي على السياسي ان يكون قادرا على الانجاز وتسود نظرية «امسك لي واقطع ليك». وما عدا ذلك يقوم به المنظراتية والمثقفاتية. وهذه صفات معيبة في نظرهم. واثناء اللقاء سباق الذكر، كان المتحدث يردد ان المثقفاتية عايشين في ابراج عاجية! وكانت صورة كاريكاتورية وليست رمزية: اين هذه الابراج العاجية في بلد مثل السودان لا تملك فيه اية خصوصية؟ وهذا مجتمع مفتوح ومقتحم ولا يسمح بالعزلة والانعزال. ولكن اغلب السياسيين الذين تربوا على الديماغوغية وتهييج الجماهير والاصوات العالية والاثارة وعقلية: احرق يا دينمو! التي لم تنقرض، هؤلاء يخلطون بين الالتحام الحقيقي مع الجماهير ومعرفة احتياجاتها. وبين حلقات الزار السياسي التي دأبوا على اقامتها منذ الاستقلال. وظنوا ان حشد الجماهير في الميادين الكبيرة ونثر الوعود وتحقير الخصوم يمكن ان يكون بديلا للدراسات والتحليل والفهم العلمي، اي عوض عن النظريات الملعونة.



وحاول المثقفون مجاراة التهريج السياسي، لذلك قصروا في المهمة الاساسية التي تجعل المثقف يحمل صفة: مثقف، اي ان يعمل على انتاج المعرفة ونشرها بين الناس اي صناعة المعرفة ـ حسب غرامشي. وفي هذه الحالة لا بد ان يكون المثقف نقدياً ويرى في الواقع ما لا يراه الآخرون، خاصة الذين يرددون: ليس في الامكان احسن مما كان. فالمثقف اقرب الى الهدم دائما وهذه ـ للمفارقة ـ ايجابيته، اذ يسعى باستمرار الى التجاوز او الى ان يكون معارضا دائما. ليس حبا في المعارضة لذاتها، او خالف تذكر. ولكن حساسيته لحركة التاريخ عالية. لذلك سرعان ما يتحول الحاضر لديه الى ماضٍ وتقليد وتراث. ولا بد ان يعيش المثقف في خطر ويقبل هذه المغامرة، فقد يتعرض الى اغتيال الشخصية او الى السجن او القتل. وفي هذه الحالة يتسق مع نفسه حتى في مصيره. وامامنا الامثلة العليا محمود محمد طه وغاليليو والحلاج وسيلفادور اليندي والقائمة طويلة. ومن هنا نجد ان الجانب الذاتي في المحنة، يكمن في استعداد كثير من المثقفين للتنازل والتراجع بالذات في ازمنة الهبوط والانحطاط.



فالمثقف السوداني خاضع لابتزاز متزايد. وعليه ان يكسب رضاء الكثيرين، رغم معرفته بالمأثور: ماذا يكسب الانسان لو كسب العالم وخسر نفسه! والمشكلة هي ان الانسان السوداني والمثقف ضمنه، يميل الى عقلية القطيع والى الاجتماعية التي تنبذ الاختلاف وتدينه وتعتبره خروجا عن الجماعة التي لا تجتمع على ضلالة في اغلب الاحيان.



وهناك تقصير من جانب المثقفين السودانيين. وهو الانتاج المعرفي الغزير والعميق. وسبق ان كتبت مقالا في صحيفة «الحرية» تحت عنوان «الغابة والصحراء». ولكن لم اقصد المدرسة الابداعية المعروفة. بل تعرضت لعلاقات المثقفين المتبادلة وانتاج المعرفة ونشرها، لان علاقات المثقفين أقرب الى علاقات الغابة المنفلتة غير المحكومة بقيم ومثل، بل قانونها: قاتل او مقتول! ويصعب ان تجد مثقفا سودانيا يذكر زملاءه بالخير. وفي احسن الاحوال المدح بما يشبه الذم. وتحول انتاجهم المعرفي الى انتاج الشائعات والاقاويل ونشرها، بينما تخلو المكتبات من انتاجهم المعرفي الذي يماثل الدعاية والتمجيد الذاتي. ولذلك يمكن للسياسيين ألا يحترموا المثقفين، رغم انهم ليسوا احسن حالا منهم ما عدا قدرتهم على تسلق السلطة، كما ان ادواتهم في الترويج لانفسهم مجرد مايكروفون وصيوان والافكار الجديدة ليست ضرورية.

زار المفكر اللبناني علي حرب السودان وقدم محاضرات جيدة غاب عنها المثقفون السودانيون. وقد طرح آراء مهمة، منها ان المثقف العربي لم يقم بمهمات المفكرين بل المبشرين، لانه ناضل من اجل تغيير الواقع دون تغيير مفاهيمنا للسلطة والواقع او للحقيقة والمعرفة. ولا يعني ذلك التخلي عن معركة التغيير. ولكن اولوية المثقف هي البدء من فهم الواقع ثم تغييره. وهذا هو الخلاف بين السياسي والمثقف. ولذلك كثرت اخطاء السياسيين واوصلوا البلاد الى هذه الحالة، لانهم الحاكمون الحقيقيون طوال تاريخنا الحديث، بينما المثقفون ملحقون وليسوا اصلاء في الوصول الى السلطة «الجيش او الطائفة الحزبية» او الحفاظ عليها. ولا بد من تقارب دور السياسي والمثقف عوضاً عن الاستقطاب، فالمواجهة غير مجدية. والتطور لا يحدث الا من خلال سياسة مثقفة تستخدم العقل والذوق في تناول الواقع وادارة شؤون الناس.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147485827&bk=1
___________

Post: #274
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 00:27 AM
Parent: #273


ثورة اكتوبر بين منتزه عبود وحديقة القرشي
-عادل ابراهيم حمد
قضت بعض الاسر السودانية امسية يوم امس الذي يصادف الذكرى التاسعة والثلاثين لثورة اكتوبر في منتزه عبود الذي يحمل اسم رئيس النظام العسكري الذي اطاحت به ثورة اكتوبر ، بينما قضت اسر اخرى امسية الامس في حديقة القرشي التي تحمل اسم شهيد الثورة الاول ، فهل في الامر لغز ؟
قد يبدو صحيحاً التفسير الاولى وهو استحالة الاحتفاء بالشخصيتين معاً ولكن التأمل العميق يقود لنتائج اخرى غير تلك التي يفضى اليها الحكم المتعجل .

ولنحاول ان نعرف اي من هذين الشخصيتين يمكن ان يفسح المجال للاخر ليجد حظه من التقدير دون ان يحدث ذلك تناقضاً .
يمثل عبود نظاماً عسكرياً غير ديمقراطي ، اقصاء الاخر من مرتكزاته ودعائمه ولو كان هذا الاخر رموز الحركة الوطنية الذين ارسلهم نظام نوفمبر الى السجون ، اما القرشي فهو رمز لثورة شعبية دعت للحريات وللديمقراطية وهي بذلك ضد فكرة الاقصاء مبدئياً .. وان كانت الضرورة تفرض العزل السياسي لاركان النظام الذي ازاحته الثورة فان روح الثورة الديمقراطية لاتقر اسقاط رمز وطني من ذاكرة الوطن او الغاء حقبة في تاريخ السودان ،وعليه فان القرشي هو الذي اتاح لعبود ثاني قائد وطني للجيش السوداني ان يجد حظه من التقدير بينما لم يكن لعبود ان يتيح للقرشي ولو نذراً قليلاً من الذكرى وهاهنا تشمخ القيمة الديمقراطية وتسمو .
هذه القيمة الراقية هي التي جعلت في الامكان فهم الاحتفاء بالقرشي وعبود لانها الصيغة الداعية والحاوية لمنظور التعايش بين الافكار والنابذة للوصاية والاعتداد بالرأي وادعاء احتكار الحق . ولكن هذه القيمة بكل رقيها لم تجد الاسباب الكافية للاستقرار والرسوخ فقد وقع انقلاب عسكري اخر يعتمد الاقصاء والغاء الاخر ولكن الغريب انه ادعى انه الاحق باكتوبر«طفلنا الجريح الذي جرحه العدا » كما جاء في اشعار الشاعر علي عبدالقيوم . ولم يقف الامر عند الشعر فقد جاء الاقصاء هذه المرة مؤدلجاً وراؤه مفكرون ينظرون للاحادية وبالطبع لم يغير التنظير من طبيعة الاقصاء فكان السجن والمشنقة والدروة .
وتظل الديمقراطية تعطي الدروس حتى في غيابها وظل دائماً درسها البليغ هو ان اقصاء كل الخصوم السياسيين ينقل الحاجة للديمقراطية الى داخل المعسكر الاحادي نفسه فما ان يفرغ اعضاء هذا المعسكر من تصفية خصومهم الا ويواجهوا بالقضايا الوطنية التي « تختلف » حيالها اراؤهم ولا يجد الكافرون بالديمقراطية خيارا غير تصفية بعضهم البعض وهكذا حدثت المواجهات بين عسكر نوفمبر وحدثت الصراعات الدامية بين رفاق مايو .. وانتقلت مايو من مرحلة الى مرحلة ومن لون الي لون ومن شكل الى شكل .



وفي كل مرة يطلب من الشعب ان يبصم على برنامج المرحلة الجديدة ويكفر ببرنامج الامس الذي كان خيراً كله وانقلب الى شر محض . لقد كان النميري احد حملة الشعار الفرعوني « لا اريكم الا ما ارى » ..وتفشت في المجتمع السوداني امراض الدكتاتوية من خنوع ونفاق فليس مجتمع السودان استثناء بين مجتمعات البشرية فما ان يبتلي شعب بهذا النظام القبيح الا وتملأ البلاد تماثيل القائد الملهم او الملهم او الفذ ففي كل بلد مفردة دكتاتورية خاصة به ويعلم الناشئة ان هناءهم ورفاءهم واباهم واخاهم هو هذا القائد المؤلّه .... وذهبت مايو وقد مات في سجنها الزعيم اسماعيل الازهري وقتل امام الانصار الهادي المهدي واعدم سكرتير الحزب الشيوعي عبدالخالق محجوب وقتل القيادي الاسلامي محمد صالح عمر واعدم القيادي الشيوعي الجنوبي جوزيف قرنق واعدم القيادي العمالي العالمي الشفيع احمد الشيخ واعدم الاستاذ محمود محمد طه هذا بجانب عشرات الضباط ومئات المدنيين إما في صراعات حلفاء مايو الداخلية او صراعاتها مع خصومها ولم يكن امام مايو في غياب الديمقراطية الا ان تسلك طريق الصراع المفضية الى هذه النهايات المؤسفة التي انتهت اليها رموز وطنية سامقة فهل يمكن ان نعتبر هذه النتائج المحزنة للصراع ثمناً لبضعة مشاريع تنموية تفاخر بها مايو وكأن هذه المشاريع لا تنجز الا «بتنظيف » طريق التنمية من رموز الوطن الفكرية والسياسية ؟



وكأن التجربة لم تكن كافية ، فجاءنا في المرة «الاخيرة» الترابي الذي يفاخر تلاميذه بدوره في اكتوبر جاءنا بانقلاب ثالث ينظر فيه للاحادية اسلامياً . وبما ان قوانين الدكتاتورية تسري على الجميع لم يسلم نظام الانقاذ من عيوب الدكتاتورية وفشل رهان الترابي على قدراته الشخصية في الاستغناء عن الديمقراطية فلقنته درسها البليغ . ومثلما ادخل نظام نوفمبر عبدالله خليل السجن وهو رئيس الوزراء الذي قام بعملية التسليم والتسلم مع عبود ومثلما اعدم نظام مايو عبدالخالق محجوب اقصى نظام الانقاذ الترابي وسجنه . وخرج من السجن ليحدثنا عن الديمقراطية والتعددية ، وهو بذلك الاسوأ تجربة لان من سبقوه رأوا تجارب وعظات اقل في مساوئ الدكتاتورية .
ان مرارات التجارب الدكتاتورية السابقة تجعل الديمقراطية الصيغة الامثل للوطن وهو يستشرف مرحلة جديدة وان اي حديث بعد هذه المحن عن ثوابت او خطوط حمراء يعد من المغالطات المضحكة فاي «ثابتة » هذه التي لا تثبت الا بحماية السلاح وتدابير الامن ؟ واي ثابتة هذه التي لا تسندها الارادة الشعبية وغلبة الجماهير ؟
ويدعو للتفاؤل توجه عام نحو الديمقراطية وان اختلفت درجة الحماس نحوها فقد اكتوى الجميع بنار الاحادية فعادوا الى ميدان الديمقراطية الرحب ويبدو ان ابناء اكتوبر سوف يبلغون الرشد في ذكراه القادمة .



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147485088&bk=1
___

Post: #275
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 00:28 AM
Parent: #274


إرهاب الإنسان «بحقوق الإنسان»

محمد عوض محمد
* اذا كان الهجوم خير وسيلة للدفاع فمن البدهي ان يكون الدفاع اقرب الطرق الى الهزيمة.. وفي لعبة الكرة اذا اعتمد المدرب خطة دفاعية بحتة من دون «رأس حربة» يقتنص المرتدات ويودعها في الشباك فان هزيمة مثل هذا الفريق ستكون «فضيحة بجلاجل»...!
والسياسة هي كذلك لعبة ولها «متدربات» في البيت الابيض «في الظاهر».. الفارق ان اللعب النظيف في السياسة يكون عزيزاً مثل «الكبريت الاحمر» على حد تعبير مشايخ علماء تزكية القلوب الا اذا كان اللاعب هو السيد الصادق المهدي الذي يبدو حالماً ونظيفاًَ على حصانه.. يحلم ويتحدث بلغة «ما تخرش الموية»! وعندما فكر الاميركان سادة آخر الزمان في الاستيلاء علينا كعالم ثالث وأخيراً وضعوا خطة هجومية مكينة تجعلنا في حالة دفاع لاهث وكانت النتائج والمباراة لا تزال في بدايتها» اننا تلقينا اهدافاً بالجملة.



* وعند حقوق الانسان التقت العولمة بالارهاب على خارطة الطريق..! وبدأ العزف ضد العراق وبانه ينتهك حقوق الانسان.. وبدأنا ندافع ونحاكي.. ومازلت اذكر صديقاً قبل مغادرتي الوطن في التسعينات ابلغني بانهم بصدد فتح مكتب لحقوق الانسان.. اظنه قال في عمارة بنك التضامن ويريدون مني ان انضم لفريق الدفاع عن حقوق الانسان.. قلت للصديق: ما زلت اعتقد بان السوداني ديمقراطي بطبعه الحاتمي.. وان السودان هو البلد الوحيد الذي لا يمارس سياسة الاغتيال على الرغم من ان الذين يؤرقون شعبه لاكثر من اربعين عاماً يمكن حصرهم بالاصابع»، واكدت ان ما يحدث عندنا من اجراءات امنية يعد «طبطبة» بجانب مخاشنة الآخرين في «عالم حقوق الانسان». ومع ذلك فانا كنت دائماً افضل الرقم «10» ولا تستهويني «خانة» قلب الدفاع واعتذرت مقدراً.. وكانت حقوق الانسان عند الاميركان «كلمة حق اريد بها باطل» وحديثي عن «استخدام الكلمة» وليس «المنظمة» لعلمي ان في داخلها رجالاً ونساءً يدافعون عن الحقوق بطبعهم الطيب.. وبعد احتلال العراق يمكن ان تبرز عدة اسئلة منها: هل سمعتم بديمقراطية تحمل على دبابة؟ وهل كل ما يضايق اميركا «وبالطبع» اسرائيل يلزم تغييره؟ والنظم التي تقتحمها اميركا على ظهر دبابة الديمقراطية هل تظل على ولائها العربي ام تتحول الى ولاية اميركية؟ هل تستطيع ان تقول لشارون انت اعور وقاتل؟ الظن «وهو ظن يقين بتعبير الفقهاء» انها لن تستطيع ان تقول حتى لموشي ديان انت اعور.. وهذا يعني ان الارض والشعوب تنهزم لارادة الاميركان وليس النظم فحسب.



* اميركا «يا خلق الله» هي المنتهك الاكبر لحقوق الانسان ولكن بيدها «اسلحة دمار» وعندما اعتبر بعض العرب ان صدام حسين هو «حامي حمى» المنطقة سلطوه على جارته المسالمة الآمنة.. ولان صدام يفكر وحده ويخطط وحده ولا يجرؤ احد على معارضته فان كل افعاله كانت بحسابات نفسية شخصية ونتائجها ترتد عليه قبل ان تحقق شيئاً.. اتذكر انني سلمت مقالاً بعد هجومه على الكويت لرئيس تحرير «السودان الحديث» في ذلك الوقت «الاستاذ فتح الرحمن النحاس».. بعنوان «الكويت وجزاء سنمار».. صاح النحاس: اغلقت جريدة السوداني وجئت تغلق هذه».. لكنه كان شجاعاً ونشر المقال بعد تحويل العنوان الى «الكويت والتضامن العربي»!



ونشر المقال في جريدة حكومية في ذلك الوقت يكشف ان «السودان الرسمي» لم يكن مؤيداً لاحتلال الكويت الشقيق لكنه كان يرى ان تدخل الاميركان سيكون سابقة وانهم اذا دخلوا لن يخرجوا ولا حتى بالطبل البلدي كما يحدث مع الخفافيش في الاساطير المصرية.



* والشعب العراقي الصامد يعلم قبلنا ان اميركا لم تحتل بلده لانه يهددها بالاسلحة ولا لان صدام ينتهك حقوق الانسان وهو يطالبها بالخروج بعد ان حولت العراق الى ساحة قتال وفوضى لانها جاءت بهدف تكسير كل عصا «الفتونة» التي يريد صدام امتلاكها وهي محظورة ولا يجب ان يمتلكها الا فتوة واحد في العصر لان «الاصيل» لا يتعدد في العصر الواحد ويبدو ان الادارة الاميركية استفادت من آراء محمود محمد طه!.. والغريب ان الجميع ينصاعون ويتخلصون من اسلحتهم «وينتفون ريشهم» حتى يتجنبوا علقة ما فيش بعد كده» اكلتها العراق «على حسب تعبير احد رؤوساء المنطقة»..



وكل الناس يعرفون ان احتلال العراق قصد منه الترتيب للسير على خارطة الطريق الكبرى للاستيلاء على خيرات المنطقة وتوفير امن اسرائيل.. وسوف يستمر هذا الاسلوب مع دول المنطقة واحدة تلو الاخرى.. والمسألة بسيطة: اتهام طفيف لممارسات الدولة.. تبدأ بعده في الدفاع ويتزايد الهجوم الذي لا يحكمه قانون «التسلل» مما يسهل تسجيل الاهداف «للسارقين الديمقراطيين»!!.. وللاسف فلقد تحولنا الى «هنود حمر» يأتي اليهم جاري كوبر او ريجان او كلينت ستوود.. او بوش الصغير ليبيدهم بعد ان يرفع قبعته عن وجهه باصبعه السبابة..!



هي نبوءة اخبرنا بها الصادق المصدوق في ما معناه: «كيف انتم يوم تتكأكأ عليكم الامم تكأكأ الاكلة على قصعتها.. قالوا او من قلة يا رسول الله؟ قال لا انتم يومئذ كثير لكنكم غثاء كغثاء السيل»..!!



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147484971&bk=1
_________________

Post: #276
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 00:29 AM
Parent: #275


السياسي المخضرم أحمد سليمان المحامي يقلّب صفحات الماضي والحال والمآل «2-2»

لم أدبر إنقلاب الإنقاذ ولكني كنت على علم به، وهذه فلسفتي في الإنقلابات العسكرية



احمد سليمان المحامي .. الرجل الذي فيه يختلفون فقد ظل لاكثر من نصف قرن في قلب الاحداث السياسية ومن الفاعلين فيها سواء ابان وجوده في الحركة اليسارية التي اسهم في تأسيسها وربما محاولة وأدها او في الحركة الاسلامية التي انتمى اليها لاحقا وساهم بشكل كبير في وصولها الى السلطة عبر انقلاب الثلاثين من يونيو 1989م . وفي هذه وتلك كان الرجل ومازال مثيرا للجدل غير انه مستودع للمعلومات والأسرار في مسارات ومنعطفات السياسة السودانية التي خبر دهاليزها ومؤامراتها فهو شاهد على العصر رغم خصومه الكثر يمينا ويسارا .



(لصحافة) اقتحمت عليه (خلوته) بمنزله في ضاحية المنشية عقب عودته من الولايات المتحدة اخيرا ورغم وصول الرجل الى خريف العمر الا انه متقد الذهن ولا زال ينهل من المعارف بشغف عجيب غير انه بدأ لي وكأنه ينظر لتجربته المديدة في العمل العام بشئ من الحسرة وطلب المغفرة . فحاله الآن حال الصوفي المتبتل الذي ينظر للعالم من قمة وجده .



ادرنا معه حوار الحاضر الذي يتوسل بالتاريخ ... عملية السلام الجارية الآن برعاية الولايات المتحدة والتي عمل سفيرا للسودان فيها ابان حقبة التسعينات من القرن الماضي الخطرة ومآلاتها الى جانب ملابسات معينة في مسار السياسة السودانية لم تفك طلاسمها حتى الان وكان الرجل بشوشا في استقبالنا سخيا في اكرامنا بالادام والزمن والمعلومة .



سؤال تجريمي



* هناك رأي غالب وسط الحركة السياسية بأنك وراء الانقلابات العسكرية التي قامت في السودان؟



= يرد ضاحكاً هذا موضوع طويل، وهذه الأيام يشن عليّ أحد ابناء عبد الحليم شنان هجوماً ويتهمني بأنني وراء أي انقلاب حدث في السودان وقد كان هذا رأى عبد الخالق محجوب ايضاً فكان يقول إن احمد سليمان وصديقه الرشيد الطاهر بكر انقلابيان ولكن كان لي رؤيتي حول فكرة الانقلابات العسكرية، فانا كنت على قناعة بأن عبود وصل الحكم بانقلاب عسكري وبالتالي لابد من اسقاطه بانقلاب عسكري ايضاً، وعملت بقناعتي تلك لذلك سجنت في «ناقشوط» وجوبا ورمبيك وواو وملوي وانذارا وكوبر مع الشيوعيين ومع المحجوب وازهري وعبدالله خليل وعبد الخالق نفسه وكل هذا لايذكره الناس وانما يذكرون فقط هذه الاتهامات القبيحة.



* يقال إنك العقل المدبر لإنقلاب 30 يونيو 1989م؟



= لم أخطط له ولكنني كنت أعلم به ولا أزيد أكثر من ذلك ففي القانون هناك ما يسمى بالسؤال التجريمي وسؤالك هذا يا إبني يا علاء من هذه الشاكلة.



* قيل إن الترابي أرسلك الى الصادق المهدي لتقنعه بجدوى الانقلاب حتى يشارككم فيه؟



= هذا ليس صحيحاً وانا ما بترسل.. ولكن القصة كما يلي: فقد كنت مسؤولاً في تلك الفترة قبل 30 يونيو 1989 عن جريدة «الراية» لسان حال الجبهة الاسلامية القومية، وعندما ذهبت إلى مكتب الترابي بدار الجبهة الاسلامية القومية، فتح لي ادريس محمد عبد القادر رئيس وفد الحكومة للمفاوضات الآن، وكان وقتها مديراً لمكتب الترابي، الباب، ودخلت، وجدت الترابي وقد بدت عليه علامات الضيق، فسألته عن سبب ضيقه فأعطاني ورقة كان يمسك بها، ووجدتها خطاباً من الصادق المهدي رئيس الوزراء وقتها يقول فيه:



(أخي الحبيب حسن، أنا موجود اليوم بالمنزل وارجو ان تأتي إليّ للتشاور بخصوص مذكرة الجيش) فقلت له اذهب فقال لي لن اذهب لان الصادق ليس لديه كلمة ولن اخرج منه بشئ وانا لا اثق به، فقلت له هل يعقل لرجل في المعارضة مثلك يطلبه رئيس الوزراء للتشاور معه في ظرف دقيق تمر به البلاد ويطلعه على كم هائل من المعلومات الخاصة بالجيش ومجمل الاوضاع في البلاد خاصة في أيام تشهد قلاقل داخل القوات المسلحة ويرفض فأصر على موقفه الرافض للذهاب، فقلت له انت حر، وبينما كنت أهمُّ بالخروج منه دخل عليه بعض أعضاء الجبهة وكان منهم موسى ضرار فسألوه لماذا ذهب احمد سليمان عندما حضرنا نحن هل «كراعنا حارة!» فقال لهم التاربي إن احمد زعلان. فناداني وطلب مني ان اجلس وقال لي بصوت يملؤه الود كعادته معى دائماً فبيني وبينه ود كبير حتى ان علي عثمان عندما يكون الترابي رافضاً لشئ او عاتباً على الناس يطلب مني ان أذهب اليه بخصوص الموضوع المعين فقال الترابي: (يازول خلاص ارضاءً لك فقط سأذهب للصادق المهدي ولكن بشرط واحد هو ان تذهب معي) فقلت انني لا أعرف الصادق المهدي ولم اقابله في حياتي أكثر من خمس دقائق، ولكن عليك ان تقول له إنني لم احضر اليك برغبتي ولكن بضغط والحاح مني لأنك رئيساً للوزراء ولديك قدر هائل من المعلومات نريد الافادة منها. ثم قلت للترابي بما اننا لم نتعود ان نشترط عليك لأنك انت الزعيم ولكن يشرفني جداً ان اذهب معك الى الصادق وفق هذه الفكرة وهذا الطرح.



إنقلاب ديمقراطي



ذهبنا اليه وقد كان ذلك قبل الانقلاب بأيام او اسابيع وقد استغرب عندما رآني برفقة الترابي. وقلت له حضرنا إليك لأنك رئيس الوزراء واننا في الجبهة الاسلامية وانتم في حزب الأمة بامكاننا ان نشكل أغلبية برلمانية اذا تحالفنا وان اللعب مع الاتحادي الديمقراطي والشيوعيين وغيرهم لن يفيدك، لذلك الافضل لك ان نقود معنا انقلاباً داخل البرلمان لتغيير نظام الحكم من جمهورية برلمانية إلى رئاسية مثل النظام في فرنسا وتكون انت رئيس الجمهورية والترابي او من تختاره الجبهة الاسلامية رئيساً للوزراء، فكان رده علينا ان ننتظر حتى تتم خطوات تحويل الجمعية التأسيسية إلى برلمان ثم بعد ذلك نخطو خطواتنا تلك، فرددت عليه بضيق ان التأجيل ليس من المصلحة وان الامور لن تسير وفق ما تشتهي فالقوى السياسية الاخرى شغالة ايضاً، وان ما ننوي القيام به هو اجراء قانوني وسياسي ليس عليه أي مأخذ من هذه الناحية وسيتم وفق الآليات الديمقراطية. وهذا يوضح انني لم اقل للصادق تعمل انقلاباً عسكرياً كما يتهمني كثيرون.



* وماذا كانت وجهة نظر الصادق في طرحك ذاك؟



= شعر وكأنني استدرجه لقيادة انقلاب عسكري ولم يفهم مقصدي جيداً لذلك روى هذه الحكاية لصحيفة «الشرق الاوسط» كما فهمها خطأ بأننا دعوناه لقيادة انقلاب مشترك. واذكر ان فاطمة احمد ابراهيم ردت عليه في «الشرق الاوسط» نفسها وهى غاضبة وقالت ولماذا لم تلق عليه القبض. وانت رئيس الوزراء واعتقد ان في ردها منطقاً وجيهاً.



مابين غواتيمالا والسودان



* ما هى قصة مذكرة العشرة الشهيرة التي كانت البداية للمفاصلة التاريخية داخل الانقاذ وخروج الدكتور الترابي وانصاره من الحكم؟



= الغريبة ان المذكرة طبخت في منزل المحبوب عبد السلام، وقد سألته شخصياً عن ذلك فأكد لي انه لم يكن يعرف.



عرَّاب المذكرة الاساسي هو الدكتور بهاء الدين حنفي سفير السودان الحالي بتركيا. وكنت شخصياً اتوقعها منه بحكم احتكاكي به، فقد كانت لديه تحفظات على قيادة الترابي وجهر بها إلىَّ أكثر من مرة، إلى جانب سيد الخطيب الذي لعب فيها دوراً كبيراً ايضاً.



* كيف كان الاعداد لها؟



= كانت المذكرة بداية لعملية تستهدف قيادة الترابي شخصياً، واتصور انها عملية خطيرة، وللأمانة والتاريخ اقول إن علي عثمان لم يشارك فيها، اعتقد ان عدداً كبيراً من الذين شاركوا فيها لم يكونوا يتصورون الإبعاد والمآلات الخطيرة التي أفضت إليها.



* هل كانت لكل المجموعة التي شاركت ووقعت على المذكرة مآخذ على قيادة الترابي للحركة الإسلامية والمؤتمر الوطني؟



= نعم وخاصة بعد الاعتداء عليه في كندا وحقيقة انني كنت اعتقد ان الترابي لن ينجو من آثار تلك الضربة، فقد كنت وقتها سفيراً للسودان بالامم المتحدة، واتصل بي احد الصوماليين وقال لي إن الترابي ضرب في كندا. لم يكن هناك طيران في ما تبقى من ذلك اليوم. انتظرنا حتى صباح اليوم التالي واخذت معي احد افراد البعثة الدبلوماسية السودانية بالامم المتحدة وهو السفير الحالي بيوغندا سراج الدين حامد وتوجهنا إلى كندا. وعندما وصلناه وجدناه ميتاً حقيقة فقد كان ساكناً تماماً ولا يتحرك.



المهم ان المجموعة التي وضعت مذكرة العشرة كانت تقول إنه اصبح حاداً.



* كيف نجحت مذكرة العشرة إذاً؟



= عملوها الجماعة، وقد حذرت قادة الانقاذ باكراً من ذلك في اجتماع كبير جمع مجلس قيادة الثورة بكامل هيئته الى جانب قيادة الحركة الاسلامية بزعامة الترابي وعلي عثمان، حيث حكيت لهم حكاية شبيهة حدثت لمجلس قيادة الثورة في غواتيمالا في اميركا الوسطى، اوردها كاتب بريطاني هو وود وورد في كتابه (The commanders) «القادة» وهو كتاب شيق جداً، حيث كان اعضاء المجلس ثواراً اقوياء قلصوا النفوذ الاميركي في بلادهم. وذكر ان وزير الخارجية الاميركي وقتها طلب استدعاء السفير الاميركي وكان من اذكى سفرائهم في غواتيمالا وقال له نريد منك تحديد شخص او اثنين من عناصر مجلس قيادة الثورة مِنْ مَنْ يمكننا الدخول عبرهم، فقال له السفير: هناك واحد منهم يدعى بورش يتقلد منصب وزير الداخلية متأثر إلى حد ما بالافكار الديمقراطية والليبرالية وبالفعل ركز الاميركان عليه ونجحوا في مبتغاهم حيث قاد بورش ذلك تياراً اقنع به قادة الثورة بانهم يسيطرون على البلاد جيداً ويحظون بتأييد الشعب، لذلك لا يضير اذا ما عقدنا انتخابات حتى نكتسب شرعية دستورية نسكت بها الاميركان والغربيين، وبالفعل حدث ذلك وراحوا في ستين داهية.



فقلت لاعضاء مجلس قيادة الثورة انني أخشى عليكم من مصير قادة الثورة في غواتيمالا، واذكر ان العميد فيصل ابو صالح وكان وزيراً للداخلية وقف وقال لي يا أستاذ احمد انا ما زي بورش: فقلت له انني لم اقصد شخصاً بعينه من هذه الحكاية. وانما اردت التنبيه إلى انكم مستهدفون جميعكم سيحاول العالم بذر بذور الفتنة بينكم والفت في عضدكم، حافظوا على انفسكم اميركا ستركز عليكم، لذلك فاني ارى أن البعد الخارجي في مذكرة العشرة كان كبيراً جداً.



* لماذا في تقديرك؟



= لان العالم كان يريد التخلص من الترابي بأية صورة واضعاف الحركة الاسلامية، واعتقد انهم نجحوا في ذلك.



هذا رأيي في هؤلاء:



* اكشاهد على العصر عرك الحركة السياسية والفكرية في السودان، نريد رأيك في الشخصيات التالية؟



* عوض عبد الرازق؟



= رجل محنك وملحلح وشاطر ويعرف السياسة جيداً



* إلى اى مدى تعتقد في صحة رؤيته الفكرية والسياسية التي قادت للإنشقاق الأول في الحزب الشيوعي؟



= كانت رؤيته صحيحة وعميقة.



* عبد الخالق محجوب؟



مثقف ولكنه ليس سياسياً فهو يغرق في شبر مويه، وانقلاب 19 يوليو تجربة حقيقية لذلك.



انا لست ضد ان يقوم عبد الخالق محجوب بانقلاب، فقد فعلها قبله وبعده اناس عديدون، ولكن مأخذي عليه ان الشخص الذي يفكر في عمل مثل ذلك وهو المسؤول الأول عن حركة سياسية عليه ان يتحسب ويعمق للنتائج العملية التي ستنجم عن صنيعه، فاحتمالات الغدر والخيانة واردة فيها.. اؤكد انني لست ضد انقلاب 19 يوليو، فمنطقي جداً كما فكر عبد الخالق ان تتم ازاحة نميري عن طريق انقلاب عسكري باعتبار انها نفس الوسيلة التي وصل بها إلى السلطة. ولكن لم يفكر عبد الخالق او يحتط للسؤال الأساسي وهو كيف تحافظ على السلطة اذا ما نجح الانقلاب.



* هناك تقويم صادر عن اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني وكتابات لاحقة لبعض الباحثين، تنفي ان يكون لعبد الخالق محجوب صلة بانقلاب 19 يوليو؟



= هذا مضحك، فمن الذي دبره اذاً!



* قيل إن الذي دبره هم العسكريون في الحزب؟



= هذا قول لا يحترم عقول الناس فلا يمكن تصور عمل انقلاب 19 يوليو بمعزل عن دور الحزب الشيوعي فيه، سواء كان التصور عن عسكريين او شياطين..اؤكد لك ان الانقلاب من A وحتى Z من تدبير عبد الخالق محجوب.



لم يكن الانقلاب يمتلك مقومات النجاح لعدة أسباب: اولها انه لم يكن يمتلك القوة الداخلية الفاعلة لتحريك الشارع والرأى العام إلى جانبه.



وثانياً لم تكن مصر لتسمح بقيام انقلاب شيوعي في جنوبها وعلى رأسها الرئيس انور السادات اعدى اعداء الشيوعية والذي طرد السوفيت من بلاده بعد وصوله للحكم، كذلك كان القذافي ايضاً من الد أعداء الشيوعية رغم صلته بعبد الناصر وقد كان السوفيت يكرهونه وعندما كنا نسافر الى موسكو كان المسؤولون الروس يقولون لنا كيف حال ذاك المجنون) ويقصدون القذافي. لانه كان يرفض ابان الحرب الباردة مساعدة الاسطول السوفيتي المتمركز في البحر الابيض والذي كان يحتاج افراده لتغيير اجواء البحر رغم مناشدات عبد الناصر المتعددة له، بينما كان في نفس الوقت الاسطول السادس الاميركي يحظى بوجود محترم في مياه البحر الابيض. ايضاً كان في اثيوبيا هيلا سلاسي وهو امبراطور ومتدين ويبغض الشيوعية، وراعٍ للكنيسة وكانت له اطماع في القلابات. وقد قال لنميري عقب فشل الانقلاب انه كان ينتابه شعوران متناقضان إزاء انقلاب 19 يوليو. الاول هو السعادة لان نجاحه يعطيه الفرصة في أخذ ما يعتقد انه أراضٍ تابعة لبلاده في القلابات والثاني الخوف والخشية من نجاحه لأنه يعني وجود دولة شيوعية على حدوده الغربية. اضافة إلى كل ذلك كان الرئيس التشادي وقتها «تمبلباي» ضد الشيوعية هذا يوضح ان الانقلاب كان محكوماً عليه بالفشل.



كلنا كنا انقلابيين ولكننا كنا نفكر جيداً في مآلات الانقلاب. ولكن أنا أعرف عبد الخالق جيداً اكثر من أي شخص آخر فهو «يغرق في شبر موية» لانه لم يكن «مدردح» حينما كنت انا «مقرّم» اعمل محامياً واسهر الليل كله مع الضباط ومسؤولي الأمن واعرف منهم تفاصيل ما يدور.. كان عبد الخالق يفتقد لمثل هذه التجارب التي تؤهل لقيادة انقلاب عسكري ناجح.



كوّن انقلابيو 19يوليو مجلسهم الأعلى للثورة دون ان يضم في عضويته المقدم عثمان ابو شيبة وهو الشخص الذي نفذ الانقلاب فعلياً. كما أنهم مكثوا في السلطة ثلاثة أيام من الاثنين وحتى الخميس لم يعينوا خلالها مجلساً للوزراء. ترك تصريف دولاب العمل بالدولة لمجلس قيادة الثورة الذي لم يكتمل تكوينه. وفيما أعلم انه كان في نية عبد الخالق محجوب اختيار الامير عبد الرحمن نقد الله رئيساً للوزراء حتى يتمكن من استمالة حزب الامة وكيان الانصار كيما يتقوى بهم.



* محمد ابراهيم نقد؟



= سياسي حاذق «ملحلح» اكثر من عبد الخالق فهو morecraft وبالمناسبة يمتلك اعذب الأصوات اذا ما غنى وهو رجل فنان.



وهذا رأيي في اولئك ايضاً



* الترابي؟



= ذكي وسياسي «ملحلح» وشجاع جداً وذو عزيمة وشكيمة قويتان.



* يقولون إن فيه استعلاء؟



ليس استعلاء وانما هو كبرياء المثقفين الكبار.



* محمود محمد طه؟



= «صمت برهة» يا سلام.. رجل عالم ما في كلام واعدامه كان خطأً كبيراً.. وبالمناسبة هو قريبي لأمي، واقرأ باهتمام لاحد تلاميذه الشطار جداً وهو عبد الله النعيم.



* قيل انه ارسل اليك تلاميذه ابان فصلك من الحزب الشيوعي ليبلغوك انه لم يكن يخشى عليك عندما كنت شيوعياً ولكن بدأ يخشى عليك لانه يرى ان هناك غزلاً بينك والا خوان المسلمين، فرديت عليهم مستنكراً (انا ابقى آخ مسلم!! أنا أمشي للمتخلفين ديل!!) هل هذا صحيح ؟.



= يجيب ضاحكاً: نعم هذا صحيح وقد كان هذا رأيي في الاخوان المسلمين اول الامر، ولكن عندما عشت وسطهم وجدتهم «ناس كويسين والله».



* الصادق المهدي؟



= لا أعرفه كثيراً ولكن من خلال القدر الذي اتيح لي لمست فيه كرماً فياضاً وتهذيباً جمّاً وفيه صفة حميدة انه مستمع جيد لايقاطع محدثه حتى يفرغ من حديثه وهو قارئ ممتاز ومثقف مجتهد في التفكير.



* د. علي الحاج؟



= سياسي شاطر جداً وابن ناس وكريم جداً.



* علي عثمان محمد طه؟



= بيني وبينه ود كبير جداً ويزورني دائماً في منزلي هذا، وهو سياسي مرتب للغاية، واعجبني حديثه لقناة «الجزيرة» بعد توقيع اتفاق نيفاشا ويبدو انه افاد كثيراً من ايامه التي قاد فيها المفاوضات بكينيا.



* غازي صلاح الدين؟



= رجل ممتاز ومحترم جداً ونظيف للغاية ومتدين بحق.



* منصور خالد؟



= آباؤنا تتلمذوا على أيدي اجداده الماجدية احفاد الشيخ ابو عصا، اضافة إلى ذلك هو جارنا في ابي روف بام درمان إلى جانب ان هناك نسباً قوياً بيننا، اضف إلى ذلك فقد تدرب على المحاماة بمكتبي لمدة اربعة أشهر ذهب بعدها مديراً لمكتب عبد الله خليل، وهو مثقف واديب رفيع.



* جعفر نميري؟



= راجل اخونا والله، وكنا اصدقاء.. وربما يهدينا ويغفر لينا.



كان جنوبياً هواه



* جون قرنق؟



لا أعرفه جيداً، ولكني التقيت به في اميركا عندما جاء ليلقي خطاباً للسفراء العرب بالامم المتحدة وتلقيت تعليمات من الخرطوم بان اذهب وارد عليه بخطاب موازٍ وكنت وقتها سفيراً بواشنطن فذهبت برفقة بعض اعضاء السفارة، وعندما كنت اتلو ردي عليه قاطعني احد معاونيه بغلظة وجفاء، فذجره قرنق بصرامة واعتذر لي بلطف وتهذيب وطلب مني ان اواصل. وهو شخصية قوية ومؤثرة جداً استطاع ان يصعد بقضية الجنوب صعوداً كبيراً. وكل من استمع اليه قال انه شخص مرتب ولديه مقدرة فائقة على الاقناع. واعتقد انه اعتنق الشيوعية عن طريق شخص من اصول المانية يدعى (هليل شوارتز) كان احد قادة حركة (اسكرا) الشيوعية في مصر ابان الثلاثينات والاربعينات وكنت اعرفه جيداً، وقد جاء إلى السودان ضمن فريق الشركة الفرنسية التي كلفت بتنفيذ مشروع قناة جونقلي بعد اتفاقية اديس ابابا والتقى بقرنق في الجنوب واعتقد انه كان أول شيوعي في الحركة الجنوبية.



* جوزيف قرنق؟



= هذا الرجل خسارة كبيرة للسودان ولافريقيا وقد راح ضمن مآسي السياسة السودانية..انا اعرفه جيداً فقد تدرب على المحاماة في مكتبي عقب تخرجه مباشرة من الجامعة، ومن مكتبي ذهب إلى الوزارة مباشرة بعد 12 عاماً قضاها معي وتزاملنا معاً، ايضاً في الوزارة، هذا الرجل وطني غيور واقول بملء الفم إن افريقيا لم تنجب مثله ولا توجد حتى مقارنة بينه وبين نكروما او نايريري او كنياتا او غيرهم من قادة حركات التحرر الافريقي هو من افذاذ السودانيين والافارقة، فهو ذكي لا قصى الحدود ومثقف من طراز رفيع. وقارئ نهم لدرجة انني كنت اتنافس معه في القراءة، إبان عمله معي في مكتبي وبما انني رئيسه فقد كنت اصر على ان اقرأ الكتاب قبله حتى وان كان ملكه. وهو شخص نظيف وعفيف فلم يكن يتعاطى الخمر او السجائر او أي نوع من الموبقات.
اذكر بعد اعدامه اتصل بي اللواء الباقر احمد وكان وزيراً للداخلية وكنت وزيراً للعدل وقتها وطلب مني ان احضر الى مكتبه لإطلاعه على وصايا مكتوبة من عبد الخالق محجوب والشفيع احمد الشيخ، وجوزيف قرنق كتبوها قبل اعدامهم مباشرة، وقد كانت تنم عن شجاعة وثبات واذكر ان جوزيف قرنق طلب في وصيته من زوجته ألا تصاب بالجذع والعويل وقال لها (اعتبريني قتلت في حادث طيران)Aircrash.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147484912&bk=1
_________________

Post: #277
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 00:32 AM
Parent: #1



حول جهل المثقفين بالتأريخ أو تجاهلهم له

ثورة رفاعة ذات مضامين وطنية وفكرية عميقة



ايراهيم يوسف



كتب الدكتور فتح الرحمن القاضي، مقالين بالصحافة عددي 25/8/ و27/8/2003 بعنوان «التابو والطوطم والختان». وهو في مقاله الاول يتساءل «هل كان المرحوم محمود ، يعني الاستاذ محمود محمد طه يا ترى ينطلق من موقفه ذلك من موضع قناعة بمشروعية ختان الاناث؟» وبدا لاول وهلة وكأنه ينتظر الاجابة من المهتمين فيقول «ومهما كانت الاجابة التي نأمل ان يجليها المهتمون بمزيد من البحث والاستقصاء لموقف المرحوم محمود ومعاصريه في هذه القضية على وجه التحديد».



جلية الامر:



ان جلية الامر في مسألة تاريخية متوفرة في ارشيف الصحف خاصة صحيفة «الرأي العام» التي تابعت احداث الثورة الشعبية يوما بيوم، مبذولة لمن اراد التثبت قبل ان يرسل احكامه تخمينا، كما ان تفاصيل ثورة رفاعة قد نشرت اخيرا في جريدة الحرية.



معارضة أسلوب القانون:



كان طلبة معهد الدراسات الافريقية والاسيوية قد اجروا حوارا مع الاستاذ محمود محمد طه عام 1975م، وكان ضمن اسئلتهم سؤال عن حادثة رفاعة، حيث قالوا «لو فصلت لينا فيها يكون كويس لانو بورينا العلاقة بينكم وبين الاستعمار وبعض الاشياء الموجودة في المجتمع؟» قال الاستاذ عن منشورهم في معارضة الاستعمار في لجوئه للقانون والقهر لمحاربة عادة الختان وكشف كيد وتوقيت القانون قال «المنشور كان بيهاجم المجلس الاستشاري لشمال السودان، وبيهاجم القانون الذي صنعه المجلس ويقول كل امة عندها عادات حسنة وعادات سيئة، لكن العادات السيئة في الشعوب ما بتتحارب بالقوانين، وانما بتتحارب بالتنوير والتعليم والاقتناع. الانجليز ما غرضهم كرامة المرأة هم في الحقيقة فتحوا للمرأة سوق النخاسة وفتحوا للمرأة كل الابواب الما بتكون بيها كريمة، لكن الغرض الحقيقي من اثارة موضوع الخفاض الفرعوني انو ـ ودا اثير في البرلمان البريطاني ـ كان الغرض من الاثارة دي ان يقولوا للعالم في ردهم على حركتنا الوطنية، انو السودانيين لا يزالون همجيين يمارسون عادات زي دي وانو ما بنفتكر انهم بلغوا الرشاد ليستحقوا بيه حكم انفسهم، المنشور كان يحوي حكاية زي دي وكان مثير فعلا».



بناء على هذا المنشور، حكم على الاستاذ محمود بالسجن سنة او يوقع على تعهد، فرفض الاستاذ امضاء التعهد، مفضلا السجن لان الحزب الجمهوري قد قرر ملء فراغ الحماس الذي لازم الحركة الوطنية. راجع الرأي العام 2/6/1946م



خلفيات ثورة رفاعة:



جاء في منشور الجمهوريين لمعارضة قانون الخفاض قولهم «اما القانون في ذاته، فهو قانون اريد به اذلال النفوس واهدار الكرامة والترويض على النقائص والمهانة. قل لي بربك اي رجل يرضى بأن يشتهر بالتجسس على عرض جاره؟ واي كريم يرضى ان يكون سببا في ارسال بنات جاره او صديقه او عشيره للطبيب للكشف عليهن؟ عجبا لكم يا واضعي القانون، امن العدل والقانون ان تستذلونا باسم القانون. او من الرأفة بالفتاة ان تلقوا بكاسبها في اعماق السجون؟»



ثورة المسجد الشعبية:



جاء في صحيفة الرأي العام 21/9/1946م، «نشرنا قبل ايام ان السلطات في رفاعة حكمت على امرأة بالسجن تحت قانون منع الخفاض لانها خفضت بنتا، وان الجمهور قابل هذا العمل بروح الاستياء العميق واضطرت السلطات لاطلاق سراح المرأة بضمانة، وجاءنا اليوم تلغرافيا بتوقيع اهالي رفاعة ان السلطات عادت فسجنت المرأة، وعندما علم الجمهور بالامر خرج من الجامع واقتحم السجن واطلق سراح المرأة ومكث افراده الذين ملأوا السجن بدلا عنها، فامر المفتش بسجن الضامنين ولكن الجمهور رفض ذلك ايضا، وفي منتصف ليلة البارحة، اقتحم البوليس منزل المرأة، واخذها لجهة غير معلومة فقامت رفاعة باسرها قاصدة الحصاحيصا، ومنعت السلطات المعدية من العبور، واضربت المدارس واغلق السوق وقامت مظاهرة عمومية ويحتشد الجمهور الآن بالشاطيء وفي كل مكان.. تعليق «رغم منع السلطات عبور المعدية، فان الجمهور عبر بقوارب الصيد»



قانون منع الخفاض المذل:



بعد ان ضمت قائمة الشرف احكاما صدرت بحق عدد من ثوار رفاعة، قدم الاستاذ محمود امام محكمة كبرى بمدني، فاشترط الا يدلي باقواله الا على اساس مناقشة القانون ومما جاء في دفاعه امام المحكمة «ان مفتش رفاعة سجن امرأة مصونة شابة في سجن عمومي مع العاهرات، فحدثناه في ذلك فاعترف بعدم صلاحية سجن رفاعة للنساء فاطلقها بضمانة وظل ما ظل في رفاعة لا يذكرها، فلماذا عندما ذهب الى الحصاحيصا امر باعادتها الى نفس السجن»؟ فهل تسمى هذا استخفافا بدين الناس واخلاقهم ام تسميه جهلا بالناس ام هما معاً؟. سمه ما شئت فهو برهان ثالث.



«13 ـ ان في تصرف المفتش هذا، ما يجعل ما قمت به انا في الجامع وما قام به الناس في المركز شيئا مفروضا علينا في واجب الدين وواجب الاخلاق وواجب الحياة نفسها، بل ان الناس قد سلكوا سلوكا يستحق الثناء وقد شرحنا تفصيله للمحكمة».



وعن اختطاف المرأة قريبا من منتصف الليل من منزلها جاء في دفاع الاستاذ :



«15 ـ وضعت المرأة بسجن مدني وما ادراك ما سجن مدني؟ وبهذا السجن اليوم 23 امرأة منهن اربع مجنونات، يفحشن بالفاظ يندي لها وجه الرجل وسائرهن عهر احضرن من بيوت عامة، وحوكمن في جرائم خمر. هذا السجن يراد سجن امرأة شابة حرة مسلمة مصونة تشرف على تربية بنات واولاد تركهم لها زوجها الذي توفى قبل شهر، فان قال اهلها لا... وناصرهم اخوانهم في الدين وفي الجنس وفي الوطن، قالت الحكومة هذا شغب وهذه فتنة وهذا تهديد» انتهى.



دوافع ثورة رفاعة إنسانية دينية ووطنية:



وهكذا تتضح دوافع ثورة رفاعة بأنها لم تكن بحال من الاحوال دفاعا عن عادة الختان، وانما كانت دفاعا عن العرض وعن سمعة الاسرة ضد مكائد الاستعمار الذي لا يمكن ان يدعي محاربة الخفاض حقيقة وهو يقهر السودانيين ويعرض حياء المرأة للابتذال باسم هذا الادعاء الكاذب الذي جاز على بعض المثقفين.



الدكتور يظلم نفسه ويظلم شعب رفاعة:



كل ذلك العمل العظيم الذي قام به اهل رفاعة بدوافع انسانية خلقية وطنية، وبرهنوا على ان قوة اجماع الرأي العام واصراره قد هزم الانجليز بكل صلفهم وكسر اسنان الوحش حتى لا يجرح بقية العروض ويذل الرجال والنساء بقانونه المذل، ولكن كل هذا وعلى توفر مراجعه، يشوهه دكتور فتح الرحمن القاضي باحكام يرسلها بدون تثبت ولا يرى فيه الا «احاطة موضوع ختان الاناث بحالة طوطمية ما زالت آثارها باقية حتى اليوم» مع ان الموضوع لمن اراد ان يتثبت قبل ان يحكم على مواقف الرجال، ان ثورة رفاعة لم تكن دفاعا عن عادة الختان ولو تثبت الدكتور لعلم ان عادة الخفاض لم تؤسسها ثورة رفاعة، وانما كانت قبل الميلاد بخمسة قرون وقد انتقلت للسودان من الفراعنة او من الحبشة في رأي آخر.



ورد في حديث الدكتور فتح الرحمن في مقاله الاول، أنه لا يعرف «على وجه الدقة ماذا كان يعتمل في ذهن المرحوم الاستاذ محمود محمد طه، وهو يحث الجماهير للثورة في رفاعة، كما ان الدكتور يتساءل في مقاله «هل المرحوم محمود يا ترى ـ ونحن نسأل له الرحمة هنا، باعتباره قد صار في كنف العناية الالهية ـ ينطلق في موقفه ذلك من موضع قناعة بمشروعية ختان الاناث؟» «ام انه اراد في الواقع استثمار هذه الحادثة في منطقة رفاعة عام 1948م واتخاذها منطلقا للثورة ضد الحكم الاستعماري الانجليزي؟» ولكن الدكتور رغم اعترافه بعدم معرفته الدقيقة بما كان في ذهن الاستاذ محمود، ورغم سؤاله هل دافع الاستاذ هو «قناعة بمشروعية ختان الاناث؟» فانه لم ينتظر الاجابة، وانما جازف وقرر في حق الاستاذ محمود «قد نجح الرجل فيما يبدو في استثارة الجماهير لاضفاء مشروعية دينية على الختان» هكذا زعم.



الدكتور ليس عالماً ولا متثبتاً



الدكتور يحيل القضية للعلماء فيقول «ولست بعالم وهذه دعوة خاصة للدكتور الشيخ حسن الترابي» وآخرين منهم صديقه «الدكتور عبدالحي يوسف» ليبينوا له امر الختان. ورغم اعتراف ا لدكتور بانه ليس عالما فانه جرب الفتاوى في اهل رفاعة وبدون تثبت باتهامات من عنده، كتب «وهكذا استثمرت العاطفة الدينية بقوة في رفاعة لا للتخفيف من وطأة الختان كما اراد الرسول صلى الله عليه وسلم، وانما لاضفاء مشروعية تحت لواء الشريعة والسنة النبوية المطهرة لابشع انواع الختان وافدحها خسارة وفظاعة».

ويمضي في مزاعمه «وهكذا ينكشف لنا «ينكشف لنا» ان صفوة القوم وجماهيرهم «والاشارة هنا الى الاستاذ محمود واهل رفاعة» لم يتورعوا عن استخدام الدين للحفاظ على واقع ظاهرة الختان» الذي ينافي جمهرة مقاصد الشريعة التي تدعو لحفظ النفس ولا مجال فيها للضرر ولا للضرار» هكذا فتاوى الدكتور بالجملة، وتشمل كل اهل رفاعة صفوة وجماهير وبدون علم او تثبت، مع ان القرآن بين لنا «ولا تقف ما ليس لك به علم، ان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا».



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147484856&bk=1
_______

Post: #278
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 00:33 AM
Parent: #277



ضرورة لاهوت تحرير إسلامي «3/3»

د. حيدر ابراهيم علي



قدمت هذه الورقة لندوة الثقافة العربية التي انعقدت بالقاهرة خلال الفترة من اول يوليو الماضي وحتى الثالث منه، والتي امها لفيف من المفكرين والمثقفين في العالم العربي.
يتجنب كثير من الاسلاميين استخدام كلمة لاهوت في السياق الاسلامي ولا يفضلونها باعتبار طابعها المسيحي وارتباطها بالمؤسسة الكنسية. ويقول جمال البنا «وقد اخذت حركة التحرير المسيحية اسم لاهوت التحرير لان اللاهوت هو جوهر العقيدة المسيحية والذي تتولاه الكنيسة وترى فيه جوهر اختصاصها، ولكن لما لم يكن في الاسلام لاهوت بهذه الصفة فان حركة التحرير تركزت حول انقاذ اصل الاسلام وهو القرآن من اكداس التفاسير التي ميعت قوته واصالته» (23) ويقترح تثوير القرآن كمصطلح ودعوة بالاضافة الى تجديد الفقه واصدر كتابين يحملان نفس العنوان. ولا اظن ان اللاهوت يعني شيئا اكثر من القرآن والفقه، واخشى ان يكون رفض الكلمة مجرد حساسية وتأكيد للهوية والاختلاف عن المسيحية والاديان والافكار الاخرى.
لا تكمن مشكلة تجديد الخطاب الديني في تجديد الفقه فقد شهد العالم الاسلامي محاولات عديدة للاصلاح الفقهي واعتمدت في حقيقتها على تجديد الفتوى من خلال القياس والاستصحاب والمصالح المرسلة. وكان واضحا ان مثل هذا التجديد ضروري ولكنه غير كاف. فالفتوى تحل مشكلة في موقف معين ولكن لا تقدم رؤية شاملة، وهذا ما يقوله البنا عن القرآن بانه «كتاب هداية او ا خراج الناس من الظلمات الى النور اي كتاب ثورة وليس «انسيكلوبيديا معلومات». لذلك المطلوب هو تثوير القرآن وليس مجرد تفسيره. ومع ذلك في تحديد وسائل التجديد يركز ـ وهذا اتجاه عام ـ على اجادة النحو واللغة العربية. وهذه وسائل فنية بحتة لا بد ان تسندها مناهج جديده، وقد بدأ بعض الاكاديميين والمفكرين الاسلاميين في البحث عن مناهج علمية معاصرة. وبالفعل يحاول هؤلاء اخضاع دراسة الاسلام والمسلمين الى منهج تاريخي ـ اجتماعي، على اساس ان القرآن وتكوّن الامة الاسلامية قد تما على خلفية الوضع التاريخي ـ الاجتماعي.والقرآن رد على هذه الوضعية ويقترح ـ فضل الرحمن ـ طريقة تفسير «على اساس حركة مزدوجة: من الوضعية الراهنة الى الازمان القرآنية، ثم في عودة الى الزمن الراهن» (24) ولا بد من منهجية نقدية والتي هي حصانة ليست ضد التقليد فقط الذي يخص السلف بل يمتد على عدم التبني اللا واعي للمناهج والنظرية الوافدة ـ كما يقولون. ويسميها اركون الروح العلمية الجديدة في فهم القرآن والاسلام التي تشمل النقد الاجتماعي والنقد النفسي والانثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية ثم اللغويات والألسنية. وهو الذي اضاف مصطلح المخيال الى جانب العقلانية لفهم القوة الرمزية التي اكتسبتها الاتجاهات الغيبية والمحافظة. (25).



تبني المناهج الحديثة ليس مجرد فعل فني اكاديمي في البحث ولكنه تعبير عن تفاعل مع الآخر واندماج ايجابي في الفكر العالمي والذي قد يظهر غربيا اكثر. لذلك تجد مثل هذه التوجهات معارضة قوية تمثل مكونا رئيسا في الفكر الاسلامي المعاصر تحت مواجهة الغزو الفكري ومقاومة الافكار الوافدة. لان تجديد الفكر الديني او غير الديني ليس عملية ذهنية تتم في رؤوس المفكرين ولكنها تبدأ اولا في الحياة والواقع. ويعكس المفكرون الاسلاميون الصورة، وهذا متوقع بسبب تفكيرهم المثالي الذي لا ينطلق او لا يعطي كبير اعتبار للبنية التحتية او الظروف المادية المؤثرة على الفكر. وقد لا يكون مجرد انعكاس مراوي لها. ونجد تحليلات لتفسير التخلف الفكري تبدأ بهذه الطريقة المعكوسة، ومنها استنتاج الشيخ حسن الترابي في تسبيب التخلف: «ومن جمود الفكر جمدت الحياة في كل مناحيها» (26) ولكن العكس هو الصحيح: جمود الحياة سبب جمود الفكر. فالمجتمعات الاسلامية ظلت راكدة لقرون طويلة حتى ادرجها البعض تحت سيادة الاستبداد الشرقي. وقد ادرك خاتمي هذه الحقيقة ـ جزئيا ـ حين قال بان التدين في جوهره تجربة وليس فكرا. ورغم تركيزه على التجربة الفردية في معرفة الله، الا انه ينتقد نقل الكثير من المتدينين القداسة والاطلاق والسمو التي هي صفات حقيقة الدين الى تصوراتهم النسبية والمحدودة الى فهمهم للدين، وهو فهم محدد يحاولون فرضه على الواقع ويرى بأن «تصور الدين، الحي والفاعل، منوط بالحضور وبخوض معترك الحياة في هذا العصر» (27) فعملية تحريك الحياة والواقع والتجربة هو شرط تجديد الخطاب الديني.



تساءلت في مواقع اخرى عن فشل المسلمين في تحقيق لاهوت تحرير مثلما حدث في امريكا اللاتينية. ففي الحالتين مثل الاسلام والمسيحية الوعي الاجتماعي للجماهير التي تعيش بؤسا اقتصاديا وفكريا وثقافيا. والاديان جميعها تشترك في مباديء انسانية عامة او مثل عليا مشتركة بين البشر مثل الدعوة للمساواة والعدالة والخير والمحبة وغيرها من القيم النبيلة. وتواجه الاديان في هذا العصر تحديات جديدة تدخلها في اختبارات واختيارات صعبة. ومن الملاحظ ان بعض الاديان ـ ليس بسبب طبيعتها بل لتاريخها الخاص ـ اكثر مقاومة للتغير ومنها الدين الاسلامي. رغم ان الفكر الاسلامي المعاصر عرف عددا من المحاولات التجديدية ولكنها بقيت محدودة ومحصورة وتكاد تكون قد ماتت في مهدها في الغالب. فالعودة الى الدين او الصحوة الدينية لم تحمل معها تراكما كيفياً في الفكر والنظرية في اتجاه «لاهوت تحرير اسلامي او عصر تنوير اسلامي» (2.



تموج الساحة الاسلامية بحركات وتنظيمات تعتمد على التعبئة والتجييش ومخاطبة العواطف الدينية وتوظيفها لاتخاذ مواقف سياسية آنية في مواجهة الهيمنة الجديدة. وحين وصلت بعض هذه الجماعات الى السلطة كما حدث في السودان وايران وافغانستان وباكستان ضياء الحق قدمت نموذجا مشوها للحكم الاسلامي. وكل هذا يعود الى الضعف الفكري وغياب رؤية شاملة معاصرة، وغالبا ما تكتفي هذه الحركات بالتجربة والخطأ، كأن البشر فئران معامل. اذ ما زال الفكر الاسلامي يبتعد عن القضايا المعاصرة مثل الديمقراطية وحقوق الانسان والاشتراكية او العدالة الاجتماعية. وهناك خلل واضح في سلم اولويات الفكر الاسلامي والذي ينشغل بقضايا هامشية تماما. اذ نلاحظ الاهتمام الزائد والذي يختزل الدين والحياة في حجاب المرأة او الربا مثلا. واستطاع الشيخ المحافظ ان يحتل موقع التكنوقراطي والليبرالي ـ حسب تصنيف العروي ـ وهو الآن باحث اجتماعي ومحلل نفسي وخبير اقتصادي وسياسي محنك. ومن يتابع البرامج السمعية والمرئية في الاعلام العربي يرى كيف ان المفتين والدعاة اصبحوا النجوم التي تشغل اغلب ساعات الارسال. والاهم من ذلك ادعاء بمعرفة كل شيء ولديهم الردود الشافية مما يدل على امتلاك مفاتيح الحقيقة المطلقة، ومن الملاحظ انهم لم يعودوا يستخدمون اللازمة التقليدية: والله اعلم.



لا يعني ما تقدم ان الصورة قاتمة تماما ولكن الجانب الآخر لا ينافس، فهناك اصوات فردية وتجمعات ضعيفة محدودة الاثر وتشق طريقها بصعوبة وغالبا ما تتوقف قبل نهاية الطريق. وفي الستينيات ومع مد حركة التحرر العربي ظهر تصنيف اليمين واليسار في الاسلام حسب تعبير احمد عباس صالح. وكانت محاولة تعسفية لاستنطاق بعض الكتابات لكشف جوانب فيها تقف مع «الاشتراكية» والتحرر من الاستعمار. وفي فترة لاحقة اصدر حسن حنفي عددا وحيدا من مجلة «اليسار الاسلامي» كما قدم دراسات في نفس الاتجاه ـ سلسلة «الدين والثورة في مصر 1952 ـ 1981» واعلن عن مشروع التراث والتجديد والذي اخذ شعار من «العقيدة الى الثورة». ولا تبتعد فكرة حنفي عن لاهوت التحرير رغم ميله الى اليسار الاسلامي كمفهوم. ورغم ريادة حنفي الا ان اثره كان محدودا لان البداية كانت من الرأس وليس من الواقع. فقد دعا الى تجديد القوالب الذهنية ولم يعط العوامل الاجتماعية ـ الاقتصادية اهميتها المطلوبة. وفي نفس الظروف ظهر يسار اسلامي في تونس منشقا من الخط العام لحركة الاتجاه الاسلامي واصدر مجلة تحمل اسما رمزيا 15*21 او القرن الخامس عشر الهجري والقرن الحادي والعشرين الميلادي: الاصالة ومواكبة العصر الحديث. ويندرج علي شريعتي داخل نفس هذا التيار.



لم يستطع الخطاب التجديدي الديني ان يفرض نفسه وينتشر شعبيا بل وصلت بعض المحاولات الى حد المحنة فقد اوصل اجتهاد الاستاذ محمود محمد طه في السودان، صاحبه الى حبل المشنقة في يناير 1985م بسبب آرائه الجريئة فقط. ومن الواضح ان السلطة السياسية مستندة في ذلك الى تدني مستوى الحياة ماديا وروحيا تستطيع ان تصل الى اقصى القمع لمنع اي فكر جديد يهدد هيمنتها وسيطرتها المطلقة. ولكن الوضع يختلف في امريكا اللاتينية حيث تطور لاهوت التحرير. اذ مع تشابه الاوضاع الاجتماعية ـ الاقتصادية كان هناك وعي سياسي وحركة في المجتمع استطاعت مواجهة واقع التخلف فالاحزاب والقوى السياسية ذات التوجهات التقدمية والاشتراكية والماركسية، فرضت على الكنيسة الكاثوليكية بعض مفردات خطابها بينما يحدث العكس في العالم الاسلامي. اذ ترفض المؤسسة الدينية والحركة الاسلامية التفاعل مع الافكار الجديدة، ونجحت في جعل القوى السياسية الاخرى المختلفة في حالة دفاع مستمر واجبرتها على التكيف مع التوجهات المحافظة لكي تضمن بقاءها واستمرارها ولا تتعرض للمنع او التهميش وصارت تتملقها وتتزلف لها. فالتجديد الديني ليس مجرد تأويلات لغوية او تفسير جديد، ولكن المهم ما هي القوى الاجتماعية التي تقف وراء تفسير او تأويل بعينه وتجعله الاكثر قبولا؟ لان المحك ليس صحته المنطقية مثلا ولكن فعاليته وتأثيره في الواقع.



ترتبط فكرة التجديد بالقبول على الحياة والامل في المستقبل ولكن ثقافة الموت هي الغالبة الآن على العقل والشعور في العالم الاسلامي. فقد ظل الفكر الاسلامي ينوس بين ثنائية صعبة: وما الحياة الدنيا الا متاع الغرور من جهة، ولا تنس نصيبك من الدنيا. ومن الجلي ان الغالبية تخلت عن نصيبها من الدنيا غصبا عنها لمحدودية قدراتها وخياراتها. ونقلت آمالها في حياة سعيدة وكريمة حاضرة الى الفردوس السماوي وتخلت نهائيا عن خلق فردوس ارضي. وغلبة لغة الموت والاستشهاد دليل على ان الحياة الدنيا لم تعد عند الكثيرين تستحق ان تعاش. وعجبت حقيقة حين وجدت الصحيفة شبه الرسمية في السودان تخصص صفحة يومية اسمها: الدار العامرة، تكتب عن المقابر وغسل الموتى وصلاة الجنازة وحتى طرائف المقابر! وتشرف عليها جمعية اهلية تسمى حسن الخاتمة. ومن يتابع خطب الجمعة والكتيبات الصغيرة الشعبية والاشرطة الدينية يجد اغلب الموضوعات تنصب في عذاب القبر وحضور الموت.



في الختام، التجديد في الخطاب الديني والبعد عن العنف لا بد ان تمهد له تحولات وثورات اجتماعية وسياسية وفي البداية لا بد من تغييرات تحسن وضعية الحريات ودمقرطة المجتمعات الاسلامية والأهم من ذلك تحسين الاوضاع المعيشية من خلال تنمية مستقلة وشاملة تقلل من رهق وانهاك المواطن في سبيل لقمة العيش. اذ لم يعد له وقت فراغ ـ وهذا حق انساني ـ للاستمتاع بالحياة خارج اللهاث اليومي من اجل تلبية الحاجات الاساسية بوجود مصدر دخل ثابت ومعقول «يسميه المواطنون الرزق لانعدام الضمان وتأمين استمراره». قد نخطيء كثيرا حين نتوقع ان يكون مثل هذا المواطن المسحوق والمهمش جزءا من عملية تجديد فكري او ديني. فالمطلوب تغيير الواقع من خلال مواطن ايجابي ومشارك يتخلص من اللامبالاة واحتقار الذات. وان يعمل ضمن مجتمع مدني نشط وقاعدي، وان ينضوي الى احزاب وحركات سياسية ـ اجتماعية تجمع الجهود الفردية بقصد احداث التغيير. هذا هو ميدان المعركة الثقافية وخط دفاعها الاول وضمانة عدم عزلة المثقف الذي لم يعد له برج عاجي بل كهف بارد وموحش. وهنا يكمن الحديث عن تأسيس ثقافة وطنية تقدمية عقلانية وانسانية.



* المراجع:



1 ـ Clifford Geertz: Islam Observed. Religious Development in Morocco and Indonesia. The University of Chicago 1968,p.5.



2 ـ محمد المبارك ـ نظام الاسلام العقائدي في العصر الحديث المعهد العالمي للفكر الاسلامي 1989، ص 40



3 ـ نفس المصدر السابق، ص 42 ـ 43



4 ـ الامير شكيب ارسلان. عن دار مكتبة الحياة، بيروت، 1975م.



5 ـ ابو الحسن علي الحسني الندوي. القاهرة، مكتبة السنة. 1990



6 ـ محمد سعيد البوطي. دمشق، مكتبة الفارابي، 1977م



7 ـ جودت سعيد. مطبعة العلم 1972م



8 ـ ابو الحسن الندوي، مصدر سابق، ص 8 ـ 349



9 ـ مقدمة الكتاب السابق، ص 5 ـ 6



10 ـ نفس المصدر السابق، ص 365



11 ـ مجيد خدوري: الاتجاهات السياسية في العالم العربي بيروت، الدار المتحدة للنشر. 1971، ص 72



12 ـ الامير شكيب ارسلان، مصدر سابق، ص 165



13 ـ راشد الغنوشي، حوارات قصي صالح الدويش، الدار البيضاء، قرطبة، 1993، ص 43



14 ـ نفس المصدر السابق، ص 3 ـ 44



15 ـ مجيد حدوري، مصدر سابق، ص 75



16 ـ نفس المصدر السابق.



17 ـ البرت حوراني: الفكر العربي في عصر النهضة 1798 ـ 1939. بيروت، دار النهار 1986 ، ص 198



18 ـ المصدر السابق، ص 203



19 ـ نفس المصدر، ص 177



20 ـ اورده زكي الميلاد في مجلة الكلمة العدد 38 السنة العاشرة شتاء 2003، ص 27



21 ـ منير شفيق، مصدر سابق، ص 14



22 ـ W.Montgomery Watt:- Islam Fundamentalism. London: Routledge, 1988,pp.3-17



23 ـ جمال البنا: «هل الاسلام في حاجة الى مثيل للاهوت التحرير» ورقة مقدمة لندوة لاهوت التحرير، مركز الجزويت الثقافي وجمعية النهضة العلمية والثقافية الاسكندرية 3 ـ 5 مايو 2003



24 ـ فضل الرحمن: الاسلام وضرورة التحديث. ترجمة ابراهيم العريس. بيروت، دار الساقي 1993، ص 14.



25 ـ محمد اركون: الفكر الاسلامي ـ قراءة علمية. ترجمة هاشم صالح. بيروت. مركز الانماء القومي 1987م



26 ـ حسن الترابي وراشد الغنوشي: الحركة الاسلامية والتحديث. بيروت، دار الجيل، 1984م، ص 63.



27 ـ محمد خاتمي: مطالعات في الدين والاسلام والعصر، بيروت، دار الجديد، 1998م، ص 32 ـ 41



28 ـ حيدر ابراهيم علي: الدين والثورة. لاهوت التحرير في العالم الثالث. القاهرة، مركز الدراسات السودانية 1999م، ص 10



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147484554&bk=1

Post: #279
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 01:03 AM
Parent: #1



في ندوة التجديد والإجتهاد في الفگر السياسي الإسلامي

الاجتهاد الجماعي هو الحل ودعوة إلى رفض العنف



رغم تأخر بداية ندوة التجديد والاجتهاد في الفكر السياسي الاسلامي التي أقامها اتحاد طلاب ولاية الخرطوم بقاعة الشارقة أمسية الاثنين الماضي ضمن منتداه الشهري «منتدى شواهد الفكري» الا أن احداث النقاش والدفء الذي عم القاعة ذات التكييف العالي ومقدرة المتحدثين على ابراز حججهم كل هذا كان مدعاة إلى صبر الحضور وإثراء الندوة بالمشاركات القيمة.
الأستاذ الحاج وراق الأمين العام لحركة القوى الجديدة «حق» وابرز الداعمين لخط السلام جاء متأخراً وجلس بيسار المتحدث الأول الاستاذ محمد سيد احمد حاج، يبدو ان منظمي الندوة أرادوا ذلك وغياب الاستاذ اسحق احمد فضل الله ادخل منظمي الندوة في حرج بالغ مع الحضور ومع أنفسهم اذ ان غياب اسحق ربما جعل الكفة تميل لصالح يسار الوسط والذي مثله الدكتور حيدر ابراهيم مدير مركز الدراسات السودانية من الرباط إلى القاهرة والذي استقر به المقام وبمركزه في الخرطوم والأستاذ الحاج وراق الذي أعطى الندوة طعماً خاصاً بإيماءته الذكية ومقدرته العالية على شد انتباه الحضور والذي كان معظمه من الطلاب رغم أن احد اعضاء اتحاد جامعة الخرطوم همس في أذني بأن الجامعة مغلقة حينما داعبته وقلت له ان مثل هذه الندوات كان أولى بها اتحادكم.



رصد : رحاب طه



صراع بين حضارتين:



الأستاذ محمد سيد حاج الذي إبتدر النقاش أكد ان قضية الإجتهاد والتجديد تثبت قدرة الاسلام على استيعاب التجديد وبالاجتهاد وقال اننا نعيش في عصر يغلب فيه التيار العادي وان المعادلة القائمة تشير إلى ان الصراع بين حضارتين،حضارة تمتلك الأهداف ولكنها لا تمتلك الوسائط وهى حضارة قيمة ولكنها منهزمة أمام الوسائل وأن ذات الحضارة تقابلها حضارة تمتلك الوسائل ولا تمتلك الأهداف وقال إن الاجتهاد مصطلح شرعي يتعامل وفق مدلول الشارع الحاكم ودعا سيد إلى اجتهاد الحكام مستشهداً بالمعنى الوارد في حديث النبي «صلى الله عليه وسلم» (اذا اجتهد الحاكم فأصاب له أجران) واضاف ان الاجتهاد يكون في الجزئيات والتجديد يكون في الكليات وطرح سؤالاً للمتحدثين والحضور متى..... إلى الاجتهاد؟ إلا انه وضع قضية الاجتهاد كقضية أساسية مؤكداً ان الفقهاء حينما تحدثوا عن الاجتهاد اتفق معظمهم على أنه فرض. وأشار إلى انه لا بد ان يؤخذ من القديم النافع وان يؤخذ من الجديد الصالح وأنه لا ضرر ولا ضرار وقال إنه لابد من الأخذ في الاعتبار من الذي له حق الاجتهاد وعاد من جديد ليطرح سؤالاً موضوعياً هل يحق لطالب الفلسفة بجامعة الخرطوم ان يجتهد في أمور الشرع وقال ان للاجتهاد عدة أبواب اجتهاد انشائي واجتهاد انتقائي واجتهاد تبريري وهو إجتهاد منهزم وقال ان كتاب الله سيظل محفوظاً مسند بقوله تعالي (إنا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون) صدق الله العظيم وأضاف انه لابد للمجتهد ان يكون عالماً بالنصوص السمعية وعالماً بالاجماع واللغة.



فكرة التجديد



ويواصل سيد حاج ان الله يبعث على رأس كل مائة عام من يجدد للناس دينهم، من هنا جاءت فكرة التجديد حسب استناد محمد سيد حاج الذي أشار إلى غياب الوعي حيث ان ما ينفق على التسليح يكفى لبناء المدارس والصيدليات وزراعة ملايين الأفدنة وقال إن الفكر الإسلامي له قضايا ثابتة مثل قضايا الأسرة والعبادات والحدود في الاسلام الا ان قضايا العلم والاقتصاد واصول إدارة الناس وتدريبهم ومعايشتهم تحتاج إلى الاجتهاد الذي ينفع البشرية ولاينقص الكليات وقال ان سيدنا عمر بن الخطاب أخذ علم الدواوين من الفرس وأضاف ان الحكمة ضالة المؤمن والحق كذلك.



التجديد بين الضوابط الشرعية والحاجات الظرفية:



أكد محمد سيد ان للفتوى ظرف وان الحديث عن تعطيل حد السرقة في عام الرمادة لم يؤخذ في سياقه الكامل مشيراً إلى ان البديل الاسلامي حيث ان الحد أقيم في من سرق عشرة من الابل (حديث إبن شيبة) وأوضح ان درء الحدود بالشبهات ثابت وان هناك قضايا قطعية لا تقبل الاجتهاد وان باب الاجتهاد مفتوح لكل من يمتلك الادوات.. في ختام مداخلته دعا محمد سيد إلى الاجتهاد الجماعي على المعرفة والإلمام بالقضايا الملحة.



صاحب مركز الدراسات



السودانية والطرق على الممنوع:



الدكتور حيدر ابراهيم علي بدأ كعادته منتقداً الحركة الاسلامية وقال انها لم تتعامل مع المقاصد وانما تعاملت بالأشكال وقال ان هذا لزوم ما لايلزم ودعا إلى قبول الآخر وأضاف ان مجتمع المدينة الذي نتحدث عنه كان صغيراً ولم يكن فيه التنوع الموجود الآن وهو مجتمع فاضل ومثالي واضاف انه لكي يستقيم الأمر لا بد من الاجتهاد في لغة الكفر والارتداد ودعا إلى رفض العنف اللفظي واضاف اننا كثيراً ما نخلط بين السياسة والفكر وأشار إلى ان اللغة التي استعملت في الحوار حول الردة اقرب إلى لغة السيوف وقال ان من يتعاملون بتلك الاساليب مكانهم مستشفى المجانين وليس صفحات الصحف.



وقال اننا نواجه مشكلة من يجتهد ونخاف من قيام كنيسة وقال انه لكي ينتشر الاسلام فلابد من تبسيط الدين.



فتح أبواب الاجتهاد:



ودعا حيدر لفتح الباب امام الاجتهاد وأشار لحديث « أخاف على أمتي من عالم يضللها بعلمه» وقال انه لابدمن التعامل مع العلماء كبشر وطرح سؤالاً هاماً فيما يجتهد المسلمون وفيما لايجتهدون وقال ان هناك قضايا ملحة في هذا الزمان واضاف ان البعض يعتقد ان الازمة بدأت منذ القرن التاسع عشر مع ان الازمة بدأت منذ ان وصل نابليون إلى مصر واضاف ان الحديث عن تقدمنا روحياً والعالم متقدم مادياً غير صحيح منتقداً من يتحدثون عن الفساد في اوروبا قائلاً انها مشكلة رؤيتهم للأشياء من منظور آخر وقال اننا دوماً نبحث عن الأدوات ولكننا لا نريد العقل الذي صنع تلك الادوات واضاف ان هناك من «يمتلك» المعلومات العلمية ولكنه لايمتلك العقلية العلمية. وطرح سؤالاً آخر اين موقع الديمقراطية والمساواة والعدالة وقال ان المسلمين إنشغلوا بمسألة وحدة الامة الاسلامية ولم يهتموا بفكرة الدولة وقال : انه لابد من بحث فكرة الدولة الاسلامية وكيف يحكم الناس وقال هل يمكن ان تكون الشورى مقابل الديمقراطية أم ان كلاهما يختلف عن الآخر واضاف كيف يمكننا جعل الديمقراطية جزء من الفكر السياسي وقال ان نقاشنا ليس فيما قاله الدين ولكن ما يمارسه المسلمون وأضاف ان الاسلام دعا للمساواة ولكن المسلمون عجزوا عن ذلك واختتم حديثه بأنه لابد من تحديث الاسلام واسلمة الحداثة.



وراق وحديث عن عنوان الندوة:



أشاد الاستاذ الحاج وراق في بداية حديثه بعنوان الندوة مؤكداً ان الاجتهاد من أهم القضايا التي تواجه العالم الاسلامي مشيراً إ لى ما طرحه مقدم الندوة الطالب احمد الدعاك وقال وراق ان مجتمعنا لا زال رعوياً وزراعياً ورغم ان العالم تحول إلى اقتصاد صناعي وان سلطة المؤسسة هى التي تسود الان في العالم وليس سلطة الشخص واتفق مع سيد حاج حول التجديد الجماعي مضيفاً أن الخبراء هم الذين من المفترض ان يشاركوا في التجديد وقال ان هناك قضايا لابد لها من حلول واجتهاد وانتقد من يعتقدون ان القضايا المعاصرة يمكن حلها بذات حلول السلف الصالح ومشيراً إلى ان السلف الصالح واجهوا قضايا عصرهم بنظرة جديدة وطازجة واضاف بعبارة (دارجية) ورشيقة (عشان كدا غيروا الدنيا كلها) وقال ان دعاة الانغلاق يخونون موقف السلف الصالح وأكد وراق ان تراث الفقهاء غني وعميق.

عبقرية المزج:

وقال وراق ان اساس الخصب هو العبقرية وان الخصب رجل وامرأة واضاف ان ذلك التمازج جعل من العالم لوحة مختلفة وقال ان السودان له مجددون ابرزهم السيد الصادق المهدي والدكتور حسن عبد الله الترابي والاستاذ المرحوم محمود محمد طه الا ان محاولاتهم لم تخلُ من القصور واضاف ان هناك اجتهادات في الجانب الآخر الا انها ذات طابع انتقائي وأشاد بإجتهادات الترابي في قضايا الردة والمرأة الا أنه انتقد تعارض القول مع الممارسة وقال إن اعظم ما قرأه كان كتاب الدكتور الترابي (الإيمان وآثره في حياة الانسان) وفيما يختص بإجتهادات الاستاذ محمود محمد طه قال وراق ان الرسالة الثانية لمحمود تم تحريفها قبل ان تصفى الفكرة لصفويتها، وحول اجتهاد القيادي الاسلامي وقال وراق ان اجتهاد ات د.حيدر ابراهيم وكمال الجزولي تتم خارج اطار (السستم) وهذا ما يعيبها وحول قضية الامامة قال وراق لقد اتفق الائمة على ان الامامة فرض وان يكون الامام مسلماً وان يكون قرشياً وقال ان التمسك بذلك الأمر بحرفيته يدخلنا في جدل وانتقد وراق التطبيق الخاطئ للمنهج الاسلامي مشيراً إلى ان النظام الحالي يجبر الكل على الكذب على الأقل في نظام الضرائب وأكد وراق ان الحضارة الإسلامية من أكثر الحضارات تسامحاً مقارنة بالحضارات الأخرى.




http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147484557&bk=1
___

Post: #280
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 01:04 AM
Parent: #279


البروفيسور عبدالله النعيم في أحاديث السياسة وحقوق الإنسان (2-2)


حاوره: علاء الدين بشير



البروفيسور عبد الله أحمد النعيم أحد الشخصيات السودانية المرموقة التي لمع نجمها وذاع صيتها في العالم، كمفكر وباحث وأكاديمي في حقل الفكر الاسلامي لدرجة أن لقب في الدوائر الفكرية والاكاديمية الغربية «بمارتن لوثر الاسلام»، إلى جانب كونه أحد رموز حركة حقوق الانسان العالمية من موقعه كمدير سابق لمنظمة «أفريكا ووتش» لحقوق الانسان، ومستشار لمنظمة العفو الدولية «أمنستي انترناشيونال» وزميل رفيع سابق بمعهد ودرو ويلسون بواشنطن، «أحد المعاهد المتخصصة في رسم السياسة الخارجية الاميركية»، وأستاذ كرسي القانون ودراسات حقوق الانسان بجامعة «اموري» بمدينة اتلانتا بولاية جورجيا الاميركية.



البروفيسور النعيم حل على البلاد في زيارة هي الاولى له بعد اكثر من اربعة عشر عاماً من الانقطاع.



«الصحافة» جلست إليه قبل اسابيع في عقابيل زيارته القصيرة وحاورته حول دوافع السياسة الاميركية بعد الحادي عشر من سبتمبر تجاه العالمين العربي والاسلامي والسودان، وقضايا حقوق الانسان في العالم ورؤاه الخاصة بشأنها، فقدم نظرات وافادات قيمة ننشر في هذه المساحة الجزء الأخير منها.



أمريكا والاسلام



* «الصحافة» : يقال إن احداث الحادي عشر من سبتمبر ولارتباط منفذيها بتوجهات اسلامية متطرفة، استثارت الوعي الغربي لمعرفة ماهية الاسلام. هل تلمست اتجاهاً امريكياً عقلانياً لاستكناه ماهية الاسلام؟



حدث اهتمام ولكنه سلبي، فهو بالاحرى دهشة واستنكار كأن يقولوا : «ما هذا الدين المتوحش المتخلف الذي اصبح يهدد وجودنا؟!!» وفي مقابل هذا التساؤل الاستنكاري، بدأوا في البحث عن الوسيلة المثلى لدرء الخطر الذي يتهددهم من الاسلام كما وصلهم. وللأسف لم يحدث اهتمام بحيث يثير في المجتمع الامريكي فكرة التعاطي الايجابي مع الاسلام. وحتى دعاة النظر الايجابي، الغاية من رؤيتهم ليست الفهم والحوار الحضاري البناء والعميق مع الإسلام، وانما فهمه لدرء خطره ووحشيته عليهم.



من المؤكد لهذه القاعدة استثناء، ولكن هذه هي نظرة الغالبية، ويرجع ذلك لسطحيتها وجهلها بما يدور خارج الجغرافية الأمريكية. ومن يعش في امريكا، سيفهم لماذا هذا القصور في الوعي بالعالم الخارجي، فأمريكا بلد من الضخامة والاتساع والثراء والتنوع بحيث ان غالبية الامريكان، لا يجدون في أنفسهم ميلاً طوال حياتهم للسفر خارج بلادهم، عكس الاوربيين مثلاً. ونسبة من يجيدون لغات اجنبية اخرى بينهم ضئيل جداً، لذلك يكاد ينعدم لديهم الخيال الذي يبصرهم بما حولهم من الدنيا، وما لديهم من معلومات عن العالم هى سلبية مثل الفيضانات والمجاعات والزلازل في اسيا وافريقيا وغيرها، ولايدور بخلدهم ان شعوب هذه المناطق لها ثقافة وحضارة يمكن ان تقدمها لهم ليفهموها. ومن هنا تأتي النظرة للإسلام ولبقية الثقافات، فهم يفهمون الاسلام على انه دين بدائي، وتخالط فهمهم هذه نعرة عنصرية لأنه - أى الاسلام- مرتبط في اذهانهم بالعرب وجنوب شرق اسيا، وبالتالي فانه ليس دين بيض.



هناك بعض القطاعات مثل منظمات حقوق الانسان والمؤسسات الخيرية، تحاول فهم الاسلام فهماً صحيحاً من خلال تعاملها مع المجتمعات الاسلامية على أساس انساني وليس على اساس درء خطرها.



* «الصحافة»: هل لهذه المنظمات والمؤسسات تأثير ملموس على الساحة الأمريكية؟



تأثيرها لا يتجاوز مدى محدودا ، لأنها تعتمد على المواطن الامريكي في تمويلها عبر التبرعات التي تجمع منه، لذلك مقدرتها في التأثير عليه ضعيفة، ولكن تأثيرها قوي على وزارة الخارجية الأمريكية. ولكن للأسف كما قلت لك في الجزء الاول من الحوار، ان وزارة الخارجية صارت مستضعفة بعد الحادي عشر من سبتمبر.



منظمات حقوق الإنسان والخلل المنهجي



* «الصحافة»: انت الان احد رموز حركة حقوق الانسان العالمية، وتلمست من خلال محاضراتك التي قدمتها ان لك مآخذ على اداء منظمات حقوق الانسان العالمية، اختلف معك كثيرون هنا حولها، فهم يرون ان الفضل يعود لها في توسيع هامش الحريات والضغط على الحكومة لاحترام حقوق الانسان. فما هي مآخذك هذه التي دفعت بك للاستقالة من رئاسة منظمة عالمية مثل آفريكا ووتش؟



ارجو الرجوع بك الي الوراء قليلاً، فقد كنت معتقلاً في الفترة في عام 1983م إلى نهاية عام 1984م برفقة الاستاذ محمود محمد طه وعدد كبير من الأخوان الجمهوريين. في تلك الفترة تبنت قضيتنا منظمة العفو الدولية باعتبارنا سجناءرأى ودافعت عنا. وكنا نسمع ونحن داخل اسوار سجن كوبر من اذاعة لندن، عن حملة منظمة العفو الدولية لنصرتنا. وبعدما تم تنفيذ حكم الاعدام على الاستاذ محمود واطلق سراحنا وتم قمع حركة الأخوان الجمهوريين في بداية العام 1985م، خرجت بعدها مباشرة من السودان إلى امريكا ونظمت لي منظمة العفو الدولية عشرات المحاضرات لناشطيها في امريكا للتعريف بأبعاد قضيتي باعتباري نموذجا لمن استطاعت (أمنستى) اطلاق سراحهم، وانا الان أحد مستشاري منظمة العفو الدولية، كما كنت رئيساً لمنظمة افريكا ووتش لحقوق الانسان ، وهذا يدلل على عمق علاقتي بمنظمات حقوق الانسان العالمية التي تمتد لعشرين عاماً خلت، وانا شخصياً منتفع من جهدها وشاكر وممتن جداً لمساعيهم تلك،وقد عبرت عن شكري هذا شفاهة من خلال المحاضرات وفي كتابات كثيرة، وكل مآخذي على منظمات حقوق الانسان العالمية أن مدى مقدرتها في الدفاع عن حقوق الانسان محدود، وهذا ليس لأنها غيرمتفانية ومخلصة في أداء رسالتها، ولا لأنها غير مستقيمة أخلاقياً. بل على العكس فكادر هذه المنظمات ذوو استقامة اخلاقية وحس انساني رفيع،كما أنهم ذوي خبرة وسمعة مهنية ممتازة في الدفاع عن حقوق الانسان، يبذلون جهداً مضنياً ويسهرون الليالي، ويأخذون ادنى الأجور من اجل انسانية الانسان. لكل هذا عشت معهم طوال هذه الفترة. ولكن ومن واقع خبرتي هذه، أؤكد انها لاتستطيع ان تذهب في الدفاع عن حقوق الانسان إلى آماد بعيدة، فخذ مثلاً (أمنستي) تجد أن اختصاصها محدود جداً في الدفاع عن سجناءالرأى، ومكافحة التعذيب وعقوبة الاعدام، فيما عدا ذلك، ليس لها أى علاقة بما يختص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية مثل حق الانسان في ان يعالج وان يتعلم وغيرها، واذا لم يكن الشخص معتقلاً لأسباب سياسية وفكرية، فلا علاقة لها به. وهذا نتيجة إلى انها حددت اختصاصها في اطار ضيق جداً، ويرجع ذلك للستينات حينما آثرت ان تحصر اختصاصها في هذا الجانب من حقوق الانسان حتى تستطيع ان تمارس عملها فيه بقدر عال من الحذق والكفاءة، لتكون أكثر تأثيراً وفعالية وكذلك نفس الشئ ينطبق على منظمة هيومان رايتس التي كنت أعمل بها.



استقلت لهذه الأسباب !!



استقلت من رئاسة منظمة افريكا ووتش، وهى احدى اذرع هيومان راتيس ووتش في ابريل من عام 1995م لسببين: الاول انني كنت ومن داخل المنظمة، أطالب بتدريب شركائنا المحليين في افريقيا بحيث ترتفع كفاءتهم في الدفاع عن حقوق الانسان في بلدانهم، وحجتي في ذلك انه ينبغي علينا الا نكتفي باستغلال جهدهم في تجميع المعلومات عن انتهاكات حقوق الانسان في بلدانهم لنشرها فقط. وانما نزيد قدراتهم حتى يستقلوا في الدفاع عن حقوق مواطنيهم بانفسهم وتكون علاقاتنا بهم تنسيقية.



السبب الثاني هو ما أشرت اليه انفاً من حصر اختصاص هذه المنظمات في نطاق محدد من حقوق الانسان، وهو نطاق الصفوة في رأيي، واهمالها لجانب الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تهم غالبية الناس وغمارهم.اؤكد ان رؤيتي تلك ليست للتقليل من أهمية الحقوق المدنية والسياسية، ولكني وددت ان تؤدي منظمات حقوق الانسان رسالتها بصورة شاملة، ولدي الوثائق التي اوضحت فيها وجهة نظري تلك لرئيس منظمة هيومان رايتس ووتش (كيرروس).



* «الصحافة» الم تجد رؤيتك هذه استجابة من رئاسة المنظمة؟



لم تكن هناك استجابة، وكانوا يجادلون بان تلك الدول لا توجد بها مساحة لمواطنيها للدفاع عن حقوق الانسان، كما انهم فهموا دعوتي وكأنها دعوة لالغاء نشاطهم طالما أوكلوا مهمة الدفاع عن حقوق الانسان في بلدان العالم الثالث لمنظمات محلية.



انا لا أقبل حجة انه ليس هناك مساحة للمنظمات المحلية للدفاع عن حقوق الانسان، مع ان ذلك مفهوما بالنسبة لي، ولكن لا يمكن التسليم بها وبالتالي تجاوز فكرة تدريب كوادر محلية، فمثلاً في السودان انا مقتنع بان الحكومة لا تتيح مساحة للدفاع عن حقوق الانسان التي تتعلق بالقضايا السياسية بالمعنى المجازي والمحدود للسياسة بما انها مركز السلطة، ولكن هناك مساحة واسعة للعمل في الدفاع عن حقوق الانسان في الاطراف فيما يتعلق بالحقوق والضمانات الاقتصادية والاجتماعية، في هذا النطاق يمكن للمنظمات المحلية ان تكتسب الخبرة والمهارة التي تؤهلها للزحف إلى قلب السلطة التي يتنازع حولها السياسيون الذين يتمتعون بحماية منظمات حقوق الانسان العالمية دون غيرهم من فئات الشعب المسحوقة في دار السلام اواطراف العاصمة الأخرى، لأن قضايا هؤلاء ليست من ضمن اختصاصها.



ما أحب ان اؤكده انني ادعو لاستقلالية المنظمات المحلية المدافعة عن حقوق الانسان في الزمن الحاضر ريثما تزداد كفاءتها في التصدي للدفاع عن حقوق الانسان، وبالتدريج تنسحب المنظمات الاجنبية،لأن حقوق الانسان في امريكا وبريطانيا لاتحميها منظمات من خارجها، لذلك علينا ان نخطط من اليوم حتى تصبح لنا استقلاليتنا وقدرتنا في الدفاع عن حقوقنا وحقوق مواطنينا في كل جوانبها.



* «الصحافة»: رفعت الامم المتحدة، ولاية مقررها الخاص لحالة حقوق الانسان بالسودان ، كخبير في هذا المجال، هل تعتقد بأن هذه الخطوة تمثل قناعة حقيقية لدى المجتمع الدولي بحدوث تحسن في حالة حقوق الانسان في السودان، وما الذي سيترتب على ذلك؟



اولاً التصويت في لجنة حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة، يتم على أساس الاعتبارات السياسية بين الدول، واذا علمنا بأن رفع ولاية المقرر الخاص تم نتيجة ترجيح صوت واحد لقرار الرفع، فهذا يؤكد ان القرار لا يمثل قناعة حقيقية بتحسن اوضاع حقوق الانسان في السودان، واذا حللنا عملية التصويت، نجد ان امتناع دول الاتحاد الاوربي عن التصويت هو الذي انقذ الحكومة من تجديد قرار ولاية المقرر الخاص لحقوق الانسان.



لكن حرص الحكومة ومناوراتها الكبيرة التي قامت بها كيما تتجنب تجديد ولاية المقرر واحتفالها الكبير بنتيجة التصويت، يؤكد حقيقة انها حساسة تجاه الضغط الدولي فيما يتعلق بحقوق الانسان.وهذا يعيدنا لجدلنا السابق، وهو أهمية وفعالية الضغط الخارجي، فأنا لا أقلل من اهميته كما فهم كثيرون خطأ، لكني اشدد على ما سنفعله بالاضافة للضغط الدولي وبعده، وليس بدلاً عنه.



ما بيننا وبين أمريكا !



* «الصحافة»: يبدو ان العلاقات السودانية الامريكية لم تستقر على حال بعد، وقد عبر أكثر من مسؤول في الحكومة عن ان اخطر تحد يواجه السياسة الخارجية للسودان، هو العلاقات مع واشنطن. كمراقب لصيق، ماهو الدفع الذي تتحرك به واشنطن في سياستها تجاه الخرطوم؟



اعتقد ان دافع امريكا هو مصلحتها، فقد حدث توافق بين مصالح امريكا الاستراتيجية، ومصالحنا كشعب سوداني في التحول الديمقراطي، واقرار السلام ، ولا أثق ابداً انها قصدت في مسعاها تجاه السودان الدفاع عن حق الشعب السوداني ضد الاضطهاد ومصادرة الحريات، لأن هناك عشرات النماذج لشعوب ظلت تحت نير العسف والاضطهاد عشرات السنين بسبب امريكا ودعمها لجلاديها، فأمريكا هى التي رفضت تدخل مجلس الأمن لحماية الشعب الرواندي من المجازر العرقية، كما انها ظلت لأمد ترعى النظام السعودي رغم عسفه ورجعيته. هذا لا يعني بالطبع ان نرفض مساعدتها لنا عندما تلتقي مصالحها مع مصالحنا ولو بمنطق تكتيكي. ولكن يجب الا يجعلنا ذلك من السذاجة بحيث نعول عليها تعويلاً كبيراً أو نؤمن بأنها قصدت حمايتنا من منطلق ايمانها بكرامة الانسان وحقوقه، فاذا كانت كذلك، لما صمتت عن الارهاب الذي تمارسه الحكومة الاسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، ولكن ما أريد ان اقوله وبكل أسف، انه من المخذي ان تستجيب الحكومة للضغط الامريكي ولا تستجيب للشعب السوداني. وهذا يؤكد أن اللغة التي تفهمها الحكومة، هي لغة القوة والارهاب، وليس قوة المنطق والعدالة. وطالما هذا هو واقع الحال، فان القوى السياسية المعارضة والناشطين من أجل حقوق الانسان واشاعة الحريات العامة، بامكانهم الانتفاع من توافق المصلحة الامريكية مع توجهاتهم، ولكن ما أرجوه ان يكون التعويل الأكبر على جهدنا الخاص كسودانيين على الأقل بعد ان يتم التغيير نحو الديمقراطية والسلام بأن نملأه بالمحتوى من خلال تأسيس المؤسسات التي لاتضطرنا للجوء لأمريكا في مرات قادمة لا قدر الله.



* «الصحافة»: رغم المساعدات الكبيرة التي قدمتها الحكومة للإدارة الامريكية فيما يختص بمحاربة الارهاب، وسماحها بوجود فرق للمخابرات المركزية الامريكية ومكتب التحقيقات الفيدرالي لاكثر من عامين في الخرطوم، الا انه يبدو غير كاف بالنسبة لامريكا، فلا زالت ترسل اشارت للحكومة بان تمضي في محاربة الارهاب وعملية السلام، كما أنها لازالت تفرض عليها عقوبات وتنذرها بالمزيد، للدرجة التي حدت بأحد اركان الانقاذ وهو الدكتور بهاء الدين حنفي،ان يكتب مقالا شهيرا بعنوان (التعاطي مع سياسة التعاطي) عبر فيه عن امتعاضهم من عدم قبض الثمن لقاء التنازلات التي قدموها لأمريكا. في تقديرك ما ذا تريد امريكا بالضبط من الحكومة؟.



امريكا لم تثق اصلاً في نظام الانقاذ، وهى تعلم جيداً الصلةوالتعاطف المبدئى والمذهبي والفكري بين الجماعات الارهابية، وطبيعة تركيبة نظام الانقاذ وتكوينه الفكري وفلسفته، لذلك هى ترى ان استعداد النظام لتقديم تنازلات، لن يغير طبيعيته فامريكا تعلم ان النظام السوداني قائم على نفس فلسفة الجماعات الارهابية، وان القائمين على أمره هم اصدقاء لهذه الجماعات، ولا يغير تسليمهم لبعض اصدقائهم القدامي واعطاء معلومات عنهم بدافع الخوف، طبيعتهم عندها، هذا واضح جداً بالنسبة لأمريكا. اما السبب الثاني، فهو محض ابتزاز منها، فالمنطق السائد يقول انك اذا وجدت جهة تسعى لتلبية كل رغباتك عبر الضغط والخوف ، فانك ستمضي في هذا الاتجاه لتحصيل أكبر قدر من الفائدة منها.



أمريكا تتدخل عسكرياً في هذه الحالات!



* «الصحافة»: لكن التحليلات والمعلومات تشير إلى ان مبدأ اسقاط حكومة الانقاذ لم يكن وارداً ضمن الخطط الامريكية، وانما تعمل على كسر حدتها الايدلوجية وتوسيع ماعونها لمشاركة قوى سياسية اخرى، ومن ثم دمجها في الخط الدولي العام، وذلك عبر سياسة الضغط والاحتواء مما يشير إلى امكانية تنازلها عن موقفها من تركيبة الحكومة وتكوينها المذهبي.



اؤكد لك ان ذلك هو موقف الولايات المتحدة الحقيقي، وهي لاتتنازل عن موقفها طالما ظل النظام على طبيعته المذهبية وتكوينه الايدلوجي، فهى تعتقد انه لا زال يمثل مصدر خطر وانها اذا اغفلت عنه في أى وقت، فإنه سيرجع لنفس ممارساته السابقة، وبالتالي ترى ضرورة الاستمرار في سياسة احتواء نظام الانقاذ، اما خطوة تغيير النظام، فهى مكلفة بكل المعايير بالنسبة لها عسكرياً ومادياً وسياسياً، خاصة على مستوى الداخل، فهى لا تريد الظهور بمظهر المتدخل في كل بلد لتغيير نظامه. امريكا تتجه لتغيير الانظمة كما حدث في افغانستان والعراق في الحالات القصوى التي تقتضي فيها مصلحتها العليا ذلك، ولكن اذا استطاعت ان تحقق مصلحتها في السودان دون الاضطرار إلى تغيير النظام وانما عبر احتوائه، فهذا ايسر بالنسبة لها، ولكن السؤال هو اذا لم تنجح في تحقيق مصالحها عبر سياسة الضغط والاحتواء، هل ستلجأ لوسائل أخرى؟. اعتقد انها ستفعل. فبإمكانها اللجوء لوسائل الاغتيالات والانقلابات العسكرية لأن امريكا لها سجل حافل في ذلك.



* «الصحافة» من خلال متابعتك لحركة السياسة الامريكية تجاه السودان، ما هو استقراؤك للموقف الامريكي الراهن؟



كنت حضرت اجتماعاً قبل عشرة أيام من قدومي للبلاد (قبل حوالي شهر ونصف)، ضم مسؤولين كبارا في الخارجية الامريكية والبيت الابيض، وتلمست من ذلك الاجتماع انهم راضون عن مجريات الامور ، وان السياسة الامريكية ناجحة حتى ذلك الوقت في تحقيق اهدافها في السودان. وانا أعتقد انه رغم بعض العراقيل من قبل المتشددين في نظام الانقاذ والذين يجيدون الصيد في الماء العكر وهى عراقيل متوقعة وموضوع حسابها في السياسة الامريكية،باعتبار انه كلما تقدم الناس نحو الحل، كلما اشتدت مقاومة هؤلاء المتشددين، الا ان هناك رضا حتى الان.



* «الصحافة»: هل تدخل عملية السلام الجارية الآن برعاية الايقاد، ضمن الترتيبات بعيدة المدى للسياسة الخارجية الامريكية، ام انها مجرد وسيلة لتنفيذ سياسة الاحتواء على حكومة الانقاذ؟



اعتقد انها جزء من استراتيجية امريكا في المنطقة، ففيما يبدو لي وانا لا أدعى معرفة دقيقة في ذلك وانما كمراقب، ان تحقيق السلام في السودان يخدم استراتيجية امريكا في تأمين مصر واسرائيل، فنحن من اجل مصر، ومصر من اجل اسرائيل. هذا بالنسبة للشرق الاوسط . اما افريقياً، فان تغيير طبيعة النظام وتوجهاته وتحقيق السلام في السودان، من شأنه تحقيق الاستقرار في منطقة القرن الافريقي وشرق افريقيا بصورة تقلل من الوجود العسكري الامريكي في المنطقة، وبالتالي تركيزها في مناطق اخرى لأن النظام يعتبر خميرة عكننه لدول المنطقة في نظر الادارة الامريكية.



* «الصحافة»: هل تتوقع ان تصل عملية السلام الجارية الان، إلى نهاياتها المرجوة؟



نعم، بمعني وقف الحرب،واجراء تغييرات هيكلية في النظام الحاكم بادخال قوى سياسية اخرى، ولكن بمعنى اقرار سلام حقيقي دائم وشامل، فان ذلك يعتمد على جهد شعبي واهلي لملء الاطار الذي يصنع عبر التدخل الامريكي والدولي.



فخور بهذا الشعب الإنسان العبقري



* «الصحافة»: عدت إلى السودان بعد غياب طويل، ماهى الانطباعات التي خرجت بها من هذه الزيارة وانت تتأهب للعودة إلى مهجرك مرة أخرى؟



من جهتي، أشعر بحزن عميق للمعاناة القاسية بكل الوانها التي يرزح تحت وطأتها الشعب السوداني، فلم أكن اتصوران حالة الفقر والقهر التي رأيتها في عيون الشعب السوداني في كل مكان«وانا سافرت خلال أجازتي الى انحاء متفرقة من البلاد» وفي المواصلات العامة وانا انتقل من منطقة سكني «بأمبدة» إلى انحاء العاصمة المتفرقة ، قد بلغت به هذا الحد. ومن جهة اخرى، أنا متفائل جداً وفخور بالروح الانسانية الأصيلة لدى الشعب السوداني في بشاشته وصلابته واصالته. فرغم عيشه في ظل اوضاع تحمل كل مقومات الموت والإحباط، الا انه لازال حياً، واعتقد انه بقليل من التنظيم والضبط والمحاسبة وتحسين الاوضاع الاقتصادية، ستنجلي الحقيقة عن معدن الانسان السوداني الأصيل والرائع من تحت كل هذا الركام. فكل ما نراه من ترهل وتدهور للبيئة الحياتية في كل مستوياتها، لم يطفئ وهج الانسانية الرفيعة لدى الشعب السوداني، وانا زرت اكثر من ستين دولة في العالم، وعملت في عدد كبير منها، واستطيع ان اجزم بعد كل ذلك ان هذا الشعب عبقري، ولا أقول هذا من منطلق عصبية شوفينية، وانما من واقع تجربة وخبرة بين الشعوب، فما يبدو عليه من أنه استكانة وهزيمة، هو في واقع الامر صبر على المكاره والمصائب، وبمجرد تحسن الظروف سيظهر المعدن الأصيل لهذا الشعب، ولو بالامكان لعلقت ميدالية على جيد كل مواطن من أفراد الشعب السوداني.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147484038&bk=1
_________________

Post: #281
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 01:05 AM
Parent: #280



وما زال السؤال المشروع قائماً!!!
صلاح الدين عووضة

* حين كتبنا متسائلين عن الشريعة هذه التي يتباكى عليها أهل الانقاذ كرد فعل لإعلاني القاهرة ولندن أوشك البعض أن يعقد لنا محاكمات «مهلاوية» و«مكاشفية» نرسل بعدها الى حيث أرسل محمود محمد طه، حتى اذا تدلت اجسادنا من حبل المشنقة تعالت الاصوات بالتكبير والتهليل ورددت العبارات ذاتها: «هذا جزاء من يرتد عن دينه».. و«هذا مصير من يتطاول على الشريعة»... * أوشك البعض أن يفعل بنا ذلك دون أن يشفع لنا عندهم استشهادنا باعترافات انطلقت من فم شيخهم.. وعرَّاب نظامهم ـ او بالأحرى من كان شيخهم وعرَّاب نظامهم حتى الرابع من رمضان ـ من ان هنالك قصوراً في تطبيق الشريعة.. وأن المعاملات التي تجرى داخل مصارفنا هي معاملات ربوية.. * وقال إن كل الانتخابات التي جرت في عهد الانقاذ هي انتخابات مزورة.. * وقال إن الإنتهاكات التي حدثت في مجال حقوق الإنسان.. وفي داخل ما كان يسمى ببيوت الاشباح لا علم له بها.. ويتبرأ منها.. * وقال الشيخ كلاماً كثيراً عقب مفاصلة الرابع من رمضان، كل كلمة منه تنقض من غزل الانقاذ «الاسلامي» ليشهد بذلك شاهد من اهلها على «مشروعية» ما اثرنا من تساؤلات، ولكن الذين يرون أن نظامهم الذي «ينتفعون» من ورائه يستمد «مشروعيته» من شعارات الاسلام يقفون بالمرصاد لكل من يريد أن ينال من «الثوابت!!» * نعم قال الترابي -والذي هو شاهد من اهلها- ان كل الانتخابات التي جرت في عهد الانقاذ مزورة. ولكن الذين يريدون أن ينصبوا لنا المشانق الآن، كما فعلوا لمحمود محمد طه من قبل، لم يكلفوا انفسهم مشقة التساؤل حول مدى اتساق هذا الاجراء الانقاذي مع حديث الرسول صلى الله عليه وسلم القائل: «من غشنا فليس منا»!! * إن الذي يغش المسلمين ويخدعهم ليس بمسلم.. هكذا يقول الدين.. واذا صح ما قاله الترابي حول الانتخابات التي جرت في عهد الانقاذ فإن غضبة الذين يتهموننا في ديننا الآن يجب ان تتجه نحو «الداخل» وليس نحو الذين يتساءلون: «اين هي هذه الشريعة؟!» * نعم.. إذا صح ما قاله الترابي فإن هؤلاء المنافحين عن تجربة الانقاذ الاسلامية يجب ان يصبوا جام غضبهم على الذين لجأوا لما يشوه هذه التجربة، ويقدح في اسلاميتها اللهم الا اذا كانوا يرون أن هذه هي «الشريعة!!» وفي هذه الحالة ينتصب تساؤل آخر أشد وقعاً: «من الذي هو أحق بأن يفعل به ما فعل بمحمود محمد طه؟!!». * إن سلطان كيجاب ما زال غير مدرك لـ «حقيقة» واحدة من الانتخابات التي وصفها الترابي بأنها مزورة، وقد ترشح فيها ممثلا لقبيلة الدناقلة التي يرى انها الاكثر قدرة على الحكم من لدن الامام محمد احمد المهدي وحتى «الامام!!» جعفر نميري، بل ان بعض اهم الحقائب الوزارية الآن في عهد الانقاذ هي من نصيب الدناقلة مثل الخارجية والداخلية والدفاع. * إن كيجاب غير مدرك لـ «حقيقة» الانتخابات التي خاض واحدة منها بدليل «اخذه للمسألة جد» ورفع عقيرته بالشكوى لطوب الارض حتى الآن مطالبا بإرجاع «حقه المسلوب!!» إليه، في حين ادركها صحافي اردني شاب استجلبته الانقاذ -ضمن من استجلبت- لتغطية الانتخابات اعلاميا فاذا به يعبر عن «قرفه» مما اسماه «انتخابات عبثية!!» ويسعى الى تغطية اعلامية اخرى متعلقة بالعاصمة الخرطوم. وقد قال إنه صدم من حقيقة كونها «قرية كبيرة» رغم السنوات الاربعين التي انقضت منذ نيل البلاد لاستقلالها.. * كيجاب في الندوة التي نظمتها صحيفة «الصحافة» حول حقوق الانسان وقف مذكراً بحقوقه التي يقول إنها انتهكت في الانتخابات تلك، ولكن الأهم من حقوقه المتمثلة في تطلع للسلطة اشبه بعشم ابليس في الجنة حقوق العشرات ـ بل الآلاف ـ من المواطنين التي انتهكت في عهد الانقاذ سواء عبر «التعذيب» الذي كانت تمارسه الانقاذ.. او عبر الاحالة للصالح العام لاسباب سياسية.. او عبر التجاوزات التي تحدث هنا وهناك في إطار سياسة «التمكين!!».. * إن الترابي اذا كان قد نفى علمه بحدوث انتهاكات لحقوق الانسان -او على الاقل مسؤوليته عنها- فإن رئيس البلاد الـ «معلن» لم يكن هو وانما الفريق البشير.. والبشير ليس رئيسا معلنا امام الناس فقط وانما امام رب العالمين... وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب لم يقل إن بغلة اذا عثرت في الكوفة اخشى ان يُسأل والي العراق عنها وانما خشى ان يُسأل عن ذلك هو باعتباره المسؤول الاول عن المسلمين، وعن بلاد المسلمين.. * والآن اذ يقول الرئيس البشير إن تجاوزات في ما يتعلق بحقوق الانسان قد وقعت فإن المطلوب أن تشكل لذلك لجان حتى يعوض من تضرروا منها تعويضا مادياً ومعنوياً كما حدث لضحايا «لوكربي»... والضحايا هؤلاء لا يهمهم إذا كان هذا الضرر الذي اصابهم هو بفعل الترابي أو بفعل غيره طالما انه حدث في ظل النظام الحاكم الآن وهو نظام الانقاذ.. * اذن نظام الانقاذ الذي يحكم باسم الاسلام الآن هو نظام يقول عنه عرَّابه الترابي انه نظام «يغش» الناس في الانتخابات والاسلام يقول من غشنا فليس منا. * ويقول عنه رئيسه انه نظام «عذَّب» وسجن «وبطش في عهد الترابي».. والاسلام دين حكم على امرأة بالنار لتعذيبها هرة دعك من ابن آدم.. * والآن ثبت ان الانقاذ نظام تجرى داخل مصارفه معاملات لا تمت الى الشريعة الاسلامية بصلة- تماماً كما ذكر الترابي من قبل- بدليل القرار الذي اصدرته المحكمة الدستورية بالأمس حول قضية بنك الثروة الحيوانية. * لقد جاء في حيثيات ذلك القرار «ان افعال محافظ بنك السودان وبنك الثروة الحيوانية تعد مخالفة للشريعة الاسلامية». * وجاء فيها «ان القضية التي امامنا تقف شاهداً على بعض الممارسات التي تهدد الاقتصاد الوطني». * و«الممارسات التي تهدد الاقتصاد الوطني» هي التهمة التي ارسل بسببها قبل سنوات بعض تجار العملة الى المشنقة ذاتها التي ارسل اليها من قبل محمود محمد طه بتهمة الردة. * والآن.. قبل ان يعوى في وجوهنا من يطالب بإرسالنا الى ذات المشنقة بتهمة السعي لاقامة دولة «الفسق والرزيلة» على انقاض دولة «الطهر والعفاف!!» عليهم ان يتساءلوا معنا في لحظة صدق مع النفس بعيداً عن «المصالح الدنيوية!!»:«اين هي هذه الشريعة؟!». * فان فعلوا-ولا اظنهم سيفعلون- فإننا نعدهم بان نضع ايدينا على ايديهم من اجل ان يسود واقع جديد لا يظلم فيه احد.. ولا «يُغش» فيه احد.. ولا يُعذب فيه احد.. ولا يحال فيه احد للصالح العام لاسباب سياسية او غير سياسية.. ولا تمارس فيه في مصارفنا ممارسات تضر بالاقتصاد الوطني.. ولا يُميز فيه اهل الولاء عديمو الخبرة على حساب اهل الكفاءة والخبرة.. * واقع لا يحصل فيه انفلات في الشارع بسبب الفقر.. ولا يكثر فيه- للسبب ذاته- المتسولون والمعتوهون.. و«المذهولون».. والذين «ضربت كل فيوزاتهم» من جراء «الضغط».. * نظام تسود فيه كل القيم التي يدعو اليها الاسلام: من عدل.. وسماحة.. و«صدق».. وصون لكرامة الانسان.. واحترام لحقوقه.. وتداول سلمي للسلطة.. * نظام لا يُمكّن فيه لفئة تغلب عليها شهوة السلطة والمال فتعيث في الارض فساداً حتى تتضخم تقارير المراجع العام فيكاد يعجز عن حملها العصبة اولو القوة.. *وتعيث في الارض فساداً حتى تضطر المحكمة الدستورية إلى القول على لسان رئيسها جلال علي لطفي:«لقد كثر الحديث في هذه الايام عن اداء بعض البنوك.. فقد افلس بعضها.. وصفى بعضها الآخر.. وعرض بعضها للبيع بما اثار قلق الرأي العام ممثلاً في مجلسه الوطني الذي ناقش هذه الظاهرة الخطيرة ليجد لها حلاً.. والقضية التي امامنا تقف شاهداً على بعض هذه الممارسات التي تهدد الاقتصاد». * نظام يتساوى فيه المواطنون في الحقوق والواجبات ولا يصنفون حسب قربهم او بعدهم من الطرح السياسي.. او الديني.. أو القبلي لمن هم في الçكم الى مواطنين من الدرجة الاولى ومواطنين من الدرجة الثانية.. * نظام لا يتاجر بالشعارات.. ويتخذها «ثوابت» تُقدس لذاتها وتُعبد دونما إعتبار لما يناقضها.. ويسيء اليها من افعال وسلوكيات.. * نظام إن ساد فيه كل هذا لا يهم بعد ذلك ان كانت واجهته ذات شعار «اسلامي».. أو ذات شعار «ديمقراطي».. * ملحوظة: هذا المقال فرض نفسه مكان مقال آخر يتناول «ظاهرة» جديرة بالاهتمام في الساحة السودانية اسمها «الفصول الأربعة»، وذلك بعد ان جاء قرار المحكمة الدستورية حول بعض جوانب الاداء المصرفي مؤيداً لما طرحناه من قبل من تساؤلات تندرج تحت تساؤل كبير:«اين هي هذه الشريعة؟!!».

صلاح الدين عووضة



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147484040&bk=1
_________________

Post: #282
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 01:06 AM
Parent: #281


التابو والطوطم والختان(2)

د. فتح الرحمن القاضي



حوار الصفوة والجماهير في شأن ختان الإناث



وباستثناء بعض المبادرات الطيبة التي قام بها نفر من العلماء في المجالات الشرعية والصحية، فضلا عن مبادرات مؤسسات المجتمع المدني، كالجمعية الوطنية لمكافحة العادات الضارة و جمعية بابكر بدري العلمية للدراسات النسوية ، التي يجئ موقفها مستلهما ومتسقا مع مواقف عميد الاسرة الكبير الشيخ بابكر بدري، باستثناء ذلك لانكاد نلحظ انفعالا قوميا جادا في اوساط المجتمع السوداني، بتعاظم ظاهرة ختان الاناث ولا بالمخاطر التي تشكلها على صحة الطفل والام في مقبل الايام. ومما يثير الدهشة والتساؤل ان الاستراتيجيات القومية والسياسات الهادفة لتعزيز قدرات المرأة وتمكين اوضاعها لم تعن بالقدر المطلوب بمخاطبة ظاهرة ختان الاناث، مما ادى لبقاء الظاهرة وتناميها كأنها لا تشكل معضلة اساسية من معضلات المرأة والمجتمع السوداني ككل.



وقد جاء قرار تشكيل لجنة قومية في اطار انشطة وزارة الرعاية والتنمية الاجتماعية، للتعامل مع ظاهرة الختان بأبعادها القانونية والنفسية والاجتماعية مؤشرا جيدا على انفعال القائمين على امر الوزارة بهذه القضية الحساسة، غيران التقدم المحرز في اعمال اللجنة، مع تقديرنا لجهود العاملين فيها، مازال بطيئا للغاية، اذ مضي على تشكيل اللجنة نحو 7 أشهر او يزيد. وطالما كان معيار الحقيقة هو التصديق فان العبرة الا تبقى بتكوين اللجان وانما تبقى العبرة في مدى الجدية التي تبديها اللجان لترجمة الأهداف التي أنشئت من أجلها الى واقع ملموس!؟



ويجئ تعييننا لمبادرة الرعاية الاجتماعية من باب كونها تمثل مبادرة وطنية للتعاطي مع ظاهرة الختان، في وقت اضحت الظاهرة محل اهتمام من قبل المجتمع الدولي ومعيارا من معاييره في الحكم على التقدم المحرز في مجال تنمية المرأة وحقوق الانسان.



وفي هذا الاطار لا يسعنا الا ان نتقدم بالشكر الجزيل لحكومة اليابان التي لم تبد اهتمامها بظاهرة ختان الاناث في السودان فحسب. وانما سعت لتخصيص مبلغ مقدر من اموال الشعب الياباني الصديق لتمويل جهود مكافحتها.



وفيما اتلقى اخبار منتدي «سونا» الذي نظم بالامس حول جهود مكافحة ختان الاناث بتمويل من حكومة اليابان. وهي خدمة متطورة تستحق «سونا» الشكر عليها، اجد لزاما عليَّ الاشارة لحقيقة مهمة مفادها ان العون الاجنبي على وجه العموم والياباني علي وجه الخصوص يبقي محل شكر وتقدير، غير ان هذا العون ينبغي ان يوظف بما يخدم اغراض مساعدة الدولة والمجتمع على معالجة الاهداف والقضايا التي رصد من اجلها، ظاهرة الختان بمختلف ابعادها وتعقيداتها، الامر الذي لا نراه متحققا بالكامل في هذه الحالة.



وفي الوقت الذي نقدر فيه مسعى وزارتي الخارجية والصحة ومنظمة اليونسيف لاقامة ورشة للخبراء من داخل السودان وخارجه للتداول حول موضوع الختان في سياق الامومة الامنة، الا اننا نقدر ان العون الياباني المخصص لتمويل الورشة، كان من الاجدي ان يوظف كليا او جزئيا للمساعدة في معالجة ظاهرة الختان بابعادها الاجتماعية والقانونية في الفضاء الاجتماعي العريض وذلك عن طريق انفاذ خطة العمل المضمنة في استراتيجية القضاء على ختان الإناث وما يستلزمه ذلك من إستدعاء للعاملين الاساسيين في المجتمع من اعلاميين ومشرعين وبرلمانيين، ومصلحين اجتماعيين،وفقهاء دينيين ، ومنسوبي مؤسسات المجتمع المدني فضلاً عن القيادات الشبابية والنسوية، لضمان ادماج قطاعات المجتمع وفعالياته الحية للمشاركة في الجهود القومية الرامية للقضاء على ختان الإناث.



وما نراه في فعاليات الورشة الحالية،مع تقديرنا للعاملين عليها والمشاركين فيها هو ادارة حوار صفوي لإعادة انتاج اطروحة استراتيجية للختان بينما المطلوب الانطلاق قدماً في انفاذ مؤشرات وخطط العمل التي تضمنتها وفق برنامج علمي وعملي معلوم.



وحتى إذا قُدر لنا ان نغض الطرف عن اعمال هذه الورشة من باب كونها تصب في ذات اتجاه الورشة السابقة التي عنيت باستراتيجية الختان، فإن انعقادها - اي الورشة الحالية - يجئ تحت شعار الامومة الآمنة، مما يجعل من قضية الختان المستهدفة اصلا باقامة الورشة، مجرد قضية من الدرجة الثانية. وما ينبغي الاشارة اليه هنا ان قضية ختان الاناث من ناحية معيارية تندرج في الاساس في اطار قضايا الطفولة الآمنة. وذلك باعتبار ان الاناث يختن وهن طفلات، علاوة على ان معظم الآثار السالبة المترتبة على ممارسة عملية الختان في مداها العاجل والوسيط، انما تلحق الاذى الجسيم بالبنت وهي في مرحلة الطفولة الباكرة وليس في مرحلة الامومة المتأخرة.



ورغم صحة العلاقة التي تربط ختان الاناث بالامومة الآمنة، الا ان هذه الرابطة تقتصر فقط على ما يعرف بالولادة المتعسرة. واذا ما علمنا ان الولادة المتعسرة التي يشكل الختان جزءا منها، لا تتجاوز اكثر من 11% من نسبة وفيات الامهات فيما يشكل النزيف، والالتهابات واضطرابات ضغط الدم والاجهاض غير المأمون وغيرها حوالي 89% من جملة وفيات الامهات، حسب المكتب الامريكي للسكان، فيمكننا ان نقدر ان الامومة الآمنة مع التأكيد على اهميتها لا تصلح غطاءً لموضوع ختان الاناث الذي نحن بصدد معالجته في اطار الجهد الوطني المدعوم من قبل حكومة اليابان ومع فائق تقديرنا لوزارة الصحة التي بادرت للتصدي لتنظيم الورشة، في ظل احجام وزارة الرعاية الاجتماعية لاسباب لا نفهمها الا ان هنالك قدراً من العتاب لابد ان يوجه لوزارة الصحة كون ان الوزارة لم تتقيد تماماً بموضوع الختان على مستوى الشعار وآثرت ان تتخذه مدخلاً للأمومة الآمنة الأمر الذي يجعل القضية برمتها موضعاً للتساؤل والمساومة!؟



واخشى ما نخشاه في سياق هذه المعالجة، ان تكون وزارة الصحة التي يعول كثيرا على نزاهتها العلمية، باعتبار ان موضوع عدم صلاحية ختان الاناث وبشاعة آثاره محسوماً على الاقل من وجهة النظر الصحية، هي نفسها واقعة في احابيل النظرة الطوطمية التي مازالت تلقي بآثارها على الصفوة والجماهير منذ احداث ثورة رفاعة في منتصف القرن الماضي.



وبنظرة اكثر إمعانا نكتشف ان موقف قبيلة اهل الصحة والحال هكذا لا يختلف كثيرا في جوهره عن موقف قبيلة اهل القانون، فبينما يعمد اهل القانون للاختباء خلف مصطلح «الجراح» وهم بصدد سن قانون يستهدف القضاء على جريمة الختان في مطلع التسعينات، نجد ان اهل الصحة هم كذلك يعمدون للاختباء خلف مصطلح «الامومة الآمنة» وهم بصدد تبيان المخاطر الصحية لختان الاناث.



وفي الوقت الذي تقدم فيه العديد من الوزارات رجلا وتؤخر الاخرى، نجد ان المجلس الطبي - ونغتنم الفرصة لنزجي تحية خاصة لرئيس المجلس وامينه العام- قد خطا خطوة ليست بالهينة من خلال موقفه الداعي لحظر ممارسة ختان الاناث. ولكن المشكلة تبقى في ان منسوبي المجلس المستهدفين بالقرار هم من فئة الاطباء والصيادلة فقط، الامر الذي يجعل قرار الحظر اجراءً محدود الاثر. وذلك لأن معظم عمليات ختان الاناث لا تجرى بواسطة الاطباء، مما يتطلب توسيع مظلة القرار لتشمل الكوادر الطبية المساعدة والممارسين التقليديين وهم المتسبب الاكبر في عمليات الختان.



والمجلس الطبي رغم همته واهمية دوره، يبقي مكبلا بحكم القانون من التصدي للقضايا التي تندرج في اطار الصحة بوجه عام، الامر الذي يقتضي تعديل قانونه وتحقيق قدر اكبر من «الترابط الالتحامي» بينه وبين وزارة الصحة، حتى يصبح القرار نافذا على سائر العاملين في الوسط الصحي، اطباءً وكوادر طبية. ويمكن ان نتصور على سبيل المقاربة، ماذا تعني وزارة للدفاع مثلا اذا كانت امرتها نافذة على الضباط لوحدهم وليس لها من سلطان على الجنود !!



ومهما كان الامر فإن اختباء أهل القانون والصحة خلف مصطلحات الجراح والامومة الآمنة لن يجدي فتيلا في مخاطبة ظاهرة ختان الاناث، فوق كونه يعطي مؤشرات مضللة حول السبل الناجعة الواجب اتخاذها لمعالجة الظاهرة على المستويين الصحي والتشريعي.



ولمزيد من التبيان لمظاهر خلل معالجة ختان الاناث، اذا ضل مسعانا لمعالجتها، باعتبارها قضية امومة آمنة وليست معضلة مرتبطة بحقبة الطفولة، فيكفي ان نشير الى ان حزمة السياسات والاجراءات الواجب تبنيها في كلتا الحالتين، اي الامومة الآمنة والطفولة الآمنة، تختلفان اختلافا بينا، نظرا لما بينهما من بون شاسع.



فبينما تعمد سياسات الامومة الآمنة الى الاقلال من نسبة وفيات الامهات عبر معالجة اسباب الوفيات آنفة الذكر، خلال الفترات التي تسبق الولادة او تتزامن معها او تليها، فإن سياسات الطفولة الآمنة، لاسيما في شأن ختان الاناث، لا تعتمد ذات المسار السابق. وانما تعتمد مسارا يخاطب المضاعفات الصحية العاجلة ومتوسطة المدى للختان، فوق كونها تنظر في الجوانب الصحية والقانونية للختان من باب تعريض الطفلة لعملية جراحية بلا وعي منها وبغير موافقتها، استنادا الى خضوع الاب او الام او الاثنين معا لتيار ضاغط من إسار العادة وليس شرف العبادة !! ونحن اذ نختتم هذا المقال نأمل ان يتصدى الجميع لمسؤولياتهم رحمة ببناتنا واكراما لهن وصيانة لحقوق الطفلة. وفي هذا فلنسمِ الاشياء باسمائها، فالختان يبقى ختانا وعلى اهل القانون والصحة ان يسعوا لفك ارتباط الختان بالجراح والامومة الآمنة على التوالي. وعلى اهل الاستشارة في الرعاية الاجتماعية ان يسعوا الى تحقيق مقتضى الشورى باعتبارها علماً نافعاً جديراً به ان يؤخذ وان يعمل به. والا فلا خير في مستشار لا يُشار!! وعلى العلماء ان يصدعوا بالحق في شأن ختان الاناث. وعلى مؤسسية الدولة ولجانها القومية ان تأخذ امر الختان بجدية باعتباره قضية حيوية لا تحتمل التسويف ولا الابطاء. وعلى الصفوة ان ينزلوا من ابراجهم العاجية ويلتحموا بالجماهير لتجاوز الحالة الطوطمية المهيمنة منذ احداث ثورة محمود محمد طه برفاعة. وعلينا جميعا ان نمضي لاتخاذ مواقف حكيمة وحاكمة ترضي الله ورسوله في شأن ختان الاناث.




http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147484042&bk=1
__

Post: #283
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 01:07 AM
Parent: #282


التابو والطوطم والختان

حوار الصفوة والجماهير في شأن ختان الإناث



د. فتح الرحمن القاضي
ليس معروفاً على وجه الدقة ما إذا كان يعتمل في ذهن المرحوم محمود محمد طه وهو يستحث الجماهير في منطقة رفاعة للثورة على الإنجليز في أعقاب إعتقال قابلة اشتهرت بممارسة عادة ختان الإناث.



هل كان المرحوم محمود ياترى -ونحن نسأل الرحمة له هنا بإعتباره قد صار في كنف العناية الألهية- ينطلق في موقفه ذلك من موضع قناعة بمشروعية ختان الإناث، الامر الذي دعاه لتحريض الجماهير للثورة ضد حكم الانجليز القاضي بمنع الختان؟ أم أنه أراد في الواقع استثمار هذه الحادثة في منطقة رفاعة عام 1948م واتخاذها منطلقاً للثورة ضد الحكم الاستعماري الانجليزي؟ ومهما كانت الاجابة؟ التي نأمل أن يجليها المهتمون بمزيد من البحث استقصاءً لموقف المرحوم محمود ومعاصريه في هذه القضية على وجه التحديد، فإن الثورة الجماهيرية العارمة التي انتظمت مدن الحصاحيصا ورفاعة وربما انتقلت منها إلى بقية أرجاء الجزيرة. قد أفلحت في إحاطة موضوع ختان الاناث بحالة طوطمية ما زالت آثارها باقية حتى اليوم.



ومن الثابت أن المحاكم لم تدوِّن سابقة واحدة في الفصل في جريمة ختان الاناث منذ أحداث رفاعة رغم المآسي التي لاتحصى التي نجمت عن هذه الممارسة البشعة.



ومنذ إنطلاقة عادة ختان الإناث في عهد الفراعة وربما قبله بكثير، مما حمل الناس على تسمية الظاهرة بـ (الختان الفرعوني) لم يشهد التاريخ محاولة جادة للقضاء على هذه الظاهرة أو التخفيف من وطأتها سوى حديث الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لأم عطية التي اشتهرت بممارسة الختان: «أخفضي ولا تنهكي» وفي حديث آخر: «اشمي ولا تنهكي».



ورغم الإيماءة الايجابية التي حملها الحديث الشريف في شأن ختان الإنثى إلا أن الجدل ما زال محتدماً بين العلماء حول مغزى الحديث ومداه ما بين قائل إن الرسول صلى الله عليه وسلم أراد القضاء على عادة الختان نهائياً من خلال توجيهه الرافض لاستمرارها على النحو الذي كانت تمارسه به في عهد الجاهلية وربما آثر التدرج في المنع وما بين قائل إنه - أى الرسول- أجاز شكلاً مخففاً جداً من أشكال الختان وهو ما أصطلح على تسميته بـ (الختان السنة).



ومهما كان من أمر الاختلاف في تفسير حديث الختان، من حيث اللغة وفقه السنة، إلا أن موقف الرسول صلى الله عله وسلم من الختان كان واضحاً ومغايراً للنهج الإجتماعي السائد آنذاك في ممارسة هذه العادة.



ولم يرد في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم العطرة، ولم يثبت في حديثٍ أن الرسول قد شهد ختان بناته الكريمات أو امر بختنهن. ومن الضروري بمكان الإشارة هنا إلى أن مسألة ختان الإناث لم ترد مطلقاً في القرآن الكريم.



وعلى كل حال تبقى مسألة ختان الإناث من المسائل المختلف عليها في أوساط العلماء وهذا ماشهدته بنفسي في جلسة المجمع الفقهي التي انعقدت منذ حوالي عامين للإستماع لرأى علماء الطب والتشريح في ختان الإناث، بيد أن المجمع الموقر الذي انفض لتدارس المسألة.



بعد أن تبين للمجتمعين حجم الخلاف الناشئ بين اعضائه حول هذه القضية. لم يقدر له الإلتئام حتى الآن لإصدار فتوى أو حكم بشأنها؟



وفي سياق هذه الخلفية يجوز لنا أن نتأمل موقف المرحوم محمود محمد طه، وهو ليس استثناءً في هذه القضية، فقد نجح الرجل في ما يبدو في استثارة الجماهير لإضفاء مشروعية دينية على الختان.. ووفق الرواية التي ذكرها الدكتور حسن الترابي في إحدى ندواته فقد دخل عليهم محمود بمدرسة رفاعة الاميرية وهو يقول: ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليخرج معي؟ وبالفعل خرج معه كثيرون من طلاب مدرسة رفاعة، وكان من ضمنهم التلميذ الترابي الذي لم يحجم عن الاستجابة لاستمالة قوية معززة بخطاب ديني كهذا، وفي تلك المرحلة من النضج، فعمدوا إلى مركز رفاعة وحطموه وأطلقوا سراح القابلة التي كانت رهن الايقاف إنتظاراً للمحاكمة.



وهكذا استثيرت العاطفة الدينية بقوة في رفاعة لا للتخفيف من وطأة الختان كما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما لإضفاء مشروعية، تحت لواء الشريعة والسنة النبوية المطهرة، لأبشع ألوان الختان وافدحها خسارة وفظاعة؟



ومن الطريف بمكان الاشارة إلى أن مصطلح الطهارة أحد أهم الركائز الأساسية في ممارسة الشعائر الدينية، ويأتي مصطلح الطهارة في مقابل النجاسة، أصبح يستخدم في عامية أهل السودان للدلالة على الختان.. في هذه الحالة (الطهور) أى بمعنى ان استئصال الأعضاء التناسلية للأنثي هو نوع من (تطهير) الأنثى من النجاسة!!.. وتحريف كهذا لموضوع الختان رغم كونه يستمد اسمه من معنى اسلامي عظيم (الطهارة) إلا انه ينطوي على مفارقة بينة لمضمون الاسلام ومقاصده الحميدة.



وهكذا يتكشف لنا أن صفوة القوم وجماهيرهم (وللإشارة هنا إلى ان محمود وأهل رفاعة) لم يتورعوا عن استخدام الدين للحفاظ على واقع (ظاهرة الختان) ينافي في جمهرة مقاصد الشريعة التي تدعو لحفظ النفس ولا مجال فيها للضرر ولا للضرار، وعلى كل حال فيحسن بي، قبل مغادرة هذه الجزئية المهمة، ان أحيل هذه القضية للعلماء، ولست أنا بعالم وهذه دعوة خاصة للأستاذ الشيخ حسن الترابي، والأستاذ الحبر يوسف نور الدائم وإلى صديقي الدكتور يوسف عبد الحى ولغيرهم من أساتذتنا الأجلاء لبيان أمر ختان الإناث وجلاء مسألته.



ومن خلال متابعتنا لمسيرة التشريع المتعلق بختان الإناث يمكن للمرء أن يلحظ أنه على الرغم من الواقع القانوني، غير المفعل. إلا أن الظاهرة ظلت موجودة، باسمها، في التشريعات والقوانين السودانية كافة إلى أن جاءت ثورة الانقاذ الوطني لتجعل جريمة ختان الأناث ضمن جرائم (الجراح) مثلما ورد في قانون العقوبات للعام 1992م.



ولا شك أن تحاشي المشرع في مطلع عهد الانقاذ الوطني، والثورة في قمة سطوتها وعنفوانها ، الإشارة لموضوع الختان صراحة ومحاولة الاحتماء أو الاختفاء خلف مصطلح الجراح لمعالجة ظاهرة الختان، مع وجود فرق نوعي بينهما، لا يمكن ان يستدل منه إلا على أحد احتمالين وكلاهما غير مبرر وغير مقبول. أولى الاحتمالين يتمثل في عدم تقدير المشرع، والإرادة السياسية التي تسنده، في مطلع التسعينات للأهمية التي تشكلها ظاهرة ختان الإناث بالقدر الذي يجعل من الظاهرة موضوعاً مستهدفاً بالنظر على وجه التحديد في سياق القانون العام للعقوبات، بمعنى أن يشير المشرِّع صراحة للختان أُسوة بما جرى عليه الحال في سائر التشريعات والقوانين التي سبقت قانون 1992م عوضاً عن تذويب الظاهرة وإخفاء معالمها في مصطلح الجراح وهو مصطلح فضفاض يضم في تضاعيفه العديد من الجرائم التي تختلف من حيث الدرجة والمقدار عن ختان الإناث، وثاني الاحتمالات وأرجحها في تقديري، هو وقوع إرادة الانقاذ السياسية والتشريعية أسيرة لحالة (التابو والطوطم) التي انتابت البلاد منذ إندلاع ثورة الجماهير، بقيادة محمود محمد طه، ضد الحكم الصادر بمعاقبة مقترفي الختان بالجزيرة.



ونحن ندلف إلى مطلع القرن الحادي والعشرين فإن ظاهرة ختان الإناث مازالت تشكل أحد اكبر وأخطر المهددات لصحة الطفل الأنثى في البلاد.



وبحسب الاحصاءات الصحية في بلادنا، المسح الديموغرافي الصحي للعام 1990م (Demograghic and Health surrvey) (DHS). فإن النسبة المتأثرة بالختان في أوساط النساء تربو على «89%» وإذا قدرنا أن نسبة النساء في السودان تبلغ حوالي «50%» من التعداد الكلي فلنا ان نقدر حجم انتشار هذه الظاهرة..



ونحن إذ نأخذ في الاعتبارحجم المخاطر والمضاعفات التي يشكلها الختان على الإناث في المدى القريب والمتوسط والبعيد فإن ختان الإناث يصبح بلا منازع أحد أكبر المعضلات القومية بما يستدعي عدم وضعه في مقدمة أولويات أهل الصحة والإجتماع وللتشريع فقط، وإنما في مقدمة إهتمامات أهل السودان جميعاً.



ومن الملاحظ أن توراث أهل السودان منذ عهد المك نمر ومروراً بالمهدية وانتهاءً بثورة 1924م كانت تتمحور حول قضايا سياسية فكرية ماعدا ثورة رفاعة التي اندلعت بسبب الختان، إذا اصطلحنا على تسميتها بثورة، فقد تمحورت حول قضية صحية نفسية اجتماعية.



وهنا لابد من التوقف للإشارة إلى أن موضوع الختان موضوع شائك متعدد الجوانب والأبعاد مما يجعل الاقتراب منه، بغير روية وحكمة مدعاة لتحريك ثورة مضادة، ولنا في أحداث رفاعة عبرة، والحال هكذا فإن القانون وحده، رغم اهميته، لا يمثل المدخل السليم والوحيد لمكافحة ظاهرة ختان الاناث، مهما اكتسبته الظاهرة من حصانة على مرِّ العصور، ولذا فلابد من الاستعانة بالادوات كافة المناهج الشرعية والنفسية والاجتماعية والتربوية للقضاء على الظاهرة ومحوها تماماً من عالمنا.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147483994&bk=1

Post: #284
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 03:18 PM
Parent: #1


مسارب الضي
فخر لنا جميعاً

الحاج وراق
كُتب في: 2006-11-14




* فخر لنا كسودانيين انه من بين المائة العظام لقادة العالم الاسلامي في القرن العشرين سوداني، فقد صدرت حديثاً دراسة اكاديمية عن (معهد الدراسات الموضوعية) بنيودلهي في الهند، اعدها عدد من الاكاديميين ورأس تحريرها البروفيسر محمد منصور علام، وصدرت في كتاب باللغة الانجليزية بعنوان: 100 Great Muslim Leaders of the 20th cantury (المائة العظام من القادة المسلمين في القرن العشرين)، وبحسب هذه الدراسة فان السيد/ الصادق المهدي من بين هؤلاء.
* ويبدو من القائمة - وتشمل حكاما وثوريين ومصلحين اجتماعيين ومفكرين وادباء وفقهاء ودعاة - انها تفادت لحدود كبيرة الانحيازات المسبقة، سواء ايديلوجية او مذهبية او طائفية او سياسية او جغرافية، واعتمدت معايير محددة التزمت بها بغض النظر عمن تزكيهم ولهذا فقد شملت قادة من شتى الاتجاهات والمذاهب ، فعلى سبيل المثال ضمت الملك عبدالعزيز آل سعود، والملك فيصل بن عبدالعزيز، وآية الله الخميني، والسلطان عبدالحميد، وسعد زغلول، اضافة الى عمر المختار، محمد عبده، مالك بن بني، محمد اقبال ، محمد باقر الصدر ، روجيه غارودي، حسن البنا، وسيد قطب ، ويوسف القرضاوي، علي شريعتي ، وراشد الغنوشي.
* وفي قائمة مثل هذه ، ومهما كانت موضوعية المعايير المعتمدة ، لا يتحقق الكمال، ولابد من وجود نواقص وثغرات تسدها الدراسات اللاحقة، وعلى سبيل المثال، فانها اغفلت قائداً كجمال عبدالناصر، رغم انه غير المنطقة، وله مآثر لا يستهان بها، فقد انهض شعوبنا على معارك الكرامة والاستقلال القومي والوطني ، وألهم ثورات التحرر في كل عالم الجنوب، وانحاز لنهضة مصر ولفقرائها، حطم اغلال القرون الوسطى التي كان يرزح تحتها الفلاحون المصريون، وبنى السد العالي الذي قامت عليه الصناعة الحديثة وانار ة الريف المصري ، وبالتالي تجديد النخبة المصرية بادماج ابناء الفقراء في الطبقة الوسطى ، وككل القادة العظام كانت له اخطاء عظيمة - لم يدر العلاقات الدولية بما يؤمن بناء مصر الاقتصادي والعسكري الى حين تعديل توازنات القوى وتعظيم قدرة مصر على المناورة والممانعة ، وكذلك لم يفهم الارتباط ما بين معارك تحرير الارض والثروات ومعارك تحرير الانسان ، فأقام انموذج الدولة المخابراتية الذي التقطه العديد من الطغاة الصغار وعمموه في كامل المنطقة، وان كان لعبد الناصر فضل الاخلاص، فأولئك قصدوا الباطل واصابوه ، يلتحفون (التحرير) للتمرير والتدمير والتأجير - التحرير كشعار لتمرير الطغيان وبالطغيان يتم تدمير القوى الحية في المجتمعات، مما يفتح الطريق في النهاية لتأجير الاوطان للخارج، والذي كمموا الافواه ابتداءً لمواجهته!!
* وقد يفتقد السودانيون العديد من رموزهم الآخرين، الذين تؤهلهم معايير الدراسة لقائمة المائة، اذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر السيد/ علي الميرغني ، السيد/ عبدالرحمن المهدي ، والشيخ بابكر بدري، والاستاذ/ محمود محمد طه، د. منصور خالد، وما دامت القائمة ضمت شخصيات مثل حسن البنا وسيد قطب وراشد الغنوشي ، فكان الطبيعي ايراد د. حسن الترابي ، فهو يفوقهم بلا ادنى شك، اول من اوصل حركة من حركات الاسلام السياسي الى السلطة في كل العالم السني، وبعد استيلائه عليها احتفظ بها لأكثر من عقد، وهذا ما فشل فيه جميع نظرائه ، وغض النظر عن الكلفة الباهظة لمغامرة استيلائه على السلطة - انسانيا واجتماعيا وعلى وحدة البلاد، وهناك ما يشير الى ان الترابي قد اكتشف مؤخرا عظم هذه الكلفة ويبدو انه يتجه نحو التكفير - بغض النظر عن ذلك، فان المعايير الموضوعية الباردة تجعله اهم من قيادات الاسلام السياسي الاخرىن، واما اذا استخدمنا معيارا تقييميا، فان المشاريع الاصولية الاخرى، في حال تطبيقها ، فان مآلها لن يكون بأي حال أفضل من مآل التجربة السودانية، بل والمؤكد ، ان تجربة الترابي، على سوئها البالغ، لأكثر تقدما فكريا وسياسيا !
* ولكن، ومع كل ذلك، فقد نجد العذر لمعدي الدراسة في ان الكثير من جوانب الحياة الفكرية والسياسية في السودان لا تزال مجهولة لدى العالم، ربما بسبب عدم الاستقرار السياسي وضعف الاعلام والنشر، وضمن هذه الملابسات، فان وجود السيد/ الصادق المهدي في القائمة يشكل مأثرة ومصدر فخر لنا جميعا، خصوصا وانها قائمة اكاديمية مرجعية، ستكون متاحة للدارسين والمهتمين وعلى ارفف مكتبات الجامعات في كل انحاء الدنيا.
* وتتابع الدراسة سيرة السيد/ الصادق منذ ميلاده، مرورا بانتخابه رئيسا للوزراء في فترتين، والى توقيعه اتفاقية نداء الوطن، و في فقرات ختامية موحية تلخص موقفه الفكري والسياسي ذاكرة بانه يحاول التوفيق ما بين الاخلاص للاسلام - وفق رؤية حديثة وغير تقليدية - وما بين الحفاظ على وحدة بلاد متعددة الاديان، ورغم ان مثل هذه الوضعية تفرز خيارين حديين - إما تفكيك البلاد او التنازل عن الإسلام، إلا ان السيد/ الصادق طور طريقا وسطا توفيقيا ، بأن يتعايش المسلمون وغير المسلمين في إطار من الحرية ، بما يعزز تطورهم المشترك وفي ذات الوقت يوفر لهم فرصة اشباع خصوصياتهم الدينية والثقافية.
وتلاحظ الدراسة بأن السيد الصادق ، وقد فاز حزبه بأغلبية المقاعد في البرلمان الاخير الا انه لم يستطع لا هذه المرة ولا سابقتها تشكيل حكومته لوحده، واضطر الى الدخول في تحالفات حدت كثيرا من قدرته على تنفيذ رؤاه، وهذا في بلاد غير مستقرة وتعاني حربا اهلية، مما جعله يواجه ضغوطا كثيرة وكثيفة، وعلى تعاقب الاختيارات والتعقيدات، بما فيها مواجهة الانقلابات، فانه، وبدلا من ان ينكسر لا يزال واقفا، وهذا ما يجعله قائدا استثنائيا وواحدا من المائة العظام.
* واضافة الى مؤشرات الدراسة ، فان السيد/ الصادق نتفق او نختلف معه، لابد ان نعترف ، وقد حكم مرتين ، بأنه من الساسة القلائل في المنطقة لم تسجل عليه حالة اعتداء واحدة على المال العام، ولم يأمر بحرق قرية، ولم يوقع على قرار باعدام معارض او اعتقاله او احالته للصالح العام! و(إنا لفي زمن ترك الخبيث به من أكثر الناس إحسان واجمال)!
* ولست غافلا عن كثير من الانتقادات الصحيحة للسيد الصادق المهدي كرجل دولة، وقد صدر غالبها وفي الصياغة الاكثر تنظيراً وبلاغة عن د. منصور خالد، والقصة بين (الرجلين) تحتاج الى كتاب يشبه قصة (بلدين)! ولكن الاهم ان كليهما يخطيء في تقدير الآخر، وفيما يتعلق بموضوعنا فان ذلك دفع منصور خالد الى تحميل الصادق المهدي كل اوزار البلاد، ولكن اي جرد موضوعي هذا الذي يجرم من حكم اربع سنوات في حين يتساهل مع النظم التي حازت على ثلثي سنى ما بعد الاستقلال ؟! وعلى كل، وبغض النظر عن الاختلافات ، فكلاهما من اعمدة الاستنارة في البلاد، وليته يأتي اليوم الذي نحتفي فيه برموزنا ، أياً كانت اختلافاتنا معهم!
والسيد الصادق جدير بالاحتفاء، يأخذون عليه كثرة الحديث، وقد ظل يتحدث في المجال العام لأكثر من اربعين عاما ، ولكنه لم يتفوه ابدا بكلمة نابئة او بذيئة !! ويأخذون عليه التردد، وقد جربنا الآن غير المترددين، يا لهم من متسارعين في جز الرقاب وفي التلاعب بمصائر الاوطان!
وعلى الذين يبغضون الصادق المهدي ان يتأملوا في بدائله المتاحة والماثلة الآن..!!




http://alsahafa.info/index.php?type=6&col_id=5&issue_id=1113&bk=1
_________________

Post: #285
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 03:19 PM
Parent: #284


حديث الاحد
أهوال الحرب وطموحات السلام

الاب القمص فيلو ثاوس فرج
كُتب في: 2006-11-12



الحرب والسلام: نحن في السودان ما زلنا حتى الآن نحيا أهوال الحرب.. ونطمح طموحات السلام.. ونحن بينهما غارقون متعبون مرهقون.. كسرت الحرب ظهورنا ولكننا نحيا حلم السلام... نحلم بيوم يتحقق فيه قول النبي والشاعر أشعيا ويكون في آخر الأيام جبل بيت الرب ثابتاً في رأس الجبال ويرتفع فوق التلال وتجري إليه كل الأمم وتسير شعوب كثيرة ويقولون هلم نصعد إلى جبل الرب إلى بيت إله يعقوب فيعلمنا من طرقه ونسلك في سبله لأنه من صهيون تخرج الشريعة ومن أورشليم كلمة الرب... فيقضي بين الأمم وينصف لشعوب كثيرة فيطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل لا ترفع أمة على أمة سيفاً ولا يتعلمون الحرب فيما بعد (أشعيا4) وهذا الجبل إنما هو جبل السلام ليس بقعة معينة إنما هو القمة التي تستريح عندها من دمار الحروب ونحن نصعد ونتصاعد وأنفاسنا تلهث نحو هذا الموقع ولم نصل إليه بعد.. وسبحان ربي الذي أرجوه أن يعطنا سلامه الإلهي ويفرِّج كروبنا وينهي حروبنا...
فلقد تمت اتفاقية السلام مع الجنوب واعتقدنا أن الرخاء قادم إلينا وأننا سوف نستفيد مما يصرف على الحرب وسوف تتحوّل القنابل إلى سنابل.. والدبابات إلى جرارات وتطبع سيوفنا سككا ومناجل لحصاد السعادة الآتية... ولكن بكل أسف وإن كان الجنوب لم ينعم بالسلام كاملاً لبعض اختلافات بين الشركاء فإن ناراً للحرب قد اشتد أوارها في الغرب وتم اتفاق سلام ناقص ولم تزل دارفور تتلوى ألماً... وتحترق دماراً بين تصريحات من يقولون إن الأمن مستتب وأن الناس سعيدون في الخيام وكيف يسعدون وقد تحولوا إلى مساجين مسحوقين مهمشين.. ويطل علينا الشرق باتفاقية مع الحكومة تمت في هدوء وسلام ولم نعرف آثارها بعد، ويبقى أمامنا قنابل موقوتة في الشمال وفي أهل كوش ... وربما في العاصمة المثلثة.. إن الحروب لم تزل تعكِّر صفو حياتنا وتدفع حكومتنا إلى زيادة الأسعار ليس لتغطي الحروب.. إنما من أجل مصاريف السلام ومن أجل المراكز والامتيازات التي تعطى لحاملي السلاح كي ما يأتوا ويعيشوا معنا مميزين متمتعين بالرفاهية والهناء...
منصور خالد:
وقد قدم إلينا مع رياح السلام السعيدة الأديب الدكتور منصور خالد والذي كتب بنفس مريرة مثل البلبل النائح.. بكى في الدجى والناس لا يسمعونه.. وهل تنصت الأسماع للحسرات... بل هو الأسد الباكي والذي يبكي على وطن ضيعته الحروب وأفقدته سلامه وترنَّح مستقبله وكما يقول الشاعر توفيق صالح جبريل:
أرى الأسد الباكي يقلب طرفه..
وحيداً كئيب النفس في الظلمات..
وينصت كالمصغي لدقات قلبه..
ويرعى نجوماً لحن مصطربات..
جيوش من الأحزان بدد شملها...
بسيف من الصبر الجميل مواتي..
وفي صبر جميل وجلد كبير كتب منصور خالد كتبه تأسياً على النخبة السودانية التي أدمنت الفشل.. وتألم من أهوال الحرب وطموحات السلام قصة بلدين.. وكان ينتظر الفجر الجديد ولكنه لم يتمتع به فكتب عن الفجر الكاذب.. وأعلن أقواله في مقالات طويلة تعبِّر عن توقه إلى السلام وشوقه إلى وطن هاديء جميل.. وقال لا خير فينا إن لم نقلها.. وكتب كثيراً عن كبرياء وضياع الجنوب.. ورسم صورة جنوب السودان في المخيلة العربية... وأريد هنا أن أرسم بعض صور كتابه القيِّم السودان أهوال الحرب وطموحات السلام قصة بلدين الناشر دار تراث 2003م، وهو كتاب يروي كما يقول هو قصة خمسين عاماً من أجل لا شيء، فيه تتبعنا أضابير الحاضر والماضي، والتقينا بعض الأبطال وطائفة من شره الناس... وهو ينتخب ثلاثة أبطال يهدي إليهم الكتاب أولهم ابراهيم بدري الذي لم يصانع في النصيحة خداعاً للنفس أو ارتكاناً إلى العنجهية.. قال لأهله خذوا الذي لكم واعطوا الذي عليكم إن أردتم أن لا يفسد تدبيركم..أما البطل الثاني فهو ستانلاوس عبدالله بياسما والذي عاش رحلة قاسية بين الرق والحرية، ودعا لوحدة الشمال والجنوب واحترام الأديان.. والثالث محمود محمد طه وهو رجل لم يأسره الحرص إذ غنى عن الدنيا باليأس منها، ومفكر ذو بصر حاد لم يتق غير الله في التعبير عن فكره.. ولكن الناس رجموا هؤلاء الأبطال الثلاثة، لقد عزفوا عن رأي الأول وقالوا إنه رأي الاستعمار، وطردوا الثاني من الوزارة وأودعوه السجن لدفاعه عن الفيدرالية، أما الثالث فقد كان مصيره الحكم بالإعدام، وهو متقدم في الأعوام والقي بجثته من الطائرة في أجواء الوطن.. والثلاثة باقون بأفكارهم وإليهم أهدي الكتاب وإليهم سوف نهدي السلام عندما نصعد إلى جبل السلام وتهدأ أنفاسنا وتتحقق آمالنا..



http://alsahafa.info/index.php?type=6&col_id=26&issue_id=1111&bk=1
___

Post: #286
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 03:20 PM
Parent: #285


بشفافية
كوكو وحمادة والسلام الاجتماعي

حيدر المكاشفي
كُتب في: 2006-08-09



حكاية أبونا فيليب غبوش مع الشهيد محمود محمد طه داخل سجن كوبر قبيل تنفيذ حكم الاعدام الجائر على الأخير، ونصيحة الأول له بأن يصانع جلاديه ويداهنهم لكي ينقذ عنقه من حبل المشنقة، وما كان بعد ذلك من أمر الإثنين، حيث مضى الاستاذ الى ربه بمبدئيته وبقى الأب على قيد الحياة بمكيافيليته، وحكايته الاخرى - مما جمعه عنه دكتور البوني في احتطابه الليلي بالأمس - التي طالب فيها مغنواتية الحفلات الدكاكينية في مطلع عقد الثمانينيات على أيام ذيوع ورواج الغناء الهابط من عينة (حمادة بابو جنب بابنا حمادة بوظ أعصابنا) و(كدا كدا يا الترلة) وغيرها من غناء قبيح يشيع الفاحشة وحسنه يخدش الحياة العام - طالب أبونا هؤلاء المغنواتية بأن لا (يعنصروا) الغناء وان ينفتحوا به على أهله من أبناء جبال النوبة وأن يجد كوكو نصيبه منه كاملاً لا ينقص شيئاً من أنصبة حمادة ولؤى وغيرها من الأسماء المنسوبة لأبناء الذوات وأولاد (الراحات) التي يرد ذكرها في هذه الأغاني ليطرب وهو يستمع في انتشاء لاحداهن وهي تتغزل في كوكو أو كندة أو تية، أو غيرها من الأسماء التي ما ان تسمع أحدها لا يخالطك شك في ان صاحبها ينتمي الى أحد الجبال البالغ عددها تسعاً وتسعيناً جبلاً يطلق عليها مجتمعة جبال النوبة. ولكن أبونا الذي هاجم (عنصرة) الغناء لم يكن بعيداً عن داء العنصرية ويحفل سجله السياسي بالعديد من المواقف القبلية الصارخة وحكايته عن اللاعب الاسطورة حامد بريمة معروفة ومتداولة حيث لم يقنعه حب الملايين من أبناء السودان من مختلف التيارات والاندية الرياضية لهذا اللاعب وتقديرهم له فاجتهد في البحث عن ما يعيب هذا الحب ويقلل من شأنه فاطلق قولته الشهيرة (حتى حامد بريمة يلعب في الخلف في وظيفة حارس مرمى ولم يتحوا له الفرصة للعب في الأمام في خانة رأس الحربة)...
المهم ان حكاوى أبونا التي لا تخلص عن انحيازاته الجهوية والقبلية ذكرتني بطرفة كانت متداولة في تلك الايام تقول إن صبياً يافعاً ينتمي للطبقة المخملية دخل على أمه وهو يبكي فاحتضنته وهدأت من روعه وناولته قطعة شكولاتة مثلجة وبعد ان هدأ الطفل حاولت الأم استجلاء حقيقة ما حدث له فسألته عن أمره قال كنا مجموعة من الصبية نلعب الكرة في المساحة الخالية بين الفلل فضربني أحدهم قالت من ضربك قال لا اعرف على وجه التعيين فقد ضُربت اثر (دربكة) تشابكت فيها الأرجل والتحمت الاجسام قالت ومع من كنت تلعب قال الصبي مع سامر ووائل ورأفت ولؤى ونادر وحمادة وكوكو وهنا صاحت الأم إذن ضربك كوكو... وكوكو المفترى عليه في هذه الحادثة ليس حملاً وديعاً ولا بريئاً من ممارسة الافتراء على الآخرين هناك في الجبال حيث لم يكن يتورع من الاستهزاء والاستخفاف بهم وانزال اقصى العقوبات عليهم متى ما سنحت له الفرصة ووجد إليها سبيلاً... أما مناسبة هذه الحكاوى والطرف انها تواردت على خاطري عند اطلاعي على خبر مبادرة السلام الاجتماعي التي اطلقتها الحركة الشعبية عشية احيائها الذكرى الاولى لرحيل القائد الفذ جون قرنق فقد كانت لفتة بارعة لا يقلل من أهمية الحاجة إليها انها جاءت متأخرة بعض الشيء فالسلام الاجتماعي والتدامج والتلاقح الثقافي والقبائلي من العمليات (Processes) المجتمعية التي لا تصنع بالقرارات ولا تفرض بالاتفاقيات، وانما تتم بالحراك الاجتماعي وحركة المجتمع اليومية وهذا يلقي بالعبء على كاهل الاحزاب والتنظيمات السياسية والمنظمات الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني كافة التي ينتظرها واجب كبير لتقرير مصير السلام الاجتماعي...



http://alsahafa.info/index.php?type=6&col_id=52&issue_id=1028&bk=1
_________________
abdalla

Post: #287
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 03:21 PM
Parent: #286


بشفافية
هلموا الى ميدان المولد

حيدر المكاشفي
كُتب في: 2006-06-08



* لم اقل هلموا الى منبر السودان، فذلك شأن آخر أرجئ التعليق عليه إلى وقت لاحق، ريثما تتجمع لديَّ بعض (الخيوط) التي احتاجها للتقرير بعدها، إما قبول الدعوة الى المنبر او رفضها، فمثل هذه الدعوات الصادقة في (مظهرها) لا ترد بسرعة، كما أن قبولها يحتاج الى شئ من التأني لاستكناه (جوهرها)، خاصة وأنني ادعي ان لي خبرة لا بأس بها مع مثل هذا النوع من المنابر، حيث اتيحت لي فرصة المشاركة في منبر السودان أولاً، الذي بادر بفكرته واستضافه بداره على مدى شهر كامل، الامير نقد الله اسبغ الله عليه نعمة الشفاء من الوعكة التي اقعدته عن مواصلة جهوده الوطنية الصادقة، وقبلها ومنذ ايام الطلب كنت قد إنتميت الى مؤتمر الطلاب المستقلين بجامعة الخرطوم، الذي تشبه بدايته في اواخر سبعينيات القرن الماضي بداية منبر السودان، في السنة السادسة من الالفية الثالثة، ووجه الشبه بين بدايتيهما هو ان مؤتمر الطلاب المستقلين حين الاعلان عن قيامه اول مرة، كانت الدعوة الى إجتماعاته تتم عبر ما يكرفون محمول (Lowd speaker) يجوب حامله أرجاء الجامعة يدعو الى اجتماعات (التنظيم)، الذي كان مشرع الابواب والنوافذ يمكن لاي طالب ان يدخله من حيث شاء بالباب او الشباك، حتى ان (الكيزان) اسموه (الصيوان)، وكان ذلك سبباً في إختراقه من عدة جهات وجبهات ابرزها الشيوعيون والاسلاميون، وهو ذات النهج الذي يتبعه منبر السودان اليوم، فقط، استبدل المايكرفون بصحيفة «السوداني» التي انطلقت الدعوة الى المنبر من صفحتها الاخيرة، حيث يأوى عمود (حديث المدينة) الى ركن شديد فيها، واستمرت «السوداني» كـ (منبر) وحيد يتابع وينشر انشطة (المنبر) وهذا ما حزَّ في نفسي ودفعني للتعاطف معه، ولو من باب نصرة (الزمالة)، فليس مطلوب من الصحف والصحافيين اكثر من أن يتعاملوا مع هذا المنبر الوليد الذي انطلقت الدعوة إليه من وسط رهطهم، تعاملهم مع الاخبار والاحداث والفعاليات..
* اقول هلموا الى ميدان المولد بالسجانة حيث يعقد منبر السودان مساء اليوم اولى مخاطباته الجماهيرية على خلفية الاهداف التي أعلنها والتي يحتاج تعزيزها الى قوة دفع جماهيري يستمد منها اسباب البقاء ويستلهم روح النضال وهى اهداف لا خلاف عليها وتشكل حاجة ضرورية وملحة لغالب اهل السودان، الذين اكتووا بنيران التهميش والتسفيه، مع أنهم اساس كل شئ واصحاب أي شئ في هذا البلد الظالم حكامه وسادته، والذين قال فيهم الشهيد محمود محمد طه كلمة لن تبلى ابداً ولن نمل من ترديدها (الشعب السوداني شعب عظيم يتقدمه اقزام)، وها قد حان الاوان ليثأر الشعب لعظمته المضاعة وليستردها بمنبر السودان أو بغيره من تكويناته الشعبية المدنية الجادة والصادقة، فليس المجال مجال خلاف حول أي الوسائل يتحقق بها هذا الهدف الكبير بل المجال مجال الدفع والمدافعة والمثابرة، ولو من أجل السير خطوة على هذا الدرب الطويل الشاق.
هلموا مساء اليوم الى ساحة المولد بالسجانة لإيقاد شمعة في (ظلام) الوطن الحالك بدلاً من (القبوع) والخنوع ولعن الظلام..




http://alsahafa.info/index.php?type=6&col_id=52&issue_id=975&bk=1
___________

Post: #288
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 03:21 PM
Parent: #287


بشفافية
أين قبور هؤلاء الشهداء؟

حيدر المكاشفي
كُتب في: 2006-05-31



نُخلي مساحة العمود اليوم لاستضافة الاستاذة لنا مهدي، المقيمة خارج البلاد، والتي دأبت على التواصل مع قضايا وطنها عبر الرسائل الالكترونية التي تبعث بها للصحيفة من حين لآخر، ولاهمية وحساسية الموضوع الانساني الذي تطرقه اليوم فقد عجلنا بنشره بإخلاء هذه المساحة له، الاستاذة لنا كتبت تقول:
بعد مضي أكثر من عشرين عاماً على اعدام عباس برشم رمياً بالرصاص من قِبل زبانية نميري «الذي يحتفل هذه الايام ومعه الانقاذ بذكرى ثورة مايو غير الظافرة»، واعدام الاستاذ محمود محمد طه في 1985م بعد اتهامه بالردة، ومجزرة رمضان التي تم بموجبها اعدام 28 ضابطاً من خيرة شباب السودان وابطاله في عام 1990م بواسطة حكومة الانقاذ، لا تزال قبور كل هؤلاء الشهداء غير معلومة لذويهم ولا للشعب السوداني، حيث تعمد الانظمة الديكتاتورية الى التعتيم على أماكن دفنهم بغرض تكبيد اهلهم واسرهم المزيد من المشاق النفسية والتأديب المعنوي والعنت والألم الانسانيين، فالشهيد عباس برشم كان سكرتيراً لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم ايام مجدها في السبعينيات من القرن الماضي، تخرَّج في كلية الاقتصاد، اُعدم رمياً بالرصاص بوادي الحمار مع رفاقه من قادة حركة حسن حسين في عام 1975م، وكان برشم قد قاد دبابة عسكرية صبيحة الانقلاب برفقة الشهيد حماد الاحيمر وأطلقا سراح كل المعتقلين السياسيين، وعباس برشم هذا البطل المغوار الذي وقف في وجه الظلم لا يعرف أحد حتى الآن مكان دفنه ومآل جثمانه.
أما الشهيد الاستاذ محمود محمد طه فقد حاكمه من يسمون بـ «علماء السودان» ايام نميري بتهمة الردة التي حكمت بها «محكمة المهلاوي» الصورية الشهيرة في السابع من يناير 1985م بقيادة «المكاشفي طه الكباشي»، مطبق قوانين سبتمبر اللا اسلامية وقد حملت طائرة مجهولة جثمان محمود محمد طه زعيم الجمهوريين ومفكرهم، بعد تنفيذ حكم الموت شنقاً عليه في 18 يناير من ذلك العام بباحة سجن كوبر، وأُلْقِىَ جسده في مكان مجهول وحتى اليوم لم يستدل مؤرخ او باحث او طالب حقيقة على مكان دفنه بالتحديد.
أما حركة رمضان فقد تمخضت عنها مجزرة العصر بكل المقاييس، 28 ضابطاً و54 جندياً نقلوا بلا محاكمة كـ«حزمة قش» الى منطقة المرخيات وصُفّوا امام مقبرة جماعية اُعدت خصيصاً لوأد احلامهم وآمال اسرهم وفرحة صغارهم، وكل ذنبهم انهم قالوا للظلم لا، واطاعوا شرف الجندية الذي لا يستقيم ابداً مع نداءات القهر وظلامات الديكتاتورية، ولم تكتف غربان الظلام بسلب حياة اولئك الشهداء بل سلبت حتى حق اهلهم في تلاوة القرآن على قبورهم، علّ ذلك يُطفئ حرقة «حشاهم»، وتخفف عنهم مناجاتهم كروب الزمان وإحن الدنا، فأي قسوة هذه.
الدعوة الآن ملحة لان يصرخ الشرفاء من كل حدب وصوب ويطالبوا بمعرفة قبور عباس برشم والاستاذ محمود محمد طه وشهداء حركة رمضان، ومن ثم القصاص لهم، فلا وجود لسجناء رأي ولا «مقتوليه» الا في عالمنا الثالث و«الثلاثين». وقد اثبتت الانقاذ انها تلميذة نجيبة ولكن للاسف لافشل استاذة اسمها «مايو حبيب»..!!
وها أنذا حيدر المكاشفي أصرخ معك يا لنا:
مع الاعزاء القراء:
الى الاخت التي اسمت نفسها بثينة الجنوبية والاخ مصدَّق الذي كنىّ نفسه بود الكاهلي نعتذر بشدة عن عدم تمكننا من نشر مساهاماتكما رغم علمي بان هذا الخبر سيحبطكما، ولكنني اكثر احباطاً من الظروف التي حالت دون النشر، فموضوعك يا اخت بثينة قد تجاوزته الشرطة بعدم ادلائها بأي اقوال، حتى الآن حول حادثة محرر الانتباهة علي شمو، اما موضوعك يا كاهلي عن احداث ميدان مصطفى محمود بالقاهرة فقد تجاوزته الاحداث. أكرر اعتذاري لكما وللقراء كافة ويبقى العزاء في محاولات ادارة التحرير لـ «تدبير» مساحة تسعكم جميعاً.



http://alsahafa.info/index.php?type=6&col_id=52&issue_id=967&bk=1
_________________

Post: #289
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 03:22 PM
Parent: #288


مسارب الضي
المتفيقهون فقهاء بلا فقه! (5)

الحاج وراق
كُتب في: 2006-05-27




* ركزتُ في الحلقات السابقة على الدفاع عن مبدأ حرية الفكر والضمير، للجميع، بمن فيهم د. الترابي، ودافعت عن حقه في قول ما قال به، خصوصاً في مواجهة التكفيريين والظلاميين، الذين يشكلون خطراً ماثلاً وعظيماً على البلاد - على وحدتها الوطنية وسلامها الاجتماعي وعلى ديمقراطيتها واستقرارها السياسي، اللاحقين، ولذا فقد تجاوزت في السابق مناقشة آراء الترابي في ذاتها، فالمناقشة لا تتم إلا بعد اقرارها ابتداء كمبدأ، وبالطبع فان الداعين إلى سفك الدماء لا يعتمدونها كآلية لفض المنازعات الفكرية والفقهية!
والآن إذ دافعنا وأرسينا مبدأ المناقشة، فأود ابداء بعض الملاحظات على آراء د. الترابي.
* والملاحظة المنهاجية الاساسية، غض النظر عن تفاصيل الآراء، تتعلق بأن هذه الآراء، ورغم طابعها الاجتهادي، إلا انها بلا منهج تجديد معلن، آراء مرسلة هكذا، بلا تأسيس فكري وفقهي كافيين، وبلا منهجية محددة في التعامل مع النصوص الدينية، بل وبلا حجج ولا اثباتات، كأنما صدورها عن الترابي شخصياً كاف في حد ذاته لاثباتها، أو ان عبء اثباتها يقع على المريدين، الاقل شأناً وعلماً!!
* والترابي ليس أول من مارس الاجتهاد في التاريخ الاسلامي، ولا أول من قارب موضوعات كوضعية النساء والعلاقة بالآخر (أهل الكتاب)، ولكن الاجتهادات التي أثمرت وساهمت في التراكم الفكري والفقهي في التاريخ الاسلامي انما هي الاجتهادات التي توفرت على موضوعها، فحاججت وقارنت وفندت ودحضت، وبالنتيجة خلفت منهجاً محدداً في التجديد الديني، ذلك ان هذا المنهج المحدد إذ يتعرض للنقد النظري والعملي، يكشف عن جوانبه المثمرة، والتي يتم تبنيها في أية اجتهادات لاحقة، وكذلك عن جوانب قصوره التي يتم طرحها وتجاوزها لاحقاً، وهذا ما يعطي مثل هذه الاجتهادات، ورغم ما فيها من اخطاء، طابعاً ايجابياً، لأنها تمثل لبنات في بناء معرفي نامٍ ومتصاعد.
* وفي هذا الاطار يمكن الاشارة إلى العديد من الاجتهادات ، بدءاً من المعتزلة، الذين طرحوا منهجاً للتفريق بين مُحكم ومتشابه القرآن، وصاغوا مقولة المجاز لفض التعارض الظاهري بين المحكم والمتشابه، وبرغم تقادم السنين، وغض النظر عن تفاصيل آراء المعتزلة، فان تمييزهم ذاك ، لا يزال، وحتى الآن، يتسم بثراء فكري وفقهي.
وكذلك منهج المتصوفة في التمييز بين المعنى الظاهر والباطن للنصوص الدينية، ومن ثم استخدام التأويل كآلية منهاجية في مقاربة النصوص، وفي فك تعارض متشابهها، وفي توليد المعاني الجديدة، هذا المنهج، حتى ولو لم يصل استخدامه الى المدى الواسع في الاستخدام الصوفي، فإنه منهج لا غنى عنه في مقاربة النصوص الدينية، بل وأية نصوص اخرى.
أو منهج الفلاسفة المسلمين، كابن رشد، والذين حاولوا التوفيق بين (الشريعة والحكمة)، على قاعدة وحدة الحقيقة وتعدد وسائلها، وأما اذا «خالف صحيح المنقول صحيح المعقول فيأول صحيح المنقول ليوافق صحيح المعقول»، كما يقول ابن رشد، ولايزال العالم الاسلامي، وحتى الآن، يواجه قضية المواءمة بين النقل والعقل، أو بين الاصل والعصر، ويستطيع ان يتعلم الكثير من الأولوية التي اعطاها الفلاسفة للعقل في مقاربة المشكلات، وفي فهم النصوص، وفي تأويلها، وفي مواءمتها مع الأوضاع الجديدة.
وكذلك منهجية (مقاصد الشريعة)، كأساس منهجي لتنزيل النصوص على الواقع، والتي صاغها في صورتها الجنينية الامام الغزالي، ثم اكتسبت طابعها المؤسس والمنهاجي لدى الامام الشاطبي.
* وفي الازمنة المعاصرة، يمكن تعداد الكثير من المقاربات المنهاجية للتجديد الديني، ويشغل فيها الاسهام السوداني مكاناً متقدماً، قياساً بالعالم الاسلامي، واذكر منها على سبيل المثال، منهجية الاستاذ/ محمود محمد طه القائمة على التمييز بين الاصول والفروع، ومنهجية الامام الصادق المهدي (التي تضع كآلية للاجتهاد النص الديني القطعي زائداً المقاصد والحكمة والمصلحة والعقل والعدل والسياسة الشرعية والمعرفة الانسانية)، وكذلك منهجية د. نصر حامد أبو زيد - المفكر المصري - والقائمة على (التاريخية) أي على ضرورة فهم النص في سياقه التاريخي، ومنهجية جمال البنا - مفكر مصري أيضاً - القائمة على (الكتاب والحكمة)، ومنهجية طه ابراهيم (المحامي السوداني) والتي يمكن وصفها بمنهجية (الاستطاعة) - أي رفع الحرج عن المسلمين بتجاوز ما لا يدخل في استطاعتهم بتغير الظروف التاريخية، ومنهجية شمس الدين ضو البيت التي تجمع ما بين (الكتاب والحكمة) و(التاريخية) وتذهب بهما إلى مداهما..... وغيرها من الاجتهادات.
* ولكن، في المقابل، فإن د. الترابي، وبدلاً عن ارساء منهج محدد للتجديد، فانه يكتفي باقتراحات ذات طابع عام عن أهمية (تجديد) الفكر الديني و(تجديد) أصول الفقه الاسلامي، دون ان يحدد ماهية هذا التجديد، وقواعده، وضوابطه!
ورغم استنارة عديد من آراء د. الترابي، كآرائه عن الردة وعن المرأة والفنون، إلا ان تسيبه المنهجي، خلاف خطئه نظرياً، فان له مخاطر بالغة، وهي ليست مجرد مخاطر نظرية، وانما مخاطر عملية وملموسة، تؤكدها تجربة الترابي السياسية، حيث يتيح هذا التسيب المنهجي الدفاع عن الفكرة ونقيضها، عن الحرية وعن القمع، وعن العمل السياسي المدني وعن الارهاب، وأيما مراقب لمسيرة د.الترابي يستطيع ان يلحظ هذا (التسوق) بين النقائض المختلفة، على مر الازمان، وباختلاف مصالحه الحزبية والشخصية!
* وأما الخطورة الثانية، ومرتبطة بالأولى، ولا تقل عنها اهمية، فان التسيب المنهجي، يجعل التجديد ليس قائماً على معايير محددة ومعلنة، يستطيع أياً من كان استخدامها، وانما ممارسة مزاجية تعسفية، وبالتالي تتحدد المرجعية النهائية، لا بالمعايير الموضوعية، وانما بمزاجية المجتهد، أي بحسب ما يراه (المجتهد الاوثق)، في مصطلح د.الترابي، وبالطبع فان (المجتهد الاوثق) المعني انما هو الترابي نفسه!!
واذا كان أحد الباحثين السودانيين ـ د.عبد السلام سيد أحمد ـ قد لخص تجربة الترابي السياسية في مقولة نظرية بأن الدولة الاسلامية عند الترابي، ليست الدولة التي تحكمها قيم معينة وانما تلك التي يحكمها الاسلاميون، واضاف اليه باحث غربي ـ وال ـ بان الدولة الاسلامية عند الترابي انما هي الدولة التي يحكمها الترابي نفسه(!)، اذا كان ذلك في السياسة، ففي الفكر فان التسيب المنهجي للترابي انما يؤدي الى ان الفكرة المعنية اسلامية لانها قد نطق بها الترابي!!
* وقد لاحظ د.عبد الوهاب الافندي، بأن تلامذة د.الترابي، خصوصاً الحاكمين، يضمرون احتقارا بالغا للشعب السوداني، ولكن الافندي لم يصل بملاحظته الصحيحة الى أساسها الفكري لدى الترابي، ذلك ان التسيب المنهجي، الذي ذكرناه ، ليس مجرد هفوة فكرية، وانما اختيار ايديولوجي ، يهدف الى تحطيم المرجعيات الموضوعية، سواء نصا او عقلا، واحلال (القائد) مكانها! وهذه ذات الفكرة التي تأسست عليها الفاشية، والتي تقود حتماً الى احتقار الشعوب، والى المذابح والكوارث الانسانية، ولسبب واضح، لان معيار الصحة لا يعد حينها خير الانسان، ولا مصالح الشعب، ولا الواقع، وانما الاختيارات المزاجية والتحكمية للجماعة المعينة ولقائدها (السوبر) او (الاوثق)! وبالطبع فان الجماعة، وكذلك القائد، اللذين لا يستشعران اية رقابة عليهما من خارج معاييرهما الذاتية، يكونان على استعداد لفعل كل شيء، بما في ذلك افظع الجرائم ، لانه بغياب مرجعية الانسان والعقل والواقع يتساوي كل شيء بأي شيء، بما في ذلك الجرائم والمآثر، والضحايا والجلادين!!
(وغداً أواصل باذنه تعالى).




http://alsahafa.info/index.php?type=6&col_id=5&issue_id=963&bk=1
_________________

Post: #290
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 03:23 PM
Parent: #289


النشوف اخرتا
السهرة الليلة

سعد الدين ابراهيم
كُتب في: 2006-05-18



* خبر: الخبر الأهم إمهال مجلس الأمن السودان اسبوعاً حتى يقبل دخول خبراء عسكريين ونشر قوات دولية بدارفور.
* هل سنغني.. سبعة يوم واليوم سنة
أم: أيام بتمر ووراها ليالي
أم: مرت الايام كالخيال أحلام
* - * - *
* وبعدين: وزارة العمل -حسب رأي الشعب- ترى ان الخدمة المدنية موبوءة بالمحسوبية والرشوة والترهل الوظيفي.. لكن هذا الكلام جاء على إطلاقه لم تبيِّن لنا شكل المحسوبية وكيفية الرشوة ومدى الترهل الوظيفي.. وانا من هنا اناشد وزارة العدل ان تحقق في هذه الاتهامات.. خاصة الرشوة.
* - * - *
* توزيع: (شمطة) التوزيع بالنسبة للصحف.. التي اصبحت (مولعة) بعد أن عمل مجلس الصحافة (المديدة حرقتني) بنشره لقوائم توزيعها حيث تصدرت بعض الصحف القائمة وتذيلتها أخرى.. لكنني ومع احترامي الشديد للتقديم.. فإن الاعلان هو المحك.. الصحف التي هى اكثر إعلاناً هي الانجح.. ولاحظت ان الصحف الاكثر توزيعاً ليست هى الاكثر إعلاناً.. طبعاً المفروض ان الاعلان يتجه حيث الانتشار.. لكن يبدو أن في الأمر أمر.
* - * - *
* أمثال شعبية: (على قدر لحافك مد رجليك)، مثل لا يعجبني، (فالرجْلان) لا يمكن تقويمهما حسب اللحاف.. لكن اللحاف يمكن تطويله وتقصيره.. فالمفروض أن يكون المثل (على قدر رجليك اقتني لحافك).
* - * - *
* السنط: وصلتني دعوة السنط الانيقة ولم أتمكن من الحضور.. لكن بمرآة الأخ مؤمن الغالي اخذت احلم معه.. وقد كتب شعراً منثوراً عن مآلات السنط، فقررت إعادة النظر في (الضُل الوقف ما زاد).
* - * - *
* كرة: الهلال اكتسح الموردة بنصف دستة -الله يستر- فقد عودتنا المواقف على ان الهلال عندما يهزم بنصف دستة محلياً.. ينهزم بنصف دستة عربياً.. بمناسبة الهلال.. الهلال اليومين ديل عندو نفسيات.. قررت ان (آخُذ اجازة من عشق الهلال) وشجعت (ريال مدريد)، تصوروا برضو انهزم.. يبدو ان المشكلة في تشجيعي للهلال.. وليس في الهلال، وبالمناسبة الزول لسه ما استقال؟!
* - * - *
* سؤال: الشِعِر مالو يا دكتور الترابي.. أها قُمنا!!
* - * - *
* عناوين: حاورت (فاطمة سالم) بروفيسور احمد ابراهيم ابو سن.. وعناوين الحوار فقط هى رسائل من خبير اداري محنك الى ولاة الامر هذه فقط دعوة لتأمل (العناوين) في قراءة الحوار مشقة عليهم لمشغولياتهم والعناوين هى:-
إذا لم تحسن الدولة شروط الخدمة في القطاع العام سيزداد الفساد.. الاقتصاد الحُر ليس له كفاءة في الدول النامية.
في المشروعات التنموية يجب إشراك المواطن في اتخاذ القرار، تدخل السياسة في الخدمة المدنية افقد البلاد القادة المهنيين، وإذا كان الجواب يكفيك عنوانه.. إلا انني سأعود للاضاءة على هذا الحوار الذي اعتبره حواراً هادفاً جداً.. وما طُرح عبره هو ما نحتاجه حقيقة.. لماذا لا يكون هؤلاء هم نجوم الحوارات الصحفية؟
* - * - *
* فساد: اتمنى ان تكون الاشارة الى قضايا الفساد من وحي الضمير الحي.. وليس تصفية حسابات.. وحتى تعم الشفافية.. فينبغي ان تملك المستندات للجميع.. وليس خياراً وفقوساً.. ولمَّا لا يسأل الصحافي عن مصدره.. نقول ينبغي أن تكون المصادر متاحة لجميع الصحافيين بمختلف ميولهم وألوان طيفهم.. ما نعرفه ان كل من تظهر عليه مظاهر الثراء ولم يثبت مصدرها يكون فاسداً.
* - * - *
* أسماء: الاستاذ محمد يوسف مؤسس حركة الاخوان المسلمين في السودان استضافه «العملاق» في برنامجه «اسماء في حياتنا».. وبدأ لطيفاً غير متشدد وحديثه عادي.. ولا يحمل على وجهه لحية كثيفة.. ولا يحمل مسبحة.. ولا يرتدي بنطالاً قصيراً.. لكن المعلومة التي قالها عن الاستاذ محمود محمد طه ذكر لي الاخوة الجمهوريون إنها لم تكن دقيقة.. حيث قالوا إنه لما طلب منه ان يكون رئيساً للتنظيم الاسلامي سأله «المسلمون ذاتهم أين هم؟».
* - * - *
* أغنية: قال الشاعر المتعب الياس فتح الرحمن:-
يا كبير الحزن..
كفكف دمع مريمْ..
وتعال
لا تذُب في الانفعال
طائر الصحوة..
في الموسم يأتي
ثم ينمو البرتقال



http://alsahafa.info/index.php?type=6&col_id=25&issue_id=954&bk=1
____

Post: #291
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 03:24 PM
Parent: #290


صدي
لماذا الآن؟

امال
كُتب في: 2006-04-19

[email protected]


* قياداتنا السياسية لا تفضل البوح وكشف المستور مع الاعلام السوداني وإنما تمارس هذه الرياضة السياسية مع الاعلام الأجنبي سواء أكان صحفاً ومجلات أو فضائيات.
* ولكن الملاحظ أن صحفنا على إطلاقها تنقل الحوارات والتصريحات من تلك الوسائط الاعلامية وكأن شيئاً لم يكن.. بلا كلمة احتجاج أو لوم عابرة.
* المهم هذه خاطرة ظلت تطوف بذهني كلما طالعت لقاءً أو حواراً منقولاً عن صحيفة أو مجلة أو فضائية.
* عموماً هذا ليس موضوعنا وان كان يستحق الوقفة، ولكن مواجهة الاهرام المصرية التي جاءت بها الصحافة مع دكتور الترابي جعلتني أقف بصورة تختلف عن باقي وقفات هذه الأيام مع انفجارات الواقع السياسي.. مع قضايا مفاوضات ابوجا ومع أزمات العلاقات السودانية التشادية والاتهامات المتبادلة.
* وقفت مع إجابات دكتور ترابي للزميلة اسماء الحسيني، حول ما أثاره في الساحة السياسية أو الاجتماعية على الأصح، وبعد إنطلاق برنامج المشروع الحضاري الذي بشر به دكتور ترابي على مدى عقد كامل من عمر انقلاب الانقاذ من يونيو 1989م-200م.
* اتهمك علماء المسلمين بالزندقة والردة والخروج عن الملة؟
- من هم هؤلاء العلماء الذين تتحدثين عنهم.. من فعلوا ذاك مجرد أصوات نشاز... كلما رأت أمراً متجدداً يخرج عن التقليدي المألوف القوا حجارتهم عليه والصقوا به التهم، فهم يظنون أن العلم هو علم تجميد العقل وحفظ القديم عبر الذاكرة.
العلم أوسع من ذلك فهو المنقول. في القرآن والبلاغ عن الرسول الكريم وموجود في الطبيعة كلها. لكن أصحاب النقل عطلوا عقولهم وعطلوا فقه التدبر والتذكر حتى في وحي الله وسنة الانبياء وإجتهادات المؤمنين.
* البعض طالب بعقد جلسة لاستتابتك للعودة الى الاسلام وآخرون طالبوا بتصعيد الاجراءات وتحريك دعوى قضائية ضدك؟
- كل حياتي كانت في سبيل الله ولا أبالي أىن تسوقني الحياة، وقد واجهت في سبيل ذلك السجون والأذى والإخراج من البلاد. دعيهم أن يتحدثوا دعيهم أن يتحدثوا فأغلبهم يخشون الفتنة والسلطان، وما بذلوا حياتهم الا لمعاشهم.. أما من يريد أن يجادلني فأنا على استعداد لذلك.
* الا تخشون أن تواجهوا ذات المصير الذي واجهه الشيخ محمود محمد طه، الذي أعدم في عهد نميري بعد أراء مثيرة للجدل؟
- محمود محمد طه حوكم وفقاً لعقوبة كانت مقررة قبيل محاكمته، ولن أقدم للمحاكمة في السودان لأنه لا جناية عندنا في السودان اسمها الزندقة.. هذه الألفاظ التي يطلقونها هراء ومحاكمتي لن تحدث.
* والى أى شئ استندت في قولك بجواز إمامة المرأة في الصلاة وغيرها.. خلافاً لما هو متعارف عليه عند المسلمين؟
- تقاليد عوام المسلمين جعلتهم يعلون مكانة المدينة عن مكة في الحج، هم لم يقرأوا أن المرأة لا تؤم بل حكموا عليها الا تصلي الا في الوراء أو لا تحضر صلاة الجماعة.. الرسول صلى الله عليه وسلم ترك المرأة تؤم الرجال في الصلاة لأنها كانت أعلمهم واتقاهم ولكن هذه ليست جناية ترتكب بحق المرأة المسلمة وقد تجنوا عليها كثيراً وأرجو أن ينصلح حالها في بلادنا.
* وتنكر حجاب المرأة؟
- الحجاب لم يكن الا ستارة تفرض في غرفة الرسول الكريم كحجاب بين أهله والزائرين... تقصدين الخمار وهذا مفروض على نساء المسلمين لتغطية صدورهن وعلى نساء الرسول صلى الله عليه وسلم لتغطية وجوههن.
* وحجاب المرأة المسلمة الذي يغطي الجسد والشعر الذي جعلته الحركات الاسلامية الزي الأمثل للمراة؟
لا نسميه حجاباً أو نقاباً.. بل خماراً يغطي الصدر.. لماذا تصبح المرأة المسكينة، هى هدفنا في كل القيود والفروض؟ اذا رأىت امرأة مسلمة وتحدثت اليها فالأمثل ليس زيها وإنما خلقها وعقدها وخبراتها ونفسها، وقد يكون كسبها من الدين خيراً من تلك التي ترتدي خماراً يجعلها كتلة من السواد تدب في الأرض، ويوم القيامة لا يقدم الزي على الايمان والتقوى وعمل الخير والعمل الصالح.. الآن لا يذكر أحد للمرأة الا كيف نغطيها ونحاصرها ونقيدها، مع أن الله يقول (ولباس التقوى ذلك خير» وهو خير للرجل والمرأة على حد سواء.
هذا مع تحياتي وشكري




http://alsahafa.info/index.php?type=6&col_id=1&issue_id=925&bk=

Post: #292
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 03:25 PM
Parent: #291


النشوف اخرتا
الخميس صفَقَة

سعد الدين ابراهيم
كُتب في: 2006-04-13



بيان:
* البيان «الحائم» اليومين ديل ويهدف إلى محاكمة «الترابي» على غرار محاكمة الشهيد «محمود محمد طه»، لا يحمل أي مضمون.. فمحاكمة محمود كانت ظالمة.. فهل يريدون تكرار الظلم.. وغض النظر عن مضمون ما قاله الترابي وهو مفكر اسلامي باعتراف الجميع.. لكن الحوار ودحض نظرياته بالمنطق أكثر قبولاً من نظرية المحاكمة.
السحائي:
* السحائي أبو فرار مرض سنوي أصبح شعبياً... وكل عام تتكرر نفس المخاوف وتتسع رقعة الهلع.. ألم يكتسب السودان خبرة للقضاء على هذا المرض الذي أصبح صديقاً موسمياً بعد كل هذه السنوات؟
جامعة جوبا:
* إغلاق جامعة جوبا لمدة شهر أقصر طريق تم اختياره لحل المشكلة ومع تشعب الامر واستفحاله إلا أن الاغلاق حل عاجز ومؤقت المطلوب حل حاسم وواقعي وواسع.. اما الاغلاق فيذكرني بسياسة «الحل في الحل» والاغلاق عندي ينفذ المثل الشعبي القائل «كان غلبك سدها وسِّع قدها..».
استار أكاديمي:
* انتهى برنامج استار اكاديمي الذي شغل الشباب العربي وبالذات الشباب السوداني.. ولا ادري لماذا يهتم به شبابنا وليس فيه اي تمثيل للسودان من قريب او بعيد.. بجانب ان عاداتنا وتقاليدنا لا تسمح لنا بالمشاركة.. كان شبابنا طرشاً في الزفة.
وجري وطيران:
* في «جري وطيران» يكتب دكتور محمد عبد المنعم باسلوب روائي مدهش وبسيناريو آخاذ.. في موضوعه «رقابة ليست للنشر» بدأ يتحدث عن حدوث ثلاثة اشياء في وقت واحد وهي بداية خطيرة لرواية ثرة التفاصيل.. ولربط الواقع بالخيال.. ولاستلهام طبقات ود ضيف الله وفيها تماس مع «ماركيز».. فلو اعطاني هذه الخيوط الثلاثة لبدأت فوراً تنفيذ فكرة دكتور خالد المبارك في المسلسل المستمر الذي يسهم فيه عدد من الكتاب ويستمر متجدداًَ.. والاشياء الثلاثة هي:
سقوط جدران الفكي ود حامد.. طيران السمبرية السمراء من عشها في شجرة الهجليج وزغرودة «نور الشام» التي تعبر الصدى مثل النجم الملعون.. للحقيقة والتاريخ لم اتشرف بمعرفة الرجل.. ربما لان المعاصرة حجاب.. لكنني طبعاً أعرفه برشاقة العبارة وازدحام الرؤى والتماهي مع الواقع بعذوبة.. لكنه في اعتقادي لم يوفق في توقيع الختام.. كان يترك النهاية مفتوحة بدلاً عن التقرير الذي ختم به المقال «العمود» الدسم.
برجوازي:
* قارئ عزيز تحرَّش بي حين وجدني مدعواً على وجبة افطار في محل يراه فخماً وأراه عادياً وقال لي: عامل لينا كادح وبتركب امجاد وانت برجوازي بتأكل في المطاعم الفخمة واصرّ والحّ على «برجوازيتي» والبرجوازية شرف لا أدعيه وتهمة لا أنكرها.. لكن هل لا بد أن أكون مهمشاً حتى أكتب عن المهمشين.. ولا بد أن أكون شماسياً حتى اكتب عن الشماسة.. ألم يسمع بالشاعرين «بابلو نيرودا» او «ناظم حكمت» اللذين كانا يكتبان للعمال والفقراء الذين لا يقرأون لهم بل ولا يعرفون القراءة؟ اساساً.. إذا كان لا بد أن نعيش المواقف حتى نكتب فيها لما تحدث الرجال عن الختان الفرعوني وآلام الحمل والوحم ولما تحدث الأصحاء عن الامراض والافاضل عن العادات المرذولة.
اجتهاد:
* كتبت ذات مرة لكل مجتهد نصيب إلا أنا.. فالتقاني أحد شيوخ المتصوفة وقال لي مطمئناً: نصيبك يا راجل بتلقا قدام.. وانا ما زلت في الانتظار.
غلطة الدهر:
* «ابن حسول الهمذاني» شاعر مقل ولكنه حكيم وبه حسد لطيف.. وحكى عن كون الانسان المجيد يكون فوقه من أقل منه شأناً إذا تساءل:
تقعد فوقي؟ لاي معنى؟ للفضل؟ للهمة النفيسة؟
ان غلط الدهر فيك يوماً فليس في الشرط ان تقيسه
كم فارس افضت الليالي به الى ان غدا فريسه
ما يطلبه المستمعون:
استمعت وانا في الحافلة الى اغنية تقول:
عشت معاهو قصة ريد ظريفة خلاص
لانها من طرف واحد بحب الثاني في اخلاص
وتعجبت ما الظريف في هذا الامر.. والريد المن طرف واحد.. ما فيهو اي فايدة بل هو ليس ظريفاً..
دريج:
* من الشخصيات المحبوبة لدي دون اي اسباب شخصية القائد السياسي محمد ابراهيم دريج لاننا عندما زرنا جبل مرة في بعثة تلفزيونية قبل عقد من الزمان كان المدير التنفيذي لمنطقة «نيرتتي» ساخطاً فقال لي محتجاً على عدم مواكبة المواطنين فدعاني الى سؤال ثلة من النساء خارجات للعمل عن من هو رئيس السودان؟ فقلن بصوت واحد: دريج.



http://alsahafa.info/index.php?type=6&col_id=25&issue_id=919&bk=1
_________________

Post: #293
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 03:26 PM
Parent: #292


اليكم
البصق على التاريخ .. أيضاً جريمة ..!!

الطاهر ساتي
كُتب في: 2006-03-20




لم يدهشني حديث الترابي في تلك القناة .. لانه لم يقل شيئاً جديداً ولم يخرج للناس في الحياة بسر مخبوء .. وكل المعلومات التي بثها للمشاهد العربي ماهي الا كائنات حية تمشى في طرقات البلد منذ الرابع من رمضان ..!!
ü عم التوم في رهيد البردي يعلم بأن الخرطوم في عهد الترابي إستقبلت اسامة بن لادن وأكرمته ثم طردته بعد أن استولت على ثروته ..!!
ü وحاجة التومة في عد الفرسان تعلم بأن الخرطوم في عهد الترابي استقبلت كارلوس واكرمته ثم سلمته لفرنسا مقابل اثمان سياسية او اقتصادية ..!!
ü وحليمة بائعة اللبن تابعت محاولة إغتيال حسني مبارك وفيما بعد عرفت كل تفاصيل الحادث .. والتداعيات والملفات واتعاب التسوية واثمانها ..وأسبابها ..!!
ü ان كان هؤلاء يعرفون تفاصيل تلك القضايا من الطبيعي جداً انها ليست خافية على مصر .. امريكا .. فرنسا .. وغيرها من الجهات التي يرغب الترابي ان يمدها بالمعلومات ويتطوع لها مجاهداً برتبة «شاهد ملك» ..!!
üولكن ما لا يعرفه الترابي ولم تقله قناة العربية بأن تلك الجهات المظلومة من الحركة الإسلامية السودانية لن تقبل شهادته .. لا امام التاريخ ولا امام المحكمة .. لانها شهادة مجروحة ... وليس من العدل ان يشهد المتهم الاول ضد الآخرين في اية جريمة سياسية .. أو جنائية ..!!
ü وإن كان الترابي نادماً على استضافة الخرطوم لاسامة بن لادن حيناً من الدهر .. وإن كان يعتبر هذه الاستضافة جريمة فمن المؤسف الا يعرف انه المتهم الاول في هذه الجريمة .. لان بن لادن جاء بإذن الترابي وخرج بامره .. وما بين الاستقبال والوداع عرف بن لادن بأن هناك رجالاً حول الترابي .. هم ما يتهمهم الترابي اليوم ويتطوع ضدهم مجاهداً بدرجة «شاهد ملك» ..!!
*وان لم يكن الترابي على علم بمحاولة اغتيال حسني مبارك واشك في ذلك ، إلا أنه لم يكن يجهل فشل المحاولة والاسباب والابطال .. ومع ذلك لم يظهر يومئذ غضبه على المحاولة ولم يصدر بياناً حزبياً بابعاد ابطال المحاولة .. ولم يتحدث نادما في فضائية عربية إلا بعد المفاصلة حيث لا ينفع الندم والغضب ولا الشهادة المجروحة ..!!
ü وإن كان الترابي غاضباً أو نادماً او شامتا على إستقبال كارلوس أو تسليمه في عهد الحزب الحاكم الذي كان امينه العام الترابي فإن من المؤسف بأنه لم يغضب أو يندم او يشمت من الاستقبال والتسليم في الفضائيات العربية الا بعد أن فارق الحزب معارضاً .. وهداماً لتاريخ أمينه العام في عهد الكوارث الاقليمية والعالمية ..!!
ü نعم .. الترابي لم ينفذ قضايا بن لادن .. مبارك .. كارلوس .. بنفسه .. ولكنه لم ينفذ أيضاً ثورة الإنقاذ بنفسه ..بل قال للمنفذ باعترافه «اذهب الى القصر رئيساً وأنا سوف اذهب الى السجن حبيساً» .. ونجح المنفذ .. ولو فشل لذهب لحبل المشنقة قتيلاً ليذهب الترابي الى قناة العربية مديناً وغاضباً وشامتاً على «المنفذ» .. وكل مجلس قيادة الثورة .. والحركة الإسلامية ..!!
ü نعم .. الترابي لم يكن منفذاً تلك القضايا .. ولا كل قضايا البلد منذ اعدام محمود محمد طه وحتى إغتيال حلم «شعب ابريل» .. لان الفضائيات لم ترصده ممسكا بحبل المقصلة ولا قائداً لإحدى دبابات القيادة العامة .. لانه في تلك اللحظة كان يعد قائمة «أكباش الفداء» .. الذين يفدون أفكاره اذا وهنت .. وخططه اذا فشلت .. وطموحاته اذا خارت .. وسياساته اذا افتضحت ..!!
ü ولو اليوم .. عمراً ... ونافعاً .. وعلياً ... وصلاحاً .. يدفعون ثمن تلك الافكار والطموحات والسياسات والخطط .. فإن غداً سيلتحق بالركب .. علي الحاج .. بشير آدم رحمة .. ابراهيم السنوسي .. المحبوب عبد السلام .. وكل الجمع الكريم الذين يؤتمنون الترابي على اسرارهم .. الخاصة والعامة ..!
ü خارج النص
ـ أخي الحبيب .. عبد الباسط صالح سبدرات .. صباح الخير
هل تذكر العبارة الرشيقة والعميقة التي ذكرتها ذات مساء لصديقك حسين خوجلي عندما اجتهد لينتزع منك اعترافاً ضد الحزب الشيوعي ورفاقك القدامى .. هل تذكر تلك العبارة ايها الرجل النبيل ..؟؟
ـ لقد قلت بالحرف الواحد : «أنا لن ابصق على تاريخي ..!!» لقد كبرت وشمخت في عيوننا وقلوبنا منذ تلك الليلة .. ودمت رمزاً في شعب لم .. ولن يبصق على تاريخه أبداً ..!!



http://alsahafa.info/index.php?type=6&col_id=45&issue_id=894&bk=1
_________________

Post: #294
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 03:26 PM
Parent: #293


مسارب الضي
ثلاثية إضاعة الأوطان : بين العراق والطيب مصطفى !

الحاج وراق
كُتب في: 2006-03-16




* اخيراً، وعلى استحياء ، أقر الطيب مصطفى بأن مخطط (جنجويد) الفتنة ، والذي يقوده شخصيا ، يتوافق ومخططات اسرائىل تجاه السودان ! ولكنه، للمفارقة، وقد نصب نفسه متحدثا رسميا باسم العروبة والاسلام ،لا يجد (حرجاً) في أن يتفق ومخططات الموساد تجاه البلاد !!
وكما علمتنا تجربة العراق ، فإن الغزاة يدخلون على الطريق التي يمهدها الطغاة. وحين دخلوا بغداد ، فإن عناصر من الموساد، وقد تسللوا مع جيوش الغزاة ، استهدفوا اول ما استهدفوا (متحف) بغداد كرمز للذاكرة الجماعية والتاريخية !
وكذلك يفعل الطيب مصطفي ، يريد نسف الذاكرة الجماعية السودانية، الذاكرة التي تختزن ذكريات إسترقاق الجنوبيين منذ السلطنات والعهد التركي ، وتختزن حقائق التطور غير المتوازن في بلادنا، وحقائق الاستعلاء الديني والعرقي والثقافي ، وتختزن مرأى القرى المشتعلة،وحرق النا س احياء ، وتختزن اشلاء الضحايا ، وطوابير النزوح ، مثل هذه الذاكرة يمكن ان تعترف وتعتذر، والاعتراف والاعتذار،الذي يقابله الصفح والتسامح، ومن ثم يؤدي الى ابراء ومعافاة جروح الحرب، كل هذا كفيل بإعادة اللحمة الوجدانية والنفسية بين قوامي البلاد : الشمال والجنوب . وهذا ما لا يريده الطيب مصطفي ، يريد نسف الذاكرة بتزوير التاريخ ، كمقدمة ضرورية، وشرط لاغنى عنه لاثارة الفتنة لاحقا ، تماما كما حدث في العراق !!
* وهناك استخدمت قوي الشر انغلاق الزرقاويين لاثارة الفتنة ، والذين فجروا الاضرحة المقدسة للشيعة في سامراء، مما اطلق موجة من ردود الفعل الانتقامية لاتزال تتفاعل، وكذلك سيفعلون في السودان ، فترى متي يتم تفجير الحدث الشبيه بنسف ضرائح سامراء ؟!
* ويريد الطيب مصطفي المؤرق بخدمته موضوعيا مخططات الموساد، أن يسقط ازمته على الآخرين ، فيوزع تهم العمالة يمنة ويساراً ، وإذ يحس بضعف حيثيات اتهامي بالعمالة لأمريكا ، يخبط نحو فرنسا، فيورد :
(هل تذكرون تنظيم الحاج وراق المسيرة التي توجهت للسفارة الفرنسية تعاطفا مع الصحفيين الفرنسيين اللذين اعتقلا في العراق ...).
ـ لاحظ«اعتقلا»!! ولم يختطفا!!
ـ وتأمل في مثل هذا الابتذال ، فبالنسبة للطيب مصطفي، فإن مسيرة تضامن مع صحفيين مختطفين ، تصلح دليلا دامغاً على العمالة !!
ــ ولكن، ولمأساة الطيب مصطفي، فإن هذه المسيرة الانسانية والنبيلة، والتي اوافق عليها تماما ، واتشرف بتنظيمها وتسييرها، الا انني، ولمأساة الطيب مصطفي ، فلمشاغل شخصية حينها ، لم اشارك لا بتنظيم ولا بمجرد الذهاب ضمن تلك المسيرة !! ويشهد على ذلك كافة العاملين بصحيفة الصحافة ! وهكذا، فإن الطيب مصطفي يُضْبَط بكذبة بلغاء وموثقة ! فأين المفر ؟! وبحسب الاسلام، فإن المؤمن قد يسرق ، وربما يزني ، ولكنه لا يكذب ! ولكن يبدو ان جنجويد الفتنة خدام الموساد لا يجدون في الكذب (حرجاً) يقدح ايمانهم !!.
واحمد الله تعالى، أن كل من عادانا اضطر الي اعتماد الاكاذيب كسلاح اساسي في المواجهة الفكرية والسياسية !!
* ومرة اخري، وعوداً ، الى غلاف كتابي عن الديمقراطية، والذي يتضمن تمثال الحرية ، وصورا لفوليتر (فرنسي) وجون استيوارت ميل (انجليزي) وسوزان انتوني (امريكية) والمهاتما غاندي (آسيوي هندي) ونيلسون مانديلا (افريقي) ، مما يؤكد الطابع الانساني العام للديمقراطية، فإن الطيب مصطفي ، بدلاً عن الاقرار بجهله، يكابر ويدعى بأنه ليس ضروريا معرفة مثل هذه المعلومات ، لانها ليست قرآنا ولا دينا ! وبالطبع لم يكن اعتراضي منصبا على مجرد جهله ، وانما علي هرفه بأشياء لا يعلمها ، ثم ان القرآن الكريم يعطي كل شخص بحسب ماعونه، وهكذا، فكلما ضاق الماعون كلما قلت الفائدة !!
* وأما المضحك المبكى فاتهامه لي .... وراق لا يري في التراث الانساني جميعه بما فيه التراث الإسلامي والسوداني شيئا يعبر به عن الديمقراطية والحرية غير تمثال الحرية الامريكي، فهو مثلاً لا يستطيع أن يكتب مقولة الفاروق عمر الخالدة : (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احراراً ..).
ـ لاحظ (لا يستطيع أن يكتب مقولة الفاروق عمر) ! مع انه لو لو لم يكتفِ بمجرد النظر الي الغلاف ، وتصفح الكتاب، فسيجد ذات مقولة الفاروق عمر رضي الله عنه الخالدة في اولى صفحات الكتاب !!
بل وسيجد معها آيات كريمات من القرآن الكريم ، وحديثا نبويا، ومقولة للامام علي كرم الله وجهه ، واخري للامام جعفر الصادق ، وكذلك مقولات لعدد من الرموز السودانية : (اسماعيل الازهري ، الصادق المهدي ، جون قرنق ، محمود محمد طه) . ولكنه قطعا لن يجد مقولة من مقولات معسكره الفكري والسياسي ! لسبب بسيط، وهي انها لا توجد الا كاستثناء لا يؤبه له !!
والمهم إن مقولة الفاروق عمر رضي الله عنه موجودة وفي اولى صفحات الكتاب !! مما يؤكد بأن الطيب مصطفي لا يكذب دون ان تطرف له عين وحسب ، وانما كذلك يخوض فيما لا يعلم، ويكتفي دوماً في النظر الى القضايا ب (الأغلفة) دون ان يدلف الى المتون !!
* ويكرر الطيب مصطفي كليشيهاته عن امريكا ، وسبق ورددت على ذلك ، ولكنه مرة اخرى، يؤكد مدى انفصامه عن الواقع، وعيشه بالكامل في جزيرة توهماته الايديولوجية ، والا لسأل نفسه مثل هذه الاسئلة التي تحيل الي الواقع :
ـ من الذين تحالفوا مع امريكا ، طيلة حقبة الحرب الباردة ، فأستخدمتهم كأحد اسلحتها في تلك الحرب ؟!
ـ ومن الذين ، ظلوا اعداء لحركة التحرر الوطني في المنطقة ، طوال اربعين عاماً ، فعارضوا عبد الناصر ، وتأميم القناة ، وتحرير الثروات ، وشكلوا ظهيراً للأحلاف الاستعمارية في المنطقة كحلف بغداد والحلف الاسلامي ؟!
وللمفارقة، فإن من عارض عبد الناصر في السابق، قد تحالف لاحقاً مع صدام حسين ، ولا نحتاج الي كثير ذكاء للاستنتاج بأن السبب ليس كراهة الامريكان، وانما الاعجاب بالطغيان !
ـ ثم من الذين ادخلوا البلاد في فك التمساح الدولي لأجل مصالحهم الحزبية والايديولوجية، ثم تراجعوا لاحقاً بلا مجد ولا شرف ، وتركوها لا تزال قابعة هناك (تجاهد) في ان تخرج سالمة وموحدة ؟! .
ـ ومن الذين فتحوا البلاد للغزاة ، جيوشا ومخابرات ؟!
حقا ان (الاختشوا ماتو) !!
* وعلى كل، فإن الحاج وراق، مع الديمقراطية وحقوق الانسان ، في كل مكان وعلي طول الخط ، مع حقوق الانسان في السودان، وفلسطين، والشيشان، وفي العراق، و الدنمارك و فرنسا، وضد انتهاكات حقوق الانسان ايا كان الفاعل، سواء الامريكان او الاخوان، واحمد الله تعالى ان ليس في فمي ماء ـ أدين الاخوان على بيوت الاشباح، وعلى سياسة الارض المحروقة في دارفور ، وادين الامريكان على غوانتنامو وابوغريب ، وادين الفرنسيين على تهميش العرب والمسلمين، وعلى تدخل الدولة ( واي دولة اخرى) في تحديد ملابس و اطوال فساتين النساء ، فهل يستطيع الطيب مصطفي، في المقابل، ادانة انتهاكات حقوق الانسان في دارفور بمثلما يدينها في غوانتنامو ؟!
* وختاما ، فإن العراق يشكل تجربة نوعية بالنسبة للمنطقة، يمكن ان نستخلص منها الكثير من العبر والدروس، ليس فقط ان (الطغاة) وبرغم زعيقهم الدعائى، فإنهم حين يجد الجد، يفرون كالفئران المذعورة الى الحفر، ليس ذلك فقط ، وانما تكشف التجربة عن قانونية تضييع وتفكيك الاوطان ـ انها ثلاثية الطغاة والغزاة والغلاة ، وللعجب، فإن الطيب مصطفي، الذي يدعي الدفاع عن (كعبة) العروبة والاسلام، ينزلق بغلوائه العقائدية ، وبحمية الدفاع عن (ابل) الغنيمة، ينزلق الى خدمة مخططات الغزاة ! ولذلك فإنه يعبر عن حالة نموذجيةـ عن تعايش ثلاثية ابادة الاوطان في توليفة واحدة، وفي شخص واحد ، شخص يعبر عن الطغاة ، بآيديولوجية الغلاة ، ولصالح الغزاة ..!!
وليحفظ الله تعالى السودان !



http://alsahafa.info/index.php?type=6&col_id=5&issue_id=890&bk=1
_________________

Post: #295
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 03:27 PM
Parent: #294


بشفافية
(أ. د) اسْتَحَقَّ (أ. د)

حيدر المكاشفي
كُتب في: 2006-03-11



* (أ. د) الأولى المشار إليها في العنوان اعلاه نعني بها الحرفين الأولين للاسم الأول والثاني على التوالي للشخصية السودانية الأشهر هذه الأيام في اوساط المجتمع كافة رسمية وشعبية ودينية ونخبوية واقتصادية، أما (أ. د) الثانية التي استحقتها هذه الشخصية فهي اختصار (abbreviation) للقب علمي رفيع، مبلغ علمى انه سقف الترقي في مدارج السلك الاكاديمي لا يبلغه السالكون في هذا الدرب إلا بعد كدح وسهر وعرق وأرق لسنين متطاولة من البحث والتنقيب والتدقيق في أمهات الكتب والمراجع العلمية، ينكبون عليها لاستخلاص ما ينفع الناس وينظم شؤون حياتهم بالطرق المنهجية السليمة ويرتب تفكيرهم وفقا للأساليب القويمة.
* أسامة داؤود رجل الأعمال الناجح استحق بجدارة أن نبوئه مقعد الاستاذية ونخلع عليه لقب (البروف) ونرجو من كل معارفه ومرؤوسيه واللصيقين به والمتعاملين معه ورفاقه باتحاد أصحاب العمل، ألا ينادوه منذ الآن الا بلقب (البروف) وحتى رفاقي واخوتي الصحافيين إن حاوروه أو (خابروه) في شأن من شؤون الاقتصاد الذي حصر نفسه فيه وكرس كل جهده له فقط، ألا يكتبوا اسمه الا مسبوقاً بـ (أ. د)، ليس منّة أو منحة أو زلفى، بل لأنه استحق هذه المكانة الرفيعة التي أهلته لنيل لقب وطني بدرجة بروفيسور بجدارة، أما لماذا بروفيسور من غير كل الالقاب والدرجات والمقامات والانواط والأوسمة العالية، فذلك لسببين، الأول يقع في باب رد الفضل لأهله، فقد عنَّتْ لى هذه الفكرة وأنا اطالع خبر الزميلة «إيلاف» التي كان لها فضل كشف هوية ذلك الوطني الغيور الذي ملأ الدنيا وشغل الناس بوقفته الجسورة في وجه القائم بالأعمال الاميركي وايقافه عند حده وتلقينه درساً في الفطانة والكياسة والأدب، أما فضل السبق في كشف الواقعة فقد حازته «ألوان».. جاء في عنوان خبر «إيلاف» الذي أفصح لأول مرة عن اسم رجل الاعمال السوداني الذي تصدى لكاميرون هيوم ما يلي (القصة الكاملة للمواجهة بين السفير الأميركي ورجل الاعمال الوطني أ. د) فندت مني صرخة مكتومة وقلت في نفسي (هو فعلاً بروف في الادب والاخلاق والوطنية والتدين المنّزه عن الغرض والمرض والهوي والتجارة) .. والسبب الثاني هو أن المعلم رديف المؤِدّب، ومهنة التعليم توازي مهمة التأديب، وقد كانت العرب تسمى من تعهد إليهم أمر تعليم وتربية وصقل أبنائهم المؤدبين، و(البروفات) قمة منارة المعلمين، وبهذه المناسبة لا ادري ما هي الحكمة من وراء حذف كلمة التربية من اسم الوزارة المعنية بالتعليم في بلادنا، والتي كانت الى عهد قريب تعرف باسم وزارة التربية والتعليم، وتلك قصة أخرى ربما نعود لها في مناسبة اخرى.
* لا يهمنا هنا كثيراً ما ورد في حق البشر، فذلك ما يمكن تجاوزه والصفح عنه، فالأهم عندنا هو ما مسَّ سيد البشر وافضل الخلق سيدنا ونبينا ورسولنا وحبيبنا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، الذي لن نقبل فيه أبداً إلا ما يوقره ويقدره ويبجله ويعظمه، أما ما دونه مما ورد في حديث الديبلوماسي الصفيق فيؤخذ عليه ويرد، فهؤلاء (البشر) لازالت تصدق فيهم مقولة الشهيد محمود محمد طه (الشعب السوداني شعب عظيم يتقدمه أقزام) ولو أنهم احترموا هذا الشعب وقدروه حق قدره لرأوا منه العجب ولكن هِيت لهم.
* انها سقطة ديبلوماسية لمن يوصف بالمخضرم في هذا المجال، هذا إذا تحاكمنا للأعراف المرعية واللوائح الضابطة لهذا العمل والتي توجب على دولته سحبه فوراً، وهي بالنسبة لنا إساءة لا تغتفر، لن نحتمل بعدها وجوده بيننا، فإن لم تسارع دولته بسحبه، فلتتسارع خطانا نحن لإعمال اللوائح الديبلوماسية وطرده من بلادنا .. حياك الله ابن داؤود.



http://alsahafa.info/index.php?type=6&col_id=52&issue_id=885&bk=1
______

Post: #296
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 03:28 PM
Parent: #295


النشوف اخرتا
محمود ومصطفى

سعد الدين ابراهيم
كُتب في: 2006-01-23



* يتزامن تاريخ جيل المفكر محمود محمد طه مع ذكرى رحيل الفنان مصطفى سيد احمد.
ـ اعتقد ان ثمة ملامح مشتركة بين الراحلين الاعزاء.
* فمحمود صاحب فكرة عميقة دافع عنها حتى الاستشهاد النبيل.. ولم يترك من يخلفه في الساحة بقدر قامته الباذخة.. ومصطفى صاحب فكرة تجديدية ثورية في الغناء مضى بدون خليفة يرث مكوناته التي هي ليست صوته فقط فصوت مصطفى ليس متفردا تجد عشرات يقلدونه لكن مصطفى كل متكامل صوت وذائقة ووجدان واختيار.
ـ محمود صارع الجلاد ولم يتنازل عن موقفه كان الوحيد الذي صدع بكلمة الحق السلطان الجائر.. فكان ابتلاء محمود بحاكم طائش وزمرة فقهاء يزينون له القتل في التخلص من خصومه.. فمضى مثل الحلاج وبقيت كلماته تمشى في الشوارع وموقفه النبيل يسعى في الطرقات يذكر الناس بأنه ما زال بينهم من يموت ليزود عن فكرته.
ـ مصطفى صارع المرض اللعين.. ودفع ثمن مواقفه النبيلة هي الاخرى فكان ابتلاء مصطفى بداء عضال وزمرة ادعياء يحاكمون المواقف في الاشخاص فتركوا مصطفى بلا وجيع يواجه قدره وحده حتى يموت فيصبح فكرة تستعصي على النسيان.

ـ محمود اسس لمدرسة فكرية متينة البنيان متشعبة التفاصيل ومصطفى اسس لمدرسة غنائية اصيلة.. تنتخب الانساني والثوري ولا يأبه بفنون الاستعارة والكناية فقدم الاغنية الموقف.

ـ محمود خلخل الفكر التقليدي وانبرى يرتاد الاراضي البكر ولم يخش حراس بوابات الفكر الاسلامي تحداهم وفند دعاويهم.. فاصبحت ذكراه نسائم تهب على الوطن وعلى الفكر فتنعشه بالجميل والرائع.

ـ خلخل مصطفى سيد احمد بنية الاغنية التقليدية وغنى الكلام العفوي المباشر وادهش حراس بوابات الغناء السوداني فكتب اسمه ضمن عباقرة الغناء.. فمن يستطيع ان يؤرخ للاغنية السودانية فيذكر الكاشف والعميد وابو داؤد ووردي وكابلي وعثمان حسين وابو الامين فهل يجرؤ على ان لا يذكر ضمنهم مصطفى سيداحمد لا يستطيع!!

ـ صقل محمود تجربته بالاطلاع والهجرة والتأمل.. انقطع تارة وعاش الحياة تارات ودرس واطلع وعايش.. فكان نتاج تجربة فكرية حقيقية.

ـ صقل مصطفى تجربته بالدراسة في معهد الموسيقى لكنه ايضا لم ينكفيء على النظريات واعتمد على وجدانه الشفيف ووقف على اكتاف من سبقوه فاضاف في بعض سنوات ما اضافه غيره عبر عشرات السنوات.

ـ مصطفى ومحمود ذكرى موت نبيل.. وحضور شفيف بالروح بعد ان راح الجسد.!

ـ مصطفى ومحمود نموذجان للفكر والفن اضاءا سماء بلادنا وتوهجا كالشهاب وما زال ضؤهما يملأ المكان.. فشمس محمود وقمر مصطفى يشعان في الذاكرة ويخلدان.. عليهما رحمة الله



http://alsahafa.info/index.php?type=6&col_id=25&issue_id=841&bk=1
_________________

Post: #297
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 03:28 PM
Parent: #296


النشوف اخرتا
وخلق الله الجزيرة مباشر

سعد الدين ابراهيم
كُتب في: 2005-09-18



* وخلق الله قناة الجزيرة مباشر.. لتوفر علينا الذهاب الى الندوات السياسية في الخرطوم فما أن تفتحها حتى تجد وقائع ندوة سياسية سودانية وتشاهد الوجوه السودانية السياسية الحلوه وغير الحلوة.
* وينسى بعضنا ان السودان في الجزيرة على الهواء مباشرة فيمارسون مجانية شوهاء وسريعاً ما تدب الفوضى الى جسد الندوة ويختل الترتيب فنصدر الفوضى السودانية الى العالم.. أو نعرض عليهم كيمياء سنة اولى ديمقراطية.
* في ندوة دكتور الشعراني تحدثت الزعيمة فاطمة احمد ابراهيم بعذوبة وبموضوعة وبمنطق هادئ وجاء غازي سليمان وتحدث بحماس وجرأة وعلى كيفه.. ولم تفارق سيجارته اصابعه حتى لو لم يجذب منها انفاساً.. وهمس بوضوح واصفاً التهريج والمقاطعة بقسوة.
* بعد ذلك انفلت العقد وتحدث الشباب عن حرية (ستات العرقي) وبدأت الاتهامات.. ووجه احدهم انتقاداً الى غازي بغيابه حين حُرقت ودمرت جامعة ام درمان الاهلية- فما كان منه إلا أن يجيب اين كنتم انتم حين ا قتحمت عصابة مباني الجامعة.
* وحقيقة استوقفني سؤال غازي حين تذكرت شجاعة طالبات الاحفاد حين قمن بحماية مدير جامعتهن حتى لا يتم اعتقاله بمهانة بحجة الضرائب.. نبهني فقط الى هذا واعاد المفهوم الشعبي البسيط الى النقاد والمتمثل في مقولة (البكا بحرروه ناسوا).
* تلك الندوة اضطرت الجزيرة الى قطعها حيث ساد الهرج والمرج.. وقد اسفت على هذا المآل.
* لكن آخر ندوة شاهدتها قدمتها الجزيرة مباشر شاهدت واستمعت الى كثير من مساهمة الاخ بشير آدم رحمة الذي طرق كثيراً من المسكوت عنه.
* قال الاخ بشير الى ان الناس يذهبون الى انه في حالة الصراع بين الحكومة والمعارضة غالباً ما تفضي الى انتخاب افراد في الحكومة لقوتها في الانتخابات لكنه راهن على العكس وان الناس في حالة السودان الراهنة لن يصوتوا للحكومة لعدة اسباب ذكرها.
* بيد ان الاخ بشير طرق أمر اسرائيل التي ستظل تلعب بورقة دارفور حتى يقوم السودان بتطبيع علاقاته مع اسرائيل فهل تقوى الحكومة على التطبيع ولكنه لم يثر السؤال حين تكسب المعارضة هل تقوى على التطبيع مع اسرائيل؟
* وقد يتبادر الى الذهن ان الاخ بشير يغرِّد بعيداً عن الاسراب.. مثلما ذهب البعض الى خيالية الحاج وراق حين تساءل عن دور (الموساد) في اغتيال جون قرنق.
* لكن في اعتقادي المتواضع ان الاخ بشير طرح تساؤلاً مهماً.. فالتطبيع مع اسرائيل هو الموضة وهو معركة اسرائيل الكبرى فبعد موريتانيا والدول العربية التي طبعت او سارت على درب التطبيع.. فان تركيا برمزها الاسلامي التاريخي طبعت وباكستان تمضي قدماً نحو التطبيع.. وقد جاء دور السودان.
* والافارقة في الغالب لا يجدون تناقضاً بينهم وبين التطبيع مع اسرائيل ولما كنا دولة (افروعربية) فإن مناخ التطبيع ينسجم مع الافريقية فينا.. واذكر ان كاتباً شاباً جنوبياً قد قال في ندوة شهيرة.. لماذا يحمل جواز سفري انا الجنوبي عبارة صالح لجميع الدول عدا اسرائيل.. وقال انه لا مشكلة بينه وبين اسرائيل وطالب بشطب العبارة من جوازه.
* وبغض النظر عن حديثه في الامر من عدمها فان ثمة فكرة قد بدأت تنمو في الاذهان.. وبعض الذين يتخوفون من انفصال الجنوب من العروبيين والمؤمنين بالقضية الفلسطينية يذهبون الى ان اسرائيل ستطبع مع الجنوب في حالة انفصاله.
* واعتقد ان فلسطين ذاتا في طريقها الى التطبيع لولا وقفة (حماس) الجسورة ضد هذا الامر.. بل رئيس فلسطين الجديد هو أول المطبعين.
* عموماً طرح هذه القضية من قبل الاخ بشير آدم رحمة.. ربما لم يجئ في وقته تماماً لكنها قضية تستحق النقاش.. ولكننا كعادتنا لا نناقش الامر إلا حين يقع الفاس في الراس.. الراحل الشهيد محمود محمد طه هل نعتبره من بوادر المطبعين مع اسرائيل لوجهة نظره حول موضوع فلسطين؟



http://alsahafa.info/index.php?type=6&col_id=25&issue_id=742&bk=1
_________________

Post: #298
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 03:29 PM
Parent: #297



اشياء صغيرة
كش ملك.. مات الملك

امل هباني
كُتب في: 2005-08-29




سؤال من قتل قرنق؟ جواب: قتله المستفيد من موته ولننظر من حولنا.. قرنق كان الملك في رقعة الشطرنج التي تديرها ايادٍ خفية وعلانية خبيرة مستفيدة من لعبة الحرب كما تستفيد ايضاً من لعبة السلم.. والجنوب قضى خمسة عقود من الحرب يسبقتها خمسة عقود من اتباع سياسة المناطق المقفولة الاستعمارية، لا يسمح للشماليين الوصول اليه او العمل فيه الا بأمر الحاكم العام للسودان، وكان نتيجة ذلك ان بعدت الشقة بين ابناء الجنوب والشمال اجتماعياً ووجدانياً، خطط لها هذا المستعمر بدقة.. والاستعمار هو ذات الاستعمار من 1905م الى 2005م انه العالم الرأسمالي يفرض سيطرته على الدول المسكينة التي لم يتكون بعد وعيها السياسي الاجتماعي، والفرق ان ذاك جاء بالقوة اليك.. وهذا يقنعك بالقوة للاستعانة به والارتماء في احضانه، خاصة بعد ان اصبح العالم الرأسمالي الامبريالي هو النظام الاوحد بعد ان سحق النظام الاشتراكي الشيوعي الذي كان يقف موازناً له في القوة.
وخط السودان من ذلك النظام الرأسمالي الاستعماري الممتد الى الآن انه غير مسموح الالتفاف حول قادة عظماء قادرين على خلق مشروع مجتمع «قومي» قوي.. والصورة الذكية التي تجمع علي عبد اللطيف بقرنق التي كتب عليها نحو سودان جديد من 1924-2005م هي ابلغ تعبير على ذلك.. كان قرنق قادراً على صنع ذلك والسودان.. كما كان علي عبد اللطيف قادراً برؤيته على خلق تلك الطبقة المثقفة الواعية التي تنهض بالسودان على أسس قومية ووطنية بعيداً عن العرقية والجهوية.. لكن ما حدث ان علي عبد اللطيف اجهض مشروعه ومات مجنوناً لا يلوي على التفكير في مشروع قومي او مجتمع سوداني او شئ آخر.. واستعيض عنه بطبقة رخوة وضعيفة على أسس طائفية وزعامات عشائرية تنسف مشروع علي عبد اللطيف للوعي القومي نسفاً..
منذ ذلك الحين ومصير علي عبد اللطيف هو مصير كل واعٍ ومستنير يبحث عن مشروع القومية السودانية، فمعاوية نور الذي عاد من مصر مؤمناً بضرورة خلق طبقة مثقفة واعية تصدى لقضايا السودان القومية يمنع من الموظفية الحكومية لان تقريراً يرفع عنه بانه Too cleverولا يصلح.. ومن علي عبد اللطيف إلى قرنق قائمة من امثال هؤلاء الابطال الوطنيين يتلقفهم الموت والجنون والمرض عبد الخالق محجوب، محمود محمد طه، وغيرهما مما يعني انهم لم يسمح لهم بالتقدم الى الامام ومقابل ذلك تتسع دائرة هذه الصفوة الهشة التي حتى صفويتها هذه نالتها من جهات اجنبية وعلاقات مريبة ومشبوهة لجهة «ما» ذات مصلحة والامر اكثر وضوحاً وسفوراً في الحالة التي تعيشها الآن العام 2005م حالة الفراغ الفكري والقومي والاجتماعي والثقافي المميت.. ومنذ ان وقع قرنق اتفاق السلام كان الامر محسوماً باستبدال ذلك القائد الذكي الطموح المتطلع للعب دور ربما على مستوى القارة الافريقية جميعها لا يتماشى ومصالح محركي رقعة الشطرنج.. والامر سهل، الآن الملك في حالة استرخاء من الحرب الطويلة فليباغته احد جنود النظام الاوفياء بدافع الحسد او الغيرة وربما الخوف.
والمفاجآت.. والاحداث ستظهر في الاشهر والسنوات القادمة.. بعد ان مات «الملك» استهلت اللعبة من جديد.



http://alsahafa.info/index.php?type=6&col_id=27&issue_id=724&bk=1

Post: #942
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-14-2008, 03:27 PM
Parent: #295

هل سيحكم الجمهوريين السودان؟

Post: #299
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 06:43 PM
Parent: #1



النشوف اخرتا
موت فكرة.. حياة رجل

سعد الدين ابراهيم
كُتب في: 2005-03-05



- في بداية السبعينات ونحن على مدارج جامعة القاهرة الفرع. أو في المنتديات الكثيرة العامة.. كانت ظاهرة الشباب الذين يعرضون علينا كتب الاخوان الجمهوريين.. وكانوا يتمتعون بصبر هائل.. وبعضنا يسخر منهم وقد يستفزهم ولكنهم ما كانوا يستجيبون للاستفزاز وكنا نجابههم بما يتردد شعبياً بأن الاستاذ لا يصلي باعتبار ان الصلاة رفعت عنه وكانوا يستنكرون ذلك ويفندون تلك الدعاوى.
- لم اطلع على كتابات الاستاذ التي كانت تصدر بكثافة لكنني رأيت في جماعته نموذجاً مختلفاً خاصة ان سدنته كانوا من المثقفين أو من الأكاديميين المرموقين، وكانت المرأة الجمهورية نموذجاً مختلفاً بزيها المحتشم والذي يكون ثوباً ابيضاً دائماً.
- وقد ادهشنا هذا الولاء بلا حدود لزعيمهم ولفكرتهم، وكنت ارى عجز خصومه حتى انهم رموه بالسحر فقد ذكر أحد الشيوخ الاجلاء انه عندما كان يحاوره كان يشاهد أشياء غريبة مما يوحي بأنه يمارس نوعاً من السحر.
- إلى أن انتهت الظاهرة باغتيال الاستاذ وقد كان نموذجاً للمدافع عن الحرية الفكرية ودفع حياته ثمناً لفكرته.. بعد كل هذا.. اتساءل هل لمع مفكر أو كاتب أو صاحب فكرة مثل محمود محمد طه ومثل الجمهوريين.. واتساءل كيف تضاءلت الفكرة وتقلصت بموت زعيمها.. وهل تضحية الاستاذ تستحق الاشادة والاعجاب.. أم انه كان يمكن ان يفدي نفسه حتى يظل الملهم للفكرة إذ لم يجنح الى خلق قائد أو تلميذ في مثل قامته يخلفه في المضى قدماً بفكرته.
- وازعم ان المفكر لم يكن مقصوداً في شخص الشهيد محمود.. بل كان المقصود هو السياسي الآن وقد بدا الاستاذ بعيداً والفكرة الجمهورية لم يعد لها ذياك البريق.. هل يمكن أن تجد فكرة جديدة ومفكراً جديداً يحظى بذلك الولاء والانتماء.
- إن مسرحية مأساة الحلاج لصلاح عبد الصبور تذكرني بالاستاذ محمود في الملمح العام ربما لذلك ظلت نظرتي إليه يملؤها الاحترام والتقدير رغم عدم قراءتي لفكره وعدم معرفتي لمنهجه إلا في خطوط عامة.. إلا ان موته الجميل.. ظل عندي اسطورياً فمنذ متى لم يستشهد مفكر في سبيل فكرته.. ولم يبل مثله في الدعوة إلى المساواة والحرية.



http://alsahafa.info/index.php?type=6&col_id=25&issue_id=563&bk=1
_____

Post: #300
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 06:44 PM
Parent: #299



حول كتاب ما المنفى وما الوطن؟
نجم الدين محمد نصر الدين
مباشرة وجرح الرحيل ابيض بليدا نازفا تباعا ، ولوعة الفراق تدمى قلوب من عرفوا الاستاذ الخاتم وتقاطعت دروبهم معه فى الحياة ، اقترح المهندس بكرى ابو بكر صاحب الموقع الاسفيرى الالكترونى الاوفر حظا فى الصيت والشهرة مقارنا برصيفاته من مواقع ، ان تتم طباعة كتاب يعود ريعه الى اسرة الاستاذ الخاتم تحديدا زوجه تيسير مصطفى وولديه منها احمد وحسام اللذين يقول لك عنهما والدهما انهما ولدا فى اليوم والتاريخ نفسه بفارق 4 سنوات مما تعدون ، وقد طالب المهندس المشتركين من اعضاء الموقع باقتناء الكتاب فور صدوره او الالتزام بهذا الاقتناء ليسهم ذلك كله ويصب فى خانة معاونة هؤلاء النفير الكليم الكريم لكى يكفهم ذل السؤال ومنة البخلاء والتكفف كاولوية قصوى مقدمة على غيرها ، فتوفر الجميع على إعداده وتجهيزه وكانت فكرته اول الامر هى ان يتم جمع للمواد التى كتبت عن الاستاذ الخاتم باقلام الاخرين وهى كثيرة وعديدة وكافية لهذا الغرض اوغيره. الى ان تم العدول عن ذلك واصداره مما ترك قلمه السيال وفكره النابض الحي المتجدد من مواد وموضوعات ، ولقد تم جمع الكتاب وقامت دار الساقى بطباعته فى 392 صفحة من الورق الابيض الناصع المتوسط وقام بتصميم غلافه الاستاذ الياس فتح الرحمن كما قام الصديق د. بشرى الفاضل بمراجعة النص وإرساله إلكترونيا ، ولقد صادف ذلك عقبات فنية لكبر حجمه كما اخبرنى لاحقا حين التقينا فى الخرطوم ما قعد به ، واكتفى بمراجعة الاستاذ الياس فتح الرحمن الناشر للنص كما تم إرداف المراجعة بالكتابة عن لغة الاستاذ الخاتم الكتابية والجماهيرية قام بذلك صاحب البنت التى طارت عصافيرها ، وتمت قراءة اجزاء منها نيابة عنه فى حفل التأبين بمدينة واشنطن الكبرى. إن السفر هو باكورة إنتاج دار الخاتم عدلان« للاستنارة»، ذلك العمل الذى اوقف حياته له وبذل النفس والنفيس فى سبيله حتى آخر لحظة من حياته الحافلة العامرة، ونتمنى ان نرى لواء الاستنارة محمولا بعده علي خير وجه إيفاء لما سعى لبسطه وتعميمه لولا معاجلة الايام وسبق الاجل ، ولقد قامت المجموعة المشرفة على تبويب الكتاب بريادة د. الباقر العفيف مختار واركان حربه وهو من القلائل الذين كما وصفهم معلمهم الاول السابق الاستاذ محمود من «الما نقضوا مما عقدوا» فى إشارة الى ان التزامهم كان صميما وكانوا عليه امناء واحسبه كان كذلك ولا يزال بعد ان انضم لجماعة حق قاموا وبمشاركة الاستاذة تيسير مصطفى والتى كانت دوما عضدا ومشاركا فاعلا بتقسيم الكتاب على الطريقة التى تم ذلك بها، مصيبين فى تقديرى النجاح كله ، فالكتاب حديقة غناء يضوع منها العبير ويفوح الشذا وتتنوع فيها المغروسات وتتعدد المحصولات والنواتج وتتشكل ، ابتداء من التبيين والاجلاء لاوجه الخلاف بين البقاء فى الحزب الشيوعى السودانى والتغيير الذى طراء على افكار الراحل الفقيد وجعل الاستمرار بالنسبة له على النهج نفسه ضربا من إستهلاك الذات وجمع الشى وضده ، مافشلت نفسه الشفيفة وروحه الندية فى قبوله ونادى بالاصلاح والتغيير مؤذنا بان دواعيه واوانه قد اتيا وحان ورده ، فلما لم يجد اذنا صاغية بل وجد بدلا من ذلك إزدراء تقدم باستقالته موضحا الفوارق والاسباب التى حملته على ذلك ، فكان مانفيستو حركة القوى الحديثة ودعوتها وطرح برامجها التى قوبلت بالرفض كله من التجمع الوطنى الديمقراطى شاملا ذلك المطالبة بالقضاء عليها والاجهاز على استعدادها حينها الذى ابدته ، حتى للانخراط فى العمل العسكرى التقاطا لقفاز التحدى الذى القى به السيد رئيس الجمهورية مع الاخرين ، فحيل بينهم وبين هذا الاسهام الفاعل . ولقد شدنى السفر وجذبنى لحافليته بالتنوع والغنى الشئ الذى يعز انتاجه للمشتغلين بالسياسة فى السودان وعالمنا الثالث ، فكأنها لا تكون ولا تتأتى الا خصما على غيرها من قدرات ومواهب ، فالساسة لدينا تعميهم و تستغرقهم المكايدات الحزبية وما شابهها واتصل بها . فالكتاب فى جملته هو وعاء افكار مؤلفه والتى هى حقا على قدر من التميز ويمكن اكتشاف ذلك بسهولة تامة بقراءته ونوعية الموضوعات التى تتم الكتابة حولها وطرقها بواسطته ، وما سعى وجهد لان يكون هو ما يشكل الاداء السياسى فى القادم من ازمنة ولقد تضمن الكتاب مجموعة مقالات بعضها فلسفى غارق فى الفلسفة ولكنه يتحول بقدرة الكاتب على اداء السهل الممتنع الذى يميز كتابته فى عمومها ويحيلها الى مادة مفككة تسهل قراءتها وهضمها بل استيعابها وفهمها كذلك ،بجانب ما تمت كتابته عن المنطق علاوة على المقالات السياسية التى غطت بعض الظواهر التى لايقف الناس عندها هنا كثيرا: مثل التناول بالتحليل للاعتذار الذى قدمه العقيد الفقيد الشهيد الدكتور جون قرنق دى مبيور للسيد بونا ملوال عقب رميه له بما ساقه من اتهامات ، انتهى امره بما اوجب عليه الاعتذار له عنها ولقد حدث كل ذلك بالفعل وبشكل طقسى تم فيه تمثيل تقاليد الدينكا فى مثل حالاته فى ان جرى فى حضور كبار القوم والعلية ، والفقيد فى عنفوان قوته وقدرته والعالم مشرئب الاعناق ينظر اليه ولم تأخذه العزة بالأثم فعلها مع امثاله وغيره ، بل سعى الى غرس هذه القيمة الاضافية فى حياتنا الخالية من شبيهاتها بما يشكل محتذى تاما وقدوة كم نحن فى امس الحاجة للتأسى بها .تناول الكاتب اداء الجبهة الاسلامية وما قامت به فى حق شعبنا وكذلك د. الترابى بالتشريح والتفصيل لادائه والتساؤل عن امكانية ان يكون بديلا لنظامه الذى اوجده وسواه ولم يعدله ، ويأتى للقول بالانقلاب عليه السؤال الذى لم يثره الكثيرون بل تغافلوا عنه تقية او خوفا او قعودا عن المنافحة الواجبة ، بل مسايرة ومجاملة ومعايشة فى خلط بين للاجتماعى بالرسمى والسياسى تغليبا للمصلحة الخاصة ونائيا عن خوض المعارك وتقاعسا شأن السياسة والمشتغلين بها فى السودان ، بل ابعد من ذلك رصا للصفوف وتحالفا ، فمن المعروف ان المؤتمر الشعبى الذى يدعي المفاصلة مع الوطنى لم يخرج على الناس ببرامج مبينة مفصلة فيه اوجه التناقض ان كانت هنالك ، بين المؤتمرين الحاكم والاخر غير القابل بذاك او على الاقل المتظاهر بعدم القبول ، هذا بالرغم عن انه ومع تغير الظرف كله فلقد خفت حدة اظهار البينونة فى الفراق على النحو الذى كان وخفتت تلك الاصوات وسكن قرع الطبول بل وابتدأت المغازلة والهجرة العكسية ، فى العودة الى صفوف الوطنى بالذرائع كلها واولها الوطنية التى يبدو انها كانت فى اجازة، خصوصا وهى ذريعة صالحة وتجارة رابحة فى هذه الايام ان كسد غيرها وبار لدى الانقاذ والانقاذيين. .فى محاولة رد القوات الاممية وصدها عن القدوم الى دارفور حماية للمدنيين ولمن هم لها فى حاجة . فى السياق نفس إحتوى الكتاب مقالات متفرقة فى مواضيع شتى وكان جمالها فى تنوعها والتعدد كما يقولون عن وطننا السودان ، الاهم من هذا كله ان السفر حوى فصلا كاملا متصلا بالنقد والدراسة التحليلية لكتابات كاتبة سودانية تعيش فى المنفى فى بلاد الفرنجة هى الاستاذة ليلى ابو العلا وتكتب بلسان سكسونى مبين وتشكل اضافة تامة للابداع السودانى المفتقر للعالمية والذيوع ، خصوصا بين من يسم التفرد ادائهن بجانب تناول نقدى فى ثنايا مقابلة صحفية مطولة تم تقديم للكاتبة المرموقة من خلالها ، هذا بجانب تناول بعض الكتب بالاستعراض ككتاب رؤية من الداخل لثورة افريقية لمؤلفه الدكتور لام اكول اوجاوين وزير الخارجية الحالى، عقب انشقاقه عن الحركة وعودته اليها التى حملته الى كرسى الوزارة فيما لم نجد له قبلها تناولا ، هذا مع الفصل الاخير بحسب التبويب الذى تم فيه التناول لافضل الكتب الامريكية والانجليزية التى صدرت فى العام 2004 اظهارا للمتابعة اللصيقة المتصلة والمواكبة التى لا يجعلها الاشتغال بغيرها منعدمة كما هو الامر لدى قوم ساس يسوس ومن لف لفهم .فصل آخر حاويا لمقابلات صحفية اجريت مع الاستاذ الخاتم داخل السودان وخارجه تناولت فى مجملها غوصا فى تفكيره ومحاولات لاجلاء وفلق التوجهات التى انتهى اليها عقب نشره لارائه المختلفة عما بذل عمره الا اقله من اجله وعاش له ، وماهية جذور خلافه الفكرى هذا مع النظرية الماركسية فى مجملها ومدى تأثير التطورات الحادثة فى العالم الان على بنيتها الفكرية الاساسية ، ومن ثم الدعوة لحركة القوى الديمقراطية «حق» والمناداة التامة بالطهر السياسى والالتزام الامين بالديمقراطية واستصحاب العمل العام والانخراط فيه هو المحقق لطموح وآمال شعبنا السودانى فى الحياة الحرة الكريمة العامرة بالرفاه والتعددية ، القائمة على الصدق فى التوجه والنبل فى المقاصد والثورية العامرة بالشفافية والنقاء ، والكتاب اضافة حقيقية للمكتبة السودانية ،املنا هو ان يتواصل اصدار وجمع ما تبقى مما تركه الكاتب والمفكر والسياسى النابه الفقيد الخاتم.وان تظل شعلة الاستنارة متوهجة فى دار الخاتم عدلان للاستنارة وان تتم معاجلتنا بآخر او اخريات من الاسفار ، بجانب تحقيق الفكرة الاولى من الكتاب بجمع ما كتب عن الفقيد الخاتم تعريفا به وبافكاره خصوصا لتلك الاجيال التى لم يكن لها فى معرفته نصيب او لم يصفه بعض منسوبى حركته واتباعها بانه ثالث ثلاثة فى تاريخ السودان ؟



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147508002&bk=1
_

Post: #301
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 08:09 PM
Parent: #1


خفت البلاد إلى داره بعد سماعها النبأ المشؤوم
محمد طه محمد أحمد ... اغتالته الذئاب رغم أنه لم يكن قاصياً !!
رصد علاء الدين بشير
حجم القلق المرتسم على الوجوه ونطقت به الالسن من المصير المجهول الذى يمكن ان تنزلق اليه البلاد جراء اعتماد التصفية الجسدية كآلية لحسم الخلافات الفكرية او السياسية كان موازيا للصدمة التى ضربت المجتمع امس بعد ان صك مسامعه نبأ الاغتيال البشع لرئيس تحرير صحيفة الوفاق الاستاذ محمد طه محمد احمد .
فالرجل عاد الى داره بحى كوبر بالخرطوم بحرى مساء امس آمنا بعد جهد يوم شاق وبينما خلد الى فراشه للنوم طرق داره قرابة منتصف الليل طارق فهب لاستقبال الزائر الليلى بكل اريحية وهدوء ... فتح الباب وقبل ان ينبس ببنت شفة انقضت عليه مجموعة من الرجال وحملوه الى سيارة كانت تنتظرهم امام الدار !! الطارق الليلى المريب وعدم سماع تبادل عبارات الترحاب المعتادة , حركت ساكن الشك فى دخيلة اهل محمد طه , فخفوا الى الخارج فوجدوا الرجل داخل العربة البيضاء المنزوعة اللوحات وقد تحركت مسرعة بعيدا عن الدار , ولان الليل كان ادخل انفه فى المدينة , فإن الشارع كان خاليا تقريبا من (ابو مروة) ليفزع الاسرة المرعوبة على اختطاف عائلها , سوى سائق دراجة نارية اعمل جهده فى مطاردة الجناة الخاطفين لكن دون جدوى !! , واستطاع المجرمون ان يفرور بصيدهم الاستاذ محمد طه رغم حالة (الاستعداد) التى كانت عليها الجهات الامنية والارتكازات المنصوبة فى عدة مناطق من العاصمة , تهيئا لرد تظاهرة المعارضة المعلن عنها صباح امس , ويخرجوا به من قلب الخرطوم الى اطرافها النائية حيث نفذوا جريمتهم الشنعاء ومثلوا بجثته والغوها فى العراء .
التساؤلات الحيرى كانت بادية على وجوه جموع المعزين الذين خفوا الى منزل الاستاذ محمد طه عقب سماعهم بالفاجعة عن من يكون وراء الجريمة الشنعاء ... المعزون كانوا كل السودان ...كل الصحافيين . وزيرا الدفاع والداخلية ومسؤولون حكوميون ومن المؤتمر الوطنى , الحركة الشعبية بقيادة ياسر عرمان .. حركة تحرير السودان بقيادة محجوب حسين , الامام الصادق المهدى . الشيوعيون السودانيون وقوى اليسار الاخرى .. الجمهوريون الدكتور عمر القراى واخرون , قيادات المؤتمر الشعبى , والاتحاديين , الشيخ صادق عبد الله عبد الماجد ومجموعات الاخوان المسلمين , وزملاء الراحل فى الدراسة , واهله الذين غطوا عين شمس ظهيرة الامس اللاهبة .. دخل الجميع فى تكهنات حول من يكون المجرمون , صعب الامر عليهم , فقد كان محمد طه قلما جريئا صادعا بما يعتقد انه حق غير هياب للمآلات التى يفضى اليها رآيه , ورغم انه يعد احد الاقلام المحسوبة على الانقاذ , الا انه دخل فى معارك مشهودة مع معظم المتنفذين فيها اليوم وقبل المفاصلة , طالت انتقاداته القوية سلطة الانقاذ فى قمتها وفى رموزها , كانت آخرها معركته الشهيرة مع اسامة عبدالله حول اراضى الولاية الشمالية . اشتهر محمد طه بأنه ذاكرة متقدة يدعم كتاباته بارشيف من المعلومات حول الشخصية مدار الحدث , لذا فإن الكثيرين يعتبرون ان قلم محمد طه مهاب من قبل خصومه لهذه الاسباب , كان الرجل مقداما فى كشف الفساد والمفسدين بما استطاع الى ذلك سبيلا , يساعده انه لم يكن مغلول القلم واللسان حيث انه يسير صحيفته بالكفاف . ورغم ان كثيرين يختلفون معه بمقدار ومقادير الا ان خصومه يشهدون له بأنه كان صادقا فيما يعتقد انه حق ومنافح عنه لدرجة التطرف حتى ولو كان ذلك خطأ صريح فى نظر الاغلبية .
دخل محمد طه قبل عام ونصف فى معركة ضد تيارات دينية متشددة حول مقال للدكتور المقريزى , اعتبرته هذه الجماعات اساءة للنبى الكريم صلى الله عليه وسلم, ورفعت ضده دعوى فى المحكمة واصدرت فتوى بردته , ورغم ان طه اعتذر عن المقال وقال انه نشر خطأ , الا ان ذلك لم يوقف سيل الهجوم عليه من منابر مساجد تلك المجموعات , وانتهت القضية فى المحكمة بتبرئة ساحته الشخصية وتغريم الصحيفة ماليا , الا ان الفتوى بردته الصادر ة من المجموعات المتشددة لم تسقط بالتقادم , وقد تعرض لاكثر من اعتداء شخصى عليه اوعلى مقر صحيفته , بدوافع دينية وجهوية وسياسية . وسيرة محمد طه المثيرة للجدل ممتدة من ايام دراسته بجامعة الخرطوم واصداره لصحيفته الحائطية (اشواك) ومساجلاته المشهورة مع الجمهوريين , ورغم الخصومة الشديدة معهم وقتذاك وتهليله لاعدام زعيمهم الاستاذ محمود , الا ان محمد طه عاد الان لافساح المجال لبعض تلاميذه بالتعبير عن افكارهم من خلال صحيفته كما انه ظل على الدوام يحيى ذكرى اعدام الاستاذ محمود بمقال لايخلو من النقد لفكرته والاعجاب بشخصيته الزاهدة والصميمية . ومع ان محمد طه عرف منذ دراسته الجامعية بانتمائه إلى الاتجاه الإسلامي وعمل في منتصف الثمانينيات مديرا لتحرير صحيفة "الراية" الناطقة بلسان حزب الجبهة الإسلامية القومية , الا ان الاسلاميين ظلوا يتشككون حول ميوله الشيعيه لذا فإنه كان دائم الاحياء لذكرى رحيل زعيم الثورة الايرانية الامام الخمينى , كما انه اجتهد ابان الحرب السادسة الاخيرة فى تأصيل نسب زعيم حزب الله حسن نصر الله حتى اوصله بالبيت النبوى ,ورغم أنه يعتبر من أبرز كوادر الإسلاميين، عرف بالاستقلالية في آرائه ما كان يتسبب في خلافات حادة مع قيادة الحزب.وأصدر طه صحيفة الوفاق في العام 1996 بعد السماح بصدور الصحف المملوكة لشركات، وكانت لفترة إحدى أكثر الصحف انتشارا وخاض رئيس تحريرها العديد من المعارك مع الحكومة والمعارضة على حد سواء, وظل شعار صحيفته القول المأثور (انما يأكل الذئب من الغنم القاصية) .وبالامس كان الذين يقودون الهتاف للثأر لمحمد طه فى سرادق عزائه هم خصومه واصدقاؤه فى نفس الوقت من رموز اليسار , ويقولون : مليون شهيد فدى التنوير ... دم محمد لن يروح ... وعندما وصل الى سرادق العزاء وزيرا الداخلية والدفاع انقلبت الهتافات ضد السلطة بما اغضب بعض شباب الاسلاميين وكاد دم محمد طه ان يصبح مدارا للتنازع حول من هو احق به , بينما التزم اهله الحياد وان كان الشك يملؤهم حول من قتلوه ومن تواطأوا فى قتله .ولم يكن حظ الوزيرين من الهتاف الغاضب ضدهما فى المشرحة من جموع الصحافيين الغاضبة التى هتفت .. استقيل يا وزير , ولم يقفوا عند هذا الحد بل خرج بعض منهم متظاهرا فى الشارع الامر الذى اوقعه تحت غضب الشرطة التى كانت متحفزة منذ الصباح ضد تظاهرة المعارضة ففرقت تظاهرتهم ولم تفرق شملهم اوجمعهم .
اغتيال محمد طه يعيد الى ذاكرة الصحافة السودانية قصة اغتيال رئيس تحرير صحيفة "الناس" ، مكى المنا، فى بيروت مع اختلاف الدوافع والمكان والزمان والمناخ السياسى .



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147506043&bk=1
_

Post: #302
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 08:10 PM
Parent: #301


الأستاذ والمقصلة والأراجوز
نزار أحمد أيوب
يناير وشتاء، في العام الخامس والثمانين بعد تسعة عشر قرناً لميلاد المسيح عليه السلام.. وصباح محتقن بالترقب والفجيعة والانتظار، وجمعة حزينة تشكو للرحمن ظلم بني البشر للانسان.. الباحة الامامية والشوارع الخلفية للسجن العمومي تمتليء بالسابلة والساسة، طلاب ومهنيون، نساء واطفال وشيوخ، خوذات وبنادق وصمت مقدس يلف المكان.. ومكان تحتبس انفاسه في انتظار اللحظة.
وجاء الرجل يمشي اليها
ويصعد اليها عادياً تماماً!!
حتى ادهش جلاده.. فقال:-
«رأيت الكثيرين، نعم الكثيرون يؤخذون اليها، بيد اني لم أرَ من يمشي اليها.. كأنه ذاهب الى بيته».
بعد العِشاء الاخير.. جاءوه وساوموه.. ايها الراحل، تنح ولو قليلاً.. قد انملة تكفي.. فحدثهم حتى السحر، عن السهروردي المقتول وابن درهم المذبوح، والحلاج المصلوب، وعند الفجر نادوه ليتهيأ، استفسروه عن الرجاءات والوصايا.
إثماً ظننتم «فهؤلاء ليسوا محل الرجاء. رجائي قربان. اما وصاياى فتتمشي بينهم افعالاً لا اقوالاً».
ما بين الزنزانة والمقصلة، سألوه عن الاشتهاءات الاخيرة ومطالب الوداع والنهاية، فقال بهدوء «فكوا عن يدي الاغلال لاودعهم وابشرهم وادعو لهم ولكم بان تشملكم العناية».
لن نسمح .. انها تعليمات
رد.. حاضر، لا بأس
زحزح نعليه، ليزيل ما تبقى من آثار الحصى والرمل والنجاسة..
وصعد اليها..
كشفوا الغطاء، وازاحوا المزلاج
فبرقت الابتسامة، ختام نشيد ورضاء العبور لحيز الميلاد الجديد..
وكما تقول المتصوفة:
مرحباً بالموت الذي فيه اللقاء.. ولقاء ربك جل يوم العيد
استدار الزمان.. وارتفعت الابتسامة، كبرت وتناسلت، ملأت الأفق سجادة فارسية على اطرافها اصطف الزهاد والعباد، الفضيل بن عياض وابن مشيش والشبلي والشيخ الاكبر واختهم رابعة تطوف عليهم باباريق المحبة.
من هو؟؟
زعم مريدوه انه اصيل ومفرد، وصاحب حقيقة وشريعة، وتلك مسألة تندرج في اطار المعارف الذوقية، حيث لا العقول ولا اخضاع الافتراضات للبحوث الامبريقية هما طرائق الامساك بالنواصي. والحقائق نفسها في هذا المضمار، تكتنفها الطلاسم والطواسين، تتشعب طرقها وتتدرج مقاماتها، وتتنوع مقاديرها من حيث الكثافة واللطافة. وتحيطها نيران شهيقة ودونها مفازات عميقة. وحظنا في ذلك «كنصيب الحزبين والطائفتين في قسمة نيفاشا».
غير ان الشواهد من الافكار والأقوال والأعمال، والتي يمكن اخضاعها للاختبارات الاجتماعية «الاكلينيكية» تكاد لا تحصى ولا يتسع لها المقال، وتفضي جميعها الى حقيقة وحيدة.. انه كان استثنائياً واصيلاً!!
بيت الطين:
قدم الاستاذ محمود نفسه كزعيم وقائد متفرد واصيل، بانموذجه القيادي، او بوسائل ادارته للجماعة، فاقام نسقاً قيادياً على قاعدة تسليكية بسيطة ومعقدة في ذات الحين «في امر الدنيا انظر الى اسفل.. وفي امر الدين انظر الى اعلى» فاضحى بذلك الامام والمأموم. يتقدمهم في شؤون الدين.. وتتثاقل خطاه في شؤون الدنيا. اظلفوا انفسكم اكبحوا شهواتكم اقطعوا عروق العلائق وفروا من وطن العوائق تشرق عليكم انوار الحقائق.
هذه هي الرؤيا.. فماذا كان الفعل؟
أولاً: في شأن المسكن، فرغماً عن تخرجه مهندساً في كلية غردون غير انه اختار بيت الطين والجالوص رقم «242» في الثورة الحارة الاولى، في الوقت الذي اختار فيه كل رصفائه الغردونيين الانخراط في نادي البرجوازية السودانية المتعلمة، ولسان حاله يقول لهم مع الرازي «دياركم هامانية ومراكبكم قارونية وولائمكم فرعونية.. فأين أنتم من الطريقة المحمدية؟
ثانياً: في شأن الملبس. لم يقتن من الأشياء الا اوتارها. جلباب واحد، وعمامة، ملفحة و«عراقي» ونعلين، ولكن لغرضين مختلفين لا يمكن توحيدهما، وقلنسوة واحدة!!
والأدهش.. في مجافاته لاستخدام صنبور المياه «الدُّش» عند الاغتسال. والابتعاد عن شرب المياه المثلجة، بدعوى انهما غير متوافرين لغالب أهل السودان في البوادي والأرياف، وهو داعية لمساواة السودانيين في الفقر. فكيف له ان يستقيم على الطريق، بينما تتناقص أقواله وأفعاله!!
ثالثاً: في شأن المطعم. غض النظر عن عدد الناس المتواجدين في بيت الجالوص، فالمائدة واحدة والإدام واحد. والمتغير الوحيد هو القدح. يتحلقون حوله، ثمانية او عشرة، يأكلون ويذهبون.. ثم يعيدون الكرة. وفي الختام.. يجلس هو وأصحاب الاعذار، وقطة داجنة، غالباً ما تشاركهم طعامهم، فيطعمهم بيديه، ثم يأكل قليلاً من الفتات ممزوجاً مع الماء القراح.
زهداً وورعا واستقامة.. خلقت منه زعامة «كاريزما» ملهمة.. لا تستمد مشروعيتها بالطرائق التقليدية... من تسلسل رئاسي في المنظومة، أو سلطة القائد في المكافأة والعقاب والإكراه النفسي والعاطفي، أو الخبرات الأعلى والمعلومات الأوفر. فابتدع نهجاً قيادياً متفرداً يستند على سطوع وجاذبية النموذج المرجعي reference power، فكان هو الأب في حنوه لا في تسلطه. فأخاط الجماعة بوشائج الإخوة والمحبة الحقة. فنجت بذلك من الداء العضال والجرثوم الفاتك الذي أصاب الأحزاب السياسية السودانية. فقد عانت جميعها دون استثناء من الانقسام والتشظي والخروج الجماعي واتهام الآباء المؤسسين بالاستبداد والكهنوتية أو التخريفية العقائدية. فما من «أب» غيره إلا وقد خرج عليه أبناؤه وأتباعه يلعنون ويقذعونه. أما هو فحتى أبناؤه الذين انكروه تحت ظلال السيوف في جلسات تفتيش الضمائر.. عادوا لعروتهم الوثقى. والآن قد تفرقت بهم السبل، فما باتوا يأتلفون على شيء سواه.
بيت الزجاج:
كثيراً ما قال.. أصدقوا ولا تكذبوا.. بوحوا ولا تضمروا، وحدوا أبنية النفوس المنقسمة، لتكون أقوالكم ترجمان أفكاركم، وأفعالكم تجسيد أقوالكم، فيثمر هذا الثالوث المتوحد.. برا ولطفا بالاحياء والأشياء والناس لتتسنموا قمم حرياتكم الفردية المطلقة، وتصبحون زهوراً معطارة تفيض بالشذى من غير تكلف.
هذه المعاني التوحيدية الرقيقة.. لها تجلياتها على المستوى الديني والسياسي والانساني. وقد جر حبلها من عالم المعاني الى عالم المباني، فأنشأ أول مؤسسة دينية وسياسية في السودان تعتمد الشفافية «قبل ان تصبح من شعارات الألفية الثالثة»، تعتمدها كمقصد ديني وضابط أخلاقي وناظم للسلوك السياسي. فأسس بنيانه على أساس متين، لا على شفا جرف هارٍ.. معماراً خالياً من سراديب العمل السري ومكاتب المعلومات التآمرية او التنظيم الخاص ذو المهام والاهداف الخاصة؟!!، ولا الفراكشنات fractions، وتلك يعرفها أهل اليسار!؟ ليمُسي الحزب الجمهوري هو الكيان الوحيد.. صحب الكتاب المفتوح. فمصادر تمويله معلنة ومعلومة.. وتقتصر فقط وحصراً على عوائد بيع الكتيبات واشتراكات الاعضاء. أفكاره معروضة في الأسواق والجامعات والشوارع، جلساته مفتوحة حتي للغوغاء والدهماء من اعدائه.. والذين كثيراً ما تطاولوا على الأستاذ في عقر داره. فقد اختار الشفافية كقيمة ذات إسناد ديني ورجوح اخلاقي لم تنتش منها نوائب الزمن ولا نوازل السياسة.
الجدري السياسي:
بعد الاطلاق الأخير في يناير 85، جمع التلاميذ وحدثهم عن جدل الفداء والابتلاء، وان الإبتلاءات الكبرى لابد ان يفتديها أصحاب القامات العظمى، وانهم انفقوا وقتاً ليس باليسير في المقروء والمسموع، وقد حانت اللحظة للسمو في مدارج العبودية والصوفية السلف وهم الخلف، وقد كانوا يفتدون الناس، فالشيخ الرفيع ود الشيخ البشير مات بالجدري، وحكى لهم ان الشيخ طه مات في رفاعة بالسحائي، ثم انحسر الوباء، وان الشعب في انتظارهم.. ليفتدوه بأعلى سامق نخل فيهم. لم يدركوا.. وحسناً فعلوا.. لانهم لو ادركوا ما كان هو.. هو..
حضرة السلام:
في إحدى الجلسات الصباحية، التلاميذ يتحلقون حول الأستاذ.. يتدارسون وينشدون العرفانيات جاء الناعي.. بأن اعدى اعداء الفكرة من المتفيقهين.. قد انتقل للرفيق الاعلى. وكان من الخائضين زوراً وتجريحا.. في الفكرة وشخوصها وعروضها واستاذها، إفكاً وبهتاناً تقاصر بصاحبه عن قامة المتدينين وطبائع السودانيين.. جاء الناعي.. فشخصت ابصارهم نحوه، ليوميء بالتوقف عن الجلسة الروحية «إننا نعرف الرجل وتاريخه، ولكنه اليوم هو احوج ما يكون الينا، فلنقرأ الاخلاص باخلاص على روحه احدى عشرة مرة» أهي حضرة السلام.. مخروطية القوام.. قاعدتاه كف الاذى.. وقمتها مسامحة الاعداء ومباركة اللاعنين؟؟!
أسئلة على هامش الفكرة:
إنتقى من كل حدائق الفكر.. ليصمم نسقاً «معرفياً» يستدمج في دواخله شواهق الابداع الانساني.. مهتدياً ومسترشداً بالنصوص القرآنية الكريمة والسنة المحمدية الشريفة وإرث الصوفية التليد.. نسقاً له اتساقيته الداخلية، والتي لا تلغي مشروعية التساؤلات حوله:
أ/ أسئلة حول نخبوية الفكرة.. وطوباويتها.. ترفعها واستعلائها؟ صلاحيتها واستعداديتها في الانتقال من نهج صفوة منتقاة الى تيار شعبي؟؟
ب/ جدواها الاقتصادية في حال شيوعها كناظم للدورة الانتاجية والاستهلاكية؟ وهل ينمو الاقتصاد بتوسيع خيارات الاستهلاك؟ أم بتجييف الدنيا وتبخيسها، ثم سحقها بين النعلين؟ وغياب التنافسية الاقتصادية هل يصلح كأساس للنهوض والتنمية؟
ج/ أخلاقية الإدعاء حول التعايش مع مستصغر الشرر تجنباً للفتنة الكبرى، والاستظلال بالمستبد الأصغر خوفاً من فراعنة المستقبل؟
د/ ما هي المعايير الموضوعية لقراءة النص وهل تصلح الذوقانية الذاتية كمدخل لتأويل النصوص الدينية ومقاربة القضايا السياسية والاجتماعية؟
هـ/ ترجيح اللا عنف والسلم كقيم مطلقة دون النظر في الملموس، ربما ينجح على المستوى الفردي، ولكنه قد يضع مفاتيح التاريخ عند الطغاة والكولنيالين فقط!!
ع/ توهان التلاميذ الفكري والروحي بعد مضي الأستاذ وانتظارهم لاذن قادم من برازخ الغيب.. أو نصر فجائي ينبت كالخرافة من ثنايا الهزيمة.
و/ صمم الأستاذ استمارة شاملة للتغير والاصلاح وضبط السلوك.. تصادر الاحلام الصغيرة لاجل امتخاض الكمالات، وطقوس احاطية كثيفة تبدأ من ارتشافه شاي الصباح حتى السجدة الأخيرة لصلاة القيام.. فكرة لا تتسع جنباتها لملعب كرة القدم، ولا تطأ قدماها دور الخيَّالة، ولا تستمع أذنيها لدندنة حسن عطية ولا طمبرة عثمان اليمني.
أليس ذلك ببرزخ الشمولية الجديدة.. الذي انقطع عن عالم الملك ولم يلتحق بعالم الملكوت.
أسئلة وأسئلة.. لكنها لا تقدح في مصداقيتك، فكم انت رحيباً.. وكم ضيقة هي الفكرة!!
وعفواً أيها الركابي الوضيء المضيء ان أدرت لهم ايسرك ليصفعوك فاخذوا الخد والجسد!!



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147494832&bk=1
_________________

Post: #303
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 08:12 PM
Parent: #302


محمد سعيد القدال
الإرهاب.. الإرهاب «2-3»
طرحنا في الحلقة السابقة السؤال الاساسي وهو: لماذا يبرز الارهاب مخرجاً لجيل الشباب المحبط؟ هناك مجموعات من الشباب نأت بنفسها عن كل مساقط الطفيلية ورذائلها، منهم من استمسك بقيم مجتمعه، ومنهم من وجد في الاغتراب كنفاً يلوذ به، وإن كان صعب المراس. ومنهم من انكفأ على نفسه يغرق فيها رايات طموحاته المنكسة.
وفي هذه الحُلكة «بضم الحاء» برزت حركات الهوس الديني، وأسميها الهوس الديني، بينما يسميها البعض الاسلام السياسي أو التأسلم أو الاسلاموية. ولكنها في جوهرها كلها هوس ديني Fanaticism. وتتخذ من الاسلام شعاراً لها بدرجات متفاوتة، رغم أنها كلها حركات سياسية. فهى حركات سياسية لا علاقة لها بالاسلام. إن الاسلام دين هداية. جاء القرآن يحمل رسالة أزلية وهى هداية البشر ليقتربوا من الخالق، ليقتربوا من المطلق، وهو اقتراب فيه مشقة، ويحتاج الى درجة عالية من مجاهدة النفس. إن القرآن من أول سطر فيه الى آخره يقوم على الهداية. ولكن حركات الهوس اقحمت الدين في معترك السياسة، وهى تتوهم أنها عندما تلصق الاسلام بها سوف يعطيها حصانة ويضفي عليها قدسية. وتهجم على مخالفيها ليس لأنهم يختلفون معها سياسياً. ولكن لأنهم خرجوا على قداسة الدين.
ومالنا نذهب بعيداً. فقد اعلن نميري في العام 1983م دولة دينية. ونميري أحد بلطجية الهوس الديني، رغم أن نظام الانقاذ الحالي يقيم معه حلفاً. فقام نميري باعدام محمود محمد طه في مسرحية فجة، لعلها أسوأ ما شهده المسرح السياسي في السودان. وكان محمود أعف لساناً وأطهر يداً من كل الزبانية الذين تجمعوا يرقصون طرباً حول المقصلة.
وعندما تتخذ تلك الحركات من الاسلام شعاراً لها، نقف ونسأل: أي اسلام يقصدون؟ هل هو اسلام طالبان؟ ام اسلام بن لادن؟ أم اسلام الزرقاوي؟ أم اسلام نميري؟ أم اسلام الانقاذ؟ أم اسلام السعودية؟ أم اسلام الخلافة العثمانية التي يحفظ التاريخ مخازيها، والتي سجلها الروائي اليوغسلافي اندرتش في روايته الشهيرة «جسر على نهر درينا» وحصل بها على جائزة نوبل للأدب. وعندما سقطت تلك الخلافة خرَّ البعض بكياًَ.
أى اسلام تنادي به تلك الحركات. الاسلام ليس برنامجاً معداً سلفاً ما علينا إلا أن نستله ونديره فيعمل آلياً. الاسلام له تجلياته المختلفة التي تعكس وعي كل عصر ودرجة تطوره. ولكن حركات الهوس الديني اتخذته شعاراً لنشاطها السياسي وجرَّدته من منهج الهداية الشمولي، وهو منهجه الخالد. ثم استلت لها برنامجاً لا يخرج عن إغلاق الخمارات والجلد بالسياط وحجاب النساء وفتح الباب على مصراعيه للنشاط الطفيلي يعربد في جنبات المجتمع تحرسه قوة الدولة الباطشة.
وتستل حركات الهوس الديني آيات من القرآن وتجردها مضمون الهداية ومن محتواها التاريخي. فقالوا إن الديمقراطية مضمنة في قوله تعالى: «وأمرهم شورى بينهم»، وقوله: «وشاورهم في الأمر» ولكن الآيتين وردتا في سياق منهج الهداية، ولا يمكن تلخيص كل نظام الحكم بهذا التبسيط.
ويصفون نشاطهم السياسي بانه جهاد، وخصومهم كفرة وملاحدة. ومالنا نذهب بعيداً فقد كانت الحرب في السودان بين الشمال والجنوب تدار على أساس انها حرب دينية، ويخرج جحافل الشباب تحت رايات التهليل والتكبير. والذين يموتون في أتونها يصبحون شهداء. وبعد أن انطفأت شمعة ذلك الشباب الغض، انطلق النشاط الطفيلي يمضي رخاء، ثم جلس المتحاربون يتفاوضون سلمياً. هذا هو الهوس الديني يعبث بالدين ما شاء له العبث، ويريدنا أن نبقى أذلاء.
وتصف حركات الهوس الديني الاستعمار بأنه صليبية جديدة، والصهيونية بأنها يهود، والجهاد ضدهم واجب مقدس. وهؤلاء أصحاب كتاب وليسوا وثنيين، ولكن وصفهم بالاستعمار والرأسمالية والطفيلية، يرتفع بدرجات الوعي، ويساعد على كشف سوءة الطفيلية.
والهوس الديني له مظاهر أخرى، ولكن ما هى علاقة الهوس الديني بالإرهاب؟ نتعرض للقضيتين في المقالة القادمة.




http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147500801&bk=1
_

Post: #304
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 08:13 PM
Parent: #303


تحالف الصادق والترابي: لمحة تاريخية «1 ـ 3»

د. محمد سعيد القدال
التقى مؤخرا السيد الصادق المهدي والدكتور الترابي في تحالف جديد. ولسنا هنا بصدد تناول الدلالات السياسية لهذا التحالف، فهذا شأن آخر، ولكن نريد ان نستعرض التحالفات التي تمت بين الزعيمين خلال الحقب الاربع المنصرمة، منذ عام 1964، لعل هذا العرض يساعد على فهم التحالف الجديد وما يحمله للمستقبل.
«التحالف الاول»: كان اللقاء الاول للزعيمين بعد ثورة اكتوبر وكانا في بدايات العقد الرابع من العمر. ولعل ثورة اكتوبر من اهم المنعطفات في تاريخ السودان الحديث وشهدت زخما ثوريا فريدا في نوعه. وكانت اشرعة الناس تنفخ فيها رياح الآمال العراض، ولكن كان على الحزب الشيوعي ان يضع في اعتباره ان الحياة السياسية لا تسير فقط باندفاع الثورة وبدوره في ذلك الاندفاع. فتوازن القوى الذي مال لصالح الحزب الشيوعي ما كان له ان يستمر طويلا. فما زال للاحزاب الاخرى مؤيدون اضعاف ما للحزب الشيوعي. فعالجت الاحزاب ذلك الخلل بخطأ آخر. فسرعان ما كونت الجبهة الوطنية في مواجهة جبهة الهيئات التي فجرت الثورة وقادتها في مراحلها الاولى. «القدال، معالم في تاريخ الحزب الشيوعي ص 135 ـ 137» والنتيجة للموقفين ان الثورة لم تأخذ مدى انطلاقها الذي دفع الشباب دماءهم من اجله. ثم كانت انتخابات الخريجين التي اكتسحها الحزب الشيوعي «حصل هو ومن يؤيدهم على 11 مقعدا من 15» ثم كانت منافسة عبد الخالق لازهري في دائرة ام درمان الجنوبية حيث فاز ازهري بفارق الف صوت.. فتحولت الجبهة الوطنية الى حلف لمواجهة الحزب الشيوعي في صعوده الجماهيري. فكان ذلك التحالف سلبيا.
«التحالف الثاني» وقف الصادق المهدي والترابي وقفة كبرى في معركة حل الحزب الشيوعي ولعل قضية حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان من اخطر القضايا التي مرت بها التجربة الديمقراطية في البلاد ان لم تكن اخطرها.
ولا نقول هذا من اجل النواح والبكاء على الاطلال. ولكن لان الحادثة كانت طعنة نجلاء في كبد النظام الديمقراطي. فالدستور والانتخابات والبرلمان اصبحت مجرد ديكور يمكن الاستغناء عنهم من اجل المكاسب الحزبية الضيقة. فانفتح الباب امام قوى اخرى لتعبث بالنظام الديمقراطي اللبرالي، وما لها لا تعبث به اذا عبثت به الاحزاب ذات المصلحة في بقائه.
الامرالثاني ان المعركة ادخلت الدين في المعترك السياسي بطريقة فجة. فاطلقت العنان للهوس الديني الذي اكتوى به القريب والبعيد. كتب عبد الخالق يقول: ان القوى الاجتماعية التي شهرت سلاح الدين هي وليدة العنف البرجوازي. وقد ظلت تلك القوى راضية عن الاستقرار العسكري في عهد عبود، وبعد ثورة اكتوبر شكلت تلك القوى مع قوى التخلف والساسة الانتهازيين جبهة واحدة ضد الثورة ودخلت في حلف مقدس لا يستهدف فقط منع التحول الثوري، بل ايضا مواصلة السير في طريق التطور الرأسمالي. فامتشقت تلك القوى سلاح الالحاد.
وبرز الشعار بعد انتصار ثورة اكتوبر مباشرة فكانت الخطب الملتهبة التي اطلقها الصادق المهدي ونصر الدين السيد في اجتماع شعبي في حي المهدية ضد الشيوعيين هي الضوء الاخضر لسيل متدفق من الحملة تحت اسم الاسلام في وجه الخطر الشيوعي كما صور للناس «القدال، معالم، ص 151 ـ 153»
ادرك الحزب الشيوعي خطورة الدجل الديني في السياسة.. فجاء في تقرير المؤتمر الرابع للحزب عام 1967 ما يلي: علينا ان نقر ان السلاح الفكري للثورة المضادة واتجاهاتها الدائمة لفرض العنف على حركة الثورة، تسير دائما تحت مظلة التهريج والدجل باسم الدين. وفي مواجهة هذا الموقف لا يكفي الاقتناع بالدفاع عن الحياة السياسية العلمانية وفصل الدين عن السياسة فمن اجل مواجهة الخطرالمستمر من الهجوم الفكري يصبح لزاما على الحزب الشيوعي ان ينمي خطه الدعائي حول قضية الدين الاسلامي وعلاقته بحركة التقدم الاجتماعي. وان يدخل بين الجماهير لا بصفته داعية للنضال السياسي بل كقوة فكرية تتصدى لهذا الخطر وتواجهه بخط يضع الدين في مكانه بين حركة الشعوب «الماركسية وقضايا الثورة السودانية ص 168 ـ 170»
الامر الثالث ان الاحزاب لم تدرك ان الديمقراطية اللبرالية لها منابر غير الانتخابات البرلمانية مثل النقابات والصحافة والليالي السياسية وفوق كل ذلك المقدرة على الافصاح فخاض الحزب المعركة بكل طاقته لكسر اندفاعها ثم رفع قضية دستورية وكانت تلك معركة اخرى.
ولم يمض حل الحزب الشيوعي دون ان يكون له ردود افعال متباينة اتخذ بعضها طابعا دراميا عندما اقدم شاب في مدينة مدني بحرق نفسه احتجاجا على قرارالحل. والمهم ليس صحة قرار الشاب المهم السلوك الانتحاري لذلك الشاب الذي عبر فيه عن اعنف تعبير عندما يضحى الانسان باغلى ما يملك.
وجاء ردالفعل العقلاني من حسن بابكر نائب الحزب الوطني الاتحادي عن الدائرة 3 فقال مخاطبا نواب البرلمان: رجائي ان تتركوا الحماس جانبا وتحموا الديمقراطية التي عادت الينا بعد تضحيات لم نبذل مثلها في معركة الاستقلال. فتأكدوا انها ستنزع برمتها منكم كما انتزعت في الماضي.. ولا اريد ان اسجل حربا على الديمقراطية فخير لابنائي ان يدفنوني شهيدا من شهداء الديمقراطية بدلا من ان اعيش في عهد وأد الديمقراطية.
ولعل العم امين التوم عطر الله رمسه، السياسي الوحيد الذي لم تأخذه العزة بالاثم فقال: اما تعديل الدستور وتحريم الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان بتلك السرعة وبتلك العجلة فامر ارى ان تعجلا مضرا حدث بمقتضاه. «امين التوم ذكريات ومواقف»
اما الصادق المهدي فالتعليق الوحيد الذي وقفت عليه هو الحديث الذي ادلى به لمجلة طلاب جامعة الخرطوم عام 1985 فقال «ما حدث كان انفعالاً.. ان الذي حدث في موضوع حل الحزب الشيوعي كان موقفا سياسيا غير محسوب نتج عن موقف انفعالي.. ان حديث الطالب في معهد المعلمين فجر المشاعر.. وان مثل الذي حدث قد يتكرر» وهذا الحديث مليء بالمغالطات. فوصف الذي حدث بانه انفعال غير صحيح، لان الانفعال لا يستمر لاسابيع من 9نوفمبر الى 7 ديسمبر كما ان الانفعال لا يكون ضد حزب سياسي لم يصدر منه ما يسيء لعقائد المجتمع وتراثه وانما ضد الشخص الذي فجر ذلك الانفعال. والقول بأن الموقف غير محسوب يتعارض مع كل الخطوات المحسوبة التي اتخذتها الاحزاب. كما ان الاحزاب التي تدير شئون البلد لا تمضي دون ان تحسب خطوها. والتهديد بتكرارالحدث مرة اخرى حديث من باب حفظ ماء الوجه. واذا كان السيد الصادق فوق النقد لانه اصبح اماما فهذا شأنه ولكن الصراع السياسي فوق الافراد وفوق الامامة.
اما الترابي فكان اكثر وضوحا في الدفاع عن ذلك الموقف فاصدر كتابا في يناير 1968 بعنوان «اضواء على المشكلة الدستورية: بحث قانوني مبسط حول مشروعية حل الحزب الشيوعي» وتولت المطبعة الحكومية في الخرطوم طباعته وسوف نتناول محتواه عند مناقشة القضية الدستورية. وادرك الاستاذ محمود محمد طه اضطراب الكتاب، فالف كتابا في الرد عليه بعنوان «زعيم جبهة الميثاق الاسلامية في ميزان: الثقافة الغربية ـ الاسلام. اضواء على المشكلة الدستورية. وقال: ان الكتاب من حيث هو فلا قيمة له ولا خطر منه لانه متهافت ولانه سطحي، ولانه ينضح بالغرض ويتسم بقلة الذكاء الفطري.
كان ذلك هو التحالف الثاني. ونتناول في الحلقة القادمة التحالفات الاخرى.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147499822&bk=1

Post: #305
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 08:15 PM
Parent: #1


عودة إلى مأزق الأفندي!!ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ(2ـ2)
مفهوم الحرية عند الأفندي
د. عمر القراي
يقول الأفندي (من هنا فإن من قادوا حملة تكفير الشيخ الترابي لم يحالفهم التوفيق. فإنه يحق لمن شاء أن يخالف الترابي واجتهاداته ولكن لا يحق لهم التشكيك في عقيدته ونياته. ولا علاقة لهذا بما ذهب اليه البعض «عمر القراي في جريدة الصحافة.. على سبيل المثال» من ان التكفير اعتداء على حرية التعبير. فالقراي هنا يناقض نفسه حين يدافع عن حرية التعبير بينما يهاجم الذين يعبرون عن رأيهم الديني. فكما أشرت أيضاً في مقالة سابقة في «القدس العربي» فان حرية التفكير تستتبع حرية التكفير. ذلك ان توضيح اسس العقيدة في كل دين يشتمل على تحديد للاطار الذي يحدد حدود العقيدة وما هو داخلها وما هو خارجها. فأنظمة اللاهوت كما يقول محمد أركون هي نظم من الاقصاء المتبادل. والقائمون على كل ملة من العلماء وغيرهم يرون أن من واجبهم التنبيه الى ما يرونه خروجاً عن أُسس العقيدة).
أول ما تجدر الاشارة اليه، هو ان كل انسان حر، ولكن ثمن الحرية هو حسن التصرف فيها.. وآية حسن التصرف، ان تنتهي حريتك حيث تبدأ حرية الآخرين. ولهذا لا يجوز لك ان تقول انني حر في ان اقول ما اشاء، ولو كان تكفير الآخرين، والاساءة الى معتقداتهم وعقائدهم.. فالتكفير اعتداء سافر على حرية التعبير، الغرض منه في النهاية، اسكات صوت الشخص الذي تم تكفيره بإنهاء حياته، أو بإجباره على التنازل من معتقداته.. لهذا فالذين كفروا الترابي، طالبوا بإيقاف محاضراته، والذين كفروا الاستاذ محمود من قبل، طالبوا باحراق كتبه، وقفل دور حزبه.. أسوأ من ذلك فإن التكفير، يمثل إعطاء رخصة للمتطرفين، لأخذ القانون في أيديهم، وقتل الشخص البرئ، الذي تم تكفيره.. وهذا ما حدث للمفكر المصري د. فرج فودة، فقد افتى احد الاشياخ بكفره، فخرج عليه شابان من الجماعة الاسلامية، واردياه قتيلاً.. ولقد ذكر الشاب الذي حاول قتل الكاتب المشهور نجيب محفوظ، انه لم يقرأ أي كتاب من كتبه، وانما فعل ما فعل، لانه سمع فتوى من شيخ، يكفِّر فيها الكاتب الكبير!! فإذا جاء الافندي بعد كل هذا، ليحدثنا عن ان التكفير، لا يمثل اعتداءً على حرية التعبير، فإنما هو رجل لا يدرك معنى ما يردد.
إن الفكر الغربي الحديث، يعتمد في أمر الحقوق والحريات، على مرجعية الشرعة الدولية لحقوق الانسان، التي تتكون من: الاعلان العالمي لحقوق الانسان، والعهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، واتفاقية القضاء على جميع اشكال التمييز ضد المرأة.. وفي كل هذه المواثيق، تكرر تأكيد حرية الاعتقاد، وحرية التعبير عن المعتقد، وعدم حق الافراد او الدول في التغول على هذا الحق، بإرهاب اي شخص، أو اجباره على التنازل عن اعتقاده، أو تحقيره، والتمييز ضده، أو حرمانه اي مكانة سياسية، أو اجتماعية، بسبب دينه أو معتقده. فاذا كان الافندي يفهم هذا، فما هو التناقض الذي يأخذه علىَّ، حين ادعو الى حرية التعبير، وأدين في نفس الوقت، الاشياخ الذين كفَّروا الترابي، وامروه بالتوبة عن آرائه؟!
أما من حيث الفهم الديني، القائم على اصول القرآن، فإن كل شخص حر، في أن يؤمن أو يكفر.. قال تعالى في ذلك (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).. وواجب المسلم، ان يذكر الناس بالدين، ولا يجبرهم عليه.. قال تعالى (فذكر انما انت مذكر * لست عليهم مسيطر).. فإذا دعاهم يدعوهم بالحسنى.. قال تعالى (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن).. ثم هو يجب ألا يلح عليهم، لأن هدايتهم ليست من واجبه.. قال تعالى (ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء).. فاذا رفضوا الدعوة، وأبوا ان يدخلوا في الاسلام، فليس من حق المسلم، ان يسب معتقداتهم، ويسئ الى عقائدهم.. قال تعالى (ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير علم كذلك زيَّنا لكل أمة عملهم ثم الى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون).
ان ما ذكره الافندي، من أن أصحاب العقائد لا بد لهم من وضع حدود لعقيدتهم، وتحديد من هو خارجها أو داخلها، وان العلماء لذلك يمكن لهم، بل من واجبهم تكفير من يرون انه يخالف اسس عقيدتهم، أمر معروف.. ولكن ما لا يعرفه الافندي، وهو يحتاجه ليخرج به من مأزقه، هو ان هذا المستوى هو مستوى الشريعة، وهو قد كان حكيماً كل الحكمة في وقته، ولكنه لا يناسب وقتنا الحاضر، لانه يخالف اصول الاسلام، التي تحدثنا عنها أعلاه، ويخالف الشرعة الدولية لحقوق الانسان.. ولهذا فأنا لا أدعو لتطبيق الشريعة، التي تقوم على فروع القرآن، وانما ادعو الى السنة التي تقوم على اصوله.. بهذا الفهم المؤسس الذي طرحه الاستاذ محمود محمد طه، فيما عرف بتطوير التشريع الاسلامي، في الانتقال من الفروع الى الاصول، ومن الشريعة الى السنة، الحل الجذري لأزمة الحركات الاسلامية، التي عجزت عن تطبيق الشريعة، كما عجزت عن رؤية المستوى الأرفع من الدين.. ولكن الافندي ذكر انه لا يريد ان يناقش الفكرة الجمهورية، ولكنه لم يستطع ان يهملها تماماً، فهو يرهق نفسه في امرها، دون طائل، ويصدق فيه قول القائل:
وعن مذهبي لما استحبوا العمى على الهدى
حسداً من عند انفسهم ضلوا
فهم في السُرى لم يبرحوا من مكانهم
وما ظعنوا في السير عنه وقد كلوا
لقد ذكر الأفندي، أنه خالف اخوانه المسلمين، حين طالبوا بإسكات سلمان رشدي، رغم ادانته لما كتب، فلماذا فعل ذلك؟ لقد افتى الامام الخميني، بكفر سلمان رشدي، ووضع جائزة لمن يقتله. فاذا كان الافندي يرى ان من حق الخميني، ان يكفِّر سلمان رشدي، قياساً على حق العلماء في تحديد من هو داخل العقيدة، فكيف يقبل بالتكفير، وينكر اولى نتائجه، وهي اسكات صوت الكافر؟! ان الشريعة التي أعطت العلماء حق حماية العقيدة، بتكفير من يرونه خارجاً عنها، هي نفسها التي امرت بإسكات صوت الكافر، ومصادرة حقه في الحياة، فليأخذها الافندي كلها، أو يتركها كلها!!
وتعصب أصحاب العقائد الى عقائدهم، ونعتهم من خالفهم بالكفر، هو ما جعل محمد أركون يعتبر اللاهوت اقصاءً منظماً. وما فات على اركون، هو ان اللاهوت يبدأ من مرحلة العقيدة، حيث الاقصاء للآخر، ويرتفع نحو مرحلة العلم، حيث القبول بالآخر، مهما كان اعتقاده، واعطاءه الحق في التعبير، وعدم تكفيره، فليقرأ اركون ان شاء قوله تعالى (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم اجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون).
ضعف الفهم الديني
ومن ضعف الفهم الديني قول الأفندي (والعقيدة الاسلامية هي ما تواضع عليه المسلمون وتوارثوه كما ان اللغة العربية هي ما تحدث به العرب)!! والخطل في هذا التقرير، هو ان اللغة قد صنعها الناس في حركة حياتهم اليومية، وطوروها لتعبِّر عن حاجاتهم المختلفة، بينما العقيدة جاءت من إلمامة السماء بالارض، لتهذِّب اعراف المجتمع، وتربطها بالاعالي.. والمسلمون قد يتواضعوا على مفاهيم، وعقائد، ويتوارثوها، ثم تكون مفارقة للدين، وتصبح جماعة المسلمين رغم كثرتها بلا وزن عند الله لمفارقتها للحق، فقد جاء في الحديث (يوشك أن تداعى عليكم الأمم، كتداعي الأكلة على القصعة. قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: بل انتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل لا يبالي الله بكم).. فالجماعة ليست المرجع، وانما المرجع الحق، وان قل انصاره..
ولقد بنى الأفندي على تقريره، ان ما يتواضع عليه الناس هو العقيدة الاسلامية، رأياً فحواه أن الفكرة الجمهورية خارجة عن الاسلام، لانها قدمت فهماً لا يوافق عليه المسلمون.. أسمعه يقول (وبالمثل فإن من جاء بفهم جديد للاسلام يناقض ما تواضع عليه المسلمون «بغض النظر عن صحة مقولته او عدمها» يقف خارج أرضية الاسلام) هذا ما قاله الافندي.. فاذا فرضنا ان هذا الشخص، الذي خالف المسلمين، قدم مقولة صحيحة، فإنه يكون قد جاء بالحق، فهل يمكن ان نقول لمن جاء بالحق، إنك خارج على أرضية الاسلام لأنك خالفت ما تواضع عليه المسلمون؟!
ان الافندي الآن ينقد الحركة الاسلامية جناح الترابي ، وجناح الحكومة، وهو بهذا ضد الحركة الاسلامية السودانية، فهل يعني هذا انه بالضرورة يقف خارج ارضية الاسلام؟!
في مقاله السابق، تناول الافندي حديث تأبير النخل المشهور، فقال (فعصمة الرسول صلى الله عليه وسلم تتعلق بالتبليغ في أمر الدين وهو القائل «انتم اعلم بشؤون دنياكم» كما ورد في الحديث الذي نصح فيه المسلمين بعدم تلقيح النخل وهي نصيحة اتضح أنها لم تكن صائبة)، ولقد ذكرت رداً على الافندي ما يلي (وخطأ د. الافندي يجئ من عدة وجوه:
1- إفتراضه ان النبي صلى الله عليه وسلم، الذي عاش كل حياته، في جزيرة العرب، لا يعرف ان النخل يلقَّح، مع ان هذه المعرفة، متوفرة لأي اعرابي، لمجرَّد معيشته هناك.
2- أسوأ من ذلك!! افتراضه ان النبي صلى الله عليه وسلم، يفتي فيما لا يعلم، وهو بذلك يسلك في مستوى، دون ما طلب الله من المؤمنين، في قوله تعالى (قل إنما حرَّم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وان تقولوا على الله ما لا تعلمون).. فهو عليه السلام، لا يقول بما لا يعلم، ولا يتحدث فيما لا يعنيه، ولقد كان يُسأل، فيصمت، أو يقول لا أعلم، انتظاراً للوحي.
3- لو كان ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، في امر تلقيح النخل خطأ، لصححه الوحي، وهذا مقتضى العصمة، فالمعصوم هو الذي اذا اخطأ صححه الوحي). انتهى حديثي في المقال السابق.
ولم يناقش الأفندي هذه الحجج، وتركها جانباً، ليقول (وبحسب القراي فإننا والصحابة وكل اجيال المسلمين السابقة على خطأ بل واسأنا الادب مع الرسول صلى الله عليه وسلم حين اتهمناه بالجهل بأمر تلقيح النخل وهو ابن الصحراء... هذا الفهم غاب كما ذكرنا عن كل اجيال المسلمين حتى فتح الله به على القراي وشيخه بوحي منه حيث لا توجد وسيلة اتصال اخرى مباشرة ليصحح بها الرسول هذا الفهم الخاطئ. وهذا يعني ان الرسول صلى الله عليه وسلم كتم الرسالة وغش المسلمين حين لم يوضِّح لهم الامر بهذه الصورة وهي تهمة أسوأ بكثير من الجهل بإجراءات تلقيح النخل)
وليس كل الاصحاب، وكل السلف الصالح، يتفقون مع الافندي في اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بالجهل بأمر تلقيح النخل، لأن منهم من يعتقد انه صلى الله عليه وسلم، علم علوم الاولين والآخرين، فالبصيري امام المديح يقول مخاطباً النبي الكريم:
فان من جودك الدنيا وضرتها * ومن علومك علم اللوح والقلم
ولقد كتب السادة الصوفية كثيراً، عن الفرق بين علم الشريعة وعلم الحقيقة.. واوضحوا كيف ان النبي صلى الله عليه وسلم قد خاطب الاصحاب بالحقائق، ولم يكلفهم بها، وانما نزل لهم لما يطيقون من الشريعة.. وضربوا المثل بحديث النخل، وحديث العدوى، وحديث البقرة التي تتكلم وغيرها.. فهل اطلع الافندي على هذا العلم المبذول، قبل ان يقرر في سطحية مؤسفة، انه لا يتأتى إلا بالوحي؟!
ولئن كان وصف النبي الكريم، بكتمان الرسالة، أسوأ من اتهامه بالجهل بتلقيح النخل، فان هذا ايضاً ذكره الافندي، ولم نذكره نحن. وذلك لاننا نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم يؤمر بأن يبلغ الناس، كل ما وعي عن ربه، وانما امر ان يبلغ الرسالة، فهو القائل (نحن معاشر الانبياء أمرنا ان نخاطب الناس على قدر عقولهم)، واكبر من علم الرسالة، علم النبوة وعلم الولاية.. وفي حديث المعراج، المشهور الطويل، قال (علمني ربي ثلاثة علوم: علم امرني بتبليغه للخاص والعام من امتي وهي الانس والجن، وعلم خيَّرني في تبليغه، وعلم اخذ عليَّ كتمانه اذ علم انه لا يقدر على حمله غيري).. ومن أمثلة علم النبوَّة، الذي خير في تبليغه، واختار له بعض اصحابه، انه اخبر حذيفة بن اليمان بالمنافقين، ولم يخبر بهم بقية الاصحاب.. فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إذا قدمت جنازة، لا يصلي الا بصلاة حذيفة. فهل يظن الافندي ان النبي صلى الله عليه وسلم، اذا لم يخبر الاصحاب عن سر اثمار النخل دون تلقيح، يكون قد كتم الرسالة؟!
ولقد كرر الافندي هنا، مرة اخرى، ادعاء ان الفكرة الجمهورية تقوم على وحي، رغم اننا طالبناه ان يثبت ذلك من كتبها فلم يقدر.. وهذا إن دل على شئ، إنما يدل بالاضافة الى على عدم الامانة، على الاستهتار، وعدم الجدّية، وعدم الاكتراث، والعجز عن النهوض بالمسؤولية العلمية، التي تقتضي التوثيق، وإبراز المصادر، وهو ما يفترض ان يكون الافندي قد تدرَّب عليه، في اوليات البحث العلمي، حين حضر درجته الاكاديمية، التي لم يكن في حديثه عن الفكرة الجمهورية، مخلصاً لمنهجها.
ورغم ان الأفندي قد علَّق على كل هذه المواضيع، إلا انه قد ختم مقاله، بأنها ليست الموضوع الاساسي، وانما الامر الذي كتب من أجله، هو الموقف من الوحي!! فان لم تصدقوا هذا فأقروا قوله (إن القضية المحورية في الجدل الذي ثار حول فتاوى الشيخ الترابي ليست هي قضية حرية الرأي، وهي مسألة مفروغ منها، وليست قضية إيمان الترابي من كفره. وليست هي من باب اولى قضية مواقف العبد الفقير الى مولاه السياسية. القضية اكبر من كل ذلك. وهي الموقف من الوحي والعلاقة معه وما هي مكانة العقل الانساني في التلقي والتأويل)!!.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147504002&bk=1
__

Post: #306
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 08:16 PM
Parent: #305


عودة إلى مأزق الأفندي!!(1ـ2)
د. عمر القراي
توقع بعض القراء، الذين تابعوا مقالي السابق في الرد على د. الأفندي، ان يرد بمواجهة المسائل المحددة التي أثرتها في ذلك المقال.. فيعقِّب مثلاً، على ما ذكرته من جهله بالفكرة الجمهورية، ثم عدم تردده في الخوض فيها، واتهامها دون الرجوع لمصادرها، بأنها تدعو إلى دين جديد، وتدعي وحياً من الله!! أو ما أثرته عن ان د. الافندي يقع في مأزق، فهو يعارض د. الترابي، شيخه السابق، ويعارض الجناح الآخر من الحركة الاسلامية، ثم لا ينفي أنه ما زال في اطار الفكر الاسلامي، ثم هو لا يحدثنا عن رؤية جديدة، تختلف عن اجتهادات الترابي، التي هاجمها، أو آراء خصومه الذين كفَّروه، وتتفق مع الاسلام، ومع مفاهيم الحداثة الغربية التي يزعم انه عالم بها.
لقد كان نقدي السابق، مؤسساً على ما كتب الافندي، فلم يترك لصادق مندوحة إلا الموافقة عليه، أو على أقل تقدير قبوله، وعدم التعقيب.. ولقد كنت لحسن ظني بالأفندي، اتوقع منه ذلك، ولكنه اخلف حسن ظني، فلم يواجه الموضوع كما تصوَّر بعض القراء، ولم يصمت كما توقعت أنا، وانما دار هنا وهناك، يباعد الامر ويقاربه، ويذكر اسمي على استحياء، وكأنه لم يكتب ليرد عليَّ، وينسب لي التناقض فيما لا تناقض فيه، وذلك ليبرر لنفسه وللقراء، انه قد رد على مقالي، وانه يتابع ما يكتب حول آرائه، ثم يجنح مرة اخرى للتعميم، ليؤكد أنه غير متأثر بنقدي له، ولا يود متابعته بالرد المفصل، الذي يوهم القراء بأنه يستطيعه ثم يزعم أننا لم نفهم القضية الاساسية، ويخبرنا انها ليست تكفير الترابي، ولا هي قضية حرية الرأي، ولا هي مأزقه هو، ويقفز بنا الى مسائل جديدة مثل جدلية الوحي والفكر الانساني ويدعي أنها هي الموضوع الاساسي للحوار!! ولو كان د. الافندي واثقاً من ثقافته الغربية، ومن فكره الاسلامي، لما اضطرب كل هذا الاضطراب، في قضايا بدهية، كان عدم المامه بها، كافياً ليحرمه من الكتابة فيها، لو كانت الكتابة، تقتضي اي قدر من المسؤولية العلمية أو الدينية.
أسوأ المآزق ما لا يشعر به صاحبه
يقول د. الأفندي (وبالتالي فإن تكرار الحديث بأن العبد الفقير إلى مولاه يواجه «محنة» أو «مأزقاً» بسبب التدهور الذي اصاب الحركة الاسلامية عامة والسودانية خصوصاً يعكس محنة ومأزق من فرضوا على نفسهم الأمية ويريدون كما كررت سابقاً للكاتب ان يكتب ثم يقرأ نيابة عنهم، وهو دور للأسف لا نملك الوقت ولا الرغبة في القيام به. فلسنا وكلاء عن من فرضوا على أنفسهم الأمية خاصة في عصر الانترنت الذي يكفي ان تجري البحث فيه عن اسم كاتب فترِدك آلاف الصفحات عما كتب وما كتب عنه بكل اللغات. ونحن ننصح هؤلاء الاخوة بمداواة أميتهم بشئ من القراءة أو أن يسألوا أهل الذكر كما يفعل الاميون الذين يحترمون انفسهم قبل أن يخوضوا فيما ليس لهم به علم). هذا ما قاله الافندي، وهو ينضح بالغرور والادعاء، إذ يتهمنا بالأمية، وينصحنا بالقراءة، ويشرح لنا كيف نستعمل الانترنت كي نداوي اميتنا، أو نسأل أهل الذكر اذا لم نستطع استعمال الانترنت!! ولكن مع كل ذلك، عجز الافندي عجزاً بيِّناً، عن دفع الاتهام بأنه هو شخصياً يعيش في مأزق.. ليس بسبب التدهور الذي أصاب الحركة الاسلامية السودانية، وانما بسبب عجزه هو شخصياً، عن ان يتبنى رؤية جديدة، تمثل فكراً اسلامياً بديلاً، يخرجه من هذه الأزمة العامة، الى ما تطمئن به نفسه، ويصح به دينه.
فلو أن الافندي عقَّب على حديثنا السابق عن مأزقه، بأنه لا يعاني أي مأزق، وانه خلافاً للترابي، وخلافاً لجماعة الانقاذ، منسجم مع افكاره، ولم يغيِّر مواقفه ومنطلقاته، وانه حين ادان هؤلاء، يملك الفهم الاسلامي الصحيح، البديل عن تطبيقاتهم الخاطئة، ودلل على ذلك من كتابته التي ذكر انها تسد الافق، لواجه الاتهام الذي رفعناه في وجهه. ولكن الافندي فضَّل أن يقف موقف المتفرج، في لعبة لا تعنيه، ينظر فيها من عل الى الحركة الاسلامية، التي تربى في كنفها، وهي تعاني من محنة انقسامها، وفشل شعاراتها، وتكفير مرشدها، وفساد حكامها.. وكأن مهمته في الحياة هي مجرد النقد، وكأنه لم يكن الى وقت قريب، يعمل مع حكومة الانقاذ، التي وصفها في مقاله بالظلم والفساد، ولم يكن متبعاً للترابي كشيخه وقائده.. إن الافندي يريد ان يمسح تاريخه بجرة قلم، ويلقي باللوم على اخوانه في الحركة الاسلامية، ويظل هو رغم حيرته، بمعزل وكأنه المفكر الذي لا يعاني من اي مشكلة.. أليس هذا في حد ذاته، انفصاماً غريباً، يحتاج صاحبه الى علاج، ينبغي ان يشغله عن نقد الآخرين؟!
أما نحن فقد ركزنا على مأزق الافندي، لحرصنا عليه، لاننا نرى ان الافندي غاية في ذاته، وان واجبه الاساسي هو تدارك امر نفسه.. وذلك لان الاعتبار الديني الاول، هو اعتبار الانسان لنفسه، قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا عليكم انفسكم لا يضركم من ضل اذا اهتديتم الى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون). وقال جلَّ من قائل (ومن يرغب عن ملة ابراهيم إلا من سفه نفسه).. فلماذا يريد د. الافندي ان يسفه نفسه، ولا يحفل بمصيرها، ثم اذا ذكر بذلك يتطاول على من نصحوه، ويصفهم بالأمية؟!
ولا عبرة لوصف الافندي لنا بالأمية، لأن فهمه لها فهماً سطحياً، فهو لا يعني اننا لا نستطيع القراءة والكتابة، وانما الأميه عنده مطابقة للجهل، وهذا هو الفهم الشائع، والسطحية دائماً، تأتي من اتباع الفهم الشائع.. والحق أن الأمية لا تعني الجهل، فقد كان أعلم الخلق وأكرمهم على الله أمي!! قال تعالى (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر).
أما الاستاذ محمود محمد طه، فإنه حين رفع النبي صلى الله عليه وسلم، نموذجاً تتأسى به البشرية جمعاء، في كتابه (محمود محمد طه يدعو الى طريق محمد)، رفع الأمية، كقيمة ايجابية، فقال (والأمية تعني سلامة الفطرة من زغل التحصيل وتعقيد التفلسف والتنطع الذي يصاحب التعليم عادة).
ما هي القضية الأساسية؟
نحن نرى ان القضية الاساسية، هي ان الأفندي غير مؤهل لنقد الحركة الاسلامية.. لانه كان ولا يزال جزءاً منها، ولأنه في داخلها مضطرب الولاء والتفكير، ولأنه انتقد الترابي وانتقد جناح الانقاذ الحاكم، ثم لم يحدد رؤيته الاسلامية التي تختلف عنهما، ومن هنا تحدثنا عن مأزقه.. ولكن الأفندي لا يظن ان فكره، ومواقفه هي القضية الاساسية، بل يرى ان (القضية الاساسية التي اردنا معالجتها «وظللنا نعالجها من زوايا مختلفة لاكثر من اربعة قرون» هي المتعلقة بالفكر الاسلامي المعاصر، وهي انه فكر يستصحب الحداثة والعقلانية الاوربية المعاصرة في نظرته للتراث الاسلامي. والفرق بين الاسلاميين وخصومهم من العلمانيين هو ان الآخيرين يحاكمون التراث الحداثي الغربي. بينما يتخذ الاسلاميون موقف الدفاع عن التراث الاسلامي عبر محاولة المواءمة بينه وبين ما يصعب رده من مقتضيات الحداثة. ولكن موقف الاسلاميين الدفاعي يختلف أيضاً عن موقف التقليديين الذين يماثلونهم في بناء الخنادق الدفاعية في أن الحركات الاسلامية تحتضن بعض مظاهر الحداثة، بل تعتبر نتاجاً لها وترفض بعض توجهات التقليديين المحافظة).
هذا وصف الافندي للقضية الاساسية، وهو وصف خاطئ، ولكننا لا نود ان نقف عنده الآن.. فلو اننا سلمنا جدلاً، بأن وصفه هذا صحيح، فهل قدَّم حلاً للحركات الاسلامية أو العلمانية؟ وهل وضَّح للقارئ ايهما افضل اتجاه تبني الحداثة ام اتجاه التعصب الذي يرفض الحداثة أم اتجاه العلمانيين؟ وهل أبان عن موقفه هو من هذه التيارات؟
ان مثل هذا السرد القصصي، الذي يشبه الروايات الضعيفة، هو ما شغل به الافندي نفسه، خلال اربعة عقود، فلم يعطه وقتاً ليفكر في نفسه، ويهتم بمصيرها، واين يضعها بين هذه الجماعات المتباينة.
اما الخطأ في هذا الوصف، فيجئ من ان الحركة الاسلامية، لم تختر الحداثة عن قناعة، ولم تستصحبها عن نظر متعمق، يدرك قيمتها، وانما اضطرت إليها اضطراراً، حماية لمصالحها في الكسب السياسي، الذي لا علاقة له بالدين.. فالترابي نفسه بدأ متشدداً، ولقد صرَّح حين طرح الدستور الاسلامي لأول مرة، بأن غير المسلم، لا يجوز له مجرد الترشيح، لمنصب رئيس الجمهورية، وكان هو من وضع مادة الردَة في القانون.. فاذا قال اليوم إنه ضد التكفير، وان غير المسلم يمكن ان يتزوَّج المسلمة، وعارض حكومة الانقاذ التي كان عرَّابها، فهل فعل ذلك لانه أراد ان يستصحب الحداثة، ام لانه يريد ان يصاحب مصلحته، التي لا علاقة لها بالدين؟!
والافندي كنموذج آخر، بدأ مؤيداً لحكومة الانقاذ، وموظفاً فيها، ثم شعر بأن هناك هجمة عليها من الدول الغربية، التي تبنت مؤخراً اتجاه الهجوم على الارهاب والتشدد الاسلامي.. ولما كان يريد ان يظهر كمفكر وباحث، في جامعاتها، كان لا بد ان يركب موجة نقد التطرف الاسلامي.. وهو لا يمكن ان يقبل منه ذلك، الا اذا اثبت بنقد الحركة الاسلامية المكثف، انه لم يعد عضواً فيها، وهكذا فضَّل مصلحته الدنيوية على معتقده الديني!! والدليل على ان الافندي ليس مخلصاً للفكر الغربي الحديث، بل ليس ملماً به بالقدر الكافي، ما ظهر في مقاله عن فهمه للحرية، مما سنعرض له في موقعه.
[email protected]




http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147503968&bk=1

Post: #307
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 08:17 PM
Parent: #306



تعقيب على مقال الأفندي «عن الشيخ الترابي وأزمة الحركة الإسلامية المعاصرة» 1ـ2
مأزق الأفندي..!!
في صحيفة «الصحافة» بتاريخ 25 -4-2006 ، كتب د. عبد الوهاب الافندي ، مقالاً على ضوء الضجة الاخيرة، التي اثيرت حول آراء د. الترابي .. ولقد انشغل د. الافندي، عن جوهر القضية، الذي ينبغي ان يركز عليه كل مثقف حر، مهتم بحرية الفكر، وبكرامة الانسان.. فبدلاً من مواجهة اتجاهات «التكفير» ، وادانة مصادرة الحق في التعبير، من حيث المبدأ، على انها اعتداء سافر على الحقوق الاساسية ، ثم هي مفارقة كبيرة ، لاصول الاسلام ، المتمثلة في قوله تعالى «وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، ترك د. الافندي كل هذا جانباً ، ليحدثنا عن الكتاب الذي شارك في اعداده «لفيف من الاكاديميين والمفكرين من مختلف انحاء العالم»، والذي كتب فيه فصلاً عن آراء الترابي .. لقد كان حرياً بدكتور الافندي، ان يدين الحملة الجائرة التي كفرت الترابي، وطالبته بالتراجع عن افكاره، قبل ان يحدثنا عن آرائه، و يسعى لتبريرها، او رفضها.
أقول هذا، دون ان اغفل عن ان د. الترابي ، هو الذي اسس للاعتداء على حرية الفكر ، وحرية التعبير في هذا البلد .. وذلك منذ اثارته لقضية حل الحزب الشيوعي السوداني65م، ثم اخراجه للمسيرة المليونية ، تأييداً لقوانين سبتمبر 83م التي قطعت ايادي الفقراء ، بينما كانت حكومة نميري تعلن المجاعة !! ثم ضلوعه في مؤامرة اغتيال الاستاذ محمود محمد طه ، وتصريحه اكثر من مرة ، بان الاستاذ الشهيد يستحق القتل ، بسبب آرائه ، التي اعتبرها الترابي ردّة !! والترابي هو الذي كان قد افتى بان الردِّة الفكرية لا غبار عليها ، ثم هو الذي اعاد مادة الردة في القانون الجنائي !! وهو الذي كان عرَّاب حكومة الانقاذ ، الذي ساقها الى تبني الشعارات الاسلامية، التي سجنت بها خصومها في بيوت الاشباح ، وعذبتهم بسبب آرائهم ، ثم رفعت برعاية الترابي ، وتوجيهه ، شعار الجهاد، وقتلت اخواننا في جنوب السودان ، وفي جبال النوبة بنفس دعاوي التكفير .. ولقد بدل الترابي ، وغيَّر كثيراً في مواقفه وافكاره ، وما حديثه اليوم - حين ردت اليه بضاعته - عن حقه في حرية التعبير، الا ضرب من عدم الصدق.
والاشياخ الذين هرعوا لتكفير الترابي، ليسوا افضل حالاً منه !! فقد كفروه لاباحته زواج المسلمة من الكتابي ، ورفضه لنزول المسيح ، لانه بذلك خالف نصوصاً من القرآن والحديث.. ولكنهم هم ايضاً ، كاعضاء في مجمع الفقه ، التابع لرئاسة الجمهورية ، قبلوا ان يكون نائب رئيس الجمهورية ، مسيحياً ، وان يكونوا تابعين له ، وموالين له ، فخالفوا بذلك قوله تعالى « يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى اولياء بعضهم اولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين»!!
ومهما يكن من امر الترابي وآرائه ، فإن د. الافندي لم يكن محدداً تجاهها، فتارة يبدو مدافعاً عنها ، وتارة يبدو ناقداً لها ، وبين هذه وتلك ، يضطرب ، ويتردد، ويحاول شرح معانٍ دينية عميقة ، بلا علم ، وبنفس منهج الجرأة الزائفة، الذي عابه علي الترابي .
حديث الذبابة وحديث النخل:
تعرض د. الافندي الى حديث الذبابة ، وتعليق الترابي المشهور عليه ، فقال «وتميز موقف الترابي بأنه اتخذ موقفاً جذرياً بدأ برفض المنهج التقليدي وهو التشكيك في صحة الحديث وبالتالي التشكيك في اعتقاد سائد بين المسلمين السنة بصحة كل ما ورد في صحيحي البخاري ومسلم .... وحجة الترابي هي ان البخاري بشر غير معصوم ولا بد انه اخطأ فيما اسناد بعض ما اورده. ولكن حتى لو كان البخاري على حق في روايته فإن من المحتمل ان يكون الصحابي الذي نسب اليه الحديث قد أخطأ فيما نقل او لم يفهمه كما يجب، والصحابة ايضاً غير معصومين بل ان بعضهم قد سجل عليه كذب وتزوير، وحتى لو تجاوزنا عن هذا واثبتنا ان السند صحيح وان الصحابي المذكور قد نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم بدقة وموثوقية، فإنه يحق لنا ان نرفض المقولة النبوية اذا كانت تتعلق بشأن دنيوي. فعصمة الرسول صلى الله عليه وسلم تتعلق بالتبليغ في امر الدين وهو القائل «انتم اعلم بشؤون دنياكم» كما ورد في الحديث الذي نصح فيه المسلمين بعدم تلقيح النخل، وهي نصيحة اتضح انها لم تكن صائبة» هذا ما قاله د. الأفندي يدفع به عن آراء د. الترابي، ويعلن صراحة، موافقته عليها !!
فلماذا الحديث عن التحري عن صحة الحديث ، وعن صدق الصحابة ، اذا كنا ببساطة «يحق لنا ان نرفض المقولة النبوية اذا كانت تتعلق بشأن دنيوي» كما قرر د. الافندي؟! ان الدقة في التحقق والتحري، سببها انه يجب علينا ، بمقتضى الايمان ، ان نقبل بتسليم ، ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم .. قال تعالى في ذلك «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك في ما شجر بينهم ثم لا يجدوا في انفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً» وما يشجر بيننا ، انما يتعلق بأمور الدنيا ، وليس امور الآخرة.. فالترابي قد خالف نص هذه الآية ومعناها ، وهو لم يقل بتضعيف الحديث، كما حاول د. الافندي ان يوهم القراء ، وانما قال «هذا امر طبي آخذ فيه برأي الطبيب الكافر ولا آخذ رأي النبي ولا اجد في ذلك حرجاً ولا اسأل عنه عالم دين» «راجع كتاب الصارم المسلول لأحمد مالك» .. فالترابي يرفض رأي النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يجد في نفسه حرجاً ، بينما انه لو قبله ، ووجد في نفسه حرجاً ، لاخرجه ذلك من الايمان، حسب ما نصت الآية !!
والترابي في رفضه لحديث الذباب قد بنى على حديث النخل ، والافندي تابع له في ذلك .. فقد ورد في الحديث «ان النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة ، وجد الناس يلقحون النخل ، فقال: لو لم تلقحوه لأثمر . فلم يلقحوه ولم يثمر. فقالوا : يا رسول الله لم نلقحه ، ولم يثمر قال: اذهبوا فأنتم اعلم بشؤون دنياكم» .. فحين لم ينظر الترابي والافندي بعمق ، ظنوا ان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخطأ ، بل ان الافندي قال في جرأة ، لا تدانيها غفلة ، الا جرأة الترابي «كما ورد في الحديث ، الذي نصح فيه المسلمين بعدم تلقيح النخل ، وهي نصيحة اتضح انها لم تكن صائبة» !! والحق ان الافندي هو الذي أخطأ ، ولما لم يكن هنالك ادب ديني مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا ورع يعصمه عن التورط في التهلكة ، فإنه لم يتردد في قول ما قال .. وخطأ د. الافندي يجئ من عدة وجوه:
1- افتراضه ان النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي عاش كل حياته ، في جزيرة العرب ، لا يعرف ان النخل يلقح ، مع ان هذه المعرفة ، متوفرة لأي اعرابي ، لمجرد معيشته هناك.
2- أسوأ من ذلك !! افتراضه ان النبي صلى الله عليه وسلم، يفتي في ما لا يعلم ، وهو بذلك يسلك في مستوى، دون ما طلب الله من المؤمنين ، في قوله تعالى «قل انما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والاثم والبغي بغير الحق وان تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وان تقولوا على الله ما لا تعلمون» .. فهو عليه السلام ، لا يقول بما لا يعلم ، ولا يتحدث فيما لا يعنيه ، ولقد كان يسئل، فيصمت ، او يقول لا اعلم ، انتظاراً للوحي.
3- لو كان ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم ، في امر تلقيح النخل خطأ، لصححه الوحي ، وهذا مقتضى العصمة، فالمعصوم هو الذي اذا اخطأ صححه الوحي.
ان الفهم الصحيح ، هو ان النخل لا يثمر بالتلقيح ، وانما يثمر باذن الله، وهذه الحقيقة هي مقتضى التوحيد .. ولقد قصد النبي الكريم ، ان يدعو الاصحاب ، الى مستوى رفيع من التوكل ، حين دعاهم لاسقاط الاسباب ، اعتماداً على الله ، وتوكلاً عليه ، فقال «لو لم تلقحوه لاثمر» ، لان الله في الحقيقة ، هو سبب الاثمار وليس التلقيح .. ولكن الاصحاب ، لم يحققوا هذا المستوى من التوكل ، فلم يثمر النخل .. ولهذا دعاهم مرة اخرى، الى الاسباب، حين قال «اذهبوا انتم اعلم بشؤون دنياكم» !! أي ان دنياكم دنيا اسباب ، ولهذا اذا لم تؤدوا الاسباب، سوف لن تجدوا نتائج، الا اذا ارتفعتم من الاسباب ، الى رب الاسباب.
أما مريم ابنة عمران ، فإنها تركت الاسباب، ولم تلتفت اليها ، فتحقق لها ما تريد .. قال تعالى «كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله ان الله يرزق من يشاء بغير حساب» فهي لم تترك المحراب لتكسب رزقها ، فارسل الله لها رزقها في محرابها ، بلا حاجة لسبب!!
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يعلم ان الاصحاب دون هذا المستوى الرفيع، من التحقيق ، ولكنه كان يشدهم اليه ، حتى يشمروا نحوه، ويحققوا منه اقداراً متفاوتة .. فقد ورد في الحديث انه صلى الله عليه وسلم قال «لا عدوى ولا طيرة» فقال اعرابي: يا رسول الله انا نرى البعير الاجرب يلحق بالقطيع فيحيل ما فيه من الابل جرباً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «فمن اجرب اولها ؟!» فسكت الاعرابي . ففي الشريعة هناك امراض معدية، وواجب الاصحاء ان يجتهدوا في الابتعاد عن المرضى، ولكن في الحقيقة ان المرض بيد الله ، وانه ليس هناك عدوى!!
حديث الافندي عن الفكرة الجمهورية يفتقر للصدق:
يقول د. الافندي «ولعل الحل الجذري الابرز هو ذلك الذي لجأ اليه المفكر الراحل محمود محمد طه وحركته الجمهورية حين قرر نسخ كل النصوص القرآنية المدنية ومعها السنة وما تفرع عنها من موروث اسلامي، والبدء من جديد في استحداث تشريع اسلامي من نقطة الصفر. ولكن الحل الجمهوري واجه اشكالين رئيسيين: الاول هو انه حين كنس التشريع الاسلامي الموروث بأكمله بجرة قلم، احل محله رؤية تتطابق مائة بالمئة مع المنظور الغربي الحديث في الحريات وحقوق الانسان. والثاني أن مثل هذا الحل الجذري يحتاج الى دعوى بسند سماوي جديد وتصريح الهي مباشر من الهام او نحوه. أي بمعنى آخر ان الامر يحتاج الى وحي جديد ودين جديد وهو تحديداً ما تضمنته الدعوى الجمهورية، وهو امر يجعلها مشبوهة اكثر، خاصة عند اهل الحداثة الذين تستهويهم دعواها الاولى، ولكن يصعب عليهم تقبل محتواها الصوفي الميتافيزيقي».
ولو كان د. الافندي باحثاً جاداً ، او مفكراً مسؤولاً ، لما خاض في امر الفكر الجمهوري ، بهذه السطحية ، وهذه العفوية. ذلك لأن الفكرة مرصودة في كتبها ، ومسجلة على اشرطة ، وقد وضعت في صفحات الكترونية ، يطلع عليها من شاء ، من جميع انحاء العالم .. وكل من قرأ ولو كتابا واحدا للفكرة الجمهورية ، يعلم ان الاستاذ محمود، لم يقل مطلقاً بنسخ كل النصوص المدنية، ولم يقل بنسخ السنة، بل دعا الى بعث السنة .. وهو على التحقيق، لم يقل بـ «كنس التشريع الإسلامي الموروث بأكمله بجرة قلم» !! فهل يعارض الأفندي الفكرة، بأن ينسب اليها ما لم تقله، ام ان ما يليق به كباحث هو ان يرجع اليها في مظانها، ويناقشها فيما جاء في الكتب؟
ولما كان د. الافندي لا يعتمد على الفكرة الجمهورية، ولا يورد ما يصدق دعواه من كتبها، فإن ما قرر انه اشكالية تواجهها ، لا يقوم الا في وهمه فقط .. فهو قد قال ان اشكالية الفكرة الجمهورية الاولى ، انها قدمت رؤية تتطابق مئة بالمئة ، مع المنظور الغربي الحديث ، في الحريات وحقوق الانسان .. وهذا غير صحيح !! فالفهم الغربي الحديث ، يوافق اصول القرآن ، التي دعت اليها الفكرة الجمهورية، اجمالاً.. ولكن هنالك خلاف جذري ، بين الفكرة وبين الفكر الغربي الحديث ، لا يتسع المجال لتفصيله. ولكن فحواه هو ان الفكرة الجمهورية ، حين دعت للحرية ، والديمقراطية ، طرحت منهاجاً اخلاقياً تربوياً، هو سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، لتحقيق هذه القيم ، بينما الفكر الغربي لا يملك منهاجا ، ولا يهتم بالتربية الاخلاقية.
والاشكالية الثانية ، حسب زعم د. الافندي ، ان الحل الجذري يحتاج الى وحي جديد، وهو ما تضمنته الفكرة الجمهورية، وجعلها مشبوهة !! فأين ذكرت الفكرة الجمهورية ، انها دين جديد ، وانها تحتاج الى وحي جديد ؟! ان ما زعمه د. الافندي ، عار تماماً من الصحة ، ومنذور الحظ من الصدق و الامانة العلمية ، ثم هو يتناقض تماماً ، مع ما ذكرت الفكرة في كتبها .. فهل كان د. الافندي يعرف ذلك ، ثم ادعى ما ادعى ليخفف وطء مفارقات الترابي ؟! أم ان د. الافندي لا يعرف شيئاً ، ويعتقد حقاً وصدقاً ، ان الفكرة الجمهورية تدعو الى دين جديد ؟! وهذا ان صح ، فإنه جهل فريد من نوعه ، لا يجاريه فيه ، غير وعاظ التكفير ، امثال عبد الحي يوسف ، الذي حين اورد نصوصاً من كتب الاستاذ ، اضطر لبترها ، تزويراً ، وتحريفاً ، وكذباً ، حتى يستطيع ان يخلص الى تكفير الاستاذ محمود والجمهوريين.



http://alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147503451&bk=1
_________________

Post: #308
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 08:19 PM
Parent: #1


في ذگـــــرى صاحبـــــي مشـــــــروع الوعـــــي
خالد فضل
* تحل هذه الايام الذكرى الثانية بعد العشرين لاغتيال شهيد الفكر الاستاذ محمود محمد طه، وتزامنت معها ذكرى مرور احد عشر عاماً على رحيل الفنان الانسان مصطفى سيد احمد. وكلاهما، المفكر والفنان من اصحاب مشاريع الوعي، كل بطريقته واسلوبه لكنهما يشتركان في الهدف، وهو جعل الحياة الانسانية ارفع قيمة، وجعل الانسان، خاصة في السودان يرتقي بعقله وسفوره الى مصاف الكمال.
* فالمهندس، الاستاذ محمود محمد طه كان قد نذر حياته ومنذ وقت مبكر للغوص في منعرجات ومطبات الفكر الاسلامي، اراد بسعيه ذاك ان يجعل حياة الشعور والفكر الاسلامي عافية تسري في عقل الانسان المسلم، فينهض من كبوة التخلف، ويتحرر من اغلال المعتاد والمكرر، ويفك اسره من سلاسل التقليد الاعمى والركون الببغائي لمسلمات الماضي، فينقاد كالبهيمة يؤشر لها الراعي فتتبعه، نظر الاستاذ محمود في الدين الاسلامي فوجده ذاخراً بالقيم النبيلة، والمثل العليا، والاخلاق الفاضلة، والافكار النيرة، التي تحتاج الى جهد عقلي وتدبر وتأمل عميق حتى يشع ضياؤها، ويستعر وهجها، فتملأ الارض نوراً ربانياً باهراً، ثم تأمل في حياة المسلمين ومعتاد شؤونهم فرأى فيها من اسباب التخلف، وانقطاع الاسباب، وانسداد السبل ما يستدعي الجهر بدعوة التجديد، فأوقف حياته لدعوته وجاهر بها دون ان يهاب او يخشى ردود الافعال المتعجلة، وهجمات الظلام التي لا تريد للفكر ان ينداح، ولا تسمح للعقل بالعمل، إذ ان مجد جيوش الظلام يبني في الحقيقة على وأد أي بؤرة يشع منها النور فكان ما كان من تعرضه للاذى فصمد، وما واجهه من صعاب فتحداها، حتى اصبحت حياته وسلوكه اليومي مدرسة قائمة بذاتها في تطابق نادر بين (الفكر والحياة) (النظرية والتطبيق) فاقتنع بدعوته عدد كبير من الناس خاصة من صفوتهم الذين منحوا بسطة في العقل، وسلامة في النظر، ومقدرة على التمييز، ورغبة في الاستقلال والتحرر من التبعية دون وعي، وظل الفكر الجمهوري والاخوان الجمهوريون نماذجَ للتفاني، ومثالاً للحياة الانسانية في صورها الزاهية، حيث تعلو قيمة الانسان بمقدار كدحه الفكري، وحيث يسمو البشر عن صغائر (الأنا) وآثرة الذات المفضية الى التكلس والجمود وشح النفس والبخل، ولأن الحرية هى مناط التكليف والعقل هو الامانة التي اودعها الله سبحانه وتعالى لدى البشر، جميع البشر، فقد كانت قيم المساواة من ارفع ما نادى به الاستاذ محمود محمد طه وبالممارسة، فقد انتظم الجمهوريون والجمهوريات على ذات الدرب دون تمييز.
* فلما ادلهم ليل السودان بحالك سنوات القم والقهر على أخريات عهد المخلوع نميري، وبمعونة وتدبير من جماعة الاخوان المسلمين وزعيمهم وقتذاك د. حسن الترابي، وفي غمرة الهياج العاطفي، بدعوى تطبيق الشريعة الاسلامية وعبر اجراءات الطواريء، ومحاكمها الايجازية، واتخاذها كوسيلة لارهاب الشعب، وتخويفه، وردع تحركه السياسي النشط للتخلص من الديكتاتورية وحكم الفرد، وقوانين القهر والكبت، في تلك المعمعة اوائل الثمانينات، صدع الاستاذ محمود بالرأي الساطع والقول الجهير، ان ما يسمى بالشريعة يعتبر اكبر واخطر اساءة للاسلام كدين حنيف ومنهج حصيف، فوجد الزبانية فرصتهم من خلال قانون أمن الدولة وهو في الحق قانون ردع الفكر ووأد الطموحات وقمع الشعب، فلفقوا فيه تهمة الردة، وعجلوا بمحاكمة صورية افتقرت لابسط قواعد المحاكم العادلة، وفي حادثة بشعة تم تنفيذ حكم الاعدام شنقاً، فتدلى جسد الشيخ الذي جاوز السادسة والسبعين من العمر حينها، ملوحاً في الفضاء بعد ان شعت ابتسامة واثقة عن وجهه الصبوح وهو يودع الدنيا، ليستقبل ملكوت الرحمن الذي لا يُظلم في رحابه احد ولن يفلت من عقابه مجرم.. اغتيل الشيخ محمود، وبقيت فكرته ودعوته وافكاره ومواقفه ورمزيته، وحتماً سيأتي يوم يثوب فيه الناس الى عقولهم فيجدون مشروع الوعي والتنوير الذي اخترعه محمود محمد طه هادياً ومرشداً.
* اما مصطفى سيد احمد، فهو الآخر صاحب مشروع انساني حميم، اتخذ الاغنية والكلمة واللحن مدخلاً رحيباً للنفوس، وسبيلاً مرهفاً لمخاطبة الوجدان وتنمية الحس وبسط فكرة الانسان المعافى، وهو مثل سابقه انفق حياته القصيرة جداً، الكبيرة بشمول الكون، من اجل جعل حياة الانسان تأخذ حقها الكامل وشكلها الطبيعي، ككائن يستحق العناية، فغنى لشعبه (ومين يمنعني)، غنى للحب الانساني الرفيع وهو يتجسد في علاقة ندية لا تنفصم قوامها ثنائية عذبة تمزج بين الارض والبذرة، بين الحقل والمطرة، فحق فيه الوصف بأنه لم يكن مغنٍ للطرب بقدر ماهو مغنٍ صاحب فكرة، ورائد للوعي عبر الكلمة واللحن، لذلك فقد ظل مصطفى، وظلت اغنياته ومشواره الفني الغني محل احترام يبلغ حد الخشوع في محرابه، وظل اسمه تميمة ضد الخنوع والاحباط والانكسار فقد علَّم الناس المهابة، وارتفع بوعي وذائقة اجيال كاملة من الشباب والشابات الذين يجدون في اغنيات مصطفى التعبير عن طموحاتهم في الحياة، ويجدون في سيرة حياته القدوة الطيبة وروح المقاومة والصمود في وجه الشدائد.. يدون الوطن في نورا وطيبة وهو محمول في حدقات العيون.. سمحة وسمريه وبدموع الناس مسقية النالا.. لا الاسامي الاجنبية لا العمارات السوامق تمحي من عيني ملامحك.. وانت داقشة المغربية!!
* مصطفى.... يا هذا الغائب الحاضر.. لسه بيناتنا المسافة والعيون واللهفة والشوق والظنون.. لسه فينا عايش جوه في اعماقنا ساكن، يفرهد صوتك الطلق فترهف الآذان السمع، وتتغلغل اشعة الضياء الى العقول.. الحقول.. في كل ارجاء الوطن الفسيح شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً.. فعبر الكلمة واللحن والاداء اوجدت لكل فرد مكاناً تحت الشمس، ولأن مشروعك الفني كان معنياً بالانسان ومهموماً بشجونه وآماله وآلامه فقد غاصت ذكراك عميقاً في عصب الخاطر.. ويمر عام تلو عام.. وتبقى ذكراك على الدوام حاضرة مجلجلة وهكذا اصحاب الرسالات، يمضون بأجسادهم وتبقى مشاريعهم الخيرة دعوة للحب والجمال والخير والعدالة والإنسانية في تمام كمالها.


http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147509376&bk=1
_________________

Post: #309
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 08:20 PM
Parent: #308


ظاهرة التعاطف مع الطغاة!!
خالد فضل
* لا ادري كيف ينظر الالمان الى زعيم النازيين، ومستشار بلادهم، خلال حقبة الثلاثينيات وبداية الاربعينيات من القرن الماضي ادولف هتلر، وما اذا كان يتم تخليد ذكراه كبطل قومي، اعاد امجاد الامة ولو على جثث واشلاء ملايين البشر الآخرين، وربما بعض الجرمان ممن لم يؤيدوا سياساته وهوسه وجنون العظمة الذي تقصمه. ام انهم -اي الالمان- ينظرون الى هتلر وحقبته باحتقار باعتباره طاغية وديكتاتورا اسهم بشكل كبير في تدمير بلادهم وتحطيمها وجعلها ترسف في اغلال الرقابة الدائمة جيلاً اثر جيل؟؟ وتساؤلي هذا ضروري لعقد مقارنة بين نظرات بعض الشعوب في العالم للطغاة والديكتاوريين مهما قدموا من منجزات مادية، وبين حالة بعض شعوب المنطقة العربية والاسلامية ممن ينظرون للبطولة بمنظار لا يفرق بين الجلاد والبطل، الطاغية والرمز..
* فصدام حسين -يرحمه الله- لم يكن رئيساً منتخباً، كما ان طريقة ادارته للشأن العراقي لم تعتمد الا على القهر والسطوة الامنية، والعنف والبطش بالمناوئين واخذ الناس بالشبهات، كانصع نموذج للدولة البوليسية القابضة، وقد حدثنا احد اساتذتنا الاجلاء انه زامل اثنين من اساتذة الجامعات العراقيين اثناء دراسته لنيل درجة الدكتوراة ببريطانيا، وقد لاحظ ان هذين الاستاذين لا يدليان باي حديث او تعليق على اي حدث او شأن عراقي مهما عظم ودار حوله نقاش بين مجموعة الدارسين، هذه الحالة تنطبق عليهما عندما يكونان معاً، اما اذا غاب احدهما فإن الآخر يتحدث ويعلق بطلاقة على الشؤون العراقية، فلما تم سؤال كلا منهما على حدة عن سر «صمتهما» المشترك وطلاقتهما الفردية، اجاب كل واحد منهما بانه لا يثق بأن زميله الآخر من عناصر المخابرات يترصده ويرصد كل حركاته وسكناته ويسجل احاديثه وتعليقاته حول الوضع العراقي، ولو كانت المناسبة ذكر شهور الحر وفصل البرد في العراق، فأي حديث حول هذا الامر يمكن أن يعتبر انتهاكاً للامن القومي للبلد، وتخريبا للاقتصاد الوطني، باعتبار ان سائحاً اجنبياً ربما يسمع مثل هذا التعليق حول درجة الحرارة في العراق في تلك الفترة المحددة وتغير رأيه في السفر للاصطياف بالبلد بناءً على هذه المعلومة!! وبالطبع لا تعدم اجهزة المخابرات عندما تكون يدها «مطلوقة» ما تنسجه من تهم وما تلبسه لمن تستهدف من جرائم.
* كما أنه ليست هناك مغالطة حول حجم المنجز المادي الذي تم في عهد سيطرة حزب البعث العربي الاشتراكي -فرع العراق- بيد ان المنجز الدموي على حساب البشر مما يندي له جبين الانسانية خجلاً، وما تعرضت له مجموعات واسعة من مكونات الشعب العراقي من انتهاكات لادنى حقوقها في الحياة، مما يستدعي النظر بموضوعية واحاطة بفترة هيمنة وسطوة البعث وزعيمه -المشنوق- صدام حسين.. ثم النظر بعقل وتدبر قبل إطلاق جيشان العواطف بالتأييد او الشجب، وفي هذه النقطة يمكن الأخذ في الاعتبار بردود الأفعال الموضوعية الصادرة عن جهات ومنظمات وافراد ينتمون الى بلدان تتمتع شعوبها بالحريات وحكم دولة القانون، فهذه المجموعات التي شجبت عملية اعدام صدام يمكن الاخذ بآرائها مأخذ الجد، مثل اعتراض منظمة العفو الدولية، وتحفظات البلدان الاوروبية وحتى الامين العام الجديد للامم المتحدة ومجموعة من الكتاب والصحافيين والناشطين في مجالات حقوق الانسان في البلدان الديمقراطية، فقد تركزت معظم الاعتراضات حول - انفاذ عقوبة الاعدام نفسها باعتبارها من العقوبات القاسية ضد الانسان، كما تم التركيز على شرعية «المحكمة» واستيفائها لشروط المحاكمة العادلة، آخذين عليها - اي المحكمة- تغيير القضاة، واغتيال بعض أعضاء هيئة الدفاع والشهود، بل تم وصف المحاكمة من قبل بعض الجهات «انها محاكمة سياسية وليست قضائية».. كل هذه الاعتراضات موضوعية، ويمكن التركيز عليها للتعبير عن الرأي المناهض لعملية الاعدام، اضافة بالطبع الى الشعور الانساني العام، وخاصة لدى بعض المسلمين -السنة تحديداً- باعتبار تزامن تنفيذ الحكم مع صبيحة عيد الفداء، ولكن في المقابل لا يمكن اغفال صور الابتهاج والاحتفالات لدى قطاع عريض من العراقيين أنفسهم، خاصة الشيعة والاكراد والمجموعات غير العربية، وغير البعثية بمن فيهم بعض العرب السنة، كذلك ردود الفعل المؤيدة الصادرة عن دولتين مجاورتين هما ايران والكويت، وهما بلدان اسلاميان، واحدهما عربي كذلك!!
* أما عن حالنا هنا في السودان، فلعل المرء يستعيد صوراً للمظاهرات الشعبية العديدة التي كانت تخرج في الماضي للمطالبة «برأس نميري» مثلاً.. فهل كانت تلك المظاهرات تطالب بأن يوضع «تاج على رأس نميري» ام هي في الواقع تعبر عن مطلب «القصاص» بقطع الرأس لرئيسها الاسبق؟ وهل اذا تمت الاستجابة لذلك المطلب وعقدت محكمة قررت شنق النميري جراء جرائمه في الجزيرة ابا وود نوباوي واحداث يوليو 1971م واحداث 1976م وغيرها، هل كان سيجد التعاطف معه واعتباره رمزاً قومياً وبطلاً. ولعلنا جميعاً نذكر كيف أن نظام نميري قد صور وقائع ثورة يوليو 1976م بأنها «غزو ليبي من مرتزقة»، فهل اذا قدر لتلك الثورة النجاح وتقديم نميري للمحاكمة وشنقه كحكم صادر عنها، كان سينظر الى المحكمة بانها محكمة «ليبية»، وان قضاتها أدوات في قوات الغزو الليبي الغاشم؟؟ علماً بأن عدداً كبيراً من اسلاميي سلطة اليوم كانوا جنوداً وقادة في «عملية الغزو الاجنبي المزعومة تلك»!!
* بيد أنه من اللافت للنظر كذلك، نحيب ونواح بعض الاسلاميين عبر صفحات الصحف وبعض تنظيماتهم، وتصويرهم لصدام كبطل قومي، وادانتهم لعملية اعدامه لدرجة وصفها بالاغتيال.. ونفس هؤلاء السادة الاماجد، ايدوا قبل اثنين وعشرين عاماً، عملية اغتيال الشيخ الهرم محمود محمد طه عن عمر يناهز الـ «76» عاماً، اثر صدور حكم قضائي تم نقضه لاحقاً بوساطة المحكمة العليا، وهي المحاكمة السياسية التي لم تخطئها عين أحد، الا اسلاميي السودان الذين هللوا لاغتيال الاستاذ محمود وكبروا، ولم يتحدثوا عن عدم أهلية المحكمة وتأهيل قضاتهم -قضاتها- وتحويل التهمة نفسها من قضية تتعلق بأمن الدولة الى قضية ردة.. فهل يعتقد هؤلاء الاباطرة ان ذاكرة الناس معطوبة لهذا الحد.. ام انهم في الحقيقة يتمثلون القول الشعبي «ينبح الكلب حرصاً على ضنبو»؟؟


http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147509331&bk=1
___

Post: #310
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 08:21 PM
Parent: #309


ندوة وصف الطبيعة... في أغنيات سودانية
رصد: أحمد الفضل أحمد
أقامت الجمعية الثقافية والأدبية بنادي الخريجين بود مدني أمسية الاثنين الماضي ندوة حول أغاني الطبيعة في الغناء القديم والحديث، وصحب ذلك بعض الأغنيات من مطربي مدينة ود مدني (عادل هارون، وابراهيم عوض، وأحمد طابت والموسيقار عاصم مدني).. وقدَّم لها وأدارها الأستاذ: خليفة النوحي..
من طبيعة بلادنا أضفى شعراؤنا روائع أشعارهم... فأنت إذا أردت استجلاء شخصية أديب أو شاعر فانظر انتاجه والمورد الذي استقى منه صوره وأخيلته ومشاعره.. ويتعلَّق نظم الشاعر حول بيئته وأرضه الصحراوية عند الشاعر البدوي الجاهلي في الترحال والتجوال، ويرتبط مع طبيعته على قساوتها، ويستمد صوره من الأطلال والصحراء والسماء المُرصَّعة بالنجوم والرعد والحيوان من الريل والإبل والخيل والزهر والشجر والجبل وحتى الزواحف.. لقد سبق شعراء الجاهلية ومن أتى بعدهم الحركة الإبداعية الرومانسية التي أسست مذهبها على وصف الطبيعة الحية وحملوها نبض أحاسيسهم وخفايا أعماقهم وكوامن نفوسهم.. وامرؤ القيس حين يقول:
وليل كموج البحر أرخى سدوله
فهو بالطبع لم يشأ أن يطول الليل وظلامه بقدر ما أراد أن يجد تشبيهاً لسهاده وهمومه من الحياة.
ونُقدِّم لكم في هذه الأمسية نماذج من الأغنيات التي جعلت من الطبيعة وسيلة للكشف عن الخفي من مشاعر المبدع وايحاءاته وإحساسه وعمق دلالاته في الروح والنفس بالتشبيه والإستعارة من الطبيعة وانعكاس لحس الشاعر بالشيء المشبَّه ورؤيته له، فالطبيعة كائن حي في الفرح والحزن والألم والشدو والسهر وخلف الوعد وصدقه والحب والبُغض عندما يختلقه الشاعر..!
أزهري عبد القادر:
شاهدنا قديماً أغنية الخرطوم على شاشة السينما المتجوِّلة ولم تكن الصورة كتقنية اليوم «فيديو كليب» وفي اللحن بعد جمالي يمثل ما تحمل الكلمات من معانٍ وهي مرحلة ثانية ما بعد زمن غناء - الحقيبة-.
محمد الحسن:
أغنية ام درمان لعبد المنعم عبد الحي سبقت أغنية الخرطوم لعبد الرحمن الريح.
بابكر الدقوني:
التأمل صفة من صفات الصوفية ومفردات الطبيعة في الغناء رمز للعفة.. ومحاسن الطبيعة في أغنيات البان جديد وفي الضواحي.
حامد محمد حامد- جريدة الايام:
كانت أغنية حسن عطية «الوان الزهور» في منتصف الخمسينيات وجماليات مدينة الخرطوم في ذلك العهد وما بعده حتى الستينيات تعج بالجاليات الأجنبية التي أفرزت صالات الرقص والموسيقى وفندق «القراند أوتيل» وصالات السينما تستجلب أفلام الاستعراض.. وكان حسن عطية يدخل للقراند أوتيل يُحيي الحفلات لما بعد منتصف الليل حيث يحلو السهر والسمر.
الطيب محمود:
وصف الطبيعة مشهود في أغنيات الحقيبة لدى خليل فرح في (زهرة روما)، ولدى مصطفى بطران ولدى علي المساح، الذي نعرف له كثيراً من الآثار التي سنتحدث فيها في جلسة أخرى منفصلة.. وتأملوا قليلاً في قصيدة (ظبية الخدر).
محمد عثمان ساتي:
أضافت قبائل شمال السودان كثيراً من الآداب والفنون لتراث الشعب السوداني.. ونأخذ مثالاً من شاعر الدناقلة في لغته «محجوب عبدون، ريِّس المركب» الشراعي في نصوصه من صور الطبيعة في اعتزازه بنفسه في مواجهة العواصف وتماسيح النيل وإبراز صور الفروسية والوصف.. وقد قال لم ير أحد من الناس الهدهد يشرب الماء.. وفي الأمثال الشعبية كثير من استلاف مفردات الطبيعة وخاصة في إقليم دارفور.. الذي جمعنا منه الكثير.
مجدي سليم/ المحامي:
السياسة تقترب من الفن.. وكنا نرى استاذنا المرحوم بابكر كرار.. يفكِّر ويكتب على أنغام السيدة أم كلثوم والفن غذاء روحي.. ويبدع ابراهيم ناجي في لوحته الأطلال ويستمع لها أستاذنا:
ومشينا في طريق مقمر
تثب الفرحة فيه حولنا
وضحكنا ضحك طفلين معاً
وعدونا وسبقنا ظلنا..
وداعة الله الشيخ بخيت:
لماذا الطبيعة؟ وما من شيء إلا يسبح بحمده، فالوجود متكلم والوجود ناطق ومسبِّح ويتجلى في أحيائه وجماداته.. وأعلى المبدعين هم الأنبياء.. (والسيد المسيح) أطرى جمال أسنان الجيفة التي سدَّ الحواريون أنوفهم من رائحتها. وقديماً قال الأستاذ محمود محمد طه إن شعراء غناء الحقيبة هم صوفية زمانهم!
ومن استنطاق الأغنية تتشكَّل اللوحة صورة مجسَّدة..
حامد محمد حامد:
اسمي يتطابق مع حامد الآخر وهو صحفي معروف!! وفي المجتمعات غير العربية تلعب الموسيقى دوراً كبيراً في المصانع والمعامل والمعاهد والأماكن العامة.. والثقافة الموسيقية تساعد في الربط بين الموسيقى والطبيعة.. ومنهج الموسيقى في التعليم ضرورة ومادة أساسية، والموسيقار (حافظ عبد الرحمن) صاحب مقطوعات آلة الفلوت معروف ومشهور في أكشاك الموسيقى الأوربية كسفارة متجوِّلة.. يتذوقون خصوصيتها.
مبارك الصادق:
أغاني الطبيعة المعلومة عندنا تقع في ايقاعات رقصة الفالس كما في أغنية «في سكون الليل مهدي الامين، أحمد المصطفى»، «فيرد لونا حسن عطية، محمد أحمد محجوب».. وعموماً فإن الموسيقى تمنح الصحة والعافية.
أحمد الفضل أحمد:
تغنى أحمد طابت بـ (جدي الريل).. لعبد الرحمن عبد الله، وهناك أمثلة عديدة في غناء كردفان، ولدى عادل هارون من المساح (غصن الرياض)، وكان غناءً سليماً أظهر بوضوح ثقافة وعبقرية المسَّاح في ثرائه وبلاغته العصامية في إضماره وتضمينه وتناصه مع الطبيعة وتوظيف مفرداتها المحسوسة ومثله في ذلك كل شعراء زمانه الوصَّافين.. وفي معظم الأحوال تبدأ قصة كل أغنية بالتقاط مشهد تتداعى حوله السردية والدلالة.. وكانت الفتاة «الفريع» على شاطئ النيل الأبيض تقف غافلة ومستطلعة للباخرة النيلية الواقفة على المحطة تفرغ شحنة الركاب «والفريع» متكئة على كثيب الرمل.. صاحت لها رفيقتها «يا الفريع».. والتقط الصورة الشاعر فنظم من فوره «يا فريع ياسمين متكي في رمالوا..» والسرد الوصفي على الدوام باذخ وممتلئ وفيه حكاية..! وحقيقة فإن غناء الحقيبة مترع بمواعين العفة والمسحة الصوفية في تجلياتها وتشبيهاتها العليا وجمالياتها البلاغية.. فكان فن المديح سابقاً لنظم الغناء المُؤطر بسماته التي ترسَّخت بداية من الربع الأول من القرن العشرين، خروجاً على نظم المربعات وأداء الطنبور..
وفي فن (المسادير لدى شعراء البطانة) مجالٌ للتأمل في وصف الطبيعة والقصة الطويلة.


http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147509181&bk=1
_________________

Post: #311
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 08:22 PM
Parent: #310


لقد كان قبل اليوم صعباً قياده
د.فتح العليم عبد الله
.........
منظر الإعدام ونبأ حمل صدام بالطائرة استدعي أبياتا من الشعر كانت مخزنة في ذاكرتي (التي تعمل موسميا ً) قالها الشاعر المطبوع عبد العزيز التوم في رثاء الأستاذ محمود محمد طه:
قتلوك باسم محمد وقتلتهم يا فيلسوف العصر باسم محمد
قتلوك في ظلم الحسين ومن يمت
بثباته في رأية يستشهد
حملوك فوق ذرى السحاب مخافة ً
أم ذاك شأنك في العلو المصعد
ونزلت ليس إلى التراب وإنما
في حضن موج الواهب المتفرد
يا ماشيا ً ثبت الجنان كأنما
نوديت من ذي الوعد لا المتوعد
عندما وضع الوهق (وهو حبل
حكمه دسمة:
اتقوا معاصي الله في الخلوات فإن الشاهد هو الحاكم.



http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147509133&bk=1
_________________

Post: #312
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-14-2008, 08:22 PM
Parent: #311


أحكام الإعدام
كيف تنفذ وماهو موضعها في القوانين السودانية
أ . أسعد الطيب العباسي
.................
وبالطبع لم يتم تنفيذ اى حكم بالاعدام بموجب المادة 126 المذكورة لانه لم يصدر اصلا غيراننا سنتعرض بايجاز للحكم الذي صدر بالاعدام ونفذ في قضية حكومة السودان ضد محمود محمد طه فقد صدر هذا الحكم في ظل قانون العقوبات الملغي لسنة 1983 والذي قررت فيه محكمة الطوارئ ردة المحكوم عليه وامرت باعدامه مع الصلب ووافق عليه رئيس الجمهورية وتم تنفيذه على الرغم من ان قانون 83 لم يتضمن الردة كجريمة وحسناً فعلت المحكمة الدستورية لاحقاً وإن كان الحكم قد نفذ بالفعل عندما قررت بطلان تلك المحاكمة وعدم دستوريتها.



http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147509098&bk=1

Post: #313
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 02:46 AM
Parent: #1



صحارى النسيان!!
عادل الباز
[email protected]
كنّا على مقهى النشاط بجامعة الخرطوم نمارس هوايتنا الىومية في سلخ النملة السياسية. وكان ذلك المساء متوتراً توتراً استثنائياً، كنّا في انتظار ما سيفعله النميري بالأستاذ محمود محمد طه. كان القرار متوقعاً، وكان الجميع بلا حيلة ينتظرون حلاً إلهياً. كنت شخصياً حتى قبل صدور القرار بوقت قليل أقول إن النميري ليس غبياً بهذا القدر ليرتكب تلك الحماقة. حين أطل من تلفزيون كافتيريا النشاط ذلك المذيع وهو يتمظى ليتلو بياناً هزيلاً مرتجفاً يعلن المصادقة على قرار إعدام الأستاذ محمود، أطبق الصمت على النشاط. صمت مذهل، الجميع صمتوا. لم تغب تيكم اللحظة عن ذاكرتي ماحييت. أشد معارضي الأستاذ محمود لم يقوَ أحدهم على الكلام. بعد النبأ لم نصدق أن الأستاذ سيُعدم غداً. كان الجمهوريون أكثر الناس إيماناً باستحالة إعدام الأستاذ، وكنت أميل لرأيهم وفقا لتحليلاتي الخاصة، وليس لرؤاهم الغيبية.
في ذلك المساء، دعا الجهموريون لركن نقاش عاجل في الميدان الغربي، وهنالك أعلن المتحدثون انه لا يمكن لبشر أن يمس شعرة من الأستاذ. ازددت قناعة أن شيئا ما سيحدث خلال الليل ليوقف تلك المهزلة. لم أنم، ظللت أجول ما بين الغرف في البركس وداخليات الوسط حتى صلاة الصبح. بعد أن صلينا الصبح في مسجد الجامعة، لاحظت ان جموعا من الطلاب تتحرك صوب كبري كوبر لمشاهدة لحظات الإعدام. ما المتعة في مشاهدة شيخ على حبل المشنقة.!!.عدت لغرفتي يحدوني أمل ضئيل ان معجزة ما لا بد من حدوثها في اللحظات الأخيرة، فينجو الأستاذ. أغلقت باب الغرفة على نفسي، لم أك مستعداً لحديث مع أي شخص. لم أسمع بما جرى إلا في مساء يوم الإعدام. بكيت الاستاذ كما لم ابك زعيماً من قبل ، ولا أظنني سأبكي آخر من بعد.
كانت حلقات النقاش التي أسسها الجمهوريون في الجامعة هي الحاضنة الأساسية التي تربت فيها ثلة من أجيال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي. كانت أركان النقاش حلقات للحوار الثر، وفضاءات لتعلم آداب الحوار، والتعرف على الأفكار التي كانت تصطرع في الجامعة ، خاصة لمن وفدوا من الاقالىم من أمثالنا. هنالك تعرفنا على الفكر الجمهوري، ومن حلقات النقاش انطلقنا نبحث وننقب في فكر الأستاذ محمود. كانت الكتب متاحة، وكان تلاميذ الأستاذ الذين تأدبوا بأدبه متاحين في أية لحظة للحوار والرد. بل كان الاستاذ نفسه متاحاً. كنت في ذلك الوقت أسكن الثورة الحارة الخامسة ، وكان منزل الاستاذ في الحارة الاولي ، فكنت كل خميس اقصد منزله لاسمع منه حول الفكر الجمهوري . وكانت له طريقة مدهشة في تربية تلاميذه. كان التلاميذ يأتون بحصاد الأسبوع من الأسئلة التي سألوها، ولم يعرفوا إجاباتها في مختلف اركان النقاش، سواء أكان ذلك في الجامعات او في الطرقات حيث توزع الكتب. وكان الاستاذ يسمع ويبتسم. وحين يبدأ الرد على التساؤلات لا يأتي بشئ جديد ، انما يذكر تلاميذه بما جاء في كتبه ويحيلهم الى ماجاء في كتب ، اشار علىهم بها من قبل. نادراً ما يورد نصاً او فكرة جديدة. كنت اتعجب من تلك الطريقة، ولكن يبدو انه يحاول ان يذكرهم بشكل دائم بما بين ايديهم من علم كافٍ مبثوث في كتبه.
كنت وصديقي الحاج وراق ، قبل ان ينخرط في الحزب الشيوعي، من الزبائن الدائمين لاركان نقاش الجمهوريين. وكنا يومها من مواقعنا المستقلة نحاور نجوم الاركان في تلك الايام ( دالى - القراي - الله يطراهم بالخير) حول الفكر الجمهوري.لم نك مقتنعين بكثير من الافكار التي يطرحها الاستاذ محمود ، ولم نتوصل الى اي فهم مشترك رغم احترامنا لاشخاصهم. بعد ان طال جدالنا وامتد نحو عامين ، اقترح علىنا دالي مقابلة الاستاذ محمود في منزله لمزيد من الحوار حول بعض الافكار الملتبسة علىنا.وافقنا بلاتردد فتلك بالنسبة لنا فرصة لملاقاة الاستاذ وادارة حوار مباشر معه . واذكر انني في صحيفتي ، التي كنت اصدرها على ايام الجامعة ( الرأي ) ، نشرت وقائع ماجري في اللقاء ، فأثار اللقاء ضجة في النشاط. استمع لكلانا مطولا وهو مطرق حتى ظننا انه انصرف عنّا ، ولكن حين تحدث لم يترك فكرة او عبارة لم يرد علىها. اقتنعنا ببعض الافكار ، وصعب علىنا هضم الاخرى ، وكان يقرأ في متابعتنا لردوده ، اننا لم نصل لقناعة كاملة بمايطرح ، فقال لنا (ادراك الحقائق كلها في بداية الطريق ليس ممكنا)، ودعانا لنسلك وستتكشف لنا الحقائق من بعد. لم ترق لنا الفكرة إذ انه في مجال الافكار ليس ممكنا كتابة شيك على بياض.
على ان مارسخ في ذهني هي الطريقة التي عاملنا بها الاستاذ.تواضع لا حدود له، خرج لملاقتنا خارج عتبة الغرفة وانتهي بوداعنا خارج المنزل( بيت الجالوص).
سالمنا كأننا اخلص واحب تلامذته، وودعنا كأننا اصدقاء مقربين.على كثرة ما التقيت في عمري من بشر ، ما عرفت شخصا اجتمع له العلم والتواضع ونظافة الىد وعفة اللسان كالاستاذ محمود. خرجنا منه كما دخلنا علىه مختلفين معه فكريا ، منبهرين بشخصه.الآن تمر ذكراه فيحتفل به ، فأين الذين نصبوا له المشانق ، دفنوا في صحارى النسيان أحياءً ، والشيخ الذي قبروه في صحراء العتمور لايزال حياً يوقد فكره المنابر.

المصدر
http://www.alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147509488&bk=1
..

Post: #314
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 02:47 AM
Parent: #313


الإصلاح السوداني: هل يمكن أن يتم خارج دائرة التفكير «العربسلاموي»؟!

صلاح شعيب).

الواقع ان منح صفة المفكر من الصعوبة بمكان وفيها كامل الالتباس المعرفي، فهي ليست مثل درجة البروفيسور وقريب من صعوبتها تأتي صفة الموسيقار والتي أراها الآن تمنح لبعض الموسيقيين السودانيين كما تمنح صفة الفنان، وأذكر في حواري مع صديقي الدكتور محمد وقيع الله إنه وصف الترابي بالمفكر وحجب الصفة عن الاستاذ محمود محمد طه ومحمد عابد الجابري. .

====
الإصلاح السوداني: هل يمكن أن يتم خارج دائرة التفكير «العربسلاموي»؟!

صلاح شعيب
الملاحظة الأولى هي أننا الآن ليس لدينا وصفة سودانوية جاهزة لمعالجة القضايا العربية والإسلامية.. أو بالأحرى دعنا نقول إننا - تاريخياً- ليس لدينا مساهمة فكرية مؤثرة في إصلاح نظرة المركز العربي لمسائل الفكر السياسي والتنظير الديني مثلاً، صحيح إنه لدينا منظرون في شؤون الفكر والدين والثقافة والأدب بيد أن تأثيرهم عربسلاموي ما زال محل شك.
بخلاف الطيب صالح، أو الفيتوري بحد ما، وهما من الأدباء، لا نجد منظراً سودانوياً واحداً قد شغل دنيا العرب وظل مثار تقديرهم. بالنسبة للدكتور محيي الدين صابر والدكتور حيدر إبراهيم والاستاذ عبدالعزيز حسين الصاوي فإنهم حاولوا جهد المستحيل، الأول كان رئيس المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم ونظر من وجهة النظر العروبية في قضايا ذات صلة بالمحيط العربي، والثاني اشتغل على البحث الانثربولوجي من خلال جهده في جمعية علماء الاجتماع العرب، وتعاون مع مركز دراسات الوحدة العربية بالمغرب فأصدر بحثاً حول ظاهرة الإسلام السياسي، الجبهة الإسلامية السودانية/نموذجاً، وكذلك أصدر بعض الأبحاث حول السلطة والمثقف وكانت كل مراجعه في ذلك هي تنظيرات المفكرين العرب حول الإسلام وظاهرة صعود التيارات الاسلامية، أما الثالث فقد تناول القضية السودانية بمرجعية عروبية آمن واستهدي بها في محاولاته الفكرية الدائبة حول استنطاق صخر الأمور السودانية التي تبدأ من النظام التعليمي وتمر بالسكن العشوائي وتنتهي في (حقيبة الفن).
إمكانية وصف هؤلاء الأفاضل بالمفكرين على النطاق السوداني والعربي ممكنة، وربما هناك آخرون خلافهم، غير أن الاتصاف بصفة المفكر تدخلنا في تعريف خاصية المفكر من الناحية الأولية. فالمفكر في تقديري الشخصي هو الذي يقدم «عملاً مفارقاً» لم يسبق له مثيل. إذاً فإن الدكتور محيي الدين صابر كان قد أصدر كتباً فكرية تجوِّز له أن ينال هذه الصفة، وكذلك يستحق الدكتور حيدر ابراهيم الصفة ببحثه القيم عن ظاهرة الإسلام السياسي المتسودنة، كما أن الصاوي يستحق اللقب إذا قرأنا بحق كتبه الكثيرة وبحوثاته المنتظمة في العقد الأخير، ولكن السؤال كيف يمكن صمود صفاتهم هذه عربياً إذا قارناهم بالدكتور نصر حامد ابو زيد بحفرياته المنهجية في النص القرآني، أو الدكتور محمد أركون بتفكيكاته الابستمولوجية للتاريخ الإسلامي، أو الطيب تزيني بتنظيراته المتميزة.. إلى صادق جلال العظم وسمير أمين ومحمد جابر الأنصاري ومحمود أمين العالم؟
الواقع ان منح صفة المفكر من الصعوبة بمكان وفيها كامل الالتباس المعرفي، فهي ليست مثل درجة البروفيسور وقريب من صعوبتها تأتي صفة الموسيقار والتي أراها الآن تمنح لبعض الموسيقيين السودانيين كما تمنح صفة الفنان، وأذكر في حواري مع صديقي الدكتور محمد وقيع الله إنه وصف الترابي بالمفكر وحجب الصفة عن الاستاذ محمود محمد طه ومحمد عابد الجابري. إذاً -وبصرف النظر عن منطلقاته الأكاديمية في تحديد صفة المفكر- فإن التربية الايديولوجية تتدخل أحياناً، أكثر من التحصيل المعرفي، لإنصاف هذا الشخص ومنحه الدرجة المعرفية المشكَّلة في تفاصيل إجازتها إذا إرتبطت بأقانيم جهده المكتوب، ولكن هذا ليس موضوعنا، إنما هو تأثير الفكرانيين كما يقول أهل الحداثة اللبنانية، وإذا شئت قل الكتاب السودانيين في معالجة قضايا الواقع الحضاري بالدرجة التي تلفت الانتباه إليهم كصانعي إختراق معرفي في فضاء الاشكالات العربسلاموية والتي أيضاً تبدأ من تحليل أو تحريم الغناء، وتمر بقانون الخلع، وتنتهي في الموقف من الحفاظ، أو عدمه، علي عمود الشعر العربي كما بيَّن أوزانه الفراهيدي.
في الواقع أعترف أن الموضوع شائك -وهل كانت المواضيع العربسلاموية غير شائكة؟- ويتطلب، للإنصاف، بحثاً يتقصى حدود ما هو سودانوي وما هو عربسلاموي في كتابة المنظرين السودانيين حول الدين والسياسة والديمقراطية والأدب والرسم والموسيقى والهجرة مثلاً، فضلاً عن ذلك فإن السؤال الجوهري هو هل كان إنتاجنا في هذه الضروب عروبياً صرفاً، خصوصاً وإننا نتموضع ضمن المتعدد في العروبة/ الرابطة الثقافية الاستراتيجية، أم إنه عربي بتبيئة سودانية أم هو سوداني بتبيئة عربية، أم هو في الحقيقة إنتاج سوداني بمؤثرات كيفما تجئ. أم هو «سودانوي» بحت وفي هذا الحال يمكن إعتماد سودانوي هذه وفقاً لتعريف الراحل أحمد الطيب زين العابدين الذي يرى أن السودانوية قديمة الوطء، وإنها التراث النازل منذ القدم والمستوعب بواسطة السودانيين الذين استخرجوه في غنائهم وفنونهم التشكيلية ومهرجانات الأعراس ومراسم دفن الموتى ومواسم الحصاد وطريقة صناعة ملبسهم وطعامهم... إلخ.
الملاحظة الثانية هي إنه عند بحث دور التقانيين السودانيين في المشهد العربي، فإن ذلك يبدو جلياً بما لا ينكر، فإذا أخذنا الخبرات التعليمية والأكاديمية والطبية والهندسية والإدارية والقانونية والإعلامية والمصرفية والرياضية والموسيقية فإننا نكاد نكون المنافسين الوحيدين للخبرات المصرية التي أسهمت في بناء الخليج العربي عموماً ومضافاً إليه اليمن وليبيا.
وهنا ينطرح السؤال الآخر وفحواه هو هل إن السودانيين حين توافرت لهم بيئة العمل المجزية، برعوا فعلاً في الأشغال التقانية التي هي بلا شك ليست إنتاجاً خالصاً للمركز الحضاري العربي، بينما أخفقوا في التأثير الفكري والذي هو في خاتم الأمر يمثل الانتاج الخالص لتيارات الإسلام السياسي السني والفكر العروبي واليسار العربي؟ وإذا كان هذا الفشل متفقاً عليه، بدليل إننا فشلنا سودانياً حتى هذه اللحظة في الاجابة على أسئلة الدين بدولته أو أسئلة الدولة بعلمانيتها وقضايا تحقيق الديمقراطية وتبني النظم الإدارية الغربية، فهل يعني ذلك أن الاصلاح السوداني العام يتأتى بالضرورة من خارج هذه الدائرة العربسلاموية، أي وفق أطر نظرية سودانوية كما أجاب عليها زين العابدين، وبالتالي يمكن لنا إحراز النجاح وتصديره حتى إلى المركز العربسلاموي والأفريقي.. ربما، هذا خصوصاً إذا أبعدنا التواضع السوداني الضال ونظرنا إلى حصاد الفكر العربسلاموي من موقع النقاد الأعزاء لا من موقع المتلقين الأجلاء للقرضاوي وهيكل.
الملاحظة الثالثة، هي إننا، على الرغم من غياب الصناعات الفنية الثقيلة، أثرنا موسيقياً على مستوى الجوار الأفريقي )أثيوبيا، والصومال، وأريتريا، والنوبا العليا، وتشاد( وغرب أفريقيا، ونتيجة لذلك يجد فنانونا التقدير في رحلاتهم الفنية لهذه الدول، كما تم منح لقب «فنان أفريقياً للاستاذ محمد وردي، وفي ظني أن هذا التأثير الثقافي يعود إلى الاستخدام التقاني الجيد لأدوات التأليف الموسيقي واعتمادنا على السلم الخماسي، لا السباعي، والذي عبره يمكننا تجاوز الأقطار المستخدمة عالمياً لهذا السلم مثل الصين وكوريا واليابان والهند وأجزاء من أميركا اللاتينية. فمن ناحية القدرة على إستخدام نغمات السلم الخماسي، أما من ناحية الفن التشكيلي الحديث فإننا نرى أن الجوائز العالمية قد تقاطرت نحو مبدعينا التشكيليين مثل سيف الدين اللعوتة، وراشد دياب، ومحمد عمر خليل، وحسن موسى، ودرمة، والسر حسن، وحسين جمعان وغيرهم.
كما يمكننا الرجوع إلى مقالة منصفة للراحل بلند الحيدري الذي تحدث عن )الحروفية السودانية( التي أبدعها الأستاذ عثمان وقيع الله مع زملائه شبرين والصلحي، وأذكر إنه قال إن الفن التشكيلي السوداني يقف متصدراً الحروفية العربية الحديثة.
كل هذا يعني أن الاعتماد على المرجعية السودانوية للإبداع هي التي خلقت إصلاحاً فنياً داخل أطر التفكير الإبداعي السوداني، وجعل من الممكن لا اختراق المركز الحضاري فقط، وإنما الوصول إلى مستويات عالمية.



طبعاً غالب الانتاج الفكري العربسلاموي، والذي تشربناه جيداً، بغير إنه لم يحل قضايا المراكز العربسلاموية ولا هوامشهما كما هو واضح الآن، فإنه مثل دوراً سلبياً على مستوى الوجود السوداني المختلف ثقافياً وعرقياً، ولعل هذا تمظهر بما لا يدع مجالاً للشك في التعامل مع الصراعات الجهوية التي أتت كردات فعل للتوجه العربسلاموي القامع، ليس ذلك فحسب فإن نتيجة الإصطراع بين الهامش والمركز ولدت إتجاهات عنصرية مضادة في الهامش وأخرى متضامنة مع المركز.
إن إنتاج العرب والمسلمين ليس كله سيئاً، والحقيقة هي أن هناك تيارات إصلاحية تاريخية داخل المركز الحضاري العربسلاموي تعرّضت ولا تزال إلى القمع، ونكاد نعثر على اجتهادات فكرية وثقافية وأدبية عربية أكثر إنسانية في تقييم هذا التاريخ العريض من الفشل السياسي وتقديم بدائل أكثر وعياً بأسباب تنكب المجتمعات العربية والاسلامية عن جادة الطريق السليم، بيد إننا كما نعرف إن هذه التيارات الاصلاحية تعاني القمع السلطوي والحرمان من الأجهزة والمنابر الرسمية.
الشئ الآخر إنه ليس من الحكمة في شئ تبرئة أنفسنا وإدانة العرب وتراثهم الحضاري عند محاولة البحث عن حلول لقضايانا، فالشئ العملي هو إدانة محاولات تقفي الأثر لحل إشكالاتنا إنطلاقاً من ما هو مكتوب عربياً.
إذاً، فإن كيمياء العرق العربي وجوهر المبادئ الإسلامية تركيبياً بريئان من هذا الفشل المتواصل لدويلات المجتمعات العربسلاموية، والأصح هو القول إنه متى تيقَّن العرب والمسلمون أن أسس الإصلاح تتوافر بنقد السيرورة التاريخية لتجربة ذاتهم -النقد الذي يثمر عن وصفات حقيقية لجذور الأزمة- فإن الحال آنئذ سيثبت أن مكونات العرق والعقيدة لم تكن سبباً للنكوص وإن الإصلاح ليس هو إصلاح لكيمياء العرقية أو معطيات العقيدة، وأنى له أن يكون.
نخلص إلى أن الأزمة العربية -الإسلامية، في المقام الأول، ليست أزمة في التكوّن البايلوجي للعرق العربي أو أزمة، وهمٌ ثيوقراطي يكمن في سلوك مسلمين، وإنما هي أزمة في طريقة تفكير الذات العربية والفهم الخاطئ للمسلمين من غير العرب لامكانات تصحيح الخطأ في التجربة التاريخية لدول المسلمين التي هي موضع إشكال دائم وليست محفزاً أسطورياً للتقدم.
إذا كان هذا يبدو مفهوماً، وبما يبعد شبهة الإتهام الجاهز بتقويض فضل العربان على بلاد السودان -وهو فضل غير منكور- أو شبهة تهديم ركن من أركان الدين كما يتصوّر ثمة أصوليين، فإن المرء يرى أن الإصلاح السوداني ونعني به الإصلاح على جهة التفكير والممارسة السياسيتين ليس إلا، يمكن أن يأتي من خلال )وصفات سودانوية( أكثر من كونها عربسلاموية محضة، هذا لا يعني بالكاد نبذ الموروث العربي كلية ولا المعطى الديني برمته، إذ كيف يمكننا سلخ جلودنا أو تبطيل صلواتنا، وإنما يعني إعادة قراءة الموروث والمعطى على ضوء الحقائق الجديدة التي أفرزها صراعان مستعران نحو الهيكلة السياسية للدولة. (1) الصراع الذي تم ايديولوجياً عبر نخب المركز وأنتج تجارب سياسية مسيخة، مذكاة بواسطة تثاقفنا مع المركز الحضاري الكبير. (2) الصراع المركزي لتجاربنا السياسية المسيخة نفسها نحو استقطاب أو استيعاب أو دمج أو تدجين الهوامش القصية والدانية أثناء عملية التنظيم الإداري القيصرية للدولة الوطنية منذ عشية الإستقلال. هذا بدلاً من تنمية الهوامش فيدرالياً على النحو الذي يثري المختلف الثقافي.
والطريف إنه إذا برأنا المركز -كما يرغب البعض العاطفي- من شبهة الصراع الأقوامي حول السلطة بإعتبار أن محركه الذي يعلو بصوته كان ايديولوجيا فحسب، فكيف يمكننا تبرئة صراع المركز ضد الهامش من شبهة حصر حصاد الدولة ليكون مكاسب لأقوام دون آخرين؟
إن الإجابة على السؤال تكمن في الإعتراف أن الإطفاء الحقيقي لنار الصراعين هي بواسطة التواضع على تسوية سودانوية، غير متوافرة لا في فكر عمرو موسى وأيضاً المنظمة العربية التي تنظر لقضية الهامش إنها «محض محاولات لتقويض هيكلية الدولة». ولا في فكر عرّاب المحافظين الجدد فوكياما، وكذلك الدول الغربية التي ترى أن مشكلة السودان في مركزه الذي يهيمن عروبياً على إثنيات أفريقية. هذا برغم أن الفكرتين لا تخلوان من بعض حقائق فرعية، وليست جوهرية.
إذاً، علينا خلق وصفة علاجنا إنطلاقاً من تمايزنا.



http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147508778&bk=1
_________________

Post: #315
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 03:11 AM
Parent: #1


لمــاذا يصمـت الجميــــع عنـــها ؟
قضيـة محمـود محمد طه بـين محكمتين !!
المحرر السياسى
في 25 فبراير 1986 وبعد انتفاضة ابريل 1985 ، التى اطاحت بنظام الرئيس الاسبق جعفر نميرى ، رفعت اسماء محمود، وعبد اللطيف عمر حسب الله ، عريضة دعوى، تطالب باعلان بطلان اجراءات المحاكمة، التي تمت للاستاذ محمود محمد طه، وأربعة من الاخوان الجمهوريين ابان العهد المايوى ، والتى قضت باعدام الاستاذ محمود بتهمة الردة واستتابة تلاميذه الاربعة . ولقد رفعت الدعوى ضد حكومة جمهورية السودان، الى المحكمة العليا، الدائرة الدستورية، وتم نظرها بواسطة القضاة :
محمد ميرغني مبروك رئيساً، هنري رياض سكلا عضواً، فاروق أحمد إبراهيم عضواً، حنفي ابراهيم محمد عضواً، زكي عبد الرحمن عضواً، محمد حمزة الصديق عضواً، و محمد عبد الرحيم عضواً.
وكانت هيئة الدفاع، التي تولت رفع الدعوى، مكونة من السادة المحامين :
د. بيتر نيوت كوك، عبد الله الحسن، عابدين إسماعيل، طه إبراهيم، جريس أسعد، والاستاذ محمود حاج الشيخ. وبعد تقديم هيئة الدفاع مرافعتها طلبت المحكمة، من النائب العام، السيد عمر عبد العاطي، باعتباره ممثل الحكومة، ان يرد على مذكرة الادعاء المرفوعة بواسطة المحامين، فجاء ردّه كالاتي ::
1- نعترف بان المحاكمة لم تكن عادلة ولم تتقيد باجراءات القانون .
2- ان المحاكمة اجهاض كامل للعدالة والقانون .
3 - لا نرغب في الدفاع اطلاقاً عن تلك المحاكمة .
وبعد المداولات، جاء قرار المحكمة العليا، الذي ابطل الحكم الاول ونورد منه هنا ما يأتي :
(ان محكمة الاستئناف، وفيما نوهنا به، اشتطت في ممارسة سلطتها على نحو كان يستحيل معه الوصول الى حكم عادل تسنده الوقائع الثابته وفقاً لمقتضيات القانون. ويبين ذلك جلياً مما استهلت به المحكمة حكمها حين قالت :
«ثبت لدى محكمة الموضوع من اقوال المتهمين ومن المستند المعروض امامها وهو عبارة عن منشور صادر من الاخوان الجمهوريين ان المتهمين يدعون فهماً جديداً للاسلام غير الذي عليه المسلمون اليوم... الخ».. وبمراجعة المستند المشار اليه واقوال المتهمين التي ادلوا بها امام المحكمة الجنائية لا نجد سنداً لهذه النتيجة الخطيرة التي نفذت اليها محكمة الاستئناف مما يكشف عن حقيقة واضحة هي ان المحكمة قد قررت منذ البداية ان تتصدى بحكمها لفكر المتهمين وليس لما طرح امامها من اجراءات قامت على مواد محددة في قانون العقوبات وامن الدولة ، وأدى الى تحريكها منشور محرر في عبارات واضحة لا تقبل كثيراً من التأويل .
وبعد تمحيص طويل ونظر مدقق فى الحيثيات والبينات التى استند اليها الحكم الاول قررت المحكمة ما يلى :
1- اعلان بطلان الحكم الصادر في حق المواطنين محمود محمد طه والمدعي الثاني في هذه الدعوى من المحكمة الجنائية ومحكمة الاستئناف .
2- الزام المدعين برسوم واتعاب المحاماة في هذه الدعوى.
( حيثيات المحكمة في قضية أسماء محمود وآخرين ضد حكومة السودان) .
ونشر ذلك الحكم فى الصحف المختلفة وقتذاك الى جانب مجلة الاحكام القضائية لعام 1986 ، واقام اتحاد الكتاب السودانيين احتفالا ضخما وقتها بمناسبة صدور الحكم ، دعا له عددا من المفكرين والادباء فى الدول المجاورة ، كما نظمت ايضا نقابة اساتذة جامعة الخرطوم فى نادى الاساتذة احتفالا مشهودا بالمناسبة .
لكن ورغم هذه الوقائع الواضحة ، الا ان حكم محكمة المهلاوى الاولى فى العهد المايوى والتى قضت بردة الاستاذ محمود وبالتالي اعدامه ومصادرة كتبه والزراية بتلاميذه لاتزال هى المستحكمة على الوعى الجمعى ليس فى السودان وحسب وانما فى سائر البلدان العربية والاسلامية ، ولا تجد احدا من بين المفكرين او المثقفين يمينا ويسارا ووسطا يشير فى اىة مناسبة الى اسهامات الاستاذ محمود الفكرية فى مجالات التجديد الاسلامى او فى الفكر السياسى فضلا عن نضالاته ضد الظلم منذ ايام الاستعمار وحتى صعوده الى حبل المشنقة ، الا عددا قليلا منهم ، كما لم تشر المناهج التعليمية فى السودان لا من قريب او من بعيد الى دور الاستاذ الطليعى فى مقارعة الاستعمار كأول سجين سياسى عام 1946 ، بينما يرد ذكر كثير من طلائع الحركة الوطنية من ابناء جيله .. الغالبية التزمت الصمت المطبق ولم يبحث احد اسباب ذلك .
سألت خلف الله الرشيد رئيس القضاء الاسبق عن الاسباب الحقيقية لهذا الصمت ، فبادر الى التأكيد على بطلان الحكم الاول، واوضح انه قال رأيه من قبل بأن الاستاذ حوكم بتهمة لم تكن موجودة فى القانون الجنائى السودانى وقتها ، وهى تهمة الردة ، وان القاضى اجتهد رأيه فى توجيه التهمة وليس من حقه ان يفعل ذلك ، واضاف انه لم يقتنع بالحيثيات التى اوردها القاضى المكاشفى طه الكباشى فى كتابه عن قضية اعدام محمود محمد طه ، لان الحكم استند على تهمة الردة التى لم تكن موجودة فى القانون الجنائى وبالتالي الاجراء باكمله يعتبر باطلا ، وتابع كما ان المحكمة الشرعية التى نظرت فى القضية لم يكن ذلك من اختصاصها ، حيث كان موكولا لها النظر فقط فى قضايا الاحوال الشخصية . ورأى الرشيد ان اصرار البعض على مادة الردة رغم ان غالبية الفقهاء والمفكرين يرفضونها ، راجع الى اعتماد كثيرين فى معرفتهم بالدين على الكتيبات وليس على الاصول ، واكد ان رفضهم لها راجع الى انها قد تستغل سياسيا كما حدث بالنسبة لقضية الاستاذ محمود . وارجع الرشيد الصمت الذى يطبق على قضية محمود محمد طه من قبل كثيرين الى التوظيف السياسى للقضية ، كما ان الحكم صدر ونفذ ، ولن يجدى بعده صدور حكم اخر لان احدا لن يهتم به .
ورغم ان البروفيسور حسن مكى قال لى انه غير راغب فى الحديث حول قضية الاستاذ محمود ، الا انه قال لى بعد الحاح منى ان القضية صارت مثل قميص عثمان تستخدم لاضعاف التيار العام للثقافة العربية والاسلامية ، وان من يوظفونها ليس لديهم محبة حقيقية للاستاذ محمود ولا لافكاره ولا للدين ، واشار الى ان التناول لها كان مثل التناول الذى تتم به قضية دارفور حاليا .
لكن الدكتور عمر القراي القيادى الجمهورى المعروف ، دفع فى حديثه لى بأن من تصدوا الى قضية الاستاذ محمود من غير الجمهوريين كانت هى منظمات حقوق الانسان ونظرت الى ذلك من زاوية دفاعها عن الحقوق كما منصوص عليها فى المواثيق الدولية ، واستنكر القراي صمت كثير من المثقفين والقوى السياسية بمن فيهم الاسلاميون، وعدم تثبيتهم لموقفهم بالتأكيد على اختلافهم فكريا وسياسيا مع الاستاذ محمود ، ولكنهم ضد محاكمته على افكاره فى محكمة باطلة كما بينت ذلك المحكمة الثانية .
واذكر ان جامعة النيلين بالتواطؤ مع السلطات كانت قد منعت اتحاد الجامعة قبل نحو خمس سنوات من اقامة الاحتفال بذكرى الاستاذ محمود محمد طه بدار الاتحاد ، وقد بررت ادارة الجامعة ذلك ، فى بيان وزعته على الصحف ، بأن الجامعة تضم اكبر كلية للقانون فى البلاد ، وبالتالى فانها لن تقبل ان تتعرض حرمة القضاء للطعن من داخل مبانيها ، وقد رد الدكتور عبد الله على ابراهيم فى عموده (الذى يصلحك) بالصحافى الدولى ، على ادارة الجامعة مذكرا اياها بحكم المحكمة الثانى الذى طعن فى القضاء الاول ، وانه كان على ادارة الجامعة وكلية القانون بها ان تدرس ذلك لطلبتها بدلا عما وصفه (باللجلجة والشنشنة) حول حرصها على حرمة القضاء .
ويقول الدكتور القراي ان معظم المثقفين جبنوا فى ابراز قرار المحكمة الثانية ، وكان بامكانهم فعل ذلك على الاقل من باب تبرئة ساحة القضاء السودانى ورد الاعتبار له ، والذى تم بالفعل بعد الحكم الثانى . لكن القراي يرد (الخوف) الذى يلف قضية الاستاذ محمود، الى انها كلها قضية فكرية وقع عليها تشويه عن قصد لانها لامست مسائل لديها قداسة عند الناس ، ويضيف ان من شوهوا افكار الاستاذ مارسوا ارهابا على المثقفين فى ان يشيروا الى اى موضوع له صلة بالاستاذ محمود حتى لا يعتبروا مناصرين لشخص مرتد من وجهة نظرهم ، وتابع ان اجواء الارهاب لاتزال مستمرة وهى التى تتيح لشخص مثل المكاشفى طه الكباشى ان يدافع عن حكمه على الاستاذ محمود فى احدى الصحف قبل يومين دون ان يشير هو الى حكم المحكمة العليا الدائرة الدستورية الذى قضى ببطلان الحكم الاول ، او حتى يتجرأ الصحفى بسؤاله عنه ، بما يؤكد على ان رأي الاستاذ محمود فيهم بانهم ضعفوا اخلاقيا وفنيا لايزال قائما ، غير ان القراي يستثني مثقفين كبارا قال انهم (ركزوا) فى وجه الارهاب الفكرى ، ونافحوا عن الحقيقة ، كان ابرزهم الدكتور منصور خالد والبروفيسور محمد ابراهيم خليل ، رئيس الجمعية التأسيسية السابقة .
ويرى نائب رئيس الحزب الاتحادى الديمقراطى ، علي محمود حسنين ، ان محمود محمد طه مفكر اسلامى ينبغى ان تؤخذ افكاره او ترفض وفقا للحجج العلمية و المنطقية ، وقال انهم رفضوا اعدامه رغم انهم كانوا مختلفين معه سياسيا لانه كان مؤيدا لمايو طوال سنوات بطشها بالمعارضين من القوى السياسية الاخرى ، ولم يعادى مايو الا بعد ان طبقت افكارا تختلف عن افكاره ، وقطع حسنين بان محاكمته كانت باطلة وقد بينت ذلك محكمة الانتفاضة ، ونفى حسنين ان يكونوا جبنوا فى ذكر حكم المحكمة الثانية وقال انهم ثبتوا على مواقفهم من قبل ولا يحتاجون الى ان يصدحوا بها دون مناسبة لان كل الذين اعدمهم نظام مايو فى الجزيرة ابا وود نوباوى وفى 1971 و 1976 شهداء ولا يكثر الناس الحديث عنهم .
ولم ينسحب الصمت حيال قضية الاستاذ محمود من الناحية القانوية فحسب ، وانما امتدت حتى ناحية افكاره ، وقد ظل احد تلاميذه وهو البروفيسور عبد الله النعيم يشدد على ان الوفاء للاستاذ محمود لا يكون بكتابة المراثى الجياشة حول سيرته وشجاعته وانما باتخاذ موقف فكرى نقدى مما طرح واخضع مقولاته للفحص والنظر للحكم بمدى تماسكها ومخاطبتها لقضايا العصر او تخلفها عنها . ويطرح ذلك سؤالا عن ما اذا كان ذلك سببا فى انقطاع نشاط تلاميذه من بعده ، ويقول الدكتور حسن مكى فى هذا الخصوص ان الفكرة الجمهورية جربت ولم تأت بنتائج ولذلك لم يتحمس الناس لها مرة اخرى رغم الطريقة التى قتل بها صاحبها . بينما يشدد حسنين على ان عودة الجمهوريين للساحة هى مسؤوليتهم وحدهم ، واذا ما قرروا العودة سيؤيد الناس مطلبهم .
لكن الدكتور القراي يرى ان التأثير الواقع على الوعى الجمعى فى دول العالم الثالث تجاه الفكرة راجع الى غياب المنابر الحرة التى تسمح بنشر الوعى بعيدا عن تأثيرات القداسة ورجال الدين والفقهاء الذين لديهم حلف مع الحكومات فى المنطقة يعمل على استدامة حالة الوعى القائمة حفاظا على مصالحهم ، واوضح القراي بان افكار الجمهوريين لم يفسح بينها وبين الشعب السودانى ، ولم يسمح لها يوما بالاطلالة عبر التلفزيون ولا الاذاعة ولا حتى المساجد وبالتالى لم يترك للجمهور ان يقول رأيه فيها ، ويضيف ان قدر المساحة التى وجدها الجمهوريون فى التعبير عن رؤاهم وجدت تجاوبا كبيرا من الشعب ، وقطع القراي بانه متى ما اتضح لنا ان الشعب يرفض رؤانا فسننسحب لاننا ليسوا طلاب سلطة .
وقد اهتمت بعض الدوائر العالمية بما كتب الاستاذ محمود خصوصا بعد ان صار العالم على حافة صراع حضارى بسبب من ظاهرة الارهاب ،وذلك فى محاولة منه لفهم الاسلام بشكل اعمق ، وفى هذا الصدد فقد ترجم الفاتيكان الكتاب الاساسى لافكار الاستاذ محمود «الرسالة الثانية من الاسلام» الى ثلاث لغات اوربية ، فيما ترجم فى الولايات المتحدة الى اللغة الانجليزية ، بينما اعتبرت اليونسكو الاستاذ محمود فى الموسوعة التى اشرف عليها البروفيسور على مزروعى احد ابرز المفكرين الذين سعوا لنهضة افريقيا ما بعد الاستعمار ، بينما ينشط بعض تلاميذه فى مجالات التأليف على هدى الفكرة فى الخارج . ويقول المفكر المصرى البارز الدكتور حسين احمد امين فى مقدمة الترجمة العربية كتاب (نحو تطوير التشريع الاسلامى) للدكتور عبد الله النعيم :
(يبدو أنَّ المصريين قد اعتادوا واستمرأوا فكرة أن تكون بلادهم مصدر الإشعاع الفكرى فى العالمين العربى والإسلامى، ذلك أنَّ القليلين من مثقفيهم هم الذين يلقون بالاً الى الثمار الفكريَّة فى الأقطار المحيطة بقطرهم، أو يقدرون الضرر الذى سينجم حتماً، عن هذه العزلة وهذا الإغفال. وها قد مضى أكثر من ربع قرن على ظهور كتاب فى السودان، هو كتاب «الرسالة الثانيَّة فى الإسلام» للشهيد محمود محمد طه، الذى أعدَّه،أهم محاولة ينهض بها مسلم معاصر لتطوير التشريع الإسلامى، والتوفيق بين التعاليم الإسلاميَّة ومقتضيات المعاصرة، دون أن يحظى فى مصر «أو فى بلد إسلامى خارج السودان على حد علمى» بالإهتمام الذى هو أهل له، ودون أن نلمس له تأثيراً فى إتجاهات مفكرينا ومثقفينا وجمهور شعبنا، رغم إحتوائه على فكرة أساسيَّة ثوريَّة لا شكَّ عندى فى قدرتها متى صادفت القبول لدى الرأى العام الإسلامى، على أن توفر الحلول لمعظم المشكلات التى تكتنف موضوع تطبيق الشريعة، فى إطار إسلامى) .
بينما يقول المفكر السودانى الدكتور فرانسيس دينق فى كتابه (صراع الرؤى فى السودان) : (اذا ما قدر لمحمود محمد طه ان ينجح فى تحقيق نظريته للمسيرة الاسلامية مرشدا للحركة الاسلامية فى البلاد لسادت الظروف المساعدة على المساواة بين المواطنين وشجع احترام الاسس الديمقراطية فى خلق رؤية للوطن تجد الاحترام من الشماليين والجنوبيين على حد سواء ، وكان يمكن حينها ان يكون الاحساس بالهدف الوطنى مدفوعا بتعاليم الاسلام الليبرالية والمتسامحة كما فسرها الاخوان الجمهوريون) .
لكن صراع السياسة (الخشن) وليس الافكار ما زال هو السيد فى الحلبة وربما كان هذا هو السبب الذى جعل قضية الاستاذ محمود لا تزال (تابو) يخشى الاقتراب منه ..



http://www.alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147509523&bk=1

Post: #316
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 03:13 AM
Parent: #1



في «نقد نقد» الرمز السوداني:

صلاح شعيب
منصور خالد والصادق والريفي ــ نماذج!! كثيرة الكتابات التي تناولت شخص منصور خالد أو الصادق المهدي أو الترابي، ولكن قليلة التي ناقشت فكرهم، ولعل هناك فرقاً كبيراً بين أن تتناول مسار الذات في«الصادق الانسان» وأن تنتقد سيرورة الرأي عند «الصادق العقل».. إنك بطبيعة الحال تستطيع أن تمهِّد بمنهج التحليل النفسي إبحاراً في الدماغ التاريخي لمنصور، أو دماغ أية «شخصية/ رمز» ما من أجل الوصول لنتيجة ما تفيد في معرفة تضاريس النفس الانسانية حين تتعلق بالممارسة المرتبطة بجدل الحياة، ولكن السؤال هو: حتى لو أفاد هذا التحليل النفسي في كمال عرضه المنهجي ولكن ألم تكن تخريجات سيقموند فرويد رائد علم النفس مثيرة في بعضها للاشمئزاز حين يرد الهيستيريا إلى أمومة سيئة؟ إذاً فما الذي يضمن لنا أن تحليل نفسية الترابي أو الميرغني كان مسبوقاً بموقف نفسية الناقد الايدلوجيي من حملة الرأي الديني، أو ربما مسبوقاً بكره نفسي من الناقد الجهوي الذي يشملهما ضمن مفهوم الجلابة الذي قفز فجأة لسطح الأحداث؟ أبعد من ذلك ربما يذهب المرء للتساؤل عن حتمية صحة إستخدام المناهج الأكاديمية والتي كان آخرها المنهج التجريبي، وربما سينضج منهج الباراسايكلوجي ويزيدنا بتهويماته عما قريب، ألا تمثل هذه المناهج إسقاطاً للذاتي على الموضوعي؟ وإذا إستثنينا مناهج العلوم الطبيعية التي تحلل الظاهرات والمواد الطبيعية-الكيمياء والفيزياء مثلاً، هل ينتج هذا الاستخدام للعلوم الاجتماعية عن رؤى متمترسة بسلطة الأكاديميا، برغم أهميتها وفاعليتها وعمليتها أحياناً- هذا لو كانت موضوعية؟ أتساءل هكذا، وفي ذاكرتي أن هذه السلطة الأكاديمية مارست شكلاً تسلطياً واتقت به إزاء الآخر المخالف «محمد عابد الجابري نحو جورج طرابيشي.. حسن حنفي نحو صلاح أحمد إبراهيم في خلافهما حول حوار الشرق والغرب.. ومحلياً محاولات تيتاوي خريج الإسلامية، صحافة وأعلام، ضد الراحل محمد خليفة طه الريفي في حوار الصحافة بين الموهبة والتخصص، وفي الموسيقى حوار الدكتور مكي سيد أحمد مع الراحل جمعة جابر حول الأبعاد النغمية للسلم الخماسي»، ولا ننسى الاستخفاف لا النقاش- الذي مارسه الراحل العلامة عبدالله الطيب نحو النقد الذي وجه لقصيدته التي قيل إنها من النظم أو من الصنعة الشعرية إن أردت، وأذكر أن الراحل العلامة، غفر الله له ولنا، أن هذا النقد كان يتم لحسد شخصي أكثر من كونه الحق الأصيل للنقاد لتحليل القصيدة التي لا ترتبط بالحاجيات الأساسية للمجتمع الذي تحصده الملاريا وتصفعه الحكومات بينما الشاعر يحظى بالكرامات السلطانية. إذاً.. إذا كانت هذي أجزاء يسيرة ومضحكة في الآن ذاته من وعثاء و«بخ بخات» بعض المنهاجيين، فكيف نسلم من مسبوقات ونتائج التحليل النفسي للميرغني أو الراحل عبد الجبار المبارك واللذين ينفضحان أكثر بغير عدم الاستلطاف، إنهما ينفضحان بقصر النظر الذي يبينه التحليل المعرفي. إن تحليلات علم النفس، مع الاعتبار للدكتور التيجاني الماحي لا تخلو أحياناً.. أحياناً من إسقاط نفسي وليس إستنتاجاً نفسياً والفرق واضح بين المعنيين ولكن إذا كان البعض منا يصر على أن هذا التحليل من المطلوبات السياسية ومفيد نقدياً في طريقة فهم التركيبة النفسية للرمز السوداني، أياً كان شغله فكرياً، تجارياً، عسكرياً، وإذا كان الهدف من التحليل نفسه هو إضافة بعد مدرسي نفسي جديد للكتابة المعتاشة على الاستهلاك الشعبي السريع، فإنها -أي التحليلات- ستوصل البعض البسيط إلى قناعة بأحكامها ولكن هناك دائماً الرأي الآخر الذي يسخر من أشياء مثل أن هتلر عايش طفولة قاسية، وأن أتاتورك ابن زنا وأن كارل ماركس أحس بالفلس من بعد رغد ولذلك أراد أن ينتقم ضد الرأسمالية، أو أن الصادق المهدي ركبته موجة نبوة باكرة أخرجه منها جده السيد عبدالرحمن.. نعم يسخر المرء في حال أن يكون هذا التحليل النفسي نافياً للصراع الوجودي أو العرقي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الديني المسبِّب لوجود أشخاص مثل هتلر وكارل ماركس وأتاتورك ومحمود محمد طه، والذين إذا لم «ينوجدوا» كأفراد فإن حتمية الظاهرة ستتمثل في آخرين.. في الواقع أن لا شيء هناك متفق حوله لو إنه نتاج سلوك بشري يرتبط بالممارسة المجتمعية، وعندئذ يغدو محمود محمد طه أو عبد العزيز خالد أو علي الحاج أو غازي العتباني الذوات التي هي من حيث عملهم محل التأويل لمعرفة خطوط الخطأ والصواب وما ذهب جيداً في تفكيرهم وما ذهب بالسوء في مسارهم السياسي أو الفكري، وحتماً لا يمكن أن يكونوا محل الإدانة أو الاتهام الغليظ عبر السطور وتحتها بــ «الكفر، الإلحاد، السي آي ايه، التفسخ الاخلاقي، الطعن في العرق الفلاتي أو التركي، الارتهان للغرض الاجنبي، والذي يفهم على أنه الطعن في الذمة والضمير، ويفهم أيضا على أنه ليس إرتهاناً لما تمليه النفس».. وللأسف ما كانت كثير من الكتابات التي تناولت هؤلاء ملتزمة بشروط منهج التحليل النفسي حتى، وإنما حاولت بشيء من المزاوجة الفاشلة للمنهج بالرؤى القرائية الاخرى أن تصل لادانة سريعة بكذا وكذا.. إن في ذهني التوظيف القيم لعلم النفس ضمن علوم أخرى والذي مارسه الدكتور بولا في دراسته القيمة «في نسب شجرة الغول».. حيث إنه برشاقة أكاديمية مدعومة بخلفية نقدية أبستملوجية قائمة على دعامات علم الجمال الذي كان تخصصه، بولا استطاع أن يقدم حصيلاً معرفياً لفكر ونفسية ما أسماهم بـ «الجماعة العربسلاموية» المشتغلين في صنعة الأدب والفن السودانيين، وكذلك تأتي للذهن التجربة الباكرة في توظيف جزء من علم النفس في فهم بني مدرسة الغابة والصحراء بقلم الدكتور عبدالله علي إبراهيم والذي بحث في الخلفية الفكرية والنفسية لانتاج الشعراء «محمد عبدالحي، محمد المكي إبراهيـم، النور عثمان ابكر» هؤلاء الذين أرادوا الذهن السوداني متثبتاً بمرجعية الافروعروبية للتعامل مع واقعها المعقد ثقافياً وإثنياً. هذا لا يعني أن هناك إتفاقاً كاملاً مع النتائج التي توصل لها الباحثان، وإنما قصدت القول إن مجهدهما الدراسي ومجهودات أخرى تمخضت عنها نتاجات فكرية وأدبية منضبطة بسياق أكاديمي مثمر، ولكنها لم تكن إنتهائية في نتيجتها، والدليل أن النقاد ولدوا من هذه الدراسات تساؤلات ونقاشات أخرى هادفة، ولا أظن أن مسألة الكتابة تتجاوز أكثر من خلق الجدل وتأكيد قصورها عن الاحاطة والشمول. أذكر أن الطيب صالح قال عبارة حكيمة ما برحت استدل بها، وهي: إن أجمل نقد هو ما كتب عن محبة، ولهذا أوليس ممكناً أن يخرج من بين الصفوف أحد أحباب ابوالقاسم حاج حمد لينقده، لا كما «ينقد» الدجاج الحبة ليكسرها إلى شذرات، وإنما لتأكيد إبداعيته في الرؤيا من جانب وفشله في الجانب الآخر، والامر قد ينطبق على السيد الصادق المهدي، والذي بقي مجالاً خصباً للقدح والمدح معاً، وفي قناعتي أن التصرفين لا يفيدان في الإضافة الفكرية للذهن، ذلك أن كثيراً من هذا القدح والمدح مشخصن لفكرة العلاقة بين «الرمز- الكاتب» والقارئ.. إن علاقتنا مع سيد صادق كما يقول بعض أنصاره هي بالضرورة في عموم ما عمل سياسياً وما طرح فكرياً، لا في خصوصية رؤيتنا له كذات سودانية مثلها مثلنا، تحاول البحث عن المعرفة في التعامل مع وضعها التاريخي، ويسعى لفرادته وربما تقدميته، كذلك يسعى إلى الطرق التي بها يسهم سياسياً ويصحح أخطاء الرصيد الماضي ما دام هو في هذه الحال لا يختلف عن زعامات أخرى تنطبق عليها ما ينطبق عليه، ألهم إلا لو لدينا مسبوقات نفسية أو أيديولوجية تجاهها. جانب من الجدل هو أن الغزارة الفكرية والقدرة على التواصل مع مجاميع السودانيين ومبارحة الشفاهة المقيتة -أو كما يسمونها «سلطة البياض» التي تضرب في أقانيم السياسي- سمت الرمز منصور خالد، فالشاهد إننا قرأنا له بعض كتبه المثيرة للحوار إضافة إلى المقالات والحوارات، ثم وقفنا على مشاركاته الدولية ثم مايو وتجربته المستمرة في الحركة الشعبية، من خلال كل هذا أرى أنه يشارك بقناعاته الفكرية والسياسية والتي يفضِّل أن تكون محل تقييم موضوعي لا فوضوي يسعى إلى تصويره تارة إنه ذيل للاستعمار أو إنه يطعن في عروبة السودان بخنجر مسموم أو يقضي بارسياته في كذا وكذا أو يلاطف في ليل القاهرة... وغيرها من العبارات التي تدعي نقد الرجل بمرجعية الاسلام تارة والعروبة مرات والوطنية مرة ثالثة. إن ما قدمه منصور خالد للمكتبة السودانية إختلفنا أو إتفقنا مع ما جاء فيه يعتبر إنجازاً وطنياً لا يقل عن دوره كسياسي أمر جرده لا يكون بإدانة تجربته في مايو ومعارضتها أو إنضمامه للحركة الشعبية، فكلا التنظيمين من إفرازات إرثنا السياسي وفرضهما واقع محلي وإقليمي، وقبل ذلك داخلي، لا بد أن تحمل أسبابه بكل شجاعة، فمشاركة منصور في جانب زاملتها مشاركات لأحزاب ورموز حية ما زالت حتى الآن تحاول المشاركة في صنع المستقبل، وإنه من الكيل بمكيالين لو أن إستهدفنا تلك المشاركة الماضية له وصرفنا النظر عن الآخرين الذين احتوتهم مايو ونظروا لها بالأناشيد والاغاني، وشرعوا لها كيفية تجديد إستمراريتها بالاتكال على قوانين الله، وهناك آخرون شاركوا بالمحافظة عل« الوظيفة ولم يتقدموا بإستقالتهم عن العمل الحكومي كموقف وطني أو أخلاقي يتناسب مع قناعاتهم. إن واحدة من الأشياء التي توطَّنت عليها البيئة العالمثالثية عموماً هو عدم التواضع على معيار لوزن الاختلاف مع الآخر، فكثيراً ما أصبح الآخر كافراً مرتداً، أو إنتهازياً أو مهادناً أو تابعاً أو متآمراً مع الأجنبي أو اصولياً ظلامياً، وعليه غدا من السهل قياد الناس لكره أو لعن هذه الشخصية أو تلك حتى إنه لم يسلم رمز سياسي من هذه الاتهامات. إن الكتابة التي تتحرك بمنطلق نفسي في وضع أحكام جزافية حول الرمز السوداني تخلقها أسباب الإحباط واليأس الذي ملأ نفوس الكثيرين وما عادوا ينظرون أكثر من أرنبة الانف، وهي في جانب آخر مشحونة بأثقال الخصومة التي تعمي البصائر عن الموضوعي، وبالتالي تصبح الرؤى حول الرموز متشخصنة ومليئة بالثأر، ولكن المهم هو إلى أي حدٍّ تستطيع هذه الكتابة النفسية أو تلك الانطلاق من الموضوعية، وربما في هذا وجدنا الدكتور منصور خالد نفسه برغم إرثه من العيار الثقيل في الكتابة قد حرَّكته مجامر الغضب في النفس للثأر ضد من يخالفونه الرأي.




http://www.alsahafa.sd/Search_Result.aspx?ser=%u0645%u0...+%u0637%u0647&type=2
_________________

Post: #317
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 03:14 AM
Parent: #316


النشوف اخرتا
سلخ صدام لا يهم
سعد الدين ابراهيم

* نحن عادة لا نشاهد تنفيذ احكام الاعدام في أية قضية .. وقد حاورنا في احدى الصحف الاجتماعية التي رأست تحريرها في فترة سابقة .. احد العاملين بتنفيذ حكم الاعدام .. ويسمونه (الشناق) وهي مهنة ذات مواصفات محددة وقد ذكر لنا انه يتعامل معها بصفتها مهنة عادية لكن مشكلته في نظرة الناس الى المهنة اذ يعتبرونها مهنة غيرمحببة، وحكى عن قواعد تحكم عملية الاعدام من وزن للمنفذ فيه حكم الاعدام وضرورة ذلك بما يعني بأن آلة الشنق تعمل بمواصفات محددة اهمها انها في البدء تفصل اعصاب الاحساس فلا يشعر المشنوق بشئ بعدها. * واعدام صدام كان مشاهداً للجميع .. وايضا لم نشاهد حالة الذين ينفذ فيهم حكم الاعدام ربما يكونون بنفس درجة الثبات للاستسلام للمصير ، لذلك فنحن نتحدث في امر لا نعرف أية خبرات عنه ولم نشاهده .. ولم يحكِ لنا احد عن سلوك الذين تم اعدامهم .. مثل شهداء يوليو فما يُحكى ان الشهيد عبد الخالق محجوب واجه الموت بثبات .. كذلك الشهيد محمود محمد طه .. وما يُحكى عن الشهيد عبد القادر ودحبوبة .. والشهيد عمر المختار. * إذن فالحديث عن شجاعة وثبات الراحل (صدام حسين) يصبح بلا جدوى .. وربما اتفق تحليلا مع رأى الصديق القاص والروائى محمد خير (حنيمات) في ان الخوف من الموت شئ طبيعي وان لم يخف الانسان من الموت فهو ليس انسانا طبيعياً. * لكن من الثابت أيضا ان كل الطغاة واجهوا الموت بثبات حتي (ماري الطوانين) وهي في طريقها الى منصة الاعدام اعتذرت للشرطي الذي يقودها لانها داست على قدمه فهل هذه شجاعة وثبات. * اعتقد ان الرواية بأن صدام ارتبك وكان يرتعد لا تنقص من قدره كما ان ثباته لا يزيد من قدره. * ومن طرائف القدر أننا اصبحنا نتحدث عن شجاعة صدام او عدم ثباته وانشغلنا بهذا الامر متناسين ما صحب الامر برمته من انتهاك لحقوق الانسان وفي استعجال في التنفيذ ومن تواطؤ على التنفيذ. * هكذا نحن العرب واهل الدول المتخلفة نتصرف عن الجذور الى القشور وعن الاسئلة الموضوعية الى الهمهمة والشفشقة الجوفاء. * ثم ان قضايا كثيرة كان يجب ان يساءل عنها صدام مثل غزوه للكويت المسالمة المتحضرة .. اعتقد انها الاسوأ اما قضية الدجيل والانفال وغيرها فهي تدخل في باب ردة الفعل على نشاط مناوئ لسلطة صدام ،أما غزو الكويت فكان فيه الكثير من العقوق والكثير من الهمجية كنا نريد ان نعرف ذلك .. لكن العجلة اخفت عنا الكثير من الامور. ماذا يضير الشاة بعد ذبحها .. وهل السلخ يؤثر او يهم .. اننا تناسينا الذبح واخذنا نتحدث عن السلخ فما أبأس ما وصلنا اليه من مآلات.



http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=30107
____

Post: #318
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 03:15 AM
Parent: #317




بشفافية
شعب عظيم يتقدمه أقزام
حيدر المكاشفي
تهل علينا يوم الخميس القادم الموافق الثامن عشر من يناير ذكرى حزينة ويوم كالح السواد عُلّقت فيه العدالة على حبل المشنقة قبل أن يتدلى منها جسد الشهيد محمود محمد طه الذي اغتيل قبل إثنين وعشرين عاماً في 18/1/1985م بعد محاكمة صورية وعلى يد قضاة «غير مؤهلين فنياً وضعفوا أخلاقياً عن أن يمتنعوا من أن يضعوا أنفسهم تحت السلطة تستعملهم لاضاعة الحقوق وحرية القضاء وإهانة الفكر الحر والمفكرين» على حد وصف الشهيد لهم الوارد بين علامتي التنصيص والذي وافقه عليه كبار القانونيين الذين تابعوا مجريات «المسخرة» التي لم تكن تمت للقضاء العادل بأدنى صلة وتحولت فيها قاعة المحكمة إلى خشبة مسرح تم إعدادها لاخراج الحكم بالإعدام الذي صدر سلفاً قبل تشكيل المحكمة، ومن عجائب القدر وسخرياته أن الذين دبروا مكيدة اغتيال الاستاذ محمود وأساءوا إخراجها ثم هتفوا مهللين عند شنقه «سقط هبل.. سقط هبل» يتباكون اليوم على إعدام صدام ويذرفون عليه دموع التماسيح ويلعنون القضاة العراقيين الذين أصدروا الحكم ويسبون السلطة العراقية التي كانت وراء المحاكمة ومن خلفهم الاميركان الذين كانوا وراء كل شيء، ما بال هؤلاء يفعلون ذات الشيء مع الشهيد محمود ثم يستنكرونه على العراقيين، ألا ساء ما كانوا يحكمون، رغم انعدام المقارنة بين إعدام الاستاذ محمود الذي كان إعداماً للفكر وحرية الفكر وتشويهاً لنزاهة القضاء وانتهاكاً صارخاً لحرية التعبير وتم لمجرد أنه أصدر بياناً من بضعة سطور ينتقد فيه قانوناً أصدرته السلطة، بينما أُعدم صدام لأنه أعدم مائة وثمانين نفساً لمجرد شبهات لم تتوفر لها أدلة ولم تنعقد لها محكمة بالمعنى القانوني المعروف ولم يرأسها قاض محترف... وتحضرني هنا بمناسبة الذكرى الثانية والعشرين لاغتيال الشهيد محمود محمد طه مقولة له لا أمل من ترديدها لفرط ما فيها من حكمة وما انطوت عليه من تلخيص جامع مانع لكل أزمات السودان التي يكون في الغالب الأعم سببها القادة الذين يتقدمون هذا الشعب العظيم، ولعل أى جرد حساب أمين يتم لكل نكباتنا وخيباتنا وفشلنا يكشف عن صدق مقولة الشهيد «شعب عظيم يتقدمه أقزام» والحساب لا يكذب ولا مجال فيه للمغالطات. فمنذ «جلطات» السودنة والتنكر للفيدرالية في بواكير الخمسينات من القرن الماضي وحتى طلائع القرن الحالي بكل ما ينوء به المشهد الوطني من مماحكات وألاعيب ولعب على العقول وتذاكي على الآخرين واستعباطهم وتلاعب بالقضايا من أجل مكاسب حزبية أو أمجاد شخصية لا تراعي للوطن حرمة ولا ترعى لأهله إلاّولا ذمة إنما هي من فعل الحاكمين الذين يتكرّس جل نشاطهم من أجل البقاء على سدة الحكم إن كانوا قد نالوه بـ «الضراع» ووضع اليد أو التفكير في كيفية العودة إليه إن كانت صناديق الانتخابات هي التي حملتهم إليه... وما ذهب إليه محمود أشار إليه أيضاً منصور خالد في مؤلفه الموسوم بـ «النخبة وإدمان الفشل»... لقد مضى محمود إلى ربه وكان راسخ القدم وثابت الجنان كما شهد بذلك السجّان الذي أشرف على حبسه حتى حبل المشنقة ولكنه ترك فينا قيمة راسخة وثابتة عن كيف يكون الصمود في وجه الطغاة والانتصار للفكرة والمبدأ...



http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=30109
___

Post: #319
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 03:16 AM
Parent: #318



--------------------------------------------------------------------------------

الأستاذ طلحة جبريل مدير مكتب «الشرق الأوسط» بواشنطن لـ «الصحافة» «2/2»

خلال لقاءاتي بالقذافي وجدته مختلفاً عن صورته النمطية في الإعلام
حاوره في واشنطن: صلاح شعيب
يعتبر الاستاذ طلحة جبريل أحد مفاخر الصحافيين السودانيين في الصحافة العربية. وقصة نجاحه تعتبر جديرة بالتوثيق نظرا للظروف التي مر بها في مشوار النجاح في قيادة صحف عربية خارج وطنه، وتسنمه للعديد من المناصب الصحافية، آخرها ابتعاثه للعاصمة الاميركية ليكون مديرا لمكتب صحيفة «الشرق الاوسط» بواشنطن. ورحلته في صاحبة الجلالة لم تبدأ من داخل السودان، حيث قادته الظروف إلى المغرب للدراسة، وهناك بعد التخرج عمل صحافياً ومراسلاً لـ «الشرق الأوسط»، إلى أن أصبح مديرا لمكتبها بالعاصمة المغربية الدار البيضاء. وهناك عاش حياة صحافية حافلة بالتجارب، أهلته لاصدار عدد من الكتب السياسية والادبية التي من بينها الكتاب الذي أصدره مركز الدراسات السودانية وحمل عنوان «مع الدرب» حوى فيه شذرات من السيرة الذاتية للاديب السوداني الطيب صالح، وتضمن أيضا حوارات عميقة مع الاديب، أجلت بعض الاسرار والمواقف في مساره الابداعي. وظل الاستاذ طلحة جبريل من خلال وجوده وتغطيته لاحداث المغرب العربي الكبير، مرجعا للقنوات الفضائية حول الشؤون السياسية والثقافية لذلك الاقليم، كما إنه حاضر في الجامعات المغربية في مادة الصحافة.
ومنذ أن وصل إلى واشنطن ظل الاستاذ طلحة من المشاركين في النشاطات السودانية والعربية والاميركية، وأقام ندوات هنا وهناك في الشأن السوداني، كما ظل يقيم بعض الندوات في الجامعات ومراكز الأبحاث بالعاصمة الاميركية. ويعكف الآن على إصدار بعض الكتب السياسية.
في هذا الحوار يتحدث الاستاذ طلحة جبريل لـ «الصحافة» عن تجاربه التي تتراوح بين الصحافة والسياسة والادب والتأليف والاقامة خارج السودان لفترة تقارب الثلاثين عاما ونيف. و«الصحافة» إذ تقدمه عبر هذا الحوار بصفته معلماً بارزاً من نجاحات الصحافيين السودانيين بالخارج.. فإلي مضابط الحوار.



* انت من الذين أسهموا في موقع «إيلاف» الاليكتروني لمؤسسه الاستاذ عثمان العمير رئيس تحرير جريدة «الشرق الاوسط» السابق.. كيف ترى تأثير هذه التجربة على صحافة الانترنيت؟
* عثمان العمير صديق عزيز طلب مني الالتحاق بصحيفة «إيلاف» بعد تأسيسها، ثم عينني مديراً للتحرير وكلفني باصدار «إيلاف» الورقية، الى جانب عملي كمدير لتحرير «إيلاف» الاليكترونية. وبالفعل اشرفت على ماكيت النسخة الورقية، لكن مشروع الورقية تعثر، وبعد سنتين من العمل المضني في «إيلاف» استأذنت في الانصراف بعد ان شعرت بالاعياء. ولا شك أن «إيلاف» لها الريادة في الصحافة العربية الاليكترونية.
* من خلال فشل النسخة الورقية لـ «إيلاف» هل ستنتهي صحافة الورق في المستقبل؟
* التلفزيون لم يلغ الاذاعة، والانترنت لم يلغ الصحيفة. واذا جاء اختراع آخر لا يلغي الانترنت، ولكل وسيلة مذاقها ومتلقيها.
* الأزمة السودانية: الجذور والمعالجات؟
* هذا سؤال طويل عريض يا عزيزي صلاح. والجذور ضاربة في اعماق هذا البلد الذي ظلمه التاريخ ولم تنصفه الجغرافيا، والمعالجات تتطلب قبل كل شئ ان تنطلق من حب الوطن، وبلدنا ابتلي بأناس لا يحبونه ... هكذا تبدو لي الاشياء.
* الديبلوماسية الاميركية وقضية الشرق الاوسط؟
* الاميركيون يقدرون كثيراً الحرية ويعيشونها، لكنهم لم يستطيعوا نقلها الى خارج حدودهم، وهذا ما نلمسه يومياً في منطقة الشرق الاوسط.
* وماذا عما يقال بتضييق على العرب والمسلمين؟
* منذ أن جئت إلى أميركا وانا مسلم، لم اشعر باي نوع من المضايقة.
* هناك حديث مُثار عما جناه السودان من الانضمام لمنظمة الوحدة العربية.. باعتبارك قريباً من دوائر صنع القرار العربي ماذا ترى في الموضوع؟
* لست قريباً من دوائر صنع القرار العربي كما تقول، انا صحافي، وبهذه الصفة التقي بالمسؤولين العرب لانقل للقارئ ما يدور في أذهان هؤلاء الساسة وصناع القرار. اما بشأن ما جناه السودان من عضويته في الجامعة العربية، فاظن أن هذه المنظمة ليست «شركة» يمكن الاستفادة او عدم الاستفادة من عضويتها، بالمقابل اود ان اسألك هل الانسحاب من الجامعة سيفيدنا؟ وفي ماذا سيفيدنا؟
* الهوية السودانية ؟
* في رأيي أن السودان حالة شبيهة بحالة يوغسلافيا، لذلك هو حالياً «يوغسلافيا أفريقيا». ويبدو ان مسألة «حق تقرير المصير» تشكل مدخلاً لحل مشاكله بما في ذلك مشكلة الهوية. ولا يمكن بناء وحدة بلد ما بفوهة البندقية، والوحدة بالتأكيد هي حالة تراضٍ وتساكن وتعايش.. وفي مطلع الثمانينيات عندما طرحت ضرورة منح حق «تقرير المصير» لجنوب السودان في مقال، اعتبر ذلك الموقف «خيانة»، الآن اصبح هذا الرأي متضمناً في وثيقة دولية انهت الحرب في الجنوب، واتذكر انني عندما طرحت فكرة «يوغسلافيا افريقيا» في حوار منشور مع السياسي الجنوبي «باقان أموم» قال لي مازحاً وما هي «جمهورية الجبل الأسود»؟ قلت له هي «المديرية الشمالية»... أفقر مناطق السودان على الاطلاق وانا من هناك، لكن هنيئاً لكم النفط والغنى... المهم ألا يشعر اي سوداني بالغبن او انه ظلم ، انا مع الحق حتى ولو كانت عشيرتي هي اول من سيدفع الثمن.
* هل تعني أن هناك استقطابا جهويا داخل السلطة وداخل الحركات المسلحة المعارضة؟
* النظام الشمولي هو الذي افرز هذه الظواهر. ويكرس الظلم سواء أكان جهويا اواجتماعيا او قبليا.. ماذا تنتظر من شخص يقول لك انه يملك الحقيقة..؟
المحافظون الجدد قرروا ان يكون غزو العراق بداية لدمقرطة العالم العربي.. باعتبارك متابعا في الشأن العربي لماذا لم تكن هناك تجارب ديمقراطية؟
* يجب فصل موضوع العراق عن مسألة الديمقراطية. فالأزمة العراقية شئ والديمقراطية شئ آخر. والديمقراطية لا يشيدها الا الديمقراطيون، ولا توجد تجارب ديمقراطية ناضجة في العالم العربي، لان ثقافة وروح القبول بالآخر ليست شائعة. اليس من المفارقات ان تكون افضل التجارب الديمقراطية في العالم العربي حالياً هي في أفقر دولة وهي موريتانيا. والسودان انطلق كبلد ديمقراطي في مطلع الخمسينيات، وبلادنا لم تعرف ظاهرة الهجرة الى الخارج الا بعد ان وئدت الديمقراطية الاولى، ولم تتفاقم هذه الهجرة الا بعد وأد الديمقراطية الثانية، ولم تتردَ احوالنا الا في ظل الانظمة الشمولية والتجربة الحالية ماثلة امامنا، مع الاقرار ان فترة حكم عبود كانت افضل نسبياً، لكن ذلك الحكم اعاق بالفعل اقلاع البلاد نحو الازدهار السياسي والاقتصادي.
* الصحافة والسياسة ايهما يستغل الآخر؟
* العمل السياسي والعمل الاعلامي عملان متلازمان يفترض ان لا استغلال بينهما. والصحافة النزيهة هي ضمير الرأي العام، والسياسي النزيه هو الذي يدرك أهمية الصحافة في تدفق العملومات. وحرية الصحافة هي بالضبط حرية مناقشة صنع القرار وتدفق المعلومات.. هذا رأيي.
* ولكن الملاحظ أن الصحافة مستغلة من قبل السياسي في العالم العربي؟
* من يقبل الاستغلال سواء أكان صحافياً او غيره لا يستحق الحرية.
* الحركة الاسلامية السودانية الى أي مدى يمكن ان تقود الدولة الى بر الامان؟
* هذه الحركة تهيمن على بلادنا منذ يونيو 1989م.
هل وصلنا الى بر الامان؟ اين كنا واين نحن الآن؟ والى اين نسير؟
* ليست لدي احكام قيمة، بل واقع يعيشه السودانيون قاطبة.
* وماذا يقول هذا الواقع؟
* هم وكما قال القائل «يتحدثون عن الرخاء والناس جوعى ... وعن الأمن والناس في ذعر... وعن الاصلاح والبلد خراب». لن اتحدث عن الاعدامات وعن «بيوت الاشباح»، وعن تشريد الآلاف، و«التجنيد الاجباري»، وعن «الحرام» الذي كاد يختزل في ارتداء الحجاب وشرب الخمر، اما القتل والفساد المالي والاداري والمحاباة وحرمان الناس من أرزاقها فكلها «حلال». وهم يعتقدون ان مشاكل جميع المعارضين يمكن ان تحل إما بمناصب «مساعدين ومستشارين في رئاسة الجمهورية» او بالعضوية في نادي الوزراء الذي اصبح يضم المئات، او بتعيينهم نواباً، هذا الاسلوب لم يحل المشكلة امس ولن يحلها اليوم او غداً. وهم يعرفون ما هو الحل وكل السودان يعرف ما هو الحل.
* هناك حديث بأن هناك مفكرين سودانيين خلف فكرة وتنظير اللجان الثورية الليبية.. الى اي مدى ترى ان العقيد معمر القذافي يمتلك القدرات الفكرية التي خطها عبر «الكتاب الاخضر» خاصة انك التقيت به؟
* لقاءاتي مع العقيد القذافي لم تخرج عن اطار المغرب العربي، ولم يحدث ان طرحت عليه سؤالا او استيضاحا حول «الكتاب الأخضر» ولا اود ان ادخل في جدل حول هذا الموضوع.
* وماذا عن قدراته الفكرية؟
* خلال كل اللقاءات كان الحديث عن الآني، ولم تتح لي فرصة لمناقشة افكاره.. والمؤكد أنه كان يدرك تماما ماذا يريد ان يقول.
* وماذا عن شخصيته؟
* بصراحة وجدته ليس بصورته النمطية التي توجد في وسائل الاعلام التي عرفتها.. ولست في اطار اطلاق احكام قيمة، ربما تجد جواباً على سؤالك في كتاب اعكف حالياً على وضع آخر اللمسات عليه سيصدر بعنوان «الملك والعقيد»، لقد سألت القذافي الكثير وعن الكثير واجاب كما يريد.
* القوات الدولية في دارفور ورفض الحكومة؟
* كيف نقبل القوات الدولية في الجنوب وفي جبال النوبة وفي النيل الازرق، بل وتوجد قيادتها في الخرطوم، ونرفضها في دارفور، وعلى الرغم من ان السؤال تجاوزته الاحداث، فإنني اسأل سؤالاً بسيطاً: ما هو الفرق بين جندي من رواندا «مسيحي» وآخر من بنغلاديش «مسلم»؟ اليس كلاهما أجنبي؟
* ولكن فلسفة الحكومة تقول إن الجنسيات من مسلمين أو عرب أفضل؟
* للحكومة أن تقول ما تريد، وليس كل ما تقوله هو الحقيقة.
* من خلال علاقتك بالفيتوري هناك حديث عن عدم سودانيته.. كيف تصف سيرة الفيتوري وأدبه؟
* الفيتوري تحدث مراراً عن هذا الموضوع، ولن أضيف شيئاً حول هذه المسألة. أما أدب الفيتوري فلا يحتاج مني الى شهادة، فلا شك انه من افضل شعراء العربية خلال القرن العشرين.
* وماذا عن الجدل حول سودانية الفيتوري، باعتبارك كنت قريباً منه.. هل لك أن تفيدنا في هذا الجانب؟
* الفيتوري سوداني ويتمسك بجذوره السودانية.. وربما له اصول تعود الى ليبيا مثل كثير جدا من السودانيين الذين لهم اصول تعود الى مصر او اثيوبيا او غيرها.
* ولكن أذكر مرة أن مصطفى سند قال إن لا علاقة للفيتوري بجذور سودانية؟
* شخصيا لا اناقش الامور بهذه الكيفية، لان هذه عنصرية لا معني لها، فالمؤكد ان الفيتوري من ناحية الام هو سوداني لا نقاش في ذلك، ومن ناحية الجد فله اصول ليبية.. لكني اقول ان الوطنية ترضع من ثدي الام، واظن ان الفيتوري رضع السودانية من امه.
* أفضل حوار صحفي أجريته؟
* كان أول حوار يجري مع الكاتب المغربي محمد شكري، وينشر في العالم العربي.
* خبر نشرته وكان له صدى واسع؟
* تعيين محمد بوضياف رئيساً للجزائر.
* أفضل رئيس تحرير عملت معه؟
* محمد العربي المساري الذي كان رئيساً لتحرير صحيفة «العلم» المغربية والذي أتوسم في خيراً.
* فنان سوداني وعربي؟
* هناك أغانٍ مفضلة، وليس فناناً مفضلاً في السودان اوخارجه، لكنني ما زلت أطرب لاغاني مغنى اعتزل باكراً وهو محمد كرم الله، ربما لأنه يذكرني بفترة الصبا في قريتي، وهي فترة كانت في رأيي خصبة، وبالطبع لن تعود.
* ومَنْ على المستوى القومي تستمع له؟
* هناك ثلاثة مطربون لا تتناطح حول ريادتهم عنزان، وهما محمد الامين والكابلي ومحمد وردي، ولكنك ربما تفاجأ اذا قلت لك ان هناك مطربين استمع اليهما بتلذذ وهما ابراهيم حسين وعبد الرحمن عبد الله.
* جون قرنق؟
* كان سياسياً ذكياً.. ومن المفارقات انه كان يؤمن بافكار لا تؤمن بها الحركة التي يقودها.
* رياضي؟
* اعشق كرة القدم، وكنت منبهراً كثيراً باداء لاعب وسط المنتخب المغربي محمد التيمومي.
* طائرة أقلتك وتعرضت لعطب؟
* لم يحدث ذلك على كثرة ما امتطيت من طائرات.
* العولمة؟
تمثلها حالياً شبكة الانترنت ... كل شئ متاح الغث والسمين.
* عبد الخالق محجوب؟
* لم التق به.. عندما اعدم كنت بعد طالباً قبل الثانوي، لكن المؤكد انه كانت لديه جرأة فكرية كبيرة، والمسألة التي حيرتني كيف أنزلق الى تأييد مغامرة عسكرية «انقلاب يوليو» لم يكن معها، وهو طيلة حياته كان يؤمن بـ «العمل الجماهيري»، ورغم ذلك كان اعدامه جريمة تتساوى مع جريمة اعدام الشيخ المفكر محمود محمد طه، والانقلاب ... يبقى انقلاباً على الشرعية، سواء نفذه ابراهيم عبود او جعفر نميري او هاشم العطا او عمر البشير.
* المقال الصحافي؟
* الذي ينبني على معلومات موثقة.
* كتاب؟
* في العربية «موسم الهجرة الى الشمال» و«خريف الغضب». وفي الاجنبية «زهور من أجل السيدة هاريس».
* صحافي سوداني؟
* ليس صحافياً بالمعنى المهني، لكنه عمل في الصحافة، وهو فنان الكاريكاتور عز الدين عثمان.
* عمود صحافي لا تمل قراءته؟
* اقرأ لاي صحافي، اذا كانت الفكرة جديدة والمعالجة نزيهة واللغة رشيقة.
* الصحافة موهبة أم تخصص؟
* الموهبة عندي تأتي قبل التخصص.
* مشاريع صحافية تتمنى تحقيقها؟
* هل هناك أفضل من صحيفة تصدر من البلد وتحمل رسالته للعالم.
* محمد حسنين هيكل؟
* متعة القراءة وفائدة المعلومة.
* سياسي سوداني؟
* أي سياسي يؤمن بحق الآخرين في الاختلاف.
* أسرة سودانية؟
* الاب كان حمالاً والام تبيع الشاي، والابناء تربوا على المروءة.
* مدينة؟
* مراكش واسواق الخضر في وسط باريس.
* بيت شعر عامي؟
* البطن الجابتك والله ما بتندم
أسد الكداد الفوق خلاك رزم
سحاب الخريف الفي سماك دمدم
بابك ما انقفل نارك تجيب اللم
وما بتعزم تقول غير السريع حرم
* أحد طلابك النابغين في الصحافة؟
* هما اثنان، طالبة تدعى نادية وطالب يدعى اسماعيل الروحي، لا اعرف ماذا فعلت بهما الايام.
* مفكر عالمي ؟
* برنارد شو.
* الترابي؟
* يبدو لي انه تلميذ نجيب للسفسطائيين، إذ انه يملك براعة الدفاع عن الفكرة ونقيضها، وفي الوقت نفسه في إطار ما يسميه «فقه الضرورة». وكان السفسطائيون يقولون «نحن على استعداد للدفاع عن الحقيقة ونقيضها». ويقولون ايضاً «لا توجد حقائق مطلقة .. ما تجده حاراً قد يكون بارداً والعكس». اليست مسألة محيرة ان يعتقد شخص ما ومهما أوتي من العلم بانه أذكي شخص في الكون. والسياسة أخلاق قبل أي شئ وبعد كل شئ.
* جامعة الخرطوم؟
* لدي ملاحظة اقولها باستمرار، وهذه الملاحظة اطرحها في سؤال: لماذا كلما يأتي نظام شمولي في السودان حتى يجد خزانا من خريجي جامعة الخرطوم وأساتذتها الذين لديهم الاستعداد التلقائي ليصبحوا وزراءً في حكوماته.؟ لنتذكر على سبيل المثال حكومات نميري من النذير دفع الله وحتي محمد عثمان ابو ساق، ولا ننسي الذين جعلوا من نميري اعظم سوداني وهم على وجه التحديد د. جعفر بخيت ود. منصور خالد، الناس تظن ان ليست لدينا ذاكرة .. ذاكرتنا جيدة جدا وتعرف من كان ولاؤه للشعب والذين ظل ولاؤهم للمناصب.
* الدارالبيضاء؟
* مدينة عصية على الوصف.
* مؤتمر الخريجين؟
* هؤلاء الخريجون كانوا يقولون لا قداسة مع السياسة، لكنهم هم الذين كرسوا القداسة واساءوا للسياسة،
لان السياسة قبل كل شئ هي الاخلاق، وليس القفز من حزب الى آخر طمعا في المناصب ومواقع القيادة.
* علاقة السودان دبلوماسياً مع الافارقة؟
* إذا كان المقصود علاقات النظام الحالي، فأنا لا اعرف.
* محمد شكري؟
* صديق عزيز اكتب عنه الآن كتاباً بعنوان «وصايا محمد شكري».
* إذ لم تكن صحافيا ماذا كنت تتمنى ان تكون؟
* تصعب عليَّ الاجابة على الاسئلة الافتراضية.
* ولكن من خلال اجاباتك في هذا الحوار يشعر المرء بأن العمل البديل لك خارج نطاق الصحافة هو العمل الدبلوماسي؟
* اذا خيرت بين مهنة الصحافة واخرى سأختار مهنة المزارع، لأنني من بيئة زراعية اولا. ولانني ثانيا اؤمن بأن المزارعين لهم فلسفة في هذه الحياة ربما هم انفسهم لا يدركونها، وهي فلسفة انتظار الغلة التي ترمي في جوف الارض والصبر عليها حتى تتحول الى خيرات وعطاء ونماء.
===

Post: #320
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 03:18 AM
Parent: #1


صدي
رجال مدينة رفاعة

امال
كُتب في: 2006-12-12

[email protected]


* في مرة فائتة عقب الأستاذ محمد خير حسن على اقتراح طرحته في صدى على اهل مدينة رفاعة للاحتفال بمرور مائة عام على تعليم المرأة واليوم يواصل في ذات الموضوع.
* هذه المدينة - رفاعة- كانت بنتاً ولوداً.. ولدت كما ذكرنا في غير هذا المقام الشيخ النور التنقاري، امام شريف، شيخ لطفي، عبيد عبد النور، محمود محمد طه، ميرغني النصري، ادريس البنا، يوسف عايدابي، انور الهادي، عبد الرحمن الزهاوي ابراهيم، حافظ قيلي.
* امثال ما ذكرنا كُثر لا يمكن ان نحصيهم قادوا مواكب الحركة الوطنية وساهموا بأموالهم وارواحهم في طرد المستعمر البغيض حتى الجلاء عن الوطن العزيز جابوا الفيافي والغفار ركبوا الحمار والقطار فتحوا مكاتب القضاء ودواوين الخدمة المدنية ساهموا في التجارة والبناء والعمران كانوا مهندسين وصناع وعمال مهرة يشيرون إليهم بالبنان. اما المعلمون فقد علموا كل من هب ودب على صدر هذا القطر الحبيب ما ونوا ولا هبطت لهم همه كان همهم ان يؤدوا الرسالة كاملة غير منقوصة.
اليوم صارت تلك البنت الولود، عجوزاً شمطاء ترقد في سرير المرض باحدى المستشفيات وستدخل غداً غرفة العناية المركزة المكثفة.. وتحتاج الى عدة قوارير دم.. فهل يهب اليها ابناؤها او احفادها.. وما اكثرهم.. لا اقول ان المثل السوداني ينطبق عليهم (إنهم ضل دليب) ولكن اقول.. اخشى عليهم من المثل الآخر ( إنه كالابرة يكسي الناس وهو عار). او مثل بخيته (للناس نشيطة ولي رقبتها مسكتا الخبيتا).
نجد اليوم اعداداً غفيرة من ابناء هذه المدينة داخل وخارج القطر ونقول جاء يومهم- عليهم بعد ان يلتفتوا خلفهم ويمعنوا النظر وسيرون ما آلت اليه هذه المدينة الصابرة التي تحتسب اجرها عند الله- والله لا يضيع اجر من احسن عملاً.. فهى قد قدمت الكثير والكثير لابنائها ولابناء السودان ألتسم ابناءها.
انها تحتاج لعدد بسيط من مشاريع التنمية وتحتاج الى أشياء هامة اتركها لهم.. عليهم ان يجتمعوا في دار احدهم بالعاصمة ودراسة الامر بجدية واخلاص وصدق في العمل والتنفيذ فقد لاحت اشراقات التنمية، وانهمرت رؤوس اموال الاستثمار.. غرب، عرب او افارقه.. انتم ادرى بها مني فأغلبكم يعمل مستشارين لاصحاب رؤوس الاموال التي ترغب في استثمارها في هذا القطر المؤهل لذلك، تعالوا الى مدينتكم ومعكم أصحاب رؤوس الاموال قدموا لهم دعوة لزيارة هذه المدينة حتى يروا بأم أعينهم تلك الاراضي الواسعة الممتدة شرقها، جنوبها.. اراضي ما ( اتلوت فيها سلوكة) منذ بدأ الخليقة.
اعملوا بجد واخلاص وشجاعة.. واعلموا ان شعب هذه المدينة قد هب من غفوته.. واصدقكم القول إنهم صاروا اليوم على قلب رجل واحد.. نبذوا الحزبية، العنصرية، الجهوية، الحقد، البغضاء، الانانية، النفعية، انهم يمدون اليكم أياديهم وأموالهم ورقابهم إن دعا الداعي.
تعالوا اليهم اطلبوا منهم ما تشاءون.. فهم كرماء ستجدونهم كما عهدتوهم.. لن يخيبوا ظنكم.. انهم عقدوا الرأي والعزم على الوحدة والعمل.
كانت هنا محاولات جادة لتنمية وتعمير هذه المدينة، قام بها رجال اكفاء، جاءوا من رحم هذه المدينة- رفاعة- ما خيبوا ظنها.. لكن ما اسعفهم الحظ.. كان منهم اللواء زين العابدين قسم الله بابكر، حمل لواء بناء كبري رفاعة الحصاحيصا واخراج مشروع جامعة رفاعة الى حيز الوجود عندما كان رئيساً لمجلس المدينة (1992-1996م) قاوم كل العقبات التي انتشرت في طريقه ولكن (الله غالب) اراد هو شيئاً واراد غيره اشياء.. نسأل الله له الصحة والعافية.
لكن اطمئنوا.. اعلموا، عندما تشرعون في تنفيذ مشروع الاحتفاء باليوبيل الذهبي لتعليم المرأة في السودان، ستمد لكم الايدي البناءة القوية من كل انحاء السودان.. لأن هذا ديدن الفرد السوداني.. يخف للنجدة والمساعدة ويعف عند الطمع.. فقد عرف الشعب السوداني بالنفرة والنجدة وإغاثة الملهوف.. ومساعدة الضعيف.. فأنتم يا رجال رفاعة، اقوياء أشداء أذكياء.. متعكم الله بهذه الخصال وسدد خطاكم لبناء السودان القوي المتحد.. ووفقكم الله في تنفيذ مشاريع تنمية رفاعة. انه سميع مجيب دعاء المضطر إذادعاه.
تقدموا.. التوفيق حليفكم.. ستجدون كماً هائلاً من نساء هذه المدينة وقد ذكرنا منهم النذر اليسير في مقالنا السابق.. سيقفن خلفكم.. لأنكم عظماء.. سيشدون من اذركم.. وسينجذن هذا العمل الضخم على اجمل لوحة فقد جبلن على مثل هذا النوع من الاعمال لا لأن لهن في الامر غاية، بل لأنهن إعتدن أن يخرجن أي عمل يناط إليهن في أبهى صورة وإبدع حلية.
محمد خير حسن سيد أحمد
رفاعة

Post: #321
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 03:19 AM
Parent: #320


د. عمر القراي
----------
ســــــلام على يونــــس الدســــــوقي قي العالمـــــــين!!
رجل فقير، نزيه، عف اللسان، مستقيم الخلق، ينضح إباءً وشمما، مثقف يدمن الإطلاع، ويطرب للحوار، في عينيه حزن دفين، تراه فلا تخطئ في ملامحه هموم الوطن ومعاناته، إذا حدثك وددت لو انه لا يصمت، وإذا انصت إليك تمنيت لو انه ينطق بكلمة!! كان جلَّ وقته مقسماً بين الجلوس، في كرسي قديم، داخل كشك ملئ بالكتب والمجلات، في وسط سوق مدينة كوستي في الستينيات، وقد كتب عليه بطلاء باهت «مكتبة الفكر».. وبين المعتقل الذي ما يكاد يخرج منه، حتى يدخله من جديد، باعتباره من أهم قادة الحزب الشيوعي السوداني، في المدينة، بل وعلى نطاق السودان.. ثم الوقت الذي يقضيه في المحاضرات، والندوات، وجلسات الحوار، بمنزل صديقه الاستاذ محمود محمد طه بحي المرابيع.. تلك باختصار كانت الحياة الثرة، التي عاشها العم يونس الدسوقي، والتي لم يمل تكرار الحديث عنها، حتى آخر أيامه..
لقد كان يونس الدسوقي مثقفاً عتيداً، تخرّج من مدرسة الكادر، يناقش في الديالكتيك، والمادية التاريخية، ويقرأ بنهم لكافة المدارس الفكرية والأدبية، ويحفظ نهج البلاغة، والمتنبي، وابوتمام والبحتري، ومقاطع من الأدب العالمي، عن ظهر قلب!! ويحاور زبائن مكتبته في ما يشترون من كتب ومجلات..
أول مرة سمعت عن عم يونس الدسوقي، كانت من الاستاذ محمود.. قال: «لما كنا في كوستي كان من ضمن الناس البزورونا، شيخ فلان (ذكر الاستاذ الاسم ولكني لا اذكره الآن).. وكان القاضي الشرعي، وإمام الجامع الكبير، وبرضو اظنو المأذون.. يقعد معاي مرات ساعة أو ساعتين، ما يتكلم الا عن تأخر العلاوة، وكيف انو جماعتو في الشؤون الدينية، منعوا عنو الترقية.. بعدين تلقاه يتكلم عن الغلاء، وزيادة سعر اللحم، والسكر وكدا.. بعد شوية يجي صاحبنا يونس الدسوقي، راجل اغبش، وشيوعي معروف، ودائماً يعتقل، أول ما يقعد أسالو عن حالته، طوالي يبدأ يتكلم عن وضع البلد، واخطاء سياسات حكومة ناس عبود.. وكيف الناس تعبانة والوضع في الجنوب متأزم.. وتشعر انو يتحسر على الفقراء، ويتألم لحالة المعدمين، )ثم ابتسم وقال) رجل الدين مشغول بي علاوته، والشيوعي مشغول بحال الناس!!».
قبل أن أقابل عم يونس في القاهرة، حيث استقر حين هجر السودان، حدثني الأخ د. صلاح الزين بأن عم يونس، قابل مجموعة من المثقفين السودانيين، فنقد لهم، موقف المثقفين من محاكمة الاستاذ محمود واغتياله.. وحدثهم كيف أن الاستاذ حين واجه المحكمة، كان يعبر عن ضمير الشعب السوداني، ولم يكن يعبر عن فكرته، التي يختلفون معه حولها.. ولهذا لم يكن يستحق منهم هذا الخزلان.. ثم أخذ يحدثهم عن سيرة الاستاذ محمود حتى بكوا جميعاً!!
عندما زرت عم يونس الدسوقي، في الفندق الصغير، الذي كان يقيم فيه بالقرب من ميدان رمسيس، في وسط القاهرة، في منتصف التسعينيات، وعرفته بنفسي بادرني قائلاً: وين جمعة حسن؟! أخبرته أنه في أمدرمان. فقال: جمعة دا كان طالب في المدرسة الصناعية، في كوستي لما دخل معانا في الحزب الشيوعي.. وكان طاقة عجيبة، يمكن يساوي عشرة من زملاهو.. قام غاب عننا زي سنة كدا، لقيتو شايل كتب الجمهوريين يبيع فيها!! قلت ليهو: يا جمعة الحكاية شنو؟ مالك خليتنا وبقيت مع الجمهوريين؟! قال لي: يا عم يونس انا والله بحترمكم.. لكن اليقين الشفتو في عيون الاستاذ محمود، ما شوفتو في غيرو.. قلت ليهو: صدقت يا ولدي.. صدقت!!
دعوت العم يونس في شقتنا بحي النصر، وحضر عدد من الاصدقاء، وطلبوا منه ان يحدثهم عن حركة النضال الوطني، حين كان ناشطاً فيها، في الخمسينيات والستينيات.. فتحدث قليلاً عن نشأة مؤتمر الخريجين، وبدايات الاحزاب السياسية، ومواجهة الحزب الشيوعي لنظام عبود.. ثم آثر ان يتحدث عن الموضوع، الذي يعشقه، ولا يمل الحديث فيه، وهو سيرة الاستاذ محمود فقال: «محمود كان شغال في المشاريع، بتاعة النيل الابيض، هو مساح شاطر، لكن أشتهر أكثر، بانو برضو أمين، ودقيق، بصورة ما طبيعية.. الملاك كانوا ما بدو غيرو شغل الا ما يلقوه.. كان يقضي ثلاثة، اربعة شهور، في المشاريع، وبعدين يجي كوستي، كان يجيب معاه حصيلة عمله حوالى خمسة آلاف جنيه!! ودا كان مبلغ خرافي.. اذا كان قاضي المديرية كانت ماهيته ثلاثين جنيها.. في غرفتو بتاعة بيتو الفي المرابيع، كان عندو تربيزة، بتاعة حديد يخت فيها القروش ديك كلها.. ومن الصباح للمسا الناس داخلين وما رقين.. نسوان ورجال ما عندهم شغلة بالندوة ولا النقاش البكون داير.. كل واحد منهم، يوسوس مع محمود، فيقوم يأشر ليهو على التربيزة، يمشي يشيل المبلغ الطلبو ويمرق!! المسألة دي تستمر لغاية ما القروش تكمل.. لا عندو خزنة ولا جزلان!! الناس ديل، فيهم واحدين بكفرو محمود، ويسبوه في غيابو ولما يجي، يجوا يشيلو منو قروش!! مرة واحد كان حاضر الحكاية دي، خلى الراجل شال الفي النصيب ومرق.. قام قال لي الاستاذ محمود، الزول دا بقول عنك كلام ما كويس.. وكان داير يشرح، محمود قام وقفو طوالي، وقال ليهو: أنا ما بهمني رأيو فيني شنو.. لكن بهمني رأيي أنا فيهو شنو.. ورأيي انو بستحق المساعدة!! يقولو ليك في كتب الادب، فلان كان كالريح المرسلة، عليّ الطلاق محمود محمد طه، أجود من الريح المرسلة.. والمشاكل الكان بحلها لي ناس كوستي، والقرى الحولها، يمين وزارة الشؤون الاجتماعية ما تحلها!!»
لقد كنا نحاول أن يستريح عم يونس من الكلام قليلاً، فنعطيه ماء او شاي، ولكنه كان يرشف رشفة، ثم يواصل حديثه.. قال: مرة محمود جاني في المكتبة، وطلب مني كتاب ما بذّكر اسمو هسع.. لكن قال وهو دايرو، عشان يعرف منو اسم الفرعون، الكان مع سيدنا موسى.. اتصلت بي سودان بوكشوب في الخرطوم، ما وجدنا الكتاب.. قمت رسلت لي مكتبة في بيروت.. بعد أيام ارسلو الكتاب، عن طريق بنك باركليز، والجماعة اتصلو بي في المكتبة، عشان استلم الكتاب واسدد ثمنه، لكن التكلفة ما كانت عندي.. مر عليّ محمود كلمتو، برضو ما كان عندو.. وهي التكلفة كانت عشرة جنيه!! قلت لمحمود طيب نعمل كيف؟! قال: خلي البنك يرجعو!! بعد ما مشى، جاني القاضي المقيم، وكان الوقت داك عبد العزيز شدّو، حكيت ليهو القصة.. طوالي اتصل بمدير البنك، وقال ليهو من المبلغ العندكم باسم القاضي المقيم، اخصم عشرة جنيه، وارسل الكتاب لمكتبة الفكر.. بكرة لما محمود جا قلت ليهو: بالله دي حالة دي.. لا انا ولا انت عندنا عشرة جنيه، والمغفلين ديل عندهم مئات الجنيهات، واشرت الى بعض التجار. فقال: ما كفاية عليهم انهم مغفلين، كمان داير يكونوا فقرا!! مرة كنت مفلس حق قفة الملاح ما عندي، وقاعد في الكشك ما عارف اعمل شنو، قام جا محمود.. قلت ليهو: يا استاذ انا تعبت من الفقر أعمل شنو؟! قال لي: كلم الله. قلت ليهو أكلمو كيف، وأقول ليهو شنو؟ قال لي: اطلع برا الكشك وارفع بصرك للسماء وقول: «رب اني لما انزلت الى من خير فقير» وصمت عم يونس ثم أردف: يا سلام يا محمود!! وعاجل دمعة، طفرت رغماً عنه، من مؤخرة عينه، بمنديل كان يحمله في يده، ثم راح في صمت وقور. صمتنا كلنا لدقائق، حتى خرج عم يونس من حالة الحزن، التي احتلت مشاعره.. فسأله احد الحاضرين: وعملت كدا يا عم يونس؟! قال : والله يا ولدي عملتها ، وكان ما محمود ما بعملها .. وفعلاً في نفس اليوم، جاتني بيعة كتب، وكراسات للضهاري، يمكن حصَّلت قريب الثلاثين جنيها!!
سأله أحد الحاضرين: انت يا عم يونس اكتر حاجة عجبتك في الاستاذ محمود شنو؟! صمت للحظة، وكأنه يفكر بعمق، ثم قال: الخلاني موله بحب محمود، مقدرته غير العادية على اشعار كل انسان بي قيمتو الانسانية.. بعاملك على اساس إنك حر، ويحترمك، مهما اختلفت معاه!! أنا ما كنت بفوت محاضرة، ولا ندوة، ولا حتى جلسة داخلية للجمهوريين.. وكان محمود يعرّفني، بقولو دا يونس الدسوقي صديقنا، وحتى مرة قالها في محاضرة عامة.. مع دا كلو، ما حصل محمود قال لي انت شيوعي ليه.. ولا حصل قال لي ابقى معانا جمهوري!! مرة واحد مولانا اسمو شيخ عبد الله، كان قاعد معانا، وقال لمحمود: يونس صاحبك دا ما عندو دين.. قام محمود قال لي: انت دينك شنو يا يونس؟! قلت ليهو: انا ديني حب البروليتاريا!! مولانا قال: اعوذ بالله، أعوذ بالله.. فقام محمود قال: الله دينو محبة الأحياء والأشياء.. الله خلق الوجود بالمحبة. مولانا قال: لا يا استاذ.. الله خلق الوجود بقوله كن فيكون!! محمود قال ليهو: يعني بالإرادة يا مولانا؟! شيخ عبد الله قال: ايوة. محمود قال ليهو: الشيخ العبيد ود بدر قال الارادة ريدة.. يعني محبة!! فسكت مولانا.
وواصل عم يونس: في واحد من اصحاب المشاريع، بعرف الاستاذ محمود حق المعرفة، وتعامل معاه كتير.. وكان يجي يكلمني عن اخلاقو ومعاملتو بإعجاب شديد.. مشى الحج وجا بقى من جماعة الاخوان المسلمين!! يوم جاني في المكتبة قال لي: قالو صاحبك ما بصلي!! قلت ليهو: انت رايك شنو في اخلاق محمود؟ قال لي: ما فيها كلام.. قلت ليهو: ومعاملتو للناس؟ قال لي: اصلو ما شفنا زول زيو.. قلت ليهو: طيب ياخي اذا كان الزول، ممكن يكون زي محمود دا بدون صلاة، وبدون دين، الدين لزومو شنو؟! قال لي: انت بتقول كدا عشان شيوعي. قلت ليهو خليني انا، النبي ذاتو ما قال الدين المعاملة؟ فسكت. لما نقلت النقاش دا لي محمود، قال لي: هم الناس ديل ما عندهم حاجة.. لكن انتو المثقفين، انسحبتو من ميدان الدين، وتركتوه ليهم يتحكمو فيهو..
وواصل عم يونس: انا مرة اعتقلت بواسطة البوليس السري، وختوني في سجن كوستي.. ونحنا معروف عندنا، لما واحد يعتقل، ما في زول بسأل عنو ولا يزورو، عشان ما ندي فرصة لاخذ معلومات.. يوم الشاويش قال لي عندك زيارة.. قلت يارب المغفل الزارني دا منو، يمكن يكون واحد من اهلنا الشايقية، جا من البلد، وما عارف الحاصل.. لما مشيت مكتب القمندان، لقيتو دا الاستاذ محمود!! قال لي: انا كنت في المشاريع، واول ما جيت كوستي، عرفت انك معتقل، قلت اشوفك . قلت ليهو: يا استاذ نحن ما دايرين زيارات، عشان البوليس السري، ما يقوم يدخلكم في مشكلة. ابتسم وقال: انت الخوف العندك دا، داير تنقلوا لي أنا؟! قلت ليهو: يا استاذ قالو من خاف سلم. ضحك وقال: هي سلم نفسها معناها شنو، غير السلامة من الخوف؟! ولما طلعت من المعتقل، بعد كم شهر، لقيت ناس البيت عاملين كرامة وضابحين، وعازمين الناس.. وانا عارف انهم ما عندهم حاجة.. قلت ليهم محمود محمد طه جاكم هنا؟! قالو: لا.. وانو القروش أداهم ليها واحد اسمو ابراهيم عبيد.. لما قابلتو بعد كم يوم في السوق، وسألتو، قال لي القروش، رسلها معاهو محمود من الرنك، وقال ليهو اديها أسرة يونس الدسوقي، ولما وصل صادف قبل يوم، من خروجي من المعتقل..
قال لي عم يونس: ان شاء الله نرجع السودان، عشان اعرفك بي ناس، معرفتهم تطرب.. وذكر اسماء منها الاستاذ عبد الكريم ميرغني.. ورجع عم يونس الى السودان قبلي، وحين رجعت كان همي، ان اعرف مكان اقامته لازوره.. ولم يقدر الله لي لقاءه، فتوفي قبل ان اقابله.. لقد كان سر اعجابنا جميعاً، بالعم يونس الدسوقي، هو مقدرته الفائقة، على تحقيق قولة اختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.. لقد كان باذلاً لنفسه من أجل الحزب، ومن اجل البلد، ولم يظفر بكلمة ثناء، او اعانة على مصائب الدهر من كليهما.. عاش حر الرأي، شجاع الكلمة، شديد الانضباط، متعلقاً بالقمم السوامق من مكارم الاخلاق.. لقد كان انموذجاً رائداً للسوداني الاصيل، الذي يملؤه الوفاء شعوراً بأقدار الرجال.. فسلام على يونس الدسوقي في العالمين..



http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=31320
___

Post: #322
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 03:20 AM
Parent: #321



مفاكرة الجمعة

الشيخ عمر الأمين أحمد
الماركسية كانت طبخة نيئة فما بالك بالنظرية النقدية؟
=========
إنما على مشروع ايجابى وأفق للتطور الإنسانى الى نهاية النهايات المادية، تلك التى لا تخرج عن تلخيص لها قدمه الأستاذ محمد حامد شداد ــ رد الله غربته ــ وهو يجادل به أستاذه اللاحق الشهيد محمود محمد طه فى كلمتين هما «تقليل الجهد».
========
لكن كثرت علىَّ وتراكمت طلبات للكتابة فى مواضيع بعينها، وأكثرها موضوعان. الأول طلب عكس رؤيتى لأطروحة الحركة الشعبية، مشروع «السودان الجديد». أما الثاني فهو دعوة وبإلحاح أن أقدم رؤيتى لمشروع الأستاذ الشهيد محمود محد طه «الفكرة الجمهورية». وقد بدأت فى التجهيز لكتابة الموضوع الأول، أما الثانى فهو جاهز بأمر سيدى الشيخ الطيب الشيخ على المرين ــ رضى الله عنه وأرضاه ــ منذ أكثر من تسع سنوات، فقط ينتظر إذن الخروج.
وقد ارتأيت أن الموضوعين سيفتحان على ــ بلا شك ــ نيراناً قد يكون فى بعضها ما لا قبل لى بمواجهته، لكنها نيران لا بد من مواجهتها، طال الزمن أم قصر. وهذا وعد بظهور أحدهما ربما الأسبوع القادم ان شاء الله.




http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=31500
_

Post: #323
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 03:21 AM
Parent: #322


صحيفة الصحافة - الفكر الجمهورى على بساط بحث منهجية التـأويل


الجمعة 9 مارس 2007م، 20 صفر 1428هـ العدد 4933
رأي

مفاكرة الجمعة
الفكر الجمهورى على بساط بحث منهجية التـأويل
أولاً : تاريخ وجغرافيا الدعوة الجمهورية
لا أدعى الإحاطة بكل تاريخ حركة الأستاذ الشهيد محمود محمد طه و حزبه الجمهورى، لكن وبحكم نشأتى فى أصول ينتمى مؤسس الحزب اليها فقد كانت تلك نشأه فى بيئة تحوم حولها الدعوة الجمهورية. فقد تزوج الأستاذ الشهيد من ابنة عمه و كان ذاك داخل ( خشم بيتنا ) أى من خالتى ــ متعها الله بالصحة والعافية ــ الشريفة آمنة بت شيخ (أمحمد) بضمة على همزة الألف ــ ود عبدالله ود قوى الذى كان يشتهربلقب أطلقه عليه الشيخ بابكر بدرى حتى طغى على إسمه الحقيقى فصار يدعى بالشيخ ( لطفى ) و الذى هو إبن عم شقيق لجدى لوالدتى الشريفة زينب بت الشيخ على ود الشيخ أحمد ود قوى ــ يرحمهم الله أجمعين رحمة واسعة ويجعل الجنة متقلبهم ومثواهم ــ .
و قد تفتحت عيناى فى تلك البيئة التى تمثل دوحة إيمانية وارفة الظلال تفيأتها على أيام التصاق و محبة طاغية بجدى لوالدتى (الشيخ على ) وجدتها منطبعة على ذاكرة طفولة باكرة استمرت حتى فترة بدايات المراهقة ، حين انتقاله للرفيق الأعلى فى خريف العام 1965 . فقد كنت حينها فى مطلع عامى الثالث عشر ، فأكملته فى السنة الثالثة الوسطى وحيداً لا أجد مؤانساً، ولا تالياً لقرآن الفجر أستمع إليه فأتحرق شوقاً كى يصبح عليه الصباح فأسمّعه ما حفظته استماعاً من تلاوته وما يأتى بعدها من أدعية وهو يحتسى قهوته الصباحية قبل أن أودعه ذاهباً الى مدرستى .
ثم أكملت عامى الرابع عشر جهاداً للدخول الى المدارس الثانوية ، وعلى ترتيب المائة و العشرين فى امتحان الشهادة السودانية تم قبولى بمدرسة وادى سيدنا الثانوية، فكان ارتطامى بتياراتها السياسية الجامحة و بداية دورة للجموح السياسى فى حياتى، أظن أنه ما كبحها إلا نشأتى تلك التى تواصلت بعدها على ظلال حوارات ومناقشات بين إخوالى أشقاء والدتى مبارك ومختار ــ يرحمهما الله رحمة واسعة ــ وكانت تدور حول كتاب الرسالة الثانية من الإسلام الذى أكملت قراءته وأنا فى الأجازة الصيفية الأولى من المرحلة الثانوية فى شهر مايو من العام 1968 م و كتاب رسالة الصلاة الذى حملته معى بعد الإجازة الى مدرسة وادى سيدنا ، وناقشنى فيه من كان مكلفاً بتجنيدى لجماعة الأخوان المسلمين دون طائل أخاً أسمه محمد على واصل بعده دون طائل أيضاً الأخ بهاء الدين حنفى ، بعد أن أهدانى كتاباً للشيخ الأمين داؤود بعنوان : ( مع نبى آخر الزمان) فأرجعته إليه متأسفاً على مستوى الطرح، و أظن ذاك كان أكبر عاصم لى من الدخول فى حظيرة جماعة الأخوان المسلمين إثر ملاحظتى لضعف فى أطروحات ذلك الكتاب مما يعجب الأخوان المسلمون فى مقابل فكررصين كان يعجبنى فى أطروحات الأستاذ الشهيد.
و قد شهدت تلك البيئة نشأة وترعرع ابنها بادى الذكاء حينها المهندس الناشئ شديد الحيوية السياسية محمود ، ذلك الذى استطاع أن يحول غضب أهالى مدينة رفاعة فى حادثة الختان الشهيرة الى ثورة عارمة إقتلعت مكاتب مركز رفاعة وطاردت عساكره الى الحصاحيصا وخاضوا معهم معركة اسفرت عن اعتقال معظمهم و على رأسهم الشيخ على و ابن أخيه محمود ، أفلح الشيخ لطفى فى احتواء آثارها وإطلاق سراحهم ما عدا محمود الذى تم تحويله لسجن مدينة ودمدنى.
و قد حدثت نتيجة لقوة فى أصول تلك البيئة ما يمكننا أن نسميه ( حماية بيئوية طبيعية ) فهؤلاء الرجال الذين نما وترعرع محمود بين ظهرانينهم ثم استوى على سوقه كإبن و صهر لهم ، فلم يكن هنالك من يجرؤ علي الوقوف فى وجههم مواجهة، فالسادة الصادقاب كانوا ملاذاً لا يجرؤ كائن من كان أن يمس من يلوذ بهم . وفى السادة الصادقاب فالأمر هذه المرة فى حوش الشيخ لطفى ذاته فمن ذا الذى يقدر على الدخول الى عرين أسد الأسود.
وتلك فترة لا ينظر إليها عادة كجزء من تاريخ الأستاذ محمود . استمعت إليها من أفواه ما زال بعض أصحابها ــ نساء ورجال ــ على قيد الحياة منهم والدى الشيخ الأمين ود أحمد الشهير بالأمين ود جربان و خالتى الشقيقة الصغرى لوالدتى الحاجة حرم وشقيقتها الحاجة شباك كريمتا جدى الشيخ على و هؤلاء يعضدون روايات معاصرين ومشاركين فى بواكير الدعوة مثل خالى مختار وخالى مبارك ــ يرحمهما الله رحمة واسعة ــ. وأظن أن تلك الفترة تحتوى أحداثاً يمكنها أن تضيف رؤى من زوايا مختلفة على قصة رجل بدأت من خلوة سجن حادثة الخفاض الفرعونى و انتهت بأحداث فى سجن كوبر يناير 1984 م حينما ساق جعفر النميرى الشهيد الى حبل المشنقة.
و القصة من بدايتها تجرى كما يلى : استطالت خلوة كانت مواصلة لخلوة الشهيد إبان فترة سجنه وكان يتابع أخبارها بحكم وقوعها داخل ( حوشه ). الشيخ لطفى بواسطة أحد أبناء أخواته لخالاته من قبيلة الضباينة هو العم الأستاذ عبدالجليل محمد على ــ يرحمه الله رحمة واسعة ــ الذى رفض مواصلة ملازمة الشهيد وخدمته فى خلوته و قال بعدم استطاعته تحمل ما يبدر من الشهيد من حديث إضافة لاحتجاجات أخرى ذكرها أدت الى أن يلجأ الشيخ لطفى لأخيه ابن عمه و كبير مشايخ السادة الصادقاب حينها بمدينة رفاعة الشيخ على الشيخ أحمد ود قوى طالباً منه العون و المناصحة .
ثم حدث أن كان والدى يومها فى معيه عمه الشيخ على فاصطحبه معه حيث تم إخطار الشهيد بزيارة عمه الشيخ فى خلوته ، وقيل أنه طلب مهلة لإصلاح حاله فتهيأ و أذن لعمه الشيخ بالدخول عليه فدخل الشيخ الخلوة ممسكاً بيد والدى فسلم عليهما الشهيد وأجلسهما على فراش قبالته و ظهرهما الى القبلة فى مواجهة الشهيد الجالس على فرش أمامهما ووجهه قبالة القبلة حسب رواية والدى.
وقد بدأ اللقاء بتبادل التحايا الذى أخذ وقته على عادة أهلنا السادة الصادقاب. ثم سأل الشيخ على الشهيد سؤالاً مباشراً بعد أن اطمأن على أحواله وما لاقاه فى خلوته حسب ما رواه له عنها مما دعا الشيخ للقول : (و كت كدى أها شنو البخلى عمك شيخ لطفى ما مرتاح لغاية ما يرسل لى أجى من رفاعة لى الديم ) إذ أن شيخ على كان قد رحل من ديم رفاعة الذى يقع غربها بمسافة كيلومترالى داخل المدينة بعد أن تزوج من أحد بيوت العبابسة ممن هاجروا من منطقة الباوقة من توسم فيه التقوى و الصلاح وكان يعمل فى صناعة وقيادة المراكب الشراعية التى كانت تشكل حينها الناقل التجارى الرئيسى.
فقال الشهيد ( والله يا عمى شيخ على أنا الله فتح على ، فقد عشت الحقيقة العيسوية و أرجو أن أعيش الحقيقة المحمدية.) أو كما قال مما رواه والدى من حديث. و كان حينها الشيخ على ينكت الأرض بعصاه التى كان يحملها فى يده موجهاً نظره اليها. وبعد أن انتهى الشهيد من حديثه رفع الشيخ وجهه ونظر إليه نظرة مباشرة قال لى والدى الذى قال أنه كان ينظراليه حينها : ( والله يا ولدى ديك كانت نظرة ، ما كان يستطيع أعتى الرجال أن يقابلها بنظرة مواجهة ) ثم قال أن الشيخ على قال للشهيد : ( و الله يا محمود يا ولدى إنت يا كا ولدنا . و أكان الله فتح عليك ، يا هو الفتح علينا كلنا . دحين نحن أبواتك و الشئ الطيب البحصل ليك نحنا نفرح بيهو كلنا ونهز فيهو . و نحن دايرين الله يفتح عليك بى أكتر من كدا. لكن يا محمود يا ولدى نحنا أبواتك وأعمامك ديل ناس طريق ، بنخبرو زين وبنعرف علاماتو والبحصل فيهو ، و أكان الله فتح عليك قدر كدى يا ولدى، دحين أدينا أمارة ولا علامة تخضع بيها رقابنا ديل . أكان قدرتا على كدى يا ولدى بنصدقك ، و أنا براى بسافر أجيب أبواتك الصادقاب كلهم يجدّعوا سبحهم ويتابعوك ويخضعوا لأمرك . لكن أكان دا ما عندك ، دحين مد أيدك النمرقك من الحفرة الوقعت فيها دى ) ثم قال والدى : ونهض الشيخ على بعد هذه العبارة مباشرة قائلاً ( أرح يا اللمين يا ولدى نحنا أتأخرنا كتير ).
و كان أحب من أستمع منه الى هذه الرواية هى والدتى التى تواصلها قائلة : ( ومن صباحاً بدرى طلب محمود تجهيزالحمام و أدوات الحلاقة ، فأستحم و حلق ، ثم نهض خارجاً من خلوته مخطراً عمه الشيخ لطفى برغبته فى السفر الى الخرطوم بعد أن حكى له رؤيا رآها فى نفس تلك الليلة.و جاء فى ذلك الصباح الباكر لعمه الشيخ على يستسمحه و يحكى له ما رآه حيث قال أنه رأى نفسه غاطساً فى حفرة من الوحل الى نصفه. وكان يزداد غوصاً كلما ازداد حراكه لإخراج نفسه منها فصاح طالباً النجدة والمروة فظهر له عمه الشيخ على وقال له مد إيدك النمرقك فمدها و أخرجه منها ثم ودعه وانصرف. ) وقد قدرت تقديراً يقع فى مكانة تنتوشها الظنون أن الشهيد قد اعتبر نتائج تلك الرؤيا بمثابة مباركة من أبواته السادة الصادقاب وإذناً للجهر بالدعوة الجمهورية التى بدأها ببيانه الأول الموجه خاصة الى المتطرقين من أهل الصوفية .
ثم وردت رواية أخرى تحتوى على إشارات من نفس الشاكلة ، تحدث فيها الشهيد عن نهايته التى قال إتها ستكون نهاية ( عيسوية ). قال هذا الحديث مباشرة لخالى مختار الذى رواه للشيخ على أكبر أبناء الشيخ لطفى من الأحياء ـ متعه الله بالصحة والعافية ــ والذى كان يفترض أن يجلسه السادة الصادقاب على خلافة والده عن أخيه الشيخ عبدالله لطفى لولا تفرغ الشيخ على حينها للدعوة الجمهورية. و قد استمعت لتأكيد رواية حديث الموتة العيسوية من فم الشيخ على الشيخ لطفى نفسه، ولا أملك مطلق الحق أن أقرر فى شأنها، أهى من رؤى ما بعد الحقيقة العيسوية أم تنتهى قبلها ولا تصلها فتجعل حديث الشهيد حول عيشه الحقيقة العيسوية التى ذكرناها آنفاً حديثاً يحتاج الى المزيد من المراجعة والتدقيق.
و أظن أن مصادر تلك الأخبار كلها مشهود لها بالصدق والإستقامة، فقد سمعت أخبار تلك الوقائع من والدى . و كذلك من فم جدى الشيخ على وهو يرويها لأحد زواره من شيوخ السادة الصادقاب ما كنت أذكر شخصيته لأنى كنت حينها إبن ست سنوات. ثم تواترت قصة نهاية تلك الخلوة على فم خالتى حرم وشباك ــ متعهما الله بالصحة والعافية ــ و تطابقت مع الروايتين و مع رواية والدتى ، و خالتي ( الحرم ) حفظها الله ورعاها ومتعها بالصحة والعافية ــ و التى ما زالت بحمد الله تتمتع بصفاء ذهنى عجيب ، فهى إحدى تلميذات بقايا فصل الشيخ بابكر بدرى لتعليم النساء بمدينة رفاعة وتتمتع بقدر عال من الذكاء و الثقافة و القدرة على الإطلاع مما كان يدهشنا أيام شبابنا.
و مما أراه من اصطراع السياسى مع الصوفى فى فكر الشهيد أن تلك الخلوة ما أخذت كفايتها ليجد ذلك الصراع مجراه الذى يفترض فيه أن يجرى فيه و لذلك سبب بلا شك. ولو تتبعنا فكر أستاذنا الشهيد إذاً لرأيناه على خطوط المواجهة ما بين الصوفى المتجافى الهارب من تقاتل القوم على جيفة الدنيا و بين السياسى الممسك بكل خيوط لعبة السلطة والسياسة. لذلك فرغم احتواء طريقته على قدر معتبر من سبل الخير و الحق والجمال ، لكن تنتوشه أسئلة محورية تمسك بزمامه و لا تنفك ، فتطالبه تلك بالإعتصام الى الصوفى فى حين تمسك به هذه مطالبة بضم السياسى الى الركب فلا نكاد نطال تلك و لا هذه.
لكن الشاهد أن السادة الصادقاب كانوا يكتفون بالنظر الى إبنهم فلم يعادوه ، رغماً فلم ينقادوا له . وقد حكى لى الشيخ على الشيخ لطفى رواية للشيخ طه بن سيدى الشيخ الباقر أنه فى رؤيا له رأى الشهيد محمود وقد نزل له والده سيدى الشيخ الباقربن الشيخ الهميم فأجلسه فى مجلسه ونزل الشيخ الى الأرض تحته . والشيخ الباقر الشيخ بن الهميم ــ رضى الله عنه و أرضاه ــ كان ممن يعدهم السادةالصادقاب من الأولياء الكمل. وقد كان أن توجهت بسؤال مباشر للشيخ طه عن رؤيته تلك فى حضور سيدى الشيخ نورالدين الشيخ أحمد فأجاب بالإيجاب على هذه الرواية و صدق ما رواه عنه الشيخ على الشيخ لطفى.
إضافة فقد حكى لى الخال عبدالعال الفكى خالد بن الشيخ أحمد ود قوى ــ متعه الله بالصحة والعافية ــ أن ابن أخ الشهيد مختار محمد طه ــ لا أذكر إسمه ــ كان على الطريقة العركية كما كان والده مختار. وكان على حالة عداء شديد للشهيد درجة احتفاله بيوم شنقه.هذا الشيخ الذى ظل بعد ذلك مجاوراً الى أن انتقل الى الرفيق الأعلى ، فقد صادفه الخال عبد العال فى إحدى زياراته للروضة الشريفة فسأله عن حال عمه الشهيد فقال له : ( والله يا عبد العال يا خوى محمود غشانا و فلت مننا . والله شفتو فى رؤيا واضحة و أنا على هذه الروضة الشريفة أنه يخدم الحضرة النبوية على لباس مكتمل الإخضرار.
والآن ، كلما مر بى طيف ذكرى خروجى من فسيح حظيرة الإيمان ، الى ضيق براثن الإلحاد و الماركسية ، أرى فى ذلك تقلبات ليوم ظهور أمانة كانت مودعة عند السادة الصادقاب كانت تحتاج الى معرفة تصل الى نهاية هذه الماركسية بوصفها آخر ما يمكن التوصل إليه بواسطة منظومة الفكر المادى الأوروبى. و قد كان دخولى إليها لا يشبه خروجى عنها ، فالدخول كان سلساً و هادئاً ، لكن الخروج كان قهراً و أخذاً بيمين بالغة القوة لسيدى الشيخ الطيب الشيخ على المرين استسلمت لها بعد ملاواة وتفلت و حصار محكم ضرب على لم أجد بعده بد من التسليم ، فأتيت رافعاً يدى أرجو توبة نصوحة. رغماً فلم أجد غير مقود هين لين سلس لسيدى الشيخ وهو يقول بعد كمال الإستسلام : ( تعال يا ولدى أديك أمانة حافظنها ليك عندى أبواتك حقت ناس أولاد قوى و حقت المديناب) ثم حدث أن سألته عن هذه الأمانة قبل أن يجلسنى سيدى الشيخ على بن الشيخ محمد رأس السجادة القادرية السودانية على سجادة خلافة جدى لوالدتى الشيخ على الشيخ أحمد ود قوى بأمر سيدى الشيخ الطيب الذى أجابنى حينها عن ذالك السؤال القديم قائلاً : ( أها يا ولدى الأمانة بقت حقتك ، ختيناها فى إيدك فافعل بها ما تراه) ثم حدث أن جاء الى زيارته بعض الأخوة الجمهوريين فى إحدى الليالى التى كنا نحييها فى حضرته الشريفة ، فطلبنى وجئته كعادتى مهرولاً فقال لى : أها جماعتك جوك قوم عليهم. و ما كنت فى مكانة من يجرؤ على سؤال سيدى الشيخ عنهم و عن كيفية أنهم جماعتى ، وما كان سيدى الشيخ ينتظر سؤالى فقال : ( يا هم جماعتك أكان رضيت و أكان أبيت ، ما هم باقى أمانة ود قوى). ثم جلست إليه بعد ذلك مرات فحكى لى فيها آخر لحظات الشهيد قبيل ساعات من شنقه حيث قابله سيدى الشيخ بأمر من النميرى . و كان يرمس فى كل رواية من رواياته ــ غير حلاوتها وطلاوتها ــ بعداً لا نعرفه إلا بعد ذلك بأيام بعد أن نقلب الأمر و نقلته اجتراراً ، ثم نرى فيه بعد ذلك الحق أبلجاً فلا نملك إلا أن نزداد إيماناً والتصاقاً و تلمذة.
و ملخص الحديث فتلك بيئة خلصت منها الى رؤى منهجية التأويل ، وهى منهجية بالغة القدم ، منظور إليه بعين جديدة ،سلكت بواسطتها مسالكاً فيها بمعاونة سادتى الصادقاب النظر فيما سبق من ملامسات و مقاربات منها هذا التنازع ما بين الصوفى والسياسى فى الفكرة الجمهورية. و الله أسأله التوبة و الهداية، وأن يجنبنا سبل الشك و الغواية ، بتمام الصلاة و كمال التسليم على حبيبه المصطفي ، و على صحابته الغر الميامين ، وعلى آل بيته دليل الصراط المستقيم بداية ونهاية.
الشيخ عمر الأمين أحمد [email protected]




http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=31818
_________________

Post: #324
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 03:22 AM
Parent: #323


وقد نفذ إلى جوهر الدين بعض أصحاب البصائر المبصرة، والقرائح المتقدة، كما هي حالة الأستاذ محمود محمد طه مؤسس مدرسة الفكر الجمهوري في السودان في القرن الماضي، فكانت أفكاره العظيمة حول (المساواة) والحريات، وكنه الوصول بالإنسان إلى مصاف (يد الله وعينه) والتماهي مع الرب في (شفيف) تساميه بما يحقق فعلياً معنى (الخلافة) على الأرض!!
=====
معاً
الرجال والنساء على حدٍّ سواء
خالد فضل
الخميس الماضي 8 مارس صادف اليوم العالمي للمرأة، وهو مناسبة للمراجعة وجرد حساب المجتمع فيما يلي تبادل أدواره وادارج شأنه على المعطى الأساسي وهو أن الحياة البشرية بوجه خاص تقوم على هذه الثنائية الربانية البديعة (ذكر وأنثى)، بحيث لا تستقيم أعمدتها ولا تقوى على النهوض من دون هذين الركيزتين الأساسيتين، ومن هنا تكمن حتمية (الإستواء) للطرفين حتى لا يختل البناء الإنساني، ولهذا أنظر من وجهة نظري الشخصية لحركة المناداة بالمساواة الكاملة بين الرجال والنساء على أنها حركة إنسانية نظرت إلى جوهر الحياة فوجدت أن هذه الثنائية لا تستقيم من دون هذه المساواة الكاملة في الحقوق والواجبات، وليس من منطق أن النساء لا بد أن يصبحن رجالاً أو العكس، فهذا المنطق لا يقوى أمام طبيعة التكوين البيولوجي لكلا الطرفين، وفي ذات الوقت فإن هذا التكوين لا يمنح الرجل أي أفضلية على المرأة، فليس كون أن جوف المرأة يحتوي على (الرحم) يعد من دواعي النقصان لها، بل العكس، لماذا لا ينظر إلى هذه الميزة باعتبارها (زيادة) مثلما لا يعني شيئاً ذا بال أن أعضاءها التناسلية ليست بارزة كما هي الحالة في البناء الجسدي للرجال، فهي من ناحية فيسيولوجية تقوم بذات المهام التي يقوم بها الرجل.. إذاً، من ناحية البناء الجسدي ليس هناك ما يدعو الرجال للإعتداد بكونهم ذكورا، قبل أن نؤوب إلى نقطة مهمة وجوهرية، هي أن لا الرجال ولا النساء الحاليين، كهولاً أو أطفالاً في المهد أو (لسه في طور الخلق والتكوين)، قد اختاروا لأنفسهم هذا النوع أو ذاك، إنما هي عمليات تخصيب تلقائية تتم بالطبع وفق المشيئة الربانية باعتبارها فوق كل اعتبارات الكون.
* إن المناداة بالحقوق والواجبات المتساوية هي مجرَّد دعوة إنسانية مدنية تعتد بحقوق الإنسان، وتحترم كيانه قبل أن يكون (بنتاً أو ولداً)، إذ أن ضروب الحياة وأوجهها المختلفة وحاجاتها المتعددة لا تنفصل أو يمكن تقسيمها إلى حاجات (ذكورية وأخرى أُنثوية)، فالحاجة إلى الأمان أو الطعام أو الكساء، أو الجنس، أو الإنتماء، أو التميز أو السمو وغيرها من هرم الحاجات الإنسانية هي في الواقع حاجات (إنسانية محضة) لا دور للنوع فيها، بيد أن البشر أنفسهم هم من (قسّم المجتمع إلى نساء ورجال)، وحددوا للنساء بعض الأدوار وأجازوا للرجال (كل الأدوار)، ومع التطور العقلي والذهني للإنسانية، واضطراد المخترعات، وتيسير سبل الحياة والإنفجار المعرفي، والثورة التقانية، باتت المقدرات الذهنية والإستعدادات النفسية والتدريب والتأهيل هي (المعايير) الوحيدة للتفوق، ولم يعد للتكوين العضلي الصارم الذي ظل يميز الرجل من ناحية البناء الجسدي هو المعيار، ولعل الرياضيات من النساء يبرهن دائماً على مقدرات فذة يتساوين فيها مع الرياضيين من الرجال، أما في مجال الأعمال التي يتم اتقانها بالتدريب، فإن فتيات المارينز الأميركيات، وشرطيات نيويورك يتفوقن على نظرائهن من الشباب والشرطيين في هذه المجالات، كما أن كونداليزا رايس قد أدت واجباتها المهنية بكفاءة واقتدار وهي تتولى قيادة الـ (CIA) أو وهي تقوم بمهام (سكرتير الإدارة الأميركية) المعروف بمنصب وزير الخارجية.. وغير هذا من النماذج المتعددة التي تدحض نظرية تفوق الرجل على المرأة كما يتوهم الكثير من الرجال، ويشاركهم في هذه النظرية حتى النساء في المجتمعات التي ظلت تقبع تحت نير القمع والإستكانة، بدواعي الموروثات، والمحافظة على التقاليد والعادات، مما قاد إلى استغلال البعض للمفاهيم الدينية وتحويلها إلى وسائل لإحكام المزيد من الهيمنة وإضفاء (قداسة) على أفكارهم البشرية، وتحوير وتفسير النصوص الدينية بما يخدم رؤيتهم مع وضع حجاب وستار معنوي كثيف حتى لا يتم اختراق هذه الرؤية، والولوج إلى جوهر الأديان، وبخاصة الدين الإسلامي الحنيف الذي تقوم أصوله على مباديء الحريات والمساواة المطلقة، بينما اقتضت ظروف تطور المجتمع أن يتم اعتماد بعض التشريعات لملاءمة حالة المجتمع في تلك الحقب السحيقة.. بينما تبقى الأصول هي التي تؤكد صلاحية (الإسلام) لجميع الأزمنة حتى قيام الساعة.. وقد نفذ إلى جوهر الدين بعض أصحاب البصائر المبصرة، والقرائح المتقدة، كما هي حالة الأستاذ محمود محمد طه مؤسس مدرسة الفكر الجمهوري في السودان في القرن الماضي، فكانت أفكاره العظيمة حول (المساواة) والحريات، وكنه الوصول بالإنسان إلى مصاف (يد الله وعينه) والتماهي مع الرب في (شفيف) تساميه بما يحقق فعلياً معنى (الخلافة) على الأرض!!
* أما وقد وصلنا بمقالنا لهذا اليوم إلى هذه المراقي، فإن الواقع الذي نعيش فيه اليوم يضج بالمفارقات مما يجعل من مسألة (يوم المرأة تتجاوز تلك الخطب البرتوكولية) ومظاهر الإحتفال ذات الطابع الرسمي أو الأهلي، فقد أضحت هذه المراسم مكرورة ومحفوظة وهي لا تتجاوز ساعات الفعالية المعينة وقراءة العناوين والشعارات التي تشكل خلفية (الاحتقال) إذ يبقى الواجب المطلوب عمله هو التحرك خطوات واسعة ومحددة الأهداف واتباع الوسائل الصحيحة لبلوغ مرحلة (تمكين المرأة) ليس شعاراً سياسياً أو دغدغة عواطف أو للظفر بأصوات انتخابية في أي منافسة نقابية أو سياسية، بل المطلوب هو انفاذ ما يتم تداوله من مصطلحات، وهذا يتطلب جرأة في النظر إلى القوانين السائدة واللوائح المتبعة، ومراجعتها وتنقيتها من كل ما من شأنه حجب سريان (فكرة المساواة)، كما يجب المصادقة والتوقيع على الاتفاقية الدولية في هذا الشأن وأعني بها اتفاقية سيداو وتضمينها في صلب الاتفاقات الدولية التي يستند عليها الدستور القومي ودساتير الولايات وحكومة الجنوب.. وهذه الخطوة تفتح الطريق أمام التمكين الدستوري والقانوني، ووضع مقياس ومعيار لمواءمة التشريعات المتفرِّعة مع الدستور من عدمها، إذ من غير المنطقي مثلاً أن يظل سفر المرأة محكوماً بوجود (مرافق) في ظل إرتياد المرأة للفضاء وليس في رفقتها إلا عقلها وقلبها وربها، وليس أدل على مدى الإمتهان والنظرة التجريمية السائدة من (لوائح السكن الجامعي) للطالبات، اللائي يتم النظر إليهن وفق هذه اللوائح والشروط والجزاءات وكأنهن جميعاً مشروعات (عاهرات) وليس مشروعات (كوادر) مدربة... إلخ.
* لقد آن الأوان للنساء، بحكم مقدراتهن الفذة، وأدوارهن العظيمة في الحياة السودانية أن ينلن كامل حقوقهن، دستورياً وتشريعياً وسياسياً ومهنياً واقتصادياً، وآن الأوان لنشر الوعي بالحقوق، وانتشال النساء والفتيات والصبايا اللائي يرزحن تحت جحيم (القمع) وإهدار الكرامة، وتمارس ضدهن أقسى العقوبات الجسدية (الخفاض) والمعنوية (الإزدراء والتهوين من الشأن والتخوين) واعتبارهن (عورات) يجب سترها... إلخ.. آن الأوان لمجتمعنا أن يستقيم بنيانه وينتصب عماده.. على ركيزتين متساويتين (رجالاً ونساء) دون تمييز.
* لقد تم إلغاء (ندوة يوم الأربعاء 7/مارس 2007) تمت الدعوة لها لمناقشة ورقة حول (المرأة والانتخابات) من دون مبررات أو مسوغات وهذا الحجر والمنع والوأد للحريات هو أنسب مناخ لسيادة الهيمنة واستمرار إعوجاج بناء المجتمع.. فالحرية هي صنو النهوض، والديكتاتورية والاقصاء هي طرق العقود.. ولا بد أن شعبنا كله يرجو النهوض.. فلنتحد جميعنا من أجل الحرية والعدالة والمساواة وكفالة حقوق الرجال والنساء على حدٍّ سواء.





http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=31893
___

Post: #325
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 03:23 AM
Parent: #324


مفاكرة الجمعة الفكر الجمهوري على بساط بحث منهجية التأويل «1»
الشيخ عمر الأمين أحمد
[email protected]

ثالثاً: العلم ليس على «كيفِكُم»
انصب حديثنا فى المفاكرة الماضية حول الرسالة الثانية من الإسلام كشكل قال به الأستاذ الشهيد محمود محمد طه، ولاحظنا أمر احتوائها بصورة ضمنية على تناط الى مقام المصطفى ــ عليه وعلى آله أزكى وأفضل الصلاة وأتم وأوجب التسليم ــ إذ يمكن بسهولة الوصول الى استنتاج أن رسول الرسالة الثانية يقف معه على قدم واحدة من حيث أخذهما لرسالتيهما، وربما يتفوق عليه، إذ أن الرسالة الثانية ترتيبا فى نزولها أرض الواقع التطبيقى، هى الأولى التى تأخر أوان نزولها الى حين ارتفاع قامة البشرية الى مقام يمكّن من تنزيلها، والتى هى بحسب هذه الصفة ترفع مقام رسولها بحكم ارتفاع قامة أمته، والتى ربما يستنتج أنهم الأخوان الجمهوريون، بحكم ظهورهم فى أوان رفع فيه حكم الشريعة التى قيل إنها لا تصلح ــ وفق هذا الفهم ــ لإنسانية القرن العشرين.
ويبدو أن رسول الرسالة الثانية قد استحق هذا التفوق كيفما نظرنا إليه، فهو رسول رسالة الأصول، بينما رسول الرسالة الأولى كانت رسالته رسالة فروع، إضافة فرسول الرسالة الثانية قد استحق هذا المقام كفاحاً بينما تسنمه صاحب الأولى هبة أو عصمة. ولا عبرة بدفوعات تتساءل عن نصوص صريحة تؤدى الى هذا الفهم، فإذا ما توفرت إمكانية استخراج استنتاجات على هذه الشاكلة عن هذه «الفكرة»، فذلك مما يضعف فصل خطابها، ويخرجها من نسق بيان رغم تحريه لجوامع الكلم ، إلا أنه لا «لكنة» فيه، يبدأ بكمال بيانى وينتهى إليه، ظاهراً وباطناً، تأويلاً وعنعنة، منذ بدء النزول الذى تصدره ــ لأول مرة على نطاق البشرية ــ نزول العلم كمصطلح ونزل معه المنهج العلمى كاملاً سليماً مبرأ من كل عيب أو نقص أو تشويه ولو قل حجمه، درجة أننا لا نلحظ ما يمكن أن يقال إن فيه نسقا للتطور فى الفهم تبعاً لتراكم الخبرة والتجربة كما يحدث عند البشر. ومما هو واضح من
ارتباط للعلم بأول التنزيل، أن ذلك بالتحديد هو ما جعل الأستاذ الشهيد يصل الى استنتاج أن أول التنزيل كان هو الأصل، على خلاف التجربة البشرية المتصاعدة من أسفل الى أعلى، حيث يبين فيها بوضوح أثر التراكم، فيأتى آخرها أكثر اكتمالاً من أولها. ألم تنظر الى مبدأ التنزيل، فيزاولك بيان أن ذلك ربما كان منتهاه فى قوله: «اقرأ باسم ربك الذى خلق ü خلق الإنسان من علق ü اقرأ وربك الأكرم ü الذى علم بالقلم ü علم الإنسان ما لم يعلم» فذلك بيان وبلاغ مفصح مبين لم تنقض عجائبه، ولم يخلق على كثرة الرد، ولم تلتحقه الظنون منذ القرن السابع الى يومنا هذا. ويضاف إليه بيان من لا ينطق عن الهوى ــ عليه وعلى آله أزكى وأفضل الصلاة وأتم وأوجب التسليم ــ الذى لم يستعدل فى مرحلة من مراحله فيلحق به التطور سيراً على مدارج الخبرة البشرية العادية الملحقة تلحيقاً بخبر السماء. بل كان فصل خطاب باهر مبين، لا تكاد تتصل بنهاياته إلا وتباينك بداياته المرموسة فى مدارج الكمال المعرفى العلمي، فيقلبنا ــ نحن أهل الخبرة البشرية الناقصة المحدودة المنكودة ــ فى سلم من الترقى لا فواصل فيه، رسالة واحدة هى الدين عند الله، الإسلام ، وكفى بك نقصاً أن لا ترى هذا الكمال الكلى غير المجزأ لرسالتين أو لثلاثة كما يفترض أن يتم التوصل إليه إذا ما لوحظ فى «لا علمية» المنهج «الجمهورى» فرضية يفترض أن تقودك الى أن الرسالات يجب أن تكون ثلاثا، بحسب أنها لثلاث أمم فى الإسلام، أولها إسلام قالت الأعراب آمنا ، ثانيهما امة المؤمنين، وثالثتهما أمة المسلمين الأخيرة الواردة فى قوله ــ جل وعلا: «قل إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له ، وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين» فما يمنع من ذلك؟
والعلم ليس «على كيفكم»، تتناوشه الظنون، وتحيط به استنتاجات منكورة بقول على شاكلة: «أين وجدت الأستاذ يقول صراحة بمقولة أنه أخو المصطفى» فى حين يصفعك هذا الاستنتاج صفعاً على خدك قائلاً: هو أخوه، هو صاحب المقام المحمود، وهو الأستاذ على اخوان المصطفى من الجمهوريين.
و «على كيف» الإخوة من «الأخوان الجمهوريين»، و«على كيف» استاذهم الشهيد ــ على حد تعبير الشاعر الكتيابى الذى استلفه الأستاذ عادل البازــ فلا شأن لنا في ما يرونه فى أنفسهم ــ فكل شاةٍ معلقة من عصبتها ــ ونحن كذلك على كيفنا فى رفض هذه «الفكرة» وما فيش حد أحسن من حد، على حد تعبير إخواننا فى شمال الوادى. لكن عندما يصطدم الأمر بالعلم، فليس هنالك «كيف» ففى مجال العلم لا ينبغى، بل يجب أن يتم الاحتكام الى ميزان الحق، فالقيم هنا بالأوزان، والصنج ظاهرة لا يكاد تتخطاها حتى عيون الغريرين معرفياً. انظر الى أمر «الفكرة الجمهورية» من مبدأها لتلاحظ أن قولك «جمهورية» مضافة الى «فكرة» تحمل رسالة ثانية من الإسلام. ألا تلاحظ أن الأمر من بدايته مختل ويحتاج الى تقعيد علمى. فأى «جمهور» وأية «جمهورية». دع عنك أنه خبر جديد، لم يقل به المصطفى ــ عليه وعلى آله أزكى وأفضل الصلاة وأتم وأوجب التسليم ــ ولو ضمنياً فى رسالتيه ــ بحسب الفكرة الجمهورية ــ الأولى التى هو رسولها والثانية التى حملها معه ــ ربما كأمانة تبليغ ــ الى حينما يحين أوان رجالها. فمع ذلك كله فالجمهورية ليست فكرة جديدة أو عاطلة عن المعنى تنتظر القرن العشرين حتى يحين أوان اكتسابها صفة الرسالوية الإسلامية. فهى «فكرة قديمة أوى» منذ «إفلاطون» ولها جغرافيا وتاريخ وصل فى القرن العشرين الى أن قرنت بالفاكهة حتى قالوا «جمهورية الموز». وهى فوق كل ذلك أوروبية السمت والمحيا لم تطرق ديار الإسلام إلا بعد القرن التاسع عشر، حينما تهيأت البشرية لا بارتفاع قامتها، إنما بهبوطها الى درك مصادرة حريات شعوبها واستعبادها بالاحتلال الاستيطانى والاستعمار الأوروبى الذى أطبق على العالم من أقصاه الى أدناه، ثم سحب عليه بساط جمهوريته فكساه بها شاء ذلك أم لم يشأ. والغريب المريب فى الأمر أن للأستاذ الشهيد محمود تاريخ ناصع وضئ فى منازلة هذا الاستعمارومنافحته وجهاده، فكيف فلتت وتسربت إليه هذه الجمهورية، فهذا ما يحيرنى حيرة مطبقة شديدة.
والشاهد أن الجمهورية ــ ذات الأصول الفكرية الإفلاطونية ــ لم تتنزل الى أرض الواقع الأوروبى إلا فى جمهورية أخرى، تلك التى بشر بها المفكر والفيلسوف الفرنسى «جان جاك روسو» عبر ما أسماه «العقد الاجتماعى» وفيه يتم تحرير العبيد الأقنان ويخرجون من حالة «العبيد الأقنان» الى حالة «الجماهير»، فيخرج وفق ذلك نظام للحكم جديد، يقام على عقد اجتماعى «جماهيرى» أكثر «حداثة» من صيغة الدولة الإقطاعية أو المملكة أو الإمبراطورية الأوروبية، الى «الجمهورية» فى الدولة الأوروبية الوطنية القطرية الحديثة.
والآن على أيامنا هذه تنشط كثير من أندية المعرفة والعلم، خاصة فى العالم الذى كان مستعمَراً ــ بفتحة على الميم ــ للنظر فى سوءات ما جلبته وجرته هذه «الجمهورية» اللعينة على أوطانهم.
والشاهد أنه متى ما تم توخى العلم والنظرة العلمية، تسقط مقولة «على كيفى» إذ يكيف العلم والعقل ــ الذى لا بد من عودته بعد حين ــ هذه المقولات ويحكمها الى رتاج موازين الحق فيسأل: من أين لك هذا؟ وحينها فلا شئ يضيع أو يتسرب من بين أصابع المعرفة العلمية، فنتبين «كيف وكم» هى غريبة هذه الجمهورية على التشريع الإسلامى أياً كان عدد رسالاته، وعلى الثقافة الإسلامية، درجة أنه لا تصح إجابة عن هذا السؤال إلا بعد اكتشاف اختراق علمى وثقافى مورس على إبنائنا دون أن يشعروا به فى كلية غردون التذكارية وما لحق بها. ومن نجا منهم من حبائل هذا الاختراق أمثال معاوية محمد نور، مورس عليه ما يورده الى زمرة المجانين



http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=32409
_________________

Post: #326
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 03:23 AM
Parent: #325



د . حيدر ابراهيم علي

نحو فهم ثقافي سوداني لحقوق الإنسان

ولا ننسى ان جموعا غفيرة شهدت اعدام الاستاذ محمود محمد طه عام 1985م وكانت تهلل وتكبر. وفي نفس تلك الفترة، كانت مشاهد قطع اليد او القطع من خلاف مناسبات للفرجة او الونسة.
=======
يدعي السودان ـ باستمرار ـ الخصوصية والذاتية ولكنه يقع في فخ العالمية والعولمة كل مرة. وأثناء نقاش لجنة حقوق الانسان بجنيف لأزمة دارفور. قلت في نفسي ألم يكن اجدى وأكرم للوفد السوداني ان يعلن على رؤوس الاشهاد: «نحن آتون من ثقافة مختلفة وذات خصوصية لا تؤمن بما تتحدثون عنه من مباديء لاحترام حقوق الانسان!» وفي هذه الحالة يوفر السودان جهد المغالطات والتوتر ومحاولات كسب تأييد دول تشبهه تماما في ثقافتها وموقفها العملي من حقوق الانسان. وأظن ان العالم كان سيحترم السودان أكثر لصدقه واتساقه وعدم تناقضه. فالقضية ليس فيها أي انتصار طالما ظل الشك في احترام حقوق الانسان قائماً. ولماذا يبقى السودان مثل تلميذ بليد يقف امام هذا الاختبار الصعب؟ بل صار مثل التلميذ الذي يبهدله مدرس الانجليزي لاخطاءالـ (Spelling) ثم يعاود جلده مدرس الحساب لانه غير حافظ جدول الضرب حتى حصة الدين يعاقب بسبب نسيان سور القرآن! فهو في لجنة حقوق الانسان بجنيف يسعى لأصوات من دول قد تسأل ماذا يهتم هؤلاء الخواجات بكلمة انسان، وفي الامم المتحدة يغالط في تفسير اتفاق اديس ابابا حول الحزمة الثالثة لتدخل القوات الاممية، اما في لاهاي امام المحكمة الجنائية الدولية فهو «بارك ديس» حسب لغة الجيل القديم.
إن القول باختلاف الثقافة لا يعني اننا ضد حقوق الانسان مبدئيا وجذريا، ولكن يعني ان لدينا فهمنا وتاريخنا الخاص في حقوق الانسان. أولاً، هذا موضوع جديد على الدول العربية والاسلامية والافريقية والآسيوية، لم يظهر بقوة الا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي العظيم. فقد غمرت فترة الحرب الباردة فكرة الدفاع عن حقوق الانسان، فهي انحراف عن محاربة الامبريالية ووقف عودتها بأشكال جديدة بعد الاستقلال. وكانت الديمقراطية السائدة هي الديمقراطية الجديدة او الديمقراطية الثورية، اما الليبرالية فهي كلمة حق يراد بها باطل، وهي حصان طروادة الذي تدخل به البورجوازية البرلمان لحماية مصالحها بطريقة شرعية تماما، لذلك، لم يكن الديمقراطيون الثوريون مع الليبرالية ولا التعددية الحزبية والتي تعنى الانقسام والتفتت، والحزب الاوحد هو ضمانة الوحدة والالتفات حول الزعيم. وكان الانقلابيون يحسون بقوتهم المطلقة أي في مجيء العسكر الى السلطة رغم الصعوبات والخاطرة. وقد كان للنميري كلمة يرددها في مناسبات الدعوة للتحالفات مع الاحزاب الاخرى. فقد كان يقول بامتنان: «نحن الذين حملنا رؤوسنا صبيحة الخامس والعشرين من مايو!» وهي تعني فضل المخاطرة والتضحية. لذلك، لم يكن يقف امام الانقلابيين والعسكر اي رادع في سبيل تثبيت سلطتهم وتحقيق برنامجهم. وهكذا لم تكن كلمة حقوق الانسان ذات أولوية في القاموس السياسي السوداني.
هذا عن الحاضر والماضي القريب ولكن حين نسأل انفسنا هل عرفنا تاريخيا احتراما او اهتماما بحقوق الانسان؟ لا نريد متابعة المذابح والتصفيات الجسدية والتعذيب الذي يحفل به تاريخنا. ولكن، اعقد مقارنة بسيطة في تطور التاريخ البشري. فحين وقعت انجلترا الميثاق الاعظم (Magna Carta) عام 1215 والذي أقر حكم القانون ومهد للحكم الملكي الدستوري، كان العالم العربي الاسلامي يعيش توترات دموية، فمن العادي ان نقرأ عن تلك الفترة:
«اغتيل آخر سلاطين الايوبيين في عام 1250 على يد افراد من حراس قصره المماليك (......) وكانوا في الحقيقة عبيده قانونا جندت صفوفهم بشراء اطفال الرقيق وجلهم من السكان الاتراك المسيحيين» (النوبة رواق افريقيا ص 463).
وفي مقارنة اخرى، حين اندلعت الثورة الفرنسية 1789 رافعة شعارات: الحرية، الاخاء والمساواة، نجد ان دولة الفونج المعاصرة لتلك الحقبة كانت تعيش عهود الاضطراب والقمع. وكان من العادي ان تذكر الروايات التاريخية: «وتولى بعد بادي الاحمر، ابنه أونسة، وكان صاحب لهو وفساد» او «استغل السلطان بادي ابو شلوخ بادارة شؤون الدولة واسرف في الطغيان وارتكاب الجرائم، حتى عرف بالجهمان وأطلق يد اولاده وبطانته فارتفعت الشكاوى. ولكنه تغاضى عن جرائمهم ومفاسدهم وأنزل العقاب بمن يطالب بحقه المغتصب». (شاطر البصيلي، معالم تاريخ وادي النيل، ص 89).
هذا ما يسمى بالفوات التاريخي أي الفجوة التي تفصل بين الشعوب والمجتمعات المختلفة في الوقت الراهن، اذ تعيش دول ومجتمعات في القرن الحادي والعشرين وأخرى تعيش واقعيا في القرن الخامس عشر. فهناك مظهر خارجي للمعاصرة في العالم ولكنها معاصرة حسب الزمن الفلكي وليس الزمن الحضاري. لذلك ليس غريبا ان تختلف الرؤى حين تجلس هذه الدول معا في مجلس حقوق الانسان بجنيف او في الامم المتحدة او أي محافل دولية. وهذا الفوات التاريخي هو الذي يفسر لماذا تختلف المواقف حول مضمون حقوق الانسان وحول تحديد ما هي انتهاكات حقوق الانسان؟ ففي حالة دارفور، بعيدا عن الاشتباكات حول الاغتصاب وحرق القرى والتهجير، ألا تعتبر الحالة التي يعيشها اللاجئون الدارفوريون انتهاكا عظيما للحقوق الاساسية في الغذاء والمسكن والتعليم والصحة؟ ولكن الاعضاء الذين وقفوا مع حكومة السودان، بحثوا عن مخارج قانونية مضحكة، مثل ان اللجنة لم تزر دارفور! ولم يسألوا انفسهم هل رفضت او تقاعست اللجنة عمداً عن دخول دارفور؟ ألم يسمعوا برفض الحكومة منح تأشيرة دخول للجنة لان احد الاعضاء «متحامل» على السودان؟ والأهم من ذلك ألا يوجد ملايين الهاربين الى خارج السودان ويمكن استجوابهم مباشرة؟
من الواجب اعتبار اختلاف رؤيتنا الثقافية والتاريخية الخاصة لحقوق الانسان. وتدل أغلب مواقفنا السياسية وسلوكنا الاجتماعي على هذا الاختلاف. فقد عاش السودان حرباً اهلية دامت نصف القرن، استخدمت فيها كل الاطراف الفظائع لارهاب الطرف الاخر أو القضاء عليه. وطوال هذه السنوات لم تخرج مظاهرة شعبية واحدة، حتى مثل تلك التي تؤيد فلسطين او ايران او ضد الرسوم في الدنمارك، تطالب بوقف الحرب. ويتكرر نفس الشيء بالنسة لدارفور هذه الايام. هل مازلنا نجد في الحرب والاقتتال شجاعة ورجالة وضكارة وفق قيم مجتمعنا الذكوري الأبوي؟ وهذه ظاهرة تاريخية عرفت اوروبا في عهود الفروسية، فهل مازلنا ضمن الفوات التاريخي ضمن تلك العهود، ولذلك من العيب ان تحركنا الدماء والمعاناة؟
تذخر ثقافتنا بأشكال متنوعة لانتهاكات حقوق الانسان، فنحن لسنا بعيدين عن الختان والشلوخ التي تراجعت قبل عقود قليلة. والعقوبة الجسدية مقبولة في المدارس والمحاكم والسجون، ولا تثير الاحتجاج والاستنكار الا بين مجموعات ضئيلة العدد تعتبر غريبة عن عادات وتقاليد وثقافة البلد. وقد يتهم المعارضون لها بالميوعة او حتى التخنث او تقليد الغرب. ولا ننسى ان جموعا غفيرة شهدت اعدام الاستاذ محمود محمد طه عام 1985م وكانت تهلل وتكبر. وفي نفس تلك الفترة، كانت مشاهد قطع اليد او القطع من خلاف مناسبات للفرجة او الونسة.
يمكن أن نفاخر كسودانيين بالشجاعة والكرم ولكن يصعب ان نفخر بالانحياز لحقوق الانسان، وإلا كيف نفسر هذا الفقر والعوز والتشرد الذي يمشي في المدينة وسط العمارات والعربات المظللة ومحلات الذهب والسيراميك والثياب السويسرية؟ ألا نطرد التلاميذ والطلاب من المدارس والجامعات او نحرمهم من الامتحانات بسبب عجز أولياء أمورهم عن دفع الرسوم؟ أليس في بلادنا يمكن ان ينزف المصاب امام بوابة مستشفى الحوادث لانه لا يملك التكاليف المطلوبة؟ اعتقد ان السودان من اكثر دول العالم استخداما لخدم المنازل وهذا تحديث لفكرة العبودية والرق والتي الغاها البريطانيون قانونيا قبل اقل من القرن. لذلك استمرت ثقافياً واجتماعيا، فمازالت كلمة عبد وخادم وفرخ وفرخة وفيه عرق، تستخدم دون استهجان. وقد سمعتها بين بعض ناشطي حقوق الانسان والمجتمع المدني.
وفي الختام، نطالب بشدة ألا يفرض علينا العالم قيمه ومفاهيمه الخاصة بحقوق الانسان، فنحن اصحاب خصوصية ثقافية لها الحق في موقف مختلف من حقوق الانسان. وهذا الاختلاف هو حق أقرته مواثيق حقوق الانسان نفسها، وأية محاولة لاجبارنا على تبني المفاهيم والرؤى الغربية، هو انتهاك صريح لحقنا في الاختلاف.



http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=32456

Post: #327
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 03:24 AM
Parent: #326


الفكر الجمهوري على بساط بحث منهجية التأويل
صفحة رأى باب مفاكرة الجمعة للشيخ عمر الأمين أحمد
الصحافة الجمعة 16 مارس 2007 صفحة 9

ثانيا: ما يتوجب علينا تنقيته فى "الرسالة الثانية"
وكما كنت أتوقع فقد انفتقت على إثر المفاكرة الماضية عن الفكر الجمهوري فتوقات قد يصعب رتقها إذا ما استمر (محبو الأستاذ الشهيد) ومبغضوه (معارضوه) فى حالتيهما اللتين تتراوحان ما بين التقديس والتبخيس المجانيين، فقد اعترض على وصب جأم غضبه كلا الفريقين، إذ يأخذه فريق منهما كأنه المخلص المنتظر، بينما يعتبره الفريق الآخر كافرا وملحدا ومرتدا كقول قاضي محكمة الردة الشهيرة المهلاوي.
ورغبة من هذه المفاكرة فى اختيار موقف التوسط فلا كراهة مجانية ولا تقديس فى غير محله، إذ أن محمودا رجل منا خصه الله بعقل كبير، رضينا ذلك أم أبينا، فقام –وله كل الحق فى ذلك- بتقليب النظر فى ما بين يديه من معتقد –فخرج باجتهادات جهر بها ودافع عنها بفكره وبنفسه التى بذلها لهذه الفكرة حتى أفناها فيها فى شجاعة وكريم خصال وجود بالنفس نادر الوجود وقليل المثال.
فإذا علمنا أن الجود بالنفس كانت تقف وراءه دافعة هذه الإجتهادات فأقل ما يوجبه ذلك هو النظر فيها، ومن ثم فإما القبول بها أو رفضها بعد تقديم مسببات لذلك الرفض أو القبول ببعضها مع تنقية الشوائب ولا يخرج ما أقوم به من هذا الإطار. وبرغم غزارة ما طرحه الأستاذ الشهيد من تفكر عميق وعرفانية، فإن كتابه "الرسالة الثانية من الإسلام" يظل أم الكتاب لديه بحكم محورية فكرته حتى يصير ذلك السفر مقدما على ما سواه، ويتبعه "رسالة الصلاة" ثم "طريق محمد". وأبدأ –بعون الله وبتوفيق منه إن شاء الله- تناول الرسالة الثانية من الإسلام شكلا. وفيها أتجه إلى فحص الأطر الحاملة لهذه الرسالة ومحدداتها وذلك قبل الدخول فى فحوصات المعاني ومرامى وخلفيات هذه الدعوة بالغة الجدية والخطورة.
إشكاليات أولية مبسطة:
شكلا تستند الرسالة الثانية من الإسلام إلى ما تقول إنه أصول التنزيل وهو القرآن المكي، وهى –كما يقول الأستاذ الشهيد- أصول لم تطقها نفوس ولا عقول أمة الرسالة الأولى والتى هى أمة المسلمين المعنيين بقوله: "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان فى قلوبكم.." (14) الحجرات.
أما أمة المؤمنين وهى الأمة المهيأة كي يحدث فيها انبعاث الرسالة الثانية، فهى المعنية بقوله جل وعلا: "يا أيها الذين آمنواآمنوا بالله ورسوله والكتاب الذى نزل على رسوله والكتاب الذى أنزل من قبل ومن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر فقد ضل ضلالا بعيدا" 136 النساء. فهى أمة بما حفظ الله لها وللإنسانية جمعاء تحت قيادتها من كمال حياة الفكر وكمال حياة الشعور، أمة مؤهلة لأمر نزول الرسالة الثانية إلى حيز الفعل مباشرة.
إذن فالرسالة على كمالها قد تنزلت على مرحلتين الأولي فى مقامها والثانية فى ترتيبها التاريخي هى رسالة أمة المؤمنين ورجالها هم أخوان المصطفى –عليه وعلى آله أفضل وأزكى الصلاة وأوجب وأتم التسليم- الذين ما جاء حينها أوانهم، ومشار إليهم بالحديث الشهير:"واشوقاه لأخواني الذين لما يأتوا بعد!" فقال أبوبكر: "أو لسنا إخوانك يا رسول الله؟" قال"بل أنتم أصحابي!" ثم قال ثالثة: "واشوقاه لإخواني الذين لما يأتوا بعد!" قالوا: "من إخوانك يا رسول الله" قال "قوم يجيئون فى آخر الزمان، للعامل منهم أجر سبعين منكم" قالوا "منا أم منهم" قال "بل منكم" قالوا "لماذا؟" قال "لأنكم تجدون على الخير أعوانا ولا يجدون على الخير أعوانا". أما الرسالة الثانية مقاما الأولى من ناحية تاريخ النزول فهى التى بدأت بنزول الوحي فى مطلع القرن السابع الميلادي.
وللرسالتين الأولى والثانية نبي واحد فقد ختمت النبوة بالمصطفى –عليه وعلى آله أفضل وأزكى الصلاة وأوجب وأتم التسليم- أما من ناحية الرسل فقد كان المصطفى –عليه وعلى آله أفضل وأزكى الصلاة وأوجب وأتم التسليم- هو رسول الرسالة الأولى إلى أمة المسلمين أما رسول الرسالة الثانية فهو صاحب المقام المحمود وأمته هى أمة المؤمنين وصاحب المقام "المحمود" وهو من يدعو المسلمون فى مشارق الأرض ومغاربها لبعثه كلما سمعوا آذانا يدعوهم إلى الصلاة قائلين "اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة، آت محمدا الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة وابعثه اللهم المقام المحمود الذى وعدته إنك لا تخلف الميعاد". وعلينا بعد ذلك أن نربط ما نفكك مما قيل ضمنيا فى هذه الفكرة أن مبعوث الرسالة الثانية من الإسلام وهو رسولها بالطبع، وهو من عاش الحقيقة المحمدية فى كمالها وإطلاقها وتم بعث المصطفى –عليه وعلى آله أفضل وأزكى الصلاة وأوجب وأتم التسليم- فيه كما هو موعودز
ولست فى مكانة من يمتلك مطلقا حق رفض هذه الفكرة شكلا ومضمونا لسبب بسيط هو أنى لست محيطاولا منبأ بكمال انبائها ولا بكمال مقاصد الحق –جل وعلا- فيها، ومقاصد أكمل وأتم عبيده مقاما الذى ما سمى وأصبح "المعصوم" إلا لأنه المصطفى –أصلي وأسلم عليه وعلى آل بيته صلاة لا تتعد ولا تنهد ولا تنقض- فقد قال وقوله الحق: إن له أخواناً يشتاق إليهم يأتون فى آخر الزمان، ولكن عندما نود تربيط هذه الفكرة مع هو ثابت من البعث فى المقام المحمود، وربطهما إلى الأستاذ الشهيد ورسالته الثانية وظهور الأخوان الجمهوريين وأجد نفسي ملزما بواجب الإعتصام بهم بحكم واقع ما زعموا حيث الهلاك يطال من لا يعتصم إليهم، فإنى أجد نفسى حينها مدفوعا إلى سؤال أهل الذكر والبحث عن "الخبراء" الذين أشار الحق –جل وعلا- باللجوء إليهم عند السؤال عن الرحمن، وأجد نفسي حينها مأخوذا بدفوعات سيدي الشيخ علي الشيخ أحمد ود قوي بالغة الخبرة، مع كونه من أهل الذكر عندما قال: "أين الأمارة. أين العلامة".
لكن يقع ضمن ما تم تزويدنا به من موازين الشرع العقلية والنقلية، حيث يتوجب علينا أن نتوخى مراعاة الحق كميزان مطلق الصحة أقيم به التنزيل منسجما مع سنن الحياة وسنن الكون فقد قال جل وعلا : "وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا" .. (23) الإسراء.. فربط بين عبادته والإحسان بالوالدين ثم قال بالمصطفى –عليه وعلى آله أفضل وأزكى الصلاة وأوجب وأتم التسليم- فى حديث له لمن اشتكى استئثار والده بأمواله: "أذهب أنت ومالك لأبيك" فثبت شأن الإنسجام الكامل بين سنن الشرع الحنيف وسنن الحياة وسنن الكون وتلك سنن ما تم خرقها إلا بواحد هو المصطفى –أصلي وأسلم عليه وعلى آل بيته صلاة لا تتعد ولا تنهد ولا تنقض- فهو أول الأنبياء قاطبة. بعث سيدنا آدم ومن ورائه كل الأنبياء والمرسلين –عليهم السلام- على هدى رسالته مع ذلك فهو قد جاء بعدهم جسداً، مع كونه الأوحد سيادة على ولد آدم بما فى ذلك أباؤه آدم وابراهيم واسماعيل أما ما عدا ذلك فإن ميزان الشرع يقتضي الترتيب بما قضى الله من ربط لعبادته مع الإحسان للوالدين وبملكيتهم الكاملة لأبنائهم.
وقد سبق أن رفض الأستاذ الشهيد إتهاما بعدم تقيده بميزان الشرع درجة أنه يرى أن الرسالة الثانية حملا شرعيا زائدا عن حالة تلطيف قدر حاجة العقول فى الرسالة الأولى. لكن يقع خطاب الأستاذ الشهيد فى استعماليته لمصطلح "إخوان المصطفى" عليه وعلى آله أفضل وأزكى الصلاة وأوجب وأتم التسليم –فى اشكالية فى التراتيب فإذا اتفق أن كان الأخوان الجمهوريون هم الذين أتوا فى آخر الزمان فى أوان بعث الرسالة الثانية، فكأنما يعنى ذلك أنهم أخوان المصطفى - عليه وعلى آله أفضل وأزكى الصلاة وأوجب وأتم التسليم- الذين آن أوانهم وأستاذهم الشهيد رسولها.
ورغم أن هذا الأمر لم يشر إليه ببيان صريح مباشر، إلا أن تلك إستنتاجات لا تحتاج لكثير نظر تؤدى إليها كل أقوال وبيانات الرسالة الثانية. وعندها يقف الأمر فى مفترق عظيم، فارتفاع قامة الأخوان الجمهوريين هو ما مكنهم من بلوغ حكم وقت حلول هذه الرسالة، وهو وقت حلول زمان يبعث فيه "المعصوم" فى صاحب المقام المحمود. وتقوم إستنتاجات على هذه الأرضية من الفهم أستعيذ بالله مسبقا من مجرد التفكير فيها فالمصطفى –عليه وعلى آله أفضل وأزكى الصلاة وأوجب وأتم التسليم- سيكون مقامه هو مقام إخوته من الجمهوريين مرتفعا عنهم كلهم صاحب المقام المحمود وصاحب الرسالة الأصل الذى أرجأ أوان نزولها حتى تطيق عقولنا ونفوسنا الولوج إلى مقامها الرفيع وهو وفق هذا الترتيب أعلى مقاما من "المعصوم" هكذا بدون صلاة وتسليم، وكيف لا فالمعصوم وجد بعصمته معونة إلهية، أما صاحب المقام المحمود الذى اعتلى مقامه كفاحا، فذلك شرف أرقى ومقام أعلى لا يدانيه شرف أو مقام، "ولا شنو، يا أخواننا الجمهوريين؟ أتجدونني جائرا فى الوصول إلى هذه الاستنتاجات؟
حسنا، لتكن الإجابة "لا" على هذه التساؤلات ولنقل أن الأخوان الجمهوريين ما كان مقصود وضعهم فى ذلك المقام كإخوة للمصطفى - عليه وعلى آله أفضل وأزكى الصلاة وأوجب وأتم التسليم- ولم يكن مقصودا الوصول إلى فهم أن يكون الشهيد فى مقام أعلى من الإخوة على جمعهم وقبلنا هذا العذر متجاوزين أن تلك الفكرة كان ورودها عفو الخاطر فلا بد أن يكون هنالك معنى مقصود من إيراد حديث الأخوان هذا، ولا بد أن يكون حينها المقصود بإخوة المصطفى - عليه وعلى آله أفضل وأزكى الصلاة وأوجب وأتم التسليم- هو الذى أخذ الأمر كفاحا من ربه. وحينها يمكننا أيضا أن نستنتج أن المصطفى - عليه وعلى آله أفضل وأزكى الصلاة وأوجب وأتم التسليم- هو أخو رسول الرسالة الثانية محمود وعلى درجة أقل منه خاصة إذا ما اعتبرنا أمر العصمة المعطاة وأمر الكسب بالكفاح، إذ أن الكتوف هنا لم تتلاحق وحسب بل وتناطت. ولا أدرى هنا كيف أقولها "محمود" غير مسبوقة بعبارة صلاة وتسليم وأسأل الإخوة الجمهوريين كيف كنتم تقولونها؟
ومن أجل المزيد مما أراه منقوص المعنى فى شكلانيته، أنه متى ما رأينا "محمود" من آل البيت من الدوحة الحسينية المشرفة، فذلك يجلسه على أقصى ما يمكن أن يطاله وهو مقام الحفيد وهو مقام لا بد أن يتقاصر شرعا من مقام الأب صعودا إلى المصطفى جد الأشراف الحسينية - عليه وعلى آله أفضل وأزكى الصلاة وأوجب وأتم التسليم- فكيف بربكم ينتقل الحفيد المتقيد بحكم الشرع الحنيف ليصير فى مقام الأخ.
ومع كمال التسليم بحديث المصطفى - عليه وعلى آله أفضل وأزكى الصلاة وأوجب وأتم التسليم- حول أخوانه الذين لما يأتوا بعد، وبوضعه مع حديث آخر عن رجل من حفدته سيبعث فى آخر الزمان فيملأه عدلا، يظل أمر قول إخوة تطال الحفدة قول محفوف بالمتناقضات. وليس لنا هنا إلا أن نعتبر أن من أشير إليهم بصفة "إخوان" كذلك ينطوي على سر كبير سيبايننا متى ما بعثهم الله فيتل, وحاصل الأمر أن رقى المطفى وارتفاع قامته وعلاقته، بأمته، وعلاقة كل ذلك بالبشرية ثابته فى التنزيل الحكيم وتقع أشكال دوائر لا صعود ولا هبوط فيها. وذلك ثابت فى قوله –جل وعلا- "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا" 143 البقرة. ودقة الإشارة فى هذه الآية وقو تحكمها الشكلانية جعلتها تقع هى نفسها فى مكان تراتبي متوسط من سورة البقرة.
ومما يلتبس ولو بقليل إلتباس ورود شكل قد يشير إلى التخطي أو الوقوف كتفا بكتف مع المصطفى - عليه وعلى آله أفضل وأزكى الصلاة وأوجب وأتم التسليم- واستغفر الله من قبل ومن بعد فى ورود هذه الفكرة- فذلك يشير إلى تكسير هذه الأشكال الدائرية فيضعها متعددة فى الزمان والمكان ويقيم لها أشكالا أخرى منها اللولبية المتصاعدة وهذه تحتوى على إشارة قوية –أعوذ بالله من ترديدها- أنه ربما وقع فى حق من بامكانه التناطى إلى هذا المقام وتجاوزه، أن يقيم الحجة والشهادة حى على المصطفى ذاته "والعياذ بالله" فما الذى يمنع من وقوع ذلك وفق هذا الفهم.
وليس ذلك الفهم ملتبسا فى الفكرة الجمهورية وحدها، بل هو كثير الورود، ربما كان "حلاجي" السمت أكثر من كونه "عيسوي" وفيه بعض شئ من "إبن عربي" فهؤلاء كلهم يرون المصطفى - عليه وعلى آله أفضل وأزكى الصلاة وأوجب وأتم التسليم- قيمة معطاة لهم يعبون منها كيفما يشاءون دونما حدود، فيقعون فيما وقع فيه أبو حسين بن منصور الحلاج من سوء فى الأدب فى حضرة المصطفى –أصلي عليه صلاة لا تنعد ولا تنهد ولا تنقض- حتى قال له أحد العارفين وأظنه ذو النون المصري وهو يمر عليه وهو مصلوب: "لقد أحدثت فى جدار الإسلام ثلمة لا يسدها إلا رأسك". وإلى هذا الفهم المتخاتل ترد كثير من إشارات العارفين كسيدي شيخ الطائفة أبو القاسم الجنيد وسيدي الباز الأشهب الشيخ عبد القادر الجيلاني الذى واجه ما هو أعتى مما واجهه الشهيد فى سيره، فقد قالوا "زنوا الأمور بميزان الشرع فما وافقها فخذوه وما خالفها فدعوه".
لذلك وبناء عليه، فمما تلقيه هذه التجزئة لرسالة الإسلام الخالدة إلى رسالتين تحتوي على حقيقة شديدة التخفى والتلبس، أن هذا الأمر وفق هذه التجزئة الرسالوية مرموس تطبيقيته فى تناط إلى مقام رسولنا ونبينا وحبيبنا وشفيعنا المصطفى - أصلي عليه إلى أن أموت صلاة لا تنعد ولا تنهد ولا تنقض- فى حين لا يمل المؤمنون أن يظلوا ماكثين تحت قدميه كخدم له، لا يكادون أن يبلغوا مقام أقربهم إليه، وهم أكثرهم محبة عنده من آل بيته، الزهراء وعلي والحسن والحسين –عليهم صلوات الله وسلامه، بل يضع المؤمنون أنفسهم في مقام ورائهم وتابع لهم فى وقع خطوات سيرهم وجهادهم السرمدي فى الله، فيهتدون كأقصى ما يمكنهم أن يصلوه إلى السير خلفهم على هدى المصطفى صاحب الطريق منذ بدايته وصاحب نهايته على حوضه المورود - عليه وعلى آله أفضل وأزكى الصلاة وأوجب وأتم التسليم-
وقد يقول قائل –كما هو أحدهم فى المنبر العام فى "سودانيز أونلاين، إن ما قلته ليس هجوما على محمود ولا فكره، إنما هى تهيؤات وأوهام أقمناها عنه. ولهؤلاء أقول إن ذكاء وثاقب ودقيق فكر محمود كان كافيا كي يجنبنا الزلل بإيراد هذه المشتبهات فى فكره. فلم آت بها تجنيا، بل توصلت إليها مأخوذة من إشارات واضحة واردة عنه، وقعت فى مكان التباس فى فهوم الكثيرين عامة وخاصة.
وتلخيصا أقول: إن الرسالة الثانية ومستلزماتها، خاصة الحلاجية المبثوثة فيها كأنما هى عيسوية، فهى ما يتوجب علينا تنقيته وتصفيته، حتى يكتسب الفكر المحمودي بحق وحقيقة صفة السير فى طريق "سيدنا محمد" - عليه وعلى آله أفضل وأزكى الصلاة وأوجب وأتم التسليم- غير المحتاج لتجزئة ثنائية. وذلك بالطبع يحوي اعتراف أن فكر "محمود" عدا ذلك ومعه القليل، يحتوى على رؤى مبهرة مجيدة، وعبقرية قلّ أن يجود الزمان بها. والقليل الذى أعنيه، وهو ما سأراجعه –بإذن وتوفيق منه إن شاء الله- فى مفاكرتنا المقبلة والله نسأله أن يحفظنا من تلبس الغواية الشيطانية بالصلاة والسلام على حبيبه السيد الأوحد الذى تتدلى منه كافة الحقائق آدمية وإبراهيمية وعيسوية وموسوية وسليمانية على صحابته الغر الميامين، وعلى آل بيته بيته منارات الهدى وعلى أحبابه بما فى ذلك السادة الأنصار السودانيين وغرمائهم السادة السمانية.

Post: #328
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 03:25 AM
Parent: #327




الشيخ والشأن العام المخصخص له!!
نجم الدين محمد نصر الدين
ووجود سدرة المنتهى من عدمه ، وخلق آدم ابو البشر وحواء ، وهز كل الموروث والمتواتر عن هذه المسائل وغيرها ، فيما لا يتسع هذا المجال للخوض فيه وتفصيله ، مما شكل لدى البعض انكارا لما هو معلوم من الدين بالضرورة، الشئ الذى يرقى الى الاتهام بالردة، الذى اُطلق فى حق الاستاذ محمود محمد طه وهو الشيخ السبعينى، بينما التزم من هم علماء بزعمهم فى الرد على هذه المراوغة والالتفاف، وكانوا حربا على كل شخص آخر اقترب من هذه المناطق واشباه هذا التناول للقضية والمسائل الفقهية، باعنف الردود واقواها وبلا هوادة على نحو ماشهدنا وظللنا نشهد بين كل فينة واخرى، دون طول امد او انتظار بين الفينتين فأين يندرج هذا؟



http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=32859

Post: #329
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 01:15 PM
Parent: #1


مفاكرة الجمعة
السودان الجديد ، أهو أطروحةعتيقة؟
الشيخ عمر الأمين أحمد


مع ذلك فقد كان من تكرم علينا السيد أموم فى شأن السودان (الوطن) هو إشراكنا فى الفعل السياسى التخريبى و التكسيرى فقال: (نحن البلد الأفريقى الوحيد الذى أصبحت فيه الحرب هى القاعدة بينما السلم هو الإستثناء) ولم يردف بحشفه وسوء كيله المباحثى القول موضحاً أن كان ذلك بفعل من ، لكنه أردف مباشرة قصصاً موحية يشاركنا فيها بسودانيته فقال: (و كذلك نحن البلد الوحيد الذى فى مقدوره قتل قادته السياسيين من أمثال الإمام الهادى المهدى و الأستاذ عبد الخالق محجوب والأستاذ محمود محمد طه بهدوء دون أن تهتزلنا شعرة واحدة) صحيفة الصحافة مصدر سابق . فضرب لنا مثلاً و لم يتناسَ ما قدمت يداه وحسب، بل لخبط حساباتنا فى شأن الإستعلاء العرقى و التهميش و مسببات حرب امتدت من قبيل الإستقلال و لم تضع أوزارها إلا قبل شهور من حديثه الشهير بقاعة الصداقة مع وفد المقدمة .



http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=33451

Post: #330
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 01:16 PM
Parent: #329




«نحــو محــاولة للاعتـــذار التـــاريخي»
«الاعتـذار أم مصـالحة وطنيـة؟»

لقد بدأت جسور التواصل بين الشمال والجنوب بصورة صادقة ومخلصة منذ الخمسينات من خلال فكر الشهيد محمود محمد طه وحديثاً من خلال كتب د. منصور خالد وغيرهما من مفكري ومثقفي الشمال الذين بدأوا يكتبون الحقائق عن دور الحكومة المركزية، التي تسيطر عليها النخبة الشمالية، في تعميق الفرقة بين شقي الوطن ، لابد من اقامة جسور التفاهم متينة بين الشمال والجنوب، جسور تستند أعمدتها علي العقول والفهم التاريخي الصادق لعلاقات الشقين وستظل تلك الجسور قائمة حتى لو تمكن دعاة الفرقة والعنصرية وبقايا الفكر النازي السوداني من تشطير و تقسيم هذا الوطن .
أتيم قرنق د ، ديكويك




http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=33453
___________

Post: #331
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 01:17 PM
Parent: #330


الترابي قائدا لحركة التنوير السودانية
عبد العزيز حسين الصاوي

الترابي الآن اهالت عليهم اطنانا من طين تهم التكفير والردة وبقيادته هو بالذات. وفوق ذلك فإن آلافا مؤلفة من الشابات المحجبات ناقصات الحقوق في المحاكم والجوامع والزواج بما يتناقض مع تخريجاته السابقة واللاحقة نصا وروحا وبالتأكيد منهجا، كانوا العمود الفقري لحركته. مع ذلك فإن نقطة واحدة من ذلك الطين لا تلتصق الآن بثياب الترابي السياسية. فهو لايزال واحدا من اهم ثلاثة زعماء للمعارضة ومصداقيته كقائد ومفكر اسلامي بقيت متماسكة لدى الآلاف من الشباب والشابات رغم «ارتداده» عن دفن تلك التخريجات مروجا بذلك ضمنا لمنهج في تفسير القرآن يفتح نفاجا الى العلمانية. هذا بينما كانت فعالية هجمة الحركة الاسلامية بقيادته علي دعاة هذا النوع من التفسير، وحتى علي من اتهمتهم بها وبما يشبهها زورا، تتجاوز تلويث ثيابهم السياسية بالطين كثيرا، أي الى درجة الشنق الفعلي محمود محمد طه «وشبه الفعلي» محاكمة الفكر البعثي في نفس التوقيت تقريبا وبنفس المواد وفي افضل الاحوال الى الشنق المعنوي كما تجلى في جو الارهاب الفكري الخانق. لماذا يبقي الترابي قادرا على تفادي دفع ثمن اخطائه؟ لماذا لا يظهر على جلد كريت هذه بالذات ما تفعله بالقرض؟




http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=33905
__

Post: #332
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 03:54 PM
Parent: #331


حول مؤتمر الحوار الإسلامي المسيحي
(علماء) بزعمهم!! (2-2)
د. عمر القراى
==
شهادة د. الطيب زين العابدين
في تعليقه على المؤتمر، ذكر د. الطيب زين العابدين، أن الكاردينال زبير واكو، رئيس أساقفة الكنيسة الكاثوليكية، قد ذكر في بداية كلمته، أنه حضر مؤتمر حوار الأديان عام 1994م، وقرر بعدها ألا يحضر مثل هذه المؤتمرات، لأن ذلك المؤتمر قد كان أشبه بالعرض المسرحي!! وكان تعليق د. الطيب «كان المناخ في أول التسعينيات شمولياً (يقطع النفس) وكانت الحرب (الجهادية) في الجنوب على أشدها، وكانت (الإنقاذ) تظن أنها أصبحت دولة عظمى ورقماً لا يمكن تجاوزه في القارة الأفريقية والعالم الإسلامي! ولم تكن في حاجة لأن تستمع لشكوى الأسقف الكاثوليكي (المسكين) دعك من أن تستجيب له في حاضرة دولة (المشروع الإسلامي)».. ولكن عن المؤتمر الحالي، الذي شاركت منظمته فيه، قال د. الطيب «السبب الرئيسي في نجاح المؤتمر الحالي إنه جاء في مناخ سياسي مختلف، في عقب اتفاقية السلام الشامل التي مكنت الجنوبيين من حكم الجنوب تماماً والمشاركة في حكم الشمال، وفي ظل دستور ديمقراطي تعددي رغم (اللكلكة) التي تعتري تطبيق مواده الخاصة بالحريات». (الصحافة 10/7/2007م).
أول ما تجدر الإشارة إليه، هو أن المؤتمر ليس مؤتمراً سياسياً، حتى يتأثر باتفاقية السلام مباشرة، وإنما هو مؤتمر يقوم على المفاهيم، والأفكار، وهذه لا تتغير بين عشية وضحاها، وهي لم تتغير، حين اضطرت الحكومة لتغيير خطابها السياسي، وهذا هو سبب (اللكلكة) في التنفيذ التي أشار إليها د. الطيب.. وإذا كانت المواد الخاصة بالحريات، ومنها حرية الاعتقاد والتعبير، وهي روح الدستور، لم تطبق كما ذكر د. الطيب ، فهل يظن أن هنالك تغييرا جوهريا، يمكن أن يجعل هذا المؤتمر ناجحاً؟! أم لعل الدكتور يرى أن الفقهاء، ووعاظ التكفير، قد غيروا أفكارهم، وآمنوا بالتسامح مع المسيحيين، لأنهم خرجوا بهذه الوصايا، فإن كان ذلك كذلك، فإنه لا يعدو النظر السطحي للأمور.. إن خلاصة المؤتمر، هي محاولة خداع المسحيين، وتضليلهم، وخداع المجتمع الدولي، كاستراتيجية لمواجهة خطر التدخل الأجنبي، ولقد شارك د. الطيب زين العابدين، بوعي، أو بغير وعي، في هذا التضليل المنظم!!
إن واجب د. الطيب ومنظمته، أن يشير إلى الاضطهاد الديني، الذي بلغ حد هدم الكنائس في الشمال، فإن أوقفت هذه الممارسات بعد اتفاقية السلام، يجب أن تتم المطالبة بالمحاسبة والتعويض.. لماذا تنقل صلوات المسلمين، في الإذاعة وفي التلفزيون، وتوظف برامج عديدة لشرح دينهم، ولا يجد المسيحيون، وأصحاب الأديان الأخرى، فرصة في الإعلام القومي؟! لماذا يدرس الدين الإسلامي، في مدارس النازحين، ومعظمهم من غير المسلمين، ويعتبر النجاح فيه، شرطاً للقبول في جميع الجامعات، مما يضيق فرص غير المسلمين؟! ولماذا لم يثر د. الطيب زين العابدين هذه القضايا، بدل التعميم والتضليل، الذي سار عليه المؤتمر؟
إن شهادة د. الطيب زين العابدين عن هذا المؤتمر مهمة، لعدة أسباب، منها إنه صاحب منظمة تدعو للتعايش السلمي بين الأديان في السودان، وأنه يمثل نشاطاً ملحوظاً ناقداً للحركة الإسلامية ولحكومتها. ولكنه لما كان لا يزال يتحرّك تحت خيمة الفهم السلفي، فقد عجز عن رؤية المفارقة التي ظهرت في هذا المؤتمر.
المأزق والمخرج:
إن المأزق الذي وقع فيه (العلماء)، الذين شاركوا في هذا المؤتمر، مأزق تاريخي، لا يمكن الخروج منه، إلا بقفزة كبيرة، تتجاوز كل الموروث السلفي الفقهي، إلى رحاب أوسع من الدين.. فالفقهاء الذين درجوا على ترديد عبارة (الدين نقل وليس عقلا)، إنما يعيشون بفكرهم، في مرحلة تاريخية ماضية، مع إنهم يعيشون بأجسادهم، وكافة متطلبات حياتهم، في المرحلة التاريخية الحاضرة. والفهم الذي تتلمذوا عليه، يعتبر الشريعة هي الإسلام، ولا يقبل أن يكون هناك فهم في الإسلام غيرها، ويعتبر نموذجه الذي يتطلع إلى تطبيقه، ما طبقه الأصحاب رضوان الله عليهم.. ولكن هذا المستوى، الذي لا يعرفون غيره، قام على قتال المسيحيين، وإهانتهم.. ومن أمثلته الواضحة، ما ورد في معاهدة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، مع نصارى من أهل الشام، فلقد اضطرهم أن يكتبوا على أنفسهم (إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا وشرطنا لكم على أنفسنا أن لا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها ديراً ولا كنيسة ولا قلاية ولا صومعة راهب ولا نجدد ما خرب منها.. ولا نمنع أحدا من ذوي قرابتنا من الدخول في الإسلام إن أرادوه وأن نوقر المسلمين وأن نقوم لهم من مجالسنا إن أرادوا الجلوس ولا نتشبّه بهم في شيء من ملابسهم.. ولا نركب السروج ولا نتقلّد السيوف ولا نتخذ شيئاً من السلاح ولا نحمله معنا ولا ننقش خواتيمنا بالعربية ولا نبيع الخمور وأن نجز مقاديم رؤوسنا.. وأن لا نظهرالصليب على كنائسنا وأن لا نظهر صلبنا ولا كتبنا في شيء من طرق المسلمين...). (تفسير ابن كثير- الجزء الثاني ص332-333 ).
إن (علماء) المؤتمر، يودون في دخيلتهم، ان يفعلوا ما فعل عمر رضي الله عنه.. ولكن واقع الحال، فرض عليهم في المؤتمر، ان يتبنوا رؤية مغايرة تماماً، فأعلنوا في ما خرجوا به من توصيات انهم مع التعايش القائم على التسامح والاخاء بين المسيحيين والمسلمين!! فهم إذاً يظهرون أمراً ويبطنون غيره، ويخفون ما علموا من الكتاب، حتى أشبه حالهم حال المفارقين من أهل الكتاب، الذين قال تعالى عنهم: «إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً قليلاً أولئك ما يأكلون في بطونهم إلا النار ولا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب عظيم».
ولولا قلة الفهم الديني، وحظوظ النفوس، والحرص على المناصب، والألقاب، لأدرك هؤلاء (العلماء) بزعمهم، بأن المخرج قد جاءهم في فكر الأستاذ محمود محمد طه، حيث أوضح بأن مستوى الشريعة، الذي من ضمنه قتال أهل الكتاب، وعدم المسامحة معهم، إنما هو مستوى مرحلي، قام على فروع القرآن، وناسب حاجة وطاقة المجتمع البشري، في القرن السابع الميلادي، والمجتمعات التي تلته مما هي مثله.. وأن المستوى الذي قرر أن إله الأديان واحد، ودعا للتعايش السلمي بينها، واحترام معتقداتها، مثل قوله تعالى «ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم و إلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون»، إنما هو أصل ديننا، وقد قام في جملته على القرآن المكي، الذي كانت أحكامه، أكبر من طاقة وحاجة مجتمع القرن السابع، فنسخت بفروع القرآن، ولم يقم عليها التطبيق.. إن فكرة تطوير التشريع الإسلامي - التي فصلها الأستاذ محمود في أكثر من ثلاثين كتاباً- تقوم على الانتقال من فروع القرآن إلى أصوله.. وأقامة الدولة الإنسانية، التي تحترم جميع الأديان، وتقدر معتنقيها.. وإنما بإقامتها، يتجاوز المسلمون مستوى الشريعة، ببعث أصول القرآن، التي كانت في الماضي منسوخة بسبب حكم الوقت يكون المسلمون، قد عاشوا أحسن ما أنزله ربهم.. قال تعالى «واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون».. هذا هو المخرج الوحيد، الذي إذا صرف (العلماء) الناس عنه، ردحاً من الزمان، حسداً من عند أنفسهم، فسيظلون في التيه، المكان الذي رحلوا منه، يعودون إليه.. يقول الشاعر العارف:
وعن مذهبي لما استحبوا العمى على الهدى حسداً من عند انفسهم ضلوا
فهم في السرى لم يبرحوا من مكانهم وما ظعنوا في السير عنه وقد كلوا
وبدلاً من خداع اخواننا المسيحيين، كان الأجدر بـ(العلماء)، أن يعتذروا للشعب السوداني في شماله وجنوبه ويطلبوا منه الغفران، عما سببته فتاويهم وتحريضهم على القتال، بدعوى الجهاد، من ازهاق للأرواح، وتشريد للبسطاء، وإهلاك للحرث والضرع.. أيعجز (العلماء)، بعد أن ادعوا التسامح والاخاء، أن يكونوا مثل الأستاذين باقان أموم، والحاج وراق اللذين اعتذرا للشعب السوداني عن ما ارتكب من فظائع في الحرب من الجانبين؟!
إن إرادة الله التي فرضت السلام، على المستوى السياسي، هي التي ستزرعه في القلوب والعقول، في المآل.. وحينذاك يردد الناس، كل الناس، بلسان الحال، ولسان المقال، قول الكبير المتعال «سلام هي حتى مطلع الفجر» وقوله «المجد لله في الأعالي وبالناس المسرة وعلى الأرض السلام».

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147509582&bk=1
_________________

Post: #333
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 03:55 PM
Parent: #332


نحو خطاب اسلامى ديمقراطى
د. الطيب زين العابدين
عنوان هذه المقالة كان موضوع الندوة التى أقامها مركز القدس للدراسات السياسية فى اليومين الأول والثانى من شهر سبتمبر الجارى بالعاصمة الأردنية، دعى لها مشاركون من عشرين بلد غطت معظم دول العالم العربى بالاضافة الى تركيا وايران وأندونيسيا وماليزيا وكينيا والمملكة المتحدة. حرص الأستاذ عريب الرنتاوى، مدير مركز القدس والصحفى المرموق فى جريدة "الدستور"، على دعوة مشاركين ناشطين فى الحركات الاسلامية والعمل السياسى الاسلامى من أمثال الدكتور أبو العلا ماضى الذى انشق عن الاخوان المسلمين ليؤسس حزب الوسط فى مصر، والأستاذ سامح فوزى الناشط فى شئون الكنيسة القبطية بمصر، والأستاذ هانى الفحص الكاتب اللبنانى والشيعى الليبرالى صاحب العلاقات السياسية الواسعة فى لبنان والعراق وايران، والدكتور أحمد الراوى مدير الوقف الأوربى والمقيم فى بريطانيا «عراقى الأصل» والحركى فى العمل الاسلامى، والدكتور المرتضى المحطورى الأستاذ بجامعة صنعاء وعضو جمعية علماء اليمن ورئيس مركز بدر الثقافى الذى تتهمه أجهزة صنعاء بأنه فقيه حركة الحوثى الزيدية فى صعدة دون أن تجد دليلا تقيمه عليه الا أنها اعتقلت العديد من تلاميذه فى مركز بدر، والدكتور محمد شريعتى الذى كان مديرا لمكتب الرئيس خاتمى والكاتب فى الشئون الفكرية والسياسية، والدكتور محمد خالد مسعود أستاذ الدراسات الاسلامية سابقا بالجامعة الاسلامية فى اسلام آباد ورئيس مجلس الأيدولوجية الاسلامية فى حكومة برويز مشرف، والدكتور زكى الميلاد رئيس تحرير مجلة الكلمة ذات التوجه الشيعى والتى تصدر من خارج موطنه فى السعودية، والاستاذ عيسى الشارقى الشيعى الناشط فى جمعية التجديد الثقافية بالبحرين والتى أدهشتنى بانتاجها الثقافى الوفير «أهدونى أكثر من عشرة كتب مطبوعة على ورق صقيل» الذى يفيض بالمعانى الباطنية ولا تستطيع أن تفهم منه توجهات الجمعية، هل هى إمامية أم اسماعيلية أم علوية أم نبت شيعى جديد؟ والدكتورة عائشة الحجامى أستاذة القانون الدستورى فى جامعة مراكش والمعنية بدراسات حقوق المرأة فى الاسلام والتى توازن بمستوى رفيع بين تعاليم الاسلام وقيم المعاصرة، والدكتور عروس الزبيرى أستاذ العلوم الاسلامية فى جامعة الجزائر والذى أتعبنى هو وصاحبه بالسؤال عن المرحوم محمود محمد طه وأحسب أنى كنت منصفا للرجل فى اجابتى رغم اختلافى مع معظم أطروحاته، والدكتور عصام سليمان أستاذ القانون فى الجامعة اللبنانية النشط فى المركز العربى لتطوير حكم القانون، ولو لم يقل لك أحد أنه مارونى الديانة لما عرفته نسبة لاسمه المشترك ولحديثه المعتدل غير الطائفى.
ومن الملفت أن جبهة العمل الاسلامى فى الأردن تغيبت عن الحضور رغم دعوة ثلاثة من أعضائها البارزين، ويبدو أنها مقاطعة مقصودة ربما لعدم ثقتهم فى مركز القدس الذى يديره شخص ليبرالى التوجه يريد أن يحشر نفسه فى الحوار الاسلامى السياسى أو فى منظمة كونراد أديناور الألمانية التى مولت المؤتمر أو ظنا منهم أنهم أولى بمثل هذا النشاط الذى يبحث فى مزاوجة الاسلام مع قيم العصر «والأخيرة هذه داء قديم آن للاسلاميين أن يتعافوا منه»، وقد قاطعوا المؤتمر الأول تحت ذات العنوان الذى عقد العام الماضى.
أحسن مركز القدس بجمع هؤلاء النشطاء السياسيين من السنة «وهابية وديوبندية واخوان مسلمين» والشيعة «امامية وزيدية» والمسيحيين «أقباط وموارنة» فى ملتقى واحد ليناقش مشكلة تهمهم جميعا وهى أسس الخطاب الاسلامى السياسى فى مجتمع تعددى معاصر، وذلك لأنهم مواطنون فى هذه المجتمعات المسلمة المتعددة والتى بدأت تعلو فيها أصوات ونشاطات الحركات الاسلامية السياسية بما فى ذلك المحظورة قانونا «فى مصر والسعودية والمغرب والجزائر والكويت وتركيا». جرت العادة أن يلتقى الاسلاميون وحدهم من تيارات مختلفة لمناقشة مثل هذه القضايا، ولكن أن يلتقوا فى ذلك مع الشيعة والمسيحيين أمر جديد يستحق الإشادة والتقدير. وكانت النتيجة أن جرى حوار حقيقى حول المسائل المعروضة واستغرق معظم الوقت مقارنة بما يدور فى المؤتمرات المماثلة، وتكونت لجنة صياغة البيان الختامى من ممثلين لمصر والأردن والسودان والمغرب والسعودية واليمن، ولقيت التوصيات نقاشا مستفيضا من جلسة المؤتمر العامة، وأجيزت بما يشبه الإجماع. لعل السبب فى ذلك أن اختيار المشاركين انحصر فى العناصر المعتدلة من كافة الاتجاهات، ومن الذين يعرفون مشكلات العالم المعاصر ومن ذوى القناعة بالنظام الديمقراطى التعددى. ورغم أن حصر الدعوة فى المعتدلين وحدهم له سلبيته، الا أن خطوة البداية لقضية شائكة مثل «الاسلام السياسى» تحتاج الى اتفاق المعتدلين أولا لتكوين رأى عام وسطى التوجه قبل الانطلاق الى فئات أخرى لا تؤمن بالديمقراطية أو لا تؤمن بحق الاسلام السياسى أن يعبر عن نفسه أو بحق الشيعة أو المسيحيين فى الاعتراض على هذا أو ذاك من أطروحات الاسلام السياسى. وقد كثرت مثل هذه المؤتمرات التى تناقش قضايا الاسلام السياسى فى السنوات الأخيرة فى بلاد مثل مصر ولبنان والأردن وقطر والمغرب، وتجد تمويلا ميسورا من المؤسسات الغربية فى أمريكا وأوربا وكندا. ولا يمنعنى التمويل الغربى الذى له أجندته من وراء هذه المنتديات أن اشترك فيها طالما كفلت لى حرية التعبير عن رأى وحرية الاعتراض على ما لا أقبل، وأشهد أن الغربيين أكثر سماحة فى هذا الأمر من الاسلاميين الذين عشت بين ظهرانيهم دهراً طويلا. ثم ما هو البديل؟ الحكومات الاسلامية لا تمول مثل هذه الأنشطة الفكرية السياسية، ورجال الأعمال فى العالم الاسلامى لا يرقى بهم الخيال الى دعم النشاط الفكرى المجهول العائد، والجماعات الاسلامية لا تحاور الا نفسها! لاحظت أن مسز مريا التى مثلت منظمة أديناور فى المؤتمر لم تنطق بجملة واحدة عن موضوع النقاش، وحصرت مشاركتها فى معالجة مشكلات التذاكر والحجز وترتيبات الفندق والمواصلات.
كانت الأوراق الرئيسة التى عرضت على المؤتمر هى: النظام السياسى فى ظل الخلافة والإمامة، المبادئ العامة لمسودة دستور اسلامى، حقوق المواطنين وواجباتهم، المواطنة فى دستور اسلامى، الدستور الاسلامى وقضايا المرأة.
نادى البيان الختامى بضرورة الحوار بين الحركات والمثقفين الاسلاميين وبين التيارات السياسية والفكرية الأخرى، وبالحفاظ على زخم عملية الاصلاح السياسي والتحول الديمقراطى رغم ما تعرضت له من انتكاسات، وبالحاجة الملحة لإدماج تيار الاسلام السياسى عمليات التحول الجارية فقد برهنت التجربة على امكانية تراجع الحالة الديمقراطية بعدم استيعاب الحركات الاسلامية فيها. وخلصت الرؤية المشتركة للمؤتمرين الى أن الاسلام لم يقرر شكلا معينا للدولة وترك الأمر مفتوحا للاجتهاد على قاعدة العدل والحرية والمساواة بما يجلب المصالح ويدرأ المفاسد، وأن الأمة هى مصدر السلطات، وأن الاسلام لا يعرف الدولة الدينية الثيوقراطية لا شرعا ولا تاريخا، وأن الدولة الحديثة قطرية الاقليم فدولة الخلافة الأممية كانت خيارا تاريخيا لم يعد قائما، وأن الشورى ملزمة للحكام من خلال مؤسساتها المنتخبة، وأن التعددية السياسية والثقافية والاجتماعية حق مصان لكل مكونات المجتمع، وأن الفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية واجب النفاذ، وأن تداول السلطة مبدأ أساس يجرى بالانتخاب حسب ما يقرره الشعب. وأن على الدولة كفالة حقوق وحريات المواطنين، وأن المواطنة مصدر الحقوق والواجبات، وأن الاسلام يكفل المساواة بين المرأة والرجل ويؤكد حقها فى تولى المناصب العامة بما فيها رئاسة الدولة، وأن مشاركة غير المسلمين فى ادارة الدولة حق شرعى بحكم المواطنة المتساوية، وأن حرية الإعتقاد حق مصون بالدستور، وكذلك حرية الصحافة والتعبير والتنظيم، ولكل مواطن حق العمل والتعليم والصحة والسكن.
لا شك أن البيان يمثل خطوة متقدمة لما تقول به كتب الفقه التراثية ولما تنادى به بعض التيارات السلفية الاسلامية، وبما أن هذه الأسس هى التى تقوم عليها الدولة الحديثة، وتتضمنها الاتفاقيات الدولية التى وقعت عليها معظم الحكومات المسلمة، وينادى بها المواطنون المستنيرون فى الدول الاسلامية بما فيها غير المسلمين وتنظيمات الشباب والنساء، وأنها تمثل حركة التاريخ التى تسير فى اتجاهها المجتمعات البشرية، فانها بذلك تستحق النقاش الجاد والهادئ بين كل قوى المجتمع السياسية والدينية والفكرية حتى نصل الى كلمة سواء فى أسس الحكم وشكله وتداوله نتراضى عليها. أما المزايدة الغوغائية وتهم التكفير أو العلمانية أو العمالة أو ضعف الدين فلن تؤدى بنا الا الى المشاكسة والنزاع والتفرق الذى يجعلنا لقمة سائغة للأعداء. فهل هذا ما يريدون؟.

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147510259&bk=1

Post: #334
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 03:56 PM
Parent: #333


صلاح البندر: هل غرق في سحر المعلومة..؟
بقلم صلاح شعيب
يفترض المرء أن التجارب البحثية القيمة التي يمتلكها الدكتور صلاح البندر كان ينبغي أن تجعله قادراً على النفاذ إلى حلول لِكُنه القضايا التي هو بصدد بحثها، وفوقاً عن ذلك فإن البندر يملك أيضاً من زخيرة المعرفة بالمعلومة وبأهميتها ما تتيح له قراءات متقدّمة للمشكل السوداني أو العربي أو الإنساني عموماً.
وكل هذه التفردات في شخصيته المتواضعة تجعلنا ننظر له كباحث، المأمول عنده هو العثور على حلول منطقية وعملية يقود الناس إليها وبالتالي يتم النظر إليه كعقل ملهم ومستنير، وكذات مجتمعية نرتجي منها إعادة المثابرة لروح السودانيين الذين يظنون أن الأزمة التي يعايشونها يمكن أن تزول.
بيد أن الدكتور الفاضل كاد يحبطني -عبر ندوة أقامتها الجالية السودانية في واشنطن- بمعلوماته الغزيرة التي قبضت على روح الاستشراف التي تميّز المفكر والباحث، وعليه إنتهى إلى روائي يجيد الانغماس في التفاصيل، حتى الدقيقة، من دون أن يضفرها في مشروع فكري لإحياء ذلك الأمل السوداني، بل وجدته مفتوناً بامتلاك المعلومة أكثر من أن نكون نحن مفتونين بما في جرابه من معلومات حلول لقضايانا، ولا أعتقد أن عقلاً باحثاً مثل صلاح البندر يفتقد الإمكانية لتقديم الرؤى المشجعة لقوى التغيير الديمرقراطي، ولكنه آثر أن يطلق لخياله العنان في الاتجاه السلبي ليؤسطر الواقع بإنطباع ينهي أي طموح لتغييره.
وفي اعتقادي أن المعلومة هي الأمر القيم، وهي وسيلة الباحث والمواطن لاتخاذ الموقف وليست غايتهما، ولكن مشكلة شعبنا السوداني الكريم لا تكمن في غياب المعلومة ولكن في طريقة التعاطي معها وتحويلها إلى حافز للتغيير، وحينما قال المرحوم محمود محمد طه إن الشعب السوداني لا تنقصه الأصالة وإنما غياب المعلومة كان يقصد أن الشعب لم يتوافر وقتها على وعي بالمعلومة العامة ولم يقف على وعي معلوم بالقيادات التي تدبر شأنه.
ولكن نحن نقول مع التقدير أَجلَّه لذلك الشيخ الوقور، الزاهد محمود محمد طه -والذي راح ضحية غياب المعلومة عن همه الديني الإصلاحي- إن المعلومة حول الشأن الوطني متوافرة في «صينية غداء» المواطن وفي آثار التعذيب التي يتحسس الفرد نتوءاته حين يتلقى حماماً دافئاً ويلحظها في الشوارع التي صرفت عليها الدولة ما صرفت ثم دثرها التراب بعد حين نسبة لخريف متوسط الأمطار، والمعلومة كامنة في تناسل أملاك الأثرياء من زملاء الدراسة أو زملاء الحي أو هؤلاء الجهويين الذين انتهوا إلى المتاجرة بقضايا مناطقهم.
والمعلومة غير متخفية في تناطح العمارات لهؤلاء الناشطين في جبهة العمل العام. ولعل الأسلوب المتكاسل الذي يسيِّر به الإداريون دولاب الدولة لا يخفيها، وربما تكمن المعلومة في الإحساس بجهة الذين يسيطرون على حواف السلطة والثروة وفي غلاء الأسعار وفي فساد الذمم وفي نوعية المذلة التي يبذلها الفرد لأهل الولاء حتى يجد البراء من كل شيء، وتكمن المعلومة في الآلاف المؤلفة التي وجدت نفسها في شارع الله أكبر مقطوعة من حبل الوظيفة، على أن ألسنة المعلومة ممدودة بخيلاء في خيابة دليل الملايين التي كان من بينها مجموعات وجدت في الدولة اليهودية منجاة من سعير الدولة الإسلامية، والعياذ بالله.
كل هذه الأحوال المتمظهرة عياناً بياناً -والتي يمكن لأي مواطن عادي أن يلتقطها من أي قارعة طريق أو مستشفى أو دار رياضة أو في زيارة لسجن النساء أو في شعر هاشم صديق أو في اسكتشات الهيلاهوب- توضح معلومات متنوعة للكيفية التي دبر ويدبر بها القادة أمر البلاد، وكذلك للكيفية التي بها يمكن أن تحدد حول ما إذا كان من الممكن أن يخلق المرء تصوراً عاماً لما ينبغي أن يكون عليه البديل السياسي، والذي يخلق واقعاً تختفي فيه تلك المعلومات المؤسفة وبالتالي يتجسّد لنا الحكم الرشيد الذي يحقق مفاهيم العدالة الاجتماعية والسلام والحرية والوحدة... إلخ،
ولكن كيف نصل إلى هذه الأهداف الإنسانية ونحن ما زلنا نشرح ونفصِّل في نتاج الدولة الدينية/الإثنية والتي نعرف مسبقاً، مسبقاً، مسبقاً سقوف الخطل في منهجها وتجربتها؟ وهل يجوز بعد كل هذه «السنين المرة» البحث عن معلومة تدلنا على كيفية صنع الدواء للداء اللعين: جدلية المركز والهامش، أو لعبة الديمقراطية والشمولية، أو التراوح بين الإسلاموية والعلمانية، أو تنازع العامل الخارجي مع الداخلي، أو التخاذل بين الشعب والقادة، أو تقديم الذاتي على الموضوعي/القومي، أو سم الجدليات إن شئت.
وإذا كانت الدولة الدينية ما بعد تجربة مدينة الهدى وتسبيح الملائك في ذوابات النخيل قد أغرقت، ما عدا نموذج سيدنا عمر بن عبدالعزيز، المسلمين في بحور من الدماء، وأنواع من الكهنوت، وفساد في التعاطي مع مجمل الواقع، وتأخر دون ركب الأمم- ذلك الذي وضع الدول الإسلامية في قمة لائحة الدول الفاشلة -فكيف إذاً نستغرب أو نندهش لأسوأ معلومة جديدة ناتجة عن منهج وتجربة هذا النوع من الدولة المجرّبة في التاريخ القديم والحديث؟
والسؤال الأشق على الفؤاد هو أنه كيف نصل لتلك الأهداف القيمية في وضع بائس كما هو لنا بينما الوضوح في الانحياز الإثني يتجسد على مستوى وسامة الأفراد الذين يسيّرون الدولة وتقعيداتها الأرضية وفي مستوى الاتجاهات الجغرافية للتنمية المنشورة في الصحف وفي مستوى الإستدارة على اتفاقات لمعالجة التظلمات الجهوية وتحويلها إلى ساحة تلاعب وفي مستوى اضمار منهج الخبث والفتنة الذي يقضي على سلامة مرافعات لتظلمات قيض لها حمل الأسلحة والرماح وكلفت المواطن السوداني هذا الرهق والضياع والتمزق؟
إن المعلومات التي يدركها شعبنا عن سوء مآله وتغرقه من أشعث رأسه حتى أقمص قدميه لا تحتاج إلى باحثين «مهولين» ليعرفونه بها ولا تحتاج إلى نظريات أكاديمية حتى يستوعبها وذلك لسبب بسيط: إذ أنه يكتوي يومياً بتأثيرها عليه ويدفع ثمنها آناء الليل وأطراف النهار، ولعل العبد حين يرفع يديه إلى الله بالدعاء إنما يتمنى أن يزيل عليه الكرب لا أن يمهد له وجود المثقفين الأشاوس ليعلمونه كيف إنه أصبح جائعاً وذليلاً وفاقداً للدليل و«تشابه عليه بقر حلوب أو عجاف».
إنما شعبنا ينتظر من هذا «الابن».. أو تلك «الابنة» التي أوتيت من الحكمة شرح الطريق للإصلاح، وإذا كان طائر الفينيق ينهض من الرماد وأن الوردة تنبت من «التبن» وأن الصمغ ينبثق من بين أهداب الفروع فإن وظيفة المثقف أن يضع هذه المعلومات في معمل البحث ليخرج لأهله بتصور حلول لحالهم البائس ذاك، لا أن يعمق في أسباب الشقاء ويحبط الهمم أثناء السير نحو المستقبل، ونحن نعرف سلفاً عبر كتب التاريخ أن رهط الأنبياء يأتي بحلول للمشاكل المجتمعية العصية برغم قتامة الواقع، وأن الفلاسفة يمتلكون معلومة الوجود من الواقع الردئ فيعطون العلاج للأزمات المجتمعية، وأن المفكرين في كل ضروب الحياة وهم يسعون لقيادة أمة أكثر معرفة بالمحكات البئيسة، وينحتون أمخاخهم حتى يقودوا الناس إلى طريق التساكن والتسامح، وأن الإصلاحيين في بيئات الأعمال الاجتماعية يقدرون هذا المأزق الإنساني ويدرسونه ثم يملكونا أبواب الفرج القريب أو البعيد. وإذا جاز أن نعدد عن دور الأنبياء والفلاسفة والمفكرين لاحتجنا لأبحاث تشريح.
إن قيمة المفكّر أن يؤثر، مع امتلاكه لتلك المعلومات القيمة، على واقع الناس وأن يخلق الرؤية الحصيفة والفصيحة التي تجعل المنتجين لهذه المعلومات معطوبين لجهة تغذيتها أو توظيفها لاستمرارية القبح. ثم ما هي قيمة المثقف أو المفكّر حين يستسلم للواقع االمعوج دون أن يستزيد بتراث التغيير الإنساني الذي قاد البشر إلى طريق الهدي؟ وما هي قيمة الناشط الوطني إن كانت وظيفته أن «يعفرت» الواقع بما يحبط دعاة التغيير؟ وما هي قيمة المتعلم الذي يرجوه أهله حين يعجز عن استشراف الرؤى القيمية للبناء والنماء؟ ثم هل كان دور المفكر أن يشتغل فقط عند المحكات السهلة حتى إن تطوّرت وتعقدت راح يطلق لنفسه الخيال حتى تتلبسه التفاصيل؟ وإلى أي مدى يظل التقدير وارداً للعقل الذي لا يبسط في معادلة الخير والشر الوجودية ثم يقنع الناس بإتباع ما يفيدهم.
إنني كنت وما زلت أكن تقديراً كبيراً للعقلية البحثية للدكتور صلاح البندر التي لها منجزها المكتوب ولكن للأسف غاب ظني في منهجه غير المتماسك وبعجزه في أن يقودنا بخيط فكري واضح لحل أمهات القضايا، وحسبت أن الطريقة التي يعالج بها القضية الوطنية تشعل من النيران ما يصعب إطفاؤها. فمن جهة يقول إنه لا يملك «وصفة سحرية» للواقع ولكنه في مسيس الحاجة لتوظيف المعلومة، يصل بنا إلى أحكام تدمّر أفكار أصحاب التغيير في الشمال وفي الجنوب أيضاً وينتهي إلى القول إن ريك مشار وأهله النوير سيشعلونها حرباً ضراماً ضد الدينكا، وإذا كان من شأن أي باحث أن يصل إلى خلاصاته بالطريقة التي تصنع الخلاف الخلاق فإن هذه الخلاصات لا تنبني على أسس من المنطق والشواهد والتحليل وربما تبقى درباً نحو «ضرب الرمل».
مثلاً يشكك الدكتور الفاضل في قيمة ما جاءت به اتفاقية نيفاشا على صعيد الشمال والجنوب ولكنه ينسى هذه المكتسبات التي حققتها: «1» ايقاف الحرب التي دمرت الاخضر واليابس وأزهقت الإرواح، «2» إعطاء حق تقرير المصير للجنوب بضمانات دولية، الحق الذي يعطيهم الفرصة لحكم أنفسهم رغم المصائب التي يواجهونها من المركز ومن بعض الإنتهازيين وسطهم في محاولة بناء حاضرهم ومستقبلهم كما يريدون، «3» إن الاتفاقية أتاحت للقوى السياسية سقفاً للحراك السياسي بالمقارنة بما قبله، «4» إنها حررت المركز الذي سيطرت عليه النخب الشمالية من الثقل الاستعلائي الذي مارسوه تجاه الجنوبيين وأنسنت أنفسهم تجاه المختلفين معهم دينياً وثقافياً، «5» إنها أتت بفكر السودان الجديد السلمي المتجاوز لكل الأفكار السياسية للمركز مهما تصعبت الظروف أمام تنفيذه، «6» إنها خلقت الأمل ولو كان ضئيلاً تجاه إمكانية الوحدة والتي تدمر سبلها اماما السلطة في الخرطوم، «7» إنها أنهت إسطورة الثوابت الدينية الخربة التي وظفناها تجاه هؤلاء الاخوة وتجاه الشماليين أجمعين، «8» إنها أعطت الأمل بأن الحوار يمكن أن يكون طريقاً للسلام بين السودانيين المحتربين،«9» إنها مهّدت حرية الصحافة التي تتيح للدكتور الفرصة للتحدث إلى صحف الخرطوم وقراءة أفكاره، «10» وأخيراً وليس آخر فإن الاتفاقية وفرت هذه الملايين من الدولارات التي كانت تذهب هدراً وأوقفت الموت الذي حصد الأرواح، وكم يتوقع المرء عدد الذين سيموتون إن لم يتحقق سلام نيفاشا.
إن الايجابي في اتفاقية نيفاشا لا يحصى ولا يعد ولكن هل بالإمكان أن نحمل الجنوبيين الفشل في تحقيق أمانينا نحن أهل الشمال والتي يعلم الدكتور إلى أي مدى تقاعست القوى السياسية في تفتيتها بالتقاعس السياسي وتعاون كوادرها النافذة مع النظام السياسي القائم وتماهي مصالحها السياسية والإثنية معه، وهل يدرك الدكتور النحرير أن الحركة الشعبية التي لا تتعدى العامين في التأسيس السياسي لا يمكن أن نحملها وزر الأحزاب السياسية التي تناثرت إلى ملل ونحل بلغت «التسديس» ثم ماذا عن الحركات المسلحة الدارفورية التي تحتاج إلى مايكروسكوب لرصد تشظياتها.. وحين تقول إنه لا توجد وصفة سحرية، هل الاستعانة بمرجعية «القضايا المصيرية» نوع من الترف الفكري. صحيح أن نيفاشا لم تحقق كل رغبات الجانبين ولكن ألا تعتبر في حد ذاتها خطوة للأمام وأن التعمّد البائن في عدم تطبيق بنودها لا يلغي أهميتها كأفضل وثيقة سودانية لإنهاء الصراع بين الشمال والجنوب؟
ثم يتحدث الدكتور الفاضل عن الرجوع إلى مقررات أسمرا كحل للقضية السودانية، ولكن هل يعتبر هذا شيئاً عملياً أم هو جزء من عقلية نقض الوعود الذي حذَّر منه مولانا أبيل ألير في سفره الوثيقة، ثم ألم نبدأ نحن الشماليين في تجاوز هذه المقررات بنظريات «ترجعون» التي أعادت التاريخ إلى عصر المصالحات..؟ ثم ماذا نقول للمجتمع الدولي الذي شهد المئات من ممثليه في توقيع الاتفاق...؟ وهل هذا النكوص عن الاتفاقية من الحكمة التي يقبل بها الاخوة في الجنوب بعد هذه المرارات تجاه الذهنية الشمالية التي استمرأت التحايل على الوقائع حتى الاتفاقات.. يا أيها الناس أوفوا بالعهود؟
وإذا كان هناك تقصير في تنفيذ بنود نيفاشا فمن إذاً الذي تحايل على قسمة الوزارات، أولم يكن العقل السلطوي المركزي قبل غيره وهو العقل الذي شتت الحركات المسلحة في دارفور إلى نثارات وأذهب شوكتها.. وإذا كان الجنوبيون قد دارت بهم دائرة الفساد كما يحكي لنا الدكتور ولكن السؤال هل غاب الفساد عن العالم وكيف نقارن فسادهم بالفساد التاريخي للنخبة الشمالية بكل جهوياتها، وهل سكت الجنوبيون عن هذا الفساد أم سعوا إلى فتح ملفاته بالمقارنة لسكوتنا الاجماعي عنه سواء على مستوى الدولة أو المعارضة..؟ وهل يمكن أن نقول إننا تاريخياً قد أفسدنا هذه النخب بذرائع تمييع قضيتهم.. هل لدينا الشجاعة يا دكتور في الجلوس القرفصاء لنضرب الرمل لنتنبأ حول كم من الملايين من الدولارات كلفتنا لتدجين الاخوة الجنوبيين إلى صف الحكومات المركزية وقتل ضمائرهم.
إن الصورة القاتمة التي يرسمها الدكتور عن مستقبل الجنوب وهي من بعد يعوزها الشهادة إنما تدق أسفيناً في جسد العلاقة بين الاخوة الجنوبيين وكان الأحرى به أن يكون لديه فائض قيمة فضائلية لحث الجنوبيين بمحبة «العابد الناسك» على لملمة صفوفهم الاثنية ورتق ثقوب التمايزات العرقية فيما بينهم وتنبيههم بمحبة لائقة لمصائب الانحياز للعرق بدلاً من إطلاق عبارات الفتنة وتقسيمهم إلى نوير ودينكا والتأسيس الأكاديمي للاحتراب التاريخي الذي لا ينتهي بينهم كما قال.
إن المهمة الأخلاقية للمفكر أن يطفو فوق الحسابات العرقية ليحولها إلى تألفات في الحياة ويجب ألا ينسينا إنتماءنا العقدي والعرقي من تقديم بوادر عمل «صالح نافع» للذين هم خارج الملة ولا أعتقد أن هذه الضرورات إلا من شيمة الصفاء الروحي والأخلاقي للنشطاء في حقول المعرفة الإنسانية المنمازة، وكما قلت من قبل فإن مسؤولياتنا تجاه الجنوبيين لا تنتهي بإعلان تقرير مصيرهم خصماً على الوحدة.
إن واجبنا أن نسهم في تأسيس دولتهم إذا كان خيارهم الإنفصال وبنص الوضعيتين الدينية والأخلاقية فنحن مطالبون بالتمهيد لحسن الجوار ناهيك عن أُخوتنا التاريخية للذين يشاركونا في هذا الجوار. ولا يأتي هذا القول اعتباطا وإنما تمليه أيضاً مصلحتنا الاستراتيجية في استقرار الدولة المتصورة ودعمها، ولا أعتقد أن الحدود ستفصل مصالح أهل الأرض فيما بينهم.
وهل من فكر مستقبلي بناء يمهد لنا تصوراً لكيفية تمتين العلاقة الشعبية بين البلدين، إذا انفصلا، خصوصاً وأن هناك مصاهرات ومصالح بين الجانبين لا تنتهي بنهاية الدولة الموحدة وهل يمكن أن نتصور أن الأخوة الجنوبيين يمكن أن يستعينوا بالكوادر السودانية في بناء الدولة بما يجعل الاستفادة ممكنة لهم ولنا، وهل يمكن أن نشكل تكاملاً في بعض الجوانب، الزراعية والاقتصادية والإعلامية مثلاً لمصلحة الشعبين، وهل لدينا الشجاعة الأخلاقية لإقامة مؤتمرات يشارك فيها الخبراء السودانيون تساعد كوادرهم في تجاوز أخطاء الدولة السودانية فيما يتعلق بالتخطيط الاستراتيجي في كل جوانب الحياة؟ وهل هناك أفق للتعاون بين المستثمرين السودانيين في الداخل والخارج للإسهام في بناء الجنوب بما يفيده ويفيدنا سواء أصبحت الوحدة جاذبة أم لا؟ وعلى المدى البعيد وإذا تحققت دولة «أنزانيا» التي تصورها الدكتور هل نستطيع أن نطرح تعاوناً بأسس عميقة حول الدفاع المشترك أو العملة الواحدة أو شبكة الطرق التي تربط حركة اقتصادهم باقتصادنا أو حركة تجارتهم بتجارتنا؟
إن الأمل في الدكتور صلاح البندر لا يزال كبيراً في أن يوظف علمه لمراجعة منهجه في مخاطبة الأزمة السودانية وهو الذي لديه من تراث للنجاح في قضايا الدعوة للديمقراطية في العالم العربي والاهتمام بحقوق الإنسان والبحث حول الكثير من القضايا الإنسانية ما يجعله في طليعة النشطاء العرب والأفارقة في هذا المجال وليتقبّل نقدنا هذا إذا كان الخيار الوحيد المتروك لنا الآن الاختلاف الضروري لصنع الاتفاق المأمول.

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147509680&bk=1
_________________

Post: #335
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 03:57 PM
Parent: #334


نظَّمتها رابطة الكتَّاب وكلية ود مدني الأهلية «2-2»:
ذكرى محمد عبد الحي الثامنة عشر
ذكر لي «د. سعد الدين عبد الحي»، أن الدكتور يسأل عنك وأنت تمر طائراً ولا تغشى البيت مع أنه قريب من موقع الطيران. هذا عتاب كبير.. وأتضاءل!!
فهل من وصايا وتحيّات منقولة سافرة وطازجة «لعبد العزيز المقالح» في جامعة صنعاء أم للشاعر «سيد أحمد الحردلو» في السفارة.. ولم نلتقه وهو الأحق بالزيارة ويستحقها، فهل التقى به الأخ الشاعر «محمد نجيب محمد علي» وكان معنا في الجبال؟؟
قبل السفر لليمن بشهر واحد كنا في زيارة المرحوم «عثمان حسن أحمد الكد»، بمكتب النشر بالخرطوم، وقد عاد من الملحقية الثقافية بواشنطون.. اقترح أن نذهب معاً لزيارة «محمد عبد الحي وعلي المك»، هكذا في ذلك الزمن الوجيز وللشخصيتين الكبيرتين، وكان «عبد الحي» قد أجاد الكتابة بيده اليسرى تماماً واستمر في عطائه لحين من الدهر!!
يبتهج «عثمان» بصحبتهم «عبد الحي وعلي المك ومحمد المهدي المجذوب وجمال محمد أحمد وأستاذه القديم د. أحمد الطيب أحمد».
ليلة الإثنين السادس من أغسطس كانت الذكرى الثامنة عشرة لمحمد عبد الحي بقاعة المحاضرات «في كلية ود مدني الأهلية». وهي التفاتة من عميدها العالم والأديب «بروفيسور عصام عبد الرحمن البوشي» الذي اهتم بمبادرة رابطة الكتاب السودانيين بالخرطوم.. ولكلية ود مدني الأهلية دورها المؤثر في المجتمع، وقد أقامت من قبل بالتضامن مع جريدة (الخرطوم) سمناراً عن قضايا ومشاكل ومقترحات ولاية الجزيرة القضايا والحلول «التعليم، الصحة والبيئة، الثقافة، مشروع الجزيرة، الرياضة، التعليم العالي».
شرَّفت حضور الذكرى «د. عائشة موسى السعيد» وابنها وضّاح.. تعيش الأسرة الذكرى يستعيدون الأيام القديمة بتفاصيلها ثم تغشاهم الطمأنينة والفرح. يسقطون عنهم الأحزان وكأنه بينهم لم يفارقهم.. وما كان يملك إلا عفش البيت دون جدران والكتب والأولاد!!
تقول كان يقرأ لها قصائده الجديدة يشجعها على قول رأيها.. لا يغشاهم أحد من منسوبي الثقافة اليوم ويدعي بعض الكاذبين تاريخاً مزيّفاً يربطهم به، وكذلك مواقف وآراء حول مؤلفاته ولم يحدث ذلك.. مطلقاً تتجاهلهم عائشة ويكظمون تلفيقاتهم..!!
وأين كانت الخرطوم «عاصمة الثقافة العربية» من عبد الحي وآخرين، وقد هجم عليهم الغرباء من منسوبي الثقافة في لجان أضاعت الكتب ونشرت بعض ما لم يمكن نشره، فمن أين أتى هولاء وما شأنهم بالاحتفالية التي لا يملكون لها رصيداً واسهاماً وتخطيطاً وأفقاً واستنارة أو حتى قواسم مشتركة تجمع بينهم، وأجهض الحلم الكبير في الاحتفالية العظمى!
وآخرون في آخر الزمان يتحسسون من «العربية» يقفون على الرصيف يبخسون ويتملصون ويلمزون وينكرون نكراناً متزايداً مع إنهم يكتبون بها ويتذوقون بها عذب النغمات العبقرية ويرونها منتشرة تتفرّق بين المجموعات حتى في الأقاصي فهي طيعة وجامعة وكامنة وذات عدوى، وما هي التهمة والجزيرة هنا ولتكن عربية أو أفريقية فما الذي يدعو ينشغل بكيفية الإختيار للمنتوج والمنطوق والمشكول في لونيته وسحنته المتميزة الخضراء؟
ولماذا تجيئ شهادة البراءة من الآخرين بالإنتساب ونخنع ونخضع للنتيجة، فنهدم ذاتيتنا ووجودنا الذي نحسه ونعيشه بطريقتنا!! ونرجع للوراء فنتأمل بطاقة الدخول «للجامعة العربية» وما أثير حولها من لغط ساقط ومتهالك وجد له سنداً اليوم ينبشونه على تصوراتهم الدارجة والفقيرة التي لن تجعل لرجل الشارع البسيط اليوم من اهتمامات بتلك المقولات الهشة والتي لن تفيده في شيء فهي دعوات للإنصراف عن قضايا كبرى تمس كرامة وإنسانية الإنسان أيَّاً كان!
«وعبد الحي» يشير لسنار التي تسفر في بلاد العرب زرقاء قوساً وحصاناً أسود الأعراف تتناهى بعيداً كالنجوم وكالمئذنة.
ينشرح «بروفيسور عصام» في سرديته عن صداقته اللصيقة «بمحمد» وفي أيام المحنة كان رسولاً ومبعوثاً يحمل تمنيات الشفاء للروح الشفيفة من الأستاذ «محمود محمد طه» يمسحه بالنور المشعشع في المقامات بأسرارها الإقدسية.
دواوين «محمد» الشعرية المطبوعة معروفة وبقيت الآثار والرسائل والكتابات والترجمات والبحوث التي لم تنشر وعلى المنصة أعلن بروفيسور «عصام» استجابته لمبادرة رابطة الكتاب السودانيين بكفالة مطبوعات وآثار أعماله المحفوظة عند زوجته. وهذا عمل كبير تقوم وتشرف عليه الكلية الأهلية، وكذلك فإن دار النيل الأزرق للطباعة ستسهم في ذلك وعلى لسان «الرشيد أحمد إبراهيم حمد» ورابطة الكتّاب السودانيين.
عميد الكلية «عصام» كان متجلياً ومنجذباً في حضرة ذلك الاجتماع الذي ترفرف عليه روح الفقيد نشوانة طربة
كالطفل في الفردوس يمرح
رغم رائحة الحنوط
ورغوة رمل المقبرة
من الجامعة المفتوحة -يقول عبد الرحمن عامر- هذه ليلة مباركة عن أستاذ شامخ يشار نحوه، يأخذ من «إسماعيل صاحب الربابة» ويشرب من نبع فتوحات ابن عربي «محيي الدين» العصيّة والمغلقة على كثيرين لم يتمرسوا ويفتح لهم!
ويهدي «محمد» غناءه المرسل العشوق.. ويذبح فؤاده المتيم ويقف ببابه في العذاب يجمجم:
أسفرت فيَّ فإنني مرآة وجهك يا جميل
وسَمَلت عيني كي
أراك بعين قلبي يا خليل
فأنا الضرير يقودني
شوقي إليك ولا دليل
وأراك دوني محض
وهم مشرق فوق الزمان
وأراك دون قصائدي
لغةً تفتش عن لسان

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147509615&bk=1

Post: #336
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 03:58 PM
Parent: #335


العميد أمن «م» حسن بيومي في حوار حول دور جهاز الأمن في ترحيل الفلاشا:
رئيس جهاز الأمن اجتمع بنا وقال «هذه أوامر الرئيس نميري»..!!
العملية سرية لكنها نفذت بمهنية ضعيفة..!!
* متى عرف جهاز الأمن السوداني أن عمليات لترحيل الفلاشا تجرى في محيط قرية عروسة بشرق السودان؟... ولماذا القي القبض على بعض المتهمين الذين شاركوا في عمليات الترحيل ثم أُفرج عنهم؟... من الذي أصدر الأوامر لجهاز أمن الدولة بترحيل الفلاشا عبر العمليات موسى وسبأ؟... وكيف أديرت العملية أمنياً؟ ... وما هي حقيقة الخلافات التي حدثت بخصوص العملية داخل الجهاز؟ ... هل أسهمت العملية فعلا في الاطاحة بنظام نميري؟ وهل صمت الجهاز على مخطط اميركي للاطاحة بنميري حتى يتولي رئيسه عمر محمد الطيب السلطة في السودان؟... هذه التساؤلات وغيرها فتحت قناة «الجزيرة» الفضائية أخيراً ملفها عبر العميد «م» حسن بيومي المسؤول بجهاز الامن ايام حكم الرئيس جعفر نميري، في حوار اثار بين الثنايا كثيرا من التساؤلات حول العملية كلها.. لذا آثرنا الجلوس اليه لنضع نقاط بعض التساؤلات الحائرة على الحروف.
العميد أمن «م» حسن بيومي
* بداية هل كان الرئيس يملك حق إصدار اوامر مباشرة لضباط الجهاز، ام ان الاوامر كانت تأتي عبر الجهاز التنفيذي؟
* لرئيس الجمهورية الحق في تكليف الجهاز باية مهام يراها.
* كان من المعتاد ان يتدخل ويكلف الجهاز بمهام؟
* لا ... لم يكن يتدخل.
* لكنه تدخل هذه المرة؟
* لحساسية العملية بدأت بمنتجع قرية عروسة وغيرها .... والاسرائيليون كانوا موجودين في السودان.
* اين وكيف؟
* كانوا يحضرون بجوازات سفر صادرة عن اميركا وسويسرا وغيرها. ومن الصعب تحديد ما اذا كانوا اسرائيليين او سويسريين مثلا.
* أثناء عمليات تهريب الفلاشا من قرية عروسة أين كنتم؟ .. ولماذا وجهاز الأمن حينها كان قابضاً لم يتنبه للعملية؟
* في قرية عروسة جاءت شركة سويسرية واتصلت بالسياحة، وطلبت استئجار القرية ... كان عملا تجاريا ....لم نفكر في ابعد من ذلك ...لكن فيما بعد وضح ان المسألة غطاء لتهريب الفلاشا.
* كيف عرفتم ان تهريبا للفلاشا يتم في عروسة؟
* عندما بدأنا نلحظ أشياءً ما تحدث هناك خلال وجود الشركة، وهو وجود كان في حدود الثلاثة اشهر.
* هناك مسؤولون بالدولة زاروا المنتجع؟
* لا الذين زاروا المنتجع كانوا من المسؤولين الاجانب، وذهبوا الى هناك للسياحة.
* ذهبتم للمنطقة لمعرفة ما يدور هناك؟
* نعم.. ووجدنا آثارا واضحة لطائرة «سي. ون. ثيرتي» وهي طائرة عملاقة هبطت بمنطقة الشوك. ووجدنا بعض المتعلقات الخاصة بمن تم ترحيلهم كالاحذية وغيرها، اضافة الى اعقاب سجائر غير مستعمل بالمنطقة كالمارلبورو... ووجدنا انهم استعملوا طريقة المطارات المتحركة ذات الاضاءة الذاتية... وبدا واضحا ان عملية ترحيل للفلاشا تمت في هذا المكان.
* بعض الذين كتبوا عن العملية، تحدثوا عن واقعة اشتباك بين جنود سودانيين والجهة التي تولت الترحيل.
* لا لم يحدث ... لو حدث امر كهذا لعلمنا به.
* هل عرفتم عدد الرحلات التي تمت من قرية عروسة ومحيطها؟
* لا.
* لماذا؟
* من اين جاءوا ... لدينا حدود طويلة جدا مع اريتريا واثيوبيا ... جاءوا عبرها، ونحن لا نملك تغطية في المكان ... لا حرس حدود ولا رادارات ... جاءوا عبر البحر الاحمر حيث لا نملك دفاعا جويا او وجودا مكثفا للقوات المسلحة في المكان .... ودرسوا المنطقة بصورة جيدة ... وكانوا يعرفون تماما مكان الثغرة.
* لم تجدوا المستثمرين السويسريين بعد اكتشاف الامر في قرية عروسة؟
* لا ... هربوا عندما شعروا بتحركاتنا... ووجدنا فقط متعلقاتهم وسياراتهم.
* والوثائق؟
* لم يتركوا وثائق خلفهم ... ثم أن العملية كانت ترحيلا للفلاشا.
* ألقيتم القبض على مجموعة منهم في الجنوب؟
* نعم... ألقينا القبض على كيني واثيوبي برفقة اثنين من الاميركيين ... كانوا يريدون الاحتماء بالكنيسة، لكننا قطعنا الطريق امامهم والقينا القبض عليهم.
* كان بامكانكم القبض عليهم حتى لو دخلوا الكنيسة؟
* صعب جدا ... الامر كان سيصبح معقدا، فنحن لن نقتحم الكنيسة وسندخل في عملية تفاوضية ... الامر كان سيثير مشكلة.
* هم اثاروا مشكلة بعدها، مع انكم القيتم القبض عليهم قبل ان يدخلوا الكنيسة؟
* نعم هذا صحيح ...الكونغرس الاميركي بدأ يتصل بسفارتنا في واشنطن، طالبا الافراج عن الاميركيين والكيني والاثيوبي.
* وأفرجتم عنهم؟
* هناك اسباب جعلت امر اطلاق سراحهم ممكنة.
* مثل؟
* الرئيس نميري كان في طرطقه لزيارة اميركا، ووقتها بدأ السودان يعاني من مشكلة المجاعات والجفاف والتصحر وحركة النزوح الكثيفة من الأطراف... وكنا في حاجة ماسة لفك الحظر على المعونات.
* لماذا تم حظرالمعونات الاميركية اصلا؟
* بسبب حرب الجنوب ومقتل محمود محمد طه وانفاذ الشريعة الاسلامية .. وكانت الظروف معقدة.. مجاعات في الغرب والشرق وجفاف وتصحر.. والمنطقة الشرقية ملتهبة بالمعارضات الاثيوبية والاريترية.. ونحن بلا موارد ... لو كنت الرئيس ماذا تفعل ... وماذا يعني لو انك سلمت الاميركيين والكيني والاثيوبي لواشنطن؟
* الخرطوم سلمتهم للسفارة؟
* نعم وجاء السفير الاميركي في الخرطوم، وزار عمر محمد الطيب نائب رئيس الجمهورية واعتذر له. والامر ترتبت عليه نتائج في مصلحة السودان مثل فك المعونات.
* فك المعونات كان مرتبطا بترحيل الفلاشا لا المعتقلين؟
* الشد بدأ في المعتقلين الى ان جاء الرئيس بوش الاب للخرطوم.
* حتى ذلك الوقت لم يصدر امر بتدخل جهاز الامن لترحيل الفلاشا؟
* نعم.
* من أصدر الأمر ببدء عمليات الترحيل؟
* الرئيس نميري.
* مباشرة لنائبه عمر محمد الطيب..؟!
* نعم ... بمقتضى قانون جهاز الأمن.
* تم ترحيلهم من المعسكرات الى مطار الخرطوم عبر آليات جهاز الامن؟
* نعم ... الآليات سودانية، وجاءت طائرات بلجيكية نقلتهم الى الخارج... كانت طائرات استأجرها الاميركيون لتنفيذ العملية ... الامر كان مخططا له ان يكون عملية سرية .. لكن العملية نفذت بمهنية ضعيفة.
* كيف؟
* الامر واضح.. لو اننا اردناها عملية سرية لماذا نقلناهم لمطار الخرطوم؟ لماذا لم ننقلهم من الشرق مباشرة الى خارج البلاد؟
* ألم يخضع الأمر للنقاش داخل الجهاز؟
* دارت نقاشات حول الأمر ... وكانت هناك اعتراضات داخل الجهاز.
* حول العملية نفسها أم حول طريقة التنفيذ؟
* حول طريقة التنفيذ، لأن العملية بأمر من الرئيس وليس بوسع الجهاز أن يعترض عليها ....السؤال كان لماذا يتم نقلهم الى الخرطوم... كنا نعتقد أن طريقة التنفيذ خاطئة.
* كانت هناك تخوفات من افتضاح الامر، الشيء الذي قد يثير العالم العربي على نظام مايو؟
* السرية كانت لان السودان اعتاد ان «يبالغ في أي شيء» .. اليمن الجنوبي جسر جوي «عديل» للمخابرات البريطانية والعراق والمغرب مع المخابرات الفرنسية ... كان هناك ترحيل لليهود.
* الحكومة السودانية كانت محرجة جدا؟
* الحرج جاء من كوننا من أكثر الدول العربية التصاقا بالقضية الفلسطينية.
* ومع ذلك رحلنا الفلاشا لاسرائيل؟
* لو تم ترحيلهم علنا بحكم القانون الدولي، لا يحق للسودان أن يعيدهم أو يحدد وجهتهم... من حقهم ان يغادروا.
* ألم تشعر بالذنب على الصعيد الشخصي؟
* اطلاقا لم أشعر بالذنب ... انا اطبق القانون ولدي مقتضيات وطنية... هؤلاء الناس موجودون في مناطق ملتهبة ...انظر للبعد الاستراتيجي.
* ما هو البعد الاستراتيجي هنا؟
* هؤلاء الفلاشا لو ذهبوا لاسرائيل «ما منهم فايدة» إلا بعد حوالي «24* 25» سنة.
* حسب نظريتك حالياً «منهم فايدة»؟
* نعم ... ومعروف ان كتيبة من الفلاشا شاركت في القتال ضد الحكومة السودانية مع الحركة الشعبية.
* من خلال كتاباتكم وامتناع عمر محمد الطيب عن الكلام.. هناك مؤشرات واضحة لإحساسكم بالذنب؟
* لا لا ... لم اشعر بالذنب ... نحن لدينا اسبابنا كما ذكرت، وهي التزامنا بالقانون الدولي والمواثيق الدولية ومقتضيات الامن السوداني ... هؤلاء الناس دفعوا للسودان حتى يدخلوا تحت مظلة القانون الدولي .... وليست هناك حلول متوافرة امامي ... اناس عجزة ومصابون بالامراض.. في منطقة ملتهبة ومليئة بالصراعات.. وفي ظل وجود مجاعات بالسودان.. وأنا ليست لدي الرغبة في الاحتفاظ بهم.. والقانون الدولي نفسه لا يمنحني حق ابقائهم.
* حتى لو ذهبوا لاسرائيل؟
* يذهبوا الى اي مكان «ده ما شغلي».
* ماذا عن البعد الاستراتيجي؟
* لم يكن غائبا.
* بمعنى؟
* تأثير الفلاشا في تلك الفترة لم يكن ضمن الحسابات الاستراتيجية، لكنهم بعد عقد او اثنين سيشكلون استراتيجياً مشكلة ليس للفلسطينيين فحسب، بل لكل القارة الافريقية.
* لن نجادل اذن في ان الحكومة السودانية لم تفكر آنذاك في البعد الاستراتيجي للعملية؟
* نعم ... لم يكن ضمن الاعتبارات بالصورة الجدية.. كنا نعلم انهم بحاجة الى وقت طويل حتى يتمكن الاسرائيليون من الاستفادة منهم.
* هذا الوقت حان الآن وبدأنا نشاهدهم في الوحدات العسكرية الاسرائيلية؟
* صحيح.. يتم استخدامهم الآن في القوات العسكرية والموساد.. والخطورة الحقيقية في استخدامهم ضمن عناصر الموساد.
* كيف؟
* السحنات أفريقية وسط كم هائل من الافارقة، كيف يتسنى لك معرفة ما اذا كانوا مجرد وافدين افارقة أم اسرائيليين من الموساد.. ونحن بلد مفتوح من الصعب معرفة عدد الموساد الفلاشا الموجودين الآن بيننا.
* هل تعتقد ان الفلاشا يتم استخدامهم كعناصر مخابرات في افريقيا؟
* ليس في افريقيا فقط، بل حتى في الخليج. واصلا الحكاية بدأت قبل عام 1967م بعد مؤتمر اللاءات الثلاث، واغلقت افريقيا امامهم، ففكروا في الفلاشا لانهم بحاجة الى عنصر افريقي يعمل استخباراتيا في افريقيا.
* من الذي سرب للاعلام الغربي معلومات عن العملية الاولى لنقل الفلاشا من السودان؟
* هم من سرب المعلومات.
* نشر الموضوع في الخارج أحدث هزة داخل الحكومة السودانية؟
* بالتأكيد لأن الاتفاق كان ان يذهب هؤلاء المرحلون الى بلجيكا.
* الاتفاق مع من؟
* مع الاميركيين ... ثم ان العمليات التي كان من المفترض ان تكون سرية لم تكن كذلك .. كان يفترض ان يذهب وفد من السودان الى بلجيكا ويصورهم ويحتفظ بصورهم في اماكن اقامتهم ببلجيكا. وكان من المفترض أن نصعد مع الفلاشا الى الطائرات حتى نطمئن على انها ذاهبة بالفعل الى بلجيكا وليس الى اسرائيل.. لكن للأسف كل هذا لم يحدث.
* لم تعترضوا؟
* قلنا رأينا واجتمع بنا رئيس جهاز الامن وقال «دي اوامر الرئيس».
* افتضاح الامر في وسائل الاعلام الغربية ادي لتوقف العملية؟
* نعم.. الى ان جاء الرئيس الاميركي جورج بوش للخرطوم، وتحدث بشأن استئناف عمليات ترحيل الفلاشا. والرئيس نميري قال له بوضوح إن النقل يجب أن يتم من شرق السودان، وان يذهبوا الى اميركا .. وهذا ما حدث.
* ذهبوا الى امريكا؟
* نعم جاءت قوات اميركية ونزلت في المنطقة ورحلتهم.
* وانتشر أمر العملية في الإعلام الغربي مرة اخرى؟
* لان المخطط كان يتجه لاسقاط جعفر نميري وابعاده عن السلطة.
* لماذا؟
* كانوا يرون انه استنفد اغراضه.
* الأمر كان واضحا لديكم في جهاز الامن؟
* كان واضحا من خلال التحليل في البداية، لكن في النهاية الامر كان واضحا بالمعلومة.
* جهاز الأمن غض الطرف عن التعاطي مع الموضوع بجدية، لأنه كان يرى أن رئيسه عمر محمد الطيب سيتولى الحكم بعد نميري؟
* هذا هو الوضع الطبيعي.
* يقال إنه تردد في استلام السلطة؟
* لماذا تردد وما يقال عن الامر وما اذا كان متعلقا بالقسم، هذه امور الشخص الوحيد القادر على الاجابة عليها هو عمر محمد الطيب.
* موقف النظام تأزم تماما مع الدول العربية آنذاك؟
* ارجو ان تقرأ الاوضاع بصورة صحيحة، فجعفر نميري رفض تسليم الفلسطينيين الذين اقتحموا السفارة السعودية في الخرطوم وقتلوا نائب السفير السعودي والسفير البلجيكي للامريكان، وسلمهم لحركة «فتح»، وجعفر نميري عندما حدثت المجازر في الاردن بين القوات الاردنية والفلسطينية وكان ياسر عرفات محاصرا في المخيمات ومؤتمر القمة منعقدا في القاهرة.. الرئيس الوحيد الذي ذهب وركب الدبابة واخرج عرفات من هناك برفقة الملك حسين كان نميري، اضافة الى ان السودان وقت معاناته من المجاعات، استضاف الفلسطينيين على اراضيه.
* الا تعتقد أن حجم التناقض هنا بين دعم القضية الفلسطينية وترحيل الفلاشا كبير؟
* لا ارى تناقضا في الموضوع.. نحن حتى الآن لم نطبع علاقاتنا مع اسرائيل، مع انها سعت ومازالت تسعى لاقامة علاقات مع السودان باعتباره دولة محورية، ومازال السودان رافضا لاقامة علاقات معها، رغم ان كثيرا من الدول العربية لديها علاقات الآن مع اسرائيل في السر والعلن.
* ما رأيك هل من الأفضل ان نستمر في المقاطعة ام نطبع مع اسرائيل؟
* أنا مع فتح القنوات غير الرسمية ...لاعرف على الاقل ماذا يريدون تحديدا.. ثم دعني اقول ان اسرائيل موجودة، فكثير من قيادات المعارضة الذين انضموا للحكومة تلقوا تدريباتهم في اسرائيل ... حتى قادة الجيوش الافريقية الموجودة في دارفور اغلبهم تلقوا تدريبات في اسرائيل.
* معلومة أم تحليل؟
* معلومة .... هناك قواعد عسكرية في اثيوبيا وافريقيا الوسطي وتشاد و.....
* «قاطعته» ... هذه قواعد اميركية؟
* اقرأ الامر دائما على خلفية التحالف الاستراتيجي بين اميركا واسرائيل .. ثم عندما اتصلوا بنا لترحيل الفلاشا ... من الذي اتصل بنا ... الاسرائيليون ام الاميركان .... اسرائيل موجودة حتى في مكاتب دولتنا ... وموجودة علنا في اسمرا ... حيث يوجد قادة الحركات المسلحة وقادة المعارضة ... وأخيراً ظهرت مسألة فتح الطريق امام بعض السودانيين الى اسرائيل من مصر.
* هؤلاء أفراد يتم تهريبهم عبر بدو سيناء؟
* لا ...لا ... انظر الى البعد الاستراتيجي للامر ... هم بحاجة لميزات السودان وميزات موقعه... دخول بعض السودانيين الى اسرائيل لن يؤثر الآن لكن الـ «5» آلاف سيصبحون «20» الفاً بعد عدة سنوات، وساعتها ستتغير الامور.
* بعد انتهاء عمليات نقل الفلاشا الثانية بدا واضحا ان نميري ذاهب الى افق مجهول؟
* الامر كان واضحا.. لكن لو قلت لي ان سوار الذهب سيأتي بعد نميري لن اصدقك، لان المنطق حينها كان يقول ان خليفته اما عمر محمد الطيب او عبد الماجد حامد خليل.
* الفلاشا كانت من بين الاسباب التي عجلت برحيل النميري وخلقت رأيا عاما ضد نظامه؟
* كما ذكرت لك، هناك عوامل اخرى مثل تقسيم الجنوب، رغم انه جاء بطلب من الجنوبيين انفسهم، اضافة لجزئيات متعلقة بأخطاء صاحبت تنفيذ قوانين سبتمبر ومقتل محمود محمد طه.
* كيف .. وجهاز الامن كان وراء مقتله؟
* رأي جهاز الامن في مقتل محمود محمد طه كان واضحا.
* بمعنى؟
* الجهاز وانا كنت المسؤول عن التقارير التي ترفع للرئيس، كان رأيه واضحا، هذا الرجل يجب الا يصل للمشنقة اطلاقا. وكان هناك رأي أن يناقشه مجموعة من العلماء حتى يعدل عن رأيه.
* واذا لم يقتنع ويعدل عن رأيه؟
* يبعد الى منطقة كتم.
* المحكمة كانت منحازة ضده؟
* لن اتحدث عن القضاء... لكن انا سلمت التقرير بيدي لعمر محمد الطيب في القصر يوم الاربعاء، بحكم إننا اعتدنا تسليم التقارير للرئيس يوم الاربعاء من كل اسبوع ... وأذكر أن عمر محمد الطيب كتب بخط يده على هامش الورقة، تحذف الفقرة التي تطالب بعدم اعدامه، لان الرئيس اصلا قرر ألا يعدم محمود محمد طه.
* لكنه أُعدم؟
* عدلنا التقرير وسلمنا النسخة المعدلة يوم الخميس. وفي ظهر اليوم نفسه اتصل بي عمر محمد الطيب وقال إن الرئيس غير رأيه.
* قلت اكثر من مرة ان الاميركان هم من اطاح بنظام نميري، كأنك تتعمد عدم النظر الى الوضع الداخلي وحالة الهياج والمظاهرات في الشوارع يومها؟
* الشارع «طلع كم مرة خلال فترة حكم نميري» ورجع.
* الجيش كان سيتسلم السلطة لو كان جعفر نميري موجودا في الخرطوم؟
* لا اعتقد.
* لم تطلبوا منه العودة الى الخرطوم سريعا؟
* طلبنا منه العودة لكن الاميركان تعمدوا ابقاءه بعيدا عن الخرطوم.
* أين كنتم بصفتكم جهازا لامن الدولة والنظام يسقط؟
* عايزنا نعمل شنو؟
* هل كان الجهاز يضم فعلا آنذاك فنانين ومذيعين وجيوشا جرارة من المخبرين ضمن عضويته؟
* نعمل بيهم شنو؟
* للحصول على المعلومات؟
* معلومات عن الفنانين... أي نوع من المعلومات هذا الذي قد احصل عليه من فنانين ومذيعين وغيرهم؟
* لماذا لم تحضروا في المحكمة لتؤكدوا أن امر ترحيل الفلاشا كان من النميري وليس عمر محمد الطيب؟
* المحكمة كانت مسرحية سياسية.
* لم يتم استدعاؤك للمحكمة؟
* ابدا.. لكن كنت سأسألهم وهم ناس قانون، هذا هو القانون الدولي وها هم الفلاشا.. كيف ستتصرفون بصورة قانونية .... هؤلاء حكموا على عمر محمد الطيب بـ «90» سنة، فقط لأنه الموجود على رأس نظام مايو ... في مثل هذ النوع من المحاكم انت مدان، سواء دافعت عن نفسك او لم تدافع.
* بعض افراد جهاز الامن ممن نفذوا العملية تلقوا اموالا من اسرائيل؟
* غير صحيح... اذهب الى منزل اي واحد منهم .... بعد «25» سنة مفروض تكون الثروة ظاهرة عليهم .... «يا اخي ديل ماشين بي كرعيهم» ... اين ذهبت الاموال؟
* اين ذهبت؟
* اصلا لا توجد قبضيات واموال كما تصور البعض.
* اميركا ألم تدفع؟
* دفعت اثنين مليون دولار لتشييد مبني جهاز الامن.. هذه الاموال وجدت في حساب ببريطانيا.. وعمر محمد الطيب اعترف بها ... وهي اموال معروفة لتشييد مبنى الجهاز، وهو امر معروف وخرائطه كانت جاهزة آنذاك.
* والقصور التي وجدت في بريطانيا؟
* كانت مسجلة باسم حكومة السودان وليس جعفر نميري ... وللأسف تم بيعها باثمان زهيدة، فقط لان جعفر نميري هو من اشتراها.
* هل تعتقد انه من الموضوعي شراء قصور في لندن باسم شعب يعاني المجاعات؟
* ليست قصورا.. هذه منازل للوفود التي تذهب الى هناك ... انظر الى وضع سفاراتنا في الخارج اغلبها «ايجار» وباسعار غالية، لو انك اشتريتها ستوفر على الخزانة العامة اموالا طائلة.
* أين كنتم باعتباركم ضباطا في جهاز امن الدولة يوم الانتفاضة؟
* كنا في مباني الجهاز كلنا.. وكنا نؤدي عملنا بصورة اعتيادية... حتى عندما اعتقلنا لم نكن في منازلنا بل اعتقلنا من داخل مباني الجهاز .... حتى الضباط الذين كانوا في الخارج بصفتهم قناصل عندما طالبناهم بالعودة عادوا الى السودان فيما عدا ضابط واحد فقط.. نحن شأننا شأن القوات المسلحة والشرطة «ناس شغالين للبلد».
* عندما تم التحقيق معك.. ما هي الاسئلة التي وجهت إليك؟
* أنا شخصياً حقق معي الرئيس الحالي.
* تقصد الرئيس البشير؟
* نعم ومعه بلية وشخص من المباحث.. سألوني عن سيرتي الذاتية ودوري في جهاز الامن .... وقلت دوري أن اكتب تقارير للرئيس.... وسألوني عن اشياء اخرى في الجهاز، وقلت انني لا أعلم شيئا سوى العمل الذي كنت اؤديه.
* طلعت على البيت ام المعتقل؟
* ذهبت الى منزلي في اليوم الثاني.
* كلهم مثلوا امام نفس اللجنة.
* نعم.

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147509791&bk=1
____

Post: #337
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 03:59 PM
Parent: #336


نحو خطاب اسلامى ديمقراطى
د. الطيب زين العابدين
عنوان هذه المقالة كان موضوع الندوة التى أقامها مركز القدس للدراسات السياسية فى اليومين الأول والثانى من شهر سبتمبر الجارى بالعاصمة الأردنية، دعى لها مشاركون من عشرين بلد غطت معظم دول العالم العربى بالاضافة الى تركيا وايران وأندونيسيا وماليزيا وكينيا والمملكة المتحدة. حرص الأستاذ عريب الرنتاوى، مدير مركز القدس والصحفى المرموق فى جريدة "الدستور"، على دعوة مشاركين ناشطين فى الحركات الاسلامية والعمل السياسى الاسلامى من أمثال الدكتور أبو العلا ماضى الذى انشق عن الاخوان المسلمين ليؤسس حزب الوسط فى مصر، والأستاذ سامح فوزى الناشط فى شئون الكنيسة القبطية بمصر، والأستاذ هانى الفحص الكاتب اللبنانى والشيعى الليبرالى صاحب العلاقات السياسية الواسعة فى لبنان والعراق وايران، والدكتور أحمد الراوى مدير الوقف الأوربى والمقيم فى بريطانيا «عراقى الأصل» والحركى فى العمل الاسلامى، والدكتور المرتضى المحطورى الأستاذ بجامعة صنعاء وعضو جمعية علماء اليمن ورئيس مركز بدر الثقافى الذى تتهمه أجهزة صنعاء بأنه فقيه حركة الحوثى الزيدية فى صعدة دون أن تجد دليلا تقيمه عليه الا أنها اعتقلت العديد من تلاميذه فى مركز بدر، والدكتور محمد شريعتى الذى كان مديرا لمكتب الرئيس خاتمى والكاتب فى الشئون الفكرية والسياسية، والدكتور محمد خالد مسعود أستاذ الدراسات الاسلامية سابقا بالجامعة الاسلامية فى اسلام آباد ورئيس مجلس الأيدولوجية الاسلامية فى حكومة برويز مشرف، والدكتور زكى الميلاد رئيس تحرير مجلة الكلمة ذات التوجه الشيعى والتى تصدر من خارج موطنه فى السعودية، والاستاذ عيسى الشارقى الشيعى الناشط فى جمعية التجديد الثقافية بالبحرين والتى أدهشتنى بانتاجها الثقافى الوفير «أهدونى أكثر من عشرة كتب مطبوعة على ورق صقيل» الذى يفيض بالمعانى الباطنية ولا تستطيع أن تفهم منه توجهات الجمعية، هل هى إمامية أم اسماعيلية أم علوية أم نبت شيعى جديد؟ والدكتورة عائشة الحجامى أستاذة القانون الدستورى فى جامعة مراكش والمعنية بدراسات حقوق المرأة فى الاسلام والتى توازن بمستوى رفيع بين تعاليم الاسلام وقيم المعاصرة، والدكتور عروس الزبيرى أستاذ العلوم الاسلامية فى جامعة الجزائر والذى أتعبنى هو وصاحبه بالسؤال عن المرحوم محمود محمد طه وأحسب أنى كنت منصفا للرجل فى اجابتى رغم اختلافى مع معظم أطروحاته، والدكتور عصام سليمان أستاذ القانون فى الجامعة اللبنانية النشط فى المركز العربى لتطوير حكم القانون، ولو لم يقل لك أحد أنه مارونى الديانة لما عرفته نسبة لاسمه المشترك ولحديثه المعتدل غير الطائفى.
ومن الملفت أن جبهة العمل الاسلامى فى الأردن تغيبت عن الحضور رغم دعوة ثلاثة من أعضائها البارزين، ويبدو أنها مقاطعة مقصودة ربما لعدم ثقتهم فى مركز القدس الذى يديره شخص ليبرالى التوجه يريد أن يحشر نفسه فى الحوار الاسلامى السياسى أو فى منظمة كونراد أديناور الألمانية التى مولت المؤتمر أو ظنا منهم أنهم أولى بمثل هذا النشاط الذى يبحث فى مزاوجة الاسلام مع قيم العصر «والأخيرة هذه داء قديم آن للاسلاميين أن يتعافوا منه»، وقد قاطعوا المؤتمر الأول تحت ذات العنوان الذى عقد العام الماضى.
أحسن مركز القدس بجمع هؤلاء النشطاء السياسيين من السنة «وهابية وديوبندية واخوان مسلمين» والشيعة «امامية وزيدية» والمسيحيين «أقباط وموارنة» فى ملتقى واحد ليناقش مشكلة تهمهم جميعا وهى أسس الخطاب الاسلامى السياسى فى مجتمع تعددى معاصر، وذلك لأنهم مواطنون فى هذه المجتمعات المسلمة المتعددة والتى بدأت تعلو فيها أصوات ونشاطات الحركات الاسلامية السياسية بما فى ذلك المحظورة قانونا «فى مصر والسعودية والمغرب والجزائر والكويت وتركيا». جرت العادة أن يلتقى الاسلاميون وحدهم من تيارات مختلفة لمناقشة مثل هذه القضايا، ولكن أن يلتقوا فى ذلك مع الشيعة والمسيحيين أمر جديد يستحق الإشادة والتقدير. وكانت النتيجة أن جرى حوار حقيقى حول المسائل المعروضة واستغرق معظم الوقت مقارنة بما يدور فى المؤتمرات المماثلة، وتكونت لجنة صياغة البيان الختامى من ممثلين لمصر والأردن والسودان والمغرب والسعودية واليمن، ولقيت التوصيات نقاشا مستفيضا من جلسة المؤتمر العامة، وأجيزت بما يشبه الإجماع. لعل السبب فى ذلك أن اختيار المشاركين انحصر فى العناصر المعتدلة من كافة الاتجاهات، ومن الذين يعرفون مشكلات العالم المعاصر ومن ذوى القناعة بالنظام الديمقراطى التعددى. ورغم أن حصر الدعوة فى المعتدلين وحدهم له سلبيته، الا أن خطوة البداية لقضية شائكة مثل «الاسلام السياسى» تحتاج الى اتفاق المعتدلين أولا لتكوين رأى عام وسطى التوجه قبل الانطلاق الى فئات أخرى لا تؤمن بالديمقراطية أو لا تؤمن بحق الاسلام السياسى أن يعبر عن نفسه أو بحق الشيعة أو المسيحيين فى الاعتراض على هذا أو ذاك من أطروحات الاسلام السياسى. وقد كثرت مثل هذه المؤتمرات التى تناقش قضايا الاسلام السياسى فى السنوات الأخيرة فى بلاد مثل مصر ولبنان والأردن وقطر والمغرب، وتجد تمويلا ميسورا من المؤسسات الغربية فى أمريكا وأوربا وكندا. ولا يمنعنى التمويل الغربى الذى له أجندته من وراء هذه المنتديات أن اشترك فيها طالما كفلت لى حرية التعبير عن رأى وحرية الاعتراض على ما لا أقبل، وأشهد أن الغربيين أكثر سماحة فى هذا الأمر من الاسلاميين الذين عشت بين ظهرانيهم دهراً طويلا. ثم ما هو البديل؟ الحكومات الاسلامية لا تمول مثل هذه الأنشطة الفكرية السياسية، ورجال الأعمال فى العالم الاسلامى لا يرقى بهم الخيال الى دعم النشاط الفكرى المجهول العائد، والجماعات الاسلامية لا تحاور الا نفسها! لاحظت أن مسز مريا التى مثلت منظمة أديناور فى المؤتمر لم تنطق بجملة واحدة عن موضوع النقاش، وحصرت مشاركتها فى معالجة مشكلات التذاكر والحجز وترتيبات الفندق والمواصلات.
كانت الأوراق الرئيسة التى عرضت على المؤتمر هى: النظام السياسى فى ظل الخلافة والإمامة، المبادئ العامة لمسودة دستور اسلامى، حقوق المواطنين وواجباتهم، المواطنة فى دستور اسلامى، الدستور الاسلامى وقضايا المرأة.
نادى البيان الختامى بضرورة الحوار بين الحركات والمثقفين الاسلاميين وبين التيارات السياسية والفكرية الأخرى، وبالحفاظ على زخم عملية الاصلاح السياسي والتحول الديمقراطى رغم ما تعرضت له من انتكاسات، وبالحاجة الملحة لإدماج تيار الاسلام السياسى عمليات التحول الجارية فقد برهنت التجربة على امكانية تراجع الحالة الديمقراطية بعدم استيعاب الحركات الاسلامية فيها. وخلصت الرؤية المشتركة للمؤتمرين الى أن الاسلام لم يقرر شكلا معينا للدولة وترك الأمر مفتوحا للاجتهاد على قاعدة العدل والحرية والمساواة بما يجلب المصالح ويدرأ المفاسد، وأن الأمة هى مصدر السلطات، وأن الاسلام لا يعرف الدولة الدينية الثيوقراطية لا شرعا ولا تاريخا، وأن الدولة الحديثة قطرية الاقليم فدولة الخلافة الأممية كانت خيارا تاريخيا لم يعد قائما، وأن الشورى ملزمة للحكام من خلال مؤسساتها المنتخبة، وأن التعددية السياسية والثقافية والاجتماعية حق مصان لكل مكونات المجتمع، وأن الفصل بين السلطات التشريعية والقضائية والتنفيذية واجب النفاذ، وأن تداول السلطة مبدأ أساس يجرى بالانتخاب حسب ما يقرره الشعب. وأن على الدولة كفالة حقوق وحريات المواطنين، وأن المواطنة مصدر الحقوق والواجبات، وأن الاسلام يكفل المساواة بين المرأة والرجل ويؤكد حقها فى تولى المناصب العامة بما فيها رئاسة الدولة، وأن مشاركة غير المسلمين فى ادارة الدولة حق شرعى بحكم المواطنة المتساوية، وأن حرية الإعتقاد حق مصون بالدستور، وكذلك حرية الصحافة والتعبير والتنظيم، ولكل مواطن حق العمل والتعليم والصحة والسكن.
لا شك أن البيان يمثل خطوة متقدمة لما تقول به كتب الفقه التراثية ولما تنادى به بعض التيارات السلفية الاسلامية، وبما أن هذه الأسس هى التى تقوم عليها الدولة الحديثة، وتتضمنها الاتفاقيات الدولية التى وقعت عليها معظم الحكومات المسلمة، وينادى بها المواطنون المستنيرون فى الدول الاسلامية بما فيها غير المسلمين وتنظيمات الشباب والنساء، وأنها تمثل حركة التاريخ التى تسير فى اتجاهها المجتمعات البشرية، فانها بذلك تستحق النقاش الجاد والهادئ بين كل قوى المجتمع السياسية والدينية والفكرية حتى نصل الى كلمة سواء فى أسس الحكم وشكله وتداوله نتراضى عليها. أما المزايدة الغوغائية وتهم التكفير أو العلمانية أو العمالة أو ضعف الدين فلن تؤدى بنا الا الى المشاكسة والنزاع والتفرق الذى يجعلنا لقمة سائغة للأعداء. فهل هذا ما يريدون؟.

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147510259&bk=1
_________________

Post: #338
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 04:00 PM
Parent: #337


دراسة حالة د. قرنق (
د.عبد الرحيم بلال
بدأنا سلسلة هذه المقالات بالسؤال عن أسباب جاذبية وشعبية القادة السياسيين وخلصنا إلى أن هناك سببين رئيسيين لذلك، هما الصفات الشخصية من كاريزما وقوة إشعاع وصفات قيادية متميزة بجانب الخطاب السياسي الذي لا بد أن يخاطب عامة الشعب وقضاياه واحتياجاته والنخب كذلك بمبادئه العامة الجاذبة والنسق الفكري المتسق والذي اسميناه الإطار المفاهيمي الكلي وأهم مكوناته المقولات المفصلية والأساسية فيه، والتي هي بمثابة حزم مضامينية مكثّفة تحدد الأهداف والوسائل لتحقيق ما يسعى إليه السياسيون. وبما أننا مقبلون على انتخابات يحتاج المواطنون -وخاصة الشباب منهم- لأدوات لتحليل برامج الأحزاب والسياسيين وخطاباتهم للمشاركة الفاعلة فيها، وبمناسبة الذكرى الثانية لرحيل دكتور جون قرنق حاولنا تطبيق إطارنا التحليلي هذا على خطاباته وأسباب جاذبيته وشعبيته التي سلّط عليها الضوء الكثير من المقالات والأعمدة في الصحافة السودانية.
اعتمدنا في مقالاتنا على خطابات لدكتور قرنق في كتاب: جون قرنق- رؤيته للسودان الجديد وإعادة بناء الدولة السودانية، تحرير وتقديم د. الواثق كمير، 2005م.
في المقالات السابقة تناولنا المعلم الأساسي الرابع في الإطار المفاهيمي الكلي لدكتور قرنق وهو قدرته على التنقّل والتحرّك على المستويات المحلية والوطنية والإقليمية والعالمية حين يتناول قضايا السلام والثقافة والتهميش والإقصاء في كلياتها ليستخلص الدروس والعبر في التطبيق وفي تحقيق هدف السودان الجديد، كما تناولنا المعلم الأساسي الخامس للإطار المفاهيمي الكلي للدكتور قرنق وهو التنقل والتحرك بين الحقب التاريخية المختلفة ليكشف عن تاريخ علاقة سودان اليوم بالسودان القديم في تنوعه الثقافي والعرقي والديني.
في هذه المقالة نتناول المعلم الأساسي السادس للإطار المفاهيمي الكلي للدكتور قرنق وهو المنظور الكلي للساحة السياسية السودانية وكل اللاعبين فيها، إن دكتور قرنق وفي مفهومه للتهميش لا يأخذ بمنهج التحليل الطبقي، على الأقل في الخطابات الثلاثة التي هي موضوع هذه المقالات، ليحلل الفاعل والمفعول به في عملية التهميش بل يركز على الدولة المركزية الإقصائية في علاقتها بالمهمشين في كل أنحاء البلاد وحتى في داخل المركز نفسه. فهو لا يحلل الجوهر الاقتصادي الاجتماعي للدولة المركزية ومكوناتها السياسية والاجتماعية بالرغم من حديثه عن قوى السودان الجديد. إنه يفعل ذلك ربما ليتفادى الاستقطاب والاستعداء السياسي أو بهدف التبسيط الذي يفهمه عامة الناس المهمشين فهو لا يتحدّث عن الرأسمالية الطفيلية أو الرأسمالية الوطنية أو عن الدولة الريعية ولا عن دولة الجلاّبة بالمعنى الاقتصادي الاجتماعي ناهيك عن المعنى الإثني الذي ينأى بنفسه عنه تماماً بالرغم من أنه يتحدّث عن الصراع بين القوى التقليدية والقوى الحديثة منذ الاستقلال في عام 1956م وهذا النهج يختلف عن نهج بعض المحللين الذين يحددون مكونات الدولة المركزية من القوى التقليدية من زعماء دينيين وزعماء قبائل وتجار وتنكوقراط عسكريين ومدنيين، كما يفعل د. عطا البطحاني ونيبلوك مثلاً، إذ يرى هؤلاء أن جوهر الدولة المركزية هذا لم يتغيّر منذ الاستقلال، إن د. قرنق يركّز على طبيعة الدولة المركزية الاقصائية في علاقتها بالمهمشين بدلاً من التركيز على تكويناتها الاقتصادية والسياسية بل يعترض د. قرنق على بعض دوائر في القوى الحديثة في دعوتهم لعزل الأحزاب التقليدية «حزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي» في التجمع الديمقراطي، مشيراً في موضوعية إلى القاعدة الاجتماعية السياسية لهذه الأحزاب «ص155- 156» ويجعل من التحرّك نحو السودان الجديد المقياس والمعيار للحكم على القوى السياسية المختلفة.
ويحلل د. قرنق التحالف بين القوى الحديثة وسكان الريف الذين دعا وعمل على تسييسهم ويقول عن سكان المدن الذين يشملون القوى الحديثة «إذا هرشت جلدهم بأظافرك فإنك ستلمس (ريفيتهم) إنها قرب السطح». (ص154) أليس في ذلك دعوة للوفاء لسكان الريف الذين تمتد لهم جذور سكان المدن والقوى الحديثة والتي تتناسى قطاعات كبيرة منها اليوم هذه الحقيقة الدامغة فيراكمون الثروة في تعالٍ وإقصاء وتهميش لأهلهم في الريف؟
في هذا السياق نتساءل كيف يحذّر بعض قيادات الحركة الشعبية اليوم من التحالف مع هذه الأحزاب في اختلاف واضح مع رأي د. قرنق هذا؟ وفي ذلك نشير إلى عمود للأستاذ حيدر المكاشفي في صحيفة (الصحافة) بتاريخ الأربعاء 25/7/2007م بعنوان: (غازي الذي عرفته والذي لم أعرفه) والذي يكتب فيه: «طفق يكيل الاتهامات والسباب للأحزاب وزعاماتها حتى بلغ به الهياج ضد الأحزاب كافة فيما عدا المؤتمر الوطني والحركة الشعبية إذ طالبها بأن ترمي برامجها في سلة المهملات وتصطف خلف الشريكين...»، ويواصل الأستاذ حيدر المكاشفي: «ولم يقف تصريحه الناري عند هذا الحد بل امتد لهيبه ليحذّر زملاءه في الحركة الشعبية من مغبة أي تحالف مع مَنْ يسمون أنفسهم بالمعارضة.»
نختم هذه السلسلة من المقالات بذكر تعليق ساخر -لا داعي لذكره- من أحد أعضاء الحركة الشعبية على مقالتي بعنوان: «محمد طه: يا دوب ما تفتحو خشمكم!!!» في صحيفة (الصحافة) بتاريخ 11/9/2006م. كما حذّرني أخوة آخرون عند قراءته من مخاطر على من جهة قتلة محمد طه. في حين أن اخوة من الحركة الإسلامية أثنوا على المقالة سابقة الذكر. هأنذا اليوم أحصد تعليقاً غاضباً من أحد الاخوان الذين ربطتني بهم علاقة الاخوّة في حركة الاخوان المسلمين في الخمسينيات فقد اشتاط غضباً حين قرأ الإعلان عن التجمع الذي دعت له الحركة الشعبية بمناسبة الذكرى الثانية لرحيل الدكتور قرنق، وقد ورد اسمي فيه كأحد المتحدّثين. لقد غضب هذا الاخ عليَّ وكأنني خرجت من الملة! وأظن أنه سيصب عليَّ جام غضبه حين يقرأ هذه السلسلة من المقالات وسيشاركه في هذا الغضب بلا شك أخوة آخرون، وقد يحكمون عليَّ بالخروج عن جادة الطريق في حين أن أحد الاخوة من الحركة الشعبية أثنى على هذه المقالات! ولكن أليس من واجبنا أن نؤرّخ للفكر السوداني السياسي الحديث؟ لا شك أنه سيأتي ذلك اليوم، وربما قريبا، والذي سيدرس فيه أساتذة الجامعات في مناهج خاصة بتاريخ الفكر السياسي السوداني آراء د. قرنق، ود. الترابي، والسيد الصادق المهدي، والاستاذ محمود محمد طه، والأستاذ محجوب محمد صالح، والأستاذ أبيل ألير، ود. فرانسيس دينق، ود. حيد إبراهيم، والأستاذ كمال الجزولي، والأستاذ الحاج وراق، ودكتور عبد الوهاب الأفندي، ودكتور التجاني عبد القادر، والدكتور غازي صلاح الدين، ودكتورالطيب زين العابدين، والأستاذ عبد العزيز حسين الصاوي، ودكتور محمد جلال هاشم، ومحمد علي جادين وغيرهم من الكتّاب والصحافيين، ممن وثقوا آراءهم وأفكارهم وتجاربهم وخرجوا بها من ثقافة الشفاهية إلى الكلمة المكتوبة في مقالات ومؤلفات وخطابات وحوارات فدفعوا بها إلى ساحات الفكر السياسي والمكتبة السودانية فصارت مواضيع للتداول والحوار ومراجع للدارسين والباحثين. إنه انتاج فكري غزير، ولكن ما زالت الخيبات السياسية تلاحقنا والفشل السياسي يخنقنا! ما هو السبب في ذلك؟ هل هو بعد هذا الإنتاج الغزير من المواطنين ومعاشهم وظروف حياتهم أم هل هو بُعد منتجي هذا الإنتاج الغزير من القضايا الحياتية مما يصعب معه تحريك الكتلة المرجّحة لجهة التغيير وحل الأزمة. ولعل هذا الإنتاج الفكري الغزير وهذا الفشل وهذه الخيبات هي بداية الطريق إلى المشروع الوطني الذي غاب طويلاً وما زال غائباً.. المشروع الوطني الذي يتعافى به السودان الموحّد أم المقسّم! ولتكن هذه المقالات مساهمة متواضعة في دراسة الفكر السياسي السوداني في الحاضر.

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147510682&bk=1

Post: #339
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 04:01 PM
Parent: #338


كسلا.... محمد عثمان محجوب (راجل البركس)
عمار محمد ادم
كحنين النوق الى الفصيل..كحنين الجزع اذ فارقه المصطفى.. احن اليك ايها الراحل عنا.. وانت الذي ربيتنا فأحسنت تربيتنا وعلمتنا ونحن حينئذٍ لم نزل صغارا.. كيف ننساك ايها الراحل المقيم.. والمفارق العظيم كان والدك يصطحبك الى السيد الحسن وانت حينئذ مشبع بالفكر الاسلامي الثوري من مدرسة الاخوان المسلمين بروح الامام الشهيد حسن البنا وفكر شهيد الفكر والمبدأ الشهير سيد قطب ..
كان السيد الحسن يحبك وكنت تحبه تجمع بينكم اواصر الروح ووشائج القلوب التي تحابت بالله وفي الله.
كسلا تحن اليك كحنيني وتذكر صوتك الصادق القوي وانت تتحدث في حماس عن الدولة الاسلامية والمجتمع المسلم والعدل والمساواة والصدق والرحمة ومبادئ ومعاني تداعبنا في صحونا ومنامنا.. وقد افنيت اخصب سنوات عمرك وانت تعمل وتنتظر وتنشدنا:
قد اختارنا الله في دعوته
وانا سنمضي على سنته
فمنّا الذين قضوا نحبهم
ومنا الحفيظ على ذمته.
آهـ من الذكرى حين تقطر دما من دماء عشرات الشباب يقدمون ارواحهم في سبيل مبدأ وفكرة يقطعون دراستهم الجامعية ليلتحقوا بمعسكرات التدريب في ليبيا ليقاتلوا النظام المايوي البغيض وهم يحلمون بدولة العدل والحرية والمساواة و وسقطوا مضرجين بدمائهم تحت سياط التعذيب في سجون النظام المايوي الذي ارتهن البلاد للغرب وسلم زمام امره للرأسمالية البغيضة.. مازالت اصداء صوت محمد عثمان محجوب تتردد وهو ينشد حين خاطب الشهيد جبل ا لعوينات:
الجبل الساكن قد اوّب
برضاء الله لنا صوّب
للرمي الناجز يتأهب
واللحظة تأتي بملاك
كان اسدا هزبر وليثا هصوراً يصول ويجول في عرصات جامعة الخرطوم قلعة النضال الصامده يجادل ا لاخوان الجمهوريين في غيرة على الاسلام والشريعة الاسلامية الغراء.. وكان لا يمل ولا يفتر وكان يتحرك في كل الاتجاهات. خطيبا مفوّها. او محاورا مقتدرا.. او كادرا تنظيميا نشطاً.. يصرخ في وجه حسن الترابي (انت قايل الحركة الاسلامية دي بتاعت ابوك) ولكن الترابي لم يكن يكرهه اويغتاظ منه لانه يعرف مداه وحده فهو لا يعرف التآمر والخبث ولكنه يفرغ مافي نفسه من شحنات ثم يستريح وهو ابن كسلا حين تعلم الوضوح وتشرب القوة وهو ابن (نوري) جزيرة (ايشيما) حين يتصل اصله بفرعه فجزع كسلا وفروع الميرغنية من اصل نوري وهو ا لفتى كريم الاصل عزيز المنبت حين تربى في ارقى احياء مدينة كسلا وترعرع في اعلى مقاماتها ووالده الخليفة الاصيل الصارم الملتزم بالطريقة الختمية وكان يلقب صغيره محمد عثمان ومنذ نعومة اظفاره (بالدغري) ذلك لان (الناجح من عشو يزوزي) ولا انسى قسمات الحزن البليغ في وجه شقيقه الاصغر حيث انتقلت والدته الى الرفيق الاعلى ومحمد عثمان يكتم الحزن في داخله لكنه يبدو .. ولا اذكر اين كان محجوب؟ وما زلت اسأل اين محجوب ولا اريد ان اقصم ظهره.
بل اين المقداد ذلك الطفل الذي كان يحبه والده حبا جما ويجادله وكأنه رجل كبير وكم بت معهم وهم يسكنون نصف بيت مؤجر في حي الصحافة ومحمد عثمان حينئذ نائب في الجمعية التأسيسية عن دوائر الخريجين ولا أنسى ذلك المؤذن الذي يوقظنا لصلاة الفجر مرعوبين وهو ينبه قائلا (الصلاة الصلاة الموت جاء)
محمد عثمان محجوب مدرسة في البساطة والقوة معا ابتلاه الله بالمرض العضال يسري في دمه فصبر وظل يجهد نفسه ويعمل حتى اشتد به المرض فانتقل الى جوار بيت الله الحرام والف كتابا من الاذكار والادعية المأثورة لم يجد حتى الآن طريقه الى النشر.. واصبح صباح ذلك اليوم الحزين حين جاءنا الخبر الفجيعة فقد فجعنا في رجل اخشى ان انظر في وجهه الذي يعبر عن مافي صدره من معانٍ رسالية تنوء بحملها نفوسنا الواهية الضعيفة فتتجلى في حاضرنا فنصعق وكان العزاء في منزل السعيد والحزن كان سيد الموقف والحسرة ايضا.
اشتجرت معه في السيارة ونحن في جولة في منطقة مروي ففتحت الباب ونزلت على الرمل وطلبت منه ان ينزل لينازلني وانا غضبان فقال لي في استغراب وتضاربني انا يا عمار؟ وطلب مني الصعود للسيارة ففعلت وانتهى الامر وكان معناعبدالهادي الخليفة وكليهما مضى الى الله وبقيت انا احمل هذا الكم الهائل من الاسرار والذكريات وصديقي صلاح عبدالله محمد صالح يقول لي (اصبر على الاسرار الفي صدرك) وكيف لي ان اصبر هذا اوان البوح فهل ادركت شهزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح ام انهم باحوا فاستبيحت دماؤهم وكذا دماء البائحين تباح) ومابين الجنيد والحلاج البوح والكتمان فهل يكتب صلاح عبدالصبور مرة اخرى (مأساة الحلاج) ومتى؟؟

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147494007&bk=1

Post: #340
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 04:02 PM
Parent: #339


محنة الوطن..!! (1-2)
د. عمر القراي
«فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسونü فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين» صدق الله العظيم.
المواطن السوداني البسيط «في الشمال»، الذي وسط معاناة توفير حاجيات شهر رمضان، وجد فجأة ان سعر دقيق الخبز قد زاد، كما زاد سعر السكر، والبنزين من قبل، وما تبع ذلك من ارتفاع في كل السلع .. المواطن السوداني البسيط، الذي يعجز عن دفع إيجار منزله، ودفع فاتورة الكهرباء، وتعليم أطفاله بسبب الرسوم، رغم جعجعة الحكومة بمجانية التعليم .. المواطن السوداني البسيط الذي لازال يموت في دارفور قتلاً ، ويتضور في المعسكرات في تشاد وفي اطراف الخرطوم جوعاً، ولا تستطيع الحكومة ولا القوات الأفريقية حمايته ومساعدته .. المواطن السوداني البسيط الذي يعاني الفشل الكلوي والسرطانات، وكافة الأوبئة التي انتشرت، والدولة عاجزة ازائها .. المواطن السوداني البسيط، الذي خدم الوطن عشرات السنين ، ثم فصل سياسياً، وتعسفياً، حتى ينعم شخص «إسلامي»، بوظيفته، من باب «التمكين»، ثم وعد مع من وعدوا، بإرجاع المفصولين، ولا يزال ينتظر هذه الخدعة، على الرصيف.. المواطن السوداني البسيط، الذي انتزعت عنه أرضه، وهجر منها قسرياً، بدعوى إقامة خزانات، لم تسبقها دراسات، ولم تشرح له جدواها، وحين احتج على هذا الظلم الكالح، ضرب بالرصاص دون رحمة، وسجن دون محاكمة.. المواطن السوداني البسيط الذي يلتفت يمنة ويسرى، فيرى الإعلانات عن العام الثامن لتصدير البترول، ولا يرى لذلك اثرا في حياته، بل يزيد سعر المواصلات، التي أصبح يلهث وراءها، من مكان لآخر، وهو يرى بعينيه عائدات البترول، عربات فارهات، وقصور شامخات، ينعم بها قادة النظام، وذووهم، ومحاسيبهم .. وحين استبشر هذا المواطن الطيب، بتصريح المراجع العام الذي ذكر فيه وجود الفساد، في حكومة الشمال، لم ير محاسبة، ولا مساءلة، لجموع الفاسدين من ذوي المناصب التي لا حصر لها، وبدلاً عن المحاسبة، انشغلت الحكومة، بأن تحدثنا عن الفساد في حكومة الجنوب، مع أن حكومة الجنوب لم تنكر الفساد، بل قامت بتحقيق ومحاسبة.. فماذا فعلت حكومة الشمال بأموال البترول، وهي أكثر من نصيب الجنوب، ومتى ستحاسب أعضاءها على الفساد؟! المواطن السوداني البسيط، الذي بسبب القهر، والفقر، والحروب، فضل اللجوء إلى إسرائيل، على العيش في السودان، لأول مرة في تاريخ السودان، فقبلته، وآوته الصهيونية العالمية «المتهمة بتحريض الحركة الشعبية على تجميد نشاطها في الحكومة» !! هذا المواطن السوداني البسيط في الشمال، إذا كان متضررا كل هذا الضرر، من حكومة حزب المؤتمر الوطني، وقيادتها للبلاد، فهل يعقل أن تكون الحركة الشعبية، التي تمثل الجنوب، غير متضررة، من هذا النظام؟! وهل يظن أحد أن حكومة الشمال وهي تعاني هذا الفشل، تريد لحكومة الجنوب ان تنجح لتكون أفضل منها ؟! ألا تشكل الانتخابات القادمة، حافزاً للمؤتمر الوطني، ليستغل كل إمكانات الدولة، ليضعف شريكه، حتى لو اضطر للتدخل في اختيار وزرائه، حتى يضمن تمثيلاً ضعيفاً، ومشاركة غير فعالة، ورقابة خائرة ؟!
أصل المشكلة:
إن حكومة الإنقاذ حين قامت، لم يكن السلام من أجندتها، وإنما أذكت نار الحرب، وادعت انها الجهاد الإسلامي، ووظفت لها كل طاقات البلاد المادية، والبشرية، والإعلامية، وظنت جهلاً وسوء تقدير، انها تستطيع ان تقضي بالسلاح، على الجيش الشعبي لتحرير السودان، حتى أنها سمت إحدى غزواتها «نهاية المطاف» !! ولكنها هزمت في تلك المعركة، وتوالت عليها الهزائم، حتى اقتنعت بجدوى السلام.. ثم ووجهت بضغوط دولية، اضطرتها الى أن تقبل اتفاقية السلام، مذعنة ، فوقعت عليها، وهي غير مقتنعة بها، بل كانت تضمر الخيانة، وتسعى لكسب الوقت، وهي تعد العدة، للاستعداد للحرب مرة أخرى، متى ما أصبحت الظروف الدولية، مواتية والأوضاع الداخلية قابلة للتصعيد مرة أخرى.
وبعد توقيع اتفاقية السلام في 2005 م، ظهرت نوايا الحكومة، بإصرارها على البقاء على الوضع القديم ، فلم تطبق الدستور، ولم تحفل بموضوع التحول الديمقراطي، وسنت القوانين المنتهكة لحقوق الإنسان، وأغفلت كل بند من بنود الاتفاقية يمنح شريكها مشاركة حقيقية في الحكم.. وكأنها وهي تفعل كل ذلك، تقول للحركة الشعبية بلسان حالها: «لقد عجزنا عن إخضاعكم بالحرب، لهذا أوقفنا الحرب، لنخضعكم بالسلام، وذلك عن طريق التسويف، وإضاعة الوقت، وعدم تطبيق الاتفاقية، وتعيين وزرائكم نيابة عنكم، فإذا لم يعجبكم هذا ارجعوا للحرب».. وهم في ذلك، يريدون ان يوهموا العالم، خاصة الذين شهدوا على اتفاقية السلام، انهم مازالوا مع السلام، وان الحركة الشعبية هي التي تهدد بالحرب، وهي التي رفضت بمحض إرادتها، الدخول في الحكومة.
إن سبب المشكلة التي تعاني منها البلاد اليوم، هو ان المؤتمر الوطني، قد اكتشف انه أخطأ في توقيع اتفاقية السلام.. وان هذه الاتفاقية، من شأنها ان تقضي على هيمنته الفردية، لو قدر لها ان تحقق، وهذا ما قصده د. نافع حين قال، ان للحركة الشعبية أجندة خفية، تريد ان تصفي بها مشروعهم !! والذي يريده المؤتمر الوطني الآن، هو ان يتراجع عن الاتفاقية، ويفض الشراكة، مع الاستمرار في الحكم، وكأن شيئاً لم يكن !! وهو في هذه الأثناء ، ينفق الأموال الطائلة، على الدفاع الشعبي، وعلى الجيش النظامي، ويؤمن مواقعه في الجنوب، ويرفض الانسحاب الذي نصت عليه الاتفاقية، تحسباً للحرب. وهو اذ يفعل ذلك يتمنى ان تقبل الحركة الشعبية ذلك دون ان تفعل شيئاً، لأنه يراهن في حسابات المتطرفين من اعضائه على عدم مقدرة الحركة على الرجوع للحرب.. ولكن كل هذه الحسابات جائرة وخائنة، ولم تراع عهداً ولا ذمة، ثم إنها أيضاً خاطئة، وستضر بالحكومة أكثر مما تنفعها.. فإذا كانت الحكومة قد جارت على شريكها، ولم تنفذ اتفاقها معه، فمن الذي يؤمن لها من حركات دارفور أو شرق السودان أو غيرها؟؟ وهل تستطيع هذه الحكومة المجردة من السند الشعبي، المعتمدة على آلية البطش والإرهاب، أن تقود الحرب في جميع أنحاء السودان، لو قدر للحرب أن تشتعل مع الحركة الشعبية؟
إن العالم الذي شهد اتفاقية السلام، وعرف حرص الحركة عليها، يستطيع ان يميز ان الحركة قد كانت مضطرة، إزاء إهمال وتحقير وإغفال حكومة الشمال، الى تجميد عضويتها، وعدم مشاركتها في حكومة تحرف الاتفاق، وتعطل الدستور، وتستمر رغم ذلك في حكم البلاد، بالبطش والإرهاب.
الحركة الشعبية تستحق الإشادة:
لقد خاضت الحركة الشعبية، الحرب وحدها، دون مساعدة تذكر، من الأحزاب، رغم مشاركتها معهم في التجمع.. وبعد توقيع اتفاقية السلام، ظلت تقاوم في صبر وثبات، كل محاولات المؤتمر الوطني في التغول على حقوقها، دون أن تجد أية مساندة من الأحزاب، او من المثقفين عموماً، بل أن أقلامهم انبرت في نقد الحركة، فوصفوها تارة بالانتهازية والتنصل عن مبادئ التجمع، والقبول بالمشاركة وحدها في السلطة.. كما وصفوها تارة بالضعف، وتارة بالتوافق مع المؤتمر الوطني، وخذلان الشعب في الشمال والجنوب.
ورغم ذلك، واصلت الحركة الشعبية نضالها، وأصرت على بناء كياناتها السياسية في الشمال.. وقام قطاع الشمال بعمل خارق، أثر على أعداد كبيرة من الشباب في الشمال، وزاد من تعاطفهم مع الحركة، وتفهمهم لمواقفها، كما فتح داره للحوارات الفكرية، والثقافية، بداية للمنابر الحرة التي لن تتم توعية هذا الشعب بغيرها.. لكل هذا انزعج المؤتمر الوطني، وانفق الأموال الطائلة ليشق صفوف الحركة، بالإغراءات، وبإثارة النعرات القبلية، لإشعال العداوة بين أفرادها، وتأليبهم على بعضهم البعض .. ولكن الحركة استطاعت ان تجمع نفسها، وتواجه سلبياتها، وتقاوم ضعاف النفوس من أعضائها، وتعلن الفساد وتطارده، وتهيئ نفسها للتحول الديمقراطي .. ثم هي رغم ذلك، كانت تعمل في مواجهة الحكومة، وتذكيرها بالتزاماتها بالاتفاقية، وبحقوق الإنسان التي نصت عليها، وتقاوم كافة محاولاتها في التغول على الحريات، وفي وضع القوانين المعارضة للدستور.
لقد كان الأمر المتوقع من كل المثقفين الأحرار، أن يدعموا الحركة الشعبية، وان اختلفوا مع طرحها السياسي، ذلك أنها حين تقاوم المؤتمر الوطني، إنما تقاوم الهيمنة، المدعومة بالهوس الديني، والحكم الشمولي الطويل، الذي لم يذق الشعب على يديه، غير القهر، والإفقار والتعذيب.. وبدلاً عن ذلك، نظر إليها المثقفون وقادة الأحزاب وكأنها بمشاركتها في السلطة وفق الاتفاقية، قد أصبحت مثل المؤتمر الوطني، ولهذا نقدوها، دون النظر بعمق الى الدور الذي تقوم به في هذه المرحلة.

========
محنة الوطن..!! (2-2)
د. عمر القراي
الأقزام:
وحين اتخذت الحركة الشعبية، هذه الخطوة الشجاعة، بتجميد نشاطها، حتى تحقق مطالبها، التي تنص عليها الاتفاقية، لم تجد من الزعماء السياسيين فيما خلا زعيم حزب المؤتمر الشعبى، الدكتور حسن الترابى، مسانداً !! ففي مقابلة لجريدة «الأحداث» مع الأستاذ محمد إبراهيم نقد سكرتير عام الحزب الشيوعي السوداني، اعترض على خطوة الحركة بتجميد نشاطها في الحكومة، قائلاً «لن يستمر لأن وجودهم في الحكومة المركزية يغذي حكومتهم الإقليمية، وفي رأيي انه لا جدوى من المناورة بهذا الكرت من ناحية سياسية، لأنهم يعلمون أنهم لا بد سيعودون في يوم ما» «الاحداث 16/10/2007م» .. وحين سأله الصحافي عن ما يمكن أن يؤدي له فض الشراكة، واثر ذلك سلبياً على السودان، قال «يجب ألا يهددنا أحد بالانفصال ودعني أسالك اذا أرادوا الانفصال أين سيذهبون» !! «المصدر السابق» فهل هذه قامة زعيم وطني، قائد لحزب تقدمي، يرجى منه الإسهام في حل مشكلة بلده؟! انظر كيف يظن ان الحركة الشعبية حين تهدد بالانفصال، إنما تهدد المواطنين الشماليين، فيرد عليها، وكأنه الطيب مصطفى، بنبرة لا تخلو من النعرة العنصرية.. ولقد لاحظ الصحافي الذي يحاوره انه يتبنى نفس خط المؤتمر الوطني، فقال له «وكأنك تتحدث بلسان المؤتمر الوطني؟؟» !! وحين سأله الصحافي قائلاً «إذاً كيف يكون سيناريو الخروج من التحالف ؟» «ضحك ثم أردف قائلاً: كل زول يطلق مرته بالكيفية التي يراها» !! وحين ألح عليه الصحافي ليدلي برأيه حول تصوره للمخرج، قال «نحن قادرين نحل مشاكلنا لنفكر في مشاكل الآخرين» «المصدر السابق».. فهل رأى الناس مثل هذا الضعف وهذا الهوان ؟! إن اعتراف الأستاذ محمد إبراهيم نقد، بعد كل هذه السنين من الالتزام والاختفاء، بعجزه عن حل مشاكل حزبه، اعتراف لا تزينه فضيلة التواضع، لأنه خالٍ تماماً من الصدق.. وإلا لتنحى نقد عن زعامة الحزب التاريخية، وأعطى الفرصة لمن يأنس في نفسه الكفاءة، لحل هذه المشاكل، والإسهام في حل مشاكل الوطن.
أما السيد الصادق المهدي فكل همه - كما هي عادته- ان يستغل الأزمة التي تمر بها البلاد، ليجد السبيل ممهداً للسلطة، لذلك أصر على أن حل الأزمة، هو تكوين حكومة قومية جامعة، بدلاً عن الشريكين، يظن انه سيكون رئيسها !! ولا حاجة للتعليق على مبلغ سطحية تصريحات السيد الصادق، ذلك ان المؤتمر الوطني، وقد ضاق بشريك واحد، لا يمكن ان يقبل بعدة شركاء.
وحتى الاتحادي الديمقراطي، الذي كانت مواقفه أفضل من حزب الأمة، فقد بدا في هذه الأزمة متخبطاً مثله .. فقد جاء «وجه الأمين العام للحزب الاتحادي بالإنابة فتح الرحمن شيلا، انتقادات قاسية إلى الحركة الشعبية، واعتبر أزمتها الحالية مع المؤتمر الوطني نتاجا طبيعيا لانفرادها بالشراكة في الحكم، وتعمد تجاهل وعزل حلفائها السابقين .... مزيحاً الستار عن تحريض بعض الجهات- لم يسمها- للتجمع والحزب الاتحادي لمغادرة الحكومة أسوة بالحركة، لكنه أكد ان الاتحادي لن ينحاز في الأزمة الحالية الا لمصلحة الوطن، وأردف لن نكون تبعاً للحركة ...» «الاحداث 16/11/2007م» .. إن الحركة لم تنفرد بالشراكة في الحكم، بدليل مشاركة الأعضاء من الاتحادي، الذين أشار شيلا الى أنهم لن يخرجوا من الحكومة بخروج الحركة !! وهؤلاء كان يجب أن يخرجوا من الحكومة، لا تقليداً واتباعا للحركة، وإنما لأن الحكومة لم تطبق الاتفاقية التي شاركوا بموجبها في السلطة، اللهم إلا إذا كانت الكراسي لا المبادئ هي همهم .. وبعد تصريحات شيلا، وهجومه على الحركة الشعبية، الذي يشبه تماماً تصريحات، وهجوم المؤتمر الوطني، قرأنا قرار التجمع بالوقوف الى جانب الحركة !! ثم تصريح نائب رئيس التجمع، ووزير التقانة بالحكومة، عبد الرحمن سعيد الذي نقله عنه نائب رئيس الجمهورية، والذي اعتبر الوقوف بجانب الحركة، لا يمثل رأي التجمع !! ولم نسمع من السيد محمد عثمان الميرغني، تأييداً لشيلا، أو لعبد الرحمن سعيد، ومن ثم ظل موقف الاتحادي على ضعفه غامضاً.
المخادعون:
في مؤتمره الصحفي، الذي عقده لتوضيح وجهة نظر الحكومة، قال الأستاذ علي عثمان نائب رئيس الجمهورية «والسؤال الآن لو ان هذا الموقف الذي اتخذته الحركة الشعبية، كان من باب الحرص على المواطن في جنوب السودان الذي لم يجد بعض حظه، أو إجابة على الأسئلة المطروحة عن الحصاد الذي يجنيه بعد عامين من تطبيق اتفاق السلام في خدماته الأساسية، وفي أوضاعه الأمنية وفي حرياته السياسية» ... «الاحداث 22/10/2007م» .. ومعلوم ان حكومة الجنوب، لم تتحصل على حصتها من عائدات البترول، بمجرد قيامها، وإنما بعد إلحاح متصل، وفي منتصف السنة الثانية .. ومعلوم أيضا، ان الجنوب قد كان أرض المعركة، طيلة سنوات الحرب، مما دمر بنيته التحتية، وقضى على الطرق، وزرع الألغام، التي تعوق الزراعة والرعي، وتحد من حركة المواطنين.. فهل كان متوقعا من حكومة الجنوب، أن تصلح البنية التحتية، وتشق الطرق والقنوات، وتجني عائدات التنمية، فيتحسن وضع المواطن، ويستوعب كل العائدين من النازحين واللاجئين، الذين شردتهم الحرب، وتتحقق الديمقراطية، في هذه الشهور التي استلمت فيها حصتها من عائدات البترول؟! هل كان ذلك يمكن ان يحدث، حتى لو أنها استلمت حصتها، في نفس يوم توقيع الاتفاقية..؟!
إن السؤال الحقيقي هو: إن حكومة الإنقاذ قد حكمت منذ عام 1989م، ولقد بدأت تستلم عائدات البترول منذ عام 1999م، فلماذا عجزت في 18 عاما ان تطبق في الشمال التنمية والديمقراطية التي تطالب حكومة الجنوب ان تطبقها في عامين فقط ؟!
سُئل د. أمين حسن عمر، المدير العام للهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون، عن اعتراض السيد رئيس الجمهورية على مرشحي الحركة الشعبية من الوزراء، وهل لديه حق الفيتو على الاتفاقية، فقال «الرئيس لديه الحق بالعرف المعمول به في كل الدنيا، ان يعترض على أي وزير يعتقد انه غير مناسب، وكيف يستقيم ان يأتي كل حزب بمجموعته وفق هواه. ومن ثم يصبح هذا الجمع حكومة، والاتفاقية عندما تحدثت عن تشكيل الحكومة بالتشاور كانت تعني هذا». «الأحداث 21/10/2007م».
أليس هذا محض التواء؟؟ لماذا يترك الرئيس الاتفاقية التي وقّع عليها، وهو مسؤول عنها ديناً وقانوناً، ويتبع العرف الذي تعمل به دول أخرى، لم توقع مثله على اتفاق محدد؟! ثم هل تظن الحركة الشعبية، أن الوزراء الذين اختارهم المؤتمر الوطني ليمثلوه، مناسبين، أم تعتقد انه قد أتى بهم «وفق هواه» ومع ذلك قبلت بهم، احتراماً للاتفاقية؟
إن تصريح د. أمين حسن عمر، بالإضافة الى تعمده الخداع، يفتقر إلى المعرفة بالديمقراطية والنظام التعددي، الذي يختار فيه كل حزب ممثليه، حسب رغبته، وخلافاً لرغبة الحزب الآخر. ومع ذلك يمكن أن تكون الحكومة منسجمة ومتماسكة وفعالة، لأنها مقيدة بالدستور ومتفقة على مصلحة البلد. واتفاقية السلام قد نصت على تكوين الحكومة بالتشاور، ولكنها احتاطت لتغول الحكومة على شريكها، لهذا لم تعط الرئيس الحق في الاعتراض على وزراء الحركة، من هنا اعتبر اعتراضه خرقاً للاتفاقية، وتعدياً على حقوق شريكه.
ولم يكن من المعقول، ولا من المقبول، أن ترضى الحركة بمثل هذا التغول السافر، الذي يلغي وجودها في السلطة.. ولقد تنبه السيد الرئيس لذلك، فقبل المذكرة، وقام بتعيين الوزراء المقترحين، فاستجاب للمجموعة الواعية من مستشاريه.. ولكن المذكرة، كانت تحوي مطالب أخرى، تعتمد أيضاً على الاتفاقية، لم تتم الاستجابة لها، أو التعليق عليها، مما يبرر تجميد الحركة لنشاطها داخل الحكومة، بصفته تعبيرا حضاريا، عن عدم الموافقة على إهمال مطالبهم الدستورية، والتي تتفق مع ما جاء في الاتفاقية.
فهل يمكن لحكومة الوحدة الوطنية، ان تستمر بدون الحركة الشعبية، ولو تظاهرت بأن غيابها لن يؤثر؟! إن غياب الحركة الشعبية، يرجع الحكومة إلى عهد حكومة الإنقاذ التي تمثل حزبا واحدا، يطرح طرحاً متشدداً، غير مقبول داخلياً، وإقليمياً ودولياً .. وليس من مصلحة الحكومة أن تتبع الجناح المتطرف، الذي يدفعها في هذا الاتجاه.. فإذا كان المجتمع الدولي يشك في تورطها في جرائم دارفور، والقوات الأفريقية تظن أنهم متورطة في جريمة حسكنيتة، والفصائل المحاربة في دارفور تنظر إلى رعايتها لاتفاقها مع الحركة باعتباره نموذجا يمكن ان تطبقه معها، فليس من مصلحة الحكومة انتهاز تجميد الحركة لنشاطها، للاستيلاء على كل السلطة، في انقلاب على الشرعية، التي ارتضتها كل الأطراف، والتي لا يمكن أن تمثل بغير الدستور الانتقالي، واتفاقية السلام الشامل التي لا تقوم بغياب احد أطرافها.
ود. أمين حسن عمر، باعتباره المسؤول عن الإذاعة والتلفزيون، ماذا فعل وفقاً للإتفاقية في حدود صلاحياته؟ أليست هذه أجهزة قومية؟ لماذا لا تزال محتكرة، ومستغلة للدعاية لحزب المؤتمر الوطني، دون سائر الأحزاب؟ لماذا تقوم كل البرامج على طرح الرؤية الدينية المتخلفة، التي يتبناها المؤتمر الوطني دون سواه.. ولماذا غيبت الحركة الشعبية، وفكرها وثقافتها، ورؤاها، من أجهزة الإعلام القومية، واستغلت هذه الأجهزة، مع قرب الانتخابات للدعاية للمؤتمر الوطني؟!
لقد ألقت الحركة الشعبية حجراً، في بركة السياسة السودانية الآسنة، الراكدة، فحركتها.. وهذا في حد ذاته، عمل عظيم، يضاف إلى مواقفها المشرفة.. ولقد أظهرت بهذا الموقف، قصر قامة القادة السياسيين، في الحكومة وفي المعارضة.. وأكدت بذلك، مقولتين شهيرتين للاستاذ محمود محمد طه أولهما، قيلت في مطلع الخمسينيات، وهي: «حل مشكلة الجنوب، في حل مشكلة الشمال» !! والثانية قيلت في منتصف الستينيات ، وهي: «الشعب السوداني شعب عملاق، يتقدمه أقزام»..!!

http://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=40427
________

Post: #341
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 04:03 PM
Parent: #340




عن المثقّف والسلطة وسبل كسب العيش في السودان
د.عبدالوهاب الأفندي
يبدو أن أبعاد الأزمة السياسية -الأخلاقية- المعرفية التي ناءت بكلكلها على سوداننا الحبيب أكثر عمقاً وتشعّباً من أسوأ التوقعات حولها. ويتجلى هذا في طبيعة ومستوى الحوار الدائر حول الأزمة، الذي يسيطر عليه -مع استثناءات مهمة- الطابع الحزبي أو الأيديولوجي الضيّق، والتراشق بالتهم والتنابذ بالألقاب. وعلى الرغم من الظاهرة الصحية التي تمثّلت في زيادة عدد المعلقين وكتاب الأعمدة المستقلين في الصحافة السودانية، إلا أن هؤلاء كثيراً ما يعانون من أزمة مزدوجة تتمثّل في التصنيف المسبق ممن لا يرضيه حديثهم، إضافة إلى عدم الفهم لمنطلقاتهم خاصة من الجهات الحكومية (وكثير من الجهات الحزبية والمعارضة) التي تعتبر كل نقد عملاً عدائياً. ولا يخلو الأمر من تراشق بين بعضهم وتنابذ بالألقاب يعيد بعضهم إلى خانة الانتماء الأيديولوجي حين يجد الجد.
ولا يعني هذا بحال أننا ننتقد الإنتماء الحزبي أو العقائدي أو نعتبره مذمة أو منقصة، بل بالعكس، فإن الإنتماء السياسي -خاصة حين يتجرّد من طلب المنفعة الشخصية والولاء الأعمى- يمثل مرحلة أعلى من التجرّد الأخلاقي ونكران الذات. فالشباب الجامعي وغيرهم من الناشطين الذين يقتطعون من وقتهم وجهدهم (وأحياناً من مواردهم المالية الشحيحة) الكثير لينخرطوا في النضال السياسي، ويشتبكوا مع بعضهم البعض في النقاش حول الهم العام، ويقدّمون التضحيات في سبيل ذلك، هم بالقطع أكثر عطاءً وأنبل مقصداً من أولئك الذين يقتصر اهتمامهم على الشأن الشخصي ومتابعة الدروس، وإن كان طلب العلم في حدّ ذاته قيمة اجتماعية يتعدى نفعها الشخص المعني إلى مجتمعه، ولكن من جمع الحسنيين من الجد في طلب العلم مع الاشتغال النشط بالشأن العام يستحق ما فضّل به الله المجاهدين على القاعدين.
وهناك مع ذلك درجة أعلى، هي درجة المثقّف المشتغل بالشأن العام من منطلق غير حزبي، أو بدون أن يسجن نفسه في قالب حزبي ضيّق. مثل هذه الشخصيات ضرورية لأنها تلعب دور ضمير المجتمع، لأنها لا تعارض السلطة فقط، بل قد تعارض المواقف والقيم والمعتقدات السائدة في المجتمع، وتتحمّل في سبيل ذلك الأذى. وقد يتعرّض أفراد هذه الطائفة للاضطهاد، وربما القتل، وفي أحيان كثيرة لا يعرف الناس فضلهم إلا بعد رحيلهم عن الدنيا. ولكن ما يتمتعون به من تجرّد أخلاقي وصلابة مبدئية يجعلهم يتميّزون عن غيرهم، وينال الاعتراف حتى من خصومهم.
ولأسباب لا تخفى فإن هذا الدور لا يمكن أن تلعبه إلا قلة من الناس، أولاً، لأن المؤهلات اللازمة له نادرة، وثانياً، لما يتطلبه من تضحيات جسام. ذلك أن من يمتلك مثل هذه المؤهلات النادرة يكون ميالاً لاستثمارها في ما يعود عليه بالنفع القريب. وعليه فحتى حين نتأمل في الأفذاذ الذين ارتبطت أسماؤهم بمثل هذه المقامات عبر التاريخ (على سبيل المثال لا الحصر: سقراط، أحمد بن حنبل، توماس مور... إلخ)، فإننا نجد أكثرهم اضطر اضطراراً إلى ركوب هذا المركب الصعب، في حين كانوا يفضّلون السلامة. ولكن ما يميّزهم هم أنهم حين «امتحنوا» اجتازوا الامتحان بنجاح وصمدوا على ما رأوا أنه الحق حتى النهاية المرة.
الذي تغيّر مع مطلع الحداثة وبزوغ العصر الرأسمالي هو ظهور إمكانية أن يجمع المثقف بين استثمار مواهبه لمنفعته الشخصية مع الاحتفاظ بتعاليه الأخلاقي على العالم من حوله. ولهذا لم يكن عجباً إن كان أحد أبرز الرموز للمثقف العام في العصر الحديث هو إميلا زولا، الروائي الفرنسي الذي تحدى في مقاله «إني اتهم» السلطات القائمة والرأي العام في نفس الوقت. ولكن زولا كما نعرف كان روائياً مشهوراً يكسب مبالغ طائلة من عائد بيع رواياته، وبالتالي لا يحتاج إلى أن يقف بباب سلطان يسأله العطاء، ولا يخشى أن يفقد وظيفة يعتمد عليها هو وعياله، ويخشى الهلاك إن فقدها. ولأنه معروف مشهور فإنه لم يكن يخشى بأس السلطة ولا سلطان الرأي العام، بل كانت السلطة تخشاه والرأي العام يهابه. وهكذا يمكن أن يقال إن المثقف الحديث ودوره العام هما النتاج المباشر لاقتصاد السوق وبنية الدولة الحديثة وتمايز المؤسسات فيها. فقيام الإعلام وصناعة النشر المستقلين، إضافة إلى الاستقلال الذي تمتعت به المؤسسات الأكاديمية، حرم أهل السلطة من استخدام سلاح قطع الأرزاق كوسيلة ضغط لإخضاع المثقف لسلطانهم.
وهنا بالضبط تكمن إشكالية المثقف في السودان ومعظم الدول العربية والأفريقية التي تعجز أسواقها المتواضعة عن دعم صناعة الثقافة، ولا تتمتع مؤسساتها الثقافية والأكاديمية باستقلال كاف. وأهم من كل ذلك فإن العمل في هذه المؤسسات حتى وإن تمتعت باستقلال محدود أصبح لا يمكّن المثقف من أسلوب معيشة الطبقة الوسطى الذي أصبح المثقف يراه حقاً له، ولازمة من لوازم الكرامة والمكانة الاجتماعية اللائقة. وقد تكرس هذا الوضع في السودان ومعظم دول المنطقة بعد الطفرة النفطية في السبعينيات وما تبعها من أزمات اقتصادية عصفت باقتصاد هذه الدول وكانت الطبقة المتعلّمة وعلى رأسها المثقفون من أول ضحاياها. وقد أصبحت خيارات الطبقة المثقفة محدودة جداً، فإما الهجرة أو الالتحاق بركب السلطة أو الرضى بعيش الكفاف مكرهين.
إضافة إلى هذا فإن الحكومات غير الديمقراطية تتعمّد زيادة تضييق مساحة الاستقلال المتاحة كما فعلت حكومتنا السنية القائمة اليوم، والتي نستغفر الله من وزر المساهمة في سيء أعمالها. فقد زادت الطين بلة، حيث زادت الناس فقراً على فقر في أول عهدها، ثم لم تكتف بذلك فاستخدمت سلاح قطع الأرزاق -على قلة غنائها- عن مَنْ لم ترض عنهم أو شكت في ولائهم، حتى أفقدت المؤسسات الأكاديمية والثقافية كل استقلال. وهي وإن كانت قد تراجعت مكرهة عن بعض تلك السياسات، خاصة في ما يتعلّق بالرجوع إلى مبادئ اقتصاد السوق وإتاحة قدر لا بأس به من حرية الإعلام، إلا أنها أخذت تستخدم عين آليات اقتصاد السوق لتطويع المثقفين والكتّاب. فهي من جهة تستخدم سلاح الإعلان لتطويع الصحافة، وتستغل تركيز الموارد في يدها -إما مباشرة عبر عائدات النفط، أو غير مباشرة عبر سيطرة الموالين على قطاعات مهمة من السوق- لإغداق العطاء على من ترضى وفرض الحرمان على من عاند.
هناك إضافة إلى ذلك دلائل على أن الإشكالية تتعدى الحكومة الحالية وممارساتها إلى ما هو أعمق، لأن بنية الأحزاب السودانية القائمة تعاني من إشكاليات مماثلة ترهن إرادة مثقفيها للقيادات الطائفية أو القبلية أو (في حالة الجنوب) العسكرية، رغم قيام محاولات عدة للخروج من هذا الإسار منذ مؤتمر الخريجين مروراً بإنشاء الحزب الوطني الاتحادي ثم محاولة إعادة إحيائه في منتصف الثمانينيات قبل أن يعود رموزه إلى بيت الطاعة الطائفي. وبين هذا وذاك كانت هناك محاولات أخرى، منها إنشاء جبهة الهيئات عشية ثورة أكتوبر 1964 ومحاولة مشابهة مع انتفاضة أبريل 1985، ولكن فشل هذه المحاولات عمّق إشكالية وضع المثقف السوداني المستقل وعجزه عن أن يفرض وجوده وسلطته الأخلاقية وإيصال صوته إلى الشعب مباشرة.
ولا بد أن نكرر هنا إلى أن هذا لا يعتبر انتقاداً (على الأقل ليس في هذا المقام) للأحزاب الطائفية أو حتى للقبلية، رغم تحفظاتنا على البنى والطبيعة غير الديمقراطية لهذه التركيبات. فهذه المؤسسات لها دور إيجابي يمكن أن تلعبه في الفضاء السياسي والاجتماعي. ولكن الإشكال هو في التناقض الذي يعيشه المثقف السوداني الذي يفضل أن يمارس دوره السياسي في استقلال عن هذه الكيانات، كما عبرت عن ذلك طلائع المثقفين منذ أيام مؤتمر الخريجين بل منذ مطلع العشرينيات، ولكنه يجد نفسه مكرهاً للسير في ركابها. نفس الشيء يمكن أن يقال عن قطاع واسع من الإسلاميين يعارضون سياسات الحكومة الحالية والأسلوب غير الديمقراطي لاتخاذ القرار في أروقتها، ولكنهم يختارون مع ذلك الاستمرار في العمل من داخلها لاعتبارات عدة ليست كلها شخصية.
هناك رأي يقول بأن هذا التصور لدور ريادي للمثقف هو من قبيل المثالية الساذجة، إذ أن من الأفضل بكثير العمل من داخل الحكومة أو الأحزاب القائمة من التعلق بأوهام كمال وتجرد بعيدة عن الواقع. ويزيد هؤلاء فيقولون إن مثل هذه الدعاوى المثالية الحالمة تصدر في الغالب من أشخاص مثلنا يقيمون في الخارج ولا يتعرّضون مثل غيرهم للمعاناة والضغوط التي يتعرّض لها المثقف السوداني في الوطن. وترتبط هذه التهمة بتهمة أخرى تقول إن مثل هذه التحليلات تنضح بالتعالي الأخلاقي، وهي تهمة أطلقها البعض في إطار مختلف، كما فعل الأخ أمين حسن عمر في تعليقه على اتهامي للحركة الإسلامية بالتعالي الأخلاقي على بقية عباد الله.
ويجب أن أعترف بأن في هذه الاتهامات قدراً من الصحة، فنحن مثل بقية المثقفين تعودنا أسلوب حياة الطبقة الوسطى، ولا شك أن إدراكنا أن مواقفنا الممانعة لن تكلّفنا خسارة هذا الأسلوب بسبب وضعنا المتميّز في الغرب والخيارات المتاحة لنا يؤثر في قراراتنا، ولكن من جهة أخرى فإن الاتهام بالمثالية المفرطة في غير محله، لأننا مثل غيرنا كنا على استعداد للتعامل مع الواقع على مبدأ أن ما لا يدرك جله لا يترك كله، ومن هذا المنطلق تعاونا مع الحكومة الحالية على أساس مبادئ وأهداف مشتركة عمادها أولاً دفع الضرر الذي كان يحيق باستقرار بل وجود الوطن حينها، ثم محاولة إيجاد صيغة توافقية تخرج البلاد من أزمتها. ولكن هناك فرق بين الواقعية التي تقول إننا نبدأ من الواقع كما هو ثم ننتقل منه إلى ما هو أفضل، وبين الاستسلام لهذا الواقع والبقاء أسرى له، بل والانحدار منه إلى الأسوأ. فليس من يقفز إلى المستنقع لينقذ العالقين فيه كمن يتخذ المستنقع مستقراً له ويتكيّف مع الحياة الدائمة في داخله. والإشكال عن أكثر مثقفينا أنهم يبررون -وكثير منهم مخلصون في اعتقادهم ذاك- الصفقات التي يدخلون فيها بأنها ترتيبات مؤقتة تهدف للتغيير «من الداخل»، إلا أن التغيير يحدث في داخلهم هم، بينما يبقى الواقع على ما هو عليه أو يزداد سوءاً.
من جهة أخرى فإنه من المجافاة للحقيقة أن يقال إن المثقفين السودانيين في مجملهم اختاروا المداهنة إلا من أغناه الله من فضله. فهناك الكثيرون مِنْ مَنْ اختاروا التضحية، وحتى دخول السجن أو المنافي على المداهنة. وهناك من ضحى بحياته من أجل المبادئ. وقد مرّت على البلاد أجيال من المفكرين والسياسيين اختارت باستمرار العفة والاستقامة والزهد في متاع الدنيا الزائل حتى حين آلت إليهم السلطة. بل هناك من تميّزوا في هذا المجال واتخذوا الزهد منهجاً ومذهباً. وفي هذا المجال يحضرني مثال المفكّر الراحل محمود محمد طه، الذي اختلف تماماً مع مذهبه العقائدي، ولكن أي مراقب لا يسعه إلا أن يحترم منهجه في الزهد المنهجي (لا زهد الاضطرار) في المظهر والمعاش، ناهيك بالثبات على المبدأ حتى الموت.
ولكن إشكالية أكثر مثقفينا لا تكمن في الجنوح إلى الفساد واختيار المنفعة الشخصية مثلما تكمن في «الواقعية» المفرطة، واستعجال النتائج وقلة الصبر على الطريق الطويل، فهناك كثيرون انتموا إلى كيانات ثورية بطبعها، مثل أحزاب اليسار والحركات الإسلامية أو حتى الحركة الشعبية، وقدموا التضحيات من جراء من ذلك الانتماء، ولكنهم حين شهدت تلك الحركات انحرافات بيّنة حتى بمقاييسها هي، فضلوا البقاء فيها على المفاصلة والبراءة، تبعاً للحجة المكررة بأن حركتهم على علاتها هي أفضل من غيرها. وهذا هو أس البلاء.

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147512132
_________________

Post: #342
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 04:04 PM
Parent: #341


«السودانوية»: محمود محمد طه!!
صلاح شعيب
أزمة الحكم في السودان حتماً ترتبط بأزمة التفكير حول كيفية الحكم في الدول الإسلامية والأفريقية عموماً. إن أحوالنا السياسية متشابهة، بالدرجة التي لا تخطئها العين، مع أحوال كل الدول التي تمثلها أغلبية مسلمة، حيث يتوق المسلمون وغير المسلمين هنا وهناك إلى مثال لدولة إن لم تلحقهم بالتطوّر أغنتهم بكرامة الحياة وقدرتهم كبشر. ولكن للتطور التزامات فكرية وأخلاقية ومنهجية لا تزال بعيدة التحقيق. نحن لسنا استثناء عن مصر وأثيوبيا وليبيا وسوريا والكونغو وسلطنة عمان وزيمبابوي والعراق والجزائر. إنطلاقاً من اختبارنا لأوضاعها، نجد أن معظم البلدان الإسلامية والأفريقية تفتقد للمفكر السياسي الملهم الذي يخرجها من الظلمات إلى النور، من الإشكالات حول توفر عدالة للمشاريع التنموية للأمصار إلى ترقية المرافق الصحية الموبوءة بالناموس- هكذا، من تدعم العشائرية في دولة الأقوام والتي هي مرحلة في التفكير الإنساني إلى التفكير العصري، حيث تستقر الدولة وتراجع أخطاء ممارستها بالفصل البديع بين السلطات التشريعية والسياسية والتنفيذية والإعلامية.
ولكن، أيضاً، لا يزال الوقت مبكراً حتى نعثر على الزعماء المفكرين الذين يعملون بجد لتحقق مثل هذا التصور الضروري للدولة، وبالتالي يضحون برقابهم في المقصلة من أجل صالح شعوبهم في حال الاصطدام مع سدنة مشروع الدولة المركزية، الأصيلين والموظفين الذين يريدون أن تسير الدولة مثل طائر صغير، مهيض الجناح يطير بغير رهق إلى السفح والذرا.
الذين يمارسون السلطة الآن من السياسيين والذين يعلّقون على حيوات المسلمين بشكل عام، من حيث محاولتهم أن يصبحوا مفكرين، يفتقدون «الكاريزما المعرفية» التي توجد ثورة في التغيير الاجتماعي، ويفتقدون أيضاً الشجاعة للتضحية، ومع ذلك يريدون أن يكونوا زعماء راسخين في دولة ملتهبة، وفي ذات الوقت يريدون أن ينعموا بنعيم الدنيا.
في الأقطار العربية والإسلامية والأفريقية مرّ عدد هائل من السياسيين والمفكرين والكتّاب والنقاد، ولكنهم لم يخلقوا أثراً مفارقاً يقود أهل هذه الدول إلى الطريق الصحيح نحو التقدّم، وبالتالي يكونوا قد قطعوا بين زمان الجهل والتنوير. وحتى المفكرون والسياسيون الذين تعرضوا للقتل أو التصفية من الديكتاتور لم يؤثروا على المواطنين في الدولة المعنية على الرغم من أهمية ما قدموا من إنجاز فكري، ربما أثّروا على شريحة محددة من الناس حاولت وتحاول الآن أن تواصل وتجدد في مسار الفكرة التي طرحوها، ولكن، أيضاً، ظل أغلب الناس يرتجون شخوصاً تقودها إلى تلك اليوتوبيا، يأتون في لحظة ما من الزمان، ليكونوا هداة الركب إلى السبيل السياسي المستقيم، شخوص يمتلكون القراءة الفكرية العميقة للواقع ويخرجون بوصفة معقولة للعلاج، وليقنعوا الناس بصدقهم وأمانتهم ونزاهتهم وشجاعتهم وقدرتهم على تحمل كل شيء في سبيل تحقيق حلم مواطنيهم
إذاً، لو صح الاعتقاد عاليه، فليصبر الشعب في السودان كثيراً حتى يجد من يرسي به إلى بر الأمان، والصبر كما نعرف ترياق ضد الانتحار والارهاب الحضاريين بالتخصيص، ولعل سبب لزوم الصبر، ولا شيء غير الصبر، هو أننا ما زلنا نتبع ثيمات الفكر العربي والإسلامي حتى يحدد لنا ما هو حلال وما هو حرام في العملية السياسية والاجتماعية ومن ثم نتبعه ونتحوّل بضربة لازب إلى مرحلة جديدة في حكم أنفسنا، وفي تواصلنا مع الجغرافيات القريبة والبعيدة.
حتى الآن لا يوجد مفكّر سوداني واحد يمارس القطيعة مع منتجات الأزهر أو فكر سيد قطب أو كتابات التوسير وماكس فايبر وإلياس فرح وانطوان سعدة ويوسف القرضاوي، لينظر للواقع السوداني من داخله ويفهمه وبالتالي لا يأتي بحزم توصيات فكرية صمدة وصادمة من الخارج ليحاول صبها صباً في واقعنا المتفرّد الذي هو جماع الأفريقانية والعربية.
طبعاً هؤلاء المفكرون والكتّاب المذكورون لهم أهميتهم في التاريخ الذي يمثلوه ولهم تأثيراتهم الفكرية والأكاديمية والفلسفية والأدبية والدينية، ولو تمت دراسة كل واحد منهم أكاديمياً لتحصلنا على معرفة، فمسألة تسييس المعرفة بالمواقف ليست على طريقة «مع أو ضد» مثلما أبانت الأصولية الجاهلة للمحافظين الجدد في أعقاب حادثة الحادي عشر من سبتمبر، وإنما هي أبعد من ذلك، فالمفكر الذي نقرأ له -ثمن وزنه أو قل- فإنه يتيح لنا زبدة المعرفة بجميل ما كتب أو بسوء تقديره للواقع مما يجعل هناك ضرورة للتصحيح، فالموقف من قراءة إنتاج الأصولية الإسلامية أو التاريخ الماركسي السياسي مثلاً لا ينبغي أن يكون عدائياً مليئاً بالضغينة العرقية أو الحضارية، والضغينة لا توجد موضوعية لنقد ما يلتبس في ذهن حاملها..
أيضاً، ولكن المشكلة التي تتلبسنا في محاولة البحث عن مقاربات نظرية لواقعنا أننا نسلم الواقع السوداني كله لمرجعيات من خارجه ونتحاجج، بغير وفاء للحقيقة، إن التبيئة قد حدثت للماركسية وتسودنت بالقدر الذي لا يجعلها تحذو ماركس حافراً بحافر، والأمر مثله ينطبق على الإسلامويين الذين يقولون بأن الزعيم الترابي قد بذل جهداً ملائكياً لسودنة ما قصده سيد قطب وحسن البنا للمدى الذي خاصم الجماعة الإسلاموية، ولكن نكتشف بأن الممارسة كذبت هذا الزعم.
أما بالنسبة للأخوة بالبعث المتشظي إلى كتل وجيوب، فقد وجدنا أن مساهمة المفكرين البعثيين التاريخية في نقد أنطوان سعدة وإلياس فرح وشبلي العيثمي ومحمد خلف الله، لم تكن أصلاً واردة وإنما كان دورهم هو الإتباع وليس الابتداع في النظرية البعثية، ليست فقط لسودنتها وإنما لتتبع مقولاتها التاريخية واختبار جذور استناداتها الفكرية كما فعل الدكتور محمد عابد الجابري. أما الأحزاب الموسومة بالطائفية فهي تتراوح في المنطقة ما بين استبطان قيم للسودنة والارتكاز على الرصيد الفكري العربي -الإسلامي التقليدي، وأزمتها -الأحزاب المعنية- تتمثّل في أن قادتها يقاطعون التراث الزفريقي السياسي ولا يستدلون به، بل وربما يرون عدم أهمية درس البيئة الأفريقية بكل ميثولوجيتها لمعرفة حول ما إذا كان من الممكن أن تهديهم لخدمة وطنهم المتعدد.
هذه التيارات الفكرية الأربعة والتي تقاسم ثقل التفكير السياسي منذ نشأة الدولة السودانية لم تتعرض لـ«النقد الملحمي» الذي يبيّن خطأ استراتيجيتها الفكرية بالشكل الذي لا يقلل من ضرورية وجودها كمصادر لانتماءات السودانيين الفكرية، فالدور الذي كان يفترض أن يلعبه مستقلون داخل المركز والهامش أصبح مجالاً للاستقطاب بين كل هذه المرجعيات الفكرية المؤثرة في ديموقراطيات السودان وشموليته.
فقط من بين الذين انبثقوا من رحم الاستقلال الديني والسياسي السوداني كان هناك الراحلان، الأستاذ محمود محمد طه، والدكتور جون قرنق ديمبيور. الأول حاول ممارسة القطيعة مع التراث الفكري العربي-الإسلامي النازل من مركز القاهرة ودمشق وفاس وبغداد في منطقة الخصوصية المتعددة، وأراد، من حيث درايته بأزمة المعتقد في المركز العربسلاموي الذي انحط في مسائل تعامله الإيجابي مع المعتقد وترجمته في واقع «الأمة»، واحترام الإنسان والتساكن مع «الأجنبي/الأعجمي»، أن يضيف مساهمة فكرية تخرج أمته السودانية من الورطة التاريخية التي سببتها لهم التفكير «1» الأصولي و«2» القومي العربي و«3» العلمانية الماركسية و«4» الشموليات العلمانية.
في تقديري أن القيمة الفكرية والإنسانية والسودانية للأستاذ محمود محمد طه ليست في صحة تفسيراته للدين من حيث أنه مر اسلامياً بمرحلتين «مكي ومدني» أو في رباطة جأشه حين ثبّت موقفه البطولي كمفكر إزاء بطش ديكتاتور جاهل، أو في صحة المنهج الذي إتبعه في التحرّك من البعد السودانوي. إن خطورته بالنسبة لي - على الأقل- أنه فتح المجال للباحثين السودانيين، والمسلمين والعرب، لرؤية التراث العربي الإسلامي من زاوية الناقد لا المتلقي الذاعن لقضه وقضيضه. صحيح، إن تلك القيم تمثل تكميلاً لشخصيته الفذة في تاريخنا المعاصر ولا يعرف إلا بها ولكن جماله وبهاءه -كما أرى- في أنه إنطلق في رحلة النشوق بين «القيف والقاع» غائصاً عن اللؤلؤ بأدوات ليست لغيره وإنما بأدواته هو التي نسج عيدانها وشباكها وحيلتها من صنع تفكيره وحتى الذين يحاولون القول إنه امتداد لفتوحات ابن عربي فإنه لو صح الزعم حتى، فإنه اختار استعادة التفكير من المنطقة الإشكالية في الإرث العربي الإسلامي ولم يتكاسل بحيث أن يتوافر على الفكر السائد والراكد في المركز العربي والذي ارتبط بالسلطة بالدرجة التي لا نعرف فيها المفكر الديني المتواطئ مع السلطان أو الناقد له. ولعل هذا الموقف يرينا توطن ذهنه الإبداعي لا الابتداعي في محاولة التفكير.
إن السودانوية تمثّلت باذخة في سلوكه وملبسه ومسكنه وتواضعه... إلخ، ولم يترك سلوكاً سودانياً طيباً إلا مارسه بكل فخر وإباء وعليه بقيت كاريزماه تتقطّر صدقاً وتتكامل مع جوانيته الفكرية كرمز سياسي وفكري مختلف وعميق عن كل الذين عاصروه وربما سيأتي اليوم الذي تعيد الأجيال القادمة الاعتبار له وتبحث عن بقايا جسده ليحتصن الثرى عبر احتفال قومي ضخم يتناسب مع فكره وتضحيته من أجل الحقيقة والشعب والإنسانية.
يرى البعض أن الأستاذ محمود محمد طه هو المفكر السوداني الوحيد الذي تنطبق عليه هذه الصفة، كونه راكم انتاجاً بحثياً مختلفاً من حيث النوع ويستدل به على مستوى الفكر العربي والإسلامي والعالمي، ولذلك لم أفاجأ يوماً حين كنت أقرأ مؤلفاً للمفكر الأمريكي كورنيل ويست « Democracy Matters » والذي عد الأستاذ كأول في قائمة القلائل من المفكرين المسلمين المميّزين في عطائهم ووضعه فوق مجموعة ضمت محمد عابد الجابري ومحمد أركون وغيرهم.
لا أريد هنا أن أمارس بعض قراءة لجملة ما صدر من كتب ومحاضرات كرّسها الأستاذ محمود محمد طه لخدمة دينه ومواطنيه، فالمجال لا يسمح بهذه القراءة التي تحتاج إلى منهج ومجالها، حتماً، الفصليات والدوريات المتخصصة، وقد فعل بعض تلامذته ومحبو شخصيته الفريدة في تاريخنا. فعلوها بالقدر الذي شرحوا إضافاته الفكرية والسياسية والدينية والوطنية والاجتماعية، ولكني أتخذه هنا كنموذج للذات الفكرية «المتسودنة» فقد كان موقفه السياسي مصدر قلق للسلطة الاستعمارية الذي سجنته في الأربعينيات، وكذلك مصدر تهديد للأنظمة الشمولية وجماعات التفكير التكفيري الذين تواطأوا مع سلطة مايو لاعدامه في ذلك اليوم، بعد محاكمة سياسية لقضية هي فكرية في صميمها تتعلّق بموقفه من قوانين سبتمبر.
إن التجديد الفكري للموروث الديني الذي بذله الأستاذ محمود محمد طه كان اجتهاداً يتقاصر عن فهمه الذين تكلسوا مفهومياً وصاروا أسرى لنصوص الاجتهاد الديني القديم، ولذلك لم يكن هدفهم -بتدبير أمر محاكمته هو حماية الدين من شائبة الهوى الشخصي في تفسيره- بل كان الهدف هو تدمير الأوليات الفكرية لمثل هذا النوع من المشاريع الفكرية السودانوية التي تمارس القطيعة المعرفية مع التراث الفكري النازل من المركز الحضاري.
كان لا بد للأستاذ محمود محمد طه أن يدفع ثمن هذه الاجتراح الفكري الذي قصده وظيفياً، وكان لا بد أن يكون مصيره متطابقاً مع مصائر الذين حاولوا من قبله الخروج عن التفكير الديني السائد لفتح كوّة للإصلاح الإسلامي، ولترجمة المعتقد بالصورة التي تساعد في حفظ المتحقق من تراث الدولة الإسلامية أينما وجدت.
فمشروع الأستاذ كان متقدماً في الرؤيا، ويصطدم أول ما يصطدم مع الحرس الديني التاريخي للدول المسلمة، وكان كل أمله تحرير هذا التراث مما علق به من تفاسير ارتبطت بزمانها مرة، وارتبطت بتحالف العلماء مع السلطان المستبد في الدولة المسلمة التي أوصلوها إلى الحالة التي أصبحت فيها عاجزة عن المحافظة على تركيباتها الإثنية والاجتماعية فيما أصبح المسلم «عبداً مطيعاً» للماضي من المقولات الدينية التي لا تسعفه في فهم اللحظة، فيبدو حيراناً بين المثال المعتقدي والواقع المتناقض.
إن النظرة السودانوية المتصلة بأمر السياسة لا تقلل من أهمية المعارف الإنسانية في كل ضروب الحياة، بل إن المعارف الخارجية تتناص مع المعرفة السودانوية، كما أننا نعرف أن وظيفة المرء في الحياة أن يتدبّر الحكمة متى ما وجدها وأينما كان مصدرها، غير أن كل مصادر المعرفة تختمر في ذهن المرء نفسه لتفسير معطى واقعه السياسي/الاجتماعي، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون هناك مصدر واحد لتفسير الظاهرة السودانوية في تفاصيلها المتشعّبة والمختلفة وإن تقاطعت مع تفاصيل إنسانية أخرى.
ولذلك كان وعي الأستاذ محمود حاضراً، فلم يتدجّن بكل القراءات التي مارسها في سبيله لاستنباط المنهج السياسي السودانوي الذي به يناضل والسلوك الذي بواسطته يعرف. لم تغرقه بلاغة اللغة في مخاطبة الجماهير أو يقعرها آن يكتب وإنما تحدّث بالمفردات التي يفهمها العامة وكتب بالسهل الممتنع الذي يبين ويتعمّق.
ووجدناه لم يتأثر بمناخ كلية غردون كما حدث التأثر هذا مع أترابه، ومن ثم يحترف لبس البذلات وإنما حافظ على لباس من الدمور ليدل على زهده، ولم يتنافس مع زملاء له من مهندسين وبقية أفندية وقتها في بناء القصور كما يفعل الآن قتلته وإنما تواضع لله فعاش سودانياً كريماً في منزل من «الجالوص» ولم يهرب من مجاورة عامة الناس إلى «الأحياء الثرية» التي هرب إليها قضاته. ولم يبرح وطنه هرباً من بطش أو خوفاً من ديكتاتور، وإنما تسمّر حضوره بين أهله وتلاميذه فعانى ما عانوه وشقى بما شقوا.
كان يأكل من غالب طعام الشعب، وليس مثل من استمتعوا برؤية مشهد جثته تتدلى والابتسامة الساخرة كأنها تغفر لهم جهلهم، هؤلاء الذين تمتلئ ثلاجات منازلهم بما لذ وطاب من طعام، وكان في «برندته» يستقبل ضيوفه ومن بينهم تلاميذه الذين يجلسون على الأرض، فيما وجدنا أن قتلته يستقبلون لا يرتضون إلا بقصور تمتلئ بالثريات ومرفقة بأحواض للسباحة.
كان ذلك هو الرمز السودانوي محمود محمد طه الذي عاش عمره فقيراً من جاه أو مال أو حاشية أو ذبانية أو منصب حكومي ولا تعرف له بعض بواخر تجوب عرض البحار، بل ولا يعرف له حظ في البورصة الدولية كما هو شأن الذين كفّروه وكادت ضغينتهم تجاهه أن تصلبه. هذه هي السودانوية التي تبحث عنها الجماهير عند زعمائنا السياسيين فلا يجدونها، فكيف إذاً، لا نصبر على بؤس الحال وشقاء المآل.

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147512277

Post: #343
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 04:20 PM
Parent: #1


وما استطعتم فاقرأوا..
د. عمر القراي
كتب الصحافي النابه، الأستاذ صلاح شعيب، عن الأستاذ محمود محمد طه «إن السودانوية تمثّلت باذخة في سلوكه ومسكنه وتواضعه... إلخ، ولم يترك سلوكاً سودانياً طيباً إلا مارسه بكل فخر وإباء، وعليه بقيت كاريزماه تتقطّر صدقاً وتتكامل مع جوانيته الفكرية كرمز سياسي فكري مختلف وعميق عن كل الذين عاصروه وربما سيأتي اليوم الذي تعيد الأجيال القادمة الاعتبار له...». (الصحافة 11/11/2007م).. وبهذا المقال فتح الأستاذ صلاح شعيب، باباً تعذّر على غيره، من كبار الصحافيين، والسياسيين، والمثقفين، الذين عاصروا الأستاذ محمود، وشهدوا حركته، ثم تآمروا عليها بالصمت، وأبعدوا سيرته الفريدة، من تاريخنا الوطني السياسي.
حين وقف الأستاذ محمود، أمام المفتش الإنجليزي، متهماً بإثارة الكراهية ضد الدولة، عام 1945م، طلب منه أن يكتب تعهّداً، ألا يعمل في السياسة فرفض، وفضّل أن يدخل السجن!! فكان أول سجين سياسي، في مطلع الحركة الوطنية.. وبعد نحو أربعين عاماً، أعلن نميري قوانين سبتمبر، التي شوّهت الشريعة، ونفّرت عن الإسلام، وأذلت الشعب.. فقال الأستاذ محمود «نحنا لما نهضنا في مواجهة الإنجليز كنا شباب مليانين حماس، هسّع البتعمل فيهو الحكومة دي، أسوأ مما عمل الإنجليز، ولا بد من المواجهة مرة تانية.. أنا بقيت عجوز ماني زي زمان، لكن الظاهر أنو مافي زول راح يلعب الدور دا غيري»!! وبالفعل كان أول من واجه قوانين سبتمبر، وقضاتها، ولم يتردد في أن يقدّم نفسه فداءً لمبادئه ووطنه.. هذه التضحية من أجل السودان، هي التي تؤكد أنه هو رمز عزة السودانيين جميعاً.
ولم يقاوم الأستاذ محمود الاستعمار السافر فحسب، بل قاوم كل محاولات الوصاية، على هذا الشعب الكريم، مما لم يكن كثير من قرنائه من المثقفين، واعين به، ناهيك عن أن يقاوموه.. فقد كتب إلى الرئيس المصري، محمد نجيب، بعد أن أطاح بالنظام الملكي «وشيء آخر نحب أن نشير إليه هو علاقة مصر بالسودان، فإنها قامت، ولا تزال تقوم على فهم سيء، فإن أنت استقبلتها بعقل القوي، تستطيع أن تبرئها من المطمع المستخفي، والعطف المستعلن، فإن السودانيين قوم يؤذيهم أن يطمع طامع فيما يحمون، كما يؤذيهم أن يبالغ في العطف عليهم العاطفون». (18/8/1952م).
ومرة سمع الأستاذ محمود نشيد (أنا سوداني) الذي يغنيه المرحوم حسن خليفة العطبراوي فقال لتلاميذه وضيوفه «أحسن بيت في القصيدة دي شنو؟» فعدد الحاضرون معظم أبيات القصيدة. فقال الأستاذ «أنا شايف انو أحسن ما فيها (أنا سوداني)»!!
لقد وقع الأستاذ صلاح شعيب ببصيرة ثاقبة، على جانب أساسي في شخصية الأستاذ محمود، حين أشار إلى احتوائه على كمالات الشخصية السودانية.. والحق أن هذا الأمر ليس عفوياً، وإنما ينطلق من معرفة الأستاذ محمود الحقيقية بالدين، وثقته بأن جوهر الدين متسق مع تكوين الشعب السوداني وفطرته، ولذلك قال في الخمسينيات: «أنا زعيم بأن الإسلام هو قبلة العالم منذ اليوم، وأن القرآن هو قانونه، وأن السودان، إذ يقدّم ذلك القانون في صورته العملية، المحققة للتوفيق بين حاجة الجماعة إلى الأمن، وحاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، هو مركز دائرة الوجود على هذا الكوكب.. ولا يهولن أحداً هذا القول، لكون السودان جاهلاً، خاملاً، صغيراً، فإن عناية الله قد حفظت على أهله من أصائل الطبائع ما سيجعلهم نقطة التقاء أسباب الأرض بأسباب السماء...» (محمود محمد طه: جريدة الشعب 27 يناير 1951م) وحين سئل عن أصائل الطباع التي حفظها الله على هذا الشعب قال: «عفة النساء وكرم الرجال»!!
ومن اعتزازه بالسودان، جاء تقديره لأفريقيا ونظره لمستقبلها، فقال «السودان يقع من أفريقيا موقع القلب وهو بشكله يمثل شكل القلب.. وأفريقيا هي القارة التي كانت ولا تزال، تسمى القارة المظلمة.. فهي في مؤخرة القارات، ولكنها أخذت اليوم تتحرّك حركة دائبة، نشطة، بها تتحرر شعوبها كل حين.
أفريقيا هي الموطن الأول للإنسان، فيها ظهرت حياته، في البدء، وفيها ستتحقق حريته، في النهاية.. والسودان من أفريقيا بحيث ما ذكرنا» (محمود محمد طه: الدين والتنمية الاجتماعية 1974م). ولقد كان لا يتردد في الانتساب لأفريقيته.. ومرة قال: «أنا أفريقي عشان كدا بحب الليل والحر والبخور»!!
بهذا التصوّر، المتعالي تحقيقاً، على عقابيل العرقية، استقبل الأستاذ محمود بفكره الثاقب مشكلة الجنوب.. ولقد ذكر الأستاذ أتيم قرنق في ذكرى الاحتفال بالأستاذ محمود في يناير الماضي أن الأستاذ دعا للحكم الذاتي للجنوب قبل الساسة الجنوبيين أنفسهم!!
وحين وقف الأستاذ صلاح شعيب، عند زهد الأستاذ محمود، لم يجد له نظيراً بين نظرائه، ولعل هذه القيمة أيضاً، مرتبطة بمعرفته، ومعيشته لحقائق الدين الكبرى.. فالزهد تحرر من رق الأشياء، ثم هو به أيضاً، يعايش شعبه الذي يحبه، ويكره أن يتميّز عليه، ولكأن الشاعر عناه حين قال:
متجرداً عرف الحياة فعافها ü وأبى تجرّع كرمها وسلافها
عيناه صومعتان في غيبيهما ü ألق يمس من القلوب شغافها
قهرت سفينة فكره بحر المدى ü ما أوهنت ريح الهوى مجدافها
فمضى يسطّر للعلا بيراعه ü حتى غدا نور الدجى عرّافها
يرنو إلى حرية سلميةü في الدين يرسم أصله أهدافها
ولقد أشار الأستاذ صلاح شعيب، في مقاله الوفي، إلى أصالة الفكرة الجمهورية، والحق، إنها الفكرة الوحيدة، السودانية من حيث المنشأ، ثم هي الفكرة الوحيدة العالمية، من حيث التوجه والخطاب.. ولعلها أيضاً، الفكرة الوحيدة، التي نشأت في العالم الثالث، ثم استطاعت أن تطرح نقداً للفكر الغربي، يصحح مساره.. يقول الأستاذ محمود: «عجز الفلسفة الاجتماعية المعاصرة في إدراك العلاقة بين الإنسان والكون، أكبر من عجزها في إدراك العلاقة بين الفرد والجماعة، ولكن أثره أقل ظهوراً.. ذلك بأن علاقة الفرد بالجماعة واجهت التطبيق العملي، في السياسة والتشريع والتنفيذ، بينما لا تزال العلاقة بين الفرد والكون في الحيّز النظري، وما ذاك إلا لأننا لا نزال في قبضة غريزة القطيع، ولم يقو بنا الفكر حتى نبرز إلى منازل الفرديات، ولكن مما لا ريب فيه، أن عهد الجماعة أصبح يخلي مكانه لعهد الفرد الذي أخذت شمسه تؤذن بشروق، وسيحل يومه حين يتم نظرياً، ثم عملياً، فض التعارض المتوهّم بين الفرد والجماعة، وهو أمر سنتحدّث عنه بالتفصيل بعد قليل، إن شاء الله.. ومهما يكن من أمر بين الشرق الشيوعي والغرب المسيحي، فإن المدنية الغربية الآلية الحاضرة ليست مسيحية، وهي قد عجزت عن إدراك العلاقة بين الفرد والجماعة، كما عجزت عن إدراك العلاقة بين الفرد والكون، وهي من جراء هذا العجز، قد منيت بالقصور العملي عن الجمع بين الاشتراكية والديمقراطية، وذلك أكبر مظاهر فشلها.. ولسنا نحن الآن بصدد الزراية عليها، ولا بصدد التقليل من شأنها، وإنما نحن بصدد دراسة علمية لها، تضعها في موضعها وتعرف لها حقها، وتدعو إلى سد النقص فيها لتغدو مدنية، بعد أن أصبحت حضارة». (محمود محمد طه: الرسالة الثانية من الإسلام).
لقد ابتدر الأستاذ صلاح شعيب، القراءة في فكر الأستاذ محمود وحياته، وهو قد فتح بذلك الطريق لأبناء جيله، للنظر المتأمّل في هذه الشخصية الفذّة، علّهم يكفّرون عن جريمة أجيال سابقة، خانت أمانة الفكر، والثقافة، والحرية، فانضوت تحت رايات الطائفية، وولغت في مستنقع التخلّف الفكري، والهوس الديني الآسن.. ثم وسعت ما وسعتها الحيلة، لتغطي قامة رجل كان أمة.. المفكرون والمثقفون الأحرار، والكتّاب، وحملة الرأي، مدعوون إلى مواصلة ما ابتدره الأستاذ صلاح شعيب، لعلّهم بذلك، يرفعون شيئاً من حيف الماضي ويستجيبون لدعوة الشريف محمد أحمد البيتي حين قال:
وأيقظـــوا عــقولـــكم ü وعـــودوها النظـــرا
وما استطعتم فاقرأواü هذا الكتاب الأكبرا

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147512491
_________________

Post: #344
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 08:06 PM
Parent: #1


بروفيسور وليم استيف وتجربته في السودان لربع قرن


دفع الله سليمان
استضاف منتدى اشراقة الأسبوعي بروفيسور وليم استيف مدير معهد الدراسات الأفريقية بجامعة أوهايو متحدثاً عن تجربته وعلاقته بالسودان في الفكر والثقافة والتصوف. أدار الندوة الإعلامي الشاعر عبد القادر الكتيابي. وتحدّث الدكتور عمر القراي معرّفاً الضيف بأنه أستاذ بجامعة أوهايو وهي تعتبر من الجامعات العريقة. تأسست عام 1804م، ويعتبر بروفيسور وليم استيف عالم انثربولوجي جاء للسودان أثناء دراسته لنيل درجة الدكتوراة عام 1981م، وقد ظل مرتبطاً بالسودان حتى بعد انهاء دراسته فوق الجامعية. زار السودان ومكث فيه كثيراً ويزوره من وقت لآخر كما له ذكريات جميلة وطريفة عن السودان. ابتدر البروفيسور حديثه، معبّراً عن سعادته شاكراً للحضور والمنتدى قائلاً إن علاقته بالسودان امتدت لأكثر من 26 عاماً، حيث جاء إلى السودان عام 1981 أثناء دراسته لنيل درجة الدكتوراة في علم الاجتماع وأنه عاش في أفريقيا وعرف الشريط الأفريقي من السنغال حتى أريتريا، وتعتبر هذه أول تجربة له مباشرة مع المسلمين. قرر بعدها أن يتخصص في الدراسات الأفريقية. وذكر أنه قرأ كثيراً عن السودان قبل زيارته له ولكنه أراد معرفة التصوّف وقد تحقق له ذلك عند زيارته للسودان. تعلّم اللغة العربية الفصحى، ولكنه يفضل التحدث بالدارجة السودانية. عاش في بعض زوايا الطرق الصوفية.. «الحياة كانت جميلة وممتعة» على حد قوله. زميلته بجامعة الخرطوم ذكرت له أن هناك ذكرا وانشادا بدار الاستاذ محمود محمد طه، وكانت هذه بداية معرفته بالاخوان الجمهوريين. تردد كثيراً على ذكر الجمهوريين وعاش بينهم أكثر من ثلاث سنوات وأنه فخور بعلاقته بهم. بعد رجوعه لأمريكا تخصص في الدراسات السودانية وعند عودته للسودان وجد به بعض التطوّر، ولكنه تطوّر بدون تخطيط. جاء للسودان في بحث روحي وتحدّث كثيراً مع السودانيين في ما يتعلّق بالتصوّف وكان الفكر الجمهوري مناسباً له لصدقه وعمقه. الاخوة الجمهوريون منفتحون على العالم كله ولديهم الاستعداد للنقاش والحوار، والفكر الجمهوري فكر واسع وفكر نقاش وعبادة وعلاقات. ذكر بروفيسور وليم أنه يحب السودان والثقافة السودانية.. المجتمع السوداني مجتمع مفتوح والثقافة السودانية ثقافة جميلة، وما لفت نظره في السودان حرارة السلام والاستقبال، بالإضافة للكرم السوداني الذي لا مثيل له في العالم. صورة الإسلام في الغرب متخلّفة. الناس يعتبرون الإسلام فكرا متخلفا وهذه الصورة غير صحيحة، الساسة الغربيون يعتبرون المسلمين صناع مشاكل. بروفيسور وليم استيف، قرأ كثيراً عن الإسلام والتصوّف ووجد ما يبحث عنه، عرف الإسلام والمسلمين وعرف التوحيد. في مداخلته عبّر الأستاذ عبد القادر الكتيابي عن سعادته بالندوة وموضوعها وذكر أن البروفيسور يتحدّث عن الغرب لجهله جغرافيته ولم يتحدّث عنه كديانات فما هي رؤية البروفيسور من ناحية فكرية وكيف كانت رؤيته للإسلام قبل وبعد معرفته به. الأستاذ هاشم فتح الرحمن يعتبر تجربة بروفيسور وليم استيف ثرّة وعميقة. الغربيون لا يبالون بتغيير دينهم ولاحظ في تجربة استيف كيف بمقدور الإنسان تغيير دينه ونمط حياته، وكيف استوعب الثقافة السودانية.. مشكلة العالم التعايش السلمي بين الشرق والغرب. دخل الإسلام السودان عن طريق التصوّف وهذا هو الذي استهوى بروفيسور وليم، الأستاذ محمود محمد طه عرف من القرآن كل ما يتعلّق بالإنسان من قيم الخير والعدل والمساواة، وفي رأيها والحديث للأستاذة عواطف عبد القادر أن يكون الدين منهاجاً لتغيير حياة الإنسان والمجتمعات كما ينبغي علينا كمسلمين أن نعكس الوجه المشرق للإسلام وذلك بممارساتنا وقيمنا وأخلاقياتنا. الهوس الديني يعتبر ظاهرة جديدة على السودان. يعتقد الأستاذ عبد المنعم الكتيابي أن بروفيسور وليم عالم له رؤيته للعالم والأشياء وهذا يجعلنا نرتفع بالحوار إلى آفاق أرحب. الغرب يعلم أن صورة الإسلام ليست هذه الصورة التي يتبناها الإعلام الغربي ويعلم أن ما يقدم به بعض الأفراد لا يمثل الإسلام ولا يمت إليه بصلة وإننا كمسلمين يجب ألا ننساق وراء شعارات الهوس الديني.

http://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=42841
_______________

Post: #345
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 08:08 PM
Parent: #344


إلى الأستاذ عبد الله الأمين المحامي:
التنمية الاقتصادية أهم من الإصلاح السياسي المزعوم..!!

د. محمد وقيع الله
دخل الأستاذ عبد الله الأمين على جدالي مع القوم، بمقال بدأه بإنكار انتسابي إلى الإسلام الحق، ونسبني إلى ما أسماه بالعقلية «الإسلاموية». وهي صياغة خالف فيها قواعد الصرف والمنطق معا. أما مخالفة قواعد الصرف فبإضافة هذه الواو «اليسارية» المنكرة إلى اللفظ. وأما مخالفة قواعد المنطق فبعدم تعريفه لهذا المصطلح الذي جاء به، واستخدمه كثيرا في مقاله، وجعله عنوانا له، وكان الأمر يقتضي منه التعريف. وقد أورد في نقده المطول لآرائي نقاطا كثيرة ليست لها علاقة كبيرة بالجدال مع القوم الذين اندحروا. ولكن لأنها تمثل أهمية خاصة له، فقد أسهب في الحديث عنها، وضخمها، واستثمرها لصالح معتقداته السياسية «الآيديولوجية». ويمكن بلورة ما قاله في نقاط محددة حتى يتسنى الرد عليها بإيجاز. البعد الديني غير المرئي في الصراع: زعم الأستاذ عبد الله الأمين أنني لا يجوز لي أن انتقد من أسماه بـ «الراحل المقيم قرنق» لسبب أورده، وهو أن الانقاذ أبرمت معه اتفاقية وقف العدائيات. والواقع أني لا أمثل حكومة الإنقاذ، ولم أعمل، ولا أعمل، ولن أعمل في أية وظيفة فيها، كما أني لم انتقد قرنق إلا عرضا في كلمة واحدة، عندما رددت على رباح بأن أباها مسؤول جزئيا عن كل دم سفكه قرنق لأنه سانده وايده، ودعمه، وأبرزه للناس. هذا ما أخذه المحامي عليَّ وأراد أن يُسكتني عن قوله. هذا مع ملاحظة أن هذا المحامي ذو العقلية القانونية «المنصفة»، لم يكتب شيئا يأخذ فيه على بعض قادة حركة التمرد، شدة غلوهم في نقد الإنقاذ، ومشاكستها عمليا، واستفزازها بشكل دائم. فهذا التطرف من قبل قادة حركة التمرد- عند المحامي المنصف - أمر تجيزه اتفاقية وقف العدائيات، أما ما لا تجيزه الاتفاقية فهو أن يتحدث شخص كمحمد وقيع الله بشكل عرضي طارئ عن قرنق..!! والغريب أن الأستاذ عبد الله الأمين أجاز لنفسه أن يتحدث عن المجاهدين الإخوان والأنصار البواسل، الذين تصدوا لنميري في عام 1976م ، فوصفهم بالمرتزقة، ولم تشفع لهؤلاء عنده اتفاقية المصالحة الوطنية في عام 1977م، وهي اتفاقية وقف عدائيات، من أن يقوم بوصمهم بهذا الوصم المسئ. وبعد أن أبدى المحامي كرهه للإخوان والأنصار بهذا الشكل المستفز عاد وفسر سببه، فأعلن- من جديد - تأييده القديم لمايو، لأن انقلابها أجهض: «محاولة تمرير مؤامرة «الدستور الإسلامي» المزيّف».. فالمحامي كان مع مايو لأنها كانت ضد الدستور الإسلامي، وهو يساند الآن حركة التمرد لأنها أيضا ضد التوجه الإسلامي..!! ثم زعم الأستاذ عبد الله الأمين المحامي: «أن قرنق وحركته الشعبية قد كانوا يحاربون من أجل قضية عادلة ... فماذا فعلت «الإنقاذ» في حربها ضدهم؟ رأت أن تستخدم فيها الدين كما تستخدمه دوماً في أغراضها السياسية «لا بديل لشرع الله» فأعلنت «الجهاد» وحوّلت الحرب إلى حرب دينية، بين مسلمين وكفار». وهنا نسأل هذا الأستاذ المحامي «المنصف» لماذا يرى البعد الديني في جانب أعمال الحكومة الإنقاذية، ولا يراه في جانب أعمال حركة التمرد، التي تتلقى أكثر مددها العسكري والإغاثي والإعلامي والدبلوماسي من الكنسيين؟! ولماذا لا يعرف أن هذا البعد لم يكن جديدا مما طرأ خلال العقدين الأخيرين، بل هو بعد أصيل نشأت منه الحركة منذ أواسط الخمسينيات، وهو بعدٌ الكل يراه رأي العين، ولا ينكره إلا هؤلاء الكتاب من أمثال الأستاذ عبد الله الأمين، الذين يحاولون أن يوهموا من يظنون أنه قابل لأن ينطلي عليه الوهم، أن دولة الإنقاذ هي التي جاءت بالبعد الديني لصراع جنوب السودان. استمعت مرة لواحد من هؤلاء الغلاة اليساريين، من أمثال الكاتب، يخطب في حفل حاشد في واشنطون، ويقول إنه حضر خطابا ألقاه قرنق في إحدى الكنائس، في كلورادو، ولم يشعر من خلال الخطاب أن قرنق نصراني، وأنه هو «أي السامع الشمالي اليساري!» مسلم..!! لم يشعر السامع أن قرنق كان يتحدث في كنيسة، ولم يعرف أن مجرد الحديث في كنيسة يدل على هوية قائله وتوجهه. ولم يشعر هذا السامع أن زعيم حركة التمرد كان يستقطب في خطابه ذاك الدعم الكنسي ضد المسلمين، ولكن هذا السامع يشعر - كما يشعر الأستاذ عبد الله الأمين - شعورا بينا متى هتف الدبابون بالتكبير في سوح الوغى، بدخول عامل الدين «الإسلامي» في ساحة صراع جنوب السودان..!! وهكذا يريد هؤلاء اليساريون المناصرون لحركة التمرد، أن يروا الصورة من جانب واحد، وبعين واحدة، هي السخط على دعاة هذا الدين «الإسلامويين»..!! المرأة الإنقاذية هي الأقوى: وكتب المحامي عبد الله الأمين في نقطتين متناثرتين، أولاهما في أول مقاله والثانية في خاتمته، يقول إنني من أصحاب «العقلية الإسلاموية» الذين يحتقرون المرأة، وينظرون إليها: «كمخلوق ناقص العقل والدين، وجسده وصوته عورة، وغير قابل للرشد، ولا يستحق المساواة بالرجل، بل ولا يستحق الخروج من وصاية الرجل، ولن تفلح أمة تضعه في منصب حكم أو قضاء». وهذه جمل مثقلة باتهامات شتى، واكتفي بجمل تنقض سائرها، فأقول إن القول القائل إن المرأة ناقصة عقل ودين لم ابتدعه أنا. وإنني لست من الذكاء بحيث أجيئ بقول حصيف كهذا يُعدُّ من قوانين الخلق وسُنن الاجتماع البشري العظمى. فهذا هو قول سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأنا أقبله على علاته ولا أناقش فيه أبدا. وكذا تقبله على علاته صاحبات الشأن، وهن النساء المؤمنات، ولا يمارين فيه على الإطلاق، وذلك بالرغم من أنه يتحدث عن نقص دينهن وعقولهن. ونقص العقل المذكور في هذا الحديث لا يعني ان المرأة «بليدة» كما يتوهم هذا المحامي، أو أنها مخلوق غير قابل للرشد كما يظن. وإنما يعني أنها حادة العاطفة جدا، وأن عاطفتها تطغى أحيانا على حكمتها وبصيرتها. وبعد ذلك قد تكون المرأة «أشطر» من الرجال، كما نشهد نحن المدرسون لطالباتنا الكريمات بانهن على الأغلب «أشطر» من زملائهن من الطلاب الكرام. فنقص العقل لا علاقة له إذن بالشطارة ولا البلادة، وإنما بالتدفق العاطفي لبنات حواء هداهن الله. وأما القول الآخر: «خاب قوم ولوا أمورهم امرأة» فهو أيضا ليس من بنات أفكاري حتى يأخذه هذا المحامي عليَّ، وإنما هو قول سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وهو حديث شريف صحيح، يمنع إعطاء المرأة الخلافة العظمى «وليس رئاسة الدولة القومية أو القطرية كما ظن المحامي» ولا يمنع إعطاءها منصب القضاء كما استنتج هذا المحامي. وإذا كان الأستاذ عبد الله الأمين المحامي يرى أن دولة الانقاذ هي دولة إسلامية، أو بتعبيره هو دولة «إسلامويين»، فعند ذلك لا يصح أن يرمي بهذه التهمة في وجوههم، فهم قد اعطوا المرأة السودانية من المناصب السياسية والقضائية أكثر مما أعطتها جميع الأنظمة العلمانية التي حكمت السودان من قبل. ولا يخطئ ناظر منصف أن يلاحظ أن حضور المرأة السودانية المسلمة المجاهدة في الدوائر السياسية الإنقاذية هو على العموم اكثر مما هو متاح للنساء في دوائر الأحزاب السياسية السودانية الأخرى، إذن فكلام الأستاذ عبد الله الأمين ليس له وجه صحيح لا على مستوى النظرية، ولا على مستوى التطبيق..!! لا يميز الآية من الحديث: وفي مجال آخر استشهد الأستاذ عبد الله الأمين بعدد من الأحاديث الموضوعة المكذوبة على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، منها قول: «الدنيا مطية الآخرة»، و: «الفتنة نائمة، لعن اللهُ من يوقظها»، وساق الآية الكريمة: «الفتنة أشـدُّ من القـتـل»، على أنها حديث نبوي. وأخطأ في نص هذه الآية الكريمة، ونصها الصحيح يقول: «والفتنة أشدُّ من القـتـل» ولا يحذف الواو اعتباطا..!! ومع ذلك فقد نتسامح مع الأستاذ عبد الله الأمين، ولا نرى في عدم اقتداره على التفريق بين الأحاديث الصحيحة، والضعيفة، والموضوعة، وبين الآية والحديث، ما يمنعنا من الاستماع إلى أقواله وبيناته، والانتفاع بعلمه، وقبول ارشاده، وتوجهه الصادق نحو تفقيهنا في الشريعة الإسلامية، التي درسناها من قبل على يد الشيخ الأمين داؤود، والشيخ مجذوب مدثر الحجاز، والشيخ يوسف حامد العالم، رحمهم الله. ونَعدُّ هذا الأستاذ بأننا سنستفيد من أفكاره متى ما كانت صحيحة، وسنرجع عن أفكارنا متى ما اتضح لنا أنها خاطئة. ولكن لا يحق له أبدا أن يحدثنا بأن تشريعات دين الإسلام الذي ندين به، تشريعات مرحلية لا تصلح للعصر الحالي، وأن المفسرين الأوائل قد أخطأوا في فهم الدين وأصاب هو. فهذه دعوى يصعب علينا هضهما وتمثلها، حتى لو جاءت من شخص يعرف الفرق بين الحديث الصحيح، والضعيف، والموضوع، ويميز الآية من الحديث. يقول الأستاذ عبد الله الأمين وهو ينص على هذا المعنى: «وتنشأ عيوب العقلية الإسلاموية، في مجملها، من الفهم الخاطئ لبعض النصوص الإسلامية المرحلية، التي أخطأ المفسرون من فقهاء السلف فهمها، حيث نظروا إليها كنصوص مجرّدة، فأخرجوها من سياقها التاريخي والجغرافي، وجرّدوها بذلك من حكمتها المرحلية، وعـمموها على جميع العصور، بما يخالف الفهم السليم للإسلام». ونيابة عن هؤلاء «الإسلامويين» أجمعين، أقول للأستاذ عبد الله الأمين، إننا نقبل أن نتعلم من هؤلاء السلف الصالح، ونرفض أقوالك، وأقوال محمود محمد طه، وطه إبراهيم جربوع، ومحمد أبي القاسم حاج حمد، متى ما اصطدمت بأقوال السلف الكرام. لماذا يطالب بتطبيق حد الرجم؟ وقد انخرط الأستاذ عبد الله الأمين في مقاله الردئ في مزايدات شتى، فذكر أن الإنقاذ لا تطبق الإسلام، وتساءل مستنكرا: «هل شرع الله مجرّد قانون عقوبات «حدود وقصاص وتعازير» أم إنما هو دين مكتمل، بكل بما يحوي من أخلاق وقيم ومثـل وتربية وتوعية وعدالة ومساواة ...؟». بمعنى أن على الانقاذ أن تطبق كل الأخلاق والقيم والمثـل والتربية والتوعية والعدالة والمساواة، قبل أن تطبق القانون. ولم يسأل هذا المحامي نفسه ما هي فائدة تطبيق القانون بعد ذلك؟! إن القانون وأنت «قانوني» تعرف ذلك ودرسته في الجامعة، أداة تربوية كبرى لإقامة الأخلاق والمثل ورعايتها وحمايتها. ثم إنك أيها المحامي تناقض نفسك في وضوح، عندما تطالب الإنقاذ بإصرار بتطبيق حد الرجم، وذلك في قولك: «ثم هل يقضي قانونه على الزاني المحصن بعقوبة «الإعدام» شنقاً كما نصت قوانين سبتمبر، أم إنما يقضي عليه بعقوبة «الرجم» بالحجارة؟ هل يوافق الإسلام على استبدال عقوبة «الرجم» بعقوبة «الاعدام» شنقاً أو حتى بعقوبة «القـتل» بالسيف؟» فإذا كنت ترفض تطبيق القانون الإسلامي ابتداءً، فلماذا تطالب الآن بتطبيق أكبر عقوباته وأعظمها على التو؟!! والغريب أن هذا المحامي يتحدث عن قوانين سبتمبر، ويكرر ذكرها، مع أن القوانين التي يحكم بها السودان الآن ليست هي قوانين سبتمبر ولا أُخذت عنها! وهذا ما يدل على أن هذا المحامي ما يزال يغرف حججه ضد القوانين الإسلامية «الحالية» من بوتقة الأدبيات القديمة التي أفرزها اليساريون والعلمانيون اليمينيون في معارضة قوانين سبتمبر1983م، فهو يخوض معركته إذن بسيف كان قد انثلم منذ زمان بعيد..!! التنمية الاقتصادية غير مهمة..!! ومن ضروب المزايدات التي أدمنها هذا المحامي، ما عقب به على احصاءات المنظمات الدولية التي اوردتها في مقالي الذي رد عليه. وهي الاحصاءات التي افادت ان إجمالي الدخل القومي السوداني قد قفز من «10.3» بلايين دولار في عام 2000م، إلى «18.5» بليون دولار في عام 2004م، إلى «23.3» بليون دولار في عام 2005م، وأن مستوى الدخل الفردي قد قفز من «310» دولارات سنوياً في عام 2000م، إلى «522» دولاراً في عام 2004م، إلى «640» دولاراً في عام 2005م، أي أنه تضاعف خلال خمس سنوات. وهنا ذكر المحامي أن هذا كله لا اهمية له، وقال: «إن «مستوى دخل الفرد» إنما يقاس في هذه الاحصاءات عن طريق قسمة الدخل القومي الإجمالي على عدد السكان، ويكون حاصل القسمة هو «مستوى دخل الفرد» وحيث أن الدخل الإجمالي، في الواقع، لا يوزّع على السكان بالتساوي، بل وفي عهود الفساد السياسي يذهب جله إلى قلة قـليلة، بينما لا «ينوب» الأكثرية منه سوى الفتات». والواقع إن الذي لا قيمة له إنما هو منطق المحامي هذا الذي يجادل به. فهذا هو المقياس الاقتصادي العلمي العالمي المتبع في تحديد درجات التقدم الاقتصادي لجميع حكومات العالم، فلماذا تستثنى منه الإنقاذ؟ّ هل تستثنى لمجرد أن هذا المحامي الفاضل لا يستلطفها، أو انه يكرهها ولا يحبها..؟! ولا يبدو هذا سببا كافيا للاستثناء..!! ثم كشف هذا المحامي «المسيَّس» عن هدفه الأصيل في المزايدة على الانقاذ، عندما أنكر أهمية التنمية الاقتصادية، مع أنها هدف عظيم. وما أنكر أهميتها إلا لأن الانقاذ حققتها بنجاح كبير، فقال: «فهل تكفي التنمية الاقتصادية وحدها لتحقيق الاستقرار السياسي، دون أن يرافقها ولو الحد الأدنى من الإصلاح السياسي؟ كلا ولا كرامة». فالمطلوب إذن ليس التنمية الاقتصادية، وانما ما يسمونه بالاصلاح السياسي، الذي يعنون به إبعاد الإنقاذ عن الحكم لا غير، تماما مثلما يطلب الصادق المهدي بمفهوم المؤتمر الدستوري القومي الجامع، مجرد إعادة توزيع القوى السياسية في وقت انعقاد المؤتمر على أساس انتخابات 1986م، التي أعطت حزبه الأغلبية التي جاءت به إلى الحكم، فهذا هو مقصده الأول والأخير من دعوته التي لا يسأم من التنادي بها لعقد المؤتمر الدستوري القومي الجامع، ولا يطلب من وراء ذلك شيئا آخر..!!

http://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=42874

Post: #346
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 08:09 PM
Parent: #345


في ذكرى الاستقلال

من زيّف تاريخنا؟! (1-3) تهتم كل أمة من الأمم بتاريخها، وتحاول أن ترصده بدقة، وبحيدة تكاد تبلغ حدّ التقديس.. ثم تبسطه في مناهج التعليم، في مختلف المراحل، مما يزيد من ارتباط الناشئة بأوطانهم، وشعورهم بالعزة والفخار، لانتمائهم لتلك الأوطان، وكونهم من أحفاد العظماء الذين روى التاريخ مآثرهم.. ولما كانت الأحداث تشمل كل المواطنين، بمختلف تياراتهم الفكرية والسياسية، فإن كتّاب التاريخ في الدول التي تحكمها نظم ديمقراطية، قد درجوا على تقصي الحقائق، وذكر إيجابيات جماعات يختلفون معها فكرياً، أو سياسياً، أو دينياً، فلا يكتب التاريخ بعزل فئة مهما كان إسهامهاً محدوداً.. أما نحن في السودان، فلم نعرف الحياد، فقد درجنا على إدخال توجهاتنا السياسية، وأغراضنا الشخصية، في التاريخ، وكتابته من وجهة نظر متحيّزة، ضيّقة، تحجب مآثر من نظن أنهم أعداءنا، أو خصومنا الفكريين والسياسيين، في محاولة يائسة، للإنتصار عليهم. ولعل أكبر من حجب تاريخه عن الأجيال، الأستاذ محمود محمد طه.. فلم تدرس مقاومته للاستعمار، ولم يذكر مجرّد ذكر في كتب التاريخ، بل لم يتناول المثقفون والكتاب السودانيون -باستثناء قلة- فكره بالمناقشة أو النقد، مثلما ما فعلوا بكتابات أقل شمولاً وعمقاً.. ولقد تآمروا بصمتهم عن فكره، مع الجهات الرسمية، التي أرادت أن تخفي فكرته بكل سبيل، رغم أنها الفكرة السودانية الوحيدة.. وحتى حين وقف في وجه قوانين سبتمبر، وأعلن أنه يعارضها، لأنها وضعت، واستغلت، لإذلال الشعب، ثم بذل حياته ثمناً لمقاومتها، وثار الشعب لذلك، وأسقط نظام نميري بعد 76 يوماً، استكثر الزعماء وهم يحتفلون بزوال نظام السفاح، وبالمناصب التي تقلّدوها بسبب زواله، أن يذكروا الرجل في مناسباتهم الرسمية، أو يسموا باسمه شارعاً، أو ميداناً أو قاعة في جامعة.. وحتى نقلل من هذا الحيف، وهذا الجور، ونعرّف الشباب بهذه الشخصية، السودانية المجهولة، نود أن نلقي بعض الضوء، على بذله في مناسبة الاستقلال، لعل القراء يعرفون من الذي صنع الاستقلال، ومن الذي نال الشكر والحمد عليه. السفر الأول: نشأ الحزب الجمهوري في أكتوبر 1945م، وكان أول ما أعلن به عن ظهوره، كتيب صغير سماه السفر الأول. ولقد كانت الحركة الوطنية، في ذلك الوقت، تتحرّك من مؤتمر الخريجيين نحو تكوين الأحزاب الكبرى. ولقد كان أمل الشعب معلّقاً بهذه الأحزاب وبالمؤتمر، ولذلك لم يقدّم نقداً لهما، يضع يده على الخلل، ويطرح البديل.. ولقد جاء عن ذلك: «...فعندما قيّض الله للبلاد فكرة المؤتمر استجابت لها، والتفت حولها، فدرج المؤتمر مرعياً مرموقاً.. وانخرط الخريجون بزمامه في حماس باد، وأمل عريض.. فدعا إلى إصلاحات جمّة، فأصاب كثيراً من النجاح، ووفق، بوجه خاص، في يوم التعليم.. فقد جمع الأموال وافتتح المدارس في شتى أنحاء القطر، أو، إن أردت الدقة، أنه ساعد العاملين من أبناء مدن القطر على إنشاء المدارس الوسطى التي أرادوها، وقد كان، كلما أنشأ مدرسة، أو ساعد على إنشاء مدرسة، تخلى عنها لمصلحة المعارف تسييرها وفق مناهجها وأولاها ظهره، وتطلّع لغيرها.. فقد جعل وكده إنشاء المدارس ولا شيء بعد ذلك.. ولدت الحركة السياسية في المؤتمر، وذلك يوم بعث بمذكرة للحكومة يطالب فيها إلى جانب حقوق أخرى بحق تقرير المصير.. ولقد أحاط المؤتمر هذه المذكرة بتكتم رصين، عاشت فيه، حتى اللجان الفرعية في ظلام دامس.. ثم أخذ يتداول مع الحكومة الردود بهذا الشأن بدون أن يعنى بأن يقول للجان الفرعية، بل الشعب، كيف يريد أن يكون هذا المصير الذي يطلب أن يمنح حق تقريره.. ثم انقضت فترة، ومشت في المؤتمر روح شعبت أتباعه، شيعاً، على أساس الصداقات، وتجانس الميول، بادئ الرأي، ثم اتخذ كل فريق اسماً سياسياً، وجلس يبحث مبادئه، ودساتيره.. فمنهم من يريد للبلاد اندماجاً مع مصر، ومنهم من يريد لها اتحاداً، ومنهم من يريد لها شيئاً لا هو بهذا، ولا هو بذاك، وإنما هو يختلف عنها اختلافاً، هو على أقل تقدير، في أخلاد أصحابه، كاف ليجعل لهم لوناً يميّزهم عن هؤلاء، وأولئك.. انبثت هذه الأحزاب، وتعددت، واختلفت، فيما يوجب الاختلاف، وفيما لا يوجب الاختلاف.. ولكنها كلها متفقة على الاحتراب على كراسي المؤتمر، وعلى الاستمرار في حرب المذكرات هذه، مع الحكومة. وان الحال لكذلك، وإذا بالخبر يتناقل بقرب مولد حزب جديد. ثم ولد حزب الأمة بالغاً مكتملاً.. وجاء بمبادئ يغاير المعروف منها مبادئ الأحزاب الأخرى مغايرة تامة، ويكشف المجهول منها غموض يثير الريب.. والمؤتمر في دورته هذه بيد الأشقاء، وهم قد كان مبدؤهم الإندماج التام، أول أمرهم، ولكنهم، عندما قدّموا مذكرتهم للحكومة -حسب العادة المتبعة- ظهر أنهم اعتدلوا، وجنحوا إلى الاتحاد، ولكن الحكومة ردت عليهم رداً لا يسر صديقاً.. فعكفوا عليه يتدارسونه حسب العادة أيضاً، ولكن هذه مساعي التوفيق تسعى، بين الأحزاب، لتتحد، وتقدّم مذكرة جديدة للحكومة.. فكانت مساومات وكانت ترضيات.. بين من يريدون الإنجليز، وبين من يريدون المصريين، وظهرت الوثيقة -هكذا أسموها هذه المرة- الوثيقة التي تنص على حكومة ديمقراطية حرة، في اتحاد مع مصر، وتحالف مع بريطانيا.. ولسائل أن يسأل: لماذا لم يسر المؤتمر في التعليم الأهلي على هدى سياسة تعليمية موضوعة، منظور فيها إلى حاجة البلاد كلها في المستقبل القريب والبعيد؟ ولماذا لم يعن المؤتمر، بمناهج الدراسة، كما عني بإنشاء المدارس؟ وله أن يسأل لماذا، عندما ولدت الحركة السياسية في المؤتمر، اتجهت إلى الحكومة تقدّم لها المذكرات تلو المذكرات ولم تتجه إلى الشعب، تجمعه، وتنيره، وتثيره لقضيته؟؟ ولماذا قامت عندنا الأحزاب أولاً، ثم جاءت مبادؤها أخيراً؟؟ ولماذا جاءت هذه المبادئ حين جاءت مختلفة في الوسائل مختلفة في الغايات؟؟ ولماذا يحدث تحوّر، وتطوّر، في مبادئ بعض هذه الأحزاب، بكل هذه السرعة؟ ثم لماذا تقبل هذه الأحزاب المساومة، في مبادئها، مساومة جعلت أمراً كالوثيقة عملاً محتملاً، وقد وقع واستبشر بع بعض الناس؟ نعم لسائل أن يسأل عن منشأ كل هذا -والجواب قريب هو انعدام الذهن الحر، المفكر، تفكيراً دقيقاً، في كل هذه الأمور...» (محمود محمد طه: السفر الأول 1945). مقاومة الاستعمار: لقد اتجهت الأحزاب، إلى بلورة الرأي العام، حول الوثيقة التي تدعو للاتحاد مع مصر والتحالف مع بريطانيا، وتكون على أساسها، الوفد الذي أعد ليسافر إلى مصر، فقد جاء «أن الوفد السوداني عقد مؤتمراً صحفياً أعلن فيه: أن مطالب السودانيين تتلخّص في: (1) إقامة حكومة سودانية ديمقراطية حرّة في اتحاد مع مصر وقد ترك تحديد نوع هذا الاتحاد معلقاً لم يبت فيه. (2) مصر والسودان سيقرران معاً طبيعة هذا الاتحاد. (3) عقد محالفة مع بريطانيا العظمى على ضوء هذا الاتحاد المصري السوداني». (جريدة الرأي العام بتاريخ الأربعاء 28/3/1946). وبين ما كان هذا اتجاه الأحزاب الكبرى، وضع الأستاذ محمود ورفاقه، الأفكار التي يريدونها في دستور حزبهم، ومنشوراته، ثم أخذوا يطبقون رؤيتهم تماماً، حسب ما نقدوا الأحزاب الأخرى، فاتجهوا إلى الشعب مباشرة يثيرونه ضد الاستعمار، بالمواقف الصادقة، وبالرأي السديد.. ومن ذلك مثلاً نقرأ (مثل الأستاذ محمود محمد طه المهندس أمس أمام قاضي الجنايات المستر مكدوال متهماً من بوليس الخرطوم تحت قانون التحقيق الجنائي لتوزيعه منشورات سياسية من شأنها الإخلال بالأمن العام، وقد أمره القاضي أن يوقّع على صك بكفالة شخصية بمبلغ خمسين جنيهاً لمدة عام لا يشتغل خلالها بالسياسة ولا يوزّع منشورات. ويودّع السجن لمدة سنة إذا رفض ذلك.. ولكن الأستاذ محمود رفض التوقيع، مفضلاً السجن، وقد اقتيد لتوّه إلى سجن كوبر (الرأي العام- 3/6/1946م). بهذا الاعتقال أصبح الأستاذ محمود محمد طه، أول معتقل سياسي، في مستهل الحركة الوطنية. ولمّا كان قد فضّل الاعتقال بغرض تصعيد المواجهة، وتحريك الشعب، فقد رفض الانصياع لقوانين السجن، حتى عوقب عقوبات مضاعفة داخل السجن.. وكانت السلطة البريطانية، في حيرة من أمره، لأنها لم تكن لها سابق تجربة مع معتقلين غيره، ولأنه كان قد فاجأها في كل لحظة بما لم تتوقّعه.. فقد رفض أن يعمل كما يعمل المساجين، ليؤرخ لضرورة التمييز بين المعتقل السياسي والمجرم العادي، بل رفض أن يقف لضابط السجن، وأخبره أنه ليس لديه مشكلة معه، ولكنه لم يعص الحكومة في الخارج، ليطيعها في الداخل.. وعن ذلك نقرأ (بيانا رسميا من مكتب السكرتير الإداري عن رئيس الحزب الجمهوري: «ظهرت بيانات في الصحف المحلية حديثاً بخصوص محمود محمد طه الذي هو الآن تحت الحراسة بالخرطوم بحري نتيجة لرفضه أن يمضي كفالة المحافظة على الأمن.. وهذه البيانات قد احتوت على معلومات غير دقيقة، والحقائق كالآتي: لمدة يومين رفض محمود محمد طه أن يشتغل، وهذا يخالف قوانين السجن فلم يعمل له أي شيء في اليوم الأول، أما في المرة الثانية فقد حكم عليه بالبقاء ثلاثة أيام «بالزنزانة» و«الأكل الناشف» ولو أنه رفض أيضاً أن يقف عند الكلام مع ضابط السجن فإن العقوبة التي نالها الآن لم تعط له نتيجة المخالفة لنظام السجن، وبهذه المناسبة يجب أن يعلم أن كل المساجين مهما كانت جنسياتهم يجب أن يقفوا إلى ضابط السجن انجليزياً كان أم سودانياً»). (الرأي العام- 26/6/1946م). وحين كان الأستاذ محمود يقاوم الاستعمار، من داخل السجن، كان رفاقه في الحزب الجمهوري، يصعّدون المقاومة في الخارج، فقد نشرت جريدة (الرأي العام)، في نفس الأسبوع الذي سجن فيه الأستاذ، الخبر التالي: )ألقى الأستاذ أمين محمد صديق سكرتير الحزب الجمهوري خطاباً عاما أمس الأول عن الجنوب في الخرطوم بحري في جمهور كبير أمام السينما الوطنية، وأعاد إلقاءه مرة أخرى في نفس الليلة في مكان آخر في الخرطوم بحري، وقد استدعاه البوليس هذا الصباح وحقق معه فاعترف بكل ما حصل وزاد بأن هذا جزء من خطط كبير ينفذه الحزب الجمهوري). ولما تصاعدت المقاومة من الجمهوريين، على قلة عددهم في ذلك الوقت، خشيت الحكومة البريطانية من تعاطف الشعب معهم، فأطلقت سراح الأستاذ محمود. وبالرغم من أن الحزب الجمهوري قد كان الأصغر، من بين الأحزاب، ألا أن مئات التهاني، وعبارات التضامن والتقدير، للدور الوطني، الذي لعبه رئيسه، قد وردتهم من جميع أنحاء السودان، مما يدل على استعداد الشعب للثورة، لو أن قادته قد كانوا في المستوى المطلوب.. ويكفي أن نذكر بعض تلك البرقيات التي وردت للحزب الجمهوري آنذاك، عرفاناً لأصحابها الأحياء منهم، والأموات، فقد دخلوا بها التاريخ: (سكرتير الحزب الجمهوري- أم درمان كان سجن الرئيس درساً وطنياً قيّماً لشباب الجيل في الإيمان والروح وقد سررنا لخروجه لا شفقة عليه ولكن ليواصل الجهاد الوطني. حسن بابكر- القضارف 24/7/1946). )محمود محمد طه- الحزب الجمهوري أم درمان: تأكل النار الصدأ واللمما وبها يسمو كريم الذهب ويرى الحر العذاب المؤلما لذة في الحق يا للعجب يا سجيناً قدره قد عظما وسما حتى جثا في السحب. أحمد محمد عثمان- عطبرة 29/7/1946). (الأستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري- أم درمان أعضاء جبهة المؤتمر الوطنية بالأبيض يرون في خروجك من السجن آية واضحة للإيمان بالوطنية الصادقة ويعدّون جهادكم رمزاً للكرامة السودانية، فبقلوب مفعمة بالغبطة يشاركون إخوانهم الجمهوريين السرور بعودتكم لميدان الجهاد. السكرتارية 24/7/1946). )أمين صديق، البوستة الخرطوم للرئيس دخلته رجلاً وغادرته بطلاً وضربته مثلاً. علي عبد الرحمن- الأبيض 32/7/1946م). (سكرتير الحزب الجمهوري- الخرطوم إن جميع أعضاء الجبهة الوطنية بسنجة مستبشرون بالإفراج عن رئيس حزبكم العظيم وهم جميعاً يبتهلون إلى الله أن يسدد خطاكم ويتمنون للرئيس العافية وحسن الجهاد. سكرتير عام الجبهة الوطنية- سنجة 2/8/1946م). (محمود محمد طه- أم درمان عرفنا فيك المثل الأعلى منذ عهد الطلب، فسرّنا أن يعرف القاصي والداني هذا القلب الكبير. صديق الشيخ- كوستي 30/7/1946). )محمود محمد طه- أم درمان أوفيت كرامة السودان وإبائه حقهما- فلتعش رمزاً صادقاً للوطنية الخالصة، لك تقديرنا وإعجابنا. اتحاد طلبة كردفان- الأبيض 23/7/1946م). )محمود محمد طه- أم درمان لقد سجّلت بعزمك القوي وإيمانك الصادق فخراً للأجيال فلتعش مرفوع الرأس.. لك مني التهاني. الطيب حسن/ عطبرة 24/7/1946م).
د. عمر القراي

http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=43048

Post: #347
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 10:37 PM
Parent: #346


اتحاد الكتاب وشبهة التمويل الأجنبي
أم صلمبايتي ولا كدكاي هنا زول أب صلمباية

د. أحمد محمد البدوي
* من جوامع الكم، الدالة على منتهى الحكمة ورجاحة العقل، هذا المثل الرنان، الحاسم السمت، الداعي الى التمسك بالاستقلال، وإن كان عائده المادي ضئيل القدر، والنامي عن التفريط فيه، وإن كان عائده المادي ضخماً مغرياً يسيل له اللعاب. أي ان يكون العمل الثقافي غير خاضع لاستخذاء التمويل الاجنبي وإن عظم! والصلمباية تعني الفأر الصغير والكدكاي هو الفأر الكبير الضخم: الجقر نقول هذا في مستهل تناولنا لمقال الاخ الفاضل رئيس اتحاد الكتاب: شكراً للهولنديين: السودانيون وجوائز الأمير كلاوس (الصحافة: 27/12/2007) ، حيث تناول الاستاذ ابراهيم اسحق قضية حصول اتحاد الكتاب على «منحة» الأمير كلاوس، وهذه المنحة نالها الاتحاد في عهد اللجنة السابقة، ولكن الاتحاد استهلها مؤخراً في عهد الاخ ابراهيم اسحق فهى تركة ورثتها لجنته وآلت اليه من سلفه. يقول في مقاله مُعرّفاً بالأمير: « ولد الأمير كلاوس في المانيا وقضى الشطر الاول من حياته حتى عام 1938م في تنزانيا حيث كان لابيه اطيان كبيرة. وفي الحرب العالمية الثانية التحق بالخطوط الالمانية في ايطاليا عام 1945 إلا انه وقع في أسر القوات الامريكية في ميرانو حتى قبل اشتراكه في القتال». ويسمح لنا الاخ الفاضل ابراهيم اسحق بتصويب معلومة، معروفة بالبداهة، ان لفظ:تنزانيا «ضرب» من النحت لأن اللفظ مستمد من كلمتين اثنتين هما تنجانيقا وزنجبار، واطلق على البلدين عندما اندمجا متوحدين في بلد واحد، عند الاستقلال من بريطانيا، برئاسة المعلم نايريري، وقد حدث ذلك قطعاً بعد عام 1938 بأكثر من عشرين سنة. لقد كانت المانيا تستعمر تنجانيقا، عائلة الأمير كانت مقيمة ايام الاستعمار في تنجانيقا واكتسبت بفضل نفوذ الاستعمار الالماني ملكية مزارع شاسعة المساحة، اطلق عليها الاخ ابراهيم عبارة: اطيان كبيرة، ومن المؤكد أن العمل فيها، كان يجري حسب نظام السُخرة أو ما يشبه السخرة. فالأمير حسب وضعه العائلي وصلته الاستعمارية جزء من ظاهرة الاستعمار الالماني والاوروبي في افريقيا، وقد فقدت المانيا مستعمراتها في شرق افريقيا وغربها إثر هزيمتها، وآلت تلك المستعمرات الى بعض الدول الاوروبية التي الحقت الهزيمة بالمانيا النازية، فعلاقة الأمير بأفريقيا ليست علاقة بريئة، ولو كانت تلك البراءة محصورة في عمل تبشيري. الأمر الآخر، وثالثة الاثافي، أن الأمير نازي حتى النخاع لأنه شارك في الحرب، وفي مكان خارج الارض الالمانية، ووقع في أسر القوات المعادية، قوات معسكر الحلفاء، ولو أنه أسر في بلده، أو في بلد يضم اطيان عائلته في افريقيا، لاعتبرناه مدافعاً عن حوزته وحماه، عن وطنه وحقه. ومن بعد الحرب ، عمل الأمير دبلوماسياً في السفارات الالمانية ولعل صلته الاستعمارية ببلد افريقي، كانت عائلته تقيم فيه، وكان على معرفة ما بالجو الافريقي، اهلته للعمل في بعض الدول الافريقية، الى ان التقى بملكة هولندا، وتزوجها، وتخليداً لذكراه اقامت الحكومة الهولندية هذه المؤسسة ذات الهبات السنية باسمه، ولعل استخدام الاخ ابراهيم لكلمة: المنحة أصح وأوقع من الجائزة، فهى منحة نالها اتحاد الكتاب بعد أن تقدم لها وطلبها وكفل لنفسه اسانيد من التزكية وإثبات حسن السير والسلوك والبراءة من السوابق الماحقة للفوز، وتلك عملية معقدة تدور تحت سطح الماء الظاهر للعين الرائية!. ويقول الاخ الفاضل ابراهيم اسحق مُعرفاً بالمنحة الهولندية التي استلمها الاتحاد من سفير هولندا في حفل خاص (مدنكل) اقامه السيد السفير على شرفها، يقول عن المنحة إنها: «تستهدف بالتكريم اشخاصاً ومنظمات تعكس المقتربات التقدمية والمعاصرة لقضايا التنمية والثقافة». ولا ندري على وجه اليقين ما دلالة كلمة (المقتربات) ولكن يمكن أن نعرف أنها في نهاية التحليل، يمكن ان تدل على ما تدل عليه كلمة الاعمال أو الانشطة. افلا يدل استهداف المنظمة للمنظمات التي تعكس (المقتربات) التقدمية والمعاصرة لقضايا الثقافة، في حالة اتحاد الكتاب السودانيين، على انحياز تلك المنظمة لنمط معين من (الاعمال) وإدارة ظهرها بمعنى فقدان الاستهداف في حالة المنظمات التي لا تنتج اعمالاً تقدمية ومعاصرة. من يأمل في المنظمة توخي العدل والموضوعية، يجدها أبعد ما تكون في هذه الحالة عن العدل والموضوعية، لأنها راعت الانتقاء المتعمد، فمنحتها لاتحاد هو منظمة واحدة من منظمات المجتمع السوداني المدني العاملة في محيط الكتاب، مثل: 1/ رابطة الكتاب السودانيين شابو وعيدروس. 2/ اتحاد الادباء والكتاب: د. عمر قدور وحمدتو. 3/ اتحاد الادباء: حديد السراج. 4/اتحاد الصحفيين: 5/ نادي القصة السوداني: من أندية اليونيسكو. 6/ هيئة علماء السودان. ولأن هذه المنظمة هولندية، وليست سودانية، وقد منحت مبلغاً من المال، بالدولار، لاتحاد الكتاب، وهو منظمة سودانية، افلا يدل ذلك على تدخل هذه المنظمة الاجنبية، في شؤوننا الداخلية في السودان، ودس أنفها في حلبة الصراع والتنافس بين المنظمات السودانية العاملة في المجال نفسه، لأنها آثرت ودعمت اتحاداً واحداً وبالتالي صار لها موقف مضاد وسلبي، تجاه (الاتحادات الاخرى) اتحادات الكتاب السودانيين! الذين لا ينسجون على منوالها (التقدمي) (المعاصر). ربما يقول قائل ان هناك منظمات سودانية لا حصر لها تتحصل على عون مادي: اموال من الخارج ولاسيما من اوربا وامريكا، والرد على ذلك واضح وبسيط، هناك شبهة تلحق كل المنظمات السودانية التي تتلقى عوناً من دول اوربية ومن امريكا، صحيح ان هناك منفعة واضحة من الحصول على الدعم في بعض الحالات، ولكن الصواب ايضاً ان الشبهة واردة، والكمون تحت (السحاب) وارد، والافضل الاستعصام بالاستقلالية والنأي عن الشبهة. ولعله من المناسب ان نذكر هنا أن اتحاد الكتاب، في عهد الانتفاضة، استقدم الشاعرة الكويتية سعاد الصباح، فجاءت بهيلها وطائرتها ومنحت الاتحاد عطية بالدولارات، لا ندري كيف تصرف فيها الاتحاد، ولكن الجدير بالبحث هو لماذا هذا التهافت على الدعم المالي من خارج الحدود ولم؟ بل لماذا لا تؤمن (الجائزة) الهولندية بحق الحرية، حرية الرأى، فمن حق الكاتب ان يختار الموقف المضاد للمعاصرة، والمخالف للتقدمية؟! والا يعاقب على ذلك في بلده! نحن -أعني- المهتمين بالدراسات العربية والاسلامية نعرف مدى عناية هولندا بثقافتنا، ومرامي مراكزها المرموقة مثل جامعة (لايدن)، ومطبعة (بريل) العريقة، وسوق المخطوطات، ووضع الثقافة العربية في بلاد المسلمين التي اسرتها هولندا بمعنى استعمرتها في اسيا، وحرصها على استضافة د. نصر حامد أبو زيد، وإنشاء كرسي دراسات اسلامية من أجله، ومنحه هالة علمية لا تستحقها كتاباته لا لمحتواها وموقفها الفكري الذي اثار ضجة، وإنما لانها من حيث الاداء الاكاديمي تتمخض عن لهوجة، وسطحية، واستهبال، وتهويل، و(لطش) من المسكين الاستاذ محمود محمد طه! أما اذا كان اتحاد الكتاب السودانيين لا يرى حرجاً في الحصول على عون من الحكومة الهولندية، وأنه لا يكمن وراء الأكمة أي غرض آخر، فارجو ان يسمح لي برواية الحكاية التالية: في عام 1966م، ظهرت سلسلة مقالات في صحيفة امريكية، ورد فيها ان المخابرات الامريكية مولت منظمة فورد تمويلاً جزئياً، وأن منظمة فورد كانت تمول المنظمة العالمية لحرية الثقافة، ومقرها في باريس ولما كانت هذه المنظمة تمول وترعى مجلة (حوار) العربية التي تصدر من بيروت، فقد استقال رئيس تحريرها توفيق صائغ: متنبي قصيدة النثر، وتوقفت المجلة عن الصدور، وبعد سنوات توفي توفيق صائغ في امريكا. لقد تعرضت المجلة لحملة ضارية ضدها وخاصة من اليسار والقوميين العرب، وكان توفيق صائغ يقول إن المجلة تصدر عن المنظمة العالمية وأن مؤسسة فورد هى التي تضخ المال: منحة او جائزة او مقاربة! وأن لا علاقة له بأمريكا ومخابراتها! وأنه لا يرى أي اهداف خبيثة كامنة وراء التمويل، إنما عطاء مفيد للثقافة العربية، والحق نقول انه ما من مجلة خدمت الثقافة السودانية مثل هذه المجلة، لأنها نشرت كل اعمال الطيب صالح، قدمته وكفلت له الذيوع، وكتب في المجلة وشارك في تصميمها سودانيون منهم: مدثر عبد الرحيم، مصطفى مبارك، محمد عبد الحي، جمال محمد احمد، محي الدين محمد، شبرين، الشوش مراسلها في الخرطوم، جعفر محمد علي بخيت. ومع ذلك فإن نبرات الصوت الذي هاجم حوار وجرمها، هى نبرات الصوت نفسه الذي بارك المنحة الهولندية، منحة الأمير النازي المشارك في استعمار افريقيا، وهى نبرات الصوت نفسه الذي قبل العون الآن في منظمات المجتمع المدني السوداني، من المراكز ومن منظمات حقوق الانسان. إما أن يكون قبول الدعم الخارجي- كالمنحة الامريكية او الهولندية- امراً مقبولاً لا مشاحة فيه، وعندئذ علينا أن نقر ببشاعة الجريمة التي ارتكبت في حق مجلة حوار صاحبة الفضل على الثقافة السودانية، وإما ان يكون الحصول على المنحة من عظائم الامور التي تستحق الويل والثبور، ويكون الحاصل عليها مساوياً لمجلة حوار في سقوط القيمة! لا يصح إلا الصحيح:أ بصلمبايتي ولا كدكاي هنا زول أب صلمباية، ودنيا دبنقا.

http://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=43099
______________

Post: #348
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 11:44 PM
Parent: #347


م. عيدروس في شاهد على العصر:
معاوية نور أثر في بعض نقاد مصر..!!


هل حقا نحن جيل بلا أساتذة ولا نقاد..!! في إطار نشاط نادي القصة السوداني الأسبوعي وتكملة للسلسلة التي بدأها النادي بعنوان «شاهد على العصر» والتي قدم فيها من قبل د. عمر شاع الدين والشاعر عبد الله شابو، استضاف النادي الناقد مجذوب عيدروس. وفي البداية قدم الناقد السينمائي محمد مصطفى الامين الاسبق قائلا: تعود علاقتي بالناقد مجذوب عيدروس لاكثر من خمسة وعشرين عاما، التقيت به اولى مرة عندما ذهبنا الى نادي السينما بمدينة ود مدني، وقابلت هناك الاستاذ محمد عوض عبوش رئيس تحرير مجلة الثقافة السودانية الذي انتقل للعمل في بنك الادخار السوداني، والاستاذ علي مؤمن. وتعرفت على مجذوب عيدروس في هذه الرحلة.. والاستاذ مجذوب يعرفه الناس من خلال الادب ونقده، ولكنه الى جانب ذلك، فهو مسرحي وله اضافات عميقة في المسرح والتراث، وهو ملم به، وهو موسوعي الثقافة، ويملك «سحارة» مليئة بالمعارف نحاول ان نخرج منها الكثير في هذه المسامرة. وابتدر مجذوب عيدروس حديثه بأنه لمن يعرفونه شخص في غاية البساطة. والعقاد قال ان الانسان له ثلاث صور ـ العقاد كما خلقه الله والعقاد كما يعرفه الناس، والعقاد كما يعرف نفسه، وكل انسان ينظر له من زاوية خاصة به، وسأحاول ان اقدم بعض ما اعرفه لعله يساعد في رسم صورة عن الزمان الذي عشت فيه. حقيقة ادرك ان صفة ناقد قد لحقت بي، وما انا الا قارئ ادون ملاحظاتي على ما اقرأ. ولدت عند منتصف القرن في مدينة الدامر، وحدثني ابي والشيخ الزبير عبد المحمود «صاحب كتاب ارشاد البدوي للدين النبوي» ان الشيخ الزبير والاستاذ احمد حسون وهما من قيادات انصار السنة، اعترضا على اسمي، وكان ابي يضمر ان يسميني صلاح الدين، ومع اصرار بعض اهلنا الذين تربطنا بهم صلة من المجاذيب تمت التسمية. وهذا وحده يوضح مدى القدرية والمصادفات في حياتنا. وعشت الفترة الاولى بين بربر وشندي، ثم نقل الوالد الى ود مدني، حيث استقررنا هناك، وسكنا اولا في حي الدباغة ثم مربع «11»، حيث دخلت الخلوة لشهر واحد وهجرتها بسبب قسوة الشيخ على تلاميذه، رغم انه لم يعاقبني قط.. ثم انتقلنا الى حي الموظفين في بيت حكومي واسع الارجاء، وهناك التحقت بالمدرسة الشرقية، حيث صادفنا مجموعة من خيرة الاساتذة: الطيب ميرغني، طه عابدين، السر محمد فضل وادريس عبد الحميد الذي شجعني كثيرا وتنبأ لي بأني سأكون كاتباً! وانتقلنا الى مدرسة مدني الاميرية، وفي المدرسة كانت هناك جمعية ادبية المشاركة فيها ملزمة. وحصة اسبوعية للمكتبة، وحجرة اسمها حجرة القراءة بها مجلات، اذكر منها مجلة القصة السودانية ومجلة العربي الكويتية والهلال والمختار والآداب والصحف اليومية. وفي الجمعية الأدبية قدمت لي جائزة عبارة عن خمسة كتب، اذكر منها كتاب «أبو الشهداء» للعقاد، مما دفع الوالد لاعطائي مجموعة من كتب العقاد التي زادت على الخمسين كتابا عنده.. وهذا الوالد كان قارئا متميزا، وكثيرا ما ناقش اصدقائي ومنهم علي مؤمن الموجود الآن في هذه الجلسة، والراحل عبد الله محمد ابراهيم، وعبد القادر شقيقي، واحمد الفضل احمد القاص وغيرهم... واذكر من الطلاب الذين وجدناهم في رابعة وسطى ونحن بالسنة الاولى، احمد الفضل احمد، والفريق عبد الرحمن سر الختم، والبروفيسور الزبير بشير طه، ومحمد عثمان محمد سعيد وغيرهم. وفي الفصول الأخرى عماد عبد الرحمن، وعارف عبد الرحمن، وعبده عز الدين، والخواض عمر أحمد وحسين حميدة، وعبد العظيم عبد القادر الذي ترأس رابطة الجزيرة للآداب والفنون فيما بعد. وقد سكنا في حي الموظفين بود مدني ـ قريبا من نادي الخريجين ومنزل الاستاذ احمد خير المحامي ـ ومن جيراننا المحامي محيي الدين عووضة المحامي، والبروفيسور احمد صفي الدين عوض، وغير بعيد منا الشيخ مدثر البوشي الذي جمعت شعره فيما بعد، ودفعته الى كتابة مذكراته «مفاتيح الجهاد السافر».. والمشهد الثقافي الذي نشأنا فيه خلال الستينيات، كان فيه صراع حاد ومستميت بين انصار الشعر التقليدي وشعر التفعيلة. وهنا اؤكد ان الشعر السوداني ومنذ فترة مبكرة فقد خصوصيته، فقد كتب محمد عمر البنا قصائده وهو مجايل لمحمود سامي البارودي، ولا يقل عن البارودي ورصفائه، وقصيدته الشهيرة «الحرب صبر واللقاء ثبات ـ والموت في شأن الاله حياة».. وكذلك السلاوي الذي مدح عمرابي بقصيدة «شغل العدا بتشتت الاحزاب ـ والله ناصرنا بسيف عرابي»، وحينما دخلت قوات الاحتلال البريطاني القاهرة كان الشاعر السوداني مطلوبا من السلطة الاستعمارية، فلجأ الى سيد محمد سر الختم الميرغني الذي دبر إخراجه الى استانبول، حيث عمل مفتشا للغة العربية في وزارة المعارف. وكذلك جاء محمد سعيد العباسي وعبد الله عبد الرحمن الامين وعبد الرحمن شوقي والبوشي، وكلهم في مصاف الشعراء العرب الكبار، والاشكالية أن شعرنا ونقدنا لم ينشرا في اوقات مناسبة، حتى ان المجذوب طبع ديوانه الاول «نار المجاذيب» بعد ثلاثين سنة من الكتابة، وهناك شعراء كثر خارج العاصمة، مما جعلهم بعيدين عن الاضواء. وفي الفترة الأخيرة توجهت بعض كليات الآداب إلى الاهتمام بدراسة الإبداع السوداني. ومنذ فترة مبكرة اهتمت كلية الموسيقى والدراما التي درست فيها بهذا الشأن، فكان التوثيق لتجارب خالد ابو الروس وابراهيم العبادي ـ ومحاولات لتأصيل ظاهرة المسرح.. ولدي بحث عن الظواهر المسرحية في السودان، اشرف عليه د. خالد المبارك، وقد اهتم هاشم صديق بتأسيس مكتبة المسرح السوداني في الكلية، وكانت بها مكتبة ضخمة، وفوجئت في زيارة لها باختفاء معظم الكتب. والنقد الأدبي في السودان بدأ بدايات جيدة، وكان الامين علي مدني «1900 ـ 1926» ناقدا جريئا، وحينما قدم محاضرة عن شعر البنا في نادي الخريجين بام درمان، حاول أحدهم الاعتداء عليه بكرسي، وكان معجبا بالعقاد وجبران، ويدعو الى تقليد مدرسة الديوان وادب المهجر وطه حسين. ومن هنا رأى المجذوب في مقدمة الحان واشجان «ديون محمد محمد علي» ان البنا وزملاءه مقلدون، وكذلك من قلدوا الديوان والمهجرين واستثنى حمزة الملك طمبل.. الذي كان يبحث عن ملامح الذات السودانية.. وكان ايضا هناك ناقد كمحمد عشري الصديق وكتابه «آراء وخواطر» وإلى جانب كتاب حمزة الملك طمبل الادب السوداني وما يجب ان يكون عليه... وقد علق المازني على ما كتبه عشري، وكذلك كان هناك معاوية محمد نور الذي اقول ان هناك تأثيرا له على عدد من النقاد المصريين، منهم انور المعداوي في الاداء النفسي، وتفصيل ذلك في دراسة اعدها عن معاوية. والشعر السوداني كانت له علاقة وثيقة بنهضة المسرح منذ الثلاثينيات، وشعراء العامية هم من قادوا نهضة التأليف المسرحي «ابو الروس ـ العبادي ـ حميدة ابو عشر الخ»، وشعراء العامية والغناء قد اهمل دورهم الوطني والسياسي، فمثلا علي المساح كان مؤسس جمعية اللواء الابيض في ود مدني 1922م حسب المؤرخ محمد عبد الرحيم. وفي تطورات شعر التفعيلة لم تسلط الاضواء على دور الشعراء السودانيين في تثبيت حركة شعر التفعيلة في مصر من خلال الشعراء: جيلي عبد الرحمن ـ الفيتوري ـ محيي الدين فارس ـ تاج السر الحسن. وكانت هذه الحركة قد ظهرت اولا في العراق على يد بدر شاكر السياب ونازك الملائكة وبلند الحيدري وشاذل طاقة. ونلاحظ ان هؤلاء ومعهم آخرون كلهم درسوا في دار المعلمين العالية «حاليا كلية التربية ـ جامعة بغداد». ومن الآخرين السوري سليمان العيسي وعبد الرزاق عبد الواحد ـ لميعة عباس عمارة ـ وكان من أساتذتهم جبرا ابراهيم جبرا، وهو صاحب محاولات في تجديد الشعر وتجديد النقد، ومن اهم المترجمين العرب. ووجود الشعراء السودانيين ساهم في نقل المعركة الى مصر جنباً الى جنب مع صلاح عبد الصبور واحمد عبد المعطي حجازي. وفي ذلك الجيل كانت هناك مساهمات من عدد من الاكاديميين العرب الذين درسوا في الجامعات هنا، وارتبطوا بالسودان، وفي طليعتهم د. احسان عباس «فلسطين» اقام عشر سنوات، وساهم في الحركة الثقافية بدراسات جادة، وساهم في نشر عدد من الكتب، منها «البرجوازية الصغيرة ـ مجموعة قصصية لعلي المك وصلاح احمد ابراهيم وهما من طلابه». وفي قرية مجموعة قصصية لعلي المك، وديوان الصمت والرماد لمحمد عثمان كجراي. وساهم في مجلة القصة السودانية، وكتب في مذكراته عن فترته بالسودان، وتحدث عن حزنه والعائلة لخروجه الى الجامعة الاميركية في بيروت، وكذلك كان هناك الباحث د. عبد المجيد عابدين والناقد الشاعر عبده بدوي، ولهما عدة كتب عن السودان، وكذلك د. محمد مصطفى هدارة، وقبله دكتور محمد النويهي، ود. سلمى الخضراء الجيوشي ود. حسن حنفي، ود. سعد الدين الجيزاوي، وهو ابن خالة حمزة الملك طمبل. ودخل النويهي وكذلك هدارة في مساجلات مع ادباء السودان، وهجا صالح عبد القادر، النويهي «لو كان ذا خير للحق بأهله»، ولي الحق فإن بعض العرب يرون في الأمر حساسية سودانية ـ والنقد نفسه في السودان عانى من هذه الحساسية، وذلك لطبيعة المجتمع البدوي، ولهذا لا بد من الموضوعية ومغالبة الهوى، والكتابة النقدية موجهة للنص ولعمل الكاتب لا لشخصه. ومازال البعض يردد مقولة سليمان فياض القاص المصري «نحن جيل بلا نقاد» والتقطها هنا اسامة الخواض، وفياض كتبها في زمن كان فيه جيل العقاد قد بدأ يخلي الساحة، وكان هناك طه حسين ود. لويس عوض ود. عبد القادر القط وسامي خشبة وصبري حافظ ود. محمد مندور وعشرات النقاد، وهي قد انتقلت الآن الى الجيل السوداني الشاب، وكانت في الستينيات ما عرفت بفضيحة مسرحية «الهواء الأسود» حيث لفق الكاتب الساخر أحمد رجب مسرحية زعم انها مترجمة ضمن مناخ مسرح اللا معقول الذي شمل المنطقة بكاملها، وبلع النقاد الطعم ما عدا العقاد الذي قال انها لا تشبه كتابات فردريش دورنيمات الذي قال إنه ترجمها عنه.. وفي السودان اواخر الثمانينيات حدث مثل هذا في موجة القصة القصيرة جدا، حيث كتب احدهم قصة قصيرة جدا زعم انها لتولستوي، لينظر ناقد عن اسبقية تولستوي. مرة قال احد الادباء انني مؤرخ ادبي ولست ناقدا، وقلنا يا ليت ذلك يكون. فطه حسين وسانت بيف مؤرخا ادب. والمؤرخ الادبي يعمل على تثبيت العلامات البارزة في الادب والحديث عنها، ولديه الوعي الذي يغربل به الاعمال، وقد يكون في الجيل عشرات الشعراء، ولكن المجيدين الذين تحتفظ بهم الذاكرة الادبية لا يتجاوزون قلة من الشعراء. والنقد السوداني يحاول أن يواكب ما يحدث في العالم والمنطقة- المدرسة الرومانسية جاءت وانتجت هنا شعرا وقصصا، وقدم محمد احمد محجوب نقدا مميزا منذ الثلاثينيات. وعندما جاءت الواقعية استفاد منها الكتاب في تقديم صورة عن البيئة والحياة السودانية ونماذج من الشخوص.. وعودة الى نقد محمد محمد علي، فقد كتب بجرأة عن النحو، وحاور محمود محمد طه في انزال الفلسفة على الارض، كما انه درس في الشعر السوداني في المعارك السياسية 1880 ـ 1924م الشعر العامي الذي تناول الثورة المهدية. وهناك اشكاليات برزت، هي أن شعر التفعيلة قد استسهله الكثيرون، وكذلك يفعل الكثيرون بقصيدة النثر على ايامنا هذه.. وضعف القصائد في الحالتين يعود الى الشاعر وقصور ادواته وقلة موهبته وفقر قاموسه اللغوي، وخياله المحدود. وشهد القرن العشرون الميلادي نهضة، اذ جاءت الثقافة الغربية مع الاستعمار، ولقيت ثقافة محلية وعربية وتفاعلت معها، وقد ساهمت المجلات الثقافية في ارساء دعائم النهضة «النهضة السودانية ـ الفجر ـ ام درمان ـ القصة ثم القلم والخرطوم والثقافة السودانية الخ». وفي بداياتنا وجدنا عبد القدوس الخاتم، وكانت علاقاقتنا معه عبر البريد من مدني، واحتفى بهذا النتاج المتواضع ولم القه الا في مكتب الراحل محمد عبد الحي عام 1980م، واحسب انني افدت من مناقشات مع محمد المهدي مجذوب ومحمد عبد الحي، الى جانب الصحبة الادبية مع زملاء رابطة الجزيرة للآداب والفنون التي شاركت في تأسيسها عام 1972 ـ 1973م بود مدني، وكان اول رئيس لها الاستاذ محمد الحاج محمود صالح، وقد شجعنا على الكتابة، وكانت ميزة هذه الرابطة انها كانت ديمقراطية ويتعايش فيها افراد بمختلف اتجاهاتهم الفكرية والسياسية، رغم انها نشأت في عهد مايو وكان القمع على اشده. وكان لنا رأي دائما بأن مسألة صهر الثقافات السودانية في ثقافة واحدة امر غير دقيق، ولكننا نؤمن بالحوار بين ثقافات مختلفة، ونحتاج الى ان نتعلم ان الحوار والاعتراف بالآخر وافساح المجال للتثاقف بين المجموعات السودانية المختلفة، هو الطريق الأمثل. وقد قرأت هذا الاسبوع في كتاب «فردوس الامبريالية ـ الادارة البريطانية في جنوب السودان» لدكتور روفائيل ترجمة محمد علي جادين، ان الانجليز عملوا على ان يكون جنوب السودان حاجزا امام انتشار الاسلام واللغة العربية في افريقيا، وخلق حالة من العداء امام العروبة والاسلام. والمطلوب نظرة واعية لثقافات الآخرين، والثقافة العربية لها القدرة والمرونة على التكيف في اي مكان ذهبت اليه. ورغم أن لنا انتماءاتنا الفكرية، إلا ان المنظور يظل متسعاً، ونرفض تصعيد الادباء من وجهات نظر سياسية وتنظيمية، واعلاء شأن البعض دون الآخر، وكلها أخطاء وخطايا ترتكب في حق الحركة الثقافية. وفي عام 1980م بدأت البنيوية في الظهور ـ سودانيا ـ وكانت فرصة طيبة للخروج من إطار النقد المضموني الذي يركز على العوامل المحيطة بالنص، وقد رأينا أن لوسيان غولدمان بجمعه بين البنيوية والماركسية هو الاقرب للنقد الذي يجمع بين التركيز على النص والدور الاجتماعي للادب، حتى لا تستحيل المتابعة على القارئ. والناقد المعاصر مطالب بدراسة المناهج النقدية الحديثة. وقد تناقشت مع د. عمر شاع الدين حول جدوى المجلات الثقافية القديمة الآن في تكوين ثقافة الناقد الأدبي، وقد لا تكون لها فائدة في التعريف بالمناهج الحديثة، ولكنها مفيدة في التعرف على المناخ الادبي السائد آنذاك. في معهد الموسيقى والمسرح، درسنا على يد اساتذة منهم هاشم صديق ود. جعفر ميرغني ود. عبد الرحمن الخانجي الذي درسنا النقد على مدى عامين، وكان ما يميز المعهد وجود عدد كبير من المبدعين من الاساتذة والطلاب ومنهم: محمد محي الدين ـ مصطفى سيد احمد ـ يحيى فضل الله ـ قاسم ابو زيد ـ محمد نعيم سعد ـ د. نجاة محمود وغيرهم. والمهم في الامر هذه لمحة من مشهد عايشناه، ولكن تبقى هناك تفاصيل كثيرة تحتاج إلى الاضاءة.

http://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=43163
_________________

Post: #349
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 11:54 PM
Parent: #348


التخطيط بين العلم والايديولوجيا
د . حيدر ابراهيم علي
يحاول البعض الخلط بين التخطيط كفعل معرفي وعلمي يرتكز على الحقائق والاحصائيات الموثقة، أو كفعل سياسي ايديولوجي يرفع الشعارات والوعود شبه المستحيلة لأنها ترتكز على الأماني والأوهام. ولا يحتمل موضوع التخطيط بالذات في البلدان المتخلفة غوغائية السياسة باعتباره محاولة، يفترض فيها أن تكون جادة، للخروج بالبلد من وهدة التخلف. والأهم من ذلك هو أن التخطيط يتجرأ على المستقبل ويبدأ تحديده مقدما من الآن. لذلك لا يترك التخطيط لقلة، ولا بد أن يكون قوميا وشاملا، بمعنى إتاحة الفرصة للمتخصصين والخبراء الحقيقيين بكل حرية للمساهمة، دون أن تتدخل سلطة تنفيذية أو بيروقراطية في توجيههم عند وضع الخطة والحوار والاختلاف حولها، والبعد عن التصورات الايديولوجية المسبقة التي تدعي العلمية. والتخطيط يختلف عن بناء الحزب الواحد، سواء أكان الاتحاد الاشتراكي أو المؤتمر الوطني، لأنه لا يحتاج لشعارات خاوية وحناجر واسعة وأقلام غير صادقة. فالتخطيط يقوم على المعرفة والعلم والحوار وقبول الاختلاف. فالقاعات الواسعة المكيفة والملفات الضخمة والموظفون المداهنون لا يصنعون خطة ولا استراتيجية، ويتحول الأمر كله إلى جزء من سيرك ظللنا نشاهده منذ «18» عاما. أعتقد من أكبر سقطات أي تخطيط، أن يلجأ من البداية إلى تجنيد ما أسماهم المسيح بالانبياء الكذبة للدفاع عن الخطة الاستراتيجية، لأنهم غير مؤمنين بما يدافعون عنه، فهم موظفون عيونهم على مخصصاتهم وظروف الحوافز السمينة. لذلك تجدهم ملكيين أكثر من الملك، ولديهم القدرة على السب والشتم والاساءة بلا ضمير وكثير أخلاق. لأن سبل كسب العيش في السودان انتجت اخلاقها وقيمها المنحدرة، فهم يقومون بدور الفتوات لحماية المعلم الكبير، وقد قارنت سابقا بروايات نجيب محفوظ، فالفتوة يقول للمعلم: «هذا الشخص ليس مستواك سيبو لينا نأدبه ونلقمه حجرا» وهذا بالضبط ما فعله الاستاذ عوض الكريم حين كتب «.. انما هي معالجة سياسية دارجة تعوزها الحصافة السياسية دعك من الرصانة العلمية التي تنبغي لمن يقود مركزا للدراسات السودانية، فهي تعج بالمهارشة والمماحكة» «الصحافة 12/12/2007م» هذه قدرة اعجازية ان يشحن شخص في سطرين فقط هذا القدر من الاساءة والشتم والاستهزاء. والاعجب ان هذا الرجل سعى الاستاذ الشهيد محمود محمد طه الى ان يؤدبه باخلاق محمد «ص» ولكنه فضل اخلاق الانقاذ التي تشجعه على الاساءة المجانية للناس بقصد ابتزازهم وتخويفهم، لكي لا يقربوا نقد الانقاذ والصمت عن مشروعاتها الفاشلة والخاوية. ينطلق الاستاذ موسى من استراتيجية مهمة في المبارزة الكلامية والمهاترة، وهي البدء بإثبات عدم قيمة الخصم شخصيا، وبالتالي يكون كل كلامه ـ بالضرورة ـ لا قيمة له. لذلك، بدأ باخراجي من الاخلاق ما اسماه «قواعد الامانة»، واضاف اليها العلمية لكي يخرجني من مجال العلم، وكل هذه في جملة او عنوان سريع ومثير. وهنا يجبرك على الحديث عن نفسك ليس دفاعا او تزكية للذات، بل تأكيدا لحقائق تدعم ما كتبت وتنفي تهمة لا قيمته بسبب لا قيمة صاحبه. اولا الموضوع ليس سياسيا، وصاحبه لا يدعي انه سياسي بالمعني المعروف، ولكنني اتعاطى السياسة من منظور فكري والتزام الى جانب الشعب ـ كما كانت صحيفة «الصراحة» كان هدفي علمي بحت يرفض التسييس وتحزيب الاستراتيجي. ولم يكن قصدي كما قال معلق آخر «الهجوم على كل ما تفعله الانقاذ» «كمال أحمد محمد صالح، الصحافة 24/12/2007م» هناك فرق كبير بين ان تهاجم الانقاذ وان تدافع عن الشعب السوداني، ولكن لان الانقاذ اذلت الشعب السوداني، صار من الصعب ان تدافع عن الشعب السوداني دون ان تنقد الانقاذ «هناك فرق بين النقد والهجوم ايضا». لا بد في البداية من التأكيد على انني لست متطفلا على موضوع التخطيط ولا اعالجه سياسيا. فهو تخصص علمي واهتمام فكري بالنسبة لي. فقد نشرت كتاب «التغير الاجتماعي والتنمية مدخل نظري» عام 1981م، في العين بجامعة الامارات العربية، ويدرس في اغلب جامعات الخليج العربي. الامر الثاني، لقد كنت ضمن خمسة اشخاص وضعوا استراتيجية التنمية الاجتماعية الشاملة العربية عام 1985م. ولو قلب الاستاذ هذه الاستراتيجية اثناء صياغة استراتيجيتهم الحالية، لوجد هذه الاسماء لواضعي الاستراتيجية: عادل حسين، دارم البصام «العراق» الطاهر لبيب «تونس» عبد الباسط عبد المعطي «مصر» وشخصي ـ الخارج عن قواعد الامانة العلمية ـ في السودان. هذا حديث عن النفس لا احبه واجبرت عليه، لانه كما يقولون: التكبر على المتكبر حسنة. واؤكد ليس مكابرة او عنادا، نحن امام برنامج حزبي انشائي ركيك اللغة، لانه يلجأ الى تكرار يدل على عدم التركيز او سوء المراجعة او التحرير الردئ. هناك شعارات ضخمة وكلمات كبيرة خاوية مثل الطبول. والدخول في تفاصيل لا تذكرها عادة الاستراتيجيات او الخطط، لان قضاياها وموضوعاته من نوع الـ Macro سواء في الاقتصاد او السياسة. والكلمات خالية من الدلالات العميقة لانها مترادفات، فحين تذكر الاستراتيجية في التمهيد بأن الهدف هو «استكمال بناء أمة سودانية موحدة آمنة متحضرة متقدمة متطورة» فهذه ثلاث كلمات لا يوجد بينها فرق دقيق، ولو قالت امة حديثة لكفى. وبالفعل الخطة انشائية تعتمد على الكلمات وليس توليد الافكار، فكثيرا ما نقرأ مثل هذه الثرثرة الخاوية من الافكار الحية والجديدة. «أمة فيها وحدة اهداف وغايات امة بتنوع ثقافي واجتماعي وسياسي وجغرافي، اكتسبت جزئياته وكلياته بعوامل القوة الدافعة الى التطوير والتحديث المرتكز على الفكر والسلوك المتحضر». اما بخصوص الارقام والاحصائيات، فقد جاء المدخل وهو اكثر من «80» صفحة دون رقم مفرد، مجرد كلام عليه كلام آخر. وتقر الخطة بنقص قواعد البيانات «ص 11» وهذه مشكلة حقيقية..!! وجود المعلومات والوصول اليها «راجع الاستاذة رباح الصادق، الصحافة 29 ديسمبر 2007م». ومن الصعب ان تتجرأ اية جهة وان تدعي بوضع خطة وهي لا ترتكز على الاحصائيات والبيانات، بالذات حين تتحدث الخطة عن الاهداف والانجازات. فهذه الخطة التي بين أيدينا تركز على تقليص نسبة الفقر. ولكن السؤال ما هو العدد التقريبي للفقراء ونسبتهم؟ والأهم من ذلك هل الفقر مفهوم فني ام اجتماعي ـ اقتصادي وثقافي، ام طريقة حياة؟ ثم يأتي القياس والارقام. وتربط الخطة بين غايات الخطة الخمسية 2007 ـ 2011م وبين بلورة سياسات علمية ممكنة التحقيق والقياس. ولكن اغلب الغايات المذكورة غير قابلة للقياس لأنها شعارات سياسية، مثل: استدامة السلام والسيادة الوطنية والوفاق الوطني، ثم المواطنة والهوية السودانية، الحكم الراشد وحكم القانون. وحتى الغايات ممكنة القياس مثل التنمية المستدامة، الفقر وتحقيق اهداف الالفية، المعلوماتية فالخطة لم تكن واقعية، بمعنى أنها لم تقدم احصائيات راهنة دقيقة ثم اسقاطات على المستقبل. وحين نطالع تقرير وحدة معلومات صحيفة الايكونومست عن توقعاته للسودان خلال عام 2008 ـ 2009م، تتأكد لنا خيالية الخطة. فهي اي الصحيفة، ترى انه رغم خطط زيادة الدخل وتخفيض المصروفات، فمن المتوقع استمرار عجز حوالى 3% من الدخل القومي، وبالتالي سوف يتناقص نمو الدخل القومي بنسبة سنوية تبلغ 8% ومن المتوقع ان تظل نسبة التضخم 8%، ورغم ان الموازنة تتضمن دخلا اجماليا 20 بليون جنيه، فهي ستسجل عجزا يصل الى 5.4% من اجمالي الدخل القومي، ولن تتوقف عملية الاستدانة الخارجية، فهل وضعت الخطة الخمسية 2007 ـ 2011م كل هذه الاعتبارات وهي ترفع تلك الشعارات الطموحة؟ ومن المتوقع ان يزيد الانفاق الحكومي ـ بسبب التوسع في الوظائف والمناصب الدستورية والحكم الفيدرالي ـ بمعدل 17% عام 2008 و15% عام 2009م. السؤال: هل قاست او توقعت الوضع الاقتصادي الملائم والقادر على تحقيق الغايات المعلنة؟ إن مشكلة الخطة تكمن في لا تاريخيتها ووهمها في قيمتها الحقيقية ضمن تطور البلاد. فهي الأولى والاخيرة حين تقول «لما كان التخطيط الاستراتيجي بمفهومه العلمي جديدا على الثقافة السودانية «ص 11» لذلك خلت الاستراتيجية الراهنة من اي تقييم او تقويم للخطط السابقة التي بدأت منذ الستينيات من القرن الماضي في العهد العسكري الاول. وقد عرفت البلاد مؤتمر اركويت الاقتصادي بصورة منتظمة، وكانت وقائعه تمثل خطة اقتصادية شاملة. والأهم من ذلك عقد نفس النظام الحالي الحاكم مؤتمر الاستراتيجية القومية الشاملة، واستمر على مدى شهرين بقاعة الصداقة بهدف أن «يخطط للسودان في كافة المجالات في فترة العشر سنوات القادمة في خطة متوسطة المدى الذي دعت له ثورة الانقاذ الوطني ليضع ملامح السودان لما بعد مرحلة البرنامج الثلاثي للانقاذ الذي ينتهي في العام القادم»، ويستمر التعريف «ان مؤتمر الاستراتيجية الشاملة عمل قومي رائد، لانه يعني بالتخطيط الاستراتيجي الشامل لكافة قوى الدولة من أجل حشد الطاقات الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والسياسية والدبلوماسية من أجل تحقيق الغاية القومية من خلال الاهداف القومية وشمولية التخطيط، هي السمة المستحدثة في هذا المؤتمر لأنه في الماضي كان التخطيط جزئيا». وهي نفس الشعارات الواردة في الاستراتيجية الحالية التي تدعي ايضا انها الاولى والاخيرة. وان كانت الخطة السابقة جاءت بكشف لا بد من اثباته كلما حانت الفرصة، اذ جاء في تغطية صحفية للمؤتمر ما يلي: « في جلسة مناقشة ورقة الاستراتيجية القومية، تحدث الدكتور عمر أحمد فضل الله، عن ايمانه بامكانية الاستعانة بالجن المؤمن في كافة مجالات التطور والنهضة. وقال إن استعانة الانس بالجن هي مسألة واردة، وهنالك سوابق كثيرة على ذلك. وقال الدكتور اننا نستطيع أن نستعين بالجن السوداني المؤمن في تفجير الطاقات وكافة الاستخدامات المطلوبة.» «صحيفة السودان الحديث 22 ديسمبر 1991م». كان من المتوقع ان تبدأ الاستراتيجية الحالية مما انتهت اليه تلك الخطة التي حشدت الانقاذ لها الموارد البشرية وفوق البشرية. وكان من المفيد تقييم تلك الاستراتيجية، لانها جزء من تراث وتاريخ نظام الانقاذ. وقد نجم عنها كثير من القرارات التعسفية مثل اعادة صياغة الانسان السوداني وانشاء وزارة التخطيط الاجتماعي لتكون قاطرة هذا التغيير. فالمواطن السوداني يريد أن يعرف ماذا تم بالنسبة لاستراتيجيتكم الاولى؟ وما هو الانجاز والاخفاق؟ ولماذا فشلت لكي لا يعيد التاريخ نفسه؟ ولكن الاستراتيجية الحالية قفزت على كل هذا ولم تشغل نفسها رغم الثرثرة بأي حديث عن فشل السودان، رغم الخطط والاستراتيجية في الاقلاع من مرحلة التخلف؟ تظل الاستراتيجية الحالية برنامجا سياسيا مترهلا وخياليا، لانها يا سيد موسى افتقدت الفلسفة والمنهج، ما هي الرؤية وما هي الوسائل المناسبة لتحقيق الروية؟ وهنا كجملة اعتراضية احيل السيد م. كمال احمد محمد صالح «الصحافة 24 ديسمبر 2007م» الى الخطة التي يدافع عنها، حيث لم اخلط بين الرؤية والرؤيا، فقد كتبت رؤيا ـ هكذا ـ في كل الصفحات الاولى في الاستراتيجية ثم تحولت لاحقا الى رؤية! فالاستراتيجية القومية كما تجسدها الخطة المقدمة برنامج حزبي بامتياز، لأنها عجزت بسبب الاخطاء المنهجية الحقيقية- يا سيد موسى- عن اختيار مفهوم التنمية الذي ننشده الذي ضاع في شعارات مثل «تعزيز الثقة والانتماء للوطن والمحافظة على السلام واشاعة ثقافة الحوار»، وحين تحاول تتساءل: كيف؟ تأتي اجابات مرتبكة ومشوشة، مثل: «باحداث نقلة نوعية بين المجتمع الريفي المتخلف الى مجتمع مدني متحضر، وبتنمية مشاركة المجتمع المدني المنظم ازاء دور الدولة الرسمي»، وفي هذه العبارة الكبيرة خلط مخجل بين المجتمع المدني Society Civil والمجتمع المديني Urban Society نسبة الى المدينة، وهو المقصود لأنه مقابل المجتمع الريفي. اذ من المستحيل خلق هذه النقلة بجعل المجتمع الريفي مجتمعا مدنياً. ان اشكالية الاستراتيجية هي عدم التفرقة بين النمو الاقتصادي Economic Growth والتنمية الاقتصادية E.Development والتنمية البشرية ثم الانسانية لاحقا Human Development والعالم كله يعمل على الاخيرة اي الانسانية حتى وليس البشرية، فقد تم تجاوز كل الاشكال التي تبنتها الاستراتيجية. ولو كانت مجموعة واضعي الاستراتيجية مواكبة لاكتفت بتبني مبدأين بالنسبة للسودان لكي ينهض: قيام مجتمع المعرفة بالاضافة للقضاء على الفقر. وانجاز هاتين المهمتين يعني بالضرورة والحتم تحقيق كل الاهداف والغايات التي ملأت الصفحات والملفات. ورغم ان الاستراتيجية كتبت عن الوضع التقني والعلمي، الا انه لم يخرج عن الانشائية القاتلة، فهي لم تذكر، مثلا، اعداد المهندسين والاطباء والفنيين والخبراء الذين خرجتهم الجامعات الفطرية الموجودة، ثم كم تحتاج الخطة منهم خلال السنوات الخمس القادمة؟ واكتفت بقول سياسي ايضا «حرمان البلاد من الحصول على التقنيات الحديثة بسبب العقوبات»! ولا ادري هل منعتهم العقوبات من وضع مناهج حديثة في العلوم والرياضيات كما فعلت ماليزيا وسنغافورة؟ لو تصفح اصحاب الاستراتيجية اي تقرير حديث للتنمية الانسانية العربية، لوفروا كثيرا من الجهد والوقت والمال، طبعا على هذا الشعب المغلوب على امره. فهناك عمل علمي وفكري تراكم منذ منتصف القرن الماضي في مجال التنمية، حتى توصل الى مفهوم جامع ومانع للتنمية الانسانية هو المطلوب تحقيقه. فالتنمية الانسانية اصبحت تعرف ببساطة بأنها توسيع خيارات الفرد، وهذه الخيارات غير محدودة وتتغير مع الزمن. ولكن في كل الاحوال، تبدأ بثلاث قضايا او مجالات: 1 ـ الحق في حياة طويلة وصحية. 2 ـ اكتساب المعرفة. 3 ـ الوصول الى موارد مطلوبة لتحقيق مستوى حياة محترم. واذا لم يتحقق هذا الهدف يبقى من المستحيل الوصول لاية اهداف اخرى مثل الدولة الآمنة والمتحضرة والمتطورة. واضيف لهذه الخيارات: الحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفرص أن يكون الفرد مبدعا ومنتجا، وان يتمتع باحترام ذاتي مع ضمانات حقوق الانسان. الاخوة مجموعة الاستراتيجية القومية الشاملة، لو كان هدفكم التنمية الانسانية السودانية فأنتم تحرثون في البحر. ولا يمكن ارهابنا وابتزازنا بالمجلدات الضخمة والقاعات المليئة بالافندية والساسة، ولا بالرحلات المكوكية لشرح الخطة العبقرية في الاقاليم.. هذا استهلاك للورق والمال والطاقات يتمخض فأرا ضئيلا في شكل برنامج حزبي لا ينافس في القرن الحادي والعشرين، ولا يجيب على تحديات الواقع السوداني المعقد.. فعليكم ايها الإخوة بالتواضع والصدق وارضاء الضمير.

http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=43227
___

Post: #350
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 11:55 PM
Parent: #349


في ذكرى الاستقلال
من زيّف تاريخنا؟! (2-3)

د. عمر القراي
ولقد كان نقد الحزب الجمهوري، للأحزاب الكبرى، منصبّاً على تخاذلها من مواجهة الاستعمار، وقبولها للتنازل عن حق الوطن في الحرية والكرامة، بمساومات.. (ورفض الحزب الجمهوري الوثيقة التي إئتلفت عليها الأحزاب الأخرى في 25 أغسطس 1945م وتبناها المؤتمر في أكتوبر 1945م لأنها تختلف في جوهرها عن دستور الحزب. وقد سبقت الإشارة إلى أن أحد بنود الوثيقة ينص على قيام حكومة سودانية ديمقراطية حرة في اتحاد مع مصر وتحالف مع بريطانيا. وفي معرض تعليقه على هذا البند قال الحزب الجمهوري «إننا لا نفهم لماذا نتقيّد باتحاد وتحالف فنضع بذلك حق البلاد الطبيعي في الحرية موضع المساومة بأن ندفع ثمن الحرية اتحاداً مع هذه أو تحالفاً مع تلك»). (فيصل عبد الرحمن على طه: الحركة السياسية السودانية والصراع المصري البريطاني بشأن السودان. ص231). ولما لم يسمع زعماء الأحزاب الكبرى لصوت الجمهوريين، اتجه الجمهوريون للشعب يثيرونه ضد الاستعمار، وضد الطائفية، وكان من منشوراتهم التي كانت توزّع حتى داخل دور تلك الأحزاب، المنشور التالي: (هذا نذير من النذر الأولى ياجماعة الأشقاء ويا جماعة الأمة- أيها القاسمون البلاد باسم الخدمة الوطنية- أيها القادحون قادحات الإحن بين أبناء الأمة- أيها المذكون ثائرات الشر والتفرقة والقطيعة، أيها المرددون النغمة المشئومة- نغمة الطائفية البغيضة- إنكم لتوقرون أمتكم وقراً يؤودها.. يا هؤلاء، وهؤلاء، أنتم تلتمسون الحرية بالإنتماء إلى المصريين فتتمسّكون بأسباب رمام، وأنتم تلتمسون الملك بالبقاء تحت الإنجليز فتتهيأون لدور الهر الذي يحكي بانتفاخه صولة الضرغام.. أنتم تريدون إبقاء المصريين، وأنتم تريدون إبقاء الإنجليز، فإذا اجتمعت كلمتكم فإنما تجتمع على إبقاء المصريين والإنجليز معاً.. يا هؤلاء، وهؤلاء، أنتم تتمسّحون بأعتاب المصريين لأنكم لا تقوون على مواقف الرجال الأشداء، وأنتم تتمسّحون بأعتاب الإنجليز لأنكم صورتم المجد في أخلادكم صوراً شوهاء!! أنتم تريدون السلامة، وأنتم تريدون الملك.. أنتم تضيعون البلاد لمّا تجبنون وأنتم تضيعون البلاد لمّا تطمعون.. أنتم تستغلون سيداً لا يعرف ما تريدون، وأنتم يستغلكم سيد يعرف ما يريد، والبلاد بينكم أنتم، وأنتم، على شفا مهواة ومهانة.. فليلطّف الله ببلاد لا يخدم نهضتها إلا صغار الموظفين، أو كبار الموظفين، وليتدارك الله دينا باسمه يحيّا أناس في برد العيش، وقرار النعمة، ورخاء الدعة، وباسمه هم لأبنائه يكيدون.. ياهؤلاء، وهؤلاء: ان الله لواحد، وان الدين لواحد، وان الوطن لواحد، ففيم تنقسمون على هذا النحو المزري. يا هؤلاء، وهؤلاء: كونوا ليوثاً غضاباً، أو فكونوا قردة خاسئين، وارحموا شباب هذا الوادي المسكين، فقد أوسعتموه غثاثة وحقارة وهواناً.. يا هؤلاء، وهؤلاء- لأنتم أشأم على هذه البلاد من كل شؤم وشؤم.. أيها السادرون من هؤلاء وهؤلاء، لا تحسبن الكيد لهذه الأمة مأمون العواقب، كلاً!! فلتشهدن يوماً تجف لبهتة سؤاله أسلات الألسن، يوماً يرجف كل قلب، ويرعد كل فريصة...). (ارشيف الجمهوريين: منشور 1945م). ثورة رفاعة: في أواخر عام 1945م كانت أصوات السودانيين ترتفع مطالبة بحق تقرير المصير، وكانت دولتا الحكم الثنائي بريطانيا ومصر، تدرسان هذا الطلب نزولاً عند مبادئ ويلسون بعد الحرب العالمية.. في هذه الأثناء أصدرت الإدارة البريطانية قانون منع الخفاض الفرعوني. ولقد كان الإنجليز يتوقّعون رفض القانون، ومقاومته، لعلمهم بأن هذه العادة متأصّلة، وبأنها ترتبط في الوعي الشعبي بالعفة والشرف، وتعد من أخص خصوصيات الأسر.. ولكنهم حين أعلنوا القانون، كانوا يخططون لاستثمار الرفض المتوقّع كدليل على أن الشعب السوداني لا يزال متخلفاً، وهو من ثم، لا يستحق الحكم الذاتي أو الاستفتاء لتقرير المصير.. هذا هو الغرض من إصدار القانون في ذلك الوقت بالذات.. فالقضية إذاً في جوهرها قضية سياسية، وهي لا يمكن أن تواجه إلا على المستوى السياسي. لهذا عارض الجمهوريون قانون الخفاض الفرعوني علناً، وكشفوا نوايا المستعمر، خاصة في منشورهم الذي صدر في ديسمبر عام 1945م، والذي جاء فيه (إننا بمعارضتنا لهذا القانون لا نود أن ندافع عن عادة الخفاض الفرعوني، أو نحلل الأسباب التي أوحت بها لأبناء السودان وجعلتها تستمر بين ظهرانيهم حتى يومنا هذا، ولكننا نود أن نناقش ترتيبات خاصة وسياسات خاصة إبتدعتها حكومة السودان إبتداعاً وتريد أن تجبرنا على إتباعها...)، ويمضي المنشور ليقول (إن الخفاض عادة سيئة ولها مضارها المتعددة، ولكن السودانيين كبقية الشعوب لهم عاداتهم الحسنة، وعاداتهم السيئة والعادات السيئة لا تحارب بالقوانين وإنما بالتربية والتعليم الواعي... لا شك أن مجرّد التفكير في الالتجاء الى القانون للقضاء على عادة مستأصلة في النفوس تأصل الخفاض الفرعوني دليل قاطع على أن حكومة السودان اما أن يكون رسخ في ذهنها أننا شعب تستطيع القوة وحدها أن تثنيه عن كل مبدأ، أو عقيدة أو أن تكون قد أرادت أن تقول للعالم الخارجي إن السودانيين قوم متعنتون وأن تعنتهم الذي الجأنا للقانون لاستئصال عادة الخفاض الفرعوني الهمجية، هو نفس التعنت الذي وقف في سبيلنا، وشل أيدينا عن استعمال الأراضي الواسعة الخصبة في الجنوب والاستفادة من مياه الدندر والرهد والأتبرا، والتوسع في التعليم.. هذا من ناحية الالتجاء للقانون، واما القانون في حد ذاته فهو قانون أريد به إذلال النفوس، واهدار الكرامة، والترويض على النقائص والمهانة.. قل لي بربك أي رجل يرضى بأن يشتهر بالتجسس على عرض جاره؟ وأي كريم يرضى أن يكون سبباً في إرسال بنات جاره أو صديقه أو عشيرته للطبيب للكشف عليهن؟ عجباً لكم يا واضعي القانون أن تستذلونا باسم القانون؟ أومن الرأفة بالفتاة أن تلقوا بكاسبها في أعماق السجون؟!) (ارشيف الجمهوريين: منشور مقاومة قانون الخفاض 1946م). في سبتمبر 1946 قبضت السلطات على إمرأة، في مدينة رفاعة، بتهمة خفاض ابنتها وأودعتها السجن.. فاتصل أهلها بالأستاذ محمود محمد طه، الذي قام في نفس المساء، بالطواف على مقاهي سوق رفاعة، وحدث الناس وذكّرهم بمنشور الجمهوريين ودعاهم للتجمع في صلاة الجمعة.. وبعد الصلاة قام فيهم خطيباً، فهاجم القانون، ووضح القصد منه، وذكر أن الناس لو سكتوا يكونوا قد نكصوا عن نصرة المظلوم ورد الظالم.. ومما جاء في تلك الخطبة الشهيرة التي تحرّك المصلون على إثرها لإطلاق سراح المرأة (ليس هذا وقت العبادة في الخلاوى، والزوايا، أيها الناس، وإنما هو وقت الجهاد.. فمن قصّر عن الجهاد، وهو قادر عليه، ألبسه الله ثوب الذل، وغضب عليه، ولعنه. أيها الناس: من رأى منكم المظلوم فلم ينصفه، فلن ينصفه الله من عدو. ومن رأى منكم الذليل فلم ينصره، فلن ينصره الله على عدو. ألا أن منظر الظلم شنيع، ألا أن منظر الظلم فظيع.. فمن رأى مظلوماً لا ينتصف من ظالمه، ومن رأى ذليلاً لا ينتصر على مذلّه، فلم تتحرّك فيه نخوة الإسلام، وشهامة الإسلام إلى النصرة، والمدافعة، فليس له من الإيمان ولا قلامة ظفر...). صحيفة (الرأي العام) تتابع الأحداث: ونحن لا نريد أن نذكر تفاصيل ثورة رفاعة، وإنما نحب أن نعكس ما سجلته صحيفة (الرأي العام) مما يمكن الرجوع إليه في مضابطها أو في دار الوثائق: الرأي العام 21/9/46 -نشرنا قبل أيام، أن السلطات في رفاعة حكمت على امرأة بالسجن تحت قانون منع الخفاض، لأنها خفضت بنتا، وأن الجمهور قابل هذا العمل بروح الاستياء العميق واضطرت السلطات إلى اطلاق سراح المرأة بضمانة.. وجاءنا اليوم تلغرافيا، بتوقيع أهالي رفاعة، أن السلطات عادت فسجنت المرأة، وعندما علم الجمهور بالأمر خرج من الجامع، واقتحم السجن، وأطلقوا سراح المرأة، ومكث أفراده الذين ملأوا السجن بدلاً عنها.. فأمر المفتش بسجن الضامنين، ولكن الجمهور رفض ذلك أيضاً، وفي منتصف ليلة البارحة اقتحم البوليس منزل المرأة، وأخذها الى جهة غير معلومة.. فقامت رفاعة بأسرها قاصدة الحصاحيصا، ومنعت السلطات المعدية من العبور، وأضربت المدارس، وأغلق السوق، وقامت مظاهرة عمومية، ويحتشد الجمهور الآن بالشاطئ، وفي كل مكان. تعليق:- رغم منع السلطات عبور المعدية فإن الجمهور عبر بقوارب الصيد.. الرأي العام الإثنين 23/9/46 - وقفنا بالقارئ أمس الأول عند تجمع سكان رفاعة على شاطئ النهر، ومنع المعدية من العبور.. وقد عبر بعد ذلك فريق من المتظاهرين الى الحصاحيصا، ومن هناك انضم اليهم خلق كثير من الناس.. فتوجّه الجمع إلى المركز في مظاهرات واسعة، وبدأوا في قذف المركز بالطوب وغير ذلك، فتحطمت كثير من الأبواب، والنوافذ، واصطدم المتظاهرون بالبوليس الذي عمل جاهدا لتفريق المتظاهرين.. وعلى إثر ذلك، أمر سعادة مدير الجزيرة بالنيابة بإطلاق سراح المرأة السجينة، فأخذها جمع من الناس وتوجه بها الى منزلها برفاعة. الرأي العام 25/9/46 - تمّ اعتقال بعض الناس من رفاعة، والحصاحيصا، منهم الأستاذ محمود محمد طه، وشقيقه مختار محمد طه، فوضعوا في سجون رفاعة، والحصاحيصا، ومدني. الرأي العام 25/9/46 - اجتمع أعضاء الحزب الجمهوري مساء أمس، وساروا في موكب اخترق شارع الملك بالخرطوم.. وقد خطب منصور عبد الحميد في إحدى المقاهي التي صادفتهم في الطريق، فاعتقله البوليس للتحقيق- وكان الغرض من الموكب، والخطبة، الاحتجاج على اعتقال رئيسه، والتنديد بقانون الخفاض. الرأي العام 27/9/1946 - اعتقل بوليس الخرطوم بحري مساء أمس ذا النون جبارة، وعبد المنعم عبد الماجد عندما ألقيا خطابين أمام السينما الوطنية بالخرطوم بحري.. نددا فيهما بالمجلس الاستشاري، وقانون الخفاض، وكبت حرية الرأي والخطابة. الرأي العام 1/10/1946م بيان رسمي عن الحزب الجمهوري تريد الحكومة أن تؤكد أن الأشخاص الذين قبض عليهم، في رفاعة، ثم في الخرطوم، والخرطوم بحري، لم يقبض عليهم لآرائهم عن القانون الذي يمنع الخفاض الفرعوني.. فكل شخص له الحق في أن يكون له رأي خاص، وأن يعرب عنه، بالطريقة المشروعة.. فالأشخاص الذين في رفاعة قبض عليهم لإثارة الشغب، والذين في الخرطوم والخرطوم بحري، قبض عليهم لإلقاء خطب مثيرة، علانية، يحتمل أن تعكر صفاء الهدوء العام، وأن تثير إخلالاً بالأمن. الرأي العام 7/10/1946: جاءت قوة كبيرة من البوليس من مدني، برئاسة مفتش المركز وفي نفس الوقت عسكر خارج رفاعة البلوك الرابع من فرقة الهجانة بقيادة الصاغ أحمد عبد الله حامد الذي دخل الى رفاعة برفقة ضابط سياسي، وقابل المفتش، وقمندان البوليس، ورجع إلى مقر فرقته.. واعتقل الأستاذ محمود محمد طه، وأحضر الى المركز.. وإثر ذلك تحرّك جمهور كبير نحو المركز، وفي الحال نقل الأستاذ محمود إلى معسكر البلوك الرابع، خارج المدينة.. وتحرّكت فصيلة من البلوك الرابع لتعزيز قوة بوليس مركز رفاعة.. وكان اطلاق الرصاص بأمر مفتش المركز، عندما رفض الجمهور اطاعة أوامر البوليس المتكررة بأن يتوقفوا عن تقدمهم صوب المركز، وقد أطلق البوليس دفعة فوق رؤوس الجمهور وهم على بعد 40 ياردة تقريباً من المركز، ولما لم يقفوا، أطلقت دفعة أخرى على الأرض أمام أقدامهم، في وقت كانت فيه مقدمة الجمهور على بعد 25 ياردة من المركز، ولم يصب غير أربعة أشخاص، إثنان منهم بإصابات بسيطة جداً، وأما الرابع، فقد كسرت ساقة كسراً سيئاً. الرأي العام 21/10/1946 - صدرت أحكام بالسجن بمدد تتراوح بين شهر وسنة على كل من: عباس المكي، عوض القريض، أحمد الأمين، محمد إلياس، الزبير جاد الرب، عبد العال حسن، أحمد عثمان، حمد النيل هاشم، علي مالك، محمد الحاج علي، بابكر وقيع الله، عبد الله حامد الشيخ، حسن أحمودي، منصور رجب، عبدون عجيب، وحكم على «صبي» بالجلد. الرأي العام 17/10/1946 - حكمت محكمة كبرى بودمدني برئاسة القاضي أبورنات، بسنتين سجناً على الأستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري، بتهمة إثارة الشغب في رفاعة.. كما حكم عليه بوضعه تحت المراقبة لمدة سنة أخرى بعد إتمام مدة سجنه. الرأي العام 19/10/1946 - أصدرت محكمة الجنايات حكمها على بعض أعضاء الحزب الجمهوري المتهمين تحت المادة 105 وكانت الأحكام كالآتي: عثمان عمر العتباني- ثلاثة شهور سجناً، سعد صالح عبد القادر- شهر سجناً، ذا النون جبارة- شهر سجناً، وكانت المحكمة برئاسة استانلي بيكر، وعضوية محمد أفندي محمود الشايقي مفتش الخرطوم بحري، والعمدة عمر كويس. الرأي العام 24/10/1946 - بهذا اليوم، أتم الأستاذ محمود محمد طه، رئيس الحزب الجمهوري السجين، ستة أيام من صيامه.. وقد أغلقت أمس أندية الخريجين في مدني، والأندية الرياضية، احتجاجا على سوء معاملته.. وتتوالى برقيات الحزب الجمهوري، والمواطنين على السلطات بالاحتجاج.

http://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=43285
_________________

Post: #351
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 11:56 PM
Parent: #350



منوعات اخيرة
طقس الوطن
الحركة الشعبية تحتفل بذكرى محمود محمد طه تحتفل الحركة الشعبية بالذكرى الثالثة والعشرين لاستشهاد المفكر محمود محمد طه فى السابعة من مساء اليوم بدارها بالمقرن وذلك عبر ندوة عن التحول الديمقراطى يتحدث فيها الدكتور عمر القراى والاستاذ ياسر جعفر الى جانب مجموعة من القيادات بالحركة

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147514036&bk=1
_______

Post: #352
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 11:56 PM
Parent: #351


ذكرى محمود محمد طه بمركز الخاتم عدلان للإستنارة والتنمية البشرية في إطار الاحتفالات بذكرى شهيد الفكر الأستاذ محمود محمد طه يقيم مركز الخاتم عدلان للإستنارة والتنمية البشرية ندوة بعنوان: (أثر الحركة الجمهورية في السودان في الماضي والحاضر والمستقبل)، تتحدّث فيها الأستاذة أسماء محمود محمد طه ويعقّب عليها هالة محمد عبد الحليم وطه إبراهيم المحامي. وذلك في السابعة والنصف من مساء غد السبت بمقر المركز بالعمارات شارع (57) جوار السفارة التشادية

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147514011&bk=1
_________________

Post: #353
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 11:57 PM
Parent: #352


في ذكرى الاستقلال
من زيّف تاريخنا؟! (3-3)
د. عمر القراي
تجاوب الصحافيين:
لقد حرّكت بيانات الجمهوريين، وأحداث رفاعة، والخطب السياسية، الملتهبة، في شوارع الخرطوم، المثقفين وأخرجت بعضهم من سلبيتهم، وأخذوا يستشعرون سوء هذا القانون، الذي نبّه إليه الجمهوريون نظرياً وعملياً، من أول وهلة. واتخذت استجابة المثقفين شكل التعليق في الصحف.. وفي ما يلي بعض ما ورد في افتتاحية جريدة (الرأي العام)، وهي تعلّق على الأحداث، بعد أن نقضت السلطات، بواسطة المحكمة، حكم السجن على امرأة رفاعة، وذلك لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هيبتها، وتهدئة الثورة.. وقد سمعت المرأة الحكم بإطلاق سراحها، وهي في بيتها، لأن السلطات قد اضطرت، قبل ذلك، لاطلاق سراحها بسبب ثورة رفاعة: (أصبح واجباً لزاماً علينا أن ننبه الحكومة، على ضوء ما حدث أخيراً، في أول تجربة لتطبيق هذا القانون، إلى الخطر الذي ينجم من التسرع في تطبيقه، وإلى النكبه الاجتماعية الخطيرة التي ستتعرّض لها المرأة السودانية عند تطبيق هذا القانون عليها.. ففي الحادث الأخير بدا واضحاً أن الطريقة التي اتبعت في اعتقال هذه المرأة كانت مثيرة، ولا تتفق مطلقاً مع كرامة الحكم وهيبة القضاء، فانتزاع المرأة من بيتها، في غسق الليل، وبإزار النوم، وتهريبها إلى الحصاحيصا، لا معنى له غير إثارة الخواطر أكثر ولا يجدر بالحكومة أن تلجأ إلى أساليب هي أشبه بأساليب الاختطاف التي يلجأ إليها رجال العصابات.. وليست هذه الطريقة التي اتبعت هي موضع الخطر في هذا القانون، ولكن هناك خطراً جسيماً، ولا بد من التنبيه عليه، ذلك أن المرأة السودانية الشريفة، الحرة، لم تتعرض، حتى الآن، إلى محنة السجن، بحكم حياتها الاجتماعية، التي تنأى بها عن مواطن الجريمة. وقانون الخفاض، بوضعه الحالي، سيخلق عقاباً لجريمة سوف تتعرّض لها بالتأكيد كرائم النساء السودانيات اللواتي لا يرين أن الخفاض جريمة، بحكم ما يسيطر على عقولهن من سلطان العادات الموروثة، والتقاليد المتبعة ومعنى هذا، أنه من المحتمل جداً أن يتعرّض لسطوة القانون هذا النوع من النساء السودانيات المحصنات.. ويقيناً أن إلقاء هؤلاء في السجن، بغض النظر عن ما يثيره في نفوس رجالهن، وذويهن، فإنه من ناحية النظرة الاجتماعية المحضة، يقضي على سمعتهن، وكرامتهن قضاء مبرماً.. وما أحسب أن امرأة محصنة توضع في سجن، من هذه السجون السيئة الوضع، والرقابة، تخرج منه وهي محتفظة بسمعتها، ولن يتقبّلها المجتمع السوداني بعدها تقبلاً حسناً، إذن فالعقاب بالسجن، لمثل هذا النوع من النساء، لا يعد اصلاحاً وتهذيباً لنفوسهن، ولا يردع غيرهن، وهذا هو الغرض من سجن المجرم، إنما يعد إفساداً لخلقهن، وقضاءً مبرماً على سعادتهن في المجتمع). (الرأي العام أكتوبر 1946م).
دفاع الأستاذ أمام محكمة مدني:
جاء في الأخبار (علمنا أن الأستاذ محمود محمد طه رفض أن يقبل محامياً للدفاع عنه وأنه أعلن بأنه لن يدلي بأية أقوال للتحقيق إلا على أساس مناقشة قانون منع الخفاض الفرعوني. وكان الأستاذان المحاميان الأستاذ أحمد خير والأستاذ زيادة قد تقدما للدفاع عن الأستاذ فشكرهما الأستاذ واعتذر لهما بأنه سيباشر القضية بنفسه). (الرأي العام 12/10/1946م).
حين وقف الأستاذ محمود أمام القاضي أبورنات في محكمة مدني مدافعاً عن نفسه كان مما قاله:
«1- أهالي رفاعة جميعهم أبرياء، وزملائي الذين سجنوا أبرياء، وأنا برئ، والمسألة في الحقيقة، سلسلة أخطاء من الإدارة، من أولها إلى آخرها.. كلما أخطأت الإدارة مرة، وتمسك الناس بحقهم، اعتبرته مساساً بهيبتها، فاستعلت، وأخذتها العزة بالإثم، فقفزت في خطأ آخر، هو في زعمها، يعيد لها هيبتها في نفوس الناس.. وما علمت أن اجتماع الأخطاء، لا ينتج منه ولا صواب واحد.
2- الوضع الصحيح المجمل لهذه المسألة، هو أن الإدارة قد ضربت أهالي رفاعة فصاحوا من ألم الضرب بصوت خفيض، ثم ضربتهم فصاحوا، ثم ضربتهم فصاحوا، فاستاءت من أن يصيح المضروب المتألم، فقدمتنا للمحاكمة، فكانت هذه المحكمة.. ولو كنا نملك ما تملك، لقدمناها نحن لهذه المحكمة، ولكنا لا نملك جيشاً، ولا بوليساً، ولا سجوناً وقيوداً، ولو ترك القطا ليلاً لنام.
3- قلت بالأمس، إني وبالمثل أي عضو من أعضاء الحزب الجمهوري، لا أنكر تهمة الإثارة، لمجرّد أنها تهمة إثارة، إنما أنكر تهمة الإثارة، بالنقد الذي لا يحترم الحقائق وبالتشويش المغرض.. ولقد كان من دواعي الشرف لي، ولحزبي، لو صح أني أنا الذي أثرت أهالي رفاعة حول هذه القضية، لأنها من القضايا التي نقدنا فيها الحكومة، وسننقدها إلى أن تقلع عنها.. ولكن للأسف، فإن الإدارة قد سبقتني إلى هذا الشرف، فأثارت أهالي رفاعة، وأثارتني معهم.. فلننظر.
7- قالت جريدة (الرأي العام) في يوم 24 سبتمبر، تحت عنوان رئيسي (القضاء ينظر في قضية الخفاض برفاعة)، بعد حديث لها (وقد علمنا من مكتب الصحافة هذا الصباح، أن قضية الخفاض التي سببت كل هذا الشغب، هي الآن، تحت نظر رئيس القضاء بالمصلحة القضائية، وأن التهم الموجّهة إلى الذين اعتقلوا في هذه الحوادث، لا دخل لها بآرائهم في موضوع الخفاض.. ولكنها تتعلّق أولاً وأخيراً باستخدام القوّة، لتحقيق غاية، في الوقت الذي كان في الاستئناف مفتوحاً أمام المتظاهرين).
8- هل باب الاستئناف مفتوح أمام المتظاهرين؟ لننظر.
9- قالت الحكومة في بيان رسمي، في الصحف، ما يأتي «حصلت أخيراً في رفاعة حادثة أدينت فيها إمرأة لخفضها ابنتها خفاضاً غير مشروع وحكم عليها بأربعة أشهر سجناً، وقد قدم استئناف لمدير المديرية، فرفضه، وحبست المرأة في السجن».. ومع ذلك فالحكومة تقول إن باب الاستئناف مفتوح!! وهذا الاستئناف رفض مع أن المرأة، مسجونة بغير أدلة كافية للإدانة، وفي ما أعلم لم يخبر المستأنفون، ولا نحن مندوبو الهيئات، الذين قابلنا المفتش، بهذا الاستئناف، وإنما أعيدت المرأة للسجن والسلام.. فإن لم يكن هذا سوء النيّة والاستخفاف بالناس فماذا عساه يكون؟
12- مفتش رفاعة، سجن أمرأة مصونة شابة، في سجن عمومي مع خادمة عاهرة.. فحدثناه في ذلك، فاعترف بعدم صلاحية السجن للنساء، في رفاعة، فأطلقها بضمانة، وظل ما ظل في رفاعة لا يذكرها، فلماذا عندما ذهب إلى الحصاحيصا، أمر بإعادتها إلى نفس السجن؟! فهل تسمي هذا استخفافاً بدين الناس، وأخلاقهم، أم تسميه جهلاً بالناس أم هما معاً؟! سمه ما شئت فهو برهان ثالث.
13- إن تصرف المفتش هذا، يجعل ما قمت به أنا، في الجامع، وما قام به الناس بالمركز، شيئاً مفروضاً علينا، في واجب الدين، وواجب الأخلاق، وواجب الحياة نفسها، بل إن الناس قد سلكوا سلوكاً يستحق الثناء، وقد شرحنا تفصيله للمحكمة.
15- وضعت المرأة بسجن مدني، وما أدراك ما سجن مدني؟! بهذا السجن اليوم 23 امرأة، منهن أربع مجنونات، يفحشن بألفاظ يندى لها وجه الرجل، وسائرهن عهر، أحضرن من بيوت عامة، وحوكمن في جرائم خمرة.. بين عنبرهن وعنبر الرجال، نحو (15) متراً يفصل بينهم السلك الشائك.. مع هؤلاء، في هذا السجن، يراد سجن إمرأة شابة حرة، مسلمة، مصونة، تشرف على تربية بنات وأولاد، تركهم لها زوجها، الذي توفي قبل شهر.. فإذا قال أهلها لا، وناصرهم إخوانهم في الدين، وفي الجنس، وفي الوطن، قالت الحكومة هذا شغب، وهذه فتنة، وهذا تهديد!!
16- تتهمني الإدارة بأني أثرت أهالي رفاعة، وهي تتهمني هذه التهمة، لأنها تجهل الناس جهلاً، شنيعاً، وتستخف بأحلامهم، وأخلاقهم، وإلا فهل أحد يحتاج إلى من يثيره مع كل هذا؟! وهل أستطيع أنا، أو يستطيع أبلغ خطيب، أن يثير الناس أكثر من إثارة الإدارة هذه أياهم؟! وأهالي رفاعة، خارج رفاعة، من الذي أثارهم؟ أسمع تلغراف أهالي رفاعة، من مدني وتندلتي.. هؤلاء الناس، لو كانوا شهوداً، لتولوا كبر الثورة.. هل أثارت هؤلاء واخوانهم الإدارة، أم أثارهم محمود في جامع رفاعة؟!).
سوء الفهم والتزييف:
بالإضافة إلى التزييف المتعمّد للتاريخ، من قبل الحكومات المتعاقبة على السودان، والتآمر على ابعاد دور الأستاذ محمود في الحركة الوطنية، وحجبه عن الأجيال، فإن هنالك تزييفاً تم بواسطة بعض المثقفين، بسبب جهلهم بالوقائع، وسوء فهمهم لها. ولقد اهتم الجمهوريون بالتصحيح، في كل وقت، ومن ذلك نقرأ (لقد انخدع بعض المثقفين بقانون الخفاض الفرعوني، ولم يطالعهم وجهه الآخر.. ولما تزل هذه الخدعة تجوز على كثير من الناس، بل انها قد جازت على بعضهم بأثر رجعي!! ومن هؤلاء الدكتور سعيد محمد أحمد المهدي، عميد كلية القانون بجامعة الخرطوم، سابقاً فقد عبَّر عن تقويمه لهذا الأمر في مقال له بجريدة (الصحافة) بتاريخ 30/11/1968، وهو يعلّق على مهزلة محكمة الردّة.. حيث قال: «وأذكر أنه قبل عشرين عاماً، بالتمام والكمال، وأنا طالب في مدرسة رفاعة الأميرية الوسطى بالسنة الأولى، أن الناس كانوا يتحدّثون عن ثورة محمود محمد طه التي سجن من جرائها. ذلك أنه قاد الجماهير الغاضبة من رفاعة إلى مركز الحصاحيصا..». ويمضي الدكتور سعيد فيقول «وهذه الثورة رغم أنها رجعية، لأنها تؤيد الخفاض الفرعوني إلا أنها كانت ثورة عارمة ضد الاستعمار..». هذا ما قاله الدكتور سعيد بعد عشرين عاماً من أحداث رفاعة.. ولئن عذرنا عامة المثقفين لالتباس الأمر عليهم، ولنقص المعلومات التي لديهم عن هذه الواقعة، فلن نعذر الخاصة من هؤلاء، بل من يكون منهم على رأس مؤسسة من أكبر المؤسسات القانونية.. ذلك بأنه لا يقوم نقص المعلومات، التي يمكن الحصول عليها، وتمحيصها، عذراً أمام هؤلاء في أن يتناولوا واقعة تاريخية، مثل واقعة قانون الخفاض الفرعوني، تناولاً مجرّداً من الملابسات المحيطة بها، فيأتي، من ثم، حكمهم عليها ساذجاً وسطحياً.. أليس من المؤسف أن يأتي رجل مثقف ثقافة قانونية، بعد عشرين عاماً، من مناهضة قانون الخفاض الفرعوني، فيقول «أنها تؤيد الخفاض الفرعوني» ولذلك «فهي ثورة رجعية».. إن الثورة كانت ضد القانون وليست دفاعاً عن الخفاض.. ليست ضد القانون في ذاته، ولكن للملابسات التي تكتنفه.. أرجو أن لا يكون ابناؤنا من طلبة الحقوق بجامعة الخرطوم، يدرسون، عن هذه السابقة القانونية، على طريقة الدكتور سعيد !!) «الاخوان الجمهوريون: معالم في طريق تطوّر الفكرة 1980م).
ومن الذين حاولوا تشويه هذا التاريخ المجيد بسوء فهم وسوء نيّة، د. خالد المبارك، ولعل الرجل كان في هجومه على الأستاذ محمود، يتسقّط رضا حكومة الإنقاذ، ويطمح في نيل عطفها ووصلها، فهل يحس، الآن، أنه كسب نفسه، لأنه نال منصباً دون منصب السفير، في إحدى سفاراتنا بالخارج؟!
قال د. خالد المبارك «لكن الأستاذ محمود محمد طه ارتكب أيضاً عدة أخطاء تقديرية جسيمة. حدثت إنتفاضة رفاعة -التي أشاد بها المتحدث- احتجاجاً على قرار الإدارة الاستعمارية بمنع الخفاض الفرعوني. قيل للعامة (يريد الانجليز ان يتدخلوا في كل شيء حتى... بناتكم)، وفعلاً ثار الناس حماية للشرف الرفيع وكان على رأسهم الأستاذ محمود. كان موقفه متخلّفاً ورجعياً في مواجهة قرار تحديثي جرئ وسليم. انتفاضة رفاعة المزعومة ليست من مآثرنا في النضال ضد الاستعمار بل هي من مخازينا ويقع وزرها على كاهل الأستاذ محمود محمد طه. قيل لنا إنها مثل إضرابات الطعام في المدارس واضرابات زيادة الأجور العمالية مجرّد ظاهرة اجتماعية لمضمون سياسي هو رفض الاستعمار، وهذا دفاع واه لأن الأستاذ محمود لم يراجع موقفه علناً أو يذكر مبرراته بعد نيل الاستقلال». (د. خالد المبارك: محمود محمد طه وأنصاف الحقائق. الرأي العام 19/11/2002).
وقبل أن نوضّح حقيقة ما جرى في حادث رفاعة المشهور، نود أن نركّز في البداية، على مسألة شديدة الدلالة، على مبلغ تدني خطاب د. خالد المبارك. فقد أورد في النص أعلاه عبارة (قيل للعامة يريد الإنجليز أن يتدخلوا في كل شيء حتى... بناتكم)، أوردها هكذا بين قوسين، ليوهم القارئ بأن هذه العبارة قد قالها الأستاذ محمود أو الجمهوريون!! ولقد تعمّد أن يضع نقاطاً، بدلاً عن الكلمة البذيئة، التي حذفها، وترك استنتاجها للقارئ!! ولو كان للكاتب معيار أخلاقي يحاكم إليه، لأمكن لومه على هذا التلميح المسف، والذي ينطوي على عدم احترام للمرأة السودانية، وعلى التعريض بعرضها بلا حياء.. وحسبنا من تقييم د. خالد المبارك إنعدام الأمانة الفكرية، ومحاولة تضليل القراء، بأن هذه العبارة التي تحتوي على الكلمة النابية، يمكن أن يكون قد قالها رجل عف الخلق واللسان، طاهر السيرة والسريرة، مثل الأستاذ محمود محمد طه.. (عمر القراي: أنصاف الحقائق أم انصاف المثقفين؟! سودانايل يناير 2003م) . ما عذر حكوماتنا، ومثقفينا، ومؤرخينا، وكتابنا في تزوير تاريخنا؟ ولمصلحة من تم اخفاء دور الأستاذ محمود عن الأجيال؟!

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147514081&bk=1
_________________

Post: #354
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-15-2008, 11:59 PM
Parent: #353


مايو والطوفان الإسلاموي:
عبد الله الأمين ، المحامي
يقول وقيع الله: «والغريب أن الأستاذ عبد الله الأمين أجاز لنفسه أن يتحدث عن المجاهدين الإخوان والأنصار البواسل، الذين تصدوا لنميري في عام 1976، فوصفهم بالمرتزقة، ولم تشفع لهؤلاء عنده اتفاقية المصالحة الوطنية في عام 1977، وهي اتفاقية وقف عدائيات، من أن يقوم بوصمهم بهذا الوصم المسيء» انتهى.. ولقد سلف توضيح تحفظي على وصفهم بالمرتزقة، ولكني نقدتهم على أي حال، ووقيع الله يزعم أن اتفاقية مصالحتهم الوطنية مع مايو، والتي تمثـل أيضـاً اتفاقية وقـف عدائيات، توجب عدم نقدهم، طالما أني كنتُ مؤيدًا لمايو، فكأن مايو قائمة الآن!! وكأن اتفاقها معهم قائم الآن!!.. والواقع أنهم لم يلتزموا باتفاق المصالحة الوطنية، وإنما ظلوا يفسدون مايو، من داخلها، إلى أن أوصلوها إلى نقض اتفاقية أديس أبابا، وإصدار قوانين سبتمبر المشئومة، وإدعاء أنها «شرع الله»، ثم استخدامها في الإرهاب الديني للخصوم والمعارضين، ومصادرة الحقوق والحريات، وتكريس الاستبداد، واستخدامها، جلدًا وتقطيعـاً وتنكيلا وقـتلا وصلبـًا، في إرهاب عامة الشعب وقهره وإذلاله، وكل ذلك قد كان مـدًا ودعمـاً لأمواج الهوس الديني، الإسلاموي، حتى تفجر طوفانه.. ولقد أرادت مايو التراجع عن خط الهوس، ولكن بعد فوات الأوان، فووجهت بتيارين ثائرين، تيار الشعب المغبون مما آلت إليه الأمور من ظلم وكبت وقهر وهوس، وتيار الهوس الديني الذي يخشى التراجع عنه، فأطيح بها، ثم ما لبث طوفان الهوس الديني أن سيطر على البلاد ردحــاً من الزمان، إلى أن بدأ ينحسر أخيرًا، بفضل الله تعالى، ثم بفضل مفاوضات واتفاقـاً نيروبي، وميشاكوس، ونيفاشا، والقاهرة، وطرابلس، وأبوجا، وأروشا، وأسمرا، وغيرها، والتي هي نتاج نضال طويل لأحزاب وحركات وفعاليات قوى الشعب المتعددة، وعلى رأسها الحركة الشعبية بقيادة الراحل المقيم د. جون قرنق
الصلوات والصلاة الوسطى:
يقول وقيع الله: «إن القانون وأنت "قانوني" تعرف ذلك ودرسته في الجامعة، أداة تربوية كبرى لإقامة الأخلاق والمثـل ورعايتها وحمايتها» انتهى.. والحق أن القانون، حتى عندما يكون دستوريـاً وحكيمـًا، ليس وسيلة لإقامة التربية أو الأخلاق، إلا في معنى سد ثغـرات التربية.. فالقانون وسيلة للتوفيق بين حاجة الأفراد للحياة والحرية، وحاجة المجتمع للأمن والعدل.. والتربية هي الوسيلة الأصلية لتحقيق هذه الغاية، وهي أكمل وأشمل وأسبق من القانون، فهي تبدأ منذ الطفولة، حيث يجب أن تقوم الأسرة والمدرسة والمجتمع بتربية الطفل، وذلك بتعـليمه ضرورة وكيفية التوفيق بين حريته وحقوق الآخرين، وبالتربية ينشأ المجتمع الصالح.. والقانون الدستوري الحكيم إنما هو أداة لسد ثغـرات التربية، وليس بديلا عـنها، وليس هو وسيلة لإقامة التربية أو الأخلاق ابتـداءً.. وربما ينشأ هنا سؤال: كيف يقوم الكبار بتربية الصغار إذا كان الكبار أنفسهم يفتقرون إلى التربية؟.. فما هي وسيلة تربية الكبار أنفسهم، وكيف تقام؟.. وللإسلام إجابة وافية على هذا السؤال، ولكن ليس الإسلام كما يفهمه الإسلامويون، الذين يزعمون أن وسيلة التربية هي «القوانين الإسلامية» ليبرروا بذلك استئثارهم بالسلطة.. والحق أن التربية في الإسلام تسبقها وترافقها التوعية، وذلك بنشر الفهم الصحيح للإسلام، أو سمه الفهم الصحيح لمعاني القرآن، بما يحوي من توعـية شاملة بحقائق الوجود، والحياة، والبيئة، والنفس البشرية، ثم تجيء التربية، ووسيلتها المنهاج النبوي في العبادة والمعاملة والتوكل «طريق محمد».. قال تعالى: «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين».. و«الصلوات» إشارة إلى العـبادة، و«الصلاة الوسطى» تعني المعاملة.. والحد الأدنى في المعاملة هو أن تعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، وقد سميت بالصلاة الوسطى لأنها إنما تمارَس بين كل صلاة وصلاة، ثم لأنها هي نفسها صلاة، ولقد قال النبي الكريم: «الدين المعاملة».. وأما قوله تعالى: «وقوموا لله قانتين»، فيعني وكونوا متوكلين على الله، راضين به ربـّا، أي متصرفــًًا في جميع شئوننا ومدَّبـرًا له فليقرأ كتاب «طريق محمد» للأستاذ محمود محمد طه، في موقع: «www.alfikra.org«
الإسلامويون وقضية المرأة:
يقول وقيع الله: «إن القول القائل إن المرأة ناقصة عقل ودين لم ابتدعه أنا. وإنني لست من الذكاء بحيث أجيء بقول حصيف كهذا يُعدُّ من قوانين الخلق وسُنن الاجتماع البشري العظمى. فهذا هو قول سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأنا أقبله على علاته ولا أناقش فيه أبدا. وكذا تقبله على علاته صاحبات الشأن، وهن النساء المؤمنات، ولا يمارين فيه على الإطلاق، وذلك بالرغم من أنه يتحدث عن نقص دينهن وعقولهن» انتهى.. ولن أتوقف كثيرًا عند عبارة «على علاته» التي لو سمعها الإسلامويون، ممن ينتمي إليهم وقيع الله نفسه، وعرفوا معناها اللغوي، لأخرجوا مظاهرات الهوس الديني ضده، ولظنوه أحد عملاء الصهيونية المندسين بينهم، لأنه وصف أقوال الرسول الكريم بالعلة، والعلة في وصف الأحياء تعني المرض، وفي وصف الأقوال تعني العيب أو النقص أو المأخذ، ولكني أعرف أن وقيع الله لا يعني ما يقول، فقد ظن أن عبارة «على علاته» تعني «برُمته» أي كما هو، دونما تعديل أو تبديل.. وإنما يهمني هنا موقف الإسلامويين من قضية المرأة حيث يظنون أن القول بأنها ناقصة عقل ودين هو «من قوانين الخلق وسُنن الاجتماع البشري العظمى» كما عبر وقيع الله.. والحق أنه ليس كذلك، وإنما هو قولٌ مرحليٌ حكيم، يخاطب مجتمعـاً معينـًا، تحيط به ظروف تاريخية وجغرافية محددة، فأغلب نسائه ناقصات عقل ودين، بسبب تلك الظروف.. وهناك في الإسلام أحكام مرحلية كثيرة، موجهة إلى مجتمعات العصور السالفة، ولا تخاطب المجتمعات الحاضرة، ومنها ما ورد في آيات قرآنية، مثـل الحكم الوارد في قوله تعالى: «والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين».. فهذا الحكم يبيح لمجتمعات عصور الرق والجواري أن يكون للرجل المسلم جواري فضلا عن زوجاته، ولكن القرآن اليوم لا يبيح ذلك لمجتمعات حقوق الإنسان التي تجاوزت عصور الرق، فاتخاذ الجواري اليوم حرام إسلاميــًا، ويعتبر زنا، ويعاقب عقوبة الزنا، وإن كان بالأمس حلالا شرعـًا.. فالإسلام مستويان: مستوى الإسلام الأصلي، الموجه إلى الإنسانية جمعاء، والذي يخاطب المجتمع الكوكبي الحاضر، في عصر العـلم، والتكنولوجيا، والاستنارة، والمؤسسية، والعولمة، والمواثيق الدولية، وحقوق الإنسان، والدولة الحديثة، ذات السلطات المستقـلة عن بعضها البعض، التشريعية والقضائية والتنفيذية، الخ، ومستوى الإسلام الفرعي، الموجه إلى «أمة المؤمنين»، والذي يخاطب مجتمعات عصور القبائل والرق والجواري، ليطورها بالرفق والحكمة والتدرج إلى الأمام نحو التقدم المنشود.. ولا يتسع المجال هنا للتفصيل في ذلك، ومن أراد التفصيل فليقرأ مؤلفات الأستاذ محمود محمد طه، في موقع «www.alfikra.org»
وأما قول وقيع الله: «ونقص العقل المذكور في هذا الحديث لا يعني أن المرأة «بليدة» كما يتوهم هذا المحامي، أو أنها مخلوق غير قابل للرشد كما يظن. وإنما يعني أنها حادة العاطفة جدا، وأن عاطفتها تطغى أحيانا على حكمتها وبصيرتها» انتهى، فلا عبرة به إذ أن العاطفة إمّا أن تكون ناضجة سامية، وهذه عاطفة حُب وإخاء، أو أن تكون بدائية فجة، كعاطفة الإسلامويين، وهذه يغـلب عليها الكره والعداء، فإذا كانت سامية فهي لا تؤثر سلبـاً على العقل والدين، ولا تنتج نقصـاً فيهما، وإنما هي، على العكس من ذلك، تـقـوِّيهـما، وإذا كانت فجة فهي مرحلية، لا يدوم عليها البشر، وإنما يرتقون عنها نحو العاطفة السامية.. والعاطفة ليست خاصة بالنساء، فالرجال أيضـاً عاطفيون، وإن كانت لدى النساء أقوى منها لدى الرجال، كقاعدة عامة.. يضاف إلى ذلك أن نقص العقل والدين، لدى أغلب نساء الجزيرة العربية في ذلك الوقت الذي قيل فيه الحديث، لم يكن مرتبطــاً فقط بالعاطفة الفجة، وإنما كانت له أيضـاً أسباب أخرى، منها بقاء المرأة في البيت، وعدم مشاركتها في الحياة العامة.. وأما نساء اليوم فإن عاطفتهن لم تعـد، في مجمل الحال، بدائية فجـة، ومشاركتهن في الحياة العامة لم تعـد محدودة.. والخلاصة أن عبارة: «النساء ناقصات عقل ودين» لم يكن مقصودًا بها نساء اليوم، ولم تعـد قائمة اليوم.
التناقض وضعـف الفكر والالتواء:
ولقد نتج عن إدمان الهروب من واجب التفكير، والإختباء منه خلف التكفير، أن صارت العقلية الإسلاموية ضعيفة الفكر، وملتوية، وتتورط في التناقض الصارخ دون أن تشعر به.. وكمثال للتناقض الصارخ ففي مقاله السابق بعنوان: «الاستقرار السياسي وعبقرية الإنقاذ» الذي نشر بهذه الصحيفة في 31/10/2007، يقول وقيع الله: «من بينهم أبوها ـ يعني الصادق المهدي ـ الذي دعا ولا يني يدعو إلى النقمة والخراب، وهو بلا ريب من أكثر من أسهموا في إشعال النيران بين جنبات هذا الوطن، مرة بحجة محاربة النميري، ومرة بحجة محاربة البشير» انتهى.. بينما يقول في مقاله محل هذا التعقيب: «المجاهدين الإخوان والأنصار البواسل، الذين تصدوا لنميري في عام 1976» انتهى.. فهو هناك، في مقاله السابق، يصف الصادق بأنه من دعاة النقمة والخراب، وأن محاربته للنميري هي واحدة من إسهاماته في إشعال النيران في الوطن، بينما يصف هنا، في مقاله الحالي، من حاربوا النميري عام 1976، وهم أنفسهم الصادق والإسلامويون بـ «المجاهدين الإخوان والأنصار البواسل الذين تصدوا لنميري عام 1976»!!.. ومن أمثـلة التواء الفكر: ففي مقاله السابق المذكور كان قد وصف قوانين سبتمبر بأنها «شرع الله» فرددتُ على ذلك وأوضحتُ أنها مخالفة للشريعة جملة وتفصيلا، وذكرتُ ضمن مخالفتها في التفاصيل أنها بدلت عقوبة الرجم بعقوبة «الإعدام»، فجاء ضمن تعقيبه على هذه النقطة قوله: «والغريب أن هذا المحامي يتحدث عن قوانين سبتمبر، ويكرر ذكرها، مع أن القوانين التي يحكم بها السودان الآن ليست هي قوانين سبتمبر ولا أُخذت عنها! وهذا ما يدل على أن هذا المحامي ما يزال يغرف حججه ضد القوانين الإسلامية الحالية من بوتقة الأدبيات القديمة التي أفرزها اليساريون والعلمانيون اليمينيون في معارضة قوانين سبتمبر1983، فهو يخوض معركته إذن بسيف كان قد انثـلم منذ زمان بعيد» انتهى.. وكأني من بادر بالحديث عن قوانين سبتمبر، أو كأن حديثي عنها لم يكن ردًا على وصفه إياها بـ «شرع الله»!!.. ثم لاحظ عبارة «يخوض معركته بسيف كان قـد انثـلم»!!.. ألم أقـل أن العقلية الإسلاموية لا ترى الحوار مع الآخر إلا حربـاً ومعركة تـثير لديها شهوة الكـُره والعـداء؟
من الذي أظهر الحرب كحرب دينية؟؟:
يقول وقيع الله: «لماذا يرى البعد الديني في جانب أعمال الحكومة الإنقاذية، ولا يراه في جانب أعمال حركة التمرد، التي تتلقى أكثر مددها العسكري والإغاثي والإعلامي والدبلوماسي من الكنسيين؟! ولماذا لا يعرف أن هذا البعد لم يكن جديدا مما طرأ خلال العقدين الأخيرين، بل هو بعد أصيل نشأت منه الحركة منذ أواسط الخمسينيات، وهو بعدٌ الكل يراه رأي العين، ولا ينكره إلا هؤلاء الكتاب من أمثال الأستاذ عبد الله الأمين، الذين يحاولون أن يوهموا من يظنون أنه قابل لأن ينطلي عليه الوهم، أن دولة الإنقاذ هي التي جاءت بالبعد الديني لصراع جنوب السودان» انتهى.. فإذا افترضنا جدلا ـ والأمر ليس كذلك ـ أن الحركة الشعبية في حربها قد كانت تبطن دوافع دينية مسيحية ولكنها تظهر أهدافــاً سياسية مشروعة، حيث تعلن أنها إنما تريد سودان التعدد الديني والعرقي والثـقافي، فهل دوافعها الدين أم من يرفع للحرب شعارات دينية بينما يبطن أغراضه السياسية غير المشروعة «الاستئـثار بالسلطة وبالثروة»؟
الخوف من الإصلاح السياسي:
كنتُ في مقالي السابق، سالف الذكر، قد أوردتُ قول وقيع الله: «إن الاستقرار السياسي هو رفيق للتقدم الاقتصادي، وقد كان من عبقرية الإنقاذ، كما ذكرنا، أنها تمضي قدمـاً في تحقيق الاستقرار السياسي، عن طريق تنفيذ خطط ناجحة للتنمية الاقتصادية، ومهما يكن الأمر فإن هذا يؤكد أهمية توطيد الاستقرار السياسي في البلاد، لأنه هدف وغاية» انتهى.. ثم علقتُ عليه بقولي: «فهل تكفي التنمية الاقتصادية وحدها لتحقيق الاستقرار السياسي، دون أن يرافقها ولو الحد الأدنى من الإصلاح السياسي؟.. كلا ولا كرامة.. إن الحد الأدنى، على الأقـل، من الإصلاح السياسي أمر ضروري من أجل الاستقرار.. وهذا الحد الأدنى يقتضي أولاً معالجة المظالم الدينية والعرقية والسياسية وإزالة آثارها والعمل على نشر ثـقافة السلام والتعايش السلمي واحترام القانون، ويقتضي ثانيـاً المساواة بين المواطنين في الدستور وفي القانون، مع سيادة حكم القانون، ويقتضي ثالثــاً العدل في توزيع الثروة، وذلك بأن يكون أهم وأغلب وسائل الإنتاج، ومرافق الخدمات، ومشاريع التنمية، مملوكــاً للقطاع العام، لا للقطاع الخاص، مع توزيع هذه الوسائل والمرافق والمشاريع على مختلف المناطق الجغرافية، وتوسيع فرص العمل والوظائف فيها، وأن يكون معيار التعيين الكفاءة وليس الولاء، مع التقريب بين مستويات الأجور والمرتبات، وذلك يبدأ برفع الحد الأدنى للأجور وخفض الحد الأعلى، بحيث لا يزيد الفرق بين أعلى مرتب «مرتب رئيس الجمهورية» وأدنى مرتب «مرتب خفير أو فرَّاش» عن سبعة أضعاف، مثلا، أو عشرة أضعاف، كبداية، ثم تتجه السياسات، كلما تحسن الوضع الاقتصادي، إلى رفع الحد الأدنى للأجور بمعدل أكبر مما ترفع به الحد الأعلى، بحيث تضيق الشقة بين الحدين إلى أن تضيق إلى أقصى حد ممكن، مع دعم وتوسيع فرص العلاج والتعليم وغيرهما من الخدمات الحياتية الضرورية، في كافة أنحاء البلاد، وتطبيق كافة السياسات الأخرى مما يدخل في معنى العدل في توزيع الثروة.. ذلك هو الحد الأدنى من الاصلاح السياسي، وبغيره لن يكون هناك استقرار سياسي في السودان» انتهى.. هذا حديثي عن الإصلاح السياسي، وهو واضح ومحدد ويمكن أن تطبقه أي حكومة، سواء كانت حكومة الإنقاذ، أو حكومة الوحدة الوطنية، أو غيرهما، فبماذا عقب عليه وقيع الله؟
عقب بقوله: «ثم كشف هذا المحامي «المسيَّس» عن هدفه الأصيل في المزايدة على الانقاذ، عندما أنكر أهمية التنمية الاقتصادية، مع أنها هدف عظيم. وما أنكر أهميتها إلا لأن الانقاذ حققتها بنجاح كبير، فقال: «فهل تكفي التنمية الاقتصادية وحدها لتحقيق الاستقرار السياسي، دون أن يرافقها ولو الحد الأدنى من الإصلاح السياسي؟ كلا ولا كرامة». فالمطلوب إذن ليس التنمية الاقتصادية، وانما ما يسمونه بالاصلاح السياسي، الذي يعنون به إبعاد الإنقاذ عن الحكم لا غير» انتهى.. هذا ما عقب به وقيع الله على ذلك الحديث الواضح المحدد عن الإصلاح السياسي، وذلك بعد أن بتر جُـله وأورد جزءًا صغيرًا منه.. فرغم ما به من وضوح وتفصيل، لا يريد أن يفهم منه شيئـاً سوى أنه «إبعاد الإنقاذ عن الحكم لا غير»!!.. وكان في بداية مقاله الحالي قد وصف من حاوروه قبلي بقوله: «القوم الذين اندحروا».. ووصف رده على أحدهم في مقاله السابق سالف الذكر بقوله: «بعـد ردي الصاعـق عليه».. فهو رغم كل ما سلف بيانه من سطحية وضحالة في أقواله، يركز كثيرًا على الزعم بأن ردوده «صاعـقة» ومحاوريه «مندحرون».. فاعجب لكل ذلك إن شئت أو لا تعجب فإنها العـقـلية الإسلاموية على كل حال.
عبد الله الأمين ، المحامي
[email protected]

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147514149&bk=1
___________

Post: #355
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 02:36 AM
Parent: #1


الذكرى الثالثة والعشرون لاستشهاد المفكّر محمود محمد طه
في إطار الاحتفالات بذكرى شهيد الفكر الأستاذ محمود محمد طه احتفت الأوساط الثقافية والفكرية بمرور ثلاثة وعشرين عاماً على استشهاده حيث أقام مركز الخاتم عدلان للإستنارة والتنمية البشرية ندوة بعنوان (أثر الحركة الجمهورية في السودان في الماضي والحاضر والمستقبل).. تحدثت فيها الأستاذة اسماء محمود محمد طه، وعقّب عليها هالة محمد عبد الحليم وطه ابراهيم المحامي. وذلك يوم السبت الماضي.
كذلك أحيا اتحاد الكتاب السودانيين الذكرى بمركز عبد الكريم ميرغني الثقافي بام درمان يوم الخميس الماضي بندوة كبرى تحدّث فيها كلّ من الدكتور محمد جلال هاشم الأمين العام للاتحاد بجانب الأستاذ ابراهيم يوسف وعبد القادر محمد ابراهيم. وقد احتوت الأمسية على انشاد ديني جمهوري.

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147514146&bk=1
____

Post: #356
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 02:37 AM
Parent: #355


تعقيب على د. محمد وقيع الله (3)

العـقـلية الإسلاموية واستخدام التكـفير للتهرب من التفـكير



عبد الله الأمين ، المحامي



[email protected]



الإسلامويون وقضية المرأة:



يقول وقيع الله: «إن القول القائل إن المرأة ناقصة عقل ودين لم ابتدعه أنا. وإنني لست من الذكاء بحيث أجيء بقول حصيف كهذا يُعدُّ من قوانين الخلق وسُنن الاجتماع البشري العظمى. فهذا هو قول سيدنا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأنا أقبله على علاته ولا أناقش فيه أبدا. وكذا تقبله على علاته صاحبات الشأن، وهن النساء المؤمنات، ولا يمارين فيه على الإطلاق، وذلك بالرغم من أنه يتحدث عن نقص دينهن وعقولهن» انتهى.. ولن أتوقف كثيرًا عند عبارة «على علاته» التي لو سمعها الإسلامويون، ممن ينتمي إليهم وقيع الله نفسه، وعرفوا معناها اللغوي، لأخرجوا مظاهرات الهوس الديني ضده، ولظنوه أحد عملاء الصهيونية المندسين بينهم، لأنه وصف أقوال الرسول الكريم بالعلة، والعلة في وصف الأحياء تعني المرض، وفي وصف الأقوال تعني العيب أو النقص أو المأخذ، ولكني أعرف أن وقيع الله لا يعني ما يقول، فقد ظن أن عبارة «على علاته» تعني «برُمته» أي كما هو، دونما تعديل أو تبديل.. وإنما يهمني هنا موقف الإسلامويين من قضية المرأة حيث يظنون أن القول بأنها ناقصة عقل ودين هو «من قوانين الخلق وسُنن الاجتماع البشري العظمى» كما عبر وقيع الله.. والحق أنه ليس كذلك، وإنما هو قولٌ مرحليٌ حكيم، يخاطب مجتمعـاً معينـًا، تحيط به ظروف تاريخية وجغرافية محددة، فأغلب نسائه ناقصات عقل ودين، بسبب تلك الظروف.. وهناك في الإسلام أحكام مرحلية كثيرة، موجهة إلى مجتمعات العصور السالفة، ولا تخاطب المجتمعات الحاضرة، ومنها ما ورد في آيات قرآنية، مثـل الحكم الوارد في قوله تعالى: «والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين».. فهذا الحكم يبيح لمجتمعات عصور الرق والجواري أن يكون للرجل المسلم جواري فضلا عن زوجاته، ولكن القرآن اليوم لا يبيح ذلك لمجتمعات حقوق الإنسان التي تجاوزت عصور الرق، فاتخاذ الجواري اليوم حرام إسلاميــًا، ويعتبر زنا، ويعاقب عقوبة الزنا، وإن كان بالأمس حلالا شرعـًا.. فالإسلام مستويان: مستوى الإسلام الأصلي، الموجه إلى الإنسانية جمعاء، والذي يخاطب المجتمع الكوكبي الحاضر، في عصر العـلم، والتكنولوجيا، والاستنارة، والمؤسسية، والعولمة، والمواثيق الدولية، وحقوق الإنسان، والدولة الحديثة، ذات السلطات المستقـلة عن بعضها البعض، التشريعية والقضائية والتنفيذية، الخ، ومستوى الإسلام الفرعي، الموجه إلى «أمة المؤمنين»، والذي يخاطب مجتمعات عصور القبائل والرق والجواري، ليطورها بالرفق والحكمة والتدرج إلى الأمام نحو التقدم المنشود.. ولا يتسع المجال هنا للتفصيل في ذلك، ومن أراد التفصيل فليقرأ مؤلفات الأستاذ محمود محمد طه، في موقع «www.alfikra.org»



وأما قول وقيع الله: «ونقص العقل المذكور في هذا الحديث لا يعني أن المرأة «بليدة» كما يتوهم هذا المحامي، أو أنها مخلوق غير قابل للرشد كما يظن. وإنما يعني أنها حادة العاطفة جدا، وأن عاطفتها تطغى أحيانا على حكمتها وبصيرتها» انتهى، فلا عبرة به إذ أن العاطفة إمّا أن تكون ناضجة سامية، وهذه عاطفة حُب وإخاء، أو أن تكون بدائية فجة، كعاطفة الإسلامويين، وهذه يغـلب عليها الكره والعداء، فإذا كانت سامية فهي لا تؤثر سلبـاً على العقل والدين، ولا تنتج نقصـاً فيهما، وإنما هي، على العكس من ذلك، تـقـوِّيهـما، وإذا كانت فجة فهي مرحلية، لا يدوم عليها البشر، وإنما يرتقون عنها نحو العاطفة السامية.. والعاطفة ليست خاصة بالنساء، فالرجال أيضـاً عاطفيون، وإن كانت لدى النساء أقوى منها لدى الرجال، كقاعدة عامة.. يضاف إلى ذلك أن نقص العقل والدين، لدى أغلب نساء الجزيرة العربية في ذلك الوقت الذي قيل فيه الحديث، لم يكن مرتبطــاً فقط بالعاطفة الفجة، وإنما كانت له أيضـاً أسباب أخرى، منها بقاء المرأة في البيت، وعدم مشاركتها في الحياة العامة.. وأما نساء اليوم فإن عاطفتهن لم تعـد، في مجمل الحال، بدائية فجـة، ومشاركتهن في الحياة العامة لم تعـد محدودة.. والخلاصة أن عبارة: «النساء ناقصات عقل ودين» لم يكن مقصودًا بها نساء اليوم، ولم تعـد قائمة اليوم.



التناقض وضعـف الفكر والالتواء:



ولقد نتج عن إدمان الهروب من واجب التفكير، والإختباء منه خلف التكفير، أن صارت العقلية الإسلاموية ضعيفة الفكر، وملتوية، وتتورط في التناقض الصارخ دون أن تشعر به.. وكمثال للتناقض الصارخ ففي مقاله السابق بعنوان: «الاستقرار السياسي وعبقرية الإنقاذ» الذي نشر بهذه الصحيفة في 31/10/2007، يقول وقيع الله: «من بينهم أبوها ـ يعني الصادق المهدي ـ الذي دعا ولا يني يدعو إلى النقمة والخراب، وهو بلا ريب من أكثر من أسهموا في إشعال النيران بين جنبات هذا الوطن، مرة بحجة محاربة النميري، ومرة بحجة محاربة البشير» انتهى.. بينما يقول في مقاله محل هذا التعقيب: «المجاهدين الإخوان والأنصار البواسل، الذين تصدوا لنميري في عام 1976» انتهى.. فهو هناك، في مقاله السابق، يصف الصادق بأنه من دعاة النقمة والخراب، وأن محاربته للنميري هي واحدة من إسهاماته في إشعال النيران في الوطن، بينما يصف هنا، في مقاله الحالي، من حاربوا النميري عام 1976، وهم أنفسهم الصادق والإسلامويون بـ «المجاهدين الإخوان والأنصار البواسل الذين تصدوا لنميري عام 1976»!!.. ومن أمثـلة التواء الفكر: ففي مقاله السابق المذكور كان قد وصف قوانين سبتمبر بأنها «شرع الله» فرددتُ على ذلك وأوضحتُ أنها مخالفة للشريعة جملة وتفصيلا، وذكرتُ ضمن مخالفتها في التفاصيل أنها بدلت عقوبة الرجم بعقوبة «الإعدام»، فجاء ضمن تعقيبه على هذه النقطة قوله: «والغريب أن هذا المحامي يتحدث عن قوانين سبتمبر، ويكرر ذكرها، مع أن القوانين التي يحكم بها السودان الآن ليست هي قوانين سبتمبر ولا أُخذت عنها! وهذا ما يدل على أن هذا المحامي ما يزال يغرف حججه ضد القوانين الإسلامية الحالية من بوتقة الأدبيات القديمة التي أفرزها اليساريون والعلمانيون اليمينيون في معارضة قوانين سبتمبر1983، فهو يخوض معركته إذن بسيف كان قد انثـلم منذ زمان بعيد» انتهى.. وكأني من بادر بالحديث عن قوانين سبتمبر، أو كأن حديثي عنها لم يكن ردًا على وصفه إياها بـ «شرع الله»!!.. ثم لاحظ عبارة «يخوض معركته بسيف كان قـد انثـلم»!!.. ألم أقـل أن العقلية الإسلاموية لا ترى الحوار مع الآخر إلا حربـاً ومعركة تـثير لديها شهوة الكـُره والعـداء؟

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147514192&bk=1
_________________

Post: #357
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 02:38 AM
Parent: #356


فلنواصل الحوار مع د. محمد وقيع الله 2/2
عبد الله الأمين ، المحامي
[email protected]
إنكار الحقائق الساطعة لا يخفيها ولا ينفع الوطن
ثم إن الإنقاذ لم تستخرج البترول في سنواتها الأولى، كما يدعي، وإنما تأخرت في استخراجه نحو عقدٍ من عمرها، وذلك بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان، مما جعل بعض القوى الضاغطة في المجتمع الدولي تفرض عدم التعامل معها، إلى أن تعاملت معها أخيرا بعض الشركات الآسيوية، واستخرجت لها البترول.. والحق أن استخراج البترول، إذا لم يكن مصحوبا بسياسة عادلة في توزيع الثروة، فإن استخراجه عندئذٍ لا يمثـل إنجازا ايجابيا وإنما يمثـل نهبا لثروة الشعب.. ولقد سبق أن أشرتُ، في مقالي السابق، سالف الذكر، إلى بعض ملامح سياسة العدل في توزيع الثروة، ومنها أن يكون أهم وأغلب وسائل الإنتاج، ومرافق الخدمات، ومشاريع التنمية، مملوكــًا للقطاع العام، لا للقطاع الخاص، مع توزيع هذه الوسائل والمرافق والمشاريع على مختلف المناطق الجغرافية، وتوسيع فرص العمل والوظائف فيها، وأن يكون معيار التعيين الكفاءة وليس الولاء، مع التقريب بين مستويات الأجور والمرتبات، وذلك يبدأ برفع الحد الأدنى للأجور وخفض الحد الأعلى، بحيث لا يزيد الفرق بين أعلى مرتب «مرتب رئيس الجمهورية» وأدنى مرتب «مرتب خفير أو فرَّاش» عن عشرة أضعاف، كبداية، ثم تتجه السياسات، كلما تحسن الوضع الاقتصادي، إلى رفع الحد الأدنى للأجور بمعدل أكبر مما ترفع به الحد الأعلى، بحيث تضيق الشقة بين الحدين، إلى أن تضيق إلى أقصى حد ممكن، مع دعم وتوسيع فرص العلاج والتعليم وغيرهما من الخدمات الحياتية الضرورية، في كافة أنحاء البلاد، إلى آخر ما يدخل في معنى العدل في توزيع الثروة.
ثم يقول وقيع الله: «وقد واصل هؤلاء السياسيون هزءهم ومساخرهم اللفظية، عندما هبطت أسعار البترول إلى تسع دولارات في وقت استخراج الإنقاذ له، فقالوا في ذلك ما قالوا من هذر القول، ولكن التاريخ كان في صف الإنقاذ، إذ سرعان ما ارتفع سعر البترول، حتى تخطى اليوم حاجز المائة دولار. ولهؤلاء السياسيين العاجزين الهازلين الهازئين وأتباعهم أرفع هذا السؤال المشروع: كيف كان للسودان أن يدبر اليوم نقدا يستورد به البترول من الخارج بهذا السعر الرهيب؟ وكيف كان يمكن أن تحصل البلاد على البترول اليوم، لو لم تقم الإنقاذ ببعد نظرها الثاقب، باستخراجه من باطن الأرض في ذلك الزمان؟» انتهى.. فكأن الإنقاذ، في زعمه، قد علمت «ببعد نظرها الثاقب» أن أسعار البترول سترتفع بحيث تعجز البلاد عن شرائه، ولذلك قامت باستخراجه في ذلك الوقت بالذات، قبيل ارتفاع أسعاره، حتى تغني البلاد عن شرائه، عند ارتفاع أسعاره، ولكن هذا الزعم لا صلة له بالواقع، وإنما هو محاولة بائسة لاختلاق فضيلة للإنقاذ، بأية وسيلة، فالواقع أن الإنقاذ لم تكن لتتأخر لحظة عن استخراج البترول، منذ استيلائها على السلطة، لو وجدت شركة أجنبية تتعاقد معها في ذلك الوقت، وذلك لأسباب عديدة، منها على سبيل المثال أن البترول، في ظنها، سيقويها ويدعم سلطانها ويقيم لها دولة «التمكين» المنشودة.
مستوى دخل الفرد:
ثم يقول وقيع الله: «لقد أدى استخراج الإنقاذ للبترول إلى تغيير الخارطة الاقتصادية، وأدى إلى تحسن الوضع الاقتصادي باضطراد، وبذلك نجحت الإنقاذ في رفع مستوى معيشة المواطن السوداني إلى حد ملحوظ. إذ تضاعف معدل الدخل الفردي خلال خمس سنوات فقط، ما بين 2000 و2005م، ولا يملك من يتعامل بلغة الأرقام إلا أن يقرَّ بأن المواطن السوداني يتمتع الآن بأعلى مستوى معيشي في تاريخه أجمع. هذا من حيث توفر الأشياء الاستهلاكية، وتوفر وسائل الرفاهية التي يجدها الآن، ولم ينعم بها بهذا القدر الكبير من قبل» انتهى.. والواقع أن «معدل الدخل الفردي» في الاحصاءات إنما يعني «متوسط دخول الأفراد» فهو يقاس عن طريق قسمة الدخل القومي الإجمالي على عدد السكان، ويكون حاصل القسمة هو «مستوى دخل الفرد» أو «معدل الدخل الفردي» ولكن الدخل القومي الإجمالي، في الواقع، لا يوزع على السكان بالتساوي، بل وفي عهود الفساد السياسي يذهب جله إلى قـلة قـليلة، بينما لا تجد الأكثرية منه سوى الفتات، ولذلك فإن «معدل دخل الفرد» الاحصائي، لا يصلح كدليل على مستوى الدخل الفعلي لدى أغلبية الأفراد، ولذلك فلا عبرة به، فإذا كان الاقتصاد إنما ينمو ويتحسن لصالح قـلة قـليلة دون الأكثرية، فما هي أهمية نموه وتحسنه؟.. وكنتُ قد ذكرتُ ذلك في مقال سابق، فكان مما رد به وقيع الله على هذه النقطة قوله: «والواقع إن الذي لا قيمة له إنما هو منطق المحامي هذا الذي يجادل به. فهذا هو المقياس الاقتصادي العلمي العالمي المتبع في تحديد درجات التقدم الاقتصادي لجميع حكومات العالم، فلماذا تستثنى منه الإنقاذ؟ هل تستثنى لمجرد أن هذا المحامي الفاضل لا يستلطفها، ولا يبدو هذا سببا كافيا للاستثناء» انتهى.. ولكني لم أطلب استثناء الإنقاذ من هذه الاحصاءات، لقياس حجم الدخل الكلي الإجمالي، مثلا، وإنما أوضحت أن هذه الاحصاءات، عندما تتحدث عن مستوى دخل الفرد، فإنها إنما تعني «متوسط» دخل الفرد، أي الدخل المتوسط، بين دخول الأفراد ذوي الدخول العليا، ودخول الأفراد ذوي الدخول الدنيا، وذلك لأنها إنما تقسم الدخل الإجمالي على عدد السكان، وحاصل القسمة هو «متوسط دخل الفرد». وبديهي أن هذا «المتوسط» ليس مرتكزا في تحديد نسبة الفقر «نسبة عدد الفقراء إلى مجموع الشعب» فقد يكون المتوسط عاليا، والفقراء أكثرية في ذات الوقت، لا سيما إذا كانت الحكومة تطبق سياسة غير رشيدة، وغير عادلة، في توزيع الثروة، كما فعلت الانقاذ
سياسة «التحرير» الاقتصادي:
وأما زيادة حجم السلع والخدمات، بمختلف أنواعها، والكمالية منها بصورة خاصة، في أواخر عهد الإنقاذ، فهو صحيح، وسببه فتح السودان كسوق «حر» لمنتجات الشركات الخاصة، الأجنبية والمحلية، تنفيذا لسياسة «التحرير» الاقـتصادي، وكلمة «حر» في وصف السوق، وكلمة «تحرير» في وصف الاقـتصاد، إنما يقصد بهما امتناع الدولة عن سن قانون لحماية المستهلك، يضع قيودا على الإنتاج، أو على الأسعار، أو على وسائل التسويق، بمعنى عدم تدخل الدولة بين المنتج والمستهلك، وترك السوق «حرا» مع تخلي الدولة عن الإنتاج للقطاع الخاص، مما يعني ترك المستهلكين فريسة للمنتجين، وحيث أن هدف الشركات الخاصة إنما هو تحقيق الربح لنفسها، ولا تهمها مصلحة المستهلكين، ولا تعنيها، فإن سياستها، في كل مكان، هي العمل على تسويق ما تـنتج، وليس إنتاج ما يُسوَّق، أو قـل، بعبارة أخرى: السعي إلى خلق حاجة المستهلك لما تـنتج، بهدف خلق الطلب لما تنتج، وليس إنتاج ما هو مطلوب أصلا، أو ما يحتاجه المستهلك أصلا.. وهناك في الواقع سلع وخدمات سلبية ووهمية، عديدة، ضارة بالمستهلك، وهي السلع والخدمات التي لم يكن يحتاج إليها المستهلك أصلا، أو كان بإمكانه أن يستغـنى عنها بغيرها، مما هو أقـل سعرا منها، ولكنه مع ذلك يرغب فيها، هي بالذات، نتيجة تعرضه لتأثير ايهامي، يوهمه بالحاجة إليها، ويخلق رغبته فيها، في ظل غياب التوعية والترشيد، وغياب قانون يحميه.. ومن أبرز وسائل التأثير الايهامي الدعايات والإعلانات، التي تـتبارى وتـتـنافس وتـتـفـنن وتبدع في وسائل ترغيب المستهلك في ما تقدم من سلع أو خدمات، حتى أن العديد من الشركات قد صار يقدم جوائز قيمة، كسيارة جديدة مثلا، كل شهر، أو كل عام، أو كل يوم خلال شهر معين من كل عام، بحيث تعطى الجائزة، عن طريق الاقـتراع، لأحد مستهلكي السلعة أو الخدمة التي تقدمها الشركة، مما يجعـل الملايين، ممن لا يحتاجون إلى السلعة أو الخدمة، يشترونها رغم عدم حاجتهم لها، وكل منهم يمني نفسه بأن يكون أحد الفائزين بالجائزة، فتحقق الشركة بذلك أرباحا طائلة، تغطي بجزء يسير منها ثمن الجوائز التي تقدمها، بينما يصير الباقي ربحا صافيا لها.. ومن السلع والخدمات السلبية والوهمية ما هو ضار صحيا، كالسجاير وأمثالها، ومنها ما هو ضار اجتماعيا وأخلاقيا، كالسلع والخدمات التفاخرية والتبذيرية، مثـل «آخر صيحات الموضة» في عالم كذا وكذا، من السلع والخدمات، ومنها ما هو ضار ثـقافيا وأخلاقيا، كالسلع والخدمات الإفسادية والتضليلية، مثـل الأفلام والأغاني الهابطة والمبتذلة، التي تباع في أشرطة أو أسطوانات، ومثـل السلع والخدمات التي تتعامل مع المرأة كأنها مجرد «أنثى» لا دور لها في الأسرة وفي المجتمع، ولا قيمة، سوى «الأنوثة والجاذبية» الخ.. ويجب أن نعلم أن كل السلع والخدمات السلبية، والوهمية، ضارة اقـتصاديا، لأنها إنما تمتص الأموال من أيدي المستهلكين، وهم الأكثرية، وتحولها إلى أيدي أصحاب الشركات المنتجة لتلك السلع والخدمات، وهم الأقـلية، دون أن تقدم نفعا حقيقيا للمستهلكين، فتساهم بذلك في المزيد من الإفقـار للأكثرية الفقيرة، والمزيد من الإثراء للأقـلية الثرية.. ولعل في ما تقدم بعض التوضيح لطرف يسير من سوء وسلبية ما يسمى بالتحرير الاقـتصادي، وهو في الحقيقة ليس تحريرا اقتصاديا، وإنما هو، على العكس، تسلط اقـتصادي، تمارسه الأقـلية الغنية، على الأكثرية الفقيرة، بينما تقف الدولة «التي يفترض أنها نائبة الشعب» متفرجة، فلا تصدر قانونــاً يحمي المستهلكين من تسلط المنتجين عليهم، والإضرار بهم، ونهب أموالهم.. بينما لو كانت الدولة ذات حكومة ديمقراطية رشيدة ومسؤولة، وتولت هي إنتاج السلع والخدمات، بقطاعها العام، لاتجهت إلى إنتاج ما يحتاجه المستهلك، وما ينفع المستهلك، من الضروريات، ثم من الكماليات، لأنها لا تهدف إلى الربح بقدرما تهدف إلى مصلحة الشعب، وترقيته، وإثـرائه، وترفيهه، ثم إنها حتى لو حققت أرباحا مما تنتج فإن أرباح الدولة توظف لمصلحة الشعب نفسه لأنها مال عام.. هذا وسنواصل، بإذن الله تعالى، مناقشة وتقييم بقية ما يدعيه وقيع الله من إنجازات، ومن إحصاءات، في مقال لاحق.
عبد الله الأمين المحامي


http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147515190&bk=1
____

Post: #358
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 02:40 AM
Parent: #357


الاجتهاد الديني برؤية الدكتور النور حمد
صلاح شعيب
الدكتور النور حمد لا يتوانى في كل الكتابات الرصينة التي قرأتها له من التذكير بضرورة بحث دور الدين في الحياة، وهذه الورقة التي نشرها هنا تمثل إضافة لإنشغالاته البحثية المتعددة بأمر الفكر الإسلامي عموما، والفكرة الجمهورية خصوصا. ووجدت أن ورقته ـ والتي هي في جانب تتمظهر كلمحة وفاء للشهيد محمود محمد طه ـ تلهم بالكثير من التأويلات لما تحتويه من رؤى وأفكار مستندة على جزء من فكره، من جانب، وقراءات لما قال به الاستاذ محمود محمد طه حول موضوع الاجتهاد من جانب آخر، ونسبة لتقديري الكبير للدكتور النور كأحد رموز فكر الاستنارة في السودان وفنان يتعامل بالريشة، رأيت ان اسهم بهذه المداخلة التي ـ نشرت في موقع «سودان فورال» ـ تغلبها حيلة الإحاطة بكل ما حملت الورقة من ثمرات رأي، ولكن فليكن مضمونها محاولة متواضعة لقراءة بعض جوانبها:
طرحت مسألة الاجتهاد في الفقه الإسلامي نفسها بإلحاح في السنوات الأخيرة، وذلك برغم أن الاجتهاد وتطبيقه لم يتوقف منذ لحظات احتضار النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وظل إلى يومنا هذا ممارسا سواء عن طريق السلطات الدينية التابعة للدولة أو عن طريق أفراد أو جماعات ينتمون إلى المجتمع المسلم. والسؤال هو لماذا تتعاظم فرص الجدل بين الفينة والأخرى حول التجديد أو التحديث في الفقه الاسلامي، بينما أن هذه المسيرة ظلت متوارثة أبا عن جد مسلم..؟
الثابت هو أن «1» فشل المسلمين في التعامل مع دولتهم، و«2» كون أن اقطارهم صارت مهيأة للتدخل الخارجي، و«3» لأن إسهامهم الحضاري توقف منذ زمن على الصعيد الفلسفي والفكري والعلمي، و«4» عدم تمايزهم كثيرا عن المتدينين الآخرين في سلوكياتهم الفردية والجماعية، هو السبب الاساسي الذي جعل كل تلك الاجتهادات السلفية والمعتدلة والحداثية في مهب الريح، وهي من بعد لم تبق اثرا ولم تقطع ارضا، فالمسلم ظل كما هو يتخبط في المسافة بين ما رسخ في ذهنه من تعاليم اسلامية سمحة والواقع الخرب الذي يحيطه، واقع دولته وواقع الآخرين الذين يتساكنون في دولة الرفاه.
ببساطة متناهية صار الدين الذي يعتقد فيه المسلم مصدرا للالم اكثر من كونه المصدر الذي عبره يمكن أن يعيش في صفاء روحي، وتظلله غيم السماحة والعدل والمساواة والفضيلة.. إلخ القيم والمعاني المضمومة بين دفتي كتاب كريم لا يأتيه الباطل لا من خلفه أو يمينه.. ولكن..؟
الدكتور النور حمد، وهو إذ يطرح مسألة الاجتهاد للبحث ويعمق النظر إليها بفكره الثاقب وتأمله الحصيف، إنما تمكن له الامساك بجوهر القضية التي ما فتئت تفت تاريخيا في عضد مجتمعاتنا المسلمة، خصوصا إذا تمت معرفة أن الاسلام هو العمود الفقري في ثقافة الاقطار المسلمة، وأنه الوسيلة الحضارية التي لا نرى أن أية ديانة أو ثقافة أخرى قادرة على أن تسد الفراغ الروحي للمسلمين إذا ما تم التخلي عن الاسلام في جانبه الفقهي وجانبه المعاملاتي.
ولعل الجانب الأخير هو الاشد امساكا بتفاصيل ازمة المسلمين إذا كان الجانب الفقهي ـ تطوره أو انحطاطه ـ يتغذى أصلا من جانب المعاملات الذي يحكم الفرد المسلم في علاقته مع الله ونفسه وجاره وزوجه وابنته وشجرة الطريق وكلبه، وتلقيه المعرفي واحترامه لمجتمعه أو دولته أو رؤيته للآخر المسلم المذهبي قبل الآخر الذي يدين بديانات سماوية أو وضعية أو لا يدين بأي شئ حتى.
قصدت القول إن تركيز المسلمين الآن، خصوصا المثقفين غير الاسلامويين منهم، يتم على صعيد تطوير فقه معاملات المسلم ـ بغير مرجعية إسلامية بحتة ـ ويغضون الطرف عن تطوير فقهه الروحي، والسبب يعود إلى أن هؤلاء المثقفين وهم الاقدر تملكا للادوات الفكرية والنقدية الحديثة، يعانون من ضعف تدين ضمن ضعف عام يواجهنا بصفتنا مسلمين. وقد قل بحث هؤلاء النفر من المسلمين حول أزمة قراءة النص القرآني وتفسيره وإعادة قراءته التاريخية، إلا بعض الاكاديميين، ولهذا السبب تخصبت التربة للجماعات السلفية والأصولية في ملء المساحة البكر التي تجاهلها القوميون واليساريون أو المستقلون، بدعوى أن تطوير فهم المسلم يتم هكذا إذا ما تم تبني المفاهيم العلمانية، حيث أنظمة الحكم الديمقراطية واحترام الحريات الفردية.
إن المثقفين السودانيين، وخصوصا اليساريين، ولأنهم يتحركون فكريا في فضاء اليسار العروبي، يهتمون بوضع النضال ضد الأنظمة الاستبدادية كأولوية ـ لا أخرى غيرها ـ قبل دراسة الأسباب التي هيأت ظهور هذه الانظمة، وبالتالي تكون فلسفة الأنوار التي شاعت في اوروبا مرجعيتهم، على اعتبار انها حررت الإنسان من «تابو» الاصولية الكنسية، وفتحت الطريق أمام الناس لممارسة حرياتهم، والاعتقاد الحر، واحترام حقوق الإنسان وحرية الصحافة والتجارة الحرة، وجلبت عصر الثورات الزراعية والصناعية والتكنولوجية والاتصالاتية أو المعلوماتية، ولذلك حين قلت إن الاستاذ محمود محمد طه فتح مجالا للسودانيين والعرب والمسلمين اجمعين لم يتهيأ لأحد خلافه، كنت أعني ما أقول، فالتجديد الذي بذله طه وسار تلامذته عليه من بعده، والنور احد النجباء، كان قد ارتبط بتجديدين، الاول يتعلق بعلاقة الإنسان مع نفسه، حيث تهذيبها دينيا ولجم انتهازيتها أو ضعفها. والثاني تعلق بموقف الإنسان من باطشيه. والتجديدان تمثلا في الاستاذ محمود محمد طه، حيث كانت حياته ونهايتها أكبر دلالة على صدق التجديد الذي بذله، بصرف النظر عن إتفاق الناس او الاختلاف معه.
يقول الدكتور النور«.. ويظن كثيرون أن التكفير والإخراج من الملة أمر يطال فقط أولئك الذين يأتون بآراء تشذ عما تواضعت عليه الأكثرية. كما يظنون أن هناك فهما للدين تتشاركه غالبية من الناس، يشذ عنهم بعض الشواذ الذين يجب ردعهم..».
إن التكفير والإخراج من الملة لعدم اعتراف قطاعات فكرية وسياسية داخل الدولة المسلمة بالآخر، والذي يمتلئ جهازه العصابي بما هو مختلف عما في ذهن هذه الملل والنحل المكفرة ـ يعتبر من اكثر الاشياء التي تلازمت مع المسلمين في هذا العصر. ولكن من ناحية ثانية إذا درسنا تاريخ الاغتيالات ـ في الدولة القطرية العربية ما بعد الاستقلال فقط ـ نجد انها اطاحت بملايين الرؤوس لمجرد أنهم يختلفون معها. وبرغم أن هذا الإهدار في الأرواح لم يكن ليتم عبر مرجعية دينية/ سلفية، إلا أن هذه الاغتيالات هي الأخطر في تاريخ المسلمين. ولو قمنا بعمل إحصاء لوجدنا أن الذين تم سحقهم باسم الدين أقل كثيرا من الذين انسحقوا تحت طائلة التفسير السياسي للديكتاتور الرئيس أو الملك، فضلا عن ذلك فإن الدولة القطرية ولخطأ سياساتها، دلفت بالملايين من جنودها في حروب لا مبرر لها.
وفي تصوري أن «التكفير السياسي» من أخطر الأزمات التي واجهت المسلمين بما فيهم من علمانيين وسلفيين وتكفيريين حتى. ولعل من واجب الفكر الإسلامي أن يركز أيضا على «التكفير السياسي» الذي هو أحد عوامل استشراء «التكفير الديني»، كما أن الاخير هذا كثيرا ما استخدم لدوافع سياسية تسبق الدوافع الدينية، كما شاهدنا في مقتل الاستاذ محمود محمد طه. وبشكل عام فإن الجماعات الاصولية مثل القاعدة وطالبان والجبهة الاسلامية في الجزائر التي جزت مئات الآلاف من الرؤوس، تمثل في واقع الأمر ـ مع الاعتبار للسبب الديني العميق ـ فشلا موازيا للفشل السياسي والاقتصادي والتنموي ..إلخ، الذي سببته سياسة الدولة المسلمة، وما تبع ذلك من تدخلات خارجية ساهمت هي الأخرى في التمهيد للتكفير الديني، ومن ثم اتباعه بالعمل.
قال د. النور إنه «.. بعد هجمة الحادي عشر من سبتمبر 2001م في نيويورك، كثرت المؤتمرات التي تنعقد تحت مسميات حوار الأديان والتسامح الديني. غير أن من يشارك في هذه المؤتمرات، ممن يحلو لهم بأن يسموا أنفسهم «علماء الإسلام» لا يملكون زادا يمكن أن يشاركوا به في موائد الحداثة، سوى اجتهادات فقهاء الحقب السوالف..».
نعم إن حادثة الحادي عشر من سبتمبر ظلت تكثر من تلك المؤتمرات، ولكن بالنسبة للمرء فإن الاولوية هي إقامة حوار المذاهب داخل البيئة الإسلامية وهذا هو الاهم، إذ ان الحوار الذي ينبغي التركيز عليه، إذا كان لا بد من ذلك، هو حوار السنة والشيعة الذي يمثل أولوية قبل أولوية الحوار بين المسلمين والمسيحيين أو بين المسلمين واليهود، والمنطق لهذا هو أنه كيف يستطيع المسلمون محاورة الآخر المعتقدي، وهم لما ينتهوا بعد من فرد صيغة لاحترام خلافاتهم المذهبية، وظلوا يتقاتلون كأعداءً تاريخيين، ويتربص هذا بذاك في كل منعطف تاريخي..؟ ثم من هم الذين يحاورون باسم المسلمين ولمن يتبعون، الأزهرـ القيروان، الزيتونة..المدارس الباكستانية، خلاوى أم ضوا بان أم ماذا ـ ما دام ان المسلمين يتمايزون في فهمهم، وما برح الاسلام «إسلامات» إذا جاز الاشتقاق اللغوي..؟
وكما نعرف أن هناك بعض مسلمين يمارسون الاسلام على طريقة الصوفية والوهابية، والقسمان بينهما جولات من التكفير واتهامات بالزندقة، كما أن الطوائف الشيعية متعددة، وبغير هذا فهناك المسلم الاوروبي والاميركي والاوسترالي واللاتيني والعلماني، وهؤلاء تختلف نظرتهم للاسلام باختلاف تناقضاتهم المذهبية، بل أن داخل القسم الشيعي وجدنا أن هناك اتجاهات تكفر اخرى، والامر كذلك بالنسبة للسنيين. ثم ماذا عن حوار المسلمين فيما بينهم داخل الدولة التي تضمهم ـ أنصار، ختمية، أخوان، أصحاب طرق صوفية..إلخ.؟
وصحيح ما يقول به الدكتور النور ـ والحال هذي ـ بإن علماء المسلمين يفتقدون الزاد الفكري الذي به يتحاورون مع الآخر الديني. ولكن في تقديري أن حوار الاديان أكذوبة كبرى ما دام أن القرآن الكريم به من النصوص ما تجعل بعض المسلمين ينظرون لدين المسلم «غير المبتغى» بأنه غير مقبول إلهيا، هذا برغم محاولات الاخوة الجمهوريين في تبيين آيات النسخ التي اشار إليها الدكتور الفاضل، ولعلنا نحتاج لوقت طويل حتى يفهم الناس الفكر الجمهوري في محاولته لحل معضلة القراءات المتناقضة للنص القرآني.
وعلى الطرف الآخر وجدنا أن لا اليهود ولا المسيحيين يعترفون بنبوة النبي محمد «ص»، وبالتالي يبدو هذا الحوار طرشانَ عبر تخريجات إعلامية، وفي ذهني أن الحوار الاجدى والاقيم يمكن أن يحدث إذا بقي «حوارا جادا» على المستوى السياسي والفكري بين أتباع الاديان جميعها، وذلك بأجندة تتعلق بمصلحة البشرية كلها.. مثل الحوار حول كيفية محاربة التعصب الديني أو محاربة الجوع والامية او التعاون التكنولوجي أو التعاون الزراعي والاقتصادي. ولعل هذا الحوار قائم أصلا وبعض نتائج له ملموسة ايجابيا على الارض، ولكن لا بأس من تفعيله ليمس الجوانب الحقيقية التي تنتج الارهاب والارهاب المضاد.
والشيء الآخر نجد أنه ليس بالضرورة أن يكون هذا الحوار بين الحكومات، ولا مناصَ أن يتم على مستوى منظمات المجتمع المدني، اقول بهذا وفي ذهني أن هذه الاجراءات المتعلقة بالحوار بين الامم لن تكون كأولوية ناجزة ما لم تسنح الظروف بمعالجة الخلل في بنية تفكير الدولة والمجتمع الاسلاميين اينما وجدا. والامر نفسه ينطبق على الاطراف الاخرى التي لديها الكثير مما يؤخذ عليها من تصرفات حمقاء في جبهات السياسة والاقتصاد والاعلام ...إلخ.
والحوار بين الأديان ليس أولوية انسانية بالنسبة لنا بصفتنا مسلمين وبالنسبة لغير المسلمين، فالاولوية الاساسية هو الحوار حول كيفية احترام الانسان داخل الدولة المسلمة او اليهودية أو البوذية أو المسيحية، ومتى ما كان الإنسان محترما ومتمثلا بقيم الاحترام للآخر وثقافته ودينه وملبسه وأكله وسلوكه، فإنه يستطيع أن يحترم الآخر الديني ويتحاور معه. وكيف تستطيع أغلبية المقموعين الآن في العالم إجراء حوار حول أديانهم وحكوماتهم، تقمعهم ليل نهار او تمتص عرقهم في حقول العمل، وتمنحهم اجورا لا تكفي للرعاية الصحية..؟!
ويؤكد د. النور أن «.. ما يحتاجه العالم الإسلامي اليوم هو اجتهاد جديد مستند على أصول القرآن وجوهر رسالة الإسلام المتمثلة في السلام وفي المسؤولية الفردية. ومثل هذا الاجتهاد لا يكون بغير الخروج عن إطار أحكام الشريعة السلفية في ما يخص شؤون حرية الاعتقاد، وحرية الرأي، وسائر الحقوق الأساسية، ليستند على أصول القرآن التي تلتقي في الإطار العام بما تنص عليه الدساتير، والديمقراطيات، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان..». ويقول في جانب من ورقته «..أما محاولة ترك الدين جانبا والاتجاه صوب «العلمانية» كما يرى بعض المثقفين المسلمين، فتمثل في نظري محاولة للسير في ذات الخط التاريخي الذي سارت عليه حركة فصل الدين عن الدولة، كما جرت في المجتمعات الغربية..».
في ظني أن ما يسميه د. النور بـ «الدساتير، والديمقراطيات، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان..». جاءت عبر تفكير علماني، ويكون من الصعب تبني هذه الخلاصات الإنسانية ما لم تبق الدولة أبعد من كونها متبنية للمنهج الديني الذي ينظم شؤونها من الالف للياء. ومن نافلة القول الاشارة إلى أن العلمانية لم تحل كل مشاكل الدول الغربية أو الشرقية، ولكنها عمليا حققت للدولة وأفرادها تقدما يصعب نكرانه، كما أنها طورت العلم وقللت الاصطدام المذهبي بين اصحاب الاعتقاد في الدولة الغربية بالمقارنة مع واقعنا. وفي ظني أن قيم الاصلاح ذات المرجعية الدينية المعنية بتلك المجتمعات، يمكن بكل سهولة أن تجد مجالا خصبا للازدهار في الارض العلمانية، إذا كانت هذه القيم الاصلاحية ترى أن تطبيق الأفكار العلمانية قد أضر بسمو الجانب الروحي لدى الإنسان.
والملاحظ أن تطوير ونشر الفكر الجمهوري في اوروبا والولايات المتحدة العلمانيتين، اكثر يسرا من أي مكان في العالم الإسلامي، ولعل الاحتفاء الذي وجده فكر الاستاذ محمود محمد طه في العالم الغربي/ العلماني، يعتبر المؤشر الحقيقي إلى ان البيئة العلمانية هي الوحيدة التي تحترم الآراء المختلفة، بصرف النظر عن مصدرها الديني. وفي رأيي أنه لو تحقق لنا العثور على دولة يمسك بقرار العقد والحل فيها الإخوة الجمهوريون، وهي آنذاك قد تدير ظهرها للعلمانية، فإن المرء لا يضمن للدكتور النور نفسه موضعا مريحا فيها لو أنه اختلف معها جوهريا ووجد نفسه في الشارع السياسي يدعو بخلاف ما تدعو له تلك الجمهورية الاسلامية، وحتما سنجده سيسعى بمرجعية دينية لهدم أركانها..لإعادتها إلى «سيرتها الاولى» مثلا، أي حينما كان قد ساهم في جعلها واقعا ملموسا بعد فوز ديمقراطي.
وفي ناحية أخرى اتفق مع د. النور في أن ترك الدين جانبا دون الاهتمام بتجديد القراءة له، لن يحل أزمة «أهل المثقفين المسلمين». ولكن هناك دائما الطريق الثالث الذي يوازي بين تبني الاجتهاد الذي يدعو له استاذنا النور لتوظيف الجانب الروحي في التقدم، وكذلك إعمال الحكمة في الاستفادة من المتحقق الانساني، خصوصا إذا كانت النتائج الماثلة من هذا المتحقق تقبلت كل المسلمين الذين أتوا من العالم الاسلامي دون أن يشعروا أن وجودهم في الدولة العلمانية لم يضر بتدينهم، بل أعطاهم فرصة لنشر الاسلام الذي لم يتمكنوا من نشره في البلدان الاسلامية، ووجدوا أيضا أن العيش بكثير من معاني الكرامة الانسانية مما لا شك فيه.
وهل يمكن الاعتراف بهذا «الطريق الثالث» بأنه اجتهاد له بعض الجذور في الاسلام أكثر من كونه يتجذر علمانيا، ما دام أن من يطرحه هو من أحد المسلمين الذين لا يزكون أنفسهم..؟ عموما: كل التقدير لك د. النور وآمل ألا اكون قد خرجت من دائرة التفكير حول هذه الورقة المحفزة للحوار. مع تقديري.
_________________

Post: #359
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 02:41 AM
Parent: #358


صدام وذوالفقار بهوتو : مقارنات الحياة والموت
[email protected]
شهدت الخرطوم وعدد من مدن المنطقة العربية والاسلامية اواخر الشهرالماضي واوائل الجاري مهرجانات تأبينية بمناسبة مرور عامين على اعدام الرئيس العراقي صدام حسين في 30 ديسمبر 2006 استذكر فيها الحاضرون مناقبه الشخصية وتاريخه السياسي بالتمجيد والاحتفاء. والحقيقة هي ان الكثيرين ممن اختلفوا مع صدام بما يصل درجة العداء المفتوح او بما يقل عنها وجدوا انفسهم يتماهون مع اولئك المتفقين معه اصلا، تحت تأثير قيمة عليا في الثقافة الشعبية العربية الموروثة وهي الشجاعة. مشهد اعدام صدام الذي غمر وسائط الاعلام بكل انواعها الحديثة والتقليديه وثباته في وجه الموت، اضافة لما احاط بلحظة التنفيذ من صرخات فوران لغريزة ثأر سياسي بدائيه، تضاءلت امامه اختلافات الرأي والتوجه العام لدى هذه الشريحة من العرب والمسلمين. مع هذه الاحتفالات استعادت الذاكرة السودانية مشهد ثبات اخر في وجه المقصله سبقه بثلاثة وعشرين عاما ولكن في نفس الايام تقريبا وفق الروزنامه الشهريه هو ذكرى اعدام محمود محمد طه في 18 يناير 1985. وفيما عدا هذا التزامن الجزئي ومايقترب من اصوات التهليل الانحطاطي عند التنفيذ في سجن كوبر، ليس من جامع شكلي او موضوعي بين سيرة الرجلين. حتى التحولات المتأخرة الى المنحى الديني في فكر وخطاب الرئيس العراقي لاتغطي الفجوة الفاصلة بينهما بالنظر للطابع الصوفي شديد الخصوصية لاسلامية محمود محمد طه.
على ان موجات الاضطراب السياسي التي تضرب العالم الاسلامي تقذف الى السطح بنموذج آخر للشجاعة ازاء حبل المشنقه قابل للمقارنة مع النموذج الصدامي يتعلق بذو الفقار علي بهوتو ( 1928-1979 )، السياسي الباكستاني والد بي نظير التي اغتيلت في 27 ديسمبر الماضي وكان قد اعدم شنقا في ابريل 1979 . في كتاب بعنوان ( آخر 323 يوما في حياة السيد بهوتو ) يصف العقيد رفي الدين مسئول السجن يوم اعدامه على النحو التالي : " دخلنا زنزانة بوتو الساعة السادسة وخمس دقائق مساء بتاريخ 3 .1979.4. وجدناه مستلقيا علي فرشة على الأرض وأبلغناه بقرار تنفيذ الإعدام.... ولم تبدُ علي وجه بوتو أية علامات للخوف.... وكان هادئا ً ومرتاحا ً وعَـلـَت وجهه ابتسامة.... وقد أدهشتني الطريقة التي تلقي بها الخبر... ونظر مباشرة في عيني الضابط الذي كان يقرأ له القرار وقال: كان على السلطات المعنية أن تخبرني قبل 24 ساعة على الأقل، رغم أن القانون يقضي بسبعة أيام . وقد كانت زوجتي وإبنتي هنا الساعة الحادية عشرة ونصف صباحا ً ولا علم لهن بذلك ." .ويضيف رفي الدين بأن بوتو نادى المنظف عبد الرحمن وطلب منه ماء دافئا ً لكي يحلق ذقنه (للعلم حافظ السيد بوتو على كامل أناقته وهيئته كرئيس للوزراء طوال محاكمته) وان بهوتو " استدار نحوي وسألني، ما هذه المسرحية؟ فقلت يا سيدي لقد صدرت الأوامر بتنفيذ حكم الإعدام هذا اليوم.... فأشار بوتو بيده وقال، إذا ً انتهي الموضوع؟ فأومأت برأسي، نعم يا سيدي... وسأل متى سيتم ذلك؟ فأشرت له بسبعة أصابع... فقال سبعة أيام...؟ قلت سبع ساعات يا سيدي ." ويقول رفيّ الدين بأن بوتو قد أوصى بإعطاء ساعته إلى عامل النظافة... وفي الساعة التاسعة وخمسة وخمسين دقيقة فرك أسنانه وغسل وجهه ومشط شعره... وسأل كم بقي من الوقت؟ فلم يجبه أحد... فقال محدثا ً نفسه، ربما أستطيع النوم لمدة ساعة أو اثنتين.. وفي الساعة الحادية عشرة وعشر دقائق أ ُقفلت الزنزانة ونام بوتو بهدوء ".
والمعروف ان الجنرال ضياء الحق قائد الانقلاب الذي اصدر حكم الاعدام كان قد تعرض لضغوط شديده من حكام الخليج وغيرهم لعدم تنفيذ حكم الاعدام الى درجة انه حاول التخلص منها بتسهيل هروب بهوتو لكن الاخير رفض قائلا في تصريح مكتوب : " أنا لن أهرب من بلدي لانني على حق وصاحب الحق لا يهرب بل الذي سيهرب هو ضياء الحق ".: كما انه رفض المخرج الآخر الذي قدمه الجنرال وهو التقدم بأسترحام للعفو عنه من قبل حزبه او عائلته واوصي ابنته بي نظير بألا تقدم للرئيس الباكستاني طلبا للإسترحام نيابة عنه وان تسير على خطى مبادئه في قيادة حزب الشعب وذلك عندما احتفلت بعيد ميلادها الخامس والعشرين معه في الزنزانه.
في هذه الوصية اشارة اولى الى بعض تشابه مع سيرة صدام ( 1937 - 2006 ). فقد اغتيلت بي نظير وهي تخوض معركة انتخابية وسياسية شرسة ضد التيارات التكفيريه والدكتاتورية العسكريه متمشية في ذلك مع الوصيه بينما كان مقتل ابني صدام في تبادل لاطلاق النار مع القوات الامريكيه بعد وشاية من مضيفيهم، نتيجة تربية تحض على الرجولة القتالية. على ان الجامع الموضوعي والاهم بين الرجلين في بداية حياتهما العامه هو انتماؤهما الي قيادات العالم الثالث التي تشكل وعيها السياسي في مرحلة المواجهة مع الاستعمار الامريكي الطالع في زمن بداية افول الاستعمار التقليدي وظهور المعسكرالاشتراكي والتطلع لبناء مجتمعات حديثه على اساس اشتراكي منذ اواخر خمسينات القرن الماضي.
صدام حسين قدر له ان يكون اهم زعماء المرحلة الثانية في مسيرة حزب البعث العربي الاشتراكي بعد مرحلة مؤسسيه عفلق والبيطار من خلال مركزه الطاغي في تشكيل التجربة التطبيقية في العراق بعد انقلاب عام 1968 ، وبالضرورة اعادة تشكيل البعث نفسه، وذلك على غرار تجارب عربية وعالمثالثية اخرى بدأت بنفس الاسلوب وغلبت مهمة البناء العسكري- الاقتصادي والديموقراطية الاجتماعية على الديموقراطية السياسية. اما مسيرة ذو الفقار بهوتو فقد كانت عكسيه رغم وحدة الاطار العام فقد بدأ حياته السياسية وزيرا في حكومات انقلابات عسكرية ولكنه غادرها اثر خلاف يعود الى تمسكه بأنهاء حالة العداء والحرب مع الهند لتشكيل حزب الشعب الباكستاني، اقرب الاحزاب الباكستانية الى العلمانية والديموقراطيه رغم طابعه العائلي. وبعد فوز كاسح لحزبه في انتخابات عام 1970 وقع معاهدة سلام مع الهند كرئيس للوزراء واتخذ عدة اجراءات اشتراكيه اهمها تأميم المؤسسات الاقتصادية الكبرى واخرى للاصلاح الزراعي. وهي اجراءات مشابهة لاجراءات شهدها العراق ايضا ظل بهوتو بعدها رقما رئيسيا في الحياة السياسية لباكستان حتى الانقلاب العسكري عام 1977 الذي انهى حياته بعد ذلك بعامين. اما صدام فقد تدرج من كادر حزبي مدني ليصبح حاكما عسكريا-مدنيا متزايد السلطات ذا توجهات اسلاميه انعكست على حزب البعث نفسه وجاء الغزو الامريكي- البريطاني ليهدم النظام الذي ارتبط بشخصيته وينهي حياته بتسليمه الى غرمائه العراقيين.
هل يمكن ان نجد في خلفية هاتين الشخصيتين الحياتيه تفسيرا لهذا الافتراق في تطورهما من البداية المشتركه مكملا لذلك الخاص بأختلاف ظروف البلدين؟ تباين هذه الخلفيه كان كبيرا للغايه لذلك فإن التأثير في هذا الخصوص وارد حتما : صدام حسين ابن اسرة ريفية بسيطه انقذته من مصير الآلاف من مجايليه قوة ارادته التي دفعت به للتعليم حيث اكمله بصعوبه نتيجة انقطاعات متكرره عائدة الى نشاطاته النضاليه اليومية منذ سن مبكره بين اختفاء ونفي. ذو الفقار ابن اسرة ريفية ولكنها اقطاعية موسره تلقي تعليمه العالي في الولايات المتحدة واكسفورد ومارس المحاماه في بريطانيا قبل ان يعود لبلاده. الارجح ان البيئة العائلية ليست العنصر الحاسم في الاختيارات السياسية الشبابيه ولكن الدخول في مرحلة الالتزام الجدي وسن النضج قد يميل بالقادم من بيئة مرتاحة مادية بما في ذلك تكوين تعليمي متين ومجزي مهنيا الى اختيار طريق التدرج في العمل العام بأكثر مما هو الحال بالنسبة للقادم من بيئة عائلية مختلفة. ويبدو ان هذا هو ماأنتج الاختلافات والتشابهات في هذين النموذجين.

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147514767&bk=1

Post: #360
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 02:42 AM
Parent: #359


«تعقيب على تعقيب عمر القراي»
الجمهوريون الجدد والحلف الرجيم.. بسم الله ثم يحترق الهشيم
(1)
راشد أبو القاسم
الالتباس الثقافي:
إن اول ما تصاب به الامم في اطوار تراجعها الفكري والمعرفي والثقافي مفاهيمها واول ما يتأثر بعمليات الصراع الفكري والثقافي مفاهيمها كذلك، وأهم الامراض التي تعتري المفاهيم الميوعة ثم الغموض، فالميوعة تنشأ عن التساهل في الاكتساب المعرفي، فقد تستعيد الامة اسما او مصطلحا في نسق معرفي آخر بطريق القياس القائم على توهم التماثل والتشابه، لتتداوله مع مفاهيمها كمفهوم مرادف، او مساو، او بديل، او مترجم، وقد تتناسى الامة خصوصيتها المعرفية، وتخلط بين ما هو مشترك انساني كالعقليات والطبيعيات والتجريبيات وما هو من الخصوصيات الملية، فتتساهل باستعارة المفاهيم من غيرها حتى تفقد خصوصيتها الملية والشرعية والثقافية والمنهجية المتعلقة بها، فتدخل مفاهيمها دائرة الغموض والارتباك، فتتعدد الكلمات وتتبعثر الثوابت وتفقد الامة هويتها واسمها ورسمها، وكلما ازداد الانتاج التقني والصناعي كلما ازدادت تيارات الحمل الفكرية فرفعت درجة حرارة الصراع الداخلي «للبنيويين العرب» «اسرى الجاشتلت» فولد لنا ظاهرة اطلق عليها «ظاهرة الالتباس الثقافي» لتصل اللاعودة في مرحلة «الالتباس الثقافي» ليختم لها بخاتمة الشقاء بالموت سريريا في مرحلة الاستلاب الثقافي، لتعلن التمرد على السائد الشرعي وتخرج عن المألوف الطبيعي بتمزق نسيج الانتماء، ومن ثم تحتاج لمن يعيد لها هويتها، ويسبر اغوار ذاتها ليعيد اكتشافها وتعريفها بنفسها لنفسها، لترفع رأسها وتتحسس قدراتها بعد ان كانت تمشي بين الامم على استحياء.
الهزيمة النفسية ونفسية الهزيمة:
كلما قرأت مقالا او كتابا لاحد «البنيويين العرب» وهو يقدح في الاسلام ويمتهن تراثه وثوابته العقائدية ارتدت الى ذاتي لاسأل نفسي لماذا يفعل هؤلاء كل هذا بانفسهم؟ لماذا هذا التهافت؟ ما الباعث الحقيقي لهكذا جلد ذات؟ قلت لعلهم لم يعرفوا الاسلام كما ينبغي ولم يعطوا لانفسهم الفرصة الكافية ليسبروا اغواره، وليتصالحوا معه ولو مرة واحدة في حياتهم، ليكون حكمهم عن دراية لا عن رواية او دعاية، كمثل ذلك البدوي الذي لا يعرف في الارض التي يرعى غنمه فيها غير ذاك المكان الذي يقضي فيه حاجته ولا يعلم ان تحتها بحيرة نفطية ستغير مسرى حياته بل وحياة العالم بشكل ادق، انهم يعانون من حالة فقدان هوية وذلك لانعدام الجاذبية الثقافية والفكرية الناتجة عن تحليقهم بعيدا عن مراكز التأثير العقائدي الاسلامي، فتولد عندهم حالة طرد مركزي ادت الى انفصام ذات عن السائد الحولي، وانفصلت «الأنا» عن «النحن» وتوهمت «الهُم» فعاشت «الهَم» وسكنها «الوهم» واصبحت مسكونة «بالهلنستيه الجديدة» وثم اعيد تدجينها لصالح مشروع «الباكت امريكانا» فيما يشبه عصاب «عارض استوكهولم» حيث يأخذ المصاب بهذا المرض النفسي العضال دور الجزار في تشريح ذاته وتمزيق نفسه بمنتهى الحماس والنشاط والمرح، بشكل يبعث الاشمئزاز والاسى، وبالجملة فكل ذلك مرده الى قلة الثقافة الدينية وخفة كثافة التراث الاسلامي في حياة هذا «المأزوم».
ولكن ليس بعيدا عن ذاك ما تناقلته اجهزة الاعلام حتى اصبحت قضية الساعة عن «البازار الإعلامي الامريكي» المسمى «بالعولمة الإعلامية» وما تمخض عنه في شراء لبعض الاقلام الاسلامية والعربية، وذلك لتجميل وجه امريكا القميئ وتغطية جرائمها بالمنطقة، بنشر «البروباقندا الزائفة» واذكر هنا نقلا عن الكاتب والصحفي اللبناني «ناصر قنديل» رئيس مركز دراسات الشرق عن مصدر رفيع: ان «جون ورمر» السكرتير الاعلامي لوزير الدفاع الامريكي السابق «رامزفيلد» قال: «ان الاعلام العربي والاسلامي بالاساس معادي لنا، وان تمنطق بالحداثة، وكل ما نحتاجه الآن هو جوقة من الاعلاميين مختلفة تشبه في تركيبها سفينة نوح، تعيد صياغة المفاهيم لصالحنا، وليعلنوا للجميع انه ليس ثمة مؤامرة» بمعنى طليق جوالة مثقفين كشفية متقدمة تسبق مجنزرات الاجتياح العسكرية، بشكل او بآخر الموضوع لا يعدو ان يكون حالة استلاب حضاري، يعاني منها هؤلاء المأزومون المهزومون وكما قال ابن خلدون «المهزوم مجبول على تقليد هازمه، معجب به يرى كل ما يفعله على وجه التقدير والاستحسان وذلك لاحد امرين اما لشهود حال التفوق عند خصمه، او استشعار حال الوهن في ذاته، والذي كان سبب انهزامه» وهذا امر طبيعي، ولن ابالغ لو قلت ان نفس الشيء قد حدث بالنسبة لهم يوم كنا اصحاب الوقت وسادة العالم، ولنترك احد رجال الدين النصراني وهو «الفارو القرطبي» يوصف لنا حال الشباب النصارى امام الحضارة الاسلامية فيقول «وا أسفاه.. ان الشباب المسيحي الذين هم ابرز الناس مواهب، ليسو على علم بأي ادب ولا اية لغة غير العربية.. فهم يقرأون كتب العرب، ويدرسونها بلهفة وشغف، وهم يجمعون منها مكتبات كاملة، تكلفهم نفقات باهظة، وانهم ليترنمون في كل مكان بمدح تراث العرب، وانك لتراهم من الناحية الاخرى يحتجون في زراية اذا ذكرت الكتب المسيحية، بأن تلك المؤلفات غير جديرة بالتفاتهم، فوا حر قلباه لقد نسي المسيحيون لغتهم ولا يكاد يوجد واحد في الالف قادر على انشاء رسالة الى صديق بلاتينية مستقيمة، ولكن اذا استدعى الامر كتابة باللغة العربية فكم منهم من يستطيع ان يعبر عن نفسه في تلك اللغة باعظم ما يكون في الرشاقة، بل قد يقرضون من الشعر ما يفوق في الصحة نظم شعراء العرب انفسهم». وهكذا تدور على الامم ا لدوائر و«لكل امة اجل».
ولكن ما يزيد العرض اثارة، والفكرة ضراوة، دخول عنصر جديد لحلبة الحوار ممثلا في حالة «عمر القراي» كعينة لهذه الظاهرة، وهي ظاهرة الفكر الباطني، ممثلة في الفكر الجمهوري حيث سطر في 4 مقالات مسلسلة في حوالي «9 آلاف كلمة» ردا على بروفسور جعفر شيخ ادريس» حول موضوع الشريعة الاسلامية، ولكن للاسف لم اقع الا على حلقتين فقط 3 و4، ولكن في تصوري انهما تكفيان لكشف هذا التوجه، ولتبين الحالة، وتوصيف المشكل، واعترف انه تواجهني مشكلة، وهي ان شظايا الشبهات التي القاها «القراي» كثيرة ومتناثرة لا يحويها مقال او مقالان ولكن تحتاج الى بحوث معمقة كل على حدة فهناك الحديث عن «الدستور الاسلامي، والعدالة الاجتماعية في الاسلام، ونظام الحكم، والعلاقة بالآخر، وموقفنا في الحداثة ومسألة المرأة، وقضية الاقليات في المجتمع المسلم.. غير الكلام عن التاريخ الاسلامي.. ومسألة الثابت والمتغير في حياة الفرد والمجتمع الخ هل تتصور ان اجمع كل هذا في مقال بل في سلسلة مقالات واحدة؟
بالتأكيد يتعذر، ولكن اعد بأن افرد لكل جزئية مقالا خاصا بها وكما قيل «ما لا يدرك كله لا يترك جله» وسأعرض لمعظم هذه القضايا ولكن بمس خفيف.
وكما تعلمون ليس الاثبات كالتفنيد ولا البناء كالهدم فيمكن لطفل صغير ان «يشخبط» جدران المنزل في دقائق لكننا نحتاج لطاقم «عمال نقاشة» لاعادة طلائها. فهل عرفت طبيعة مهمتي «الله المستعان».
ان ما سطره «انتلجنسيا الجمهوريين» هو تلخيص وزبدة المدرسة الجمهورية والتي لا تستطيع ان تتميز بين شخصيتها الاعتبارية وشخصية الكرزمتك «محمود محمد طه» كمنتج لها، الامر الذي حمل بعض المنسوبين اليها لفك ارتباطهم بها حال موت الرجل، كما ان التنظيم قد تبدد حينما قضى الباشهمهندس، وتلاشت الفكرة الا ان عمر القراي الذي يحاول ان يحيد انتاجها بايقاظ محمود محمد طه الرجل الذي نبش رفات «ابيقور (اللذي)» وصاح «بالحلاج» في الهاوية، ونادى «اسبنوزا» في رقدة المخالفة، ما هي الا مساهمة بسيطة في الاكتتاب على اسهم شركات متعددة الجنسيات عابرة للقارات تعمل تحت العلم الامريكي بدوام اضافي، ولا غرو فقد فقست «بيضة القبان» «الجمهوريون الجدد» في نيوريورك كما صرح بذلك احد مؤسسي حركة القوى الجديدة بالخارج في حديثه عن تكوين حركة «حق» بالسودان ولست بصدد الحديث عن الفكر الجمهوري بالاساس، ولكني بصدد تفكيك ظاهرة اسميها «تحالف الهشيم» ذلك الحلف الرجيم الناشيء عن تفاقم اضداد وتجمع متناقضات الا ان حبلا سريا واحدا يغذي هذه الاجنة الحرام، وعقلا جمعيا يدوزن نمط التفكير في ذهنيتهم.
شرب الغرب وسكرنا
ذات السياقات الفكرية ونفس النمطية في النقاش، حاولت ان اكتشف جديدا يقدمه لنا الكاتب فلم اجد الا انه اعادني لايام الحركة الطلابية، وبيئة التعانف الفكري في فترة المراهقة السياسية، نفس المحفوظات، وذات الخطاب «الديماجوجي الحامضي» ليس ثمة جديد كل ما في الامر ان اضاف للمزيج نكهة الجمهوريين الجدد، فما الذي يجمع هذه الاضداد «قبائل اليسار+ العلمانيين+ الباطنيين) وللاجابة على هذا السؤال اليكم الحكاية من البداية.
كان يا ما كان في قديم الزمان، حضارة في اسبرطة وبلاد اليونان يقال لها «الحضارة الهيلينية» تميزت هذه الحضارة بعلاقة التضاد والكراهية الشديدة بين الله والانسان.. الله ممثل في آلهة الاولمبك والانسان ممثل في «مواطن البوليسي» ظل هذا الصراع مديدا والفصام كاملا كما يحكى ذلك هوميروس في «الالياذة» و«الاوديسا» مع كل ما هو إلهي حتى جاءت النصرانية لتعمد الشعوب بسم يسوع المسيح مصلوبا على خشبة.
وهذا كل ما عرفه «شاوول الطرسوسي» الملقب «ببولس» وهذا كل ما اراد ان تلتزم به الشعوب الوثنية. ليحصل لها الخلاص بدم يسوع المسيح، ولتتعاطى طقس «الافخريستيا» في عيد الفصح لتدخل في شركة الرب. هذا كل ما في الامر، ولم يزعجهم «بولس» باي التزامات اخرى يعكر بها صفو عاداتهم، واستمع الى شهادة الآباء اليسوعيين في العهد الجديد في مدخل الى الرسالة الاولى الى اله فورنتي صفحة 508: «تتفرع المسائل الخاصة التي بحث فيها بولس في هذه الرسالة في مشكلة اساسية تعرضت لها الكنيسة في جميع حقب تاريخها، ولا سيما في نشاطها الارسالي ولا تزال تتعرض لها اكثر منها في الماضي وهي مشكلة تأصيل الرسالة المسيحية في ثقافة تختلف عن الثقافة التي عاشت فيها من قبل، يدور الكلام هنا عن انتقال ثقافة العالم اليهودي الفلسطيني الى ثقافة العالم الهليني التي تسيرها وتنظمها قوى دافعة مختلفة جدا فتمثلها حتى انه ليخشى ـ لا ان تشوه الرسالة فحسب ـ بل ان تذهب الى ابعد من ذلك على نحو التمثيل البيولوجي فلا تحفظ الثقافة الهيلينية ـ وهي وثنية في جوهرها ـ في الرسالة الانجيلية الا ما يوافقها وتنبذ ما سواه كثيرا ما حدث مثل ذلك ولا سيما في التيارات الغنوصية المسيحية في القرن الثاني وعلى مر العصور في البلدان التي تم تبشيرها على عجل فكانت النتيجة ان الوثنية السابقة بقيت كما هي، بعد ان زخرفت من الخارج ببعض عناصر اخذت من الايمان المسيحي».. كان موقف بولس في هذه المشكلة هكذا بل واشتبك مع الرسول برنابا احد الوكلاء الرسوليين تلميذ يسوع وفك ارتباطه به لاجل احتجاج بعض الوثنيين في «كورنتوس وغلاطيا» على بعض التكاليف الدينية ومن ضمنها مسألة الختان وهي بحسب «العهد القديم» «التوراة» يعني انها عهد الرب مع ذرية ابراهيم، ولكن حتى هذه رفضها بولس حتى سمى انجيله «انجيل العزلة» بمقابل «انجيل الختان» عند خصومه اللاهوتيين، كما رفع عنهم حتى قصاصات الآخرة ان شئت راجع رسالة «روميه اصحاح 3 العدد 27، وغلاطيا اصحاح 2 العدد 21»
وعلى اساس المقولة الانجيلية التي تدعم فصل الدين عن الدولة «اعط ما لله لله وما لقيصر لقيصر» تم اعفاء المؤمنين الجدد من اي التزامات سياسية فقبلت اوربا بهذه الملة غير المكلفة.
وأما على المستوى الفردي فالامر يزداد تشوقا، فتكفي جلسة 10 دقائق على كرسي الاعتراف كالذي عند «برسوم المحرقي» حتى ينتهي كل شيء وتنتصب النشوة ويعم المرح.. فقبل الجميع يسوع المسيح مخلصا شخصيا لهم، وهكذا تغطت الوثنية الهيلينية بطبقة رقيقة من الجليد للتعاليم الكنسية الجديدة فترومت النصرانية ولم تتنصر روما، واستمر الوضع على هذه الشاكلة الى ان نقضت الكنيسة عهدها مع هذه الشعوب، وتنكرت لعقدها الاجتماعي. واستبدلت مشروعها الطوباوي بالمشروع «الثيوقراطي» بتحالفها مع السلطة الزمنية ممثلة في الاباطرة والاسر الحاكمة والسلطة الاقتصادية ممثلة في الاقطاع والتجار الرأسماليين الانتهازيين، فتأسست مملكة الشيطان في الاقانيم الثلاثة «السلطة والمال والدين» فعاثت الفساد في الارض، وحكمت بالحق الالهي، وباعت الجنة بالامتار وبالتقسيط المريح، في مهزلة صكوك الغفران، التي اقرها المجتمع الثاني عشر المنعقد عام 1215م وفاحت رائحة الفساد الكنسي بعد ان ابتلعت حليفها «السلطة والمال»، هنا فقط انتفض المارد الهيليني مرة اخرى هذه المرة على آلهة الكنيسة، ممثلة في طاقم «الاكرليوس البابوي» بدلا من آلهة «الاولمبك» وبهستريا صرخ ميرابو «اشنقوا آخر قسيس بامعاء آخر ملك» وعادت الهيلينية ولكن بطبعة جديدة اكثر ضراوة وحشرت الكنيسة في اضيق جحر، واجبرتها على الاعتراف بكل ما يخالف تعاليمها حتى الشذوذ الجنسي فباركت بعض الكنائس زيجاته «لعيشوا في تبات ونبات» فجعلت الانسان هو المركز وما سواه هامشي، هو الثابت وما سواه متغير، هو القطعي وما سواه ظني، هو الحقيقة وما سواه خيال، هو الاصل وما سواه مزيف، هو المبدأ والمآل هو الاله الاوحد الاحد.. فكانت ردة فكرية عاطفية متشنجة بكل المقاييس فولدت مفهوم «الهيومانزم» وما اختلف التناول لهذه القضية بين مدارس اليمين واليسار الا على تعريف هذا المركز هل هو الانسان» الفرد ام الكل «البشري» وعلى اساسها تم توزيع المسافة بين اليمين واليسار الى «يمين الوسط» و«يسار الوسط» و«وسط الوسط» «وحزام الوسط!!» فانتجت لنا علمانيات بنكهات مختلفة «علمانية بالشيوعية» «علمانية باللبرالية» «علمانية بالفاشية» «علمانية بالبطيخ» وفي الآخر خالص «علمانية سليقة ساكت».
يقول ولتر استبس: «انه عندما صدمت الكشوفات العلمية الايمان الديني المبني على الخرافة الكنسية وفقد الناس على اثر ذلك ايمانهم بالله. بدأوا يشكون في ان يكون للعالم هدفا وغرضا طالما ان ليس هناك خالق، ثم بدأوا يشكون ان للعالم الخالي من المعنى والغرض نظاما اخلاقيا ايضا، بمعنى انه اذا كان العالم ذو طبيعة عبثية غير هادفة، فان الاخلاق ايضا غير موضوعية لانه ليس هناك مرجعية يستند اليها بعد فقد المرجعية الالهية، والغائية الالهية في خلق الكون وبذلك انتقلت الاخلاق من مرجعية الهية موضوعية ثابتة الى مرجعية بشرية متغيرة فحدث اول نقلة خطيرة في هذا المجال «الاخلاق» بان تحولت القيم والاخلاق من موضوعية الى ذاتية ومن مطلقة الى نسبية» سلوك انفعالي جمعي اعاد ترتيب الاوضاع في اوربا، واذا حضر الانفعال غاب العقل الامر الذي منعهم من البحث عن بديل سماوي ارفع وانفع.
انتبه انا الآن اوصف الحالة والعقلية التي ستنتج لنا فيما بعد انماطا فلسفية وعقائدية وطرائق سياسية وحكمية يبشر بها «البنيويون العرب» ويستنبتونها في طبغرافيا ارض مختلفة، ويبيئونها ظروفا موضوعية لا تشبهها، كالذي يريد ان يزرع الصنوبر بصحراء الربع الخالي، وحتى على مستوى الحداثة حينما حاول «الحاج وراق» اعادة ترجمة تعريق الحداثة لبولريد «الشاعر الفرنسي» القائلة «ان الحداثة طريق مستقيم ومضاد» اضاف اليها وراق كلمة «وفيها تبلدية» وكان دقيقا حينما اختار بمنتهى الشيفونية «التبلدي» دون «النخيل» مثلا لانها الصق بسودانيته وافريقانيته المتنزهة عن العروبة برمزية النخيل، هكذا ينتهي الفصل الاول ليبدأ الفصل الثاني.

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147514798&bk=1
__

Post: #361
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 02:43 AM
Parent: #360



--------------------------------------------------------------------------------

اجتراح الخطيئة 2
راشد ابو القاسم
(الفصل الثاني)
وفي مكان آخر وبمرجعية تاريخية ايضا نجد ان اساطين الفرق الباطنية (كالحشاشين) وا(البويهيين) اشباح (قلق إلموت) و(الحلولية) و (الاتحاديون) كلهم قد استلفوا تعليمهم العقائدية في ترجمات الحضارات الوثنية القديمة (كالمنوست) و (الكنفوشيست) و (الهيلبنست) و(المزدكية) فكونت قطعياتها المعرفية ، مشوبة بالاسلاميات، فأنتجت لنا (الحلول والاتحاد)، ووحدة الوجود، و(الانسان الكامل)، وهو ترجمة للوجوس الهيلني والعقل الفعال، والعلة الفاعلة، ثم اعتمدت اسلوب الهداطقة في اعادة تفسير النص المقدس، بعد عزلة في محتواه الموضوعي، واغراقه في رمزية لا متناهية ، تبدده ولا تبقى منه غير الدسم فقط، ويتسترون بهذه التفسيرات ولا يطلعون احداً على هذه الاسرار الا في شرح بالباطنية صدرا، وملكهم مفاتيح ارادته وعقله ، لذا اخذوا بجدارة لقب (الباطنية) وهذا عين ما اعاد انتاجه الباشمهندس محمود محمد طه واليك بعض النظائر فمثلا يقول (اهورا مزدا )، في الافذتا، لذاردتشت ان اصولنا تنبني على قول الحق فعل الحق التفكير الحق، ويقول محمود الفرد البشري الحر الذي يفكر كما يريد ، ويقول كما يفكر ويعمل كما يقول، وفي اقتباس آخر يقول ابن عربي: إن تكن بالله قائما لم تكن بل انت هو انت ظل الغيب في اسمائه والشمس هو..
ويقول محمود : ويومئذ لا يكون العبد سيدا انما هو مخير قد اطاع الله حتى اطاعه الله معارضة لفعله، ، فيكون حيا حباه الله وقادرا قدرة الله ومريدا ارادة الله ويكون الله، وفي تماثل آخر..
انتقد (إسبنوزا) الكتاب المقدس وفكك النص واعاد تركيبة كذا فعل محمود مع ما اسماه (آيات الاصول وآيات الفروع).
والآن اخي القاريء الاريب اللبيب هل التقطها؟ هل وجدت ذلك الرابط العجيب بين الحكايتين؟ يمكنك ان تتوقف عند هذا الحد، وفكر في طبيعة العلاقة بين المذهبين: مذهب علماني يرفض كل ما هو الهي ومذهب باطني يؤكد كل شيء وجودي يثور بالانساني وباطني يثور على الانسان. اعتقد انك وجدتها.. المسألة باختصار انها علاقة تبادلية تكاملية تراكمية في وجه ونفعية انتهازية مصلحية في وجه آخر ، وذلك ان العلمانيين رفضوا كل ما هو إلهي ابتداءا ، ولكنهم لم يمانعوا ان يكون البديل هو الانسان نفسه، يعني (الأنا العليا)، وبالتالي سيعم البشرية تعاليمه وسيكرز الشعوب..
بإنجيل (الهيومانزم) وبرسامة كنيسة الديمقراطية، بدل عن كنيسة الثيوقراطية، وهذا ما امنه لهم الجمهوريون حين قال محمود: وانما كان الانسان الكامل زوج الله!! لأنه انما هو في مقام العبودية، ومقام العبودية مقام انفعال في حين ان مقام الربوبية مقام فعل، فالرب فاعل والعبد منفعل ، حتى قال : وحين يتم اللقاء بين هذين الزوجين الذات الإلهية والانسان الكامل ينبت العلم اللدني في فيض يغمر العبد الصالح في جميع اقطاره، وما سبق ادق في الدلالة ..
ثانيا: العلمانيون والوجوديون ثاروا بالانسان علي الاله، ولكن الباطنيين ثاروا على الانسان ليس بوصفه انسان ولكن بوصفه مشروع إله (الانسان الكامل) الذي سيحاسب الناس يوم القيامة باعتبار ان القيامة زمان ومكان والله متنزه عن الزمان والمكان ! على حد زعم محمود محمد طه .. ثالثا: طبيعة العلاقة النفعية في اتحاد الهدف في رؤيتهم العقائدية ، وهي تهشيم المقدس، وتفتيت الشريعة، بعد ان اعلن دانتي موت الاله في (الكومديا الإلهية). اعلن محمود ان لكل احد شرعته وممارسته الخاصة للتدين حيث قال: (... والنبي هو جبريلنا نحن، يرقي بنا الى سدرة منتهى كل منا ويقف هنالك - اي النبي - كما وقف جبريل حتى يتم اللقاء بين العابد المجدد وبين الله بلا واسطة فيأخذ كل عابد مجرد في الامة الاسلامية المقبلة شريعته الفردية بلا واسطة ، فتكون له شهادته، وتكون له صلاته وصيامه وزكاته وحجه ويكون في كل اولئك اصيلا).
رابعا: طبيعية العلاقة التراكمية التبادلية فهي تتجلى في تسويق وتسويغ كلا الطرفين لبضاعة الآخر، فالعلمانيون يصرخون بفصل الدين عن الدولة وليفسحوا المجال لدين غير مكلف (كالجمهوريين) اما الجمهوريون فهم يبشرون بالمباديء العلمانية بوصف انها اصل اصول الدين وهكذا يتبادلون الغزل (كحديث الرجل لزوجته).. كذا الاشباه والنظائر وفي خلال قراءة نقدية لمقالات (عمر القراي) استطيع ان ادلل على طبيعة هذه العلاقة وهذا الحلف النكد..
وتحضرني هنا حالة شاذة اخرى مشابهة بالمناقل في آب ، اغسطس عام 1999م، وهي حالة المدعو (على تاج الدين)، مصابة بذات العصاب (حمى الفكر المتصدع)، نتيجة فايرس (انفلونزا الظهور) نعوذ الله من (جنون البشر).
الثابت والمتغير:
يقول القراي (وليس في الشريعة الاسلامية دستور، لأنها لا توفر حق الحياة وحق الحرية لكل مواطن فقد احكمت الشريعة القتل في المشركين لا يدفع عنهم الا اذا قبلوا الدخول في الاسلام .. ولا استحبذ رواية الحجي بالمعنى ولكن انقل بالنص.. ويقول ايضا المقال رقم (3) (ولما كان ذلك المجتمع يقوم علي عرف حكم شيخ القبيلة فقد جاءت الشريعة بحكم الفرد - الخليفة - مجاراة للواقع).
هكذا بمنتهى الابتسار.. وكأن الشريعة هي وليدة تراكمات اجتماعية وثقافية ترسبت مع تجارب انسان الربع الخالي او كونتها سواليف البادية وحداء الركبان، ان الشريعة التي اذابت روح القبيلة والفوارق الاثنية يوم قال الله : (إن اكرمكم عند الله اتقاكم) فكان التفاضل كسبيا وليس جبليا، وعندما اعلن رسول الله (لا فضل لعربي على عجمي الا بالتقوى). هل يمكن لمن بعث رحمة للعالمين وهل يمكن لهكذا شريعة ان تماري او تباري روح القبيلة، ان الجاهلية التي طعنها سيدي رسول الله في الصميم حين قال لأبي ذر : (إنك امرؤ فيك جاهلية)، يوم ان عير ابوذر بلال بأن قال (يا ابن السوداء)، الامر الذي ادى بأبي ذر ان يضع خده في الارض ليطأه بلال،

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147514846&bk=1
_________________

Post: #362
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 02:45 AM
Parent: #1


فلنواصل الحوار مع د. محمد وقيع الله
إنكار الحقائق الساطعة لا يخفيها ولا ينفع الوطن
عبد الله الأمين المحامي
[email protected]
كان د. عبد الوهاب الأفندي قد كتب مقالا رفع فيه الفاتحة على روح من أسماها بالحركة الإسلامية، وقدم العزاء لذويها، وهو بعض ذكرياته «الشجية» من أيامها، ومن البديهي أنه لم يكن يقصد حكومة الوحدة الوطنية الحالية، ولا حتى حكومة الإنقاذ السابقة، وإنما قصد الحركة الإسلاموية قبل أن تصل إلى السلطة، والتي كانت حركة نشطة في الوسط السياسي، خارج السلطة، ومن الواضح أن حديثه عن موتها إنما يعني أنها ماتت نتيجة لسياسات «الإنقاذ» الفاشلة، ثم نتيجة لاضطرار حزب المؤتمر الوطني الحاكم إلى تجاوز مرحلة الإنقاذ نفسها، بكل شعاراتها الدينية، ومشروعها «الحضاري» الإسلاموي، والتحول إلى مرحلة حكومة «الوحدة الوطنية» الحالية، والتي جعلته حزبا وطنيا، وليس دينيا، بمعنى أنه قد صار ينافس باسم الوطن لا باسم الإسلام، ويشارك مسيحيين في إقامة دولة الوطن، لا دولة الدين، وفي كفالة الحقوق المتساوية على أساس المواطنة، لا على أساس الدين، ويقبل أن يكون نائب رئيس الجمهورية مسيحيـًا، الخ، وكل ذلك، بطبيعة الحال، مخالف للفهم السلفي للإسلام الذي كانت تقوم عليه الحركة الإسلاموية، قبل أن تصل إلى السلطة، أو قـل مخالف للشريعة الإسلامية السلفية التي كانت تدعو لتطبيقها.. وهذا يعني أن الحركة الإسلاموية قد ماتت في حادث اصطدامها بقطار العصر، عند وصولها إلى السلطة.. والواقع أن الحركة الإسلاموية قد ظلت تحمل بذرة فنائها، في داخلها، منذ نشأتها في مصر على يد مؤسسها حسن البنا، لأنها لم تقم على فهم جديد للإسلام يناسب مقتضيات العصر، وإنما قامت على إدعاء تطبيق الشريعة الإسلامية السلفية التي تقضي بأن يكون الحكام مسلمين بالضرورة، وأن يدفع المسيحيون «الجزية» عن يدٍ وهم صاغرون، أي ذليلون مهانون، كما تقضي بأشياء أخرى كثيرة لا تتوافق مع مقتضيات العصر، فالشريعة الإسلامية السلفية لا تسع العصر الحاضر، وإنما تضيق عنه، بينما يسعه الإسلام، في مستوى أصوله المكية، وفقا لما دعا إليه الأستاذ محمود محمد طه، ولم يتوصل إليه بالتفكير المجرد، وإنما بالعلم المتحصل عن طريق التقوى، قال تعالى: «واتقوا اللهَ ويعلمكم اللهُ، واللهُ بكل شيء عليم» صدق الله العظيم.وكردٍ على مقال الأفندي المذكور، كتب د. محمد وقيع الله مقالا بعنوان «خمسون إنجازًا للحركة الإسلامية السودانية، ليقرأ الفاتحة على نفسه من يريد أن يقرأها عليها» نشر بهذه الصحيفة مجزءًا في 24 و25 و30 يناير 2008م.. والواقع أن وقيع الله لا يدافع عن الحركة «الإسلامية» التي عناها الأفندي، ولا عن ابنيها معا «المؤتمرين الشعبي والوطني»، وإنما يدافع عن «المؤتمر الوطني» بالتحديد، فهو قد انتقد الترابي في مقال سابق ووصفه بأنه من دعاة النقمة والخراب.. فدفاعه عن الحركة «الإسلامية» إنما هو في حقيقـته دفاع عن «المؤتمر الوطني» فقط.. ومما جاء فيه قوله: «والحق أقول فإنني ما كنتُ أتخيل قط أن الحركة الإسلامية السودانية ستصل بنجاحاتها إلى هذا المدى البعيد الذي أمّـنت فيه نفسها وأمّـنت فيه الوطن والمواطن، وأسهمت بقدح معلى في ترقية الحياة وتهذيبها وتشذيبها وضبطها بإطار الإسلام» انتهى.. فأما تأمين «المؤتمر الوطني» لنفسه، إن كان يعني تمكين نفسه من مفاصل السلطة والثروة، وإقصاء الآخرين، فقد نجح فيه ردحا من الزمن، ثم بدأ يفشل فيه أخيرا، وهو على كل حال لم يكن إنجازا ايجابيا، وإنما كان احتلالا آحاديا للبلاد، ونسفا لأبجديات العدل، ونهبا لثروات الشعب.. وأما الوطن والمواطن، فلم يوضح لنا كيف قام «المؤتمر الوطني» بتأمينهما، والواقع أنه في مرحلته السابقة «مرحلة الإنقاذ» قد فعل العكس، إذ أثار الحروب والنزاعات والفتن الدينية والعنصرية، في كافة أنحاء الوطن، فزعزع بذلك أمن الوطن والمواطن، بل وأوشك أن يلقي بالوطن في هاوية التمزق والاقتتال، وهذه حقائق يعرفها الجميع، ولا تجدي المغالطة فيها.. وأما «ترقية الحياة وتهذيبها وضبطها بإطار الإسلام» فلم يذكر أية نماذج لها، ولعله يقصد منع البارات، ومنع المطاعم في نهار رمضان، وما إلى ذلك، فإذا كان يقصد ذلك، ويظنه تهذيبا أو ضبطا اسلاميا للحياة، فقد كان قائما في عهد حكومة الأحزاب التي انقض عليها الحزب الإسلاموي، بزعامة الترابي، ليلا، وفق خطة خداعية، درامية، اعتقـلوا فيها زعيمهم، الترابي، نفسه، ثم زعموا أنهم قوميون، لا ينتمون لأي حزب، وأن رأيهم في «الجبهة الإسلامية» أنها «ركن من أركان الفساد، كسائر الأحزاب» الخ.. ورغم أن ذوي الفـِطـَر السوية يعلمون بداهة أن أية حركة سياسية، تدَّعي الدين، ثم تفتـتح عهدها في السلطة بمثـل هذا الخداع، ما لم تأسف وتعتذر عنه، وعن غيره من خطاياها في حق الشعب، فإنها لن تنجح بصفتها حكومة، ولن تنفع الشعب، ولن تنفع نفسها باعتبارها حركة، ولن تكون لها إنجازات ايجابية، بيد أني مع ذلك سأحاول مناقشة وتقييم ما يدعيه وقيع الله من إنجازات.. فلقد أقاموا لاحقا دولة «التمكين» الإسلاموي، ثم انتزعت الحركة الشعبية منهم، فيما بعد، حق فتح البارات في الجنوب، وفتح المطاعم في نهار رمضان، حتى في الخرطوم، وهذه أيضا حقائق يعرفها الجميع، فإذا سلمنا جدلا بأن منع البارات، ومطاعم نهار رمضان، وما إلى ذلك، يعتبر تهذيبا وضبطا اسلاميا للحياة، فأيهما الذي كان هذا «التهذيب والضبط» مطبقا في عهده بصورة أوسع: حكومة الحزب الإسلاموي الذي أسقط حكومة الأحزاب، أم حكومة الأحزاب؟؟.. والحق أن تهذيب الحياة لا يكون إلا بتوعية وتربية إسلامية، لا يعرفها الإسلامويون، وقد ذكرتُ طرفا منها في مقال سابق، نشر بهذه الصحيفة في أربعة أجزاء، من 22 حتى 25 يناير 2008م.
تأمين النظام لنفسه:
ثم يقول وقيع الله: «فلقد انتقلت الحركة الإسلامية السودانية ـ بحمد الله ـ من طوْرها القديم لتصبح دولة حديثة، وجيشا مهيبا، وجهازا أمنيا متينا مكينا ركينا يحميها، فأصبحت هي الحركة الإسلامية الوطنية التي تستحق هاتين الصفتين الكريمتين معا» انتهى.. فالمؤتمر الوطني، في نظره، قد صار وطنيا لأنه أمّـن نفسه بهذه الصورة، فمعيار الوطنية عنده هو تأمين النظام لنفسه، فإذا أخذنا بهذا المعيار فإن كافة الأنظمة الدكتاتورية المستبدة في العالم تعتبر وطنية لأنها لا تقصِّر في تأمين نفسها.. ثم يقول: «فمنذ تنفذ الحركة الإسلامية السودانية وتمكنها بفجر الإنقاذ الأغر، أصبحت هي الفاعل الأكبر، الذي يدير العمل السياسي السوداني بالمبادرة والاقتدار، بينما لم يعد معارضوها وأعداؤها الحزبيون يشكلون سوى ردود فعل شاحبة خائبة غارقة في الضلال، فأصبحت الحركة الإسلامية السودانية بذلك هي الحركة الوطنية بحق وحقيق، بينما انتمت أكثر الجهات الحزبية المعارضة لها، إلى جهات أجنبية مشبوهة، لاذت بها، واستذرت بظلالها، ووظفت نفسها في خدمة أجندتها، المضرة بأجندة الوطن، فهذا واحد من أكبر إنجازات الإنقاذ، أنها مازت لنا الخبيث من الطيب، وأبانت لنا المعلول من الصحيح، وكشفت لنا العميل من الأصيل»، انتهى.. ولم يحدد لنا الجهات الأجنبية «المشبوهة» التي انتمى إليها، حسب زعمه، أكثر الأحزاب، كما لم يحدد الأجندة الأجنبية المزعومة التي خدموها.. والواقع أن أغلب حديثه، عن معارضي «المؤتمر الوطني» من الأحزاب الأخرى، إنما هو مثـل هذا الحديث، مجرد اتهامات مرسلة بلا تحديد وبلا دليل، فإذا كان يقصد لجوء التجمع الوطني إلى القاهرة وأسمرا، فقد كان سبب ذلك استبداد حكومة الإنقاذ السابقة، وطغيانها، فقد حلت الأحزاب، وصادرت دورها وممتلكاتها وحرية العمل السياسي، وبطشت بالمعارضين، ومارست التعذيب، الخ، مما ألجأ الأحزاب إلى الخارج، ثم إن الحركة الإسلاموية نفسها قد سبق أن لجأت إلى الخارج، في العهد المايوي، حيث اشتركت مع الصادق المهدي آنذاك في إرسال «المجاهدين» من ليبيا لزعزعة الأمن والاستقرار بغرض إسقاط مايو.. ويبدو أن وقيع الله يحب أن يصدِّق الشعارات الإسلاموية دون أن ينظر في مدى تحقيقها على أرض الواقع، فقد أكثروا، في عهد «الإنقاذ» السابق، من ترداد شعارات وعبارات مثـل «استقلال القرار» و«العقيدة والوطن» و«الأرض والعرض» و«أميركا روسيا قد دنا عذابها» الخ، وفات عليهم أن الله تعالى إنما يمتحن الصدق، عند كل من يبالغ في إدعاء الدين، أو البطولات، أو الفضائل، لنفسه، فيضعه على المحك، فيفضح مبلغ عجزه عما يدَّعي، ولذلك صارت الإنقاذ أكبر مطيع للدول العظمى، وللضغوط الخارجية، في ما هو ايجابي وفي ما هو سلبي، على حدٍ سواء، فمن قبيل الطاعة في الايجابيات طرد من كانت تأوي من المتطرفين الأجانب، وقبول اتفاقية السلام مع السودانيين، بما تتضمن من تفاصيل، منها الاعتراف بالتعددية وعودة الأحزاب وكفالة الحريات وإنهاء مرحلة «الإنقاذ» الدينية، والتحول إلى مرحلة «الشراكة» الوطنية، الخ، وأما الطاعة في السلبيات، فإن من السلبيات الضارة بالشعب السوداني، والتي أطاعت الإنقاذ فيها قوى «السوق الحر» العالمية، سياسة الخصخصة و«التحرير» الاقتصادي، حيث يوضع الشعب، بأكثريته الفقيرة، تحت رحمة الشركات الخاصة، التي لا يهمها سوى الربح الوفير، تتحكم في حاجاته الحياتية الضرورية، مثل العلاج والتعليم والكهرباء والماء والتموين والاتصالات، الخ، علما بأن الشعب هو صاحب الحق الأصلي في البترول، وفي غيره من المال العام، وفي كافة الأراضي والمنشآت والمرافق العامة التي تباع لجهات خاصة، ولا يعـلم الشعب بكم تباع، وأين تذهب أثمانها، وأين تذهب الضرائب، لا سيما أن الحكومة، بسياسة «التحرير» نفسها، لم تعد تقدم دعما يذكر حتى للخدمات الضرورية مثل العلاج والتعليم وغيرهما
ثم يقول وقيع الله: «ولدى إحساس الإنقاذ بتبعاتها الوطنية الملحة الكبرى، سعت للتو لإنقاذ الوطن من كيد الخصوم، واتجهت لإنجاز استقلال الوطن الاقـتصادي قدر المستطاع، فأخذت ملاحم البناء، والنمو، والدفاع، تتالى لتحقق وعد الإنقاذ الحق» انتهى.. والواقع أنها سعت لبسط سلطانها الآحادي على كل البلاد، بما فيها أراضي الجنوب ذات البترول الوفير، فواجهت معارضة في ذلك، من أحزاب وحركات سودانية متعددة، وهي ما عناه بعبارة «كيد الخصوم»، فأخذت ملاحم الحرب، وليس البناء، تتالى، ولكنها فشلت في النهاية، فاضطرت الإنقاذ إلى قبول السلام بثمنه، وهو مشاركة الآخرين معها في السلطة وفي الثروة، فالسودان وثرواته ليس ملكا لها وحدها.
استخراج البترول:
ثم يقول وقيع الله: «ففي غضون سنواتها الأولى وفي أقسى ظروف الحصار الذي ضرب عليها، تمكنت الإنقاذ من تحقيق إنجازها الأكبر، الذي قلب كل المعادلات، وهو استخراج البترول من باطن الأرض، بعد أن ظل استخراجه وتسويقه في عداد أحلام السياسيين العاجزين القاصرين» انتهى.. ومن يقرأ هذا الحديث يتصور أن عملية استخراج البترول تتطلب أن يقوم الحكام أنفسهم، من رؤساء ووزراء، بحمل أدوات حفر بدائية مثل «الطورية» و«الأزمة» في أيديهم، ثم يقومون بحفر الأرض حتى يخرج منها البترول، مما يوحي بأنها عملية شاقة ومضنية للحكام، وأن تسويقه معضلة كأنه شيءٌ لا يرغب أحد في شرائه.. والواقع أن بيع البترول لا يحتاج تسويقا لأنه الطاقة التي يحتاج إليها كل العالم، وأما عملية استخراجه فليست سوى اتفاق مع شركة أو شركات أجنبية على استخراجه مقابل ثمن معين، تأخذه من البترول نفسه بعد استخراجه، فهل هناك حكومة تعجز عن مثـل هذا الاتفاق؟ وهل هناك حكومة في العالم وُجد في أرضها بترول ثم عجزت عن استخراجه أو تسويقه؟.. إن وقيع الله يحاول أن يصور استخراج البترول وتصديره وكأنهما معجزة، خارقة، ليختـلق للإنقاذ بطولة، أو أفضلية على سواها، ولكن هيهاتَ هيهات.

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147514878&bk=1

Post: #363
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 02:46 AM
Parent: #362


تعقيب حول «مغالطات» القراي في «أغلاط» الإمام
الطاهر أسحق الدومة
Email : thirdoom @yahoo.com
هذه الشبهات ملَّ الناس سماعها ما هو الجديد يا د. القراي؟
كثير جداً من بني البشر يجيدون التقليد والتكرار لأحداث عفى عليها الزمان، وليتهم يأتون بطريقة كيفية الاتعاظ من الأخطاء الماضية بقدر ما يأتون في كيفية الشماتة والهمز واللمز الذي نحن في غنى عنه الآن.
لقد شبع السودان وشعبه خلافات بعضها «هايفة» وأخرى خطيرة مازالت تمشي لا ندري في أية محطة ترسو بنا. وكان ومازال من المفترض العشم في القوي النيرة او تلك التي تدعي الحداثوية في إطاراها العام، أن تحاول أن ترسم طريقاً يخرج البلاد مما هي فيه من مصاب وخطب، بدل التكرار الممل في نشر أو بعثرة المواقف للشخصيات الوطنية في محاولة بائسة ويائسة للنيل من الرموز الوطنية الشامخة في هذا الأوان تحديداً.
وبتاريخ 17 فبراير في جريدة «الصحافة» في صفحة الرأي ورد مقال بعنوان أغلاط «الإمام» لكاتبه د. عمر القراي.
نعم انه دكتور لا ندري أية دكتوراة يحملها لكنها درجة علمية تستحق الاحترام، ومن ثم الوقوف عند في ماذا تضخ هذه الدكتوراة من فكر وأدب وذوق وتحليل علمي رصين ووضع النقاط فوق الحروف بصورة تفيد ليس القراء فحسب، إنما الوطن كله بغية خروجه من هذا الهراء والعصف الذي يرزح تحت نيره.
ربما تتضاءل خبرتنا في التعقيب على قامة الدكاترة إذا أتوا الينا بمقتضيات الفكر الرصين والنقد الأنيق الذي يقوم ولا يهدم يؤطر ولا يؤزم، مراعين في اختيار كلماتهم للنقد البناء عبر الأفكار المستنيرة التي سبروا غورها بحثاً بالمراجع أو اكتساباً عبر التجارب، ومن ثم الخروج بإضافات عميقة يمكن أن نسميها فكراً أو بحثاً جديراً بالتوقف عنده، سواء كان تاريخياً أو غيره.
أولاً: قبل الولوج في كنف المقال نود أن نعرف القارئ ولله الحمد، أن كاتب المقال أي شخص جزء من الذين نوه إليهم الكاتب في نقضهم لخطوات الحزب الأخيرة في التقارب مع المؤتمر الوطني، بكافة أشكاله حتى موضوع بشري باعتبار أن المؤتمر الوطني الاقتراب منه غير مأمون الجوانب من خلال تركيبته وأدائه سلطوياً وسياسياً - إلى- نعم ولله الحمد نحن جزء من شباب الحزب الذي له موقف في هذا الإطار، ولازلنا أن لم يغير المؤتمر الوطني أداءه التسلطي والقمعي ونظرته السالبة لبقية القوي السياسية ومكونات المجتمع السوداني نفسه الذي يعتمل فيه بسياسة فرق تسد ولا تحتاج إلى دليل.
ثانياً: من وحي كتابة الدكتور يبدو انه من زملائنا الديمقراطيين أو الجمهوريين أو من الداعين لازالة نظام الجبهة.
ثالثاً: من خلال الصورة والسرد للأحداث يبدو أن الدكتور من جيل الإمام الصادق أو على مقربة منه، ومن خلال علاقات السودانيين الخلافية تجب المواقف الإنسانية وتوقف التراشق لمواقف جراح غائرة ينتظر الناس على أقل تقدير غياب الأيام السوداء في الفقد الجلل التي تصيب الشخص، ومن ثم يتناول الناس أمورهم بصورة عادية على شاكلة المقالات «الشخصية» بالرغم من أن المهدي شخصية عامة كل يقول كما يجب ووفقاً لنظرته في النقد؟؟
وعلى قراءة عامة في المقال الذي سطره الدكتور القراي هو عبارة عن مغالطات علي شاكلة أركان النقاش الطلابية، أو ما يتضح في المآتم أو اللقاءات العفوية بين الناس، وإن كان السؤال الذي يطرح نفسه يا تري لماذا الآن حتى قبل ان تجف دموع الأمام على فقده الجلل؟
ولماذا الآن تحديداً إثارة مثل هذه الشبهات التي ملَّ الناس سماعها- ما هو الجديد من «أغلاط» الإمام- فحينما اتخذ الدكتور دخول بشرى لجهاز الأمن ليتنفس ويخرج على ما يبدو انه قد حمله سنين عدداً ويريد من هذه «الغلطة» أن ينسف الحزب أو الكيان طالما كان ابن الإمام وفقاً لتحليله فضل جهاز الأمن على الحزب حينما قال الدكتور: «هذا أن دل على شيء إنما يدل على صغر أمر حزب الأمة في صدر ابن زعيمه- اختار جهاز الأمن- لعل موقفه يثير تساؤلات بين شباب حزب الأمة ممن هم في عهده، فهل يستحق هذا الحزب الذي عرفه ابن زعيمهم أكثر منهم، ويتوقع أن يرتقي بداخله أكثر منهم، ثم بعد كل ذلك ضحى به من اجل جهاز الأمن، أن يضحوا هم من أجله»، هكذا باختزال مخل- وبنظرة قاصرة من دكتور يعتصر كل مبادئ ومواقف الكيان جعله هباءً منثوراً. لان ابن الصادق ذهب الى جهاز الأمن- إذا كانت مواقف الأبناء والأقارب في كل الأفكار والعقائد والديانات نظرتهم سلبية هل يعني ذلك مثلاً أن ابن نوح كان صاحا ووالده خطأ؟ وهل انتهت الفكرة بانضمام ابن نوح للكفر عندما أتي «ص» وحاربه أقاربه أبناء عمومته وطردوه هل انتهت فكرته؟ وعندما قام الفكر الاشتراكي أو الشيوعي وانسلخ منه المتبرجزون هل انتهت الشيوعية كحزب. وعندما انسلخ دهاقنة الجمهوريين هل انتهي الفكر الجمهوري.
وعندما يثير الدكتور هذا السؤال المفروض هذا الموقف يثير تساؤلات شباب حزب الأمة- هل يستحق هذا الحزب؟ لقد تناسى الدكتور إن شباب حزب الأمة أنفسهم لم يدخلوه إلا وفقاً للمبادئ، ومن كان انتماؤه لترضية شخص لا أظن أن مكانه حزب الأمة، فليذهب كما ذهب بشرى للأمن. ومن قال لك إن أبناء الإمام يرتقون على أكتاف الثوار بنسبهم للإمام؟ إذا كان هذا صحيحاً أين كبير أبناء الإمام عبد الرحمن من الحزب مع احترامنا الشديد له؟ فهذا الكيان أو الحزب إلى الآن لم تستطع أقلام بعض الدكاترة أن تنصفه حينما يشخصون كل نضالات الأنصار في أشخاص أو في العائلة المهدية، نعم لهم دورهم وحب الأنصار بإرادتهم الحرة، ومواقف بعضهم تجاه المبادئ والثوابت هي التي جعلتهم في القيادة وقتما حادوا منها، فلا شك ايضاً يجيد الأنصار منهم والشواهد متاحة لك الآن.
أما عن موقف الصادق في فترة الستينيات والاغلاط الكثيرة حول تلك الفترة فلم ندافع عنه، ولكن نقول إذا اخطأ الصادق في حل الحزب الشيوعي هل كان وحده؟ ومن ثم عندما انتقم الحزب الشيوعي أو اليسار وأخذ السلطة، هل كان ذلك واجباً لرد الكرامة الشيوعية التي أصدرها الصادق المهدي؟ ومن ثم عندما أخذ الشيوعيون الحكم بواسطة نميري وقتلوا آلاف الأنصار هل كان ذلك فعلاً انتقاماً، لأن الصادق ساهم في حلَّ الحزب الشيوعي؟ وأين مواقف الجمهوريين من تلك المجازر والموقف الأخلاقي لحزب الأمة عندما أعدم محمود محمد طه - لماذا التركيز في هذه الفترة «لأغلاط» الصادق وحده وتركت بغية «المغالطين»؟ هل كانوا أنقى سريرة من الصادق في تلك الفترة؟ لماذا لم تتحسر للانتقام وتقول إن انتقاماً حدث بدل أن تقول الصادق ضيع تلك الديمقراطية؟
وحول إحداث 1976م حسناً حينما اختزلتها كلها في الصادق الذي يريد كرسي الحكم، هل كانت فكرته لوحده؟ وأين بقية الناس معه؟ حسناً لقد مدحت حين أردت الذم، ووضحت الحقيقة حينما قلت إن الصادق خاصم للغزو وصالح لوحده- لماذا؟
نعم خاصم حينما دفعه الأنصار وهاجروا من تلقاء أنفسهم ودفعوا أرواحهم رخيصة لمبادئهم في كرامة الإنسان الحريات الديمقراطية، رجوع الجيش للثكنات، وصالح لأن الضحايا كانوا أشكالاً محددة ومعينة عنصراً وعقيدة، كانوا هاجساً للطاغوت نميري الذي استخدم قوة الدولة العسكرية في محاربتهم بشتى السبل، أصدر أوامره لقواته الخاصة بالاعتقال والتقتيل والتشريد بالأشكال الأنصارية المعروفة، وبالانتماء الجغرافي؟ وبعد كل هذا الناس تتفرج على «المرتزقة»، وكانوا بالأمس القريب بينهم ومعهم، وأحداث 1976م، فمازال هناك الكثير المثير مخفياً في صدور الرجال الذين نعرفهم نحن أبناء الأنصار والكيان.
ليتك قرأت جزءاً من مقالات المؤرخ الأستاذ صديق البادي، وموقف قيادات أخرى من التفاوض مع النظام؟ في جريدة «الصحافة» في الشهر المنصرم..!!
وليتك تنازلت من عليائك وتعاطفت مع الضحايا أو أسرهم في مارس 1970م و 1976م- طالما كنت معهم في وطن واحد، ودبجت المقالات التي تعظم الرجال لا تلك التي تأخذ من قيادتهم أو من مبادئهم الشامخة..!!
أما عن مغالطات القراي في عهد الصادق المهدي في عهد الديمقراطية الثالثة وتحالفاته مع الجبهة وخذلانه له بالانقضاض على حكمة، ومن ثم مسيرة الحزب النضالية أبان عهد الإنقاذ إلى الآن.. اعتقد أن هذه الاستقراءات لا نريد تحليلاً لإثبات كذا كذا، فكل حزب له قراءاته التحليلية وله مبادئه وفقاً لذلك.
لكن ما حرمه على حزب الأمة حلله على غيره من الأحزاب التي شاركت وأخذت الوظائف التنفيذية والتشريعية من أحزاب التجمع، فشتان بين موقف تفاوضي وآخر اندماجي في السلطة: نعم هناك نفر مقدر داخل الحزب ضد التفاوض، ولكن عزاءنا أن هناك مؤسسات منتخبة من القواعد هي التي تقوم بهذا العمل وليس الصادق المهدي وحده، فالرجل له قراءته لكن له مؤسسات هي التي تجيز القرارات الخطيرة. والشباب الذين وصفتهم بالثوار في حزب الأمة هم على قدر التحدي، ثوار لم تلن لهم عزيمة في التمسك بالمبادئ والتمسك بالمؤسسات واحترام الشخوص وإبراز الرأي السديد بالحجة والمنطق، دون وجل من أحد أو حد من احد أو رمز. وعليه ثوابت ومبادئ الحزب هي التي عبرها يتم تقييم من يجسدها.
أما المغالطات حول المحاولة التخريبية، فالحمد لله شخوصها أحياء بيننا، والظروف كانت معلومة والتقديرات في مسايرة اللعبة السياسية آنذاك كانت معلومة، لكن هذا الذي ذكرته لم تأت بجديد فيه، ومحاولتك للتشكيك في الصادق المهدي في ذاك الظرف لا يفوت على فطنة كثير من المراقبين، ولذا في الغالب لا تخرج من كونها «مغالطات» يثيرها كثير من الحانقين على مسيرة الرجل. ولا ينكر احد أن الأخطاء واردة بمثلها الصواب، ولكن ايضاً هناك فرق في تصيد الأخطاء وفرق من شخص لآخر في التحليل.
أخيراً يبقي حوار حزب الأمة مع المؤتمر الوطني العبرة بالنتائج والخواتيم والمسألة حتى الآن هي بمؤسسات الحزب، وهي التي تجيز أو تعطل ما توصل له المكلفون بالتفاوض. تماماً كما حدث في قرارات فبراير 2001م، أما حكومة قومية أو انتخابات.
واعتبار أن ما أقدم له الصادق غلطة هو لو كان يمثل شخصه فذاك تقديره، أما إذا كان يمثل حزبه فحزبه على أهبة الاستعداد عبر كوادره وشبابه ومؤسساته أن يقولوا رأيهم بحرية كاملة ويتخذوا قرارهم وفقاً لمصلحة حزبهم والسودان.
فمشكلة د. القراي أنه يأخذ تصريحات الإمام كمسلمات وقرارات، ويحاول أن يصطاد في المياه العكرة، بأن الصادق فعل وفعل وقال، وهاكم الدليل عبر التصريحات الصحفية، ومن ثم يتناسى عمداً ويتجاهل أن لكل مهاراته وتقديراته في دائرة التعاطي السياسي في أي موضوع مطروح، نعم ربما أسلوب التصعيد والتهريج- ولكن قل لي هل تنازل من ثوابت ومبادئ الحزب في التحول الديمقراطي، ومثال التنسيق للانتخابات مع القوى السياسية الأخرى والدعوة للحل القومي للمشكلة أو الأزمة السودانية؟

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147515191&bk=1
_________________

Post: #364
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 02:47 AM
Parent: #363


تعقيب علي تعقيب عمر القراي (6)

الجدد والحلف الرجيم .. بسم الله ثم يحترق الهشيم
راشد ابو القاسم
الفرع الذي إلتهم الأصل ....
يقال إن شجرة الموز هي الشجرة الوحيدة التي لا تنمو إلا بعد ان تقضي على أمها.. ويبدو أننا مقدمون على حقل من الموز..
يقول صاحبنا (واستعرضها على شكل نقاط ويمكن مراجعة المقال الأصلي)..
٭ القرآن ليس بمستوى واحد وكذلك السنة
٭ القرآن المكي أرفع من المدني
٭ ونحن مأمورون بـ (واتبعوا أحسن ما انزل إليكم من ربكم)..
٭ وأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يطبق الشريعة كلها في وقت واحد، (ياساتر)
ظننت في البداية انه يقصد بتباين المستويات اي مستويات المخاطبين حتى فاجأنا بقوله ،ان المكي (ارفع) ومفهوم المخالفة يقتضي ان هناك (رفيع) وان هناك والعياذ بالله (وضيع) ولم اتجن على الرجل فالذي يوصف بأن ليس فيه مساواة ولا عدالة ولا سلام لا شك ان ينطبق عليه لازم هذا القول والادلة بالقرائن، ثم المفاضلة بينهما (واتبعوا احسن ما أنزل اليكم من ربكم ) بعد ان اقتطعها من سابقاتها وفصلها عن لاحقاتها فهذا ايضا يقتضي ان هناك مستويات في الصحة والجودة والكفاءة، فهل يعقل ان يحكم هكذا على الله ويتم معيرته وتقييمه وتمريره على لجنة (ضبط الجودة) و (قانون المصنفات) لتحديد الحسن من غير الحسن والمناسب من (المشاتر)، وتعالوا نسأل امي ام المؤمنين عائشة الصديقة بنت الصديق رضي الله عنهما ، عن هذا الامر، فتجيب فديتها: (إن اول ما نزل من القرآن القصار المفصل تذكرهم بحق الله عليه وتوعدهم الجنة وتخوفهم من النار ، حتى اذا ثاب الناس ، الى رشدهم نزلت آيات التحليل والتحريم ، فلو كان اول ما نزل لا تشربوا... الخمر لقالوا والله لا ندعها ابدا ولو نزل لا تزنوا لقالوا والله لا ندع الزنا ابدا( أ.هـ.)
اذا الموضوع متعلق بذهنية ووجدان المكلفين فقد كانوا في مرحلة المراهقة الفكرية وقيود الآبائية والتفكير الخرافي الذي يسلب الانسان ارادته ومادة تفكيرية واداة التغيير فيعيش مستلبا مبهما هائما على وجهه ينتظر حدوث الخوارق ، كل ذلك في مرحلة الطفولة العقلية، فجاء الوحي لينشل هذه الارواح المتكلسة والعقول المتحجرة المفوضة لمرحلة الرشد البشري فيستوعب الواجبات المناطة به والحقوق المؤداة وان يكون رسول سلام للعالم ، قال ربعي لرستم (لقد ابتعثنا الله لاخراج العباد من عبادة العباد الى عبادة رب العباد ومن جور الاديان الى عدل الاسلام ومن ضيق الدنيا الى سعة الدنيا والآخرة)، هل تأملت في هذا الذكاء الوجداني؟ هل تستطيع الآن ان تفرق بين نفسية الحرص الابوي، وشيفونية الوصاية والاستعلاء ؟ النظر ستة على ستة؟
اذا القرآن والسنة بمستوى في التنزيل واحد الا ان المستويات المتفاوتة هي طبيعة (المواعين) الغارفة، فالخطاب للمشرك منكوس الفطرة ليس كالخطاب لمن شرح بالايمان صدرا ، فالزراعة تختلف عن السقاية و (التأسيس) يختلف عن (التأثيث) (من اثاث).
اما الاجتزاء والانتقاء في النصوص فهذا هو التهافت بعينه وتحويل الايمان الى مسألة مزاجية (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، ولم يكمل الآية (إنا اعتدنا للظالمين نارا احاط بهم سرادقها) ، فما رأيك في بقية الآية المكية هل تسرك هذه الخاتمة؟! ام تفسد مزاجك الانتقائي؟!
رأس مال المفاليس:
يلاحظ فيما مضى وما سيأتي ان (القراي) وفصيلته يعتمدون في حكمهم على مسائل الدين على امرين الاول: الاجتزاء واخراج النص من مضامينه وسياقاته الموضوعية، الثاني: يحكمون على هذا المجتزء بمزاجية شخصانية ونسبية موغلة في التهافت وتحميل النص فوق طاقته فهل يعقل للاميين دينيا لمن لا يحفظ من القرآن ما يحفظه اطفال المسلمين في رياض الاطفال ومن لا يحفظ حديثا واحدا باسناده ولا يعرف من الفقه ما يقوم حياته او حتى صلاته لأنه ليس معني بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل منكب على صلاة (الاصالة) ولم يعرف (المحكم) من (المتشابه) و(المقيد) من (المطلق)، ولا (المجمل) من (المفصل) ولا (العام) من (الخاص) و (لا الناسخ) من (المنسوخ) ولا يعرف اسباب النزول ولا يحفظ في الدين إلا (طلع البدر علينا).. لماذا نصغي لهؤلاء في امور ديننا هل يقبل الرياضيون ان يعلق على (الدوري الممتاز) من لم يعرف (دارالرياضة) قط في حياته، هل يسمح لأي انسان ان يكتب (روشتة) دواء لمريض ، فلماذا يكون وزن الدين في نفوسنا اقل من جرعة دواء او كرة تركل، والشيء الذي لم استطع ان افهمه كيف تكون النسخة المطورة اقل مستوى من النسخة المطور منها هل يمكن ان تكون سيارة موديل 8002 اقل مستوى من سيارة موديل 5791 مثلا ، ولكن حين يغيب العقل ويتوارى المنطق يمكن ان نجد من يقول هذا... وعلى كل حال هذه المفاضل المعني بها اولا هو منزل هذا الكتاب (رب الارباب) وحينما تلقاه .. ولسوف تلقاه ستجد الوقت الكافي للحديث حول هذا الامر ولقد افضى صاحبك الباشمهندس الى ما قد قدم وانت ان شاء الله به لاحق فشد حيلك و(سردب) واعد للسؤال جوابا..
النسخ والمسخ:
ثم يفاجئنا (الملا عمر القراي) بفهم جديد نقلا عن صاحبه (العضيني) ان النسخ معناه الارجاء وليس الالغاء، وكالعادة ليس ثم مرتكزات مهنية في مهنية في التحقيق والتوثيق العملي، او ادنى مستوى لمرجعية ما لغوية كانت او فقهية ولا حتى عقلية فمن اي شيطان استمد هذه الاحكام على كلام الله.. كل هذا ليكرس لفكرة تطوير الشريعة كأن الشريعة شيء معتق متكلس عفا عليه الزمن، وهو هنا لا يعني (التجديد) بمعنى ان ينفض عنه غبار المفترين وانتحال المبطلين وتأويل الغالين، ولكن يعني ازاحته، واحلال بديل آخر من بعد ان يقوم بتشويهه ومسخه بدرجة لا تستطيع فيها التعرف عليه مرة اخرى.. ثم يضعنا امام خيارين اما ان نطور الشريعة او ان نلتمس حل مشاكلنا في فلسفات اخرى، والمضحك انه يقول (وهذا مالا يقول به مسلم)!! كأن ما سبق وما سيأتي يقول به مسلم!! وكأنه لم يستمد بعد افكاره من الفلسفات الاخرى!! فإن اقر بهذا اي نفي الفلسفات الاخرى كمرجعية لافكاره ، فلا يكون امامه الا احد خيارين..
اما ان يقول ان مرجعيته التراث الاسلامي (وهذا ما يرفضه)، واما ان يقول مرجعيته آراء الخاصة واحلامه الشخصية (وهذا ما نرفضه).. يا جماعة الخير أليس من طبائع الاشياء واصول الامور ان لكل شيء سلفاً وأصلاً ومرجعية؟! فما هي المرجعية فيما سبق ام انه (جنون الموضة)..
وتستمر الملهاه:
يستدل على قوله بتطوير الشريعة هو اختلاف المستويات المجتمعية ويقول بالنص... (والانتقال من آيات الفروع الى آيات الاصول هو ما اسماه الاستاذ محمود محمد طه تطوير الشريعة الاسلامية!! ان السبب في اختلاف شرائع الامم هو اختلاف مستوى المجتمعات.. فعلى الرغم من ان الدين واحد هو الاسلام فإن شرائع الامم اختلفت لاختلاف مستوياتها.. ويكفي في الدلالة على ذلك، ان نذكر باختلاف شريعة الزواج بين آدم عليه السلام، ومحمد عليه الصلاة والسلام)، ثم يدرج كلام استاذه في الرسالة الثانية للاسلام: (فإن كان الاختلاف الشاسع بين الشريعتين سبب اختلاف مستويات الامم، وهو في غير ادنى ريب كذلك، فإن من الخطأ الشنيع ان يظن انسان ان الشريعة الاسلامية في القرن السابع تصلح بكل تفاصيلها للتطبيق في القرن العشرين..)

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147515288&bk=1

Post: #365
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 02:48 AM
Parent: #364


على هامش إصحاح الإمام?? لا أغلاطه كما قال البعض? -بقلم? صديق حماد الأنصاري
مدخل?
?الحرية لنا ولسونا?
الشهيد محمود محمد طه
رسالة?
هذه رسالة لكل من انحنى الى الريح ، او اساء للإنسان بالقول والتجريح?? رسالة مضمونها عش للناس، يحبك الناس?
??? دمع اليراع?
كم عصى على اليراع، ان يندلق ?العمار? في جب محبرة، ليختط سطراً، او يعبر عن مكنون ود لمقام في الوجود الانساني، لرجل اضمر الداعون حبه بحثا عن المجد، بإظهار العداوة، وتاه المحبون في العشق سكرا فإذا قوة الشقاوة بالحلاوة، هو الامام الصادق المهدي حدث ولا فخر?
اسم يتردد صداه فتنبسط ذاكرة الأسماء، فيتفرد صيته علما بينها في الداخل، وفذا بمساهماته في العالم الخارجي?? بلا تمييز، فقد لسمت من الود يهبه الله سبحانه وتعالى لعباده المخلصين، ونصيب لكل مجتهد في الحياة ?وكل ذي نعمة محسود??
??? صدى الميلاد بعد السبعين?
من غرابة الصدف ان يطابق تاريخ ميلاده يوم فرحة الاعياد، عند الايمانيين مسلمين ومسيحيين، يوم الخميس ?? ديسمبر ????م، الموافق ??شوال ????هـ ? فلنقل تلك هي الصدفة رغم التعجب ?? ?حتى نرضي غرور قوم حاقدين??
??? ملعقة الذهب أصفاد من حديد?
يحمد له انه استطاع باجتهاده وسيرته الحميدة، ان يحول ملعقة الذهب التي وجدها في يديه الى اصفاد من حديد، كما تقول سيرته العطرة، حينما خطا اول خطوة نحو بلاءات حب الوطن، دخل روضة احفاد الابطال في ?كرري وام دبيكرات?، فتشبثت ذاكرته بصمود فتيان المروءة?
وفي ?الجزيرة أبا? معقل الصمود في وجه ?طغاة السودان?، على مر التاريخ خديوية او ?مايوية? حيث انطلاقة دعوة الامام المهدي، قرأ الكتاب وفك الحرف? واكتمل صباه بثانوية الاحفاد ايضا بام درمان ?البقعة المباركة? حيث الأهل والأمان، ومن ثم امتدت السيرة، وبدأت المسيرة لأكثر من سبعين ربيعا، من العطاء، وقد لازمت الذات والزوج والابناء منها ثلاثة عشر عاما كما قال صاحبها، وآثرت البقية كدحا لملاقاة ربها في شأن الدين والوطن، فمن هنا جاء التمييز والتفرد بل والعداء?
??? من الحب ما قتل?
يعاتبه البعض على حب الناس له، وبسماحته المعهودة يبتسم مجتهدا كي يوصل لهم قولا وفعلا، ما هو سر هذا الحب الشره عند المريدين والمضمر ?بالنقد الجارح? في جوف الخصوم???؟?
??? التأسي باخلاق النبي صلى الله عليه وسلم?
عذرا على هذه التداعيات الذاتية، والتي فرضتها ?هتافية النقاد? وسهام ?الخصوم الجارحة? التي نحت جانب الشخصنة، في تناولها لمفكر استثنائي ?في زمن الحزن وفقد الزوج? دون مراعاة لخصوصية الموقف، بل يكاد يكون هذا الامام هو المعيار الانموذج للتأسي بأخلاق النبوة وحياة النبي صلى الله عليه وسلم التي عاشها ?في خاصة نفسه? وبين اصحابه، واكثر ما يميزه أنه اذا عاهد لا يغدر وان خاصم لا يفجر، بل في كل الاحوال ظل محافظا على المساحة التي بينه والآخر ?باسطا يده بيضاء وعافيا عند المقدرة??
??? السماحة الزائدة عن الحد?
سماحته الزائدة عن الحد، هي أوضح نقاط الضعف فيه كإنسان، ومن غريب الصدف ان كل من جنى على الامام، أثبتت له الأيام ?ان الاسماء تورث الصفات?، وحتى من جرد قلمه وسنه كالخنجر، او أخرج لسان وسيف صحيفته ?الراية وألوان? في العهد الديمقراطي، ليبدأها بذم الرجل ويختمها بسبه، فيرد عليه باخلاق الملائكة بالصفح والود، ولسان حاله يقول?
?إن سيد القوم لا يعرف الحقدا??
بل قد ثبت كما جاء على لسان الاستاذ حسين خوجلي، أن كل باحث عن المجد والشهرة، في دنيا العمل العام، وحتى الخاص، لا بد له من اضمار الحب واظهار العداوة للصادق المهدي، فذلك هو الملاذ الآمن لكل صاحب حاجة، بل هذا هو الإنسان المفطور على الصدق، والذي آثر أن يكون الاب لكل ابناء السودان، بل والدواء لكل علل الانسان ان شاء الله?
??? المفكر الصادق المهدي وقراءة الأحداث?
يصفه البعض جهلا ومن غير ما ادراك لفكره، باستباقه للاحداث احيانا، وبالتردد في احيان أخر، ولكن إذا ما رجعنا الى تقييمه للمواقف، سندرك كم هو صائب في القراءة، وسابق لكل من اندهش بموقفه لحظتها، ومؤمن بحدسه الذي لا يكذب?
خاصم ?مايو البغيضة? ورد لها الصاع صاعين، على مجازرها في الجزيرة ابا وود نوباوي، وعندما جنح طغاتها ومناصروها للسلم ?صالح الدكتاتور نميري?? وقد قال البعض من رفقاء المعارضة، لماذا كانت المصالحة بعد الانتفاضة المسلحة في يوليو ????م؟ فرد عليهم الطاغية نميري ?قاتل الامام الهادي وعبد الخالق ومحمود محمد طه?، فماذا قال في كتاب النهج الاسلامي لماذا؟?
?يسألوني لماذا كانت المصالحة، لكملة شرف قالها الرحل ?أعني الامام الصادق? مهما كان الخلاف بيننا فلا ندع مجالا للغريب أن يتوسطنا? انتهى?
فأين نحن اليوم، وقد اضحى الغريب ولي امرنا??
يعيبون عليه كثرة الكلام، ولم يحمدوا له ظلمة غياهب السجون? وصفوه بحبه للسلطة، ولم تشفع له عندهم ليالي المنافي والغربة، ضنوا عليه بشهوة التسفار، ولم يواسه في ظلمهم له حمله لحقيبة الوطن العزيز، اينما حل وارتحل، بل ما هاجر الا بهدف تبييض وجه السودان مما فعلت به ?الشمولية? وانصارها، وما خط ارجله بأرض الا وكان همه اسلام الصحوة، لا دعاوى الهدم والانكفاء والغفلة، لم يحمل فكره واجتهاده بضاعة بهدف الاسترزاق والتسويق، بل تأبطه اجتهادا وتجديدا بلا تزييف?
??? مدرسة الإمام?
يعد الامام الصادق المهدي واحدة من المدارس الفكرية المعاصرة التي ناصرت الحداثة منذ عقد الستينيات من القرن الماضي ?طرح آفاق جديدة?، ولاقحت الاصالة ?جدلية الأصل والعصر? ليتفرد طرحها الذي يمثل وسطية الاسلام المميزة بين الاديان، دونما افراط بألحاد او تفريط بارهاب، بل اجتهاد في الاصل وتجديد في العصر، وهي مدرسة فكرية متفردة صنعتها المقدرات الذاتية لصاحبها، وعجمت عودها التجارب، وغذتها الافكار الفلسفية والعلمية الاخرى، بعد أن استقت من نهر التاريخ الجاري وارتوت من ضفتي الدين والوطن، واكسبها الارث مجد الاهلية، لكن دون التمييز، بل ذهبت بكل ما وجدت نفسها عليه من اجل المسار، واحالت ملعقة الذهب التي فطمت عليها الى اصفاد من حديد?? بعد أن استقوت بالاجتهاد وفطرت على حب المعرفة ونقد الذات، وحينما استوت على جادة الطريق، لم تضل ابدا، بل استطاعت ان تتقبل البلاءات بالصبر والجلد ?دع عنك النقد الجارح والإسفاف? ولسان حالها على الدوام يتمثل القول المأثور? ?كل ما لا يقتلني يقويني??
فقد عملت في السابق على إحالة دار الحبس وغياهب السجون الى سوح للآداب واشعاع للعلم، فاستنارت بذلك حتى غالبت شهوات النفس وحب الذات بالتربية البدنية والروحية، فحل نبض الوطن مقام حب ?الجنا والضنا? حقا لا مجازا، ففي خلوته كما حدثني من رافقه في ظلمة القضبان، فإن هذا الامام لا تعرف أجفانه فسحة النوم المعتادة، فقد جبل على ملازمة الأذكار في الأسحار، وقتل الملل بمطالعة الافكار، وإن اعطى الى النفس مساحة للهو، فتلك راحة للقلوب حتى لا تكل وتعمى?
???? وقفة مع الناقد القراي?
الاستاذ الدكتور عمر القراي، ارجو ان تكون سيرة العظماء ?عندكم وعند غيركم? كما تقول القاعدة ?الحرية لنا ولسوانا? عظة وعبراً بلا صيد في ?الماء العكر?، وأن النقد ملمح للكشف والاستبصار اذا كنت حقا تنشد الالتفات الى جانب الحق دون الغرض الذي بالضرورة هو اول اعراض المرض، فسيرة الامام الصادق المهدي في العطاء اذا اخذناها بالحياد، ودونما شك قد تضمنتها العديد من السلبيات، وتلك هي طبيعة البشر المجبولة على الخطأ، الا أن ما وضعته من بصمات ?لا يمكن اعتباره كله اغلاط?، فقد أدخلها التاريخ من ابوابه العراض، دونما ان تعي وتسعى لذلك، وتميزت حينما تفردت بتقبلها للنقد ?بروح المؤمن? وإيثارها بالكثير للغير رغماً عن الخصاصة، ومن غير ما منٍ ولا أذى، وإن يكن الامام الصادق المهدي قد أعطى ذاته وما يخصها للدين والوطن، فقد أخذ أقيم ما عند الإنسان ?الحب? بل حب الناس جميعا وذلك أعظم الأثمان?

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147515395&bk=1
_________________

Post: #366
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 02:50 AM
Parent: #365


ذاكرة
بقلم: مصعب الصاوي
* جوائز موسيقية:
حققت مغنية البوب إيمي واينهاوس رقماً عالمياً جديداً بحصولها على جائزة قرامي الموسيقية، وهي الجائزة الأهم في الولايات المتحدة الاميركية واوربا عن أغنيتها Rehab وهي أغنية ذات وظيفة اجتماعية تنادي بحماية الشباب من خطر الادمان على المخدرات، وضرورة الذهاب لدور التأهيل النفسي والبدني للاستشفاء من المخدرات، وتدعو المجتمع خاصة الأسرة إلى مساعدة المدمن في الاندماج في المجتمع دون توبيخ او عزل أو إساءة. والشاهد ان حصول الفنانة إيمي على هذه الجائزة، جاء على خلفية تجربة شخصية، مما اضفى على العمل صدقاً تعبيرياً، ونفذ الكليب في قالب درامي سينمائي.
* عركي وأميقو:
من أعظم الأغنيات التي ربطت بين الموسيقار أميقو والفنان ابو عركي، أغنية «لو كنت ناكر للهوى زيك» من كلمات عوض أحمد خليفة. قدم فيها أميقو أفضل ما عنده على الكلارنيت، وأثبت فيها عركي قدراته الهائلة في الربط بين العلم والموهبة والقدرة على الاداء العميق الذي يتغلغل بين سطور النص الشعري، ويخرج من طبقاته كنوز واشراقات المعاني والشجن، مما جعل هذه الأغنية تصنف ضمن الروائع الخالدة في تاريخ الغناء الحديث.
* غيِّر حياتك:
أتابع كلما سنحت لي الفرصة برنامج «غيِّر حياتك» على قناة «النيل الأزرق» والبرنامج جيد ومبتكر من حيث القالب ومن حيث التناول، وفيه الكثير من حداثة الفضائيات، وفيه من الجرأة والتجريب على مستوى العرض والتقديم، مما يجعله في مصاف البرامج المنوعة والهادفة. وآمل ان يجد هذا البرنامج مزيداً من الدعم لتطويره، فهو برنامج مهضوم ومنافس.
* المدائح القديمة:
الفترة ما قبل أذان المغرب وحتى أذان العشاء، فترة يمكن ان نصنفها بأنها فترة صفاء روحي. وكنت في الماضي الاحظ حرص كبار السن والمشايخ على ان يكون الراديو جوارهم للاستماع للمدائح القديمة، خاصة بأصوات «ابضرس» وشيخ زين العابدين وشيخ بشير الحضري والامين القرشي وعلي بخيت. وأتمنى ان تحافظ الاذاعة على هذا التقليد، لانها تلبي أشواق هذه الشريحة المهمة في المجتمع.
* بشريات:
أتوقع أن تشهد أروقة نادي الفنانين المزيد من الأنشطة بعد تقلد عبد القادر سالم دفة قيادة هذا الكيان المهم. والحقيقة عبد القادر سالم يتمتع بكل مواصفات القائد، بتفانيه الدائم في خدمة الآخرين وبعمق وسعة ثقافته، وباحترامه للفن باعتباره مهنة ورسالة، وبتقديره واحتفائه الدائم بالرواد والشباب معاً. ومن قبل ومن بعد، نعمة القبول وهبها الله لهذا الفنان النادر.
* عمر علي احمد المحامي :
أظن أن أم درمان قد دخلت «بيت الحبس» باكية فقيدها المحامي الضليع والانسان الجميل عمرعلي احمد والد كل من بثينة ومحمد وعلي. وهذا الشخص له أفضال على الدراما والفن والثقافة، فقد كان الفنان جمال حسن سعيد يصوِّر المشاهد الدرامية في منزله العامر بالثورة. وكانت مكتبته العامرة بكنوز التراث مائدة مبسوطة للغاشي والماشي، خاصة طلاب العلم والفنون. وكان رحمه الله ام درماني المزاج، متديناً في غير تزمت، عاشقا لاغنيات أحمد المصطفى وعبد الله الماحي، معتزا بتراث منطقته كبوشية، وكان يقول لي دائماً: كبوشية دي أصل الفن والفنانين. وكان يسمي كرومة بـ «العبقري». واتذكر طقوسه في القراءة والمؤانسة والظرف والطرفة الذكية والسخرية المحببة. وقدّم ديوان الأستاذ يوسف قباني، وهو صنو روحه وصديقه المفضل. وربطت الراحل صلات المودة والمحبة بالأستاذ محمود محمد طه. وتعتبر مكتبته من أهم المصادر والوثائق التي حفظت آثار الاستاذ محمود محمد طه والاخوان الجمهوريين، لذا تنادوا لوداعه من كل أنحاء السودان، وقد روى لي ان الأستاذ محمود كان يحب أغنية «أنا أم درمان» واختارها لتكون ضمن الانشاد العرفاني، وايضاً أغنية «قايد الأسطول» لسرور، وأغنية خليل فرح «عزة في هواك».

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147515426&bk=1
_____________

Post: #367
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 02:51 AM
Parent: #366


تعقيب علي تعقيب عمر القراي (9-9)

الجمهوريون الجدد والحلف الرجيم .. بسم الله ثم يحترق الهشيم
راشد ابو القاسم الطاهر*
هذرمة الهرموناطيقا:
الهرموناطيقا هو علم تأويل «النص المقدس» وهو بخلاف علم الهيئة عند «بطليموس» فالهرمونطيقي يمد يده ليخرج «النص» من كونه نصا إلهيا موحى به ملهما، الى نص ادبي مبهم خاضع للنقد. وسرعان ما يضعه على طاولة التشريح ليعمل فيه مبضع الجراح تفكيكا ومواءمة، ومر هذا العلم بثلاث مراحل هي «الرومانسية والفننولوجية والتاريخية».. تنطلق من مصادر شتى 1- اما الاصالة الكاتب. 2- او اصالة النص. 3- او اصالة الناقد. وسبب هذا العلم كما قدمت في بداية السلسلة ولربط الموضوع هو اولا الاغراق في الرمزية في الكتاب المقدس بعهديه، وان شئت فاقرأ على سبيل المثال: «سفر المزامير» والتي يعتقد ان كاتبها داؤود و«سفر الرؤيا» وهي عبارة عن «حلم في المنام» ليوحنا، وهي اسفار باعتراف آباء الكنيسة مفعمة بالرمزية غارقة في الغموض، لا يفك طلسمها الا آباء الكنيسة كما في مقدمة الكتاب المقدس.



ثانياً: حالة الفصام بين المقدس والعلم، حينما اصطدمت الكنيسة بالكشوفات العلمية مثل مركزية الشمس والعالم الجديد اميركا.. الخ.. فكاد المكتشفون يدفعون حياتهم ثمنا لهذا الاصطدام الرهيب «كولومبوس وجاليلو» نموذجا.
ثالثاً: سقوط القداسة من الكنيسة وتمرغها في أوحال الدناسة حينما تعاطت الرذيلة باسم «الاب»، عندها صرخ مارتن لوثر وكالفن كلين في وجه البابا «هذا ليس دين يسوع الناصري».
فتمزق النسيج وتعرض كل شيء للنقد، وهذا عين ما فعله عالم الرياضيات والفيلسوف «اسبينوزا»، وما تأثر به العالمانيون ونسج على منواله محمود محمد طه. وقد اخبرني صديقي الباحث القدير «محمد الفاتح» أن «اسبينوزا» قد سرق نقده للكتاب المقدس من ابن حزم في «الملل والنحل» «بالمسطرة» ومن الواضح، والواضح جدا، ان ايا من الظروف والادواء السابقة لم تعتر النص القرآني ولا شريعة الاسلام، فالقرآن لم يصطدم بالعلم ولا بالعلماء، بل كرس للبحث والاكتشاف والتأمل، كما انه خالٍ من الرموز والطلاسم والاسرار، والاعجاز العلمي في القرآن اكبر دليل على ذلك، وتقدم المسلمين مع كونهم متمسكين بدينهم يشي بذلك ايضا، كما ان الشريعة اسست لمجتمع الفضيلة وحاربت الرذيلة.. فليس ثم مسوغ لوضعها في سلة واحدة مع ما سواها من الملل والنحل، والقرآن يتحرى ومازال يتحرى «سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم الحق من ربهم».
رمتني بدائها وانسلت:
ولما عجز أعداء الشريعة عن تحريف «النص» لجأوا لتحريف «التفسير» حتى يتحول النص الى مجرد صورة ويختطفوا هم المعنى، ثم يفرغون الدين من محتواه ويميعونه في نفوس منتسبيه، والإجهاز عليه في نهاية المطاف بإغراقه في موج متلاطم من التفاسير الطوطمية يبلع بعضها بعضا. ويضعون مكانه نصبا تذكاريا يقول «كان هنا نص مقدس».
ولأدلل على هذا اقرأ معي «في الرسالة الثانية للاسلام» تعريف العبادة وعلاقتها بالجنس يقول: «فهذا الوضع بين الذات الالهية والانسان الكامل ـ انفعال العبودية بالربوبية ـ هو الذي جاء الوضع منه بين الرجال والنساء انفعال الأنوثة بالذكورة وهو ما يسمى عندنا بالعلاقة الجنسية» هل لهذا التعريف صلة بمفهوم العبادة او حتى الجنس؟! ويقول أيضا: «وليس لله تعالى صورة فيكونها ولا نهاية فيبلغها، وانما حظه في ذلك ـ لاحظ حظه في ذلك ـ أن يكون مستمد التكوين بتجديد حياة فكره وحياة شعوره في كل لحظة، والى ذلك تهدف العبادة» أبهذا وصف الله تعالى نفسه؟! هل يا ترى يمكن أن يطلق على هذه الهذرمة وهذا الهذيان بأنه دين محمد؟! هذا لعمري صنعة التفريغ وعين الازاحة والاحلال، وحرفة التشويه بامتياز، فمن الذي فرغ الدين من محتواه؟! يا دكتور؟!
وختاما أوقع مقالتي بالديباجات الآتية:
تدبيج «1»
٭ إن الله تعالى الذي خلق هذا الكون بهذا الاتساق والتناسب والاعجاز، لا يعجزه ان يضع قوانين تسير حياة البشر، ونحن اهون مخلوقاته من حيث التعقيد، والتكوين «أأنتم أشد خلقاً ام السماء بناها».
تدبيج «2»
٭ إن القرآن الكريم الذي أعجز الفصحاء فصاحة والبلغاء بيانا، واحتوى بين دفتيه على اكثر من «2465» اعجازا علميا اكتشف حتى الآن، ومازالت مناجم كنوزه بكر لم تكتشف بعد في كافة المجالات «الفلك، والبيولوجي، وعلم الجينات والاجنة، والبحار، والطبغرافيا، والاحياء الدقيقة.. الخ». قمين بهذا الكتاب ان يشكل اعجازا آخر في تنظيم حياة البشرية.
تدبيج «3»
٭ إن الشريعة الإسلامية التي أسست في مدة لا تذكر من عمر الزمان، اكبر امبراطورية عرفها التاريخ، وصهرت موازييك الحضارات والشعوب في بوتقة «التوحيد»، حري بها ان تحكم العالم.
تدبيج «4»
٭ إن الدين الذي يدعو للتوحيد، ويؤسس لملكوت الفضيلة، ويشجع العلم ويسند التقدم الحضاري، ويبني على الحق والعدل والرحمة، لجدير بأن تدين به الانسانية وتبشر به الأمم.
تدبيج «5»
٭ إن الإسلام دين واحد، لا يسع المكلفين فيه أن يؤمنوا ببعض ويكفروا بالآخر، فاما قبوله كما هو او تركه على ما هو، وحذف حرف منه كحذفه جميعا، وسنة الانتساب اليه «يا أيها الناس ادخلوا في السلم كافة».
تدبيج «6».
٭ ان تاريخ المسلمين هو ازهى تجربة انسانية في اطوار النضج البشري، والذي اخطأه جزء من منجزه الثر، وهذا هو الفرق بين «الكمال» و «الاكتمال» فتأمل.. وإن من الاخطاء ما تكون حصيلتها من كوامن الخير اكثر من الصواب لو ارتكب ابتداءً، ولكن من الناس من هم كالذباب لا يقعون الا على جراح المسلمين.
تدبيج «7»
٭ إن الفترة المسحوقة التي تمر بها الامة لا تعفي ابناءها من تسنم سنام المبادرة وتصحيح المواقف، ولا يسوغ لهم جلد ذاتهم ولعن سنسفيل اجدادهم، فلم تمنع الهزيمة «إلفرد» الاكبر من تكوين الرايخ الاول ليكرر المحاولة «باسمارك» فيكون الرايخ الثاني، لينجح النمساوي «هتلر» فيكون الرايخ الثالث ليبتلع العالم.
تدبيج «8»
٭ إن وهج المدنية الغربية لا يعمي الا الاعشى، ولا يغير في حكم الاشياء شيئا، فاذا تقدموا تقنيا فقد سقطوا «بالثلاثة» انسانيا واخلاقيا، كما ان المدنية تبنى في نطاق «المتغير الحادث» والقيم والاخلاق والعدل تبنى في نطاق «الثابت الكوني»، فلكل مضماره، وبكل منجزه، ويحكم العلاقة بينهما «التوازن والتكامل» والقومية فيه للثابت والشريعة لا على منتجات الحضارة الغربية السائلة «وإن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا او يلم».
تدبيج «9»
٭ إن العقل الذي يسبق ادراكه بالاشياء «جهل» ويغشاه مع الايام نسيان، يصاب بالامراض والعلل والاكتساب، سمته النسبية وتعتريه المزاجية يصيب ويخطئ، ويخطئ اكثر مما يصيب، متناقض مع محدداته، محدود في قدراته، ويختم بنهاية المطاف بالخرف والهذيان.. لا يتصور لهكذا مخلوق أن يحكم على شريعة الرحمن، وحسبه في الامر ان يدلنا على صحة نسبتها لله تعالى، ثم بعد ذلك يفوض الامر لله، وان يسلمها لرائد الشرع لتستقر به في روض الجنان، ولا تعارض ما بين ثاقب العقل وصحيح النقل، يقول المجد «ابن تيمية»: «ولا تعارض في الاسلام بين صحيح المنقول وصريح المعقول، ذلك ان مصدر العقل والوحي هو الله، فلا يمكن أن يقع التناقض والتعارض، وان اي تعارض معناه ضعف في سند المنقول، او عجز او خطأ في كيفية الاستدلال، وعند احتمال التعارض فإن حكم الوحي المعصوم مقدم على حكم العقل المظنون» أ.هـ
تدبيج «01».
٭ ان الله تعالى قد اعزنا بهذا الدين، فمهما ابتغينا العزة بغيره اذلنا الله، وما كنا سادة الوقت وسلاطين الزمان واصحاب العالم الا بعد ان تمسكنا باهداب الدين، فاحترمتنا الامم ودالت لنا الدول، وخاطبنا السماء «امطري حيثما تمطري فسيأتينا خراجك».
ترى ما الذي «التقطه» تلستوي ولم يدركه «القراي» حين قال تلستوي «شريعة محمد هي التي ستسود لانها تنسجم مع العالم»، وما الذي فهمه صاحب «قصة الحضارة» «ول ديورنت» حين قال «لو حكمنا على العظمة فإن محمد أعظم العظماء»، وكذا «جورج ويلز» و«تومسي كارييل» و«مايكل هارت» و«غاندي» و«برنارد شو» و«ليمارتين» وغيرهم وغيرهم والقائمة تطول. ويمكن «للقراي» واشباهه ان يستمعوا ايضا لهؤلاء لانهم اصحاب عيون زرقاء وشعرهم اشقر تماما «كمنتس كيو» و«انجلز» و«دوركيم» و«سارتر».
وكل ما قلته هو في عداد مناورات الاشتباك الاول، ومقدمة لنقد الديمقراطية ومفهوم الحداثة، ولنا عود ان شاء الله.
وهكذا.. يحترق الهشيم، وتتساقط الأقانيم، ويتبدد الحلف الرجيم، وتبقى الحقيقة مطلقة.. وإني غال على مقالتي، وكل يأتي يوم القيامة بما غل يوم ينادي «علي» و«عليه» «هذان خصمان اختصموا في ربهم».
وعلى من اتبع الهدى السلام.
* الباحث والمحاضر بالمركز الاسلامي للدعوة والدراسات المقارنة

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147515482&bk=1
_

Post: #368
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 02:52 AM
Parent: #367


تعقيب على الطاهر الدومة
عودة إلى أغلاط الإمام!!
د. عمر القراي
لم يواجه الأستاذ الطاهر اسحق الدومة، ما أثرته في مقالي السابق عن أخطاء السيد الصادق المهدي، واكتفى بأن يصف المقال تارة بـ(المغالطات) وتارة بـ(الشبهات)، كما ذكر أن ما ورد فيه أشياء معروفة، ومكررة، وقد ملّ الناس سماعها!! ولو كان المقال كما ذكر، لما احتاج إلى تعقيب، اللهم إلا إذا كان الغرض من التعقيب، هو مجرّد الرد، حتى لا يقال إن الناشطين في حزب الأمة، وأعضاء المكتب السياسي، قد قبلوا نقد قيادتهم في صمت..
والأستاذ الدومة يوافق على أن هنالك تقارباً في الأفق، بين حزب الأمة وبين المؤتمر الوطني، ويؤكد أنه من المجموعة التي ترفض هذا التقارب -بما فيه موضوع السيد بشرى- وأنهم في داخل الحزب، قد قاموا بنقده، ويقول «إن كاتب المقال -أي شخصي- جزء من الذين نوَّه إليهم الكاتب في نقضهم لخطوات الحزب الأخيرة في التقارب مع المؤتمر الوطني بكافة أشكاله حتى موضوع بشرى باعتبار أن المؤتمر الوطني الاقتراب منه غير مأمون الجوانب من خلال تركيبته وأدائه سلطوياً وسياسياً» (الصحافة 21/2/2008م). إن مقالي الذي حاول الأستاذ الدومة الرد عليه، إنما ثبّت هذه الحقيقة، وأضاف أنها من أخطاء السيد الصادق المهدي، ثم عدد أخطاء أخرى، جرت منه في حقب سابقة.. فإذا كان الأستاذ الدومة يقاوم التقارب مع المؤتمر الوطني، ألا يفعل ذلك لأنه خطأ؟! فإن أقر الدومة بهذا الخطأ، فلماذا وصف مقالي بأنه (مغالطات)، ولماذا لم يقبل الأخطاء الأخرى، التي عددتها للسيد الصادق خاصة وأنه لم يستطع أن ينفها؟!
يقول الأستاذ الدومة «فمشكلة د. القراي أنه يأخذ تصريحات الإمام كمسلمات وقرارات ويحاول أن يصطاد في المياه العكرة بأن الصادق فعل وفعل وهاكم الدليل عبر التصريحات الصحفية». (المصدر السابق). فهل هذه حقاً مشكلتي أم أنها مشكلة حزب الأمة إذا كان رئيسه يصرِّح بما لم يقرره حزبه؟! ومن الذي يجب أن نأخذ تصريحاته كمسلمات، إذا لم نأخذ بتصريحات الإمام؟! لقد حاسبت السيد الصادق بما قاله وفعله، فلم يقبل الأستاذ الدومة بذلك، فكيف يحاسب الأستاذ الدومة والمكتب السياسي السيد الصادق؟! إنهم لا يحاسبونه على تصريحاته، لأنهم يعتبرونها مجرد (تصعيد) و(تهريج) سياسي!! فإن لم تصدِّقوا ذلك فاقرأوا قول الدومة «فمشكلة د. القراي أنه يأخذ تصريحات الإمام كمسلمات وقرارات ويحاول أن يصطاد في المياه العكرة، بأن الصادق فعل وفعل وقال، وهاكم الدليل عبر التصريحات الصحفية، ومن ثم يتناسى عمداً ويتجاهل أن لكل مهاراته وتقديراته في دائرة التعاطي السياسي في أي موضوع مطروح، نعم، ربما أسلوب التصعيد والتهريج». !! (المصدر السابق)
يقول الأستاذ الدومة «ومن ثم عندما أخذ الشيوعيون الحكم بواسطة نميري وقتلوا آلاف الأنصار هل كان ذلك فعلاً انتقاماً لأن الصادق أسهم في حل الحزب الشيوعي؟ وأين موقف الجمهوريين من تلك المجازر والموقف الأخلاقي لحزب الأمة عندما أعدم محمود محمد طه» (المصدر السابق). وليس في عبارة الدومة هذه، ولا في مقاله كله، ما ينفي (غلطة) السيد الصادق في قضية حل الحزب الشيوعي.. ثم لماذا يسأل الجمهوريون عن ما حدث في مجازر الجزيرة أبا، بدلاً من سؤال السيد الصادق، الذي صالح النظام، الذي فعل كل هذا بأهله وأتباعه، ودخل في اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي، وأدى قسم الولاء لثورة مايو الظافرة؟! أليست هذه (غلطة) ظاهرة من أغلاط الإمام، أم إن الدومة يعتبرها من (المغالطات)؟! وما هو الموقف الأخلاقي لحزب الأمة من اعدام الأستاذ محمود؟ لقد اتهم السيد الصادق الأستاذ محمود بالخروج عن الأسلام، وشبهه بالبهائية، والقاديانية، وقدّم بذلك مسوغاً لتكفيره، فكان بذلك، لا يختلف من الترابي، ونميري، وسدنته من الإسلاميين، الذين دبّروا تلك المؤامرة المنكرة.. وحين سقط نظام نميري، بسبب مواجهة الأستاذ وتضحيته، وانتفاضة الشعب المجيدة ضد قوانين سبتمبر، جاء السيد الصادق إلى الحكم، فأبقى على القوانين التي أعدمت الشهيد، ورفضها الشعب، رغم إنه هو نفسه قد صرّح قبل الانتخابات مراراً بأنها لا تساوي المداد الذي كتبت به!!
وفي محاولته اليائسة، لتبرير أغلاط الإمام بكل سبيل، شبه الأستاذ الدومة السيد الصادق بنبي الله نوح عليه السلام، وشبّه ابنه الذي التحق بجهاز الأمن، بابن نوح الذي كفر بالدين وهلك مع المغرقين!! يقول الدومة «لأن ابن الصادق ذهب إلى جهاز الأمن- إذا كانت مواقف الابناء والأقارب في كل الأفكار والعقائد والديانات نظرتهم سلبية هل يعني ذلك مثلاً ان ابن نوح كان صاحاً ووالده خطأ؟ وهل انتهت الفكرة بانضمام ابن نوح للكفر؟» (المصدر السابق). وأنا لا أوافقه على هذا التشبيه، لأنني أرى ان المفارقة الدينية الكبيرة، هي مفارقة السيد الصادق، لا مفارقة ابنه، لأنه كان يعلم أن ابنه قد إلتحق بالجهاز، ولم يعترض في إطار التقارب مع المؤتمر الوطني، وحين اعترض بعض أعضاء الحزب، صرّح بأن تلك (غلطة)، وانها (ستصحح) !! ومع ذلك، لم يحاسب ابنه، ويطرده من الحزب، كما فعل من قبل، مع السيد مبارك الفاضل، مما يعد محاباة، وتقويضاً لكل الأسس والمبادئ الديمقراطية، التي يزعم انه مؤمن بها.. يفعل ذلك ليتقارب مع النظام، الذي قال عنه «المؤتمر الوطني وحكومته ظلا أسيرين لشعارات فارغة ربطت الإسلام بالدكتاتورية والقهر والنهب»!! (بيان السيد الصادق للشعب السوداني: سودانايل 7/6/2004م) لكل هذا، فإني أعتقد أن موقف السيد الصادق، أقرب إلى موقف ابن نوح من موقف نوح عليه السلام..
يقول الأستاذ الدومة «ومن كان انتماؤه لترضية شخص لا أظن أن مكانه حزب الأمة فليذهب كما ذهب بشرى للأمن. ومن قال لك إن ابناء الإمام يرتقون على أكتاف الثوار بنسبهم للإمام؟ إذا كان هذا صحيحاً أين كبير ابناء الإمام عبد الرحمن من الحزب مع احترامنا الشديد له؟» (الصحافة 21/2/2008م) وأنا لا أعرف أين السيد عبد الرحمن، أكبر ابناء السيد الصادق المهدي، ولا أعرف موقفه من الحزب، ولكني أسال الدومة لماذا كان في مقابلة والده للسيد رئيس الجمهورية، إذا لم تكن له علاقة بالحزب؟! وإذا كان الأستاذ الدومة يظن أن حزب الأمة تحكمه المؤسسات، وأن علاقة الدم لا أثر لها في تحديد القيادة داخله، وأنه يمكن أن ينافس أيٍّ من ابناء السيد الصادق، على رئاسة الحزب، فإن الحزب قد أسسه السيد عبد الرحمن المهدي، وخلفه في قيادته ابنه السيد الصديق عبد الرحمن المهدي، ثم خلفه ابنه السيد الصادق الصديق عبدالرحمن المهدي، فلماذا عبر كل هذه السنين لم يفز واحد من الآلاف من جماهير الحزب، من خارج آل المهدي بقيادة الحزب؟! إن حزب الأمة يمكن أن يصبح حزباً ديمقراطياً، تحكمه المؤسسات، كما يتمنى الأستاذ الدومة، حين يوقف هذا التوارث، الذي لا نظير له إلا في حكم الملوك..
ولو كان الأستاذ الدومة يملك دليلاً واحداً، على أن ما ورد في مقالي السابق، هو مجرد (مغالطات) لما تأخر في ابرازه، بدلاً من الإكتفاء بترديد كلمة (مغالطات)، دون طائل أسمعه يقول «أما المغالطات حول المحاولة التخريبية فالحمد لله شخوصها أحياء بيننا والظروف كانت معلومة والتقديرات في مسايرة اللعبة السياسية آنذاك كانت معلومة» (المصدر السابق).. ولكن الدومة لم يذكر لنا هذه التقديرات، والمسايرة، التي اضطرت رجل مثل السيد الصادق المهدي، أن يدين أعضاء حزبه، ويتبرأ مما اتهموا به من وسائل الإعلام الرسمية، ويذكر بأنهم اعترفوا بجريمتهم، دون أن يتعرضوا لتعذيب.. أكثر من ذلك!! فإنه قد اتهم هؤلاء الاعضاء، بأنهم باعوه.. فحين سأله محرر الشرق الأوسط (تتحدث بعض الأطراف من أن الصادق المهدي باع أعوانه من أجل إطلاق سراحه ما ردكم؟) قال: «إطلاق سراحي لم يكن جزءاً من الصفقة لأني اعتقلت للتحري ولم يعد للمتحرين ضدي حجة بعد أن أوردت قرائن تثبت عدم معرفتي بالموضوع وأبديت استعدادي لمقابلة من زج اسمي في مواجهة. إذا كان هناك بيع فالصحيح أن يقال لقد حاول بعض زملائي بيعي بذكر اسمي في هذه القضية»!! (الشرق الأوسط 11/7/1994م).
في مقدمة مقاله قال الأستاذ الدومة «وبتاريخ 17 فبراير في جريدة الصحافة في صفحة الرأي ورد مقال بعنوان: (أغلاط الإمام لكاتبه د. عمر القراي. نعم، إنه دكتور ولا ندري أية دكتوراة يحملها لكنها درجة علمية تستحق الاحترام)!! وما دام الأستاذ الدومة يحترم الدرجة العلمية مهما كان مجالها فلماذا تساءل عن هذا المجال؟! ولولا أن تساؤله قد حمل جانباً من السخرية، لحدثته عن تلك الدرجة العلمية وتفاصيلها.. ومما ذكره الأستاذ الدومة أيضاً دون تحقق، قوله «من خلال الصورة والسرد للأحداث يبدو أن الدكتور من جيل الإمام الصادق أو على مقربة منه» والحق إنني أصغر من جيل السيد الصادق المهدي، ولكن عمر الفرد الثقافي، لا يقاس بعمره الزمني.
لقد حاول الأستاذ الدومة، أن يستدر عاطفة القراء، ويصوّر نقدي للسيد الصادق المهدي، وكأنه خال من المشاعر الإنسانية، لأنه لم يراع الحالة النفسية، التي كان يمر بها السيد الصادق المهدي ، فقال «ومن خلال علاقات السودانيين الخلافية تجب المواقف الإنسانية وتوقف التراشق لمواقف جراح غائرة ينتظر الناس على أقل تقدير غياب الأيام السوداء في الفقد الجلل التي تصيب الشخص»، ويقول أيضاً «السؤال الذي يطرح نفسه يا ترى لماذا الآن حتى قبل أن تجف دموع الأمام على فقده الجلل؟» والحق أن المقال كان يفترض أن يظهر في اليوم التالي لوفاة المرحومة السيدة الفضلى الأستاذة سارة الفاضل، حرم السيد الصادق المهدي، ولكنني أجّلت المقال، للاعتبارات التي ظن الدومة أنني لا أراعيها.. ثم حين رأيت السيد الصادق في الإعلام، وهو يجتمع بالسيد رئيس الجمهورية، ويشارك بالحديث في مؤتمر الحركة الشعبية، ويمارس نشاطه السياسي، داخل وخارج السودان، قمت بنشر المقال.. فإذا كان هذا الفقد الجلل، وما يستتبعه من حزن، لم يمنع السيد الصادق من السعي للتقارب مع المؤتمر الوطني، فإنه بالتأكيد، لن يمنعني من نقده، على هذه الخطوة التي اعتبرها من ضمن أخطائه.
مع كل ذلك، فإني أود أن أؤكد للأستاذ الدومة، ولكل أعضاء حزب الأمة، بمن فيهم السيد الصادق نفسه، أن شخصية السيد الصادق المهدي، هي محل حبي وتقديري، ولكن ما تنطوي عليه تلك الشخصية، من زيف، وجهل، وتضليل للبسطاء باسم الدين، والاستعلاء عليهم بسبب الطائفية، وتقديم المصلحة الشخصية على مصلحة الوطن، هو محل نقدي، وسبب اصراري عليه.. وإني لأرجو الله، أن يبرئ نقدي من حظوظ نفسي، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم.

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147515555&bk=1

Post: #369
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 02:53 AM
Parent: #368


تعقيب على راشد ابو على القاسم
أين أخلاق الإسلام وأين فهمه؟! (1)
د. عمر القراي
(وما يأتيهم من ذكر من الرحمن محدث إلا كانوا عنه معرضين٭ فقد كذبوا فسيأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون). صدق الله العظيم
كنت قد كتبت مقالاً، وقع في أربع حلقات، تعقيباً على بروفيسور جعفر شيخ إدريس، حول موضوع الشريعة وحقوق الإنسان.. فردّ السيد راشد أبو القاسم، بمقال من تسع حلقات، رغم أنه لم يقرأ كل مقالي!! فقد قال «ولكن للأسف لم أقع إلا على حلقتين فقط 3 و4 ولكن في تصوري أنهما تكفيان لكشف هذا التوجه» (الصحافة 10/2/2008م). ولم يكلّف السيد راشد نفسه، تحرياً للحق، واتباعاً لأسس البحث العلمي، أي عناء، ليجد نصف المقال الذي يريد التعقيب عليه، ولم يرجع له في ارشيف الصحافة.. وما ذاك إلا لأنه لا يهتم في الحقيقة بما ذكرت، وإنما يظن أن مهمته، أن يكشف ما افترض بناء على فهم مغلوط -مأخوذ من كتابات خصوم الفكرة الجمهورية-أنه باطل يسهل القضاء عليه.. ومن عجب أنه يظن أنه بمعارضة ما لم يطلع عليه، وورطه الغرض في تشويهه، ينتصر للإسلام، ويحرق من اعتقد أنهم أعداؤه كالهشيم، ويرجو أن يلقى الله يوم القيامة، وهو يحمل ما سوّد في هذه الصفحات، فيقول «واني غال على مقالتي وكل يأتي يوم القيامة بما غل» (الصحافة 29/2/2008م). أما أنا فإني أرجو الله، أن يعينني على أن أضع يد راشد على باطله، ويعينه هو على تقبل ذلك، قبل أن يلقى الله وهو يحمل وزره، فيكون كمن قال الله تعالى في حقهم (ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون).
وقبل متابعة ما ورد في ذلك المقال الطويل، أود أن ألفت نظر القارئ، إلى مسائل عميقة الدلالة على مستوى نقد السيد راشد، ليتابع تفاصيلها في متن المقال:
1- رغم أن الكاتب قد عرّف نفسه، بأنه باحث، ومحاضر، بالمركز الإسلامي للدعوة والدراسات المقارنة، فقد أورد نصوصاً غير صحيحة، نسبها للفكرة الجمهورية، ولم يذكر مصادرها، وحين ذكر مصدراً، لم يكن مصدر النص الذي ادعى أنه ورد فيه!!
2- جملة ما سطره الكاتب، عن التعليق على ما جاء في مقالي، أو ما جاء في الفكرة الجمهورية، يمكن أن يجمع في حلقة واحدة فقط. ولم يكن راشد يحتاج لكل هذا الحديث، المطوّل، عن الوثنيين، والبنيويين، والمسيحيين، واحصائيات الفساد الأخلاقي في دول الغرب، الذي استغرقه لتسع حلقات، لأنها ليست موضوعه، ولأنه لم يستطع الربط بينها وبين الفكرة الجمهورية التي حاول نقدها.
3- جنح الكاتب إلى الإساءة، والسخرية، والاستهزاء فسماني (الملا القراي)، و سمى الأستاذ محمود (العضيني)، ووصف كتابتي بأنها (وقاحة)، وأنها (تهريج)، و(استحمار) لخلق الله، وبأنني لا أحفظ من الدين إلا (طلع البدر علينا)!! ،أنا لن أبادله الإساءة بمثلها، وما ينبغي لي، وما استطيع، وذلك لأن كل إناء بما فيه ينضح.
4- يروِّج الكاتب في جملة مقاله إشاعة مفادها أنني أعارض الإسلام، وأخالف النبي صلى الله عليه وسلم، ويصوّر حديثي عن قصور بعض صور الشريعة عن جوهر الإسلام، وكأنه طعن في الإسلام، وتقليل من عظمة الشريعة.. ولذلك أخذ يذكرني بعظمة الإسلام، ومكانة النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان السيد راشد باحثاً حقيقياً، أو رجلاً صادقاً، لاطلع على الفكرة الجمهورية في مظانها، ولعلم أنها دعوة لبعث الإسلام، وبعث سنة النبي (صلى الله عليه وسلم)، وإن دعت لتطوير الشريعة، سواء اختلف أو اتفق مع تفاصيلها.
التنطّع الأجوف:
بدأ السيد راشد مقاله بنقد (البنيويين العرب)، الذين كانوا (اسرى الجاشتلت)، وكيف أن لديهم (انفصاما ذات السائد الحولي)، وأنهم اصبحوا مسكونين (بالهلنستية الجديدة)، التي أعيد تدجينها لصالح مشروع (الباكت أميركانا)، الذي (يشبه عصاب عارض استوكهولم).. ثم ذكر (الحضارة الهيلينية)، وهوميروس، و(الإلياذة) و( الاوديسا)، و(شاوول الطرطوسي)، و(طقس الافخريستيا)، واحتجاج بعض الوثنيين في (كونتوس وغلاطيا). كما ذكر (برسوم المحرقي)، و(طاقم الأكرليوس البابوي)، ثم وصف المدارس العلمانية، بقوله «فأنتجت لنا علمانيات بنكهات مختلفة (علمانية بالشيوعية) (علمانية بالليبرالية) (علمانية بالفاشية) (علمانية بالبطيخ) وفي الآخر (علمانية سليقة ساكت)»!! (الصحافة 10/2/2008م).
فهل من أسس البحث العلمي، التي يفترض أن يكون السيد راشد قد تدرّب عليها، أن تقتصر مسؤوليته ككاتب، على مجرّد القاء هذه الأسماء، ثم يترك لي ولك من القراء، مهمة معرفة معانيها وعلاقتها بموضوعه؟! أم ان راشد يريد فقط ان يثبت للقراء، انه مثقف، لأنه يعرف كل هذه الاسماء، التي حشدها في مقدمة مقاله!!
ثم هل شرح لنا راشد فهمه للعلمانية، حتى يصفها بأنها (بطيخ) و(سليقة ساكت)؟! وهل هذه العبارات سخرية من فكرة العلمانية، أم أنها مجرد هزل، أورده الكاتب لنضحك ونحن نقرأ هذا المقال البائس؟! إن رجلاً يهزل في مقام الجد، ويسخر من الأفكار التي ينقدها، ليس حرياً بأن يدافع عن الإسلام، ولا هو مشرف لأي مركز أبحاث حقيقي، خاصة إذا وصف ذلك المركز المنكوب نفسه بأنه (إسلامي).. ثم ما علاقة كل هذا التكلف، والتنطع، والتعالم، الفارغ، بالفكرة الجمهورية، أو بتعقيبي على البروفيسور جعفر شيخ إدريس؟!
يقول السيد راشد عن علاقة ما ذكره بالفكرة الجمهورية (إلا أن عمر القراي الذي يحاول أن يحيد انتاجها بايقاظ محمود محمد طه الرجل الذي نبش رفات أبيقور (اللذي) وصاح بالحلاج في الهاوية ونادى اسبينوزا في رقدة المخالفة) (الصحافة 10/2/2008م). فهل فهم القارئ من هذه العبارة، ما هي علاقة الأستاذ محمود بأبيقور أو الحلاج أو اسبينوزا؟! بل هل عرف ما هي الآراء التي يرفضها راشد في أفكار هؤلاء الرجال؟! وإذا افترضنا جدلاً، أن الأستاذ محمود تأثر بأيٍّ منهم ، فهل يصح التعبير، عن تأثر المفكرين ببعضهم، بعبارة قميئة، مثل قوله «نبش رفات»؟!
ثم انظر إلى التنطع، والتكلف، والتحذلق، في عنوان المقال (الجمهوريون الجدد والحلف الرجيم بسم الله ثم يحترق الهشيم) ولم يذكر الكاتب في مقاله، من هم الجمهوريون الجدد، ومن هم الجمهوريون القدامى.. ولقد تعرّض المقال لما نسبه للأستاذ محمود، فهل فعل ذلك لأن الأستاذ محمود كان من الجمهوريين الجدد؟! ولعل الكاتب قد انشغل بشكل العنوان، عن علاقة العنوان بالمحتوى، فأورد كلمة (الهشيم) لتقابل كلمة (الرجيم) حتى يصبح العنوان مسجوعاً، تقليداً لكتب السلف مثل ( الإصابة في معرفة الصحابة) أو (درة العيون ومفرح القلب المحزون) أو (الدرر السنية في هدى خير البرية) دون أن يحوي مقاله نذراً يسيراً، من أدب السلف في الحوار والمناظرة.
كتب السيد راشد (حالة عمر القراي.. حين سطَّر رداً على بروفيسور جعفر شيخ إدريس) (الصحافة 10/2/2008م) فهو يثبت لبروفيسير جعفر اللقب العلمي وينزعه عني!! وهذا يدل على عدم الحياد، بسبب الغيظ والحنق، الذي لو مارسه شخص عادي، لأعتبر منقصة في حقه، فكيف بداعية إسلامي؟!
لا يكذب المؤمن:
يقول السيد راشد «وهذا عين ما أعاد انتاجه الباشمهندس محمود محمد طه وإليك بعض النظائر فمثلاً يقول أهورمزدا في الافذتا لذرادشت ان أصولنا تنبني على قول الحق فعل الحق التفكير الحق ويقول محمود الفرد البشري الحر الذي يفكر كما يريد ويقول كما يفكر ويعمل كما يقول وفي اقتباس آخر يقول ابن عربي إن تكن بالله قائماً لم تكن بل أنت هو أنت ظل الغيب في اسمائه والشمس هو..) (الصحافة 11/2/2008م). هل تدرون لماذا أورد الكاتب مصدر عبارة أهورمزدا، ولم يورد مصدر العبارة التي نسبها للأستاذ محمود؟! السبب لأنه لن يجدها بهذه الصورة، المبتورة، في أيٍّ من كتب الأستاذ محمود.. وحتى في القدر الذي أورده راشد، فأين النظائر في قول أحدهم إن أصولنا تنبني على قول الحق، وفعل الحق، والتفكير الحق، وقول آخر إن الفرد الحر هو الذي يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول؟! وحتى لو فرضنا جدلاً، أن الأستاذ محمود أخذ من فكرة أهورمزدا، كما اوردها زرادشت، فما العيب في ذلك، ما دام الرجل يدعو للتمسّك بقول الحق وفعل الحق؟! ألم يقل السيد راشد نفسه «إن المشترك الإنساني ليس حكراً لأحد كما ينشأ بالتراكم والكل قد أسهم فيه فلا مجال للامتنان.. ولنا في رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أسوة حسنة حينما استفاد من تجربة الفرس بحفر الخندق)؟! (الصحافة 14/2/2008م). ولم يذكر لنا راشد أين قال الشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي، هذا البيت الذي كتبه راشد خطأ ثم نسبه للشيخ دون تردد؟! وهو بطبيعة الحال، لن يجده في كتب ابن عربي، لأن البيت من شعر الشيخ عبد الغني النابلسي، وموجود في ديوانه، وهو من قصيدة مشهورة، ينشدها عندنا في السودان، السادة الختمية، والسمانية، والبرهانية في حلقات أنشادهم الديني.. وإن استنكرها الوهابية لجهلهم بحقائق الدين.
يقول راشد «الإنسان الكامل الذي سيحاسب الناس يوم القيامة باعتبار أن القيامة زمان ومكان والله متنزه عن الزمان والمكان على حد زعم محمود» (الصحافة 11/2/2008م). والسؤال الذي يواجه هذا (الباحث) الذي لا يورد المصادر هو: أين زعم الأستاذ محمود هذا الزعم؟ في أي كتاب أو في أي محاضرة؟!
يقول السيد راشد «يقول محمود ويومئذ لا يكون العبد سيداً إنما هو مخيّر قد أطاع الله حتى أطاعه الله معارضة لفعله، فيكون حيّاً حباه الله وقادراً قدرة الله ومريداً إرادة الله ويكون الله» (الصحافة 11/2/2008م). ولم يورد راشد مصدراً لهذا النص الملئ بالأغلاط، وربما نقله من أحد المعارضين سماعاً، أو قرأه في كتبهم، وهو لما كان سيء الظن بالفكرة، لم يرجع ليتحقق من النص، ليدرك أنه مبتور بسوء نيّة، تستهدف التحريض والتشويش على الفكرة.. ومهما يكن من أمر، فإن ما فعله راشد بإيراد هذا النص، بهذه الصورة، مفارقة صارخة لروح الصدق، وللأمانة العلمية.. ومن حقنا أن نتساءل عن هذا المركز، الذي قال راشد انه يعمل به، أين هو؟ وهل يتبع للحكومة أم أنه منظمة طوعية؟ وكيف أعطى تصديقاً للعمل في مجال البحوث، وموظفيه بهذا المستوى المتدني من التأهيل؟! وهل البحوث المقارنة، التي قام بها المركز، عن الأديان الأخرى، أو المذاهب الدينية المختلفة، تناولها باحثون مثل راشد؟!
أما النص المقصود فقد جرى هكذا (وحين تطلع النفس على سر القدر، وتستيقن ان الله خير محض، تسكن اليه، وترضى به، وتستسلم وتنقاد، فتتحرر عندئذ من الخوف، وتحقق السلام مع نفسها، ومع الأحياء والأشياء، وتنقي خاطرها من الشر، وتعصم لسانها من الهجر، وتقبض يدها عن الفتك. ثم هي لا تلبث أن تحرز وحدة ذاتها، فتصير خيراً محضاً، تنشر حلاوة الشمائل في غير تكلف، كما يتضوع الشذا من الزهرة المعطار. ههنا يسجد القلب، وإلى الأبد، بوصيد أول منازل العبودية. فيومئذ لا يكون العبد مسيراً، وإنما هو مخير. ذلك أن التسيير قد بلغ به منازل التشريف، فأسلمه إلى حرية الاختيار، فهو قد أطاع الله، حتى أطاعه الله، معاوضة لفعله.. فيكون حيّاً حياة الله، وعالماً علم الله، ومريداً إرادة الله، وقادراً قدرة الله، ويكون الله. وليس لله تعالى صورة فيكونها، ولا نهاية فيبلغها، وإنما يصبح حظه من ذلك أن يكون مستمر التكوين، وذلك بتجديد حياة شعوره وحياة فكره، في كل لحظة، تخلقاً بقوله تعالى عن نفسه «كل يوم هو في شأن». وإلى ذلك تهدف العبادة، وقد أوجزها المعصوم في وصيته حين قال «تخلقوا بأخلاق الله، إن ربي على سراط مستقيم». وقد قال تعالى «كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون» )محمود محمد طه: الرسالة الثانية من الإسلام.. الطبعة الثالثة، 1969م. الخرطوم. ص 107-108).
والمعنى المقصود من هذه العبارة، هو الدعوة للتطوّر نحو كمالات الرب التي لا تستنفد.. فقد ورد في الأثر، أن العباس بن عبد المطلب، عم النبي (صلى الله عليه وسلم)، قال له: ما أطوع ربك لك يا محمد!! فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): لو أطعته لأطاعك يا عماه. وفي الحديث القدسي المشهور (ما تقرب إليَّ عبدي بأحب الى مما افترضته عليه، ولا يزال العبد يتقرّب إليَّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، وقدمه التي يسعى بها...). والإنسان مؤهل للكمالات الإلهية لأن به روح الله، قال تعالى (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين).. وفي الحديث (إن الله خلق آدم على صورته)!! وليس لله تعالى صورة حسيّة، وإنما صورته هي أنه تبارك وتعالى حيَّ، وعالم، ومريد، وقادر، وسميع، وبصير، ومتكلم، وقد خلق الإنسان كذلك. بيد أن صفاته تبارك وتعالى كاملة، وصفات الإنسان ناقصة.. ومهمة العبادة هي تطوير الإنسان من نقص صفاته، نحو الكمال الإلهي.. غايته من ذلك، أن يكون كاملاً كمال الله، وهيهات!! وإنما مبلغ ما يحققه من ذلك، أن يكون متطوّراً بلا توقف، مجدداً لحياته، وفكره، وفق العلم الذي يتعلّمه من الله في كل لحظة. ومعلوم أن مثل هذا الفهم يشق على أمثال السيد راشد، ممن تأثروا بالوهابية، وظنوا أن الإسلام هو مجرد التهجم على معارف السادة الصوفية، وإنكار كراماتهم، ولراشد بطبيعة الحال، كل الحق في أن يعارض هذا الفهم، ولكن بعد أن يورده بدقة كما كتبه صاحبه.
ومن كذب راشد وغروره، قوله مشيراً إليَّ (فهل يعقل للأميين ديناً لمن لا يحفظ من القرآن ما يحفظه أطفال المسلمين في رياض الأطفال ومن لا يحفظ حديثاً واحداً باسناده.. ولا يحفظ في الدين إلا «طلع البدر علينا») (الصحافة 24/2/2008). فهل يعرفني السيد راشد ويعلم حقاً وصدقاً، بأنني لا أحفظ من الدين إلا «طلع البدر علينا»؟! ثم هل «طلع البدر علينا» من الدين؟! أليس هذا هو الكذب الصراح المتعمّد؟! جاء في الحديث، أن النبي (صلى الله عليه وسلم) سئل: هل يسرق المؤمن؟ قال: قد يسرق!! قيل: هل يزني المؤمن؟ قال: قد يزني!! قيل: هل يكذب المؤمن؟ قال: لا يكذب المؤمن.

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147515786&bk=1
_________________

Post: #370
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 04:57 AM
Parent: #1


تعقيب على راشد أبو القاسم
أين أخلاق الإسلام وأين فهمه؟! (2) الزوجية هي ثنائية الوجود:
ومما يدل على أن راشد لا يحفل إطلاقاً بقيمة الصدق، قوله «ولأدلل على هذا إقرأ معي في الرسالة الثانية للإسلام تعريف العبادة وعلاقتها بالجنس يقول (فهذا الوضع بين الذات الإلهية والإنسان الكامل انفعال العبودية بالربوبية هو الذي جاء منه بين الرجال والنساء انفعال الأنوثة بالذكورة وهو ما يسمى عندنا بالعلاقة الجنسية) هل لهذا التعريف صلة بمفهوم العبادة أو الجنس؟» (الصحافة 29/2/2008م). أولاً: اسم الكتاب هو (الرسالة الثانية من الإسلام)، وليس الرسالة الثانية للإسلام. وثانياً: هذا النص لم يرد في كتاب الرسالة الثانية من الإسلام!! وهو ليس تعريفاً للعبادة، وعلاقتها بالجنس، كما ذكر راشد، وإنما هو تعريف بمستويات الخلق، في التنزل، من الثنائية في قمتها، بين الذات الإلهية والإنسان الكامل، إلى الثنائية في القاعدة بين الرجل وزوجته، وتنزل ثمرة العلاقة، من اللذة الروحانية، إلى اللذة الحسية التي يحققها الزواج.. والنص مسبوق بفقرات قبله، توضّحه، لم يوردها راشد، لأنه قصد الإثارة، ولم يقصد تحري الحق.. فالنص يجري هكذا: (وإلى خلق الأزواج كلها أشار، تبارك وتعالى، بقوله «سبحان الذي خلق الأزواج كلها، مما تنبت الأرض، ومن أنفسهم، ومما لا يعلمون».. «ومما لا يعلمون» هذه، تحوي الإشارة إلى زوج الذات الحادثة «ومن أنفسهم» هذه، تحوي العبارة عن أزواجنا -المرأة- و«مما تنبت الأرض» هذه، تحوي الإشارة إلى كل شيء.. وحين يكون إنجاب الذرية هو نتيجة العلاقة «الجنسية» بيننا وبين نسائنا: «وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء»، تكون ثمرة العلاقة بين الذات القديمة وزوجها -الإنسان الكامل- المعارف اللدنية.. فإن انفعال العبودية للربوبية يرفع الحجب التي أنستنا النفس التي هي أصلنا- نفس الله، تبارك، وتعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة».. وحين يتم اللقاء بين هذين الزوجين -الذات الإلهية والإنسان الكامل- ينبث العلم اللدني، في يفيض يغمر العبد العالم من جميع أقطاره.. ومن هذا العلم اللدني، رجال، ونساء «وتلك الأمثال نضربها للناس، وما يعقلها إلا العالمون».. فهذا الوضع بين الذات الإلهية، والإنسان الكامل -انفعال العبودية بالربوبية- هو الذي جاء الوضع منه بين الرجال والنساء، انفعال الأنوثة بالذكورة وهو ما يسمى عندنا بالعلاقة «الجنسية».. وهي علاقة عظيمة الشرف لأنها، حين تقع بشريعتها بين الأطهار الرفعاء، العارفين بالله، تكون ثمرتها، المباشرة تعميق الحياة، واخصابها، ووصلها بالله، بغير حجاب.. وهذه هي ذروة اللذة.. وتكون ثمرتها، شبه المباشرة، المعارف اللدنية، التي تفاض والتي تغمر الذكر، والأنثى، اللذين تقع بينهما هذه المشاركة النظيفة الرفيعة.. ثم تكون ثمرتها، غير المباشرة، الذرية الصالحة من بنين وبنات «وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء»).. (محمود محمد طه: تطوير شريعة الأحوال الشخصية. الطبعة الثالثة، 1979م. الخرطوم ص 60-61). وراشد ليس عنده ما يعترض به على هذا الفهم، ولكنه ظن أنه يمكن فقط، أن يشوّش على العامة، وينفرهم من الفكرة، لو نقل لهم ما سمعه، من أن الأستاذ محمود يتحدّث عن مستوى زوجية بين الذات الإلهية والإنسان الكامل، ويربط بينه وبين العلاقة بين الرجل وزوجته.. والمعنى المقصود، هو أن الله تبارك وتعالى، كان موجوداً وحده، قبل أن يخلق الخلق، فكان الوجود في حالة (فردية).. ثم خلق أول الخلق، في أكمل صورة، وهو الإنسان الكامل، قال تعالى في ذلك، «لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم». وفي حديث جابر بن عبد الله المشهور قال: بابي أنت وأمي يا رسول الله!! ما أول ما خلق الله؟ قال: نور نبيّك يا جابر.. وبظهور الإنسان، في ذلك المستوى الرفيع، أصبح الوجود في حالة (ثنائية)، وهي المراد بالزوجية، إذ أصبح هناك الرب والعبد. والعلاقة بينهما هي إن الرب يعلم العبد، فينفعل العبد بهذا العلم، ويترجمه إلى حياة.. على أن لحظة الانفعال بالعلم الإلهي، تحقق للعارف لذة عارمة، يحسها لإكتشافه الحقيقة من داخل نفسه.. وتلك هي قمة اللذة الحقيقية الدائمة، وذروة الحياة، التي يشعر بها العارف، حين يغمره العلم الإلهي من جميع أقطاره.. من هذه الزوجية الرفيعة، تنزّلت زوجية أخرى، ومن لذتها المعنوية كأصل، تنزلت اللذة الحسيّة الزائلة كفرع، وتلك هي التي تنتج حسياً، عن انفعال الأنوثة بالذكورة.
إن النقص في هذه اللذة الفرعية، سببه الخوف، وبالانتصار عليه بتحقيق التوحيد، يمكن أن تتعمّق اللذة الناقصة، لو تمت بشريعتها، بين الأطهار السالكين إلى الله، حتى توصل الزوجين بالله، فيشعران حينئذ باللذة الكبرى.. وحين كانت ثمرة الزوجية العليا «العلم اللدني» في القمة، كانت ثمرة الزوجية الدنيا، تعميق الشعور بالحياة ووصلها بالله، ثم المعارف الإلهية التي يحققها الزوجان، حسب مستواهما، ثم الذرية الصالحة، من بنين وبنات. هذا هو الزواج في الحقيقة، وهو أرفع من الزواج في الشريعة، ولتنزل زواج الشريعة منه، أعطي منزلة الشرف، وأحيط بكل القدسية والاحترام. ونحن غالباً، ما نقرأ في مراسيم العقد في زواج الشريعة، قوله تعالى «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة، وخلق منها زوجها، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام، إن الله كان عليكم رقيباً» أو ربما نقرأ (ومن آيته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)، دون أن نتعمّّق ما يربط بين هذه المعاني.
الشريعة والحقيقة:
إن الإسلام، كما جاء في القرآن الكريم، معنى واسع، لا يقتصر على الشريعة، بل إنه يشمل الشريعة والحقيقة.. والشريعة هي طرف الإسلام، الذي تأثر بمجتمع القرن السابع الميلادي، فقنن له بما يناسب طاقته وحاجته. أما الحقيقة، فهي جوهر الدين الباقي، والذي تنزلت عنه الشريعة.. والحقيقة أرفع من الشريعة، ولما كان القرآن المكي في جملته معبّراً عن الحقيقة، بأكثر من القرآن المدني، قلت إن القرآن المكي أرفع من القرآن المدني، فكيف رد راشد، على هذا الفهم؟ قال (ظننت في البداية أنه يقصد بتباين المستويات أي مستويات المخاطبين حتى فاجأنا بقوله إن المكي «أرفع» ومفهوم المخالفة يقتضي أن هناك «رفيعا» وأن هناك -والعياذ بالله- «وضيعا».. فهذا أيضاً يقتضي أن هناك مستويات في الصحة والجودة والكفاءة، فهل يعقل أن يحكم هذا على الله ويتم معايرته وتقييمه وتمريره على لجنة «ضبط الجودة» و«قانون المصنفات» لتحديد الحسن من غير الحسن والمناسب من « المشاتر») (الصحافة 24/2/2008م)، يعترف راشد هنا، أنه فوجئ بهذا الفهم، ولكنه سبق أن قال «حاولت أن اكتشف جديداً يقدمه لنا الكاتب فلم أجد إلا أنه أعادني لأيام الحركة الطلابية وبيئة التعانف الفكري في فترة المراهقة السياسية، نفس المحفوظات وذات الخطاب الديماجوجي الحامض ليس ثمة جديد» (الصحافة 10/2/2008م). والحق أن راشد لم يحضر هذه النقاشات إيام الحركة الطلابية، لأنه لو حضرها لما فوجئ بقولنا إن القرآن المكي أرفع من المدني، لأن هذه العبارة قد رددت مئات المرات، وتم النقاش حولها لعدة سنوات، حتى لم يعد يرفضها أحد من الطلاب مهما كان رأيه في الفكرة.. ومع ذلك، سأشرحها من جديد، فقد يقبلها راشد الآن بعد أن تجاوز مراهقته السياسية.
القرآن كله حسن، ولكن بعضه أحسن من بعض.. ولهذا جاء في الحديث (سيد آي القرآن آية الكرسي) ، وجاء (أن لكل شيء قلب وقلب القرآن يس...) وقال تعالى «واتبعوا أحسن ما انزل إليكم من ربكم».. ومعلوم بداهة، أن آية الصلاة (وأقم الصلاة لذكري)، أرفع من آية الدين (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين فاكتبوه..). وليس في القرآن «وضيع»، ولكن هذه عبارة جاء بها راشد، وهو سيحملها يوم القيامة، مع ما قال إنه سيحمله، إن لم يعجّل بالتوبة.. ونحن عندما نتحدّث عن فهمنا لمستويات القرآن، لا نحكم على الله، وإنما نتعلّم منه، لنطيع أمره باتباع الأحسن، وترك الحسن.. أما عبارات راشد عن «ضبط الجودة» و«قانون المصنّفات» و«المشاتر» فإنها من سوء الأدب مع القرآن، وهذه هي الحالقة التي لا تبقي ديناً ولا تذر..
كنت في تعقيبي، على بروفيسور جعفر شيخ إدريس، قد ذكرت أن الشريعة، قد كانت حكيمة في وقتها، ومع ذلك، فإنها إذا طبقت اليوم، لن توفر الحرية والمساواة، لكل المواطنين ولهذا لا يمكن أن يستمد منها دستور.. فعلّق السيد راشد بقوله: (إن الشريعة أذابت روح القبيلة والفوارق الاثنية يوم قال الله «إن أكرمكم عند الله اتقاكم» وعندما أعلن رسول الله «لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى».. إن الجاهلية التي طعنها سيدي رسول الله في الصميم حين قال لابي ذر «إنك امرؤ فيك جاهلية» يوم عير ابو ذر بلال بان قال سيا ابن السوداء»).. (الصحافة 11/2/2008م). إن الآية والحديث اللذين أوردهما راشد، يمثلان الحقيقة ولا يمثلان الشريعة. ففي الحقيقة، الناس متساوون، ولهذا تقوم المساواة يوم القيامة عندما تنصب موازين الحساب، قال تعالى في ذلك (ولا تزر وازرة وزر أخرى).. ولكن في الشريعة، التي لامست أرض الناس، وتأثّرت بواقعهم، ليس هناك مساواة بين الناس.. ولهذا جاء قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى) جاء في تفسير هذه الآية، أن رأي جمهور الفقهاء هو (لا يقتل الحر بالعبد لأن العبد سلعة، لو قتل خطأ لم تجب فيه ديّة، وإنما تجب فيه قيمته ولأنه لا يقاد بطرفه.. وذهب الجمهور إلى أن المسلم لا يقتل بالكافر لما ثبت في البخاري عن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يقتل مسلم بكافر»، ولا يصح حديث ولا تأويل، يخالف هذا) (تفسير ابن كثير. الجزء الأول ص 199، طبعة دار الحديث القاهرة). ومعلوم في الشريعة، أن الأمة تعاقب بنصف عقاب الحرّة. وفي الحديث (الخلافة في قريش) وهذا يدل على فضل العرب على غيرهم. وحين زجر النبي صلى الله عليه وسلم أبا ذر حين عيّر بلالاً بلونه، إنما كان يشده إلى الحقيقة، إذ لو كانت الشريعة تعتبر عبارة أبي ذر جريمة، لحددت لها عقوبة، ولما تردد النبي صلى الله عليه وسلم في تطبيقها عليه.
وحتى يفهم السيد راشد الفرق بين الشريعة والحقيقة، نضرب له مثالاً آخر، فإن الشريعة لا تحاسب الإنسان إلا على ما يقول أو يفعل، وقد ورد في الحديث، في مستوى الشريعة (إن الله غفر لأمتي ما حدثت به نفوسها ما لم يقولوا أو يفعلوا).. ولكن في الحقيقة، فإن الله يحاسب الإنسان، حتى على ما يضمر في نفسه، قال تعالى «وان تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير»!!
ولقد أورد راشد نفسه، حديثاً يوضح هذا الأمر، ولكنه لم يتأمله، وذلك حين قال «بل حتى البهائم كفل الإسلام واعتنى بحقوقها فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم «يا معشر المؤمنين لا تجعلوا في ظهور دوابكم منابر تتبادلون فيها حديثكم فرب مركوب خير من راكب». )الصحافة 14/2/2008م). أما من حيث الشريعة، فإن الأصحاب رضوان الله عليهم، الذين خاطبهم النبي الكريم بهذا الحديث، أفضل من دوابهم التي يركبونها، بل إن الدواب قد خلقت لهم قال تعالى (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون * ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون * وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم * والخيل والبغال والحمير لتركبوها ويخلق ما لا تعلمون)، ولكن في الحقيقة، التي عبّر عنها حديث النبي صلى الله عليه وسلم، فإن بعض هذه الدواب خير من راكبيها!! وإلى هذه الحقيقة الغريبة، أشار تبارك وتعالى بقوله (ويخلق ما لا تعلمون)..
ولما كانت الشريعة متأثرة بالمجتمع، منزلة لتحل مشاكله، والمجتمعات متغيرة، فإنها لم تكن صورة واحدة، وإنما اختلفت باختلاف المجتمعات، ولهذا تمت الدعوة لتطويرها.. ولقد ذكرت في تعقيبي على بروفيسور جعفر، أن اختلاف الشرائع، سببه اختلاف مستويات الأمم. ونقلت مثلاً ضربه الأستاذ محمود، باختلاف شريعة الزواج، بين آدم ومحمد عليهما السلام. فحين كان زواج الأخ من أخته شريعة إسلامية، على عهد آدم، أصبح الحلال في تلك الشريعة، حراماً في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم. فظن راشد أن هذا هو المثل الوحيد، لاختلاف الشريعة فقال (ثم على طريقة الحاوي الذي يخرج من قبعته أرنبا ليوهمنا أن القبعة بداخلها مزرعة أرانب.. فيقول «ويكفي» وكأن عنده حشد من الأدلة على الاختلافات الجوهرية وأتحداه أن يأتي بأدلة أخرى تخرج من المحتوى التشريعي للإسلام وأنا أقول لا يوجد.. وذلك ببساطة لاستثنائية وتفرد حالة آدم عليه السلام وأمنا حواء) (الصحافة 27/2/2008م). ولو كان راشد عالماً، لقال أنا لا أعرف حالة أخرى، لاختلاف الشريعة غير حالة آدم، ولما اتخذ من جهله فضيلة، وصرّح بأن ما لا يعرفه هو، لا يوجد!!
عندما كان اليهود في أول عهدهم طيبين، كانت أشياء كثيرة حلالاً لهم، ولكن حينما ظلموا وقست قلوبهم، فإن الطيبات التي كانت حلالاً، أصبحت في حقهم حراماً، في نفس الدين.. قال تعالى في ذلك (فبظلم من الذين هادوا حرّمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيراً). أما اختلاف الشرائع بين الأديان، فإن من أمثلته، أن اليهودية قد قامت على القصاص في المعاملة، بينما قامت المسيحية على العفو.. فقد قال السيد المسيح، عليه السلام (سمعت إنه قيل عين بعين، وسن بسن، أما أنا فأقول لا تقاوموا الشر. من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر، ومن سخّرك ميل فاذهب معه ميلين، ومن أخذ قميصك فأعطه رداءك)!! ولقد فرض الله على اليهود، إن أرادوا التوبة أن يقتلوا انفسهم، لتقبل توبتهم!! فقال جل من قائل (وإذ قال موسى لقومه يا قومي إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ذلكم خير لكم عند بارئكم فتاب عليكم إنه هو التواب الرحيم).. أما أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فقد نهاهم الله عن قتل أنفسهم فقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم، ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً).. إن كل هذه الأمثلة، إنما تدل على اختلاف الشرائع بين الأمم، لاختلاف ظروف الأمم، وما كنت لأحتاج لإيرادها، لولا مغالطة راشد، وحسن ظنه بنفسه.. وذلك لأن هذا الاختلاف، قد ورد بالنص، في قوله تعالى (لكل منكم جعلنا شرعة ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة)..
ويبدو أن راشد قبل مسألة زواج ابن آدم من أخته على مضض، فراح يحكي لنا، كيف أن حواء كانت تلد توائم، ويتزوّج كل منهما توأمة أخيه، فقال (ولا يجوز للتوائم في نفس البطن أن يتزوجا «وقع ليك؟» رجاء «بلاش خم» كفى تسطيحاً وهذيانا.. سادتي القراء هذا ليس قياساً هذا شغب...) (الصحافة 27/2/2008م). فهل نفت هذه الرواية، التي أتى بها من الأثر، دون أن يسندها بالقرآن، أو الحديث، إن آدم زوّج الولد من أخته؟! وأن هذا العمل كان شريعة إسلامية مرضية من الله، بسبب ظروف البشرية في ذلك الوقت، وانه حين زالت تلك الظروف، تغيّرت الشريعة وأصبحت الأخت محرمة على أخيها، في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم؟! وهل كان راشد يحتاج إلى عبارة «وقع ليك؟» و«التسطيح» و«الهذيان» و«بلاش خم».. لو كان يستطيع أن ينهض بحجة؟! أم أنها جميعاً، عبارات مهاترة استعاض بها عن قصور الفهم، وحاول جاهداً أن يواري بها عجزه؟!

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147516032&bk=1
_____

Post: #371
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 04:57 AM
Parent: #370



--------------------------------------------------------------------------------

أين أخلاق الإسلام وأين فهمـه؟! (3-3) مرحلية الجهاد الأصغر:
د. عمر القراي

يقول السيد راشد «أما المتعلّق الثاني وهو الجهاد فهي متعلقة بطبيعة المهمة وسر الوجود في الأرض قال تعالى «وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون»- صدق الله العظيم أي عبادة الله وعبادته بما شرع، على هذا الأساس يتحدد المسلمون في أنحاء الأرض لنشر الخير والهدى للعالم، فيحدث أن تشكّل السلطة الزمنية ممثلة في ملوك وأباطرة الكفر جدران صد لهذا النور الفياض أولاً ثم إنها تشكل خطراً عسكرياً على دولة الإسلام في موسم الصراع الحضاري ثانياً».. (الصحافة 20/2/2008م). وهذا رأي قديم، قال به سيد قطب ومحمد قطب رحمهما الله، ونشره الأخوان المسلمون في كل مكان.. وخلاصته أن حروب الإسلام كانت دفاعية، ولم تكن بغرض نشر الإسلام بالقوة، وإنما كانت بسبب محاربة الطواغيت من الأكاسرة والأباطرة، الذين يمنعون شعوبهم من اعتناق اللإسلام. ولم يورد راشد، ولا من سبقه، دليلاً واحداً من القرآن أو الحديث على هذا الزعم. جاء في تفسير قوله تعالى «فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم» («فإذا انسلخ الأشهر الحرم» أي إذا انقضت الأشهر الأربعة التي حرمنا عليكم فيها قتالهم وأجلناهم فيها فحيثما وجدتموهم فاقتلوهم.. قوله «فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم» أي من الأرض وهذا عام والمشهور تخصيصه بتحريم القتال في الحرم.. قوله «وخذوهم» أي وأسروهم إن شئتم قتلاً وأن شئتم أسراً قوله «واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد» أي لا تكتفوا بمجرّد وجدانكم لهم. بل اقصدوهم بالحصار في معاقلهم وحصونهم والرصد في طرقهم ومسالكهم حتى تضيقوا عليهم الواسع وتضطروهم إلى القتل أو الإسلام ولهذا قال «فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم» ولهذا اعتمد الصديق رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة على هذه الآية الكريمة وأمثالها حيث حرمت قتالهم بشرط هذه الأفعال وهي الدخول في الإسلام والقيام بأداء واجباته... وقد جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه قال «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة» الحديث.. وهذه الآية الكريمة هي آية السيف التي قال فيها الضحاك بن مزاحم إنها نسخت كل عهد بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أحد من المشركين وكل عقد وكل مدة وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية لم يبق لأحد المشركين عهد ولا ذمة منذ نزلت براءة وانسلاخ الاشهر الحرم...). (تفسير ابن كثير الجزء الثاني 317 -318 طبعة دار الحديث القاهرة).. فالجهاد إذاً سببه الشرك، وليس منع الملوك شعوبها اعتناق الإسلام، وهو قتال الناس وليس قتال الطواغيت، وشرط إيقاف القتل الدخول في الإسلام والقيام بواجباته.. ولما فرضت الشريعة الإسلام بحد السيف، أبقت الناس داخل حظيرة الإسلام بالسيف أيضاً، ولذلك قامت الردّة، وجاء في الحديث (من بدل دينه فاقتلوه).. فلو كان الناس في الشريعة يدخلون في الإسلام باختيارهم، لسمح لهم أن يخرجوا منه باختيارهم. يقول راشد عني (وهو هنا لا يستطيع التمييز بين الكافر «المحارب» والكافر «المعاهد» وخلط بين الظرف الخاص لجزيرة العرب والتي استدل بالآية على قتال وإجلاء الكفار حتى يسلموا وظرف بقية أقطار العالم أجمع) (الصحافة 14/2/2008م). والحق أن راشد هو الذي لا يستطيع أن يميز، لأن العهود مع الكفار قد نسخت بسورة ببراءة، فقد جاء (وقال علي بن ابي طلحة عن ابن عباس في قوله «براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين? فسيحوا في الأرض أربعة أشهر» الآية قال حد الله للذين عاهدوا رسوله أربعة أشهر يسيحون في الأرض حيث شاءوا وأجل أجل من ليس له عهد انسلاخ الأشهر الحرم من يوم النحر الى سلخ المحرم فذلك خمسون ليلة فأمر الله نبيه إذا انسلخ المحرم ان يضع السيف في من لم يكن بينه وبينه عهد يقتلهم حتى يدخلوا في الإسلام وأمر بمن كان له عهد إذا إنسلخ أربعة أشهر من يوم النحر إلى عشر خلون من ربيع الآخر ان يضع فيهم السيف أيضاً حتى يدخلوا في الإسلام) (تفسير ابن كثير- الجزء الثاني ص317. طبعة دار الحديث. القاهرة). ثم إن راشد يزعم بأنني خلطت بين الظرف الخاص بجزيرة العرب، وظرف بقية العالم، دون أن يخبرنا عن اختلاف الظرفين وكيف خلطت أنا بينهما.. ولقد ذكرت أن التشريع يتقييد بظروف المجتمع، فرفض راشد ذلك، فلماذا جاء يحدثنا عن ظرف خاص بجزيرة العرب، في أمر تشريع الجهاد؟! وإذا كان الجهاد قد قام كظرف خاص بجزيرة العرب، فلماذا تدعو الجماعات الإسلامية له في كل مكان؟! وحين أعلنت حكومة الإنقاذ في بداية عهدها، الجهاد على جنوب السودان وجبال النوبة، لماذا لم يعترض راشد بحجة إن هذه ليست جزيرة العرب؟! وحين يعجز راشد عن الدفاع عن الحروب التي جرت باسم الجهاد، يطيب له أن يقول بأن الغرب، والشيوعيين، وأميركا يفعلون فظائع أكبر، فقد كتب (وفي نفس فترة «استالين» و«بيريا» الرهيب تجمد أكثر من (6) ملايين قوقازي في ثلاجات سيبريا... لن أحدثك عن مأساة السمبريرو على يد الأسبان ولا بكائية الرق في نظام «الابرتيد» بجنوب أفريقيا ومحرقة الهنود الحمر في براري أميركا وغيرها وغيرها من فعل كل هذا؟) (الصحافة 20/2/2008م). إن الذين ارتكبوا هذه الجرائم، ليسوا مسلمين، وليسوا إنسانيين، فما وجه الحجة في إيراد ما فعلوا؟! هل يريد راشد ان يقول اننا يجب الا ندعو للمستوى الإنساني الرفيع من ديننا، وان نتمسك بصور الشريعة على ما بها من قتال، لأن كل الآخرين يفعلون فظائع أكبر؟! ولم يحدثنا راشد وهو يبرر الجهاد، كيف سيبرر نتائجه مثل الرق، وما ملكت أيمانهم.. ولقد ورد في الحديث، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال وهو راجع من إحدى الغزوات (رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر- جهاد النفس)!! فالجهاد الأكبر، هو الذي يحتمل صاحبه الأذى، دون أن يدفع عن نفسه، وهو يدعو الآخرين بالتي هي أحسن، ويرجع إلى نفسه، كي يقومها، متى ما رفض الآخرون دعوته.. ولقد ظل النبي عليه السلام، على هذا المستوى الرفيع، طوال فترة الدعوة في مكة، وعلى نهجه نزل معظم القرآن. ولكن هذا المستوى، قد تم نسخه حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة، وأحكم الجهاد الأصغر، فاستبدل مستوى حرية الاعتقاد بمستوى الوصاية التي فرضت الإسلام وأحكمت السيف فوق الرقاب. قضية المرأة التحدي الأكبر: لقد ذكرت أن الشريعة الإسلامية، رغم حكمتها في وقتها، لا توفر للمرأة الحاضرة المساواة، فالمرأة مثلاً على النصف من الرجل في الشهادة، فرد راشد بقوله «أما بالنسبة لموضوع الشهادة فهذا شأن وظيفي بيولوجي سيكولوجي فالمسألة ليست متعلّقة بالتحمل بقدر ما هي متعلقة بالإدراك ابتداء وتغليب العاطفة على العقل فلو أن إنساناً سقط في مكان عال فماذا يتوقّع من إمرأة تشاهد المنظر الحين ستصرخ وتغطي وجهها ولن تدرك إذا ما دفع هذا الشخص أو سقط خطأ... على كلٍّ فالإسلام دين مساواة ولكنه بالدرجة الأولى دين حقوق...) (الصحافة 22/2/2008م). ما هي المساواة التي يبشر بها راشد النساء، حين يقرر أن المرأة ناقصة الإدراك إبتداء، وأنها تغلب عاطفتها على عقلها، لدرجة أنها تغطي وجهها، فلا ترى الأحداث التي يجب أن تشهد عليها!! فإذا كان هذا هو ظنه بجنس النساء، ألا يجوز أن تكون حالة المرأة التي حدثنا بأنها اعترضت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بقوله: (في الماضي أوقفت المرأة قراراً سيادياً في رأس الدولة عمر بن الخطاب حتى قال عمر «أصابت إمرأة وأخطأ عمر»). (الصحافة 22/2/2008م) حالة شاذة لا يصح الحكم بها؟! فلقد أراد عمر رضي الله عنه، أن يحدد المهور، وهو شأن يخص النساء، وليس قراراً سيادياً كما ذكر هذا (الباحث) الذي لا يميّز بين الأحوال الشخصية، والقرارات السيادية.. ولقد اعترضت المرأة معتمدة على قوله تعالى: «وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً»؟! ولم يقل عمر: جزاك الله يا أختي فقد بينت لي حكم الله!! وإنما قال «أخطأ عمر وأصابت إمرأة!!» ولو كان هذا الوضع هو السائد في مجتمع الشريعة، لما استغربه عمر رضي الله عنه.. أم يظن راشد، أن الإستاذ الجامعي اليوم، إذا سأل سؤالاً فأخطأ شاب، وأصابت فتاة سيصيح «أخطأ فلان وأصابت إمرأة»!! ولم يجد راشد ما يدفع به في قضية المرأة، غير المرأة التي اعترضت على عمر رضي الله عنه، وامرأة أخرى قال عنها (ففي الماضي قامت كل الدنيا من أجل إمرأة قالت «وامعتصماه») (الصحافة 11/2/2008م). فهل هذه وتلك، هي الحقوق التي يزعم راشد أن الشريعة وفرتها للمرأة؟! ثم هل يصدق راشد ان المعتصم قاد الجيوش، وتحمل الخسائر في الأرواح، والعتاد، والأموال، ليغزو «عمورية» ويفتحها، فقط لأن امرأة صاحت «وامعتصماه»؟! ألا ترون أن راشد يحاورنا بعقلية طلاب المدارس الإبتدائية، الذين تحكى لهم هذه الحكايات، فيصدقونها، ويفرحون بها؟! وهل المعتصم نفسه، كان في حكمه ملتزما بالشريعة، حتى يثور لنصرة المظلوم؟! أم إنه ورث الحكم وورثه مفارقاً لنظام الخلافة الإسلامية؟! وأنه قام بالفتوحات توسيعاً للسلطان، وجلباً للغنائم، حين انحط الدين في النفوس، واستغل لجمع الدنيا، بعد تحوّلت الخلافة إلى ملك عضوض؟! يختم راشد موضوعه عن المرأة بقوله «على كل الإسلام دين مساواة ولكنه بالدرجة الأولى دين حقوق فإذا لم يساو بين النساء والرجال فهل سلب المرأة حقوقها؟ ثم ما هي العلاقة بين الرجال والنساء هل هي علاقة مغايرة وتضاد أم أنها علاقة توازن وتكامل كما الليل والنهار الماء والنار، الضياء والظلمة، السكون والحركة، الموجب والسالب، هل تستطيع ان تفاضل بين أي من هذه الثنائيات آنفة الذكر؟) (الصحافة 22/2/2008م) إذا نهضت المرأة بكافة الواجبات التي ينهض بها الرجل، ثم لم تتم المساواة بينهما، فإن هذا يعني سلبا لحقوق المرأة.. والعلاقة بين الرجال والنساء، علاقة تكامل وتعاون تقوم بين الأكفاء. ولا عبرة بقول راشد إن الثنائيات التي اوردها، لا تفاضل بينها، لأن التفاضل قائم بطبيعة الحال، ولكنه متفاوت حسب الحاجة في الزمان والمكان.. فإذا كنت في صحراء ولم تشرب لأيام، فإن الماء أفضل لك من النار، وإذا كنت في القطب الشمالي، فإن النار أفضل لك من الماء وهكذا.. فهل من العقل أن يقول راشد لا تفاضل بين الضياء والظلمة؟! فأنى يصرف راشد عن قوله تعالى «قل هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور»؟! وما ظنه بقول الشاعر: وما انتفاع أخي الدنيا بناظره ? إذا استوت عنده الأنوار والظلم النسخ والإجتهاد: يقول راشد (ثم يفاجئنا «الملا عمر القراي» بفهم جديد نقلاً عن صاحبه «العضيني» ان النسخ معناه الإرجاء وليس الإلغاء وكالعادة ليس ثم مرتكزات مهنية في مهنية التحقيق والتوثيق العلمي او أدنى مستوى لمرجعية ما لغوية كانت أم فقهية ولا حتى عقلية فمن أي شيطان استمد هذه الاحكام على كلام الله...) (الصحافة 24/2/2008م)، ثم هو بعد ان اساء الى رأيي كل هذه الإساءة، قال (واستمع لكلام أهل العلم -هداك الله- النسخ لغة معناه الإزالة وليس الإرجاء ومنه يقال نسخت الشمس الظل.. والنسخ إصطلاحاً رفع الحكم الشرعي بخطاب آخر) (الصحافة 27/2/2008م) فما الذي يجعل رأيي من الشيطان، ويجعل رأيه هذا، كلام أهل العلم؟! ثم أليس من أدنى متطلبات التوثيق العلمي، ان يدلنا على مرجع عبارته، التي ادعى أنها من كلام أهل العلم؟! وحتى لو قبلنا ان عبارته نقلها من بعض المفسرين أو الفقهاء، فهل يكفي ذلك لاعتبارها العلم الذي لا علم بعده، واعتبار ما سواها من الشيطان؟! وأنا لم اتحدث عن المعنى اللغوي للنسخ، وانما تحدثت عن المعنى الاصطلاحي، والذي قال راشد إنه يعني رفع الحكم الشرعي بخطاب آخر.. والسؤال هو: هل هذا الرفع سرمدي أم انه مرحلي؟! فإن قلت إن رفع الحكم سرمدي، بمعنى أن ما نسخ لن يحكم إلى يوم القيامة، فما الحكمة من انزاله إذاً؟! وإن قلت إن رفع الحكم مرحلي، بمعنى أن ما نسخ سيحكم في المستقبل، فهذا يعني أن النسخ إرجاء.. وهذا ما قلت به، وعليه يعتمد تطوير التشريع. ولقد ذكر راشد أنني فاجأته بمفهوم الإرجاء، وهذا يدل على أنه لا يعرف أقوال علماء السلف، الذين اعتبرهم نهاية العلم، ثم هو لا يفهم المفاهيم الحديثة التي أشرت إليها في مقالي، فلماذا يتصدى للنقد؟! فقد جاء (قال علي بن ابي طلحة عن ابن عباس «ما ننسخ من آية أو ننسها» يقول ما نبدل من آية أو نتركها لا نبدلها. وقال مجاهد: عن أصحاب ابن مسعود أو ننسأها نثبت خطها ونبدل حكمها. وقال عبد بن عمير ومجاهد وعطاء ننسأها نؤخرها ونرجئها.. قال ابو العالية «ما ننسخ من آية أو ننسأها» نؤخرها عندنا.. عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال خطبنا عمر رضي الله عنه فقال يقول عز وجل «ما ننسخ من آية أو ننسأها أي نؤخرها» «تفسير ابن كثير -الجزء الأول ص143 طبعة دار الحديث القاهرة». هل كان راشد يعرف أن من علماء السلف من فسّر النسخ بالرجاء والتأخير؟ لقد ذكرت أن الاجتهاد، يجب أن يكون فيما فيه نص، وذلك بمعرفة الحكمة وراء النص، ولكن راشد رفض هذا الفهم، وأعاد علينا رأي الفقهاء بأنه لا يجوز الاجتهاد في ما ورد فيه نص. وكنت قد ذكرت أن الأشياء التي لم ترد فيها النصوص، لا أهمية لها عند الله ورسوله إذ لو كانت مهمة لوردت فيها النصوص.. ولكن راشد يرى (أن الإجتهاد يكون في التحسينات وليس في الواجبات والضرورات) (الصحافة 28/2/2008م). ثم يذكر راشد أطفال الأنابيب، واستنساخ الأعضاء، والصلاة في مركبة الفضاء، والتأمين.. إلخ، ثم يقول «فهل ما سبق له أهمية عندك أم لا؟ فإن قلت بأهميته فأين تجد صريح ذلك في القرآن؟ فإن لم تجد ظهر الفساد في رأيك وإن قلت ليس له أهمية عندي انكرت التقدّم وبذلك كنت عائقاً للحضارة والتقدم» «المصدر السابق». أنني لا أواجه الإشكال الذي ورّط فيه راشد نفسه، فأنا أرى أن هذه الأمور ليست من الضرورات، التي لها أهمية من حيث التشريع الديني، ولهذا لم يرد فيها نص صريح.. ونحن يمكن أن نتعامل معها، كأمور دنيوية، نختلف اأو نتفق حولها، دون اقحام الدين.. ولكن السؤال الذي يواجه راشد هو: هل يقبل الاجتهاد في هذه النماذج التي أوردها؟! فإن أجاب بنعم، فهذا يعني أنه يعتبرها من التحسينات، وليس من الضرورات، وذلك لأنه قال «إن الاجتهاد يكون في التحسينات وليس في الواجبات والضرورات» (المصدر السابق). وبذلك يكون قد اتفق معي، ويكون مثلي عائقاً للحضارة!! أما لو أجاب بأنه لا يقبل الإجتهاد فيها، وهي أشياء لم يرد فيها نص، فإنه يكون قد رفض الاجتهاد فيما فيه نص، وفيما ليس فيه نص، فلم يبق له إلا النقل من السلف رغم دعاوى الاجتهاد!! خاتمة: لقد كان من الممكن، أن استمر في التعقيب على السيد راشد ابو القاسم أكثر، حتى لا أترك جملة من كتابته دون تعليق.. ولكن لم يكن همي تفنيد كل ما قاله، بقدر وضع يده على حقيقة أنه يتصدى لنقد فكرة، لم يطلع عليها إلا من خصومها، دون صدق، ودون منهجية علمية.. وهو لا يعلم أنني بدأت مثله، معجباً بفهم السلف، حافظاً لآرائهم، ثم بعد دراسة متأنية انتقلت لمستوى متقدّم في فهم الإسلام، فما يقدّمه راشد لي معلوم عندي، وما أقدمه له، جديد عليه، ومفاجئ له.. وكل ما أرجوه من راشد، أن يقدم ما يقع في قلبه من الحق، على حظ نفسه في الغلبة. ويقرأ الفكرة بتمعن، من مصادرها بعقل محايد، ويسأل الله صادقاً، أن يريه الحق من الباطل، فإنه إن يفعل ذلك، يحمد عقباه، إن شاء الله.

http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=45908
____

Post: #372
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 04:58 AM
Parent: #371


عبد الإله زمراوي في ضيافة منتدى إشراقة احتفاءً بالإبداع السوداني، استضاف منتدى إشراقة


دفع الله سليمان
الشاعر عبد الإله زمراوي قارئاً ومتحدثاً عن تجربته الشعرية. وقدّم للندوة وأدارها الأستاذ محمد الصديق عمر الإمام. وبعد تحيته للحضور وشكره للمنتدى، بدأ الأستاذ زمراوي حديثه بفذلكة تاريخية عن حياته في مراحل التعليم المختلفة وعلاقته باللغة العربية وعلاقته بالشعر. والتحق بجامعة الخرطوم وفصل منها لأسباب سياسية. وهاجر إلى المغرب حيث درس القانون، وعمل بالقضاء حتى أحيل للصالح عام في 1989م، وهاجر إلى الولايات المتحدة حيث يقيم حتى الآن. أما عن علاقته بالشعر فقد أصدر ديوانه الأول «سيوف الجفون» عام 1987م، وطبعت منه خمسون نسخة وتم توزيعها على الأصدقاء، أما الديوان الثاني «صهوة العمر الشقي» فقد صدر عن دار عزة في عام 2007م، وكتبت معظم قصائده في أميركا والبعض الآخر كتب بالمغرب والخرطوم. وفي المهجر كانت الكتابة العزاء الوحيد. وذكر أن القصائد الوطنية كتبت بإخلاص كبير، وحزن بلغ درجة البكاء. ويحاول استلهام التاريخ والصوفية مرتكزه الاخير، ولم ينتم لاي حزب سياسي، وقصائده عن عبد الخالق محجوب ومحمود محمد طه عبارة عن قصائد وطنية، لانهما شخصيات وطنية. وقرأ زمراوي مجموعة من القصائد ابتدرها بقصيدة «بكائية في حضرة الوطن» لم احتمل زهو الحروف على قرابين الرياء الاناشيد التي تأتي على نار المساء وعصافيري التي اخرقها القلب فنامت عند احزان الضياء وأردفها بقصيدة «أغنيات الليل»: وكانت قصاصاتي تزين جيدها والحرف مد الكف في ألق النهار والأغنيات نسجتها بالعطر أحكمت الشراع مراكبي عجلى مزاميري تحاول خطوها المنشور في جزر المحار وهذه القصائد لم تضمن في ديوانه «صهوة العمر الشقي».. اما ديوان صهوة العمر الشقي، فقرأ مجموعة من القصائد: ملحمة الوطن لا تحزن مثلي يا مولاي لا تحزن من صحراء التيه وجدر السلطان اضرب بعصاك اللحظة جوف البحر خذنا مقتدرا كالبرق الخاطف نحو الشطآن خبئنا بين النهر وبين الورد وغابات الريحان حين أتاك الليل بناحية الصخور زحف النيل وسار الجمع وسرنا نحوك تسبقنا الخطوات الى آخر القصيدة ذات البعد الوطني.. كما قرأ قصيدة خبئني ما بين دفاترك الثورية ونقود اليوم سداة الليل بضحكة أقدار الخيل وظلمة انجمنا الوردية فالخيل مسومة عندي نتجشأ سفر التكوين والنوق تسامر تتجمل في حضرة أشواك الصحراء النوبية كما قرأ مجموعة من القصائد «خذوا فكري» «قائد الجنود والفيالق الحزينة» والى نساء العالم اعلف خيلي» ثم قصيدة «وكان عرسها مصادفة» وفي مداخلته يرى الشاعر عبد المنعم الكتيابي، ان معظم نصوص ديوان «صهوة العمر الشقي» كتبت بالمغرب واميركا. وهنالك نص واحد كتب بالخرطوم. هل الوطن الممزق هو الثيمة العامة لكتاب المهجر. وفي رأيه أن التجربة الخارجية فضحت الداخل، والمواضيع غلبت عليها فكرة الهم الوطن الممزق، ولا يوجد نزاع مركز وهامش. فالفعل مهضوم الحقوق هنالك.. دعوة للم شتات الوطن. وبالديوان نصوص تغني لوطن مشتت.. اما في ما يتعلق باللغة فتغلب عليها الغنائية، وكذلك الموسيقى والتراكيب تطغى على النصوص مدرسة الغابة والصحراء، فهنالك حضور لمحمد المكي ابراهيم، عالم عباس، وصلاح احمد ابراهيم. وبعد ترحاب بالشاعر يقول د. علي عبد الله عبد الرازق، ان الشاعر عبد الاله مجروح بهم الوطن، وعاش أزمة الوطن من الخارج، وهي اكثر وضوحا من الداخل. والشاعر عبد الاله يعبر عن أزمة حقيقية يمر بها السودان، وعقد التسعينيات جسد ازمة السودان، واصبح فيها حال الوطن بين السودان واللا سودان.. ويجدد دكتور علي عبد الله إعجابه بالكتابة ذات البعد الثوري، بعد ترحابه بالشاعر والحضور. ويعتقد الروائي كامل التوم أن الأمسية ثورية، لأن الشعر الذي قرأ كان شعر ثورة. ونحن نقدم شهادات وليست دراسات نقدية. والقراءات هي شاعر مهموم بواقع الوطن. ويتساءل عن الحب في شعر عبد الاله، كما يتساءل عن شعر الغزل والاخوانيات، كما يعتقد كامل التوم أن قصيدة «كان عرسها مصادفة» من القصائد المتفردة بالديوان، وبها رمزية عالية، وهي قصيدة مميزة. إن أسماء القصائد تختار بعناية فائقة، وكانت معبرة، وتصميم الغلاف كان جميلا. ويضيف الأستاذ خالد محمد أحمد، أن مدرسة الغابة والصحراء ظاهرة في الافكار واللغة، وكان لشعرائها حضور كبير، كما أن الثورية لم تكن ضد نظام الإنقاذ، بل ضد كل الأنظمة الشمولية. ويعتقد الأستاذ خالد أن الديوان إضافة للمكتبة السودانية.

http://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=45796

Post: #373
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 04:59 AM
Parent: #372


كرنفال الشعر في ندوة إشراقة احتفالاً بيوم الشعر العالمي


دفع الله سليمان
بعد ترحيبه بالحضور، ذكر د. هاشم ميرغني أن هذه القراءات الشعرية تصادف الاحتفال باليوم العالمي للشعر، ومرور ثلاثين عاما على تأسيس ندوة اشراقة. ورغم أن الاحتفال بالشعر يتم يوميا وباشكال مختلفة، الا انه جرى تقليد بأن يخصص يوم للتركيز اكثر حول هذا الموضوع. التركيز سوف يكون على القراءات الشعرية، لكن بالمقابل سوف تكون هنالك مساحة للتعليق والاضافة، او اضاءة التجربة الشعرية، او اية مداخلات تصب في نهر الشعر الخالد. وبعد استماعه لقصائد الشعراء عبد الله زمراوي وتيمور عبد الغفور، طرح د. هاشم ميرغني سؤالا مهماً، هو الى أي مدى يمكن أن تتداخل الوطنية مع الشعر، دون ان ينال ذلك من الشعر. وهنالك ذائقة في الخارج لديها مشكلة مع الشعر السياسي، اي ترى ان الشعر السياسي يمكن التعاطف معه بالحسابات الوطنية والسياسية والكره للظلم، ولكن هذا لا يصبح المعيار الوحيد للشعرية مهما كان الموقف الوطني. في رده على السؤال أعلاه، يعتقد الأستاذ عبد المنعم الكتيابي، أن هذا السؤال أرهق الشعر كثيرا، ويقع دائما عند النقاد في مشكلة البحث عن قضية للشعر. ونتج ذلك من الموروث القديم في تقسيم الشعر الى اغراض وابواب، فمثلاً الشعر الوطني في السودان ارتبط بحركات التحرر الوطني في ظرف تاريخي محدد. ولكن الشاعر له الحق في تبني قضايا او مواقف سياسية، ويعبر عنها بالشكل الذي يريد. وفي رأيي الشخصي هنالك نوعان من الشعر الذي يرتبط بالسياسة، فمنه ما يكون مرهونا بمرحلة تاريخية معينة ينقضي بانتهاء تلك المرحلة، وآخر يتناول هماً سياسيا ملازما لنا، مثل الشموليات والدكتاتوريات والخوف من وأد الفكرة وقمع المفكرين، كالقصيدة التي تفضل بقراءتها عبد الإله زمراوي. وعموما سؤال الشعر والسياسة شائك ومعقد. وهنالك فرق بين قصيدة سياسية وأخرى وطنية، فالقصيدة السياسية تحمل فكرا معينا او ضد نظام معين. ويواصل كامل التوم من الله، ولكنه يعتقد ان قصيدة زمراوي تتناول قضايا انسانية، وهي الظلم والاضطهاد والدكتاتورية.. فعبد الخالق ومحمود محمد طه هما رمزان من رموز التضحية التي حدثت في وقت سياسي معين في السودان، وعلى هذا الأساس يمكن تصنيفها ضمن القصائد الإنسانية، لأن الموضوع الذي تناولته موضوع انساني. وفي رأي الشاعر عبد الاله زمراوي، ان الوطن يأخذه اخذا، وعندما يمسك قلمه ليكتب لا يرى الا الوطن، وهذه اشكالية كما ادركها أخيراً، وخرج من هذا الوطن مطرودا وحزينا، ووجد نفسه في بيئة لم يألفها من قبل. وبقدر ما هي جميلة تقسو احيانا. والشاعر احد افراد المجتمع الانساني، يعبر عما يختلج في دواخله. والوطن بالنسبة له قضية، وبسببه بدأ الكتابة، وفي رأيه أن الوطن مقدم على كل شيء. إن الشاعر عالم عباس كتب شعراً يجمع بين الاصالة والحداثة، هكذا يرى الأستاذ صديق المجتبى، وهو الذي منح الشعر الحديث معناه واصالته وقوته في التعبير. ويعتقد الشاعر عبد القادر الكتيابي، أن هذه الحوارات تدور حول جدوى الشعر، وفي ذاكرته كثير من الجدل الذي ناقشه من قبل ت.س. اليوت في كتابه فائدة الشعر وفائدة النثر. وهذا السؤال ربما يجوز طرحه في مجتمعات اخرى غير هذه الامة التي جبلت على التذوق البياني، وفي الحديث «لن تدع العرب الشعر حتى تدع الإبل الحنين». وأن الذائقة الشعرية مغروسة في الوجدان الجمعي العربي، والشعر كما قالت السيدة عائشة رضي الله عنها كلام كسائر الكلام حسنه حسن ورديئه ردئ. وللشعر فضاءات واسعة. وفي حق استاذه عالم عباس ذكر الكتيابي أنه كان يترقب الملحق الثقافي لصحيفة «الأيام» ليتصيد قصائد الشاعر عالم عباس وفضيلي جماع، وكان يجد في تلك النصوص راحة ايما راحة. وعندما كان يلتقي به في الأمسيات العامة التي كان يشهدها، وجد فيه رجلا عامر الوجدان بلغة القرآن ومعرفة الدين. وكان ختام الأمسية حديث الشاعر الكبير عالم عباس الذي ذكر أن هذه أقوال مجتبى، وهي مثل عين الرضاء التي عن كل عيبٍ كليلة. ويسأل الله أن يجمله في عيون اصحابه، ويجعله خيرا مما يظنون، وأنه يعتز بكل هذه الشهادات المحبة، لأنها جاءت من بيت الكتيابي فلهم جزيل الشكر. وفي رأي الشاعر عالم عباس، انه لا يعرف أمة تحتفي بالشعر كما تحتفي به هذه الامة.. امة قامت على الكلمة، ودينها بدأ باقرأ، واللغة العربية بمستوياتها المختلفة من جزالتها الى عاميتها العبقرية الزاخرة تبين لنا لم نحتفِ بهذه الكلمة. والشعر لا يموت ولا يفنى. وكل الفنون خرجت من عباءة الشعر، ويبقى الشعر رافدا لكل الفنون، يتصالح ويتآلف معها، يزكيها ويؤطرها، وما فنى منه فإنه قطعا لا يستطيع البقاء، وليس فيه من جينات الخلود.. وسيبقى الشعر الى أن تندثر الكلمة ويندثر القول.

http://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=46024
___________

Post: #374
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 05:00 AM
Parent: #373



--------------------------------------------------------------------------------

بشفافية
إذن ... ضربك كوكو

قد تجدون للحكاوى التي سأقصها عليكم مناسبة تبررها وقد لا تجدون، وقد تجدون فيها فائدة وعبرة وقد لا تجدون، فالكاتب يكتب والقارئ على هواه على رأي أبونا الشيخ قريب الله الذي نُسب إليه أنه قال (يغني المغني وكلٌ على هواه) وذلك حين سئل عن سبب إنتشائه وتمايله طرباً مع أغنية (يا ليل أبقالي شاهد على نار شوقي وجنوني) التي نظم كلماتها شاعر الحقيبة المعروف صالح عبد السيد المشهور بـ (أبو صلاح) وأول من غناها كروان السودان كرومة، وكان رداً مفحماً من أبونا الشيخ أخرس من حاولوا النيل منه بسؤالهم الاستنكاري، فشهادة الليل للعابد الزاهد ليست كشهادته على الماجن العربيد.... يحكى عن أبونا فيليب عباس غبوش رحمه الله أنه كان من دهاة الساسة ومن أمهرهم براعة في الخروج سالماً من المطبات الحرجة والزنقات الخانقة التي يستطيع بكل حذاقة أن يخرج منها كما تخرج الشعرة من العجين ومن ذلك تلك (الزنقة) التي وقع فيها إبان العهد المايوي حين أتهم بتدبير وتنظيم إنقلاب (عنصري) على النظام، واستطاع أمن النظام وقتذاك بالحق أو بالباطل أن يعضد التهمة بحشد من الأدلة كان كافياً أن يذهب بالرجل إلى (الدروة) إلا أن دهاءه مكنّه من تلقفها جميعها كما تلقفت عصا سيدنا موسى حيّات فرعون فعاد الرجل إلى داره بدلاً عن (الدروة) أما كيف حدث ذلك فتلك قصة تطول حسبنا منها دلالتها على براعته في الحصول على البراءة من تهمة أقل عقوبة لها عدة سنوات من السجن، وقيل أن أبونا فيليب حاول (إهداء) تجربته هذه للشهيد محمود محمد طه إلا أن مبدئية محمود التي تناقض تماماً براغماتية فيليب ذهبت به إلى حبل المشنقة.... ومما يحكى عن أبونا فيليب أيضاً أنه كان سريع البديهة حاضر النكتة وبارع في إثارة المشاعر وحشد التأييد لقضيته بمختلف الوسائل والتكتيكات والتكنيكات ومن ذلك ما يروى عن انتقاده أمام حشد من مناصريه ما أسماه الغناء (العنصري) الذي قال أنه يمجد (عناصر) معينة تدل عليها أسماء معينة من شاكلة حمادة ولؤى وهلمجرا مستنكراً على هذه الأغاني تجاهل بني جلدته الذين تغلب بينهم أسماء توتو وكوكو وكوه وتيه وكافي، متسائلاً لماذا لا نسمع أغنية تقول مثلاً (كوكو بابو جنب بابنا، كوكو بوظ أعصابنا)، ولم يكتف أبونا فيليب بنقطة الاثارة التي بلغها حديثه هذا بل ذهب بالاثارة إلى أبعد من ذلك فأضاف حتى حامد بريمة يلعبونه في المؤخرة (حارس مرمى) ولا يلعبونه في المقدمة (رأس حربة).... وعلى ذات نسق (حكاوى) أبونا فيليب تقول (حكوة) أخرى أن يافعاً ينتمي للطبقة المخملية و(الناس النقاوة) دخل على (مامته) وهو يجهش بالبكاء فسارعت الوالدة الحنون لاحتضانه وهدّأت من روعه وناولته قطعة شيكولاتة مثلجة وبعد أن هدأ الطفل وسكت نشيجه سألته (الماما) عن ما أبكاه فقال كنا مجموعة من صبية الحي نلعب الكرة في الفسحة الفاضية بين ال?لل فضربني أحدهم، قالت الأم بلهفة ومن ضربك، قال لا أعرف على وجه التعيين فقد ضُربت إثر (دربكة) تشابكت فيها الأرجل والتحمت الأجسام، قالت ومع من كنت تلعب، قال سامر ووائل ورأفت وشهاب ولؤى وكوكو، ولم يكمل الصبي بقية الأسماء فعند بلوغه اسم كوكو صرخت أمه، هو كوكو، إذن ضربك كوكو.... وكوكو هذه الكلمة (الشاذة) التي انحشرت بين أبناء الحي الراقي كان هو إبن حارس الشركة التي استأجرت منزل الملياردير (فلان) الذي هاجر إلى استراليا.... إنتهت (الحكاوى) ولنعد إلى حيث بدأنا، فهل وجدتم فيها مناسبة أم لم تجدوا، وهل وجدتم فيها عبرة أم لم تجدوا، أم أن بعضكم وجد والآخر لم يجد... أنتم أحرار على رأي أبونا الشيخ قريب الله فيما تجدوا وما لا تجدوا، أما أنا على أية حال أجد فيها فرصة للترحم على روح أبونا فيليب أولاً ثم فرصة أخرى للفت النظر إلى بعض مداخل تحقيق السلام الاجتماعي من أجل وطن قوته تكمن في تعدده وتنوعه...
.

http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=46310
___

Post: #375
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 05:01 AM
Parent: #374


في عموده مسارب الضي : كتب الحاج وراق:
عن تجديد الخطاب الديني
أفرد «مسارب الضي» اليوم لتعقيب من البروفسير عبد الله عوض عبد الله،وأرجو ان تثير هذه المداخل حواراً ثراً مع المفكر حيدر ابراهيم علي: أخرج الدكتور حيدر ابراهيم علي مقالاً اسماه «في تجديد الفكر الديني» بجريدة «الصحافة» في شهر أغسطس من العام 2003م، ثم اعقبه بثلاث مقالات تحت عنوان جديد اسماه: «تجديد الخطاب الديني» بنفس الصحيفة في شهر سبتمبر من عام 2003م وهما عبارة عن ورقة قدمت لندوة الثقافة العربية التي انعقدت بالقاهرة خلال الفترة من اول يوليو الماضي وحتى الثالث منه، وقد امها لفيف من المفكرين والمثقفين في العالم العربي. تحت عنوان: «إلى ماذا تدعوا العالم؟ ندوة تجديد الفكر الديني» جاء تعقيبي على المقال الاول بتاريخ 29/8/2003م بجريدة الصحافة وكنت قد وعدت القراء بمواصلة الحوار ولكن عندما واصل الدكتور مقالاته بالصحيفة وفي نفس الموضوع تحت عنوان آخر اسماه «تجديد الخطاب الديني» اضطررت الى الانتظار حتى ينتهي من مقالاته الثلاث وهوكما اعرف رجل عالم كيس فطن، والمؤمن «كيس فطن» الدين ليس عدو العلم... الجهل هو عدوهما معاً. هذا زمن يتفقه فيه الناس لغير الدين، ويتعلمون العلم لغير العمل وتلتمس فيه الدنيا بعمل الآخرة .... المسلمون ليسوا في حاجة الى المؤتمرات، والتوصيات والمحاضرات لنصرة دينهم بعد الله، بقدر ما هم في امس الحاجة الى فهم جديد لدينهم، ومعيشة جادة به، ثم استلهام ذكي له، حتى يدخلوا التاريخ مرة اخرى، فيكتبوه، ويغيروا مجراه، كما فعلوا في البعث الاسلامي الاول حين لم يكن اكبر همهم الدنيا، وحين كثر عملهم وقل قولهم.. ليس هناك كبير وقت ينفق في مثل هذه المحاولات التي يحتشد فيها المفكرون والمثقفون موسمياً، في مثل هذه المؤتمرات ثم ينفضون، وقد ازدادوا غفلة عن قصور موقفهم الديني الذي ينبغي ان ينتبهوا اليه اولاً واخيراً والعالم من حولهم ينتظر وينظر، ان تجديد الخطاب الديني ليس هو سرد تاريخي فحسب لمجريات الاحداث وحدها وانما النظر الى ما سوف يأتي به المستقبل، ان الذي ينقص الخطاب الديني لهؤلاء المفكرين والمثقفين هو الفهم الواعي للاسلام، والذي يعوذهم هو التطبيق الصادق لنهج نبيه، كي ينضجوا كدعاة، وتتربى الشعوب على ايديهم، ثم يجئ بعد ذلك الحكم تابعاً ومتمماً فافهموا دينكم على حقيقته، وعيشوا نهج نبيه على بساطته يكتب لكم عز الدنيا وشرف الآخرة.
باختصار شديد اذا كانت غايتنا هي تجديد الفكرالديني والخطاب الديني ، فإن لكل غاية وسيلة وبمعرفة الغايات تتحد الوسائل، لان الوسيلة طرف من الغاية ومن جنسها.. وبالقدر الذي به تتحد الغايات وفق هذه الغايات الصحيحة والوسائل الصحيحة المفضية اليها، والعمل وفق هذه الغايات والوسائل تكون حياتنا انسانية، تقوم على الفكر السليم، والسلوك الرشيد الموجه بهذا الفكر.. وهذا ينبغي ان نعرف الغاية من كل سلوك نسلكه في القول او في الفعل، او في ترك القول، او ترك الفعل، بحيث يكون سلوكنا كله، في جميع تفاصيل حياتنا سلوك هادف لا تسيرنا فيه الغرائز والاهواء، وانما تسيرنا فيه المعرفة بالغايات الصحاح والوسائل الصحاح، وبقدر تحقيقنا في هذا المجال تتحقق انسانيتنا وتكمل حياتنا، وبقدر تقصيرنا في هذا المجال يكون تقصيرنا في تحقيق انسانيتنا وفي تحقيق كمالاتنا. ان التغيير او التحديث في الخطاب الديني يجب ان يبدأ من النفس البشرية، يبدأ من داخل كل نفس منا فإن نحن غيرناها الى ما هو احسن امكن ان نغير الى الاحسن غيرنا.. والا فلا.. فان فاقد الشئ لايعطيه. ان كل عمل نعمله، في عصرنا هذا يجب ان يقوم على علم، وعلى تخطيط وفق العلم، وعلى تنفيذ وفق التخطيط، هذه هي الخطة العلمية التي باتباعها في اثناء اداء عملنا اليومي، نكون سائرين في طريق التوحيد الذي هو غرض عبادتنا، وغرض حياتنا. وبتجديد الفكر الديني يسمو الخلق ويصفو الفكر وهو طريقنا الوحيد الى خلق ارادة التغير، والى حسن توجيه ارادة التغير- التغير الى الحكم الصالح، وهو الحكم الذي يقوم في آن واحد، على ثلاث دعامات من مساواة اقتصادية، ومساواة سياسية ومساواة اجتماعية وذلك هو الحكم الذي يجعل انجاب الفرد الحر ممكناً والانسان الحر هو غاية الحياة ولايصدر منه الا الخير بالاحياء والاشياء فالغاية اذن امر مرتبط بالمعرفة وبالحياة في جميع مستوياتهما من ادناها الى اعلاها وبقدر معرفتنا بالغايات في حياتنا، وفي احداث الكون من حولنا، تطمئن نفوسنا وتقوم حياتنا على معرفة الحكمة «ومن يؤتى الحكمة فقد اوتى خيراً كثيرا» آية «269» البقرة. والعكس الصحيح كذلك!! فبقدر جهلنا بالغايات وضعف ايماننا بوجودها تضطرب حياتنا وتكتنفها عوامل الحيرة والقلق والاضطراب النفسي وهذا ما يطالعنا من حياة معظم ابناء عصرنا الذين توفر لهم الكثير جداً من اسباب الرفاهية المادية ولكنهم لما كانوا لايعرفون الغاية من وجودهم، ومن حياتهم وغاب عنهم الايمان بالغايات في هذا المجال، اصبحت حياتهم بلا هدف ، الذي يتناقض مع طبيعتهم الاساسية التي تبحث عن الهدف في كل شئ.. وبسبب من هذا التناقض اصبحت حياة الانسان المعاصر تعيسة وفارغة وعجزت كل صور الاشباع المادي ان تشبع حتى الحاجات المادية فيها، كل هذا بسبب الجهل ومن الجهل الذي يؤدي الى المعصية الجهل بالغايات... ولان الانسان فعلاً هو غاية الاكوان وخلاصتها فاني اتفق مع الدكتور الفاضل واختلف معه في كثير مما ذكره. وفي آخر مقال له عن تجديد الخطاب الديني قوله: «في الختام التجديد في الخطاب الديني والبعد عن العنف لابد ان تمهد له تحولات وثورات اجتماعية وسياسية وفي البداية لابد من تغيرات تحسن وضعية الحريات ودمقرطة المجتمعات الاسلامية والاهم من ذلك تحسين الاوضاع المعيشية من خلال تنمية مستقلة وشاملة تقلل من رهق وانهاك المواطن في سبيل لقمة العيش اذ لم يعد له وقت فراغ.. وهذا حق انساني للاستمتاع بالحياة خارج اللهاث اليومي من اجل تلبية الحاجات الاساسية بوجود مصدر دخل ثابت ومعقول «يسميه المواطنون الرزق لانعدام الضمان وتأمين استمراره »قد نخطئ كثيراً حين نتوقع ان يكون مثل هذا المواطن المسحوق والمهمش جزءاً من عملية تجديد فكري او ديني فالمطلوب تغير الواقع من خلال مواطن ايجابي ومشارك يتخلص من اللامبالاة واحتقار الذات وان يعمل ضمن مجتمع مدني نشط وقاعدي، وان ينضوي الى احزاب وحركات سياسية واجتماعية تجمع الجهود الفردية بقصد احداث التغير. هذا هو ميدان المعركة الثقافية وخط دفاعها الاول وضمانه عدم عزله المثقف الذي لم يعد له برج عاجي بل كهف بارد وموحش وهنا يكمن الحديث عن تأسيس ثقافة وطنية عقلانية وانسانية. هذا ما ذكره الدكتور حيدر ابراهيم علي وهو يعد خلاصة حديثه في تجديد الفكر الديني.. وتجديد الخطاب الديني. اما انا فأحب ان اضيف شيئاً الى ما ذكره الدكتور الا وهو، ان الانسان يتطور حقاً في المعارف العقلية ولكنه ايضاً يتطور في المعارف الروحية وهذا ما غفل عنه الدكتور الفاضل.. وان غد الانسان المعاصر هو الغد المأمول الذي ستملأ الارض فيه عدلاً كما ملئت جوراً.. ولايكون ذلك الا بفضل الله ثم بفضل تطور الانسان الروحي الى درجة لم يسبق لها مثيل في سوالف الحقب، وعلى من يريد التميز الدقيق ان يأخذ دينه ممن استقاموا ولا يأخذه ممن قالوا!! والتطور الروحي هو تطور في مستويات الاخلاق حيث يجعل الحياة الانسانية ممكنة ثم اذا تم التغيير كما ذكر الدكتور، ماذا يكون بعد التغيير؟ أليس هو ارساء دعامات الحكم الصالح من مساواة اقتصادية ومساواة سياسية ومساواة اجتماعية.. أليس هذا ما دعا له الدين كما نعرفه ونفهمه ولا يحتاج الى تأسيس ثقافة وطنية عقلانية وانسانية وانما يحتاج فعلاً الى تجديد الفكر الديني.. والخطاب الديني الذي هو موضع حديثك. ان الاسلام مبرر بما يكفي لو فهمنا نحن المسلمون دقائق حكمه، فابرزناها لكان ذلك الاقناع كل الاقناع.. والافحام كل الافحام ولكان تجديد الفكر الديني والخطاب الديني... ولكان العالم كما ينبغي ان يكون محبة وعدل وسلام.
والى الله عاقبة الامور

Post: #376
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 05:02 AM
Parent: #375


أفرد الأستاذ الحاج وراق بابه مسارب الضى فى جريدة الصحافة اليوم لبروفسير عبد الله عوض عبد الله الذى كتب: [لقد نشرت جريدة الصحافة مقالا للأستاذ الحاج وراق بتاريخ 2/8/2003 بعموده مسارب الضى المشهود له بالموضوعية وبالنهج العلمي، وبطرح تصور محدد لمعالجة القضايا الأساسية فى المجتمع السوداني والعالمي.. وتحت عنوان: "من أساء للإسلام" قفزت صورة متكاملة إلى ذهنى تعبر عن الماضى والحاضر والمستقبل.. "من أساء للإسلام؟": ما قامت فتنة فى تاريخ الشعوب الإسلامية الحافل بالفتن الدامية، إلا وكان دعاة الفتنة يلبسونها لبوس الدين ويتلون النصوص المقدسة من القرآن والسنة. كان ذلك منذ أن رفع فريق من الناس المصاحف على أسنة الرماح تحريا للمكر والخديعة، وجاء رجال مسخرون ليسبوا رجلا مثل الإمام علي بن أبى طالب رضى الله عنه من منابر المساجد وليصفوا آل البيت ويمثلوا بهم أبشع مثلة. وكل ذلك كان باسم الدين، وفى إطار الدولة الإسلامية!! حتى آل أمر الخلافة إلى ملك عضوض، يتوارثه الأبناء عن الآباء، أو سلطان دنيوي غاشم يغتصب بالسيف، ثم لا يلبث أن يذهب بالسيف كذلك.. وصار أمر الدين ينصل من حياة الرعاة والرعية، وأمر الدنيا يعظم فى صدورهم، حتى آل الأمر إلى ما نحن عليه، حيث تفرقت الأمة إلى طوائف وفرق وأحزاب، وتحققت فيها نذارة النبي الكريم فى قوله: (وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة..) ولا زالت الفتن الدامية تطل برأسها كل حين، ولا زال دعاة الفتن يتخذون الدين وسيلة للتضليل والمكر والخديعة قال تعالي: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض، قالوا: إنما نحن مصلحون..ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون}.. صدق الله العظيم..
إن بلادنا هذه تعيش هذه الأيام وضعا دقيقا وحساسا لا يحتمل المزايدة باسم الدين، تلك المزايدة التى يمارسها بعض الأفراد والجماعات ومن سار سيرهم.. وأن أى دعوة أو فكرة ناقصة، إنما هى فتنة. هى فتنة لأنها تريد أن تفرض نقصانها على الناس، ولأنها تستغل اسم الله.. وهى فتنة بهذا الإعتبار لأنها تستطيع أن تضلل الناس والشباب منهم بصورة خاصة، وتلك ظاهرة تسترعي الإنتباه فى السودان حاليا.. أن الجهل بالدين عند المتدين، إنما يورث مستويين من الخلل الفكري، المضر بالفرد والمجتمع أولهما: التعصب الدينى.. وهذا يجعل صاحبه منكفئا على نفسه، منغلقا على مبلغه من العلم مهما كان يسيرا.. فهو لا يسمح لغيره، ولا يجد فى نفسه الإستعداد، والسعة لإحتمال أن يكون الحق عند غيره، ولذلك يضيق صدره بمخالفيه فى الرأى، إذا ما أرادوا إبداء آرائهم.. ثانيا.. يصير صاحبه متطرفا دينيا، يصوغ نفسه وأتباعه صياغة توهمهم بأنهم أوصياء على الآخرين، يحملونهم بالعنف على ما يعتنقونه هم من مذهب، بل يسفكون دماء الأبرياء من المسلمين ومن غير المسلمين بدعوى الجهاد فى سبيل الله، غير مدركين لعمق رعاية الإسلام لحرمة النفس حتى لقد جاء فى الحديث الشريف: (لأن تنقض الكعبة حجرا حجرا، أهون عند الله من سفك دم إمرئ مؤمن بغير حق). لنحذر نحن السودانيين، ولنحذر نحن المسلمين من الفتنة السوداء التى تنطلق باسم الدين والإسلام.. ولكن بالرغم من هذا، فما للإنسانية غير الإسلام، لأنه يحل مشاكل الإنسان المعاصر التى عجزت الفلسفات والأديان عن حلها.. هو من أجل هذا الغرض النبيل، وليس من أجل أن يضيف إلى ما تعانيه البشرية اليوم من الإنقسامات والحروب، عداوات وإحتراب الطوائف الدينية التى خلفها الزمن.. الإسلام يعلم الناس السلام لا يمرسهم على الإرهاب والعنف.. هو علم نفس يروض النفوس ويهذبها، لا ليطلق العنان لنزاعات الحيوان فيها.. فإلى متى هذا العبث بعقول الناس وبدين الله؟ إن الشر كله إنما يجئ من جهل الناس بالدين والإسلام، وإن ما يجرى فى السودان حاليا باسم الدين، لا يدرأ خطره إلا بتسليط الضوء عليه.. ضوء الفكر الديني الواعي وذلك إنما يتم بفتح مجال الحوار، ووضع الأسس والضوابط التى يجري على هداها هذا الحوار حتى يكون منضبطا بقانون الأخلاق والدين فما من حقيقة تعنى الإنسان والعالم على تنوعها، إلا وألم بها من خلال هذا الحوار، ولما كنا نحن المسلمون بصورة خاصة معنيون بأن نبين أن العلوم الأخرى تقوم فى مناهجها على مصادر، وعلى أسس إيمانية أو بديهيات عقلية، ما ضرنا أن نقول ونوضح أن أسس المعرفة جميعها واحدة، وأن المنهج العلمي وان اختلف فى بعض وجوهه، عن المنهج الديني، إلا أنه ليس فيه شئ يجعله أكثر علمية من المنهج الديني، وأن الحقائق التى يتوصل إليها، هى نفس الحقائق التى توصل إليها من قبل المنهج الديني حيث حقائقه هى التى ينبغى أن تقوم عليها المعرفة الصحيحة. فما أساء للإسلام حديث الأستاذ وراق وما ضرنا نحن المسلمون إن لم ير البعض منا هذا الرأى ولله فى حكمه شؤون

Post: #377
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 05:02 AM
Parent: #376


وقفات فى المقام المحمود
ابراهيم موسى أحمد
فى ذكرى شهيد الفكر
الأستاذ محمود محمد طه
من زمن الجوع الكافر والطوفان وبنوك السحت
وخز الكلمات المعسولات من نظم الحكام خدام الذات
من تاجروا بالأرض وبالعرض بحليب الطفل حنان
الأم
دعاء الشيخ – بتراث الأهل، المأثورات، المعتقدات
وبالنكبات وبالأحياء وبالأموات
يأتى الفساق المأجورون تجار الدين بنصوص عن
قتل المرتد
عن التفكير، عن التفكير، عن الكفار
الجوع الكافر ينهش فى أحشاء الأرض
الحرب الكافر يمزع فى أشلاء الوطن الممتد
يا مولاى: الجوع، الحرب الكافر كيف يقام عليه
الحد؟؟؟؟؟
*****
المفكر محمود محمد طه ذلك المهندس الذى كان من اوائل المهندسين وإن أراد الدنيا لأصبح من أثرى الأثرياء، ولكنه إختار الطريق الوعر طريق الفكر مبشرا بأفكاره الدينية والسياسية رغم اختلافى البائن معها ولكنى احترمها واحترم حياة الزهد التى اختارها وزاد تقديرى لتربية تلاميذه الراقية ونشره لثقافة المحاورة ونبذ العنف ومعاركه فى كافة المجالات مع علماء السلطان والفرق السياسية والمفكرين أمثال د. مصطفى محمود والشيخ الشعراوى.
ودفاعه عن السادات ومصالحته لإسرائيل التى كانت رجسا من عمل الشيطان وأصبحت الآن يتهاوى عليها الزعماء كالفراشات على نار الهوى.
وازداد احترامى له وهو يواجه التكفير ومحاكم التفتيش وهو يواجه حكم الإعدام ولا يستأنف ولا يسترحم ويلقى ربه فداءا لفكره بل عزة ورجولة أهل السودان.
ولقد عجزت عن رثائه – فقد رثاه عالمنا المفخرة البروفيسر عبدالله الطيب – أسبل الله عليه ثياب العافية – وهو المفكر والمفسر لكتاب الله بقصيدة (مصاب وحزن)
قد شجانى مصابه محمود
مارق قيل وهو عندى شهيد
وطنى مجاهد وأديب
منشىء فى بيانه تجويد
حتى أن الشيخ ابوزيد محمد حمزة، أحد قيادات أنصار السنة، قد صرح بأنه بكى عليه رغم خلافه مع افكاره.
وكانت مقالة الأستاذ أحمد بهاء الدين فى مجلة المستقبل بعنوان "الحجاج فى الخرطوم" رسالة لبقية المفكرين بأن هناك رؤوس قد حان قطافها وكان اعدامه اشارة البدء لإعلان التجمع الوطنى الذى أطاح بنظام مايو ودولة الهوس الدينى، لذلك كانت كلماتى عبارة عن تحية تقول:
تحية معظمة لشيخنا المسالما
مقاطعا محاكم التفتيش والصبية الأيفاع
والحكم والمحاكمة
تحيتى تقول ان كنت كافرا أو كنت مسلما
يكفيك يا محمود ان تموت باسما
كموقف الرجال
ولن تمحى من خلدى تلك الصورة البشعة لإستتابة الجمهوريين والكل يشهد ويشاهد من خلال شاشة التلفاز علامات الصلاة الأصلية على جباههم ورغم ذلك يطالبون بالإقرار بالكفر البواح!!! شىء يدعو للتقزز
إنحناءة اكبار للصنديد الأستاذ عبداللطيف عمر وهو يحاور وسط ذلك الكم من الإرهاب الفكرى وعبارته البليغة التى رد فيها على مقرره عن رأيه فى الأستاذ محمود وأفكاره وكيف يكون وهو يحمل تلك الأفكار؟ فأجاب الأستاذ عبداللطيف يكون أى شىء.
وحين زوال حكم فريد عصره – جعفر نميرى – لم يات ليدعى البطولة وتلك المقولة الممجوجة "هذا شرف لا أدعيه" وإن ادعاه لكان لائقا عليه كثوب عامر
وانحناءة اجلال للأستاذ صلاح المصباح الذى كان دفاعه عن الأستاذ محمود جزء مهم للحكم عليه بالسجن والجلد والإزلال ... لكم التحية اخوتى الجمهوريين اين ما حللتم فقد أنذرنا مكتوبكم (الهوس الدينى يدير الفتنة ليصل الى السلطة) ولم نستبن نصحكم وها نحن نشهد بحسرة بذور التطرف والتكفير تطرح ثمرها المر فى مسجد الجرافة
رحم الله شهداء الجرافة وشهداء الحرية والديمقراطية ولا أعاد الله تلك الأيام التى ليس لها ايقاع
ودامت مودتى لكم
الصحافة 18 يناير 2001

Post: #378
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 05:03 AM
Parent: #377


صدي
يوم أن اهتز الضمير الإنساني ...

امال
كُتب في: 2008-01-21

[email protected]


الجمعة الفائتة كانت الذكرى الثانية والعشرين لاغتيال المفكر الاسلامي الاستاذ محمود محمد طه ... لقد ذهب جسد محمود محمد طه ولكن بقيت سيرته وبقيت مساهماته الفكرية تسخر من محاولات التكفير العقيمة .. بقيت الذكرى لتشكل محطة دائمة للتأمل والتفكير في الاصرار على محاربة الظلاميين الذين تورق مضاجعهم نور الحقيقة وتوهج الحق.
«وكان من الطبيعي في ظل ذلك المناخ ان يتحول الاسلام في تفكير هؤلاء الى مجرد وقود» للعراك السياسي.... وقود يحترق لكي يخوضوا معاركهم السياسية والاجتماعية ضد خصومهم .. لم يعد الاسلام هو منظومة القيم الروحية والاخلاقية التي تتخلل كيان الفرد والمجتمع .. بل صار مجرد يافطة سياسية لحشد الجماهير واستغلال البسطاء وابتزاز أنصاف المتعلمين وتحريك عواطف كثير من المعنيين وحين يتحول الدين هذا التحول الخطير يسهل ان يتولى القيادة الدينية بين الشباب خاصة اقلهم علما ووعيا واكثرهم في الوقت نفسه قدرة على الفعالية الحركية السياسية، وان العبرة لم تعد فهم الدين بل استخدامه.
هذه كلمات كتبها دكتور نصر حامد أبوزيد في كتابه «التفكير في زمن التكفير» ضد الجهل والزيف والخرافة وهي جاءت في مقاله بعنوان الاسلام بين الفهم العلمي والاستخدام النفعي .. اوردها للتأمل والتفكر .. وطبعا دكتور نصر كفر بعد معركة مع دكتور عبد الصبور شاهين في مصر عام 1993م.
في اليوم الثامن عشر من يناير عام 1985م اهتز الضمير الانساني .. والعقل السلمي في السودان بصورة خاصة وفي العالم باطلاقه .. اهتز ضمير الذين يدركون بشاعة ان يحاكم الفكر في اطار معطيات التقلبات السياسية.
كان من المخجل والمؤسف ان يدمغ بالكفر من يحاول ممارسة الفكر وان يكون التكفير هو عقاب التفكير .. وهومخجل بل وجريمة في اى مجتمع وفي اية لحظة تاريخية.
بالمقابل كانت هناك على الدوام عقول متوهجة وضمائر يقظة آثر اصحابها التضحية بحياتهم بحثاً في الفكر الحر لوجه الله وفي سبيل حياة افضل للانسان خليفة الله على الارض .
عقد محكمة للاستاذ محمود محمد طه واعدامه كان جريمة ثورة مايو وفضيحتها السياسية البشعة بل وخطيئتها الكبرى في الربع الاخير من القرن العشرين ... فقد كان الامر ليس امر دفاع عن الاسلام بقدر ماهو اغتيال سياسي رتبت له بعض الجماعات السياسية الملتحقة بالاسلام والتي في اساسها كانت تخاف التعرية الفكرية .
ولأن الفكر لا يموت وان طالت يد الغدر السياسي حياة اصحابه وسمعتهم وعقيدتهم ... فالفكر اعظم ما كرم الله به الانسان على مخلوقاته كافة.
كان الاستاذ محمود محمد طه يمارس فضيلة التفكير والتأمل المسؤول في الشأن الانساني والشأن السوداني بسبر غور الدين الاسلامي الرسالة الخاتمة .. رسالة ان يعم الخير ويسود العدل.
مازالت بعض الجماعات ترفع رايات الدين الاسلامي وتخرج على الناس بدعوى انهم وحدهم المسلمون الناجون من النار وبئس المصير .. انهم يسيئون للاسلام ولثورته المتقدة دوما من اجل العدل والمساواة والقائمة اساسا على العقل والفكر لا على الخنجر او السكين والفؤوس والبندقية.
ستبقى ذكرى الاستاذ محمود محمد طه قيمة نضالية تجسد الصمود وتدين ممارسة التكفير في وجه التفكير.
هذا مع تحياتي وشكري


http://www.alsahafa.info/index.php?type=6&issue_id=1317&col_id=1
_

Post: #379
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 05:04 AM
Parent: #378


صدي
اغتيال محمود محمد طه

امال
كُتب في: 2007-01-18

[email protected]


«وكان من الطبيعي في ظل ذلك المناخ ان يتحول الاسلام في تفكير هؤلاء الى مجرد وقود للعراك السياسي وقود يحترق لكي يخوضوا معاركهم السياسية والاجتماعية ضد خصومهم ... لم يعد الاسلام هو منظومة القيم الروحية والاخلاقية التي تتخلل كيان الفرد والمجتمع ... بل صار مجرد يافطة سياسية لحشد الجماهير واستغلال البسطاء وابتزاز انصاف المتعلمين وتحريك عواطف كثير من المعنيين وحين يتحول الدين هذا التحول الخطير يسهل ان يتولى القيادة الدينية بين الشباب خاصة اقلهم علما ووعيا واكثرهم في الوقت نفسه قدرة على الفعالية الحركية السياسية لان العبرة لم تعد فهم الدين بل استخدامه).
هذه كلمات كتبها دكتور حامد ابوزيد في كتابه (التفكير في زمن التفكير) ضد الجهل والزيف والخرافة ، وهي جاءت في مقالة بعنوان «الاسلام بين الفهم العلمي والاستخدام النفعي» اوردها للتأمل والتفكر ، ودكتور نصر كفر بعد معركة مع دكتور عبد الصبور شاهين في مصر عام 1993م .
في مثل هذا اليوم الثامن عشر من يناير عام 1985م اهتز الضمير الانساني والعقل السليم في السودان بصورة خاصة وفي العالم على اطلاقه .. اهتز ضمير الذين يدركون بشاعة ان يحاكم الفكر في اطار معطيات التقلبات السياسية .
كان من المخجل والمؤسف ان يدمغ بالكفر من يحاول ممارسة الفكر وان يكون التكفير والموت هو عقاب التفكير وهو عار وجريمة في أى مجتمع وفي اية لحظة تاريخية.
وبالمقابل هناك على الدوام عقول متوهجة وضمائر يقظة آثر اصحابها التضحية بحياتهم ثمنا للفكر الحر لوجه الله وفي سبيل حياة افضل للانسان خليفة الله على الارض.
عقد محكمة الاستاذ محمود محمد طه والحكم باعدامه كان كارثة ثورة مايو وجريمتها السياسية البشعة بل وخطيئتها الكبري في الربع الاخير من القرن العشرين .. فقد كان الامر ليس امر دفاع عن الاسلام بقدر ماهو اغتيال سياسي رتبت له بعض الجماعات السياسية الملتحفة بالاسلام والتي في الاساس كانت تخاف التعرية الفكرية وكانت مستهدفة ايجابيات ثورة مايو وللأسف استطاعت ان تدفع برئيس الجمهورية ومع تحفظ ورفض الفعاليات السياسية والاجتماعية على رأسها الشباب والنساء والعمال .. استطاعت ان تدفعه الى ممارسة الاختلاف الفكري ان وجد في قاعات المحاكم بدلا من المنابر.
ولان الفكر لا يموت وان طالت يد القدر السياسي حياة اصحابه وسمعتهم وعقيدتهم .. فالفكر اعظم فأكرم الله به الانسان على مخلوقاته .. محمود محمد طه لم يمت وانما ظلت ذكراه وهجا في طريق ممارسة فضيلة التفكير والتأمل .
كان الاستاذ محمود محمد طه يمارس فضيلة التفكر والتأمل المسؤول في الشأن الانساني والشأن السوداني بسبر غور الدين الاسلامي الرسالة الخاتمة .. رسالة ان يعم الخير ويسود العدل.
مازالت بعض الجماعات ترفع رايات الدين الاسلامي وتخرج للناس بدعوى انهم وحدهم المسلمون الناجون من النار وغيرهم كفرة وزنادقة مثواهم النار وبئس المصير .. انهم يسيئون للاسلام ولثورته المتقدة دوما من اجل العدل والمساواة والقائمة اساسا على العقل والفكر لا على السكين والبندقية والفؤوس .
ستبقي ذكرى الاستاذ محمود محمد طه قيمة نضالية تجد الصمود وتدين التكفير في وجه التفكير.
هذا مع تحياتي وشكري



http://www.alsahafa.info/index.php?type=6&issue_id=1171&col_id=1
_________________

Post: #380
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 05:05 AM
Parent: #379


نقابة
إنهم يقولون ما لا يفعلون
( نقابة أساتذة جامعة الخرطوم كمثال )
* في قصيدة ( أجراس العودة ) والتي تترنم بكلماتها الفنانة الكبيرة فيروز هنالك مقطع يقول :
الآن الآن وليس غداً ... أجراس العودة فلتقرع
ويرد عليها شاعر متشائم - أو فلنقل شاعر واقعي - بقوله :
غنت فيروز مرددة ... آذان العرب لها تسمع
الآن الآن وليس غداً ... أجراس العودة فلتقرع
عفواً فيروز ومعذرة ... أجراس العودة لن تقرع
خازوق دق بمقعدنا ... من شرم الشيخ إلى سعسع
وهكذا حالنا عندما نسمع الخطب الطنانة عن الحرية والديموقراطية التي شرّع إتفاق السلام أبوابها ... والكلمات الرنانة عن مشاركة الجماهير في صنع القرار وتسيير دفة الأمور حسب ما جاء في بروتوكولات نيفاشا وإتفاقيات مشاكوس الإطارية ... عندما نسمع كل تلك الوعود البراقة نتوهم أن أجراس عودة الديموقراطية قد قُرعت فعلاً وأصبح رنينها يصم الآذان ولكن ما تكاد تسطع شمس الحقيقة علي فقاعات الوهم إلا ويتبخر حلمنا ونكتشف أن الحرية والديموقرطية لا تزالا مكبلتين بسلاسل الشمولية ... وليس ما حدث مع زعيم حزب الأمة السيد الصادق المهدي أو ما حدث في مكتبة البشير الريح بأم درمان يوم الثلاثاء 18 / 1 عندما أوقف رجال الأمن الإحتفال بحقوق الإنسان الأفريقي والإحتفاء بذكرى إستشهاد الأستاذ محمود محمد طه رغم وجود التصديق بذلك ببعيد عن الأذهان ....
* وكلنا سمعنا وصفقنا لما ورد في الإتفاقيات عن دور تنظيمات المجتمع المدني وكيف أن إتفاق السلام يعتبرها من دوافع توسيع مشاركة الجماهير وكيف أن السلام الحقيقي المستدام وديموقراطية الممارسة الفعلية لا يمكن أن تتم إذا تجاهل أحد هذا الدور وعليه يجب تفعيلها والشد من أزرها حتى تقوم بما يجب عليها علي أحسن وجه .... ثم تأتي الممارسة !! هل سمعتم بحديث إتحاد الكتاب السودانيين ؟ يشرفني أنني كنت من الأعضاء الأوائل في إتحاد الكتاب السودانيين الأصل ... وجاء نظام الإنقاذ وأخذ منا دار إتحادنا وسلمها لقمة سائغة للإتحاد العام لطلاب الحكومة ... قلنا ظُلمنا كما ظُلم كل أهل السودان فشكرنا الجزيل لنظام الإنقاذ على صنيعه إذ أنه لم يفرق بيننا وبين أهلنا حتى ولو جاءت المساواة في الظلم ... ولكن البجاحة تصل ذروتها عندما تقرر السلطة تكوين إتحاد كتاب حكومي عينت له لجنة تحضيرية والهدف تجميل وجه عاصمة الثقافة العربية المليء ببثور الفشل حتى في إقامة حفل إفتتاح يليق بالمناسبة رغم ما صُرف من مليارات ... يا قوم إن إتحاد الكتاب السودانيين الحر تنظيم من تنظيمات المجتمع المدني ويفقد هذه الصفة تلقائياً عندما يولد سفاحاً بأوامر من حكومة دولة شمولية .

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147494980
_________________

Post: #381
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 05:06 AM
Parent: #380


مفاكرة الجمعة
نظرة إلى دورة زمانية صغرى وحزمة من الأعياد
الشيخ عمر الأمين احمد
[email protected]
كان ضمن ما قرأت لمفكرنا الراحل الشهيد الأستاذ محمود محمد طه فى بيان صادر عن باكورة نشاط الحزب الجمهورى قوله: «أما بعد فإن الزمان قد استدار كهيئته يوم بعث الله محمدا داعياً اليه ومرشدا ومسلكا فى طريقه».. وقد أخذت فكرة الاستدارة الزمانية منى كل مأخذ، ورأيت فيها عبقرية أرهبتنى وأصابتنى بكثير من الخوف والرهبة الفكرية، وكدت ــ لولا عناية سبقت ــ أن استسلم لسحر ذلك البيان كما استسلم إليه صديقى وأحد رفقاء مراهقة الصبا الفكرية الأستاذ محمد حامد شداد. فالدورة الزمانية كفكرة تقوم على حالة من الخفاء المعرفى درجة تقتضى قدراً معتبراً من العبقرية، حيث يفترض في صاحب ملاحظتها، وقوفه فى مكان خارج إطار الزمان المحيط كى يتمكن من رؤية تشكيلته التى قرر أنها دائرة بمعنى احتوائها على عناصر اكتمال حقبة زمانية تنقفل دائرتها ومن ثم تنفتح على دائرة أو حقبة جديدة.
وما كدت أوسع من دائرة إطلاعى قليلاً حتى اكتشفت أن ذلك الكشف الزمانى الضخم لم يكن بضاعة جمهورية خالصة، فتلك الفكرة استعارها الأستاذ الراحل من صاحبها الأصيل ووضعها فى صدر بيانه دون الإشارة لمصدرها، فصارت عندنا ــ ممن هم قليلو الإطلاع ــ كأنما هى فكرته التى اتضح انها فكرته «بالوكالة» وليست «بالأصالة» ربما لم يرد نسبتها الى صاحبها الأصيل ومكتشفها الأول ألا وهو المصطفى ــ عليه وعلى آله أفضل وأزكى الصلاة وأتم وأوجب التسليم ــ بحكم حقوقه فيها أنه من آل البيت أي من أحفاد صاحب العبارة الأصيل.
ولست فى مقام يمكنني من تعبير يحتوي على فكر يمكن من استخراج تلك الدائرة الزمانية الكبرى، لكن ينتابنى مجرد احساس لا يرقى الى تأسيس فكرة عن دوائر زمانية أخرى، لكنها بالغة الصغر إذا ما وضعت فى مقارنة مع تلك، لكن رغم ذلك ففكرة يفكر فيها أمثالى من ناس «قريعتى راحت» نعايشها على أيامنا هذه، فنلاحظ تماشياً للعامين الهجرى والميلادى، يبتدآن وينتهيان متلازمين تلازماً تاما حتى أصبح الشهر الثانى عشر والشهر الأول فى كلا التقويمين الهجرى والميلادى يجريان متماسكين، فيضمان الى جوار بعضهما البعض أعياداً بكمية معتبرة.
ومما هو ملاحظ أن هنالك ثباتاً فصلياً للتاريخ الميلادي، بمعنى تكرار ورود الفصول المناخية بصورة ثابتة، حتى يشكل الشهران الأول والثانى عشر سنوياً فى التقويم الميلادى أشد فترات فصل الشتاء برداً، فقد ميز الشتاء القارس دائماً احتفالات أعياد الميلاد المجيد. وإذا ما أخذنا فى الاعتبار إشارات قرآنية حول حدوث المخاض لسيدتنا مريم ــ عليها السلام ــ وولادتها سيدنا عيسى المسيح ــ عليه السلام ــ فى موسم إثمار أشجار النخيل الذى لا يثمر شتاءً كإشارة متلازمة مع إشارة انجيلية حول الرعاة الذين كانوا يرعون الغنم وحضروا مخاض وولادة سيدنا عيسى، ورأينا فى ذلك تعضيداً للصورة القرآنية بحسب عدم مواتاة فكرة أن يكون هنالك رعاة يرعون أغنامهم شتاءً فى فلسطين، فصورة التلازم الفصلى التى تخلص منها التاريخ الهجرى بحكم عدم توافق فصول السنة المناخية مع شهور سنة التاريخ الهجرى بصورة ثابتة كما هى السنة الميلادية، فذلك لا يلغى تماماً فكرة أن توافق السنة الهجرية القمرية والميلادية الشمسية وتماشيهما بداية ونهاية كما يحدث على أيامنا هذه، ففى ذلك التلازم بلا شك استدارة زمانية يمكن للأخ الصديق الدكتور معاوية شداد تعريفنا بها بتقرير حسابى يوضح كيفية حدوثها وزمانها وعدد دورات تكرارها.
هذا من ناحية فلكية، لكنى لا أرى غضاضة فى القول إنها ذات أثر فى التاريخ كما هو الأثر الجغرافى الفصلى وحدوث دورانه. لذلك ومن باب الاستفادة العامة من الهدى النبوى والتأسى به تأسياً على غير شاكلة التقمص كما فى الفكرة الجمهورية، فإن رؤية دوائر عديدة بلا شك ستفتح الطريق الى التعرف الفكرى عليها كظاهرات لها بدايات ونهايات وخط سير ومبتغى للوصول. وفى ذلك فقد تعودنا على الفرح الاحتفالى الجماعى بعيد الفطر الذى يعقب مجاهدة شهرالصوم، ثم نفرح فى عيدنا الأكبر ونذبح الأضاحى فداءً لإنسانيتنا كتذكار لمنّة من الله علينا بعتق رقابنا عن حيوانية كانت تذبح قرباناً على عتبات مقام كنا نساق فيه بحكم أطوار حيوانية أولية كانت تحتوينا.
ومما هو شاهد على وجودنا فى أطوار أولية من مقامات العلم، أننا لا نلحظ أن فى تلك الأعياد نفسها استدارات زمانية. فنمر عليها مرور الكرام فلا يلاحظها أمثالى «من ناس قريعتى راحت» رغم قصر مدى استدارتها الذى يبلغ فقط عاماً واحداً. لكن وبما وضعه هذا التزامن فى نهاية العامين، فإن مجموعة لا بأس بها من الأعياد تكتظ بها تلك النهايات السنوية تبلغ فى مجموعها سبعة أعياد تبدأ بعيد الميلاد المجيد للكنيسة الكاثوليكية، الذى يحل عادة فى تزامن قريب من رأس السنة الميلادية، حيث لا يفصل بينهما سوى اسبوع واحد تخلله هذه المرة عيد الأضحى المبارك. فى حين يحل عيد استقلال جمهورية السودان متزامناً كالعادة مع عيد رأس السنة الميلادية، ثم يحل بعده بثلاثة عشر يوماً عيد الميلاد للكنيسة الشرقية الأرثوذوكسية فى السابع من يناير. وقد جد عيد جديد عمره عامان ألا وهو عيد توقيع اتفاقية السلام، وسيتم اختتام هذه السلسة من الأعياد اليوم الجمعة أو يوم غدٍ السبت بنهاية وبداية العام الهجرى الجديد.
ورغم ما سبق أن ذكرت من اهتزاز فى الاعتبار بعيدى الميلاد الشرقى والغربى، بحسبما كان يفترض فيهما أن يكونا فى يوم موحد، فالشك الذى يدخله الازدواج الاحتفالى هذا يؤثرعلى كليهما عند درجة يضعف تجاوبى معهما، لذلك فقد بدا لى خير بديل دعوة أصبحت أتلقاها سنوياً لحضور فعاليات الاحتفال بعيد ميلاد الإمام الصادق المهدى الذى يقام بالتضامن ما بين مكتبه الخاص وأسرته الصغيرة. ومن باب ما رأيت أنه عملاً على سن سنة حسنة يستحق السيد الإمام وأسرته ومكتبه أجرها وأجر من عمل بها دون أن ينقص من أجورهم شيئاً، فقد أصبحت تلك الاحتفالية «جرد حساب سنوى» يقدمه السيد الإمام. وذلك ربما كان أكثر رفعةً من تقرير سنوى يقدم لمؤتمر للحزب أو لاجتماع موسع، فكأنما تم توسيع ذلك الماعون الحزبى الضيق الى وعاء ربما يشمل الوطن بما فيه ممن يضمرون العداء السياسى للسيد الإمام وتياره.
ومع ذكر هذه السنة الحسنة، فإن السيد الإمام لم ينس تأصيل هذا الاحتفال، فقال فى ورقة قدمها فى معرض جرد حسابه أمام ذلك الجمع المعتبر: «تقليد الاحتفال بيوم الميلاد بدعة غريبة دخلت في تراثنا عن طريق المولد. وهنالك جوانب كثيرة من حياة النبي «ص» استصحبها مسلمون قياسا على سير غيره من الأنبياء، سيما موسى وعيسى عليهما السلام. ومن سيرة موسى إعلاء شأن المغازي. ومن سيرة عيسى إعلاء شأن الكرامات، ومنها أيضا إعطاء قيمة روحية خاصة لميلاد المسيح. وهذا التقليد احتفالا بمولد محمد «ص» بدعة لذلك رفضها الظاهريون المسلمون الذين سموا نهجهم أنصار السنة. ولكن بنظرة أكثر إحاطة بالسنة، نجد أن استصحاب النافع من غير مصادر الوحي من السنة - مثلا النزول بماء بدر، وحفر الخندق، اتخاذ الأذان للصلاة. فإن كان الاحتفال بالمولد يذكر بسيرة صاحبه ويخصب العلاقات الاجتماعية ويفتح بابا لتثاقف الأجيال الجديدة وإدخال المسرة في نفوسها، فإن هذه المنافع ترد على كل تحفظات الظاهريين».
ومن ضمن ما أثار انتباهي فى جرد الحساب الإمامى، موقف كنت أرى فيه منقصة للسيد الإمام أزالها تماماً بخطابه، وأمرها يدور حول عشيرته الأقربين إذ قال: «عرّف الإمام المهدي أسرته بأنها ذرية سبعة رجال هو وأخواه وخلفاؤه الثلاثة والأمير يعقوب. وحاولت قدر المستطاع أن أجد للأسرة بهذا الفهم كيانا اجتماعيا عائليا جامعا. ولكن الجهد بقيادة الكبار قد فشل تماما، وكذلك الجهد بقيادة الشباب. والنتيجة أن الأسرة الكبرى تعيش درجة من الجفوة استسلمنا لها. الحقيقة أن جفوتنا لم تبلغ ما بلغته في كثير من الأسر الكبيرة من لجوء للمحاكم وأحيانا للاقتتال. ولكنها على أية حال جفوة كريهة لعل العزاء معها هو أن الذين يشتركون في جاه أو مال يتنافرون ويتحاسدون، فإن وقع هذا في أسرة النبي «ص» نفسها فلا غرابة أن يقع في أية أسرة أخرى. وربما كان أكثر ما يمكن تحقيقه هو سلام بارد على صعيد الأسرة الكبرى وعلاقات دافئة داخل فروعها. لقد كان أهم ما يوجه لي من نقد على صعيد الأسرة الكبرى، هو أنني احتكرت المجد الموروث المشاع بين أفرادها. وكنت ولا زلت أقول إن المجد لا يورث تلقائيا، واستشهد وأربي أولادي على حكمة:
إذا أنت لم تحم القديم بحادث
من المجد لم ينفعك ما كان من قبل
وقديما انتقد الإمام المهدي من سماهم أولاد المراتب، الذين يتطلعون لجاه أسلافهم ولا يدفعون استحقاقات ذلك الجاه من أداء وعطاء».
والشاهد أن السيد الإمام نفسه قد قدم ما يلاحظ أنه دورة زمانية صغرى ربما هى ما كانت تدفعه الى إشاعة هذه السنة الحسنة، كعيد يرقد منافحاً لاعياد الميلاد الغربى. ويبين هذا الأمر فى خطابه فى قوله: «أيام طفولتي لم يكن هذا التقليد متبعاً. ولكن بالنسبة لي استنته والدتي تفاؤلا بمصادفة يوم ميلادي لعيدين هما 25 ديسمبر وأول شوال من السنة الهجرية». وهذان العيدان لا يتصادفان إلا فى حالة تصادف حالة التماشى للسنتين الميلادية والهجرية، فإذا كان هذا الاحتفال هو الواحد وسبعين، فذلك بلا شك مدى دورة زمانية لهذا التماشى.
ومما يبين فيه الهم الوطنى عند أسرتى السيد الإمام الصغيرة والكبيرة التى تعنى الأسرة الأنصارية على امتدادها، أن شأن اسرة الإمام الصغيرة أصبح مفتوحاً بصورة متكاملة على الشأن الوطنى العام. ومن ذلك تقليد أن يخاطب أحد أبنائه أو بناته تلك الاحتفالية وفق الترتيب العمرى. ولا أعرف تفاصيل تدعونى للمقارنة، إذ أنى لم استمع للأسف إلا الى اثنتين من ست مخاطبات من مجموع أبنائه وبناته العشرة، وفاتتنى أربع مهمة منها، ربما لا يكون قد فات الوقت على إعادة قراءتها لمعرفتى باهتمام هذه الأسرة الكريمة بالتوثيق. وقد كان دور الخطاب السابق فى عيد ميلاده السبعين لابنته زينب التى كان خطابها مفعماً بمحبة يطغى عليها شجن كبير أسالت دموعاً غزيرة وكثيرة، بينها دموع السيد الإمام نفسه، فانقادت خلفها كل تلك الاحتفالية فى خطاب أشجان فتاة محبة لدرجة الوله بأبيها. أما الأستاذة رباح صاحبة الدور الخطابى هذه المرة، فقد انتصبت بقامتها كمفكرة لتضفى على خطابها معاني كبيرة لفتاة لا تقل حباً وولهاً، لكنها مفتحة عينها «قدر الريال ابو عشرين» فقالت: «تتملكني الحيرة وقد أتاني الدور للحديث، فأنا رقم «6» ونحن والحمد لله عشرة- ذلك ما كنت عنه أحيد- إذ كيف أرسل تحية أو شهادة أو حتى إشارة في أمر غني بالمواد والجوانب كهذا؟ وهل سيسعفني الحبر والوقت؟» وقالت: «سألني أحد الصحافيين يوما عن شعوري ليلة زفافي ووالدي غائب، وهل كنت حزينة لذلك؟ قلت إن ليلة خروجه كانت من أسوأ الليالي التي عشناها، وكنت لا أقدر على اعتبار أنه يمكن أن «يجرتقني» شخصٌ غير أبي، فلم استسغ الاستمرار في مراسم العرس، ولكن لم تكن لكل ذلك أهمية، لأن الصادق المهدي في نظرنا ليس فقط الأب، وأنا لا أساوي شيئاً أمام ما يمثله من معانٍ بالنسبة لي.. بل كنت لا أطيق فكرة الهجرة شرقاً ومخاطرها بدون أن أكون معهم لأطمئن، وبالفعل في مرحلة ما كان التخطيط أن تكون الهجرة وأنا معهم، ولكنه رفض هذا التخطيط بإصرار وقال لي: لا يمكن أن نختطف عروساً، هذا والعرس على أهميته لحياتي الخاصة لم يكن يعني شيئاً أمام المعاني العامة التي يمثلها الإمام، والتي كلنا حطب لها..»، ثم تحدثت عن دوره التربوى وما أعطاه أسرته الصغيرة من دروس ممنهجة، ثم قالت عن علاقتها الخاصة به: «كان يتعامل مع كائنات متمردة بكل الصبر.. أنا مثلاً كنت أرفض الغفران لفكرة أننا تُركنا للرياح، وأقول أن على والدينا دفع ثمن خروجنا عن أو حتى على أيديهم. وأذكر صبره عليَّ في نقاشات طويلة تتوسط فيها مريم أختي الأكبر.. لكنه دهس كل تمردي باللين والعطف والمحبة، وبأنه لم يأمر وينتر ولم يطلب منا أي شيء، وكنا نتحلق حوله للتآنس به ومعه، فلا يطلب مناولته حتى شربة ماء، يقوم ليخدم نفسه بنفسه وكلنا يتمنى لو طلب طلبا فنلبي.. هكذا تعلم بعض مدمني الخدمة قراءة أفكاره ليقدم خدمة لم ولن يطلبها.. هل هذا ترويض للبشر؟» ثم قالت: «لن أستطيع الإحاطة بالإمام، ولو أردت تأليف كتاب حول الجوانب المختلفة في شخصيته التي شهدتها عن قرب فسيكون سفراً ضخماً- كيف يقرأ أفكارك ويبادرك بسؤال حول ما كنت تريد التحدث عنه- كيف يهون عليك أقسى المحن- كيف يكون حبه كامنا في بساطة وراء كلمات بسيطة «مثل: نحن طيبين بي طيبتك عاد» كيف يجعل النفوس تحبه محبة ماردة وفي ذات الآن لا تفقد النظر الموضوعي لتصرفاته وتنقدها بمحبة، كيف يطلق لك كل الحرية ولكن يقيدك بخيوط ناعمة تفتلها أنت بنفسك». واختتمت خطابها الكبير بقولها: «نعم هو سفر كبير لا يمكن أن أقدم منه إلا إشارة، لأن إعجابي بالإمام لا يخفى، ولكني أصر أنه ليس كإعجاب كل فتاة بأبيها، فهو وإن أوفى الأبوة نوعياً كما ذكرت، إلا أنه عنى دائما لنا شيئاً فوق الأبوة التي تنطلق من محبة ذاتك والشخص الذي نسلت منه.. لأنه نسل غيري كثيرين، وأنا أعتبر نفسي واحدة من أتباع ملة «محمد موسى» الذي يضيق الإمام بوجود محبته المتدفقة عبر الجوارح، وأعرف كثيرين مثله غيرى ولكنهم يفعلونها بصمت وبعيدا عن الأنظار».
ويبدو واضحاً فى ثنايا ذاك الخطاب كم هى وافرة ومقدرة من السنن الحسنة الحميدة ذات الأجر الوفير بإذن الله، مما لا أستطيع أن أوفيها كل حقوقها، لكنها بلا شك أدخلت على نفوسنا بهجة ومسرة، وآمل أن ينصلح الحال، والله نسأله أن يمد للسيد الإمام من الصحة والعافية والعمر المديد فى الطاعة والعمل النافع، وأن يوفق أسرتيه وكل عام وانتم بخير.
تنويه مهم:
حدث خطأ لغوى جسيم فى مفاكرة الأسبوع الماضى دون أدنى سبب معقول، فقد دفعت ضمن المقال بالعبارة: «فطلب الانتظام خلف نمط واحد محدد» فما اجتاز المقال مرحلة التصحيح اللغوى بالصحيفة حتى صارت العبارة «فطلب الانتظام خلف نمطا محددا». والعتبي للقراء الأعزاء.

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147509466
_______

Post: #382
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 05:07 AM
Parent: #381


الدكتور حيدر ابراهيم علي لـ«الصحافة»

من الصعوبة الحديث عن فكر سوداني وهذا لا يعني الغاءه
الدكتور المفكر حيدر إبراهيم علي مفكر وكاتب ناشط على الصعيدين السوداني والعربي، وهومؤسس مركزالدراسات السودانية ومديره. استطاع عبره ان يوصل الفكرالسوداني للمحيط الدولي.. وللدكتور مؤلفات فكرية عديدة تعنى بدراسة الفكر السوداني داخل بنيته القومية الثقافية. كان لنا معه هذا اللقاء حيث القى الدكتور حيدر اضواء على القضايا الثقافية المعاصرة على المستويين القومي والكوني.
اجراه عيسي الحلو
- أقيس هذ المسألة بتراكم المعرفة المكتوبة لأن هذا الكم من المكتوب يتحول في النهاية الى منتوج كيفي يمكن من خلاله تحديد الاتجاهات والتيارات والمدارس، وهي مكونات ما يسمى بالفكر. لذلك من الصعوبة الحديث عن فكر سوداني مع ملاحظة ان هذا لا يعني الغاء وجوده، ولكن التشكل الواضح مع الاستمرارية والتجديد يكاد يكون ضئيلا او منعدما في المنتوج السوداني، لأن مفهوم الفكر يحتاج الى رموز وشخصيات معبرة عن المعرفة بميادينها المختلفة، ولكن في السودان ابتلعت السياسة الفكر بمعناه العميق. رغم ان السياسة نفسها يفترض ان تكون سياسة مفكرة، لذلك يغيب ايضا ما يمكن ان نسميه الفكر السياسي ولذا يصعب الحديث عن فكر سوداني متميز رغم الكرم في منح صفة مفكر لكثير من الذين يكتبون..فهي صفة لا تخلو من تجاوز.
هنالك بدايات يمكن لنا ان نعتبرها من البذور الأولى نجدها في مجالات السياسة والأدب والدين عند اشخاص مثل محمود محمد طه وأحمد خير ومحمد احمد محجوب وعبدالخالق محجوب ومحمد محمد علي ومعاوية نور. هنالك التجاني الماحي رغم موسوعيته، كان تأليفه قليلا مقارنة بمعرفته، وذلك ربما اتى بسبب نمط الحياة السودانية من حيث اثرها في عدم الاهتمام بالكتابة والتفكير، والميل الى المشافهة والنقاش المباشر، وهذا قد نلاحظه في انتاج الأكاديميين في الجامعات فهو قليل مقارنة برصفائهم في مصر او في المغرب العربي او في دول الخليج. ومع الزيادة الهائلة في عدد الجامعات الا ان ذلك لم ينعكس على الإنتاج الفكري والنظري.
وهنا جانب آخر هو الميل الى الإنتاج الإبداعي كالرواية والشعروالقصة. وللمفارقة فإن هذا الإنتاج نفسه لم يصاحبه نقد يمكن ان يكون فكرا، في الأدب ونظرياته ومدارسه. كان من الممكن من خلال متابعة المنتوج الأدبي ان تنتج معرفة ذات قواعد وأسس تدرج ضمن الفكر السوداني وتؤسس له.
{ الإبداع السوداني يفتقر الى فضاء فكري مماجعله يصور المشهد دون ان يوجد له ابعادا فكرية ماعدا محاولات مدرسة الغابة والصحراء، هذا ما جعل الإبداع يشرد باتجاه المدارس الفكرية والجمالية الغربية؟
- مشكلة الثقافة السودانية انها ليست متصلة، وعاشت انقطاعات فجائية تسببت في غياب مجرى تاريخي عام يحتوي التاريخ السوداني دون اقصاء او إبعاد. لوحاولنا ان نلاحظ بطريقة شديدة البساطة ما هو الأصيل او القديم او العتيق الذي تواصل وامتد منذ قرون وما يزال يمشي في الحياة السودانية اليومية فعلى سبيل المثال لو زرت روما او اثينا او فاس او القاهرة، تجد ان التاريخ موجود ومعاش، ولكن في السودان اين مروي، سوبا، سنار، ام درمان؟ هذه قطع من التاريخ والجغرافيا ليس بينها اي رابط يبرز سير التاريخ ومعاصرته.. وهذه واحدة من مشاكلنا حيث ان التاريخ ليس مسحوبا من الماضي الى الآن، ومن هنا نأتي عقدة البحث عن الهوية والأصالة، وفي مجال البحث عن الهوية نصل في بعض الأحيان الى محاولات اقرب الى الكاريكاتير.. فمن قال ان جبنة يوسف عبدالفتاح التي رصعت شوارع الخرطوم خلال العقد الماضي - هي ممثلة للتراث السوداني؟ كذلك ما تدعى وتسمى عملية التأصيل التي هي مجرد ملصقات توضع على مضامين هي في حقيقتها غيرعربية وغير اسلامية وغير سودانية، حتى كلمة التأصيل (لغة) هي ليست مصدرا، لأن المصدرالأصل، فمن الواضح من المعنى ان العملية اصطناعية ومفتعلة. فالأصيل لا يحتاج لتأصيل، وإنما يؤصل ما هو غير اصيل.. تكثر محاولات البحث عن هوية والبحث عن جذور وهي في كثير من الأحيان عملية ايديولوجية ليست واقعية ولا علمية، وهنا تفهم الأيديولوجيا بمعنى الوعي الزائف الذي ليس بالضرورة مطابقا للواقع، اذ يمكن ان يكون متخيلا او ما يسميه محمد اركون المخيال.. وفيه تقترب الأسطورة من الأيديولوجيا وتبدو وكأنها انعكاس للواقع، ففي كثير من الأحيان يكون البحث عن الهوية غير مجدٍ لأن البداية او الانطلاقة خاطئة، ففي هذه الحالة غالبا ما تبدأ بالنتيجة، ثم نحاول اثباتها. فمثلا نقول نحن عرب او افارقة، ثم نبدأ في البحث عن مقدمات وحيثيات لكي نثبت هذه النتيجة. وفي رأيي ان المنهج الصحيح هو ان نبحث تاريخ ومكونات السودان الثقافية في مجملها ودون اي حكم مسبق (من نحن؟) ثم نترك هذه المقدمات لكي توصلنا الى النتيجة عوضا عن البدء بمسلمات أو وثوقيات مطلقة.
والأهم من ذلك انك عندما تريد الوصول الى فكرة ما أو مفهوم بعينه لا بد من السؤال عن فائدة وجدوى وتوظيف هذا المفهوم اوالفكرة، لأن هذا السعي نحو الفهم ليس مجرداً ولا بد ان تكون وراءه دوافع اواغراض او مصالح او تأكيد مواقف. ففي حالة الهوية السودانية.. ماهو الهدف من اثبات اننا عرب او افارقة؟ قد يجئ الرد السهل ان مجموعة لا بد لها ان تحدد ذاتيتها اوهويتها، ولكن هذا لا يكفي ولا يقنع، فالجهد الذي ابذله لكي اثبت انني مسلم عربي مثلا.. اقصد به من خلال تأثير الهوية الدعوة او الدفاع عن الإسلام والعروبة، او محاولات نشرها لأن تأكيد الهوية او الذاتية ليس مجانا.. فهذه واحدة من الأمور التي لا بد ان تكون واضحة اذ ماذا بعد اثبات عروبتنا او إفريقيتنا؟.
والعالم يتجه الآن نحو الهويات المتعددة للشخص الواحد. ويعجبني كثيرا امين معلوف حيث تتعدد هوياته حسب قوله فهو مسيحي يستدعي التاريخ الإسلامي في رواياته.. ولبناني عربي يكتب بالفرنسية ويعيش في قطر في قلب العولمة، وكل هذه الهويات تتعايش داخله دون ان تتناقض او تتصادم، فهذه هي هوية المستقبل التي لا ترتكز على الدين اوالإثنيه او القبلية او العقيدة، ولكنها ترتكز على بناء الإنسانية، والشخصية التي تحمل هذه الهوية لا يمكن ان نعتبرها (كوزمو بلوتينيه) بمعني انها فاقدة الانتماء، ولكنها تنتمي الى قيم انسانية شاملة وعامة يمكن ان تشتغل او تعمل داخل أى بيئة اومحيط جغرافي. فهي شخصية عابرة لحدود المكان والمعتقد واللون والأصل..
وهذا شكل من اشكال العولمة ذات الوجه الإنساني والمستقبلي، فالعولمة ليسن هيمنة القطب الواحد ولا الرأسمالية المستوحشة، ولكن بعض التطور التكنوقراطي والمادي الهائل الذي عاشته البشرية ما يزال ينبض في داخلها توق لجمهورية افلاطون او مدينة الفارابي او دولة ماركس الشاب. حيث ينعدم القمع والاضطهاد والاستغلال وتعيش البشرية في فردوس ارضي.
{ ماذا عن الغابة والصحراء، في اطار بحث الإبداع عن الأفكار الكلية؟
- اعتقد اتجاه الغابة والصحراء، اعطي اكثر من حجمه الطبيعي، فهو لا يمثل مدرسة بل يمثل وجهة نظر اجتهادية اقرب الى الانطباعات والدليل على ذلك عدم استمراريتها، فقد ارتبطت بفترة زمانية محددة لم تستطع تجاوزها. قد تكون تأثرت بفكرة الزنوجة عند سنغور والإفريقانية عموما، بالإضافة لصعود تيارات القومية العربية، ولأن السودان وسط بين الاثنين، ظهرت وجهة نظر تعبر عن ثنائية الغابة والصحراء، لكنها لم تصل الى التركيب فقد توقفت عن الثنائية المتجاورة دون الغوص في التفاعل والاندماج والتمثل المتبادل. وأعتقد ان تعدد الشخصيات التي تدعي ريادة هذا الاتجاه دليل على غياب تاريخ للفكرة يساعد في البحث عن مكوناتها وتطورها في اتجاه ترسيخ وتقعيد الأسس الفكرية والنظرية لأي مدرسة. وأميل لاعتقاد بأن وجود الشاعر صلاح احمد ابراهيم في غانا بالإضافة لقصائده المبكرة عن افريقيا ولوممبا والكنغو والصومال ثم لاحقا اعتماده على الأساطير الإفريقية في «غضبةة الهبباي» مثلت هذ ا الاتجاه ابداعيا، ولكن لم تقدم اضافة نظرية او فكرية، وأيضا اعتقد ان ثنائية الغابة والصحراء ملغومة لحد ما، لأنها بشعور او لا شعور ليست بعيدة عن فكرة افريقيا شمال الصحراء وإفريقيا جنوب الصحراء، التي رددها فكر القرن التاسع عشرالغربي، كما ان التقسيم يبدو جغرافياً اكثر منه حضارياً او ثقافياً، فما هي ثقافات الغابة؟ وهل تتشابه ثقافات غرب افريقيا ووسط افريقيا وجنوب افريقيا؟ هل هناك غابة واحدة ام غابات؟ ونفس السؤال ينطبق على الصحراء.
فهل قصد اصحاب هذا الاتجاه ان السودان هو نتاج ثقافتين، ثقافة الغابة وثقافة الصحراء؟ ام هو مصهر ثقافات عديدة من الغابات ومن الصحاري؟.. فالفكرة ليست واضحة. ويبدو ان فكرة الوحدة والتنوع الآن قد حلت محل تلك النظرة ولكن ما تزال تراوح على صعيد الشعار السياسي فقط. حاولت السوداناوية ان تحل اشكالية هذا التركيب ولكن كنت اتساءل دائما: ألا تكفي السودانية، فلماذا السوداناوية؟ لأن النسبة في الحالة الأخيرة قد يقصد بها الادعاء او المبالغة، فالعلمية غير العلماوية، فهل المقصود في هذه الحالة سودانية فائقة او زائدة؟ أم هو مجرد تعبير عفوي؟ لست ادري لماذا سوداناوية؟
حدثت في الفترة الأخيرة محاولات تعسفية تتحدث عن الثقافة السنارية وتحاول ان تبني لها تاريخاً يجعل من الهوية السودانية ذات صلة بتلك السلطنة باعتبارها الدولة الإسلامية الأولى التي جمعت العرب وغير العرب.. ولكن ما هي العناصر التي كونت الثقافة السنارية من كتب وأفكار ومعمار وعمران وطرق معيشة وإدارة حكم؟ ففكرة الثقافة السنارية لا تخلو ايضا من المبالغة والافتعال، وهي تأتي ضمن الأعمال الدعائية والأيديولوجية.
اعتقد ان البداية الصحيحة والحقيقية في البحث عن هوية سودانية يجب ان يكن بالبحث عنها ضمن القيم العصرية التي لا تهتم بالأصول والخلفية ولكن ستشرف اكثر المستقبل وتبحث عن التشابهات وليس التمايزات او الاختلافات ضمن مواطنين متساوين داخل دولة حديثة ديمقراطية ومتنوعة الثقافات. هذه يمكن ان تكون مكونات هوية سودانية حديثة، وكما قيل في المأثور ان العربية لسان فمن تحدث العربية فهو عربي يمكن ان نقول عن الهوية السودانية هي موقف من الديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان، فمن آمن بهذه المبادئ فهو

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147487499
_________________

Post: #383
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 05:08 AM
Parent: #382


في خاتمة أعمال المؤتمر العام للمؤتمر الوطني
البشير يدعو لتوحيد الصف، وطه ينادي بحزب عملاق في وطن عملاق
الخرطوم: التقي محمد عثمان
استفاد المشير عمر البشير ، رئيس الجمهورية ورئيس المؤتمر الوطني، مما صكه نائبه علي عثمان محمد طه في الجلسة الختامية لاعمال المؤتمر العام للمؤتمر الوطني حول الحزب العملاق في الوطن العملاق ليلخص به احاسيس اعضاء الحزب الذين بدا عليهم الارتياح لمجريات ومخرجات مؤتمرهم العام، فالبشير ، حمد الله على ان «المؤتمر الوطني الآن حزب عملاق، ويعبر فعلاً كما قال الأخ علي عن وطن عملاق» ، مضيفاً ان هذا «هو الهدف الذي قصدناه لتقديم تجربة سياسية وان انقاذ السودان في اخراج السودان من الدائرة المفرغة التي ظللنا فيها منذ الاستقلال، حزبية متنافرة ومتناحرة تفشل في تقديم ابسط تطلعات وتمنيات الشعب السوداني ويعقبها انقلاب تعقبه انتفاضة وثورة شعبية ثم دورة حزبية جديدة» ، مبشراً بالانتقال الى مرحلة جديدة من العمل السياسي المفتوح، وكان علي عثمان وضع شرطاً مهماً في خطابه المرتجل وغير المنصوص عليه في البرنامج المطبوع للجلسة الختامية، اذ قال «الوطن العملاق يبنى يوم أن يقوم الحزب العملاق بارساء قواعد الشورى وباعمال مبدأ المحاسبة وباعمال مبدأ العدل وباعمال مبدأ الصدق وبانزال الناس منازلهم وبحسن الترتيب للأولويات واحكام علاقات التنسيق والروابط الافقية والرأسية».
اذاً وكأنما اكتسبت الجلسة الختامية روحاً جديدة فبعد ان تلي بدر الدين «دون ان يقدمه أحد» «وسارعوا الى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض...» الخ الآيات، قدم الوزير كمال عبد اللطيف رؤساء اللجان لتقديم توصيات لجانهم فبدأ بعبد الباسط سبدرات رئيس لجنة السياسات الكلية ثم مولانا محمد سر الختم رئيس لجنة السلام والوحدة الوطنية ثم الفريق جلال تاور رئيس لجنة برنامج المرحلة القادمة والانتخابات ثم الدكتور التجاني مصطفى رئيس لجنة الفكر والثقافة واخيراً البروفيسور حسن حاج علي رئيس لجنة تقارير الاداء التنفيذي والسياسي، فقدموا باختصار شديد توصيات لجانهم التي توزعت ما بين التأكيد على ان الحوار هو المدخل لحل كل القضايا مروراً بـ «الشروع في انفاذ سياسات تهدف لاعداد القيادات الشابة لتولي القيادة في الدولة والحزب» ، وبسط التنمية والخدمات في الريف والعناية ببرامج مكافحة الفقر والمحافظة على قيم المجتمع السوداني وانتهاءً بجلب الاستثمارات وتوجيهها للولايات.
ليأتي من بعد ذلك سبدرات من جديد ويقدم علي عثمان محمد طه واصفاً له بالكتاب السفر الذي لا يقبل اضافة سطر واحد «وإلا كنت منكراً لبقية فصول الكتاب».
علي عثمان استهل خطابه بالتأكيد على ان المؤتمر الوطني كان مدرسة سياسية فكرية مفتوحة عبر الايام الثلاثة الماضية: قائلاً «لأن اردنا ان نوجز خلاصة ما تداولنا حوله فاننا يمكن أن نقول اننا تداولنا حول كيفية بناء حزب عملاق في وطن عملاق». مطالباً بحزب عملاق وسط عمالقة في اشارة الى الاحزاب السياسية ، معيداً الى الاذهان عبارة محمود محمد طه التي قالها ذات يوم «الشعب السوداني شعب عملاق يتقدمه اقزام» ، ويؤكد علي عثمان على انه «حزب عملاق لوطن عملاق فيه مقومات القوامة والسمو والرفعة، امكانياته طبيعية منحها الله سبحانه وتعالى، وقدراته البشرية نعتز بها ونعول عليها بعد الثقة بالله والتوكل عليه ان تستنهض وتفجر طاقاتها للبناء والتنمية وتأسيس النهضة» ، مشدداً على انه «وطن عملاق نريد أن نبنيه بالصدق وان نسوسه بالرؤية الثاقبة المفتوحة على الآخرين حواراً وشورى واحتراماً للآخر» ، مؤشراً الى ان ما بين الحزب العملاق والوطن العملاق قواسم مشتركة في العملة المتداولة «فما نريد ان نسوس فيه أنفسنا في الحزب هي ذات العملة وذات المقاييس التي نريد ان نسوس بها الوطن العملاق، فلئن اتخذنا الشورى منهجاً والصدق والاحترام المتبادل عملة داخل حزبنا العملاق فان ذات العملة هي التي نطرحها لبناء الوطن العملاق فلا كيل عندنا بمقياسين، ولا وجهان عندنا في التعامل مع الناس، بل اننا نأخذ انفسنا بأفضل ما نريد ان تأخذ به الاخرين وان نسوسهم به وان ننزله عليهم» مؤكدا ان «الوطن العملاق يبني يوم ان يقوم الحزب العملاق بارساء قواعد الشورى وباعمال مبدأ المحاسبة والعدل والصدق وانزال الناس منازلهم واحكام علاقات التنسيق والروابط الافقية والرأسية»، ماضيا الى ان «الوطن العملاق بحزبه العملاق لا يكون كذلك الا في ظل مجابهة الاعداء»، مستشهدا ببيت ابي الطيب المتنبي «اذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام» ، مرحباً «بالخطوب والمؤامرات تتكسر جميعها على قناة حزب عملاق ووطن عملاق برب قادر محيط قوي ينصر عباده المتقين ويدفع عن عباده الصالحين المؤمنين» ، ولا ينسى علي عثمان محمد طه في خاتمة خطابه ان يضيف «مرحى لك اخي الرئيس بهذه الشورى وبهذا الحزب العملاق ومرحى لكم اخواتي واخواني بمنهج يبني وطنا عملاقا».
لتسود بعدها عبارة الحزب العملاق القاعة، وريثما تهدأ الجموع يقدم رياك قاي نائب رئيس المؤتمر الوطني المشير البشير بعد ان يطالب المؤتمرين بالامساك بأيدي بعضهم البعض، ويرددوا شعارهم الجديد «سلام وحدة نهضة».
المشير البشير حيا المؤتمرين على جهدهم وحيا الضيوف على مشاركتهم، مؤكداً على التطور في الفكر والاداء الذي شهده الحزب، قائلا ان المؤتمر الوطني صار حزبا نموذجيا «نقدمه للشعب السوداني»، مطالباً غير المنضوين تحت المؤتمر الوطني «ان يحذو هذا الحذو، ان يجتمعوا ويتشاوروا حول قضايا الوطن وقضايا احزابهم لانه بالاحزاب القوية المنظمة تستطيع ان تقود هذا البلد سواء في الحكومة او المعارضة». منادياً بحزب ملتصق بالجماهير في كل موقع «لا حزب هتافات واحتشادات وانما نريده حزب ثقافة وفكر، حزبا يبني الامة» ، مستدركا «دون ان تطغى ثقافة على ثقافة او تهيمن ثقافة على ثقافة وانما وحدة في تنوع وكل واحد يعبر، ونعبر كلنا عن بعضنا لنجد القواسم المشتركة التي تؤسس لنا فكرا سودانيا ينفع كل اهل السودان» ، مشددا على ان السودان يمر بمرحلة تاريخية في ان يكون موحدا او مقسما ، ان يكون السودان او لا يكون»، مضيفا «هذا هو التحدي الذي امامنا لأن العدو يريد ان يفتت السودان» ،مؤكدا ان السودان مستهدف في موارده وثرواته وقدراته البشرية، مشيرا الى محاولة الاتجار بابناء دارفور قائلا «ربنا سبحانه وتعالى كشف لنا من فوق سبع سموات اعمالهم المخزية، جاءوا واخذوا اطفالا من اسرهم بحجة تعليمهم القرآن واللغة الفرنسية وبعد ان اتوا بهم في بيت العبيد في أبشي، نعم بيت العبيد، مثل البيوت التي كانت موجودة في غرب افريقيا ويصدر منها العبيد الى امريكا، عملوا بيوت عبيد في ابشي، يجمعون اطفال السودان ويجبصون ايدي بعضهم بالكذب ويربطون رؤوسهم بالكذب لكي يظهروهم كمجروحين من ضحايا الحرب يحتاجون للعلاج دون ان يكون هناك كسر في اليد او فلقة في الرأس وهم جاءوا بهم ليبيعوهم».
ويمضي البشير الى دعوة ابناء السودان للحوار لانه به «تحل كل القضايا» فالجنوب الان ينعم بالسلام رغم ما يقال عن الاتفاقية وتنفيذها ، مشيرا الى ان ابناء الجنوب هم من يحكم الجنوب الان، مشددا على ان الوطن يسع الجميع، وان مشاكله لن يحلها الا ابناء السودان بالحوار، وان الاخرين لن يحلوا مشاكلنا. مؤكداً ان التحدي هو حماية السودان من اعدائه، والتحدي الاخر هو الاستعداد للانتخابات القادمة «فما دمنا تعاهدنا وتواثقنا ان نجري انتخابات في منتصف الفترة الانتقالية سنجريها وعلى كل احد ان يستعد»، مطالبا اعضاء المؤتمر بالاستعداد عبر «توحيد الصف وحل المشاكل الداخلية دون اقصاء فنحن محتاجون لكل زول عضو مؤتمر وطني بل نريد الاخرين ان ينضموا الينا وهذا موسم عمل وموسم تجنيد واقناع الآخرين بمؤتمرنا» ، مؤكدا على: «مؤتمرنا العملاق هو المخرج ويجب ان تتوقف الكيعان وتتحول الى احضان»، داعياً كل قيادات المجتمع للعمل مع بعضهم البعض لتوحيد الشعب السوداني ،وتحاشي التقسيمات الضيقة، مؤكدا على ان عضوية المؤتمر الوطني من الجنوبيين هم النواة الحقيقية لوحدة السودان، مطالبا الشماليين في الحركة الشعبية ان يكونوا عنصر وحدة داخل الحركة الشعبية، مضيفا «اذا تكاملت الجهود داخل المؤتمر والحركة سنخرج بسودان موحد ان شاء الله».
# بيان ختامي ومناشدة
ü مما جاء في البيان الختامي الذي تلاه الدكتور ازهري التجاني: اعتماد خطاب رئيس المؤتمر الوطني بما حوى من قيم ومبادئ وموجهات ونداءات وتوجيهات والتأكيد على قيام الانتخابات العامة في موعدها المقرر التزاماً بنصوص الاتفاقية والدستور، حسماً لكل الصراعات، وتحديداً لاحجام القوى السياسية ،ونزولاً على ارادة الشعب في اختيار ممثليه في ادارة دفة الحكم على جميع المستويات، وجاء فيه ايضاً: التزام المؤتمر الوطني بالسلام كخيار استراتيجي، يفي بعهوده والتزاماته فيه ويدعو عضويته لتنميته وحمايته ويسعى بكل جدية لاستكماله وتعميمه في كل ولايات السودان، اضافة الى «يلتزم المؤتمر الوطني بوحدة الوطن ارضاً وشعباً خياراً استراتيجياً يعمل له ويوفر له المناخ السياسي والخطاب السياسي والاعلامي الداعم والملتزم ويسعى لأن يهيئ للوحدة استحقاقاتها التنموية والخدمية وارضياتها الثقافية والاجتماعية».
ü قدم الدكتور قاسم برنابا مناشدة باسم أبناء وبنات الجنوب «المؤسسون فعلاً وعملاً مع الاخوة والاخوات الحادبين على تراب الوطن وعلى ابنائه وبناته للمؤتمر الوطني» ، موجها للمؤتمر العام ولرئيس المؤتمر الوطني ولرئيس الحركة الشعبية ولكل وطني بالتوافق على «ألا يندلع ما بقينا على قيد الحياة أوار حرب بيننا والى أبد الآبدين - آمين-»، وان «نعلي فوق هاماتنا وخلافاتنا اتفاقية السلام الشامل فهي مبلغ ما عرفنا وأقيم ما حققنا».

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147512708
_________________

Post: #384
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 05:09 AM
Parent: #383


دروب
عثمان شنقر
معين البروف المعرفي
أحسنت حلفايا الملوك صنعاً وهي تحتفي باحد ابنائها في ذكرى رحيله الاولى، بعد ان خلف ارثاً ثقافياً وفكرياً وابداعياً طيلة سنوات حياته، ليس وقفاً على أبناء الحلفايا وحدهم، كما انه ليس وقفاً على اهل السودان فقط، انما هو ارث فكري وبحثي مبذول لكافة الناس في مشارق الارض ومغاربها على ظهر هذا الكوكب.
واقع الأمر ان ما انجزه البروفيسور عون الشريف قاسم من انتاج فكري ومعرفي ثقافي، انجاز ضخم ولا يحتاج لتبيان او توضيح، لأن ما انجزه موجود ويستفاد منه كل يوم في البحوث الجامعية والدراسات الاكاديمية في الجامعات والمعاهد العليا، ويعود اليه كل باحث حصيف ليستقي من نبعه الذي لا ينضب! ولكن السؤال الذي يطرأ على الأذهان في حالات غياب أمثال البروف عون الشريف، البروف عبد الله الطيب، علي المك، صلاح احمد ابراهيم، جيلي عبد الرحمن، محمود محمد طه..إلخ، «لأن القائمة تطول بطبيعة الحال».. السؤال الذي يطرأ هنا كيف نحافظ على ما قدمه هؤلاء المفكرون والمثقفون من إسهام علمي وفكري وثقافي وابداعي مرموق؟ وكيف نحوله من إرث خلاق «في الكتب» الى واقع حقيقي يجني ثماره الناس ويلمسونه.. لمس اليد، في واقع حياتهم اليومي؟
للإجابة على تلك الشاكلة من الأسئلة المزعجة، لا بد من توحد وتضافر جهود شتى، متناثرة هناك وهناك، لتنتظم في خيط واحد لتشكيل أرضية ثابتة لواقع ثقافي متماسك.. فهل من مستجيب لمثل هذه الدعوة؟!

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147509549

Post: #385
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 05:10 AM
Parent: #384


دلالات القرار ببطلان المحاكمة
يقيم اتحاد الكتاب السودانيين بالتعاون مع مركز عبد الكريم ميرغني الثقافي بام درمان في السابعة والنصف من مساء اليوم، يقيم ندوة بعنوان:
«دلالات قرار المحكمة العليا ببطلان محاكمة محمود محمد طه»، يتحدث فيها الاستاذ طه ابراهيم المحامي. ويعقب عليها القانوني امين مكي مدني والاستاذ الباقر العفيف.
ويديرها الاستاذ شمس الدين ضو البيت. وذلك بمقر المركز بأم درمان حي العمدة شرق

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147509549
________

Post: #386
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 05:10 AM
Parent: #385


اشياء صغيرة
بين الأستاذ والدكتور

امل هباني
كُتب في: 2008-01-20




بين الاستاذ محمود محمد طه والدكتور جون قرنق دي مبيور كثيرمن نقاط الالتقاء والرؤى المتقاربة، في مجال التغيير الثقافي للامة السودانية.. في البدء كلاهما رجلان عظيمان عاشا كزعيمين حقيقيين يحملان رؤية ثورة وتغيير لوطن اسمه السودان وان اختلفا في الاسلوب من الثورة السلمية الهادئة للأستاذ محمود محمد طه للثورة العسكرية المتمردة للدكتور جون قرنق دي مبيور.. وايضا يجمع بينهما انهما قدما حياتهما ثمنا لما يؤمنان به فما بين اعدام محمود محمد طه في الثامن عشر من يناير في العام الف وتسعمائة خمسة وثمانين، وبين مقتل جون قرنق في الأول من أغسطس عام ألفين وخمسة تشابه في النهايات التي يقدم أصحابها أنفسهم قربانا للفكرة فتكون لحظة النهاية ذاتها مليئة بالدراماتيكية والتراجيديا مما يجعلها ـ اي النهاية ـ ذاتها امتدادا للفكرة عند الاتباع ومحفزا للمضي فيها.. فما بين تلاميذ الاستاذ محمود محمد طه الذين حملوا «الرسالة» في صدورهم وتفرقوا في شتات الارض يحمونها ويحفظونها ليوم آتٍ في «اعتقادهم» وبين اولاد قرنق الذين امسكوا بدفة القيادة وهم يواجهون الرياح والامواج العاتية يمنة ويسرة بعد مقتل الربان الماهر الذي كان يقود المركب بكل مهارة في كافة الظروف تبرز فكرة القائد المعلم والاتباع التلاميذ.. مع الاختلاف ان تلاميذ الاستاذ محمود محمد طه استسلموا لهذه الفكرة كلية واعتبروا ان لا تلميذ يمكن ان يصل لقامة الاستاذ بينما ورث قرنق ثوريته ومهاراته القيادية لابنائه الذين اثبتوا ان الزعامة والقيادة يمكن ان تتناقل من القائد الى الابناء وقد يعزى ذلك لان ابناء قرنق يطأون ذات الجمرة فمعظمهم من ا لجنوبيين «أسياد الوجعة» الذين يعبر عنهم قرنق في رؤيته لسودان جديد ثقافيا هو اساس التعايش لسودان قديم جغرافيا.. في حين يرى الاستاذ محمود محمد طه ان مشاكل السودان القديم جغرافيا تحل بفرد جديد اخلاقيا ومجتمع جديد سلوكيا الامر الذي جعل الاستاذ محمود محمد طه يرى في حل مشكلة قرنق حل مشكلة كل السودان اولاً ومن خلالها ستحل مشكلة الجنوب، بينما يرى قرنق ان حل مشكلة الجنوب اولاً ستحل مشكلة كل السودان ويجمع بين الإثنين علمية ومنهجية عالية يفتقدها المفكرون والقادة عموما في السودان.
يجمع بين الإثنين ايضا ان كلاهما صور في الاعلام لفترة طويلة كمتمرد وسيء الصورة بشع الصفات ذاك خارجا عن الدين وهذا خارجا على القانون والدولة و«الدين» منذ مجيء الانقاذ واعتبار حرب الجنوب حربا جهادية لكن قرنق اتيحت له فترة قصيرة جدا بعد حضوره الخرطوم وتسلمه مهامه كنائب أول لرئيس الجمهورية لكنها كانت كفيلة بفضل صفاته القيادية وبريقه الجماهيري ان تزيل عن صورته تشوهات كثيرة في اذهان ملايين الناس في شتى انحاء السودان، وتجعلهم مهيئين تماما لقبول رؤيته للسودان الجديد بل والانخراط في خدمة هذا المشروع ،بينما مازالت صورة الاستاذ محمود محمد طه ورغم بهائها وقوتها في اوساط الصفوة المثقفة الا انها مشوشة وتحتاج الى كثير من العمل من الاخوان الجمهوريين في الاوساط الشعبية وبين العامة لازالة التشويش واعطائه حقه الجماهيري باقناع الجماهير بأن رؤيته هذه من أجلهم.. وبين السودان الجديد والمجتمع الجديد والفرد السوداني الجديد قيم تستحق ان تسود وتقود هذا الشعب الى الخلاص.. وضعها عظماء أمثال الأستاذ والدكتور فماتت أجسادهم وبقيت أفكارهم، نحتفي بها ونتأملها كما نفعل في الذكرى الثالثة والعشرين لاغتيال الأستاذ محمود محمد طه.

http://www.alsahafa.info/index.php?type=6&issue_id=1316&col_id=27
______

Post: #387
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 05:24 PM
Parent: #1


اشياء صغيرة
علي.. معاوية.. محمود

امل هباني
كُتب في: 2007-09-24




علي عبد اللطيف، معاوية محمد نور، محمود محمد طه .. مواصلة لما بدأته بالأمس عن علاقتهم بالثورة والتغيير الثقافي كما اراها التي جعلتني اهديهم بحثا بعنوان «كيف نصنع تنمية ثقافية في الصحافة السودانية» .. وعلي ومعاوية ومحمود.. وهذا الجمع بين الثلاثة يقوم على الملاحظة والرؤية الخاصة، إذ أن الثلاثة باختلاف اجيالهم وازمنتهم ورؤيتهم الفكرية اجتمعوا في شيء اساسي انهم اسسوا لتغيير ثقافي كبير في المجتمع السوداني باكمله.
علي عبد اللطيف زعيم وبطل ثورة 1924م، آن للتاريخ ان ينصفه بأن يكتب ما وراء الثورة المسلحة .. وفي اعتقادي أن ما وراء الثورة تأسيس لحركة وطنية مناهضة للاستعمار الانجليزي قوامها «المثقفون» الذين لم يتبلور شكلهم بعد في ذلك الزمان، الذي كان فيه رموز المجتمع وقادته من زعماء العشائر والقبائل والطوائف الدينية .. أى ان جمعية اللواء الابيض هي اول تجمع قام على اساس وطني وليس طائفياً، مع ملاحظة ان المناخ العام يقارب المناخ العام الموجود بعد ثمانين عاما اي الآن.. فهناك جدل حول فصل جنوب السودان، وآراء من النخب الشمالية ترى أنهم مجموعة من المتخلفين والبدائيين يجب فصلهم.. وعندما نرى اعضاء جمعية اللواء الابيض باختلاف سحنهم وقبائلهم، نجد انها تجاوزت ضيق «الهوية» الى رحابة «الوطنية».. وحتى موقفها من بقاء السودان تحت التاج المصري كان رؤية لوطن واحد وهو «السودان» وليس لمجموعة عربية او افريقية كما جاء من بعد.
أما معاوية محمد نور الرجل الذي جاء قبل اوانه ورحل قبل اوانه.. ورحل وهو يحمل معه كثيراً من الغموض والاسرار الثقافية والفكرية.. فهو مشروع مثقف فقد عقله المتوهج ذكاءً الصائب رؤية تجاه كثير من القضايا التي تناولها آنذاك من الحقوق المادية للمؤلف وانتشار السرقات الادبية في مصر من الادب الغربي، الذي عرف ايضا في عصرنا هذا بحقوق الملكية الفكرية.. والسؤال الاهم ما الذي جاء بمعاوية نور من مصر ليستقر في السودان، داعيا لقيام حركة ثقافية سودانية الشكل والبيئة بعد ثورة 1924م مباشرة، فهل هناك علاقة أو تواصل على اى مستوى بين الاثنين ؟؟ اسئلة تستحق الدراسة والتمحيص.
الثالث هو محمود محمد طه اكثر الثلاثة معاصرة وحداثة، ووضوح في الرؤية الفكرية. وعلى الرغم من اختلافي مع محمود محمد طه في رؤيته العقائدية .. لكن محمود محمد طه نموذج لرجل قاد ثورة ثقافية ناجحة، فاتباع محمود محمد طه وحتى الآن بعد غيابه لقرابة ربع قرن من الزمان، احتفظوا بالتغيير الوجداني والسلوكي الذي احدثه زعيمهم الراحل بمحاضراته وكتاباته، وحتى مدى التزامه الشخصي بذلك السلوك الفكري.. لذلك هو قائد حقيقي وواقعي لثورة ثقافية.. وان لم تكتمل التجربة، تجربة الثلاثة الذين رحل ثلاثتهم بطريقة مأساوية، دفعوا فيها ثمن افكارهم الملهمة بالتغيير نحو الافضل لهذا السودان وللإنسان وسموه الوجداني اينما وجد في هذه الدنيا.

http://www.alsahafa.info/index.php?type=6&issue_id=1212&col_id=27
_________________

Post: #388
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 05:26 PM
Parent: #1


الحركة تطالب بدعم مطلب «الجمهوريين» بالعودة
الخرطوم : علاء الدين
دعت الحركة الشعبية ، القوي السياسية كافة ، للصمود في دعم مطلب الجمهوريين بالعودة الى ساحة العمل العام، واعتبرت افكار زعيمهم محمود محمد طه ، مهمة في هذه المرحلة الدقيقة لجهة وحدة السودان ونهضته .
وقال نائب رئيس المجلس الوطني ، اتيم قرنق ، في الاحتفال الذي نظمته اللجنة القومية بالتعاون مع سكرتارية الشباب والطلاب بالحركة الشعبية لاحياء ذكري اغتيال الاستاذ محمود محمد طه ، امس ، بدار الحركة بالمقرن ، ان محمود جاء بفكر اسلامي مستنير يستوعب غير المسلمين في دولة المواطنة الحقة ، مشيرا الى انه كان اول من دعا الى تطبيق الحكم الفيدرالى في البلاد قبل حتي ان يطالب بذلك الجنوبيون .
ودعا نائب الامين العام للحركة الشعبية لقطاع الشمال ، ياسر عرمان ، القوي السياسية كافة للصمود من اجل الدفاع عن حق الجمهوريين في التعبير عن افكارهم .
واكد، انهم في الحركة الشعبية ، يؤيدون الحق الدستوري لتلاميذ الاستاذ محمود في التعبير عن رؤاهم وافكارهم ، لان مكانتهم لا تزال شاغرة في في الساحة ، ولم يستطع اي تيار ان يملاها ، مؤكدا ان افكار الاستاذ محمود مهمة في هذا التوقيت تحديدا لجهة الحفاظ على وحدة السودان ونهضته.
وقالت ، اسماء ، ابنة الاستاذ محمود ، في كلمتها التي القتها في الاحتفال عبر الهاتف من الخليج ، ان افكار والدها تعانق قضايا الواقع المعاصر في كل يوم من خلال دعوتها لاحترام الحقوق ، وتوقير الانسان من حيث هو انسان ، واقامة دولة المواطنة الحقة ، التي أسس لها الاستاذ دينيا وتشريعيا واجتماعيا .

http://www.alsahafa.info/index.php?type=3&id=2147509478
_________________

Post: #389
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 09:16 PM
Parent: #1


اضواء ومفارقات
الحاكمية لله وحده (2)
تاج السر مكي



عرف سيد قطب بتأويله الخاص لما يسميه (آيات السيف) وهي تصل الى حد (الأمر بقتال اهل الكتاب حتى (يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) وهو يؤسس موقفه على مقولات ابن قيم الجوزية الحنبلي اذ يعتبر أن (الخراج المضروب على رؤوس الكفار اذلالاً وصغاراً) لأن الجزية جزاءً على كفرهم وهو أمر لايتماشى مع قيم العصر ولن يكون تحقيقه ممكناً مع مواثيق حقوق الإنسان التي تمثل مرجعية للدستور الانتقالي وجوهر اتفاقية السلام.
إن الذين يسوقونا الى أهدافهم تلك الغامضة يتصورون أنهم سيقيمون دولة الله في الأرض وهم لم يتمكنوا في تجربتهم التي حشدوا لها كل إمكانياتهم واعدوا لها العدة وسطوا على السلطة غيلة من أن يبرهنوا على أنهم يتمتعون بأي درجة من الشفافية والصدق ، فما كشف عنه الترابي (عراب التجربة) يدل على عدم المصداقية فحتى الآن لم نسمع ما ينفي إتهاماته تلك بل هو يزيد عليها كل يوم مما جعلهم لا يجدون طريقاً غير تكفيره ولو قدر لهم ان يفعلوا به ما فعلوه بالمفكر الاسلامي النبيل محمود محمد طه لما ترددوا لحظة واظنهم يعدون العدة لذلك لكن هل يستطيعون ؟ .. إن الاصرار على تأكيد حاكمية الله في دستور العاصمة (الأمر الذي يجعل الحكم عبادة) كما قال بعضهم هو مقدمة لشر يضمرونه للناس ولشيخهم والذي سخر كثيراً من مارساتهم..
إن الرسل والأنبياء لا يحكمون ( وما نرسل المرسلين الا مبشرين ومنذرين) وفي انجيل لوقا يقول ان شخصا قال للسيد المسيح ( يا معلم قل لأخي أن يقاسمني الميراث) فقال له ( يا انسان : من أقامني عليكما قاضيا أو مقسماً) .. وقد حكم الله بواسطة الوحي من خلال الرسل والانبياء
فحكومة الله عندما تكون الحاكمية له لا تكون ابداً الا في عهد رسول أو نبي وقد حدث ذلك في عهد ادريس وموسى وداوود وسليمان وعيسى ومحمد فأين الوحي الآن من حكومة (ولاية الخرطوم) هل يريدون ان ينسبوا قصورهم وفشلهم الذي اعترفوا به للإسلام ؟ وما شأن الاسلام بشركات الطرق الوطنية العاجزة وما شأنه بالصراع الذي يدور في مؤسسات التأمين الصحي. وما شأنه بالفساد الذي استشرى وبتلك الفوضى والعجز والتآمر الذي تم في يومي الاثنين والثلاثاء الداميين.. ففي حكومة الله يا هؤلاء وحدها يحكم النبي بإرادة الله ويقضي بوحيه ويأمر بنوره ( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) لذلك تكون طاعة النبي طاعة لله ومن يطع الرسول فقد أطاع الله).. ( إنما الذين يبايعونك إنما يبايعون الله) .. فمن نطيع اليوم ومن نبايع هل يجرؤ أحدهم ان يقول إنه أهل لبعض ذلك..
ان حكومة الانقاذ قامت على القوة وفرضت على مواطنيها والمقيمين على أرضها ان يلجأوا الى سلطانها وسلطاتها طائعين او مكرهين وهي تفرض عليهم تنفيذ ارادتها واحكامها وأوامر حكامها بالقوة والاكراه لكن في حكومة الله لا يفرض ذلك فإن النبي لا يفرض على جماعة المؤمنين حاكماً او قاضياً فلا ينبغي تصور إمكان حكومة الله بغير رسول أو نبي أو تصور إمكان قيامها على ما تقوم به الحكومات ( كالانقاذ) والتي تصر على فرض قوانين الانقاذ وابقائها رغم ان الحكومة الحالية من المفترض ان تكون حكومة شراكة .. إن حكومة الله انتهت يوم وفاة النبي وانقطاع الوحي .. فابحثوا يا هؤلاء عن العدالة الإنسانية لعلكم تفلحون.

http://www.alayaam.info/index.php?type=6&col_id=71&issue_id=935&bk=1

Post: #390
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-16-2008, 10:15 PM
Parent: #389


العدد رقم: الاثنين 8665 2006-11-27
أقتصاديات
الاقتصاد والسياسية
محمد رشاد عبد الرحيم


لعل التعاون الحالي – الذي يستغربه البعض – بين الشيوعيين الصينيين (الحزب الشيوعي الصيني) والاسلاميين السودانيين (حزب المؤتمر الوطني) أبلغ دليل على التغييرات العالمية التي يتقدم فيها الاقتصاد وتتراجع العقائد والمبادئ .. فالحركة الإسلامية السودانية منذ نشأتها عرفت بالعداء المستحكم للشيوعية والشيوعيين فدمغتهم بالكفر والإلحاد ولعبت دوراً كبيراً في حل الحزب الشيوعي السوداني وطرد نوابه من البرلمان تحت هذه الدعوى (الكف والالحاد) وان كان الأمر في حقيقته المنافسة السياسية تماماً كما حدث للشهيد محمود محمد طه.. هاهي الحركة الاسلامية السودانية الآن (سمن على عسل) مع الحزب الشيوعي الصيني يقدم لها الهدايا الثمينة وبالطبع عرفانا بما تقدمه لذلك الحزب الشيوعي هذه الهدايا ليست حباً في سواد العيون وسبحان مغير الاحوال.
لو كان الحزب الشيوعي السوفيتي موجوداً في السلطة في تلك البلاد لما تأخر اسلاميو السودان في الاحتماء واللوذبة من استكبار الامريكان طمعاً في (الفيتو) فلقد كان الشعار الاسلامي يوما ما في السودان يعادي الاثنين (الشيوعية والرأسمالية) (امريكا روسيا قد دنا عذابها) فلا عذبوا هذه ولا تلك وتعذبنا نحن وتفرقنا أيدي سبأ واصبحت بلادنا في كف عفريت مهدة بالانفصال في (الاتجاهات الاربعة) وما مثلت حمدي يبعيد عن الاذهان وعلى نفسها قد جنت براقش.
الاهداف الاقتصادية اصبحت هي (المرجعية) ولا مرجعية غيرها .. انظر للتصويت في مجلس الامن وحق الفيتو الا تتحكم المصالح الاقتصادية عند التصويت ؟
الحروب الباردة وربما غير الباردة الحالية ومستقبلاً حول الموارد والاقتصاد وليس صراع حضارات وأديان فالشركات العابرة للغارات دينها (الارباح) ولايحد من غلوائها وتوحشها الا منظمات المجتمع المدني الساعية لتحقيق العدالة للإنسان والتي تنمو في ظروف الحريات فلتعمل هذه المنظمات لاستعادة الحريات بالبلاد التي تحكم شموليا.
الدعوة للاهتمام بالاقتصاد في ظروف الحريات والديمقراطية ليست دعوة (برغماتية) على حساب القيم طالما كان المجتمع مفتوحا وشفافاً وحراً فسيتقدم على كل الجبهات اقتصادية وعدلية وعلمية وانسانية


http://www.alayaam.info/index.php?type=6&col_id=73&issue_id=939&bk=1

Post: #391
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 01:43 AM
Parent: #1


معالم في الطريق
السكوت على التعذيب يعني استمرار الحلقة الشريرة
محجوب عثمان


لن نمل الحديث عن قضية التعذيب ولن نتوقف عن التكرار حتى لو كنا لا نصفق الا بيد واحدة او كنا نمسك وحدنا بناقوس الخطر . القضية اكبر من ما يتصور كثيرون فهي ليست او لم تكن نزوة عابرة او حقدا اسواء مبررا اذا جاز ان لكل من قفز للسلطة ان يحقد على من لا يؤيده ان القضية ومعالجتها تتعلق بمجمل مستقبل العمل السياسي في السودان ونوع الحكم فيه . فاذا كانت مجموعة 17 نوفمبر 1957م قد نالت ما تستحق من عقاب بعد سقوطها لما تجرأ احد واقدم على انقلاب 25 مايو ولو عوقب قادة مايو خصوصا كبيرهم السفاح بصورة حاسمة لما ابتلينا بانقلاب 30 يونيو 1989 لقد ظل الشعب السوداني يصرخ ويردد الصراخ مطالبا مصر باعادة السفاح ليلقى جزاءه ولكن مصر حمت السفاح وابقت عليه آمنا واذا كانت مصر قد حسبت انها تقدم خدمة للسودان بذلك العمل فهي مخطئة تماماً . ما ان احس نظام (الانقاذ) انه استقر حتى رحب بالسفاح ومسح عنه كل الاثام ولا ادري من اين كان ذلك الحق لجماعة (الانقاذ) في ان تنوب عن شعب باكمله للعفو عن قاتل سفاح يكفي من اثامه ان نذكر انه هو الذي اغتال شهيدين من اعظم من انجبت حواء السودان، الشهيد عبد الخالق والشهيد محمود محمد طه. شاهد القول ان ما عرف باسم (الحلقة الشريرة) وهي انقلاب عسكري يقضي عليه الشعب بثورة او انتفاضة ثم ياتي انقلاب عسكري آخر هذه الحلقة الشريرة ستستمر اذا لم يكن هناك حساب وعقاب وقضية (التعذيب) وممارسته بانواع متعددة وتطبيقه حتى على افضل عناصر المواطنين واكثرها عطاءا للوطن هذه القضية واحدة من اهم القضايا التي ينبغي ان تخضع للحساب والعقاب. ان مواصلة البحث في هذه القضية سيكشف لنا الكثير من ما كنا نجهله ولهذا فاننى اليوم ادعو كل من تعرض لتعذيب نفسي او جسدي في بيوت الاشباح او غيرها ان يتقدم إلى هذه الصحيفة بما عنده حتى نتمكن من تكوين ملف كامل يتشاور الخيرون كيف يمكن التصرف حياله ولنا فيما فعله الدكتور فاروق محمد ابراهيم قدوة حسنة.

http://www.alayaam.info/index.php?type=6&col_id=60&issue_id=953&bk=1

Post: #392
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 03:19 PM
Parent: #1



بين أعمدة العلم والوطنية بابكر بدري وشيخ لطفي
الخير حسن سيداحمد

في عام 1983م قرر نميري ان تكون مدينة رفاعة عاصمة المحافظة بالجزيرة وفي 28/8/1983م كتبت مقالاً في جريدة الأيام الغراء بعنوان (رفاعة طائر الفينيق) كان المقال يحوي تاريخ تأسيس مدينة رفاعة، وعلماء رفاعة، ورجالات رفاعة، ودور رفاعة في النهضة التعليمية ومحاربتها للاستعمار وثورة 1946م بزعامة الأستاذ المهندس محمود محمد طه.. الذي خاض البحر وجاء بالمرأة المسجونة (بجريمة الخفاض الفرعوني) معززة مكرمة.. ذهبت المرأة الى بيتها وذهب الأستاذ محمود ورفاقه الى السجون لم يدخلوا سجناً واحداً بل وزعوا على عدة سجون.
بعد شهر او شهرين من كتابة ذلك المقال، شد الرحال الموثق والمؤرخ وجامع الأدب الشعبي الأستاذ الطيب محمد الطيب، الى مدينة رفاعة جاء بهيلمانه وتلفزيون وفنانين (ثنائي العليفون).
اجتمع بنا في منزل الشيخ محمد لطفي عبد الله وبعد مقدمة بسيطة كسوة الشرف التي البسها نميري هذه المدينة.. طلب من المواطنين ان يكونوا على قدر المسئولية- ثم طلب مني ان اتحدث بما اعرف عن شيخ لطفي.. رفضت الحديث واعتذرت قائلاً لا يمكن ان اتحدث عن شيخ لطفي وانا في منزله وعلى يميني وشمالي ابناءه علي وصلاح هما ادرى مني وسوف يقولان لك ما يمتعك فأهل مكة ادرى بشعابها.. فقبل عذري.. وشكرته.
سأل الأستاذ الطيب محمد الطيب الأستاذ علي لطفي عن تسمية (لطفي) ومن اين جاءت قال علي لطفي
كلمة لطفي تعني (اللطافة) فقد كان والدي لطيفاً لذلك اسماه بابكر بدري بهذا الاسم الذي صحبه حتى مماته.. لكن اقول للاخ على ان كلمة (لطفي) هي اسم الكاتب: مصطفى لطفي المنفلوطي وقد كان بابكر بدري معجباً باسلوبه محمد عبد الله قوى مندما كان تلميذاً له. فكان محمد يكتب مواضيع الانشاء باسلوب لطفي المنفلوطي.. وكان يسمى تلاميذه باسماء المصريين من ادباء وشعراء وعلماء فاسمي شبيكة بـ(عزمي) واسمى احمد ابوسن بـ(حلمي) وعلي عبد الله باسم (ناصف) وهكذا هذا هو سبب تسمية (لطفي) فقد كان اديباً وكاتباً.
ويمتاز اسلوبه وادائه باسلوب مصطفى لطفي المنفلوطي
الدور الذي قام به الشيخ بابكر بدري للتعليم عامة وتعليم المرأة خاصة كان دوراً فريداً ومقدراً بعد ان هزم ود النجومي في معركة (طوشكي) اسر بابكر بدري من ضمن جنود ود النجومي. اخذ الى مصر.. سجن فيها.. وبعد ان اطلق سراحه لم يحضر الى السودان.. كان يتجول في حواري القاهرة.. ويدخل صحن الازهر والازبكية يدخل بعض المدارس ويشاهد كيف يدرس المصريون التلاميذ.. ثم عاد الى السودان وقد نهل من علم ومعارف الكنانة.. جاء ورأسه مشحوناً بصنوف العلم والمعرفة. اراد ان يفرغ تلك الشحنة... فاختار مدينة رفاعة واخذ يخطط لمشروعه الرائد. قرر ان يبدأ بتعليم المرأة.. لما لها من مكانة في المجتمع وما لها من أدوار تلعبها في بيتها وبين جاراتها وفي حيها ومدينتها.
لم يهتم الوالد بابكر بدري بتلعيم المرأة القراءة والكتابة وحفظ القرآن انما اهتم جداً بتدريس (الاقتصاد المنزلي) مادة (Domestic Sciences) التي تعني باشغال الأبرة.. والطبخ، الحياكة وصنع الحلوى (الكعك- المنين) والعصائر الآبري الاحمر والأبيض، وشراب العرديب و ثمار التبلدي الخ
لكن لم يتركه الاستعمار وغيره من اولاد الحلال ان يؤدي رسالته حاربوه حتى انتقل للعاصمة سبق ان كتبت مقالين في جريدة الأيام الغراء.. لا أنكر تاريخهما لكني اذكر عناوينهما.. كان الأول بعنوان (خلف الدرج امام الطيب صالح) تحدثت في هذا المقال عن نشأة مدرسة رفاعة الأهلية الوسطى... متى بنيت؟ واين فتحت اولاً؟ والصعاب التي واجهت مولانا شيخ لطفي عند الافتتاح، ومن وقف معه من المواطنين.. نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر.. شيخ محمد خير ابراهيم (افندينا) الذي فتح ديوانه لطلبة السنة الأولى والثانية حتى تم بناء المدرسة والشيخ محمد عبد المجيد الذي دفع مال (الأمنية) الذي طلبه المستعمر وكان (مائة جنيه).
اما المقال الثاني فكان بعنوان (مدرسة رفاعة الأهلية الوسطى بين الطيب صالح ود. خالد المبارك) وكان المقال منصباً على بناء المدرسة والصعاب التي واجهت شيخ لطفي في التصديق والبناء وكيف جاب السودان كله يجمع التبرعات من احبابه واصدقائه والمؤمنين برسالة العلم في عهد طغى فيه المستعمر وتجبر.. وتحدثت في المقال عن المعلمين الذين تعاقد معهم شيخ لطفي احمد يوسف ابن اخته وصهره.. احمد محمد حامد موسى.. خضر السيد.. محمد منصور..بساطي، الطيب غالب، عثمان الجعلي، شيخ الأمين الخليفة، شيخ بابكر الجنيد، (الاخدر) فتح الرحمن البشير، ميرغني النصري المحامي. حسن علي احمد. سيد احمد نقد الله، الذي ارسل المستعمر برقية لشيخ لطفي يأمره فيها بفصل نقد الله وناداه شيخ لطفي وقال له:
ياخوي انت مدرس ممتاز.. لكن الكفار ديل قالوا افصلوك من المدرسة والله أنا تدريسك عاجبني.. وما عايز افصلك لكن ما باليد حيلة.. دحين ياخوي هاك حق الشهرين ديل مصاريف.. لكن عليك الله تشوف لي مدرس ناجح زيك كدة وترسله لنا... اها ودعتك الله.
جاء الطيب صالح- بعد مغادرة نقد الله المدرسة ومكث بها سنتين يدرس ويرعى الطلبة في (داخلية الطب) الى ان ذهب الى بخت الرضا (كلية المعلمين الوسطى) عندما انتدبه شيخ لطفي ليتلقى كورساً في المادة والطريقة وفنون التدريس لكن من بخت الرضا شد الرحال الى بلاد الانجليز الى بلاد يموت الحوت من بردها اختير مذيعاً باذاعة (BBC)
جاء من بعد الطيب صالح، محمد لطفي عبد العزيز ابو سمرة، عبد العزيز التوم، حسن نصر، احمد علي جابر، مصطفى محمد سعيد الخ.
قبل موت الشيخ محمد لطفي عبد الله، جاء رهط من المعلمين عملوا معه وحملوا المشعل عالياً بعد موته.. عبد الرحمن علي الشيخ، بهاء الدين الشيخ، عبد الباسط حسين، شيخ يوسف محمد علي، شيخ بابكر بابكر.. يحي حسين.. ادريس محمد ادريس، الأمين صديق التوم، بابكر الخليل، الطاهرة وقيع الله، ادم احمد كودة، محمد علي الخليفة، محمد خير حسن سيد احمد، خالد المبارك، التجاني صديق، عبد الله عثمان، خالد بشير (القرش)
نواصل.....


http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147505215

Post: #393
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 03:57 PM
Parent: #1


الدين في المجتمع المعاصر (4)

من بين كل أشكال الإجتهاد الإسلامي في تطبيق النصوص يقف إجتهاد عمر بن الخطاب نسيج وحده فهو ليس اجتهادا فيما هو ظني الثبوت او ظني الدلالة او ظني الدلالة والثبوت من النصوص فحسب بل هو ايضا اجتهاد فيما هو قطعي الدلالة والثبوت وهو لا يقف عند حدود الفهم والاستنباط والتفريغ والترجيح والتبرير للاحكام المستنطبة من النصوص قطعية الدلالة والثبوت كما درج على ذلك السلفيون القدماء والجدد من بعده حتى يومنا هذا وانما يتعدي ذلك الى تغيير او تجاوز او استبدال هذه الاحكام .



الردة لحماية اسرار المسلمين
وليس ادل على خطأ النظام المعرفي للفكر السلفي الاسلامي والذي ترتب على اغفال منهج الكتاب والحكمة من صياغة جريمة باسم الردة وتعريفها بانها الخروج عن الدين او الترويج لذلك او ما يشابهه برغم وضوح القرآن في هذه المسالة وقوله صراحة (قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) (29 الكهف) اما الموضوع القانوني الذي استوجب الحماية بالعقوبة في الحديث (ومن بدل دينه فاقتلوه) فهي شئ اخر تماما سيتبين لنا من خلال قصة حاطب بن بلتعة وامثلة اخرى.
وقد كان حاطب بن بلتعة رجلا من المهاجرين وكان من اهل بدر ايضا وكان له بمكة اولاد ومال ولم يكن قرشيا بل كان حليفا لعثمان فلما عزم رسول الله (ص) على فتح مكة لما نقض اهلها عهد الحديبية ، امر المسلمين بالتجهيز لغزوهم وقال (اللهم عم عليهم خبرنا) واخبر الرسول (ص) جماعة من اصحابه بوجهته كان منهم حاطب فعمد حاطب فكتب كتابا وبعثه مع امرأة مشركة الى اهل مكة يعلمهم بعزم الرسول (ص) على غزوهم .. ليتخذ بذلك عندهم يدا وفي البخاري قال علي بن ابي طالب بعثني رسول الله انا والزبير والمقداد فقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة (امرأة في هودج) معها كتاب فخذوه منها . فقلنا لتخرجي الكتاب او لنلقين الثياب . فاخرجته من عقيصها (العقيصة: الضفيرة) فآتينا به النبي (ص) فقال : ما هذا يا حاطب ؟ قال لا تعجل علي يا رسول الله اني كنت إمرءا من قريش ولم اكن من انفسهم وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها اهليهم واموالهم بمكة . فاحببت اذا فاتني النسب فيه ان اصطنع اليهم يدا يحمون قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني . فقال النبي (ص) انه قد صدقكم فقال عمر : دعني يا رسول الله فاضرب عنقه فقال انه شهد بدرا وما يدريك لعل الله عز وجل اطلع على اهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وفي رواية مسلم لهذا الحديث (فقال عمر : إنه خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني لاضرب عنقه)..
فها هو رجل من المسلمين قام بافشاء سر حربي من اسرار المسلمين لاعدائهم وهدد بذلك امنهم وسلامتهم . فكاد ذلك ان يؤدي بحياته لانه بكلمات عمر بن الخطاب (قد خان الله ورسوله والمؤمنين) قد ارتكب جريمة الخيانة العظمى وافشى اسرار دولة المدينة لاعدائها في مكة . ولم يشفع له لدى عمر انه قال (وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني) لان الموضوع ليس بقاءه في الدين او خروجه عنه وانما هو افشاء اسرار المسلمين ولم ينقذه من سيف عمر الا تدخل الرسول (ص) لصالحه لانه شهد بدرا . فاذا كان رجل من المسلمين شهد بدرا يمكن ان يرتكب جريمة الخيانة العظمى واستحق بذلك ان يقتل فان ارتكاب الخارج عن الاسلام لهذه الجريمة يكاد يكون مؤكدا في ذلك العصر . خاصة ان الارتداد عن الدين كان يعني الإنتقال الجسدي الى دار المشركين . مع اسرار المسلمين الحربية . وكان ذلك حال (عبد الله) بن سعد اخو بني عامر بن لؤى وكان ذلك ايضا حال عبد الله بن اخطل ارتدا مشركين فرجعا الى مكة .(41).
ومن ذلك يتضح ان معاقبة الاسلام من ارتد عنه بالقتل انما اقتضته سياسة الدولة اكثر من الحرص على إسلام هؤلاء اذ كان اخوف ما تخافه الدولة الاسلامية من الابقاء على هؤلاء المرتدين ان ينقلبوا عيونا عليها وبذلك يصبحون شرا مستطيرا يهدد كيانها(42).وهذا هو السبب الذي حرم القرآن التزاوج مع مشركي مكة في قوله تعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولامة مؤمنة خير من مشركة ولو اعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو اعجبكم) (221 البقرة) وفي قصة حاطب بن بلتعة التي سبقت ما يدل على ذلك . فالمرأة التي اخذت الرسالة تريد بها معسكر المشركين كانت امرأة مشركة . وكان الشافعي يقول في جهاد المشركين ان من قرب اولى ان يجاهد لقربه من عورات المسلمين (43) لذلك فان زواج المسلمين من مشركي مكة رجالا او نساءا كان سيشكل خطرا كبيرا على اسرار المسلمين يهدد امنهم وسلامتهم .
خاتمة :
وبهذا يتضح ان المنهج التشريعي الاسلامي في اصوله القرآنية هو منهج علمي لا يهدر البعد التاريخي او يتجاهله وان تجاهل هذا البعد التاريخي وهو الامر الذي ظل يسم الفكر السلفي لعدة قرون الآن وقاد الى التخلف الذي تعاني منه المجتمعات الاسلامية اليوم لانه يصادم قانونا اساسيا من قوانين الكون ان هذا التجاهل امر طرأ في وقت لاحق على نزول القرآن وبعد انقضاء جزء من الخلافة الراشدة ، ولقد كان من نتائج لاعلمية هذا التوجه في بعده التطبيقي – والدليل عليه في الوقت ذاته – صعوبة بل واحيانا استحالة تطبيق هذه الاحكام على بني اجتماعية واقتصادية وآليات سياسية مختلفة تماما عن مثيلاتها في جزيرة العرب عند بدء العمل بهذه الاحكام (انظر كمثال الطريقة الانتقائية التي تسم هذا الفكر ايضا والتي اسقط بها الجزية كمكون من مكوناته).
في المقابل تعامل المنهج التشريعي القرآني ، وهو منهج الكتاب والحكمة مع هذه الاحكام بوصفها وسائل لتحقيق مبادئ او غايات عامة وهي لذلك متاثرة بالتطور الاجتماعي للانسان لذلك حث على تجاوزها الى غاياتها لان كل تجاوز لها الى غاياتها هو اقتراب من غايات الخلق . وبرغم ان الاحكام تتساوى جميعا في انها وسائل لغايات الا ان غاياتها في اهميتها فغايات الاحكام الموجهة نحو النفس البشرية ، وهي قيم الكرامة والقوة والعدل والعلم والسلام ، بوصفها القيم التي تقوم بصياغة الانسان ، واعداده لدوره على الارض. هي قيم وغايات المجتمع الكبرى . وتجئ غايات الاحكام الاخرى داعمة ومساندة وموصلة لهذه الغايات الكبرى .
والعلم بوصفه اصلا اصيلا من هذه القيم الكبرى هو وسيلة المجتمع لابتداع الوسائل وهو وسيلته للتعرف على غاياته ليس بالاستقراء وحده وانما بكل الطرق المعمول بها علميا في جميع العلوم وبالدراسات العلمية في العلوم الطبيعية والانسانية وبالتجربة والخبرة الانسانية الواعية.
كذلك فان ثبات الحكمة او الغايات انما هو ثبات نسبي فقيم الكرامة والقوة والعدل والسلام تكتسب على الدوام مضامين جديدة فتنضاف حقوق انسانية جديدة لكي تعزز قيمة الكرامة مثلا وتبتعد القوة باضطراد عن ان تكون ما يسمى سياسياً وعسكرياً هكذا ..الخ.
ونحن اذا دققنا النظر في مجموعات الاحكام اي احكام المحرمات والفرائض والمعاملات والاحوال الشخصية والعقوبات الفينا غايات وقيم المجتمع الكبرى مرة اخرى فكل مجموعة من هذه الاحكام تركز على واحدة من هذه الغايات اكثر من غيرها . فالمحرمات بحفظها لحقوق الانسان وتكريمها له عن الحيوان تركز على قيمة الكرامة والفرائض بتخليصه للنفس البشرية من نوازع الضعف من ذل ، وجهل ، وشح ، وعدوانية ، تركز على القوة والمعاملات بسعيها لاشاعة المساواة والنظام تركز على العدل . واحكام الاحوال الشخصية بتأكيدها على إنسانية الانسان التي لا تكون الا بالعقل والعلم الذين كرمهما به الله تركز على العلم. والعقوبات التي تهدف لمكافحة الجريمة واشاعة الامن والطمأنينة تركز على السلام . وغاية غاياتها معا هو تعمير الارض بالقسط لقوله تعالى (لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط (25 الحديد) وهو ادق مقاييس العدل فيه تتحقق خلافة الانسان لله الذي شهد انه "لا اله الا هو والملائكة واولوا العلم قائما بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم (18 آل عمران) وبذلك يتسق المنهج ويكتمل ويتأكد ويؤكد مصدره الإلهي.
المراجع والهوامش :
1- محمد حسين هيكل "الفاروق عمر" دار المعارف الطبعة العاشرة الجزء الثاني ص 225-25.
2- نفس المصدر الجزء الثاني ص 268-269.
3- محمد عمارة النص الاسلامي بين الاجتهاد والجمود والتاريخية "دار الفكر دمشق 2000 ص 68 .
4- محمد حسين هيكل مصدر سابق ص 265.
5- نفس المصدر ص 265.
6- نفس المصدر ص 255.
7- نفس المصدر ص 255.
8- نفس المصدر ص 255.
9- خالد محمد خالد "خلفاء الرسول" دار ثابت القاهرة 1994 ص 205.
10- محمد حسين هيكل مصدر سابق ص 255.
11- انظر : ابو إسحاق ابراهيم (الشاطبي) الموافقات في اصول الاحكام دار الفكر القاهرة .
12- الراغب الاصفهاني معجم مفردات الفاظ القرآن دار الفكر القاهرة ص 127.
13- محمد اركون : تاريخية الفكر العربي الاسلامي مركز الانماء القومي الطبعة الثانية بيروت 1996 ص 23.
14- انظر اعمال محمد اركون : المصدر السابق ومحمد اركون الفكر الاسلامي قراءة علمية مركز الانماء القومي الطبعة الثانية بيروت 1996م واعمال محمد عابد الجابري تكوين العقل العربي مركز دراسات الوحدة العربية الطبعة السادسة بيروت 1994 ونية العقل العربي مركز دراسات الوحدة العربية الطبعة السادسة بروت 1994 واعمال نصر حامد ابو زيد خاصة : الامام الشافعي وتأسيس الايدولوجية الوسطية مكتبة مدبولي الطبعة الثانية 1996 ومحمد سعيد العشماوي الخلافة الاسلامية دار سينا للنشر القاهرة 1992.
15- نصر حامد ابوزيد دار سينا للنشر الطبعة الثانية القاهرة 1994 ص 118.
16- نفس المصدر ص 118-119.
17- محمد عابد الجابري التراث وتحديات العصر مركز دراسات الوحدة العربية ص 209.
18- نفس المصدر ص 209.
19- محمد حسين هيكل مصدر سابق ص 254.
20- خالد محمد خالد مصدر سابق ص 145.
21- نفس المصدر ص 145.
22- محمد حسين هيكل مصدر سابق ص 216.
23- الراغب الاصفهاني مصدر سابق ص 126.
24- لسان العرب مادة ح ك م .
25- ابن كثير تفسير القرآن العظيم مكتبة الصفا الطبعة الاولى 2002 ج 2 ص 7.
26- نفس المصدر ج 8 ص 95.
27- حيدر ابراهيم علي الاسس الاجتماعية للظاهرة الدينية ملاحظات في علم اجتماع الدين في كتابات سودانية العدد الاول ديسمبر 1991 ص 72.
28- سيرة ابن هشام ج 3 ص 327.
29- محمد حسين هيكل الحكومة الاسلامية ص 47.
30- سيد قطب في ظلال القرآن ج 1 ص 509.
31- نفس المصدر ج 2 ص 767.
32- راجع أعمال محمود محمد طه خاصة : الرسالة الثانية من الاسلام الطبعة الخامسة بدون تاريخ وتطوير شريعة الاحوال الشخصية الطبعة الاولى 1971 ومعظم الاعمال تدور حول صلاحية الشريعة كما جاءت في القرن السابع لاحوال القرن العشرين . وهو صحيح يتفق تماما مع منهج الكتاب والحكمة ولكنه يعزو عدم الصلاحية الى ان القرآن ينقسم الى مكي ومدني حسب مكان نزوله والى ان اصول الاسلام نزلت بمكة واستمر نزولها ثلاث عشرة سنة فلم يستجب لها الجأهليون فظهر عمليا انها فوق طاقتهم (تطوير شريعة الاحوال الشخصية ص 38). وهو قول فيه نظر لانه يفصل النصوص عن الواقع الاجتماعي والفكري لمن انزلت عليهم ، لكأنما المصدر الذي جاءت منه هذه النصوص لم يكن يدري هذا الواقع فكلف القوم فوق طاقتهم ، وهو الذي لا يكلف نفساً الا وسعها كما ان تقسيم التاريخ الى مرحلتين كل مرحلة تسود فيها شريعة فيه نظر لان التاريخ سلسلة من المراحل المتعاقبة.
33- عادل ضاهر الاسس الفلسفية للعلمانية دار الساقي بيروت 1993 ص 5.
34- مجلة الكرمل عدد 35 1995 ص 27.
35- الصادق المهدي العقوبات الشرعية وموقعها في النظام الاجتماعي الاسلامي منشورات الامة بدون تاريخ مقدمه فتحي عثمان ص 9.
36- العهد القديم خروج الاصحاح 22.
37- احمد محمد الحوفي "الحياة العربية من الشعر الجاهلي" دار القلم القاهرة 1963
38- شوقي ضيف "العصر الجاهلي" دار المعارف القاهرة الطبعة الحادية عشر ص 26.
39- نفس المصدر ص 70.
40- يري الصادق المهدي (مصدر سابق) ان تطبيق العقوبات يجب ان يكون مصحوبا بتوفر ظروف اجتماعية واقتصادية معينة تحارب الجريمة في مصادرها وتوظف العقوبات لحماية المتجتمع بعد ذلك فهو يعدل اولويات التطبيق فحسب.
41- سيرة ابن هشام ج 2 ص 28.
42- حسن ابراهيم حسن "تاريخ الاسلام" دار الجيل بيروت 1991 ج 1 ص 288.
43- الشافعي "احكام القرآن" دار الكتب العلمية بيروت 1991 ج 2 ص 30.
* ملحوظة : قدمت هذه الورقة في ندوة "الدين في المجتمع المعاصر التي نظمها مركز الدراسات السودانية في 25-26 يناير 2004م"..


http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147502769

Post: #394
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 03:58 PM
Parent: #393


حول ذكرى كبير الشهداء محمود محمد طه

















من الذي منع التحقيق في اغتيال الاستاذ محمود؟
كان الاستاذ سعيد ميرغني حمور المحامي قد نشر ثماني حلقات عن زلف وبطلان محاكمة الاستاذ محمود تحت العنوان اعلاه.
وهكذا بدافع مسؤولية امانة الثقافة ومسؤولية الثقافة القانونية والمسؤولية الوطنية والفكرية ولانصاف وابراز بطولة وفكر رجل مبدئي حتى امام الموت فشرف اصحاب المبادئ وشرف السودان الذي انجب امثال الاستاذ محمود ، كان مما ورد في حلقات الاستاذ حمور توثيقه لحكم المحكمة العليا الدائرة الدستورية الصادر في القضية م ع/ق د/2/1406هـ الصادر في 18/11/1986م القاضى ببطلان محاكمة الاستاذ محمود في محاكمة 1968م بالردة المزعومة ومحاكمة 1985م ايام لوثة نميرى ودولة الهوس وقضاء القصر العشوائي وكما قال الاستاذ حمور (كان الاستاذ محمود محمد طه انموذجا في الفداء والتضحية اذ كان جلادوه ينتظرون منه مجرد ايماءة ليتراجعوا عن اعدامه – المأزق- ولكنه قدم نموذجا لا يضاهي لكرامة الفكر ولاستقامة المفكر).
اذ واجه المحكمة بقوله (انا اعلنت رأي مرارا في قوانين سبتمبر 1983 من انها مخالفة للشريعة وللاسلام اكثر من ذلك فانها شوهت الشريعة وشوهت الاسلام ونفرت عنه .. يضاف الى ذلك انها وضعت واستغلت لارهاب الشعب وسوقه الى الاستكانة عن طريق اذلاله ثم انها هددت وحدة البلاد من حيث التنظير.
واما من حيث التطبيق فان القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنيا وضعفوا اخلاقيا عن ان يمتنعوا عن ان يضعوا انفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية تستعملهم لاضاعة الحقوق واذلال الشعب وتشويه الاسلام واهانة الفكر والمفكرين واذلال المعارضين السياسيين .. ومن اجل ذلك فاني غير مستعد للتعاون مع اي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل ورضيت ان تكون اداة من ادوات اذلال الشعب واهانة الفكر الحر والتنكيل بالمعارضين السياسيين) انتهي.
ومما جاء في حيثيات حكم المحكمة العليا ببطلان محاكمة الاستاذ محمود (انه يبين من مطالعة اجراءات محكمة الاستئناف تلك انها نهجت نهجا غير مألوف واسلوبا يغلب عليه التحامل مما جعل الاطمئنان الى عدالة حكمها امرا غير ميسور وعرضة للمعايير السياسية التي لا شأن لها بالاحكام القضائية). كما جاء ان اجراءات التأييد جعلت منها محكمة الاستئناف (محاكمة جديدة قامت فيها المحكمة بدور الخصم والحكم بما حجبها عن واجبها) كما جاء في الحيثيات (ولعلنا لا نتجني على الحقيقة لو اننا قلنا ان تنفيذ الحكم ما كان ليتم لولا ان محكمة الاستئناف اضافة الادانة بالردة وهو ما لم يكن ليصدر اصلا فيما لو كانت الاجراءات قد عرضت على المحكمة العليا بدلا من ان نستغل محكمة الاستئناف باجراءات التأييد لتنتهي الى ذلك الحكم من خلال المخالفات القانونية والدستورية التي تناولناها فيما تقدم).
وهكذا صدر حكم المحكمة العليا الدائرة الدستورية مبطلا محاكمة الاستاذ محمود ومبرء لساحة القضاء المستغل من انحرافات القضاء العشوائي قضاء القصر وبعد صدور حكم المحكمة العليا وهو يحمل تلك الحيثيات التي اوردت بعضها كون النائب العام لجنة للتحقيق في اغتيال الاستاذ محمود واعطى اللجنة كل صلاحيته بما فيها فتح البلاغات ولما بدأت اجراءات البلاغ ضد قضاة المحاكمة وقانوني القصر الذين كانوا قد رفعوا مذكرة للنميري يعلنون فيها انهم وجدوا فرصتهم التاريخية لمحاكمة الجمهوريين كما طلب النميرى من ثالوث القصر الاجتماع حول منشور الجمهورين الذي يرى فيه النميرى (الردة بعينها) .. ولما بدأت اعتقالات قضاة المحاكمة وقانوني القصر للتحقيق هاجت وماجت صحف الجبهة الاسلامية وكان السيد رئيس الوزراء وقتها السيد الصادق الصديق يعمل حسابا كبيرا لاعلام الجبهة الصاخب الذي كان يضايقه فتدخل السيد الصادق فاوقف الاجراءات فكتب الاستاذ مصطفى عبد القادر المحامي وعضو لجنة التحقيق بجريدة التلغراف حول تصريحات السيد الصادق المهدى (بان لجنة التحقيق قد تجاوزت صلاحياتها بفتحها بلاغات ضد المتهمين فقال ان السيد الصادق قد خلط بين قانون لجان التحقيق لسنة 1957م والذي تم بموجبه تشكيل لجنة التحقيق في قضية الكاسيت وبين لجنة التحقيق في قضية محمود محمد طه والتي شكلت وفقا لقانون النائب العام .. واوضح الاستاذ مصطفى عبد القادر ان القانون الاول لا يبيح للجنة فتح البلاغات .. واضاف ان رئيس الوزراء وللاسف الشديد ذهب بعيدا حينما قال ان هناك كيدا وتدبيرا في حين انه يقر ان هناك عريضة من اولياء الدم مقدمة في 25 يناير 1987م اي منذ عام كامل مشيرا الى ان قرار تكوين اللجنة لم يصدر الا بناء على تلك العريضة وما حوته وبناء على ما ورد في حكم المحكمة العليا وشكلت اللجنة في 24 يناير 1988 واعطى النائب العام تلك اللجنة كافة صلاحيته تحت القانون الخاص والعام وبالتالى اصبحت اللجنة بعد ذلك التفويض هي المنوط بها القيام بكل صلاحيات السيد النائب العام واكد السيد مصطفى عبد القادر ان النائب العام قد سبق ان صرح بانه كون لجنة تحقيق ومن يتظلم من اداء اللجنة او ما تقوم به اللجنة عليه ان يتقدم بمظلمته للنائب العام لانه السلطة الامرة بالتشكيل.
تجدر الاشارة الى ان قاضى جنايات الخرطوم شمال تسلم عريضتى استئناف من اولياء الدم وديوان النائب العام ضد قرار اطلاق سراح القضاة السابقين والقانونيين الذين كانوا يعملون بالقصر والذين اصدروا وأيدوا الحكم ضد طه) انتهي.
ولما كان الاستاذ يرى ان الاسلام هو ذخر الانسانية لتحقيق غاياتها العليا في التوفيق بين الحرية الفردية المطلقة والعدالة السياسية والاقتصادية الاجتماعية وان نميرى قد شوه الاسلام العظيم اذ حوله الى مؤسسة عقابية ولذلك قدم الاستاذ والجمهوريون انذارهم لنميرى على كف اسد (هذا او الطوفان).
وكان النميرى قد اعلن الطوارئ وكون محاكم الطوارئ بقضاء عشوائي وعين اخا مسلما وزيرا جنائيا ليحول القضايا لمحاكم الطوارئ المتشددة والتي تقيم المحاكم الايجازية ويمكن ان تقبل البنتات التي تحصل عليها بطريق مشروع ولا تقبل محامين ولا تستأنف احكامها واذا حكمت بالاعدام يرفع الحكم لكبيرهم النميرى بدل المحكمة العليا فعطلت المحكمة العليا وعطلت الحقوق الدستورية وقفلت ابواب فرص العدالة ولم يبق الا تقطيع الاطراف والتشهير والاستاذ محمود لا يمكن ان يصمت على ذلك فاعلن في امسية 4/1/1985 حديث الفداء اذ قال عندما يحل الوباء بالناس ويفتك يتقدم الصوفى الكبير ليموت بذلك الوباء فداء للناس ويرتفع الوباء والان على الجمهوريين ان يفدوا الشعب من هذه الكارثة والاذلال والرعب وفعلا تقدم الاستاذ محمود وقد تم الفداء بتنفيذ الاغتيال وجاء الطوفان بعد 76 يوما اذ اعطاهم الاستاذ يوما بكل سنة من عمره كما قال الشاعر ولذلك حين كان الناس مشغولين باحتمالات تنفيذ الحكم كان الاستاذ مشغولا بقبول الفداء ولذلك اورد السيد عبد العزيز شدو قوله (وقبل اعدامه بيوم جاءني عصام واسماء وابلقاني رسالة فحواها انه يرفض بحزم التدخل في تنفيذ حكم الردة وهذه رغبته الشخصية) اخبار اليوم 18/12/1998م.
وهكذا تم تنفيذ الحكم ولغى الاستاذ ربه راضيا مرضيا ومبتسما فرحا بلقاء الله العظيم وبقبول الفداء فما هو موقف المتآمرين هل سيلقون الله الذي لا تخفى عليه خافية وفي اعناقهم اغلال من دم الاستاذ ؟! علما بان الامم المتحدة قد اصدرت قرارها 35/1982 بتعيين مقرر خاص لـ(حالات الاعدام بلا محاكمة او الاعدام التعسفى او باجراءات موجزة) كما ان حكومة بلجيكا تقبل شكوى من اي متضرر ضد اي معتد ما كان مكانه.
وقد علق احد الزعماء البريطانيين على موضوع اغتيال الاستاذ محمود فقال ان ما حصل للاستاذ محمود ينتقص من قيمتي وقيمة اي انسان على ظهر البسيطة) وهكذا ادرك بحسه الانساني قوله تعالى (انه من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا) اما السيد الصادق الصديق فانه بوقف اجراءات التحقيق في اغتيال الاستاذ بعد ان حكمت المحكمة العليا الدائرة الدستورية ببطلان ذلك الحكم يمنع لجنة التحقيق التي كونها النائب العام لملاحقة المجرمين الذين اشتركوا في تلك المؤامرة.
==================




http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147502834

Post: #395
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 03:59 PM
Parent: #394


تصويب في ذكرى كبير الشهداء محمود محمد طه

في غياب الرأي العام المحلى .. والعالمي
السيد / الموقر
رئيس تحرير صحيفة الايام الغراء
تحية من عند الله مباركة طيبة
الرجاء التفضل باجراء التصحيحات التالية :
اولا : لقد جاء في الحلقة السابعة ان الرئيس المخلوع نميرى عندما عرض المصالحة عام 1977 وقبلها الشيخ حسن الترابي .. ورفضها زعيم جبهة المعارضة الوطنية المناضل الجسور العاشق للحرية الشريف حسين الهندى اسكنه الله فسيح جناته .. وليس اخيه الشريف زين العابدين المتوالى مع نظام الانقاذ وهو الذي كان يقرر بوضوح عن تجربة الفكر القومي في السودان بقوله.
اننا قوميون .. نؤمن بالقومية العربية .. ونؤكد اننا لا نؤمن بها لونا ولا نؤمن بها عرقا .. وانما نؤمن بها حضارة .. ونؤمن بها لسانا .. ونؤمن بها قومية انسانية سلامية وليست عدوانية .. لذلك فنحن نؤمن بوحدة الامة العربية.
اننا لا نعتقد ان القومية العربية ناقضة لوجودنا الافريقي .. فنحن المصير الحقيقي للامتزاج بين المنطقة العربية والافريقية.
ونقول ايضا في العدوان الايراني على العراق ..
(نحن مع العراق قاتلون ومقاتلون .. ومقتولون .. ولسنا وسطاء ولا محايدين .. ولا متفرجين).
ثانيا: لقد جاءت في الحلقة السادسة ان مولانا هنرى رياض عضو المحكمة الدستورية رغم انه كان معارضا لحكم المحكمة الدستورية يبطلان حكم الاعدام شنقا حتى الموت في 18/1/85 ومعارضا لابطال حكم محكمة الاستئناف الشرعية في تاريخ 19/11/68 في القضية الشرعية رقم 103/68 باعلان محمود محمد طه مرتدا وهو المسيحي الوحيد في المحكمة الدستورية العليا الذي احيل في عهد الانقاذ دون تسامح ديني هو وزوجه قاضى محكمة الاستئناف الى الصالح العام.
وهو القاضى الكفء المقتدر .. الصادق الامين .. الراهب في محراب العدالة وهو الذي اثرى المكتبة القانونية .. والرأي العام القانوني والسوابق القضائية وتفوق مؤلفاته الاربعين .. وهو يسكن في منزل بالايجار.
فذهب مبكيا عليه اثر نوبة قلبية حادة .. وانتقلت روح الشهيد الى الامجاد السماوية .. تشكو ظلم الانقاذ .. والتمكين .. واستحواذ السلطة والثروة والعمل.
ثالثا : لقد جاء في الحلقة السابعة ان ابنة الشهيد اسماء محمود محمد طه كانت محامية بديوان النائب العام ولما لم تلغ حكومة الانتفاضة عام 1985م وحكومة ما بعد الانتفاضة عام 1986م الاثار المترتبة على حكم المهلاوى والمكاشفى بعد صدور حكم المحكمة الدستورية العليا باسترداد منزلهم ورد اعتبارهم .. طلبت حق اللجوء السياسي الى الولايات المتحدة الامريكية هي واسرتها .. واستقروا بالولايات .. وبعدها سافروا الى دولة قطر .. واستقروا بالدوحة .. شأنهم شأن معظم السودانيين الاكفياء الذين فروا من ظلم النظام وبطشه وجبروته .. في مشارق الارض ومغاربها .. استراليا .. نيوزيلاندا .. كندا .. الولايات المتحدة الامريكية .. انجلترا .. واوروبا الغربية .. السعودية والخليج والاردن والعراق وسوريا وعمان واليمن ولبنان والقاهرة ويقدر عددهم باكثر من خمسة مليون.
رابعا: لقد جاء في الحلقة الرابعة ان الرئيس المخلوع ايد حكم الاعدام شنقا بصفة فورية ودون ابطاء .. وكان مرد ذلك ان بعض الوثائق التي اكتشفت لاحقا تثبت التواطؤ الجنائي في اغتيال الشهيد محمود محمد طه من بين ثلاثة مستشارين صاغوا قوانين سبتمبر 1983م .. من بينها ما كتبه النيل عبد القادر ابو قرون الى الرئيس المخلوع.
(الاخ الرئيس القائد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته)
المنشور المرفق وزعه الجمهوريون (وهو عبارة عن المنشور المناوئ لاحكام الطوارئ ويكشف عن زيف دعاوي تطبيق احكام الشريعة باسنة الرماح او عن طريق ما اسماه النميرى نفسه في احدى خطبه (بالقانون البطال ده) الذي وجد المجال واسعا للتطبيق تحت ظلال احكام الطوارئ).
ذكر ابو قرون للرئيس انه قد قبض على سته منهم وتم التحقيق معهم وسوف يقدمون للمحاكم .. وبهذا فقد اتاحوا لنا فرصة تاريخية لمحاكمتهم .. وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون .. ولا شك انها بداية لمسيرة ظافرة باذن الله يتساقط دون هدفها كل مندس باسم الدين وكل خوان كفور .. ولله الامر من قبل ومن بعد.
وفقكم الله لقيادة المسيرة الظافرة .. واقام نهج الله على اثار المصطفى صلى الله عليه وسلم واصحابه ومن سار بسيرهم ومنهجهم انه سميع مجيب الدعاء).
6 ربيع ثان سنة 1405 هجرية
وقد صادفت هذه المذكرة هوى عند السفاح نميرى .. فكتب معلقا عليها.
(الحمد والشكر لله .. ولصفية ورسوله محمد رسول الله والله اكبر على المنافقين) 6 ربيع ثاني 1405هجرية.
خامسا : اشكر لاستاذ الاجيال محجوب عثمان .. الذي تبنى في عموده السهل الممتنع .. معالم في الطريق بتاريخ 13/4/2006م قضية المعذبين .. والمظلومين الثلاثة فتحي نورى محمد عباس واحمد جمعة حماد وادريس عكاشة محمد التي غلبت الطب والطبيب.. مع جهاز الامن القومي.
سادسا : ظن بعض القراء اننى من انصار الفكر الجمهوري .. الا انني لم اكن في يوم من الايام من الجمهوريين .. بل اختلف مع الشهيد محمود محمد طه سياسيا ولكننى اؤمن بحرية الكلمة وحرية الضمير .. وحرية الفكر .. والحرية دائما وابدا لنا ولسوانا.


http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147502923&bk=1

Post: #396
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 04:01 PM
Parent: #395


كريم مروة وحركة الشيوعيين (الحزب الشيوعي السوداني نموذجاً)

من طريق التطور اللارسمالي تبدأ أزمة المشروع التقدمي




هل نحاسب المشروع الذي طرح لتبديل حالة التخلف الذي نعيشه أم نحاسب الأفراد؟








الحلقة الاخيرة




"إن التغيير الذي سوف تحدثه هذه الاتفاقية سوف ينعكس اولاً وقبل كل شئ في تحول ديمقراطي حقيقي مهم وأساسي تلتزم به الحركة الشعبية لتحرير السودان التزاماً تاماً . وبالتأكيد فاننا لانعني عندما نقول ديمقراطي العودة الى المسار الديمقراطي الزائف الذي كان متبعاً في الماضي والذي كان تمويهاً ومظهراً زائفا للمصالح السرمدية الراسخة .وفي ظل تلك الديمقراطية الزائفة كانت الحقوق المدنية تخضع لاهواء الحكام ونزواتهم ،وبقيت اغلبية السودانيين في الاقاليم خارجة عن مركز السلطة وكانت تعامل على أنها ثقل وكم مستهلك يتم التلاعب فيه والمناورة به فقط عبر الحيل السياسية والازدواجية في التعامل . وقد بدت الحكومات التي تسمى بالحكومات الوطنية في زيها المدني او ضلالها وزيها العسكري انها تعامل السودانيين بازدراء واحتقار. إن التغيير الذي تقدم اتفاقية السلام الشامل تصوراً له يضع حداً لذلك كله ونهاية للسودان القديم الذي عايشناه طوال تسعة واربعين عاماً الماضية ، حيث يمثل نقلة نوعية وسياسية واجتماعية اقتصادية تستلزم الاعتراف بالتنوع السياسي عن طريق ضمان الحرية الكاملة للتعددية السياسية ، وتحصين وترسيخ حقوق الانسان والشعوب في الدستور.. وتقضي اتفاقية السلام الشامل انه خلال فترة اقصاها ثلاثة أو اربع سنوات فإن الحكم على مستوياته كافة سوف يتم تفويضه من قبل سيادة سلطة الشعب العليا من خلال انتخابات حرة وعادلة خاضعة لاشراف الرقابة الدولية..
(من كلمة رئيس الحركة الشعبية في حفل توقيع اتفاق السلام الشامل)..
كان لابد للناشطئين من ان يصحوا على ذلك الصوت الجديد وذلك النداء الذي ينبعث من أدغال الجنوب ولاول مرة انه لايكرر تلك الدعوة التقليدية عن الانفصال والترتيب له بل تبحث عن سودان موحد وجديد طرب لها كثيرون واندهش منها آخرون وتشكك فيها البعض.. وبلغ نظام مايو مرحلة التخبط والتفكك واندمج قادة النظام في دعاوى الاسلام السياسي ظناً منهم ان ذلك يعفيهم من مسئولية تلك الشعارات التي اطلقوها في بيانهم الأول عن العدالة التي ظنوا انهم قادرون على تحقيقها واقتربت قوى الاسلام السياسي ، وتسنمت قيادة الاتحاد الاشتراكي (التنظيم الحاكم) وحشدت للمسيرات المليونية وجرَّت النظام الى فكرة (البيعة) بيعة امير المؤمنين وانتشى جعفر نميري وهو يتشبث بطوافه الاوهام وتصور انه تحول الى ولي من اولياء الله وصور له المتربصون بالسلطة انه يصافح الملائكة ويطير ليلا ليلتقي بالانبياء والصالحين . اختلطت اوراق النظام وارتفعت اصوات تجار الدين من كل موقع وتضافروا ليحاكموا التقاليد التي نشأوا عليها وانعقدت محاكم (العدالة الناجزة) تحكم على (الشروع في الزنا) وتحاكم الضمير. وفي وسط ذلك الهرج والتخبط حكمت على الاستاذ المفكر محمود محمد طه بالردة واعدمته في يوم رهيب كان له ما بعده. كان محمود محمد طه رجلاً شجاعاً ومفكراً عظيماً واجه خصومه من السلفيين ومن العامة الذين خدعوهم بالاشاعات الكاذبة التي اطلقوها على الرجل المفكر وقد اعادت تلك الايام ذكرى محاكم القرون الوسطى عندما احرقت الكنيسة العلماء والمفكرين وحكمت عليهم كسحرة ومارقين على سلطة الكنيسة والله . لقد ملأوا الطرقات بالرعب ومحاكم التفتيش واكتست البلاد بحالة من الحزن والاذلال. في تلك الفترة ارتفع صوت الحركة الشعبية تنادي ببناء سودان عادل يسع الجميع ويرفض الدولة الدينية وظن البعض انها حالة عابرة سرعانما تهدأ وتستعيد الحركة دعاواها التقليدية ويمكن ان يخرس قادتها اي تلويح ببعض السلطة والنفوذ، ونميري تصور ان ذلك ممكن فأرسل وفوده ووسطاءه يلوحون بالسلطة والجاه .. لكنه اكتشف ان الامر مختلف ورغم شحنات الاستعلاء التي يتميز بها فقد قوبل عرضه بسخرية لم يعهدها وظل متشبثاً باوهامه بينما اطلق قادة الحركة الشعبية نداءاً لابناء السودان من كل القوميات للانضمام الى دعوة السودان الجديد.
تهاوت مايو مفرجة من بآثامها وقوانين (سبتمبر) الباطشة ولم تر الحركة الشعبية في تسلم جبرالات مايو للسيادة في الفترة الانتقالية القصيرة غير هدنة سيعود بعدها مايو (الثانية) في ثوب آخر.. وقد حدث ذلك بعد اقل من خمس سنوات قضتها الحركة السياسية في حالة استقطاب ضار وصراع حول السلطة وتجاهلت خلالها بؤر الانفجارات والحرب الاهلية المستعرة منذ الاستقلال لم تراع فترة الديمقراطية كثيرا من ادواء الماضي ولم يتحسن الاداء الديمقراطي ولم تتطور مؤسساته من احزاب وبرلمان ومنظمات بصورة تجعل الديمقراطية مستدامة وتعمق جذورها في المجتمع وتعاملت مع كوكادام في مارس 1986م وبيانها الذي اتفق عليه بكثير من الاستخفاف من قوى الاحزاب الكبرى وادخل الاتفاق دائرة المزايدات السياسية وهكذا تم الاجهاز عليه شأن الاتفاقيات التي تتم عادة بين الشماليين والجنوبين مما زاد في تجريف الثقة بين الجانبين واتساع الهوة بينهما. وفي الانتخابات حصل حزب الامة على 101 مقعداً والاتحادي الديمقراطي على 63 مقعداً والجبهة الاسلامية على 51 مقعداً والحزب الشيوعي على ثلاثة مقاعد واخضعت التحالفات داخل البرلمان للشد والجذب وكان ضحيتها الوصول الى اي تسوية في شأن الحرب او الاقتراب من قضايا الاختلاف الاساسية ، وفي نوفمبر 1988م وقع الاتحادي الديمقراطي والحركة على اتفاقية اطلق عليها اتفاقية الميرغني قرنق وذهبت هي الاخرى كغيرها . لكن في فبراير 1989م نظمت ورشة في مدينة أمبو الاثيوبية بواسطة الحركة الشعبية وناشطين من اتحاد القوى الوطنية الديمقراطية وكوادر حزبية ونقابية ومهنية وعدد من الاكاديميين والديمقراطيين المستقلين .. وكان لذلك الاجتماع اهمية خاصة فلم يحط بضجيج اعلامي او حكومي وضم في عضويته تشكيلة هامة من الناشطين والمستنيرين وبدأ الحديث الجاد عن الوحدة الوطنية واستهدفت القرارات الوصول الى الالتحام بين الناشطين من القوى الديمقراطية والحركة الشعبية لقد كانت اول محاولة جادة لعمل مشترك تتوفر فيه الندية بين شماليين وجنوبيين يمثلون مشروعاً سياسياً وجماعة متماسكة .. ورغم كل ما سببه وزير الداخلية في تلك الفترة (مبارك الفاضل) من مضايقات لمن اشتركوا في هذه الورشة واتهامات لاحقت بعضهم الا ان ذلك اللقاء أتى أكله عندما انضمت الحركة الشعبية للتجمع الوطني الديمقراطي ولعبت ذلك الدور المقدر استنادا على خبرتها وحصافة قائدها واعوانه اندفعت القوى السياسية ووقعت العديد من الاتفاقات مع الحركة الشعبية كان يمكن ان تقدم خدمة عظيمة لاتفاقية السلام ولتطويرها فقد كان المطلوب من الحركة السياسية الشمالية تحريك جماهيرها لتؤكد اهمية دورها في اتفاقية نيفاشا لكنها ركنت الى انها كانت تمثل اغلبية في آخر برلمان وبتراخيها ذلك اتاحت للجبهة القومية الاسلامية بان تدعي انها تمثل كل الشمال ليتزايد الحديث عن ثنائية الاتفاقية . ان قرارات مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية كانت تشكل اساسا للتغيير في المجتمع السوداني وتمثل برنامجاً للوحدة الوطنية المغضبه الى الوحدة الطوعية فقد قدم حلولاً لكثير من القضايا الشائكة واسئلة كان لابد من الاجابة عليها بوضوح يجعل من تفعيل مواثيق حقوق الانسان امرا ممكنا كعلاقة الدين بالدولة واستفتاء الوحدة وقضية التنمية المستدامة.. الخ تعاملت الاحزاب الكبيرة منذ البداية مع هذه الوثيقة الهامة باهمال وتراخ فلم تحرص على توزيعها على جماهيرها ولم تجتهد في شرحها ولم يقم نشاط التجمع في الداخل على اساسها عوملت وكانها معركة عسكرية انتهت في ميقاتها بانتصارات او هزائم محددة لم نسمع ان حزبا بعينه قدم جدلا أو حوارا حول ما جاء في تلك الوثيقة او قام بتوزيعها بل ان قيادات اساسية في احزاب كبرى كانت تتحدث بدهشة بالغة عن الكونفدرالية والتي وردت بوضوح في الوثيقة. تعاملت بعض اطراف الحركة السياسية استنادا على ثقتها في قائد الحركة الراحل وهو اهل للثقة لكن في النهاية فالحركة السياسية تتعامل مع مؤسسة سياسية عسكرية ثورية تمتلك تجربة عريضة وجمهورا كبيرا وارادة قوية عانت خلالها من صراعات وانقسامات وحققت انتصارات خرافية وانهزمت في مواقع عديدة وطورت مشروعها السياسي وافادت من التجارب العالمية والافريقية وانفتحت على تجارب هامة وطورت علاقاتها الخارجية واستطاعت رغم تلك الحواجز التي صنعها النظام الحالي والانظمة الاخرى من إيصال بعض من خطابها الى جماهير الشعب بل والتعرف على مزاجه والتحولات التي احدثتها قسوة الاستبداد الانقاذي وبالطبع ليس هناك اهم من معرفة من تخاطبه ....كان المتوقع ان تسعى قوى التغيير من مختلف مواقعها لتساعد في بناء حركة موحدة مستندة على تجربتها الطويلة في العمل السياسي ومعرفتها لمقدار التحولات التي حدثت في المجتمع .. لقد ايقظ نشاط الحركة السياسي ومعاركها القتالية وثباتها وجسارة كوادرها قوى الهامش وجموع الصامتين والمهمشين وجعلت اهل الثقافات المتنوعة والمهيمن عليها من ثقافة الوسط يتباهون بثقافاتهم الخاصة وتشجعوا على المطالبة بحقوقهم الوطنية ومساواتهم بالآخرين والاعتراف بخصوصياتهم كان المتوقع ان تنفتح تلك الجبهة العريضة لتستوعب اكبر عدد من ذلك الجمهور والذي اتضح في حجمه الضحم في استقبال قائد الحركة عند عودته الى الخرطوم بعد اتفاقية السلام . ورغم انه ومن اشق المهام تحويل حركة عسكرية سياسية الى حركة سياسية وانفتاحها لتصبح قومية في ظروف كظروف السودان الذي نشأت فيه حركة الشمال السياسية مستقلة عن الجنوب ومتجاهلة له كشريك في الوطن ثم تلك العوامل التاريخية التي صنعت ذلك الاستعلاء الثقافي والديني والعرقي وتلك الجفوة بين طرفي الوطن وتلك الذكرى القبيحة لتجارة الرقيق والتي اشترك فيها عدد من تجار الشمال مع تجار الرقيق الأجانب، ثم فترة الاستعمار الثنائي الذي خشى أولاً من انتقال مقاومة الجنوب للاستعمار والتي استمرت حتى 1929م الى الشمال فقام بقفل الجنوب واذا به يخشى من ان تنتقل تلك المشاعر القومية التي صاحبت ثورة 1924م جنوباً فتؤجج مقاومتهم من جديد.
اصبح أمام الحركة واجب محدد ان تتحول الى حركة سياسية وقومية في نفس الوقت بعد اتفاقية السلام والتي حققت لأول مرة في التاريخ السياسي الحديث ذلك القدر من المكاسب لأبناء الجنوب، فقد صمت جوزيف لاقو وبونا ملوال بعد ان اخرسا بتلك المكاسب التي لاقاها ابناء الجنوب بتقدير شديد للحركة الشعبية التي حققتها... حزب الحركة الشعبية لابد من ان يكون حزباً جماهيرياً حتى يتمكن من ان يخطو تجاه مشروع السودان الجديد... وكان ذلك يحتاج الى ان:
* يهزم ذلك التوجس والاستعلاء الذي تميز به الشماليون في سلوكهم تجاه ابناء الجنوب وان يتعامل بندية معهم دون ان يفقد فرص الاستفادة من الخبرات السياسية والممارسات الممتدة في النشاط الجماهيري والنقابي.
* التعامل بتقدير مع الناشطين من النقابيين والمهنيين وجموع المستنيرين فما زالوا هم الذين يصنعون الرأي العام بفرصهم المتاحة لهم في أجهزة الإعلام ومراكز التوعية المختلفة.
* رحى المهمشين في تنظيمات بسيطة من دون تعقيد وربطها بحركة حياتهم اليومية دون الايغال في العمل السياسي المفرط والنظري البعيد عن حاجاتهم المباشرة والضرورية.
* التعامل مع الفئات ذات المشاكل المشتركة والخاصة كالشباب والنساء. فلكل مجموعة قضاياها الخصوصية... النساء يعانين من التقاليد البالية التي افرزها المجتمع الذكوري ومن القوانين التي ترتبت على ذلك... فالمرأة الفقيرة تعاني الأمرين من الفقر فهي التي تعد الطعام للأسرة فتواجه تفاصيل العوز والحاجة وهي المعنية بتربية الأطفال وتنشئتهم في كل الأحوال خاصة في غياب آبائهم بسبب الهجرة والحرب والاغتراب وأحياناً بسبب تعدد الزوجات وقوانين المجتمع الذكوري المتحجرة بالاضافة الى فرص العمل المحدودة والاهتمام بتعليم النساء والزواج المبكر والانجاب... والمرأة الثرية تتخذ كديكور ومتعة وتكملة للوجاهة الاجتماعية. فالنساء يحتاجن الى وحدة وتعضيد خاصة من القوى الي تنشد التغيير وبناء دولة حديثة وعادلة.
* التعامل مع الشباب يجب ان تراعي اهتماماته التي تحتوي الكثير من التمرد على بعض القيم السائدة وهو منطق التطور... الشباب يتطلع الى التغيرات التي اجتاحت العالم والتحولات الكبرى في ظل ثورة المعلومات والاتصالات فما يحدث في أنحاء العالم سرعانما ينتقل بكافة الوسائل ويشكل أحياناً حلماً لهم... لطاقات الشباب دور هام في العمل الطوعي وفي اصحاح البيئة وقوى التغيير تحتاج الى تلك الطاقات وعلى نشاطهم الطوعي ودورهم في اختفاء الحيوية على الحراك السياسي وقيادة التحولات الكبرى وتقديم القيادات الجديدة للمجتمع.
* اقاليم السودان المختلفة عانت كثيراً من مركزية القيادة وظلت تابعة تنتظر القرار السياسي والتوجيه واتجاهات الرأي العام وقد حاولت التمرد على ذلك بلا جدوى حتى طبقت الفيدارلية بصورتها الناقصة تلك... والحزب الجماهيري الديمقراطي لابد من أن يراعي ضرورة الفيدرالية على المستوى السياسي.
* نوعان من الشخصيات العامة والهامة:
1. شخصيات شعبية تجمع حولها الجمهور- في بعض القرى المشخصاتي والذي اشتهر برواية القصص الشعبي والنوادر- والحكماء وشيوخ طرق الدين اشتهروا بالحكمة فقد بدأ شيوخ تلك الطرق في التاريخ القديم يمثلون خطوط الدفاع الاساسية عن البسطاء والفقراء والمساكين... كانوا بعيدين عن السلطان وعن النفوذ وقد اشتهروا بالزهد في الدنيا فهم يقولون ان ذهب السلطان الى العالم فقد رشد، أما اذا ذهب العالم الى السلطان فقد غوى، وجاءت الأبيات المنسوبة الى الصوفي السوداني الشيخ فرح ود تكتوك:
يا واقفاً عند أبواب السلاطين
ارفق بنفسك من هم وتحزين
ان كنت تطلب عزاً لا فناء له
فلا تقف عند ابواب السلاطين
وظلوا هكذا كمنظمات المجتمع المدني حديثاً.. وقد ورث بعض أهل التصوف والطرق بعضاً من هذه الصفات واكتسبوا نفوذاً حقيقياً وسط المواطنين بعيداً عن التبعية والاستغلال... شخصيات كهذه ليس بالضرورة اخضاعها لتلك الشكليات من بطاقات وخلايا وعضوية تنظمها لوائح جامدة.
2. شخصيات عامة تميزت بالمعرفة والحكمة والاستقلال تقدرها قطاعات كبيرة من الجماهير لتلك الصفات وتستمع باحترام الى ارائها، وهناك من نجده من هؤلاء صاحب تأثير اجتماعي كبير- يهتم بقضايا التعليم وتيسير العلاج ويقود النادي الاجتماعي والجمعيات الخيرية وهكذا.
مثل هذه النماذج لابد من تحديدها وإدارة حوار معها فمساهمتها في الرأي العام ذات أثر فاعل فيكفي ان يروا في المشروع السياسي المقدم عملاً جاداً حتى لو انتقدوا بعض اجزائه.
* إن معظم المؤسسات السياسية وخاصة الكبيرة منها اعتادات على ترتيب احوال تسييرها أما بالاعتماد على مؤسسة رئيسية يمتلكها مؤسسوها او من مساهمات النخب التي تمثل قياداتها، لذلك فهي تعتمد في تسييرها وتطورها على قدرة تلك المؤسسات المالية او استعداد ملاكها على التمويل وهذا يعتمد بالطبع على ما يتحقق من منافع لأولئك... لكن المؤسسة الجماهيرية التي تشارك عضويتها مشاركة فاعلة في قراراتها واختيار قياداتها هي تلك المؤسسة التي يساهم الاعضاء في تسييرها وتمويلها... الاحساس بالمساهمة ليس بالفائض من الدخل بل الشعور بالمسئولية في تسيير وتطوير تلك المؤسسة التي تعني لهم الكثير... ان الذي يساهم في ذلك مهما كان قدر تلك المساهمة سيكون في اختياره قدر من الاهتمام والمسؤولية.. ان الاشتراكات المتساوية والقليلية في مقدراها تعني التساوي في الحقوق واتخاذ القرارات وتقديم المبادرات
* ان الإعلام المسموع هو سيد التأثير المقدم في بلاد مازالت الأمية فيها تصل إلى أكثر من 50% بالاضافة الى ان قراءة الصحف هي شأن صفوة محدودة ومشاهدة التلفزيون تستلزم وجود جهاز وارسال- وليس اهم من وجود الإرسال إذاعي وحتى يصبح ذلك ممكنا لابد من ابتداع اسلوب فعال- ولا بأس من استخدام (الكاسيت) والتسجيلات الصوتية مشروط كاست واحد يمكن استماع كثيرين له وادارة حوار حوله... هذا بالإضافة الى تكثيف الندوات وحلقات النقاش وليس بالضرورة ان تكون في الشأن السياسي والأهداف العامة بل يمكن ان تقتصر على مشاكل المواطنين الجانبية.
* منظمات التعاون، والجمعيات المختلفة، والمناشط الاجتماعية، والجمعيات الخيرية، وكل المنظمات التي تستهدف محاربة الفقر والعطا له (والتي تقوم بتدريب النساء وتهتم بالفاقد التربوي وبقضايا النزوح والمشردين.. الخ هذه المنظمات تساعد في التدريب على العمل العام وترفع من درجات الوعي بالحقوق والواجبات.
لم تتجه الحركة صوب هؤلاء ولم تسع لتنظيم تلك الجماهير التي اقبلت فرحة لاستقبال قائد الحركة عند وصوله للعاصمة ولم تفلح في ابقاء قنوات الاتصال بينها وبين تلك الجماهير المتطلعة للتغيير... تأخرت الحركة كثيراً في القيام بواجبات التحول الى تنظيم سياسي قومي يهتم بقضايا جماهير الشعب السوداني.
لقد حسب البعض ان اقبال الجماهير ذلك يمثل تهافتاً على جهة حققت انتصاراً وحققت مكاسب يتسابقون لاقتسامها لكن ما قدمته الحركة هو كم هائل من المسؤوليات المعقدة والواجبات الصعبة... لقد حجب ذلك التصور الطريق أمام من يتطلعون الى ادوار متقدمة لبناء وطن يسع ذلك التنوع العريض... أما الذين يتصورون أنهم قادرون لوحدهم إنجاز ذلك فهم لا يحترمون إرادة الجماهير ولا يثقون في قدراتها ولن يتمكنوا من إنجاز ما يحلمون به... ولن يكون الأمر ميسوراً في أن تقترب تلك الأطراف مكوّنة جبهة عريضة للتغيير ولبناء مجتمع عادل وديمقراطي.
مع شكري الجزيل للمفكر الماركسي كريم مروة لإثارته ذلك الموضوع الحيوي ونرجو ان يتمكن من مراجعة تجربة الحزب الشيوعي السوداني فهي تجربة غنية يعيبها امر واحد هو ان الحوار سرعانما ينقطع بانقسام واتهامات بكيلها الطرفان بلا حذر وهو مرض استاليني توارثه الشيوعيون- فالنجاة منه تشكل ارضية هامة لبناء مشروع تقدمي يستوعب خصوصيات الشعب المعين ويفجر طاقات أفراده ويساهم في بناء حياة كريمة.


http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147503027&bk=1

Post: #397
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 05:18 PM
Parent: #1


بعد الأصداء الواسعة لروايته

الروائي عماد براكة لـ(الأيام الثقافي)


كتابتي للرواية تطفل ليس أكثر!


لست مرتبطاً بجذور مكانية محددة... فذاكرتي مشتتة!


لا أدين بالفضل في كتاباتي لأي كاتب سوداني


توطئة
أثارت رواية (عطر نسائي) للكاتب السوداني الشاب عماد الطيب يس، المعروف بـ(عماد براكة) في الوسط المسرحي الذي كان ناشطاً فيه ردود أفعال كثيرة بسبب جرأتها وتناولها لبعض (التابوهات) في المجتمع السوداني، ولتعرضها لسيرة حياة أناس يعتقد البعض أنهم حقيقيين ويعيشون بيننا، خاضت الرواية في تفاصيل سيرة حياتهم. وعلى الرغم من أن الرواية لم توزع في السودان الا بصورة محدودة لدى معارف الكاتب وأصدقائه، إلا أن الكثيرين تمكنوا من الاطلاع عليها عبر مختلف الصور: عن طريق التبادل مرة وعن طريق التصوير الطباعي مرات كثيرة. وكان حافز هؤلاء المتعطشين لقراءة الرواية ما سمعوه عن جرأتها وامتلاكها لتكنيك سردي وفني جديد.
كاتب الرواية (عماد براكة) بيننا هذه الأيام في السودان، بعد أن أمضى أكثر من خمس سنوات مهاجراً بهولندا. وعندما واجهناه بأنه كتب رواية عن اشخاص حقيقيين يعيشون بيننا رفض هذا الاتهام جملة وتفصيلاً قائلاً بأن الرواية ليس بها اسم حقيقي واحد وليس بها أي حدث حقيقي، كل ما في الأمر انه اختار اسماء الشخصيات بعناية فائقة ورسم تفاصيل هذه الشخصيات بصورة دقيقة حتى عادت مثل الشخصيات الواقعية والحقيقية.
ملف الأيام الثقافي جلس إلى الكاتب الشاب وحاوره حول الرواية وما أثارته من ملاحظات هنا وهناك.
حلمي تحقق:
يقول الكاتب إن دراسة المسرح ساعدته بصورة من الصور في كتابة شخصيات روائية حيث استفاد من محاضرات الدكتور نديم معلي، العراقي الجنسية الذي درسه الأدب والذي كان يرى أن على الممثل الذي يريد تقمص الشخصيات قراءة الروايات العالمية، لأنه يرى ان الشخصية في الرواية تكون بارزة أكثر مما هي في المسرحية حيث يمكنك اكتشاف منطق الشخصية وابعادها النفسية والإنسانية بصورة جلية داخل العمل الروائي. ويضيف عماد براكة بالقول ان قراءة الروايات بناء على نصيحة الدكتور العراقي صارت همه الشاغل مما وفر له ذخيرة واسعة الأمر الذي ساعده في تحقيق حلمه بكتابة رواية حيث انه كان يحلم بكتابة رواية واحدة حتى وإن لم ينشرها.
ويمضي بالقول انه كتب رواية (عطر نسائي) التي عمدته كاتباً روائياً، وبتشجيع الأصدقاء والقراء الذين يتواصلون معه عبر البريد الإلكتروني يعكف على كتابة عمل روائي جديد.. ويفسر امر كتابته للرواية دون غيرها من الاجناس الإبداعية الأخرى انه في مهجره بهولندا لم يكن متاحاً له ممارسة نشاطه المسرحي كما هو الحال في السودان إبان مشاركاته في تأليف سلسلة مجازفات الدرامية التي كان يبثها التلفزيون القومي، كما ان عامل الوقت من ناحية اخرى كان مواتياً لكتابة رواية.
ليست حقيقية:
ويدافع عن الشخصيات التي كتبها في روايته والتي يرى البعض أنها شخصيات حقيقية تسعي بين الناس ان هذا هو الذي اعطى الرواية بعض الرواج، ويقول ان اسماء شخصيات الرواية ليس فيها اسماً حقيقياً واحداً ولكنه عكف على اختيارها بدقة حتى يوهم القارئي بأنها حقيقية أسماء مثل: عماد فقيري، خالد عز الدين، أحلام يس، وغيرها من الأسماء الكثيرة التي تتحرك في فضاء رواية (عطر نسائي) وينفي كذلك وجود اي قصة حقيقية داخل روايته الحافلة بالأحداث والقصص والحكاوي المتشابكة ولكنه يقول بانه عند الكتابة ينطلق من الواقع المتحرك ويحلَّق بعد ذلك بخياله لينتج ادباً روائياً وليس كتابة احداث واقعية ويوضح بأن هناك أماكن كثيرة في الرواية لم يرها ولكنه تصور أن تفاصيلها وصورتها يمكن أن تأتي على النحو الذي فصله في الرواية علماً بأن الرواية تتحرك في فضاء مكاني عريض يشمل الخرطوم، مدني الأبيض، أسمرا، هولندا وأمريكا.
منطق الشخصية:
ويؤكد مؤلف رواية (عطر نسائي) ان الانطباع الذي راود البعض بأن شخصيات واحداث هذه الرواية واقعية يعود لاعتنائه الخاص بتفاصيل هذه الشخصيات الصغيرة والكبيرة على السواء... واصفاً هذا بأنه يعود إلى خلفيته المسرحية في الإخراج والتأليف والتمثيل... مشيراً إلى ان منطق الشخصية هو الذي يقود الاحداث وليس العكس.
ويقول موضحاً انه عندما يشرع في اخراج عمل مسرحي فانه يركز مع الممثل ليصل إلى عمق الشخصية قبل أن يصل إلى الحركة وتكنيك الاداء، ويرى بأن كشف الشخصية عنده أهم من حركة الاداء في المسرح ومن هنا –يقول- اكتسب عادة الاهتمام بالشخصية الأمر الذي ساعده كثيراً في رسم وبناء شخصيات روايته.
ذاكرتي مشحونة:
وعند سؤال (الأيام الثقافي) له الذي يرى ان فضاء ذاكرة جامعة الخرطوم الطلابي الذي تحركت فيه الرواية ربما يمثل فضاءاً روائياً ضيقاً بالنسبة لعمل روائي كبير أجاب بأن هذا الفضاء طرقه من قبل كتاب قصة قصيرة أمثال بشرى الفاضل ويحي فضل الله بجانب أسامة الخواض.. ولكنه بالنسبة له – يقول- بأن ذاكرته مشحونة بهذا المكان الذي كنت أتردد عليه ليس بوصفي طالباً جامعياً هناك، ولكن بحكم صلات ربطتني ببعض الأصدقاء في هذا المكان ويضيف بأن الرواية استهلت أحداثها بيوم إعدام المفكر محمود محمد طه والذي أرى أنه حدث مركزي في الذاكرة السودانية.
لا أهمية للحوار:
وبالنسبة لغياب عنصر الحوار من الرواية على الرغم من أنه قاوم من خلفية مسرحية تعتمد على الحوار بصورة أساسية، قال بأن المسرح يعتمد على الحوار ولكن السرد يبحث عن منطق الشخصيات اذ يحتاج الكاتب هنا لتوضيح معالم الشخصية عبر الغوص في دواخلها من خلال السرد فالحوار –يقول- في الرواية لا يفيد كثيراً، ولا يتعدى كونه _(تحصيل حاصل) وفي احسن الحالات يمثل كسراً لحالة الرتابة والملل التي يمكن أن تكتنف السرد المطوّل.
لم أتأثر بهم:
ويقول بأنه لم يتأثر بكاتب سوداني بعينه ولكنه يقول بأن الكاتب الإسباني خوان غويتسلو ترك لديه أثراً، كما انه لمس أثراً آخر في كتاباته للكاتب جان جينيه بالإضافة لكتاب عرب يرى بأن لهم أثراً في نصه الروائي أمثال حيدر حيدر وصنع الله إبراهيم.. وينفي أن لأي كاتب سوداني أثر على ما كتبه وما يكتبه من روايات وقصص ونصوص سردية.
جذوري ليست هنا
ويرى بأنه لا يستطيع الكتابة عن مكان واحد مثلما فعل إبراهيم سلوم في رواية (الدية) أو أبكر آدم إسماعيل في رواية (بلاد الشمس) لأنه ليس مرتبطاً بمكان واحد ولا يحس بأن له جذور في مكان معين، ذلك ان حياته كلها كانت عبارة عن ترحال مستمر... ويوضح بالقول أنه لا يرتبط بالأماكن ارتباط مناداة.. ويقول بأنه صاحب ذاكرة مشتتة لأنه عاش في معظم مناطق السودان الأمر الذي سهل له كثيراً التعايش مع الغربة التي يقول بأنه لم يصطدم بها ولم يحدث له ما حدث للكثير من السودانيين الذيبن صدمتهم الغربة في المهاجر الأوروبية.
كسلنا المتوارث:
ويجيب على سؤال (الأيام الثقافي) الذي طرحه عليه: بأن السودانيين، خصوصاً المبدعين لم يستطيعوا إنجاز مشاريع ثقافية كبيرة، ولم يشكلوا تياراً إبداعياً سودانياً في المهجر، يمكن أن يعتد به! يرى في اجابته على السؤال، ان المسألة عائدة لكسل السودانيين المتوارث اضافة للتنظير الكثير الذي نمارسه في الصوالين الضيقة حيث نناقش الاحلام التي –ابدأ- لا تتحول إلى واقع معاش، ونقاشنا هذا لا يخرج عن هذا المكان الضيق ابداً.. زائداً ان الجانب الاجتماعي نفسه يأخذ من الفرد السوداني الكثير من الوقت الذي ان من الممكن استثماره في كتابة ابداعية واعدة... ويستطرد بالقول: أن الجانب الاجتماعي هذا، رغم ان الفنانين كثيراً ما يتمردون عليه، الا انهم لا يمكنهم الافلات بصورة كاملة من الالتزامات الاجتماعية.
ويقول بأن هنا ك بعض النجاحات الفردية لبعض الفنانيين والكتاب في المهاجر والتي يمكن أن تنعكس ايجاباً على سمعة السودان في الخارج، وأكثر هذه النجاحات تأتي من قبل الفنانيين التشكيليين والشعراء والكتاب الروائيين.. هؤلاء بطبيعة الحال يمكنهم النجاح في أعمال خاصة بهم وليس مثل المسرحيين الذين يعتمدون في إنتاجهم على العمل الجماعي.
إنهم يخافون الرواية:
ويشير إلى أن وفرة الأعمال الروائية لدى كتاب الأجيال الجديدة مقارنة مع من سبقوهم من الكتاب السودانيين يعود في رأيه إلى أن الأجيال السابقة كتبت القصة القصيرة، وأعتقد أن عندهم تخوف من كتابة الرواية حتى لا تتم مقارنتهم بالطيب صالح لأن الأخير وضع سقفاً – في نظرهم- للابداع الروائي، لا يمكن تجاوزه بسهولة.
أما بالنسبة للاجيال التي جاءت في فترة الثمانينات والتسعينيات، فقد استطاعوا بصورة من الصور، الخروج من هذه القوقعة التي حبستهم فيها الاجيال السابقة.
واعتقد أن الخوف من كتابة الرواية ساهم فيه النقاد انفسهم الذين كانوا يقارنون اي تجربة روائية جديد بتجربة الطيب صالح.
تطفل ليس أكثر
يتقدم بملاحظة مفادها ان السودانيين يمارسون الكتابة في الغربة أكثر مما يكتبون داخل السودان، ويمثل بتجارب الطيب صالح، محسن خالد واحمد الملك ويرى بأن الغربة لها دور كبير في التحفيز على الكتابة، وهو نفسه عندما كان داخل السودان كتب القصة القصيرة ولم يكتب رواية الا في مهجره بهولندا حيث وجد الزمن متسعاً للكتابة والذاكرة متقدة وجاهزة لتقديم عناصر الكتابة الروائية.
ويختتم بالقول معترفاً بأن كتابته للرواية يعتبرها تطفل منه لظروف محددة وهي عدم استطاعته عمل مسرحي، وما كان منه ازاء ذلك سوى كتابة رواية عامرة بالشخصيات الثرية... ويقول عن تجربته مع هذه الرواية انه ليس لديه تنظير محدد للرواية ولم يكن محدداً عند كتابته للرواية ما يريد يقوله بالضبط، بقدر ما كان يريد كتابة سيرة ذاتية لهذا الجيل.

http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147504042

Post: #398
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 05:30 PM
Parent: #1


كتاب جديد

السودان ... سقوط الأقعنة


جهد توثيقي وتحليلي لحقبة سياسية حبلى


بعد احتجاز دام لأكثر من شهرين بمطار الخرطوم أطلقت السلطات الأمنية سراح كتاب (السودان- سقوط الأقنعة سنوات الخيبة والأمل) لمؤلفه الاستاذ فتحي الضو الصحافي.
الكتاب صدر في 689 صفحة من القطع الكبير طبعته مطابع شركة سوتير بالقاهرة وصممته آفرونجي للتصميم الفني وصمم غلافه التشكيلي المعروف حسان علي احمد. يهديه مؤلفه (إلى الاستاذ محمود محمد طه..شهيد الفكر الحر) الذي انذرنا بقدوم الطوفان، ولم نستبن النصح إلاَّ ضحى الغد!! واجه الموت معتدلاً بابتسامة وضيئة، هزمت ترهات الظلاميين لم يدركوا بانه ليس في الجبة إلاَّ كلمة حق في وجه سلطان جائر) ثم ان الاهداء يصل إلى مجموعة من الشهداء امثال عبد العزيز النور خلف الله والتاية ابو عاقلة.
قسم المؤلف كتابه إلى ثمانية فصول تناول فيها بتفصيل دقيق مراحل حكم الانقاذ للسودان التي جاءت إلى السلطة قبل سبعة عشر عاماً على ظهر دبابة في 30 يونيو 1989م مشيراً الى علاقة النظام بدول الجوار (ارتريا، اثيوبيا، وأوغندا) ومحللا التحالفات والانقسامات في التيارات السياسية السودانية وموضحاً باسهاب المبادرات الاقليمية (الايقاد، المشتركة) معرجاً بتفصيل الى الحركات المسلحة والتجمع الوطني.
كتاب (السودان – سقوط الأقنعة) أعتمد الوثيقة بالدرجة الأولى وهذا يتضح من قائمة المراجع والمصادر التي رجع إليها المؤلف التي تربو على الخمسين كتاباً هذا بالاضافة إلى عدد هائل من الصحف والمجلدات العربية والاجنبية والمواقع الالكترونية والوثائق. وهو جهد توثيقي وتحريري.
وكتابي يبدو انه اخذ من مؤلفه سنوات كثيرة ولكنه يذكرنا بصورة من الصور بطريقة الدكتور منصور خالد في التأليف التي تعتمد على الوثيقة بمختلف اشكالها وتحليلها والغوص في تفاصيلها.
الاستاذ فتحي الضو كان يعمل صحافياً بالصحف الكويتية ترك الكويت عند اجتياح العراق لدولة الكويت وهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، صدر له من قبل محنة النخبة السودانية عام 1993م ، وحوار البندقية (الاجندة الخفية في الحرب الاثيوبية الاريترية في القاهرة 2001م).

http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147504232

Post: #399
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 05:31 PM
Parent: #398


التحولات الحرجة من استخدام العنف إلى السياسة (3)

اين موقف السودان الان من ذلك التحول؟


الانسان هو اروع ثمار الحياة، عقلها الواعى، وقلبها المشتاق، وحسها الفنان، وارادتها الفعالة والانسان في جوهر موقفه، انه ليس مجرد اشباع لرغبة، او استجابة لمؤثر .. وانما هو كذلك وفي الجوهر اضافة عبقرية خلاقة إلى الحياة وتاريخ يتدفق صاعدا، يعمل ويعاني ويكتشف ويتخطى ويجدد ويبدع.
فحياتنا الانسانية لا يصنعها فرد، وانما تصنعها جموع الناس وينسجونها ويطورونها إلى مراحلها التاريخية الصاعدة باعمالهم ومعاناتهم وتضحياتهم وارادتهم المجاهدة .. لكن هنالك الفرد الذي يحمل عبقرية الجماعة، يحسن الانصات إلى نبضاتها، يحسن اكتشاف ارهاصاتها الخلاقة .. (وحده والده كما يقولون).
من التعليقات التي ظل يكررها البعض ، ان شعب السودان استسلم للهوان وقبل واقع التخلف الذي يعيشه والذي فرضته تلك الاختلالات في الساحة السياسية وانه فقد الاحساس بقيمة الجماعية التي عرفها بها في هباته الجماهيرية والتي ثمنها متخصصون في علم السياسة والاجتماع والتاريخ من مختلف بلدان العالم .. فكلنا نذكر مقولة عالم الاجتماع المصرى فؤاد زكريا عندما كتب عن تجمع من اساتذة الاجتماع والعلوم السياسية في الولايات المتحدة وهم يتحدثون عام 1964م عن شعب اعزل هزم حكما عسكريا طاغيا بالتظاهرات والاضراب السياسي الذي توقف به دولاب العمل وانقطعت الكهرباء وشحت مياه الشرب وتوقفت المواصلات واغلقت المتاجر ابوابها وانطلقت التظاهرات في نسق ودوام في كل انحاء البلاد وتنادت الجماهير باحلامها في حياة كريمة وحريات مستدامة، اندهش اساتذة الاجتماع من الحديث الكبير ولم يقولوا غير انها الصدفة المحضة التي افادت عن الظرف التاريخي وما يحدث في العالم في تحولات وانتصارات لحركات التحرر الوطني ونهضة في افريقيا وحسبوا ان ذلك لن يتكرر لكن بعد عقدين من الزمان تكرر المشهد ووقع الحدث الاعظم واضحى لا مفر من اعتبار لخصوصية الشعب وقدراته وتوظيفه البارع لجماعيته.
فماذا حدث حقيقة لشعب السودان هل فقد تلك الخصوصية التي جعلت تظاهرات اكتوبر اهازيج تفاخر بها من شاركوا فيها وانتقل نبضها حارا إلى اجيال صنعت هي الاخرى اهازيج تشبه الخرافات في ابريل 1985م وانتهت هناك؟ الشعب كان سودانيا خالصا والحكام كانوا سودانيين وقال المحللون السياسيون انه انحياز القوات المسلحة لحركة الشعب ولنكون اكثر دقة فالقوات كمؤسسة لم تنحاز بذلك المعنى المحدد فقط رفعت يدها من النظام الذي كان حاكما باسمها واباحت لافرادها حرية التعامل مع الموقف وافراد القوات المسلحة كمواطنين يتنوعون كغيرهم ويتدرجون في اهتمامتهم بالعمل العام .. ان تلك اللحظات التي وقفت فيها القوات المسلحة في الحياد فقدت مؤسسيتها كجزء من جهاز الدولة وتراجعت إلى المركز الاخير لتخلى الساحة امام حركة الجماهير والاحزاب لكن ما زال السودان في مرحلة ما قبل التحول الحرج.
ما الذي استطاعت ان تنتزعه الحكومات بمختلف تكويناتها وتمثيلها للانظمة المختلفة من الشعب ليتسم سلوكه بالبرود واللامبالاة عند المحن .. لماذا اصبح لذلك التعبير عن استسلام الشعب معنى محددا وهل يعرف الشعب او تقاس ارادته ومقدار ثقته بنفسه بسلوك بعض افرده او بقياداته السياسية والاجتماعية ام بحيوية مؤسساته وديمقراطيتها .. وحتى لا يختل قياسنا فتلك المؤسسات لابد من تحديد لمواصفاتها وتاريخ وظروف تكوينها.
نحن قد لاحظنا ان الجمعيات التأسيسية التي تكونت لم تنجز مهامها حتى الان ليكون للسودان دستورا دائما وتتحول بعدها إلى برلمانات تعمل بنص دستور دائم .. انصرف اعضاء الجمعية التأسيسية بعد انقلاب 17 نوفمبر وانصرفوا بعد انقلاب 25 مايو وفعلوا ذلك بعد انقلاب 30 يونيو وفي كل هذه الحالات لم نسمع بان نواب تلك الجمعيات المعضضون بناخبين من جمهور عريض وبعد منافسة من المفترض ان تكون حرة ، لم نسمع عن ان احدا جاء إلى دار الجمعية محتجا على حجب تأييد الجماهير التي فاز باصواتها او عبر عن رفضه لتلك الجهة التي تمنعه من القيام بواجباته تجاهها .. وكلنا نذكر تجربة الروس حديثي العهد بديمقراطية التنافس البرلمانية عندما حاول يلسين اقتحام البرلمان بالدبابات لاخلاء النواب الذين اصروا بانهم ممثلين للشعب ولن يسمحوا لاي سلطة بان تنتزع منهم ذلك الا الناخبون انفسهم واصطدم بمقاومة عنيفة .. لم نسمع او نشاهد اي مقاومة من اي نوع في تجربتنا البرلمانية عندما يتعدى عليها العسكر .. بل العكس كان النواب يتعجلون انفضاضهم وكأنما مهمتهم ان يسلموا سلطة التشريع لقادة الانقلاب .. والبرلمان يعتبر اهم مؤسسات الانظمة الديمقراطية، وفي الحقيقة هو يكتسب وزنه من ديمقراطية انتخابه وممارسته لسلطاته التشريعية وذلك هو الذي يمنح اعضاءه حالة التشبث بضرورة بقائهم لانه لابد من استكمال مهامهم وايضا لابد من شعور طاغ بالمسؤولية تجاه من وثقوا في تأهيلهم للقيام بتلك المهام الكبرى.
تكونت الاحزاب السياسية منذ العام1944م وجلها انجبت قياداتها تجربة مؤتمر الخريجين وهو منبر للاستنارة انشأه المتعلمون ونضحت داخله تجربة الابروفيين المتأثرين بتجمعات الغابين الانجليزية والتي اشتهر افرادها بانفتاحهم على الثقافة والفكر العالمى ولما انضموا إلى حزب العمال تحول بهم حزب العمال إلى حزب ليبرالي تقدمي افرد مساحة واسعة للثقافة واحترام تنوعها وعندما كان حزب العمال في الحكم تم الاعتراف بمؤتمر الخريجين في السودان، وكان من الممكن ان يكون لاولئك الابروفبين شأنا عظيما في بناء حزب ديمقراطي واسع ينفتح على العصر وعلى العالم ومعارضة المتقدمة وكان قطعا سيصطدم بذلك الاختيار السهل العاجل لشعارات القومية العربية الرائجة في تلك الايام كان الابروفيون هم الاقدر على اكتشاف تنوع السودان الثقافي والعرقى ووضع ذلك في الاعتبار وهم يشكلون مشروعهم الوطني.
لم يحدث ذلك فقد احتدم الصراع بين الخريجين وانتقل معه صراع الطوائف الدينية (الانصار والختمية) إلى مساحة المؤتمر رغم ذلك الموقف الحاد المخدر من ذلك الذي قال به كبار الخريجين على رأسهم احمد خير المحامي صاحب فكرة المؤتمر (على هدى المؤتمر الهندى) ومحمد احمد محجوب وعبد الحليم محمد وقادة الابروفيين خضر حمد وحسن وحسين الكد وعبد الله ميرغني والنور عثمان، ومكاوى سليمان اكرت ، والهادى ابوبكر وابراهيم يوسف سليمان، وحماد توفيق وعبد الحليم ابو شمة ، وابو رنات والذين كونوا حزب الاتحاديين وقد نادوا بحكومة سودانية ديمقراطية حرة في اتحاد مع مصر متأثرين في ذلك بقراءاتهم عن التجربة السوفيتية.
كانت هنالك جمعية جماعة الموردة والهاشماب وفيهم عبد الله ومحمد عشرى الصديق ومعاوية نور وعبد الحليم محمد ومحمد احمد محجوب وعرفات محمد عبد الله والسيد الفيل ومحمد الحافظ هاشم وتكونت منهم جمعية الفجر وظهرت جمعية ود مدني وجماعة الاشقاء وجمعية الاداب والفنون والمناظرة وجماعة مكوكي وجمعية بورتسودان الادبية .. ورغم كثرة تلك الجمعيات والتنافس الثقافي بينها وكثافة ثقافة افرادها واهتمامهم بالقراءة والاطلاع فلم يستطيعوا تفادى الصراع الطائفى الذي غمرهم فاصبحت هنالك مجموعة تؤيد السيد عبد الرحمن واخرى تناصر السيد على وبذلك تأسس الحزبان الكبيران حزب الامة والوطني الاتحادى، الاول يشكل الانصار قاعدته الجماهيرية والثاني يلتف حوله الختمية ورفعت تلك اللافتات السياسية بديلا لتلك الطوائف في العمل السياسي وظل جوهر الصراع بينهما يقوم اساسا على الصراع بين الطائفتين وجذور ذلك الصراع وتاريخه وطابعه القبلى والجهوى وكان مظهره السياسي من جهة هو الاتحاد مع مصر بدءا من الشعب المصرى وحركته الوطنية إلى التاج المصرى ومليكه ومن جهة اخرى الاستقلال التام وحتى الارتباط ببريطانيا والكمونولث .. وهكذا ضاعت معالم الابروفيين وثقافتهم الديمقراطية وابناء الموردة ودعوتهم للقومية السودانية وجماعة الهاشماب ورفضهم للطائفية ومجموعة احمد خير التي كانت تتطلع إلى تجربة المؤتمر الهندى الذي رسخ النظام الديمقراطي في الهند وحتى الان.
ذابت تلك الجماعات الثقافية بين الكتل الطائفية ولاذ عبد الله ميرغني الابروفى النشط بحزب الامة ولحقه محمد احمد محجوب صاحب مؤلف (موت دنيا) ونشط خضر حمد وسط الاحزاب الاتحادية التي وحدها محمد نجيب الرئيس المصرى وانزوى حسين وحسن الكد بعيدا عن هذا الصراع وصمت احمد خير وتوقف دوى هتافاته وزهد في الاشتراك في تلك المعارك واحتفظ بمرارة حاول تفجيرها وهو وزير للخارجية في اول حكم عسكرى في البلاد.
كانت الحركة السودانية للتحرر الوطني (حستو) والتي تحولت إلى الحزب الشيوعي السوداني بعيدة بالطبع عن ذلك الصراع قد تشكلت بعدد محدود من الناشطين المتأثرين بالفلسفة الماركسية وزخم الثورة السوفيتية وشعارات التحرر الوطني والتفتت إلى النشاط النقابي العمالى الذي يقترب بها من الطبقة العاملة وتنظيمات المزارعين الامر الذي جعلها تنشط مباشرة في تفجير قضايا الحريات والغاء القوانين المقيدة لها والحديث عن حرية التجارة والانتباه إلى التنوع الثقافي وخصوصية الاثنيات التي يتكون منها المجتمع السوداني .. ولم يكن من الممكن لتنظيم كهذا ان ينشأ مرتكزا على طائفة دينية او على جماعة عشائرية او قبلية وكانت النقابات التي ساهموا بدور كبير في تأسيسها تتكون عضويتها من العاملين ايا كانوا دون شروط لانتمائهم الطائفى او القبلى او حتى الديني ، فقد نشأت على اسس حديثة على انقاض تلك الانقسامات التقليدية ومن هنا بدأت النقابة تكتسب قيمها وتقاليدها الديمقراطية والتي صارت عليها حتى اصبح اكثر المؤسسات الشعبية ديمقراطية.
وارتفع صوت الاستاذ محمود محمد طه يدعو إلى الدين من زوايا انسانية واجتماعية وتقدمية وقال بتطوير الشريعة باعتبارها قانون انساني ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر وقال ان تلك البداية المبكرة للتاريخ الاسلامي في بناء الدولة وارساء العدالة لابد من ان تسير صوب تحقيق حقوق الانسان الاساسية ومساواة مختلف انواع البشر وان الدين الاسلامي ليس دعوة خاصة بالعرب وانما دعوة انسانية ترى في تطور الشعوب نشاطا انسانيا مقدرا وفي فكرها وابداعها اضافات قيمة وعظيمة وارث عام، كان رأي الاستاذ محمود في الطائفية وصراعاتها قاطعا وتحديده لمضارها لم يتراجع عنه حتى قتل غدرا ومتأمرا عليه.
من جهة اخرى ظهرت دعوة الاستاذ بابكر كرار المرتبطة بالفكر الديني ولكنها رفعت شعارات اجتماعية فتداخلت دعوته مع بعض ما يقول به الشيوعيون وكان من الممكن ان تفجر حوارا مبكرا بين تراث التجربة الاسلامية الداعية للعدالة والمساواة والى حقوق الغلابا مع الدعوة إلى التحرر الوطني ومناصرة البسطاء واقتسامهم مع الباقين بعدالة السلطة والثروة، اجتهد بابكر كرار وزملاؤه لبناء مشروع سياسي اجتماعي يستند على التراث الاسلامي وقد حدثنى بعض من احترم افادتهم ان بعض اصدقاء بابكر كرار ارادوا له ان ينضم إلى الشيوعيين فقال لهم لا امانع اطلاقا لو اصبح الحزب الشيوعي الاسلامي .. قد لا يكون الحديث هكذا لكنه يشير دون شك إلى امكانية الحوار بين فرق عديدة حول البرنامج الوطني .. لم يهنأ بابكر كرار بذلك كثيرا فقد ظهر تيار الاخوان المسلمين من مصر جاء مع الطلاب الذين انتموا لذلك التيار ووجدوا الجماعة الاسلامية التي يقودها بابكر كرار قد بدأت آثارها قوية وسط الطلاب، واندمجوا في تلك الجماعة ونجحوا في تحويلها إلى تنظيم للاخوان المسلمين مع بعض التحفظات وانفصل بابكر كرار ومجموعته ومن ابرزهم عبد الله زكريا وميرغني النصرى ومحمود بشير جماع واحمد عبد الحميد الشايقي وناصر السيد وغيرهم وكونوا الحزب الاشتراكى الاسلامي.
غلب اتجاه الاخوان المسلمين على الحركة الاسلامية السياسية ورغم انهم اندمجوا في تجربة التمثيل النسبي التي اختارها طلاب جامعة الخرطوم وتمكنوا من توحيد حركة الطلاب عموما.. لقد كانت تلك التجربة هي الوحيدة التي قننت عملية الاعتراف بالاخر ونظمته باللوائح المتفق عليها وتواصل الصراع واحتدم بين اليسار ممثلا في الجبهة الديمقراطية وتحالفاتها وتيار الاسلام السياسي ممثلا في الاتجاه الاسلامي مع تحالفه احيانا مع المستقلين.. ورغم حدة الصراع وتنافر طرفاه فقد مثل التمثيل النسبي ترياقا وحاجزا منيعا ضد العنف ولفترة مقدرة من النشاط الطلابي السياسي حتى وصل الدكتور حسن الترابي يحمل مشروعه الجديد وافاد منه اشتراكه في ندوة الجامعة والتي كانت استمرار النشاط الذي استمر حتى انفجار ثورة اكتوبر .. فاز الدكتور حسن الترابي باعلى الاصوات في انتخابات الخريجين وفاز محمد محمد يوسف المحامي من الاسلاميين ومحمد توفيق وصالح محمود اسماعيل من الاتحاديين وحصد باقى المقاعد الاحد عشر الحزب الشيوعي ومن ايدهم.
اقترب الدكتور حسن الترابي من قمة قيادة الاسلاميين وحسم الامر في مؤتمر معد بذكاء وانزوى الرشيد الطاهر بكر وتراجع صادق عبد الله عبد الماجد وتسنم الترابي مركزه كقائد اول وشرع فورا في تنفيذ مشروعه وحول قادة الاسر وتنظيمات الاسلاميين الداخلية إلى من يتمتعون بالحس الامني والاعيب السياسة وفهلوتها وبدأ حربا شعواء ضد الخصوم السياسيين باولويات محددة وكانت الجبهة الاسلامية للدستور ثم حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان في اكبر عملية انتهاك للديمقراطية وتم الاتفاق بعدها على دستور اتفقت عليه احزاب الامة والاتحادى وجبهة الميثاق الاسلامي .. لم يتراجع الترابي عن سعيه الحثيث نحو السلطة وافاد من موقف الادارة الامريكية في عدائها للشيوعية والجبهة العريضة المكونة من السعودية ودول الخليج وحتى مزايداتهم بقضية الاسلام إلى ان استولى على السلطة بانقلاب الانقاذ في يونيو 1989م ..
استهدفت حركة الاسلام السياسي تغيير المجتمع بتغيير انسان السودان وانتزاع حقه في الاختيار والحريات الديمقراطية وتغيير التقاليد والعادات الاجتماعية التي نشأ عليها .. كانت تجربة جعفر نميرى في تطبيق الشريعة المشوبه بالتعديات غير الانسانية وتمزيق اواصر المجتمع الذي شب على الترابط والتكافل الطوعي بمثابة مقدمة لما يمكن ان يكون عليه حال الناس بتطبيق الشريعة بذلك الفهم العقيم للدين ولان الدين من المقدسات التي يتعامل معها الناس فمن المهم الا يقسر احد على فهمه بطريقة معينة يراها بعض دون اخرين وتجربة الحكم الديني اثبتت ذلك دون شك .. تنظيم المؤتمر الوطني كان تلخيصا لتجربة الحركة الاسلامية مع كل السلطة التي تم الاستحواذ عليها بواسطة انقلاب 1989م .. لم تكتف الحركة بالاستيلاء على الوظائف الدستورية والسياسية او بمجلس للتشريع او بالنفوذ الاقتصادى والتحكم في التجارة الخارجية والحركة المصرفية بل تعداها كثيرا فقد تحولت الخدمة المدنية إلى نشاط سياسي يمثل نظام الحكم وفكره السياسى لقد حولوا كل قياداتها إلى كوادرهم ودفعوا ببعضهم من قاع السلم الوظيفي إلى قمته واستجلبوا العديد من كوادرهم في الاغتراب وتعاقدوا معهم بعقود خاصة دون مراعاة لنظام الرواتب المعروفة في الخدمة العامة.
المجتمع السوداني يعيش الان لحظة من لحظات التحول الحرج لم يجتازها بعد ولن يكون اجتيازها امرا ميسورا.. ونحن نعيش في قلب هذه المرحلة وفي احرج لحظاتها يتردد ذلك التعبير الخطير الذي يقول بان شعب السودان قد استسلم للهوان ، ان كل مخزون وتراث العمل الجماعي والعام يتم اعداده لمواجهة هذه اللحظة .. ان الشعب يستدعى تاريخه الحضارى والسياسي وتجاربه في بناء المؤسسات الشعبية وسجله من الابداع والنبل وكوادره الوطنية الخلاقة ليستكمل مرحلة التحول الحرج .. فهل الشعب السوداني كما يعبر البعض قد فقد حتى الرغبة في التغيير .. ام هل فقد الامل في ذلك .. وهل فقد ثقته في قدراته ام فقد الثقة في قياداته .. وهل استطاع مشروع الانقاذ ان يحدث فيه من التحول ما هدف اليه؟ ام انه مازال تحت الرماد وميض نار ؟! وان كان الصمت لا يعني ذلك فماذا يعني اذن؟؟.

Post: #400
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 05:37 PM
Parent: #399


الدكتور عبد الله علي إبراهيم يحلل مسيرة الضلال الوطني ويدعو أخيراً لمخاصمة الانقاذ واليأس من خيرها.
وصم الدكتور البراجوازية الصغيرة وعيرها بكل عباراته البليغة وحتى كاد ان يقول ان خطاياه واهتزازه وتذبذبه كان بسبب انه برجوازي صغير لكنه لم يستوزر ولم يصبح مديراً ولا سفيراً والا لكان لذلك شأن آخر.. انه فقط عبد الله (ابن الداخلة) الاديب والكاتب الاريب وصاحب الصولات والجولات في ساحات النشاط الطلابي والرائد المؤسس لتجمع الكتاب والفنانين التقدميين والذي عرف فيما بعد بتنظيم (ابادماك) الشهير الذي قاد قافلة ثقافية وفنية جابت قرى الجزيرة بحثاً عن الفنان الشعبي الذي طمره الفقر وبؤس الريف وغياب مؤسسات الوعي والمعرفة الرسمية إلاَّ تلك المؤسسة التي قال عنها هي التي تمثل (صفوة الغلابة) والتي استطاعت بجهدها الصبور والمثابر ان تقدم للمزارعين ما استطاعت من جرعات الوعي التي مكنتهم من انتزاع شرعية اتحادهم والحاكم العام الانجليزي مازال يقيم بيننا.. في تلك الرحلة الشهيرة وصلت قافلة (ابادماك) قرية (بورتبيل) لتقدم من خلالها مسرح الرجل الواحد الشعبي الذي لفت الانتباه الى زخائر الريف والثقافة الشعبية.. جاءت مايو وقبل ان ينتقل عبد الله من حزب احمد سليمان الى حزب عبد الخالق قدم مسرحيته الشهيرة في شارع القصر بالتضامن مع صديقه صلاح قوله (المصري الأصل) ناقلاً بذلك الثقافة الى رجل الشارع والطريق العام.
اراد الدكتور عبد الله إلاَّ يضعه منصور خالد هو وعبد الخالق وآخرين (لم يفصح عنهم) في سلة واحدة مع بقية الصفوة المدمنة للفشل وليس غرضي تبني وجهة نظر دكتور منصور في الصفوة وادمانها للفشل فللرجل طريقته ومنهجه في التعامل مع استنتاجاته ولا أذكر حسب علمي انه ادعى انه ليس منهم في شيء، مع ملاحظة عابرة هي ان دكتور عبد الله قال في حواره مع جريدة الصحافة الحلقة الثانية بتاريخ 19 نوفمبر: أنا وعبد الخالق وآخرين وهذا التقديم (للأنا) لم أعهده فيه من قبل لكنه لم يفصح عن الآخرين ولعل هنالك قائمة سرية يعد بها البعض ليلهث اللاهثون كما يتصور علهم ينالون حظوة؟ بعد تعريفه للصفوة سأله المحرر من هم صفوة البرجوازية الصغيرة؟.. اندهشت لإجابته التي تقول: منصور خالد انا اعتبره صفوة البرجوازية الصغيرة (هو لوحده، الدهشة مني) لأنه يعطي وقتاً اكبر لمشروع تمكين هذه الفئة الاجتماعية بينما مدير البنك او الطبيب مثلاً لا يعطي وقتاً كبيراً للمشروع وانما يعيش مشروع البراجوازية الصغيرة.. لم ادرك مقصد الصديق (عبد الله) هل لأنه منصور خالد ام لأنه ليس مدير بنك او طبيب، وهل يمكن الحديث عن صفوة لفئة موسومة بكل ذلك القبح والقدرة على قيادة مسيرة الضلال لشعب في قدرات الشعب السوداني ان يكون صفوتها شخص واحد مهما كان مقامه ام انها محاولة متوارية لرد الصفعة؟
سأتناول قضيتين من تلك القضايا التي تناولها الدكتور في حواره او في الحقيقة قضية واحدة ذات شعبتين شكلتا فكرة المقاومة وداوفع التغيير وضمن ذلك دور المعارضة في درجاتها المختلفة انجازاتها واخفاقاتها.. لقد جاء في الحوار ما قررت الاهتمام به في هذه المداخلة وذلك في رد الدكتور على الصحيفة عندما سأله المحاور: لماذا ترجع الى تحليل المجتمع عبر المنظور الماركسي هذا؟ فقال: لأنني اعتقد انه حصلت خيانة كبرى لغمار الناس حتى في صفوتهم، فالحزب الشيوعي بعد حله عام 1965م ثم مغامرة 1971 واخيراً انقلاب الانقاذ اصيب بجنون الاسلاميين الظلاميين وصارت مسألة الحداثة متمكنة منه أكثر من انه خليفة للكادحين والطبقات العاملة صار الحزب يفضل ان يوصف بالحداثة وان يكون سادنها أكثر من تفضيله لدوره الأساسي في النضال من اجل الكادحين ويتجلى ذلك في هروبه من النفاذ الى مسألة الدين والمجتمع. فبدلاً من معالجة المسألة باعتبار الدين جزءاً من مكون الوعي في المجتمع ونقده انما هو نقد للمجتمع استبد به جنون الاسلاميين الظلاميين كما ذكرنا. لذا صارت الطبقات الكادحة بلا تفكير مستقبلي ولا يوجد من يتخيل لها مستقبلها وسعادتها وهذا دور الصفوة الأمر الذي الجأها لتأكتيكات النضال المسلح لقوى الهامش وحركات التحرير العنيفة والانقلابات العسكرية المضادة غير الناجحة.
ناصح الدكتور الانقاذ (الانقلاب الناجح) وشارك في مؤتمراتها الأولى كما قال مراعاة لقومية الجيش ووحدته لعدم الاستهانة به لأنه يقف خلفها وقال انه تركها منذ بدأت توقع في اتفاقيات السلام وانتظر من يملأ الفراغ وفي رد على السؤال: هل ترى ان المخرج من حالة الضلال باشاعة وسائط التربية والتعليم فقط؟ اجاب: قطعاً ولكنه مصحوب ايضا بقنوط من اي خير يمكن أن تأتي به الانقاذ، بمعنى الاضراب عن نصحها، ولا يحبط منها احد ولا يتفاءل بها علينا فخاصمتها تماماً لأنه ليس لديها جديد تاتي به ولا شيء لتفيد به الناس ولن نسمع كلام احد، علينا الكف عن نبرة اصلاح النظام، لأنه لن ينصلح ولن يحل مشاكل دارفور ولا الجنوب ولا غيرهما فق اهليته وشرعيته لفعل ذلك. وعلى الجنوبيين ان يعوا اننا لن نستطيع ان نجعل خيار الوحدة جاذباً لهم طالما كانت الانقاذ موجودة وعليهم ان اراداوا الوحدة ان يقاوموا ايضا معنا" انتهى
اتهم الدكتور الحزب الشيوعي بأنه اصابه جنون الاسلاميين فماذا اصاب الدكتور وبعد كل هذه الفترة المقدرة وهو يتحدث الآن عن قنوط من اي خير يمكن أن يأتي منهم ويدعو لمخاصمتهم ثم اعتبر حالات العنف في رفض سياسات الانقاذ ينبغي ان يدرج في سجل المقاومة الشعبية. لم نسمع عن الدكتور عبد الله انه كان يمثل تياراً داخل الحزب الشيوعي (والذي عاش في قلبه فترة تفرغ امتدت لبضع سنوات) يدعو بأن يمد الحزب الشيوعي يده للمهمشين، هو كان كآخرين يتحدث عن مناطق التخلف ويرى رأي من ينتظر تنمية اقتصادية تنجب قوى (حديثة) يمكنها بالتحالف مع نظيراتها في المدن والطقاع الحديث استكمالاً لبناء الجبهة الديمقراطية لتنجز مهام الثورة الوطنية الديمقراطية.. لم يقل بغير ذلك ولم يكتب في مساهماته العديدة حتى عن (الصحة والتعليم والبيئة والضرائب) ولم نقرأ في كتاباته الغزيرة ما يشير الى ذلك، وقدر اطلاعنا على ما يكتب كنا نحسبه بعيداً عن هموم الناس الحياتية او عن الكادحين الذين من المفترض انه أحد قادة صفوتهم المنظمة.
حركة الاسلام السياسي الحديثة لم يبدأها الاسلاميون السودانيون قد سبقهم الى ذلك مؤسس حركة الاخوان المسلمين الامام حسن البنا وشكلت الحركة في مصر قوة جماهيرية افزعت حزب الوفد (حزب الاغلبية الوطني) واثرت تأثيراً عميقاً على مجرى العمل السياسي، هناك كانت التجربة غنية بكل خطل الانكفاء على (الاصولية) انها حركة سياسية اتخذت من الدين غطاء لتدافع عن فهمها له. وتداخلت المصالح مع ذلك التفسير واختلط امر الدين بتفسيرهم الخاص له.. وعندما نشأت حركة الاسلاميين في السودان ادركت شريحة منها قضايا المجتمع واهمية الخوض فيها (بابكر كرار ومجموعته) فاختلفت مع الآخرين اختلافاً بيناً ادى الى تكوينها للحزب الاشتراكي الاسلامي الذي لم يحظ بجماهيرية واسعة تجعله يؤثر تأثيراً عميقاً في الحياة السياسية، بينما كوّن الآخرون تنظيم الاخوان المسلمين الذي تحول الى جبهة الميثاق الاسلامي ثم الجبهة القومية الاسلامية واخيراً المؤتمر الوطني والشعبي.
ان الأمر لم يكن يحتاج الى كل ذلك الوقت والعناء ليدرك الدكتور انه لا خيريرجى منهم.. فعلى رأس الدكتور وجيله تم حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه المنتخبين من البرلمان ليس دفاعاً عن الدين قطعاً بل بسبب الخصومة السياسية والعجز عن المقارعة لكنهم اتخذوا من الدين ذريعة فلم يكن (شوقي) طالب معهد المعلمين الذي تزرعوا بمقولته في دعوتهم لحل الحزب الشيوعي كان أو أصبح رصيداً للشيوعيين ففي حديث له اخيراً قال انه كان سعيداً بذلك الحل.. ولا حتى تلك التجربة العميقة في التمثيل النسبي التي انتظمت الجامعات ومؤسسات التعليم في انتخابات اتحادات الطلاب والتي جوهرها هو الاعتراف بالآخر حدت من غلوائهم في التآمر على حزب يشاركهم اين ماحلوا منافساً ومشاركاً في ازكاء الحيوية في الساحة لقد قرر الاسلاميون ومن ذلك الزمان سحق الآخر ما امكن واختراق التنظيمات السياسية وتخريبها من الداخل ولم يتحلوا بالصدق ولا شرف المنافسة، وكما نعرف كلنا فالحزب الشيوعي لم ينتقد الدين وانما انتقد اصرار الاسلامين على تفسيرهم للدين وزجه في السياسة وجعله اساساً للحكم كما نشاهد الآن.
قاوم الاسلاميون فكرة الديمقراطية باطروحة ضعيفة عن الشورى وهي في تقديرهم غير ملزمة وتتم مع اهل الحل والعقد وهؤلاء يمكن التحكم في اختيارهم كما نعايش ذلك اليوم.. ولما عادت حركة الاسلام السياسي متصالحة مع مايو قادته الى حالة الهوس الديني التي عاشها وتمخضت عنها قوانين سبتمبر الشائهة والتي كانت حربا على كل المجتمع، على عاداته وقيمه وتهاوى نظام مايو مثخناً بجراحات (المشروع الإسلامي) وفي اثناء ذلك تم اغتيال المفكر الإسلامي محمود محمد طه والذي كان للدكتور شرف تقديمه في محافل الجامعة.. وبعد الانتفاضة جمع الاسلاميون حولهم بقايا مايو من والذين كانوا يخشون محاسبة الشعب لهم لما ارتكبوه من خطايا.
ما كان الاسلاميون يحتاجون الى مناصحة الدكتور لكنهم اتخذوه وآخرين ديكوراً وما كان الحزب الشيوعي يمكن أن يتحول الى حزب ديني ليعترف بدور الدين كمكون لوعي المجتمع.. ان المجتمع السوداني متنوع ومتعدد الاديان وحرية الاعتقاد فيه تمثل ركيزة للحريات.. قد يكون للحزب الشيوعي قصور في معالجته لكثير من القضايا (بما فيها الديمقراطية داخله) ولكن لم يكن مهوساً ومصاباً بجنون الاسلاميين الظلاميين، كان يعاملهم كخصوم سياسيين وجو الساحة السياسية كان يوحي بحدة الاستقطاب وبالخصومات ولم يكن الحزب الشيوعي استثناءاً بل هو أكثر من تحمل نتاج ذلك.
اما دعوته للتحديث فمتى كان التحديث يتعارض مع الدفاع عن الكادحين..؟ يذكرني ذلك بكلمة كان يرددها المناضل المرحوم يوسف عبد المجيد (التكديح) ويقصد بها بالطبع تقمص مشاعر الكادح الساخنة والثورية ولكن لم يكن الكدح او التهميش في حد ذاته حالة يدعو المرء الى استمرارها او التمسح بها فهي بؤس وشقاء لكنها حالة يكون النضال من اجل محوها وازالتها قائم ويتم ذلك بنشر الوعي ومهما يتحدث الدكتور عن دور الصفوة وأهميته فهي لن تشكل بديلاً للنضال ولن تتحقق الديمقراطية بممارستها هي وحدها لها واستمتاعها بالقراءة والترجمات وكتابات كتلك التي يقدمها الدكتور خالية من تلك المباشرة الضرورية في علم السياسية.. لن نستطيع أن نستنتج من ان الكتابة في حلقات متعددة عن انتحار شيبون هي دعوة الى (صحة المواطن وتعليمه واصحاح البيئة).. وليس في ذلك بالطبع رفض لمختلف المناشط الانسانية من شعر وموسيقى ورقص وكتابة قصة ورواية ونقد ومسرح وسينما وتشكيل وغيرها، لكن لكل ابداع انساني لغته ودوره في تشكيل الانسان المعاصر، لكن عندما نتحدث بلغة الكادحين والتهميش فلا تصح إلاَّ المباشرة ونحن ندعي بأننا يمكن ان نمثل صفوتهم.. وللحزب الشيوعي اخطاءه وله انجازاته.. انه تاريخ لملحمة معقدة لكن لا يمكن محوها او اغفالها ولا يمكن الحديث عنها بذاك القدر من الاستخفاف مثل القول بأنه حزب للكادحين وليس للقوى الحديثة و(الحناكيش) فكيف ابتلع الدكتور فكره وصف بعض الشيوعيين (بالحناكيش) بعد انسلاله منهم كالشعرة من العجين كما اعتاد ان يقول. أليس في ذلك اقتراب من مقولة (التكديح)؟.. الدكتور لم يسمح لنا بأن نتحدث عن تأثير التجربة السوفيتية على الحركة الشيوعية ثم الستالينية وما خلفته من ادواء والتي لم ينج منها الدكتور وهو المتفرغ الثوري كما زعم انه نجا من تذبذب البرجوازية الصغيرة ودمويتها ويتمنى ان ينجو من سلة منصور خالد التي ادمنت الفشل.
إذا سلمنا جدلاً ان تجربة الانقاذ كان يمكنها ان ترعوي وتستمع الى مناصحات الدكتور فكيف كان يري تلك الهجمة الشرسة والمباشرة التي طالت معظم البارعين والمبدعين في العمل العام والقيادات النقابية والسياسية فصلاً واعتقالاً دون ان يفلت من بينهم كل من اعتبروه غير مؤيد لمشروعهم او محتمل ان لا يؤيده.. ثم تلك الفترة التي اعلنت الانقاذ انها مرحلة التمكين فتمكنت بها من كل شيء، مفاصل السلطة على كل مستوياتها حتى الخدمة المدنية، ومصادر الثروة وفرص العمل العام والخاص ثم التهديد بالضرائب والاتاوات والجمارك مع ممارسة كل صنوف الارهاب.
قال الدكتور انه ترك الانقاذ عندما بدأت في توقيع اتفاقيات السلام.. انا اندهش لهذه الجرأة التي قال بها ذلك.. فهل هو ناقم على الانقاذ وهي تتنازل عن بعض سلطاتها ام هو غاضب لأن اتفاقية السلام حققها من لم يكونوا في قائمته السرية تلك (وآخرين) ام هو غير راضٍ عن وقف الاقتتال الذي يوقف الموت وسحل الآلاف وتشريدهم.. صحيح انه لم تذهب الانقاذ بعد تلك الاتفاقيات بل نالت شرعية دولية بتلك التوقيعات فهل لذلك رفضتها (عبد الله) وهو الذي لم يرفضها كلها وهي تتعدى على الشرعية وتتميز بالصلف والاستبداد ومصادرة كل الحريات. لكن بالرغم من ذلك وبعد توقيع الاتفاقية واقرار الدستور الانتقالي اصبح من الممكن الحديث عن الحقوق والحريات.. إذا كان هنالك ما يعيب القوى المناهضة للنظام فهو انها لم تعبئ الجمهور في اتجاه ضرورة تفكيك النظام الشمولي وبناء بديل ديمقراطي، وصحيح من ناحية نظرية ما قاله عن ضعف المعارضة المنظمة وعزلتها، وانه خطل عظيم ان ترتفع اصوات المعارضين وهم يسعون وارء امتيازاتهم فالأمر يحتاج الى خطاب جديد لكنه ليس منقطع الصلة عن تاريخ تلك الدعوة القديمة للعدالة والمساواة وتغيير المجتمع والتي حمل الدكتور مع آخرين لواءها من قبل.
في احاديث وكتابات عديدة تحدث الدكتور بكثير من عدم الارتياح عن النضال السياسي المسلح وكان يتوارى كعاداته خلف ما يتصوره دعوة للزنوجة المعادية للعربية وثقافتها وها هو يتحدث عن تاكتيكات النضال المسلح باعتبارها اعظم الشرور وكان ينبغي ان يرى ما تمخض عن هذا النضال المسلح فقد اثبتت التجربة انه ليس من الضروري الانتظار في (خطوات تنظيم) الى ان تحقق تنمية وتغدو هناك قوة حديثة لتقوم بالمساعدة في عملية التغيير.
لقد تكون من اولئك المهمشين جيش سياسي اثر على مجريات الاحداث حتى تمخض عن تلك الاتفاقية التي جعلت الدكتور يخاصم الانقاذ والتي لم يقل حتى عتاة خصومها الحقيقيين انه لا قيمة لها فهم يتوقفون كثيراً عند وقف القتال الذي كان مستعراً وعن الحرب التي خمدت، والدكتور يتحدث عن النضال المسلح باعتباره حالة يقسر عليها المرء ولا يختارها لأنها تقود الى الموت والدمار هذا ما يفهم من حديثه ولكنه يرفض ما تحفق من سلام ويخاصم اخيراً عليه الانقاذ التي حولت الحرب الى حرب دينية دفاعاً عن العقيدة المستهدفة كما تدعي.
للانقاذ اقسرت على توقيع اتفاقية السلام التي تحتوي على بنود رئيسية تؤسس لمجتمع ديمقراطي عادل فماذا يضير الدكتور في ذلك ... لقد نصح اخيراً الاخوة الجنوبيين وحذرهم من قبح الانقاذ التي لا يرجى منها وهو الذي ظل يناصحها في رفق ويشترك في محافلها فهل كان ذلك بسبب مشروعها الاحادي ورغبتها في بناء دولة دينية وهو يخاصمها الآن ويحرض عليها لأنها وعدت بتنازلات لأبناء الجنوب ودارفور والشرق وجنوب النيل الأزرق وجبال النوبة؟
البرجوازية الصغيرة التي ظل الدكتور يذمها دون أن يراعي تلك الظروف التي نشأت خلالها ونتاج مشاركتها في العمل الوطني ودورها في المجتمع فيه تجن عظيم عليها وهذا ليس دفاعا مطلقاً عنها كفئة فمنها جاءت حركة الإسلام السياسي وانجبت كبار الوصوليين والذين نافحوا الانظمة العسكرية والدكتاتوريات المدنية والذين اعلنوا كذباً ورياءاً انهم يدافعون عن قضية البسطاء والغلابة ولكنهم اكتفوا بدور الصفوة المتأففة والمتعالية فهم في اسمارهم يقسمون المجتمع على اساس عرقي واثنى وينادون بالوحدة والمساواة في الظاهر.
قال الكتور باهمية (الصفوات) ولكل الفئات وللبرجوازية الصغيرة بالطبع قدح معلى في تكوينها.. لكن تنظيمات المهنيين والموظفين وأساتذة الجامعات واتحادات المزارعين والحرفيين وسكان المدن في السودان والذين حظيوا بالاستنارة والحد الأدنى من التنظيم في نقابات او جمعيات او اتحادات صادموا الاستعمار والأنظمة الاستبدادية فاكتسبوا كثيراً من الصلابة فكانوا قادة للانتفاضات الشعبية.
اما عن المعارضة عموماً فهي تلك الاحزاب، ولا ديمقراطية من دون احزاب وما نشاهده هو حال احزابنا وان رفضتها الجماهير فدون الدكتور و(الآخرين) تكوين بدائل متخلصة من مسيرة الضلال.. والاحزاب لا تشتري ولا تقوم نبتاً شياطنياً وانما تتكون بارادة اعضائها وليس هنالك احزاب فاعلة ومؤثرة تجلس قيادتها على كراسي المتفرجين لتصيد اخطاء الآخرين دون ان تمارس نشاطاً يحتمل الخطأ والصواب.
ما قدمه الدكتور في لقائه يذكرني بما يقال شعبياً عن (علوق الشدة) والرواية البسيطة تقول ان مجموعة الرحل يحرصون على علف زواملهم في فترات الاستقرار استعداداً للرحيل الذي هو آت لا محال ولكن احدهم كان يؤجل ذلك دون اعتبار لعامل الزمن واهمية المشاركة وفي عشية الرحيل اراد ان يعد زاملته كالآخرين فوجدها هزيلة مهملة واراد ان يقدم لها علف ايام غفلته كله في جرعة واحدة.. لكن ذلك لا يفيد، بل قد يكون ضاراً وقاتلاً.

http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147505333&bk=1

Post: #401
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 06:23 PM
Parent: #1



لكي لا ننسى
إبراهيم يوسف

تناقضات د. الترابي في الردة والقتل وفي موقفه من اغتيال الأستاذ محمود وتنكره للحرية والدستور




في الزوبعة البيزنطية الثائرة الآن يظهر د. الترابي في الصحف العربية والسودانية وما يهمني هنا موقفه من الردة والقتل والحرية والحقوق الدستورية.
فمما جاء في الصحف السودانية نقلاً عن صحيفة الرأي العام الكويتية قوله (لأن أي رئيس دولة يستطيع أن يقبض علىّ ويلقي بي في السجن ثانياً سألني عن ذلك أقول له هذا خطأ لا تكفر أحد حتى لو اتي بالبينات عن خروجه من الدين في بعض الأمور).
كما قال (وأنا لا أحب ان أصم إنساناً بالكفر مهما فعل "كما قال" أما الكفر فلا يمكن وصم احد به الا إذا كفر بكل شيء له علاقة بالدين وأنا لا تعنيني الأقوال والمظاهر في الانسان بقدرما يعنيني سلوكه"
وعندما سئل في الصحف السودانية "فإن الناس ينسبون ماحدث للأستاذ محمود لك أنت شخصيا؟ اجاب أنا أعرف محمود منذ الصغر وأيام ثورة رفاعة ولذلك فأنا ما جادلت محمود اصلاً في حياتي ولكن كل قوانين الطوارئ والقوانين الجنائية معروف اني كنت ضدها) (فأنا ارائي في القتل معروفة منذ زمن بعيد أنا ضده وبعشرات الآيات فلا يمكن أن يغلبها قطعة من حديث وهكذا كانوا أحياناً يغلبون الحديث على الآيات:
- انت قلت اعدام محمود محمد طه كان اعداماً سياسياً؟
* طبعاً كان إعداماً سياسياً) جريدة السوداني 4/5/2006م
وعن موقف دكتور الترابي من القانون والدستور يحدثنا الأستاذ مصطفى عبد القادر المحامي المشهور ان الدكتور منذ الرابع من رمضان ظل يردد كل يوم انه مع الحريات وانه مع الوفاق وانه يطالب الشعب بالثورة على السلطة لانتزاع الحقوق والحريات التي انتهكت وصودرت) ويقول (اتى الدكتور اليوم وهو يرتدي رداءً جديداً غير الذي رأيناه وسمعناه ولما شفناه منذ 30 يونيو 89 وحتى 4 رمضان 1420ه، ويواصل استاذ مصطفى (أنني أقولها واضحة للسيد الدكتور وهو الذي رد علي سؤال لي طرحته له في السجن قائلاً: كيف يكون دارس القانون الدستوري المتخصص في القانون الدستوري سنداً ومعاوناً لنظام عسكري وشمولي ونظام حكم فرد وهو يصادر الحقوق والحريات ويحاكم المواطنين امام محاكم استثنائية ويرسل بعضهم للمشانق ناهيك عن القطع حداً والقطع من خلاف باسم الإسلام امام محاكم تفتقر لأبسط قواعد العدالة وتصادر حق الدفاع وحق الاسئناف فرد علي قائلاً إنك غلطان فأنا متخصص في الاستثناءات على القانون الدستوري.
لهذا فانا غير مندهش ولكن ما يحدث في رأيي المتواضع ليس الا نتاجاً لذلك التخصص الغريب الذي تملك الدكتور وأصبح مسيطراً عليه وعلى كل سلوكياته بل انني اذهب أبعد من ذلك مضيفاً أن الدكتور غيرّ كل ما يؤمن به لأنه فقد السيطرة على السلطة لتمرد تلاميذه عليه وذلك اجراء مرحلي واستثنائي وليس عملاً أو فكراً أصيلاً يؤمن به الدكتور!!) انتهى جريدة الرأي الآخر 17/4/2000م.
هذا ما كان في عام 2000م أما في عام 1965م فقد تولى اكبر تزييف للديمقراطية وتعديل مادة الدستور وروحه المادة 5/2 مادة حرية الرأي تولي ذلك دكتور الترابي واصدر لتبرير تلك الانتهاكات وسلب الحقوق الدستورية كتابه (أضواء على المشكلة الدستورية) فرد الأستاذ محمود على كتاب الدكتور بكتاب اسمه (زعيم جبهة الميثاق الإسلامي في ميزان الثقافة المغربية 2. الإسلام) وجاء في مقدمة كتاب الأستاذ (نؤكد لمن عسى يحتاجون لتؤكيد ان شخصية الدكتور حسن موضع حبنا ولكن ما تنطوي عليه من ادعاء ومن زيف في الثقافة الغربية والإسلامية هو موضع حربنا ونحن اذ ننقد الدكتور حسن لا ننطوي على مرارة الا بالقدر الذي يؤكد معنى ما نريد شأن من تدفعهم الغيرة إلى حب الخير للاشياء والأحياء هذا الرد على الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم اجمعين).
وليبرر الدكتور للجمعية التأسيسة تعديل اصل الدستور لحرمان وحل الحزب الشيوعي قال عن تلك الجمعية ص 3 من كتابه (واذا كانت نظرية القانون الدستوري "الوضعي" تعرف السيادة بأنها صفة السلطة المطلقة المنفردة التي تملك صلاحية شاملة ليس لمداها من حدود ولا لصاحبها من شريك فهذه السلطة مودعة في الجمعية التأسيسية وبحكم هذه الحاكمية غير المقيدة تشكل الجمعية الفاعل المطلق لا تضاهيها هيئة أخرى ولا يراجعها رقيب ولا يحدها ضابط قانوني) وقد علق على ذلك الأستاذ بقوله (ما نحن فما نعرف أن مثقاً مفكراً يمكن أن يتورط في هذه الهلكة).
ألم نقل ان الدكتور ضحية القشور التي زيفت الديمقراطية الغربية؟ فهو تلميذ موسوليني.. فإن موسليني قد قال (لدي الفاشي فأن كل شيء في الدولة.. وليس هناك معنى انساني او معنى روحي.. بل وأقل من ذلك فليس هناك أي معنى ذا قيمة يمكن أن يكون خارج الدولة.. وبهذا المفهوم فإن الفاشية مطلقة والدولة بوصفها تعبيراً شاملاً عن الإرادة الاخلاقية هي الحق وهي صانعة الحقوق) هذا ما قاله موسوليني وأقرأ ما قاله تلميذ مرة اخرى في الفقرة الماضية وركز بصورة خاصة على (وبحكم هذه الحاكمية غير المقيدة تشكل الجمعية الفاعل المطلق لاتضاهيها هيئة اخرى ولا يراجعها رقيب ولا يحدها ضابط قانوني) ومع ان ماركس ممن زيفوا الديمقراطية فان الدكتور ليس تلميذه الا بالقدر الذي تشترك فيه الشيوعية مع الفاشية في صور الحكم المطلق.. واما الوعي الزائد الذي تمتاز به الشيوعية على الفاشية فليس للدكتور مشاركة فليه.
ونحن نتساءل هل يمكن للدكتور ان يدعي للجمعية كل هذا الحق المطلق الذي يجعلها حقاً في ذاتها لو لم يكن عضواً فيها؟؟ بل هل يمكن ان يدعيه لها لو كان مجرد عضو لا تنتهي اليه مقاليد الزعامة الفكرية فيها؟ انتهى.
الحريات في الدستور:
ويواصل الأستاذ متابعة الدكتور فيقول (وهناك قولةٌ قالها الدكتور الترابي هي إحدى الكبر في شرعة العقل المفكر والثقافة الصحيحة وتلك هي قوله (ولو صحت المفاضلة القانونية بين فصول الدستور لكان فعل الحريات من اضعفها لأنه يخضع للتشريع) فعبارة (لأنه يخضع للتشريع) تدل دلالة قوية على أن الدكتور يجهل أموراً ما ينبغي ان تجهل في امر الحرية وفي امر التشريع.. وأول هذه الأمور هو ان الحرية لا تضار بالتشريع وانما تزدهر بالتشريع اللهم الا اذا كان هذا التشريع يقوم على نزوات الحكم المطلق الذي يسمى نفسه ديمقراطية زورواً وبهتاناً وهذا ما يبدو ان الدكتور يعنيه وهذه احدى مشاكل تفكير الدكتور.. وعبارة (في حدود القانون) التي وردت في عجز المادة 2/5 هي روح المادة لأن القانون هو الذي يعطي الحرية معناها ويميزها عن الفوضى.. فالتشريع صديق الحرية وليس عدوها وكل تشريع غير ذلك لايسمى تشريعاً الا من قبيل تضليل الناس فالتشريع في النظام الديمقراطي طرف من الدستور وهذا هو المعنى بدستورية القوانين. فكل تشريع يعارض الحرية ليس تشريعاً دستورياً...) انتهى.
ويواصل الاستاذ (ولو ان الدكتور الترابي قد نفذ إلى لباب الثقافة الغربية لعلم ان المادة 5(2) من دستور السودان المؤقت غير قابلة للتعديل وهذه المادة تقول (لجميع الآشخاص الحق في حرية التعبير عن ارائهم والحق في تأليف الجمعيات والاتحادات في حدود القانون) وهي غير قابلة للتعديل لأنها هي جرثومة الدستور التي انما يكون عليها التفريع.. وهي الدستور فاذا عدلت تعديلاً يمكن من قيام تشريعات تصادر حرية التعبير عن الرأي فان الدستور قد تقوض تقوضاً تاماً ولا يستقيم الحديث بعد ذلك عن الحكم الديمقراطي الا على أساس الديمقراطية المزيفة.. وهي ما يبدو ان الدكتور قد تورط في تضليلها) انتهى.
إذا كانت تلك وقائع وارهاصات مستقبل مواقف الدكتور الترابي من الحرية والحقوق الدستورية فان لوثة نميري التي بايعوه عليها باسم الشريعة ونعته الدكتور الترابي من اجلها بأنه المجدد تكشف مستوى آخر عندما حول الإسلام العظيم إلى مؤسسة عقابية لتقطيع المستضعفين وقمع المعارضين والأحرار.
اعترافات نميري:
كانت المحررة بجريدة الصباحية السودانية قد اوردت في تحقيقها مع نميري سؤال له (سيادة المشير نميري رغم انك قوي تأمر ولا تؤمر ولكن دفعت دفعاً للموافقة على اعدام محمود محمد طه لأن البعض اراد ان يزيحه عن طريقه)
وضع يديه على رأسه ونظر لأسفل وامتلأت ملامحه بأسى حقيقي حتى اشفقت عليه وندمت على هذا السؤال وبعد ان تخيلت صمته لا ينتهي قال (ندم العالم كله لن يكفيني حينما اذكر محمود محمد طه حقيقة ذلك الرجل الشيخ اسد أرائه العجيبة لم أكن اريد قتله الترابي قال لي ان محمومد محمد طه يريد أن يكون حلفاً مع اليسار ضدي وقال لي ان الجمهوريين قوة لا يستهان بها واذا اجتمع هو واليسار فإني لا محالة هالك وجاء قرار اعدامه حمله لي الترابي وطلب توقيعي عليه وقتها كان الأمر جد خطير في الداخل والخارج وحاول الجميع من قبل اثناء محمود محمد طه عن ارائه تركت القرار دون توقيع لمدة يومين وفي صباح اليوم الثالث ذهبت اليه بالملابس المدنية قلت له يحزنني ان تموت فقط تنازل عن ارائك ولكنه تحدث معي بطريقة ظننتها صلفاً وقتها ولكن الآن علمت أنها كبرياء بدقائق الأمور وقال لي تنازل انت عن ارائك أما أنا اعلم اني سأقتل واذا لم اقتل في محاكمة علنية سيقتلني الاخوان المسلمون سراً اذهب واتركني انا اعلم اني سأموت) انتهى.
كانت الكاتبة والصحافية الأمريكية جوديث ميلر المراسلة السابقة لصيحفة نيويورك تايمز في الشرق الأوسط قد حضرت مشهد تنفيذ حكم الاعدام على الأستاذ محمود بسجن كوبر وقد وصفت ذلك في كتابها الذي اسمته (لله تسعة وتسعون اسماً) ومما قالته (ولن انسى ما حييت التعبير المرتسم على وجهه (تعني الأستاذ) كانت عيونه متحدية ولم تبد عليه مطلقاً اي علامة من علامات الخوف) كما كتبت ادين طه (بتهمة الردة عن الإسلام وهي تهمة نفاها طه الذي أصر حتى النهاية انه ليس مهرطقاً او مرتداً عن الإسلام وانما مصلح ديني ومؤمن وقف في وجه التطبيق الوحشي للشريعة الإسلامية (قانون المسلمين المقدس) والطريقة التي فهمها ونفذها به الرئيس جعفر نميري من وحي الموقف احسست انا ايضا ان طه لم يقتل بسبب يتعلق بنقص في قناعته الدينية وانما بسبب من نقصهم هم) كما كتبت ميلر أنها قابلت نميري عقب اعدام طه بقليل في نهايات يناير 1985م وقالت سألت نميري (لم قتلت محمود طه محولة مجرى حديثي معه إلى مناطق اكثر حرجاً وأكثر اقلاقاً رد نميري (انتم تقولون انه معتدل ولكنه غير معتدل) ولم يزد على ذلك ثم قال "القرآن يوصي بقتل المرتدين ولا يستطيع الرؤساء والملوك والسلاطين تغيير ذلك" وهكذا امام المسلمين لا يعرف انه ليس في القرآن عقوبة على ما يسمى الردة وواصلت "ثم غطس نميري في كرسيه ودخل في حالة من الصمت جذب منديلاً ومسح حاجبه وبدأ كأنه قد نسى وجودي تماماً مرر يده بذهن شارد على شعره المجعد ووجهه الذي كان متجسداً في حضور قبل لحظات قليلة تهالك فجأة وتراخى فكاه وتمددا عندها تنهد وأمرني بالانصراف بتلويحه من يده وكانت تلك هي آخر مقابلاتي مع الرئيس نميري) كتاب نحو مشروع مستقبلي للإسلام ثلاثة من الأعمال الأساسية للمفكر الشهيد محمود محمد طه طبعه 2002م.
شاهد من أهلها:
الدكتور حسن مكي هو مؤرخ حركة الاخوان المسلمين بالسودان وعضو بارز بالحركة ذكر في جريدة الوفاق 5/12/1998م يقول (اعتقد أن الصف الإسلامي في ذلك الوقت كان جميعة مع اعدام محمود محمد طه.
* نحن نسأل عن موقف د. حسن الترابي؟
انا اعتقد انو كان خائف على انو نميري ينكث عن اعدام محمود محمد طه ويدعو الله الا يحدث ذلك.
* ولكن الترابي يعلن دائماً أن المرتد فكريا لا يقتل؟
انت تريد ان تخرج لموقف الترابي وانا اوثق للتاريخ!!
* هنالك رأي يقول ان د. الترابي كان حريصا على اعدام محمود محمد طه وان محمود كان يمثل منافس شخصي له على مستوى الطرح الإسلامي؟
هسع الإنقاذ ما كتلت ناس؟ ماكتلت مجدي في دولارات؟ لانو كان مؤثر على سياستها الاقتصادية فكيف اذا كان مؤثر على مشروعك كله (هسع كان جيت الترابي يقول لك انا ما موافق على قتل مجدي).
في جريدة الصحافة 3/5/2006م كتب السيد حيدر ابراهيم عن د. الترابي (ولم يكن بعيد عن مأساة تكفير واعدام الأستاذ محمود محمد طه وهو ينأي بنفسه عن تلك المحاكمة ولكن هل ارتفع صوت الشيخ المجدد والمدافع عن الحرية آنذاك معارضاً او استقال من موقعه التنفيذي المهم).
وبعد انذار الأستاذ محمود للنميري بالطوفان اجتاح الطوفان نميري وزبانيته وقضائه العشوائي ومستشاريه وجاء القضاء الطبيعي المستقل المؤهل.
المحكمة العليا
فأصدرت المحكمة العليا الدائرة الدستورية حكمها في القضية نمرة 43 ق.د/1406هـ بتاريخ 18/1/1986م وهو يقضي بابطال محاكمة الأستاذ محمود ومن حيثيات الحكم جاء الأتي (يبين من مطالعة اجراءات محكمة الاستئناف تلك انها انتهجت نهجاً غير مألوف واسلوباً يغلب عليه التحامل مما جعل الاطمئنان إلى عدالة حكمها امراً غير ميسور وعرضة للمعايير السياسية التي لا شأن لها بالأحكام القضائية) كما جاء في الحيثيات (ولعنا لا نتجنى على الحقيقة لو أننا قلنا ان تنفيذ الحكم ما كان ليتم لولا أن محكمة الاستئناف اضافت الادانة بالردة وهو ما لم يكن ليصدر اصلاً فيما لو كانت الاجراءات قد عرضت على المحكمة العليا بدلاً من ان تستقل محكمة الاستئناف بإجراءات التأييد لتنتهي إلى ذلك الحكم من خلال المخالفات القانونية والدستورية التي تناولناها فيما تقدم) انتهى
النائب العام:
وامام المحكمة العليا كان رد النائب العام في رده على عريضة الدعوة.
1. نعترف بأن المحاكم لم تكن عادلة.
2. ان المحاكمة اجهاض كامل للعدالة والقانون.
3. لا نرغب الدفاع اطلاقا عن تلك المحاكمة. وبالطبع بعد الانتفاضة لم يكن هذا النائب العام هو د. الترابي.
فماذا قال الترابي عن محاكمة الأستاذ محمود حتى بعد صدور حكم المحكمة العليا ببطلانها؟
أقرأ جريدة الوطن السودانية 30/4/1988م قول د. الترابي
(لا استشعر أي حسرة على مقتل محمود محمد طه فلا استطيع ان انفك عن تديني لحظة واحدة حتى اصدر حكماً بمعزل عن تديني ومادمت منفعلاً بديني فإني لا استشعر أي حسرة على مقتل محمود ان ردته اكبر من كل انواع الردة التي عرفناها في الملل والنحل السابقة...)
كان دكتور منصور خالد في كتابه التوثيقي (الفجر الكاذب) قد ذكر الترابي موقفين متعارضين يعبر فيهما عن موقفه من اغتيال الأستاذ محمود محمد طه وقال د. منصور (ففي حديث الدكتور تاسخ ومنسوخ)
ومهما يكن من أمر هذه الأيام يبدو دكتور الترابي برقه وتسامح ونأمل أن تكون هذه حاله اصيلة ودائمة والا يكون مبعثها قصة (كريت) والقرض؟
اما التكفيريون الماضويون البعيدون عن روح العصر ويجهلون حقائق الدين ومع ذلك يجعلون انفسهم حجة على الإسلام فما فهموه هو الإسلام وما فهمه فمخالفهم هو الكفر والمروق والزندقة فهم ليسو أقل تشويهاً وعجزاً من صاحبهم الذي بدلاً من أن يتحدث عن مشاكل العالم والبلد يتحدث عن عذاب القبر في ندوة بالجامعة مذاعة.


http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147503071&bk=1

Post: #402
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 06:26 PM
Parent: #401


الثورة الفكرية وخارطة الطريـق نحو السودان الجديد
عبد الله الأمين المحامي

* ثورة أكـتوبر الثانية هي الثورة الفكرية لمحة تاريخية:
كان نظام مايو، في سـنواته الأولى، كما هو معلوم، قـد أبرم اتفاقية سلام مع الحركات المسلحة في جنوب السودان آنذاك، عرفت باتفاقية أديس أبابا، وقد تحقـق بموجبها السلام وعدد من المكاسب الأخرى للجنوب، وللسودان ككل.. وفي عام 1977 أبرمت سلطة مايو اتفاقـًا مع أحزاب المعارضة الشمالية، سمي بالمصالحة الوطنية، وقد كان (الاسلاميون) بزعامة د. حسن عبد الله الترابي، من أبرز المشاركين في السلطة المايوية نتيجة لتلك المصالحة.. ولقد كانت مصلحة الشعب والوطن توجب على النظام المايوي أن يقيم حوارًا علنيـًا عامـًا، عبر منابـر حرة متلفـزة ومذاعة، تلتزم بالمشاركة فيه، بموجب اتفاق المصالحة، كافة التنظيمات المتصالحة مع مايو، حيث يقدم كل تنظيم ما عنده من محتوى فكري، يتم تعريضه للمناقشة والتمحيص من خلال الحوار، ويطلع الشعب عليه، وبذلك يوعى الشعب ويستنير ويعرف المحتويات الفكرية للتنظيمات السياسية ومدى تأثيرها، سلـبـًا أو ايجـابـًا، على نظام مايو.. ولقد طالب الجمهوريون بذلك، وحذروا من مغبة قصر المصالحة الوطنية على مجرد اقتسام السلطة مع تنظيمات سياسية لا تقـدم أفكارًا موضوعية حقيقية مما يخاطب العقول ويساهم في رسم خارطة الطريق نحو تحقـيـق ورعاية مصالح البلاد والعباد، وإنما تستخدم آيدولوجيات دينية شمولية إقصائية، وأساليب هتافية حماسية، تستجدي بها المشاعر الدينية وتسـتـثيرها ثم تستغلها في استقطاب الجماهير، سعيـًا إلى نيل السلطة والثروة، والاستـئـثار بهما إلى الأبد.. ولكن مايو لم تدرك أهمية ما طالب به الجمهوريون، أو ربما لم تأبه لمصلحة الوطن، ولذلك أشركت (الاسلاميين) معها في السلطة، دون أن تجلسهم لامتحان الحوار الفكري الموضوعي، في منابر حرة، متلفـزة ومذاعة.
وفي عام 1982، وبسبب التأثير السلبي لمشاركتهم في السلطة، نقضت مايو عهدها مع حركات الجنوب، وأخلت باتفاقية أديس أبابا، وأضاعت ما تحقـق من مكاسب للجنوب، وللسودان، ومن ثم اشتعلت الحرب من جديد.. وفي سبتمبر 1983، ونتيجة للتأثير السلبي المتراكم لمشاركتهم في السلطة، والضغوط التي ظلوا يمارسونها، أصدرت مايو قوانين سبتمبر، وأعلنتها، وأعلنت معها حالة الطواريء.. ولقد زعم (الاسلاميون) أن تلك القوانين هي الشريعة الاسلامية، وأخرجوا مسيرة (مليونية) لتأييدها.. ولتطبيق تلك القوانين أنشئت محاكم طواريء خاصة، خاضعة للسلطة التنفيذية، سميت بمحاكم العدالة الناجزة، وجُـلب لها قضاة من خارج الهيئة القضائية.. وقد كانت وظيفة تلك المحاكم إرهاب الشعب، والمعارضين، وإذلالهم، وقد نفذت ما أملي عليها فأمطرت الفقراء والمستضعفين والمشردين خلال فترة تطبيقها (أقـل من سنة ونصف) بكميات كبيرة من أحكام الجلد، والقطع، والقطع من خلاف، فضلا عن بعض أحكام القـتـل والصلب.
التحذير من الطـوفان:
عندما نقضت مايو اتفاقية أديس أبابا، قبل إصدارها قوانين سبتمبر، كتب الجمهوريون، بقيادة الأستاذ محمود محمد طه، كتابـًا بعنوان (جنوب السودان المشكلة والحل) وزعـوه على الناس في الشوارع والأسواق والأماكن العامة، عارضوا فيه نقض الاتفاقية، وحذروا من مغبة هذا النقض، وطالبوا بالالتزام الجاد والمخلص بالاتفاقية.. وعند إعلان قوانين سبتمبر، وخلال فترة تطبيقها سالفة الذكر، كان الأستاذ محمود وقادة الجمهوريين وناشطيهم معتقلين، وعندما أفرج عنهم، في ديسمبر 1984، أصدروا منشورهم الشهير بعنوان (هذا أو الطوفان) الذي كتبه الأستاذ محمود، بنفسه، وطالب فيه بثلاثة أشياء هي:
1. إلغاء قوانين سبتمبر لأنها شوهت الاسلام وأذلت الشعب وهددت وحدة البلاد.
2. إيقاف الحرب في الجنوب والعودة للسلام والالتزام باتفاقية أديس أبابا.
3. تقنين وتنظيم المنابر الحرة، وإتاحة فرص الحوار، بهدف توعية الشعب.
ثم ذكر أن النتيجة الحتمية لعدم تنفيذ هذه المطالب الثلاثة هي الطوفان، فإما الأخذ بها أو يأتي الطوفان.. ولقد ظن البعض وقتها أن الطوفان هو شيءٌ يأتي ليفرض تلك المطالب الثلاثة، في حالة عدم الأخذ بها طوعـًا، أو هو أمر يأتي ليسقط نظام مايو ـ ثورة شعبية مثلا ـ ويجيء بنظام آخر يقوم بتنفيذ تلك المطالب، بمعنى أن الطوفان هو نصرة لتلك المطالب، هذا ما ظنه البعض، غير أن الطوفان إنما يعني حالة التدمير الشامل لأجهزة الدولة ومؤسساتها، والخدمة العامة، وتسييسها، وتخريبها، وتفكيك النسيج الاجتماعي للشعب، وتأجيج نيران الهوس الديني والصراعات الدينية والإثـنية والحروب الأهلية، الخ.. وتبدأ سيول الطوفان وأمطاره في الهطول على أرض البلاد بسيطرة الاسلام السياسي الزائف الذي يستخدم التضليل والإرهاب الدينيين، ويعمل على نشر الهوس الديني، كما يعمل على تخريب أجهزة الدولة، ومؤسساتها، عن طريق تسييس الخدمة العامة، المدنية والعسكرية، وتسخيرها لخدمة مشروع الهوس الديني (المشروع الحضاري) ولخدمة أغراض الحزب الحاكم، في الإستئثار بالسلطة والثروة، وإضاعة كافة المكاسب الحضارية المشيدة عبر القـرون، وتصعيد الحروب الأهلية، وإزكاء العداوات الدينية، والنعرات العنصرية، وتهديد الوحدة الوطنية، وإشاعة كافة الأوضاع المدمرة.. ولقد بذرت مايو بذرة هذا الطوفان بإصدار قوانين سبتمبر وبنقض اتفاقية أديس أبابا وبتهميش دور الحوار والحجر عليه.. فالأستاذ محمود، بقوله (هذا أو الطوفان) إنما كان يعني أن نظام مايو إذا لم يقض على بذرة الهوس الديني والحروب الأهلية في مهدها، عن طريق الأخذ بهذه المطالب الثلاثة، ووضعها موضع التنفيذ، فإن تلك البذرة لن تلبث أن تنمو وتنتشر، وتسيطر على البلاد، وتشيع فيها صور التدمير والتفكيك والتخريب والإفساد والفتن والحروب، حتى توشك أن تمزق وحدة البلاد وأن تعصف بأمن سكانها، وذلك هو الطوفان.
مواجهة المحكمة والسلطة:
ولم تستجب مايو للمطالب المذكورة، بل واتجهت إلى محاكمة الأستاذ محمود أمام محاكم الطواريء سالفة الذكر، وكان الأستاذ قد قرر أن يواجه تلك المحاكم، وأن يحدثها عن عدم أهليتها من الناحية الفنية والأخلاقية، وأن يمتنع عن التعاون معها، وذلك بهدف إضعاف هيبتها في صدور الجماهير، وكسر حاجـز الخوف لدى الشعب، حتى يثـور الشعب ضد قوانين سبتمبر ومحاكم الطواريء.. ولذلك، وعندما مثـل الأستاذ أمام المحكمة، مع أربعة من تلاميذه، واجه المحكمة بقوله: (أنا أعلنت رأيي مرارًا في قوانين سبتمبر، من أنها مخالفة للشريعة، ومخالفة للإسلام.. أكثر من ذلك فقد شوهت الشريعة وشوهت الإسلام.. يضاف إلى ذلك أنها وضعت واستغلت لإرهاب الشعب وسوقه إلى الاستكانة عن طريق إذلاله.. ثم إنها هددت وحدة البلاد.. هذا من حيث التنظير.. وأما من حيث التطبيق فإن القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنيـًا، وضعفوا أخلاقيـًا عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية، تستعملهم لإضاعة الحقوق، وإذلال الشعب، وإهانة الفكر والمفكرين، وإرهاب المعارضين السياسيين.. من أجل ذلك فإني غير مستعد للتعاون مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقـل ورضيت أن تكون أداة من أدوات إذلال الشعب، وتشويه الإسلام، وإرهاب الفكر الحر، والتنكيل بالمعارضين السياسيين) انتهى.. وعندما حكمت عليه تلك المحكمة بالإعدام، وسيـق لتنفيذ الحكم، وقف على منصة المشنقة مبتسمـًا.. وكل ذلك قد كان بهدف كسر حاجز الخوف لدى الشعب السوداني العملاق حتى يثـور فينقـذ نفسه وينقـذ البلاد من بذرة الطوفان، ومن مستقـبل الطوفان.
إخفـاق أبريل وحصول الطوفان:
غير أن الجمهوريين، تلاميذ الأستاذ محمود، تراجعوا عن المواجهة عـقـب تنفيذ الحكم على الأستاذ، مما أبقى على حاجز الخوف لدى الشعب، ولذلك تأخرت الثورة حتى أبريـل بدلا ًعن يناير، عام 1985، الأمر الذي أدخل عوامل أخرى كأسباب للثورة، وعمم أهدافها، ولذلك جاءت أبريـل كانتفاضة ضد سلطة مايو بصورة عامة، وليس ضد قوانين سبتمبر، ومحاكمها، وحرب الجنوب بالتحديد، أي أن الشعب لم ينتـفـض في أبريـل ضد بذرة الطوفان سالفة الذكر، على وجه التحديد، وإنما انتفض ضد مايو عمومـًا، ولذلك بقيت تلك البذرة، رغم سقوط مايو، فاستغـل (الإسلاميون) قوانين سبتمبر التي زعـمـوا أنها هي الشريعة الإسلامية، وأن الإبقاء عليها إبقاءٌ على الإسلام، وأن إلغاءها إلغاءٌ للإسلام، وأن من يعارضها إنما يعارض (حكم الله) الخ الخ، وذلك بغرض استـثـارة المشاعر الدينية وحشدها لتأييدهم، من ناحية، واستخدام الإرهاب الديني في مواجهة المعارضين، من الناحية الأخرى، وبذلك حصلوا على تأييد المضللين، وصمت المرهبين، ثم استغلوا الفوضى السياسية، الناتجة عن تزييف الديمقراطية في العهـد الحزبي، في تعتيم الجو السياسي، وتكديره، وإرباكه، وتضليل الرأي العام، وتهيئـته لانقلابهم على النظام المنتخب، ثم انقضوا على ذلك النظام وأقاموا سلطتهم في يونيو 1989، ثم أخذوا يصبون الزيت على النار ويضعون حولها الحطب (زيت الهوس الديني ونار الحرب الأهلية وحطب النسيج الاجتماعي) فأشعلوا وصعدوا الحروب والصراعات والضغائن والفتن، في الجنوب والغرب والشرق، وهددوا بذلك وحدة البلاد وأمنها، وأفقدوها ما أفقدوها من الأرواح والأموال والمكتسبات.. كما شرعوا من ناحية أخرى في تسييس أجهزة الدولة ومؤسساتها، والخدمة العامة، وتسخيرها جميعـًا لخدمة المشروع (الحضاري) للحزب الحاكم، ومضوا في ذلك حتى فقدت تلك الأجهزة والمؤسسات قوميتها وحيدتها ومهنيتها.. ولما كان المشروع (الحضاري) في حقيقـته مشروعـًا رجعيـًا متطرفـًا، ذا ثـقـافة سلفية متخلفة عن روح العصر، وعن ثـقافة العصر، فقد أدى أيضـًا إلى إفراغ تلك الأجهزة والمؤسسات من مضامينها الحضارية العصرية، وجعلها هياكل بلا محتوى، وبذلك كـبـُر حجم التدمير والتخريب على مستوى الدولة والمجتمع معـًا، وذلك هو الطوفان.
بدء انحسار الطوفان ورياح أكتوبر:
وبعد مرور ستة عشر عامـًًا، ذاقت فيها البلاد ما ذاقت من أهوال الطوفان، بدأت أمواج الطوفان في الانحسار، وذلك بفضل الله تعالى، ثم بفضل نضال الحركة الشعبية، مدعومـًا بنضال قوى التجمع الديمقراطي، وتزايـد الاهتمام بحقوق الانسان في العالم، والضغوط الناتجة عن كل ذلك على نظام (الإنقاذ).. ولقد تمثـل بدء انحسار الطوفان في توقيع اتفاقية نيفاشا التي لم تتضمن السلام فحسب، وإنما تضمنت أيضـًا كافة المكاسب الأخرى، المنصوص عليها فيها، من إصلاحات دستورية وقانونية وهيكلية، وتأسيس للتحول الديمقراطي، وتوسيع لدائرة السلطة والثروة، إلى آخر ما يساهم في رسم خارطة الطريق نحو بناء السودان الجديد، وهو السودان الذي يقوم على التعايش السلمي، واستيعاب التعدديات الدينية والإثـنية والثقافية والسياسية، واحترامها، والنظر إليها كعوامل إثـراء وإخصاب لحياة الفكر وحياة الشعور، واتخاذ المواطنة كأساس وحيد لاكتساب الحقوق وتحمل الواجبات، دونما تمييز بين المواطنين على أساس الدين أو العرق أو الثقافة أو الجنس، وتقـنين وتنظيم الحوار والمنابر الحرة، في أجهزة الإعلام المختلفة، كوسيلة لنشر ثـقافة السلام وثـقافة الديمقراطية، وللتلاقح الفكري، وللتواصل الوجداني، ولتوسيع مساحة التوحد الفكري، وتقـليل مساحة الخلاف، ما أمكن، كما يقوم على الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة والتـنمية المتوازنة والعدالة الاجتماعية والوحدة الطوعية، الخ.
وفي تقديري أن فكرة السودان الجديد قد أضحت تحظى بتأييد غالبية الشعب السوداني، ليس في الجنوب فقط، وإنما في الشرق والغرب والشمال أيضـًا، وذلك بفضل الله تعالى، ثم بفضل تجربة حكم (الإنقاذ) المريرة ـ تجربة الطوفان ـ ومعلوم أن التجارب المريرة إنما تساهم في خلق الوعي.. وإذا كانت هناك أقليات لا تزال تعارض فكرة السودان الجديد، التي بات واضحـًا أن السودان لن يظل موحدًا إلا بها، وتفضل انفصال الجنوب والغرب والشرق، فهي أقليات مستأثـرة بالسلطة وبالثروة أو مستفيدة، بشكلٍ أو بآخر، من نظام الاستئـثار بهما، أو مضللة دينيـًا، أو خاضعة لنوازع عنصرية.
وهذا الوعي الذي ساهمت تجربة الطوفان في نشره وفي تعميقه لدى الشعب السوداني إنما يعني في تقديري أن رياح أكـتوبر الثانية قد بدأت تهب.. وأكتوبر الثانية ليست كالثورات السابقات، وإنما هي ثورة فكرية، لا تستخدم الأساليب العاطفية الفجة، كالعنف والهتاف والإنفعال والصخب والتهريج، الخ، وإنما تستخدم الخطاب الفكري الموضوعي، والعصيان المدني، ولا ينتهي دورها عند إزالة الفساد، وإنما يمتد إلى بناء الصلاح بعد إزالة الفساد، أو قـل هي ثورة لا تـقـتصر على الرغبة في التغيير فحسب، وإنما تملك أيضًا المعرفة بطريقة التغيير، أو قـل تملك خارطة طريق التغيير.
جبهة وطنية عريضة:
غير أن بدء تحرك رياح أكـتوبر، وبدء انحسار الطوفان، بتوقيع اتفاقية نيفاشا، بكل مكتسباتها الحضارية، وزيادة حجم الوعي بفكرة السودان الجديد، وتأييدها، لا يعني أن انحسار الطوفان واندلاع الثورة الفكرية، سوف يتمان تلقائيـًا، وبصورة انسيابية، ودونما نضال سلمي فعال من جانب القوى الواعية بمصلحة البلاد والعباد، والحادبة عليها، وذلك لأن الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني) غير مخلص للاتفاقية، ولا يريد إنزالها إلى أرض التنفـيـذ، وقد لاحظت ذلك (مجموعة الأزمات الدولية) في تقـريرها الأخير، الصادر بتاريخ 31/3/2006، فالمؤتمر الوطني يعلن أنه مع الاتفاقية ولكنه من الناحية العملية يعمل ضدها، ويسعى لافشالها، حتى يختار الجنوبيون الانفصال، عند الاستفتاء، ثم ينفـرد هو بحكم الشمال، أو ينفرد بحكم الوسط فقط، إذا انفصل الغرب والشرق أيضـًا، وبذلك يتجنب التطبيق الحقيقي للديمقراطية التي لو طبقت حقــًا فإنها سوف تجعله عرضة للمراقبة والمحاسبة من قبل الشعب، ثم تزيحه عن السلطة لا محالة، عاجلا أو آجلا.. ونتيجة لتسويفه في تطبيق الاتفاقية، ومقاومته لهذا التطبيق في الواقع العملي، ظلت هذه الاتفاقية، في جملة محتواها، حبرًا على ورق، لم توضع موضع التنفيذ الجاد، حتى الآن، إلا في بعض تفاصيلها.. وهذا يعني أن عملية انحسار الطوفان، وبناء السودان الجديد، لا تزال تحتاج إلى جهود وطنية جادة ومخلصة، ونضال سلمي قوي وفعال، من كافة الأفراد المهتمين والقوى المستنيرة.
إنني أقـترح أن يعمل الحادبون على مصلحة هذا الوطن، من الأفراد، ومن القـوى السياسية، والاجتماعية، ومنظمات المجتمع المدني، على تكوين جبهة وطنية عريضة لدعم مشروع السودان الجديد.. وأرى أن نشوء هذه الجبهة، وقيامها بدورها المأمول كما يجب، أمر ضروري من أجل المساهمة الفاعلة في إنقـاذ السودان من الإنقسام والتمزق والتحول إلى دويلات صغيرة فقيرة متناحرة ومتخلفة، وفي إنقـاذ الشعب السوداني من التشرذم والتنافر والتناحر، والتفلت الأمني، والتعصب العقيدي والعنصري، والتضليل الديني، والظلم السياسي والاجتماعي، وكافة المهددات الأخرى، وفي دفع السودان نحو السلام السياسي والاجتماعي، والديمقراطية، والعدالة الاقتصادية، واتخاذ المواطنة كأساس وحيد للحقـوق وللواجبات، وحماية حقوق الانسان على كافة المستويات والأصعدة، وتهيئة المناخ لتحقيق الوحدة الوطنية الطوعية، وكافة المكاسب الممكنة.. وذلك هو مشروع السودان الجديد كما سلف الذكر.
وسيكون على الجبهة الوطنية المقترحة أن تتعاون وأن تنسق جهودها مع الحركة الشعبية ومع كافة الأحزاب والفعاليات السياسية المؤيدة لاتفاقية نيفاشا، وذلك في العمل، من ناحية، على توعية الشعب بالاتفاقية، وبقيمتها الحضارية والانسانية، وبأهميتها في تحقيق السلام والوحدة الطوعية، وبفاعليتها في دحـر الطوفان وفي بناء السودان الجديد، وفي العمل، من ناحية أخرى، على مطالبة (المؤتمر الوطني) بالجدية في تطبيق الاتفاقية، وممارسة كافة الوسائل السلمية المشروعة التي من شأنها أن تعين على دفعه نحو التنفيذ الجاد، إلى أن يتم إنزال كافة بنود الاتفاقية إلى أرض التنفيذ، ويصير خيار الوحدة الوطنية جاذبـًا لأبناء الجنوب، والغرب، والشرق، والشمال، وكل أقاليم السودان، وبذلك ينحسر الطوفان، وتشتعل الثورة الفكرية، وينفتح الطريق نحو السودان الجديد.

http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147502935&bk=1

Post: #403
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 07:14 PM
Parent: #1


نواقيس
حكاية وطن

عماد عبد الهادي
كُتب في: 2007-05-21 بريد إلكتروني: [email protected]



وانا منصت : قال محدثى اذا اراد قوم لك الموت فحاول التمسك بالعقل واليقين فستغلبهم حتى وان اخذو جثتك الى مجهول كما فعل رفاق نميرى مع الاستاذ محمود محمد طه ، واردف بالقول : واذا طغا الظلم على قوم فاعمد الى العقل والبحث عن الحقيقة فستكون الفائز وان طال الزمن ، واضاف : واذا اراد قوم مجرمون لك الجلوس فحاول النهوض وان كانت السلاسل على كتفيك فانك سوف تفتح كوة كبيرة فى جدار الحقيقة الذى يحاولون اغلاقه ، وستأت الايام وانت الحر بما لا يقدرون او يشائون .
وحينما صمت الرجل تذكرت مقترحا من بعض الزملاء بالتوقف عن الكتابة الراتبة الى حين العود والعود قادم لا محالة .
لكن فى نفس اللحظة تذكرت ما قاله الرجل وتساءلت هل نمنحهم فرصة حرمان المواطن من هذه الكتابات ؟ ومن نعاقب بالتوقف ؟ ولماذا نعطى هؤلاء ما يطلبون ونحقق مافشلوا فيه عبر ادوات ليس من بينها المنطق والعقل والفكر الحر ؟
كلها اسئلة جالت بخاطرى وانا ممسك بالقلم لاكتب خاطرة اليوم من حكايات وطن يعملون على تحويله الى كهف للخوف او جزيرة للطحالب المميتة . ولهذا كله لم اشأ ان اتوقف عن الماء ولا عن الهواء زادى فى ذلك ان سياط الظلم وان كانت من لهب فان مصيرها ان تمحى من ظهور رالاحرار وان طال الزمن .


http://www.alayaam.info/index.php?type=6&col_id=76&issue_id=1177&bk=1
____

Post: #404
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 07:16 PM
Parent: #403


لإذابة النظم السياسية العنيدة
التشبيك الفئوي
بقلم : عادل إسماعيل
يعتبر هذا المقال توسعة إطارية لمقالنا الأسبق الذي عقبنا فيه على مقالات الدكتور منصور خالد الخمس والعشرين التي نشرتها الرأي العام السودانية. وكان الدكتور العلم قد خلص في ختام مقالاته الى أن السبيل الوحيد لتجاوز مرحلة المخاض التي يشهدها السودان، إنما يكون في لجم المترخصين، وهم المستهينون باتفاقية نيفاشا، ثم القبول بحزب المؤتمر الوطني كما هو، ثم الحوار بين الطرفين اللذين وقعا على الاتفاقية فيما عسر عليهما..
ولقد أبنا في تعقينا، واشرنا كذلك، الى ان قبول المؤتمر الوطني كما هو انما هو استبقاء للامور على حالها. وذلك لأن المترخصين الذين يتحرشون بالاتفاقية المذكورة، ليسوا سوى نسخ استنسخها حزب المؤتمر الوطني من ذاته من أجل ان تجهر بما عجز عن اعلانه هو نفسه إذ منعه التظاهر بالحداثة والسماحة من جعلها خطاباً رسمياً... ومهما يكن من أمر، فان لنا خشية مشروعة أن يؤدي قبولنا له (كما هو) الى تشجيع مترخصية ليسدروا في غيهم بلا خوف ولا وجل، يختطفون أجندة المشروع الوطني ويلقون بها عند نقطة التقاطع الحضاري المتلبس عليه، متوهمين فيها صراعاً إفنائياً يمهدون به الطريق النظري لدفن مستقبل البلاد والعباد في احواض اسمنتية على امتداد سوبا جنوباً حتى الحتانة شمالاً.. وليست للخرطوم اهمية تذكر في هذا المقام الا كونها قلباً للمشروع الوطني يعمل كقلب الانسان لا يهمه لون حامله، او دينه، او جنسه..وأما الحوار لعسير القضايا، فيستحيل تفاوضاً جديدا مع استبقاء حزب المؤتمر الوطني (كما هو)، حول ما تم حسمه من قضايا في اتفاقية نيفاشا والذي من المفترض ان تجري ترجمته المتمثلة في معانيه التي تحتل متن الدستور الانتقالي، فعلى سبيل المثال، يشجع حزب المؤتمر الوطني عقوق القوانين التي رسمها شيخهم السابق الدكتور الترابي، على أبيها الدستور الانتقالي بحجة عدم احلالها باخريات ملائمات! مع ان الأصل سيادة الدستور الانتقالي حتى تتبلور القوانين المستلة منه اجمعين. والشاهد على ذلك وآيته، مرواغة السيد وزير العدل بهذا الخصوص وتسفيهه لتوصيات لجنة القوانين بالبرلمان الانتقالي حيث لم يمنعه الحياء عن اعلان ان هذه التوصيات لا يعتد بها!!
وفي حقيقة الأمر، لم تندلع الحروب منذ مطلع البشرية الا احتجاجاً على الظلم ملموساً أكان أم محسوساً.. وما تلك القوانين العاقة لأبيها الدستور الا الطرف اللطيف للظلم.. (لمرارة هذه المفردة وما تحتويه من آلام، وما تستثيره من وجع، لم يجد الراحل العظيم قرنق ترجمة تكافؤها في كل اللغات، فلاذ بالترجمة الصوتية Zulum).. ومهما كان من أمر، لا معنى للسلام في نفاذ هذه القوانين العقوق.
اما الجانب الذي يخص مكتسبات الاقليم الجنوبي من الدستور، فلا يعد مصدر قلق لحزب المؤتمر الوطني، وان تظاهر بغير ذلك، لأنه ببساطة يعتقد انها تصب في مشروع مثلثهم العنصري البغيض الذي يحلمون بتحقيقه بين طرفة عين و(انتباهتها)..
ومثلما تأتي اهمية الإناء بما ينضح فيه، كذلك تأتي اهمية الدستور بما ينضح فيه أيضا.. ومن هنا يجيئ تعلقنا بهذا الدستور، لا لشيء الا لأنه وضع حداً لأجيال من الامتناع عن قيام دولة تقوم على المساواة بين الناس لا يتفاضلون فيها الا بكفاءة او موهبة. وبعبارة اخرى، لا يتفاضلون فيها بما ليس للناس خيار فيه. وهو الأمر الذي يضع السودان في نقطة انطلاق جديدة ضل اليها السبيل منذ ميلاده، وينشأة نشأ جديداً عبّرت عنه إحدى شهيدات التوقيع على نيفاشا بقولها (هستوري ان ميكينج).
ولكن كيف نحمي هذا الدستور الذي يجعلنا نمشي مديدي القامة؟؟
والاجابة على هذا السؤال سهلة كالماء، ولن نزايل مقالنا هذا قبل نطرحها..
فلما تمخض الصراع مع المؤتمر الوطني عن احتشاد للقبر وامتداد للموت.. ولما سيتمخض قبول حزب المؤتمر الوطني (كما هو) عن بيات شتوي للحياة في السودان، ونوم لخلايا العنف فيه، في عصر أتسم بالتدفق والانسكاب بقياس وبغير قياس، لم يبق سوى ابتداع وسيلة جديدة للتعايش مع المؤتمر الوطني وذلك برفض سياساته!! ومن خلفها مفاهيمه التي سرق بها ماضي وحاضر الشعب السوداني الكريم.. وهذه الوسيلة التي نروج لها انما هي التشبيك الفئوي.. واما المنهج انما هو (إذابة المؤتمر الوطني)..
التشبيك يعني التداخل البيني والربط عند الاطراف كأن تشبك قبضتيك تعبيراً عن وحدة الهدف.. والفئوي تعني المنسوب الى فئة التي تعني بدورها مجموعة يجمعها النوع كالمرأة او العمر كالأطفال، أو المهنة كالعمال، أو الأكاديميا كالطلاب والباحثين.. إذن، ما التشبيك الفئوي في حقيقته الا جمع لهذه الفئات المتماثلة للانخراط في العمل لما يليها من هم واهتمام بالاسترشاد بما هو مطروح من مفاهيم يتيح لها هذا الفعل باعتباره مبرر وجود لا يبغون من ورائه التحاما بأكلشيهات تخاطب وتكتب وتقال بقدر ما هم يبغون من حق لفئاتهم بتحقيق الذات والمشي بهامة مرفوعة لا مقطوعة ولا ممنوعة.. وكنا قد أقترحنا الحركة الشعبية لريادة برنامج (التشبيك الفئوي) لا لشيء إلاّ لامتلاكها الرؤية والرؤيا التي وضعت أسساً للتغيير يقوم على التجريب والتكيف مع تضاريس الجنين السوداني وهو يتشكل في رحم الواقع، ورحم الأيام وذلك لخلوها من المحمول الايدولوجي الذي يبتلع هذه التضاريس عنوة.
لم يكن جيل الاستقلال الجميل، الذي ناضل باخلاص، يملك رؤية تضع تصوراً لكيفية معالجة امر تنغيم هذه التضاريس في الذات السودانية التي انتجها الاختلال في التنمية المتوازنة وحماية الفرص المتكافئة، ربما باستثناء مؤلف الاستاذ محمود محمد طه تحت عنوان (أسس دستور السودان) الذي رفضه رعاة احزاب الاستقلال لأنه ببساطة يجردهم من تمييز موروث. ولذلك لم يكن الحراك الجماهيري، وان شئت هنا قل التشبيك الفئوي، إلاّ مثاقبة ومحاكاة لهذا التمييز حتى أصبح ثابتاً وطنياً، وأصبح الخروج عليه بالتالي انشقاقاً عن الوطن بأسره. ولعله السر في دمغ الحركات الاحتجاجية التي تولد خارج هذا التمييز بالخيانة والعنصرية والعمالة.. وهو ذات السر في غربة فكرة السودان الجديد التي طرحتها الحركة الشعبية والغت بموجبها أصالة التمييز الى الأبد إلاّ لكفاءة او موهبة.
ولذلك كان الحراك الجماهيري الفئوي منذ الاستقلال، سواء تم التعبير عنه حزبياً او طائفياً أو عسكرياً مجرد منحنيات من المتصل السياسي شكلت – في مجملها – ازدراداً لتضاريس الذات السودانية بالشكل الذي أدى لانتهاك حقوق هذه الفئات، الأمر الذي نتج عنه تغييب المشروع الوطني. ولا سبيل الى العثور على المشروع الوطني إلاّ بازالة هذه المنحنيات التي تمظهرت في سوء توزيع الثروة والسلطة اللذين ما هما إلاّ الطرف الغليظ من العقل المعقول – المربوط- منذ الاستقلال.. إذن، التشبيك الفئوي هو عملية عكسية لفرد هذا العقل الذي انطوى نصف قرن من الزمان بالعاً في جوفه السخائم والبداوة. وبطبيعة الحال ليس في عملية الفرد هذه تمهيد لافناء أي من مكوناتنا. فالأمر، ببساطة، لا يتعدى تفتيت هذا العقل المعقول حتى سفوحه ليترعرع وعي جديد يحمل كل مكوناتنا المنسية التي اهملناها سنين عدداً..
إذن ما التشبيك الفئوي الا اذابة الى السفح وانطلاق جديد نحو وطن جديد.. فعلى سبيل المثال، فلتدفع الحركة الشعبية ومعها الاحزاب التي تؤمن بقضايا التغيير بفئاتها – المرأة مثلا- مع مثيلاتها من ذات الفئة من حزب المؤتمر الوطني المراد اذابته، ليمارسن ما يليهن من الدستور والاتفاقية براً من نساء حزب المؤتمر الوطني لقسم البشير بتنفيذ الاتفاقية حرفاً حرفاً.. وذلك في ما يخص همهن واهتمامهن المباشرين الحياتيين دون تبني او رفض اتفاقية سيداو او ما شابهها.. بمعنى تعبئة اخواتهن لينتزعن حقوقهن في تمكينهن بمقتضى الدستور وبذلك تتفتفت دونيتهن ومن خلفها المفاهيم التي تمثل الطرف اللطيف لقمعهن الى سفوح ذواتهن لتنهض انسانيتهن وكرامتهن نشأ جديداً في وطن جديد يشكلنه بأيد ثابتات منحها التجريب وعياً.. وحفظها الله..
وتنحو وننحو هذا النحو على كل الفئات التي تشكل في مجموعها الشعب السوداني الكريم.
وفي حقيقة الامر، لم تكن فكرة التشبيك الفئوي فكرة جديدة تماماً، ربما الا في مسماهما فقد تمت ملامستها محلياً ودولياً في اكثر من مقام. فقد لاحظ الاستاذ تاج السر مكي، على سبيل المثال، ان عدم انخراط الاحزاب (عدم التشبيك الفئوي) في اللجان الشعبية بالاحياء قد اخلى الساحة لحزب المؤتمر الوطني الامر الذي مكن المؤتمر الوطني من تشكيل عجينة المجتمع السوداني كما اراد ترهيبا وترغيباً. وحتى على المستوى الدولي، عندي، ان الفكر السياسي للقرن الواحد والعشرين لن يجد مفراً من ابتداع وسيلة شبيهة بالتشكيل الفئوي لاذابة النظم السياسية العنيدة، وقد بدأت طلائعها في التبلور شيئاً فشيئاً.
فعلى سبيل المثال يكتب اندرية لانكوف استاذ التاريخ في جامعة كوكمين في سيئول خطاباً مفتوحاً لوزيرة الخارجية الامريكية يحثها باستحداث مقاربة جديدة مع كوريا الشمالية تقوم على تمويل وتخطيط وتنفيذ برامج تبادل ثقافي وايصال المعلومات الى الداخل كدعم ناعم في ما يبدو للثورة الهادئة التي تجري في الداخل (الخطاب موضوع الاقتباس نشرته مجلة فورن بوليسي في عدد ابريل من هذه السنة 2007م).
وعند اقتراح التشبيك الفئوي لن تجد الاحزاب الا اتباع خطي فئوييها وبذلك تجر جراً لممارسة حقوقها الدستورية وبالتالي حمايتها.. وبهذا نكون قد اجبنا على سؤال كيف نحمي الدستور، وذلك بأن نمارسه.. تماماً كما نشرب الماء..
ولكن هل يمكن فعل التغيير ان لم تتحرك الحركة الشعبية والاحزاب التي تريد التحول الديمقراطي ان يهبط على اكفهم من السماء؟؟ وهذا موضوع المقال القادم..

http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147508523&bk=1

Post: #405
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 07:45 PM
Parent: #404


رؤية نقدية للساحة السياسية السودانية ورهان ودعوة لمشروع التغيير(12)..
تاج السر مكى

انتظمت جبهة الميثاق الإسلامي في محاولة لتجميع الفرق الإسلامية من جماعات التصوف ومجموعات الدعاة وخاصة من أولئك الذين أثرت فيهم الدعاوي إلى الخلاص من نفوذ قادم وانتشار للدعوة للاشتراكية والتي صورت لهم باعتبارها دعوة للإلحاد ومحاربة الدين.. تكونت جبهة الميثاق متحالفة مع حزب الأمة فأثارت جدلاً عنيفاً وخلافات داخل الجماعة انتهت بفوز تيار د. حسن الترابي وبداية لتراجع تيار د. جعفر شيخ إدريس، ود. مالك بدري ود. محمد صالح عمر وصمت لازم الأستاذ صادق عبد الله عبد الماجد لفترة طويلة وانتقل الرشيد الطاهر إلى الحزب الوطني الاتحادي ولمع نجم الترابي القادم الجديد من فرنسا وأحكم قبضته على التنظيم بإشرافه المباشر على تدريب الكوادر من الشباب وتأهيلهم لمهام عديدة، بما فيها مهام السلطة والتي كانت تبدو لحلم بعيد في ذلك الوقت.. تراجع دور التربية وإعداد أعضاء الجماعة فقهياً وأصبح قادة الأسر والكتائب هم من يتمتعون بالحس الأمني والبراعة في ألاعيب السياسة، وزاد الاهتمام بالطلاب المتفوقين من كوادرهم ليتمكنوا من التأهيل كأساتذة في الجامعات وفي مراكز الأبحاث والتخصصات المختلفة ونيل الشهادات العليا.
وفرت الجماعة إمكانيات مالية لا تتناسب وحجم تنظيمهم الصغير مستعينين ببعض رجال الأعمال والأمراء في الممالك العربية والإسلامية وجهات أخرى كان يهمها هزيمة التيارات المعادية للاستعمار والتبعية ووظفت تلك الأموال في النشاط الصحفي وتمويل انتخابات الطلاب في الجامعات وتنظيمات (الشباب الوطني)، و(النساء الوطني) وانتشر الخريجون ومن نالوا شهادات عليا في دول الخليج والسعودية وكانوا عوناً في استقطاب المساعدات المالية من كل الذين كانوا يخشون من زحف التيارات القومية (الناصرية والبعثية) والتي أصبح تأثيرها واضحاً على المواطنين من رعاياهم.
كانت الجماعة ترى في الشيوعيين خصماً عنيداً لازمهم منذ نشوؤهم في المدارس والجامعات وتسببوا لهم في هزائم مقدرة ووقفوا أمام انتشارهم واستحواذهم على تلك الساحات التي تناسب في تقديرهم نشاطهم وفرص رواجهم.. لقد انتشرت في ثورة أكتوبر وبعدها شعارات رفعها الشيوعيون عن الإصلاح الزراعي والتنمية والحريات والعمل النقابي كما فاز مرشحوهم لدوائر الخريجين بمعظم دوائرها وبرزوا في البرلمان كقيادات نافذة ومؤثرة وعقدوا ندوات راتبة من نوع جديد استحوذت على اهتمام الشباب والمستنيرين ونشطوا في مجال الأدب والمسرح والموسيقى فحاذوا على إعجاب الأجيال الجديدة.. وتنوعت قراءات المواطنين في الأدب والفكر الإنساني بفضل ذلك الانفتاح.
خشيت بعض قيادات القوى التقليدية من سيادة وانتشار شعارات الشيوعيين في الساحة السياسية فظهرت أحاديث عديدة عن اشتراكية إسلامية وأخرى عربية وعن دعاوي للعدالة الاجتماعية والاهتمام بالبسطاء وفقراء الريف والمدن، بل وكتبت في كثير من البرامج لأول مرة وأصبح البعض يعتقدون بخطورة دعاوي الشيوعيين التقدمية وتربص الإسلاميون لذلك ليزيحوا عدوهم الأول ما أمكن ذلك.. وجاءت ندوة معهد المعلمين وهي ندوة عادية كعشرات الندوات التي تعقد في الجامعات ولاحت الفرصة لهم عندما تحدث الطالب شوقي محمد علي، ولم يكن عضواً بالحزب الشيوعي بل كان على خلاف معهم ولكنه لم يقل ما يثير كل تلك الانفعالات التي حدثت في مشهد درامي مفتعل تواصل بعد صلاة الجمعة في نهاية الأسبوع.
لقد ذكر عبد الرحيم حمدي رئيس تحرير جريدة الميثاق في لقاء تلفزيوني شهير بعد انقلاب الإنقاذ وهو يستعرض ذكريات تلك الأيام بأنه عندما اتصلوا به وأخطروه بما دار في الندوة تعامل معها كأمر عادي يحدث في محيط الجامعة كما ذكر ولم ينشر عنها حتى ما نشرته صحف أخرى بعناوين بارزة. لكن بعد تظاهرة الأخوان يوم الجمعة بعد الصلاة والتي ساروا بها إلى منزل زعيم الحزب الاتحادي إسماعيل الأزهري وخطب فيهم بحماس وقال قولته الشهيرة عن حل الحزب الشيوعي قال حمدي : وقتها شعرت بأهمية الحدث فللزعيم الأزهري وزن شعبي وعدد من النواب يمكنهم فعل الكثير، فكان عنوان جريدة الميثاق صباح السبت : أحد الشيوعيين يسب آل الرسول. واستكملت باقي المسرحية بتعديل الدستور بطريقة غير دستورية حل بها الحزب الشيوعي ثم عدل الدستور مرة أخرى وتم طرد النواب الذين فازوا باسمه.
حقق الإسلاميون أول انتصار لهم من وجهة نظرهم بإزاحة عدوهم الرئيسي على الأقل من المنابر العلنية، لكن الشيوعيون أعادوا ترتيب صفوفهم وعملوا من تحت الأرض ليفوز سكرتيرهم في الدائرة (الجنوبية) في أم درمان (دائرة الرئيس إسماعيل الأزهري) ويقول بعض المحللين أن إصرار الشيوعيين على منافسة قادة الاتحاديين في مراكز نفوذهم الرئيسية اسماعيل الازهري، ابراهيم المفتي، حسن عضو الله، زين العابدين الهندي، دائرة الاعادة بعد وفاة شيخ المرضي والتي فاز بها احمد سليمان المحامي) هي التي أشعلت الخصومة بين الاتحاديين والشيوعيين وهي السبب المباشر في حماس إسماعيل الأزهري لحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان وكان رئيساً لمجلس السيادة..
خلا الجو للإسلاميين واتفقوا مع القوى التقليدية على تحقيق الجمهورية الرئاسية والتخلي عن نظام مجلس السيادة وتوحد الحزب الوطني الاتحادي مع حزب الشعب الديموقراطي وتكون الحزب الاتحادي الديموقراطي وتوحد جناحا حزب الأمة (الصادق) و(الإمام) وشرعوا في الإعداد لانتخاب رئيس الجمهورية واتفقوا على تطبيق الشريعة الإسلامية. ووقع انقلاب مايو في ظل هذه الأزمة وأيده الشيوعيون والنقابات وعدد مقدر من سكان المدن ونال الإسلاميون نصيباً كبيراً من عدائه واعتقلت كوادرهم الرئيسية وتم فصل بعضهم من الخدمة واتيحت لهم بذلك الفرص في الجامعات ليكونوا في طليعة المقاومين لنظام الانقلاب وذلك في مواجهة تأييد الشيوعيين وعناصر الجبهة الاشتراكية والبعثيين والناصريين وعدد من المستقلين.. استحوذ الإسلاميون على تأييد عدد مقدر من الطلاب دون منافسة تذكر في الفترة الاولى من العهد المايوي. ولما تراجع النظام من مشروعه المطروح وبدأ ظهور عيوب النظام الشمولي وقراراته العشوائية وكبت الحريات ومحاولة تدجين الحركة النقابية وجعلها تابعة للنظام تأتمر بأمره وفي نفس الوقت فقد فرط الشيوعيون في التمثيل النسبي الذي يمثل أحد إنجازاتهم وأمجادهم عندما قرروا مع الباقين تكوين اتحاد الجبهات التقدمية. قاد الإسلاميون الطلاب في ظل غياب تام للجبهة الديموقراطية.. ولما عادت الجبهة الديموقراطية إلى الساحة معارضة للنظام كانت قد افتقدت التمثيل النسبي وقل نفوذها إلى أدنى درجة ممكنة وظهرت تنظيمات المستقلين والمحايدين لتملأ الفراغ.
اصبح سمة العمل السياسي فقط هو مقاومة النظام وإسقاطه دون تصور لبديل واضح وراجت اتجهات الحياد غير المحدد والاستقلال الرافض للتيارات السياسية الحزبية، والإسلاميون يوالون طرح برنامج (الحكم بكتاب الله) دون تفاصيل تذكر لأحوال المعيشة ونظام الاقتصاد وقضايا الثقافة والتنوع وطرح أزمة الحكم والاجابة على السؤال لماذا تدور تلك الحلقة الشريرة في توال دون انقطاع في التاريخ السياسي الحديث للسودان.
خلال هذه الفترة وقع انقلاب يوليو 71 فازداد الأمر إرباكاً أمام فرق التقدميين وتسارعت الدعوة لتكوين نظام جمهورية يقوم على الشمولية في مواجهة تطرف شعارات يوليو (سايرين سايرين في طريق لينين) و(كل السلطة في يد الجبهة) والتي في مواجهتها ارتفع شعار (عائد عائد يا نميري) وأغرى ذلك النظام للسير في طريق حكم الفرد وأعلنت رئاسة الجمهورية وفاز بها نميري المرشح الوحيد واتسع نفوذ الإسلاميين وسط الطلاب لكنهم عجزوا عن اختراق الحركات النقابية والتي استحوذ النظام على جزء هام منها..
وفي شعبان كان للإسلاميين دور مقدر في قيادتها ثم كانت أحداث يوليو 1976م والتي اشتركت فيها أحزاب الأمة والاتحادي وجبهة الميثاق وانتهت بتلك الصورة المأساوية حيث تعمق الانقسام العرقي وهزئ الإعلام من أبناء الغرب واعتبرهم أجانب ومرتزقة.. وأصاب الساحة الركود ووجوم حتى أعلنت المصالحة الوطنية وكان على رأسها السيد الصادق المهدي واندفع الإسلاميون صوبها وبسبب دقة تنظيمهم وخبرة كوادرهم استطاعوا أن يجعلوا المصالحة وكأنها تمت معهم وتقلد ممثلوهم الوزارات ولعبوا دوراً بارزاً في نشاط (مجلس الشعب) بعد أن فاز بعضهم في دوائر عديدة وبطريقة الانتخاب في النظام المايوي.. وظهرت مقاومة لهم من بعض أعضاء الاتحاد الاشتراكي من غير الإسلاميين ولكنها كانت مقاومة ضعيفة لم يعد لها خصوصهم إعداداً مناسباً ولم يهتم بها الإسلاميون لضعفها ولدقة تنظيم كوادرهم أما خصومهم فقد كانوا أفراداً ينطلقون من مواقع الرفض من دون جماهير تعضدهم وأخيراً حقق الإسلاميون انتصاراً بتطبيق الشريعة عام 1983 والتي سميت بقوانين سبتمبر واستطاعوا حشد الجماهير لمبايعة نميري كرئيس للجمهورية الإسلامية، وقطعت الأيدي والأرجل وحوكم الناس بتهمة الشروع في الزنا ودلقت الخمور وتوهم رئيس النظام أنه أحد أولياء الله وأنه يطير ويلتقي بالأنبياء والملائكة واجتاحت البلاد حالة من العتة وغياب العقل وأعدم المفكر الإسلامي محمود محمد طه وسنه فوق السبعين واشتعلت الحرب مجدداً في الجنوب.
ظل الإسلاميون لصيقين بنظام مايو وسيطروا على القبول وفي الكلية الحربية وكلية البوليس بل وأصبحت الترقية لرتبة العميد واللواء رهينة بنجاح أولئك الجنرالات في كورس إسلامي يدرس في جامعة إفريقيا، وأنقذ النظام الإسلاميين باعتقالهم ومايو تبدأ في انهيارها النهائي واستطاعوا أن يتسللوا بذكاء من خلال تظاهرات الانتفاضة في أيامها الأخيرة.. كانوا أكثر الأحزاب تنظيماً وتمويلاً بعد امتداد نفوذهم داخل البنوك الإسلامية وتغلغلهم في السلطة وامتلاكهم للثروات وبعض الصحف ودور النشر فقد أفادوا تماماً من تحالفهم مع النظام المايوي.
وبعد الانتفاضة كانوا أول المبادرين بإصدار صحيفة سياسية ناطقة باسمهم الجديد (الجبهة الإسلامية القومية) والتي حشدوا لها وهم بذلك الحضور والاستعداد بعض من تبقى من أعضاء الاتحاد الاشتراكي الذين خافوا المساءلة والمحاكمات الشعبية والتي كانوا يرونها تتسق مع كل ما كان يدور في أروقة السلطة التي انحدرت إلى درجة سحيقة من الفساد وكانت محاكم العدالة الناجزة قد استكملت تشويه النظام المايوي الذي أصاب حكامه ما يشبه الجنون والاختلال فقد امتلأت دور الدولة ومكاتبها بالمجذوبين والدراويش والذين مارسوا كل أنواع الخداع داخل السوق الأسود الذي اتسعت ساحاته والفساد الذي استشرى في كل المواقع وأضيفت إليه حالة الفقر والفاقة بسبب المجاعات التي اجتاحت الريف السوداني.
في جو التعتيم التي اختارته كافة أطراف القوى السياسية على علاقتها بمايو ولكل نصيب في ذلك فقد تلاعبت مايو بتحالفاتها مع كافة القوى السياسية وأقسم عديدون من قياداتها القسم (لثورة مايو) كأعضاء في المكتب السياسي وبعضهم استوزروا وأصبح آخرون حكاماً للأقاليم واستثمرت مجموعة أخرى في ظل تلك الظروف القاهرة وامتلكوا ثروات ضخمة وهناك كثير من الأحداث الكبيرة أصابها التزوير والتشويه بواسطة أجهزة الإعلام الرسمي وارتفعت أصوات كاذبة لتحكي عن تلك الأحداث كيف شاءت وبطريقة تفسح المجال لإخفاء كثير من الحقائق.. قبلت الحركة السياسية إسدال الستار على أحداث العهد المايوي وأعلنت محاكمة من نفذوا الانقلاب ليلة 24 وصبيحة 25 مايو، وكان نصيب الإسلاميين من ذلك المسكوت عنه الكثير فهم يتحملون كل آثام محاكم العدالة الناجزة وتلك القوانين الشائهة.. مع كل آثام مايو التي ارتكبتها وهي تتهاوى..
حقق الإسلاميون انتصارات في الانتخابات على مستوى دوائر الخريجين وكل الدوائر التي تنازع فيها مرشحون من نفس الحزب.. نال الإسلاميون أكثر من خمسين مقعداً ونال الحزب الشيوعي ثلاثة مقاعد فقط وشكل ذلك مفارقة كبيرة فقد كان الشيوعيون في طلائع من قاموا بهزيمة النظام المايو وكان الإسلاميون آخر من بقى في تحالف مايو.. صدرت صحفهم مدعومة بإمكانيات كبيرة وانتشرت دورهم السياسية وأصبحوا حكاماً مؤتلفين ومعارضة تمثل رقماً هاماً، لكنهم لم يتحملوا الديموقراطية بالرغم من تلك الانتصارات والانتشار والإمكانيات التي توفرت لهم.
ولا يبرر تدبيرهم لانقلاب على نظام ديموقراطي انتصروا فيه انتصاراً غير متوقع سوى أن الديموقراطية لم تكن في يوم ما تشكل هدفاً لهم ويكونوا بذلك قد عادوا إلى مقولة مرشد الجماعة المصري والذي رأى أن لا ضرورة لوجود أحزاب وتحزب في دولة الإسلام.. لقد كان آخر أيام الديموقراطية وممارستها هو ذلك اليوم الخميس 29 من يونيو وكانوا يناقشون الميزانية واستأسد ممثلوهم في هجومهم عليها بل واستخفافهم بها وهم يضمرون شراً لتلك المؤسسة التي جمعتهم وآخرين بها لوائح تنظم تلك الاختلافات وتديرها ومن خلال ذلك يتم الاستقطاب الحضاري للمشاريع السياسية المختلفة في وضح النهار.. لم يحتمل الإسلاميون ذلك وأعدوا لانقلابهم الإنقاذي وفاجأوا القوى السياسية بحدث عسكري لا مبرر له سياسياً ولا أخلاقياً.
درجت الانقلابات العسكرية على تقديم وعود بالعودة للديموقراطية وتحديد فترة لاستمرار الانقلاب والقوانين الاستثنائية المؤقتة لكن انقلاب الإنقاذ لم يفعل ذلك ولم يعد بأي شيء وكان خطابه خطاب من استولى على سلطة لن يتخلى عنها.. تحدث الخطاب عن دعوة للإنقاذ، والمفترض أن يكون إنقاذ البلاد من خطر يهددها، لكن كل أحاديثهم من بعد ذلك كانت عن مخاطر تهدد الجبهة الإسلامية وكأنما وجودها يعني وجود السودان.. أما الحديث عن مهددات العقيدة والإسلام فهم يعتقدون أن حزبهم هو الإسلام وتهديده يعني تهديد الإسلام وسقوط العقيدة.. صادر الانقلاب التعددية السياسية والحزبية ولم يتوقف عند ذلك بل هدد تعددية الآراء داخل نظامه واتهمت أطراف منه بالعمالة للصهيونية ودول الاستكبار..
إن سلطة غير مقيدة تقود بالضرورة إلى الفساد ليس فساد جماهير السلطة التي تتربص دائماً لتقفز وتتمسح بالسلطة وتداهن لتكسب ولكن فساد من ارتفعت أصواتهم من قبل مستنكرة الفساد وباكية على قيم الطهارة والأمانة، عندما تتدهور مواصفاتهم الأخلاقية مع تدهور أو غياب شروط الشفافية والمساءلة والمحاسبة. ما يميز تجربة الإسلام السياسي السوداني أنه أضاف إلى إخفاقات الإسلام السياسي كفكر مطروح في عصر حقوق الإنسان مقارن بأفكار جوهرها التجديد، أضاف إليه الإخفاق في إدارة السلطة والمجتمع وعجزه في أن يقدم حلولاً لإشكالاته حتى البسيطة..

تاج السر مكى

http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147506759&bk=1

Post: #406
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 11:17 PM
Parent: #1


ردوا لهذه المدينة اياديها.

لرفاعة على المجتمع والدولة أياد سلفت ودين مستحق.

بقلم: محمد خير حسن سيدأحمد (رفاعة)

لقد حان الوقت ان يرد المجتمع ذلك الدين.. اما الدولة فقد شرعت في رد الاعتبار وسداد الدين.. فهذا السيد المشير الفريق عمر حسن أحمد البشير مفجر ثورة الانقاذ، يرد لرفاعة حقوقها.. فأمر ان يمر شارع الشرق حتى حنتوب ماراً بمدينة رفاعة . واليوم يبر السيد رئيس الجمهورية بوعده ..فيأمر شركة صينية ان تبني كبرى رفاعة – الحصاحيصا..واليوم شارف الكبري على الانتهاء من البناء وحانت ساعة الافتتاح...لكن.
سيقدم في اليومين القادمين قرار التصديق بجامعة البطانة لمجلس الوزراء لاجازته..هل يمكننا أن نسأل السيد رئيس الجمهورية ..لماذا سميت هذه الجامعة بجامعة (البطانة)؟! ولماذا لا تسمى جامعة (رفاعة)؟.
اقليم البطانة معروف ومعلوم.. ولا تعتقد ان مدينة رفاعة هي عاصمة هذا الاقليم..فأقليم البطانة – يمتد شرقاً عندما يرمي جبل (الابايتور) ظله شرقاً حتى الاتبراوي..هذا هو اقليم البطانة ..وعندما يرمي جبل الابايتور ظله خلفه يمتد أقليم( العاديك) حتى النيل الازرق..أو الرفاعي كما كان يسمى) سابقاًً...
تاريخ هذه المدينة معروف.. انها مدينة مسالمة.. اختطها (الرفاعيون) تمتهن الزراعة النيلية والمطرية.. ورعي البهائم الدقيقة..ثم اشتهرت بالعلم وتدريسو ..ماعرفت بيوت الحتا والرزيلة..ما فتحت في سوقها البارات.. وفي تاريخها السالف، كانت تنادي بتحكيم شرع الله.. ولما نال السودان استقلاله وجاءت الحياة الديمقراطية..ارسلت نائبين برلمانيين إلى اروقة البرلمان..كانا يمثلان التيار الإسلامي الذي نذر نفسه لتحكيم شرع الله ..كانت رفاعة أول مدينة تفوز نائباً إسلامياً ينادي بتحكيم شرع الله من داخل البرلمان.
جاءت الانقاذ وقسمت السودان إلى ولايات ومحافظات..اسمت الولايات باسماء بعض المدن واسمت معظم المحافظات باسم بعض المدن.. مثال:ـ محافظة الكاملين، محافظة الحصاحيصا، محافظة المناقل، وهلمجرا..وعندما جاءت إلى محافظة رفاعة، اسمتها محافظة البطانة ..ثم غيرتها اخيراً إلى محلية (شرق الجزيرة)لماذا؟؟؟؟
هل توجد عقدة بين ثورة الانقاذ ومدينة رفاعة؟؟؟
تاريخ هذه المدينة معلوم. اشاده رجال.. صنعوا تاريخ السودان.. منهم على سبيل المثال.. الشيخ الصديق الازهري، الشيخ النور التنقاري الذي كان يشغل قاضي قضاة نيجيريا ..وخلفه الشيخ عوض محمد أحمد...ومنهم شيخ عبدالاله ابوسن وقاسم محمد حسان- ومنهم الدكتور إدريس البنا والسيد ميرغني النصري اللذان كانا رئيسا مجلس سيادة في حكومة سوار الدهب..ومنهم الاستاذ محمود محمد طه شهيد الفكر والوطنية..ومنهم د.انور الهادي ود.عثمان عبدالوهاب ود.سلمان محمد احمد ود.يوسف عايدابي...وهذا الشاب البطل الزهاوي إبراهيم مالك.. يعارك ويجادل ويحاور داخل وخارج البلاد ليقنع الناس بان الاتحاد ضرورة وان العمل الموحد يقود إلى الحياة الكريمة والوحدة ضرورة حتمية على كل من يدعي انه سوداني ان يعمل لها.
خلدت الانقاذ ذكرى الامام المهدي والزعيم اسماعيل الازهري بتخصيص جامعة باسم كل منهم ..لادوارهم الوطنية.. ولا أقول قد غفلت الانقاذ الادوار التي قام بها ابناء رفاعة في الحركة الوطنية وجلاء المستعمر ..فتشهد لهم ثورة عام 1946م.. ويشهد لهم دورهم في حركة عام 1924م.. سليمان كشة ورفاقه امام شريف والحاج احمد حمد..وعبيد عبدالنور...وعثمان محجوب..ومولانا شيخ لطفي...والمليك جاء سيدأحمد نقد الله لرفاعة ليسهم في عملية التدريس مع اهلها وجاء الاستاذ الطيب صالح كذلك ليدرس في مدينة رفاعة ..كما جاء د.خالد المبارك ليدرس برفاعة ولو لمدة شهرين (فقط) ومنها ذهب إلى شرق اوروبا...
تنتهز جماهير مدينة رفاعة وقبائل (الرفاعيين) في عموم السودان هذه الفرصة وتطلب من السيد المشير رئيس الجمهورية ان يعدل اسم (جامعة البطانة) إلى(جامعة رفاعة) وبذا تكون ياسيادة الرئيس قد رددت لرفاعة حقها ..وليس هذا تراجعاً وانما مراجعة.. وقد قالوا بالأمس الثورة تراجع ولا تتراجع.. ومن يرد للناس حقوقهم إن انت مارددت لهم حقوقهم؟؟؟
انجبت هذه المدينة رجالاً (سودانيون ) افذاذ.. حملوا السودان في حدقات عيونهم وذهبوا به خارجاً أمثال: عثمان وقيع الله، عثمان جعفر النصيري، د.صلاح أحمد محمد أحمد،د.كمال الهادي عبدالرحمن،د.عمر درمة، د.مامون سنادة، الفريق عزالدين علي مالك، د.مالك العاقب حاج الخضر..
واليوم – كأني بجماهير مدينة رفاعة- والقرى المجاورة لها وكأني بقبائل الرفاعيين والقبائل التي تسكن معهم هذه المدينة، تخرج في مظاهرة – سلمية – عارمة يرتدي الرجال والشباب الجلابيب البيض ويتعممون بالشمس.. وترتدي المرأة الثوب الابيض (الحشمة) ..وتغطي رأسها بطرف منه..لأنهم (سودانيون)..قال محمد عثمان عبدالرحمن (انا سوداني) ثم شدى حسن خليفة العطبراوي (رحمه الله) بذلك النشيد ثم رددت تلال ووهاد السودان ذلك النشيد (نحن من نفر، عمروا الارض حيثما قطنوا)...
كأني بتلك الجماهير الهادرة المسالمة، تسلم هذه الكلمة إلى السيد رئيس الجمهورية وإلى السيد رئيس المؤتمر الوطني وإلى امانة مجلس الوزارء ثم إلى البرلمان...
هذه الجماهير – ياسيدي – الرئيس سارت لا تطالب باقتسام السلطة ولا اقتسام الثورة ولا مطالبة بالانفصال.
ولكنها تطالب بالعدل والإنصاف ومعاملتها بمثلها ورصفائها في المدن الأخرى.


http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147507325&bk=1
_________________

Post: #407
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 11:18 PM
Parent: #406


ندوة الأحد الثامن من أبريل الحلقة الأخيرة

بعض ألق الساحة السياسية تمثل في رفع المهدي لشعار أسمر (2)

تاج السر مكى


ظلم الإنقاذيون الإسلام ظلما فادحاً وجنوا عليه دون شك بإدعائهم بأن تجربتهم في الحكم هي حكم بأمر الله وشرعه وأن ذلك هو ما يقدمه الإسلام للإنسانية .. لقد بدأ الإسلام في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم كرسالة لتحرير المستعبد والمستضعف والمستقل والمحروم والمظلوم . أراد الإسلام أن يزول أي شكل من أشكال استغلال الإنسان لأخيه الإنسان وكان المستضعفون أول من لبى نداء الرسول الكريم ، الأرقاء والفقراء هم الذين أيدوه لدى انطلاق دعوته بينما كان أهل الجاه واليسار هم ألد معارضيه وما لبثت الفتوحات من بعد تطاول السنين أن قلبت هذا الوضع وهيأت للمستغلين أن يجعلوا منه أداة لتبرير استغلالهم وتوطيد سلطانهم ، بدل أن يكون ، كما هي حقيقته ، رسالة تحرير المستضعفين فازدهرت في ظل الوضع الجديد الجبرية والاستبدادية والإقطاعية والاستغلالية التي جاء الإسلام لتحرير الإنسان منها . وأصبح في المجتمع الإسلامي نخبة حاكمة مستأثرة تداولها الحكام وقاعدة شعبية مكدة منتجة تستمر معيشتها كما هي . كانت المغانم للقلة والمغارم للكثرة ولم تقم طبقة متوسطة لتصل بين الاثنين .
الشخص السوي هو الذي يكون دائماً خلاصة للتاريخ ووعياً بالحاضر وحركة إلى المستقبل والمجتمع الرشيد هو الذي يتمثل في تراثه كله ويتشرب كل الحضارات ثم ينبض الحاضر في كل علم وكل ثقافة وكل من يسعى إلى تشكيل هذا الحاضر ليرفعه ويعلو به ويسمو عليه ، ويهدف إلى التأثير في المستقبل لما فيه خير الإنسانية وما فيه وجه الله . إن المجتمع الرشيد هو المجتمع الذي يدرك أبعاد الزمن ، ويفهم أعماق التاريخ ، ويرى آفاق الحياة ، ويعي أصول الحضارات ، ويقف على نبض الحاضر ويدرس كل علم ويتذوق كل فن ويعرف كل ثقافة ، ثم يخلط ذلك كله بروحه ويمزجه بطابعه ويحيطه برؤاه ، فيمسك عن وعي بمقود الحضارة وزمام المدنية ويوجه هذه وتلك إلى أغراض إنسانية .
إن جوهر الإسلام وقوف ودفاع عن المستضعفين من الأرقاء والبسطاء في ذاك الزمان وهو يتسق أيضاً مع معاداة للإقطاع والدفاع عن الأقنان في زمان آخر ، وهو دفاع عن الطبقة العاملة في المجتمع الرأسمالي ورفض لاستغلاله وقسوته ، حرب على استعمار الشعوب وعلى مصادرة الحريات وممارسة التعذيب والقتل والاستبداد ، هو ضد تدهور البيئة وكل الذي يصيب الإنسان هو مع حرية الإنسان وخلاصه من الذل والاستعلاء والشعور بالدونية إنه دعوة صريحة لعلمانية الدولة ولا أجد تناقضاً في ذلك ، لقد قدرت جداً جهداً قدمه البروفيسور د. عبد الله احمد النعيم من موقعه www.law.emory.edu/aannaim ودعوته الصريحة وتمسكه بدعوة الإسلام إلى الدولة العلمانية التي توفر شرطاً أساسياً هو (من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وهي دعوة العدل والمساواة .. إنه جوهر الإسلام إنسانية فائضة ورفض لكل شكل من اشكال استغلال الإنسان لأخيه الإنسان .
إن القلة المستأثرة بالثروة والسلطة والكثرة التي تقع عليها المغارم والاستبداد والتهميش في ظل ذلك الإدعاء بالحكم بكتاب الله وباسم الإسلام (نموذج صارخ هو حكم الإنقاذ) جعلت من المجتمع بنية هرمية وصورت حكم الإسلام رعباً وتقتيلاً وظلماً واستبداداً وجعلته يقف الآن منهاراً بعيداً عن جوهر روح الإسلام تحت وطأة الحضارة الحديثة وهذه الحضارة والتي هي خلاصة التجربة الإنسانية وقد شكل الإسلام فيها إضافة بجوهره النقي ، هي بتواصليتها المعجزة وصناعيتها المحتاجة دائماً للسوق الأوسع حضارة القاعدة الشعبية المستهلكة بقدر ما هي حضارة الخاصة الممتلكة معظم الثروة والسلطة وقد فرضت عليها التوسعية الاقتصادية ومتطلبات التعبئة العامة وصراعات قد تستخدم فيها كل أسلحة التهديد أن تسلم بحق الانتخابات أو الاقتراع العام وحق التعليم وحق التنظيم والتمثيل .
هذه التغييرات قوضت البنية الإسلامية التقليدية وأقامت مقامها البنية العصرية وتحرك المهمشون والمستضعفون في الأرض في طلب مكانهم الواجب لهم في حاية المجتمع وأصبح للوسط دور قيادي فهل يمكن لأؤلئك الإسلاميون الجدد إدراك تلك البنية المتهافتة ، هل يمكن لسلسلة المجددين في التاريخ الإسلامي محمد بن عبد الوهاب والأمير عبد القادر الجزائري والأفغاني ومحمد عبده ، والكواكبي ، وعلي عبد الرازق وخالد محمد خالد ومالك بن نبي ، ومحمود محمد طه .. الخ وقد حاول جميع هؤلاء تفسير تعاليم الإسلام وفقاً لأحواله الجديدة واجتهدوا في تكييفها حسب متطلبات الحياة الحديثة أن يكونوا مصدر إلهام لهم .. هل يمكن أن نحس بجوهر الإسلام بعيداً عن غوغائية دعاوى الإسلام السياسي الذي يستغل تلك القدسية وإيمان الجمهور العريض كمسلمين لاستغلال مشاعرهم تلك .
إن مقومات الحضارة الإنسانية المادية والعلمية أو التكنولوجية هي مقومات عامة ولجميع هذه المقومات في نفس الوقت عموميتها وخصوصيتها الجامعة . إن المختبر والمصنع والآلة والقاطرة والسيارة والحاسوب والصاروخ والأقمار الصناعية هي كلها من بنات الحضارة الحديثة كما أن القومية والديموقراطية والاشتراكية والماركسية والفاشينية والنازية والعلمانية هي من بناتها أيضاً والناس على اختلاف بيئاتهم وأديانهم وثقافاتهم يتنافسون في طلب ثمراتها التكنولوجية وهذا يؤكد أن الحضارة اليوم بلغت درجة من العموم لم تبلغها الحضارة من قبل .. التجربة الطالبانية في أفغانستان تمثل نموذجاً صارخاً رفض عمومية المعرفة الإنسانية فقد منع الطالبانيون عن المواطنين الأفغان البث الإذاعي والإرسال التلفزيوني والموسيقى والهاتف السيار ، أما قادتهم فكانوا يستقبلون كل ذلك ليتعرفوا كما قالوا على ما يدور حولهم وقد يذهبون إلى أكثر من ذلك لكنهم يستخدمون الصاروخ والراجمة وكل الأسلحة الفتاكة إذا كان ذلك في مواجهة أعدائهم أو في متابعة نشاط من يختلفون معهم في الداخل .. منعوا ثمرات وخير الحضارة عن شعبهم واختاروا آليات القمع والعنف والدمار فشكلوا بذلك عزلة تاريخية لتجربتهم التي لم تتعاطف معها معظم الشعوب . احتج الناس على التدخل الامريكي وبقاءه في أفغانستان لكن لم يحتجوا على هزيمة طالبان الذين اعتبروا في نظرهم خارج العصر ولا يمتون إلى ما وصلت إليه الحضارة الإنسانية ..
إن الموقف الحضاري الإنساني الراهن بضوء معجزة التواصل العصري أقرب إلى التكامل التجددي الخلاق منه إلى أي موقف آخر .. ويعني هذا أن على الإسلام وهو يجدد بنيته الحضارية أن يعاود اكتشاف روحه وجوهره الحقيقيين لا أن ينكفئ على استنتاجات جاءت نتيجة لمعطيات عصر آخر قديم أو تأويل من بعض ذوي الغرض أو مجتهدين تنكبوا الدرب .
راهنت حكومة الإنقاذ كثيراً على وحدة أبناء السودان على أساس ديني فما فتئوا يغازلون أحزاب الأمة والاتحاد وبعض فرق الأخوان المسلمين والجماعات الصوفية مع تنازل إلى حين لأهل الذمة كما يرون (ما تزال مشكلة الجنوب قائمة) ورغم رهانهم ذلك فهم يشاهدون كل يوم حقيقة ذلك التعدد لكنهم لا يأبهون لذلك ففي تقديرهم أن للإسلام رؤية واحدة تمثل تأويلهم لذلك ورغم ولوغهم في التآمر على أولئك وهؤلاء فقد ضاقوا بالديموقراطية رغم أنهم كانوا يتمتعون بأكثر من خمسين نائباً في البرلمان .. ويبدو أنهم أدركوا بأن لا مفر من التعدد فانقلبوا بليل على الديموقراطية وقالوا إنها رجس من عمل الشيطان وشردوا الخصوم وعذبوهم وقطعوا أرزاقهم وحاصروهم بأجهزة الدولة والقمع ، فتكونت الدولة البوليسية تحت شعار من ليس معك فهو عدوك ...
كانت ندوة الأحد قد قُدم فيها كشف حساب ومراجعة ، كانت مشحونة بتعابير الاعتراف بالآخر وأهم ما جاء فيما بعد كشف الحساب حديث زعيم حزب الأمة عن اتفاقية نيفاشا فقد قال عنها نحن الذين أعددنا لها ووضعنا أسسها في البيان الختامي لمؤتمر القضايا المصيرية وقال نحن في حاجة الآن إلى اسمرا (الثانية) تو وهذا يعني ما جاء في ذلك المؤتمر واستكمال ما بدأه .. إن مؤتمر القضايا المصيرية يعتبر بداية حقيقية لذاك المؤتمر الدستوري الذي تنادى به الجميع في تراضٍ بعد انتفاضة أبريل وكنتيجة لانعقاد كوكادام الجامع ولقاء قرنق مع المهدي في أديس ثم اتفاقية الميرغني قرنق وندوة أمبو ثم الالتفاف حول ميثاق التجمع .. إنه نقلة حقيقية للقوى السياسية من حالة الاستقطاب الحزبي الذي اتسم به نشاط القوى السياسية منذ الاستقلال إلى رحاب البرنامج الوطني ولأول مرة صحيح أن جهداً قد بذل للانتكاس بتلك النقلة وأن صراعاً نشأ بين بعض الأفراد في قيادة التجمع إلا أن فكرة البرنامج الوطني تنامت وتحقق حد أدنى من الاعتراف بالآخر وإدانة الأنظمة الشمولية ورفض الدولة الدينية .. لكن ذلك البرنامج لم تتح له فرصة الانتشار وسط المواطنين من الشعب السوداني .. وتوقف بذلك اتصال الحوار في أهم أسئلة طرحها المؤتمر وهي علاقة الدين بالدولة وكيفية استدامة الديموقراطية والتنمية والوحدة الطوعية بين شعوب السودان .
إن دعوة المهدي لأسمرا تو (الثانية) هي امتداد دون شك لتلك النقلة التي بدأت بمؤتمر التجمع وتطور من خلالها البرنامج الوطني فيجب أن تعامل بقدر من المسؤولية وبعيداً عن تلك الخصومات التاريخية التي عفا عنها الدهر .. إن خارطة الفعل السياسي تتغير كل يوم وانفجارات هنا وهناك تحدث كل حين إن تباين الثقافات والدعوة إلى الاعتراف بها أجج بعض النعرات القبلية والعرقية لكن تلك حالة مؤقتة فبمجرد مساواة فرص هذه الثقافات وتطويرها سيكتشف الجميع أن تلك هي انقسامات رأسية وانشطارات مؤقتة لا تلبث أن تضعف في ظل تمازج الثقافات وتطور المجتمع .. إن ذاك التنوع لو أحسن التعامل معه سيكون مصدراً للقوة والشموخ ..
دعوة زعيم حزب الأمة ترقى إلى مستوى الانتباهة الوطنية في مواجهة دعاوى الانفصال والاهتمام بذلك المثلث العرقي الاستعلائي للاستحواذ على أكبر قدر من الثروة والانفراد بسلطة الشمال والوسط الذي توهم الإسلاميون أنها أمر يسير لكنهم لم يدركوا أن تلك الدعوة إلى التغيير وبناء وطن رحب يسع الجميع انطلقت من قلب الحركة السياسية في الشمال وهي تراجع مسارها وإن الذي يتم الآن هو سعي للاتساق مع ذلك .. لا بد للقوى السياسية من أن تعاود نشاطها بلا تلكؤ وتصدر صحفها وتملأ ذلك الفراغ الذي تم حشوه خلال هذه الفترة بذلك النشاط الأحادي الضار فقد امتلأ الشارع بالتوجس والرعب والخزلان وانعدام الإرادة وضعف الجماعية ..
جاء في مقررات مؤتمر أسمرا عن القضايا الإنسانية :
فاقمت السياسات الاقتصادية الخاطئة للنظام وتصعيده للحرب الأهلية من ظواهر الهجرة الداخلية والنزوح وأوضحت اضراراً بالغة بالبيئة مما أفرز وضعاً مأساوياً يعيش في ظله المواطن السوداني خاصة المرأة . كما دفعت الحرب وعدم الاستقرار والاضطهاد السياسي وانتهاك حقوق الإنسان بأعداد كبيرة من خيرة أبناء الشعب للجوء خارج البلاد .
وتأكيداً لحرصه على سلامة أهل السودان وحرية حركتهم في الداخل والخارج ، ونسبة للضرورة العاجلة لرعاية أبناء شعبنا من النازحين في الداخل واللاجئين في الخارج . أقر المؤتمر برنامجاً عملياً لإغاثة المواطنين داخل البلاد إبان الحكم الانتقالي وتقديم الخدمات الضرورية للاجئين السودانيين خارج البلاد . وإزالة ما لحق بحياة الضحايا والمنكوبين من المعاناة على المدى الآني والمستقبلي وفي تعاون لصيق مع المجتمع الدولي والإقليمي وبالتنسيق مع المؤسسات المعنية بهذا الأمر في داخل السودان) انتهى
لم تجر الأمور كما قدر لها وفرض الواقع تلك المساومة التاريخية التي انتهت باتفاقية السلام الشامل في نيفاشا واصبحت الانقاذ طرفاً فيما لم تكن طرفاً فيه من قبل.. لكن الحركة السياسية لن تنتكس بسبب ذلك ولن تتراجع عن مدى تطورها وتطلعاتها إلى بناء مجتمع عادل وديموقراطي وتعددي .. الإنقاذ ما تزال تتمسك بمفاصل السلطة ومصادر الثروة ويصبح رهان استكمال أسس التراضي بين القوى السياسية يمثل الواجب الأساسي أمام الديموقراطيين والوطنيين فمرحباً بدعوة الزعيم الوطني الصادق المهدي لتلعب دوراً في استيقاظ الساحة وإنعاش حراكها تحت شعار (اسمرا تو) .
إن وحدة الصف الوطني تأتي من خلال برنامج توافقت عليه مصالح الأغلبية وتصدى له من يمشون على الجمر فداء لشعبهم ، يؤرقهم بؤسه وشقاءه ويتطلعون إلى رفعته ونمائه، يقدمون التضحية دون من ولا أذى ويمارسون أقصى حالات الشفافية دون إدعاء لقدسية ولا استعلاء .. لقد بلغت الإنسانية شأواًَ لا تحتمل تلك الأنفة الجوفاء ولا تلك الشعارات الشائهة التي تقوم على الكذب والرياء وإدعاء الطهرانية والنقاء ..

http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147506592&bk=1
_________________

Post: #408
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 11:24 PM
Parent: #1


ندوة الأحد الثامن من أبريل(4)

هل كانت عودة لألق الساحة السياسية واختباراً لمدى تطورها ؟
بالرغم من أن الدولة الأموية والعباسية والفاطمية منسوبة للإسلام فعلى الذين يخلطون بين الدين والسياسة أن يوضحوا لنا ما تفسيرهم إلى كثير مما نسب حتى لبعض الخلفاء من فجور وفسوق ؟
فقد عرف عن يزيد بن معاوية أنه كان يشرب الخمر ويلعب بالكلاب ويجاهر بالفسق والتهاون بالدين .. وأنه عندما ولي الخلافة يزيد بن عبد الملك بن مروان قدم عليه أربعون رجلاً من مشايخ دمشق وحلفوا له أن ليس على الخلفاء حساب ولا عقاب في الآخرة ؛ فسدر في لهوه حتى اختلى بجارية له في عزلة عن الناس جميعاً ، وعن شواغل الحكم ، وإذ ماتت في شرفه إثر وقوف حبة فاكهة (عنب أو رمان) في حنجرتها ، ذهب عقله ومات كمداً عليها بعد أسبوعين من وفاتها ..
وكان الوليد الثاني يتظاهر الزندقة منهكماً على شرب الخمر واللذات والعصف واللهو ويقال أنه أنكر نبوة النبي فقال :
تلعب بالنبوة هامشي ** فلا خير أتاه ولا كتاب
ومزق المصحف ضرباً بالسهام وهو يسبح في حوض خمر ويقول :
أتوعد كل جبار عنيد ** فهنا أنا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئت ربك يوم حشر ** فقل يا ربي مزقني الوليد
وفي العصر العباسي قال أبو جعفر المنصور لولده في كتابه الذي عهد إليه فيه بالخلافة (.. السلطان حبل الله المتين وعروته الوثقى ودينه القيم) .. هكذا اختلطت السياسة بالدين وامتزجت الشريعة بالحكم ، واضطربت معاني السلطان بمعاني الجلالة فلم يتضح مجال كل ولم يتحدد نطاق اي .
عندما استولى العباسيون على السلطة قال ابو العباس السفاح في أول خطبة له وهي شعار الخلافة ، إنهم سيحكمون بما أنزل الله . وبهذا الاتجاه وذلك التقرير بدأت الخلافة العباسية وهي دولة دينية تدعى أنها تقيم كل أركانها على أساس الدين وتزعم أنها تباشر كل أنشطتها من خلال الشريعة . وكانت لذلك نتائج عدة بعضها غاية في السوء ، ونهاية في الإساءة إلى الدين والشريعة والمسلمين . ذلك أن الحكام استغلوا الصبغة الدينية ليضفوا على أنفسهم عصمة وحصانة فيعبثون ولا مسائل لهم ويظلمون ولا راد لظلمهم . وفي جانب آخر فلقد صار إخفاق الدولة إخفاقاً للتطبيق الديني ، وظلم الخلفاء والحكم مسقطاً على الإيمان نفسه ، وانتهى فساد الحكم إلى أن يلقى بظلاله الكئيبة على القيم والأفكار الدينية التي احتمى بها الفساد أو سوغته بأي وسيلة .
لقد امتحن العلماء والفقهاء في مسألة خلق القرآن ونزل بهم بلاء شديد وعذاب أليم فقالوا جميعاً بخلقه عدا أحمد بن حنبل الذي أصر على أنه أزلي غير مخلوق . وظلت الحال في هذه المحنة لفترة حتى ولي الخلافة المتوكل فعدل عن هذا الاتجاه ومن ثم انتصر الاتجاه السلفي بزعامة ابن حنبل في رد فعلهم فدفعوا العقل إلى الوراء قليلاً فضلاً عن قيامهم ببعض الفتن .
أمر المتوكل الناس بالتسليم والتقليد أي بعدم التفكير أو التجديد فأصبح منهجاً سائداً ومسلكاً عاماً وأساساً للفكر الإسلامي ، وعصف ذلك بالعقل الإسلامي والتفكير وبكل معاني الحرية والعدالة في الإسلام .
تمزقت الدولة الإسلامية إلى دويلات فقامت الدولة الطاهرية في خراسان وانتقلت إلى الدولة الصفادية ثم الدولة الساسانية وتفرعت منها الدولة الغزنوية واستقل الأمويون في الأندلس وفي المغرب تأسست دولة الأدارسة في مراكش ودولة الأغالبة في تونس وفي مصر كانت دولة الطولونيين ثم دولة الأخشيديين .. وجاءت الدولة الفاطمية .
الزم الفاطميون جميع الموظفين المصريين اعتناق المذهب الفاطمي الإسماعيلي ، وحتموا على القضاة إصدار أحكامهم وفقاً لهذا المذهب وادعى الحاكم بأمر الله الألوهية وكان أصحابه عندما يرونه في الطريق يركعون ويصيحون قائلين : أنت الواحد الأحد والمحيي والمميت . ومنعوا الفقهاء قراءة موطأ الإمام مالك وأبطل الخليفة العزيز صلاة التراويح ومنع صلاة الضحى ..
وترسخت من بعد ذلك الدولة العثمانية دولة السلاطين ونسبت كل خطايا السلاطين إلى الإسلام دون حق ..
لقد بدأ تسيس الإسلام بصورة جديدة وتواصل حتى ظهرت صيغة الإسلام السياسي الذي نحن بصدده وبدأ بكتابة الهندي عبد الله سندهي من أن (الجماعة الإسلامية (المزمع إقامتها) جماعة خاصة تقوم على أسس عسكرية ..) وهو ما تبناه الإسلام السياسي المعاصر وصار سمته الأساسية (الأخوان المسلمون في مصر وفرق الجهاد والتكفير والهجرة .. الخ وتجربة السودان (الإنقاذ) وطالبان (أفغانستان) والقاعدة (العرب الأفغان) وغيرهم ..
زج بالخلافة أو رئاسة المسلمين في معترك الصراع السياسي والنزاع الحزبي وأصبحت تتجاذبها تيارات لا لصالح الدين أو لصوالح المسلمين ولكن لمحض السياسة ومجرد الحزبية .
طمع ملوك ورؤساء في الخلافة منهم ملك مصر فؤاد الأول وخديويها السابق عباس حلمي وملك أفغانستان وزعيم طالبان وجعفر نميري في السودان وقادة الإنقاذ وظلت الخلافة الإسلامية تسير كثير من الأنشطة وتلون عديد من التصرفات وتحكم وفيراً من الأفعال ، حتى وإن لم يظهر ذلك صراحة . فالصراع في الخفاء والمنافسة في غير علانية ، وكل يتحين الفرصة التي تسمح له بأن يظهر نواياه حين يمكنه أن يجمع خيوط الفعالية في يديه .
وبدأت إشاعة الرأي الذي ينادي بضرورة انتخاب الخليفة ، وإن كان البعض قد قصر الانتخاب على أهل الحل والعقد وهو أمر يدعو بدوره إلى التساؤل عن أهل الحل والعقد هؤلاء من هم ؟ ومن الذي يعترف بهم ؟ وكيف يمارسون حقوقهم الانتخابية ؟
هل الغيبت الخلافة في 3 مارس 1924 أم عندما أجبر السلطان سليم الأول المتوكل عن التنازل عنها في (1517م) أم ألغيت بعدما دمر التتار بغداد عاصمة الخلافة العباسية وقتلوا الخليفة وقضوا على الخلافة تماماً (1258م) .. ثم هل كانت الخلافة العباسية إسلامية حقاً ؟ وهل كانت الخلافة الأموية قبلها خلافة إسلامية بصحيح ؟
كل يجيب على هذه الأسئلة بما يتمشى مع معلوماته أو يساير ما تلقنه .. الإجابة لن تكون واحدة باختلاف الثقافات وتباين الأغراض وتفاوت الأهداف وتواتر النوايا وتزايد الجهل لقد كانت هناك دولة النبي في المدينة وهي دولة دينية يأتي النبي الوحي من السماء وبدأت من بعد ذلك الدولة السياسية دولة الاجتهاد البشري إن أهل الإسلام السياسي يعمدون إلى خلط الشريعة بالفقه فهنالك شرائع عديدة قديماً داخل الإسلام ، شريعة أبي حنيفة وشريعة مالك وشريعة الشافعي وشريعة ابن حنبل والشريعة الجعفرية وهو أمر يبدد الإسلام ولا يجمعه ويفرق الشريعة ولا يوحدها ويجعل من آراء الناس شرعاً ، كأحكام الله سواء بسواء .
وعندما يردد الناس الحديث عن الخلافة الراشدة فهي تعني أمراً آخر غير الذي فعله الأمويون والعباسيون وغير الذي نراه الآن ..
يحكي المسعودي عن عمر بن الخطاب أنه حج فأنفق في ذهابه ومجيئه إلى المدينة ستة عشر ديناراً فقال لولده عبد الله : لقد أسرفنا في نفقتنا في سفرنا هذا ..
جاء يهودي لمجلس أمير المؤمنين عمر وكان على أحد جلسائه فقد كان يستشيره كثيراً لغزارة علمه ومعرفته .. شكا الأعرابي علياً فقال له عمر قم يا أبا الحسن وقف بجانب خصمك فغضب علي .. فسأله عمر أغضبت لأنني طلبت منك الوقوف بجانب خصمك ؟ قال علي لقد غضبت لأنك كنيتني ولم تكنه .
من بعد ذلك انقسم المسلمون إلى شيع عديدة بلغت ثلاثة وسبعين فرقة الشيعة بكل فرقها والخوارج والمرجئة والمعتزلة .. الخ فأي هذه الفرق هي التي تعبر عن صحيح الدين وأيها التي يتبع المسلمون ، واليوم نرى موقف الشيعة في دولتهم (إيران) ونشهد تطبيقات أخرى (للشريعة) بلدان اخرى وفي السودان ذلك ويحسب وهناك خلافات بلا حدود هنا وهناك .. والمخطئ في دولة الدين آثم ويحاسب على إثمه وحسب عليه ذلك وقد تقود آثامه إلى اتهامه بالكفر واستتابته كما حدث لكثيرين في ذلك التاريخ الممتد ..
في عهد هشام بن عبد الملك (الخليفة الأموي العاشر) أظهر شخص يدعى الجعد بن درهم مقالته بخلق القرآن (والتي صارت دستوراً للدولة الإسلامية في عهد الخليفة العباسي المأمون فيما بعد) فأرسل الخليفة إلى والي العراق (خالد القسري) يأمره بقتله . فلما صلى الوالي العيد يوم الأضحى قال في آخر خطبته : انصرفوا وضحوا يقبل الله منكم فإنني أريد أن أضحي اليوم بالجعد بن درهم ثم نزل من على المنبر وذبحه ذبح الشاه .
شكا زياد (والي معاوية) حجر بن عدي لأنه شغب عليه في خطبته .. وشده في الحديد وأرسله إلى معاوية فلما دخل عليه قال : السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فقال له معاوية : أمير المؤمنين ! أما والله لا أقيلك ولا استقبلك أخرجوا فاضربوا عنقه .
وقتل جعفر نميري وهو أمير المؤمنين كما زعم الأستاذ محمود محمد طه لأنه قال قولة حق في بيان قصير ولم يحمل بندقية ولم يفجر (قنبلة) ..
تواصلت دعوة الإنقاذ لبناء الدولة الدينية والحكم بالشريعة وقبل أن يتحقق لهم ذلك تماماً وقبل أن يعترفوا بخطل توجههم ذلك انقسم حزب المؤتمر انقساماً عميقاً فذهب مؤسس الحركة الإسلامية الحديثة إلى شق وآخرون من تلاميذه إلى شق آخر فكيف للمواطنين أن يتحققوا من أيهما صحيح الدين ؟ .. إن تلك الأفكار والتي قال بها الترابي بعد الانقسام هل تدعو إلى اتهامه بالكفر كما يقول البعض أم هي اجتهاد وتأويل من بعض تفسيره للدين .. وإن كانت كذا فلماذا لم يعرض لقانون الردة الذي أكده في دستوره ؟
قال الترابي عن فساد الحكم وعن تآمره على دول الجوار فلم يتعرض لمساءلة قانونية إنه يقول ذلك وهو يمثل كل الفكرة تدبيراً وفكراً وتنفيذاً فلم يجرؤ أحد حتى مغالطة ما يقول .. لقد ابتلعوا ذلك الانقسام لكنهم لم يقولوا ما الذي ذهب من تلك الثوابت التي رفعوا شعاراتها .. أما تزال هي ثوابت مقدسة من خرج عليها هو آثم؟ أما زالوا يصرون على تطبيق (الشريعة) بفهمهم للدين ؟
إن ما يحدث من خلافات في الواقع وسعي للسلطة هو أعمال سياسة ومن الأنسب للمسلمين والإسلام ألا ينسب لهم ذلك فكفى ما نسب إلى من سقطات التجارب السابقة . إن الإسلام دين لا دولة بل إن الدولة كما نرى كانت عبئاً على الإسلام وانتقاصاً منه وليست إضافة إليه .. إن المجتمع الذي تعيش فيه الإنسانية الآن مجتمع أكثر تقدماً فيما يختص بالعلاقة بين الحاكم والمحكوم ونحن مدينون في ذلك كله للثقافة الإنسانية التي لا يرفضها جوهر الدين ولحقوق الإنسان التي لا تتناقض مع حقوق الإسلام .
إننا ندعو لدراسة التاريخ والاستفادة من دروسه، إننا ندعو إلى ترجمة حوادث التاريخ بمصطلحات الحاضر وإلى الاستفادة من دروسه بأسلوب العصر .. ويبدو أن هنالك من يحاول إعادة التاريخ وإعادة تجاربه كما هو لقد ذكر ابن الأثير تحت عنوان فتنة الحنابلة ببغداد حيث قال : في خلافة الراضي عظم أمر الحنابلة وقويت شوكتهم فصاروا إن وجدوا نبيذاً أراقوه وإن وجدوا فغبينة ضربونها وكسروا آلة الغناء واعترضوا في البيع والشراء وشهدوا على البعض بالفاحشة وحملوهم إلى صاحب الشرطة (فهنالك أمور متشابهة) .. حدث ذلك في خلافة الراضي (الخليفة العباسي العشرين) حين اهتزت هيبة الحكم ، وعجز عن استخدام أدواته ، التي كانت نطعاً وسيفاً في عصره وأدواتنا اليوم هي الدستور والقانون والديموقراطية الكاملة ، وهي أدوات لا يعيبها إلا عدم الاستخدام في أغلب الأحيان.
لا بد أن يكون الحوار السياسي الذي يننظم المجتمع الإنساني قائم على الصواب والخطأ لأن قضاياه خلافية يبدو فيها الحق نسبياً والباطل نسبياً ولا بد من رفض الحوار السياسي على أساس الحرام الحلال حيث الحق مطلق والباطل مطلق وحيث تبعة الخلاف في الرأي قاسية لكونه كفراً وتبعة الإنفاق والمتابعة قاسية أيضاً لمجرد كونها في رأي أصحابها حلالاً . حتى وإن خالفت المنطق وقد تكون اجتهاد غير صائب تسانده سلطة الحاكم باسم الدين ..
لا يتجنى أحد على الدين فالدين هو الإيمان أما خطايا السياسة وحسناتها الخطأ والصواب فيها هو ممارسة بشرية – ابن آدم خطاء – ولا يخطئ في هذه الدنيا إلا الذي لا يعمل .. إن دعوة فصل الدين عن السياسة دعوة اقتناع بحرية الاعتناق وهو حق إنساني قالت به كل الوثائق والعهود الدولية .. إنه قمة التعبير عن الحرية ..
يتبع
ندوة الأحد -تاج السر مكي

http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147506267&bk=1

Post: #409
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 11:26 PM
Parent: #408


الفيدرالية المالية ماذا تعني؟
بقلم: د. ابراهيم منعم منصور
نواصل عرض بعض الأوراق الهامة التي قدمت في ورشة العمل التي أقامتها جامعة الأحفاد حول النظام الفيدرالي الذي أرست دعائمه اتفاية السلام الشامل ودستور السودان المؤقت ونقدم هنا عرضاً لورقة د. إبراهيم منعم منصور حول الفيدرالية المالية .
يلاحظ على الدوام هناك تركيزاً على الجانب السياسي للفيدرالية رغم أن الجانب الاقتصادي والمالي قد يكون أحد أهم الدوافع للمطالبة بالحكم الفيدرالي من حيث تركيبة الحكم بين المركز والهامش والتي قد تكون من مستويين فقط هما : المركز والولاية – أو ثلاثة مستويات هي : المركز والإقليم ثم الولاية داخل الإقليم أو أربعة مستويات هي المركز والإقليم والولاية ثم المحلية .
* الفيدرالية المالية :
1. وبما أن الفيدرالية السياسية هي التعبير الديموقراطي عن احترام حقوق المواطن فإن الفيدرالية المالية تعتبر هي الأكثر تعبيراً عن (حقوق) الولايات والأقاليم والمحليات في المال العام وفي التنمية المتوازنة وفي مختلف أنواع الثروة . وفي رصد الثروات يتم غالباً التركيز في البحث وفي الحديث عن الثروات باطن الأرض المادية كالبترول والمعادن غير أن هناك ثروات الغابات والمياه ومنتجاتهما كماً أن هناك الثروة الأهم وهي الثروة البشرية في الكفاءات العلمية والكوادر المدربة .
2. وبصفة عامة تستخدم عدة تعابير في علاقة المركز بالولايات من النواحي المالية مثل : الدعم والمنح والمساعدات ولكن في النظام الفيدرالي فإن جميع هذه المسميات هي (حقوق) للمستوى الأدنى من الحكم تحرسها نصوص دستورية أو اتفاقيات أساسية . وتعتبر هذه (الحقوق) القاعدة التي تقوم عليها الدولة الفيدرالية في النواحي المالية . وتشكل هذه (الحقوق) المبادئ الهادية لتوزيع الثروة ليس فقط بالمفهوم المالي وحده وإنما بالمعنى الواسع للثروة .
* أسس الفيدرالية المالية
إن الأسس التي تقوم عليها الفيدرالية المالية هي العدالة في التوزيع وفق معايير مقبولة والشفافية التامة التي تكون ملبية للأسباب التي تزيل أو تساعد على تقليل أسباب الشكوك في العلاقة بين المركز والأطراف . وفي العادة تتراضى هذه المستويات الحكومية المختلفة على جهاز تعهد إليه بوضع المعايير المقبولة لتوزيع الحقوق قد يسمى لجنة أو مكتب أو هيئة أو مفوضية . وتكون له درجة من الاستقلالية في وضع الأسس والمعايير في التقسيم . وتتنازع المستويات الإقليمية درجات من الحساسية والشكوك نحو المركز كلما زادت تلك الحساسية والشكوك نحو المركز كلما زادت تلك الحساسية كان الجهاز مسؤولاً لدى مجلس النواب كما في الهند أو مجلس الشيوخ أو الولايات كما إثيوبيا أو إلى رئاسة الجمهورية ومجلسي النواب والشيوخ معاً كما في السودان (اتفاقيات السلام والدستور الانتقالي) .
هناك مبدأ مهنياً لا بد من الإشارة إليه وهو أن السعي لكي تجد الأقاليم والولايات حقوقها العادلة يجب أن يراعي عدم إضعاف الحكومة الفيدرالية مالياً إذ أن في إضعافها تهديداً بتفكك الدولة وتآكل أطرافها .
كانت (الفيدرالية) والكمنولث كلمتين بغيضتين في قاموس السياسة السودانية ورغم أن الحركة الوطنية السودانية في مؤتمر الخريجين استلهمت تجربة حزب المؤتمر الهندي – والهند قبل وبعد الاستقلال فيدرالية – وبعد الاستقلال في عام 1947 في الكمنولث حتى الآن إلا أننا اعتبرنا الفيدرالية دعوة للانفصال وهتفنا لا فيدرالية لأمة واحدة ولم نتقبلها إلا بعد حوالي 50 عاماً رغم محاولات الآباء الأوائل من السياسيين الناضجين محمود محمد طه وإبراهيم بدري .
اتوقع أن يتعرض الأخوة الباحثون في أمر الحكم المحلي للتجربة السودانية ربما قبل تقرير 1951 – لخبير الإدارة البريطاني الدكتور مارشال الذي وضع الأسس الحديثة لحكم محلي تعرض فيه النواحي التمثيلية في الإدارة وللنواحي المالية أيضاً بطريقة تلبي أوضاع المرحلة غير أن نظام الدكتور مارشال أدى مهمة كبيرة في تدريب المواطنين في ذلك الوقت المبكر على درجة من الديموقراطية في الترشيح والتصويت وفي إدارة المجالس رغم ما كان في النظام من تعيينات . وأضاف نظام حكم المديريات إبان ثورة 17 نوفمبر والذي عرف بنظام أبو رنات منسوباً إلى رئيس القضاء في ذلك الوقت ، أضاف بعداً جديداً في الإدارة إذ ألغى نظام المراكز والمديريات وأنشأ المجالس التنفيذية من موظفي الخدمة المدنية بديلاً لمدير المديرية وحول إليها سلطات مركزية أوسع في الضرائب والخدمات ثم جاء نظام الحكم الشعبي والإقليمي في ثورة مايو وتوسع في الوحدات الإدارية غير أنه خلق إشكالاً مالياً في نقل الوحدة المالية من المستوى الأدنى وهو المجالس الريفية والبلدية إلى المستوى الأعلى في المنطقة وهو عاصمة الإقليم ثم يعاد توزيع الإيرادات مرة أخرى إلى المستويات الدنيا . وقد أدى هذا الوضع إلى ابتكار ظاهرة (إخفاء) بعض الإيرادات لدى هذه المستويات عن عاصمة الإقليم الأمر الذي تطور حالياً إلى ما عرف بظاهرة (التجنيب) ورغم أن نظام الحكم الإقليمي كان خطوة أولى في طريق الفيدرالية إدارياً إلا أنه خلق خللاً كبيراً بإنشاء مركزية مالية قابضة خنقت النظام في بداياته .
ثم كان اتفاق أديس أبابا عام 1972 الذي أنشأ الحكم الذاتي الإقليمي لجنوب السودان في إطار نظام جمهوري رئاسي . وكانت سمات الحكم كلها فيدرالية شملت كل سلطات وصلاحيات الحكم الفيدرالي ما عدا سلطات الحكومة الاتحادية في الدفاع ، السياسة الخارجية ، الاتصالات ، الطرق القومية ، السياسة المالية ، الجمارك ، العملة ، القضاء ، الخدمة المدنية القومية ، المراجعة العامة ، الشرطة ، التعداد القومي وغير ذلك مما تمارسه الآن حكومة جنوب السودان . شيء واحد لم تتطرق إليه الاتفاقية لسبب سبق ذكره ألا وهو كلمة فيدرالية فكانت حكومة الجنوب تسمى حكومة الحكم الذاتي الإقليمي . وبالمثل لم تتطرق الاتفاقية إلى قسمة الثروة ليس فقط لأن البترول والمعادن لم تظهر تباشيرهما بعد وإنما لأنه لم تظهر فكرة تقسيم الموارد بين حكومة الجنوب وحكومة الشمال وبين أقاليم الشمال وحكومة الخرطوم على أساس (الحقوق) لتلك المستويات من الحكم تحصل عليه وفق معايير وأسس تحكم العلاقة المالية إذ كان الفكر السائد أن المسؤولية المالية في قيام الحكم في الجنوب وفي أقاليم الشمال هي من واجبات الحكومة الاتحادية توزعها وزارة المالية في إطار الموازنة السنوية بحوارات بينها وبين تلك المستويات من الحكم .
وفي فترة الديموقراطية الثالثة لم يستحدث نظام مالي جديد وظل الحال على ما هو عليه إلى أن جاءت ثورة الإنقاذ الوطني . فصدر تدعيماً للفيدرالية السياسية تشريعان ماليان أحداهما قانون الصندوق القومي لدعم الولايات لعام 1995 والآخر قانون قسمة الموارد المالية لعام 1999 ويختص الثاني ضمن أهداف أخرى بتحديد نسبة الحكومة المركزية أو الاتحادية أو الفيدرالية في الموارد السنوية بالميزانية وكذلك تحديد النسبة التي تؤول للولايات . أما صندوق دعم الولايات فيتولى – ضمن مهام أخر – وضع أسس ومعايير نسبة كل ولاية وتحويلها إليها ولا يزال يباشر عمله .
* الفيدرالية في اتفاقيات السلام
ثم جاءت اتفاقية السلام الشامل في 9 يناير 2005م . ودستور السودان الانتقالي لعام 2005م . ثم اتفاقية السلام لدارفور في 5 مايو 2006م . واتفاقية سلام شرق السودان في 14 أكتوبر 2006م . وقد نشأت بموجب هذه الوثائق أجهزة لتقسيم السلطة والثروة عرفت باسم المفوضيات : مفوضية للدستور ومفوضية لحقوق الإنسان والحدود وغيرها لتدعم الجناح السياسي للنظام الفيدرالي التي أكدته هذه الوثائق . ومن الجانب الآخر نشأت أيضاً مفوضيات لتدعم الجناح الآخر للفيدرالية وهو جناح قسمة الثروة في مفوضية البترول ومفوضية الأراضي ثم مفوضية الخدمة المدنية للثروة البشرية ومفوضية تخصيص ومراقبة الإيرادات المالية مختصة بالفيدرالية المالية . وأنشأت الاتفاقيات أو أقرب بجانب مفوضية تخصيص ومراقبة الإيرادات المالية أجهزة أخرى هي : صندوق قسمة الموارد وتنمية الولايات الشمالية : صندوق الإعمار والتنمية لجنوب السودان ، الصندوق القومي للإعمار والتنمية ، هيئة غرب كردفان للتنمية والخدمات ، صندوق إعادة إعمار وتنمية دارفور ، صندوق إعادة بناء وتنمية شرق السودان وكذلك الصندوق القومي للعائدات . وهذا الأخير هو جهاز أنشأته اتفاقيات السلام ودستور عام 2005م . لأول مرة في تاريخ السودان تدخل فيه (جميع إيرادات الدولة) والتي كانت في الماضي تورد في حساب وزارة المالية . وهو حساب (قومي) يخص وزارة المالية وجميع ولايات السودان معاً وتسحب منه وزارة المالية نصيبها من القسمة السنوية وكذلك الولايات .
* تكوين وعمل مفوضية تخصيص ومراقبة الإيرادات المالية :
وتختص المفوضية أساساً بالإيرادات السنوية التي تدخل في إطار الموازنة العامة بين الحكومة الاتحادية ممثلة في وزارة المالية وبين ولايات الشمال والجنوب . وتضم المفوضية في عضويتها كل وزراء المالية في الولايات في الشمال والجنوب إضافة لثلاث أشخاص يمثلون حكومة الوحدة الوطنية وثلاث أشخاص يمثلون حكومة جنوب السودان إضافة لأعضاء مراقبين هم ممثلو الصناديق والهيئات التي سبق الإشارة إليها . وتشرف رئاسة الجمهورية على المفوضية وترفع إليها تقارير كل ثلاثة أشهر وتقارير سنوية ، كما ترفع تقارير شهرية لمجلس الولايات ، وتقارير سنوية للمجلس الوطني ولمجلس الولايات .
وتأتي اختصاصات المفوضية على مستويين هما التخصيص والمراقبة . فيتم التخصيص عن طريق التوصية لرئاسة الجمهورية وعبرها للهيئة التشريعية بتقسيم الإيرادات السنوية بين وزارة المالية الاتحادية والولايات وهو ما يعرف بالتخصيص الرأسي . ويتم تقويم التوصية قبل إعداد الموازنة السنوية ، كما تقوم المفوضية توصية أخرى بمعايير تقسيم نصيب الولايات فيما بينها وهو ما يعرف بالتخصيص الأفقي .
* معايير القسمة
إن الأسس التي تبنى عليها معايير القسمة الرأسية بين الحكومة الاتحادية والولايات تعتمد على المسؤوليات التي حددتها اتفاقية السلام الشامل والدستور لكل من الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات . وكذلك على المستجدات التي ظهرت كاستحقاقات لعملية السلام نفسها كالتزامات صناديق الإعمار ومستحقات المحاربين والمناطق الثلاث (التي تعرف بجنوب كردفان وأبيي والنيل الأزرق) وقد تتغير هذه القسمة من عام لآخر وهي في هذه السنة المالية تساوي 55.2% من الإيرادات المقدرة و28.6% للولايات الشمالية و16.2% للولايات الجنوبية . أما معايير القسمة بين الولايات فهناك أسس متعددة من دولة لأخرى وفقاً لظروفها ففي أسبانيا مثلاً تعتبر حاجة المنطقة للخدمات الأساسية معياراً أول للقسمة وهو معيار يصعب تطبيقه في دول أخرى لصعوبة قياسه وصعوبة الحصول على المعلومات المكونة له – وفي ماليزيا يعطي الاعتبار الأول لعدد السكان ومساحة الولاية – وتتحدث جنوب إفريقيا عن النصيب العادل الذي يساعد على إزالة عدم العدالة في الخدمات – وفي نيجيريا يتم تقدير نسبة تمثل الحد الأدنى للقيام بمسؤولية الحكم ثم نسب أخرى تمثل عدد السكان ومؤشر التنمية في الصحة والتعليم منسوباً إلى عدد المستشفيات والأسرة وعدد المدارس والدارسين ثم الجهد الذاتي للإيرادات التي تجمعها الولاية . وقد اهتدت المفوضية بالسودان بالمعايير النيجيرية لعام 2007م المالي لبساطتها وسهولة حسابها على أن تراجع إذا لزم الأمر في عام 2008م . وقسمتها على الوجه التالي : 40% للحد الأدنى لمسؤوليات الحكم ، 40% للسكان و15% لمؤشر التنمية و5% للجهد الذاتي للإيرادات .
وهنا يأتي الشق الآخر من اختصاص المفوضية في المراقبة وتبدأ هذه المراقبة بالتعاون مع وزارة المالية في أن تقوم جميع الوحدات الحكومية والهيئات والشركات والمؤسسات ذات العائدات القومية بتوريد إيراداتها المقدرة في الصندوق القومي للعائدات والذي على أساس محتوياته تتحدد أنصبة المالية وأنصبة الولايات . وتقابل هذا الصندوق مشكلتان، الأولى أن بعض الوحدات والهيئات اعتادت على الاحتفاظ بكل أو بعض إيراداتها باعتبار أن لديها نصيباً فيها أو أن وزارة المالية لا تتجاوب معاً في دفع الاعتمادات ثم تورد ما يفيض عن ذلك النصيب . وهذا الأمر يتعارض مع مبادئ علم المالية العامة كما أنه وفقاً للوضع الجديد ابتداء من يناير 2005م ، يعتبر مخالفة دستورية وقانونية – والمشكلة الثانية تخص وزارة المالية وهي أن تعود على أمرين الأول ألا تسحب من الصندوق القومي للعائدات أكثر من نصيبها . والثاني أن تلبي وزارة المالية اعتمادات الجهات المختلفة في مواعيدها المقررة دون إبطاء إذ أن أي تأخير هو في نهايته تأخير لتنفيذ الموازنة العامة أي تعطيل لمسؤوليات الدولة في الامن والخدمات والتنمية وغيرها .
8. وكما حددت الاتفاقيات والمرسوم الدستوري المنشئ للمفوضية فإن جانب الرقابة يغطي ميادين عديدة أهمها :
- مراقبة تخصيص الأموال المحصلة على المستوى القومي لحكومة جنوب السودان والولايات لضمان الشفافية والعدالة وسرعة التحويل .
- مراقبة تحويل الموارد المخصصة للمناطق المتأثرة بالحرب وضمان سرعة تحويلها .
وبالمثل التنسيق مع صناديق وهيئات الإعمار التي سبق ذكرها للحصول على استحقاقاتها من الاعتمادات الاتحادية ومن الجهات المانحة وتوظيفها في الأغراض المحددة لها :
غير أن أحد أهم المواد في الرقابة هي المادة ( من المرسوم الجمهوري رقم (35) لسنة 2006 المنشئ للمفوضية . ولأهميتها نوردها كاملة (في حالة حجب أي مصدر مالي لأي مستحقات مالية تخص الحكومة الاتحادية أو حكومة جنوب السودان أو ولايات دارفور أو أي ولاية أخرى يجوز لمفوضية تخصيص ومراقبة الإيرادات المالية بعد محاولة الحل الودي اللجوء إلى المحكمة الدستورية أو المحكمة العليا لجنوب السودان حسبما يكون الحال . وتتولى مفوضية تخصيص ومراقبة الإيرادات المالية تحريك الدعوى) .
* كيفية عمل مفوضية تخصيص ومراقبة الإيرادات المالية؟
يقوم العمل على أمانة عامة فنية يراعي رئيس المفوضية في اختيارها عنصر الكفاءة أولاً ثم التمثيل المناسب لمناطق السودان المختلفة ليس تكريساً للجهوية بل تطميناً للمستفيدين في الولايات من أن هناك من يعكس همومها بدرجة من الدقة والمهنية . وتقدم الأمانة الفنية دراساتها وتقاريرها لرئاسة وعضوية المفوضية وكذلك لفريق فني وطني مكون من مختصين في الاقتصاد والفيدرالية السياسية والفيدرالية المالية والإحصاء والإدارة والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني يراعي في اختيارهم أيضاً بجانب الكفاءة تمثيل مناطق السودان المختلفة . ويقوم هذا الفريق الفني مع الأمانة الفنية بتقديم التوصيات للمفوضية وعبرها إلى رئاسة الجمهورية والهيئة التشريعية القومية في القسمة الرأسية والأفقية – وكذلك في أي موضوعات ودراسات تكلفهم بها المفوضية .
* المصادر :
1. دليل الفيدرالية الصادر من اتحاد الدول الفيدرالية – كندا – 2004 – 2005.
2. اتفاقيات السلام الثلاث .
3. دستور السودان الانتقالي لعام 2005 .
http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147505949&bk=1

Post: #410
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 11:27 PM
Parent: #409


زواية حرة

اكتوبر وحقوق المرأة

ابراهيم يوسف
كانت وضعية المرأة السودانية متميزة وحاضرة وفاعلة في الشأن العام منذ حضارة مروي التي تميزت ببروز المرأة الملكة وظهور دور المرأة في الجوانب الدينية والسلمية والحربية والاجتماعية. واذا كان هناك من يقف ضد حقوق المرأة إلى الآن باسم الاسلام فإن اسلام السودانيين الصوفي المتسامح الذي ينظر للقيمة الإنسانية قد جعل المرأة خليفة في بقعة المسيد بعد والدها كما ان الشيخ خوجلي نفسه قرأ القرآن على بنت القدال. وبما ان تدين التصوف يقوم على التربية والتوجيه فإن المهدية لما انزلقت إلى السلطة اخذت تفرض رؤيتها قسراً ورفعت السوط لجلد النساء. ولما جاء الاستعمار على انقاض حركة دينية اقام محاكم سماها (محاكم شرعية) ليحتكم اليها اصحاب الملة المغلوبة في احوالهم الشخصية. وفي الاحوال الشخصية كان السائد في الخلافة الاسلامية المذهب الحنفي، وبما انه مذهب اهل الرأي فإنه خالف الفقه التقليدي واعتبر للمرأة حقها في الاهلية لعقد زواجها واورد ادلته النقلية والعقلية ورد على آراء جمهور الفقهاء ولكن لما خلص الأمر إلى القضاة الشرعيين كانت النكسة والتراجع من المذهب الحنفي لدرجة اقرار اكراه الفتاة على زوج لاتريده. كانت هذه المأساة قد بدأت عام 1933م وهم اذا كانوا يتذرعون لذلك بالمذهب المالكي فإن الامام مالك في كتابه الشهير (الموطأ) قد اورد الاحاديث الشريفة التي تنص على استشارة الفتاة واخذ رأيها في زواجها. وقد استمرت هذه المأساة حتى سنة 1960م حيث كان بعض الفتيات اخترن القبر (منتحرات) بدل بيت القهر فضج الناس من هذا المصيرالمفروض على المرأة باسم الشريعة والشريعة بريئة من ذلك. وفي سنة 1960م افاق القضاة الشرعيون واصدروا منشوراً جديداً لم يزد على ان الفى اجبار الفتاة على زوج لاتريده ولكنه اقر الولاية عليها واستمر سلب اهليتها لعقد زواجها التي اسسها لها المذهب الحنفي. وفي الوقت الحديث تمكن الرجل العصامي الشيخ بابكر بدري من انشاء اول مدرسة للبنات برفاعة متغلباً على نظرة رجال الدين المعارضة وعلى التقاليد المتخلفة. ودخل تعليم الفتاة في الصورة وقامت نقابات ومجموعات نسوية وقام الاتحاد النسائي. وكما اعتبرت الحضارة السودانية المروية المرأة السودانية واعتبرها التصوف فقد تمخضت البيئة السوداناوية عن تولي المرأة للقضاء من بين كل الدول العربية. وفي عام 1954م كانت فرصة المشاركة في الانتخابات لخريجات الثانوي. اما ثورة اكتوبر فقد اعلنت واقرت مساواة المرأة السياسية كناخبة ومرشحة ونائبة برلمانية وذلك لبروز المرأة في مقاومة السلطة العسكرية ولبلائها في ثورة اكتوبر. وقد انطلقت المرأة بحماس لممارسة حقها السياسي فكان مجموع من صوتوا 72% نساء و74رجال. وهكذا اعترفت بها الاحزاب ولكن لم تتمكن المرأة بعد من التحرر من استغلال الاحزاب لها كناخب لتظهر البرلمانيات في مواقع الترشيع والقرار، وهذه تصبح الآن هي مسؤولة المرأة بعد اتفاق السلام والدستور الذين كانت مركزيتما حق المواطنة المتساوية وحق المرأة في المساواة كنص الدستور. ولكن هذه الحقوق الدستورية لن تطبق في الواقع مالم تظهر المرأة في مواقع القرار كنائبات برلمانيات خاصة ان الاسلام السياسي الذي اصدر قانون الاحوال الشخصية عام 1991م المميز ضد المرأة والمخالف للدستور الانتقالي لايزال هو الذي يحكم حقوق المرأة في مجال عطائها الحقيقي (بيتها) مملكتها. ويكفي ان نذكر ان بيت الزوجية بيت المودة والرحمة هو في ذلك القانون بيت (حبس) الزوجة ومكان اقامتها (الجبرية) ولذلك من حق زوجها ان يمنعها من الخروج ولو للعمل والمشاركة في التنمية وممارسة حقها الدستوري في العمل وان خرجت تعد (ناشزة) ومخلة بواجبها الزوجي ويمكن ان ترد إلى (المحبس) بحكم الطاعة. كل هذا يجري في ظل حق المواطنة المتساوية وفي بيت المودة والرحمة كما هو في الشريعة، ومجموعات النساء لا تظهر جهودهن ولاينهضن لمقاومة هذا القانون المخالف للشريعة وللدستور، وفي السودان الرأي الاسلامي المستنير للاستاذ محمود محمد طه الذي يعلن ان تطوير حقوق المرأة لايقوم على الذكورة والانوثة وانما الحقوق تتجدد بتجدد الواجبات. قال تعالى (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) ومعلوم ان المعروف عندنا اصبح هو تعليم الفتيات إلى أعلى المستويات وقد تبع ذلك توليهن لواجبات جديدة مساوية لواجبات الرجل ان لم تتفوق عليه فاستحقت الحقوق المتساوية كما في القوانين الوضعية. اما في القوانين المنسوبة للشريعة ليس هناك اجتهاد وتجديد وانما نحكم على المرأة المعاصرة بالموروث الفقهي الذي لم يعاصر قامتها الانسانية الجديدة وحسبنا هذا تنكر لقامة المرأة وتشويهاً للدين لتبحث المرأة عن مساواتها في الحضارة الغريبة على قصورها.

http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147508810&bk=1
_________________

Post: #411
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 11:30 PM
Parent: #1


ماذا يدور داخل أروقة الإسلاميين ، تنظيمهم الداخلي وحزب السلطة
تاج السر مكي

في تقديري أن د. الترابي من أكثر القيادات السياسية مرونة في الساحة السودانية فقد رأى في السودان المتسع والمتأثر بدور المتصوفين الذين انتشر الإسلام عن طريقهم في السودان شأناً هاماً ورأى أثر قادة الطوائف على اتباعهم وحتى على بعض المستنيرين في الحياة الاجتماعية كبيراً ، فكثير من حكمة شيوخ المتصوفين القدامى قد توارثها بعضهم فأصبحوا عوناً على اتباعهم في كثير من التعقيدات الاجتماعية في قضايا الزواج والمنازعات التي تصل درجة الاقتتال ويسقط فيها قتلى وعرفت مجالس الشيوخ الديات وفض النزاعات بالحسنى .. قدر الدكتور ذلك فدعا لجبهة الميثاق الإسلامي ، ورغم أن الأخوان المسلمين قد عرفت دعوتهم الرفض التام لتلك الطرق الصوفية لما فيها من خلط بين الدين والعادات المحلية ، لكن دعاهم الترابي لتكوين التنظيم السياسي الواسع وتحالف مع حزب الأمة باعتباره مستودعاً جماهيرياً للأنصار توطئة لجذبهم إلى برنامج الإسلام السياسي بعيداً عن تجربة الأخوان المسلمين (الرئيسية) في مصر وبعيداً عن العقيدة الأنصارية.
استطاع أن يجذب بذلك المنهج وتلك الدعوة عدداً من رجال الطرق الصوفية وفجر ذلك خلافات داخل تنظيمهم الداخلي مع مجموعة جعفر شيخ إدريس ومحمد صالح عمر ومالك بدري وبصورة اقل مع صادق عبد الله عبد الماجد وانتصر أخيراً توجهه الذي قاد إلى انفتاح جماهيري خرج بتنظيم الإسلاميين من دوائر الطلاب إلى دائرة أوسع وسط الجماهير وكان في ذلك المدخل الرئيسي للتأثير على قيادات الأحزاب الكبرى المتأثرة مباشرة بالنفوذ الطائفي وأحس في نفس الوقت بخطر الشيوعيين الذين سبقوه وبنجاح في تكوين الجبهة الديموقراطية (تحالف الشيوعيين والديموقراطيين) وكونوا الجبهة المعادية للاستعمار وقد حققت انفتاحاً كبيراً وسط الجماهير رغم الدعاية القوية والتي مالأها الاستعمار وحربه على كل نشاط وطني ووصمه (بالنشاط الهدام) وتخويف المواطنين من دعوة الإلحاد المزعوم فقد انتشرت دور الجبهة المعادية للاستعمار في مدن نائية وحتى في بعض القرى ..
الحزب الشيوعي شكل عدواً رئيسياً لاتجاهات الترابي الجديدة هذا غير الاختلاف الآيديولوجي لكن التربي أراد أن يمارس المرونة لوحده دون منافس وفي ساحة يغلب عليها التقليد والتبعية الطائفية ، فكانت إحدى همومه هو كيف تتم إزاحة الحزب الشيوعي من طريقه وأتيحت له الفرصة في ندوة معهد المعلمين وما كان في إمكانه لوحده وبمجموعته الصغيرة حل الحزب الشيوعي ، كان لا بد من الاستعانة (بكريزما) شعبية قوية فوجد ذلك في السيد إسماعيل الأزهري الذي نافسه الشيوعيون في دائرته التقليدية وحققوا نجاحاً لم يتوقعه الاتحاديون بل أصبحوا يشكلون عليه خطراً وتحدياً قد لا يستطيعون أن يصمدوا أمامه في مقبل الأيام .. شارك الأزهري بحماس في فكرة حل الحزب الشيوعي وبالطبع شاركه الصادق المهدي الحليف أصلاً للجماعة ..
كان الترابي يعرف قبل غيره أن الشيوعيين لن يزول أثرهم أو خطرهم لمجرد حل حزبهم وطرد نوابهم فسيعملون من تحت الأرض وقد يشكلون خطورة أكبر في جو يسود فيه منهج الحكم المتجاهل لقضايا التنمية والمعتمد على امتيازات الحكام والنخب المحدودة في الحكم والتي انحصرت في أسر بعينها ستواصل توارثها .. لذلك لم يتوقف عن مناكفته للشيوعيين وواصل ملاحقته لهم وحاول معرفة الصورة التي سيظهرون عليها في العلن ولم يفت عليه ما كان يجري داخل القوات المسلحة فقد كتبت جريدة الميثاق كثيراً عن علاقات بعض ضباط الجيش بقيادات الحزب الشيوعي بما في ذلك جعر نميري الذي شوهد في فندق الأرز مع عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي كما كتبت جريدة الميثاق وقتها . لم يستطيع الترابي ملاحقة الأحداث وفوجئ بانقلاب مايو الذي تبنى أطروحة اليسار ..
تحرك تنظيم جبهة الميثاق بحماس طاغ لمعارضة الانقلاب ففي تقديره أنه قد سنحت الفرصة التي يمكن بها إزالة أثر الشيوعيين من الساحة في حالة سقوط الانقلاب العسكري (المايوي) .. وعندما بدأت الخلافات بين الشيوعيين والنظام المايوي لم يكن الترابي سعيداً بذلك .. ثم وقع انقلاب يوليو فحرص جداً على الاستفادة منه وهو يسقط ورأى معظم الشيوعيين قد تم اعتقالهم وزجوا في السجون فانفرد هو في الساحة مع القوى التقليدية .. ولا اعتقد أن الترابي كان متحمساً أو متأكداً من نتائج مقاومة مايو في الجزيرة أبا والتي اشترك فيها الإسلاميون بقيادة محمد صالح عمر أحد المختلفين معه ، لكن حماسه طفى بعد يوليو 1971م وحقق الإسلاميون انتصارات عديدة في الجامعات .. وبعد انتكاسة يوليو تسللوا إلى مواقع التأثير في وزارة التربية والتعليم وبصورة غير مباشرة صمموا اللوائح المدرسية وفرضوا التوجيهات الرئيسية للإدارات وفي غياب المعلمين الشيوعيين والديموقراطيين الذين تم فصلهم بعد يوليو استولوا على نقابات المعلمين التي تمثل أكبر مجموعة من موظفي الدولة.
لم يجد الترابي حرجاً في قبول المصالحة التي تمت بعد لقاء جعفر نميري مع الصادق المهدي في بورتسودان ، فانتقل بكوادره إلى الداخل وقدم كوادره الشابة في مجالس الشعب وفي بعض الوزارات ، وفي تلك الفترة حاصرت المشاكل نظام مايو وبدأ في التراجع وهرمت كوادره وجاء الإسلاميون بكوادرهم المدربة والمعدة ليملأوا ذاك الفراغ ولما رأوا جعفر نميري يترنح ويتخبط في سياساته دفعوه إلى إعلان الشريعة الإسلامية فوقع في الفخ وانفتح الطريق أمامهم واسعاً فسيرواً المسيرات المليونية وحرصوا على إبقاء نفوذهم وسط الطلاب .. وحتى قوانين الشريعة (قوانين سبتمبر) التي كانوا سبباً في سنها فقد قال الترابي عنها إنها (معيبة) ليتهم ببعض أخطائها من عرفوا بأنهم الذين أعدوها .. وسارعوا بالتخلص من تبعاتها بعد أن فاجأتهم الهجمة باعتقال نميري لهم وهو يواصل تخبطه في فترة ترنحه الأخيرة وانهار دون أن ينهاروا معه في اللحظة ذاتها ولما سارت الجماهير صوب سجن كوبر لإطلاق سراح المعتقلين السياسيين كان من ضمنهم بعض كوادر الإسلاميين ..
لم يتوار الإسلاميون بسبب حلفهم مع مايو ومشاركتهم خطايا تطبيق تلك القوانين (قوانين سبتمبر) سيئة الذكر فقد أعد الترابي عدته وبدأ بالتخلي فوراً عن الاسم القديم ثم بالاستعداد لاستيعاب كل المايويين الذين يخشون المساءلة وأولئك الذين ارتبط نشاطهم بالفترة المايوية فكان لا بد من شكل يستوعبهم وما كان ممكن في تلك الفترة التخلي عن نسبة ذلك إلى الإسلام فكانت الجبهة القومية الإسلامية .. وحكم على محمود محمد طه بالإعدام وكان في تقديره أنه تخلص من عدو لا يمكن إنكار دوره كمفكر إسلامي ذكي وبارع فقد كان شرساً في نقده لهم وتم اغتياله بغدر وبشاعة وتشتت مؤيدوه فقد كان يمثل النموذج الرفيع للتواضع والبساطة ورجاحة العقل ، وكان مسالماً وعفيفاً. وأصبح الترابي الآن يواجه حزباً شيوعياً مثخناً بالجراح بسبب الانقسام الكبير الذي حدث فيه عام 70 وانتكاسة يوليو التي تسببت في إعدام أبرز قياداته واعتقال كوادره لسنوات عديدة فضعف خلالها نشاطه وتراجعت الجبهة الديموقراطية وسط الطلاب ووجدت الأحزاب التقليدية طريقها مرة أخرى إلى الجامعات والنشاط الطلابي ..
كانت انتخابات ما بعد الانتفاضة فرصة لاختبار توجهات الدكتور واستطاع بنفوذه في المجلس العسكري الانتقالي أن توزيع دوائر الخريجين بطريقة تفتقر إلى العدل والدقة وكسب منها 23 دائرة واستفاد من تمزق الحزبين الكبيرين وكسب 28 دائرة جغرافية .. لكن الخدعة التي تمت في دوائر الخريجين لا يمكن لها أن تتكرر والأحزاب التي طالها التمزق لا بد من أن تلم تمزقها وتجدد خطاباتها فطابعها الجماهيري وتقاليدها في علاقاتها بأعضائها تؤخر دائماً ترتيب صفوفها. وتجربة قوانين سبتمبر تلغي بظلالها على الاسلاميين وقد تسبب في تأخير محاكمة المواطنين لهم ذلك التردد الي أصاب الأحزاب السياسية من إلغاء هذه القوانين فالصادق المهدي رغم مقولته الشهيرة بأن قوانين سبتمبر لا تساوي الحبر الذي كتب بها فإنه لم يسمح بإلغائها ليوصم بأنه ألغى الشريعة الإسلامية ومحمد عثمان الميرغني تردد كثيراً ووافق أخيراً في اتفاقيته مع الحركة الشعبية في أديس أبابا على تعليق الحدود فقط .. راهن الإسلاميون على تلك الفترة القصيرة والتي أفاقت بعدها الساحة السياسية لترفض فكرة الدولة الدينية وقد فعلتها في أسمرا في مؤتمر القضايا المصيرية ..
اعتمد الإسلاميون على انتخابات ما بعد الانتفاضة وفي اضطراب الجو السياسي قفزوا إلى المرتبة الثالثة كحزب .. ولم تحاكم الانتفاضة نظام مايو سياسياً بل حاكمت ضباط الانقلاب على التحرك العسكري فجر 25 مايو ثم حاكمت بعض عمليات الفساد وتصالحت مع أخرى .. ولم يمض وقت طويل حتى اختفى سدنة مايو داخل الأحزاب بعد أن استردوا مواقعهم وأجزلوا تبرعاتهم لها (ولم تطالهم أي محاكمات أو مساءلة) استحقونها بممارساتهم في فترة مايو .. وقد انضم للجبهة القومية الإسلامية أعداد مقدرة منهم وأن أي مراجعات في أي منافسات ديموقراطية سيتعرض فيها كل من شارك في عثرات مايو وفسادها دون أن يصفح عنه الشعب ودون أن يأتي بما يؤكد حسن نواياه وهو ينتمي لمشروعها الذي تهاوى وانحرف عن ما ادعاه من أهداف لمصلحة المواطنين ..
تأكد للإسلاميين أن الظروف التي صعدوا بها إلى هذه المرتبة لن تتكرر وان تطور النظام الديموقراطي ونهوض حركات الدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان قد انتظمت في المجتمعات الرأسمالية وأصبحت تشكل الرأي العام فيها وتؤثر حتى على مواقف حكوماتها ولن يكون الطريق سالكاً إلا أمام دعاة الحرية وأصبحت هناك ضرورة لا مفر منها أمام الاشتراكيين بما فيهم الماركسيين من الارتباط بديموقراطية الحكم والمجتمع .. أصبحت كل الظروف تشير إلى أن الدولة الدينية لا مكان لها في مستقبل وتطور الحياة الإنسانية وقدم نظام طالبان نموذجاً سيئاً للدولة إذ تخلف عن ركب الحضارة الإنسانية وحكم شعبها بقيم بالية واتد به إلى قرون سحيقة ولم تكن التجربة الإيرانية مبرأة من أحادية الرؤية والبطش ومصادرة الحريات الإنسانية ..
كان أمام مشروع الدكتور الترابي هو الفوز بتحالف مع الأحزاب الكبرى للمشاركة في الحكم في ظروف الديموقراطية حتى يتمكن الإسلاميون من التسلل إلى قياداتها والتحكم في نشاطها .. كان المشروع يسير في طريق اغتنام الفرصة لتقديم تجربة يحدث فيها تحول في حياة المجتمع نحو ما اسموه الأسلمة لفترة قصيرة تمكن الكوادر التي أحسن تدريبهم وأشرف عليهم شخصياً حتى تم استيلاؤهم على مراكز ومفاصل مؤسسات الدولة وقواها النظامية خاصة وقد بدأوا عملياً في الاهتمام بمؤسسات التعليم والطلاب والضباط الذين كانت تتم ترقيتهم إلى مراتب عليا بعد نجاحهم في كورسات دينية محددة في (المركز الإسلامي الإفريقي) ، جامعة إفريقيا الآن ..
تدخلت عوامل عديدة في تعطيل ذلك المشروع بصورته المقدرة وانتظمت القوى الديموقراطية من جديد وبدأ تأثيرها في الجو العام على الثقافة والإبداع والشعر والموسيقى والغناء فبعد الانتفاضة مباشرة انفتح طريق الحريات الذي حرم منه القارئ والمستمع والمشاهد السوداني فترة طويلة وكثرت معارض الكتب وانعقدت الندوات الثقافية في جو من الحريات وانطلقت جمعيات المبدعين تقدم المسرح والأناشيد وتراجع كل مفاسد مايو وفترة مصادرتها للفكر الإنساني وانتعشت الصحافة وتدفقت المعرفة في الطرقات واختنق المشروع في أحاديته وتطرفه وأصابه الوهن في جو الحريات الذي انتظم البلاد ..
اختار الإسلاميون الانقلاب على النظام الديموقراطي خاصة بعد أن لعبت مذكرة القوات المسلحة دوراً حاسماً في تكوين حكومة بعيدة عن نفوذ الجبهة القومية الإسلامية وراهنوا على الاستيلاء على السلطة لوحدهم استناداً على أن إعلان الشريعة لن نستطيع الوقوف في وجهها قادة الأحزاب الكبرى ذات التوجه الإسلامي.. وإبعادهم عن السلطة لن يطول إذا ما أعلنوا اقترابهم من المشروع الحضاري ، وإمعاناً في ثقة الترابي في تصوره ذاك ذهب مع المعتقلين إلى كوبر حبيساًُ . وقد أخطأ الحكام الجدد خطأ جسيماً عندما جمعوا كل ألوان الطيف السياسي ولأول مرة في مكان واحد دون أن تكون بينهم أي احتكاكات فقد كان تحالفهم في دائرة الصحافة لإسقاط زعيم الجبهة تجربة تقدمت الاتفاق على ميثاق التجمع الوطني الديموقراطي أهم إنجازات الحركة السياسية مجتمعة . تحاور أعضاء التيارات المختلفة داخل كوبر وعقدوا الندوات القيمة التي راجعت كل التجربة الديموقراطية وقد ساعد ذلك كثيراً في توقيع ميثاق التجمع رغم مقدمته التي حوت نقداً حاداً للتجارب الديموقراطي وللأحزاب في مجملها ولتلك الدائرة الشريرة وضرورة أن يتفق الجميع على برنامج وطني ..
تطور مشروع المعارضة السياسي وقاد إلى مؤتمر القضايا المصيرية وعالج قضايا جديدة واعترف الجميع بالقصور وأهمية إعادة النظر في علاقة الدين بالدولة ورفض توظيف الدين في العمل السياسي على أن الا يتكون حزب على أساس ديني .. ومن دون ضجيج كون د. الترابي المؤتمر الوطني دون إشارة إلى علاقته بالإسلام وأصبح هو حزب السلطة الجديد وانضم إليه عدد من المسيحيين وغيرهم مع غير المسلمين وتسنموا مراكز داخله وأصبحت الدعوة إلى منع قيام حزب على أساس ديني لا شأن لها بالتجربة الجديدة الذي تحوطت بها قيادة الجبهة (المرنة) كما ذكرنا من قبل ..
عاب الإسلاميون على الترابي إهماله للتنظيم الإسلامي وصرف قيادته بعد أن أهدى كل منهم مصفحاً ، وانتهى بذلك التنظيم الداخلي .. وهذا يعني أن الترابي كان جاداً في نقل سلطة الحزب (العقائدي) إلى الحزب الجديد معتمداً على إمساكه بكل الخيوط فلم يكن هنالك مجلس اربعيني كما تزعم الإشاعة السائدة بل كان هناك مجلس للشيخ غير ثابت تتم فيه حسم القضايا الكبرى .. يحدد هو من يأتي إليه وقراراته نافذة في أدق دقائق القرارات التي تخص العمل السياسي ومعاملة الخصوم والفصل والاعتقال وانعقاد المؤتمرات وتحديد القيادات في كل مؤسسات الدولة .. وعندما اكتمل بناء المؤتمر الوطني حاول الترابي الاستناد على مؤسسيته الجديدة المصنوعة بدقة وحذق وهنا انفجر الخلاف وتمت إقالة الشيخ وبإقالته ومع التوجس الذي أصاب كل الأجهزة الحساسة داخل الحزب فقد التنظيم مرونته وانعدمت الثقة بين قياداته ، وكان لا بد من البحث عن بديل تؤول إليه السلطات التي كان يتمتع بها الأمين العام .. واختلفت الفرق والتي تكونت مع الظروف الجديدة حول خليفته رغم تلك المحاولة والتي تمت لبناء الحركة الإسلامية من جديدة لتنظيم يضم فقط الإسلاميين ويكون رقيباً على تنظيم السلطة الواسع (المؤتمر الوطني) ويقال أن التصويت لقائد الحركة الإسلامية الجديد تم بالبطاقات الشخصية ففقد سريته وبالتالي ديموقراطيته ولم يظهر تأثير التنظيم الجديد على مجريات الأمور وظل التنظيم الرسمي (المؤتمر الوطني) يضم قيادات معروفة تقدم تصريحاتها للصحافة وأجهزة الإعلام دون أن يكون هنالك ما يعكس فعالية هذه التصريحات غير أنها تظهر في شكل مناكفات مع القوى السياسية عموماً والحركة الشعبية بصورة أخص .. لقد بقى نفوذ أجهزة الدولة ومؤسساتها المسيسة فقط ..
نقل الإسلاميون ذلك النفوذ الكبير الذي كان يتمتع به الأمين العام إلى رئيس المؤتمر فاجتمعت عنده السلطة السياسية والتنفيذية وأصبحت قراراته هي الحاسمة وهو لا يحتاج إلى مستشارين لا يقدموا أو يؤخروا ، فإذا كان الأنس قديماً وسط المواطنين ينقل أحاديث وإشاعات عن مجلس الشيخ الآن لا يوجد حديث عن مجلس لرئيس الحزب ورغم مستجدات عديدة أهمها اتفاقية نيفاشا لكن لم يواجهها الاسلاميون بأي مرونة كتلك التي تحدث عادة في أيام الأمين العام ، ثم هنالك اتفاقية القاهرة وأسمرا وأبوجا المتعثرة دون أن يقود ذلك إلى أي تغييرات كانت بالتأكيد ضرورية .. فماذا حدث في الحقيقة وعلى ماذا راهن الشق الآخر من الإسلاميين بعد فقدانهم ميزة المرونة.

http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147509469&bk=1

Post: #412
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 11:32 PM
Parent: #411


رسالة مفتوحة للقائد سيلفا كير ميارديت
دكتور حيدر بدوى

السيد القائد سلفا كير ميارديت،

السلام عليكم،

هذه التحية التي لا يمنعك من ترطيب المشاعر بها كونها تحية الإسلام، وكونك لا تضع حدوداً وهمية بين عقيدتك وعقائد الآخرين. سمعتك كثيراً، تستخدم هذه التحية. وقد سكنت في قلبي نبرات صوتك، مسكناً خاصاً، وأنت تنطق بها في جوبا في فاتحة وخاتمة كلمتك الافتتاحية في مؤتمر قيادات الحركة الشعبية بالخارج في يوليو الماضي. سمعتك تنطقها صادقاً، كما كان القصد منها يوم صكت لتعبر عن معنى السلام. ولا شك عندي أنك تنطقها وأنت تعنيها، لا ممارياً، ولا كما ينطقها معظمنا بحكم العادة. ولا شك عندي أنك رجل سلام من الطراز الأول مثلما كنت قائداً مقاتلاً من الطراز الأول.

ليت قومي يدركون أنك صادق حين تقول بإنه لا عودة للحرب بعد اليوم، فإما وحدة تسودها قيم السلام والحرية والعدالة، أو فراق بإحسان. وليتهم يدركون بأننا، في الحركة الشعبية، نعمل لأن تكون الوحدة هي عائد السلام الأول، فهي خيارنا الأول. ليت قومي يدركون أنك قاتلت من أجل الوحدة - مشروع الحركة الشعبية الأساس- فصائل انحرفت عن مسار الحركة، وفي سبيل ذلك استشهد ما يقارب أو يعادل من قتلوا في الحرب بين الحركة وقوات المركز.

سيدي القائد،
أكتب إليك هذه الرسالة المفتوحة عوضاً عن مخاطبتك عبر القنوات الداخلية في الحركة لأنني، مثلك، أؤمن بمبدأ الشفافية الذي ظللنا نمارسه في منعطفاتنا التاريخية، بخاصة بعد توقيع اتفاقية السلام. وسأتناول في هذه الرسالة ثلاثة أمور هامة، هي:
1. المراهنة على الشعب في جعل الوحدة جاذبة
2. المصالحة الوطنية والتحول الديمقراطي
3. الانتخابات والتحالفات القادمة

المراهنة على الشعب:
في شأن الوحدة كثيراً ما نردد أننا نريدها جاذبة. ولكننا كثيراً ما نرهن جاذبيتها بوضع زمام المبادرة عند المؤتمر الوطني. والمؤتمر الوطني لا يمثل شعوب شمال السودان حتى نجعله وصياً على مصير وحدة السودان والسلام بين شعوبه. بنفس القدر، نحن في الحركة لا نعتبر أنفسنا أوصياء على أحد. زمام المبادرة يجب أن يعود للشعب، وعلينا في الحركة أن نعمل جادين لإعانة الشعب على استرداده. الشعب السوداني هو الذي سيجعل الوحدة جاذبة. ولا شك عندي أن الوحدة هي خيار الشعب الأول، على الرغم من علو صوت القوميين العنصريين في الخرطوم.



علينا في الحركة، قيادة وأفرادا، أن ننظم أنفسنا وننزل بمشروعنا للشعب في الهوامش، والمراكز، نشرحه للناس ونستمع لهم ولما يرونه سبباً في معاناتهم. والأمر ههنا ليس بالتعقيد الذي يترآي للبعض، خاصة وأن كوادر الحركة جربت معاناة الحرب من الهوامش، وهي بلا شك قادرة على تكبد المشاق في سبيل العمل السلمي. أن تخرج أتيام صغيرة للقرى والمدن حاملة معها منشورات تشرح مشروع الحركة ليس بالأمر الصعب. وتكلفة مثل هذه الوفود لن تكون عالية. وربما لا تتعدي تكاليف تذاكر السفر لك وفد يضم هذه الأتيام. ذلك لأن كرم أهلنا المعروف، سيتكفل بتغطية الإقامة والمأكل والمشرب.



وقد جربت كل ذلك كجمهوري في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حيث قام وفد كنت عضواً فيه بتغطية ما لا يقارب 50 قرية ومدينة في للولاية الشمالية، في شهر واحد. هذا ماقام به وفد واحد فقط، يتكون من أربعة أشخاص، انقسموا إلى تيمين، أحدهما غطى الجزء الشرقي من القرى والمدن الواقعة على النيل، والثاني غطى الجزء الغربي. وظل التيمان يلتقيان بين فينة وأخرى في مدن أو قرى معلومة ليتبادلا الانطباعات ويتدارسا تنفيذ باقي خطتهما وليستزيدا نفسياً من الطاقة الروحية التي تنتج من تبادل المودة الجماعية بعد انقطاع. قمنا كجمهوريين بحملات كثيرة مثل هذه، نفذهتها المئات من الوفود، وصل بعضها إلى أقصى الجنوب وإلى أقصى الشرق، وأقاصي دافور والنيل الأزرق وقلب جبال النوبة. كان أهلنا في كل هذه المناطق يكرموننا كجمهوريين بطيب خاطر، على الرغم من أن معظمهن كانوا مضللين بشأن فكرتنا، وبعضهم يعتبروننا كفاراً أو ضالين! كل ذلك لم يمنعهم من إكرامنا. وفي ذلك عبرة للناسفين لقيم التسامح بيننا!



بزيارة أهلنا والتفاعل معهم يمكننا أن نبسط تنظيم أنفسنا في الحركة وإيصال أفكارنا للناس، وأن نبسط مفاهيمنا لهم تبسيطاً يحاكي فطرتهم السليمة، ويتفاعل مع معاناتاهم ليدرج فهمهم للحياة في قلب مشروع السودان الجديد. ولتكن زياراتك القادمة للولايات الشمالية، سيدي القائد، بداية انطلاق لحملات الحركة لشرح نفسها للناس. ولتتكون الوفود من شماليين وجنوبيين، رجالاً ونساء، لا تحدنا قبيلة، ولا عقيدة، ولا نوع في ترسيخ معاني سودانيتنا وتجسيدها. ولنرسل وفودنا لكل بقاع السودان، لا نستثني فيه مدينة أو قرية، ما وسعنا الوسع. هكذا سنملك مشروعنا للشعب، يعلمنا ونعلمه، على أمل أن يرانا ممثلين شرعيين له فيفوضنا لنمثله ونمثل مصالحه.



منطلقي هنا هو الوعي بأن مشروع الحركة "الشعبية" هو مشروع "شعبوي،" يبدأ من الهامش وينتهي في الهامش. وعليه فهو مشروع يجب ألأ يراهن إلا على "الشعب،" لا على قوى المركز (باستثناء قوى هامش المركز). ولا يغيب عليك، سيدي، أننا قصرنا في هذا الجانب أيما تقصير، واننا انشغلنا بشؤون تقسيم السلطة والثروة بأكثر مما يجب، ناسين أن مشروع الحركة أساسه السلطة النابعة من الشعب، لا المفروضة عليه، وأن الثروة هي ثروته، ويجب أن يكون له القدح المعلى في وصف كيفية ونوعية استخدامها.



والشعب لا يفوض أمره إلا لمن يفوضون أمرهم له. فلنفوض أمرنا للشعب، ولنجعله الحكم على مشروعنا. ولا شك عندي أنه سيدرك أن مستقبله ومستقبل الحركة متلازمان، مما سيجعله يجند طاقاته ليجعل الوحدة جاذبة. ولن تكون الوحدة جاذبة بغير تفعيل حملات التوعية بضرورة المصالحة الوطنية والتركيز على دور التحول الديمقراطي في التئام جروحنا الغائرة.

المصالحة الوطنية والتحول الديمقراطي:



المصالحة الوطنية، سيدي القائد، تنبني، في تقديري، على أن مشاكلنا ناتجة من واقعنا الثقافي والتناقضات القائمة فيه، وأننا جميعاً مشاركون فيها بأقدار متفاوتة. ولا يوجد بيننا أبرياء، أطهار، لم يشاركوا فيها كما يخيل للبعض. وبهذا المعنى فإن الصمت عن إدانة الجرائم التي ارتكبت في حق شعبنا منذ اسقلال السودان في حد ذاته يشكل جريمة. ولكي نطهر أنفسنا من جرائمنا جميعاً، كسودانيين لا غير، ضغرت تلك الجرائم أو كبرت، يجب أن نشرع كلنا في محاسبة النفس قبل الغير.
وقد طرحت الحركة في المفاوضات أن تقوم المصالحة الوطنية في السودان على اساس التجربة في جنوب افريقيا. وأن تكون هنالك لجنه لكشف ما حدث أثناء الحرب خاصة وأن المصالحة في مفهوم الحركة ليست بغرض التشفي والثأر وإدانة الخصم، بل هي بغرض التعلم من التجربة وبغرض التوثيق للتاريخ حتى لا نكرر تجاربنا الفواشل. وفي هذا السياق فقد إعترفنا نحن في الحركة الشعبية بأخطائنا، وأعتذرنا عنها. ويجب أن نستمر في تذكير أنفسنا بتلك الأخطاء التي إرتكبت أثناء فترة الحرب، ولا يجب أن نتعامى عنها حين يذكرنا بها الآخرون. هذا بجانب العمل الدؤوب تذكير الآخرين، بالحسنى، بما ارتكبوه في حق الشعب السوداني دون تشخيص أو من أو أذى، على أساس أن من لم يكن منا بلا خطيئة فليرم بحجره يرجم الخطايا لا الخطائين. فالخطاؤون أنفسهم ضحايا لثقافة الخطيئة. وما أكثر منتجات هذه الثقافة الشائهة. من هذه المنتجات، التي وقع كثيرون منا ضحايا لها، تجد العنصرية والهوس واستغلال الجهل والجهلاء في الترفيع الواهم للذات والحط من أقدار الآخرين، والتحصيل غير المشروع للسلطة والثروة.
بتركيز الحركة على أن مشاكلنا محصلة لواقعنا المشترك، وأخطاءنا المشتركة، تستطيع الحركة أن تساهم في بناء المفاهيم التي تجعل مشروع المصالحة الوطنية أساساً لترسيخ الوحدة الوطنية وإشاعة ثقافة السلام، لا أساساً للقصاص. وهذا، بدون أدنى ريب، سيقربنا من شعبنا أكثر، ويطمئن شركاءنا بأننا لسنا أعداءهم كأشخاص، بل أننا معهم شركاء ضد الجهل والتخلف والاحتراب والخصومة غير الشريفة. وهذا يحتم علينا أن نضاعف العمل في اتجاه تأكيد دور المنابر الحرة في نشر ثقافة المصالحة الوطنية في سبيل نشر ثقافة السلام.
وهنا لا بد من الإشادة لا شتراطكم تكوين لجنة للمصالحة الوطنية خلال ثلاثة من انفراج الأزمة بيننا وشريكنا في الحكم (لتجاوز مرحلة البيانات والفرمانات الجاهزة التي لا تغنى غناء البرامج ذات المضامين الهادفة لتقعيد ثقافة السلام والمصالحة الوطنية). وهنا أيضاً لا بد من التأكيد مرة أخرى على أن المصالحة الوطنية والتحول الديمقراطي أمران متلازمان، إذ لا يمكن أن يتم التحول الديمقراطي في أجواء يسودها التربص وسوء القصد والتآمر والترصد للآخر. القصد من المصالحة الوطنية هو بث روح الشفافية والقصد من التحول الديمقراطي هو تعميق حس التنافس الشريف في أجواء من الشفافية تجعل أي رسالة متداولة بين الناس، فكرية أو سياسية، مبرأة من الغرض السافل والرغبة في الحط من أقدار الآخرين.
وفي هذا الشأن يجب أن تركز الحركة بصورة حازمة في الفترة القادمة على المشاركة الفعلية في الحكم وعدم الرضوخ للتهميش في صنع القرار. ويجب أن تستمر الحركة في التشديد على فصل السلطات ككافل أساسي للمصالحة الوطنية والتحول الديمقراطي. والالتزام بالاتفاقية يحتم فصل السلطات و يؤكد دور القانون. وفي اتجاه تأكيد دورنا الحقيقي في الحكم لا بد من المساهمة الفاعلة في تحديد صلاحيات الشرطة، ولا بد من تفعيل وثيقة حقوق المواطن، وهي، في تقديري، أهم وثائق الاتفاقية على الإطلاق. ويجب أن يفهم شركاؤنا بأن بقاءنا في الحكم رهين بتفعيل هذه الوثيقة التاريخية الهامة، إذ أننا لا يمكن أن نرتجي مصالحة وطنية أو تحول ديمقراطي أو وحدة طوعية أو سلام مستدام بدون كفالة حقوق المواطنة المضمنة في تلك الوثيقية. وفي هذا الصدد يجب أن لا تكتفي الحركة بالشجب والإدانة والاستنكار حينما تنتهك حقوق المواطنين غير المنتمين للحركة فحسب، بل يجب أن تتخذ خطوات عملية، ولو كان ذلك بالخروج من الجهاز التنفيذي، إذا ما أنتهكت حقوق المواطنين -حتى لو كانوا أعضاء في المؤتمر الوطني نفسه. وكثيراً ما ينتهك شركاؤنا حقوق بعضهم البعض، فنغض الطرف شامتين. وهذه لا يليق بنا كأصحاب مبادئ سامية مشغولون بحق الإنسان في الحياة وحقه في الحرية بغض النظر عن الانتماء السياسي أو الديني أو العرقي.

الانتخابات والتحالفات القادمة:
أول ما تجب الإشارة إليه في هذا المقام هو أن برنامجنا الانتخابي يجب أن يحتوي على ضمان حقوق المواطنة لكل السودانيين، بخاصة وأن اتفاقية نيفاشا تغمط المواطن الشمالي حقه في الحرية وحقه في الحياة حين تنص على أن الشريعة الإسلامية هي أساس التشريع في الشمال. وفق نصوص الشريعة، التي حاول نظام الانقاذ تطبيقها ففشل، ليس هناك حق للمسيحي، شمالياً كان أو جنوبياً، في أن يتولى الولاية الكبري. أي أنه ليس من حقك، وفق هذه النظرة القاصرة، سيدي، أن تكون نائباً للرئيس. ووفق هذه النظرة القاصرة، فإن الدولة لها الحق في إخضاع المسملين وغير المسلمين لحكمها بالقوة. وفيها لا تتولى المرأة الولاية الكبرى. وفي كل ذلك، وغير ذلك، تفصيل كثير لا نرى ما يوجبه هنا في هذه الرسالة الموجزة لسيادتكم.
وما يهمنا هنا هو أن الشريعة لا تضمن حقوق الإنسان في الحياة والحرية، بل تتضمها أصول القرآن. ومن هذه الأصول قوله تعالى "قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر." ومنها "أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين." هكذا يمكن لبزنامجنا الانتخابي أن يؤكد بأننا نسعى لترسيخ هذه المعاني الدستورية التي تنص عليها كل الكتب المقدسة، بما فيها القرآن، والنظر إلى الشريعة باعتبارها تنبني على نصوص مرحلية قضت إرادة المولى أن تحكمها في فترة تاريخية معينة تجاوزتها متطلبات مرحلتنا التاريخية الحالية. ولا شك أنك تعلم، سيدي، بأن كل الكتب السماوية تحتوي على نصوص مرحلية، وأخرى أصلية.
وفق هذه النظرة يمكن أن تتشكل تحالفاتنا القادمة. وفي هذا لن نستثني أي قوة سياسية، كبرت أو صغرت، بما في ذلك المؤتمر الوطني نفسه. فهو، وإن كابر، يعيش طرفاً مقدراً من معاني أصول القرآن حيث يقبل في عضويته المسيحيين واللاديينين، وهؤلاء كثر فيه. وهو يرتضيك في الولاية الكبري، في مؤسسة الرئاسة. وهو يولي النساء ولايات كبري في الحزب، وفي الدولة، ومفاصل الحياة العامة بكل تفاصيلها. إذن هو يعمل بروح القرآن، لا بالشريعة، في الكثير من شؤونه، ثم هو يصر على أنه جاء لتطبيق الشريعة! وحين يقول الآخرون بأن أصول القرآن هي صاحبة الوقت، وأن فروعه كانت لوقت ماضً، نراهم يكابرون ويكفرون من يخالفونهم في الرأي. وهذا لا يجوز بعد أن علمهم الواقع، مثلما سيعلم غيرهم في السعودية وأفغانسان وإيران وغيرها، أن نصوص القرآن تحتاج إلى فهم، للتفريق بين الأصول والفروع. وقتها سيعرفون بأنهم في واقعهم إنما يعيشون أصول القرآن، وأنهم لا فكاك لهم من ذلك، شاؤوا أم أبوا، فقد تجاوز الواقع نظرتهم الضيقة تلك، التي ارتدوا عنها بشهادة إخوانهم بالأمس، خصوم اليوم، وبشهاد كثيرين منهم، داخل المؤتمر الوطني. هذا، وإن كابروا، ملئ الأرض بمكابرة خاسرة، إن كان ذلك آجلاً أو عاجلاً!!!
وهنا يجب الربط بين الانتخابات والتحالفات ومشروع المصالحة الوطنية. كلمة المصالحة تستبطن الاحتراب والتخاصم. إذ ليست هناك مصالحة إلا بين متخاصمين. ونحن بفضل الله علينا قد تجاوزنا مرحلة الاحتراب والخصومة إلى آفاق السلام. ذلك بأن أكبر خصمين في ساحتنا السياسية، المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان قد إرتأتا أن السلام والتآخي هما السبيل الأوحد للخروج بالسودان من أزماته الراهنة. وهما بذلك الأقدر على زرع معاني السلام والخروج بالبلاد إلى آفاق الرفاهية والعدل والمساواة. ولكي يتم ذلك هناك خطوة واحدة، كبرى، يجب أن نخطوها بقوة وثبات وعزم.
هذه الخطوة القوية، الثابتة، العازمة، تتطلب نحر المكابرة، والقفز فوق دمها، لحفظ دماء السودانيين وتوفير حياتهم لغرس معاني السلام والخير والمحبة والرفاه وفق معاني الديمقراطية والاشتراكية والعدالة الاجتماعية.
فإذا ما نجحنا في نحر المكابرة، نحن وشركاؤنا معاً، سيتوب المؤتمر الوطني عن الهوس الديني، ويقبل على دين الله، الضامن للحرية والعدالة والكرامة الإنسانية بقلب مفتوح. وسيتوب عن سفكه للدماء وقتله للأحرار وتجويعه للصغار تعذيبه للأبرياء. وسنتوب نحن في الحركة الشعبية لتحرير السودان عن كل دم سفكناه بغير حق. وستتوب كل القوى السياسية، بخاصة الطائفية منها، عن كل خطيئة ماحقة ارتكبتها. وليس هناك فينا برئ، كما سلفت بذلك الإشارة في رسالتي هذه لك، أيها الحكيم.
الانتخابات القادمة يجب أن تقوم على الشفافية، ولا يجب أن يستثني أحد من المشاركة فيها. ويجب أن نشجع فيها التحالفات بين القوى السياسية. وفق ذلك فإنه بإمكاننا أن نتحالف مع القوى التي تشاركنا في برنامجنا الفكري والسياسي، على أن نكون منفتحين على تقبل مقترحات تلك القوى إذا كانت مقترحاتها موضوعية. ويجب الاعتراف بأننا، على الرغم من قوة مشروعنا أخلاقياً وفكرياً وسياسياً، إلا أننا نحتاج للآخرين من حيث الكوادر والتنظيم والتأهيل السياسي والفكري. يجب أن نشجع التحالفات بين معارضينا كذلك. شتات القوى السياسية ليس من صالح أحد. وأي خطوة جريئة من جانبنا في الحركة الشعبية في اتجاه التحالفات السياسية، سوف يشجع القوى الآخرى للتحالف ضدنا. وفي هذا خير كثير. إذ أن السودان يحتاج لا ستجماع قواه السياسية المشتتة في أجسام فكرية-سياسية قليلة تمكن الناس من التمييز بين من يمثل مصالحها ومن لا يمثلونها. وهذا في حكم المستحيل في الوقت الراهن، في ظل تشظي كل القوى السياسية، باستثناء الحركة الشعبية، التي تتقوى كل يوم جديد بفضل حكمتكم وتريثكم في البت في الأمور، في ظل واضع سياسي شائك لا ضريب له في عالمنا المعاصر. ولكنك تعلم بأن الحركة الشعبية نفسها مهددة بالتفتت إذا ظلت على ما هي عليه من انغلاق نحو القوى الآخرى. فالحركة الشعبية على الرغم من القوة الأخلاقية لمشروعها الفكري-السياسي فهي ضعيفة للغاية في التنظيم، وهي غير جاهزة، قولاً واحداً، لخوض الانتخابات بحالها الراهن. وهي منشغلة بأكثر مما يجب بتقسيم السلطة، في ظل تهافت البعض على المناصب والمخصصات. وهي غير قادرة على الممارسة الفعلية للسطلة التي في يدها. وهي فوق ذلك كله، ذاهلة عن الالتفات لتوعية الشعب بأهمية لحظتنا التاريخية هذه، في مساره السودان، نحو تحقيق تجربة جديدة، فريدة في زمننا المعاصر، بها نقدم للبشرية ما يمكن أن يساهم في هدايتها من شرور الهوس الديني، أياً كان مصدره، إسلامياً أو مسيحياً أو يهودياً، والاستغلال الرأسمالي، أياً كان منبعه أوربياً أو أمريكياً، والتقتيل والخراب باسم الله وباسم الحرية.
وبما أن الحركة الشعبية هي القوة الوحيدة في السودان التي يخطب ودها الخاطبون، وعندها يختصم الخصوم، ومنها ترتجى الحلول؛ وبما أنها القوة الوحيدة في السودان التي تزداد وحدة فوق وحدة، وقوة فوق قوة، وحكمة فوق حكمة؛ فإننا يجب أن نتخير حلفاءنا بحصافة، وأن لا نستثني المؤتمر الوطني، إن هو ساهم معنا في نحر المكابرة، وأقبل على مشروع المصالحة الوطنية وعلى تنفي اتفاقية السلام الشامل بقلب مفتوح وفق ما تكفله الأديان السماوية والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

خاتمة:
سيدي، السودان يمر بمنعطف خطير، ولولا حكمتكم لانقسم إلى دولتين متحاربتين فيما بينهما. ولما توقف الأمر عند هذا الحد. فإن الشمال به قوى ستحمل السلاح ضد المؤتمر الوطني إذ انقسم السودان إلى دولتين. فإذا أخذنا في الاعتبار أن دارفور مشتعلة، وشمال السودان على صفيح بارود بعد أحداث كجبار، وأن الشرق وجبال النوبة والنيل الأزرق بها قوى، حتماً، ستحمل السلاح، فإنه لا بد أن نتوقع أن يكون مقدار الدماء التي ستسفك والخراب الذي سنلحقه بالزرع والضرع مما لايمكن أن يحصيه محص أو يرده راد. أما جنوبنا الحبيب، وأنت العليم بحاله، فلن يكون أوفر حظاً من الشمال، إذ أن به كل عوامل التشتت والاحتراب والتمزق االحاد. ذلك بسبب تفشي القبلية فيه وضعف البنى التحتية والفوقية، وهشاشة القوى السياسية وتنافسها بغير تأهيل يذكر في شؤون الحكم الحديث.
سيدي، السودان، يمكنه على يدك ويد السيد رئيس الجمهورية أن يصبح منارة هادية للبشرية في عالم اليوم. عالم اليوم يبحث عن مكان في العالم تتعايش فيه الأديان. وبشرية اليوم تبحث عن مكان في العالم تلتقي فيه الحداثة مع الأصالة. وتبحث عن مكان تلتقي فيه كل الأجناس والألوان، وتتبادل فيه أفضل ما عندها مع بعضها البعض، بمحبة وتوادد ووئام. تبحث البشرية عن مكان يتعانق فيه الإسلام مع المسيحية. تبحث عن مكان يتعانق فيه محمد والمسيح، وهما من أم واحدة. يبحث الإنسان السوداني دفء العناق بين محمد أحمد ودينق وأدروب وأبكر وكوكو، دون تعالٍ من واحد على الآخر. يبحث عن غناء عشة وميري وحوة وأشول، يتسامعن دقات قلوبهن التي تضج بدفقات حرى تطلب السلام، والمحبة، ضجيجاً أدمى نواحينا كلها. وقد آن لهذا الضجيج أن يتشذب ويتهذب ليصبح أنغاماً تسمع الإنسانية أجمل ما تشتهيه من دفقات المحبة . آن لنا أن نهدي العالم بأن نريه بأننا صناع سلام، وبأن الإسلام والمسيحية، ما هما إلا نغمتان عذبتان من موسيقى علوية، تلاقيها موسيقى تراب السودان لتنج منها أعزوفة تبهر السامعين، لتسوقهم من الهوس إلى السعة، سعة الله، الواسع، الرحيم، السلام، المؤمن، العزيز، الرحيم، الرافع.
هذا، ولتقبل مني، سيدي، هذه المساهمة المتواضعة، التي أرجو أن تجد منك، ومن قيادات الحركة الشعبية، والقوى السياسية الحية، وكل من يهمه شأن السودان، أذنا صاغية. فهي عصارة معاناة حسية وفكرية وشعورية كبيرة، من نوبي-جنوبي. بدأت هذه المعانة منذ مولدي في حلفا لأب يتيم، فقير، تلطف الله عليه، بعد شقاء عمر قضى جله عاملاً في السكة الحديد. وأم قهر أباها المرض فعاشت فقيرة، إلا من كرامتها وحبها للناس، كل الناس، وهي تعبر عن حبها هذا بلغة عربية "مكسرة" ولكنه نوبية محببة. أما حضنها لمسالميها من كل أهل السودان، فقد ظل، إلى اليوم، يعبر عنها بأبلغ من كل مفردات الكلام. والدي، يا سيدي، نوبي، حلفاوي، أمه عركية من طيبة الشيخ عبد الباقي. هاجر أبوه بسبب الفقر والاضطهاد من حلفا إلى طيبة الشيخ عبد الباقي، فتزوج من عركية، هي زينب بت البدوي، بت التاية، وجدها الأكبر هو الشيخ يوسف أب شرة. والشيخ يوسف أب شرة هذا، قدس الله سره، أمه جنوبية. لهذا كثيراً ما أفخر بأنني حلفاوي، نوبي-عربي-عركي-دينكاوي. و ربما تعلم، يا سيدي، أن هناك أسرة كبيرة معروفة في طيبة الشيخ عبد الباقي تعرف بآل النويري. وما فخري بأصولي الجنوبية إلا محاولة متواضعة في اتجاه نحر المكابرة، لا للتدليس والمداهنة طمعاً في شئ، كما قد يظن ذوي الغرض. ولولا مدلول تجربتي الحياتية، باعتبارها تعبر عن الوحدة بالدم قبل الرؤية الفكرية-السياسية، لما شغلتك وقرائي بها.
وفي مقامي هذا لا أملك إلا أن أختم بشئ مما قاله الأستاذ محمود محمد طه، الذي كان يرى أن الإسلام، في معناه الواسع، والقرآن في أصوله، ليسا إلا كل الأديان تعبيراً عن الأديان في كتاب واحد. وأن هذا المعنى الشامل للإسلام جاء وصف القرآن فيه لسيدنا إبراهيم، وهو أب الأنبياء الموحدين، بأنه "أول المسملين." وهذا يعني أن الإسلام في معناه الواسع إنما هو دين إبراهيم، ودين محمد، ودين عيسى، ودين موسى. وهو دين داعي "للتسليم" لله، ولبث السلام. وكلمة الإسلام نفسها، مثل كلمة السلام، في حرفها، مشتقة من كلمة التسليم هذه. بهذا المعنى فإن القرآن، مثله مثل الانجيل والتواراة، هو كتاب، للمسلمين، والمسيحيين واليهود. وفي هذا المعنى ألف الأستاذ محمود محمد طه كثيرا من الكتب، أكد فيها أن السودان بميراثه التاريخي العظيم، وبتركيباته الدينية والعرقية ومزاياه الجغرافية والطبيعية، إنما هو قادر على أن يقود العالم إلى آفاق جديدة، على الرغم من تخلفه الراهن.
فاسمعه معي وهو يقول: "أنا زعيم بأن الإسلام هو قبلة العالم منذ اليوم .. وأن القرآن هو قانونه.. وأن السودان ، إذ يقدم ذلك القانون في صورته العملية ، المحققة للتوفيق بين حاجة الجماعة إلى الأمن ، وحاجة الفرد إلى الحرية المطلقة ، هو مركز دائرة الوجود على هذا الكوكب .. ولا يهولن أحداً هذا القول ، لكون السودان جاهلاً ، خاملاً ، صغيراً ، فإن عناية الله قد حفظت على أهله من أصايل الطبائع ما سيجعلهم نقطة التقاء أسباب الأرض ، بأسباب السماء ." الأستاذ محمود محمـد طـه - جريدة الشعب - 27 يناير1951




http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147509631&bk=1

Post: #413
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 11:36 PM
Parent: #412


تعقيب على محاضرة د. فاروق محمد ابراهيم

وملاحظات حول رسالته للمؤتمر الخامس للحزب الشيوعي

بقلم : تاج السر عثمان

اقام د. فاروق محمد ابراهيم محاضرة بتاريخ 6/2/2008م بمركز الخاتم عدلان بعنوان رسالة الى المؤتمر الخامس للحزب الشيوعي السوداني خلص فيها الى ضرورة اعادة الاعتبار الى مؤتمر الجريف الذي قرر تحويل الحزب الشيوعي الى حزب اشتراكي جماهيري . الجدير بالذكر أنه عند ما فتحت اللجنة المركزية المناقشة العامة حول متغيرات العصر ، دعت قيادة الحزب الشيوعي د. فاروق للمساهمة في المناقشة العامة ، وكتب ورقة ، نشرت في مجلة قضايا سودانية التى كان يصدرها الحزب الشيوعي في الخارج ، العدد الرابع ، ابريل 1994م ، وعقب عليها الاستاذ التيجاني الطيب في العدد نفسه ، كما تم تلخيص وجهة نظر د.فاروق ضمن التلخيص الختامي للمناقشة العامة والذي عمم لللاعضاء في خمس كتيبات ضمن وثائق المؤتمر الخامس ، رغم ذلك رحبت بدعوة د. فاروق محمد ابراهيم الى لحضور المحاضرة بمركز الخاتم عدلان للمناقشة والتعقيب .
استاذنا الجليل د.فاروق محمد ابراهيم من الذين التحقوا بالحزب الشيوعي السوداني في سنى تأسيسه الاولى ، كما ذكر في سيرته الذاتية التى قدمها في مجلة قضايا سودانية العدد الرابع، ابريل 1994م ، كما شارك في تأسيس رابطة الطلبة الشيوعيين في نهاية الاربعينيات من القرن الماضي ، وكان السكرتير السياسي لرابطة الطلبة الشيوعيين بجامعة الخرطوم في الفترة : 1950 – 1955 م ، وكان عضوا باللجنة المركزية للحزب حتى عام 1970م، ثم خرج من الحزب في انقسام 1970 ، وعاد الى الحزب عقب انتفاضة ابريل في العام 1986م ، وحاليا خارج الحزب الشيوعي بارادته. وهو من المثقفين السودانيين المرموقين، وله مساهمات قيمة في الاقتصاد الزراعي ، وكان من الذين يرسمون سياسة الحزب الشيوعي كما أشار الشهيد عبد الخالق محجوب ، اذكر اننى تابعت مساجلاته في الصحف السودانية حول الاصلاح الزراعي مع د. شريف الدشوني في الستينيات من القرن الماضي ، كما أن د.فاروق ناشط في العمل الثقافي والعمل العام ، ويفرض عليك احترامه لنزاهته ودفاعه عن مبادئه وفيما يعتقد أنه الحق ، وخلاف الرأى عنده لايفسد للود قضية، ، وهو عالم في مجاله ، ولايبخل في تقديم المساعدات لكل من يطلبها منه ، كما انه ابن محمد ابراهيم النور ذلك المثقف السوداني الاصيل الذي كانت له مقالات ودراسات في مجلتى النهضة السودانية والفجر التى كانت تصدر في الثلاثينيات من القرن الماضي.اضافة لمقاومة د.فاروق لعسف نظام الانقاذ والذي تعرض للسجن والتعذيب والقهر والنفى والفصل من العمل ، كما اوضح في مذكرته التى نشرها في صحيفة الايام حول شروط المصالحة الوطنية والتعافى، وبالتالى ، فان تاريخه مشرف في الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الانسان. كما سجل د.فاروق محمد ابراهيم مذكراته عن تأسيس الحزب الشيوعي بمناسبة العيد الاربعين لتأسيس الحزب الشيوعي السوداني والتى نشرت في مجلة الشيوعي (المجلة الفكرية للجنة المركزية ) ، الاعداد: 150، 152 ، 153،1954 م ، مع مذكرات مؤسسين آخرين هم : التيجاني الطيب ، الجزولي سعيد ، ابراهيم زكريا، د.خالدة زاهر ، عباس على ، صلاح مازرى،.. الخ.
ود. فاروق من المتحمسين لفكرة تحويل الحزب الشيوعي الى حزب اشتراكي واسع ، وهى ليست فكرة جديدة ، طرحها الشهيد عبد الخالق محجوب عام 1956 ، تكوين حزب واسع للعمال والمزارعين ، ودارت مناقشات حولها في صفحات مجلة الشيوعي والتى قطعها انقلاب 17/ نوفمبر/ 1958 م ، وبعد اكتوبر 1964 ، اصدرت اللجنة المركزية وثيقة (مشروع تحول عميق ) والتى هدفت الى تحقيق شعار المؤتمر الثالث للحزب لتحويل الحزب الشيوعي الى قوة اجتماعية كبرى. وجاءت فكرة الحزب الاشتراكي بعد حل الحزب الشيوعي في نوفمبر 1965م، في مؤتمر الجريف التداولى عام 1966 م والذى قرر تشكيل الحزب الاشتراكي باندماج الحزب الشيوعي مع قوى اشتراكية سودانية اخرى، وتراجعت اللجنة المركزية للحزب في دورتها التى عقدت في العام نفسه عن الفكرة ، بأغلبية اعضائها ، عدا عضوين فقط هما د.فاروق محمد ابراهيم و الامين محمد الامين.ونشرت مداولات اجتماع اللجنة المركزية على الاعضاء في مجلة الشيوعي ، العدد 127 ، نوفمبر 1966م.
كثيرون، كما أشار الاستاذ طه ابراهيم المحامى في تعقيبه على محاضرة د.فاروق، فسروا اسباب هذا التراجع عن القرار بعوامل خارجية مثل: اقتناع عبد الخالق محجوب برأى السوفيت الذين كانوا معارضين لحل الحزب الشيوعي ودمجه مع قوى اشتراكية اخرى ، ولكن ذلك التفسير احادى الجانب ويتجاهل عاملاً داخلياً حاسماً: يتمثل في ضغط فروع وقواعد الحزب الشيوعي التى كانت رافضة لقرار حل الحزب الشيوعي ودمجه مع قوى اشتراكية اخرى ،وفي ذهنها التجربة السلبية لحل الحزب الشيوعي المصري عام 1966م الذي ذاب في تنظيم السلطة( الاتحاد الاشتراكي العربي)، ويتجاهل ايضا قرار اغلبية اللجنة المركزية التى عبرت عن رأى قواعد الحزب برفض حل الحزب الشيوعي ، واذا كان الأمر كذلك ( الخضوع لرأى السوفيت)، لماذا لم تتمسك اللجنة المركزية والمؤتمر التداولى لكادر الحزب الشيوعي الذي انعقد في اغسطس 1970م، برأى السوفيت حول انقلاب 25 مايو/1969 م ، بدعمه لأنه نظام ديمقراطي ثورى ؟، كما كان يرى السوفيت، بل تمسكت ،اغلبية اللجنة المركزية واغلبية المؤتمر التداولي للكادر باستقلال الحزب الشيوعي ورفض حله ودمجه في حزب السلطة المقترح ( الاتحاد الاشتراكي)، رغم دعم السوفيت للنظام في تلك الفترة ، بل كانت هناك خلافات بين الحزبين السوداني والسوفيتي لخصتها دورة اللجنة المركزية في يوليو 1977م في النقاط التالية :
* قيادة الطبقة العاملة للثورة الوطنية الديمقراطية .
* دور الديمقراطيين الثوريين في منطقة التحرر الوطني.
* الموقف من الفكر اليميني التصفوى في حزبنا ، والانقسام الذي ترتب عليه في سبتمبر 1970م.
وهذا يعكس أن مواقف الحزب الشيوعي السوداني لم تكن متطابقة مع الحزب السوفيتي حول هذه القضايا ، اى أن الحزب لم يكن منقاداً تابعا للحزب الشيوعي السوفيتي ، هذا فضلا عن موقفه الرافض لتقييم السوفيت لنظام عبود (17/نوفمبر/1958)، باعتباره نظاماً وطنياً، ورفض عبد الخالق لذلك باعتبار أن حزبه هو الذي يقرروطنية النظام او عدمها، وليس السوفيت.
هذا فضلا عن السؤال الذي طرح في المحاضرة من ضمن المناقشين لماذا لم يستمر الحزب الاشتراكي بعد انسحاب الحزب الشيوعي؟، ولماذا يرتبط قيام الحزب الاشتراكي الواسع بحل الحزب الشيوعي ، فمع وجود الحزب الشيوعي المستقل لماذا لم يبنى د.فاروق الحزب الاشتركي المقترح ؟ فالساحة السياسية واسعة ولايحتكرها الحزب الشيوعي، اضافة الى فشل تجارب الحزب الواحد في العالمين العربي والافريقي والتى كانت تقوم على الوصاية على الجماهير كما عبر الاستاذ نبيل اديب المحامى، وفشل تجربة الحزب الواحد في الاتحاد السوفيتي وبلدان شرق اوربا .
وبعد تجارب انقلاب 25 مايو1969م وانقلاب 19 يوليو 1971 م ، توصل الحزب الشيوعي السوداني في دورة اللجنة المركزية في اغسطس 1977م بعنوان( الديمقراطية مفتاح الحل للازمة السياسية) ، الى رفض الحزب الواحد وضرورة الديمقراطية والتعددية والوصول للنظام الوطني الديمقراطي بطريق ديمقراطي جماهيري تعددى، وتلك كانت من اهم الدروس التى استخلصها الحزب الشيوعي من تلك التجارب.
اضافة الى أن الموضوع ليس بهذه البساطة ، فمجرد اعلان الحزب الواسع وتغيير اسم الحزب الشيوعي سوف يتحول تلقائيا الى قوة اجتماعية كبرى ، وان الناس سوف يندفعون زرافاتاً ووحداناً للانضمام اليه، ولن تلاحقه تهمة الالحاد والزندقة في الصراع السياسي علما بأنها تهمة لحقت حتى بمفكرين اسلاميين غير شيوعيين مثل الاستاذ محمود محمد طه ود. حسن الترابي!!!.
ولكن الحزب الشيوعي يتحول الى قوة اجتماعية كبرى بدراسة واقع المجتمع السوداني وفهمه واستيعابه والعمل على التأثير فيه نتيجة لتلك الدراسة كما اشار المؤتمر الرابع للحزب ، كما يتحول الى قوة اجتماعية كبرى بالارتباط بالجماهير والدفاع عن مصالحها في القطاعين الحديث والتقليدي ( المناطق المهمشة)، والارتباط بالتنظيمات الجماهيرية الديمقراطية والنقابية والاصلاحية والتواجد حيث تتواجد الجماهير والنضال معها وليس بالنيابة عنها في الارتقاء بمستواها المعيشي والسياسي والثقافي ، وهى عملية شاقة .
مع شكرى وتقديري واحترامي لد.فاروق محمد ابراهيم ولمركز الخاتم عدلان على دعوتهم.



http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147510281&bk=1

Post: #414
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 11:38 PM
Parent: #413


الفكرة الجمهورية ما لها وما عليها
بقلم/ الصادق علي حسن المحامي
قلة نادرة من المفكرين وأصحاب الرسالات الإنسانية السامية من تمكنوا من توظيف كل دقائق أوقات حياتهم في ممارسة مسؤولياتهم القدرية في التوعية والتبشير بالافكار والمعتقدات الرسالية التي نذروا جل حياتهم من اجلها وخدموها في اخلاص وانتهز بعضهم حتى فترة الأوقات العصيبة ومواقف الشدة الحرجة امام جبروت الجلادين الطغاة في مواجهة الموت الوشيك من أجل الفكرة وباشروا مسؤولياتهم في التوعية في مواجهة جور السلاطين الجهلاء بسلاح الفكرة وعظمة الأي ونصاعة البراهان في نبل وشهامة لان هؤلاء المفكرون قد تجاوزوا رغبات كوامن النفوس العادية في الحياة التي استرخصوها من اجل افكارهم ومبادئهم فمضوا إلى الخلود وقد تركوا ميراثاً انسانياً وفكرياً خصباً يصلح لكل زمان ومكان للاسترشاد المعرفي وليس بالضرورة للاقتداء بالفكرة نفسها ويتيح الاسترشاد بالفكرة ووسائل نشرها والثبات من اجلها والتضحية والذود بالمهج والارواح للمتعمق في الفكرة ورسالة صاحبها أسباب الاستبصار في الرؤى، ففي مواجهة الطغاة في السابق وقف الشهيد/ سعيد بن جبيرة يقارع الطاغية الحجاج بالمنطق والفكر السديد وذهبا في مسيرة الحياة القدرية الفانية سعيد بن جبيرة ترك سيرة في المبدئية والفكرة والحجاج ترك سيرة في الطغيان والاسبتداد. ومن بين عظام المفكرين في السودان والرائد في ممارسة التوعية وتوظيف دقائق أوقات الشدة في مواجهة الموت الوشيك الذي هدد به السلطان الجاهل الجائر الاستاذ محمود محمد طه الذي استخدم في اهدار روحه منصة القضاء السوداني.
* في ذكرى استشهاد الاستاذ / محمود محمد طه هذا العام افردت بعض الصحف المحترمة مساحات معتبرة لمناقشة افكار الشهيد وتم عرض ومناقشة هذه الافكار بموضوعية بعيداً عن المغالاة والتطرف وفي أكثر من ندوة ثم عرض بعض المشاهد من وقائع محاكمة الاستاذ/ محمود محمد طه امام قاضي محكمة التفتيش المهلاوي وهي مادة وثائقية ظن نظام المخلوع الأسبق جعفر نميري أنها توفر له السند والغطاء القانوني لايجاد التخاريج الدينية للجريمة البشعة التي ارتكبت باسم الدين وقد كشفت وقائعها عن عظمة الجهل المطبق لمن كانوا خلف اجراءات التنكيل واهدار روح الشهيد الاستاذ/ محمود محمد طه.
* دفوعات الشهيد الاستاذ/ محمود محمد طه امام قاضي محكمة التفتيش المهلاوي وهو يرد على التهم الموجهة إليه أو ضحت الثغرات البالغة التي طالت الأجهزة العدلية السودانية وما آل إليه حال القضاء وخطورة ذلك على حرمة القضاء واستقلاله وعلى حقوق الإنسان وللضرورة والفائدة ننقل للقارئ الكريم مقتطفات من هذه الدفوعات من (قوانين سبتمبر 83 مخالفة للشريعة الإسلامية والاسلام واكثر من ذلك انما شوهت الشريعة وشوهت الاسلام ونفرت عنه ويضاف إلى ذلك انها وضعت واستغلت لارهاب الشعب وسوقه إلى الاستكانة عن طريق اذلاله ثم انها هددت وحدة البلاد وهذا من حيث التنظير واما من حيث التطبيق فإن القضاة الذين يتولون المحاكم غير مؤهلين فنياً وضعفوا اخلاقياً عن ان يضعوا انفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية تستغلهم لاضاعة الحقوق وإذلال الشعب وتشويه الإسلام وإهانة الفكر والمفكرين وإذلال المعارضين السياسيين إضافة لذلك فاتى غير مستعد للتعاون مع اي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل وقبلت ان تكون اداة من ادوات إذلال الشعب وإهانة الفكر الحر والتنكيل بالمعارضين السياسيين) فما أشبه الليلة بالبارحة!!!
* التوعية التي مارسها الشهيد الأستاذ/ محمود محمد طه امام محكمة التفتيش وقاضيها تحض للبحث في مناقب الرجل والفكرة الجمهورية لتعرف على الفكرة وأهدافها التي دفعت بصاحبها لاسترخاص الحياة ومواجهة الموت بكل نبل وشهامة من أجل الفكرة والترفع عن جهل الجلاد وإلى جانب الاهتمام بشخصية الاستاذ /محمود محمد طه كان المأمول فيه ان يبحث الباحثون في الفكرة الجمهورية نفسها خاصة القضايا التي اثارت بشأنها جدلاً لم ينقطع باستشهاد صاحبها مثل تلك التي وجد فيها جماعات الهوس الديني ورموز حركة الاسلام السياسي مادة للمزايدة والمتاجرة الدينية الرخيصة في جهل فاضح وسطحية مثل المسائل التي طرحت فيها الفكرة الجمهورية تساؤلات مشروعة وقدمت بشأنها اجابات اجتهادية كقضايا العقوبات الحدية المنصوص عليها في القرآن الكريم فالفكرة الجمهورية ناقشت هذه المسائل من منظور أنها كانت في الأصل موجودة في مجتمعات العرب قبل الإسلام وجاء الاسلام وقام بتقنين هذه العقوبات وترى الفكرة الجمهورية ان فردية العقوبات الحدية كانت تنسجم مع حياة العرب البدو الرحل كما لم تكن هنالك مؤسسات عقابية !!سجون! لعقاب المدانيين والآن بتطور الحياة البشرية أوجدت حياة الاستقرار مؤسسات عقابية لمعاقبة المدانيين في الجرائم الجنائية بالسجن وبظهور العقوبة المستمرة كرادع افضل واكثر فائدة من العقوبة الفورية سواء أكان ذلك للمجتمع المعني ( الحق العام) أو لصاحب الحق الخاص أو للمدان نفسه فإن من الحكمة مراعاة مستجدات الظروف الحديثة بشأن العقوبات الحدية/ ومن ذات الزاوية يمكن مناقشة موضوع الرق في الإسلام فالإسلام دعا إلى عتق الارقاء وتسامح في التعامل مع موضوع الرق عن نزوله مراعاة لحياة العرب وقتذاك حيث كان الرق من مصادر الحياة الاقتصادية الاساسية عندهم. بحيث لم يكن مجدياً حرمانهم من ممارسة تجارة الرق مابين ليلة وضحاها وبصورة فورية لذلك كان تسامح الاسلام مع ممارسة الرق مع تعلية الرح الإنسانية في المسلم ليتعافى المجتمع المسلم بتلقائية سلسة من ممارسة الرق .
* العالم اليوم يتجاوز قضايا الرق ولا تجد ممارسات للرق البشري بمفاهيم العبودية المحضة بحيث يمكن ان يقال بان ممارسات الرق التقليدية في عالم اليوم غير متصورة وان وجدت في المجتمعات البدائية التي تمارس في ظروف استثنائية بعيداً عن أعين اجهزة السلطات الحكومية بحيث لا توجد الآن اية حكومة تسمح بممارسة الرق على أرض دولتها والناظر إلى المسائل المتعلقة بالرق بنظرة متجمدة يعجز بالضرورة في ايجاد التخريجات حول صلاحية احكام الرق من منظور اصولي سلفي اليوم بحيث لا مجال الآن لتطبيق احكام عتق الارقاء وفك الرقاب بالمعنى الأصولي السلفي وفي بساطة متناهية لاتوجد ممارسة لتجارة الرق بمعناه المعروف وذلك مايؤكدضرورة مراجعة قراءة الافكار المطروحة من خلال الفكرة الجمهورية من دون مغالاة أو تطرف.
* فقيمة الفكرة الجمهورية في الاضاءة المعرفية التي تجاوزت الحدث لتصلح مادة للتدارس الإنساني تساهم في تراكمات التجارب الإنسانية المستنيرة.

http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147510229&bk=1
____

Post: #415
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 11:40 PM
Parent: #414


دكتور محمود شعرانى
اتفاقيات السلام السودانية:النص المتفق عليه حول الدين والدولة
إن الوثيقة التي تضم النص الخاص بعلاقة الدين بالدولة في اتفاقيات السلام والمكتوبة باللغة الانجليزية لم تتم ترجمتها إلى العربية ونشرها على الملأ حتى اليوم وهذه الوثيقة تفصل فصلاً تاماً بين الدين والدولة فيما يتعلق بالمسائل العامة بعكس ما تبثّه الحكومة في أجهزة الاعلام المختلفة من القول بتثبيت الشريعة في الشمال وحسم ذلك بنصوص وردت في اتفاقية ميشاكوس والدستور القادم وبشهادة الموقعين على الاتفاق ومن شهده من قوى عالمية نافذة وهذا ما أعلنه رئيس الجمهورية السوداني ونشرته صحف الخرطوم (الرأي العام عدد الجمعة 11مارس 2005م) وسأقوم هنا أولاً بترجمة النصوص المتفق عليها بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان والمتعلقة بموضوع الدين والدولة وذلك حتى لا أجعل من نفسي حكماً وحيداً على ما ورد فيها بل ليحكم الشعب السوداني بنفسه ولي ثقة في وعيه السياسي بحيث لن تنطلي عليه حيل السياسة ومناورات الساسة وسأعرض بعد ذلك لتحليل النصوص شرحاً وتفسيراً واستنباطاً ثم النظر في الدوافع التي دفعت الموقعين على الاتفاقية إلى عدم ابرازها وترجمتها من أجل النشر، فإلى الترجمة العربية للنص الانجليزي لنصوص الاتفاقية حول الدين والدولة:-
(سكرتارية السلام في السودان)
النص المتفق عليه حول موضوع الدين والدولة
اعترافاً منا بأن السودان قطر متعدد الثقافات والأعراق والإثنيات والديانات ومتعدد اللغات وتأكيداً منا على أن الدين لا ينبغى أن يكون عامل تفرقة. وعليه فقد اتفق الأطراف هنا على الآتي:-
6-1- إن الأديان والأعراق والمعتقدات هي مصدر للسلوك الأخلاقي القويم وهي مصدر إلهام للشعب السوداني.
6-2- يجب أن تكفل حرية الإعتقاد والعبادة والضمير لكل أتباع الأديان والمعتقدات والأعراف ولا ينبغي التمييز ضد أحد على هذا الأساس.
6-3- الأهلية للوظيفة العامة بما في ذلك منصب الرئاسة والخدمة العامة والتمتع بكافة الحقوق وكل الواجبات ينبغي أن يكون على أساس المواطنة وليس على أساس الدين أوالمعتقد أو العرف.
كل مسائل الأحوال الشخصية والأسرة التي تشمل الزواج والطلاق والميراث والتركات ومسائل النسب والتبني يجوز الحكم فيها بقوانين الأحوال الشخصية (بما في ذلك الشريعة الإسلامية والقوانين الدينية الأخرى أو العرف والتقاليد) للمتقاضين.
6-4- لقد اتفق الأطراف على احترام الحقوق الآتية:-
الحق في العبادة أو الاجتماع من أجل كل ما له صلة بأي دين أو معتقد والحق في تأسيس أماكن لهذه الأغراض والدفاع عنها.
الحق في انشاء مؤسسات خيرية أو انسانية مناسبة والدفاع عنها.
الحق في الحيازة أو استعمال الأدوات والمواد الضرورية _إلى مدى مناسب_ المتعلقة بالطقوس والشعائر الدينية والمعتقدات.
الحق في الكتابة أو النشر أو الإصدار أو البث لأي منشورات متعلقة بهذه المجالات.
الحق في تدريس تعاليم الدين أو المعتقدات في أماكن مناسبة لهذه الأغراض.
الحق في التماس المساعدة الطوعية المالية والاسهامات الأخرى من الأفراد والمؤسسات.
الحق في تدريب أو تعيين أو انتخاب أو اختيار عن طريق الخلافة القادة الدينيين المناسبين وفق معايير ومتطلبات أية ديانة أو معتقد.
الحق في التمتع بأيام الراحة والعطلات والاحتفالات وفقاً لتعاليم الفرد الدينية والمعتقدية.
الحق في الاتصال بالأفراد والجماعات على المستوى القومي والعالمي فيما يخص مسائل الدين والمعتقد.
6-5- لأجلاء الشك والريبة فإنه لا ينبغي أن يتم إخضاع أحد للتمييز بواسطة الحكومة القومية أو الولائية أو المؤسسات أو المجموعات أو الأفراد _ على أساس من الدين أو المعتقدات الأخرى.
6-6- إن المبادئ الوارد ذكرها في المادة 6-1 و حتى المداة 6-5 ينبغي أن تنعكس في الدستور.
الجزء الثالث (2)
(البنيات الحكومية)
لكي تعطى الاتفاقيات المعلنة في الجزء الأول (A) فعالية وجدوى فإن الأطراف ضمن إطار السودان الموحد يعترفون بحق تقرير المصير لشعب جنوب السودان، وقد اتفقوا هنا على أن قسمة السلطة وهياكل الحكومة ووظائف ومهام بنياتها المختلفة، وفق الإطار السياسي للحكم في السودان ينبغي أن تكون على النحو الآتي:
(3-1) القانون الأعلى
(3-1-1) الدستور القومي للسودان سيكون هو القانون الأعلى في البلاد وكل القوانين يجب أن تخضع لهذا الدستور القومي. وهذا الدستور هو الذي ينظم العلاقات ويوزع السلطات والمهام بين مستويات الحكم المختلفة كما يحدد ترتيبات الشراكة في الثروة. الدستور القومي يجب أن يضمن حرية العقيدة والعبادة والممارسات الدينية بكاملها لكل المواطنين السودانيين.
(3-1-2) يجب تأسيس لجنة قومية ممثلة تسمى لجنة مراجعة الدستور أثناء الفترة الانتقالية لتضع أولاً مسودة قانونية دستورية إطارية لحكم الفترة الانتقالية وأن تدمج في هذا الإطار الدستوري والقانوني اتفاقية السلام.
(3-1-3) الإطار الوارد في الفقرة أعلاه ينبغي أن يطبق وفق ما يرتضيه الأطراف.
(3-1-4) أثناء الفترة الانتقالية يجب أن تقوم عملية مراجعة دستورية شاملة.
(3-1-5) الدستور لايمكن أن يعدل أو يلغى إلا عن طريق اجراءات خاصة وأغلبيات محددة وذلك حماية للشروط الواردة في اتفاقية السلام.
(3-2) الحكومة القومية:
(3-2-1) ستكون هنالك حكومة قومية تمارس صلاحياتها وتقر قوانينها كما تفعل بالضرورة الدولة ذات السيادة على المستوى القومي. وتعمل الحكومة القومية على أن تضع في كل قوانينها إعتباراً للتنوع الديني والثقافي لشعب السودان.
(3-2-2) التشريع الوطني النافذ الأثر في الولايات الكائنة خارج الجنوب السوداني ستكون مصادرهُ التشريعية هي الشريعة وإجماع الشعب.
(3-2-3) التشريع الوطني المطبق في الولايات الجنوبية أو في الإقليم الجنوبي سيكون مصدره التشريعي إجماع الشعب والقيم والأعراف السودانية (بما في ذلك التقاليد والمعتقدات الدينية وفق تنوع القطر السوداني).
(3-2-4) في حالة سريان أي قانون وطني حالياً أو في حالة سنه وإصداره من مصادر تشريعية دينية أو عرقية فإن الولاية أو الإقليم الذي تكون أغلبية ساكنيه لايمارسون هذا الدين أو تلك الأعراف.. فإنهم:
إما أن يقوموا بتقديم مشروع قانون يسمح لهم ويقنن لقيام مؤسسات أو السماح بممارسات في ذلك الإقليم لا تتعارض مع معتقداتهم الدينية و أعرافهم.
أو:
أن يقوموا بتحويل القانون لمجلس الولايات لتتم الموافقة عليه بأغلبية الثلثين أو ابتدار تشريع وطني يقنن لمؤسسات بديلة وضرورية حسبما هو ملائم.
ــــــــــــــــــــــــــــ
هذه هي نصوص الاتفاقية فيما يتعلق بمسألة الدين والدولة ولقد حاولت توخي الدقة والبساطة في الترجمة بحيث تكون في متناول فهم الجميع وأرجو أن أكون قد وفقت في ذلك.
وأول ما تجدر الإشارة إليه هو التصريح الرئاسي حول تثبيت الشريعة في الدستور القادم ولعمري فإن هذا التصريح غريب إذ كيف يحسم الدستور القادم أمر الشريعة وهو لم يظهر بعد للوجود وهو، أي الدستور، حتى وإن كان موجوداً فإن النصوص الفرعية لاتوضع قبله بل تشتق منه وإلا كان في هذا مخالفة للعرف الدستوري الذي بموجبه تؤسس الدساتير ثم توضع القوانين بعد ذلك، وما يزيد المرء حيرة أن اللجنة المكلفة بوضع الدستور لم تشكل بعد ولم يتم تعيينها ومن المفترض أن تكون هذه اللجنة لجنة قومية محايدة تمثل كل أهل السودان وبهذا يكون التصريح الرئاسي مؤثراً بصورة مباشرة على عمل اللجنة القومية المحايدة وهو تأثير يحمل في طياته توطيداً لرؤية قانونية بعينها هي رؤية حزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي جاء التصريح الرئاسي على لسان رئيسه.
ولقد أراد المؤتمر الوطني الحاكم تأكيد وتثبيت (رؤيته للشريعة) في الدستور القادم عن طريق هذه الخطوة الاستباقية في سن التشريعات الاسلامية والنص عليها في اتفاقيات ميشاكوس كشرط مسبق للجلوس على طاولة مفاوضات السلام مع الطرف الآخر وقد يكون هذا هو التبرير الأقوى أو الاستخلاص المنطقي لقبول الحكومة التفاوض مع الحركة الشعبية التي قبلت بالتفاوض على هذا النحو رغم معارضتها التامة للدولة الدينية منذ أن أعلنها جعفر نميري في السودان وفيما أرى فإن الحركة قد قبلت بذلك على مضض بسبب ضغوط المجتمع الدولي الذي أراد أن يوقف الحرب الدامية والتي دامت لمدة أكثر من عشرين عاماً، هذا بالإضافة إلى أن هنالك تبرير آخر للحركة يبدو منطقياً ومقبولاً أكثر لدى المراقبين وهو أنه ووفقاً للاتفاقيات نفسها فإن كل إقليم عليه أن يضع قوانينه بنفسه وعليه فأنه من حق الشماليين رفض قيام التشريعات الدينية في إقليمهم متى ما رأوا فيها مالا يتناسب مع حقوقهم الأساسية وتطلعاتهم والرؤى الفكرية لتنظيماتهم ومؤسساتهم السياسية وقد يبدو هذا مخرجاً معقولاً للحركة الشعبية من مثل هذا الارتباك ولكنه يبقى مخرجاً مؤقتاً على كل حال خاصة وأن الوثيقة التي تتحدث عن علاقة الدين والدولة تكفل حرية الاعتقاد والعبادة وتمنع التمييز ضد أي فرد على هذا الأساس ولتوضيح ما أعني أقول أن هنالك فرق بين حرية الاعتقاد وحرية العبادة لأن حرية العبادة مكفولة بطبيعة الحال في كل دول العالم القديم والحديث وحتى في الاتحاد السوفيتي السابق لأنها تعني فقط الحق في ممارسة الشعائر والطقوس الدينية في دور العبادة لكل الأديان. أما حرية الاعتقاد فهي أمر آخر ولم تأت كلمة (الاعتقاد) مرادفة لكلمة العبادة وذلك لأن حرية الاعتقاد تشمل الحق في الاعتقاد في دين معين والحق في تبديله أيضاً وهذه هي الحرية الحقيقية وهذا يأتي متسقاً مع ما ورد في المادة (24) من دستور الإنقاذ سنة 1998م التي تنص على حرية اختيار الدين ودون الاضرار بهذه الحرية، والغريب هنا هو أن دستور الإنقاذ لسنة1998م يعد أحد مصادر الدستور القادم إلى جانب نصوص الاتفاقيات ثم أن المادة (24) من دستور الانقاذ مطابقة تماماً للمادة (1 من العهد الدولي للحقوق المدنية السياسية فلماذا إذن تريد الحكومة السودانية تطبيق مستوى من الشريعة ينسف كل هذا الحق وينص على أحكام الردة في حالة تبديل المعتقد كما ورد في المادة 126 من القانون الجنائي الإنقاذي لسنة 1991م والساري المفعول. ثم إن رئيس الحكومة السودانية يؤكد على هذا المستوى من التشريع بل ويمدحه في الصحف اليومية ويشيد بالمشير جعفر نميري لأنه قد طبق هذا المستوى من التشريع وهو أول من جاء به في قوانين سبتمبر 1983م كأول رئيس سوداني يطبق الشريعة، وكل هذا إنما يؤكد لرؤية دينية التي يدعو حزب المؤتمر الوطني الحاكم لتطبيقها في السودان أي نسخة سبتمبر 1983م ويزداد الأمر تأكيداً بالاتفاق الحالي بين حزب المؤتمر الوطني الحاكم وحزب جعفر نميري وقد أصبحا اليوم حزباً واحداً. وللمفارقة فإن رئيس الحركة الشعبية قد أعلن وقبل عدة أيام من تصريح المشير عمر البشير المذكور آنفاً، أنه ضد قيام الدولة الدينية في السودان وهنا يأتي حديث الدكتور جون قرنق متسقاً تماماً ومطابقاً لما ورد في وثيقة الدين والدولة وكل هذا وقع في مناخ تتبادل فيه الحكومة مع الحركة الاتهامات المختلفة باجهاض عملية السلام وستزيد خطوة ادماج حزب جعفر نميري مع الحزب الحاكم المسألة تعقيداً فنميري هو العدو الأعدى للحركة الشعبية فلن تقبل به شريكاً في سلطة لأنها تعلم أن الشعب كله قد لفظه، ووجوده كفيل وحده بتعطيل اتفاقية السلام بأكثر مما هي الآن. ثم إنني أعتقد أن الحركة الشعبية لتحرير السودان والتي تحولت الآن إلى حركة سياسية تريد أن يكون لها مواقع أقدام في الشمال وقاعدة جماهيرية وعليه فلن تجازف بمجاراة الحزب الحاكم إلى ما لانهاية خاصة وأن الجماهير السودانية المحبطة قد فقدت الثقة نهائياً في القوى السياسية التقليدية التي أضرّت كثيراً بالسودان منذ بداية الحكم الوطني. ولقد تقبل معظم السودانيين اليوم فكرة السودان الجديد الذي تنادي به الحركة ولازالت تنادي به وتعمل على أن يكون ذلك واقعاً فعلياً ثم هل تستطيع الحركة أن تهمل تطلعات الجنوبيين المقيمين بالشمال والأقليات غير المسلمة والكثيرين من المسلمين في الشمال من الذين تختلف توجهاتهم الدينية مع توجهات الحكومة؟؟. إن الحركة لن تستطيع أن تهمل كل ذلك لأن فكرة السودان الجديد من استراتيجياتها الأساسية ويقيني أنه لو اندلعت انتفاضة شعبية اليوم في أي صورة من الصور فإن الحركة ستنحاز إلى جانب الشعب لأن الإرادة والسيادة له أولاً وأخيراً.
أعود لوثيقة علاقة الدين بالدولة فأرى في المادة (6-3) أن الأهلية للوظيفة العامة بما في ذلك منصب الرئاسة والخدمة العامة والتمتع بكافة الحقوق إنما يقوم على أساس المواطنة وليس الدين فإين هذا كله من اجترار الحكومة للموروث الفقهي الذي لايعطي غير المسلم الولاية على المسلم في كل درجاتها ولا يعطي للمرأة حقاً متساوياً مع الرجل في المسائل العامة فكيف يمكن تطبيق كل هذا مع وجود النصوص التي أوردناها وترجمناها من الوثيقة الخاصة بعلاقة الدين بالدولة وفي غياب الفكرة التطويرية للتشريع الإسلامي لدى الحزب الحاكم. ثم إن هذا الصنيع يصادم أيضاً المادة (3-1-1) من الوثيقة المذكورة والتي وقعت عليها الحكومة وقد ورد في هذه المادة أن الدستور القومي للسودان هو القانون الأعلى في البلاد ويجب أن تخضع له كل القوانين وهو دستور روحه المواطنة وأساسه الحقوق المكفولة بموجب عقد المواطنة لا الدين أو المعتقد. وهكذا تصبح الخطوة الاستباقية بتثبيت الشريعة الاسلامية مجرد مزايدة أو مدافعة لحركة الهوس الديني داخل الحزب الحاكم نفسه أو خارجه. ثم إن اللجنة القومية لمراجعة الدستور الوارد ذكرها في المادة (3-1-2) ستقوم بعملية مراجعة شاملة للدستور أثناء الفترة الانتقالية وستواجه هذه اللجنة معضلة عدم دستورية بعض القوانين الغير متسقة مع نصوص وروح الاتفاقيات التي هي مصدر رئيسي من مصادر الدستور الذي ينبغي ألا يتعارض مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان والتي نصت اتفاقيات السلام على ضرورة الالتزام بها وتطبيقها.
ما الحل؟
رسالة إلى المزايدين بالموروث الديني الفقهي والمتهافتين على الحداثة:
أولاً أقول للمزايدين إنكم بصنيعكم هذا إنما تخاطبون العواطف الفجة ولا تخاطبون العقول لأن تطبيق الموروث غير ممكن كما أثبتت ذلك التجربة العملية ثم إن الإصرار على تطبيقه هو خطأ ديني في ذات الوقت لأنه مخالفة صريحة للأمر القرآني: {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون..} وفعل التفضيل (أحسن) يعني أفضل بمقتضى حكم الوقت ولكم شواهد على ذلك من تاريخكم التشريعي نظريةً وتطبيقاً، وهذا هو عمر بن الخطاب الخليفة الثاني يمتنع عن دفع سهم المؤلفة قلوبهم بعد أن أعز الله الإسلام على الرغم من وجود النص القطعي بذلك فهل خرج عمر بن الخطاب بصنيعه ذلك من الدين وشاهده القرآن: {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..} تلك هي الحرية الحقة التي لا تستطيع أن تنوشها أسهم المؤلفة قلوبهم إغراءً لهم بالمال أو إكراهاً لهم بالسيف على الرغم من وجود آيات السيف في القرآن. أما الفئة المتهافتة على الحداثة فهي بالضرورة متحيزة لتجليات الحداثة في الغرب مصداقاً لنبؤة النبي الكريم: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر ذراعاً بذراع حتى ولو دخلوا جحر ضب خرِب لدخلتموه..)) ومن هنا فالذين ساووا بين المسلم وغير المسلم في دستور 1998م وساووا فيه بين المرأة والرجل لم يفعلوا ذلك وفق منهجية علمية تطويرية وإنما هو قفز عبر الفضاء وقول بالرأي الفج _كما يعبر الاستاذ الشهيد محمود محمد طه_ ولعمري فإن مثل هذا الصنيع لا ثمرة له غير إبراز فضيلة العلمانية على الدين في مقام الحرية والمساواة بين جميع البشر. أما الدين المستنير فهو بلاريب حاجة البشرية كلها اليوم بعد أن فشلت وبالتجربة العملية كل الأيدولوجيات والفلسفات المعاصرة وكذلك الاتجاهات الدينية التقليدية في حل قضايا الإنسان المعاصر.
فما الحل؟؟؟
أرى أن تقوم الدولة المدنية في السودان المؤسسة على حق المواطنة وأن يؤسس وفق تشريع دستوري للمنابر الحرة ليطرح كل تنظيم ديني أو غير ديني برامجه على الشعب ليوعي الشعب ثم يحكم في كل هذه الآراء ثم يختار، وقبل ذلك فإن على كل صاحب دين أن يتمثل قيمه الأخلاقية الرفيعة في أدائه لعمله العام تنفيذاً لتعاليم دينه هو أياً كان هذا الدين لأن كل الأديان تدعو إلى للقيم الإنسانية الرفيعة وإلى مكارم الأخلاق والشفافية والصدق والاتقان وهذا هو ما نعنيه بإدخال روح الدين في السياسة وفي نفس الوقت فصل الدين عن الدولة لأن الدولة جهاز لادين له ووظيفته تقوم على الائتمان والاتقان والتجرد التام للمصلحة العامة.
* الكاتب رئيس المركز السوداني لحقوق الإنسان المقارنة
[email protected]

http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147509994&bk=1

Post: #416
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 11:44 PM
Parent: #415


كان صوتاً للعقل والحقوق الأساسية

رحيل الريشة المبدعة : عز الدين عثمان
تقرير : عادل إبراهيم
في صمتٍ وبعد صراعٍ طويل مع المرض رحل عن عالمنا رائد فن الكاريكاتير السوداني الفنان عز الدين عثمان(1933_2008)، وبرحيله تنطوي صفحة مشرقة من صفحات التشكيل السوداني متمثلة في أحد أبرز فناني الكاريكاتير على إمتداد ما ينيف عن الأربعين عاماً في معالجة ونقد قضايا الساحة السودانية السياسية والاجتماعية والفنية والرياضية مخلفاً تأريخاً ثراً لفترات شديدة الخصوبة والتعقيد من عمر السودان الحديث وشاهداً على حقبٍ اجتماعية شتى ، وكأن بها تقول (قدر الفنان ألا يموت !) ..
عز الدين عثمان من مواليد الخرطوم في العام 1933م وتخرج في كلية الفنون الجميلة، عمل عقب تخرجه في شركة (ميشيل كوستا) بالخرطوم . وبدأ نشر أعمال الكاريكاتورية في جريدة (الأخبار) لينتقل بعدها إلى جريدة (الصحافة) و(الرأي العام) والتي توقفت أوائل السبعينيات بقرار حكومة مايو الشهير بتأميم الصحافة . لينتقل بعدها الفنان الراحل للعمل بصحيفة (الايام) والتي عمل بها طيلة فترة حكومة مايو . وإثر اشتداد قيود النشر التي كان يصدرها الاتحاد الاشتراكي هاجر عز الدين عثمان أوائل الثمانينيات إلى دولة الإمارات العربية المتحدة ليعمل في صحيفة (البيان) وبعد عودته واصل نشر أعماله ورسوماته بصحيفة (الرأي العام) حتى أقعده المرض . وتعتبر أعمال الفنان عز الدين عثمان الأكثر جرأة في نقد الحكومات التي تعاقبت على السودان، وجاء في نص نعي الجمعية السودانية للدراسات والبحوث في الآداب والفنون والعلوم الإنسانية – باريس، أن عز الدين عثمان الفنان التشكيلي الموهوب والرسام صاحب الحس النقدي المرهف مدرسة بحالها في أدب الصورة كنوع متميز في أنواع العمل السياسي الحديث واعتبر بيان النعي أن مساهمة عز الدين عثمان التي تجسدت في فن الكاريكاتير مساهمة رائدة على أكثر من مستوى سياسي وجمالي واجتماعي، كونها انطلقت كمبادرة نقدية فردية لكن الوعي الاجتماعي التقدمي الذي ظل يغذيها ويحفزها على تعاقب السنين بإختلاف الأنظمة السياسية، كان لا بد له أن يجعل رأي عز الدين الشخصي قضية عامة تهم الجميع ويكسبها مشروعية سياسية نوعيتها الأصيلة تتجاوز بمراحل مشروعيات أغلب رموز العمل السياسي في السودان الحديث.
تاريخ ومدارس الكاريكاتير
الكاريكاتير فن يعتمد على الرسم مع تعريف ملامح وخصائص ومميزات الشخوص والموضوعات ، وكلمة (كاريكاتير) مشتقة من الكلمة الإيطالية (Caricare) التي تعني يبالغ أو يحمل ما لا يطيق (over load) ويؤكد الأكاديمي د. ممدوح حمادة في كتابه القيم (المراحل الأساسية لتطور فن الكاريكاتير) أن الكاريكاتير كفن مستقل تبلور بشكل تقريبي في أواخر القرن الثامن عشر وبشكل أساسي في بلدان أوروبا متأسساً على القاعدة الفنية لعصر النهضة الأوروبية .
ولكن يبقى الكاريكاتير كفن مركب من عنصري التشكيل : الرسم، والدراما : كوميديا الحدث، يضرب بجذوره في عمق التاريخ الإنساني حيث تعتبر الباحثة حنان عثمان في دراستها المعنونة (الكاريكاتير : فن المأساة الضاحكة) أن قدماء المصريين أول من تنبه للكاريكاتير كفن يحقق غرض السخرية من الحكام والسلطات المستبدة ، وباليونان تذكر الباحثة حنان عثمان أن أرسطو قد ذكر اسم رجل يدعى (بوستن) كان يرسم رسوماً ساخرة وأنه قتل بسبب تلك الرسوم . وفي العصر الحديث انتشر فن الكاريكاتير في هولندا وإنجلترا على يد (جورج توتسهد) كأداة للتحريض السياسي وفي إيطاليا ظهر فن الكاريكاتير على يد جيروم بوش وينبال كاراتشي ويعِد بعض المؤرخين ليوناردو دافنشي عراب الكاريكاتير في إيطاليا . أما فرنسا فقد تطور الكاريكاتير فيها على يد شارل نيليبون الذي كان يصدر مجلة كاريكاتيرية في القرن (19) باسم (الشيفاردي) .
وترى الباحثة حنان عثمان أن فن الكاريكاتير قد تأخر ظهوره في العالم العربي وكان أول من رسم وكتب تعليقات كاريكاتيرية هو الصحفي يعقوب صنوع في جريدته (أبو نضارة) لتظهر بعده مجموعة من فناني الكاريكاتير إبان الفترة الاستعمارية مثل الفنان رضا (العم الكبير) والفنان عبد السميع في أعمال يدعو غالبها إلى التحرر الوطني . وبالعراق الفنان غازي مبتكر شخصية البغدادي الذكي وبسوريا ظهر عبد اللطيف ماديني وعلي فرزات وبلبنان خليل الأشقر .
ولفن الكاريكاتير عدد من المدارس،تتنونع في أساليبها ورؤاها كالمدرسة الأوروبية الشرقية التي تعتمد على الرسم فقط لتقديم الفكرة بدون تعليق والمدرسة الأوروبية الغربية التي تعتمد على الرسم التخطيطي البسيط في وجود نكتة أو حوار ضاحك لخلق الفكرة المراد توصيلها والمدرسة الأمريكية التي تجمع بين المدرستين السابقتين .



الفنان طيب المجتمع :
وبإشارة للعديد من الفنانين المراقبين تعتبر الفترة التي قضاها الفنان الراحل عز الدين عثمان بصحيفة (الايام) هي الفترة المركزية لتجربته في مجال فن الكاريكاتير وتأسست عليها شهرته الواسعة . وكتب عن ذلك التشكيلي المقيم بالولايات المتحدة د. النور حمد في معرض التوثيق لريادة عز الدين عثمان (لا يمكن أن يذكر الناس حقبة الديموقراطية الثانية من غير أن يذكروا عز الدين عثمان . بعد أن سقط نظام الفريق عبود في أكتوبر 1964م وعادت الصحافة الحرة إلى الظهور بعد غياب ست سنوات ، وعلى رأسها صحيفة الأيام ، وظهر معها عز الدين عثمان وليداً خرج إلى الوجود بأسنانه مكتملة في فمه، كان كاريكاتير عز الدين أقوى من أي عمود يكتبه صاحب أي عمود في تلك الحقبة . وكان الكثيرون يشترون الايام لكي ليطالعوا كاريكاتير عز الدين . وجَّه عز الدين سهام نقده الطريف والناقد للرئيس الأزهري وللسيد الصادق المهدي ، ولنصر الدين السيد ولصلاح بن البادية وهو يرشح نفسه في دائرة أم ضبان وللمحجوب وللدكتور حسن الترابي وطلابه بجامعة الخرطوم يبدأون مسلسل العنف الطلابي وهم يعتدون على رقصة العجكو في جامعة الخرطوم . ولم يسلم سياسي منه السياسيين من لسعات عز الدين عثمان . كان عز الدين صوتاً للديموقراطية والحزب الشيوعي يمر بمحنة الحلْ، وطرد نوابه من البرلمان . وكان صوتاً للعقل والحقوق الأساسية والأستاذ محمود محمد طه يتعرض لمحكمة الرد الأولى في 1968م .
ويقيناً لن يشمل هذا الأخير الإسهام الباذخ للراحل عز الدين عثمان بقدر ما تحمل آيات تقديرٍ في مقام الفقد المفاحيء ، مرفقةً بخالص التعازي لأسرته وزوجته السيدة سامية محمد الحسن وأبناؤه وبناته ، ومن قبل شعبه الذي أحبَّ وعَشِقْ .

http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147509970&bk=1
_________________

Post: #417
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 11:47 PM
Parent: #416


اسرار وخفايا محاكمة الاستاذ محمود محمد طه (1_2 )

ومقرر الامم المتحدة الخاص لحالات الاعدام ( الظالمة )


إبراهيم يوسف

كان واعظ مصرى قد حضر للسودان وهو داعية فتنة وعنف اذ تسبب فى عنف ضد المسيحيين فى مصر قتل فيه بعض المسيحيين وفى السودان اخذ يهاجم كبار الصوفية الذين يمثلون تراث البلد الصوفى الذى اورثنا التسامح ورغم تهديد الشيخ المصرى للأمن فقد تبناه المسئول عن رئاسة جهاز الامن السيد عمر محمد الطيب فى جامعه ومن هناك اخذ طريقه لأجهزة الاعلام الرسمية ليهاجم الشيخ الاكبر ابن عربى وليهاجم الجمهوريين والفكرة الجمهورية والجمهوريون فى بلدهم لم يعطوا الفرصة ليدافعوا عن تراثنا الصوفى وعن فكرتهم ولذلك اصدروا كتابهم ( الهوس الدينى يثير الفتنة ليصل الى السلطة ) نبهوا فى كتابهم السيد رئيس جهاز الامن لتفريطه فى امن البلد بتبنيه لداعية الفتنة والعنف المشئوم الوافد على بلادنا وبدلا من ان يتنبه السيد رئيس الجهاز لمسئوليته الامنية التى أخذ الجمهوريون يصدرون عنها اشرطة الكست فانه قد اتجه لاعتقالات قيادات الجمهوريين والجمهوريات واعتقال الاستاذ نفسه وقد استمر هذا الاعتقال لاكثر من سنه ونصف بكوبر وحين كان الاستاذ والجمهوريون بالمعتقل قد صدرت قوانين سبتمبر فأصدر الجمهوريون وهم داخل المعتقل كتابهم الموقف السياسى الراهن وكان نصحا لحكومه مايو كما اصدروا بيانا بتاريخ 11/8/1984 فنصحوا مايو بانها بقوانين سبتمبر اخذت تسير فى الظلام اذ هى قوانين مفارقة للدين وللشريعة وقد تعرض المنشور لاعلان نميرى للتجسس كما ذكر ان الاسلام سيعود بالسنة وليس بالشريعة كما انتقد تعديل الدستور لاقامة امامة نميرى غير المحددة بزمن وان ما يجرى فى البلد الان قد شوه الاسلام وهدد وحدة البلد وان مايو غير مؤهلة لبعث الاسلام ( وسيجئ الاسلام بنقاوته وطهره يوم يجئ وسيكون للعالم مفازه وملجأ ويومها لن يختلف فيه اثنان وسيجئ بنفحته الروحية الظاهرة باياته التى تخضع لها الاعناق )
زبانية الامام يحاكمون الاستاذ محمود بدون قضية
منذ عرفت المحاكم لم تعرف محكمة بدون قضية دعوى واتهام وبينات
ودفاع ولكن عكس كل ذلك حدث ايام الحكم ( الاسلامى المزعوم ) اذ اصدرت
محكمة الاستئناف فى مهزلة قضية الرجل الشجاع صلاح المصباح حكمها الاستطرادى على الاستاذ محمود بخروجه على الكتاب والسنة كما ذكر الاستاذ ان حكومة نميرى تدبر لنا محاكمة امام محاكم الهوس فقال ( نحن اخرجنا من المعتقلات لمؤامرة نحن اخرجنا فى وقت يتعرض فيه الشعب للاذلال والجوع بصورة محزنة ونحن عبر تاريخنا عرفنا باننا لا نصمت عن قولة الحق وكل ما يحتاج ان يقال له فى نفسه شئ قلناه له ومايو تعرف هذا الامر عننا ولذلك اخرجتنا من المعتقلات لنتكلم لتسوقنا مرة اخرى ليس لمعتقلات امن الدولة وانما لمحاكم ناس المكاشفى لكن نحن ما بنصمت ) ورغم كل هذه النذر والمهددات فان الاستاذ يوم خروجه من السجن يوم 19/12/1984 بعد خروج السيد الصادق يوم 18/12/1984 قد اعلن الاستاذ مواجهة النظام وخرج مع الجمهوريين فى الميدان العام وقال لهم خروجكم هذا عصيان مدنى ولذا لا بد ان اكون معكم وامامكم وهكذا كان الاستاذ محمود
وما الفرق بين الانام وبينه اذ حذر المحذر واستصعب الصعب
فاصدر الجمهوريون منشورهم الشهير كانذار قدم للطاغية على كف اسد ( هذا او الطوفان ) وقال الاستاذ ( نميرى شعر بالسلطه تتزلزل تحت اقدامه فانشأ هذه المحاكم ليرهب بها الناس ليستمر فى الحكم واذ لم تكسر هيبة هذه المحاكم لن يسقط نميرى واذا كسرت هيبتها سقطت هيبته عورض واسقط ونحن سنواجه هذه المحاكم ونكسر هيبتها واذا المواطنيين البسيطيين زى الواثق صباح الخير لاقو من المحاكم دى ما لاقو فا صحاب القضية اولى ) وهكذا قاطع الجمهوريون المحكمة لانها مشكله بقوانين سبتمبر الظالمة وحاكمها الاستاذ محمود بقوله ( أنا أعلنت رأى مرارا فى قوانين سبتمبر 1983م من أنها مخالفه للشريعه وللأسلام أكثر من ذلك فأنها شوهت الشريعه وشوهت الأسلام ونفرت عنه يضاف الى ذلك أنها وضعت وأستغلت لارهاب الشعب وسوقوه الى الاستكانه عن طريق إذلاله ثم أنها هددت وحده البلاد هذا من حيث التنظير
أما من حيث التطبيق فإن القضاة الذين يتولون المحاكمه تحتها غير مؤهلين فنيا وضعفوا أخلاقيا عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذيه تستعملهم لاضاعه الحقوق وإذلال الشعب وتشويهه الاسلام وأهانة الفكر والمفكرين وإذلال المعارضين السياسيين ومن أجل ذلك فإ نى غير مستعد للتعاون مع أى محكمه تنكرت لحرمة القضاء المستقل ورضيت أن تكون أداة من أدوات إذلال الشعب وأهانة الفكر الحر والتنكيل بالمعارضين السياسين ) ..
حديث الفداء
كان الاستاذ فى الليلة التى اعتقل فى منتصف نهارها التالى 5/1/1985 قد اعلن فى جلسة الجمهوريين حديث الفداء وكيف كان الصوفيون يتقدمون لفداء المواطنين من الاوبئة الفتاكة فيموت الشيخ الكبير ويرتفع الوباء وعلى الجمهوريين ان يفدوا شعبهم من المحنة والمآسى الماثلة
وكانت اعتقالات الجمهوريين بتوزيع المنشور تحت المادة 127/أ ازعاج السلام ولكن تدخل الوزير الجنائى محمد آدم عيسى فحول المواد الى محاربة السلطة فى القانون الجنائى وقانون امن الدولة وضم الاستاذ محمود للمتهمين وقال الاستاذ محمود فى اقواله انه المسئول عن كل نشاطات الفكرة الجمهورية وعن موقف المواجهة واصدرت المحكمة حكمها على الاستاذ و الجمهوريين الاربعة بالاعدام ولكن محكمة الاستئناف اقحمت تهمة الردة بدون ان ترجع القضية لمحكمة اول درجة او تسير فى التهمة الجديدة بعد السماع من المتهمين بل اصدرت محكمة الاستئناف حكمها واكثر من ذلك حجبت حكمها الجائر عن المحكمة العليا هل لذلك صلة بوثيقة التأمر التى وجدت بالقصر وكان السيد النيل ابو قرون رفع منشور الجمهوريين للنميرى وقد اعتقل عدد منهم قائلا ( وقد اتاحوا لنا فرصة تاريخية لمحاكمتهم ) وكان رد نميرى وتعليقه على هذا المنشور ارى بين سطوره ( الردة بعينها ) وطلب من كهنة القصر عوض والنيل وبدرية وبابكر مسئول الزكاة طلب منهم ان يجتمعوا حول المنشور ( ليحكموا قبل المحكمة ) وهكذا اسندت المحاكمة لحسن المهلاوى قريب النيل ابوقرون بعد ان رفع من عضو مجلس قضاة الى محكمة طوارئ



تآمر مجلس الامن القومى
جاء فى جريدة الميدان 4ربيع ثانى 1407 ما يأتى :-
( لن يكمل كشف وفضح جريمة اعدام الشهيد محمود محمد طه ما لم تفتح الحكومه ملفات محاضر مجلس الامن القومى فى تلك المرحله انها موجوده وقد سلمت لجهاز الامن الجديد ان محاضر اجتماعات مجلس الامن الاسبوعية منذ الاسبوع الاول من ديسمبر 1984 حتى الاسبوع الثالث من يناير 1985 تكشف الكثير من ابعاد الجريمة فهذه الفترة بين اطلاق سراح الاستاذ محمود من الاعتقال ثم اعتقاله ومحاكمته واستشهاده ظلما فى 18/1/1985
كان هذا تعليق الاستاذ محمد ابراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعى رد على سؤال للميدان حول ذيول الجريمة بعد ان صدر قرار المحكمة العليا وقال ان الشهيد محمود اطلق سراحه عندما كان السفاح يفكر فى مشروع مصالحة جديدة ( كذلك اطلق سراح السيد الصادق ) وكما اوضح محمود رايه فى القوانين القمعية المزينة بأسم الشريعة طرح امر اعتقاله ومحاكمته على مجلس الامن القومى واختلف راى المجلس وكانت هناك اغلبية ضد الاعتقال والمحاكمة ولكن السفاح اصر على المحاكمة فتمت
وسألت ( الميدان ) من صوت مع ومن صوت ضد القرار ؟ ورد الاستاذ نقد ( حسب علمى فقد وقف ضد القرار المرحوم على يس وزير الداخلية يومذآك والسيد كمال حسن احمد عثمان نائب رئيس جهاز الامن والفريق اول سوار الدهب وزير الدفاع وكان الرأى الغالب لدى هؤلاء التحفظ عليه فى منزله
اعترض نميرى وايده عوض الجيد ثم توالت الجرائم قتل وعدم احترام لحرمة الموتى واقتراح بحرق جثته وذرها على البحر الاحمر ( خارج حدود السودان ) ثم انتهى بهم الامر لي نقله بطائرة هيلكوبتر الى جهة مجهولة حيث تخلصوا من الجثة بطريقة يمكن تصورها
عاد الاستاذ نقد ليؤكد ان ابعاد الجريمة لن تعرف تماما الا بكشف ما كان يدور خلف الابواب المغلقة انذآك
وحين يطالب الاستاذ نقد بكشف ابعاد الجريمة المؤامره فان السيد الصادق كان موقفه من لجنة التحقيق التى كونها النائب العام بعد صدور حكم المحكمة العليا بابطال محاكمة الاستاذ محمود وتبرئته التى مارست صلاحياتها القانونية بالاعتقال لقضاة المهزلة وكهنة القصر هاجت صحف الجبهة فانحنى لها السيد الصادق المهدى واوقف اللجنة التى ظهر انه يجهل قانونها الذى كونت بموجبه كما نبه لذلك القانونيون فمما قاله مصدر قانونى فى الرد على السيد الصادق الذى كان رئيس للوزراء بعد الانتفاضة ان امر التكليف الصادر من النائب العام جاء وفق صلاحياته والنائب العام مخول صلاحياته للجنة التحقيق بموجب مواد قانونية تحدد له سلطة فى القبض والتحرى وكافة الاجراءات القانونية المنصوص عليها فى قانون العقوبات واوضح انها قد استعملت في العديد من لجان التحقيق مثل قضية الفلاشا وقضية مديري انقلاب مايو وقضية مقتل الامام الهادي ( ولا زال المتهمون بسجن كوبر رهن الاعتقال) وفي نفس النصوص وتم فتح بلاغات في كافة تلك القضايا فور صدور امر التكليف بالتحقيق كما اعلن الاستاذ طه ابراهيم ان لجان التحقيق لها سلطة القبض وما قامت به اللجنة هو الاجراء الوحيد الذي يتفق مع ما جرت عليه الأعراف في مثل هذه الحالات كما اعلن الاستاذ اسماعيل ابو شوره نربأ بالسيد/رئيس الوزراء تناول اي امر لا يزال قيد النظر أمام القضاء تحريك البلاغ سلطة تقديرية للجنة لتحقيق كما اعلن نقيب المحامين ان السيد رئيس الوزراء منع الصحفيين من التعرض لاى موضوع قيد النظر امام القضاء بينما سمح لنفسه بالخوض في هذه القضية كتاب يوميات الدولة الاسلامية صفحه83/84 .
وهكذا اخذ القانونيون على السيد الصادق تبريرة لاعتقال المتهمين في قضية الامام الهادي وايقاف لبلاغات وتحريات وتحقيق لجنة قضية الاستاذ محمود مع انها مكونة من نفس القانون الذي كونت به لجنة قضية الامام الهادي وقال انه سينظر في الأمر حتى (يطمئن قلبه) ويبدوا ان قلبه لم يطمئن وكان السيد/ الصادق قد أطلق سراحه من الاعتقال يوم 18/12/1984 وتم اطلاق سراح الاستاذ يوم 19/12 فاعلن الاستاذ مواجهة السلطة بمنشوره الشهير هذا او الطوفان في الوقت الذي ظهر فيه السيد الصادق للعب البولو مع ابي القاسم محمد ابراهيم فان كانت غيره السيدالصادق وحساسيته ضد التحقيق في اغتيال الاستاذ محمود منطلقة من هذا الموقف فليطمئن انه ليس هناك من ينتظر منه ان يكون في قامة الاستاذ محمودالجريئة العالية السامقة .
( نواصل )

http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147509843&bk=1
___

Post: #418
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 11:47 PM
Parent: #417


اسرار وخفايا محاكمة الاستاذ محمود محمد طه ( 2_2 )
ومقرر الامم المتحدة الخاص لحالات الاعدام ( الظالمة )

إبراهيم يوسف

سألت الصحفية احلام حسن سلمان في حوار كان قد نشر في جريدة الصباحية الخميس 23 جمادي الآخر 1421هـ (سيادة المشير نميرى برغم انك قوي تأمر ولا تؤمر ولكن دفعت دفعاً للموافقة على إعدام محمود محمد طه لان البعض اراد ان يزيحه عن طريقه وضع يديه على راسه ونظر الى اسفل وأمتلأت ملامحه باسى حقيقي حتى اشفقت عليه وندمت على هذا السؤال وبعد ان خلت صمته لا ينتهي قال – ندم العالم كله لن يكفيني حين اذكر محمود محمد طه ذلك الرجل الشيخ اسير آرائه العجيبة لم اكن اريد قتله الترابي قال لي ان محمود محمد طه يريد ان يكون حلفاً مع اليسار ضدي وقال لي ان الجمهوريين قوة لا يستهان بها اذا اجتمع هو واليسار فاني لا محالة هالك فجاء قرار اعدامه حمله لي الترابي وطلب توقيعى عليه وقتها كان الامر جد خطير في الداخل والخارج وحاول الجميع من قبل إثناء محمود محمد طه عن آرائه تركت القرار دون توقيع لمدة يومين في صباح اليوم الثالث ذهبت اليه بالملابس المدنية وقلت له يحزنني ان تموت فقط تنازل عن آرائك ولكن تحدث معي بطريقة ظننتها صلفا وقتها ولكن الآن عرفت انها كبرياء بدقائق الامور وقال لى تنازل انت عن آرائك اما انا اعلم اني سأقتل واذا لم اقتل في محاكمة علانية سيقتلني الاخوان المسلمين سراً) اذهب واتركني انا اعلم اني ساموت . والكاتبة والصحيفة الامريكية جوديث ميلر المراسلة السابقة لصحيفة نيويورك تايمز في الشرق الاوسط فقد حضرت مشهد تنفيذ حكم الاعدام على الاستاذ بسجن كوبر وقد وصفت ذلك في كتابها الذي سمته (لله تسعة وتسعين اسماً) وقد قالت لن انسى ما حييت التعبير المرتسم على وجهه (تعني الاستاذ) كانت عيونه متحدية ولم تبدوا عليه اي علامة من علامات الخوف كما كتبت (ادين طه) بتهمة الردة على الاسلام وهي تهمة نفاها طه الذي اصر حتى النهاية انه ليس مهرطقاً ومرتداً عن الاسلام وانما مصلح ديني ومؤمن وقف في وجه التطبيق الوحشي للشريعة الاسلامية (قانون المسلمين المقدس) بالطريقة التى فهمها ونفذها بها الرئيس جعفر نميري من وحي الموقف احسست انا ايضاً ان طه لم يقتل بسبب يتعلق بنقص في قناعته الدينية وانما بسبب من نقصهم هم ) .
مقابلتها لنميري بعد تنفيذ الحكم :
كتبت ميلر انها قابلت نميرى عقب اعدام طه بقليل في نهايات يناير 1985 وقالت سألت نميرى (لم قتلت محمود محمد طه محولة مجرى حديثى معه الى منطقه اكثر حرجاً واكثر اقلاقاً رد نميرى انتم تقولون انه معتدل ولكنه غير معتدل ) ولم يزد على ذلك ثم قال القران يوصى بقتل المرتدين ولا يستطيع الرؤساء والملوك والسلاطين تغيير ذلك (هكذا امام المسلمين الذى كتب البيعة لامامته دكتور الترابى ونعته بانه مجدد القرن هذا الامام لا يعرف بداهة الفقة التى تعرف ان القران ليس فية عقوبة دنيوية على الرده ) وواصلت عن مقابلتها قائلة ( ثم غطس نميرى في كرسية ودخل فى حالة من الصمت جذب منديلاً ومسح حاجبه وبدى أنه قد نسى وجودى تماماً مرر يده بذهن شارد على شعره المجعد ووجهه الذى كان متجسداً فى حضور قبل لحظات قليلة تهالك فجاة وتراخى فكاه وتمدداً عندها تنهد وامرنى بالانصراف بتلويحه من يده وكانت تلك هى اخر مقابلاتى مع الرئيس نميرى ) .
شهد شاهد من اهلها : الدكتور حسن مكي هو مؤرخ حركة الاخوان المسلمين بالسودان وعضو بارز بالحركة ذكر في جريدة الوفاق – 5/12/1998 قوله ( اعتقد ان الصف الاسلامي في ذلك الوقت كان جميعة مع اعدام محمود محمد طه : ويواصل التحقيق الصحفي
س /نحن نسأل عن موقف د حسن الترابي
ج/ انا اعتقد ان كان خائف على ان نميري ينكث عن اعدام محمود محمد طه ويدعو الله الا يحدث ذلك
س / ولكن الترابي يعلن دائماً ان المرتد فكريا لا يقتل
ج/ انت تريد ان تخرج لموقف الترابي وانا اوثق للتاريخ
س/ هناك راي يقول ان د.الترابي كان حريصاً على اعدام محمود محمد طه وان محمود كان يمثل منافس شخصي له على مستوى الطرح الاسلامي ؟
ج/ هسع الانقاذ ما كتلت ناس ؟ ماكتلت مجدي في دولارات ؟ لانه كان مؤثر على سياساتها الاقتصادية فكيف اذا كان مؤثر على مشروعك كله )
س/ الراي الفقهي في القضية مقاطعاً (القضية سياسية ما فيها راي فقهي خصوصا ان محمود كان اقوى فى طرحه ضد الشريعة في ذلك الوقت ) .
العلماء بدل المناقشة للافكار يحرضون السلطة .
ذكر الشيخ حسن حامد في خطبته يوم الجمعة بجامع النيلين يوم 28/6/1985 في معرض تهجمه علي الدكتور عبد الله الطيب فقال (ذهبت وخطبت في مسجد كوبر (مسجد عمر محمد الطيب ) (رئيس جهاز الامن) ووضحت للمسلمين ان هذا خطا كبير وان اهمال الحكام لهذه المسألة) يحملهم مسئولية ضخمة أمام الله فقابلني بعض المسئولين وعلى راسهم عمر محمد الطيب وقال الى انني اريد ان اعرف راي العلماء في هذه المسألة فاعطيته اسماء المشايخ الاتية اسماؤهم الشيخ عوض الله صالح مفتي السودان السابق الشيخ صديق احمد عبد الحي المفتي يومئذ والشيخ توفيق احمد الصديق الذى حكم على محمود بالرده قبل سبعة عشر عاما والشيخ عبد الجبار المبارك والشيخ سيد امين والشيخ الامير ابراهيم مدير الدعوة والشيخ محمد نجيب المطيعي (المصري المشئوم) فاجتمع بنا في القصر وامرنا ان نعد بياناً نوضح فيه كفريات محمود) المرجع كتاب الجمهوريين(عبد الله الطيب والمجذوب اكتوبر 1985 ) .
المحكمة العليا تبطل محاكمة الاستاذ محمود
وكانت المحكمة العليا الدائرة الدستورية قد اصدرت حكماً في القضية 43/ق/د/1406 بتاريخ 18/11/1986 وكان حكمها يقضي ببطلان محاكمة الاستاذ محمود وما جاء في حيثيات الحكم ما ياتي ( يبين من مطالعة اجراءات محكمة الاستئناف تلك انها انتهجت نهجاً غير مألوف واسلوباً يغلب عليه التحامل مما جعل الاطمئنان الى عدالة حكمها أمراً غير ميسور وعرضة للمعايير السياسية التي لا شان لها بالاحكام القضائية ) .
كما جاء في الحيثيات ( ونخلص من كل ما تقدم الى ان اجراءات محكمة الاستئناف الجنائية في اصدار حكم الردة في مواجهة محمود محمد طه ورفاقه كانت وللأسباب التي سبق تفصيلها جاحدة لحقوق دستورية وقانونية شرعت اصلاً لكفالة محاكمة عادلة ( على ان محكمة الاستئناف لم تكن عابئة فيما يبدوا بدستور او قانون اذ انها جعلت من اجراءات التأييد التي ظلت تمارسها المحاكم المختصة في سماحة واناة وبغرض مراجعة الاحكام مراجعة دقيقة وشاملة – محاكمة جديدة ـ قامت فيها المحكمة بدور الخصم والحكم بما حجبها عن واجبها ) والمحاكمة الجديدة كانت لاضافة تهمة الردة والحكم فيها بدون سماع لانهم يخافون مواجهة الاستاذ محمود وقد حاكمهم بانهم غير مؤهلين فنياً (وضعفوا اخلاقياً )
في هذا الشأن لم تقتصر محاكمة محكمة الاستئناف الجنائية التي استقلت بسلطة التاييد في اصدار حكم بالردة وانما امتدت الى تأييد احكام الاعدام التي صدرت ترتيباً على الادانة بموجب قانون العقوبات وامن الدولة وهذا التاييد وان كان محمولا على اسباب في ظاهرها اقتناع المحكمة بثبوت الادانة وتناسب العقوبة الا انه في واقع الامر محمول على الردة التي استحوزت على جل ان لم يكن كل اهتمام محكمة الاستئناف الجنائية هذا علماً بان الردة لم تكن مجرمة او منصوص على عقوبتها في القانون ولكن النميري كان قد اعاد منشور الجمهوريين لكهنة القصر معلقا عليه بأنه يرى في المنشور (الردة بعينها) ولكن المنشور قد كان هو مستند المحاكمة الوحيد كان يطالب بالغاء قوانين سبتمبر لمخالفتها للشريعة واعطاء الاخوة الجنوبيين حقهم في المواطنة المتساوية والحل السلمي لمشكلة الجنوب وفتح المنابر الحرة لنرتفع الى الاسلام المستنير حيث الحل الحضاري لمشكلة الجنوب والشمال بدل الدعوات الاسلامية الجامدة المتخلفة التي لن تورث الشعب الا الفتنة والحرب الاهلية وحين قال النميري انه يرى في المنشور ( الردة بعينها ) واقحمت محكمة الاستئناف الحكم بالردة التى هى اساساً لم تكن واردة بالقانون فان المحكمة العليا تقول في ابطالها لحكم محكمة الاستئناف كان الواجب ( ان تقتصر العقوبة على ما كان يتناسب وفعل المحكوم عليهم وهو فيما نعلم لا يتعدى اصدار منشور يعبر عن وجهة نظر الجمهوريين في قوانين كانت وما زالت محلاً للآراء المتباينة على الساحتين الدولية والمحلية مما لا يعدوا ان يكون مخالفة شكلية (وان كانت كذلك اصلا) لا تتناسب عقوبة الاعدام جزاء لها .
كما جاء في حيثيات المحكمة العليا ( لعلنا لا نتجنى على الحقيقة لو اننا قلنا ان تنفيذ الحكم ما كان ليتم لولا ان محكمة الاستئناف اضافة الادانة بالردة وهو ما لم يكن ليصدر اصلاً فيما لو كانت الاجراءات قد عرضت على المحكمة العليا بدلاً ان تستقل محكمة الاستئناف باجراءات التأييد لتنتهي الى ذلك الحكم من خلال المخالفات القانونية والدستورية التي تناولناها فيما تقدم ) .
الامم المتحدة تقيم مقرر خاص (حالات الاعدام بلا محاكمة او الاعدام التعسفي او باجراءات موجزة ) حسب طلب لجنة حقوق الانسان بقرارها 1982/29 وكان ذلك في اطار آلية الأمم المتحدة لحقوق الانسان كما ان من واجب المقرر الخاص (هـ) ان يولي اهتماماً خاص لحالات الاعدام بلا محاكمة والاعدام التعسفي او باجراءات موجزة عندما يكون الضحايا من الافراد الذين يضطلعون بانشطة سلمية دفاعاً عن حقوق الانسان والحريات .
وينهض المقرر الخاص بولايته استناداً الى المعلومات التي توجه اليه من الافراد والمنظمات ...) .

http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147509874&bk=1
_________________

Post: #419
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-17-2008, 11:49 PM
Parent: #418


محاكمة الاستاذ محمود محمد طه هل كانت سياسية؟!
إبراهيم يوسف

ضرورة المنابر الحرة للوصول للفرقة الاسلامية الناجبة
جاء في الصحف السودانية نقلا عن تحقيق جريدة الاهرام المصرية مع د.الترابي سؤال المحررة (الا تخشون ان تواجهوا ذات المصير الذي واجهه الشيخ محمود محمد طه الذي اعدم في عهد نميرى بعد اراء مثيرة للجدل؟
وكانت اجابة د.الترابي (محمود محمد طه حوكم وفقا لعقوبة كانت مقررة قبيل محاكمته ولن اقدم للمحاكمة في السودان لانه لا جناية عندنا في السودان اسمها الزندقة هذه الالفاظ التي يطلقونها هراء ومحاكمتي لن تحدث) هذا ما سطره د.الترابي وكل القانونيين السودانيين يعلمون ان محاكمة الاستاذ محمود قد تمت وليس في القانون عقوبة للردة كانت مقررة كما زعم الدكتور الترابي واخر ما نشر في ذلك حديث الاستاذ خلف الله الرشيد رئيس القضاء السوداني السابق الذي نشر بجريدة البيان الاماتية في 10/5/2005م تحت عنوان (اعدام طه خطأ ولا يستند الى مادة في القانون) كما ورد الحديث (اكد خلف الله الرشيد رئيس القضاء السوداني ان اعدام المفكر محمود محمد طه الذي جرى ابان حكم الرئيس الاسبق جعفر نميرى كان خطأ وقال ان القانون لا يتضمن حد الردة الذي تمت محاكمة طه بموجبه وكشف رئيس القضاء ان قرارات محاكمة العدالة الناجزة قد تم اعدامها وان محكمة الاستئناف لم تعثر على اوراق المحكمة التي قضت باعدام طه) انتهي والحق ان خلو قوانين سبتمبر 1983م من عقوبة الرده يعرفها حتى طلبة القانون فيقرأون في مقررهم.. (بتصفح كامل لصفحات قانون العقوبات لسنة 1983م ومواده لن تجد كلمة واحدة تتحدث عن جريمة (الردة) ص55 من كتاب مبدأي الشرعية والاقليمية في القانون الجنائي السوداني وعكس ذلك تماما كل القانونيين السودانيين وطلبة القانون يعرفون ان عقوبة الردة مقررة الان في المادة 126/أ في القانون الجنائي السوداني لعام 1991م الذي صدر ايام قبضة د.الترابي على الحكم في السودان ترى لماذا يغالط د.الترابي كل هذه المغالطة المكشوفة ويعلن ما يغاير الحاصل تماما هل هو بذلك يمارس حساسيته وغيرته من مواقف وتجديد الاستاذ محمود الديني ؟ ام يريد ان يقول ان الاستاذ محمود حوكم بقانون مع ان المحكمة العليا في حكمها ببطلان محاكمة الاستاذ محمود ذكرت انها كانت محاكمة سياسية وذلك ما يعرفه كل القانونيين ويعرفه الشعب ويؤرخه ويوثقه مؤرخ الحركة الاسلامية وعضوها البارز د.حسن مكى حسب جريدة الوفاق 5/12/1998م وفي التحقيق مع دكتور حسن قال (حينما اعدم محمود) كنت مسرحا لافكار شتى : السياسي فينا كان يتكلم بانو الحمد لله ربنا خلصنا من خصم قوى وكان حيعمل لينا مشاكل (وكان حيكون اكبر تحدى لفكرة الحركة الاسلامية السياسي) والفكرى فينا كان يتحدث بان هذا الشخص عندو قدرات فكرية وروحية (اعلامننا واحسن مننا) لكن السياسي دائما ما ينتصر هنا.. هل كان اعدام محمود محمد طه سياسيا؟ نعم كان اعداما سياسيا).
* لكن امين حسن عمر قال ان الترابي انتصر عنده الفكرى على السياسي وكان ضد اعدام محمود؟
اجاب : انا لا اريد ان ادخل ما بين الترابي وامين ولكن اعتقد ان الصف الاسلامي في ذلك الوقت كان جميعه مع اعدام محمود محمد طه.
* نحن نسأل عن موقف د.حسن الترابي؟!
* انا اعتقد انو كان خائف على انو نميرى ينكث عن اعدام محمود محمد طه ويدعو الله الا يحدث ذلك.
* الرأي الفقهي في هذه القضية – مقاطعا –
* القضية قضية سياسية (ما فيها رأي فقهي)
* لكن الترابي يعلن دائما ان المرتد فكريا لا يقتل؟!
* انت تريد ان تخرج لموقف الترابي وانا اوثق للتاريخ؟!
* هنالك راي يقول ان د.الترابي كان حريصاً على اعدام محمود محمد طه وان محمود كان يمثل منافس شخصى له على مستوى الطرح الاسلامي؟!
* (هسع الانقاذ ما كتلت ناس)؟ ما كتلت مجدى في دولارات ؟ لانو كان مؤثر على سياستها الاقتصادية فكيف اذا كان مؤثراً على مشروعك كله (هسع كان جيت الترابي يقول ليك انا ما موافق على قتل مجدي امين حسن عمر يقول نفس الكلام) انتهي.
ومهما يكن من امر فان العبرة الماثلة الان هي ان زيف محاكمة الاستاذ محمود وهمجية اغتياله قد شوهت الاسلام واساءت لسمعة السودان المسالم وكانت المؤامرة بفعل الهبوط الى الخصومة الفاجرة العاجزة وقد برأ القضاء السوداني ساحته عندما اجتاح الطوفان نميرى وزبانيته فاصدرت المحكمة العليا الدائرة الدستورية حكمها ببطلان محاكمة الاستاذ وان تلك المحاكمة (قامت فيها المحكمة بدور الخصم والحكم بما حجب عن واجبها) (ولعلنا لا نكون في حاجة الى الاستطراد كثيرا في وصف هذا الحكم فقد تجاوز كل قيم العدالة سواء ما كان منها موروث ومتعارف عليه او ما حرصت قوانين الاجراءات الجنائية المتعاقبة على النص عليه صراحة او انطوى عليه دستور 1973م (الملغى) رغم ما يحيط به من جدل) القضية م ع /ق د/2/1406 كما ابطلت حكم الردة المزعوم عام 1968م
والعبرة في كل ذلك ان نرتفع من درك التكفير والمحاكمة الى مستوى الحوار الموضوعي المنابر الحرة.
وذلك بان تقوم المنابر الحرة بين كل الفرق في حوار موضوعي بعيدا عن التعصب وتوهم الانفراد بالحقيقة المطلقة علما باننا نعيش مرحلة النذاره بالفرق الاسلامية المتعددة الهالكة الا واحدة ولا سبيل للفرق الواحدة الناجيه الا عبر الحوار الحر الذي يعترف بالرأي الاخر وبحق الاختلاف والارتفاع من درك التكفير والمحاكم هو مطلب العصر بل هو مطلب اصول القرآن التي يجب ان نرتفع اليها مثل آية (الديمقراطية) (فذكر انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر) مثل آية حرية العقيدة (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) وبالارتفاع لاصول القران تتبلور الرؤية الاسلامية التي تجمع بين الاصالة وروح العصر كما هي مطروحة في فكر الاستاذ محمود ولذلك كانت الدعوة للثورة الفكرية والثورة الثقافية وللتربية!!
دور المثقفين والديمقراطية.
ان حرص المثقفين والديمقراطيين على حقوقهم الانسانية الاساسية العصرية هو حق وواجب مثل حرية التفكير والتعبير والعقيدة فان هذه الحقوق الانسانية الاساسية على ضرورتها وقيمتها فاننا حين ننادى بها بدون تأصيلها باصول الاسلام ومن منطلق حقوق الانسان التي هي (صفوية) في بيئتنا فان الدعاة للاسلام المتخلفين والشعب المسلم العاطفى لن يتخلوا عما يعتبرونه هو رأي الدين مهما كان زيف وتخلف دعاته الا بالتوعية الدينية المستنيرة وكثيرون يذكرون ان السيد الصادق كان يقول عن قوانين سبتمبر انها لا تساوي الحبر الذي كتبت به ولكن عندما جاء للسلطة عجز عن الغائها وتردد ربما لانها منسوبة للشريعة.
حل الحزب الشيوعي :
ومثل اخر عندما عدلت القوى السياسي بقيادة د.الترابي الدستور وذهبت بروح الدستور وزيفت الديمقراطية باسم الاسلام وحماية العقيدة كون المثقفون والديمقراطيون مؤتمر الدفاع عن الديمقراطية اشترك الاستاذ محمود من موقعه الديني في هذا المؤتمر ونصح المؤتمرين بان هذا التزييف والانتهاك للديمقراطية قد اعلن باسم الاسلام والسبيل لمقاومته حقيقة هو مناجزة قوى التخلف في ارض الدين بالاسلام المستنير لنسحب البساط من تحت اقدامها ولما لم نستجب لهذه النصيحة الغالية البعيدة النظر واصلت قوى التخلف مشوارها فاصدر مفلسف الازمة د.الترابي كتابه (اضواء على المشكلة الدستورية) ليحرر الانتهاكات ويقول ان بند الحرية هو اضعف البنود في الدستور ولما اصدرت المحكمة العليا حكمها لصالح الحقوق الدستورية صرح السيد الصادق بان هذا الحكم (تقريري) ولا ضرورة لتنفيذه ولما استجار القضاء بالقصر لانصافه خطأ القصر القضاء واشترك القصر في مؤامرة محاكمة الاستاذ محمود بالرده حتى لا يعرى الدعوة للدستور الاسلامي واصدر الحزبان الكبيران وتوابعهما بيانا للدعوة للدستور الاسلامي لاستكمال الهيمنة وكان البيان قد صدر في شهر مايو الذي قامت فيه حركة مايو ولما اقصوا من السلطة اخذوا يتحدثون عن الديمقراطية ويتباكون عليها وقد اصدر الاستاذ محمود كتابا ردا على كتاب دكتور الترابي التبريري واهدى الاستاذ كتابه المسمى زعيم جبهة الميثاق في ميزان (الثقافة الغربية والاسلام) الى الشعب السوداني الذي لا تنقصه الاصالة ولكن تنقصه المعلومات الوافية وقد تضافرت شتى العوامل لتحجبها عنه.
ولما لم نستجب لمناهضة الهوس والتخلف من ارضية الدين نفسها بالاسلام المستنير توالت علينا الكوارث والازمات والقهر وانتهاك الحقوق باسم الاسلام والاسلام من كل ذلك بريئ والامل ان نستبين النصح حتى تكون الانقاذ اخر حكومات الهوس وحتى تكون الزوبعة الحاضرة هي اخر حوار الطرشان (وما ذلك على الله بعزيز) ونسأله تعالى ان نسير اليه بلطائف الاحسان بدل ان نساق اليه بسلاسل الامتحان قال جل شأنه (واتبعوا احسن ما انزل اليكم من ربكم من قبل ان يأتيكم العذاب بغتة وانتم لا تشعرون).

http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147502849&bk=1
_________________

Post: #420
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 00:04 AM
Parent: #1


السودانوية : محمود محمد طه
صلاح شعيب

حتى الآن لا يوجد مفكّر سوداني واحد يمارس القطيعة مع منتجات الأزهر أو فكر سيد قطب أو كتابات التوسير وماكس فايبر وإلياس فرح وانطوان سعدة ويوسف القرضاوي، لينظر للواقع السوداني من داخله ويفهمه وبالتالي لا يأتي بحزم توصيات فكرية صمدة وصادمة من الخارج ليحاول صبها صباً في واقعنا المتفرّد الذي هو جماع الأفريقانية والعربية.
فقط من بين الذين انبثقوا من رحم الاستقلال الديني والسياسي السوداني كان هناك الراحلان، الأستاذ محمود محمد طه، والدكتور جون قرنق ديمبيور. الأول حاول ممارسة القطيعة مع التراث الفكري العربي-الإسلامي النازل من مركز القاهرة ودمشق وفاس وبغداد في منطقة الخصوصية المتعددة، وأراد، من حيث درايته بأزمة المعتقد في المركز العربسلاموي الذي انحط في مسائل تعامله الإيجابي مع المعتقد وترجمته في واقع «الأمة»، واحترام الإنسان والتساكن مع «الأجنبي/الأعجمي»، أن يضيف مساهمة فكرية تخرج أمته السودانية من الورطة التاريخية التي سببتها لهم التفكير «1» الأصولي و«2» القومي العربي و«3» العلمانية الماركسية و«4» الشموليات العلمانية.
في تقديري أن القيمة الفكرية والإنسانية والسودانية للأستاذ محمود محمد طه ليست في صحة تفسيراته للدين من حيث أنه مر اسلامياً بمرحلتين «مكي ومدني» أو في رباطة جأشه حين ثبّت موقفه البطولي كمفكر إزاء بطش ديكتاتور جاهل، أو في صحة المنهج الذي إتبعه في التحرّك من البعد السودانوي. إن خطورته بالنسبة لي - على الأقل- أنه فتح المجال للباحثين السودانيين، والمسلمين والعرب، لرؤية التراث العربي الإسلامي من زاوية الناقد لا المتلقي الذاعن لقضه وقضيضه. صحيح، إن تلك القيم تمثل تكميلاً لشخصيته الفذة في تاريخنا المعاصر ولا يعرف إلا بها ولكن جماله وبهاءه -كما أرى- في أنه إنطلق في رحلة النشوق بين «القيف والقاع» غائصاً عن اللؤلؤ بأدوات ليست لغيره وإنما بأدواته هو التي نسج عيدانها وشباكها وحيلتها من صنع تفكيره وحتى الذين يحاولون القول إنه امتداد لفتوحات ابن عربي فإنه لو صح الزعم حتى، فإنه اختار استعادة التفكير من المنطقة الإشكالية في الإرث العربي الإسلامي ولم يتكاسل بحيث أن يتوافر على الفكر السائد والراكد في المركز العربي والذي ارتبط بالسلطة بالدرجة التي لا نعرف فيها المفكر الديني المتواطئ مع السلطان أو الناقد له. ولعل هذا الموقف يرينا توطن ذهنه الإبداعي لا الابتداعي في محاولة التفكير.
إن السودانوية تمثّلت باذخة في سلوكه وملبسه ومسكنه وتواضعه... إلخ، ولم يترك سلوكاً سودانياً طيباً إلا مارسه بكل فخر وإباء وعليه بقيت كاريزماه تتقطّر صدقاً وتتكامل مع جوانيته الفكرية كرمز سياسي وفكري مختلف وعميق عن كل الذين عاصروه وربما سيأتي اليوم الذي تعيد الأجيال القادمة الاعتبار له وتبحث عن بقايا جسده ليحتصن الثرى عبر احتفال قومي ضخم يتناسب مع فكره وتضحيته من أجل الحقيقة والشعب والإنسانية.
يرى البعض أن الأستاذ محمود محمد طه هو المفكر السوداني الوحيد الذي تنطبق عليه هذه الصفة، كونه راكم انتاجاً بحثياً مختلفاً من حيث النوع ويستدل به على مستوى الفكر العربي والإسلامي والعالمي، ولذلك لم أفاجأ يوماً حين كنت أقرأ مؤلفاً للمفكر الأمريكي كورنيل ويست « Democracy Matters » والذي عد الأستاذ كأول في قائمة القلائل من المفكرين المسلمين المميّزين في عطائهم ووضعه فوق مجموعة ضمت محمد عابد الجابري ومحمد أركون وغيرهم.
لا أريد هنا أن أمارس بعض قراءة لجملة ما صدر من كتب ومحاضرات كرّسها الأستاذ محمود محمد طه لخدمة دينه ومواطنيه، فالمجال لا يسمح بهذه القراءة التي تحتاج إلى منهج ومجالها، حتماً، الفصليات والدوريات المتخصصة، وقد فعل بعض تلامذته ومحبو شخصيته الفريدة في تاريخنا. فعلوها بالقدر الذي شرحوا إضافاته الفكرية والسياسية والدينية والوطنية والاجتماعية، ولكني أتخذه هنا كنموذج للذات الفكرية «المتسودنة» فقد كان موقفه السياسي مصدر قلق للسلطة الاستعمارية الذي سجنته في الأربعينيات، وكذلك مصدر تهديد للأنظمة الشمولية وجماعات التفكير التكفيري الذين تواطأوا مع سلطة مايو لاعدامه في ذلك اليوم، بعد محاكمة سياسية لقضية هي فكرية في صميمها تتعلّق بموقفه من قوانين سبتمبر.
إن التجديد الفكري للموروث الديني الذي بذله الأستاذ محمود محمد طه كان اجتهاداً يتقاصر عن فهمه الذين تكلسوا مفهومياً وصاروا أسرى لنصوص الاجتهاد الديني القديم، ولذلك لم يكن هدفهم -بتدبير أمر محاكمته هو حماية الدين من شائبة الهوى الشخصي في تفسيره- بل كان الهدف هو تدمير الأوليات الفكرية لمثل هذا النوع من المشاريع الفكرية السودانوية التي تمارس القطيعة المعرفية مع التراث الفكري النازل من المركز الحضاري.
كان لا بد للأستاذ محمود محمد طه أن يدفع ثمن هذه الاجتراح الفكري الذي قصده وظيفياً، وكان لا بد أن يكون مصيره متطابقاً مع مصائر الذين حاولوا من قبله الخروج عن التفكير الديني السائد لفتح كوّة للإصلاح الإسلامي، ولترجمة المعتقد بالصورة التي تساعد في حفظ المتحقق من تراث الدولة الإسلامية أينما وجدت.
فمشروع الأستاذ كان متقدماً في الرؤيا، ويصطدم أول ما يصطدم مع الحرس الديني التاريخي للدول المسلمة، وكان كل أمله تحرير هذا التراث مما علق به من تفاسير ارتبطت بزمانها مرة، وارتبطت بتحالف العلماء مع السلطان المستبد في الدولة المسلمة التي أوصلوها إلى الحالة التي أصبحت فيها عاجزة عن المحافظة على تركيباتها الإثنية والاجتماعية فيما أصبح المسلم «عبداً مطيعاً» للماضي من المقولات الدينية التي لا تسعفه في فهم اللحظة، فيبدو حيراناً بين المثال المعتقدي والواقع المتناقض.
إن النظرة السودانوية المتصلة بأمر السياسة لا تقلل من أهمية المعارف الإنسانية في كل ضروب الحياة، بل إن المعارف الخارجية تتناص مع المعرفة السودانوية، كما أننا نعرف أن وظيفة المرء في الحياة أن يتدبّر الحكمة متى ما وجدها وأينما كان مصدرها، غير أن كل مصادر المعرفة تختمر في ذهن المرء نفسه لتفسير معطى واقعه السياسي/الاجتماعي، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون هناك مصدر واحد لتفسير الظاهرة السودانوية في تفاصيلها المتشعّبة والمختلفة وإن تقاطعت مع تفاصيل إنسانية أخرى.
ولذلك كان وعي الأستاذ محمود حاضراً، فلم يتدجّن بكل القراءات التي مارسها في سبيله لاستنباط المنهج السياسي السودانوي الذي به يناضل والسلوك الذي بواسطته يعرف. لم تغرقه بلاغة اللغة في مخاطبة الجماهير أو يقعرها آن يكتب وإنما تحدّث بالمفردات التي يفهمها العامة وكتب بالسهل الممتنع الذي يبين ويتعمّق.
ووجدناه لم يتأثر بمناخ كلية غردون كما حدث التأثر هذا مع أترابه، ومن ثم يحترف لبس البذلات وإنما حافظ على لباس من الدمور ليدل على زهده، ولم يتنافس مع زملاء له من مهندسين وبقية أفندية وقتها في بناء القصور كما يفعل الآن قتلته وإنما تواضع لله فعاش سودانياً كريماً في منزل من «الجالوص» ولم يهرب من مجاورة عامة الناس إلى «الأحياء الثرية» التي هرب إليها قضاته. ولم يبرح وطنه هرباً من بطش أو خوفاً من ديكتاتور، وإنما تسمّر حضوره بين أهله وتلاميذه فعانى ما عانوه وشقى بما شقوا.
كان يأكل من غالب طعام الشعب، وليس مثل من استمتعوا برؤية مشهد جثته تتدلى والابتسامة الساخرة كأنها تغفر لهم جهلهم، هؤلاء الذين تمتلئ ثلاجات منازلهم بما لذ وطاب من طعام، وكان في «برندته» يستقبل ضيوفه ومن بينهم تلاميذه الذين يجلسون على الأرض، فيما وجدنا أن قتلته يستقبلون لا يرتضون إلا بقصور تمتلئ بالثريات ومرفقة بأحواض للسباحة.
كان ذلك هو الرمز السودانوي محمود محمد طه الذي عاش عمره فقيراً من جاه أو مال أو حاشية أو ذبانية أو منصب حكومي ولا تعرف له بعض بواخر تجوب عرض البحار، بل ولا يعرف له حظ في البورصة الدولية كما هو شأن الذين كفّروه وكادت ضغينتهم تجاهه أن تصلبه. هذه هي السودانوية التي تبحث عنها الجماهير عند زعمائنا السياسيين فلا يجدونها، فكيف إذاً، لا نصبر على بؤس الحال وشقاء المآل

http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147509845&bk=1
______

Post: #421
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 00:07 AM
Parent: #420


أمن اختصاص المحكمة الشرعية النظر فى الأتهام بالردة ؟
بقلم : بشير محمد سعيد

جاءنى من السيد محمد ابراهيم خليل المحامى ووزير العدل الأسبق الخطاب التالى يعلق فيه على ما كتبت حول محاكمة الاستاذ محمود محمد طه :-
لقد تكرمت اول امس فاستعرضت فى عجل واجمال بعض اراء الاستاذ محمود محمد طه التى زعم بعض خصومه انها كافية لاعلان ردته ودعوتك الى مناقشة تلك الأراء فى ترو وهدوء قبل اصدار الحكم عليها ولكن ما كاد مداد قلمك يجف حتى طلعت علينا تحدثنا ان المحكمة الشرعيه إستمعت الى الذين اتهموه بالكفر ورموه بالزندقة ومضت تصدر أمراًَ بردته .
هذا يا سيدى امر كبير خطير ممعن فى الخطورة بحيث لا يجدر ان يمردون أن يوليه الناس اهتمامهم ويسلطوا عليه أضوء النقاش الهادى والجدل الموضوعى حتى تظهر أبعاده ويتضح صوابه أوخطاه . ولست فى هذا الخطاب القصير العاجل بصدد الدفاع عن الأستاذ محمود فهو رجل وهبه الله من الفكر وسعه الاطلاع وعمق الثقافه ما مكنه من الغوص فى أعماق المسائل الدينيه والقضايا الفكريه .. فكان له فى كل منها أفكارا وآراء مهما أختلف بعض الناس حولها فلا مناص من الأعتراف بأصالتها .. ووهبه من البيان ما وفقه الى الأفصاح عن تلك الأفكار والاراء وترجمتها الى نظريات محدده وواضحه .. ومن الشجاعه والامانه ما دفعه الى الجهر بها فى المحاضرات والندوات وأعمدة الصحف ثم أن له بعد ذلك من الجد والعزم والصبر ما مكنه من تدوين أرائه وأفكاره فى عدد من المؤلفات لذلك فأنى لست فى هذا الخطاب العاجل القصير بصدد الدفاع عن الأستاذ محمود ولا مناقشه نظرياته ومعتقداته والحكم عليها ولعله تتاح لى فرصه الأسهام برائى اذا ماتفضل خصومه بفتح باب النقاش الهادى والجدل الموضوعى فى جو خال من الأرهاب الفكرى والتخويف بالكفر والزندقه .. أنما اريد بهذا الخطاب أن الفت النظر الىالركن الاساسى الذى قامت عليه القضية التى حكم فيها بردة الاستاذ محمود محمد طه ذلك هو ركن الاختصاص لعله من المعلوم لدى الناس جميعا أن المحاكم الشرعيه فى السودان أسست على قانون المحاكم الشرعيه لعام 1902 م وان اختصاص هذه المحاكم قد حددته الماده السادسة التى تنص على ان للمحاكم الشرعية الصلاحية للفصل فى
أ‌- اية مسائل تتعلق بالزواج والطلاق والولايه والعلاقات العائلية – بشرط – ان يكون الزواج قد عقد على الشريعة الاسلامية او يكون الخصوم من المسلمين .
ب‌- اية مسائل تتعلق بالوقف او الهبة او الميراث او الوصية الخ ...
ج- اية مسألة سوى ما ذكر فى الفقرتين السابقتين على شرط – ان تتقدم الاطراف المتنازعة بطلب كتابى ممهور بتوقيعاتهم ويلتمسون فيه من المحكمة ان تقضى بينهم مؤكدين انهم عازمون على الإلتزام بحكم الشريعة فى الامر المتنازع عليه .
لذلك ترى يا سيدى انه ليس من اختصاص المحكمة الشرعية فى السودان ان تحكم بكفر احد او ردته .

http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147509846&bk=1
_________________

Post: #422
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 00:11 AM
Parent: #421


رسالة جامعية للباحث البريطاني ادي توماس

سيرة ذاتية عن الاستاذ محمود محمد طه

ترجمة : عادل اسماعيل


ولد الاستاذ محمود محمد طه حوالي عام 1909م في رفاعة وهي مدينة صغيرة في الضفة الشرقية للنيل الازرق في وسط السودان. ( الاستاذ هي تبجيل لكلمة المعلم).
عندما توفيت والدته فاطمة بت محمود حوالي 1915م، اخذ والده ابناءه الى الهجليج وهي قرية قريبة من رفاعة واشتغلوا فيها بالزراعة اجمعين. وتوفي محمد طه حوالي 1920م تاركا ابناءه ينشأون ويتعلمون مع خالتهم او عمتهم في رفاعة. واستطاع الاستاذ محمود ان يكمل تعليمه الاشد منافسة في ذلك الوقت. وتخرج من مدرسة الهندسة في كلية غردون التذكارية في عام 1936م والتي هي جامعة الخرطوم الان. وبعد فترة خدمة قصيرة في سكة حديد السودان، قدم استقالته ومضى الى عمل خاص سنة 1941م. وكمشارك فعال في النضال الوطني من اجل الاستقلال منذ بداية الحركة في نهاية الثلاثينات، لم يكن راضيا عن عمل النخبة المتعلمة في ذلك النضال. وانتقد ارتهانهم لخبراتهم لزعماء الطائفية الذين يتمتعون بدعم شعبي في كل الوطن ولم تكن الاحزاب السياسية الموجودة تحظى بقبول عنده حيث كانت تقبل برعاية القوى المستعمرة وبالتالي يساومون التزامهم بالاستقلال الكامل وانشاء الجمهورية السودانية.
وفي اكتوبر 1945م قام الاستاذ محمود محمد طه ومثقفون اخرون قبلوا انتقاداته، بتكوين الحزب الجمهوري. ومنذ الاصدارات الاولى للتنظيم قد ظهر بشكل قوي التوجه الاسلامي الحديث الذي لم يكن قد اكتمل تماما في ذلك الحين. وقادت سياسة الحزب التي تقوم على المواجهة المكشوفة مع سلطات الاستعمار الى اعتقال الاستاذ محمود في عام 1946م. وقد حكم عليه بالسجن لمدة سنة عندما رفض الاقلاع عن نشاطه السياسي المعادي لحكومة الاستعمار. واستجابة للاحتجاجات المتصاعدة التي نظمها الحزب الجمهوري, اطلق سراحه بعد خمسين يوما قضاها في السجن بعفو اصدره الحاكم العام البريطاني. ولكنه لم يظل طليقا فترة طويلة، اذ تم اعتقاله مرة اخرى في نفس السنة وحوكم بالسجن لمدة سنتين لقيادته ثورة شعبية ضد البريطانيين في مدينة رفاعة. وقد وصف تلك الفترة لاحقا بقوله: حينما استقريت في السجن بدأت اكتشف انه قد جيء بي على قدر من ربي وبالتالي بدأت خلوتي معه.
وتبعت سنين السجن ثلاث سنوات من "الخلوة " في رفاعة والتي انتهج فيها النهج الاسلامي للعبادة والتي قادته لفهمه لمعاني القرآن.
ومنهج العبادة هذا، هو الصلاة والصيام بشكل اساسي على طريقة النبي محمد. وبالرغم من ان الاستاذ محمود يشارك المسلم العادي اعتقاده ان الوحي بالقرآن قد انتهى كنص الهي، الا انه يؤكد ان الافراد المخلصين يمكن ان يتلقوا فهما مضيئا للنص وأن يتعلموا من الله مباشرة كلماته كما اوحى بها للنبي. ودعما لحجته هذه، فانه يستشهد دائما بالاية (282) في الباب الثاني من القرآن التي تنص على ان الله يعلم التقي الذي يخافه. وايضا يستشهد بحديث للنبي ينص على ان الذي يعمل كما يعلم سيعلم من الله علما لم يكن يعلمه.
وبتقليده المتقن والذكي للنبي محمد، وصل الاستاذ محمود الى علاقته الفردية مع الله والتي عبر عنها لاحقا في الفقرة المترجمة التالية من كتابه "اسئلة واجوبة – الجزء الثاني".
"وبالتالي فان صلاتي وصيامي وحجي المقدس، وزكاتي كلها مجتمعة ومنفصلة، وكل حياتي بافراحي واحزاني، في صحوي، وفي منامي، وفي عافيتي وفي سقمي كلها يجب ان تكون لله ورضاء بالله الى الحد الذي تكون فيه فرحا بالله".



بزوغ الفكرة الجديدة
وفي نهاية خلوته في اكتوبر 1951م خرج بفكرة جديدة متكاملة عن الاسلام. وقد اوجز هذا المفهوم في كتاب له نشره في 1952م باسم "قل هذه سبيلي". وتحول الحزب الجمهوري حينها من حزب سياسي بالمعنى المألوف للمصطلح الى تنظيم ينادي بمفهوم جديد للاسلام. وانفصل اعضاء الحزب الذين ارادوا ان يقوموا بدور سياسي علماني اكثر وانضموا الى احزاب سياسية اخرى.
واصبح التنظيم ذا مناخ روحي للذين بقوا في الحزب تحت قيادة الاستاذ محمود.
واستانف الاستاذ محمود عمله الخاص كمهندس بعد تقديم استقالته من شركة الكهرباء والمياه بالخرطوم في بداية الخمسينات.
في عام 1955م قبيبل ان ينال السودان استقلاله اصدر الاستاذ محمود كتابا عن مقترحاته لدستور السودان المستقل بعنوان "اسس دستور السودان". وقد نادى بجمهورية رئاسية فيدرالية ديمقراطية واشتراكية. وقد كان معارضا لاي محاولة لتطبيق قوانين مستمدة من الشريعة الاسلامية بما انها ستكون تشويها للاسلام الحقيقي الذي يفهمه هو. وكانت الشريعة الاسلامية تعني له دعوة للعداوة وعدم الثقة لغيرالمسلمين ولغير العرب من السودانيين في جنوب السودان. وبعض المناطق في شمال السودان.
وحدث ان قام تمرد مسلح في جنوب السودان عام 1955م معلنا بداية حركة تطالب بالحكم الفيدرالي للجنوب.
بعد الاستقلال بقليل، والذي اقر في بداية يناير 1956م، كونت لجنة لكتابة مسودة الدستور ليتبناها البرلمان. وقد مثل الاستاذ محمود الحزب الجمهوري في تلك اللجنة. وبعد اشهر قليلة قدم استقالته من تلك اللجنة معترضا على رغبة السلطة التنفيذية للتدخل وممارسة نفوذها بما يتماشى مع مصالحها معتبرة الدستور منحة من الحكومة للشعب. وقدمت اللجنة دستورا مستمدا بشكل جزئي من الشريعة بناء على رغبة الاحزاب الطائفية الدينية التقليدية.
وقبل ان يتمكن البرلمان من تبني تلك المسودة، وقع انقلاب ابيض وسلم الاستاذ محمود رسالة الى الجنرال عبود رئيس النظام ناصحا اياه بتطبيق مقترحات الجمهوريين لحكومة فيدرالية ديمقراطية اشتراكية مرفقا معها نسخة من كتابه عن الدستور. ولكن اهمل هذا الطلب. وفي السنتين الاولين للحكم العسكري، اعتاد الاستاذ محمود اقامة محاضراته علانية. وقد ضايقت افكاره التقدمية المؤسسة الدينية التقليدية وفصل ثلاثة طلبة من الحركة الجمهورية من معهد امدرمان الاسلامي لمجرد انهم كانوا يدعون لافكاره عن الاسلام. وبعدها بقليل منع الاستاذ محمود من اقامة محاضراته العامة. وبالتالي نقل نشاطه الى بيوت الاعضاء وبعض الاصدقاء المتعاطفين معهم. واغلقت دونه وسائل الاعلام حينما حاول تصحيح التهم الزائفة التي اتهمه بها المسلمون التقليديون الارثوذوكسيون.
وفي مواجهة الاحتجاج المتصاعد لمعارضة جهوده التجديدية في الاسلام، اصدر الاستاذ محمود كتابه "الاسلام" عام 1960م.
وبعد عودة الحكم البرلماني متعدد الاحزاب، اعاد الاستاذ محمود احياء الحزب الجمهوري لا لان ينغمس في السياسة بالشكل المألوف، ولكن بالدعوة للاصلاح السياسي والاجتماعي والديني عبر المحاضرات العامة والمقالات الصحفية والكتب.
وفي عام 66/1967م اصدر الاستاذ محمود ثلاثة من كتبه الاساسية:
"طريق محمد" و "رسالة الصلاة" و "الرسالة الثانية من الاسلام". وكان اول رجل يقترح حوارا للتعايش السلمي بين الدول العربية ودولة اسرائيل في اعقاب حرب الست ايام الشهيرة بين العرب واسرائيل عام 1967م. وكان معارضا لحركة القوميين العرب بقيادة مصر عبد اللناصر وللمفهوم البدائي لتطبيق الاسلام في السعودية وحركة الاخوان المسلمين في بعض الدول العربية.
في عام 1965م قامت الاحزاب الطائفية الحاكمة جنبا الى جنب مع حركة الاخوان المسلمين بتعديل الفقرة 5/2 في الدستور من اجل طرد الاعضاء الشيوعيين من البرلمان وحل حزبهم. وبالرغم ان من مبادئه المعارضة لشيوعية الماركسيين، الا ان الاستاذ محمود قد عارض بشدة حل الحزب الشيوعي السوداني واصفا هذه الخطوة بانها تزييف للديمقراطية.
وعليه لم يكن من المستغرب ان تتضافر الجهود الداخلية والخارجية لاسكات الاستاذ محمود وحركته. وقد اتضحت معالم تلك المحاولة في نوفمبر 1968م لاتهامه بالردة التي عقوبتها الموت. ولكنه رفض المثول امام تلك المحكمة معتمدا على حقه الدستوري في حرية التفكير والتعبير. ومهما يكن من امر فقد اجتمعت المحكمة العليا الشرعية في الخرطوم في غيابه للنظر في الادعاء المرفوع من قبل اثنين من اساتذة الجامعة الاسلامية متهمين الاستاذ محمود بالردة ومطالبين بتفكيك حزبه وحركته. واستطاعت تلك المحكمة ان تصوغ حكما اسميا، وبالرغم انه ظل بدون تبعات رسمية الا انه سبب الكثير من المضايقات للحركة في تصحيح تلك الإدعاءات الزائفة. ومن ايجابيات هذا الحدث ان اوجدت الحركة اعلاما وسط الطلبة والمثقفين الذين لم يكونوا راضين عن الافكار الاسلامية التقليدية ولا الاحزاب الحاكمة التي تمشي مع الخط الطائفي. وفي هذه الاثناء دخلت الاحزاب الطائفية الصراع حول السلطة بمحاولاتها لكسب الدعم الشعبي بتضمينها لقوانين الشريعة الاسلامية في الدستور الدائم. وكانوا على استعداد لجعلها موضوعا للاستفتاء الشعبي اذا اخفق البرلمان في المصادقة عليها بنهاية 1969م. وكل ذلك قاد لامتعاض واسع وسط ضباط الجيش الذين انخرط بعضهم في تنظيم عرف باسم حركة الضباط الاحرار الذين نجحوا في الاستيلاء على السلطة في مايو 1969م. وحظرت الحكومة الجديدة كل الاحزاب السياسية من بينها الحزب الجمهوري.
الجمهوريون في عصر نظام مايو 69-1983م
وضح جليا منذ البداية ان النظام العسكري الجديد مدعوما من الحزب الشيوعي والقوميين العرب. حيث وجد تاييدا سريعا من مصر والمعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي السابق. وبالرغم من كل هذا وجد الجمهوريون بعض الراحة حينما شكلت الحكومة الجديدة واعلنت اولوياتها في تحقيق اهداف ثورة الشعب السوداني في اكتوبر 1964م. واحدى الخطوات الاولى التي وجدت ترحيبا من الاستاذ محمود كانت قرار وقف الحرب في الجنوب والبحث عن الحل السلمي للمشكلة.
وقد راى الاستاذ محمود في ذلك النظام مرحلة وسطى لحماية الشعب السوداني من الحكم الذي يلبس القناع الاسلامي. واستمر الاستاذ محمود في الدعوة لافكاره عبر كل المنابر المتاحة حتى عام 1973م عندما حظر نظام نميري محاضراته العامة. وبالرغم من موقفه غير المعارض للنظام الا انه احجم عن وضع يده مباشرة في يد النظام.
وبدلا من ذلك استمرت الحركة وكثفت مجهوداتها في الدعوة لايدولوجيتها الجديدة حيث كان ذلك متاحا من النظام بشكل مبدئي.
حركة تحرير المرأة
[size=24]طوال بقية حياته، نذر الاستاذ محمود نفسه لقيادة نشاطات التنظيم الذي عرف "بالاخوان الجمهوريون" والذي ضم عددا متنام من النساء. واستمر اعضاء التنظيم رجالا ونساء في الدعوة للرسالة الثانية من الاسلام برغم مضايقات بعض المسئولين واعضاء جهاز الامن. ولما كان صعبا على الاستاذ محمود ممارسة مواعظه، فقد حاول انشاء مجتمع يطبق بقدر الامكان عقيدته ومبادئه في الاسلام. وكمجتمع صغير في المجتمع السوداني لم يستطع الجمهوريون تطبيق قناعاتهم بشكل كامل ولكنهم جاهدوا في حيواتهم الشخصية ونظموا مجتمعهم طبقا لهذه القناعات. وبشكل خاص نجح مجتمعهم في تطبيق مباديء المساواة بين الرجال والنساء ودون تمييز على اساس الجنس. وقد شارك النسوة مشاركة كاملة في نشاطات المجموعة وكن غالبا ما يقدمن النشاط في حرم الجامعات وفي اركان الطرقات العامة وهو امر مثير للجدل في المجتمع السوداني الذكوري. وحينما تم اعتقال قيادة التنظيم بدون تهمة في منتصف 1983م، كان من بينهم اربع نساء وهو دليل دامغ للمساواة ومثال على ذلك كانت ممارسة المجموعة فيما يتعلق بعقد الزواج مثال لتعميم المجموعة لتطبيق اصلاحاتهم على ضوء التقليد الاجتماعي السائد.

http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147509875&bk=1
_______

Post: #423
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 00:15 AM
Parent: #422


الحركة السياسية السودانية الحديثة... النشأة ومسارات التجربة
بقلم: عبد المنعم عباس الأحيمر

سنحاول ان نطرح هذه الورقة، باختصار مفيد، نشأة الحركة السياسية السودانية المعاصرة ومسار تجربتها في فترة الحكم الثنائي والعهود الوطنية المتعاقبة بما فيها الاختبار السلطوي بالغ الاستبداد للظاهرة الدينية السياسية (الانقاذ). ومن نافلة القول ان بعض الساسة والباحثين والاكاديميين طرقوا الموضوع بوجهات رأي متباينة وتواصلاً مع تلك الجهود سأحاول في خلاصتها استنتاج وتبني بعض الحقائق والنتائج التي كان لها أثرها السلبي في مسيرة المجتمع والدولة السودانية، الموروث من طبيعة النشأة وخطى التجربة.
كان القاسم المشترك بين حركات المقاومة تجاه سلطة الحكم الثنائي ميقاتها حيث تفجرت جميعها في حدود الخمس الاول من سنوات القرن الماضي. وكانت أغلبها ذا خلفيات دينية لها صلات عميقة بالفكر المهدوي بحكم انتشاره الواسع في تخوم متفرقة من البلاد فظهرت بعض حركات المقاومة في ام درمان وتقلي وسنجة والنيل الأبيض ودارفور بيد أن أشهرها واعنفها هي حركة عبد القادر ود حبوبة في الحلاويين في 1908م أضافة لبعض الانتفاضات التي لم يمثل الدين احد عوامل قيامها في مناطق الزاندي وتلال النوبة والنوير. والشاهد ان سلطة الاحتلال تعاملت مع تلك الانتفاضات بقسوة وعنف خوفاً من تجدد الثورة المهدية بصورة ووجه جديدين.. وبعد دخول التعليم الحديث في بعض حواضر البلاد ونشاط حركة السودانيين الى مصر برزت اتجاهات متصاعدة لوحدة وادي النيل تحت التاج المصري بدفع من الحكومة المصرية نتيجة للصراع حول السيطرة على السودان بين دولتي الحكم الثنائي الشيء الذي ادى بالبريطانيين إلى الاستقواء بزعماء العشائر والطوائف الدينية. وبعد ظهور ثورة 1919م في مصر بقيادة سعد زغلول تأثرت القلة من المتعلمين السودانيين بها فاتجه بعضهم للعمل السري نسبة للقمع الذي مارسه المحتل حيال حركات المقاومة فتأسست جمعية الاتحاد السوداني بام درمان عند بدايات 1920م كأول تنظيم سياسي في تاريخ السودان الحديث، مناهضاً للوجود الأجنبي ولزعماء القبائل والطوائف الدينية. وبالمقابل تبني التنظيم الدعوة لوحدة وادي النيل وكانت جل عضويته من صغار الكتبة والموظفين وبعض الضباط في قوة دفاع السودان. لم تنجح الجمعية في الاستمرار بعد ان دب الخلاف بين اعضائها لاتهامات وجهت لبعض عضويتها بصلاتهم مع مخابرات الاحتلال.
ولم تجنح باقي العضوية للابتعاد عن العمل السياسي حيث كونت جمعية اللواء الابيض التي ارتبطت برئيسها علي عبد اللطيف والتي لم تنأ اهدافها بعيداً عن سابقتها لكن الثابت تمسكها المتين بهدف وحدة وادي النيل من منبعه الى مصبه. عند احتدام نشاط الجمعية تسلل القلق والانزعاج لنفوس كبار الزعماء التقليديين في العشائر والطوائف الدينية الموالين لبريطانيا خوفاً من فقدان نفوذهم التاريخي وسط العامة حيث اتجهوا لمقاومتها عبر الاعلام المدعوم منهم ممثلاً في صحيفة حضارة السودان التي كتب رئيس تحريرها الاستاذ حسين شريف مقالاً شهيراً حوى اهانات بغيضة لرئيس وعضوية اللواء الابيض. وبالرغم من المتاريس التي واجهتها الجمعية من البريطانيين وعملائهم من اعيان البلاد الا ان برنامجها النضالي استمر بروح مفعمة بالوطنية مما قاد الى اعتقال بعض قادتها ومن بينهم على عبد اللطيف الذي حكم عليه بالسجن لثلاثة سنوات. ونتيجة لهذه الاحداث وتطورها قامت مظاهرات لبعض الوحدات العسكرية كالمدرسة الحربية في الخرطوم واورطه السكة حديد بعطبرة والكتيبة السودانية في ملكال والهجانة بالابيض. وبعد مقتل حاكم السودان العام السيرلي استاك في القاهرة في 19 نوفمبر 1924م، وبموجب نتائج الحدث اصدر المندوب السامي البريطاني في مصر قرارات منها خروج القوات المصرية من السودان، التي رفضت الانصياع للامر الا بعد صدور اوامر لها من قيادتها في القاهرة وفي تلك اللحظات قرر بعض الضباط وصف الضباط من السودانيين الذين كانوا بمدرسة ضرب النار في الخرطوم الانضمام للقوات المصرية في معسكرها في منطقة بحري. وفي اثناء تحركها قطعت عليها القوات البريطانية الطريق ودارت معركة انتهت بهزيمة تلك القوات. بعد الهزيمة وخروج القوات المصرية من السودان جنحت حركة المقاومة السودانية الى المهادنة واتجهت الى المقاومة المدنية الرمزية فتأسست بعض الجمعيات الثقافية والادبية. وقد كان هدفها المعلن القراءة والاطلاع ولكنها في حياتها الداخلية كانت ذات توجهات سياسية ويبدوا هذا في تأثير غالب اعضائها في مستقبل البلاد السياسي ومنها جمعيات أبوروف، الهاشماب، وجمعية الاشقاء وكما ظهرت في الاقاليم جمعيتا مدني وبورتسودان. ولم تستمر الهدنة طويلاً وبدأ النشاط السياسي باضراب طلبة كلية غردون في 24 اكتوبر 1931م بسبب تخفيض مرتبات الموظفين السودانيين نتيجة للازمة الاقتصادية العالمية في 1929م. وانتهى الاضراب الذي استمر لاكثر من شهرين بتدخل السيدين علي الميرغني وعبد الرحمن المهدي. وفي عام 1938م كان الحدث الاكثر اهمية في تاريخ الحركة السياسية السودانية الحديثة وهو تأسيس مؤتمر الخريجين العام. ومن اهدافه العامة معالجة الفوضى الاجتماعية، محاربة الطائفية، تقريب وجهات النظر بين الخريجين. القضاء على القبلية ومحاصرة نفوذها ومحاربة الادارة الاهلية. صدق للمؤتمر بممارسة نشاطه على ان يحضره في المجال الخدمي والاجتماعي بيد ان المؤتمر وجد الفرصة لاعلان بعض النشاط السياسي عقب قيام الحرب العالمية الثانية عندما بعث برسالة الى الحاكم العام في سبتمبر 1939م يعلن فيها تأييده لحكومة السودان وبريطانيا في حماية الشعب السوداني وكذلك عند زيارة علي ماهر رئيس الحكومة المصرية الى السودان رفع له المؤتمر مذكرة في عمومها لا تتجاوز مطالبة الحكومة المصرية بالمزيد من العناية بشئون السودان وتطويره. وفي أبريل 1942م أسفر المؤتمر عن نشاطه السياسي بالمذكرة التي قدمها للحاكم العام ليرفعها بدوره لدولتي الحكم الثنائي حوت المذكرة بعض المطالب اهمها منح السودانيين حق تقرير المصير بعد نهاية الحرب والغاء قانون المناطق المقفولة. هذه المذكرة تسببت في بداية ازمة في صفوف المؤتمر ادت لانقسامه لفريقين الاول مثله المعتدلون وهم يرون ضرورة استمرار العلاقة والتعاون مع الادارة البريطانية، ووقف خلف هذا الفريق السيد عبد الرحمن المهدي، وهؤلاء من عرفوا لاحقاً بالاستقلاليين. اما الفريق الثاني فكان يري ان الاعتماد على الادارة البريطانية لا يلبي اشواق ومطالب اهل البلاد. ووقف خلفه السيد علي الميرغني وهم الاتحاديون الذين ينادون بالوحدة مع مصر. وعلى اثر هذا الانقسام ظهرت لاول مرة بالبلاد الاحزاب السياسية التي اختلفت برامجها وافكارها بين الاستقلال ووحدة وادي النيل. ومن النتائج المباشرة لنشأة الاحزاب السياسية اضمحلال مؤتمر الخريجيين العام وصارت هي لسان حال المجتمع السوداني. وشهدت فترة النصف الثاني من الاربعينيات وحتى قيام حكومة الحكم الذاتي الانتقالية في 1953م صراعات واسعة بين الاستقلالين والاتحاديين الشيء الذي ألقى بظلال شديدة السلبية على كل العهود الوطنية اللاحقة ولكن نجحت رغماً عن كل نحجت الاحزاب في تجاوز خلافاتها عشية الاستقلال بانحيازها لخيار الاستقلال من داخل البرلمان في صبيحة 19 ديسمبر 1955م.
وبالنسبة لعهود الحكومات الوطنية وكما أشرت فإن مسيرة الحركة السياسية قبلها القت بتداعياتها عليها فالحكومة الديمقراطية بعيد الاستقلال مباشرة (الديمقراطية الاولى) لم تخط بالاستقرار نتيجة للتنافس الطائفي والسياسي بين حزبي الامة والوطني الاتحادي اضافة الى ان برنامجها السياسي توقف عند استكمال سودنة الوظائف بالدولة ولم تبذل اي جهود واضحة لتعزيز الوحدة الوطنية بالمشاركة في السلطة والثروة والتي بدأ تعثرها باندلاع التمرد في 1955م. وكما رأينا سقطت التجربة بتسليم عبد الله خليل السلطة لقيادة الجيش في 17 نوفمبر 1958م. وبعد ست سنوات من الحكم العسكري انهار بقيام ثورة اكتوبر الشعبية في 1964م نتيجة لتضامن الاحزاب والجبهة النقابية لتعود الديمقراطية مرة اخرى في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي. وقد جاءت بذات عيوب واخفاقات اختبارها الاول فكان من الحتمي سقوطها للمرة الثانية. استمر نظام مايو البغيض لفترة طويلة شهد فيها المجتمع السوداني تحولات مثيرة وبعد ان استنفد مقومات وجوده انهار وبنفس صورة وسيناريو سلفة (عبود)، في انتفاضة ابريل 1985م. وأتصور ان اهم تلك التحولات والتي كانت لها اثارها على الواقع السياسي السوداني في نهايات عهد مايو وما بعدها، تمدد الظاهرة الدينية السياسية في مفاصل حيوية داخل المجتمع السوداني بخلفية المصالحة التي تمت بين النظام المايوي وبعض القوى داخل الجبهة الوطنية في 1977م وكان من ضمنها الحركة الاسلاموية التي نجحت في استغلال الهدنة في بناء تنظيم يرتكز على اعمدة ومقومات اقتصادية مؤثرة وتجنيد كثيرين في الخدمة المدنية والاجهزة النظامية والحركة الطلابية وقطاعات المرأة. وفي تلك الأيام نجحوا في بعث كوادرهم للدراسات العليا في ارقى الجامعات الغربية غير اولئك الذين عادوا لاستكمال تعليمهم الذي انقطع ايام المعارضة في جامعة الخرطوم. وعموماً نجحت الاحزاب في العودة الى السلطة عبر صناديق الاقتراع ومن العجائب ان فترتها الثالثة كانت اسوأ من سالفتيها. وفي ايامها الاخيرة تسابقت بعض القوى السياسية للاطاحة بها وبالفعل نجحت الجبهة الاسلامية القومية لانها كانت الاكثر تأهيلاً واستعداد اضافة لانها وطبقاً لارثها الفكري، لا تؤمن بها. وبعد استلامها للسلطة شرعت في تنفيذ اهدافها الفكرية والسياسية والاجتماعية وتبنت اجراءات غير مسبوقة في تاريخ البلاد. واعتقد ان نظامها الذي فاق في عدد سنوات حكمه سنوات مايو يزخر بالمساوئ ويمثل ابشعها تشريدها كل من لا يؤمن ويتفق مع تطلعاتها العقائدية من الخدمتين المدنية والعسكرية وادخالها للثقافة العربية الاسلامية بالبلاد في موقف حرج بتحويلها الحرب في الجنوب الى حرب دينية وتحويل دولة الوطن الى دولة الحزب ثم اخيراً لدولة المنظمة السرية ذات الحلقات الضيقة والمحصورة، وهي قد نجحت في استعمال الدين في زجر الناس عند مجرد الشكوى، وضرورة الانسجام مع الاوضاع القائمة مهما كانت مجحفة. واصبح القمع هو الشرعية المتجددة لها، اضافة لواقع التسلط بمحاوره المختلفة كما انها وفي تجربتها المستمرة اثبتت انها دولة العصا والبقشيش التي تستخدم العصا في مواجهة من عصى والبقشيش لمكأفاة من اطاع ووفي. وبعامل الضغوط الدولية والداخلية انصاعت مجبرة، لاتجاهات السلام، فوقعت اتفاقيات مع الحركة الشعبية في نيفاشا ومع التجمع في القاهرة وبعض فصائل ثوار دارفور ومع جبهة الشرق، في اسمرا. لكن الشاهد وحتى اللحظة انتقاء رغبة المؤتمر الوطني- المرادف الحديث لاسمها السابق في تنفيذ تلك الاتفاقيات بخلفية عدم استعداده لدفع استحقاقاتها. هذه السياسات المنبوذة ادت لان تضحي بلادنا صالة عرض للقوات الاجنبية بمباركة المجتمعين الدولي والاقليمي.
ان مسيرة الحركة السياسية السودانية الحديثة وحسب طبيعة نشأتها ومسيرة تجربتها تنأى عن المعقولية. ومن منظوري ان الانجاز الوحيد الذي اتفقت عليه ونجحت في استكماله هو اعلان الاستقلال من داخل البرلمان وطبقاً لخطاها الموضحة في المداخلة سأوجز بعض الحقائق المستوحاة من التجربة.
أولاً: النتيجة الاكثر حضوراً هي اخفاق الانقلابات العسكرية التي توقفت في استلام السلطة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. كما ان تلك الانقلابات نفذتها قوى حزبية بواسطة كوادرها العسكرية علماً بان قوانين القوات المسلحة طيلة تاريخها تحرم الاستقطاب الحزبي داخلها.
ثانياً: أوضحت التجربة في شقها الانقلابي انها كانت بالغة العنف بدت في ذلك كل الاختبارات المماثلة في محيطها العربي والافريقي (شهداء انقلاب على حامد في 1959م، مجزرة الجزيرة ابا 1970م مذبحة حركة 19 يوليو 1971م، شهداء وادي الحمار في 1975م، شهداء يوليو 1976م، جريمة اعدام الشهيد محمود محمد طه، شهداء حركة الخلاص الوطني (رمضان) 1990م، شهداء بيوت الاشباح، الشهداء في القوات المسلحة والمفقودين في حروب ثوار الهامش).
ثالثاً: بالرغم من اسهام الحزبية السودانية في انجاز الاستقلال وطمر الشموليات المستبدة الا انها لم تنجح في تحقيق انجازات تذكر بل كان لها دور أساسي في سقوط كل التجارب الديمقراطية وبعامل اخفاقاتها المنظورة ساهمت بصورة مباشرة في ان يحتمي كثير من السودانيين بولاءات بدائية بغيضة.
رابعاً: بيت التجربة ومنذ مولدها في جمعية الاتحاد السوداني جنوحها للاختلاف بسبب غياب وضبابية المشروع الوطني المناسب. وفي تصوري انها حركة انقسامية تتمتع بذاكرة خربه باتجاهها ناحية الموجب والقاطع والمحدد والثابت على حساب المتغير والمتجدد والسائد على حساب المستحدث لحوجته للاجماع نافرة من الاختلاف والتنوع ويبدو هذا في انقساماتها المتكررة التي انتظمت كافتها.
خامساً: ومن الواضح ان العسكرتاريا الاستبدادية التي حكمت البلاد كان لها تأثيرها على الطبقة الوسطى الرائدة في حركة التغيير السياسي والاجتماعي. هذا الاثر يظهر بوضوح في عهد الانقاذ الذي تلاشت فيه الطبقة الوسطى. وبالطبع هذا ما يفسر الى حد بعيد، احتشام ظاهرة الاحتجاجات الشعبية تجاه سلطة الحركة الاسلاموية الغاشمة.

رجوع

http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147509684&bk=1
_________________

Post: #424
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 00:20 AM
Parent: #423


كشف الحقيقة لترسيخ الديمقراطية ودفن الماضي
عرض: محمد علي خوجلي

في الجزئية الاخيرة، النقطة الرابعة من المقال، فان موضوع العرض هو المصالحة الوطنية وتضميد الجراح التي اسست لها المادة (21) من الدستور القومي الانتقالي الذي تطالب كل القوى السياسية بانزاله الى ارض الواقع بندا بندا، وبالطبع فان ذلك خارج اختصاص هيئة جمع الصف الوطني ولا علاقة له بكافة اللجان الثنائية القائمة الا واحدة، واذا ادعت لجنة ما انها تضع قضية المفصولين سياسيا ضمن اجندة الحوار الثنائي فليس امامنا الا الابتسام!
والمصالحة الوطنية وتضميد الجراح كانت من بين مطالب الحركة الشعبية التي تضمنتها قائمة القائدة سلفاكير ابان الازمة الاخيرة مع المؤتمر الوطني، ومن بعد ذلك اشتملت عليها مصفوفة قرارات وموجهات الرئاسة والتي قررت 9 يناير 2008م، تاريخاً لقيام (لجنة المصالحة الوطنية وتضميد الجراح) لتبدأ برامجها (فورا) حتى اعلمنا ياسر عرمان قبل يومين ان الحركة الشعبية حددت ممثليها ولم يفعل المؤتمر الوطني!، وهي عادة قديمة، وانزال الدستور لارض الواقع يحتاج كفاحا، لكن المحير فعلا ان كافة القوى السياسية الحاكمة والمعارضة ومراكز الحقوق ابعدت نفسها عن المسألة ولم يقدم اي منها منفردا او جميعها مجتمعة اي مقترح بشأن انفاذ هذا الحق الدستوري الهام الذي يمس جميع السودانيين.
وما دام الماضي لم يدفن بعد فان قوانين تنظيم الاحزاب والانتخابات وخلافها تكون شكلية وذات اولوية فقط للنخب السياسية، وتظل الازمة قائمة ما دام الميت يمسك بالحي وفي النهاية سنجد امامنا تعددية شكلية لاعداد مقاعد الاحزاب في البرلمانات لا تحددها الجماهير، الحركة الشعبية من جهة والرئيس عمر البشير ونائبه من جهة اخرى يثيرون بين اونة واخرى اهمية المصالحة الوطنية في كل انحاء البلاد، ورفع الظلم وجبر الاضرار، والمساءلة والمحاسبة او العفو، واهمية التعويضات الفردية والجماعية، الرمزية والمالية الى اخر، ودعوا مع اخرين الاسترشاد بالتجربة الافريقية ومنها تجربة (لجنة الحقيقة والمصالحة) في جنوب افريقيا.
والمصالحات الوطنية ولجان الحقيقة وهيئات الانصاف هي تجارب اكثر من ثلاثين دولة في العالم وحقق الكثير منها نجاحا باهرا، واعتمدت معظم التجارب على كشف الحقيقة اولا، ثم رد الاعتبار الادبي، ورفع الضرر وازالة الغبن، ورد الممتلكات والحقوق القانونية ما استطاعت الى ذلك سبيلا، ان مطالبة الناس بطي صفحات الماضي المؤلمة والتوجه نحو المستقبل (نحو صناديق الاقتراع) وهم فاقدين للثقة في الدولة ومؤسساتها المختلفة لا جدوى منها، ان اول شروط دفن الماضي هو كشف الحقيقة، والذاكرة الجماعية تتأثر بالحقيقة لا باماني محترفي العمل السياسي، وقد لاحظت ان بعض الكتاب الصحافيين تساءلوا عن مغزى تطابق احتفالات واو الاخيرة بتاريخ احداث توريت عام 1955م، وعلى ذلك يؤكدون ان احداث توريت لا تزال عالقة بالذاكرة الجماعية كاي احداث اخرى لاحقة في الجزيرة ابا او بورتسودان.. الى اخره، ولن تدفن الا بعد كشف الحقيقة.
وعملية المصالحة الوطنية وتضميد الجراح في السودان مرتبطة بثلاث قضايا هامة وهي معها في خط مستقيم: السلام والوحدة والتحول الديمقراطي، فالمصالحة الوطنية من ادوات نشر السلام وثقافته، والانصاف والعدل وازالة الظلامات التاريخية من العوامل السياسية للوحدة، وكشف الحقيقة اهم ادوات ترسيخ الديمقراطية، وهكذا نأخذها كلها (حزمة واحدة) فالقضية اصلا واحدة لكن اعداء الحقيقة والديمقراطية نجحوا في تجزئتها بالرغم من ترديدهم لنشيد (التحول الديمقراطي) خمسين مرة في اليوم، وكشف الحقيقة له علاقة وثيقة بالتحول الديمقراطي والتداول الديمقراطي للسلطة، ومتى ما كان مرشحو القوى السياسية المتنافسة من (المتسيبين او المجرمين) فان (المتضررين او الضحايا) لن يفعلوا شيئا غير مقاطعة الانتخابات.
وقد وجدت ان تفرد التجربة السودانية يدفع الى الاهتمام ايضا بمصالحات اخرى ضرورية بين قيادات الاحزاب والتنظيمات السياسية من جهة وعضويتها والجماهير من جهة ثانية (الجماهير اللا حزبية وهي الاغلبية الساحقة من السكان) المؤيدة او الداعمة لتلك القيادات وهي مصالحات هامة لذات التحول الديمقراطي لا تقل في اهميتها عن لجان المصالحات بين القبائل وحل النزاعات التاريخية ذات الصلة بالمصالحة الوطنية، وان الاسلوب الذي اتبعته قيادات الاحزاب اليوم (تجميع) العضوية او المؤيدين الذين اختاروا مواقف المتفرجين لن يحل المشكلة التي تجاوزت اثارها الافراد.
وتأملت وقائع كثيرة تحتاج لهذا النوع من المصالحات لم يسلم منها حزب: تذكرت قصف الجزيرة ابا بالطيران وقصف قرى في دارفور وقرى ومدن صغيرة في جنوب الوطن.
كشف الحقيقة يفيد التأكيد على القصف او عدمه، وهل كان سلاح الجو السوداني مدعوما من دول (شقيقة وصديقة)؟ كشف الحقيقة يعني ان ذلك لن يتكرر لا من تلك الدول ولا غيرها، وفي موت الالاف بالجزيرة ابا عام 1970م، تأملت صورتين: صورة التحذيرات للسكان عن طريق المنشورات التي ترمي بها الطائرات قبل القذف بالقنابل، وصورة بعض من القوم يخدعون السكان بقدراتهم الخارقة التي حولت القنابل الى اوراق تتطاير في الفضاء الواسع، وسألت النفس هل موت الالاف ومقابرهم الجماعية نتيجة تلك العملية المشتركة (الخداع والقنابل)؟ هل مطلوب من الذاكرة الجماعية ان تنسى كل ذلك وتتوجه نحو صناديق الاقتراع لتختار طواعية من يكون قد شارك في قتلهم او ساهم في خداع آباءهم واخوانهم؟
ان كل قيادات الاحزاب والتنظيمات السياسية الحاكمة والمعارضة وهي تنشد نشيد التحول الديمقراطي عليها، ان تقر علانية بكامل مسؤولياتها في اضعاف احزابنا والديمقراطية واضعاف ترسيخ الديمقراطية بصناعتها او مشاركتها في صناعة او دعم وتأييد الانقلابات العسكرية وكل عضوية المجلس المركزي ومجالس الشعب القومية والمجالس الوطنية هم ذات قيادات الاحزاب السياسية وهي شريكة في كل الاثار السالبة التي حاقت بالشعوب السودانية.
ان كل الانقلابات التي نجحت في اعوام 1958 و 1969 و 1989م، والعشرات التي فشلت ومعلوم ما حدث شارك في التخطيط والتحضير له قيادات حزبية (حكومة ومعارضة) وعليهم كشف الحقيقة وهل كانت تلك الافعال بموافقة الاحزاب ام قيادات ام بعض قياداتها؟ وما نتائج محاسبتهم امام احزابهم؟ الى اخر، وبسبب الانقلابات والحروب الاهلية بسبب الصراع على السلطة السياسية دفع الناس العاديين اثمان باهظة، انهم لن ينسوا شيئا ولا اسرهم ولا عائلاتهم الا بعد كشف الحقيقة والاعتذار والانصاف ورد الاعتبار الادبي.
تعذيب المعتقلين من الامور الجديدة في السودان، في حقبة الحكم العسكري الاول حالات فردية قليلة وكذلك في الحقب العسكرية الثانية لكن شهدنا تعذيب شيوخ الانصار الجماعي ومنهم حفظة للقران في دبك هل حدث ذلك بقرار من احد اجهزة الدولة، هي مسؤولة افراد متطرفين (من بينهم قادة سياسيين اليوم) وما هي حقيقة تلك (البيوت) في الحقبة العسكرية الثالثة؟
وكما اقامت اجهزة الدولة (حفلات خاصة للمعارضين) اصدرت الحركات العسكرية المعارضة احكاما بالاعدام على (متمردين) على قياداتها، وهكذا كلما حدث عبر السنين في كل انحاء البلاد يحتاج الى كشف الحقيقة. وضمت معسكرات الاعتقال خلال الحقبتين العسكريتين الثانية والثالثة الاف المعتقلين، وكما كانت الاعتقالات بسبب جبروت اجهزة الدولة فان من اسبابها ايضا (الوشاة) واخفاق قيادات حزبية في حمل امانة النشاط السري والاهمال في اداء واجباتها وكشف الحقيقة هنا لا يعني الا المحاسبة والاعتذار والعفو، فمصالحة قيادات الاحزاب مع المتضررين من عضويتها بعمل عمدي او عن غير قصد هامة مثل مصالحة السكان مع الدولة.
وقيادات من المؤتمر الشعبي الذي تصنفه قيادات الاحزاب والتنظيمات السياسية لا جماهير ولا الجماهير اللا حزبية، كأحد احزاب المعارضة، من المعلوم ان كثير من قياداته اشرفت على عمليات الفصل الجماعي من الخدمة والحفلات الخاصة في تلك (البيوت) واستباحوا ليل المدن الهادئة وسكانها داخل المنازل مقيدين بحظر التجوال ففعلوا ما عن لهم وعندما اكملوا كل شئ، ولم يجدوا بشرا يؤنسهم في دورياتهم الليلية اتجهوا نحو (التماثيل) او حرب الاصنام، في الليل البهيم، في مدارس الاحفاد وشارع مستشفى ام درمان .. كشف الحقيقة قد ينسينا كل ذلك !.
اما الاضرابات مع بدايات الانقاذ فقد كان من اثارها بخلاف الفصل من الخدمة والاعتقال (الموت) كشف حقيقة تلك الاضرابات وابرزها اضراب الاطباء والجهة التي قررتها هل هي قواعد العاملين ام قيادة النقابة؟ وما هو اثر النشاط الحزبي في التحريض على تلك الاضرابات في ذلك التوقيت؟ واذا كان (موت طبيب جسور وشجاع مهذب) هو مسؤولية افراد من اجهزة النظام.. فاننا لن ننسى ان قيادات حزبية قدمته لتلك الاجهزة عندما اصدرت قرارها الحزبي بخروجه من مكان اختفائه بحجة ان النقابيين لا يختفون! علما بأن القيادات التي اتخذت القرار (من المتفرغين الحزبين والمختفين) وبجوارهم ايضا نقابيين مختفين خلعوا (طاقية النقابة) ووضعوا بدلا عنها (طاقية التفرغ) هل نستطيع ان نتصالح مع مثل تلك القيادات الحزبية التي تخفي سؤاتها عن عضويتها وعن الاطباء وجماهير الشعب؟ كشف الحقيقة، حقيقة كل من شارك او اشرف على تنفيذ (القرار القاتل) لا غنى عنها والمسؤولون هم قادة حزبيين اليوم، ومهما تحدثوا عن (التجديد او التحول او التحلل) فان ذلك لن يزيل بقع الدم في تلك الوجوه!
والذاكرة الجميلة لن تهدأ الا اذا تم الكشف عن حقيقة موت واغتيال الزعماء، وما اثير حوله: الزعيم الازهري، والامام الهادي المهدي، والاستاذ محمود محمد طه، والمعلم عبد الخالق محجوب والنقابي الفذ الشفيع احمد الشيخ والمناضل جوزيف قرنق، وحقيقة (طائرة الموت) وحالة الزعيم د. جون قرنق.
والذاكرة الجماعية تحفظ ما يسمى بالتهجير القسري للسكان والذي من الضروري كشف حقيقته في ام درمان والشمال وكردفان ودارفور، والهجرة القسرية واللجؤ السياسي للمفصولين سياسيا والذين دفعتهم اجهزة الدولة دفعا نحو هذا الخيار المر، وهجرة الاقباط السودانيين واضطرارهم لايجاد اوطان بديلة في انجلترا وكندا واستراليا وهل كان اعدام (جرجس القس) في فبراير 90 هو الانذار للاقباط السودانيين بالرحيل؟ تحتاج لكشف حقيقة اجبار الكثيرين على ترك وظائفهم وتجارتهم والخلاص من ممتلكاتهم .. ان عودة الاقباط واللاجئين السياسيين الى وطنهم السودان هو من حقوقهم الى جانب رد الاعتبار الادبي ورفع الاضرار والتعويض عنها.
ان الذاكرة الجماعية يسكنها ما ظل يحيق بالتلاميذ وطلاب الجامعات عبر عشرات السنين بالضرب والاعتقالات والفصل من الدراسة، الضرب بالعصي والضرب بالرصاص، والقتل بالعشرات, تحفظ ايضا مقدرا التعسف في استعمال السلطة بعدم الاكتفاء بالفصل من الدراسة بل واتخاذ قرارات جائرة بحرمان الطلاب المفصولين من الالتحاق باية مؤسسات تعليمية اخرى (لقمان عبد الله ورفاقه لن يستطيعوا نسيان ذلك الماضي المؤلم فهو قد قلب حياة كل واحد منهم رأسا على عقب).
مثلما لن ينسى سكان حي العرب والمناطق المجاورة وتلاميذ المدارس وطلاب الجامعة الاسلامية وعمال وعاملات المنطقة الصناعية امدرمان مشهد التلميذ الشجاع (حاتم) ذلك الصبي القوي وهو يسير بخطوات ثابتة ومنتظمة في اتجاه العسكر وسلاحه هتافه وراسه المرفوع ويداه الخاليتان، والتي يضبط بهما سير اقدامه، حتى تلقى رصاصة من ضابط للشرطة، ومات الصبي واقفا وانسحب الضابط ورجاله وجلين في غير ثبات وبلا انتظام، لن نستطيع نسيان المشهد رغم مضي اربعة وثلاثين عاما، ولن ينسى الصورة اخوته واصدقاءه وابناء الحي.
وسيلة دفن الماضي: كشف الحقيقة ورد الاعتبار والانصاف يساعد في طي صفحات الماضي، وهكذا.. لا استطيع عبر هذا المقال ولا مائة مقال عرض كل شئ هي نماذج ضئيلة وغير شاملة، مجرد عرضها قبل (لجنة الحقيقة والانصاف) اراحت صدر قليلا!
وفي الختام فان اللجنة الرسمية او القومية ذات الصفة الرسمية او لجنة الحقيقة والمصالحة وهي تبدأ في اعداد برامجها بعد ان يسر الله قيامها مطلوب منها في البداية ان تعمل على اصدار قرار رئاسي بالكشف عن ارشيف الدولة في مواضيع تلك السنوات ذات الماضي الحالك، ولجان التحقيق الرسمية والملفات السرية (تجربة المصالحة في المانيا الشرقية) حيث اكتفى الناس بمعرفة الحقيقة ولم يطالبوا الا بالمحاسبة ولا التعويضات).
وان تكشف الاحزاب والتنظيمات السياسية ايضا عن ارشيفها في ذات المواضيع، وينشر الشهود التقاة (الاستاذ عبد الحليم الطاهر المحامي) واخرون مذكراتهم ووثائقهم، وان تخصص الصحف اليومية واخص بالذكر جريدة (الايام المحترمة) صفحة لكشف الحقيقة، فلا الوفاق الوطني وحده ولا مصالحات النخب السياسية وحدها هو الذي يحقق المصالحة الوطنية وتضميد الجراح والوحدة والسلام، اساسها الانسان، وان لم تتبدل حياة الانسان ويتم انصافه ويرد اعتباره وتحترم تضحياته فلا امل في وحدة وطنية او تداول ديمقراطي للسلطة!!

http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147510850&bk=1
_________________

Post: #425
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 00:23 AM
Parent: #424


آراء وأفكار حول الاصلاح القانوني

المساءلة والعدالة

د/ حميد امام المحامي


ظلت التجارب الداعية لتحقيق السلام وحقوق الانسان تنشد المساءلة والعدالة، وهما صنوان لوحدة الاوطان والارادة الحرة نقصد بالتجارب العالمية : ـ تجربة جنوب افريقيا، ايرلندا وفلسطين يحفظ المجتمع الدولي، سلسلة المفاوضات الشاقة للوصول إلى سلام وحقوق للانسان في هذه التجارب. اذاً السودان قد دخل بعد التوقيع على اتفاق السلام الشامل إلى حافظة التجارب العالمية.
ونزعم أن القضية الأساسية لإصلاح النظام القانوني في القانون السوداني، هي مبدأ المساءلة والعدالة، ولاهمية ذلك وضع المفاوضون مع الخبراء الدوليين هذه القضية في مقدمة لقضايا النزاع بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني. وعلى ذلك نص عليها الدستور الانتقالي في المادة (4) (أ) بقولها (تؤسس وحدة السودان على الارادة الحرة لشعبه وسيادة حكم القانون والحكم الديمقراطي اللا مركزي والمساءلة والمساواة والاحترام والعدالة) إنتهى
والسؤال، لماذا وضعت المساءلة ضمن وحدة السودان وسيادة حكم القانون.. الخ؟ هل هي وضعت في المبادئ الموجهة؟ موجهة لمن؟ وكيف تتحقق؟
ترتبط المساءلة والعدالة (بالمصلحة الوطنية) المنصوص عليها في المادة (21) (تبتدر الدولة عملية شاملة للمصالحة الوطنية وتضميد الجراح من أجل تحقيق التوافق الوطني والتعايش السلمي بين جميع السودانيين).
المخاطر التي تواجه النصوص : ـ
نوجز المخاطر في النقاط الآتية : ـ
أولاً : ـ أن النصين المذكورين وضعان في ابواب ليس لها صفة الالزام والتحديد. نقصد بهذه الأبواب، الباب الأول (الدولة والدستور والمبادئ الموجهة) و(المبادئ الهادية والموجهات). والمواد في هذه الابواب لا تفرض أي صفحة محددة لوضع قانون مثلاً في المساءلة نقول (أن يحدد القانون) أو وفقاً لقانون. نلاحظ أن المواد المتعلقة (بالمساءلة) (والمصالحة الوطنية) ليس بهما هذ التحديد، كما أن النصوص اللاحقة في الدستور لا تحدد أو تفصل هذه المساءلة وتلك المصالحة الوطنية.
ثانياً : ـ أن هذه النصوص تطرح سؤالاً من المسئول عن تقديم الاتهام أو الادعاءات في مواجهة الذين ارتكبوا (جرائم جنائية) أو أي نوع من المخالفات؟
هل يصلح قانون الإجراءات الجنائية الصادر في عام 1991م للمحاسبة والمساءلة؟ ما هي الصعوبات اذا ما لجأنا إلى قانون النائب العام لسنة 1983م للقيام بهذا الدور؟
في حالة القانونين المذكورين نواجه بمخاطر أولها أن القانون الجنائي وإجراءاته لسنة 1991م صادر بعد 30 يونيو 1989م وقت حدوث الانقلاب، إذن نلجأ لقانون العقوبات لسنة 1983م.
النائب العام بوضعه ووظيفته بوصفه محامي الدولة، هل بإمكانه إجراء هذا الاتهام وتقديم أي شخص للمساءلة لا أحد يجادل في أن قوانين العقوبات لسنة 1983 أو 1991م وضعت في ظل المؤتمر الوطني، ففي عام 1983م كان الدكتور حسن الترابي هو من محفزي وضع هذه القوانين وقانون عام 1991م اضافة إلى أن حزب الجبهة الاسلامية اقترح هذا القانون في سنة 1988 ولم توافق عليه الجمعية التأسيسية.
لحكمة يعلمها الله سبحانه وتعالى أن النائب العام وديوانه ظل في حقبتي المشير جعفر نميري وحكومة الانقاذ يلعب دوراً نشطاً في تقديم ورفع البلاغات الخاصة بجرائم أمن الدولة. ولكن ليس له دور نشط في تقديم ورفع بلاغات أو تقديم اشخاص باسم المساءلة لاشخاص موجودين ولهم مناصب في الدولة. وتحضرنا الذاكرة في قضية اسماء محمود محمد طه، أن النائب العام اعتذر عن تقديم دفاعه عندما كانت حكومة (المشير جعفر نميري) هي المسئولة عن المحاكمة غير العادلة للاستاذ محمود محمد طه. هذه القرينة تصلح عند القول بأن النائب العام ليس له تاريخ حافل في تقديم اشخاص للمساءلة اذا ما ارتكبوا جرائم أو مخالفات على ضوء الدستور الانتقالي لسنة 2005م.
ثالثاً: ـ الحركة الشعبية لتحرير السودان، طرفاً في هذه المساءلة، حيث أنها أعلنت عن نفسها منذ عام 1983م وقادت نزاعاً مسلحاً وسياسياً منذ ذلك الوقت وحتى 2002م، بداية المفاوضات وإعلان مشاكوس، فخلال هذه الفترة التي تتجاوز عقدين من الزمن، ارتكبت فيها أفعالاً تخالف القانون وحقوق الانسان، وهي مسئولة عن العديد من حالات الإغتيال وتجنيد الأطفال والإعدام خارج نطاق القضاء وغيرها مما تبثه المصادر.
فكيف تجري هذه المساءلة والعدالة، حتى يتحقق تضميد الجراح ـ حتى نصل إلى عدالة.
ربما تكون الحركة الشعبية الحاكمة لعشرة ولايات في جنوب السودان تخطو خطوات ايجابية في محاربة الفساد، وفي ذلك أصدرت عشرة قوانين، وأصدر رئيس القضاء منشوراً بالرقم (2) يعتمد مصادر قانونية جديدة، مثل تطبيق المعاهدات مباشرة امام المحاكم والعرف وقوانين البلدان الافريقية المجاورة في حالة غياب النصوص القانونية للفصل في النزاع.
* من يبدأ السلام ؟
اذن نتوصل إلى أن حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، الثنائي لاتفاق السلام هما اللذان يبدأن بعملية المساءلة والمصالحة الوطنية هل ذلك سيتحقق؟!
رغبة الطرفين في إجراء مساءلة تحتاج هذه المساءلة إلى قانون وحزمة من الإجراءات وربما يقول لنا أحد الناس أن مفوضية حقوق الانسان مناط بها هذه المسئولية ولكن لماذا تعثر إنشاء هذه المفوضية وقانونها؟
نزعم إن إنشاء هذه المفوضية (حقوق الانسان) مرتبط بحل المعضلة بين الشريكين مسألة (التحول الديمقراطي) والتي ينتظرها الاصلاح القانوني والذي يبدأ بتعديل (6 قانوناً يتعارض مع الدستور، هذ فضلاً عن قانون يحقق المساءلة في الفترة من 30 يونيو 1989م إلى الآن. ليس المقصود بهذه المساءلة هو التشفي (فش الغبينة) أنما أساسه أن (الأموال والدماء معصومة) ـ ولا نريد أن نقول أنه سوف تحقق الوحدة الجاذبة، وأنما هي تحقق الوحدة الوطنية الحقيقية. ولكن لماذا يتعارض مبدأ المساءلة قانوناً مع مصلحة الشريكين رغم اختلافهما المعبر عنه في الخصومات وتبادل الاتهامات؟! نوجز هذه الاسباب بغرض البحث عن عامل حاسم يفضي إلى تغيير نحو مبدأ المساءلة في الآتي : ـ
1/ السير في إجراءات (التحول الديمقراطي) المنصوص عليها في الدستور من جانب الشريكين، يتعارض مع سيطرتهم المؤقتة (52%) للمؤتمر الوطني شمالا و(70%) للحركة الشعبية جنوباً والخوف مسيطر على أن التحول الديمقراطي ومبدأ المساءلة يعرض تلك السيطرة للاهتزاز الحزبي من جماهير الناس. والدليل عل ذلك فالقوانين التي صدرت رغم أهميتها مثل قانون الجمعيات الطوعية لعام (2006) وقانون الاحزاب (مارس 2007) وقانون القوات المسلحة (نوفمبر 2007) معظمها تم اعدادها بعيداً عن مفوضية المراجعة الدستورية وتمت إجازتها في المجلس الوطني بالاغلبية. وكانت إجراءات التحول الديمقراطي تقتضي أن تحدث مناقشة وتشاور وإتفاق مع القوى الساسية والإجتماعية نلاحظ أن هذه القوانين المذكرة والمجازة، لم تنص على تطبيق أي نصوص بأثر رجعي فيما يتعلق بالمصالحة الوطنية و تضميد جراح. أنها تتحدث عن المستقبل وكأنها تقول (عفا الله عما سلف) يستنتج من ذلك أن مبدأ المساءلة ليس مطروقاً بين الشريكين أنه ينتظر عامل وهو الناس ـ الجماهير ـ الغالبية من هذا الشعب.
هذا ليس كلاماً سياسياً، أنما هو القوى التي يعول عليها في الاصلاح القانوني ـ لنأخذ مثالاً واقعياً وجد (قانون الاحزاب معارضة واسعة خاصة البنود التي تقيد نشاط الاحزاب والخاصة بتركيبة مجلس الاحزاب والمادة التي تجوز حل الحزب حال معارضته لاتفاقية السلام ومادة أخرى تضع شروطاً تعجيزية لتسجيل الاحزاب).
نلاحظ حتى بعد إجازة اتفاقية السلام الشامل لم تكن الحركة الشعبية حزباً، وكان المؤتمر الوطني حزباً ولا يزال، وهما اختلفا حول هذين البندين ـ فكيف نتصور اذا طلبت الحركة الشعبية المحاسبة وفقاً لاتفاقية السلام فماذا نتوقع رد حزب المؤتمر الوطني؟! لا نتوقع طرح المساءلة من الحركة الشعبية في هذه المرحلة، لأن ذلك ربما يكون مردود عليها لأن المساءلة شاملة للحركة الشعبية وللمؤتمر الوطني وهذا يتعارض مع وضعها في الانتخابات القادمة.
2/ ربما يتعارض قانون المساءلة والعدالة، والمصالحة الوطنية مع التنافس الحزبي للحصول على مقاعد للفوز في الانتخابات تعتمد المساءلة مثلا عن التحقيق والاعتراف في مساءلة حل الاحزاب ـ وهي حرية وحق التنظيم ـ منذ المرسوم الدستوري رقم (2) 1989 ويشمل المعتقلين السياسيين عن الفترات التي قضوها في السجون وبيوت الاشباح، هذا يعني المساءلة من مصدري القرارات ثم المساءلة عن التعويض ويشمل الفصل عن العمل والحرمان من الحرية وهي سلسلة طويلة من الإجراءات وتقديم الأشخاص من الطرفين لعرض أقوالهم وإعترافاتهم وإقراراتهم ـ ومن توفوا داخل السجون سواء كانوا في البيت الابيض في جوبا أو سجن كوبر مقر لجنة الانتخابات، يحضر عنهم أولياء الدم لسماع الاعترافات والتفاصيل الكاملة عن ما تعرضوا له ـ هذه العملية تتم لعشرات الأشخاص وتشمل المسئولين أو كانوا مسئولين في الحكومة. هذه العملية تفضي في النهاية إلى تضميد الجراح وهي مصالحة وطنية حقيقية تسندها العدالة.
والاستحالة أو الصعوبة في هذا الأمر، أن الاشخاص المعرضون للمساءلة هم أعضاء في حزب المؤتمر الوطني، وربما يرشحوا في انتخابات ويعودوا مرة أخرى للحكم، هل يجوز أن نفترض أنهم سيخضعون لمساءلة؟!

http://www.alayaam.info/index.php?type=3&id=2147510879&bk=1
_________________

Post: #426
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 00:24 AM
Parent: #425


المقال التالي نشر بجريدة الأيام السودانية
العدد 7725 صفحة منبر الرأي
عمود : أضواء ومفارقات
بواسطة الأستاذ/ تاج السر مكي
تحت عنوان: في ذكري الشيخ الجليل

قال الأستاذ محمود محمد طه في واحدة من محاضراته أن كمال الشريعة في التطور ، وكمالها في أن تنزل وتخاطب الناس علي قدر عقولهم ، وتمتلك المقدرة لتتطور وتواكب المجتمع باستمرار ، لأن الجسم الحي النامي المتطور ، هو الكامل ، وليس الجماد الثابت علي صورة واحدة ، ويقول البعض أن ربنا أعلم بحاجة الناس وقد نزل عليهم الشريعة في القرن السابع . بالطبع ربنا أعلم بحاجتنا لكن لا يشرع لكمالاته ولا لكمالات نبيه ، وحكمة التشريع أن ينزل وأن يخاطبهم في مستواهم البشري ليطورهم من ضعف إلى قوة .
هكذا يقول ذلك العالم الصوفي البسيط ، وهو لا يرتدي مسوحا ويجلس مع تلاميذه وتلميذاته يحاورهم ويجادلهم بالحسنى ويشرح لهم ما استعصي بهدوء العارف ، دعتني ابنته ( أسماء ) وهي تلميذتي وجمهورية ناشطة لزيارة والدها ، ودعا ( عادل ) عمه المرحوم سيد طه شريف وهو الشقيق الأصغر لحسن طه شريف أحد مؤسسي تنظيم الجمهوريين وتحركنا صوب منزله في الحارة الرابعة بالثورة ، وفي شارع ( النص ) صوب منزله ، كانت المنازل في طريقنا تتواضع في بنائها وصغر مساحتها حتى اقتربنا من منازل طينية بسيطة علق الأستاذ سيد طه عليها قائلا وكأننا نقترب من مكان يسكنه صحابة لا يرون في الدنيا دار مقام .
علي باب المنزل استقبلنا الأستاذ يرتدي ( عراقي ) أبيض بسيط وطاقية باشا هاشا لزيارتنا ودعانا إلى حجرته الخاصة التي يتكون أثاثها من ( عنقريب ) تحيط به كراسي بلاستيكية وعبقت الحجرة بالبخور وحدثنا ببساطة العالم كيف أن البخور يطهر الغرفة من الحشرات والميكروبات وكان كلما يتراجع الدخان يصب عليه بمعلقة ليزداد توهجا وعلي الكراسي وحوله في ( العنقريب ) جلس بعض تلاميذه وتلميذاته يرتدون الملابس البيضاء النظيفة . وجاءت إحداهن تحمل طفلها ويبدو انه كان مريضا فطلب منها أن تزور به طبيبا جمهوريا يسكن في الجوار .. لم يدع أنه سيرقيه ويقرأ علي رأسه بعض آيات القرآن الكريم ، فسقطت أول مظاهر الدجل والشعوذة فالطبيب الذي تعلم يستطيع أن يقوم بواجبه دون أن يكون في ذلك أثم ..
يري الأستاذ أن المرأة ريحانة الحياة وأكثر المخلوقات قدرة علي التربية والعمل المبدع والصبر علي المكاره وتشكيل الإنسان السوي المتوازن وتحدث عن عظمة النساء المسلمات وغيرهن بما يدلل علي ذلك وعرج علي نساء بسيطان وفقيرات أنجبن وتولين تربية أبناءهن فحسنت سيرتهم وسما شأنهم علما وأدبا .
سأله الأستاذ سيد طه ، هل تجد سياسة رفض العنف أساسا متينا في الإسلام ؟ أجاب ، العنف مرفوض في الإسلام ، والشريعة ليست هي الإسلام وانما هي المدخل علي الإسلام ، متنزلا إلى أرض الناس – حسب مداركهم واستعدادهم وحسب حاجتهم ففي أصل الإسلام ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ، وجادلهم بالتي هي أحسن ) و في الإسلام ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) .. فالإسلام يدعو إلى سعة الأفق والتسامح مع المخالفين في الرأي .
وسألناه عن الديمقراطية فقال إنها اصل الدين ( فذكر ، إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر ) ، ربنا ، يعز الحرية الشخصية – الحرية الفردية – وهي قمة الديمقراطية ( وادع إلى سبيل ربك بالحكمة .. والموعظة الحسنة ، وجادلهم بالتي هي أحسن ) .
وسألناه عن تطوير قانون الأحوال الشخصية فقال : لقد قهر الجاهلون باللأسلام المرأة وأذلوها وحولوها إلى أداة متعة وقد عرفوا بالتحجر الفكري والتبلد الذهني وفارقوا جوهر دينهم ولم يتمسكوا إلا بالقشور وأصيبوا بالهوس و ضيق الأفق ، وتحدث عن حق المرأة في تقييد التعدد والطلاق وألا تجبر علي زواج لا ترغب فيه وأن تكون ولية نفسها في حالة القسر .. لقد ازدحمت المحاكم بأفواج النساء التعيسات ( المجبرات) وفد أسيء إلى المرأة بالقانون التي تواجه المرأة الناشز قانونا التي تصر علي ممارسة حرفتها إن كانت موظفة أو عاملة ..وقال أن ليل التضليل قد طال ، ولكنه قد آذن بزوال .. وسنمضي في محاربة الوأد الذي يمارسه هؤلاء وسنضع الكلمة الصادقة الحاسمة موضع السيف حتى نطهر الإسلام من جهالات أدعيائه ونرد للمرأة اعتبارها وإنسانيتها وكرامتها ( ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله ، والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا ) .
لأسباب عديدة تتعلق بالاستنارة وما ذكرنا اغتيل الشيخ الجليل في أسوأ محاكمة عرفها تاريخ الفكر لقد كان يردد أن السلفيين والأصوليين هم أخطر علي الإسلام بكثير من الذين يعادونه ولا يعتقدون فيه .. وقد أفسدوا صورته أمام مختلف الشعوب وأساءوا إلى تعاليمه وحولوها إلى شعوذة ودجل .. وباتوا يتباكون علي ما آلت إليه سمعة الإسلام .. رحل الشيخ والحسرة تملأ جوانح أهل السودان فهو لا يعرف العنف ولا الخصومات البذيئة ،. ولما وصل أحد ضباط شرطة المحاكم لينفذ مصادرة المنزل بكي عندما وجد نفسه ينفذ مصادرة منزل متواضع أثاثاته (الأبراش ) لكنه يعبق بالفضيلة والرحمة !!

_________________

Post: #427
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 00:25 AM
Parent: #426


المقال التالي للأستاذ إبراهيم يوسف نشر بجريدة الأيام بالعدد 7727 الصادر في يوم الخميس 24 يوليو 2003 م


بسم الله الرحمن الرحيم

هل في الإسلام رجال دين يحتكرون العلم بالدين والفتوى ؟!

إبراهيم يوسف

(والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صما وعميانا ) صدق الله العظيم

كانت قبل أيام تعلو صيحات التعصب والهوس والتزمت بعيدة عن الحوار الفكري الموضوعي الذي يفسح المجال للرأي الآخر، وكل هذه المظاهر والتعبئة العاطفية الانفعالية كانت تعلن باسم الإسلام دين الحرية والتماس الحق أينما كان !
ولكن لا غرابة فأن اكبر ما رزئ به شعبنا الطيب المسالم أن هناك من يستغلون أنبل عواطفه ، عواطفه الدينية ويوظفونها ويوظفون الإسلام نفسه في صراعاتهم السياسية ولا يتورعون من توظيف كل ذلك للفتنة .
وقد تم (المقصرة) جماعة تأييد طالبان بإصدارهم فتوى تكفيرية نشرتها جريدة أخبار اليوم وكانت تلك الفتوى التكفيرية قد وردت فيها عبارات الكفر والتكفير أكثر من عشرة مرات أفتت (بقتل المرتد ) كما كفروا عددا من الاتجاهات مثل من يدعو إلى (الاشتراكية ) فهو كافر ضال أكفر من اليهود والنصارى ، وهؤلاء المشايخ إذا لم يسمعوا عن اتفاق مشاكوس الذي يمنع مجرد (التمييز) باسم الدين ؟ دع عنك القتل ؟ ألم يسمعوا قوله تعالي ( وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ) ؟

*هل في الإسلام رجال دين ؟
قد آن لشعبنا المسلم المسالم أن يعلم أن حماية الإسلام نفسه من مستغليه وحماية الشعب لنفسه حتى لا يستغل في تشويه الإسلام، وإظهاره بمظهر التخلف في عهد حقوق الإنسان وحقوق المواطنة المتساوية رغم تعدد الأديان والمعتقدات في بلدنا بلد التعدد. آن لشعبنا أن يعلم أن الإسلام يتميز بأنه ليس فيه رجال دين يحتكرون العلم بالإسلام وأنما نشأت ظاهرة رجال الدين البعيدة عن الإسلام بعد أن أدركتنا النذارة النبوية (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه قالوا اليهود والنصارى ؟قال فمن ؟ )
الأمام عمر رضي الله عنه، وهو مدرسة فكرية مشهورة، وله اجتهاداته الحكيمة، وهو أمير المؤمنين، كان هو الأولي بإعلان انه هو المرجعية الدينية وأنه هو الناطق باسم الإسلام، لو كان لمثل هذه الادعاءات مكانة في الإسلام.. ولكن الأمام عمر لما أعلن رأيه علي المنبر، واختلفت معه امرأة في الرأي، لم يسكتها ولم يتخطفها الأمن وأنما قال قولته العظيمة الشهيرة أخطأ عمر وأصابت امرأة.. وكل هذا يؤكد أنه ليس في الإسلام رجال دين أو مرجعية معينة تفسر للناس دينهم، وتخرج من الدين من يخالفها الرأي أو يزيد علمه علي علمها !!
وحتى في مرحلة أئمة الفقه عليهم رضوان الله لم يدعوا – المرجعية – حاشاهم ولم يلزموا أحدا باجتهادهم بل إن السلطة لما أرادت فرض رأي الأمام مالك علي الأمة قد رفض فرض رأيه وقال قد يري الآخرون ما لا أرى .

ماذا قال الأئمة ؟:

قال الأمام مالك (انظروا فيه فانه دين وما من أحد إلا مأخوذ كلامه ومردود عليه إلا صاحب هذه الروضة )يعني النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. كما سئل أبو حنيفة ( هذا الذي تفتي به هو الحق الذي لا شك فيه؟؟ فقال والله لا أدري قد يكون الباطل الذي لا شك فيه ).. هكذا كان ورع العلماء وبعدهم عن التعصب لآرائهم ومثل ذلك قال الشافعي عمن يخالفونه الرأي ( رأيي صواب يتحمل الخطأ ورأيهم خطأ يتحمل الصواب ) وقال الأمام داود ( انظروا في أمر دينكم فأن التقليد لغير المعصوم مذموم وفيه عمى للبصيرة )وقال الأمام أحمد ( لا تقلدني ولا تقلد مالكا ولا الأوزاعي ولا النخعي ولا غيرهم وخذ الأحكام من حيث أخذوا ( وأذا كان هذا هو المطلوب الديني في زمن الأئمة المجتهدين فكم يكون المطلوب الآن من المسئولية الفردية ومن اليقظة .
* ادعاء المرجعية والفتوى :

الآن هناك من هؤلاء وأولئك من يدعون أنهم المرجعية في الدين ويحتكرون الفتوى بالدين وهم اسري للفكر الإسلامي التاريخي ينقلونه لغير ظروفه وملابساته وباسم الشريعة.. مع أن البداهة تميز بين الشريعة وفهم الفقيه المتأثر بثقافة ومشاكل وقته، ثم انه هو جهد بشري يمكن نقده ويمكن رفضه وحتى في الفكر السلفي وارد (أجمع الفقهاء علي أن المفتي يجب أن يكون من أهل الاجتهاد) كذا في الظهيرة ص 308 المجلد الثالث من الفتاوى الهندية، كما أن المفتي هو المجتهد فأما غير المجتهد ممن يحفظ أقوال المجتهد فليس بمفتي وذلك لأن المجتهد سيراعي المستجدات ) ذات الصفحة من المصدر السابق كتاب ميزان صحيح الإسلام .
ولحسن الحظ أو لسوئه فأن مفتيينا، علي صوتهم المرتفع، ليس فيهم من يطمع أو يدعي مرتبة الاجتهاد، رغم ضرورات الاجتهاد ودواعي التجديد الملحة.. بل قفلوا باب الاجتهاد ، كان هذا هو واقع الحال اليوم ! رغم أن أئمة المذاهب كانوا يراعون المستجدات حتى في فترة عمر الرجل الواحد كما فعل الشافعي .

* دور المثقفين ووعي الشعب :

هكذا ظهر أن الدين وعواطف شعبنا الدينية توظف في الصراعات السياسية ليساق الشعب وهو معصوب العينين لتحقيق طموحات البعض السياسية، ويساق للفتنة نفسها بدون مراعاة لأمن المواطنين وللوحدة الوطنية، مع الظهور بإرهاب مكشوف يعرض بقتل الرأي المخالف، كما يعرض باليهود والنصارى ودعاة الاشتراكية مما يهدد بلدنا الذي نعزه بالتدخل الخارجي ، وإذا كان في أيام الأئمة المجتهدين كان المطلوب من الأئمة أنفسهم أن يتحرى الناس في أمر دينهم وأن يأتموا بعقولهم حتى قال الأئمة أعرضوا فهمنا علي الكتاب والسنة فان استقام معهما فبها وإلا فاضربوا به عرض الحائط.. إذا كانت هذه هي المسئولية الدينية، والمسئولية الفكرية، حتى في وجه أئمة الاجتهاد فان المثقفين يفرطون في مسئولية وأمانة الثقافة، إن هم أعطوا رؤوسهم لمن هم دون الاجتهاد، علي ضرورة الاجتهاد، ليرهبوهم باسم الدين فيحرمونهم من حقوقهم العصرية الإنسانية الأساسية مثل حرية العقيدة وحرية الفكر والتعبير.. فليدافع المثقفون عن حقوقهم إن لم يستطيعوا أن يدافعوا عن الإسلام في وجه التشويه بتحويل الإسلام العظيم إلى مؤسسة عقابية .

* طريق العلم التقوى وليست الدراسات النظرية :

ثم إن البسطاء أصحاب الفطرة السليمة من قومنا، حتى لا يفقدوا تعايشهم السلمي في بلدهم، بلد تعدد الأديان، وكريم المعتقدات، ذلك التعايش الذي ورثوه من تدينهم الصوفي، آن لهم ان يعلموا أن طريق العلم في الإسلام هو منهاج بسيط، يدركه أبسط الناس، إذ هو يبدأ بتعلم ما لا تصح العبادة إلا به، وهذا ما كان يحصله الأعرابي في دقائق يجلسها بين يدي النبي، فيقول النبي الكريم عنه أفلح إن صدق.. وهذا المنهاج الشعبي المبسط من هذه البدايات يسير بنا في الترقي الروحي والعلم المطرد، إذ المعلم فيه هو الله العظيم ( واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم ) ولبساطة هذا المنهاج وسرعة جدواه قد تمكن من نقل أمة البعث الأول – الأمية – تلك النقلة الكبيرة السريعة التي حيرت التاريخ، وتمكن أن يخرج منها أمثال سيدنا عمر وإخوانه ومن ثم هو خير منهاج تربوي تعليمي لنهضة شعبنا الأمي المغلوب علي أمره، والذي يوشك أن يفتن بالإسلام السياسي ومدمني الفتاوى عن جوهر دينه .. ولذلك كان المتصوفة (الحقيقيون ) ينبهون من يفني عمره في الدراسات الفقهية النظرية ليغدو (عالما ) ينبهونه أن يتجه لعلم التقوى ولذلك قال الصوفي الكبير الشيخ العبيد ود بدر لعلماء السطور ( من اكتفي بما في السطور وجهل مافي الصدور خفيت عليه جميع الأمور ).
وعلي المتصدرين للحديث عن الدين في بلدنا أن يلموا بمآسي الحرب علي بلدنا وما أفنت من أرواح وما شردت من مواطنين وما فوتت من فرص التنمية والاستقرار، حتى لا يعوقوا السلام والوحدة الوطنية بسبب محدودية سقفهم المعرفي.. كما عليهم أن يعلموا أن الإسلام إذا احسنا فهمه ونفذنا إلى أصوله المدخرة لعهد حقوق الإنسان هو المخلص للعالم القرية، ليحقق فيه الإسلام بين أخلاط الأمم التي تعمر كوكبها الصغير، وذلك بما هو دين الفطرة، ولذلك يجد فيه الناس، كل الناس، مطالبهم الإنسانية، وحقوقهم الأساسية، أما إذا أسأنا فهم الإسلام وعجزنا عن تقديمه ليلبي حقوق أخوتنا في الوطن الواحد، ( الجنوبيين ) فمن ثم يختزل الإسلام وتصبح المشكلة هل يطبق الإسلام في العاصمة القومية أم أنها الردة والفجور ؟

* إلى متي استغلال الشريعة :
إن التاريخ يؤكد انه منذ نهاية فترة الخلافة الراشدة وبداية الملك العضوض لم يقم إلا استغلال اسم الشريعة وتمسح الحكام بالدين لاستغلال المواطنين، وإسكات المناهضين للظلم.. والآن فان الأمر أشد تعقيدا، خاصة في بلدنا السودان، بكل تعددا ته التي جعلته صورة مصغرة للعالم، وان من يستطيع أن يتقدم بنظام يسع هذا التعدد الذي سيكون رافد خصوبة للشعب السوداني، يمكنه أن يقدم نموذجا بتوسيعه يقوم السلام في العالم القرية، وللمفارقة فأن المرشح لذلك هو الإسلام الذي ظل الإسلام السياسي يقدمه بتصور عكس ذلك .. الإسلام بمستواه العلمي ، هو الإسلام دين الفطرة ، (فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ) فلكل ذلك فأن من يدعو للإسلام في عهد حقوق الإنسان وفي بلدنا بلد التعدد فان واجبنا أن نطلب منه أن يعرض علينا تصوره للشريعة حتى لا نقحم الإسلام في التجارب الفاشلة المنفرة فنصرف الإنسانية عنه وهي أحوج ما تكون إليه لنقيم تصوره كمجهود بشري قابل للخطأ وللصواب خاصة وأننا في مرحلة الفرق التي أنذر بها المعصوم . وأنها كلها هالكة إلا واحدة ويكفي أن جماعة الأخوان المسلمين في السودان قد انشقت إلى أربع فرق ، المؤتمرين الوطني والشعبي وجماعة أبو نارو وجماعة صادق ، والوهابية تفاجئنا كل يوم بجماعة متهوسة جديدة .. ورغم أن الطريق للفرقة الواحدة الناجية هو الحوار الموضوعي والاعتراف بالرأي الآخر فأن كل فرقة تتوهم أنها تنفرد بمعرفة الحقيقة المطلقة ومن ثم تصادر الرأي الآخر فهلا عرفت كل فرقة قدرها وطاقة وحاجة وقتنا الحاضر فاحتكمنا لقوله تعالي ( وانا أو إياكم لعلي هدى أو في ضلال مبين ) وهلا رجعنا إلى علم التقوى حتى لا نشوه الإسلام وننفّر عنه أكثر مما فعلنا ؟!!

* اليقظة والوعي الديني :

وحتى لا يستخف بشعبنا الطيب كل ناعق ويسوقه بالشعارات، فلنتذكر أن ا ستغلال الدين من أجل السلطة قد بدأ حتى زمن الصحابة عليهم رضوان الله، وباستغلال أقدس المقدسات، القرآن العظيم، وذلك في قصة رفع المصاحف الشهيرة، والدعوة لتحكيم كتاب الله ولكن أمام العادلين الأمام علي قال إنها الخدعة وان قولتهم تلك هي كلمة حق أريد بها باطل ، وحيث أوشكت المعركة علي انتصار الخلافة الراشدة جازت الخدعة علي أنصاف المتدينين فهزموا الخلافة الراشدة في وجه الملك العضوض !!
وإذا كان استغلال العواطف الدينية للسياسة قد بدأ منذ عهد الصحابة فعلي شعبنا الطيب المسلم أن يأخذ حذره مرات وأن يتحصن بوصية النبي الكريم لأبن عمر إذ قال له ( دينك ، دينك يا بن عمر ولا يغرنك ما كان مني لأبويك فخذ ممن استقاموا ولا تأخذ ممن قالوا ) !! كما أننا ونحن نطالب بالديمقراطية التعددية ونستبشر بمقدمها لا بد أن نعرف أننا لا بد أن نؤمنها بالتوعية الدينية وإلا نفعل سيظل شعبنا يساق للانتخابات بعواطفه الدينية بدلا عن البرامج العملية التي تفتقدها أحزابنا، ولذلك لا بد من أن تتنبه القوى الحديثة والقوى الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني ومنظمات النساء لضرورة منابر الحوار وألا نترك الإسلام وهو مذهبية المستقبل للقوى التي توظفه في التخلف والإرهاب والقمع .. ولنتذكر قولة الأستاذ محمود محمد طه ( فليتدارك الله دينا باسمه يحيا أناس في رخاء العيش ودعة النعمة وهم باسمه لأبنائه يكيدون ) والعزاء ( إن الله لا يهدي كيد الخائنين ) وانه تعالى قد تكفل بحفظ الدين من اصدقاء الدين ومن أعدائه.
_________________

Post: #428
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 00:29 AM
Parent: #1


وصال المهدي لـ(الوطن):ما زلت أنصارية

ســياسياً وإجتماعياً..!
محمود محمد طه لم يكن له أثر في الساحة.. والتُرابي ليست له علاقة بإعدامه..!
عندما يعتقل الإمام الصادق كنت أصاب بالصداع ولا أنام..!
إمامة المرأة ســـــــتدعــــو الرجــــــــال للوسوسة ..!



عندما ذهبنا إليها كنا نود أن يكون الحوار معها عن «الزمن» ومدى تأثيراته السياسية والإجتماعية.. إلا أن الحوار إنحرف إلى مسارات أُخرى.. لأن لوصال المهدي آراء جريئة وفي مناطق حساسة حول العمل السياسي والإجتماعي.. ففضلنا أن يكون الحوار مفتوحاً.. أختلفنا في قضايا كثيرة.. لكن لم نختلف حول طبيعتها وحسن ضيافتها لأنها وقفت على خدمتنا بنفسها كـ«ست بيت» تقدم لضيوفها وتحسن وفادتهم.. ولم تتضجر.. وقبل إنتهاء الحوار دخل علينا عصام التُرابي الذي كنا نسأل عن إنتمائه فتحول الحوار إلى مؤانسة مع أُسرة سودانية تحكي عن العام والخاص فحكى عصام التُرابي عن رحلاته لبعض الأماكن والصيد وركوب الخيل والرياضة وعن علاقاته الإنسانية.. إمتدت المؤانسة لزمن أطول من الحوار.. وقبل أن نذهب أُتيحت لنا فرصة اللقاء مع الدكتور حسن التُرابي والذي ترك أثراً في البيت كله فوجدنا وصال هي الأكثر تأثراً بطريقة حديثه وإبتسامته المعهودة أثناء الحديث طلبنا من د. حسن التُرابي فرصة اللقاء به في حوار مطول.. رحب بالأمر.. خرجنا ومعنا عصام ووصال المهدي حتى باب المنزل كعادة وداع الضيوف.



نشأت داخل بيت أنصاري وبمرور الوقت صرت عضواً بالحركة الإسلامية.. ما هي أسباب هذه التحولات؟



ـ ما زلت أنصارية لكنني لست حزب أُمة بل حركة إسلامية والمهدية قائمة على الشريعة ولا يوجد تناقض بين المبدأين وإنتقالي من الأنصارية للحركة الإسلامية الحديثة هو تجديد للحركة المهدية، والمهدية تجديد لحركة الرسول «صلى الله عليه وسلم» والمهدي يقول «أنا خليفة الرسول صلى الله عليه وسلم أنا عبد مأمور بإحياء الكتاب والسنة المغمورين» وهو إنسان عابد وزاهد ومن زهده قال: «يا ليتني كنت عبداً مملوكاً لأطيع السيدين» وأنا أعرف تاريخ الإمام المهدي منذ نعومة أظافري.. أمي جدها الإمام المهدي وكانت تغرس فينا حبها للمهدية ومعرفة ما دار فيها من خلافات، خلافات الخليفة شريف وعبد الله ومراحل المهدية والمعارك، ولقد زارت كل المواقع بغرب السودان التي إنتصر فيها الإمام المهدي لأنها متحمسة للحركة المهدية.. وحبي للمهدية لن يتغير لأنني نشأت وتربيت عليها.



هل بذات القدر الذي تدافعين فيه عن الحركة الإسلامية من الممكن أن تدافعي عن الأنصار؟



ـ طبعاً، ودفاعاتي لم تكن فقط عن الحركة الإسلامية بل الأنصار أيضاً وسابقاً دافعت عن تعويضات أُم دوم وهي أرض زراعية إشتراها الإمام عبد الرحمن من «كونت مخلص» ونُزعت منه وعوض بأراضٍ في أُم دوم إشتراها الإمام عبد الرحمن وكان سعر الفدان 2 مليم وعندما جاء نميري صادر ممتلكات دائرة المهدي بعد ضرب الجزيرة أبا ثم قام بـ«تأجير» الأرض للشركة العربية للإستثمار الزراعي لكن أُسترجعت الأملاك بعد المصالحة الوطنية والشركة العربية كانت تستأجر من حكومات الأفراد..



ولذا عند إنتهاء مدة إيجارها إلى ثلاثين عاماً من المفترض أن تعود إلينا وطالبنا بها فكونت لجنة من وزارة المالية والمراجع العام ووزارة الزراعة قُدر لنا مبلغ 25 مليوناً لكنه خُفض لحوالي 19 مليوناً تسلمنا منها 4 ملايين فقط ونصيب الإمام الصادق كان الأكبر لأنه وريث للإمام الصديق الذي ذكر في وصيته أن يرث الإمام الصادق 10% من حقوقه بدائرة المهدي لكن لم يأخذ نصيبه إنما عاد لوزارة المالية.. أما نحن فقد أخذنا أنصبتنا وكانت قليلة أي حوالي ثلاثة ملايين ونصف المليون ومازلنا حتى الآن نطالب بتعويضنا في أرض أُم دوم.



هل تشعرون بأن هنالك عداء ضد الترابي من قبل الشعب السوداني؟



ــ لا، حب وكراهية الترابي من قبل الشعب السودان في حساباتنا ، لكننا نجد حباً كبيراً لشيخ حسن خارج أرض الوطن خاصة في العالم الإسلامي الذي يعرفه ويحبه.. الباكستانيون مثلاً قالوا إن السودانيين لا يعرفون الترابي معرفة جيدة ولا يفهمونه لذا أعطونا اياه، الا أن الترابي لا يمكن أن يغير موطنه.



وأنا شخصياً لا أتظلم من أحد لكن عندما قرأت مقال رئىس تحرير صحيفة «الوطن» سيد أحمد خليفة والذي قال فيه «إن التُرابي هو الذي بدأ العُنف بالجامعات» لكن شيخ حسن ليس رجلاً عنيفاً وإن كان كذلك لواجه هذه الحكومة بالعنف ودائماً ما يقول نريد أدباً جديداً في خلاف الإسلاميين، وأن تكون هناك محاورة وفكر ونبذ للإحتراب، وشيخ حسن لم ينشر العنف بالجامعات لأن الإسلاميين هم الأكثر تضرراً من العنف لأن الشيوعيين قتلوا طلاباً إسلاميين كُثر في جامعة الخرطوم والحركة الإسلامية دائماً معها الحق ويمكن أن تبدأ بالعنف لكنها لا تريد ذلك.



وماذا عن حادثة العجكو ألم تكن هي بداية العنف؟



ـ عندما كان هنالك إحتفال بجامعة الخرطوم رقصت البنات العجكو وهذا ما جعل حاج نور ينفعل فصار يقذف بالكراسي، وهناك حوادث عنف قبل العجكو بجامعة الخرطوم وهنالك أحداث عنف كثيرة إبتدرها الشيوعيون عندما كنا طلبة بجامعة الخرطوم طُعن الإسلاميون من وراء الظهر وفي هذا الوقت كانت هنالك أحداث عنف كثيرة ففي جامعة السودان تعرض بعد الطلبة الإسلاميين للعنف من قبل طلاب إتحاديين وكانت إصابة أحدهم بليغة وكاد أن يموت وعندما ذهبت إليه بمستشفى حوادث الخرطوم طلب مني الطبيب المعالج نقله لساهرون لمواصلة علاجه فسألته أين ساهرون فقال جنبكم في بري وبها عناية مكثفة، وبالفعل نقلت الطالب إلى هناك وصادف أن الطبيب المعالج قادم من بريطانيا اسمه ياسر سيد أحمد عبد الهادي، وبالفعل انقذ الطالب من موت محقق.



عندما كنتم داخل السلطة كحركة إسلامية تعاملتم مع الكثير من القضايا ببطء لكن عندما حدث الإنقسام وصرتم خارج السلطة تحدثتم بضرورة الإسراع لمعالجة هذه المشكلات؟



ـ المؤتمر الشعبي كما أعرفه ومن معاصرتي ومعايشتي له منذ الجبهة الإسلامية القومية كان يسرع في حل القضايا وأذكر أن غازي صلاح الدين قد علق لي قائلاً إن شيخ حسن يريد رؤية تطبيق الشريعة في حياته وهذا مستحيل، وأنا لا أرى أنهم كانوا متمهلين وأصبحوا مسرعين، أعضاء الحركة الإسلامية الموجودة الآن ليسوا كلهم مؤمنين بالمبادىء الإسلامية بل بالإغتناء والثراء على حساب الشعب أكثر من الإسلام وإنصاف الشعب.



إنتقاد المؤتمر الشعبي للمؤتمر الوطني جاء بعد خروجه من الحكومة؟



ـ هذا ليس صحيحاً فشيخ حسن كان يقول هنالك فساد ويجب محاربته وظل ينادي بضرورة الحريات التي كانوا ضدها، حريات كنا نريدها منذ العام 93 وان فصلنا لأننا رواد حرية، حرية لكل الأحزاب السياسية وقد كنت في الشورى التي أقرت الحريات وأذكر أن هنالك أحد الشخصيات النافذة بالحكومة عندما خرج قال وبتهكم: «لن نسلمها إلا لعيسى».



ماذا عن الصلة السياسية والإجتماعية بين الشعبي والوطني؟



ـ لا توجد أية صلات إجتماعية فهذا باب مقفل، نحن بالمؤتمر الشعبي في آخر شورى عقدت بالدار قررنا عدم إجراء أي حوار مع الحكومة لأن المؤتمر الوطني غير مشغول بالحوار معنا فلماذا ننشغل بالحوار معه ونلتقي في المناسبات الإجتماعيتة مثل الوفاة وليست هناك مودة بيننا، وأنا بالذات لا توجد بيني وبينهم أية صلة.



ü هل حزنتم على الإنفصال أم الخروج من السلطة؟



ـ خروجنا من السلطة لم يكن محزناً بل كنا فرحين بخروجنا من هذه الطغمة التي يأكل بعضها أموال المسلمين ويبددون إنجازات الحركة الإسلامية والتي عمرها خمسون عاماً والتي ظلت تكافح من أجل ترسيخ قواعدها بالسودان.



البعض يقول إن من أسباب أزمة دارفور المؤتمر الشعبي خاصة وأن التُرابي قد قال من قبل يمكنني حل مشكلة دارفور في ساعات؟



ـ لم يقل ذلك، إنما قال بخمس جلسات يمكن حل المشكلة.



وما المانع في أن يجلس؟



ـ «يجلس بالغصب» وهم غير معترفين بقدرته على حلها وأنهم يستطيعون حلها، وبرأيي أنها قضية غير مستعصية لأن لأهل دارفور مطالب محددة فلو تحاور الناس معهم بـ«التي هي أحسن» بدلاً عن الجنجويد لكان أجدى ولما أُريقت كل هذه الدماء. وفي دارفور كثير من الفظائع لا يعرفها الكثيرون .!



وأهل دارفور كانت لهم مطالب منذ الإربعينيات كقضية الثروة والسلطة.. وهي منطقة مظلومة ليس فيها ماء ولا كهرباء.. ولو جلس الناس معهم في الخرطوم بدلاً من أبوجا لكان أجدى.. لكن فات الأوان وأصبحت القضية أممية ودولية.



ما رأيك في قول التُرابي إن رئاسة الجمهورية يجب أن تذهب لشخص جنوبي؟



ـ التُرابي لم يقل هذا الحديث، إنما الذي ذكره هو د.آدم الطاهر حمدون وعندما قال هذا الحديث كان دعابة ولقد فسرها شيخ حسن داخل مؤتمر شورى الخرطوم بأنه تهكم.. وإذا ما تولاها شخص جنوبي ما الضرر في ذلك فهو شخص سيتولى الأمر بأغلبية الأصوات وهذا الكلام يُسأل عنه آدم الطاهر.



ü برأيك هل من حق الجنوبي أن يكون في رئاسة الجمهورية؟



ـ نعم، إن حصل على أغلبية في الأصوات والآن النائب الأول هو جنوبي.. وإذا ما حدث شىء للرئىس فسيتولى الأمر سلفا كير.



ü هل من الممكن أن يتولى رئاسة المؤتمر الشعبي تخص من جنوب السودان؟



ـ في المؤتمر الشعبي هنالك شخصيات قيادية من أبناء جنوب السودان مثل موسى المك كور، عبد الله دينق والأب يوهانس وهذا سؤال ليس من المفترض أن يُسأل لأن الرد عليه بديهي ومعروف.



ü ما هي طبيعة الأيام عندك هل تختلف عن بعضها؟



ـ تختلف والسفر جعلها مختلفة .. والأحداث الإجتماعية والسياسية تغير من خارطة الأيام عندي وفي أغلب الأيام أكون مشغولة فقبل يومين كان البيت مليئاً بالضيوف من الحركة الشعبية قرابة 60 فرداً ولقد أُخطرنا عصراً ونحن على الدوام مشغولون.



ü هل العمل السياسي صار بالنسبة لك «ورطة»؟



ـ لا، وأحاول أن أوفق بين الخاص والعام وعادة ما أفضل السياسي عن الإجتماعي، وأن حدث أمر سياسي طارىء تجدني أعتذر إجتماعياً لكنني أتواصل مع جيراني والأهل.



ü متى بدأ وعيك السياسي؟



ـ منذ زمن بعيد، أبي كان رئىساً لحزب الأُمة وأمي كانت تقود جمعية اسمها جمعية «نهضة المرأة» وكنت أشارك في أنشطة هذه الجمعية وفيها يتم تعليم البنات القراءة والخياطة، كما كنا نستقبل الوفود الزائرة للسودان مثل مسز نيكسون والتي مازلت أذكرها واغلب الحديث كان سياسياً خاصة عندما نلتقي الإمام عبد الرحمن ولم يكن يغيب عنا كثيراً.



ü عندما تم إعتقال الترابي تحدثت عبر أجهزة الإعلام بحدة هل كنت تتحدثين بذات الحدة عندما يعتقل الصادق المهدي؟



ـ عندما يعتقل الإمام الصادق كنت أصاب بالصداع ولا أنام.



ü حتى في ظل وجود الترابي في السلطة؟



ـ حتى إن كان في السلطة، والترابي وقتها لم يكن ظاهراً في السلطة ولم أكن أعرف مدى أبعاد سلطته في ذلك الوقت.



ü ألم تسمعي بمعتقلين ؟



ـ أنا أتعاطف مع كل معتقل وفي كل مكان وأصلي وأدعو من أجل المعتقلين في غوانتنامو وشيخ عمر عبد الرحمن وفي تونس..



ـ مقاطعة ـ



نحن نتحدث عن المعتقلين داخل السودان؟



ـ أنا أتأثر بأي معتقد لأنني جربت ذلك فلقد اعتقلت عاماً كاملاً في عهد نميري وقتها كنت أماً لطفل رضيع بعد يوليو 76 وتلك كانت أيام سوداء لن أنساها وأتصور أن أي معتقل سيشعر بما شعرت به ومن المستحيل أن أكون «مبسوطة» أو غير مبالية في حالة إعتقال أي شخص.. وفي الصين الآن هناك قتلى مسلمون كثر وهذا الأمر علمته من السفير السوداني في الصين سابقاً وقال لي إن هنالك مئات القتلى سراً في الصين فقط لأنهم مسلمون.



ü هل كنت تناقشين د. حسن الترابي عن أوضاع المعتقلين أيام كان في السلطة؟ وبماذا كان يرد عليك؟



ـ كنت أناقشه كثيراً ويقول لي أنا لا دخل لي في هذا الأمر..!



ü لنعود إلى تجربة إعتقالك أيام نميري؟



ـ إعتقلنا كما ذكرت، نظام نميري عام 76 وأذكر أن الوقت كان صباحاً ولم أرضع طفلي بعد (رضعة واحدة) فكان أن تم حصار البيت، ودخل علينا رجل من جهاز الأمن وقال لي نود أن (نفتش البيت) فقلت له:



ـ تفضل..



ثم قال:



ـ نود حضورك للإستجواب..



قلت:



ـ إن كنت تود حبسي فمن الأفضل أن آخذ طفلي معي..



فتحدث رجل الأمن مع احدى الحاضرات وسأل إن كان طفلي يعتمد عليّ في الرضاعة فعلاً..



ـ فأجابته بنعم..



لكن خدعت.. عندما أخبروني بأن الأمر سيكون مجرد تحقيق.. فأخذت مباشرة صوب سجن أُم درمان.. وهناك لم يكن تحقيقاً، ومكثت بسجن أُم درمان تسعة أشهر ونصف الشهر، وكانت معي سارة وحفية وليلى عبد الحميد صالح، وسلوى خطيبة محمد نور سعد قائد الحملة القادمة من ليبيا إلى جانب الأخت سلوى والتي تم القبض عليها ولم تكن لها علاقة بالعمل السياسي وكذلك التومة زوجة «صراف» كان يوزع المرتبات للمعتقلين السياسيين من حزب الأُمة وكل المعتقلات خرجن ما عداي وحفية وسارة أكملنا المدة.



ü كيف كان جو المعتقل في ذلك الوقت؟



ـ كنا نطعم بـ(قراصة) لونها أسود وطعام لم نستطع أكله.. إلى أن حضر د. الشلالي طبيب السجن وقال لنا: (مالكم ضعفتو كده)؟



فقلنا له: (ليس هناك أكل).



فكتب لنا طعاماً في روشتة.. وبعدها إستطعنا أن نأكل.. والسجن كانت تحكمه قوانين الإنجليز ولم تكن فيه وجبة عشاء، فقط افطار وغداء لذا كنا نرسل العسكر لجلب عشاء من خارج أسوار السجن والتعامل بالنقود في السجن أيضاً كان ممنوعاً.. وعندما اكتشف أحد الضباط تعاملنا مع الشاويش قال لنا: إن القانون يمنع العامل بالنقود داخل السجن، لكننا كنا نجادل و«نحاجج».. أما تعامل شيخات السجن فلقد كان كريماً معنا.. وهنالك «أنصاريات» يأتين بالطعام لنا مع بيوتنا.. وأذكر أنه في إحدى المرات قد تم القبض على شيخة سجن اسمها «عائشة» فقال لها الضابط: (هل تأكلين الدجاج). فقالت له: نعم نأكل الدجاج.. فجاءت الينا واخبرتنا بالقصة وأنها لن تستطيع إحضار الطعام لنا بعد ذلك ورغم صرف الطعام بالروشتة إلا أن الوضع لم يكن جيداً.. لكن التعامل صار أفضل..



ü هل صاغ د. حسن الترابي قوانين سبتمبر بنداً بند؟



ـ لا، وأودُّ أن أدافع عن د. حسن الترابي من التهمة التي قالها عنه سيد أحمد خليفة، وما قاله سيد أحمد غير صحيح.. إن الذين صاغوا قوانين سبتمبر هم، بدرية سليمان والنيّل أبو قرون وعوض الجيد، والنميري، منع ثلاثتهم من مرور د. حسن جوار مكتبهم دعك من الدخول إليهم وصياغة القوانين.. ودكتور حسن عالم بقوانين الشريعة وإن شارك سيكون مفيداً ونافعاً..



ü هل تعتقدين أن قوانين سبتمبر بها أخطاء؟



ـ نعم، هنالك أخطاء وهنّات، إلاّ أن العدالة الناجزة اراحت الناس كثيراً، لأن المحاكم الآن تعمل على «جرجرة الناس» بالسنين لدرجة أن الناس صاروا يرضون بالحل الأهلي.



ü يقال إن إعدام محمود محمد طه كان بسبب د. الترابي؟



ـ قالت باستنكار: لا حوّل....» هذه حكاية بين نميري ومحمود محمد طه، ونميري كان يسمع أن محمود محمد طه يتعامل كأنه «آلهة».. ولا يصلي.. و... و.... فأعدمه نميري.. وشيخ حسن لم يكن له دخل في هذا الأمر لأنه لا يحب العنف، إنما كان يفضل الحوار ومحمود محمد طه لم يكن له أثر كبير في المجتمع السوداني واتباعه كانوا أقلة.. والمريدون الذين من حوله ممارساتهم كانت تبعد الناس من حولهم.



ü لكن هنالك شعارات عنيفة قيلت في عهد الترابي؟



ـ مثل ماذا؟



ü فليعد للدين مجده أو ترق منهم دماء أو ترق منا الدماء أو ترق كل الدماء؟



ـ هذا أدب عند الأخوان المسلمين.. ولم يسنّه شيخ حسن، والإسلام عندما تم الهجوم عليه.. ردّ الهجوم بالجهاد، وإن كان الناس قد أتوا «بالتي هي أحسن» فلن يكن هناك داعٍ للجهاد أو الهجوم، والإسلام لم يهجم إنما هُجم عليه وعندما تم ذلك جاء.. وهذا أمر طبيعي إن هُجم عليك لابدّ أن ترد، وحتى في جرائم القتل الدفاع عن النفس ليس فيه عقاب.



ü هل كان الأمر دفاعاً عن النفس أم دفاعاً عن سلطة؟



ـ حتى في الأمر الشخصي...



مقاطعة:



ü دعينا نردها للسلطة؟



ـ السلطة مبنية على أسس والسلطة ليست من أجل السلطة في حد ذاتها و«هي لله التي قلتها» أنت.. نؤكد لك أننا لا نريد سلطة لأنفسنا ولا نريد مالاً.. أنما لله.. والخليفة كان يطفيء شمعة المسلمين عندما يود أن يفعل شيئاً يخص أهل بيته مخافة من الله في أموال المسلمين.. لكن الآن أين هذا الأمر؟ «هي لله» ليس شعارنا نحن.



هل لك رأي فيما ذهب إليه الناس حول فتاوى د. الترابي الأخيرة؟



ـ أرى أن السودانيين يهاجمون الإنسان الذي يقول للناس أنا مسلم.. ويقللون من شأنه وعندما قال شيخ حسن فتواه الأخيرة حول إمامة المرأة.. وزواج المسلمة من النصراني.. قيل عنه مرتد.. ولابدّ أن يُقتل.. لكن هذا التحامل فقط لأنه سياسي.. لكي يتم التخلص منه.. وهذه ليست ذريعة.. لأنني أن قلت «المرأة تصلي بالناس» هل أكون قد خرجت من الإسلام؟ لا، فأنا فقط أُفتي في الإسلام وأقول رأياً وأُجدد.



مقاطعة:



ما رأيك أنت في إمامة المرأة؟



ـ ليس عندي فيها رأي حازم ومؤمنة بإمامة المرأة، لكن زواج المسلمة من الكتابي لعلّها تدخله الإسلام، هذا أمر حدث في أمريكا وأذكر أن امرأة مسلمة ومتزوجة من رجل مسيحي ولها أطفال فحكت للشيخ حسن قصتها ـ فقال لها الشيخ حسن:



«استمري مع زوجك..» وفي آخر الأمر أسلم زوجها وقال شيخ الترابي لعلها تقنع زوجها بالإسلام وتزيدنا واحداً.. وشيخ حسن يرى أن المرأة مخلوق.. له عقل ومجهود يمكن أن تفيد الإسلام حتى بالدعوات في السر أو الجهر.. لذا هو يرى أن بإمكان المرأة اقناع الرجل.. لكن الناس هنا يعتقدون أن المرأة تابعة للرجل وهي ناقصة عقل ودين.. وهذا الحديث لم يقله الرسول صلى الله عليه وسلم.. والنساء في الإسلام مجاهدات وعالمات.. وادخلن الرجال في الإسلام، فلماذا دائماً ما نقلل من شأنهن.. وشيخ حسن هو دائماً نصير للمرأة.. لكن الهجوم عليه لأنه سياسي.. وعندما هاجمه الناس فقط حتى يُقتل ويرتاحون منه.. لكنه سيظل باقٍ في كتاباته وآرائه وأفكاره.. وكل شيء في يد الله فقط.. وكما يقول السودانيون «ما بكسرك إلاّ البناك».. ونيتهم هذه لم تتم لأن الله لم يرد لهم ذلك.. وشيخ حسن له اتباعه، ومريدوه في العالم الإسلامي كثر والسودان صار يعرف من خلال شيخ حسن.



لم نتبيّن رأيك حول إمامة المرأة؟



ـ رأيي أن وقوف المرأة أمام الرجال لتؤمهم وتصلي بهم قد تجعل الرجال يوسوسون، ومن الأفضل أن تكون المرأة في الصفوف الخلفية.



في الصفوف الخلفية؟



قاطعت.. لتواصل:



والرسول قد أمم امرأة حافظة للقرآن على أهل دارها.. وشيخ حسن قال إن الدار ليست الأسرة فقط وعلى هذا الأساس قال «أن تكون للمرأة الإمامة».. والآن في أمريكيا إمامة المرأة سائدة قبل فتاوى شيخ حسن.



أنت ذكرت أن د. الترابي هو نصير للمرأة لكن في عهده اصدرت قوانين النظام العام؟



ـ قانون النظام العام كان لحفظ كرامة المرأة.



مقاطعة:



كانت تُجلد..؟



مقاطعة:



ـ هذا ما لم يكن يوافق عليه شيخ حسن ولقد «حضرت» عندما جلد «ناس مجذوب الخليفة البنات في الأحفاد» غضب الشيخ غضباً شديداً وقال لهم هل ضرب الرسول صلى الله وسلم النساء لأنهن عاريات.. وهنالك أشياء كثيرة كانت تفعل ولم يكن يوافق عليها.. ولا يمكن ان يسيطر على كل شيء.



لكنه كان العقل المفكّر؟



ـ مقاطعة:



ـ هذا الحديث بعيد كل البعد عن الصحة.. ولا يمكن أن يكون شخص واحد هو العقل المفكّر لدولة بأكملها.. وهذا غير معقول هل هو اخطبوط؟



مقاطعة:



قد يتم الرجوع إليه؟



ـ لكن، لم نسمع كل كلمة قالها، فضرب النساء مثلاً كان بالضد منه.. والاقناع لن يكون بالضرب أو العقاب «ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر».



عندما كان الترابي في السلطة.. السودان زاد عدد الأعداء.. لكن الآن برأيك هل انحسر عدد الأعداء.. وحدثت بوادر انفراج؟



مقاطعة:



هذه تبعية وذيلية.. و شيخ حسن شجاع ولا يخاف أمريكا ولا أية قوية في الأرض.. وأذكر أننا في إحدى المرات سافرنا إلى غرب السودان مدينة الأبيض وفي طريق العودة للخرطوم والتي كانت فيها أمطار وسحب فقرر قائد الطائرة العودة إلى الأبيض إلاّ أن شيخ حسن أصرّ على الهبوط لإرتباطه بمواعيد وكان معنا تورين وزير الطيران المدني وقتها وقال للشيخ الترابي إن هبطت الطائرة سنموت جميعاً وبعد محالات مضنية اقتنع شيخ حسن بالعودة للأبيض.. ولأنه رجل متوكل على الله ويحرص على مواعيده إن مات سيؤجر ويموت شهيداً.



الآن موقف المؤتمر الشعبي من الحركة الشعبية خاصة وأن هنالك لقاء تم بين الطرفين قبل يومين ما الذي دار داخل الإجتماع؟



ـ لا أدري ما الذي حدث داخل الإجتماع لأنني لم ألتقِ بشيخ حسن بعد ولم أسأله عمّا حدث.. لكن في الغالب أنهم أضيروا من الحكومة، لذا يأتون لأحزاب المعارضة حتى يقوى موقفهم، والمؤتمر الشعبي هو أول مَنْ ناقش الحركة الشعبية وبسبب ذلك سُجن شيخ حسن لثلاثة أعوام لأنه بدأ حواراً مع د. جون قرنق.



الآن موقعك داخل المؤتمر الشعبي؟



ـ الآن أنا عضو في قيادة المؤتمر الشعبي وعضو مجلس شورى وأعمل بمركز دراسات المرأة والذي يصدر كتباً عن المرأة وموقف الإسلام منها وأشارك في مؤتمرات عالمية، في شهر 8 شاركت بمؤتمر في اليابان كان بعنوان «الأديان من أجل السلام» وقبل أيام شاركت في نيروبي من خلال كورس تعليم النساء كيفية حل المشكلات قبل أن تصبح حربا



http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=4703&bk=1
_________________

Post: #429
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 00:32 AM
Parent: #428


الثلاثي الذي «ضيع» نميري
عادل سيد احمد

قضاة الطواري إبان حكم نميري... حيث كان ابرزهم المهلاوي، في محكمة الموضوع.. والمكاشفي في محكمة الاستئناف.
كانوا أدواتاً في مناخ قوانين سبتمبر المحسوبة زوراً على الاسلام.
صديق مايوي، اعتز جداً بصداقته، وهو الياس الأمين، ذكر لي عدة حقائق مشرقة:
الحقيقة الأولى: ان الذي ضيع مايو هم المستشارون الثلاثة المعروفون.. بسبب القوانين المفارقة للاسلام، والتي اصدروها في سبتمبر 1983م.
الحقيقة الثانية: ان نميري ما كان ميالاً لإعدام محمود محمد طه.. ولكن ضغوط «المستشارين» حوله... وأبرزهم الثلاثة المعروفون.. حملوا نميري للتوقيع على حكم اعدام محمود محمد طه.
الحقيقة الثالثة: ان نفراً كريماً، ابرزهم الراحل السفير أحمد عبدالحليم، والخبير الاعلامي البروفيسور علي شمو والدكتور مالك حسين، بذلوا مجهودات خرافية لاثناء نميري والحيلولة دون إعدام محمود محمد طه.
بل إن الدكتور مالك حسين جلس مع الأستاذ محمود محمد طه لاقناعه بحل وسط حتى لا يتم اعدامه.
وهو دور إيجابي وذو نوايا طيبة.
اذن... قوانين سبتمبر كانت القشة التي قصمت ظهر نظام نميري..
وما هالني، هذه الايام... أن جدد قاضي الإعدام ذاك اعتزازه بالجريمة المنكرة...
كما ظهرت إلى السطح مستشارة مشهورة.. وهي تفتخر بانها وضعت قوانين الظلم والعدالة الجائرة في أكبر إساءة باسم الإسلام، عرفها نظام في القرن العشرين.
وجل أو كل هؤلاء من المثقفين دأبوا على ان يكونوا رصيداً للشمولية والديكتاتورية والتسلط.
اللهم انت الحافظ لكتابك :«إنّا نحن نزّلنا الذكر وإنّا له لحافظون



http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=4527&bk=1
_________________

Post: #430
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 01:52 AM
Parent: #1


في الذكرى الـ22 لرحيل الاستاذ محمود محمد طه هل انتهى الفكر الجمهوري بعد إعدامه..؟!

د. بتول مختار محمد طه :
محمود أتقن صلاة التقليد حتى أفضى به إلى صلاة الأصالة



هذا مايقصده بالرسالة الثانية .. ورأيه كان واضحاً في تعدد الزوجات



تمر على الشعب السوداني قاطبة هذه الأيام الذكرى الـ22 لرحيل مفكر الجمهوريين محمود محمد طه.. الذي اعدمه نظام نميري. ويرى الجمهوريون في الذكرى دروساً وعبراً تستنبط بمرور كل عام يسجل في غياب دواوين محمود الذي يعتبره الكثيرون أنه غاب بجسده، ولكن لم يغب عقله لكونه ترك إرثاً ثقافياً وأدبياً وإســــلامياً يمكن أن تحضر فيه الأجيال القادمة.



«الوطن» التقت في هذه الذكرى بالدكتورة بتول مختار محمد طه ابنة أخ الراحل محمود التي تربت بين يديه، وقلبت معها دفتر حياته الخاصة والعامة



ماهي أهم معالم شخصية الاستاذ محمود؟



- أهم معالم شخصية الاستاذ محمود محمد طه هي البساطة ، التواضع ، الصدق مع النفس ، ومع الناس ، ثم الشجاعة الأسطورية.



خصومه يشيعون عنه أنه لم يكن يصلي ما مدى صحة ذلك؟



- هذا ليس صحيحاً فالاستاذ محمود أكبر مصلٍ وكل ما في الأمر أن هناك شأناً دقيقاً واصيلاً في أمر الصلاة ، هناك صلاة تقليد وصلاة صلة.. وقد وردت الصلاتان في أمر النبي صلى الله عليه وسلم للأمة بالصلاة حين قال «صلوا كما رأيتموني أصلي»، والمطلوب الرؤية المزدوجة لصلاته.. فالنبي صلى الله عليه وسلم حين يقف ويقول «الله أكبر» هذه رؤية لنا جميعاً في الهيئة وهي الصلاة الشرعية ذات السجود والركوع المفروضة على كل مسلم.. والمطلوب من هذه الصلاة أن تفضي بنا الى حالة قلب النبي صلي الله عليه وسلم فهو حين قال «الله اكبر» لم يكن هناك شئ اكبر في قلبه غير الله فإذا استطاع المسلم أن يرى حالة قلب النبي الكريم هذه فتلك هي الصلاة المطلوبة وإلا يصح فيه قول النبي الكريم «رُب مُصلٍ لم يقم الصلاة» و«رب مصلٍ لم تزده صلاته من الله إلا بعداً» والنبي صلى الله عليه وسلم أصيل في صلاته هذه وليس مقلداً لأحد وإنما نحن نقلده لنفرغ قلوبنا عمّا سوى الله ليصل المسلم الحق إلى صلته الخاصة بربه، والله سبحانه وتعالى لا يتجلى لذرتين في الوجود تجلياً واحداً لايكرر نفسه «كل يوم هو في شأن» وعندما يصل المسلم إلى هذه الحالة يأخذ صلاة صلته الخاصة به من ربه وهو في هذه الحالة قلّد النبي صلى الله عليه وسلم فالنبي عمدته ودليله في التقليد وإسوته في الاصالة وقد جاء على لسان النبي الكريم في كتاب الله «قل إن كنتم تحبوني فاتبعوني يحببكم الله» وقد اتقن الاستاذ محمود التقليد حتى افضى به إلى اصالته وهو في هذه الحالة مُصلٍ كما هو مطلوب في أصل الدين وموضع الصلاة ليس البساطة التي يتناولها به خصومه وهو موضوع طويل وعميق لأنه موضوع الدين والحياة وقد اوجزته لك باختصار شديد أرجو أن لايكون مُخلاً كما أرجو الاطلاع على كتاب «رسالة الصلاة» للاستاذ محمود.



حياته الخاصة ؟



- حياته كلها مبذولة لمعيشة الفكر الجمهوري ـ أصل الدين ـ المحبة وتوصيل الخير للناس بكل السبل.



حدثينا عن زوجته وأولاده..؟



- زوجته ورفيقة دربه هي امنا آمنة محمد لطفي عبد الله وولده محمد توفي غرقاً في نهر النيل عام 1954.. وبناته أسماء وسمية ، تلقين تعليماً عالياً ويعملون ويعيشون خارج السودان.. ثم بقية ابنائه وبناته من الجمهوريين الذين اعتنقوا الفكرة الجمهورية.. وهذه أسرة كبيرة جمعها بأدبه الجم وحبه الواسع وخلقه القويم.



هل كان له رأي في تعدد الزوجات؟



- نعم وهذه جزء من كل يدخل في مسألة أصول القرآن وفروعه ، القرآن المكي ، والقرآن المدني ، والقرآن المدني هو الذي نزل في المدينة وقام عليه التشريع في القرن السابع، وقد كان تشريعاً مرحلياً خدم حاجة ذلك الزمان وقد كانت حاجته للتعدد فقد كانت شريعة ذلك المجتمع شريعة الغاب من غلب سلب، وكانت الحروب تكثر بينهم وتقضي على الرجال دون النساء، وكان الرجال قبل الاسلام يتزوجون مايشاءون دون عد، وعندما جاء التشريع حدد العدد الى اربع وكان في ذلك حفظ لكرامة المرأة إلى حين أن يتطور المجتمع وتتطور هي بتعليمها وفهمها فتنال كل الكرامة.. الزوجة الواحدة للرجل الواحد وقد جاء في كتاب الله في ذلك مايلي:



( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثني ، وثلاث ، ورباع ، فإن خفتم الا تعدلوا فواحدة»، وجاء قوله تعالي أيضاً في موقع آخر ( ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ..» ومما لاشك فيه فإن الأصل في الاسلام العدل والعدل في المحبة يستحيل بين زوجتين ولذلك في إصل الاسلام «الشريعة المطورة» الزوجة الواحدة للرجل الواحد، وهذا سوف يتحقق برقي المجتمع ورقي المرأة إن شاء الله.



كيف كان يقضي يومه؟



- يومه كله فكر متواصل وحضور تام يتوضأ بسورة ياسين عدة مرات في اليوم.. كثير الجلوس على مصلاته يكاد لا ينام الليل، وخاصة الثلث الأخير من الليل منذ الصباح الباكر يتابع حركة توزيع الكتب الجمهورية ومتابعة التأليف ونشر الدعوة ونتائج اركان النقاش التي كان يديرها الأخوان والاخوات الجمهوريات في الجامعات والأماكن العامة مع الجمور ومع ذلك الاشراف على سير الحياة اليومية في الأسرة.



من هم أقرب اصدقائه من غير الجمهوريين؟.



- أذكر منهم فقط المهندس حسن بابكر رحمه الله.



ماذا كان يقول لكم في أيّامه الأخيرة أثناء المحاكمة وقبل المحاكمة وانتم تزورونه؟



- كان دائماً يتحدث عن السيرة النبوية وعن حسنات ومواقف الصدق للخلفاء الراشدين ثم يتحدث عن الصمود والمقاومة السلمية وضرورة رفع الظلم عن الشعب السوداني وضرورة الإطاحة بنظام نميري والغاء القوانين الجائرة التي سميت جوراً وبهتاناً بالقوانين الاسلامية.



من هو آخر من التقاه من اخوانه الجمهوريين قبل تنفيذ الحكم؟



- قابلته في صباح يوم 16 يناير 1985م وبعدي بعض أطراف الاسرة ثم مُنعت من زيارته يوم الخميس 17 يناير ولم يره منّا أحد.



وافق الذين كانوا مع الاستاذ محمود محمد طه على الإستتابة فلماذا لم يقبل هو؟.



- لم يوافق الاستاذ محمود على الاستتابة لأنه موقن بصحة دعوته وان ما قدمه للناس هو الدين الصحيح الذي لادين بعده وهو يعلم علم اليقين أن الموت هو السبيل للحياة التي لايشوبها النقصان وقد قال في كتاب رسالة الصلاة ما معناه لايكتمل ايمان احدنا حتى يكون الموت احب غائب لدينا ومن الجانب الديني هو يعلم حقيقة ذلك المشوار ومن الجانب الآخر كان يعلم أن أمر المحكمة وما تبعها من استتابة لاعلاقة لها بالدين ولا القانون وإنما هي تنكيل بالمعارضين السياسيين وتصفية لهم كما قال لهم في محكمة المهلاوي وقد رد على محكمة الردة منذ عام 1968 حينما طالبوه بالتوبة «انكم أخس وأذل من تطمعوا في فقد قاومت الاستعمار حين كنت تلعقون جزم الإنجليز».. وعلى هذا النهج من الصمود والشجاعة الفذة ودع دنياهم بابتسامة للقاء ربه مازالت تؤرق مضاجعهم.



الجمهوريون يقولون « ما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم» فهل تعتقدي أن محمود محمد طه هو عيسى زمانه؟.



- الاعتقادات رؤى فردية ولا تخضع للتعميم كما انها لاتخدم قضية التغيير التي نحن بصددها وليس هناك تصريح جماعي جاء بذلك.



محمود محمد طه كان يقول ان الصلاة قد رفعت عنه وانه اصبح الانسان الكامل.. فسري لنا هذه المعاني كما سمعتيها منه؟.



- لم اسمع منه قط قولاً مثل هذا . أما موضوع الصلاة فأرجوا الرجوع إلى الإجابة على السؤال رقم2.



ماذا كان يقصد بالرسالة الثانية؟



- الرسالة الثانية من الاسلام التي يقصدها الاستاذ محمود موجوده في المصحف، وقد بلغها النبي صلي الله عليه وسلم ولكنه لم يلزم بها الأمة المؤمنة وإنما الزمها بفروع القرآن الرسالة الأولى التي قامت على الوصاية والجهاد، وعاش هو الرسالة الثانية التي تقوم على الحرية « فذكر إنما أنت مُذكر لست عليهم بمسيطر» و«وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» والرسالة الثانية هي سنة النبي صلي الله عليه وسلم والآن آن وقت هذه الرسالة، ودعا الاستاذ محمود إلى بعثها ليعيش الناس سنة الني ويكونوا في سلام على هذا الكوكب.



حدثينا عن فترة اعتقالاته في سجن كوبر؟



- اعتقل في سجن كوبر في فترة الاستعمار البريطاني للسودن وذلك لمقاومته للاستعمار في الفترة 1946 و1948م كما اعتقل في كوبر أيضاً في العهد الوطني في عهد نميري عام 1976 وذلك عندما اصدر كتاب « اسمهم الوهابية وليس اسمهم أنصار السنة».. ثم اعتقل في سجن كوبر في أيام حكم نميري أيضاً لمعارضته لقوانين سبتمبر التي سنت لإذلال الشعب وتصفية المعارضين السياسيين باسم الدين، ونفذ فيه ذلك الحكم الجائر في يناير 1985م.



هل اهتممتم كأسرة بمعرفة مكان قبر الاستاذ محمود محمد طه؟.



- لا أرى ضرورة للافصاح بهذا الأمر الآن.



لماذا انتهى الفكر الجمهوري بعد اعدامه؟.



- لم ينته الفكر الجمهوري ولن ينتهي ولكن انتهى شكل النشاط الجماعي الذي عهده الناس ومازال العمل الفردي جارياً ومؤثراً.



لماذا لم تتجهوا لمحاكمة دولية كأسرة وكفكر جمهوري؟



- كل شئ يتم في وقته ولا معنى لعمل يأتي بنتائج سلبية.






http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=4495&bk=1
_________________

Post: #431
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 01:53 AM
Parent: #430


في الذكرى الـ«22» لإعدام زعيمهم ..الجمهوريون يطلقون حزباً سياسياً جديداً
اعلن الاخوان الجمهوريون إطلاق حزب سياسي تحت اسم «الجمهوريون- التنظيم الجديد» في الذكرى الثانية والعشرين لإعدام زعيمهم الراحل الاستاذ محمود محمد
طه الذي حكمت محكمة خاصة في 18 يناير 1985 باعدامه، وأثارت جدلاً عنيفاً لم يهدأ إلى الآن. وذكر الجمهوريون في بيان تلقت «الوطن» نسخة منه أن حزبهم الجديد ينهض على حقي الحياة والحرية، ويستهدف الاهتمام بحريات الرأي والتعبير والتنظيم والحريات الدينية وكرامة المرأة والمساواة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ويدعو إلى توحيد السودانيين في إطار دستوري انساني يراعي التنوع الديني والعرقي، ويسعى إلى إقامة حكم ديمقراطي اشتراكي فيدرالي، وحل النزاعات القبلية والإقليمية سلمياً ونبذ العنف. وأوضح البيان أن الحزب يستمد مرجعيته من الفكرة الجمهورية التي بشّر بها الاستاذ محمود محمد طه في دعوته للرسالة الثانية من الاسلام ، وأشار البيان إلى أن عضوية الحزب الجديد مفتوحة لكل السودانيين. وكان الجمهوريون قد انكفأوا منذ اعدام زعيمهم ومؤسس جماعتهم الاستاذ محمود محمد طه واكتفوا بالاحتفال بالذكرى السنوية لإعدامه، واعتبر مراقبون تحدثوا لـ «الوطن» خطوة اطلاق الحزب تحولاً نوعياً في مسيرة الفكرة الجمهورية التي توزع دعاتها والمؤمنون بها في مختلف أرجاء السودان، وهاجر بعضهم إلى دول الخليج وأوربا وأمريكا..



http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=4448&bk=1
_________

Post: #432
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 01:54 AM
Parent: #431


عيد ميلاد الإمـــــــام تحوّل إلى مناسبة قومية شارك فيها الحاكمون والمعارضون
يُقال ما يُقال عن الإمام الصادق المهدي رئيس حزب الأمة «نقداً أو مدحاً» فإن الرجل يدخل عامه الواحد والسبعين، وقد شاركه في الإحتفالية حاكمون ومعارضون ، وسجله السياسي من أنظف ما يكون إذا ما قيس بمقاييس التمسك بالديمقراطية، ومناهضة الأنظمة العسكرية والشمولية، ودفع ثمن هذا وذاك من عمره وعمر أسرته الصغيرة في سبيل وطنه الكبير ..!والسيد الإمام الصادق المهدي قادته ديمقراطيته المُطلقة « والتي يعتبرها البعض أكثر من اللازم» إلى دائرة الاتهام بالتفريط وإضاعة الأنظمة الديمقراطية لمرتين على الأقل حيث كان هو الرئيس الديمقراطي الذي انقلب عليه نظام مايو 1969ـ 1985م، وكان أيضاً هو الرئيس الديمقراطي المنتخب الذي انقلب عليه نظام الانقاذ 1989م، وحتى يومنا هذا، حيث يظل الفرق بين النظامين المايوي والانقاذي أن الأول كان شعاره وهو في المربع الماركسي الاشتراكي «مايو اتولد» أي ولد السودان بعد مايو، وكان شعاره الذي انتهى به إبّان الانتفاضة هو ايضاً ألا بديل لمايو الحاكمة باسم الله، والعدالة الناجزة، ومحاكم الطوارئ، وقوانين سبتمبر، وقتل الشيوخ من أمثال المفكر محمود محمد طه، وبتر الأيادي لسارقي المقتنيات البسيطة من أمثال الواثق صباح الخير وغيره، بينما ران المال والسلطة لنفر من سارقي قوت الشعب وأصحاب مخازن العيش وصناع السوق الأسود ومساهمي بنوك الاحتكار.. فالتجويع وهلمه جرّا..!
والانقاذ التي انقلبت على قيادة الصادق المنتخب استفادت ولو نسبياً من خطايا وأخطاء مايو. ولم تقل «الانقاذ اتولد»، ولم تحرم السودانيين من الحديث عن تاريخهم؛ لأن أمة بلا تاريخ أمة بلا حاضر وبلا مستقبل.
إلا أن الانقاذ التي يُحسب لها التدرج تحسب عليها أشياء عديدة منها إضاعة الوقت في الوصول إلى ما نحن عليه من قناعات وتوجهات نحو التعددية والديمقراطية، فضلاً عن كونها وإن حققت السلام في الجنوب فإنها ومعها الوطن كله تعاني من ثنائية هذا السلام، مضاف إليه ثنائية جديدة هي ثنائية الاتفاق مع مناوي ..!على كل حال فنحن نحتفل مع السيد الإمام الصادق المهدي ببداية عامه الحادي والسبعين لا نوافق بشكل مُطلق على الحديث عن ضعفه كحاكم، وعن إضاعته لنظامين ديمقراطيين في تاريخ السودان؛ ولكننا نقول إن الديمقراطية نفسها تقوم على قناعات الناس، وتربيتهم، وهي كالطفل إن أحسن الناس تربيته وتعليمه جاء إنساناً كبيراً وناضجاً ومعطاءً، وإن ضاق الناس في تربيته أو استعجلوا انحرف، وضاع، وتأخر عطاؤه أو انعدم بالمرة..!
إن الحديث عن تجربة رجل في قامة الإمام الصادق إن وزن بميزان دقيق سيعطيه حقه وفاءً وتقديراً وشكراً وتكريماً؛ لأنه على الأقل كان دائماً بالداخل، حيث ورث ذلك عن جده الإمام عبد الرحمن، ووالده الصديق، ومعظم قادة الحزب والكيان الذين كانوا على الدوام يقاتلون خلف قناعاتهم، ويدفعون الثمن دون اللجوء إلى عمل خارجي مطلق تتناوله وتحتضنه جهات أجنبية عندما تبلغ غاياتها تقول للمعارضين وقعوا على الصلح مع النظام أو ارحلوا مع بلادنا.hالتحية للسيد الإمام الصادق المهدي ودعوة ملخصة له أن يضع يده الكريمة على الأيادي المخلصة لانقاذ البلاد مما هي فيه دون أية مرارات أو مآخذ أو خلفيات لا تحتمل البلاد العودة إليها أو الحديث عنها على الأقل لأن هذا ليس وقت الحساب بل وقت انقاذ الوطن



http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=4312&bk=1
____

Post: #433
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 01:55 AM
Parent: #432



عادل سيد أحمـــد ومشاعــــــر عثمان يقلبان دفــــــاتر الأحـــداث الدامــية

عمــــر عبد الخالق محجـوب : قابلت نمــــيري ... وواجـــهت أبو القاسم .. وأشتكينا لقرنق
** عرفنا مگان المقبرة ونعد العُدة لفتح الملف الدامي
هذا ما قلته لـ «أبو القاسم محمد إبراهيم» ورده كان «دا شُغل سياسة يا إبني »!



التاريخ هو ثمرة الأيام... والأيام دول ... تأتيك بكل ما هو مخيف وحزين..
ومحطة الفرح فيها هي الفرع والحُزن هو الأصل ..والأيام التي نعنيها ليست أيام الله الطبيعية المفعمة بالخير ومن عند أنفسنا نخلق داخلها الشر .. وإن ما نعني الأيام السياسية التي تمتلىء كثيراً بالأحزان والأحداث الدامية .
على هذه الخلفية رأينا في «الوطن» أن نوثق لحقبة سياسية مهمة من تاريخ السودان، وتحديداً الحقبة ما بين إنقلاب نميري من 25 مايو 1969م وإنقلاب هاشم العطا في يوليو 1971م حيث كان تركيزنا على القيادي الشيوعي الفذ والرمز الإشتراكي العالمي في ذلك الوقت الراحل عبد الخالق محجوب سكرتير أعظم حزب شيوعي في العالم الثالث على الإطلاق .
حوارنا مع عمر عبد الخالق محجوب فمعاً نقلب دفاتر التاريخ الدامية حــــــــــول الشخصية والأحـــــــداث والآثار والمآلات.. فمـــــــــــاذا قال..؟؟



ـ عمر عبد الخالق هل يتذكر ظروف وملابسات إعدام عبد الخالق محجوب؟
عندما حدثت الحوادث والإغتيالات كان عمري حينها سنتان الا يوم.. لذلك لا اتذكر شيئاً بما في ذلك ملامح الوالد رحمة الله عليه.



ـ طيب .. الظروف التي عيشتوها بعد ذلك؟
الوالدة طبعاً حكت لي كثيراً فعشت ذكريات أليمة ومريرة على المستوى الشخصي وكنت اسأل نفسي كثيراً انني كطفل.. لماذا فقدت والدي؟
اتذكر ايضاً عندما «فتحت شوية» ان والدتي ومعها زوجات بقية الشهداء فاطمة احمد ابراهيم وخنساء زوجة الشهيد بابكر النور تعرضنَّ للإعتقال .. والدتي كانت ايضاً تتعرض للمضايقات في سبل أكل عيشها من قبل النظام المايوي الفاشل بإستمرار حتى يكسروا شوكتها بحيث لا تستطيع تمثيل الوالد وتوصيل أفكاره وحتى لا تربينا تربية سوية فكانت تُرفد من الشغل دائماً.



ـ وعندما كبرت؟
عندما كبرت تحولت الذكريات المؤلمة الى فخر واعتزاز لان القرار بالتأكيد اذا كان في يد والدي وفي يد بقية الشهداء وخيروهم في ان يتنازلوا عن قناعتهم الشخصية وهي قناعات وطنية بحتة «مافي اثنين ثلاثه» او يعتذروا او يتأسفوا او يتخلوا عن مناصبهم او يلبسوا التهمة لآخرين ويرجعوا بيوتهم كما فعل اخرون، بالتأكيد انهم كانوا سيختارون الإستشهاد حتى تصل رسالتهم لهذا الشعب العظيم، فالثوار لا ينكسرون، فعندما وصلت لهذا الفهم تحولت كل تلك المرارات بما فيها حرماني كطفل الى سعادة لان والدي استشهد مع زملائه من اجل سودان أحسن، واظن ان هذا الاحساس اصبح احساس كل ابناء الشهداء الباقين.



ـ عمر.. هل توجد مرارة تجاه من أعدموا والدك؟
المرارة الموجودة هي ان الشعب السوداني فقد اشخاصاً كهؤلاء فقد كنت كطفل أتعامل مع عبد الخالق محجوب كوالد ونميري «قتله».. ولكن الآن فهمت الصراع الذي تدور حلقاته حتى الآن ونتائجه واضحة.. د. جون قرنق برضو مشى واستشهد، فالصراع أكبر من ذلك بكثير، المسألة ليست مسألة مرارة بقدر ما انها حسرة على ان هذا البلد المسكين وهذا الشعب الطيب غير محظوظ.



ـ ما محظوظ كيف؟
ما محظوظ لأن وللأسف كل الساسة المفكرين الكان مفترض يمشوا بالبلد دي لي قدام رحلوا الى الدار الآخرة.
فالمسألة واضحة، السودان به قوتان قوة منتفعة بالذات وهمها ان تصل الى السلطة وتعمل دولارات ولا يهمها الشعب السوداني حاسي بي شنو وهذا قرار شخصي لأن الانسان في هذه الحياة خير ان تمسك بزمام السلطة عشان تفيد نفسك وتكون بعد ذلك منافع شخصية «تافهة» جداً تنتهي بفناء الانسان تحت التراب.. الدليل على ذلك آلاف الناس اكتنزوا المليارات فلم تنفعهم وماتوا مثلهم مثل بقية الناس.
اما في الجانب الآخر، فهنالك قوة بتفتكر ان السودان هو حق للجميع بغض النظر عن لونهم وعرقهم وأديانهم وبيحلموا ان ينطلقوا في يوم من الايام بالسودان ويمشوا بيهو قدام حتى يكون في مصاف الدول الافريقية والعالمية، فقد كانت الفرصة موجودة وماتزال موجودة والصراع موجود وقد خلقه الله سبحانه وتعالى بين الخير والشر.. الصراع بين انك تعيش من أجل الناس والصراع بين انك تعيش من اجل الذات، وللأسف في السودان كلما نهض الناس ووجدوا شخصاً أو زعيماً وإلتفوا حوله على أخرهم د. جون قرنق بلا منازع.. بددت آمالهم.
وعلى فكرة القوة دي ممكن تكون قوة داخلية او خارجية وليست لها حدود ايضاً ليست هي فقط قوة شمال وجنوب وقد تكون قوة في الوسط أو وسط الشماليين او وسط الجنوبيين ويؤمنون بأن الناس ممكن تعيش بصورة موحدة وفي وطن واحد وطن ديمقراطي ، قد تكون قوة جنوبية وهذا منذ الاستقلال ويقدموا انفسهم كأداة ومطية للأنظمة التي تكون في الشمال ويحاربوا أولاد أهلهم .. كذلك في دارفور وايضاً في الشرق، فالمسألة لها دخل بأن الانسان خيارو شنو في الدنيا دي هل سبب وجوده في الدنيا ان يفيد الناس؟ او يشوف طفلة يتيمة بتقرأ ماشة كل يوم متدرجة؟ أم يكون بيته كبيراً وعربيته فارهة وعندو حساب في سويسرا!!



ـ رغم ان عبد الخالق محجوب كان مفكراً الا انه لم تصدر له اية اصدارات؟
في كتب اتعملت وللاسف صدقوا او لا تصدقوا لم اقرأها حتى الآن، وهذا مرتبط بعقدة العاطفة التي لم استطع التخلص منها ،لكن في ناس قروها وشرحوا لي مضمونها.



ـ عمر انت اتربيت وين؟
انا ود ام درمان مائة في المائة، اتربيت في الشهداء، بعد ذلك والدتي قررت تعيش قريبة من والدها في العرضة جدنا المرحوم مالك وهو من اوائل المهندسين المدنيين في السودان، وفي عام 83 قررت الوالدة رحولنا الى الرياض نسبة لظروف دراستنا بمدارس كمبوني.



ـ درست شنو؟
درست بألمانيا هندسة الكترونية دقيقة وهي الهندسة المتخصصة في مجال صنع مادة السليكون وتحويلها الى رقائق اكترونية.



ـ علاقاتكم بالحزب الشيوعي بعد اعدام الوالد.. وهل وقف اعضاؤه بجانبكم خصوصاً في جانب التربية؟
التربية دي مافي حزب بربي زول فاي شخص بيفتكر انو الحزب حيربي الناس هذا خطأ كبير جداً.. فهم وقفوا معانا وقفة كبيرة ويكفي وقفتهم معانا لحدي الآن والفضل بيرجع للوالدة ربنا يديها العافية، هذا الى جانب ان وجودهم في الساحة ادى الانسان امل انو عبد الخالق محجوب ماراح «فطيسة» فالحاجة الناضل من أجلها موجودة.



ـ علاقتك بالسياسة؟
انا انسان ديمقراطي وانسان بحب الخير وبحب العدالة.. هذه هي علاقتي بالسياسة، فاي زول يقيف مع هذه القيم انا معاهو واي زول يخرج السودان من ازمته الحالية انا معاهو.



ـ وعلاقتك بالحركة الشعبية؟
انا معجب جداً بكاريزما الراحل د. جون قرنق - هنا انقطع الحوار لأكثر من ثلث الساعة - لان عمر اجهش بالبكاء كثيراً على د. جون قرنق واستطعنا بصعوبة مواصلة الحوار بعد الحزن الذي بدا واضحاً على وجهه.



ـ أول مرة لاقيت د. جون قرنق؟
اول مرة كانت ايام الديمقراطية في ورشة باثيوبيا اظنها كانت في 86 ،اما المرة الثانية فكانت في كينيا وكنت حينها «ماسك الشغل» لشركة امريكية وطبعاً ماممكن تتفادى شخصية في قامة قرنق.



ـ عندك علاقة عضوية بالحركة؟
لا ...



ـ هل تنتمي للحزب الشيوعي؟
ابتسم عمر.. وسألنا: سؤالكم الجاي شنو؟



ـ طيب رأيك في الحزب الشيوعي؟
والله الحزب الشيوعي حزب ممتاز وطلّع كوادر مميزة كياسر عرمان وغيره ،كان يمكن ان تكون هذه الكوادر زيها وزي باقي احزاب عايشة في الخرطوم وتخش في احزاب لحم رأس وتمتلك ما تمتلك، فهو حزب يوصل الزول لمرحلة يقدر يفيد فيها الناس ويتنازل عن حياته الرغدة وهم ناس حسب تربيتنا في الدرجة الثانية او الثالثة معرضاً نفسه للبندقية.



ـ نرجع لعلاقتك الشخصية بدكتور جون؟
في أواخر عام 2000م حدثت بيننا مكالمة هاتفية استمرت لأكثر من ساعة.



ـ الحديث دار حول شنو؟
دار حول المشاكل التي يعاني منها السودان وحول رؤية السودان الجديد.



ـ عندك علاقة بالزعامات السياسية الاخرى؟
يعني.. شيخ الترابي زرته عندما كان بمستشفى الشرطة بالرغم من انني وجدت صعوبة في ذلك الا انني اصريت على زيارته ومقابلته.
اما السيد الصادق المهدي فتربطني علاقة صداقة مع ابنه الصديق لكن هو شخصياً ماجات الفرصة لمقابلته حتى الآن.. مولانا الميرغني برضو للأسف ما لاقيتو.



ـ ونميري؟
نميري الاقيهو لشنو؟ في زول عايز يلاقي نميري؟



ـ ماحصل صادفتو؟
حصل.



ـ آها الحصل شنو؟
المصادفة كانت في العزاء بتاع خالنا.



ـ سنة كم ؟
سنة 2000م



ـ سلم عليك؟
لا.. الحاصل انو كان جاي داخل في «زقاق» فلما الباب انفتح هو كان مقاصد الوالدة وانا اتمالكت اعصابي باعتبار ان المسألة كما اسلفت مسألة وطن وانا سعيد عبد الخالق محجوب الذي اتعامل معه كرمز رغم انني «صدمت» في هذا اللقاء ربما لانني لم اكن اتخيل ان لقاءً سيحدث بيننا وندمت واذا اتعاد هذا اللقاء انا عندي كلام تاني.



ـ كيف؟
سكت برهة ثم قال : كلام.



ـ مع نميري؟
مع نميري.



ـ ثاني ما لاقيتو؟
لا.. يعني بلاقيهو في الشارع كذا مرة «وبضغط» العربية حقتو وبطلعها برة الشارع .. القضية ماقضية عبد الخالق محجوب القضية قضية محمود محمد طه وقضية الامام الهادي .. وقضية الشعب السوداني وقضية د. جون.



ـ د. جون قرنق علاقتو شنو؟
دي ناس كلها ماممكن تكون بتموت صدفة.



ـ انت سميت على اسم صديق الوالد؟
نعم سماني ابي على اسم صديقه عمر الذي توفي في حادث طائرة وتيمناً بعمر بن الخطاب.



ـ قبل ماتجي السودان كنت وين!؟
كان عندي الشغل الخاص بتاعي مع شركة بريطانية وفي كينيا..وحالياً حصل انفراج في البلد والناس بدت ترجع وبحكم تجوالي في العديد من الدول في العالم، الاشكالات طلعت من الفهم بتاع الشكل والدين.. خصوصاً كشماليين انو جدنا ابو العباس وهكذا ..وذلك لانني حمت برة ولقيت الناس بتكلموا معاي كأفريقي وبفتكر انو دي مشكلة السودان فهو يعاني من مشكلة عميقة جداً هي مشكلة الهوية.. وبفتكروا انو الناس بتعاملوا مع الافارقة بإزدراء ومع العرب بانكسار وما اظن انو في شئ في تاريخ افريقيا شين او مشين.



ـ علاقتك بنقد كيف؟
علاقة ممتازة شديد ونقد والد بالنسبة لي.



ـ مافكرتوا في اية مرحلة من المراحل ترفعوا دعوة ضد نميري؟
فكرنا كذا مرة وقدمنا دعوة.. لكن النظام الحالي رفضها!!



ـ رفعتوها كأسرة؟
الوالدة وهي تمثل كل الاسرة وبالتحديد يوم وفاة الدكتور جون قرنق كل اسر شهداء 19 يوليو قاموا بتقديم عريضة ودعوة لدكتور جون وهذا الخبر بثته قناة الجزيرة الا انه سرعان ما غطى حادث الوفاة عليه، وتقديمنا لهذه الدعوة يصب في انه النائب الاول لرئيس الجمهورية وان البلد تشهد انفتاحاً سياسياً فكانت هذه الخطوة حتى يفتح الملف من جديد.



ـ في وجود سلفاكير هل فتحتم الموضوع من جديد؟
ابداً ولكننا ننتظر الوقت المناسب.



ـ شاعرين انو الوقت غير مناسب؟
والله من غير ما تسقط الناس الحق دا حقو الناس تركز جهودها لاخراج السودان من الازمة الحقيقية العايشها.



ـ هل قابلت «أبو القاسم محمد إبراهيم» ..؟
نعم ، وقد كان ذلك في عزاء دكتور جون قرنق وقلت له : «الراجل بثبت على المواقف وبتحمل مسؤولية ما فعل» وقال لي : «دي سياسة يا ابني» .



ـ حاولتوا تتعرفوا على رفاة الوالد؟
نعم.. حيث وردت الى شقيق الشهيد الشفيع معلومات فمشينا معاهو وعرفنا المحل رغم اننا لم نتأكد حتى الآن لاننا لم نعمل «الجين تيست».



ـ وين المحل؟
في بحري.



ـ بحري وين؟
مقابر حلة حمد .. مقبرة الوالد ومقبرة جوزيف قرنق.



ـ واتأكدتوا كيف ان المقبرتين تخصهما؟
لان الناس المشوا معانا كانوا حاضرين.



ـ هل حاولتوا تتعرفوا على بعض منفذي عملية الإعدام؟
ديل ناس منفذين.. ديل ناس انا بشفق عليهم.





http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=3648&bk=1
_

Post: #434
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 01:56 AM
Parent: #433


العالم الكبير والمثير يقول الكثير

«الوطــــــن» فــــي حــــــــــوار شــــــــفاف مــــــع الترابي
الخرطوم-«الوطن»:
نحن داخلون على الشيخ الدكتور حسن الترابي ، رأينا نقد خارجاً .. حيث يبدو انهما كانا في اجتماع مهم ومطول؛ وهذا ما كشف لنا عنه الدكتور حسن الترابي حيث قال : «نُعد معاً مبادرة مفصلة اتفقنا على عرضها للقوى السياسية».
«الوطن» تجرأت وأثارت قضايا تاريخية واجتماعية وفكرية حول الشيخ حسن الترابي حيث قلنا له : «أنت طموح .. لذلك تزوجت من بيت المهدي».فأجاب قائلاً : «وصال كانت تلميذتي، قبل أن اعرفها في بيت المهدي»..
ولم يتردد الترابي في التأكيد على آرائه الفقهية المثيرة للجدل حول إمامة المرأة وزواج الكتابي من المسلمة قائلاً «هذه اجتهاداتي ومن له حجة أخرى فأنا على استعداد لمقارعته». وفي سؤال حول موقفه من اعدام محمود محمد طه وحضوره لمراسم الاعدام أجاب بالقول :« لم أكن طرفاً في القرار وأنا لا أرى في الردة حكماً يستوجب الاعدام» .. ثم اضاف: «لا استطيع أن أرى منظر الدم وقد دخلت ذات مرة في اغماءة بسبب حضوري لتنفيذ قطع يد في حد سرقة».
وضمن أخطر اسئلة «الوطن» حول أن الترابي تأثر - عقلياً - واصبحت قدراته الذهنية مهتزة أجاب بالقول : «زعموا أن ضربة كندا اثّرت على قواي العقلية .. والرسول الكريم اتهم من قبل بمثل هذه الاتهامات .. والكل يعرف لماذا يقولون ذلك».
وحول مهدية الإمام محمد أحمد المهدي اطلق الترابي رأياً جريئا حيث قال :« لا اعتقد بظهور مهدي ولا أؤمن بظهور عيسى.. إنه نوع من الاتكالية يركن اليها بعض الناس»..
وفيما يختص بانتخاب نائب أول خلفاً للشهيد الزبير محمد صالح قال الترابي أن الاختيار كان مابين العليين ( علي عثمان محمد طه، وعلي الحاج) وكانت الغلبة إلى جانب علي الحاج لموازنات يعلمها الجميع إلا أن البشير فضّل علي عثمان.
وعن الحوار مع المؤتمر الوطني أكد الترابي بأن ذلك يرتبط بما قررته القيادات الشورية، والذي تمثل في رفع استعمال القوة، واطلاق الحريات، وعدم الاعتقالات وغيرها من الأمور.



http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=3475&bk=1
__

Post: #435
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 04:19 AM
Parent: #1


أحداث في ذمة التاريخ

السر حسن جكسم



«ولا تقتلوا النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق» صدق الله العظيم
لم يعد الوقت مبكراً من نهار ذلك اليوم القصير الحزين ومن على مئذنة جامع كوبر العتيق.. دوى صوت الأذان حاداً قوياً حنوناً والحشود الهائلة من البشر تتدافع وتجري نحو سجن كوبر العمومي لمشاهدة الفاصل المأسوي لتطبيق حكم الإعدام على الشيخ المتفاني محمود محمد طه عليه الرحمة، وعلى الساحة الشمالية لسجن كوبر إنتصبت المشنقة المشؤومة محاطة بأعداد مهولة من الناس.. وماهي إلا لحظة حتى فتح باب من أبواب السجن وخرج منه المحكوم محاطاً برهط من حراس السجن.. وهو يتقدمهم في خُطى قوية ثابتة.. كأنه على رأس قوة من الجيش، مد الناس أعناقهم ليروا الرجل الشيخ الذي تخطى عمره العقد السابع، الرجل المهيب الذي يرتدي الزي البلدي.. الرجل الذي إختلف الناس حوله علماؤهم وفقهاؤهم وسياسيوهم وأثرياؤهم وفقراؤهم يمضي نحو حبل المشنقة أنوفاً شامخاً كالطود الأشم.. وعلى هذا المكان المرتفع على مسرح المشنقة كان السجانون يحيطون بالمحكوم ويحاصرونه في مكان ضيق محاصرة كاملة أن مائة خطوة تفصل الجمهور من منصة المشنقة غير أنهم كانوا لا يستطيعون أن يسمعوا شيئاً من الحديث الذي يدور بين المحكوم والشيخ ذي اللحية البيضاء الذي جاء مصاحباً تيم الإعدام ليلقن المحكوم الشهادة .. حتى أن ما كان يرونه الناس في أول الأمر بدا تافهاً لا يشوق ولا قيمة له .. لكن على حين فجأة بلغ المشهد من الفظاعة في النهاية حتى أنهم أشاحوا بوجوههم واستداروا للوراء ليخفوا دموعهم من هول الصدمة.. وهرع كثير منهم الى خارج السجن.
وخرجنا نحن الممسكين بحبال الحياة الواهنة نجرجر أرجلنا المثقلة بأطنان من الرصاص .. في خُطى جنائزية .. صامتين صمتنا الذاخر بالإذلال والإنكسار والشفاه التي كممها الخوف لا تنبث ببت كلمة.. وهذه القامة المنتصبة على مسرح المشنقة الموثقة اليدين والساقين المتصلبة المنقلب رأسها الى الأمام.. إنها الآن لا تستدر الشفقة ولا العطف.
لقد تحرر محمود محمد طه والى الأبد من روابط الأرض وأثقال الأرض إنه الآن لا يتألم.. وما من شىء يمكن أن يكون له الآن عليه سلطان لا بندقية .. مايو ـ ولا كلام ولغو البشر ولا محاكم العدالة الناجزة بكل أدعيائها وقضاتها وأنبيائها الكذبة ـ لقد مضى في سبيل ما يؤمن به من فكر.. ولم يتذلل كإمرأة عندما وضعته مايو في مواجهة ذلك المحك الخطير الرهيب والإختيار المرهق الصعب.. فإختار مصيره المشؤوم عندما جندت مايو كل علمائها وقضاتها لمنــــازلته ـ حلــــبة لم تتوفر لها ابسط حقوق الإنسان في الدفاع عن نفـــسه.. وأحنت رأسه لكي يركع ولكنه لم يفعلها .. فإختار دائرة حبل المشنقة المشؤومة التي حصدت كثيراً من الرؤوس من المتمردين والمناوئين العصاة سياسات الطغاة والمتجبرين.



http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=2086&bk=1
_____________

Post: #436
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 04:20 AM
Parent: #435


بعد حديث رئيس التحرير عن الجمهوريين وزعيمهم
رؤية اخرى «مغايرة» لفكر محمود محمد طه



السيد الاستاذ سيد احمد خليفة المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نشرتم بصحيفتكم «الوطن» في صفحة «قضية» الصادرة يوم الاحد 22/1/2006م موضوعاً مهماً يشغل الرأي العام الاسلامي وذلك بعنوان : تجربتان ثرَّتان مع الاستاذ محمود محمد طه واتباعه وقلت إنك التقيت به للمرة الأولى في الستينيات ووجدته متواضعاً وديمقراطياً وفي المرة الثانية في سجن كوبر عام 1983م، مع غيره من السياسيين الذين أُدخِلوا السجن لمعارضتهم لمايو .. وقلت : (كنت انا اجالس الاستاذ العظيم محمود محمد طه قبل اشهر من اقتياده للمشنقة وعمري كان عندها فوق الاربعين عاماً احسن فهماً وادراكاً لما يقول مقارنة بحقبة الستينيات ولم تمسسني عقائدياً اي خدشة دينية في حديث الرجل الذي كنت استمعت اليه بعد ما قرأت بعض ما كتب، فالذين يتحدَّثون عن عدم صلاة الرجل أقول لهم بأن الرجل كان يقيم الليل تلاوةً للقرآن وصلاةً تتواصل من العشاء حتى صلاة الصبح في كثير من الاحيان وأحياناً يستيقظ قرابة الفجر ويواصل حتى صلاة الضحى.. إن هذه باختصار شهادتي للتاريخ فيما يتعلَّق بادائه المباشر للعبادة ممثلة في الصلاة والتلاوة) انتهى حديثكم..
بعد ما قرأنا ما تقدَّم اقول لكم اخي الاستاذ أن الرجل اصدر كتيبات ومنشورات عديدة شد انتباهي اثنين منها بعنوان (الصلاة) و(الدين الاسلامي بطريقته القديمة لا يصلح لانسان القرن العشرين) وذلك في اواخر الستينيات من القرن الماضي أثناء الحكم الديمقراطي الذي سبق مايو 69 وتكون قد اطلعت عليهما وعلى رأي العلماء في هذه القضية ورده عليهم بما يدل على أن ما يقوله هو الحق، فقررت مناقشته فذهبت إلى دارهم الواقع غرب استاد الموردة بامدرمان وبعد انتهاء الندوة منحني الشيخ فرصة فطرحت اسئلتي عن الكتابين اعلاه فاجاب : إننا قد تجاوزنا اشياء كثيرة ولهذا قلنا أن الآيات المدنية نسخت الآيات المكية.. وضرب لنا مثلاً وقال موضوع الافطار في رمضان اثناء السفر قد انتهى حيث تيسر الامر ويمكن لشخص صائم أن يقوم من الخرطوم إلى نيويورك بالطائرة ويصل المحطة قبل غروب الشمس وبهذا نكون قد تجاوزنا مرحلة السفر على الاقدام او الدواب بفضل التقدم العلمي، وقرأ جزءً من الآية (185) البقرة «فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من ايام اخر...» وعن الصلاة قال : الصلاة هي الصلة بين العبد والرب وتتطور هذه الصلاة إلى أن تكون مباشرة بين العبد والرب ولا تكون هناك الصلاة الحركية بعد وصول العبد لهذه المرحلة !!
فقلت له قال تعالى : «فمن تطوَّع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون». والآية (85) من سورة الاسراء «ويسألونك عن الروح قل الروح امر ربي وما أوتيتم من العلم الا قليلاً».. ونحن مهما تعمَّقنا في العلم لن نعرف كل شيء ولن نعرف ماذا سيحدث غداً ولكنه سبحانه وتعالى هو العارف والعالم.
وعرجت إلى الصلاة وقلت له : إن الرسول (ص) قال : «صلّوا كما رأيتموني اصلي».. ويقوم بالصلاة الحركية إلى أن مات عليه السلام. فرد علي الشيخ الذي كان يتابعني باهتمام قائلاً : «الرسول قدوة» فقلت له : لماذا لا تكون قدوة لجماهير الحزب الجمهوري ؟!.. وهنا قاطعني الرجل الديمقراطي وقال للحاضرين :
هذا الشاب لن يكون جمهورياً حتى في سنة الفين، اخرجوه.. فوجدت نفسي محمولاً على الاكتاف وفتحوا الباب الكبير والقوني في شارع الموردة واغلقوا بابهم. هذا ما حدث لي شخصياً ولو صبر الشيخ بحبه للديمقراطية والحرية الفكرية والشخصية.. وواصل نقاشه معي لخرجت انا من ندوته بطوعي وارادتي حسب نص الآية (140) سورة النساء «وقد نَزَّل عليكم في الكتاب أن اذا سمعتم آيات الله يُكْفرُ بها ويُسْتَهْزَأُ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم، إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً» والآية (6 من سورة الانعام «واذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، واما يُنْسِيَنَّك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين». وقول الرسول (ص) «من اعان ظالماً ليدحض بباطله حقاً فقد تبرَّأت منه ذمة الله وذمة رسوله» رواه الحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما.
والحمد لله أنك قلت : «إن الشباب والشابات والطلاب والطالبات وخريجي الجامعات يتجوّلون في شوارع الخرطوم في الوسط والاطراف وفي عواصم بعض الاقاليم والمدن الكبيرة لا يحملون عصى أو مدى او مسدسات ولا حتى حجارة، بل ولا كلمات نابية ولا جارحة لكنهم كانوا يحملون الكُتيّبات والمنشورات يناقشون او يناقشهم الكبير والصغير والعالم والجاهل».
اخي كما رأيت من مناقشتي له، فإن الشيخ لا يعطي الفرصة للعالم وحامل القرآن والمتفقِّه، ولكن يركِّز على الجاهل وصغير السن، وهنا تُكمن الخطورة.. ألم يكن عدوك الظاهر الذي يحمل ادوات القتل التي ذكرتها افضل من عدوك المستتر الذي يجذبك حديثه ويعجبك عطاؤه السخي وطعامه الشهي الذي يدس لك فيه السم القاتل وانت لا تدري ؟!...
إنه يجب علينا أن نلتزم جانب الحق في افعالنا قبل اقوالنا ولا نرمي الآخرين بجهالة ولا نعظِّمهم تعظيماً حتى لا نكون على ما فعلنا نادمين.
إن تطبيق حد الردة لم تُشرعه حكومة مدنية او عسكرية ملكية كانت أو جمهورية ولكنه شرع الله سبحانه وتعالى، وانت وغيرك يعلم أن هذا الحكم لم يُطبَّق على الرجل لأنه قال لا لمايو ولأن الكثيرين قالوا لا لمايو ولم تعلَّق لهم المشانق ويكفينا الذين كانوا معه واعلنوا توبتهم ولم يُطبَّق عليهم الحد.
فلا يحق لنا أن ننعت حكم الله بالهوس الديني وتوجُّهات ومؤلفات فلان وعلان اذ يقول الله في محكم تنزيله «إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فساداً أن يُقَتَّلوا او يُصلَّبوا» إلى اخر الآية (33) من سورة المائدة. والآية (40) من سورة الاعراف «إن الذين كذَّبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تُفَتَّحُ لهم ابواب السماء ولا يدخلون الجنة... الخ».....
هذا وإن كان الشيخ اعلن توبته ورجع عن أقواله السابقة وزعم ذلك طُبِّق عليه الحد فإن الله يَعِد الذين طَبَّقوا عليه الحد عذاباً شديداً كما قال في الآية (93) سورة النساء «ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغَضِبَ الله عليه ولعنه وأعدَّ له عذاباً عظيماً». والآية (151) سورة الانعام «ولا تقتلوا النفس التي حرَّم الله الا بالحق ذالكم وصاكم به لعلكم تعقلون». والآية (227) الشعراء (وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون» صدق الله العظيم ..
ولزيادة الفائدة ايها القاريء الكريم أرجو تلاوة الآيات من (1) إلى (34) سورة البقرة. وفقنا الله جميعاً إلى ما فيه صلاح هذه الامة. والسلام.



عثمان ارصد
عثمان محمد فرح ارصد - الخرطوم



http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=663&bk=1
_________________

Post: #437
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 04:21 AM
Parent: #436



صباح الـخير يا جمهوريين..!

* تجربتان ثرتان مع الأستاذ محمود محمد طه وأتباعه *
مرة في مكتبه المتواضع في الستينيات من القرن الماضي ومـــرة في زنازين كوبر..!
كذبوا فقال إنه قال: «رفعت عني الصلاة» ورموه بالكفر وعايشت انا صيامه وقيامه



يقول المثل الشعبي (ليس من رأى كمن سمع)، وأقول ليس من عايش كمن قرأ. فتجربتي الشخصية مع الأستاذ محمود محمد طه لا تجعلني أفكر أو أقدر أو أكتب على نحو ما يكتب بعض خصومه السياسيين والفكريين والدينيين..!
ففي ستينيات القرن الماضي وأنا صحفي شبه مبتديء إلتقيت الأستاذ محمود محمد طه في مكتب متواضع في شارع الحرية غرب الخرطوم وحملت إليه أسئلتي البسيطة، أن لم أقل الساذجة، حول الفكر الجمهوري الذي كان مثار نقاش واسع في تلك الأيام بين الـ (مع) والـ(ضد) ولكني أعترف ان حوار تلك الأيام حول الفكر الجمهوري كان يشبه تفكير تلك الأيام وعقلية وعقلاء تلك الأيام وسياسة وسياسيي تلك الأيام وفكر ومفكري تلك الأيام..!!



حوارات سمحة ومتسامحة..!
فقد كان أتباع الأستاذ محمود محمد طه والفكر الجمهوري من الشباب والشابات والطلاب والطالبات وخريجي الجامعات وأساتذتها يتجولون في شوارع الخرطوم في الوسط والأطراف وفي عواصم بعض الأقاليم والمدن الكبيرة لا يحملون عصي أو مدي أو مسدسات ولا حتى حجارة بل ولا كلمات نابية أو جارحة، لكنهم كانوا يحملون كتيبات ومنشورات يناقشون أو يناقشهم الكبير والصغير، العالم والجاهل، الطامع في الفهم والتفاهم والراغب في الشبكة والإحتكاك والمبرمج أصلاً ضد الفكر الجمهوري دون ان يقرأ محتوياته أو يتعمق فيها على الأقل.
يومها جلست لساعات إستمع للرجل حتى تحول المجلس بيننا إلى تلميذ صحفي هو أنا وأستاذ كبير هو المفكر محمود محمد طه الذي كان يكبرني بنحو عشرين عاماً وهو مدى زمني كافي لكي يتفوق الإنسان فكراً وقولاً ومنطقاً على من يصغره سناً ناهيك عن أن يكون المتحدث هو محمود محمد طه المهندس والمفكر الذي خلط بين ثلاث هي: المسألة الدينية (وتحديداً الدين والحياة أو الحياة والدين) وبين الهندسة (بكسرها وجبرها وأرقامها ومعادلاتها الصعبة) وبين السياسة والأخلاق والقيم وهموم وإهتمامات الإنسان اينما كان..!
لا ادعي انني خرجت من تلك الجلسة بعمل صحفي كبير ولكنني لخصت ما قاله لي الأستاذ محمود بقدر ما مكنني الله واسعفني فكري وتفكيري الغض في تلك الحقبة من حياتي الصحفية، حيث مازلت أتعلم وأسمع وازداد خبرة وشهرة وكل من يعتقد أنه وصل وهو على قيد الحياة فهو لم يصل..!
صبيحة اليوم الذي نشر فيه ذلك التحقيق الصحفي المتواضع، ولعله بين عامي 66- 1967م من القرن الماضي إنهالت الرسائل والمكالمات الهاتفية على الصحيفة بين مقدر لما قاله الأستاذ وبين من إتهمني بالإنتماء للفكر الجمهوري، وبين من وقف بين هذه وتلك من التصنيفات الجاهزة..!
بعدها لم ألتق بالأستاذ الشهيد محمود محمد طه في عمل صحفي أو لقاء فكري طيلة سنوات مايو الأولى، حيث كان الجمهوريون من المؤيديين لتجربة مايو السياسية والفكرية في بداياتها اليسارية والوسطية حتى اذا دخلت مايو حقبة الهوس الديني وتحول نميري من (مناضل) إلى (مجاهد) ومن مجاهد إلى (إمام) ومن إمام إلى (أمير المؤمنين) كما كان يناديه بعض أعوانه في القصر، وقف الأستاذ محمود محمد طه ومعه سائر الجمهوريين إلا قليل ليقول لمايو ولنميري لا ومن ثّم يدخل السجن في العام 1983م ويتنقل بين زنزانة وزنزانة (ويقوم الأجاويد ويقعدوا وتتوالى الإتصالات به وبمجموعته لكي يتراجع عن إدانته للهوس الديني وتوجهات مايو في هذا المجال ولمؤلفات مايو من نحو «النهج الإسلامي لماذا» وأخواتها، ولمحاكم العدالة الناجزة ومحاكم الطوارئ)..!



عداوة بعد محبة...!
كان ذلك الموقف من الجمهوريين ضد مايو يعد شبه تحالف معها في السنوات الأولى مستغرباً من نميري ونظامه وحتى من المعارضة السودانية وأبرزها السيد الصادق المهدي الذي لم يهاجمه حزب ويندد به زعيم ويستاء من زمانه ونظامه مفكر كما فعل الأستاذ محمود محمد طه والحزب الجمهوري في فترة الديمقراطية قبل مايو وفي حقبة مايو الأولى، حيث كان الفكر الجمهوري يرى في الصادق المهدي وفي السيد محمد عثمان الميرغني والحزب الإتحادي حواجز طائفية وتاريخية تمنع التطور الديني كما يراه الفكر الجمهوري، وكان الأستاذ محمود يقول عن الطائفية ما معناه إنها سجن كبير للفكر والعقل السوداني وإنها توظف قدرات السودانيين لخدمة مفاهيمها الدينية الأقرب للهوس منها للدين..!
بعد مجادلات ومحاولات وصراع خرج من المنشورات والكتب إلى المواجهات في الجامعات والمنابر بين مايو والجمهوريين صدر المنشور المشهور الذي ندد بمحاكم العدالة الناجزة وبقضاتها (إمام المؤمنين) إلى (أمير المؤمنين) حتى اذا بلغ هذه المرحلة الأخيرة من الهوس قال انه (أصبح يطير) وأنه يشاهد الذين يجلسون حوله من الشيوخ ولا يشاهدهم غيره وبقية القصص المايوية المعروفة..



منشور وصمود مدهش..!
كان المنشور الحاسم والحازم الذي أصدره الحزب الجمهوري وصاغته لجنة فكرية برئاسة الأستاذ محمود ونشرته وإنتشرت به مجموعة من الجمهوريين الأفذاذ في كل شوارع العاصمة توزعه وتدافع عنه وتناقش حوله وتشرحه للناس هو الحد الفاصل بين حرية الجمهوريين وحقهم في الحركة وبين نظام مايو الذي أعطاهم هذا الحق في بداياته عندما كانوا يمارسون نفس النشاط الفكري لصالح فكرهم ودعوتهم منتقدين خصومهم الحزبيين ممثلين في السيدين المهدي والميرغني، وهذه في تقديري كانت غلطة الجمهوريين أو ذلتهم الكبرى، اذ لم يكن من حق الأحزاب وزعاماتها ان تدافع عن نفسها وفكرها في بدايات مايو وهذه قاعدة لا تجوز أخلاقياً في العمل السياسي والفكري إلا لذوي الإيديولوجيات المغلقة الذين لا يرحبون بمناقشة خصومهم الفكريين في الهواء الطلق، بل يعمدون إلى وضعهم في السجون والزنازين وبيوت الأشباح ووراء الشمس ثم ينددون أو يناقشون أو يرفضون فكر الآخرين بعد ان غيبوهم تماماً.
في العام 1983م يسر لي الله لقاءً سياسياً قهرياً لمدة عام كامل جمعني برجال أفذاذ في زنازين كوبر كان في مقدمتهم السيد الصادق المهدي والراحل العظيم الدكتور عمر نورالدائم وآخرين من أفذاذ ذلك الزمان العظيم الذي أكرمني الله بالعيش فيه ومعايشته، وكان الهرم الفكري الثاني الذي إلتقيته في تلك الحقبة في الزنازين أيضاً الأستاذ محمود محمد طه وآخرين من قادة الفكر الجمهوري، حيث شكل هؤلاء واولئك من الجمهوريين والأنصار مدرسة في حياتي إمتدت لـ 360 يوماً هي حقبة دراسية تعادل عندي كل الحقب النظامية المعروفة..!
كنت أنا أجالس الأستاذ العظيم محمود محمد طه قبل أشهر من إقتياده للمشنقة وعمري كان عندها فوق الأربعين عاماً أحسن فهماً وإدراكاً لما يقول مقارنة بحقبة الستينيات ولم تمسسني عقائدياً أي خدشة دينية في حديث الرجل الذي كنت أستمعت إليه بعدما قرأت بعض ما كتب، فالذين يتحدثون عن عدم صلاة الرجل أقول لهم بأن الرجل كان يقيم الليل تلاوة للقرآن وصلاة وتتواصل من العشاء حتى صلاة الصبح في كثير من الأحيان واحياناً يستيقظ قرابة الفجر ويواصل حتى صلاة الضحى، ان هذه بإختصار شهادتي للتاريخ فيما يتعلق بادائه المباشر للعبادة ممثلة في الصلاة والتلاوة، وفيما يتصل بفهمي لحركة المجتمع والناس، وبعد أيام المعايشة تلك وأقول أيام لأنها كانت أيام فعلاً نقلت أنا إلى المستشفى العسكري كمعتقل سياسي فلازمني في الغرفة قائد جمهوري فذ هو الأستاذ عصام البوشي الذي مثل من الناحية التنظيمية في تلك الحقبة موقعاً للإتصال بين الجمهوريين داخل السجن وخارجه، فكانت الزيارات المفتوحة لنا ولهم قد عرفتني وجمعتني بمئات القادة الجمهوريين والأعضاء العاديين، فهم (حتى العادي لديهم ليس عادياً.. ديناً وخلقاً وسلوكاً ووطنية وتجرداً ونظافة في الجوهر والمظهر)..



لقاء مع عصام..!
كنت أحاور الأستاذ عصام البوشي ونحن في غرفة لا تتجاوز مساحتها 3*3 متر حول الفكر الجمهوري وما يثار حوله من شبهات وأشهد للرجل أيضاً بثلاث: العبادات كاملة: صلاة وصياماً وقياماً وفهماً عميقاً للدين، ووطنية رفيعة لا تختصر الوطن في الذات، ولا تعتدي على حق الوطن أو حقوقه في اي جانب من الجوانب بإعتبار المعتدي هو المتعدى عليه عندما يتحول الفاسدون والمرتشون والسارقون إلى أثرياء ويعتبرون ذلك الإعتداء (تصحيح وضع إجتماعي)، والثالثة هي تواضع العلماء وببساطة العالمين وسماحة الحوار وهدوء النقاش والترحيب بالرأي الآخر وعدم الإعتداء على الآخرين ولو بكلمة نابية ناهيك عن الإعتداء بالسيخ أوالرصاص أو قبيح الكلام كما كان يفعل ومازال يفعل بعض أدعياء الدين والتدين..!
في ذلك العام الكئيب 1983م تداعت كل القوانين سيئة السمعة المسماة بقوانين سبتمبر وتنادى قضاتها وشحنوا القبح والتسلط والعنف والجهل المركب قائد النظام نميري لكي يصدر قراره الإجرامي الخطير ويرسله باية وسيلة كانت إلى قضاة أو إلى محكمة أو إلى مجموعة من الذين بلغ بهم الهوس الديني حداً يحكمون خلاله على شيخ تجاوز السبعين بحد الردة دون حيثيات، حيث كان بين هذا الشيخ وبين الموت شنقاً كلمات هي الإعتراف بأهلية المحكمة والقضاة ناهيك عن الإعتراف بقوانين سبتمبر أو الخوض في مجاهل الهوس الديني.
لقد دافع الأستاذ محمود محمد طه الذي تمر علينا ذكراه هذه الأيام عن كل ضمير سوداني حي وسبقنا وسبق الجميع في رفض نظام مايو وقوانين مايو التي أجمع الناس على رفضها منذ تلك الأيام وحتى يومنا هذا.
حيث ماتت هي ولم يمت الشهيد العتيد العنيد محمود محمد طه..!



*************



داء الإنقسام الحزبي أصابهم ولكن..!
حوار سريع - وجمهوري- مع قائد جمهوري:
فكرنا فكر الأسـتاذ ولكــن نهجنا التنظيمي يختلف..!



أمس الأول الجمعة- إنفردت- الوطن- بخبر الإنشقاق وسط الجمهوريين، حيث كان من المؤسف ان يصلهم الداء الحزبي السوداني الذي حول الأحزاب السودانية كبيرها وصغيرها من - فتات وفتافيت- حيث إنعكس ذلك على السودان وأوضاعه على نحو ما هو سائد الآن من شتات..!
كانت البداية- ونعني بداية الخبر والإتصال بمصدره هو البيان الصادر عن الجمهوريين في الذكرى 21 لإستشهاد الأستاذ محمود محمد طه، حيث دار حوار بيننا وبين الدكتور- الجمهوري - معتصم عبدالله محمود الذي قال انه هو الناطق الرسمي بإسم الحزب الجمهوري الجديد على النحو الآتي:



* هل أنتم نفس الحزب الجمهوري بهياكله ونظمه وأساليب عمله القديمة..؟!
- لا.. نحن جمهوريون جدد.. فكرنا هو فكر- الأستاذ- وعملنا السياسي متطور لكي يلتحق بالعصر ومفاهيمه..!



* هل قام التكوين الجديد بالفعل.. وكيف قام..؟!
- نحن في طور التكوين.. وسيكون هناك مؤتمر عام..!



* من هو رئيس الحزب الآن..؟!
- المؤتمر العام هو الذي سيحدد النظام القيادي ويسمي الأشخاص.



* هل سجلتم الحزب..؟!
- لم نسجل.. ولكننا سلمنا- الاخطار- وهذا يعطينا حق العمل..!



* هل تم حل الحزب بهياكله القديمة..؟!
- الحزب القديم من خلال الذين بقوا معه هو- حزب جمهوري منافس لنا- مع أنه تم حله في 18 يناير 1985م بقرار قيادي..!



* ولكنه كما هو واضح كانت له أنشطة..؟!
- أنشطته بعد الحل كانت إجتماعية فقط.. وقد كان الراحل سعيد شايب آخر قائد للحزب..!



* ومن الذي يقود الكيان الجمهوري القديم الآن بعد سعيد شايب..؟!
- الأستاذ عبداللطيف عمر..



* هل هذا إنقسام كإنقسامات الأحزاب الأخرى.. وما هي دواعيه..؟!
- نعم هو إنقسام مبين.. وأسبابه مستجدات الساحة ورغبتنا في المشاركة بالعمل السياسي على نهج ديمقراطي ومؤسسي منفتح..!



* وهل ثمة تغيير في الفكر الجمهوري نفسه..؟!
- لا.. نحن ملتزمون بفكر الأستاذ الشهيد محمود محمد طه..



* اذن ما الخلاف بينكم ما دام الفكر واحد..؟!
- الخلاف تنظيمي بحت.. فنحن نؤمن بالديمقراطية والمؤسسية والآخرون يرون إستمرار المدرسة التنظيمية القديمة التي إنتهت في رأينا برحيل الأستاذ محمود..!



* من منكم الوريث الفكري للأستاذ اذن..؟!
- الورثة الفكرية للأستاذ محمود مطروحة لكل الناس..!



* أين تقف أسرة الأستاذ محمود من هذا أو ذاك؟
- للأستاذ الشهيد بنتان، أسماء.. وسمية .. وزوجته.. وهن يعشن خارج البلاد ولا نسمع لهن حركة.. وهن على علاقات طيبة بالجميع..!



* هل تعيشون أوضاع الأحزاب الأخرى كجناحين..؟!
- لا ابداً.. نحن نتواصل.. وعلاقاتنا الإجتماعية قائمة.. ولا نختلف بحدة.. أو نتصارع بشدة!



* من أين يأتيكم التمويل..؟!
- نحن نعتمد في تمويل نشاطنا على إشتراكات الأشخاص.. وإعلامياً لنا موقع على- الأنترنت- وهو إعلامياً ليس مكلفاً..!



* كانت عضوية الجمهوريين القديمة أكبر وسط الطلاب والمثقفين والصفوة.. كيف هو الحال الآن بعد الإنفتاح..؟!
- مازلنا نتحرك أكثر وسط الطلاب ونفس الفئات المستنيرة، ولكننا نتحرك نحو التوسع الجماهيري بإذن الله..



http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=424&bk=1
_

Post: #438
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 04:23 AM
Parent: #437


صباح الـخير يا جماعات الدفاع عن الهوس الديني..!

هذه الجماعات والشخصيات جندت نفسها وأقلامها لشن حملات علاقات عامة مدفوعة القيمة ..
خلوها مستورة.. ولا تزايدوا على دين وأخلاق السودانيين.. فالخرطوم والسودان كلاهما ضيقان جداً..!
نحن نآزر بقوة الخط المسؤول لنيابات ومستشاري وعقلاء أمن المجتمع..



في إطار الحديث عن «أمن مجتمع أو مجتمع معافى وآمن بالفعل في زمن التحولات الضخمة في المجتمعات البشرية داخلنا ومن حولنا يبدو كأن هناك حملة علاقات عامة قد أخذت تتبلور وتطل برأسها وتسن أقلامها وتطلق حناجرها مهددة ومتوعدة ومحذرة بإسم القيم والأخلاق ومحاربة الإنحلال والفسوق لدرجة ان إعلامياً بارزاً ورئيساً لإتحاد الصحفيين مثل الزميل محيي الدين تيتاوي إستدرج أو دخل طوعاً مع آخرين من الذين جرى إختيارهم كجنود مجنّدة أو كوقود في حملة العلاقات العامة هذه حتى وصل به وبهم الحال إلى الحديث عن فسوق وفاسقين ودعاة هدم أخلاقي أو مجتمع فاسد يعتقدون انهم هم القادرون وحدهم على منع مده بالمزيد من أسباب التدهور الأخلاقي الذي عنه يتحدثون..!
إنّه على المستوى العالمي فتحت لمثل هذه الأدوار مكاتب ومؤسسات تدافع عن الخطأ والصواب إعلامياً ووتجعل من «الشيطان» الذي يدفع «ملاكاً» من خلال حملات إعلامية تقلب كل القيم والمعايير والأصول وتحول الأسود إلى أبيض والصواب إلى خطأ والشيطان إلى ملائكة والمخطئ إلى مصيب وبالعكس طبعاً...!
ويبدو ان السودان الموعود بكثير من التحولات على مستوى القيم والأخلاق وإختصار الأمور في الذات والإعداد والإستعداد لتدبير الحملات.. وتدبيج المقالات وإستخدام البائع والشاري من الأقلام والعبارات قد نمت وترعرت فوق الكثير من مواقعه الصحفية والإعلامية بل والرسمية أحياناً قاعدة كان أفضل من وصفها قولاً أحد كبار الصحفيين السودانيين أبان سقوط عمارة الرباط المشهورة والتي تتمايل وتتصدع وتؤول للسقوط خمس أو ست مثلها حسب إفادات المهندسين والإستشاريين ولجان التحقيق الهندسي التي تابعت الكارثة وحددت أبعادها وشخصت أحوالها وأسبابها..!



* عبارة ذكية جداً..!
إن العبارة البالغة الذكاء التي إستخدمها صديقنا الصحفي الكبير لخاصته على الأقل هو قوله: وقعت عمارة الرباط.. وقام صديقنا فلان الفلاني والذي قفز في إتون تلك الحقبة - حقبة سقوط عمارة الرباط من نافذة حافلة مع سائر خلق الله العاديين إلى سيارة آخر موديل، حيث كان ذات الصحفي الكبير الذي قال هذه العبارة الذكية هو المخدم الذي لم يعط- القائم في مناخات سقوط عمارة جامعة الرباط قيمة- القيام المادي ذاك- وهو أمر أشار إلى ان حملة علاقات عامة قد إنطلقت.. وان ميزانية لها قد رصدت للدفاع عن كارثة.. بل جريمة نكراء.
عندما تسقط عمارة... وتتصدع عمارات.. ويموت إنسان .. ويعوق آخرون وتهدر مليارات الأموال نتيجة أخطاء مركبة واضح المخطئون فيها ومحددون بالإسم والمهنة والرتب العسكرية، ثم تتصدى ذات الأقلام المجندة والجاهزة لتلبية مطالب من يحتاج إلى حملة علاقات عامة للدفاع عنه ولو على حساب القيم والفضيلة وتقديم الدعم الإعلامي اللازم لمن إرتكب ما هو اسوأ وأحط من الذي يسمونه - رذائل أو رذيلة ويتحدثون عن مجتمع آمن وجهد مطلوب للقضاء على اسباب ومظاهر الخطل والخلل والإنحراف باساليب ونهج من يقول انه من الممكن ان «يجرح ويداوي» في وقت واحد..!
وما دمنا ما نزال في محيط الحديث عن جامعة الرباط المنهارة وأخواتها المتصدعات الملجنات، فإننا نتوقع وبعد أن يفرغ أصحاب خلايا ومكاتب وأقلام العلاقات العامة المستنفرين الآن للتهديد والوعيد والتصنيف القبيح للناس والكتاب والصحف، أقول إننا نتوقع وبعد ان يوفي هؤلاء جهاز أمن المجتمع حقه في مجال حملة العلاقات العامة المدبرة هذه ان تُبرى وتنبري هذه الأقلام من جديد للدخول في حملة علاقات عامة جديدة ستعقبها حملات وحملات لصالح من يريد ومن يدفع ..!
ونحن بالطبع نرشح ذات قضية عمارة الرباط وما صدر بشأنها من أحكام أو قرارات أخيرة لكي تتصدى أقلام العلاقات العامة هذه للدفاع عنها رغم انها أحكام أدهشت الناس وقلبت المعايير..!



كيف..؟!
إن اللجنة الهندسية التي أنيط بها التقييم الهندسي لأخطاء عمارات - وليست عمارة جامعة الرباط المنهارة بل تلك المهددة بالإنهيار أيضاً- قالت عن الأخطاء الهندسية قولاً مخيفاً أدان سائر الأطراف المنغمسة في تلك الجريمة النكراء التي أودت بحياة إنسان.. وعوقت آخرين وأهدرت ما قدرته لجان التحقيق مبدئياً بـ 15 مليار دينار وطالبت المقاول بتسديده أو البقاء بسجن أم درمان حيث يقبع الآن..!



* صمت مريب جداً
لقد سكتت أقلام العلاقات العامة عن الحكم بذات النهج الغريب الذي وافقت به عن سقوط العمارة والوزير المسؤول عن سقوط العمارة ولو أدبياً، حيث بادر الوزير المسؤول ذاك بتقديم إستقالته، وبادر الرئيس البشير «بارك الله فيه وإيده» بقبول تلك الإستقالة وبعدها سكتت أقلام الدفاع عن الكارثة والمتسببين فيها دون ان تختم وتقول للرئيس صاحب قرار قبول الإستقالة أحسنت.. ودون ان تقول للوزير المستقيل أحسنت أيضاً..!
ذلك أيضاً لان مجموعة أقلام العلاقات العامة تلك كانت تتوقع ان تدخل في موسم جديد من مواسم عمارة وعمارات جامعة الرباط المعيبة تلك، إلا ان أحداً لم يطرح الأمر من على صفحات الجرائد، بل إكتفى الناس في غالبيتهم العظمى بمجرد الهمهمة والهمس واللمز مبدين الدهشة في ترقية وترفيع وزير إستقال لانه أخطأ في موقع وزاري- وهذا إعتراف منه بالخطأ- فكيف يرقى ويرفع..؟!



* الضرورات تبيح المحظورات
إن صمت الناس لم يفوت الفرصة على أقلام حملات «العلاقات العامة» وحسب، بل كانت له حسابات أخرى تتصل بإيمانهم بأن في السياسة والقرارات الكبرى ثمة ضرورات قد تبيح المحظورات.. أو هكذا تعامل الناس مع قضية سقوط جامعة الرباط عامة وترفيع الوزير المسؤول عنها خاصة بعد ان إعترف بالخطأ والدور والمسؤولية وإستقال وتوارى عن الأنظار لفترة ليقرر صاحب القرار والمسؤول الأول في الدولة إعادته لدائرة الضوء والفعل والعمل من جديد..!
الآن وفي ذات القضية - قضية عمارة الرباط - صدرت ونشرت على صدر صفحات هذه الجريدة أحكام بحق ضابطين شرطيين وهما مهندسان إستشاريان مناط بهما مراجعة ومتابعة كل بنايات وعمارات ومنشآت وزارة الداخلية وما أكثرها في السنوات العشر الماضية..!
إذن كيف كانت الأحكام وكيف كانت العقوبات بعد ان ثبتت المسؤولية والإدانة..؟!



* أحكام ضعيفة ومدهشة..!
المتهم الأول- وهو مهندس وضابط وإستشاري حكومي مرموق غُرم 3 ملايين جنيه - أُكرر جنيه وليس دينار- مع حكم بالسجن هو إدانة غير مؤثرة للحد المطلوب وهي السجن لثلاثة أشهر مع وقف التنفيذ مع- التكدير الشديد.. الذي لم أجد حتى الآن من يحدد لي قيمته وفعاليته في قضية كبيرة وخطيرة مثل هذه...!
والمتهم الثاني وهو شريك مدان للمتهم الأول صدر بحقه حكم أكثر دهشة وهو «500» ألف جنيه غرامة مع التكدير أيضاً وهي عقوبة أو غرامة من الممكن ان توقع أضعافاً مضاعفة مع متهم أو متهمة في جرائم وأحداث او إتهامات أقل بكثير من السبب في إزهاق روح إنسان وإهدار مال عام..!
ونقفل مؤقتاً ملف- عمارة جامعة الرباط ـ والأحكام فيها على نحو ما ذكرنا وما أدهش الناس لنعود إلى القضية الأساسية قضية إنبراء زميلنا محيي الدين تيتاوي والذين آزروه في حملة العلاقات العامة تلك المتصلة باخوتنا في أمن المجتمع والذين يسرنا ان نقول ان وسطهم ومن ذات - قبيلتهم وكيانهم- من نثق بلا حدود في ثاقب فكره.. وأسلوب معالجته.. وصحيح وسليم نظرته..!
وعلى رأس هؤلاء الذين يعملون.. ويسعون لمجتمع مؤمن وآمن بالفعل بعض من أخوتنا في أمن المجتمع نفسه، وبعض المستشارين ووكلاء النيابة المناط بهم ذات العمل من خلال الإشراف القانوني والأدوار الإستشارية المهمة والمسؤولة..!
لقد فرحت «الوطن» وفرح المواطن وهلل الجميع للبيان.. والتوجهات... والموجهات التي صدرت عن وكيل النيابة الأعلى الأستاذ إبن الأستاذ- ميرغني كننة- وهو بيان أو تصريح ورد من خلال وكالة أنباء حكومية هي المكتب الإعلامي للخدمات الصحفية - سي- أم - سي.
إننا ولفائدة القضية وأقلام العلاقات العامة نعيد نشر نص البيان الحصيف القاطع وقبله أو بعده وفي إتون الحديث عن مجتمع آمن وأمن مجتمع نشرنا أيضاً الحكم العظيم والقرار القضائي السليم لتبرئة أم أحفاد الراحل العظيم السفير أحمد عبدالحليم الذي غيبه الموت فغاب عن ذاكرة الذين داهموا بيت أحفاده وأولاده غفلة أو بفعل فعلة حق الرجل في حفظ سمعته.. وصون كرامته.. والتعامل مع شأن من شؤون أسرته ان وجد ما يستدعي بكثير من الحيطة والحذر - وستر الحال- قبل ان تحدث كل هذه الضجة.. وكل هذه الإساءات لرجل احسن وأعطى حتى اذا أتى الأمر لاحدى دوائر التقاضي بدا قرارها العظيم وكأنه في جوهره إدانة لمن أدانوا الرجل والأسرة الكريمة وآذوه في سمعته وسيرته وتاريخه وجعلوه وهو في قبره يتآذى ويتقلب ويتعذب!



* العودة لأقلام هؤلاء..!
مرة أخرى- ولا نعتقد انها اخيرة أبداً نعود إلى إخوتنا الجنود المجندين- لحملات العلاقات العامة المخططة والممولة والموجهة في إعتقادنا..! إن ما يهمنا في أمر هؤلاء.. ومن بين هؤلاء هو صديقنا وزميلنا محيي الدين تيتاوي ليس لانه زميل وحسب، وليس لانه رئيس تحرير لصحيفة توقفت على يديه لأسباب يدركها هو وحسب، وليس لان الرجل نال بجهده وعرقه وكفاحه شهادة الدكتوراة وتبوأ منصب عميد كلية الإعلام- التي من المفترض ان تخرج طلاب إعلام وصحافة وعلاقات عامة على نهج وطني سليم وعظيم لا علاقة له بنهج شركات ومؤسسات وجماعات مكاتب وأقلام العلاقات العامة وحسب أيضاً.. بل لأن الرجل ونعني تحديداً الزميل محيي الدين تيتاوي وهو رئيس منتخب لإتحاد الصحفيين السودانيين وكان ومايزال من واجبه إلا يكون طرفاً وعلى هذا النحو التحريضي المكشوف في قضية كقضايا- أمن المجتمع- كجهاز واجب النقد والتقويم وهي سنة استنها سيد الخلق جميعاً في المعنى الذي قاله «لو فعلت كذا وكذا فاطمة بنت محمد لاقمت عليها الحد.».!
إننا في هذه الصحيفة التي تستعدي عليها مجموعة العلاقات العامة كل جماعات ومجموعات الهوس الديني المتراجعة دوراً واثراً بفضل الله ووعي الناس وسوء تاريخها وادوارها القبيحة، وقفنا وعلناً مؤيدين ومساندين لإختيار الزميل تيتاوي رئيساً لإتحاد الصحفيين ومعه من معه من الزملاء الأعزاء ومعهم الزميل المعني- بالعمارة التي سقطت وشخصه الذي قام وكانت وجهة نظرنا في ذلك التأييد والدعم تقوم على أساس فهم بسيط للأمور النقابية في هذه الحقبة من تاريخ بلادنا وهي حقبة يدرك الجميع إنها بالغة الحساسية والخطورة..!
يقول ذلك الفهم - إن النقابات والإتحادات المتوافقة مع الدولة ومع المخدم عامة في هذه الحقبة تستطيع ان تحقق للقواعد بالتفاهم والتقارب والتوافق ما لا يمكن ان تحققه نقابات المظاهرات.. والإضرابات والإضطرابات الحادة التي لا تحقق للعاملين مطلباً ولا تحفظ وتحقق للوطن والشعب إستقراراً ينمو ويزدهر فيه الإقتصاد وترفع عن الناس المعاناة..!
هذه هي القاعدة التي ساندت بها «الوطن» وستظل تساند العمل النقابي الذي يترأس الزميل الدكتور تيتاوي أحد مؤسساته وأهم قطاعاته لا لكي ينبري بقلمه ويجند خبرته وقدرته وموقعه وموقفه في حملة علاقات عامة، بل لكي يسهم في إبعاد البلاد والعباد عن مناخات الهوس الديني التي تريد ان تعيد الأمور في بلادنا إلى أيام- محاكم العدالة العاجزة والمشينة المهينة تلك.. وإلى زمن - الإمام الذي يطير ويحيّ الكرسي المجاور له في الطائرة أو المحافل بل ويجبر ويأمر الوزراء وكبار المسؤولين على فعل الأمر نفسه حين يحيون علناً الكرسي الفارغ إلى جوار الرئيس بإعتباره مسكوناً بشيخ يراهم ولا يرونه..!



* كله مكشوف ومعروف..!
إن السودان هذا والخرطوم هذه من الذكاء والبعد عن الغباء بحيث لا يمكن تضليل ساكنيه وساكنيها باحاديث فجة ومكررة وبالغة الصفار والبوار عن الدين والتدين والأخلاق والخوف على الناس والقيم..!
ذلك لان للكل في هذا البلد - خاصة اللاعبين فوق ميادين العمل العام السياسي منه والإجتماعي والإقتصادي والديني ملفه وأوراقه.. وسجلات ماضيه..!
ولهؤلاء نقول قولة أخينا علي الحاج محمد المشهورة - خلو الطابق مستور.. وأبعدوا عن الكلام في المحظور.. ولا ترموا الناس بإتهامات وشبهات باطلة ستقابل بامور وعيوب ومخازٍ حقيقية ان دعا الأمر..!



* هذا تحذير قاطع..!
إن هذا وبكل وضوح وفي ظل الحريات المتسعة ووجود كل إمكانات الدفاع عن.. أمن آمن ومسؤول وعميق للمجتمع والناس على نحو ماذكرنا وعددنا وحددنا تحذير قاطع.. وإنذار ساطع لأقلام وجماعات العلاقات العامة وشراذم الهوس الديني التي حسبنا ان وجودها انتهى.. وان دورها إندثر.. وان تحريضها على العنف المهووس قد تحول إلى عقل أو على الأقل صمت وتراجع، وان ما فعلته في مسجد الجرافة.. والفنان الشهيد خوجلي عثمان.. وحادثة «الكامبي عشرة» في الجزيرة وغيرها وغيرها ستتوب وتثوب عن تكراره وان فظاعات محاكم العدالة الناجزة وإذاعات الليل والنهار القبيحة تلك.. ومقتل الشهيد محمود محمد طه كلها أمور قد إنتهى زمانها وذهب وإندثر آوانها...!
ولكن يبدو ان للحية الرقطاء الصفراء بقية من روح يحاول الزميل تيتاوي وبعض مقاولي العلاقات العامة تنشيطها وبث الروح فيها من جديد بعد قربها من الموت والإندثار ودفنها في مزابل التاريخ غير مأسوف عليها..!




* قرارات لابد منها..!
إنني وعلى طريق الأوامر الجمهورية.. والقرارات العسكرية التي يموت فيها وفي تأييدها الزميل تيتاوي والذين معه.. وبإعتباري صاحب الكلمة والقرار في هذه الصحيفة وفقاً للقانون الحكومي الذي يؤيده ويسانده ويشرعه الأستاذ محيي الدين تيتاوي أقرر ما يلي:
1- سحب إعترافي الشخصي والمهني بقيادة تيتاوي ورئاسته لإتحاد الصحفيين السودانيين إدانة وإستنكاراً لإنخراطه في حملة العلاقات العامة التحريضية الطابع تلك والداعمة بسفور تام لحملات الهوس الديني تلك..!
2- أقرر منعه من الكتابة - عموداً.. أو مقالة- أو تصريحات من على صفحات «الوطن» المسخرة لخدمة الوطن والمواطن وليس لخدمة مرتكبي الأخطاء الكبيرة الذين يسارعون للبحث عن مكاسب وأشخاص علاقات عامة للدفاع عنهم على نحو ما يحدث الآن من محاولات تحريض وترويض وتخويف لصحيفة.. ولصحفيين أعطاهم الشعب العظيم كل هذا القدر من الإحترام والحب.. والتقدير والإعتراف المعلن بالدور والرسالة والشجاعة ومنازلة المخالب والعناكب وذوي الملفات التي ان فتحت سيكونون هم الأولى بمداهمات ومحاكمات وملاحقات «أمن المجتمع» الباحث عن دور ودار ووطن للفضيلة والأخلاق من خلال أهداف وغايات لا نختلف عليها وان إختلفنا في الأسلوب المؤدي إليها..!
وأخيراً.. ان هذا الذي قلته.. وقررته.. وأعلنته كحكم صادر من «محكمة الرأي العام هذه» بشأن الزميل محيي الدين تيتاوي وبقية مجموعة حملات العلاقات العامة ومكاتبها وكتابها ودعاتها هو بمثابة إنذار وتحذير لبقية قلاوزة وجهابذة الهوس الديني، وبعض كتاب «الأعمدة» في هذه الصحيفة التي أتاحت لهم ما لم يتيحوه هم لغيرهم يوم ان كان بيدهم القرار وتحت إدارتهم وقيادتهم الصحف والمواقع الإعلامية التي إنهارت مهنياً وتاريخياً وشعبياً..! مثلما انهارت عمارة الرباط ..!
ولهؤلاء نقول - إن الدرس والمدرسة - في هذا الذي تحقق لكم من خلال حرية التقيؤ على الورق أحياناً لن يتواصل إلى الأبد.. فقد وصلت الرسالة على أساس الفهم والهدف والغايات المذكورة في الفقرة السابقة.. ولهؤلاء نقول.. لا تزايدوا علينا في حب الوطن وسلامة المجتمع وأمنه.. لا تجرونا إلى معارك قديمة لا تشبه المرحلة والتحديات.. إستغلوا مساحات الرأي والحركة الممنوحة لكم فيما ينفع الناس ويوحدهم.. وإبتعدوا تماماً عن محاولات ومساعدة رقطاء الهوس الديني السامة..!

عيب .. أيّها النقيب ..!
هذا ماقاله تيتاوي عن زملاء له لهم رؤية مختلفة عن رؤيته لدور ومهام بعض الاجهزة الأمنية حيث لاخلاف معها على الغايات ولكن الخلاف على الأساليب والنتائج الناجمة عنها ...!
وبعد تيتاوي وأمام المسؤولين عن أمن وأمان الناس لاحت بوادر العنف والتطرف وظهر بعض الذين تاورهم الحنين لزمن مسجد الجرافة .. وخوجلي عثمان .. وكمبو عشرة في الجزيرة ومحاكم العدالة الناجزة وبقية عهود الهوس الديني الذي أوصلنا الى مايشبه الغزو الاجنبي الذي من وجوده يتباكى البعض ..!



http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=98&bk=1
__________

Post: #439
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 04:24 AM
Parent: #438


نهاركم سعيد

مكي المغربي
كُتب في: 2007-02-28



جامع وجامع.. والسبب نافع..!
تمنيت كثيراً أن أجلس مع هذا الرجل العالم الزراعي الذي تخصص في علم الـ(Breeding) وهو (الانسال الزراعي) باستخراج سلالات متطورة من النباتات بتعديل صفاتها لتصبح أكثر ملائمة لظروف الطبيعة وأفضل انتاجية من أسلافها، وبعيداً عن السياسة التي صار الرجل قطباً اساسياً فيها فالرجل يعرف في غير تخصصه علوماً أخرى معرفة جيدة وأن كان قد مر عليها مروراً عابراً بغرض الإطلاع والإهتمام وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء!

{ والدكتور نافع علي نافع نائب رئيس المؤتمر الوطني للشؤون السياسية والتنظيمية ومساعد رئيس الجمهورية يتعرض لاذى شديد وبصورة مستمرة من معارضي الانقاذ للدرجة التي انشغلت بها شخصيات سياسية معارضة كبيرة عن نقد الانقاذ نفسها.. لأن المتهم ليس الإنقاذ إنما د. نافع عالم الانسال الزراعي!

{ وآخرين تطرفوا في عدواة الرجل حتى صار من المحبذ لديهم مدح قادة الانقاذ الآخرين والثناء عليهم وتكلف حالة من (الضدية) لتصبح كل الانقاذ جميلة ورقيقة مثل هبات النسيم.. ود. نافع هو الرجل الخشن الوحيد!

{ ومن داخل الانقاذ نفسها هناك (برزخيون) و (خلاسيون) خطفوا لوناً من المعارضة ولوناً من الحكومة.. ولقمة من مائدة و(كّدة) من دومة.. هم أيضاً (يعجبوك) في الأفكار البرمائية!

{ والساحة السياسية فجأة تحولت إلى مسرح غريب كله أبطال وكله أضواء وكله كواليس!

{ الصادق المهدي والأحزاب القديمة نسيت أنها هي التي راق لها حل الحزب الشيوعي بالبرلمان في اكتوبر وشرعوا في استئصال وجوده الشرعي من الساحة وصاروا متطرفين ضده أكثر من الاخوان المسلمين!

{ والشيوعيون نسوا أنهم دشنوها ثورة حمراء دموية في مايو العسكرية الشمولية.. ثم خرجوا منها بعد أن جعلوا من الضيافة مقبرة ومن جامعة الخرطوم مربطاً للدبابات!

{ والجمهوريون نسوا أنهم أيدوا ضربة الجزيرة أبا وقتل الانصار ومطاردتهم على الحدود واغتيالهم!

{ وما كتبه محمود محمد طه مناصراً لمايو التي شرعت في إبادة (الرجعيين) شاهد على ذلك!

{ والاتحاديون نسوا أنهم طبخوا وسبكوا مذكرة الجيش مع اليساريين لاخراج الإسلاميين من السلطة عنوة ومنعوا بذلك د. حسن الترابي مبرراً فقهياً لاقامة الانقاذ بالفتوى القاطعة للخلاف!

{ حتى د. عبد الله حسن أحمد نسى كل هذا وقال في الحوار معه بالخط العريض (نافع كلامو ناشف)!

طيب يا دكتور هل يقطر كلام الشيخ حسن بالشهد والعسل.. أم أنه يقول الكلمة فيثور موسم من الاصطباح والغبوق على السفرية من بعد حديث الشيخ!

{ والشيخ حسن قال كلمات قبل ثلاثين سنة ما زالت ناشفة حتى الآن!

{ كل الاحزاب تريدنا أن ننساها وننسى مراراتها وندخل في حالة من القلق القومي لردود د. نافع على الافعال الصغيرة التي تقوم بها المعارضة!

{ وكل الأحزاب تريد ان تشغلنا بضرورة تأخير الحل السوداني الجامع متعللة بأن مشاعرها الرقيقة حساسة تجاه نافع.. للدرجة التي اقترحوا فيها (الحل الجامع) بتجاوز المؤتمر الوطني..! طيب كيف يكون جامع؟! ولو بقليل من المنطق.. كيف؟!

{ أعزائي في المعارضة.. خير لكم ألف مرة أنصاف هذا الشعب وأنصاف قواعدكم بممارسة سياسية مسؤولة بدلاً من إهدار الزمن الوطني في (شخصنة) السياسة في د. ناف



http://www.alwatansudan.com/index.php?type=6&col_id=26&issue_id=323&bk=1
___________

Post: #440
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 04:25 AM
Parent: #439


نهاركم سعيد

مكي المغربي
كُتب في: 2007-01-21



السودان .. بلاد واسعة
جدا و خيارات ضيقة جدا
عبد القدير خان صانع البرنامج النووي الباكستاني يقول أنا لا أسوى أي شيء أمام محجوب عبيد طه ... رحمة الله عليك يا محجوب فلو كنت حيا لأوسعونا عقوبات بناء على حديث عبد القدير ..!
و عبد الله الطيب كان أعلم أهل الأرض باللغة العربية و كان ملك المغرب ينتظر زيارته بفارغ الصبر و يستمع له حتى نهاية الدرس في المسجد ثم يصطحبه للخارج و يفتح له باب السيارة و الحاشية منبهرة من هذا التواضع الملكي الإستثنائي الذي لم يحدث حتى مع علماء المغرب .. رحمة الله على عبد الله الطيب و على كثيرين لو كانوا أحياء لطالهم قرار حصاد المعاشيين ..!
صفوف سودانية من الكوادر العلمية و الدراري الأكاديمية و الأمناء و التكنوقراط فتحنا لهم أبواب المنافي الطوعية ليهربوا خارج السودان أو كان أقصى عطائنا لهم هو مكرمة حكومية بالأدوية المنقذة للحياة بعد أن تزورهم الصحف و تكشف حالهم ..!
عزيزنا الدكتور عبد الوهاب عثمان رئيس هيئة رعاية الإبداع العلمي .. إما أن تلجم هذه المأساة كما ألجمت الدولار من قبل رغم أنف ( لوبي الإعفائات) و الماسونية و سوء النية و أما أن تنصب صيوان عزاء في الفسحة الضخمة جوار الهيئة في أركويت ..!
{الحزب الجمهوري السوداني .. إنه ليس فرعا للحزب الجمهوري الأمريكي ليس لأنه ضد أمريكا و لكن لأن برنامجه أقرب للتحالف مع الديمقراطيين و اللبراليين في بلاد العم سام .. و هو الحزب الوحيد الذي يستحق تصنيف اليسار الإسلامي إذا أخضعنا التحليلات لهوس المصطلحات .. و لدى الحزب مآثر سياسية بصمود محمود محمد طه أمام المحكمة و المشنقة و مخازي سياسية لتأييده مذبحة الجزيرة أبا .. وهذا الحزب لديه بريق فكري أخاذ و جدل بمستوى ثقافي مرتفع و لديه مشاركات قميئة مع الشيوعيين في إغتيال الشخصية كممارسة سياسية ضد المد الإسلامي .. و على هذا الحزب ( ملاحيظ )أخرى كثيرة ..!
أنا شخصيا أدعو زعيم الحزب المعلن عنه أمس الأول لحوار صحافي على ضوء هذا الإمتحان المكشوف ..!
{عدد كبير ممن اشتروا ( البطاطين ) في هذا الشتاء أحسوا بأنها مستعملة .. و هذا صحيح فالسوق السوداني أفسدته قمامة الخليج التجارية و الحاويات التي تباع في دبي بالمجان بغرض تنظيف الميناء و المخازن .. و للمعلومية كميات من الموكيت و السجاد تستبدلها الأسر الخليجية في كل عيد بالجديد و تأخذ المحال التجارية القطع القديمة لغسلها بالشامبو المخصص للسجاد و إعادة بيعها .. أنا شخصيا أعتقد أنه لا مانع من شراء المستعمل و لا التجارة فيه بعد غسله و تعقيمه و لكن من غشنا ليس منا..!
{منصور ( منصفون ) رجل الأعمال و تاجر الالكترونيات الشهير و الخرطومي المتمدن .. الذي كان يدخل أحدث الأجهزة قبل أن يعرف المهندسون المختصون أسمائها و هو أول من أسس لنظام نفايات أهلي بجمع الإشتراكات و تأجير سيارات نفايات في الثمانينات ثم تركه بعد الإزعاج الحكومي و الشعبي .. كما ترك حملات التشجير و إصحاح البيئة الطوعية .. لديه الآن كلام حار جدا جدا حول إخفاقات كثيرة و لديه مقارنة واقعية و إجتماعية لثقافة العمل و مكافحة العطالة بين السودان و عدد من الدول .. كم اتمنى أن يسجل له السادة بالتلفزيون مداخلة في ربع ساعة تصبح حديث الموسم لباقي السنة ..!
مثل اليوم :
من حل دينو نامت عينو



http://www.alwatansudan.com/index.php?type=6&col_id=26&issue_id=285&bk=1
_________________

Post: #441
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 04:26 AM
Parent: #440


تأملات

جمال عنقرة
كُتب في: 2006-05-18

[email protected]


الجمهوريون والهروب الكبير

اعرف الاستاذ حيدر احمد خير الله منذ نحو عشرين عاماً او يزيد قليلاً واعرف انتماءه لحركة الاخوان الجمهوريين ولكنني ما كنت اعرف أنه مثل كثيرين غيره من الجمهوريين (أن تحمل عليه يلهث او تتركه يلهث) ، حتى وجدته (ينبح) في ثلاث حلقات متتاليات فيما يحسبه رداً على ما ذكرته في مقالي (الجمهوريون خرجوا ولن يعودوا) .. وما كنتُ انوي التعليق على ما يكتب تأسِّياً بـ ( سفينة الصحراء) الذي لا يوقفه (النباح) ولا يلتفت الى (النباحين) والمقالات الثلاث لم اجد فيها شيئاً سوى (النباح) .. اذ أن الكاتب لم يتطرَّق من قريب او بعيد لشئ مما ذكرتُ دليلاً على خروج الجمهوريين النهائي بعد موت استاذهم شنقاً ، ولم يجد شيئاً (يتشعبط) به سوى أن محاكمة المهندس محمود محمد طه كانت محاكمة للفكرة وليست محاكمة سياسية ، فظل يردح بما اسماه الهَوَس الديني الذي يزعم أنه اغتال الباشمهندس .. وهذا امر انصرافي ، فالمهم في الامر أن الاستاذ قد مات دون أن يكمل رسالته وما كان مقدَّراً له في الفكرة أن يموت ولهذا عندما قالت له اخته فاطمة محمد طه : (احسن ليك يا محمود يا اخوي ترجع ، نميري ده حارص) .. ردَّ عليها رده المشهور : (إذن يظهر الامر ضحى) .. وكان يعني ظهور المُعجزة التي تُسكِت خصومه .. وما دام قد مات فليس مهماً إن كان قد مات إثر محاكمة فكرية او سياسية المهم أن الموت قد تم لرسول الرسالة الثانية حتى ولو مات تحت عجلات لوري تراب كالذي ساقه الاستاذ دالى بعد أن خَسِر الرهان ، ويعلم الناس أن دالي قال في ركن مشهور بجامعة الخرطوم عقب محاكمة محمود محمد طه إن الاستاذ لن يموت ، ولو مات سوف اعمل سائق بلوري تراب .. وقد كان .. ثم انسحب دالي من الساحة وهاجر الى امريكا ، وتلك شجاعة تُحمد له .. اما أن يبقى حيدر خير الله (محلك سر) ويعمل بمنطق (الفكي) الذي طلب منه بعض الناس أن يعمل (حجاب) من السلاح لإبنهم المسافر الى جنوب السودان ، فكتب الحجاب وجرَّبه على خروف واخذه الناس وسافر به إبنهم الى الجنوب ، وفي اول معركة مات مقتولاً بطلق ناري ، فعندما جاءوا الى (الفكي) متذمرين قال لهم (الفكي) إن البندقية التي قُتِلَ بها إبنكم غير مرخَّصة .
إن محمود محمد طه رغم أنه رسول الرسالة الثانية للاسلام ، والاسلام الثاني عند محمود غير الاسلام الاول الذي أتى به محمد عليه الصلاة والسلام ، وهي رسالة تلقَّاها مباشرةً من ربه بعد سِدرَة المنتهى حيث لا حيث ، وعند لا عند ، وهي مرحلة لم يصلها نبي مُرسل ولا مَلكٌ مُنزل ، وعندها يزعم فيها محمود أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له : (ها انت وربك يا محمود) .. مثلما قال جبريل للرسول الخاتم : (ها انت وربك يا محمد) .. ومعلوم أن الرسول «ص» عندما سأل جبريل عليه السلام : (أهذا مقام يفارق فيه الخليل خليله ؟) .. رد عليه جبريل : (هذا مقامي لو تقدمتُ لاحترقت ولو تقدمتَ انت لاستضئت بنور ربك) ... وهناك اعطى الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة بدون واسطة جبريل .. ويقول محمود محمد طه إن المتبوع جبريل في حالة الرسول «ص» والنبي الكريم في حالة محمود محمد طه يقف لسببين الاول انتهاء مقامه والثاني مقام الالوهية لا يراه شخصان .
فلذلك قال له الرسول صلى الله عليه وسلم : (ها انت وربك يا محمود) .. وبهذا الفهم يزعم محمود محمد طه أن مقامه فوق مقام النبي عليه افضل الصلاة وازكى التسليم وهي اللحظة التي سقط فيها التقليد عن محمود وحقق شريعته الفردية وصار الشاهد عين المشهود ، فلم تعُد صلاته ولا كل عباداته هي عبادات المؤمنين والمسلمين من اهل الرسالة الاولى التي عندنا هي خاتمة الرسالات .. (اليوم اكملتُ لكم دينكم واتممتُ عليكم نعمتي ورضيتُ لكم الاسلام ديناً) .. وهي رسالة بلَّغها رسولنا «ص» كاملة واشهدنا على ذلك والله خير الشاهدين (ألا هل بلَّغت ، اللهم فأشهد) ..
وكان محمود محمد طه يزعم أن رسالته الثانية المربوطة برسولها الاصيل سوف تبلغ غايتها ولذلك لم يدانيه اى شك في الموت شنقاً او حرقاً او اي شئ آخر قبل تبليغ رسالته ، وكان اصحابه يؤمنون بذلك ، فعندما مات و(شِبِع موت) بان بُطلان الفكرة وتشتت الجمهوريون وصار بعضهم يتصيَّد المناسبات للاحتفاء مثل عودة السيدة آمنة لطفي او ذكرى اعدامه ، وبعضهم مثل حيدر احمد خير الله يجد له عظماً طائراً كالقول بأن محاكمة محمود كانت محاكمة للفكرة وليست محاكمة سياسية فيترك كل شئ ويمسك بالعظم ويظل (ينبح) كما فعل في مقالاته الثلاث وهو (نباح) لا يُغيِّر من الامر شئ .. محمود قد مات وبموته سقطت الفكرة وخرج الجمهوريون بلا عودة ...



http://www.alwatansudan.com/index.php?type=6&col_id=6&issue_id=97&bk=1
____

Post: #442
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 04:27 AM
Parent: #441



بعد .. ومسافة

مصطفى ابو العزائم
كُتب في: 2006-05-06 بريد إلكتروني: [email protected]



حوار الشيخ .. والعقبة !...

لحظة الحيرة الشديدة ، وإنصراف العقل عن إيجاد حل لمعضلة كبيرة ، يقول الناس ـ عادة ـ (وقف حمار الشيخ في العقبة) ، فلا هو غزال ليقــفز قفزة كبيرة ، ولا هو نسر يملك أجنحة تجتـــاز به (المطب) الذي يواجهه !...
وبالأمس أجرى زميلنا الصحفي الكبير الأُستاذ صلاح عووضة ، حواراً إستثنائياً ـ كما أعتقــــد ـ مع الشــــيخ الدكتور حسن التُرابي تناول فيه قضايا عديدة ، وقدَّم من خلاله الشيخ إفادات ساخنة حولها .
ورغم أن الجزء المنشور من الحوار لم يتناول ما أطلقه الشيخ الدكتور حسن التُرابي مؤخراً من آراء فقهية أثارت جدلاً واسعاً داخل وخارج السودان ، حتى أن البعض حاول تكفيره بسببها ، ورغم أن المحاوِر ـ بكسر الواو ـ أراد إستجلاء حقائق تاريخية ، وإعتمد على أسلوب (الفلاش باك) في فتح خزائن المعلومات والأسرار داخل عقل الشيخ التُرابي ، رغم ذلك فإن الحوار كان ممُتعاً وجاذباً ، وربّما يثير من الجــــدل أكثر مما أثارته آراء الشيخ الفقهية ، التي قد يتفق معه حولها البعض أو يختلف !!...
ولا أعتقد أن الأُستاذ صلاح عووضة بوصفه صحفياً محاوراً قد صدَّق ما ذهب إليه الشيخ الدكتور حسن التُرابي ، ولا كل من قرأ ذلك الحوار أيضاً ، عندما قال بأنه كان مع بســــط الحُريات وبــــسط التعليم والإتصال في حين كان غيره ضد ذلك ، وهذه النُقــــطة سنــــعود لها في آخر هذه الزاوية .. كما لا أعتقد أن أحداً ـ سوى الشيخ نفسه ـ سيصدِّق أنه كان ضد إعدام الأُستاذ محمود محمّد طه في أُخريات العهد المايوي ، وهذه النُقطة سنعود لها في نهاية هذه الزاوية قبل الختام .
وعندما أقول أن الأُستاذ عووضة (ربّما) لا يصدِّق كل ما ذهب إليه الشيخ التُرابي ، فإنما أعتمد في تقديري ذلك على أمرين ، أولهما أن الرواية غير منطقية ، أما الثاني فهو ما ذهب إليه عووضة نفسه ، عندما قال متســــائلاً وساــــئلاً : (ولكن كيف لنا أن نفهم ذلك ؟! ... فربما من الصعب تصديق أن التُرابي الذي كــــان ما كان في الإنقــــاذ ، تحدث أشياء من وراء ظهره ـ وإذا صدق هو فكــــيف نفهم حكاية أنك كنت مهيمناً على نظام الإنقاذ ، وكُنت الرجل الأول فيها من حيث الأبوة الروحية ؟) .. إنتهى تساؤل وسؤال عووضة !!...
إذن حديث الشيخ التُرابي وإفاداته الساخنة إنما يعبِّران عن غيظ وحنق ـ ربّما ـ لاقصائه عن سُدة السُلطة المُطلقة ، وفطمه عنــها (قســــرياً) لذلك جــــاءت تعبيراته تجــــسيداً للمرارات لأنه يعيق عملهم !!!....
وأعتقد أنه لا صلاح عووضة ، ولا أنت أو أنا أو اي من أفراد الشعب السوداني سيصدِّق ما قاله الشيخ بأنه كان مع بسط الحُريات إبان سطوته وقوته وجبروته ، حاكماً متمكناً في فترة العشر سنوات الأولى من الإنقاذ ، لأن الإنفتاح لم يحدث إلاَّ بعد أن ذهب ، ولأن دائرة الحُريات (المُغلقة) لم تكبر او تتسع إلاَّ بعد أن أُبعِد عن مــــقاعد صناعة القرار ، وهذا يدحض ما ذهب إليه وأشـــرنا إليه من قبل ...
كما أن أحداً لن يصدِّق أن الشيخ كان ضد إعدام الأُستاذ محمود محمد طه الذي حرَّك إعدامه كل الغرب العلماني والمسيحي ، اللهم إلاَّ إذا كان الشيخ قد اراد إسترضاء الغرب وإعلان التوبة عن مشاركته في أمر إعدام الأُستاذ محمود ، أقول ذلك وأشرطة التسجيل التلفزيونية موجودة على ما أعتقد ـ وأرشيف الصحافة كذلك ، وكلها تقول بأن الشيخ الدكتور حسن التُرابي كان وقتها هو أكبر مسؤول في الدولة يقف على أعتاب المشــــنقة ، يشــــهد إعدام الأُســـــتاذ محمود ، وأنه لم يحــــتمل الأمر إذ أُغمى عليه لحــــظة الإعدام لكنه كان موافقاً ومؤيداً ومبـــاركاً للشنق على كل حال !!....



http://www.alwatansudan.com/index.php?type=6&col_id=4&issue_id=86&bk=1

Post: #443
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 04:28 AM
Parent: #442


شهادتي لله

الهندي عز الدين عمر
كُتب في: 2006-03-07

[email protected]


الاستاذ/ الهندي عز الدين

تحية وسلام من عهد السلام

طالعت مقالك بصحيفة الوطن التي هي «الوطن» الصادرة في يوم السبت 18 فبراير 2006 العدد 1000 بعنوان «سلفا وربيكا والخروج من الباب الخلفي»..! والذي تحدثت فيه عن زيارة سلفاكير لامريكا، كما استفضت في حديثك عن زيارة ربيكا (المرأة الحديدية) لامريكا ايضاً عقب زيارة سلفا في الايام الفائتة وعن علاقة الحركة الشعبية بامريكا وماذا قالت ربيكا هناك ولماذا ذهبت وماذا فعلت وتركت وماذا وماذا..!!

فيا عزيزي اللائم والنائم انت تعلم ان البلاد وعقب توقيع اتفاقية السلام على الورق وبعد وفاة الدكتور جون قرنق تباطأ ايقاع تنفيذ بنود اتفاقية السلام وكاد ان يختل لولا حنكة ودراية القائمين على الأمر بجانب دعوات بني وطني.. تستمر عجلة السلام في دورانها ولاتنكر- الدور- الضلع الاكبر لامريكا في انفاذ عملية السلام بين الحكومة والحركة... اذ اين الضرر في ذهاب الحركة لامريكا.. وهل حرّمت امريكا على الحركة بعد توقيع الاتفاقية؟؟ سؤال آخر برئ ترى لوذهب علي عثمان أو آخرين من المؤتمر الوطني هل يكون رد الفعل كما كان؟؟

على حسب علمي ان الصحافة هي مهنة البحث عن المتاعب لذلك الصحف الصفراء في هذه الايام تناولت موضوع زيارة ربيكا بنهم شديد علماً بان البلاد في هذه الفترة الحرجة لاتستحمل مثل هذه المقالات الصفراء.

قبل صدور مقالك بيوم سأل الأستاذ طه النعمان السفير جمال محمد ابراهيم عن طبيعة الزيارة ودور الخارجية في ترتيبات الزيارة وكانت الردود حاسمة لأي لفظ سائد. ترى لأنه رجل دبلوماسي ام لانه فآآآهم؟ «والاثنان نعمة وقسمة من كريم» وما ان يصبح الصبح حتى تأتي أنت ايها الهندي لتأتي بعاليها سافلها كما يقولون متحدثاً باسم الشفافية ومحاسباً بها ايضاً. تلك الشفافية التي اوجدتها لك الحركة هي وكثير من الحريات الأخرى أين تلك الشفافية من قبل؟ اتحاسب الحركة لانها طالبت بنصيبها في البترول أم صاحب الستة عشر عاماً والذي لايحتاج إلى اجتهاد في المحاسبة او لفت نظر.

ياعزيزي الهندي حينما تطالب الحركة بنصيبها من الثروة «والذي تأخر» ثق تماماً بان ذلك ينصب في مصلحة الوطن والمواطن لا في مصلحة شخصية والدليل على ذلك الواحد وعشرون عاماً المضت من أجل تغيير... وتوفير... انت تعلم كما يعلم غيرك.

ياصاحب عمود شهادتي لله لاتنكأ الجرح بعد ان طاب ودع بلادي تضمد باقي الجراحات لتنعم انت وننعم معك.

شاكر مختار

ودمدني

من المحرر

شكراً للاخ «شاكر» على التعقيب (غير الموضوعي) فنحن نرحب بالرأي الآخر، ونفتح صدرنا له ـ دائماً حتى ولو كان ركيكاً ضعيفاً مثل هذا الذي ننشره اليوم أعلاه.

اولاً: ياعزيزي نحن لم ننتقد سفر السيدة «ربيكا» لامريكا، نحن نرحب بسفرها إلى «واشنطون» اليوم، وغداً، وبعد غد، ولكننا نرفض ان تخرج ربيكا من (باب السودان الخلفي)، ثم تذهب إلى هناك لتطعن في اتفاقية السلام،وجدية الذين أتوا بها، وصاغوها، وأخرجوها للناس بعد تفاض عسير امتد لأكثر من ثلاث سنوات في المدن والمنتجعات الكينية ثم من الذي أتى بالاتفاقية؟! الحزب الجمهوري؟! السيدة «ربيكا» انطلقت إلى المنابر الاميركية تحدث (سادتكم الامريكان) بان الاتفاقية لاتسير سيراً حسناً، وان وزارة المالية الاتحادية لم توف بالتزامها، ولم تسلم حكومة الجنوب نصيبها من عائدات البترول، وها هي الصحف الصفراء، والحمراء، و(البيجية) تخرج على الناس أمس الأول (الأحد) لتؤكد على السنة وزير الدولة بالمالية (حركة شعبية) ووزير مالية الجنوب، ووزير الدولة برئاسة الجمهورية السيد (تيلار) تؤكد بعد اجتماع مشترك في رئاسة الجمهورية بأن حسابات البترول صحيحة، وان (حكومة الجنوب) استلمت نحو (718) مليون دولار، تماماً كما ذكر من قبل وزير المالية الزبير احمد الحسن!! اذن بعض قادة «الحركة» اما انهم لايعرفون، او انهم يكذبون على شعبهم، وعلى شركائهم في امريكا وفي غيرها.

فلتطالب «الحركة الشعبية» بنصيبها في «الثروة» وفي غيرها، ولكن يجب ان تلتزم الامانة والمصداقية والشفافية.

ثانياً: لم اتلق اشادات، وتهاني، وتأييد من عشرات القراء كتلك التي تلقيتها عقب نشر المقال المذكور (سلفا وربيكا والخروج من الباب الخلفي) وانا اعتبر ذلك بمثابة استطلاع رأي لاتجاهات (الشماليين) تجاه قضية الوحدة والانفصال..!

ثالثاً: يا عزيزي «الحركة الشعبية» لم تمنحني حرية لم اكن أمارسها في السابق، أنت لاتعرف شيئاً، ولاتقرأ شيئاً، (الحريات) جاء بها قطاع «الاسلاميين» المستنير منذ عشر سنوات، وصارت واقعاً عايشناه ومارسناه ـ ونحن أدرى به ـ منذ العام 1996م، فلا تهرف بما لاتعرف. و«الحركة» جاءت إلى الخرطوم، ووجدت بها اكثر من (12) صحيفة سياسية (خاصة)، ومثلها اجتماعية ورياضية، ووجدت الندوات والمحاضرات المفتوحة، فأي حريات تلك التي جاءت بها «الحركة» واي شفافية، وهي لم تحدث الناس بشفافية عن حسابات البترول والمبالغ الضخمة التي استلمها قادتها.

اخيراً نهنئك، وانت من منسوبي الحزب الجمهوري بعودة (السيدة الجمهورية الاولى) حرم الراحل الأستاذ «محمود محمد طه » من الولايات المتحدة الامريكية حمداً لله..الف .. على السلامة.



http://www.alwatansudan.com/index.php?type=6&col_id=2&issue_id=55&bk=1
______

Post: #444
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 04:32 AM
Parent: #443


صباح الـخير يا زواج القرن بود مدني..

«أزرق طيبة »وحشود تقدمها الوالى حضرت الحدث الفريد
عقد القران قام على ثلاثة شروط شرعية وقانونية وغير تقليدية
للعروس حق الطلاق وليس للعريس حق الزواج عليها.. وللأجاويد دور وفاقي فقط
البروف عصام البوشي وحرمه سلمى طبقا هذه القاعدة منذ 30 عاماً



المسألة في نظر البروفيسور عصام البوشي ـ والد العروسة صفاء ـ ليست ـ فرقعة إعلامية أو قاعدة فلسفية قديمة يريد أن يحيها البروف، كما أنها ليست ـ بدعة جمهورية ـ أو سياسية..!
ونعني بالتحديد قصة زواج القرن الذي دعاني له البروفيسور عصام البوشي يوم الجمعة الماضي لأغادر الخرطوم إلى ود مدني حيث اصطدت عدة عصافير بحجر واحد..!
وإذا كان أول العصافير هو حضور ـ عقد قران غير عادي ـ فإن العصفور الثاني المرتبط بعقد القران التاريخي هذا هو لقاء الرجل العَلَم والمُعلّم والعالِم شيخنا ـ أزرق طيبة ـ الذي تولى عقد القران والذي كان لحضوره تقوية وتزكية ودعم للحضور الشرعي في قران قد يظن به البعض الظنون أو يعتبره البعض غريباً وخارج المألوف أو أن يعتبره البعض شاذاً، كما أن البعض قد يغالي دون ـ علم أو دراية ويتحدث عن خلل أو خلاف ديني في هذا العقد المبارك بإذن الله..!
أما العصفور الثالث والأكبر فهو عصفور رسمي كبير، بل وأكبر من العصفور وإن كان في حركته وسرعته.. وخفته.. وتنقله من فرع إلى فرع حيث يتنقل صديقنا وابن عمنا الوالي الفريق عبدالرحمن سر الختم من موقع إلى موقع محاولاً إصلاح ما لم تصلحه السنين الماضية البعيد منها والقريب قبل مجيئه والياً للجزيرة التي اتفقنا أنا وهو وجميع العارفين لأوضاعها أنها ـ أي الجزيرة ـ ترمز لكل السودان بقبائله.. واثنياته.. وأسره الكبيرة والمتوسطة والصغيرة..!
ولعلم من لا يعلم فإن الجزيرة ـ ووفقاً لواليها الفريق عبدالرحمن سر الختم ولشهود عدول من كبارها هي الآن ودائماً ومستقبلاً بإذن الله الرقعة والبقعة الخضراء الأكثر أماناً وأمناً في كل السودان..!
ذلك لأنها تجمع كل قبائل السودان وأهل السودان ـ وطرقه الصوفية وأشكاله الاثنية ولغاته.. ولهجاته.. ومع ذلك فإن هذه «البانوراما» البشرية الخلاقة تعيش وتتعايش وتنتج.. وتتطلع إلى أن تعطي السودان مستقبلاً أكثر مما أعطته سابقاً وما تحاول أن تعطيه الآن..!
وعودة لمائدة العقد المبارك الذي شرّفه الوالي الفريق عبدالرحمن سر الختم وتوسطه أزرق طيبة والعم ـ مجذوب ـ جد العروس، ووالدها البروفيسور عصام البوشي وآلاف الناس الذين احتشدوا لحضور عقد قران غير عادي بمنزل البروف بالحي الراقي على شاطيء النيل العظيم.. فإن للحكاية أساساً تاريخ قديم من حيث الإرث الأسري..!
ففي العام 1978 ـ أي قبل نحو ثلاثين عاماً مضت ـ وتحديداً ـ إن لم تخني الذاكرة ـ في نوفمبر من ذاك العام تم أيضاً عقد قران غير عادي بين والد العروس البروفيسور عصام البوشي عميد وأحد أبرز مؤسسي كلية مدني الأهلية، ووالدتها السيدة المحترمة ـ سلمى مجذوب ـ إذ كان المهر ـ جنيه واحد ـ وكانت معظم القواعد التي تم وفقها زواج ابنتهما المهندسة «صفاء» في العام 2007م..!
ويومذاك أي منذ نحو ثلاثين عاماً فعلت الصحف السودانية خاصة جريدة «الصحافة» ما فعلناه نحن الآن من اهتمام وأهمية ـ كما أن مجلة «صباح الخير المصرية» اعتبرت ذاك الزواج حدثاً عربياً وإسلامياً كبيراً ـ وإن لم تخني الذاكرة ـ كتب عنه أحد كتابها وربما الصحفي يوسف الشريف المهتم بشؤون السودان حتى قريب تحقيقاً صحفياً رائعاً..!
مرة أخرى نقول ووفقاً لواقع ووقائع ومقولات البروف عصام البوشي إن عقد القران هذا الذي هز ود مدني ونال إهتمام كل مَنْ سمع به من أهل السودان هو ـ رسالة للجيل ـ أو هو كذلك خروج عن مألوف برأي والد العروس وغيره الكثير من الناس ـ هو مألوف ألفه الناس ـ دون أن يراجعوه وفقاً للدين الذي يقول البروف إنه أعطى مثل هذه الحقوق للمرأة قبل ما يزيد على الـ14 قرن هي عمر تبليغ رسالة وشرع الله لخلقه حيث تنازل بعض الناس عن هذا الحق الشرعي أو تجاهلوه وربما جهلوه..!
ولقد ألقى والد العروس البروف وهو يقدّم لعقد القران كلمة عميقة الدلالة ـ شرح فيها كل ما هو متصل بمثل هذا القران القائم على مسألة ـ التعاقد ـ والشروط أو لنقل إتفاق طرفي التعاقد بكل رضا.. ووفاء.. وإتفاق يتوقع له التوفيق بإذن الله..!
إن عقد قران المهندسة صفاء من المهندس عصام قام على ثلاث قواعد ذكرها.. وبررها وعدّدها والد العروس في كلمته الأمينة الرصينة وهو يعقد قران كريمته..!
أولاً: ووفقاً لما هو منشور هنا ضمن هذه ـ التحية ـ فإن للعروس حق الطلاق مثلما هو للعريس..!
ثانياً: ليس للعريس الحق في الزوجة الثانية، وهو حق شرعي تنازل عنه صاحبه الذي هو العريس وفق عقد الشراكة الزوجية..!
ثالثاً: إذا وقع خلاف بين طرفي عقد القران يتم احضار وسيطين أحدهما من جانب العريس.. والآخر من جانب العروس ويبحثا أسس وأسباب الخلاف، ويحاولا إصلاح ذات البين، ولكن لا يكون رأيهما أو قرارهما ملزماً أو مانعاً لطلب الطلاق..!
ولقد زرت البروفيسور عصام البوشي ثاني يوم عقد القران بمكتبه بكلية ود مدني الأهلية حيث وقفت على تجربة جامعية هي الأخرى فريدة أو متفردة وتشبه الرجل الذي كان زمانه الجامعي هو ـ نجمه وبطله وأميز طلابه ـ فالبروفيسور عصام ووفقاً لمقولات ومعلومات يشهد الله لم اسمعها منه أو اسأله عنها كان هو ذاك الطالب الجامعي بجامعة الخرطوم الذي نبه أساتذته في الخرطوم وبريطانيا إلى خطأ أو لبس في مادة الرياضيات، فإذا بالامتحان يعاد إلى لندن ليراجع من جديد، وليصبح الطالب عصام البوشي نجماً من نجوم علوم الرياضيات ومكان تقدير واحترام أكاديميي بريطانيا والسودان..!
وفي كليته الأهلية التي قامت الآن على جهده وجهد آخرين من أقرانه أهل مدني العظيمة يقول البروف عصام في ـ دردشة ـ معي إبان زيارتي لكليته أمس الأول..!
يقول إن التعليم يقوم على ثلاث:
1. التعليم الحكومي.
2. التعليم الخاص.
3. التعليم الأهلي.
والأخير هذا هو الذي تقوم عليه كلية مدني الأهلية هذه حيث تبلغ المصاريف قدراً لا يقارن ببقية الجامعات والكليات الخاصة التي تتراوح رسوم الدراسة لديها ما بين الـ6 آلاف دولار والثلاثة آلاف أو يزيد أو ينقص بينما تبلغ تكلفة الدراسة في كلية مدني الأهلية مليوناً واحداً مع وجود منح دراسية بالمئات أو العشرات لطلاب دارفور وبقية ولايات السودان المنكوبة بالحروب والأوضاع غير العادية..!
كذلك تصرف الكلية كل عائداتها ـ المتواضعة هذه على تطوير مبانيها وزيادة كلياتها التي تتزايد الآن بين كل عام وعام..!
مرة أخرى وعودة إلى زواج القرن قال البروف إن الشروط التي اشترطت هي شروط تجد سندها الديني من الشريعة الإسلامية السمحاء التي تحرص على كرامة الإنسان، امرأة كانت أو رجلاً..!
كما تجد سندها القانوني في الأحوال الشخصية للمسلمين لعام 1991، الذي تنص المادة 42«1» منه على ما يلي:
«الأزواج عند شروطهم إلاّ شرطاً أحل حراماً أو حرّم حلالاً، والمادة 42 «3» التي تنص على ما يلي: «لا يعتد بأي شرط ما لم ينص عليه صراحة في عقد الزواج» مقروءة مع المادة «5» التي تنص على العمل بالراجح من المذهب الحنفي في حالة عدم وجود حكم في أي مسألة..!
كما تجد سندها القضائي ـ والحديث لايزال للبروف عصام البوشي ـ من تطبيق القضاء السوداني لهذه الشروط..!
إن هذا العقد الميمون بإذن الله ليس عقداً عادياً بالطبع.. ونحن وغيرنا لا نتوقع له من ناحية الإهتمام أو القبول أو التفهم سيراً عادياً، كما أننا لا نشك أنه سيمثل نقلة تاريخية قد تشكّل كل أو بعضاً من ضربة البداية نحو مفهوم ومراسم وقواعد جديدة للزواج عامة وعقود القران خاصة، في زمن تغيّر فيه كل شيء وتم تحديثه وفقاً للشريعة الإسلامية بمفهومها العميق والمتطور، وليس المطوّر، إذ ان الشريعة لا يطوّرها بشر بل مطلوب من البشر أن يطوّروا عقولهم ومفاهيمهم لينعموا بها وبمقدراتها وقدراتها على حل ومعالجة وتنظيم كل نواميس وقواميس حياتهم..!
إذن مبروك للعروسين.. وللوالدين.. وللجميع..!



**



تلاه والد العروس بالميكرفون
النص الكامل لشروط زواج القرن بمدني
هذه هي الورقة التي تلاها والد العروس البروفيسور عصام البوشي كقاعدة أو شروط وافق عليها العريس وتم بموجبها الزواج الميمون بمدينة ود مدني عصر يوم الجمعة الماضية «جعله الله زواجاً موفقاً»
زوجت ابنتي وموكلتي صفاء عصام عبد الرحمن البوشي لموكلك عصام جعفر ميرغني على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى الصداق المسمى بينهما وفقاً للشروط الآتية:
1ـ أن يفوض حق الطلاق للزوجة وتكون الطلقة التي توقعها بموجب هذا التفويض طلقة بائنة بينونة صغرى.
2ـ أن لا يتزوج بغيرها طوال قيام الزوجية بينهما.
3ـ لا يقع الطلاق من اي من الطرفين الا بعد إحالة الخلاف الذي ينشأ بينهما إلى حكمين حكم من أهلها وحكم من أهله، ولا يملك هذان الحكمان حق منعهما من إيقاع الطلاق.

http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=7024&bk=1
_________________

Post: #445
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 04:38 AM
Parent: #444


بصحيفة الوطن يوم الخميس 15/11/2007
=====

بسم الله الرحمن الرحيم

التفويض في العصمة حق شرعي وقانوني أصيل



طالعنا الأستاذ المغربي في صحيفة الوطن السودانية الصادرة بتاريخ ٤/١١/٢٠٠٧بمقال له ، أثار فيه قضية هي من أخطر القضايا الإجتماعية، وهي قضية المراة في الإسلام، على خلفية عقد الزواج المبارك الذي أقامته أسرة البروفسر عصام البوشي لإبنتهم صفاء في ٢/١١/٢٠٠٧ بمدينة ودمدني. وإني، بالإنابة عن أسرة آل البوشي، وأنا صهر لهم، أحيي الأستاذ المغربي وأشكره على تهنته الحارة، والتي أراد أن يؤكد فيها أيضا وشائج القربى التي تربطه بهذه الأسرة الكريمة.
وقبل البدء في مناقشة الآراء التي وردت بالمقال، لا بد لي من الموافقة على ألا يخرج خط الحوار عن" منطقة النفس البارد"، وهذا من السلوك الرفيع الذي وصف به كاتب المقال نفسه، كما أكد توافقه فيه مع البوشي.. ولن ينال البوشي مدح المغربي له في مجاهرته بآرائه المخالفة للجمهوريين، لأن الجهر بالرأي كان مسلك الشجعان في مدرسة الأستاذ محمود محمد طه، والبوشي قد تميز بذلك بين أقرانه! أما إن أراد المغربي أن يوحي للناس بأن للبوشي آراء جوهرية في أصول الفكرة الجمهورية فذلك غير صحيح! لأن البوشي لم ينشرها لا قولا ولا كتابة ..
ومن باب رد الحقوق إلى أصحابها، فإن فكرة عقد القران الذي أبرمه البوشي قديمة، وصاحبها هو الأستاذ محمود محمد طه .. ولإحقاق الحق أيضا، فإن الأستاذ عصام البوشي هو أول الناشرين لتلك الفكرة بقلمه! ويومها فقد سمي مشروع ذلك الزواج " خطوة نحو الزواج في الإسلام". ولقد التزم المشروع التزاما تاما بالشريعة السلفية. ولم يسقط ركنا من الأركان ولا شرطا من شروط الصحة المتعارف عليها في عقد الزواج( الولي والمهروالشاهدان)، بل زاد عليها شرطين صحيحين هما التفويض في العصمة وعدم التعدد ..ولم تكن هنالك ضرورة عملية للدعوة الى المساواة التامة أمام القانون بين الرجل والمرأة ، وهما الطرفان الأصيلان في عقد الزواج، لأن هذا القدر الكبير من الكرامة الذي توفره الشريعة السلفية للمرأة كان منسيا وغير معمول به ..
هذا باختصار شديد ما كان عليه مشروع الزواج الذي دعا الأستاذ محمود محمد طه الشعب السوداني إليه، وطبقه في مجتمعه الصغير، منذ بداية السبعينات من القرن الماضي، لحل أزمة الزواج، بالتخلى عن مظاهر الإسراف والمغالاة في المهور، وتحقيق الكرامة للمرأة العصرية في إطار الشريعة السلفية ..
واليوم، فإن الأستاذ عصام البوشي، بتطبيقه لهذا العقد الفريد، قد أزال الغبار عن مشروع قديم نسيه الشعب، وتخلى عنه الجمهوريون، بدون تبرير مقبول، منذ نهاية الثمانينات من القرن الماضي!! وفضل البوشي في هذا العمل هو تقديمه لنموذج الإنسان المثقف الذي يلتزم بتطبيق ما يفكر ويقول! وهو في هذا العمل قد إستغل ذكاءه الفطري وشجاعته في الرأي وأسلوبه العلمي في تمحيص الأشياء وسد الثغرات، فلا غرو أن جاء عمله مؤيدا بالشريعة والقانون والقضاء. وقد ورد في كتاب قانون الأحوال الشخصية لمؤلفه الدكتور إبراهيم أحمد عثمان، قاضي المحكمة العليا، في المادة ٤٢ بصفحة ٢٦ أن:" الأزواج عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا". وقد بين الدكتور القاضي إبراهيم في شرحه لهذه المادة، أن القانون قد أخذ بمذهب الأحناف" الذين يجيزون أن تشترط المرأة ألا يسكنها مع أهله، وألا يسافر بها سفرا بعيدا إلا بإذن أهلها، وألا يتزوج عليها". أما في أمر الطلاق فقد جاء في صفحة ٤٦ من نفس الكتاب المذكور أعلاه أن المادة(١٣٢ ) من القانون قد قررت" أن الطلاق يقع من الزوج شخصيا أو من الوكيل أو من الزوجة إن ملكها الزوج أمر نفسها". وذكر في صفحة ٢من نفس الكتاب أيضا أن المادة (٥ من القانون قد نصت على أن" يعمل بالراجح من المذهب الحنفي فيما لا حكم فيه بهذا القانون".
فإذا كان الأمر بهذا الوضوح في قانون الأحوال الشخصية للمسلمين سنة ١٩٩١م، فلماذا يريد الأستاذ المغربي أن يربك الناس بإستدلاله بأقوال غير معتبرة ومهجورة ومغمورة، وهو قد ذكر في مقاله أن القانون استند على خيارات فقهية معتبرة، وأن البوشي" لم يخرج على قانون الأحوال الشخصية لسنة ١٩٩١م واشترط شروطا على ظهر القسيمة وهي أيضا قانونية"!؟ إن عدم الدقة في تبيين وجهة النظرمن جانب من أوكل إليهم أمر التوعية الإعلامية في بلادنا قد يكون مقصودا لذاته أو مجهولا بواسطة صاحبه! وفي كلتا الحالتين فإن النتيجة واحدة، وهي إختلاط الأمر على الناس، والتخذيل لهم عن التدقيق في صحة ما هو مطروح للنقاش! ولذلك فإني أرى أن الأحرى بالمغربي والذين لا يتفقون مع هذا القانون أن يكونوا أكثر وضوحا في إظهار ما يبطنون من خلاف، مع حق العصمة، وحق عدم التعدد، اللذين أجازهما القانون لأي إمرأة تتفق هي وزوجها عليهما صراحة عند إبرام عقد الزواج! وجلية الأمر أن أيما إمرأة ملكت أمر نفسها برضا زوجها، يحق لها تطليق نفسها متى شاءت كما يحق لزوجها أن يطلقها متى شاء. فهما، وفق القانون، قد صارا متساويين في إستعمال هذا الحق. وليس الأمر"قسمة للعصمة على نصفين"، وهو على الإطلاق ليس " خروجا على الشريعة والقانون"، كما أقر بذلك المغربي!
وإني لأعجب للمغربي حين يحاول أن يوهم القارئ أن القضية الإجتماعية التي أبرزها البوشي للنور هي حالة خاصة، وهي ليست كذلك كما بينا آنفا! وأعجب له أيضا حين يحاول أن يناقش قضية المرأة من جذورها، بإستدعائه للحجج الواهية والمستهلكة في تبرير عدم المساواة بين الرجل والمرأة أمام القانون، وذكره أن المطالبة بالمساواة"تزييف للقضية وشذوذ فكري عن فطرة البشر التي لا تقسم الحقوق والواجبات بين الرجل والمرأة بسكين مستوية وتعطي هذا ٥٠٪ وذلك ٥٠٪"! ولعمري إن الأمر ليس بهذه الدرجة من التبسيط! فالذي نعرفه عن الفطرة أن الناس سواسية كأسنان المشط! ولا يتفاضلون إلا بالأعمال الصالحة، والمرأة في ذلك حظها مثل حظ الرجل!
وإني أحب للمغربي أن يعلم أن تبرير قوامة الرجل على المرأة بحجة الحماية لها والإنفاق عليها تحتاج اليوم إلى نظر جديد! فالحماية لهما معا قد أحيلت إلى القانون، ولا مجال لقوة العضلات ولا للسيف! وبالرغم من أن المرأة قد ارتادت مجالات العمل المختلفة، وأصبحت تنفق على أهل بيتها، إلا أن المجتمع الصالح، والذي يتجه أعضاؤه إلى تحقيق العدالة الإجتماعية الشاملة، سوف يعتبرها أكبر المنتجين فيه، لأنها تنتج الإنسان! وسوف يكافؤها ماديا! ولن تحتاج بذلك لإنفاق الرجل عليها! أما تخفيف المسئولية والتكليف في بعض الأمور على المرأة، فهو أمر مرحلي، وتكمن حكمته في قوله تعالى" أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى" حيث يعني ذلك أن الأمر مرتبط بالقدرة العقلية للمرأة، والتي كانت ضعيفة لقلة التجربة، ولكنها تطورت ونمت، بفضل الله، في الزمن حتى وصلت إلى ما نحن عليه في اليوم الحاضر، حيث صرنا ندرك، بما لايدع ثغرة للشك، أنه من غير المعقول أن يكون حاجب المحكمة أكثر مسئولية من المرأة التي تتولى كرسي القضاء!!
وما المثال الذي أورده المغربي في مقاله عن التفاضل في المسئولية بين الرجل والمرأة إلا مثالا غريبا وضعيفا ولا يفي بالغرض المقصود! ولا أدري من أين جاء بالمسئولية القانونية حين ضرب لنا مثلا بالرجل السباح الذي قال أنه "لم ينقذ الغريق لأنه خاف"، وكيف أن الرجل"لا يقبل قوله ويعد معتدبا أو قاتل خطأ أو شبه عمد"!! أما الجزء الثاني من المثال فهو أيضا ضعيف في منطقه، لأننا لو استبدلنا قول المغربي، من أن المرأة لو لم تنقذ الغريق و" قالت خفت أو استحت من التعري يقبل قولها..!"، بعكس المثال، وقلنا: إن المرأة لو خلعت ملابسها وأنقذت الغريق لما اعتبرت فتنة للرجال، لكان ذلك أيضا صحيحا، شرعا وقانونا! ولعدت هذه المرأة من مشاهير الأبطال!
وبعد إعترافه بخروجه المطول عن الموضوع، وهو فقه الزواج الذي تبناه ونفذه البوشي، وبعد استغلاله لهذه المناسبة، كعادة أهل الإسلام السياسي، لمهاجمة التقدميين والشيوعيين السابقين، يسفر المغربي أخيرا عن قناعته في موضوع الزواج بقوله:"الذي نعرفه في قضية المرأة العدالة الشاملة الكاملة حسب الأحكام الشرعية الأصلية..!"وفي هذا القول تناقض واضح، إذ أن الأحكام التي يتضمنها القانون لا توصف بأنها أحكام شرعية أصلية أو مزيفة! ولكنها، فقط،، إما أن توصف بأنها أحكام شرعية أو غير شرعية! ويواصل المغربي تقريره لنا بأن الأصل في الزواج هو"رضا الزوج والزوجة وإذن الولي.. وعلى الزوج المهر والنفقة والسكنى والعصمة بيده كاملة"! غير أنه يتجاهل الحديث عن موضوع التعدد، والذي لم يرد ذكره في مقاله البتة!!
إن محاولة المغربي إيهام الناس بأن هنالك عقدا قديما أصيلا وآخر إستثنائيا لا تجد لها أي سند في قانون الأحوال الشخصية لسنة ١٩٩١م! وإنما حقيقة الأمر أن القانون يتضمن أحكاما شرعية من بينها ما يبيح للمرأة أن تشترط على زوجها، عند عقد الزواج، ألا يعدد عليها، وأن يملكها أمر نفسها في الطلاق .. فإن تم العقد وفق الشروط المذكورة آنفا، فهو صحيح وأصيل، وإن تم بغيرها، لأن الزوجة لم تطالب بها، فهو أيضا صحيح وأصيل!!
إن ما أنجزه البوشي طفرة إجتماعية في بلادنا، وهو حدث فريد سيخلد به في التاريخ كرائد من من رواد التغيير والتنوير والتوعية! وهو فتح جديد للمرأة السودانية في نضالها من أجل إسترداد حقوقها القانونية وكرامتها كإنسان! ويجب على المرأة السودانية أن تعلم أن حقها في الطلاق حق قانوني بموجب قانون الأحوال الشخصية ١٩٩١م، وهو حق شرعي بموجب مذهب الأحناف الذين ذهبوا إلى أن للزوجة أن تشترط أثناء عقد الزواج أن تكون عصمتها بيدها .. كما يجب أن تعلم أن حقها في عدم الزواج عليها هو أيضا حق قانوني بموجب القانون السابق ذكره، وحق شرعي ليس فيه خروج على الدين، لأن التعدد مشروط بإقامة العدل، وهذا ممتنع! كما أخبر سبحانه وتعالى" ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم"، وقال تعالى" فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة" ..

د. معتصم عبدالله محمود

Post: #446
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 05:05 AM
Parent: #1


Quote: الجمهوريين


قوي واضحة ونشاط لا يخفي علي كل زائر لصفحات سودانيز اونلاين حتي ذهب غلاة خبثاء المدن باتهام المنبر بانه واجهة لهم
وتكامل في شكل الظهور والحضور الدائم في صراعتهم اليومية مع ملاحظة التخصصية في قضايا
1-الفكرة الجمهورية
2-الصراع مع التيار السلفي
3-فضح حقائق اعدام الشهيد محمود محمد طه
4-الراي من من سلطة الانقاذ
5-تاريخ الحزب
6-قضايا الدين
ولاحمائم تذكر فالجميع صقور وحماس عالي للنقاش واجتهاد خلاق وضعوا به فكرتهم في ارشيف المنبر بكثافة
ولكن تلاحظ الاتي...
1-المادة المقدمة من قبلهم تعج بالاستطالة في حجم المداخلات وهذه جزئية مهمة تعيق الصبر علي الاطلاع في
هذه المنبر المتلاحق الاحداث
2-ندرة الراي في العراك السياسي المعاصر(نيفاشا-قضايا الانتخابات-دارفور وقضايا الهامش)
3-رغم وجود تحالفات غير مرئية في قضايا الحريات والعنصرية الا التيار الجمهوري في اغلب صراعاته
يعمل ككتلة منفصلة فارزة عيشتها براااه كده..

صراع التيارات في سودانيز اونلاين..!!!

Post: #447
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 02:48 PM
Parent: #1


في ذكرى استشهاده رقم (23)
العلاقة بين الأستاذ محمود محمد طه والبروفسور عبدالله الطيب
أنا في الحقيقة أعرف لعبدالله الطيب من المواهب ما أضن به على الأدب وأرى أن مكانه الطبيعي هو الدين وليس الأدب .

محمد محمد الأمين عبدالرازق
الفن هو وسيلة للتعبير عن ملكة التعبير ، وملكة التعبير في الإنسان هي الحياة.. وبدرجة أعمق فإن الفن هو تعبير الطاقة الحياتية عن نفسها من خلال مصافي العقول المرتاضة ، الصافية القوية الإدراك ، وهو تعبير عن حياة الفكر وعن حياة الشعور في آن معاً . . هذا هو تعريف الأستاذ محمود للفن من كتابه "الإسلام والفنون" .. وقد لعبت الفنون دوراً أساسياً في التوثيق للأحداث التاريخية التي مرِّ بها المجتمع البشري ، فمن الرسم الفني الذي عثر عليه على جدران المعابد والآثار القديمة ، اهتدى المؤرخون إلى دراسة وتدوين معلومات قيمة عن تلك الحقب والظروف التي عاشت فيها المجموعات البشرية .. كما أن آثار الحيوانات المتحللة التي وجدت في الحفريات الجيولوجية تركت رسومات فنية دقيقة لتلك الحيوانات ، وأعطت فكرة متكاملة عن حركة تطور الكائنات الحية عبر ملايين السنين .
الشعر كضرب من الفنون أسهم بفعالية في الدراسات الاجتماعية ، والشعر الموزون المقفى عند العرب ، سجل الكثير من الحروب والصراعات القبلية ، وذلك لكونه أسهل في الحفظ كما أنه قابل للحن والغناء .. وفي هذا الإطار، تبرز في عصرنا الحالي القصيدة الشهيرة التي نظمها البروفسور عبدالله الطيب في رثاء شهيد الفكر العارف بالله محمود محمد طه .. هذه القصيدة تعتبر من أروع القصائد التوثيقية وذلك لأنها جمعت بين جمال الشكل ودقة المحتوى بصورة لا مبالغة فيها ولا رياء ، فقد رصد فيها الشاعر حياة الرجل من جميع النواحي ، شخصيته ، سلوكه ، مواقفه وأفكاره ومن ثم سجل لحظات اغتياله بترتيب سيجعل من شعره أقوى مصدر للتاريخ في المستقبل . . أعان الشاعر على التجويد الانضباط المذهل في شخصية المحتفى به والعظمة التي تتجلى فيه من أي النواحي أتيته . . لقد تابع الشاعر حياة الأستاذ محمود منذ تاريخ تكوين الحزب الجمهوري في أكتوبر 1945م . ثم أخذ يسجل مسيرة كفاحه ضد الاستعمار ، ثم دعوته الإسلامية وشجاعته في إبداء الرأي والجهر به مهما كانت النتائج ، فإمتدت القصيدة نتيجة لثراء المسيرة حتى بلغت ستة وثمانين بيتاً ، وسأتابع مع نماذج شعرية فيما يلي هذا الإبداع الفني الأصيل .
عندما سجن الأستاذ محمود في يونيو 1946م لإصداره منشوراً ضد الإنجليز ، فإنه لم يستكن داخل السجن وإنما رفض القيام للضباط الإنجليز والمصريين ثم عصى أوامرهم في وضح النهار ، وكانت حجته أنه سياسي وليس مجرما ويجب على الحكومة أن تعامله معاملة السجين السياسي . . ونتيجة للإصرار على المبدأ اضطر الإنجليز إلى إطلاق سراحه حتى لا تسري هذه الروح في بقية المساجين ، وقال الحاكم العام عبارته المشهورة :
"We are not going to make a hero out of M. M. Taha" وترجمتها : "لا نريد أن نخلق بطلاً من محمود محمد طه" . استهل الشاعر قصيدته بالحديث عن شخصية الأستاذ محمود ومواقفه في عصر الاستعمار فقال :-
قد شجاني مصابه محمود مارق قيل وهو عندي شهيد
وطني مجاهد وأديب منشىء في بيانه تجويد
وخطيب مؤثر ولديه سرعة الرد والذكاء الفريد
وجرئ وشخصه جذاب ولدى الجد فالشجاع النجيد
ذاق سجن المستعمرين قديماً ومضت في الكفاح منه العقود
سيق للقتل وهو شيخ أخو ست وسبعين أو عليها يزيد
لم يراعوا فيه القوانين ظلماً فهو قتل عمد وجرم أكيد
أي شيء جناه حتى يرى الإعدام فيه هو الجزاء الوحيد
لم يجرد سيفاً وأصدر منشوراً وهذا أسلوبه المعهود
وهو نهج من النضال حضاري بأمثاله السراة تسود
إن البروفسور عبدالله الطيب من أعرق بقع التصوف وأبرك بيوت الدين " بيت المجاذيب" ، وهو العارف بتفسير القرآن ، وبالسيرة النبوية ، وبالتراث الإسلامي وبلغة القرآن والبلاغة النبوية . . وهو الذي بسط تفسير القرآن للأمة السودانية بلغة كلامها حتى دخل كل بيت وكل قلب بتلك الحلقات التي ظلت تذاع وتعاد منذ بداية الستينات إلى يومنا هذا . . ولما كان فكر الأستاذ محمود ضارب بجذوره في أرض التصوف ، وحياته تجسيداً وتتويجاً للتصوف ، زهداً ورضا بالله وعلماً بدقائق القرآن ، فقد أحدث اغتياله تفاعلاً عميقاً في نفس الشاعر لوحدة الأديم وصفاء المنبت .. لقد فرغ الشاعر من نظم هذه القصيدة يوم 2/3/1985م ، وألقاها الأستاذ محمد إبراهيم خليل مساء 26/3/1985م بالكويت .
أدعياء الدين :
بعد أن وضح الشاعر في الأبيات السابقة صفات شخصية الأستاذ محمود ومواقفه ، عرج على أدعياء الدين الذين يزينون للسلطان كل أعماله في سبيل الكسب الرخيص، فهم علماء آخر الزمان الذين وصفهم النبي الكريم في الحديث : " يكون في آخر الزمان علماء يزهدون الناس في الدنيا ولا يزهدون ، ويخوفون الناس ولا يخافون ، وينهون عن غشيان الولاة ولا ينتهون ، ويؤثرون الدنيا على الآخرة ، ويأكلون الدنيا بالدين " .. لقد كشف هؤلاء المتآمرين عن أنفسهم بالوثائق التي ضبطت معهم والتي كتبوها بأيديهم ، ولذلك فقد أسماهم شاعرنا "زعانف في الضوء تتوارى وفي الظلام ترود" .. الأبيات الآتية تشير إلي صفات علماء السوء وأدعياء التصوف الذين اشتركوا في جريمة العصر الحديث مع (صعلوك القوم) الطاغية :-
رب إنا إليك نجأر بالشكوى أغث يالطيف أنت الودود
حكمتنا وقلدت أمرنا صعلوك قوم فغره التقليد
طبقات من الزعانف في الضوء تتوارى وفي الظلام تزود
دأبها المين والخيانة والغدر وليس غير الفساد تجيد
يصدر الأمر كي يوقعه جلد ثخين عنها وحس بليد
ويد كزة ووجه بلا ماء حياء وخبث نفس عتيد
ليس يبغي إلا البقاء ولا يحفل والشعب جائع مكدود
ينقض اليوم كل ما قاله أمس وفيه غداً بنقضٍ يعود
فأنزع الملك فيه رب لك الملك ذو العرش أنت المجيد
وأذقه كأساً بها قد سقى قوماً ولا ينج الفاسق الرعديد
وقد وفق الشاعر وصدق عندما وصفهم بثخانة الجلد وبلادة الحس وعدم الانسانية ، "يصدر الأمر كي يوقعه جلد ثخين عنها وحس بليد" ثم قلة الحياء وخبث النفس "ويد كزة ووجه بلا ماء حياء وخبث نفس عتيد" .
ماهية الأدب :
في إحدى ليالي الندوة الأدبية بأمدرمان التي يديرها الأستاذ عبدالله حامد الأمين طرح الأستاذ محمود سؤالاً : هل يوصل الأدب إلى الحقيقة ؟ وأثير نقاش حول السؤال وكان رأي الأستاذ محمود أن الأدب وسيلة منبتة لأنه لا يعرف قوانين الحياة ولذلك لا يمكن من معرفة الحقيقة وإنما يقدم متعة ذهنية . . فانتقل الحوار إلى صفحات الصحف ، وكتب د. عبدالله الطيب مدافعاً عن الأدب ، ثم عقب الأستاذ محمود وقال : " ان كلام عبدالله الطيب ليس حجة على الأدب ولذلك سوف أبين قصور الأدب من طبيعته " . . فثار بعض الكتاب وقالوا إن حديث الأستاذ محمود هذا فيه انتقاص من قيمة عبدالله الطيب ، وهو ذو باع في الأدب والمعرفة لا يختلف عليه اثنان . . فرد الأستاذ محمود :" قصدت أن أبين قصور الأدب من طبيعته لأنها أعم ولم أقصد التقليل من كلام د. عبدالله بأي حال . . وأنا في الحقيقة أعرف لعبدالله من المواهب ما أضن به على الأدب وأرى أن مكانه الطبيعي هو الدين وليس الأدب . . وفيما بعد ذكر د. عبدالله الطيب أن عبارات الأستاذ محمود هذه كان لها وقع في نفسه دفعه نحو تفسير القرآن الكريم الذي نستمع اليه من خلال الاذاعة السودانية . .
التفاصيل الكاملة لرأي الأستاذ محمود في موضوع الأدب نطالعها في الكلمة التالية التي نشرتها جريدة صوت السودان عام 1954م في رد على الأستاذ ميخائيل نعيمة :-
"استرعى انتباهي حديث طريف معزو إلى الأديب ميخائيل نعيمة عالج فيه ماهية الأدب ومهمته . . أما ماهية الأدب عنده فهو المحيط الذي تصب فيه ، وتلتقي عنده ، جميع المعارف البشرية : العلم والدين والفلسفة ... الخ ، أما مهمة الأدب فهي : " التعبير عن الإنسان ، وكل حاجياته وحالاته تعبيراً جيداً ، صادقاً من شأنه أن يساعد الإنسان على تفهم نفسه وتفهم الغاية من وجوده ، وأن يمهد له الطريق إلى نهايته" . . . انتهى ، والحقيقة إن في هذا خلطاً سببه أمران : التعصب للأدب "شأن كل ذي مهنة لمهنته" وسطحية التفكير . . إذ أن الأدب في حقيقته لا يبلغ هذه المبلغ ، وإن كان يتجه إليه . . فالمسعاة الإنسانية كلها . . في المعارف والعلوم تتجه إلى الاستزادة من الحياة لتحقيق حياة الفكر وحياة الشعور . . فالمعارف وسائل ، والحياة الخصبة المحيطة - حياة الفكر الحر والشعور المتيقظ – هي الغاية . . والأدب ليس خير الوسائل إلى تحقيق هذه الحياة ، بل هو لا يمكن أن يفضي إليها على الإطلاق ، لأسباب !! منها : الأدب لا يقدم أسلوباً للحياة ، وإنما يقدم متاعاً للفكر بما يرصد من تجارب الأديب المنتج . . ومنها أن الأدب لا يعرف قوانين الحياة ولا يتسع للتعبير عنها ، حتى يستطيع أن يرشد إلى أسباب الإستزادة منها ، ذلك بأن حياة الفكر ، وحياة الشعور لا تحقق إلا بالحياة ، وفق قوانين الحياة . . فالوسيلة التي تفضي إليها يجب أن تقدم من أول وهلة ، أسلوباً للحياة وأسلوبا للفكر ، وفق قوانين الحياة العليا ، حتى يستطيع الحي بإتباع تلك الأساليب ، أن يترقى من الحياة الدنيا إلى الحياة العليا – حياة الفكر و حياة الشعور . . وأنت لا تجد وسيلة من وسائل المعارف البشرية غير الدين – الدين بوجه عام – والدين الإسلامي بوجه خاص ، تقوم هذه المقام .. ذلك بأن أكبر عائق في سبيل تحقيق الحياة العليا – حياة الفكر وحياة الشعور – إنما هو الخوف . . ولا تتجه وسيلة إلى تحرير الفرد من الخوف اتجاها مليئاً بالنجاح غير وسيلة الدين . . فإذا أخبرنا أديب بان الدين بمثابة "جدول أو نهر" يصب في محيط الأدب ، لم يكن ذلك الأديب - عندنا - إلا متعصباً للأدب ، سطحي التفكير .
ويجب التنبيه إلى أن الشبه شديد بين الوسائل الإنسانية إلى تحقيق الحياة العليا التي هي وحدها الغاية من السعي البشري في هذا الكوكب ، ولذلك صعب التمييز ، وكثر الخلط . . ولهذا اهتم القرآن اهتماماً بالغاً أن ينفي من الآخلاد أنه شعر أو أن محمداً شاعراً ، كما توهم المتوهمون . . " إنتهى الرد" .
القومية العربية :
القومية العربية وصلت قمتها في مصر على عهد جمال عبدالناصر وهي دعوة عنصرية ، لأن العرب لم يكن لهم وزن في التاريخ كعرب وإنما أتاهم الوزن والقيمة من الإسلام وليس من العنصر – العروبة . . وقد سيطرت فكرتها وملأت الساحة وجازت على الكثير من المثقفين . . وقد وقف الأستاذ محمود ضدها بشدة ، وأقام المحاضرات والندوات لتسليط الضوء عليها وتفنيد دعاويها . . الدكتور عبدالله الطيب كان يقف نفس الموقف ، والعلاقة بينه وبين الأستاذ محمود كانت موصولة . . وكان يستأنس برأي الأستاذ في المقالات التي يكتبها آنذاك ، وفي ذات مرة أتى لمكتب الأستاذ محمود بعمارة أبنعوف في السوق العربي ليقرأ عليه أحد المقالات ولم يجد الأستاذ بالمكتب ، وأخبره الجمهوريون الموجودون أن الأستاذ لا يحضر يوم الجمعة ويمكن أن يذهب إليه بالمنزل . . يقول الأخ عبداللطيف عمر نحن كنا صغار في السن وهيئتنا وشكلنا لا يدل على أننا ناس فاهمين ، يعني من الذين لا يؤبه بهم ، رغم ذلك فقد قرأ علينا الدكتور مقاله وأذكر عنوانه إلى الآن : "لست مع العرب ولا الإنجليز ولكني مع الإسلام والسودان" . هذه الظاهرة تدل على أن الدكتور كان متواضعاً ويحترم الآخرين ويعطيهم قيمتهم . ونسبة للتشويه الذي يثيره المعارضون ضد الأستاذ محمود ، فقد عاب بعض الكتاب على الدكتور عبدالله أن يقف مع الأستاذ في موقف واحد ولم يكن يجاهر بهذا الموقف المناوئ للقومية العربية غير الأستاذ محمود . . فرد الدكتور عليهم بالاتي : "يسرني أن يقرن اسمي باسم الأستاذ محمود واذا كان هناك بعث إسلامي في السودان فلن يتم إلا على يد الأستاذ محمود محمد طه" . وعندما نطالع القصيدة نجد أن الدكتور أشار إلى هذه الحوارات في الأبيات التالية :
قتلته الأفكار في بلد الجهل الذي سيطرت عليه القيود
واثقا كان في الخصومة بالفكر لو أن الفكر وحده المنشود
سبق الناس في السياسة رأياً حين فيها تفكيرهم محدود
وقد احتج وحده حين لم يلف عن البرلمان صوت يزود
نحن قوم نعيش في العالم الثلث وهو المعذب المنكود
قتلتنا حضارة الغرب لا الرفض انتفعنا به ولا التقليد
واحتوتنا عماية من صراع دائم للقوي به تبديد
الفكرة الجمهورية :
ترى الفكرة أن حرية الفكر والرأي عتيدة في الإسلام استنادا على الآيات المكية والسنة النبوية مثل " لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" . . وقد كان الأستاذ محمود يبدأ حديثه بتأكيد أن الإسلام غائب عن حياة الناس ، ونحن في جاهلية ، ولكنها أرفع من جاهلية القرن السابع بكثير . . والسنة هي الكفيلة بتقديم الحلول لمجتمع اليوم وليس الشريعة ، إذ أن الشريعة هي طرف الدين الذي لامس مجتمع القرن السابع وقدم له الحلول عبر الآيات المدنية . . وعندما صدرت قوانين سبتمبر 1983م قال الأستاذ أمام المحكمة :" أنا أعلنت رأيي مراراً في قوانين سبتمبر 83 من أنها مخالفة للشريعة وللإسلام ، أكثر من ذلك فإنها شوهت الشريعة وشوهت الإسلام ونفرت عنه يضاف الى ذلك أنها وضعت وأستغلت لارهاب الشعب وسوقه الى الاستكانة عن طريق اذلاله ثم انها هددت وحدة البلاد" ولم يترك البروفسور هذا الجانب فقد صاغه في قصيدته معبراً عن اتفاقه مع الفكر الجمهوري في هذه الآراء ، والأبيات التالية توضح ذلك :
قد أسأنا إلى الشريعة والإسلام ما هكذا تقام الحدود
ما كذا سنة النبي ولا الوحي الذي أنزل الحكيم الحميد
سنة المصطفى هي اللين ، هذى غلظة بل فظاظة بل جمود
وسطور الآيات قالت عليكم أنفساً لا يضركم من يحيد
وتلون فيهن آية (لا إكراه في الدين) بئس عنها الصدود
ان عندي حرية الرأي أمر يقتضيه الإيمان والتوحيد
صاح هل نحن مسلمون؟ أرى الإسلام فينا كأنه مفقود
وكأن صار مظهر الدين لا المخبر فينا فاعلم هو المقصود
فشت الآن برجوازية في الدين من قبل علقتها اليهود
وتفان على الحطام كأن الدين أركانه الشداد النقود
لعل القارئ الكريم بذكائه قد لاحظ أن الشاعر استعمل كلمة (عندي) في مواضع محددة كقوله (مارق قيل وهو عندي شهيد) أو (إن حرية الرأي عندي أمر يقتضيه الإيمان والتوحيد) ،فمن المؤكد أنه أراد أن يحسم أن هذه أفكاره وقناعاته الشخصية، وأن منطلقه في شعره ليس اندفاعا عاطفيا وحسب.. وعندما احتج لديه المعارضون: كيف تقول أن محمودا شهيد؟ رد عليهم: أنا قلت (عندي شهيد) ولم أقل (عندكم أنتم) ..
توثيق الأحداث :
الأحداث التي تمت في سجن كوبر في 18 يناير 1985م تابعها البروفسور بدقة عجيبة . . ويستطيع الإنسان أن يصف تلك الأحداث مباشرة من القصيدة من غير إضافة أو حذف . . أنظر إلى هذه الأبيات :
أخرجوه لحتفه ويداه خلفه وهو موثوق مشدود
جعلوه يرقى الدرج الصاعد نحو الهلاك خطو وئيد
كشفوا وجهه ليعرف أن هذا هو الشخص عينه محمود
قرئ الحكم ثم صاح به القاضي ألا مثله أقتلوا وأبيدوا
كبر الحاضرون للحد مثل العيد إذ جمعهم له حشود
وأراهم من ثغره بسمة الساخر والحبل فوقه ممدود
وعلى وجهه صفاء وإشراق أمام الردى وديع جليد
واذا بالقضاء حُمَّ وهذا جسمه طاح في الهواء بعيد
ثم جاء الطبيب يعلن بعد الجس أن مات ما لحي خلود
ثم طارت طيارة تحمل الجثة لم يُدرَ أيَّ فج تريد
يا لها وصمة على جبهة القطر ستبقى وعارها لا يبيد
قتلوا الفكر يوم مقتله فالفكر فيه ميت البلاد الفقيد

إن بسمة الأستاذ كانت فرحاً بالله ولم تكن سخرية كما ذكر الشاعر ، وهذه نقطة نود تصحيحها إذ أن شخصاً بهذه القامة لا يمكن أن يفوت عليه التوجيه القرآني " لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم . ." وكون الفرح بالله عند الموت هو النتيجة التي يقود إليها التوحيد وارد في التحدي الذي كثيراً ما يسوقه القرآن : " فتمنوا الموت إن كنتم صادقين" كما في الآية "يأيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين" أما تمني الموت الناتج عن المشاكل التي تواجهنا ونفشل في حلها حتى يتداعى بنا اليأس إلى تمني الموت فإنه ممنوع شرعاً بنص الحديث الشريف : " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، فإن كان لا محالة فاعل فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خير لي ، وأمتني ما كان الممات خير لي" والقيمة السلوكية في دفع الإنسان نحو التسليم لله ظاهرة في الحديث . ولمزيد من التفصيل في أمر الموت في الإسلام نقدم الفقرة التالية :
الموت كما يراه الإٍسلام :
جاء في كتاب "القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري" للأستاذ محمود محمد طه وتحت عنوان (لا إله إلا الله) حوار حول الموت في الجزئية الآتية : " وأول الدلائل على أن الدكتور مصطفى لم يرح رائحة اليقين قوله من صفحة 240 : ( لا إله إلا الله إذن لا معبود إلا الله . . ولن يعبد بعضنا بعضا . . ولن يتخذ بعضنا بعضا أربابا ولن نقتتل على شيء وقد أدركنا أنه لا شيء هناك . . ولن يأخذنا الغرور وقد أدركنا أننا خيالات ظل تموج على صفحة الماء ولن نفرح بثراء ولن نحزن لفقر ولن نتردد أمام تضحية . . ولن نجزع أمام مصيبة ، فقد أدركنا أن كل هذه حالات عابرة وسوف تلهمنا هذه الحقيقة أن نصبر على أشد الآلام . . فهي آلام زائلة شأنها شأن المسرات . . لن نخاف الموت وكيف يخاف ميت من الموت ؟ انتهى حديث الدكتور مصطفى . . وأنت حيث تقرأه يخيل إليك أنه يمكنك تحصيل هذا الإدراك في جلسة واحدة أو في أيام قلائل بعدها تملك الصبر على (أشد الآلام) وما هو هذا الإدراك ؟ هو إدراكنا (اننا خيالات ظل تموج على صفحة الماء) وهل نحن حقاً خيالات ظل ؟ أم نحن خلائف الله في الأرض ؟ (ولن نخاف الموت) يقول الدكتور ثم يردف : (وكيف يخاف ميت من الموت ؟) فهل رأيت كيف يرى الدكتور انتصارنا على الخوف من الموت ؟ هو يراه في اليأس من الحياة ، وفي اليأس من القدرة على الفرار من الموت . . (وكيف يخاف ميت من الموت؟) والحق غير ذلك فإن انتصارنا على الخوف من الموت إنما يجيء من إطلاعنا على حقيقة الموت ، ومن استيقاننا أن الموت في الحقيقة إنما هو ميلاد في حيز جديد تكون فيه حياتنا أكمل وأتم ، وذلك لقربنا من ربنا . . وبالموت تكون فرحتنا ، حين نعلم أن به نهاية كربنا وشرنا وألمنا . . قال تعالى عنه : (لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد) وإنما بالبصر الحديد ترى المشاكل بوضوح ، وتواجه بتصميم . . وعندما اشتدت بالنبي غصة الاحتضار وقالت السيدة فاطمة البتول "وا كرباه لكربك يا أبي" أجابها المعصوم : "لا كرب على أبيك بعد اليوم" وقد سمي الله تبارك وتعالى الموت "اليقين" فقال :" وأعبد ربك حتى يأتيك اليقين" ، "واليقين" أيضاً العلم الذي لا يكاد يكون فيه شك ، والذي به تنكشف الحقائق المستورة وراء الظواهر . . وإنما سمي الموت "اليقين" لأن به اليقين ، ولأن به يتم اليقين الذي يكون قد بدأ هنا عند العارفين ، وإنما يكون بدؤه بالموت المعنوي الذي هو نتيجة العبادة المجودة . . وعن هذا الموت المعنوي قال المعصوم : " موتوا قبل أن تموتوا" وقال عن أبي بكر الصديق : " من سره أن ينظر إلى ميت يمشي في الناس فلينظر إلى أبي بكر " هذا هو اليقين الذي بإطلاعنا عليه لا نتحرر من خوف الموت فحسب وإنما به قد يكون الموت أحب غائب إلينا . . وما هو الإدراك الذي به توصل الدكتور إلى مثل هذا القول الذي قاله (وكيف يخاف ميت من الموت؟) إنه من غير شك الإدراك الذي تعطيه العقول لحقيقة الموت – الإدراك الذي يعطيه النظر – هو إدراك قاصر ومخيف . . فإن الموت كما يعطيه النظر العقلي هو عند أكثر الناس نهاية ، به تتقطع الحياة وتسكن الحركة ويتصلب البدن ، ويعود إلى "تحلل" "ونتن" ويستحيل إلى تراب . . ألم يقل الدكتور نفسه في صفحة 237 (أين كل هذا؟ تحت الردم؟ . . انتهى . . أصبح تراباً كان حلماً في مخيلة الزمان وغداً نصبح ، أنا وأنت تحت الردم) إن هذا هو الموت كما يعطيه نظر العقول غير المرتاضة ، ولكن الموت كما تعطيه حقائق القلوب السليمة والعقول الصافية فهو شىء يختلف اختلافا كبيراً ولا عبرة بالعقول غير المرتاضة بأدب القرآن ، فإن علمها ليس بعلم لأنه يقف عند الظاهر ، ولا يتعداه إلى بواطن الأمور . . وقد قال تعالى في ذلك . . (وعد الله لا يخلف الله وعده ولكن أكثر الناس لا يعلمون . . يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون) وهم لا يعلمون اللباب وإنما يعلمون القشور (يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا) ولا يكون بعلم القشور تحرير من الخوف . . هذا هو مبلغ علم الدكتور ، وهو به يظن أنه (لن يخاف الموت) ويقول في ما يشبه البداهة (وكيف يخاف ميت من الموت؟) ألا ترى أنك قد هونت صعباً ، وأرخصت عزيزاً ؟ إني لأرجو أن تحدث مراجعة لأمرك هذا . . "انتهى" .
نسأل الله أن يرحم البروفيسور عبدالله الطيب ويغفر له ويدخله فسيح جناته مع الصديقين والشهداء ، كما نسأله لنا جميعاً الصبر وحسن العزاء .
محمد محمد الأمين عبدالرازق

Post: #448
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 02:49 PM
Parent: #447


في ذكرى زعيم الفكر الجمهوري ، الدعوة للحوار بدل التكفير
اليوم نحتفل برجولة الرجال وعزة الأحرار وصمود أصحاب الأفكار.
الشيخ العبيد ود بدر: من علم بما فى السطور وجهل مافى الصدور خفيت عليه جميع الامور
بقلم د.محمد محمد الامين عبدالرازق
[email protected]

لقد درج علماء السطور على الزج باسم الاستاذ محمود محمد طه فى كل بيان كتبوه او فتوى اصدروها حول د.الترابى وآرائه التى اطلقها مؤخرا.. وهم يهدفون الى تضليل الرأى العام باشاعة ان ما تم فى محاكمة الاستاذ محمود حكم بالردة لإبعاد الشباب عن أفكاره، ولكن هذا الإسلوب المتخلف لن يحقق لهم النتيجة التي يبغونها، وذلك لأن كل الشعب السودانى يعلم ان الردة لم تكن مادة فى القانون الجنائى عندما قامت المحاكمة, كما هى اليوم فى قانون 1991م الذى اصدره الترابى..، ويعلم أيضاً أن المحاكمة عُقدت لتصفية الأستاذ محمود جسدياً لمجرد مخالفته لسلطة نميري فكرياً.. فالمعركة التى ادت الى اغتيال الاستاذ محمود انما هى معركة بينه هو ونميرى,والحكم ابتداءً صدر من محكمة الموضوع على قانون امن الدولة, ثم زجت محكمة الاستئناف بحكم محكمة الردة 1968م فيما بعد, لتضيف تهمة جديدة لم توجه اصلاً للمتهمين فى محكمة الموضوع.. هذا وقد ابطلت المحكمة العليا عام 1986م جميع قرارات محاكم مايو واثبتت انها محاكمة سياسية لا علاقة لها بالقانون.. وقد كونت لجنة للتحقيق مع الذين اشتركوا فى هذه الجريمة من القضاة وغيرهم إلا ان السيد الصادق المهدى رئيس الوزراء حينها اوقف عمل اللجنة .. المعركة كما اسلفنا كانت بين الاستاذ محمود ونميرى, المبادر فيها بالهجوم الفكري الاستاذ محمود وليس نميرى.. وكان هدفه تخليص الشعب من حاكم طاغية فقد كل مقومات بقائه, فانشأ المحاكم باسم الاسلام ليرهب بها الناس ليستمر فى الحكم, وقد دفع الاستاذ بنفسه فداءً للشعب، وهو علي علم تام بكل النتائج التي ستترتب على هذه المواجهة فهؤلاء العلماء من رجال الدين لا فى العير ولا فى النفير, وهم فى كل معارضتهم للفكرة الجمهورية خلال وجود مؤسسها, كانت الهزيمة النكراء تحل بهم, والخزى يلاحقهم, ولم يحققوا نصراً قط, بل ان المحكمة التى اقاموها عام 1968م هى التى حفزت الشباب للإنضمام للحزب الجمهورى بصورة لم يسبق لها مثيل..
الاستاذ محمود صاحب حقيقة وشريعة، وهو محقق للتوحيد وعارف بالله, فهو من حيث الحقيقة كان على علم بمسيرة مايو من بدايتها الى نهايتها(راجع صحيفة الوفاق 1/5/2006).. ويمكن توضيح معانى الحقيقة والشريعة من الحوار الذى جرى بين العبد الصالح وموسى عليه السلام فى سورة الكهف (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما).. العلم اللدنى هو علم الحقيقة, ولما كان موسى عليه السلام صاحب شريعة, فقد صعب عليه ان يوافق على افعال العبد الصالح.. فعندما خرق السفينة مثلاً قال موسى( أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئاً إمرا قال الم اقل انك لن تستطيع معى صبرا) وفيما بعد فسر العبد الصالح لماذا خرق السفينة؟(أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا )(وما فعلته عن أمري ذلك تأويل مالم تسطع عليه صبرا ) ثم تدرج موسى في التطور الروحي إلى أن أصبح فيما بعد صاحب حقيقة وشريعة وقد انفلق أمامه البحر فدخل فيه لعلمه بالحقيقة أو لأنه صاحب حقيقة وشريعه وأغرق فرعون لجهله بالحقيقة، وإعتماده على الظاهر فقط..
لقد دخل الإسلام السودان عن طريق الصوفية, ولم يدخله بالجهاد, ولذلك فإن السودانيين يفهمون الأسرار الإلهية(الحقيقة), ويستشِفون معانيها من اشراقات السادة الصوفية الذين أحييوا السنة النبوية فى أنفسهم, فهم قد اقنعوا الناس بالنموذج الفردى فى الزهد فى السلطة والمال، الناتج من علمهم برب السلطة والمال علم حقيقه، ولذلك فقد وجهوا الناسَ نحو التطبيق العملى لطريق محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ليقودهم إلي تحقيق التوحيد، وكل علمٍ ليس للعمل يعتبر عندهم علم شيطنة لا فائدة فيه..جاء فى الحديث: (من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم).. هذا وقد قال الشيخ العبيد ود بدر وهو علم من أعلام الصوفية فى السودانمن علم بما فى السطور وجهل ما فى الصدور خفيت عليه جميع الأمور)وهو يشير الى الآية الكريمة(بل هو آياتٌ بيناتٌ فى صدور الذين أوتوا العلم ).. والإشارة الى الحقيقة وعلم التوحيد وردت كثيرا فى المدائح النبوية, ففى قصيدة (سمح الوصوفو يارب نشوفو.. حرمو اب سروفو نعقب نطوفو ) التى يتابع فيها حاج الماحى الحروف العربية, يقول عند حرف الباء: (بالباء بهلَو الأسرار فى جوفو) يعنى تحقق بعلم الحقيقة.. هذا وقد تعلم الناس من هؤلاء الشيوخ كف الأذى وتحمل الغافلين وإكرام المرأة وقبول الرأى الآخر وإحترامه.. فإذا جاء رجال الدين حملة الشهادات الأكاديمية، أو الذين تتلمذوا عليهم, ليقرروا لنا فى أمور ديننا، ويستدرجوننا بافكارهم الشيطانية لأن نزهق ارواح بعضنا البعض بالفتاوى التكفيرية، فهم خاسرون في الدنيا والآخره، وسترد بضاعتهم اليهم كما قرر الحديث الشريفمن قال لأخيه كافر باء بها أحدهما) وحسابهم على الله. ورئيس الجمهورية قد وفق بحمد الله فى انجاز اتفاقية السلام التى تستند على الأصول الثوابت من القرآن والسنة, فى اقرار حق المواطنة للجميع واثبات مبادئ الحريات.. فهو الآن يقف فى الإتجاه المعاكس تماما لنميرى, وهو غير محتاج لهؤلاء الأدعياء لا فى الفتاوى ولا فى التأصيل.. ونحن بهذا نطالب السيد الرئيس بحل مجمع الفقه الإسلامى وإقصائه عن رئاسة الجمهورية حتى لا يحدث فتنة تعود بالبلاد الى عهد الحروب، وهذا الطلب في غاية الموضوعية وليس فيه أي مبالغة.. وعلى كل حال، فإن هذا المجمع غير ملتزم بأبسط التوجيهات القرآنية،فهو قد إحتال على الربا الصريح بإحجامه عن التحديد فى الفتوى التى طلبت منه وترك الامر للجهاز التنفيذى.. والربا مغلظ الحرمة بصورة لامثيل لها فى التحريم, قال تعالىالذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذى يتخبطه الشيطان من المس).. والضرورة شرعا لا تتحقق إلا حيث يخشى الإنسان الهلاك على نفسه، وهى محددة بالحديث النبوى(أن تجئ الصبوح والغبوق ولا تجد ما تأكله).. إقرأ ما جاء حول هذا الموضوع بجريدة الأيام 28/6/2005م:-(وقال وزير المالية للنواب بالمجلس الوطنى أن الاقتراض الخارجى بالفائدة او الربا استند على فتاوى مجلس الإفتاء الشرعى ومجمع الفقه الإسلامى, وكلها تقول بان الضرورة تقدر بقدرها وترك للجهاز التنفيذى بالدولة المتمثل فى وزارة المالية تقدير هذه الضرورة وهو ما اعتبره الوزير أنه قرار صعب وشاق ومر على النفس)إنتهى.. لقد كان من الواجب على مجلس الإفتاء ومجمع الفقه أن يرفضا الربا بشجاعة ووضوح, لكن عضويتهما تركت الأمر للجهاز التنفيذى هروبا من المواجهة وهم يعلمون انه ليس هناك ضرورة لتمويل سكر النيل الأبيض وطريق سد مروى ولكى لا تصطدم مع الإتجاه الغالب لدى السلطة.. فهل رأى الناس استخفافا بالحق, واستهتارا بالحلال والحرام مثل هذا؟ لماذا لم يفتِ مجمع الفقه الإسلامى فى تعيين النائب الأول للرئيس من أهل الكتاب ام ترك تقدير ذلك للجهاز التنفيذى كما فعل مع الربا؟ ولماذا لم يترك فتاوى التكفير ليقدرها الجهاز التنفيذى؟.. إن عهد إستدراج الحكام لإنتهاك حق الفرد فى حرية الرأى قد ولى إلى غير رجعة.. أيها الفقهاء إلقوا بما عندكم من آراء فى المنابر الحرة ليميز الناس الخبيث من الطيب, وإتركوا هذا العبث التكفيرى.. إن من يحمل شهادة أكاديمية فى المعلومات الدينية لا يعتبر متدين بمعنى تحقيق التوحيد, وأنما هو صاحب مهنة معلوماتية يسترزق منها كما يفعل أصحاب المهن الأخرى.. وربما تكون هذه الشهادات مجازة من أساتذة لا يدينون أصلا بالإسلام.. ويمكنه ان يعمل فى التدريس وعلى كل حال فهو غير مؤتمن على الدين عندما يعتمد على هذه المؤهلات وحدها بلا تحقيق..
الأستاذ محمود محمد طه قامة روحية كوكبية, وهو صاحب شريعة فردية.. ومعلوم ان الأنبياء جميعهم أصحاب شرائع فردية تحققت بممارسة التوحيد,قال تعالى فى ذلكشرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذى أوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى ان أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه, كبر على المشركين ما تدعوهم اليه الله يجتبى اليه من يشاء ويهدى اليه من ينيب) الشرع المشترك بينهم جميعا هو التوحيد, اما شرائع العبادة والمعاملة فهى تختلف بين نبى وآخر.. وكون الاستاذ محمود صاحب شريعة فردية لا يعنى انه نبيا, فقد ختمت النبوة بصريح نصٍ لا مرية فيه(ما كان محمد ابا احد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين)..الطريق النبوى مدرسة توصل السالك الى ربه للدرجة التى يتحقق فيها بالشهود الذاتى فياخذ شريعته الفردية من الله بلا واسطه, وذلك كمال المنهاج النبوى..قال النبى الكريمأن من أمتى لأناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء ويغبطهم الأنبياء والشهداء لمكانتهم من الله ) وقال ايضا (علماء أُمتى كأنبياء بنى إسرائيل).. ووجه الشبه هو تحقيق الشريعة الفردية من غير وحى وانما بواسطة الطريقة النبوية.. فإذا وقع تصور عند القارئ لحجم التحقيق الروحى بهذا المعنى, فإنه يتضح ان حديث هولاء العلماء حول موضوع الاستاذ محمود بالطريقة التي أشرنا إليها آنفاً ينطوى على سوء أدب منقطع النظير..
ومهما يكن من خلاف حول أمر التحقيق هذا فإن الأستاذ محمود لم يطرح نفسه كمحقق للتوحيد والشريعة الفردية فقط ولم يطالب الناس بإتباعه بالتسليم عقائدياً، وإنما طرح أفكاراً للحوار الموضوعي حتى يتبن للناس هل هي صحيحة أم لا؟ إلتزاماً بأدب القرآن الوارد في الآيات: (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ{24} قُل لَّا تُسْأَلُونَ عَمَّا أَجْرَمْنَا وَلَا نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ{25} قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ{26}) (سبأ).
وقال إن المنهاج النبوي إذا طبق بتجويد وإتقان يملك المقدرة على تخريج قادة الإسلام في المستقبل، وكل من إهتدى بالمنهاج يعود على النبي الكريم مثل أجره.. فالنبي عليه الصلاة والسلام في حقيقته دائماً في مقدمة ركب البشرية وهو هاديها في مدارج التطور الروحي..
إذن الأساس في التعامل مع أصحاب الدعوات من الناحية الدينية هو مناقشة الأفكار التي يطرحونها ثم قياس درجة تطبيقهم لهذه الأفكار في أنفسهم إستقامة سيرة ونقاء سريرة.. أما تبادل الإتهامات الشخصية فلن يجدي نفعاً ولن يوقف إنتشار الأفكار، وإنما سيلفت أنظار الناس إليها أكثر ويظل الحوار، سيد الموقف .. ونحن نرى أن الوقت الآن مهيأ أكثر من أي وقت مضى لتفهم وتقبل هذه الأفكار، إذ أن الواقع عندنا في السودان بعد توقيع إتفاقية السلام قد إرتفع إليها بصورة لم تحدث في تاريخ السودان .. وليس هناك سند للإتفاقية في الشريعة السلفية، وإنما السند من القرآن في أصوله ، كما يطرحه الفكر الجمهوري .. بهذا الطرح تلقح الإتفاقية على أرض الواقع روحيا ، ويكون تحقيق السلام الدائم ممكناً إستناداً على الإسلام في مستواه العلمي ..


مواجهة نميري:
خلفية الأحداث أن أحد الفقهاء المصريين تحدث منتقداً الجمهوريين ومحرضاً ضدهم في مسجد بكوبر يرعاه عمر محمد الطيب مدير الأمن في ذلك الوقت.. فأخرج الجمهوريون كتاباً في الرد عليه بإسم (الهوس الديني يثير الفتنة ليصل إلي السلطة) فإعتقل الأمن الأستاذ محمود و62من تلاميذه الذين كانوا يتحدثون في أركان النقاش.. وكان هذا في النصف الأول من عام 1983م.. وإستمر الإعتقال إلي 19/12/1984م حين أفرج عنهم جميعاً.. أثناء فترة الإعتقال صدرت قوانين سبتمبر1983م.. وفي نفس يوم الإفراج عقد الأستاذ محمود جلسة مع تلاميذه وقال:
((نحن أخرجنا من المعتقلات لمؤامرة.. نحن خرجنا في وقت يتعرض فيه الشعب للإذلال وللجوع، الجوع بصورة محزنة.. ونحن عبر تاريخنا عرفنا بأننا لا نصمت عن قولة الحق.. وكل من يحتاج أن يقال ليهو في نفسه شئ قلناه ليهو.. مايو تعرف الأمر دا عننا، ولذلك أخرجتنا من المعتقلات لنتكلم لتسوقنا مرة أخرى ليس لمعتقلات أمن الدولة، وإنما لمحاكم ناس المكاشفي.. لكن نحن ما بنصمت.. نميري شعر بالسلطة تتزلزل تحت أقدامه فأنشأ هذه المحاكم ليرهب بها الناس ليستمر في الحكم.. وإذا لم تكسر هيبة هذه المحاكم لن يسقط نميري.. إذا كسرت هيبتها سقطت هيبته هو وعورض وأسقط.. نحن سنواجه هذه المحاكم ونكسر هيبتها، فإذا المواطنين البيسطين زي الواثق صباح الخير لاقوا من المحاكم دي مالاقو فأصحاب القضية أولى)).
إن التصدى بالنفس أو الفداء كما اسماه الأستاذ محمود منهج صوفى قديم ومتواتر.. لقد أخذ الأستاذ قصيدة الشاعر عبد المنعم عبد الحى (انا امدرمان) والتى يغنيها الأستاذ احمد المصطفى وأضافها للإنشاد العرفانى لأن فيها بيت يقولفيا سودان اذ ما النفس هانت اقدم للفداء روحى بنفسى) وقد شرح مبدأ فداء الآخرين من خلال الكلمة التى ألقاها إلى تلاميذه قبيل إعتقاله بيوم واحد, والكلمة معروفة بعنوان حديث الفداء واليك تفاصيلها:-

حديث الفداء
الزمن اضطرنا لنوقف الحديث الكلام القيل طيب جدا .. أفتكر مؤتمرنا دا لابد أن يؤرخ تحول عملى فى موقف الجمهوريين.. زي ماقلنا قبل كده:الناس سمعوا مننا كثير الكلمة المقروءة المكتوبة, لكن عشنا زمن كثير فى مجالات عاطفية .. الإنشاد والقرآن والألحان الطيبة.. وجاء الوقت لتجسيد معارفنا وان نضع انفسنا فى المحك ونسمو فى مدارج العبودية سمو جديد.. الصوفية سلفنا ونحن خلفهم.. كانوا بيفدوا الناس, الوباء يقع يأخذ الشيخ الكبير, الصوفى الكبير وينتهى الوباء..دى صوره غيركم ما يعقلها.. كثير:الجدرى فى قرية التبيب تذكروها؟ كان فى كرنتينه فى القرية لا خروج ولا دخول.. الشيخ الرفيع ودالشيخ البشير اخو الشيخ السمانى مات بالجدرى فى القرية .. شيخ مصطفى خال خديجه بت الشريف, هو صديقنا وبزورنا كثير قال: حصلت وفاة ومشيت أعزى.. مر على الشيخ الرفيع ، ( اخو الشيخ السماني ، شيخ المقاديم الهسع بيعطروا ليكم حلقات الذكر ديل ) .. قال لى بمشى معاك .. قال: مشينا سوى إيدو فى إيدى كان فيها سخانة شديدة..وصلنا محل الفاتحة واحد قال ليهو يا الشيخ! المرض دا ماكمل الناس؟؟ الشيخ الرفيع قال: المرض بنتهى, لكن بشيل ليهو زولاً طيب..قمنا من المجلس وصلنا البيت والسخانة كانت الجدرى! ومات الشيخ الرفيع ووقف الجدرى.. السيد الحسن أيضا مات بوباء وانتهى الوباء.. وفى سنة 1915م الشيخ طه مات فى رفاعه بالسحائى, وكان مستطير بصورة كبيرة وما عندو علاج وما كان بينجى منو زول, الما يموت يتركو بى عاهة.. مات الشيخ طه والمرض انتهى.. الحكاية دى عند الصوفية مضطردة ومتواترة, العلمانين تصعب عليهم .. انتو هسع لابد تفدوا الشعب السودانى من الذل والمهانة الواقعة عليهم والجلد.. واحد من الأخوان لاحظ قال: القيمة من المسيرة أن تشاهدوا الجلد الواقع.. واحدة من الأخوات قالت :العسكرى شاب والمجلود شيخ كبير والقاضى واقف يستمتع.. وهى مسالة أحقاد وضغائن ونفوس ملتوية تتولى أمور الناس..
قد تجلدوا.. ما تنتظروا تسيروا فى المسيرة وتحصل معجزة تنجيكم.. هى بتحصل لكن ماتنتظروها.. خلو الله يجربكم ما تجربوا الله.. تعملوا الواجب العليكم, تنجلدوا ترضوا المهانة.. ومن هنا المحك البيهو بتكونوا قادة للشعب العملاق.. ويكون فى ذهنكم قول الله تعالى أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين) وآية ثانية أم حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين امنوا معه: متى نصر الله؟ ألا أن نصر الله قريب..)
ما أحب أن تصابوا بخيبة أمل من العقبات ألبتلاقيكم فى الطريق.. ويكون مؤكد الأمر النحن بنواجهوا محتاجين ليهو فى الداخل.. كل أمر يساق ليكم يقويكم وهو عناية من الله ولطف.. ولكن الناس يسوقوا أمرهم بالجد, وكل واحد يدخل فى مصالحة ورضا بالله.. تواجهوا أمركم لتفدوا شعبكم وبعضكم بعض لترتقوا درجات فى واجبكم وعبادتكم.. أمركم قريب ومعنى بيهو.. انتم محفوظين.. لكن ماتفتكروا الطريق مفروش أمامكم بالورود.. استعدوا فى قيامكم بالواجب المباشر تكونوا دائمى النعمة وموضع نظر الله وعنايتو.. ثقوا بيهو.. ان شاء الله أمركم قريب والله إدخركم للأمر دا.. وانتم اليوم الغرباء بصورة كبيرة, كل المجتمع السودانى فى كفة والجمهوريين فى كفة, الجمهوريين مطلوبين , الناس الطالبنكم فداية ليكم, وظلماتكم نور.. أنتم موضع عناية, تقبلوا العناية, وسيروا راضيين بالله, بالصورة دى يكون ختام مؤتمرنا)..

محاولة وساطة:
لقد تحدث أجد ضباط أمن نميري مؤخراً في موقع (سودانيز أون لاين) وأوضح أن أقطاب نظام مايو كانوا قد تحرفوا في حملة وساطة بين الأستاذ محمود ونميري فحواها أن نميري وافق على أن يوقف المحاكمة مقابل تنازل الأستاذ محمود عن ما ورد بمنشور (هذا.. أو الطوفان)، وليس عن أفكاره، بإعتبار أن المنشور هو المستند الرئيسي الذي قامت عليه المحاكمة، وعرض الأمر على د/الترابي الذي كان النائب العام حينها فوافق بعبارةنحن مع ولي الأمر دنياوأخرى) حسب إفادة المتحدث.. ولما عرضت الفكرة على الأستاذ محمود داخل السجن رفضها جملة وتفصيلا، وقد أشيع أنه رد بقوله: (هي الحكاية بقت لعب عيال)!! ولعله واضح أمام القارئ أن طرح الموضوع بهذه الصورة أمام مفكر بقامة الأستاذ محمود لا يعدو إلا أن يكون قصوراً مزرياً في فهم البرنامج الذي يقوم بتنفيذه والمقاصد التي يرمي إليها، إذ ان المنشور ماهو إلا الأفكار الجمهورية موضوعة في كبسولة..

محكمة الردة 1968م:-
الاسباب الحقيقية خلف هذه المحكمة, قد لخصها الأستاذ محمود فى محاضرة له بنادى الهدف عطبرة أواخر عام 1968م تحت عنوان (بيننا وبين محكمة الردة) فقال ما معناه(نحن انتقدنا سياسة جمال عبد الناصر فى كتابنا مشكلة الشرق الاوسط وقلنا انه وقع فى احضان الشيوعية الدولية وضيع فرص الحل السلمى للقضية, النظام المصرى لم يحتمل هذا النقد لذلك وجه الأمن المصرى ألفقهاء المصريين ليجوا يتكلموا ضدنا هنا ويصفوننا باننا خارجين عن الإسلام والأهداف أساسا سياسية لحماية نظام الحكم, فقهاؤنا هنا ببلاهه إعتبروا دا حدب على الدين وحرص على الإسلام فقاموا عملوا محكمة الردة, وانا اؤكد لكم انهم لو صادقين فى الامر دا كنا جلسنا معاهم وناقشناهم) فسأل احد المستمعين: انا عايز اعرف ما هو دور الأخوان المسلمين فى هذه المحكمة؟ فرد عليه الأستاذ بشدة: ( إيه الدخل الأخوان المسلمين فى الأمر دا ؟ انا قلت السبب الأساسى الأمن المصرى,لكن يجوز يكونوا مبسوطين لأنو نحن أعداءهم إنضربنا ) هذا وقد كتب الاستاذ المنشور رقم (1) فى الردعلى تلك المحكمة وجاء فيه:-
(اوردت صحيفة الرأى العام الصادرة اليوم, بالعنوان الكبير, عبارات:المحكمة الشرعية العليا تحكم بردة محمود محمد طه وأمره بالتوبة عن جميع اقواله.. إقرأ مرة ثانية: وأمره بالتوبة عن جميع اقواله.. هل سمع الناس هوانا كهذا الهوان؟ هل اهينت رجولة الرجال, وامتهنت حرية الأحرار,واضطهدت عقول ذوى الأفكار, فى القرن العشرين فى سوداننا الحبيب, بمثل هذا العبث الذى يتورط فيه القضاة الشرعيون؟ ولكن لا بأس, فإن من جهل العزيز لا يعزه, ومتى عرف القضاة الشرعيون رحولة الرجال, وعزة الأحرار وصمود اصحاب الأفكار؟؟ إن القضاة الشرعيين لا يعرفون حقيقة انفسهم.. ومن الخير لهم وللإسلام, ولهذ البلد الذى نفديه, أن نتطوع نحن , فنوظف اقلامنا ومنبرنا لكشف هذه الحقيقة..أما الآن, فإنى وبكل كرامة, أرفض هذه المهانة التى لا تليق بى, ولا يمكن ان توجه الى , ولا يمكن ان تعنينى بحال.. فقد كنت اول واصلب من قاوم الإرهاب الإستعمارى فى هذه البلاد.. فعلت ذلك حين كان القضاة الشرعيون يلعقون جزم الإنجليز, وحين كانوا فى المناسبات التى يزهو فيها الإستعماريون يشاركونهم زهوهم, ويتزينون لهم بالجبب المقصبة المزركشة, التى سماها لهم الإستعمار(كسوة الشرف) وتوهموها هم كذلك, فرفلوا فيها واختالوا بها وما علموا انها كسوة عدم الشرف.. أما إعلانكم ردتى عن الإسلام فما أعلنتم به غير جهلكم الشنيع بالإسلام..وسيعلم الشعب ذلك مفصلاً فى حينه.. وأما امركم لى بالتوبة عن جميع اقوالى, فانكم اذل واخسأُ من ان تطمعوا فى.. هل تريدون الحق ايها القضاة الشرعيون؟ اذن فاسمعوا: انكم آخر من يتحدث عن الإسلام.. فقد افنيتم شبابكم فى التمسح باعتاب السلطة, من الحكام الإنجليز الى الحكام العسكريين.. فأريحوا الإسلام وأريحوا الناس من هذه الغثاثة...).

محمود محمد طه
رئيس الحزب الجمهورى
أمدرمان 18/11/1968م..
_________________

Post: #449
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 02:50 PM
Parent: #448


تصوير بالكلمة لحركة الحمهوريين بعيون الباحث هنرى كودرى
إعداد: د. محمد محمد الأمين عبد الرازق

هنرى كودرى الذى يعمل اليوم فى آبيدجان " ساحل العاج " والذى كان قبلها مدرسا للغة العربية فى تشاد ، كان يتردد كثيرا على محمود محمد طه فى الفترة من يونيو 1973م الى يناير 1974م ، عندما كان يقيم فى الخرطوم متفرغا لبحث حول التيارات الدينية فى الاسلام السودانى . وبهذه الصفة كان محمود محمد طه يستقبله فى مرات عديدة ، حيث يجد دائما بابه مفتوحا فى المنزل " المتواضع جدا " الذى كان يسكن فيه " غاندى السودان " فى حى الثورة بأمدرمان . احتفظ هنرى كودرى بذكرى مثيرة لتلك اللحظات . والسطور المنشورة هنا هى مقتطفات من نص كتب لنشرة " اللقاء الاسلامى _ المسيحى " " التى تصدر فى آبيد جان " عدد ابريل _ مايو 1985م .


شهـادة:
ان اقامة شهور عديدة في الخرطوم قد اتاحت للمؤلف ان يعيش فى شبه صداقة حميمة مع محمود طه ، ذلك الرئيس العبقرى للاخوان الجمهوريين ، الذى اعدم شنقا بتاريخ 18 يناير ، عن 77 عاما ، بأمر من الدكتاتور المخلوع جعفر نميرى. ( أتوا ج . أ العدد 1256 )

محمود طه كما عرفته:
إن اول مايسترعى الانتباه فى شخصه ، هو ذلك الجمع بين ألطف صور التواضع وبين قوة لاتلين .. يرتدى ببساطة شديدة لباسا قطنيا ابيض مألوفا ، ويلبس فوق سرواله الخفيف المتدلى على الساقين قميصا يصل الى ركبتيه ، ويترك الساعدين مكشوفين .. حليق الراس ، وتغطية الطاقية الاسلامية المعروفة.. حينما يغادر مكتبه يلتف بثوب قطنى خفيف ينحدر من الكتف الايسر إلى الفخذ الايمن ، تاركا الصفحة اليمنى مكشوفة ، ومارا على الكتف الايسر ثانية ، ثم الرقبة ، ليتدلى على الصدر بزيل غليظ ..
ثيابه الخفيفة تكشف عن جسم قوى ذى اطراف عاضلة .قصير القامة ، متين البنية، يعطى انطباعا نادرا من الحيوية .. بقبضه يده القوية عند المصافحة ، ونظرته الثابتة التى يخفف من نفاذها ابتسامة بشوشة تنير الوجه كل حين . هيئته التى تتسم بالهدوء والاطمئنان تخفى استعداد دائم للحركة والنشاط كان الاستاذ يجود بنفسه فى منتهى البساطه . اثناء الوجبات يحرص على الا ينقص شئ امام احد يوزح الصحون ويكب الماء بنفسه لغسل ايدى ضيوفه .. واثناء الاجتماعات يتخذ مكانا فى مدخل القاعة على مقعد لايتميز عن المقاعد الاخرى ويهتم بأن ينقل كرسيا او وساده ليقدمها الى المتاخرين فى الوصول لحضور الاجتماع ..
كان ابعد من ان يلعب دور راهب بوذى فيستأثر بالكلام . لايتدخل فى الاجتماعات العامة الا ليوجة المناقشات فى الخط الصحيح للنقاش ويشجع على الحوار والتباحث هو مرشد وليس عقائديا رجل عمل وليس منظر تلاميذه واصدقاؤه يدعونه " الأستاذ " وهو لقب ترجمته الحرفيه التى تعنى " المعلم " لاتحمل المفاهيم المركبة من الاحترام الودى ومقتضيات العلمانية .
لم يكن محمود محمد طه قد خرج من طبقه " رجال الدين " هو مهندس فى الرى كان على اثر اعتقاله لمدة عامين بسبب معارضته للانجليز قد بدء عملا فى الاصلاح الدينى والاجتماعى منذ بداية الخمسينات . مدرسته الدينية والقانونية الوحيدة كانت تلك الفترة الطويلة من الاعتكاف التى عرف كيف يستغلها لينقطع الى التفكير والتأمل الصوفى . اساتذته لم يلتقى بهم فى اى مؤسسة رسمية وانما التحق بمدرستهم كرجل عصامى وفى بحث فردى حثيث عن اسلوب جديد
ماركس وانجلز كالغزالى
على الصعيد الصوفى تأمل طويلا فى القرآن وعكف على الممارسة الصوفية ( صلاة الثلث الاخير من الليل وهى عزيزة عند كبار الصوفية المسلمين وقد غددت واحدة من الممارسات المفضلة لتلاميذه )
وعلى الصعيد الفكرى وجهه ابحاثه فى اتجاهين : دراسة كبار المفكرين فى الاسلام الاكثر منهم تقليديه كالغزالى او الاكثر تجديدا مثل ابن عربى مرورا بأكثرهم سموقا كالحلاج ذى الاثر المحسوس فى فكرة الصلاة والصيام والحج عند محمود محمد طه ايضا دراسات التيارات الفلسفية المعاصرة دراسة كافيه للرجوع حتى لاعمال كبار الفلاسفه ( رايت فى احد الايام على طاوله عمله ترجمة انجليزية لكتاب " بؤس الفلسفة " لكارل ماركس وكذلك كتاب " ديلكتيك الطبيعة " لفردريك انجلز " .
على الصعيد الاجتماعى تفرغ محمود محمد طه لاعداد اتباعه جاعلا منهم مجتمعا مهيئا ليكون مكانا لانبثاق نظام اجتماعى جديد . كما أنه لم يترفع عن النزول الى حلبة السياسة ، فأسس حزبا يدعى الحزب " الجمهورى " هذا الاسم الذى ظل مرتبطا بأتباعه حتى بعد حل الحزب .
كان جم النشاط ألف حوالى 38 كتابا وكتيبا صغيرا . وهذه ليست قائمة كامله لانها تتوقف عند شهر سبتمبر 1979م ، تاريخ مرورى الأخير بالخرطوم . منها كتب محترمة ، مطبوعة ، تتجاوز المائتى صفحة .. ومنها منشورات مستنسخة تتراوح بين ثلأثين وأربعين صفحة ، وهذه بمثابة عروض متتابعة لفكرة أو منشورات تتناول الاحداث المتجددة .
وهذا ، بصورة موجزة ، نظام محمود محمد طه الذى نجده معروضا فى كتاب " الرسالة الثانية من الإسلام " . وهو كتاب من 166 صفحه ، صدر فى عام 1967م وطبع عدة مرات منذ ذلك الحين .

رسائل الإسلام
إن الدين ، أساسا ، واحد . وهذه الوحدة إنبعثت عن الاصل الإلهى للكون وللإنسان . ولكن الانسان بسبب إستعماله السئ لحريته قد وقع فى جهل منعه عن مشاهدة الاصل الإلهى لوجوده وللكون ، ومنذ ذلك الوقت ، فان الأديان المختلفة التى تعاقبت على وجه الارض كانت مراحل لاسترداد هذه المعرفة وهذه الحرية الاساسية من الجهل ومن الخوف والعنف .
فالاسلام هو المرحلة الاخيره من هذا الاسترداد ولكن ليس بالشكل الذى ظل معاشا حتى أيامنا هذه ، الذى لم يكن غير " الرسالة الاولى من الاسلام " .
إن الاسلام الحقيقى والاخير ، هو " الرسالة الثانية " التى دعا اليها محمد فى مكة، والتى كانت قد نسخت مؤقتا بتعاليم المدينة ففى الواقع ، عندما بدا محمد فى نشر رسالته ، فقد دعا الى الدين الكامل ، الذى يرتكز على مسئولية وعقل أعضائه ويدعو الى حريتهم ، ولكنه اضطر بعد الهجرة من مكة الى المدينة ، ولاسباب تعليمية ، أن ينزل الى مستوى تخلف النمو الثقافى والدينى فى ذلك العصر فدعا من ثم الى دين يدعو الى الايمان ، أكثر منه الى العلم ، والى قانون يقوم على الإكراه ، أكثر من الإدراك المسئول .
لقد ظل المسلمون يعيشون فى مستوى الرسالة الاولى حتى الآن . ولكن منذ اليوم ، ونظرا للتقدم الذى حققته الانسانية ، فقد حان الوقت للإنتقال الى الرسالة الثانية . وينبغى الان الإنتقال من القانون الأول " الشريعة " التى قامت فى المدينة على " فروع " الدين ، من أجل إقرار القانون الثانى الذى يتوافق مع الاسلام الكامل ، ويستلهم " اصول " الدين ، تلك التى غرسها محمد فى مكة ، من هنا تاتى محاولة بعض المفكرين المسلمين ، ومن بينهم محمود محمد طه ، إيجاد إسلام أكثر " نقاء " وأكثر " تدينا " وأعلى من الإسلام الذى كان " أكثر سياسة " فى المدينة .
وهكذا ، فى التشريع الجديد ، ليس هناك جهاد ، ولا رق ، ولا راسمالية ، ولا عدم مساواة بين الرجل والمرأة ، ولا تعدد فى الزوجات ، ولا طلاق ، ولا لبس حجاب ، ولا فصل بين الجنسين " هذه هى تقريبا عناوين الفصل المتعلق بالتشريع فى الرسالة الثانية من الاسلام " . إذن ، بينما كان الإسلام ، فى بداياته ، أقرب الى اليهودية فى تشددها " العين بالعين ، والسن بالسن " ، فانه فى هذا الوقت يكون أقرب الى الروحانية المسيحية " من صفعك على خدك الايمن فأدر له الأيسر " . بيد انه يضيف الى المسيحية عقلانية كبرى ، حيث يهتم ، على العكس منها ، بالاوضاع الواقعية ، الاخلاقية والاجتماعية والتى بمثابة سلم يساعده ، هو وحده ، للوصول الى قمة الحرية والحب الكاملين .
هذه العقلانية فى الاسلام ، فى رسالته الثانية ، تبدو أخيرا فى التنظيم الاجتماعى الذى تقيمه . فالمجتمع الاسلامى الصحيح يوحد فى آن معا بين الاشتراكية والديمقراطية . فأنه يكفى الحاجات المادية للجميع ، وفى مساواة لانه يتيح الحرية لكل فرد أن يسلك كما يريد وفقا لما تمليه عليه مسئوليته .
وبسبب موقفه الرافض للشريعة ، ودعوته الى تشريع جديد ، فإن محمود محمد طه قد حكمت عليه فى عام 1968م محكمة دينية بأنه مرتد . ولكن هذا الحكم لم يخرجه من المجتمع . ولقد تسنى لى مشاهدة البرهان على ذلك أكثر من مرة ، لاسيما أثناء عقد زواج بين إثنين من تلاميذه ، حسب مراسيم وضعها هو . فمع أن أغلبية المدعوين إلى حفلة الزفاف كانوا من المسلمين التقليديين ، فإنى لم ألحظ علامة معارضة من جانب هؤلاء ، كما أن الاحتفال قد تميز بخطبة تناولت العلاقات بين الرجل والمرأة فى الرسالة الثانية من الاسلام . حتى وإن كانت غالبية المسلمين السودانيين تنظر إليه كمبتدع ، فإن هنالك اكثر من واحد ، وليس من الدون ، لا يخشى إعلان ميوله إلى افكار محمود محمد طه ، مثل حفيدة خليفة المهدى التى ( شهدتها) تعبر علانيه عن انتمائها الى أفكار الاستاذ محمود ، فى حضور أسرتها المجتمعة ، وهى من القطاع التقليدى فى حزب الأنصار ، دون ان تجد الاسرة ما تقوله فى هذا الصدد – إسم الانصار فى السودان يطلق على الذين ساندوا المهدى فى نهاية القرن التاسع عشر ، وعلى الذين انحدروا منهم ، وبعبارة اخرى هؤلاء هم المهدويون .


فى بيت الاخوان
ولكن ، وبصورة أكثر مودة من دا ئرة هؤلاء المتعاطفين ، قل تعاطفهم أو كثر ، هنالك دائرة التلاميذ ، التى خارجها لايمكن التقدير الحقيقى لخصوبة منهجه وعمله الاصلاحى . هؤلاء التلاميذ يمثلون الذرية الروحية لهذا الرجل ، الذى كان قبل كل شئ ملهما ومرشدا .
هؤلاء " الاخوان " و " الاخوات " كما يسمون أنفسهم هم بصفة عامة قد جاءوا من أوساط على درجة كافية من الثقافة ، وينتشرون بوجه خاص ، بين الجامعيين والموظفين . وانتماؤهم الى الحركة يتطلب جهدا مزدوجا من التحول الفردى وحياة النضال فى المجتمع .

بعض هؤلاء الرجال وهؤلاء النساء يعيشون قبل زواجهم فترة خلوة (عاما او عامين وأحيانا أكثر ) فى منزل من "منازل الاخوان ".
فى سنة 1973م كان يوجد ثلاثة من هذه المنازل فى الخرطوم ، وكذلك فى ثلاث مدن اخرى فى السودان ، حيث يعيش الرجال والنساء وقتا من" التبتل" وذلك يعنى الانقطاع عن العالم ، والتفرغ لله ، ويتضمن بصورة خاصة العفة الجنسية ، ويسكنون فى منازل منفصلة ولكنها على مقربه من بعضها للآخر لتيسير اللقاءات.


مخلص حتى النهاية
فى وسط هذه المجموعات يتدرب الافراد على معيشه قيم " الرسالة الثانية من الاسلام " باداء الصلاة الفردية والجماعية ، وخاصة فى " الثلث الاخير من الليل " كعادة الصوفية وأصحاب الطرق ، وباقتسام ما يمتلكون ، بدفع جزء من مرتباتهم لسد أحتياجات الجماعة . ويتدرب الافراد كذلك على معيشة تلك القيم بالعمل الاجتماعى ، فى مجال التوعية ، مثل تنظيم أجتماعات للفكر والمناقشات ، وتوزيع مؤلفات الأستاذ محمود فى الطرقات . ولقد شرح لى ذات مرة وظيفة هذه المنازل فقال " إنها عن طريق التبتل تمكن من ترقية المجتمع بشكل لولبى متصاعد ويأخذ فى الأتساع ، حيث يمارس الفرد العبادة خلال الليل ، ويمارس العمل الاجتماعى خلال النهار . وهذا هو المكان المثالى لاعداد مجتمع جديد "
هكذا ، كان محمود محمد طه ، صادقا مع نفسه ، فكان أن ملك من الكرامة والشجاعة ليبقى مخلصا لالتزاماته حتى النهاية ، فى لحظة تقديمه للاعدام صليت من أجله . محمود، أخ المصلوب ، أخى !

انجمينا فى14 /10 /1985م


_________________

Post: #450
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 02:52 PM
Parent: #449


في ذكري الاستقلال
لوحة من الصراع الاسطوري مع الانجليز تشرف كل سوداني
كيف تمكن الاستاذ محمود محمد طه من انتزاع حقوق السجين السياسي؟؟
د. محمد محمد الامين عبدالرازق

نشأ الحزب الجمهوري في اكتوبر 1945م ، وكانت البداية في اجتماع تحت شجرة بالمقرن ضم عشرة من المثقفين الوطنيين، تلاقت أفكارهم وهم يتدارسون قضايا الحركة الوطنية.. وهؤلاء الرجال هم: محمود محمد طه، أمين مصطفي التني ، منصور عبدالحميد، إبراهيم المغربي ، محمود الازهري، أحمد محمد خير، إسماعيل محمد بخيت ، صالح عبدالقادر ، عبدالقادر المرضي وحسن طه.. وفي الاجتماع الثاني بمنزل الاستاذ محمود بالموردة في يوم 30/10/1945م ، انتخب المكتب السياسي للحزب كما يلي: محمود محمد طه رئيساً ، إبراهيم المغربي نائباً للرئيس ، عبدالقادر المرضي سكرتيراً ، احمد محمد خير اميناً للصندوق وعضوية بقية المجتمعين.. وفيما بعد انضم للحزب امين محمد صديق وتولي السكرتارية ومحمد فضل الصديق وآخرين..
من المبادئ التي اتفق عليها وشكلت برنامج الحزب السياسي:
1/ الجلاء التام للانجليز والمصرين علي السواء ، والعمل علي تحقيق ذلك بالصراع المباشر، حتي يتحقق استقلال السودان إذ أن الحرية حق للشعوب تنتزعه انتزاعاً وليس منحة من أحد..
2/ أعتماد النظام الجمهوري كنظام حكم للسودان.. وكان هذا أمراً غريباً في حينه، بل يعتبر شاذاً وذلك لأن كل الاحزاب السودانية كانت ترى ان النظام الملكي هو الذي يناسب السودان، وأن الشعب السوداني غير مؤهل للنظام الجمهوري..
3/ واجب المرحلة المباشر والأساسي هو سد فراغ الحماس الوطني، فقد نعى الحزب علي الأحزاب الأخرى لجوءها لأسلوب المذكرات والمؤتمرات، وعدم التوجه للشعب لاثارة حماسه وشحذ حسه الوطني..
انطلاقاً من هذه المبادئ، اتجه الحزب إلي اصدار المنشورات والكتيبات، والخطابة في المساجد والاماكن العامة ودور السينما والمقاهي، يندد بالاستعمار ويكشف اساليبه ، ويطالب بالجلاء التام.. كان كل ذلك يتم في وضوح شامل، وعمل مكشوف يستهدف في الشعب حسه الوطني وعاطفته الدينية لإثارته وتحريكه ضد المستعمر.. وكان الجمهوريون ينتقدون الأحزاب التقليدية، ويحاولون تحريكها بالاتصال المباشر من أجل تصعيد العمل الوطني..
في عام 1946م أصدر المجلس الاستشاري لشمال السودان قانون منع الخفاض الفرعوني .. فأخرج الحزب الجمهوري منشوراً بإمضاء رئيسه يهاجم فيه المجلس الاستشاري ويوضح فيه رأيه في القانون وفي موضوع الخفاض.. قال الاستاذ محمود لطلاب معهد الدراسات الافريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم وهو يلخص المنشور: ( إن لكل أمة عادات حسنة وعادات سيئة، وعادة الخفاض الفرعوني عادة سيئة .. لكن العادات السيئة في الشعوب لا تحارب بالقوانين، وإنما تحارب بالتنوير والتعليم والاقناع .. الانجليز لم يكن غرضهم من اصدار القانون كرامة المرأة ، وهم في الحقيقة فتحوا لها سوق النخاسة وكل الابواب التي لا تكون بها كريمة.. فغرض الانجليز الحقيقي من إثارة موضوع الخفاض، وقد أثير ذلك في البرلمان البريطاني، أن يقولوا للعالم في رد علي حركتنا الوطنية ، أن السودانيين لايزالون همجيين يمارسون عادات متخلفة كهذه ولذلك فإنهم لم يبلغوا الرشاد الذي يؤهلهم لحكم أنفسهم، ليستمروا في البقاء بالبلاد). هذا هو ملخص محتوي المنشور .. وبالفعل كان المنشور مثيراً وأحدث رد فعل مباشر من جانب الانجليز ، فأرسلوا الخطابين التاليين إلي الاستاذ محمود:
1/ الخطاب الاول:
مكتب التحريات الجنائية 36هـ/م ت ج ص.ب 288
الخرطوم في 24/3/1946م
محمود محمد طه .. تاجر .. امدرمان
السيد المحترم: بموجب هذا مطلوب حضورك بمكتب التحريات الجنائية الساعة التاسعة يوم 25/3/1946م للاجابة علي أسئلة تتعلق بمنشورات يعتقد أنها صدرت عن الجمهوريين .. أرجوا التكرم بالتوقيع لاستلام هذا الخطاب ..
المخلص ج.أ.س يرايس
ملاحظ مكتب التحريات الجنائية
2/ الخطاب الثاني:
( ورقة تكليف بالحضور للإدلاء بمعلومات تتعلق باحتمال الاخلال بالسلام) (انظرالمادتين 81 و84)..
إلي محمود محمد طه، مقاول أمدرمان
بما انه قد تبين لي بمعلومات موثوق بها أنك قد أصدرت منشوراً يعتقد أنه من المحتمل أن يثير الشعور بالكراهية ضد الحكومة، ويؤدي إلي الاخلال بالسلام أو إلي إزعاج الطمأنينة العامة.. فأنت بموجب هذا مطلوب حضورك شخصياً للمثول أمام محكمة الجنايات في يوم 2/6/1946م الثامنة صباحاً لتوقع علي كفالة مالية قيمتها خمسون جنيهاً، وأيضاً لتوقع علي كفالة بواسطة ضامن واحد بمبلغ خمسون جنيهاً علي ان تحفظ السلام وتمتنع لمدة سنتين عن القيام بالأعمال غير المشروعة والتي من المحتمل أن تخل بالطمأنينة العامة، أو تبين السبب الذي يمنعك عن التوقيع علي هذه الكفالة وهذا الضمان.. و.س. ماكدوال قاضي جنايات الخرطوم 29/5/1946م
يلاحظ في الخطابين أن الانجليز تعمدوا تجاهل مخاطبة الاستاذ محمود بوصفه رئيساً لحزب سياسي، وهو اتجاه لعدم الاعتراف بالاحزاب التي تخرج علي الخط المهادن للانجليز.. هذا وقد شغلت أنباء مواجهة الجمهوريين للانجليز صفحات الصحف في تلك الايام، وهذا نموذج:
(الرأي العام -3/6/1946م: مثل الاستاذ محمود محمد طه المهندس أمس امام قاضي الجنايات المستر ماكدوال متهماً من بوليس الخرطوم تحت قانون التحقيق الجنائي لتوزيعه منشورات سياسية من شأنها الاخلال بالامن العام، وقد أمره القاضي أن يوقع علي صك بكفالة شخصية بمبلغ خمسين جنيهاً لمدة عام لا يشتغل خلالها بالسياسة، ولا يوزع منشورات أو يودع السجن لمدة سنة إذا رفض ذلك .. ولكن الاستاذ محمود رفض التوقيع مفضلاً السجن، وقد اقتيد لتوه إلي سجن كوبر) انتهي..
وفي داخل السجن أشتعلت المواجهة مع الانجليز ، فقد حكي السيد نصر الدين السيد أحداث دخول الاستاذ محمود للسجن في اللحظات الاولي ، عندما التقي بوفد الجمهوريين المتحرك بالجنوب ، وهو كان يشرف علي انتخابات مجلس الشعب الاخير في نهايات مايو ، قال: اقتيد الاستاذ محمود إلي السجن بواسطة أثنين من الضباط السودانيين، وعندما وصل مكتب التسجيل أطلق يديه بقوة وانتزع دفتر التسجيل وضرب به وجه الضابط الانجليزي المسؤول.. ثم رفض القيام للضباط الانجليز ، وعندما عاتبه أحد الضباط المصريين محتجاً علي عدم القيام له رد عليه الاستاذ: ( أنا لو كان بقيف للزيك الجابني هنا شنو!!) ويواصل السيد نصر الدين، الذي كان ضابطاً برتبة ملازم آنذاك: رفض الاستاذ محمود أن يلبس زي المساجين ، فكلف الانجليز أحد الضباط السودانيين بأن يلبسه إياه بالقوة، لكن الضابط قال للاستاذ محمود بعض أن وضح له المهمة المكلف بها أنه لن ينفذها حتي لو يقلع الكاكي ويذهب إلي منزله !! فنظر إليه الاستاذ محمود ملياً ثم قال له: إذهب وقل لهم قال سيلبسه غداً بعد نهاية يوم العمل، وقال السيد نصر الدين : الغريب أن الانجليز فرحوا لهذا الرأي!!
قال الاستاذ محمود لطلاب الدراسات الافريقية حول هذه الاحداث:
عندما دخلت السجن قررت لابد من أن أحدث حاجة في داخل السجن، وهي المخالفة لتعاليم السجن ، وقوانين السجن وأوامر السجن.. وضباط السجن كانوا اثنين من الانجليز قلت لهم : أنا ماعندي معاكم أنتو حاجه شخصية .. الحكومة مابتعترف بالمسجون السياسي ، لكن دا سجن سياسي بطبيعة حاله، كونها مابتعترف بيهو دا مابغير الحقيقة دى ، ويبقي حقكم تعرفوها وتحترموها.. إذا كان أنا مسجون سياسي وأنا بقول للحاكم العام أنت تخرج من البلد لايمكن أن اطيع أوامركم وانتو موظفين صغار وإنجليز .. وفعلاً فهموها بالصورة دى فلمن يمروا أنا ما بقوم ليهم ودى كانت بتقتضي أن أعاقب بزنزانه .. في الزنزانة أنا بصوم ما يسمي بالصيام الصمدي عند الصوفية .. الجمهوريون في الخارج يرفعوا المسألة بأني مضرب عن الطعام لسوء المعاملة بالسجن) .. أنتهي
استمرت هذه المواجهة داخل السجن طيلة شهر يونيو ، ومما جاء في الصحف عن ذلك هذا البيان:
الرأي العام 26/6/1946م بيان رسمي من مكتب السكرتير الاداري عن رئيس الحزب الجمهوري: ( أظهرت بيانات في الصحف المحلية حديثاً بخصوص محمود محمد طه الذي هو الآن تحت الحراسة بالخرطوم بحري نتيجة لرفضه أن يمضي كفالة المحافظة علي الأمن .. وهذه البيانات قد احتوت علي معلومات غير دقيقة ، والحقائق كالآتي: لمدة يومين رفض محمود أن يشتغل وهذا يخالف قوانين السجن ، فلم يعمل له أي شئ في اليوم الاول، أما في المرة الثانية فقد حكم عليه بالبقاء ثلاثة أيام بالزنزانة والأكل الناشف .. ولو أنه رفض أيضاً ان يقف عند الكلام مع ضابط السجن فإن العقوبة التي نالها الآن لم تعط له لهذه المخالفة لنظام السجن ، وبهذه المناسبة يجب ان يعلم أن كل المساجين مهما كانت جنسياتهم يجب أن يقفوا إلي ضابط السجن إنجليزياً كان أو سودانياً) انتهي..
كان هناك اتصال بين الاستاذ محمود وأعضاء حزبه بالخارج للتنسيق في العمل داخل وخارج السجن وكان الاستاذ محمود يرفض أن يكون مجرماً كما أسلفنا ويعتبر نفسه سجين سياسي ويجب أن يعامل معاملة السياسيين .. هذا نموذج للخطابات التي كان يتم تبادلها مع الجمهوريين بالخارج وكان ينقل هذه الخطابات بعض الضباط السودانيين الشرفاء الذين يقفون مع الوطنيين وهم في الخدمة:
(أخي أمين : تحية لك ولأخوانك وشوقاً وبعد.. فهذا الجواب اتجاه موفق ما في ذلك شك والله أسأل ان يسدد الخطأ والخطى.. إدارة السجن مضطربة جداً لتحركاتكم وأصبح الحكمدار يحاول التودد بكل سبيل.. معاملتهم لي فيها كثير من الحذر الشديد، وقد أخبرني أنه جاء في عمل شئ ينقذ الموقف لأني مصر علي ألا أقف لمدير الخرطوم وخلافه فسألني: اتعتقد أنك بوقوفك مع المساجين عند زيارة المدير تجعل من نفسك مجرماً معهم؟ فقلت: ذلك حق ولكنه ليس كل الحق.. فأني بوصفي رئيس حزب سياسي يناضل من أجل بلاده سيحط من الجهاد الوطني إن رضيت أن أقف لأي رجل إجلالاً له.. قال : ذلك معقول ، ثم فكر وقال: إنه يريد أن يجعل لي مقاماً خاصاً في السجن لاقيم فيه وذلك لئلا تسري الروح هذه في باقي المساجين.. فهم لا يرون أن يعترفوا للمسجون السياسي بأي حق.. إن الحكومة الآن تقبض علي الجمر وتود بكل سبيل أن لو أمضي لها التعهد لتخرج من الحرج ببقية الكرامة لأنها تشعر أن ما ارتكبت من خطأ سيحي الجهاد الوطني ويضعفها هي في نظر المجاهدين.. ومن المحقق أن الحكومة لا تريد أن تعترف بمكانة للسياسي السوداني، ولا للأحزاب السودانية.. وفرصة وجودي هنا ستخدم هذه النقطة بالذات خدمة لا حد لها، إذا استغل استغلالاً حسناً.. فأنا سأضغط علي إدارة السجن، فلا أقبل أي معاملة أقل من معاملة المسجون السياسي، وأن اقيم في مكان مميز وأن توفر لي وسائل الراحة والقراءة والكتابة، وألا ألبس ملابس السجن وألا أقيد إلا في الحدود التي تكفل للحكومة عدم نشر آرائي السياسية مثلاً، وان أحترم من رجال البوليس والإدارة في كل هذه الحدود.. وهذه أشياء تؤذي الحكومة أبلغ الإيذاء.. فأري أن تطالبوا أنتم بها في الخارج ، وبعدها تطالبوا بإطلاق سراحي.. فإنه من غير المعقول أن تطلق الحكومة يدها في أعدائها كيف تري؟ وحيث ترى.. ذلك بأن رجال السياسة السودانيين هم عتاد البلاد ومسلكهم أعداء للحكومة وحرب عليها.. ويمكنكم أن تحتجوا أكثر من هذا بأن تذكروا بأن الحكومة تستعين علي أعدائها رجال السياسة الوطنية بالجراثيم.. فإنها قد أدخلتني في زنزانة يسكن فيها مرضي السل، وكان بالقرب مني مريضان في الطور الاخير من المرض وقد منعت الماء في ليلة، فاضطررت لأخذ ماء الوضوء منهم ومن أزيارهم .. وقد كانا يحضران ويتحدثان معي جزءاً من الوقت ، ويقفان عند باب الاودة بكل حسن نية وهما طليقان يقفان في كل مكان بالحوش من غير مراقبة مثلاً .. كل هذه أشياء تستطيعون أن تكبروها وتهللوا بها وتوجهوها إلي صدر الحكومة.. وستطلق سراحي يوم أصبح متعباً لهم في الداخل وأنتم في الخارج.. وإني بعون الله وتوفيقه لن أمكث طويلاً هنا، ولكني سوف أخرج يوم أخرج والنضال الوطني مركز جداً بفضل مجهودكم في الخارج ومجهودي في الداخل) أنتهي .... من مذكرات امين محمد صديق ..
من وحي هذا الصراع أستشار الحاكم العام السيد الدرديري محمد عثمان الذي كان زميلاً للاستاذ محمود بكلية غردون ، فقال له الدرديري أنه يعرف الاستاذ محمود منذ الصبا فهو لا يتنازل عن رأي يراه الحق حتي لو أدي ذلك إلي موته .. فأصدر الحاكم العام قراراً باطلاق سراح الاستاذ محمود دون قيد أو شرط بعد خمسين يوماً فقط فلم يكمل العام المقرر في الحكم الاساسي .. وذلك بسبب الاثر الذي تركته المواجهة داخل وخارج السجن .. نشر الخبر في الصحف فانهالت البرقيات والرسائل علي مكتب الحزب الجمهوري بالتهنئة لهذا النضال المشرف للسودانيين ، وإليك نماذج من تلك البرقيات:
* سكرتير الحزب الجمهوري - أمدرمان
كان سجن الرئيس درساً قيماً لشباب الجيل في الايمان والروح وقد سررنا لخروجه لا شفقة عليه ولكن ليواصل الجهاد الوطني..
حسن بابكر القضارف 24/7/1946م
* محمود محمد طه – الحزب الجمهوري – أمدرمان
تأكل النار الصدأ واللمما وبها يسمو كريم الذهب
ويرى الحر العذاب المؤلما لذة في الحق ياللعجب
ياسجيناً قدره قد عظما وسما حتى جثا في السحب
أحمد محمد عثمان – عطبره 29/7/1946م
* الاستاذمحمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري – أمدرمان
أعضاء جبهة المؤتمر الوطني بالابيض يرون في خروجك من السجن آية واضحة للإيمان بالوطنية الصادقة ويعدون جهادكم رمزاً للكرامة السودانية، فبقلوب مفعمة بالغبطة يشاركون اخوانهم الجمهوريين السرور بعودتكم لميدان الجهاد. السكرتارية 24/7/1946م
* أمين صديق ، البوستة الخرطوم للرئيس
دخلته رجلاً وغادرته بطلاً وضربته مثلاً
علي عبدالرحمن – الابيض 27/7/1946م
* سكرتير الحزب الجمهوري – الخرطوم
إن جميع اعضاء الجبهة الوطنية بسنجة مستبشرون بالإفراج عن رئيس حزبكم العظيم وهم جميعاً يبتهلون إلي الله أن يسدد خطاكم ويتمنون للرئيس العافية وحسن الجهاد..
سكرتير عام الجبهة الوطنية- سنجة 2/8/1946م
* محمود محمد طه أمدرمان
عرفنا فيك المثل الأعلي منذ عهد الطلب، فسرنا أن يعرف القاصي والداني هذا القلب الكبير.
صديق الشيخ – كوستي 30/7/1946م
*محمود محمد طه – أمدرمان
اوفيت كرامة السودان وإبائه حقهما – فتلعش رمزاً صادقاً للوطنية الخالصة- لك تقديرنا واعجابنا.
أتحاد طلبة كردفان- الابيض 23/7/1946م
* محمود محمد طه – أمدرمان
لقد سجلت بعزمك القوى وإيمانك الصادق فخراً للأجيال فالتعش مرفوع الرأس – لك مني التهاني.
الطيب حسن / عطبره 24/7/1946م
لم يتوقف الصراع مع الانجليز بنهاية هذا السجن الاول ، فقد ذهب الاستاذ محمود إلي رفاعه بعد اطلاق سراحه ، في اغسطس 1946م ، وقاد ثورة رفاعه ضد الانجليز عندما اعتقلوا امرآة خفضت بنتها بموجب قانون منع الخفاض .. وثار الجمهور خلفه إلي سجن الحصاحيصا وأخرج المرأة بالقوة .. نتيجة لهذا حكم عليه مرة أخرى بالسجن لعامين كاملين قضاهما بين مدني وكوبر ، وسار نفس السيرة فأضطر الانجليز إلي وضعه في غرفة خاصة تفادياً للحرج الذي يحدثه بمواجهته الصارمة .. فكان هذا الوضع هو النواة التي انبني عليها وأسس حق السجن السياسي لمن يعمل بالسياسة ..

Post: #451
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 02:53 PM
Parent: #450


القول الفصل في حكم الضحية عند الأستاذ محمود محمد طه
الضحية غير واجبة لا على الفقراء ولا على الأغنياء بل الواجب تركها
الضحية كانت سنة عادة مرحلية أسقطت عن الأمة بالعمل النبوي
د.محمد محمد الامين عبد الرازق
بسم الله الرحمن الرحيم (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ). صدق الله العظيم.
في إحدى زياراته لحديقة الحيوان بالخرطوم ، قال الأستاذ محمود ، أن الإنسان كلما زار الحديقة ، فإنه يخلف طرفاً من حيوانيته فيها ، ومن ثم يحس بقيمته الإنسانية ويتجه نحو التخلص من صفات الحيوان التي يراها مجسدة أمامه في تنوع الحيوانات .. والتخلص من صفات الحيوان في الإنسان يقرب الإنسان إلى الله .. وفي تاريخ البشرية الطويل كان التقرب إلى الآلهة يتم بذبح الإنسان ، ثم بذبح الحيوان ، وفي هذا الإطار يجئ من أصول القران الفهم العلمي الذي يدعو للانتقال من الخارج إلى داخل النفس البشرية ، والعمل على تهذيبها نحو الإنسانية .. وهذه النهاية كانت جميع التجارب السابقة العنيفة بالفرد البشري وبالحيوان مقدمة لها ، ولذلك فإن التقرب إلى الله اليوم إنما يكون بالتخلص من صفات الحيوان فينا وليس بذبح الحيوان خارجنا بأي حال من الأحوال..
هذا البحث عن (الضحية) يعرض النصوص القاطعة ، والآثار المسنودة في سقوط الضحية في حق الأمة المسلمة !! ويأتي البحث في وقته تماماً ، فقد صارت الظروف الاقتصادية الصعبة ، المتمثلة في غلاء أسعار الماشية ، بصورة مذهلة ، واقعاً ضاغطاً يجعل دعوتنا إلى التمثل بالنبي الكريم حين ضحى عن أمته ، فأسقط وجوب الضحية عنها ، وبأصحابه حين كان كبارهم ، وأغنياؤهم ، لا يضحون ، اتباعاً لروح الدين وتفهماً لعمل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم .. يضاف إلى ذلك الوضع الصحي المتردي الناجم عن ظهور مرض الحمى النزفية بالبلاد، كل ذلك يجعل هذه الدعوة ، اليوم أكثر واقعية ، وأقرب إلى الأذهان ، من أي وقت مضى.. هذا إلى جانب الآثار الاجتماعية السلبية التي تنجم عن الضحية في مثل ظروفنا الراهنة ..
ولسنا نريد ، بذلك أن نجد للصعوبة والاستحالة العملية في (التضحية) ، مبررات دينية كدأب الدعاة ، الدينيين ، اليوم ، ولكننا إنما نريد أن نجد لرأينا الديني الثابت ، المسبق في الضحية سنده من هذا الواقع الجديد ، كدأبنا دائماً حين نسبق الأحداث برفع صوت العقل ، فيبدو غريباً لا يسمع له ، إلا بعد أن تطل الأحداث برأسها ، فيجد رأينا مصداقه فيها!! فنحن،الإخوان الجمهوريين ، في تحرينا لاتباع السنة الحقيقية (ونحن الدعاة إلى أحيائها ، اليوم) إنما نرى أن الضحية ، كما هي في الدين ، سنة عادة سقط حكمها بذهاب ظروفها ، ونسند ذلك بأقوى الأسانيد القرآنية ، والنبوية ..ولذلك فنحن، ومنذ زمن، لا نضحي كما لم يكن أبو بكر وعمر وأغنياء الأصحاب يضحون ، فيما ترويه الآثار المثبتة في هذا البحث.. ولو كان دافع الناس للضحية دافعاً دينياً لما احتفلوا بها ، وهي المرحلية ، وأهملوا السنن النبوية الأساسية في الخلق ، وفي قيام الليل ، وفي تفقد المحتاجين ، والبذل لهم ، وذلك مما يدل على انتهاء وقت الضحية كقربة دينية ، بعد أن أصبحت مظهراً اجتماعياً يحرص الناس عليه ، وبأساليب تبعدهم عن الدين، وتذهب باستقرارهم الاقتصادي ، والصحي ، مع أن هناك سنناً أساسية تهم المتدينين ، أكثر فأكثر ، ولكنها لا تجد منا الحرص الذي تجده الضحية كعادة اجتماعية..فالضحية ساقطة في حق هذه الأمة ، وسقوطها اليوم ، في حقها ، أكثر (وجوباً) من أي وقت مضى ..
ما هي سنة العادة ؟؟
سنة العادة هي ما كان يفعله الرسول ، صلى الله عليه وسلم ،اخذا بالعادة السائدة في ذلك المجتمع ، والتي إنما تتعلق بظاهر الحياة ، كالأكل ، واللبس والمركب ، ومما يمثل التطور التاريخي لذلك المجتمع ، ولا يتعلق بجوهر العبادة ، أو المعاملة ، ولا يتعارض مع غرض من أغراض الدين ، في ذلك الوقت .. ولقد كان أخذه ، بمثل هذه العادة إنما هو من تمام تنزل الرسالة إلى أرض الواقع المعاش ، حيث تقتضي الحكمة ألا تصادم الرسالة العرف ، وإنما تعايشه ، وتهذبه وتتسامى به. قال تعالى لرسوله الكريم: (خذ العفو ، وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ..) ، وذلك تدريجاً للناس ، ورحمة بهم ودفعاً للمشقة والعنت عنهم .. قال تعالى: (لقد جاءكم رسول من أنفسكم ، عزيز عليه ما عنتم ، حريص عليكم ، بالمؤمنين رؤوف رحيم) .. ومن هذه الحكمة أن سنة العادة ليست سنة باقية ، وإنما هي رهينة بالظروف التاريخية المؤقتة ، فهي تتطور ، وتتغير حسب ما يجد من تطور المجتمع البشري ، والفرد البشري .. ومن سنة العادة كانت اللحية ، والعمامة والعصا ، والضحية ..
أما سنة العبادة ، تمييزاً لها عن سنة العادة ، فإنما هي السنة الباقية ، الواجبة الاتباع ، لأنها تقوم على أصول القرآن الثابتة ، وتمثل عمل النبي الكريم ، في خاصة نفسه والدال على معرفته بربه ، وعبوديته له. هذه هي السنة التي نعنيها حيثما تحدثنا عن السنة ، وذلك كالصلوات الخمس ، وصلاة القيام في الثلث الاخير من الليل ، وكالزكاة النبوية في إنفاق ما زاد عن الحاجة الحاضرة .. وهذه السنة هي معاملة النبي لربه ، وهي تثمر معاملة النبي للخلق ، وهي تقوم ابتداء على كف الأذى عن الناس ، ثم تحمل الأذى منهم ، ثم توصيل الخير إليهم. وهذه هي السنة المعنية بقول النبي الكريم: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً ، كما بدأ فطوبى للغرباء!! قالوا من الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها !!) ..والضحية سنة من سنن العادة التي فعلها الرسول الكريم ، ولكنها ، حتى كسنة عادة ، أقل سنن العادة تأكيداً فقد أسقطها عن أفراد أمته ، لقيامه بها عنهم فلم يلتزمها أكابر أصحابه ، وسائرهم كما سنرى في هذا الفصل.
جذور الضحية وتطورها:
هاهو الأستاذ محمود محمد طه يتحدث عن طور من أطوار (الضحية) حينما كان الفرد البشري هو نفسه (الضحية)!! ثم عن طور آخر منها حينما فدى الإنسان بالحيوان ، فصار الحيوان هو (الضحية) .. مشيراً بذلك ، إلى طور جديد فيه تسقط حتى (الضحية) بالحيوان ، فيتم ، بالعلم ، فداء الفرد البشري وفداء الحيوان معاً !! يقول الأستاذ محمود في كتاب (الرسالة الثانية من الإسلام) صفحة 29: (ولما كان الفرد البشري الأول غليظ الطبع، قاسي القلب، بليد الحس، حيواني النزعة، فقد احتاج إلى عنف عنيف لترويضه ، ونقله من الاستيحاش إلى الاستئناس ، وكذلك كان العرف الاجتماعي الأول شديدا عنيفا ، يفرض الموت عقوبة على أيسر المخالقات بل أنه يفرض على الأفراد الصالحين أن يضعوا حياتهم دائماً في خدمة مجتمعهم ، فقد كانت الضحية البشرية معروفة تذبح على مذابح معابد الجماعة استجلاباً لرضا الآلهة ، أو دفعاً لغضبها حين يظن بها الغضب ، ولقد كانت هذه الشريعة العنيفة ، في دحض حرية الفرد في سبيل مصلحة الجماعة ، معروفة ، ومعمولاً بها إلى وقت قريب ، ففي زمن أبي الأنبياء إبراهيم الخليل ، وهو قد عاش قبل ميلاد المسيح بحوالي ألفي سنة ، كانت هذه الشريعة لا تزال مقبولة ديناً وعقلاً ، فإنه هو نفسه قد أمر بذبح ابنه إسماعيل ، فأقبل على تنفيذ الأمر غير هياب ولا متردد ، فأذن الله ، يومئذ ، بنسخها فنسخت ، وفدي البشر بحيوانية أغلظ من حيوانيته ، وكان هذا إعلاماً بأن ارتفاع البشر درجة فوق درجة الحيوان قد اشرف على غايته .. ولقد قص الله علينا من أمر إبراهيم وإسماعيل فقال (وقال إني ذاهب إلى ربي سيهديني * رب هب لي من الصالحين * فبشرناه بغلام حليم * فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام إني أذبحك ، فانظر ماذا ترى ، قال يا أبت أفعل ما تؤمر ، ستجدني إن شاء الله من الصابرين * فلما أسلما وتله للجبين * وناديناه أن يا إبراهيم * قد صدقت الرؤيا أنا كذلك نجزي المحسنين * إن هذا لهو البلاء المبين * وفديناه بذبح عظيم * وتركنا عليه في الآخرين * سلام على إبراهيم).. (وتركنا عليه في الآخرين) تعني ، فيما تعني ، إبطال شريعة العنف بالفرد البشري ، لأنها لبثت حقباً سحيقة ، وقد تم انتفاعه بها فارتفع من وهدة الحيوانية ، وأصبح خليقاً أن يفتدى بما هو دونه من بهيمة الأنعام.. ولا عبرة ببعض صور العنف التي لا يزال يتعرض لها الأفراد في المجتمعات البشرية المعاصرة ، فأنها آيلة إلى الزوال كلما أتيحت لها فرص الوعي والرشد. فإن التضحية الحسية بالفرد البشري لم تنته بجرة قلم على عهد إبراهيم الخليل ، والتاريخ يخبرنا أن المسلمين ، لدى فتح مصر قد وجدوها تمارس في صورة عروس النيل ، فأنه قد قيل أن عمرو بن العاص فاتح مصر وأميرها يومئذ ، قد انتبه ذات يوم على جلبة عظيمة ، فسأل عنها ، فأخبر أن القوم قد جرى عرفهم بأن يتخيروا بنتاً ، من أجمل الفتيات ، ومن أعرق الأسر ، يزفونها كل عام إلى النيل ، يلقونها في أحضانه فداء لقومها من القحط ، لأنها تغري النيل بأن يفيض عليهم باليمن والبركات ، فطلب إليهم عمرو بن العاص أن يستأنوا بها ، حتى يستأمر عمر بن الخطاب إليهم في ذلك فكتب إلى عمر ، فرد بجوابه المشهور الذي قال فيه:
(بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد الله عمر بن الخطاب ، أمير المؤمنين ، إلى نيل مصر.
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أما بعد ، فإن كنت تفيض من عندك فلا تفض وإن كنت إنما تفيض من عند الله ففض. وأمر عمرو بن العاص أن يلقيه في النيل ، ففعل ، وفاض النيل ، وأبطلت من يومئذ تلك العادة ، وتم بالعلم فداء جديد للفرد البشري).
فداء الإنسان بالعلم:
هذا ما جاء في كتاب (الرسالة الثانية من الإسلام) عن فداء الإنسان بالحيوان .. وقد أشار هذا الكتاب أيضاً ، إلى فداء الإنسان بالعلم حينما تحدث عن بني إسرائيل فيما تحكيه الآية (وإذ قال موسى لقومه يا قومي إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل ، فتوبوا إلى بارئكم ، فاقتلوا أنفسكم ، ذلكم خير لكم عند بارئكم ، فتاب عليكم ، إنه هو التواب الرحيم) فقال الكتاب (وفرض عليهم ، في التوبة أن يقتلوا أنفسهم ، قتلاً حسياً وهو بسبيل مما تحدثنا عنه في أمر التضحية بالفرد البشري على مذابح العبادة في أول النشأة) ومضى الكتاب ليقول (ولما تقدم الفرد البشري هونا ما ، وأصبح لا يحتاج كل ذلك التشديد ليتربى خفف عنه) ، وتحدث الكتاب عن هذا التخفيف حين جاء التشريع في حق الأمة المحمدية: (ونهي عن قتل النفس التي أصبحت تستجيب بأقل من هذا العنف فقال (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً) وهو إنما كان في شريعته بنا رحيماً لأننا أصبحنا رحماء "كما تدين تدان") (الرسالة الثانية من الإسلام) صفحة 44 و45.
وقد أكد النبي الكريم أن حكمة الضحية بالحيوان قد أشرفت ، هي أيضاً على غايتها ، فضحى ، هو ببهيمة الأنعام ففدى بها أمته .. ضحى بها ختماً لسنة أبيه إبراهيم ، في الفداء بالحيوان ، وافتتاحاً للعهد الذي تنتهي فيه عادة القربان الحيواني. فإنه لما سأله أصحابه: ما هذه الأضاحي ؟؟ قال: سنة أبيكم إبراهيم!! (سنن ابن ماجة ، الجزء الثاني ، صفحة 26 ، وتفسير ابن كثير لسورة الحج ، الجزء الرابع ، صفحة 641).
الضحايا والهدايا في الجاهلية:
وعن عادة القربان بالضحايا والهدايا في الجاهلية يقول ابن كثير في تفسير قوله تعالى ، من سورة الحج (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ، ولكن يناله التقوى منكم ، كذلك سخرها لكم لتكبروا الله على ما هداكم ، وبشر المحسنين) .. وعلى هذه الآية: إنما شرع لكم نحر هذه الهدايا والضحايا لتذكروه عند ذبحها ، فإنه الخالق الرزاق لا يناله شيء من لحومها ، ولا دماؤها ، فإنه تعالى هو الغني عما سواه ، وقد كانوا في جاهليتهم إذا ذبحوها لآلهتهم وضعوا عليها من لحوم قرابينهم ونضحوا عليها من دمائها ، فقال تعالى: (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها) وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي ابن الحسين ، حدثنا محمد بن أبي حماد ، حدثنا إبراهيم بن مختار عن ابي جريج قال: كان أهل الجاهلية ينضحون البيت بلحوم الإبل ودماؤها ، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فنحن أحق أن ننضح) فأنزل الله (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) أي يتقبل ذلك ويجزي عليه). انتهى تفسير ابن كثير.
وهكذا فإن الضحايا والهدايا كانت عادة اجتماعية سائدة ، قبل الإسلام ، ولكنها قرابين للآلهة ، يذكرون عليها أسماءها ولا يأكلون لحومها فلما جاء الإسلام أبقى على هذه العادة لارتباطها بالتطور التاريخي لذلك المجتمع ، ولكنه جعلها قربة لله بدلاً عن الآلهة وجعل ما يذكر عليها هو اسم الله ، بدلاً عن أسماء الآلهة ، ومنع نضح دمائها ولحومها عل الكعبة وأباح أكل لحومها .. قال تعالى: (والبدن جعلها من شعائر الله ، لكم فيها خير ، فاذكروا اسم الله عليها صواف ، فإذا وجبت جنوبها فكلوا منها ، وأطعموا القانع والمعتر ، كذلك سخرناها لكم لعلكم تشكرون) ..(فالبدن) ، وهي إبل الهدي الذي يسوقه الحاج معه ليذبحه بعد أداء مناسكه ، ويهديه للكعبة ، كان للمسلمين فيها خير ، (لكم فيها خير) وهو الانتفاع بلحومها كما وجهت لذكر الله ، وشكره .. جاء في تفسير ابن كثير الجزء الرابع ، صفحة 632: ("فكلوا منها" قال كان المشركون لا يأكلون من ذبائحهم فرخص للمسلمين).
ويقول كتاب (مكة والمدينة في الجاهلية وعصر الرسول) لأحمد إبراهيم الشريف ، صفحة 182 – 183 عن اصل عادة (الهدي) قبل الإسلام ، وعن دخولها عهد الإسلام (ومضامين الآيات وأساليبها تلهم بقوة وصراحة أنها كانت تقاليد العرب قبل البعثة وقد أقرها الإسلام لما فيها من فوائد عظيمة في ظروف الحج وفي بيئة قبل البعثة وبعدها ، وكان العرب يحيطون هذا التقليد بالعناية والحرمة بل التقديس والرهبة حتى يترك الحاج هديه سائما فلا يتعرض له أحد بسوء لأن التعرض له إنما هو التعرض لمال الله تقرباً إلى الله رب البيت وقد ابطل الإسلام هذه العادة ونبه إلى أن الله لن يناله شيء من لحومها ولا دماؤها ولكن الذي يريده من الناس هو التقوى والإخلاص ، وكانوا يأثمون من أكل لحوم هديهم ويتركونها للفقراء والمساكين والسباع والجوارح فأباح الإسلام لأصحاب الهدي إن شاءوا أن يأكلوا منه وأن يطعموا البائس الفقير والقانع والمقتر أي المحتاجين سألوا أو لم يسألوا ، كما كانوا يذبحون الهدي عند الأوثان والأنصاب في فناء الكعبة ويذكرونها في أثناء الذبح فنهى القرآن عن هذا وأوجب ذكر الله وحده عند الذبح) انتهى.
فالهدي والضحية كفداء ، إنما كان عادة اجتماعية سائدة قبل الإسلام وقد دخلت عهد الإسلام بعد تهذيبها وسنرى فيما يلي كيف ضحى النبي الكريم عن أمته فأسقط عنها وجوبها.
الرسول الكريم يضحي عن أمته:
وفدى الرسول صلى الله عليه وسلم أمته بأن ضحى عنها ، فأسقط الضحية عن كافتها!! جاء في تفسير ابن كثير الجزء الرابع صفحة 642 (عن علي بن الحسين عن أبي رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أقرنين أملحين ، فإذا صلى وخطب الناس أتى بأحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية ، ثم يقول: (اللهم هذا عن أمتي جميعاً: من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ) ثم يأتي بالآخر فيذبحه بنفسه ثم يقول: (هذا عن محمد وآل محمد) فيطعمهما جميعاً للمساكين ، ويأكل هو وأهله منهما. رواه أحمد ، وابن ماجة..) ثم يمضي ابن كثير فيقول ، في صفحة 646: (وقد تقدم أنه عليه السلام ضحى عن أمته فأسقط ذلك وجوبها عنهم) .. فالنبي الكريم بضحيته عنه وعن آل بيته ، وعن أمته إنما فعل سنة أبيه إبراهيم ولكنه لم يستن الضحية ابتداء .. فعل سنة إبراهيم فاختتمها ، وفدى أمته عنها وافتتح عهداً جديداً للتقرب إلى الله بالعلم ، وفدى أمته بالفكر ، لا بالحيوان ، وهو وفي نفس الوقت ، إنما جارى عادة سائدة ، فهذبها وتسامى بها ، وفتح الطريق إلى ما هو خير منها ..
ونسوق فيما يلي أدلة أخرى على إسقاط الرسول الكريم للضحية عن أمته.
1- جاء في "سبل السلام" الجز الرابع ، صفحة91 : (وقد أخرج مسلم وغيره من حديث أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسل: (إذا دخلت العشر فأراد أحدكم أن يضحي فلا يأخذ من شعره شيئاً) قال الشافعي: إن قوله (فإذا أراد أحدكم) يدل على عدم الوجوب) ، وفي (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) ، الجزء الأول صفحة 464 مثل هذه الرواية ومثل هذا التعقيب.
2- وتدل الروايات على أن النحر قد كتب على الرسول الكريم ، ولم يكتب على أمته ، قياماً عنها بسنة هذه العادة الموروثة ، وفداء لها بإسقاطها عنها .. فقد أورد (سبل السلام) في نفس الصفحة السابقة: (ولما أخرجه البيهي أيضاً من حديث ابن عباس قال: ثلاث هن على فرض ولكم تطوع وعد منها الضحية. أخرجه أيضاً عن طريق آخر بلفظ: (كتب علي النحر ، ولم يكتب عليكم) .. فالنبي الكريم ضحى إسقاطاً لوجوبها على أمته ، وضحى أصحابه تطوعاً ، لا وجوباً ، وكبارهم ، وعلماؤهم وأثرياؤهم تركوها فلم يضحوا ، عملاً بحكم إسقاطها ، كما سنرى بعد قليل).
3- وجاء في (سبل الإسلام) صفحة 96: (واخرج البيهقي من حديث عمرو بن العاص أنه صلى الله عليه وسلم قال لرجل سأله عن الضحية وأنه قد لا يجدها فقال: (قلم أظافرك ، وقص شاربك ، واحلق عانتك ، فذلك تمام أضحيتك عند الله عز وجل !! – ورواه أبو داوود في (سنن أبي داوود) الجزء الثالث صفحة 93. وفي هذا الحديث إشارة لطيفة إلى استبدال الضحية بالحيوان بعمل يتجه إلى تهذيب بقايا الموروث الحيواني في البشر أنفسهم وهي الشعر والأظافر ، مما يفتح الطريق أمام قيمة جديدة هي أن يفدي الإنسان نفسه ، بتهذيب نفسه ، لا بكائن خارجه إنساناً كان أو حيواناًََ!!
الصحابة لا يضحون!!
جاء في تفسير ابن كثير الجزء الرابع صفحة 646 (وقال أبو سريحة كنت جاراً لأبي بكر وعمر وكانا لا يضحيان خشية أن يقتدي الناس بهما) وجاء في سبل الإسلام الجزء الرابع ص 91: (وأفعال الصحابة دالة على عدم الإيجاب – إيجاب الضحية – فأخرج البيهقي عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما كانا لا يضحيان خشية أن يقتدى بهما) وجاء في (الاعتصام) للشاطبي الجزء الثامن صفحة 91 (وكان الصحابة رضي الله عنهم لا يضحون – يعني أنهم لا يلتزمون).
وهكذا .. ولو لم تسقط الضحية عن الأمة لكان الأصحاب ، وعلى رأسهم الشيخان أولى الناس بأدائها .. وأبو بكر هو من عرف بتحري الاتباع والتجافي عن الابتداع وقد أورد عنه كتاب (الاعتصام) للشاطبي في صفحة 55: (وعن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: لست تاركا شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به ، أني أخشى أن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ)!!
واليكم طائفة أخرى من الصحابة أدركت سقوط الضحية عنها ، فلم تضح ، بل ذهبت شتى المذاهب في تأكيد هذا السقوط: فقد أورد (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) الجزء الأول صفحة 464: (قال عكرمة: بعثني ابن عباس بدرهمين أشتري بهما لحماً وقال: من لقيت فقل له: هذه أضحية ابن عباس !! وروي عن بلال أنه ضحى بديك!!). وذكر (سبل السلام) الجزء الرابع صفحة 91: (وأخرج عن ابن عباس أنه إذا حضر الأضحى أعطى مولي له درهمين فقال: اشتريهما لحماً ، وأخبر الناس أنه ضحى ابن عباس ، وروي أن بلال ضحى بديك ومثله روي عن أبي هريرة والروايات عن الصحابة في هذا المعنى كثيرة ..) وروي (الشاطبي) في (الاعتصام) نفس الرواية في نفس الموضوع السابق كما روي عن بلال قوله: (لا أبالي أن أضحي بكبشين أو بديك) .. وهكذا فإن (ضحية) ابن عباس اللحم و(ضحية) بلال بالديك إنما هي إمعاناً منهما في تأكيد سقوط الضحية .. وقد ذهب ابن عباس إلى أكثر من ذلك فيما يرويه (الاعتصام) صفحة 91: (وقال طاقوس: ما رأيت بيتاً أكثر لحماً وخبزاً وعلماً من بيت ابن عباس يذبح وينحر كل يوم ثم لا يذبح يوم العيد!!).. أما عبد الله بن مسعود فلم يدع قط حجة ليحتج بوجوبها لا على المعوزين ولا على الموسرين !! فقد روي (الشاطبي) في (الاعتصام) الجزء الثاني صفحة 91: (وقال ابن مسعود: إني لأترك ضحيتي وإني لمن أيسركم مخافة أن يظن الجيران أنها واجبة)!!.
وبعد فهل عسانا نحتاج بعد قول النبي الكريم ، وأقوال صحابته ، وأفعالهم إلى دليل نقلي آخر لسقوط الضحية في حق الأمة؟؟ أم هل عسى من يعدل عن هذه الواضحة أن يكون أكثر حرصاً على الاتباع من أبي بكر وعمر وعبد الله بن عباس وابي هريرة وعبد الله بن مسعود وبلال ، وسائر الصحابة؟؟
ضعف أدلة وجوب الضحية:
وأدلة وجوب الضحية ضعيفة في حد ذاتها .. فقد ذكر (سبل السلام) الجزء الرابع صفحة91 حديث (من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا) ، وحديث (على أهل كل بيت في كل عام ضحية) وآية (فصل لربك وأنحر) ، وقال: (والحديث الأول موقوف فلا حجة فيه والثاني ضعف بأبي رملة قال الخطابي: إنه مجهول والآية محتملة فقد فسر قوله – وأنحر – بوضع الكف على النحر في الصلاة ، أخرجه ابن أبي حاتم وابن أبي شاهين في سننه ، وابن مردوبة ، والبيهقي عن ابن عباس وفيه روايات من الصحابة مثل ذلك ولو سلم فهي دالة على أن النحر بعد الصلاة في تعيين لوقته لا لوجوبه) انتهى وقد ذكر (تنوير المقباس في تفسير ابن عباس) هذا التفسير للآية أيضاً ..
وجاء في تفسير ابن كثير الجزء الرابع ، صفحة 646 حول حديث (من وجد سعة فلم يضح فلا يقرب مصلانا): (على أن فيه غرابة واستنكره أحمد بن حنبل) ، وتعليقاً على هذا الحديث جاء في (سنن ابن ماجة) الجزء الثاني صفحة 26: (وقد ضعفه أبو داوود والنسائي ...) . ووجه الصحة في الأمر أن الضحية كانت تؤدى أحيانا من بعض الأصحاب تطوعاً ، ولا عبرة إطلاقاً ، برأي بعض الفقهاء بوجوب الضحية حتى ولو بالاضطرار إلى استدانة ثمنها (الفقه على المذاهب الأربعة صفحة 715) فإنه قوله بالرأي يتناقص مع روح الدين وحكمة مشروعية أحكامه ونصوصه !! ويروي بعض الفقهاء وجوبها على الموسرين فحسب .. جاء في تفسير ابن كثير في نفس الموضع السابق: (وقد ذهب أبو حنيفة ومالك الثوري إلى القول بوجوب الضحية على من ملك نصاباً) ثم أورد الرأي الآخر: (وقال الشافعي وأحمد: لا تجب الأضحية بل هي مستحبة كما جاء في الحديث "ليس في المال حق سوى الزكاة"). فالقول بعدم وجوبها على الموسرين ، والفقراء على السواء إنما يتمشى مع روح الآثار القرآنية والنبوية وأقوال وأفعال الصحابة .. أكثر من ذلك!! فلا معنى حتى لأن يقال أنها مستحبة في حق الموسرين.. وقد حسم أكابر الصحابة ومنهم الموسرين سقوطها عنهم ، حسماً جازماً لا لبس فيه ولا شبهة .. والفقهاء يقولون عن الضحية: (سنة عين مؤكدة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها) – الفقه على المذاهب الأربعة الجزء الأول صفحة 715 .. وذلك أخذا بما كان عليه الأمر أيام مرحليتها كعمل تطوعي من الأصحاب ، ولكن هذا التعريف قاصر تماماً عن مبلغ الأمر ، فقد حسم الصحابة مرحليتها بسقوطها عنهم قولاً وفعلاُ بصورة نهائية ..
العودة بالضحية إلى اصلها:
إن الضحية في حقيقتها وأصلها هي فداء الكامل بالناقص ومن ثم فدى الإنسان بالحيوان (وفديناه بذبح عظيم) والمطلوب أساساً هو مواجهة النقص داخل الإنسان والذي قد يبلغ أن يضحي الفرد بنفسه تقرباً وفدية أو أن ضحى به فدية للآخرين قال تعالى: (توبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم) وقال (إني أرى في المنام إني أذبحك) ولكن بتقدم العلم والمعرفة الدينية كما سبق أن وضحنا فدى الإنسان بالحيوان ولكن التقرب بذبح الحيوان وبكل القربات إنما هو لتهذيب النفس وهو تهذيب يبدأ من خارج النفس ثم يدق وينسحب إلى داخل النفس ومطاردة النقص في أغوارها والآن فإن حاجتنا للسلام هي حاجة حياة أو موت والسلام لا يتحقق في الأرض إلا إذا تحقق في النفس الإنسانية ولن تحقق النفس السلام الداخلي وهي تنطوي على نقصها ومن ثم فإن الضحية الآن ترجع إلى أصلها وحقيقتها ، وهي قتل النقص في الإنسان ولما كانت النهاية تشبه البداية ، ولا تشبهها ، فإن القتل الآن هو القتل المعنوي بالفكر القوي ، الدقيق الذي به نتخلص من نقائصنا ولذلك فإن الوقت الآن هو وقت الجهاد الكبر ، جهاد النفس .. فالمطلوب اليوم ليس التقرب إلى الله بقتل الكافر ، أو ذبح الحيوان وإنما المطلوب قتل النفس السفلي في كل فرد منا استجابة للأمر النبوي (موتوا قبل أن تموتوا) وهذا ما سنفصل طرفاً منه فيما يقبل من هذا الفصل.
لقد اسقط الرسول الكريم الضحية عن أمته! ووعي الصحابة ذلك ، والتزموه ، إيذاناً بنهاية عهد القربة إلى الله ، والفداء بالحيوان ، وافتتاحاً لعهد القربة ، والفداء ، بالفكر !! الفكر المروض بالعبادة ، المؤدب بأدب الدين ، المتخلص من هوى النفس ، وهو الفكر المستقيم ، ولقد كان جوهر السنة النبوية هو الفكر المستقيم حتى يمكن أن نعرف السنة بأنها الفكر!! قال الأستاذ محمود محمد طه في كتاب (طريق محمد) (وقد كانت حياة النبي الكريم كلها خيراً ، وحضوراً ، وفكراً ، وتجديداً ، لا عادة فيها ، كذلك كانت عاداته ، في الفكر عبادة ، ووزناً بالقسط .. فقد كان يقدم الميامن على المياسر ، ويحب التيامن ، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً ، وكان في جميع مضطربه على ذكر ، وفكر ، فهو لا يقوم ، ولا يجلس ، إلا على فكر ، وكذلك كان من ثمرات صلاته ، وفكره ، وذكره في جميع حالاته ، حلاوة شمائله التي حببته إلى النفوس ووضعته مكان القدوة) انتهى.. والنبي الكريم هو القائل (تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة) ذلك بأن الفكر المستقيم جماع تكاليف الإسلام ، فما أنزل القرآن ، وما شرعت الشرائع وما عزمت العزائم إلا لإنجاب الفكر المستقيم ، قال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ، ولعلهم يتفكرون).
والكرامة البشرية لن تتحقق ، في قمتها ، إلا إذا صحح الفرد البشري حاله ، وطور قدرته من داخله عن طريق فكره ، لا بوسيلة خارجية عنه ، كالحيوان ، يفدي بها نفسه ، أو يتقرب بها إلى الله. ففداء الفرد البشري نفسه بنفسه ، بوسيلة الفكر ، في الاستغفار والشكر ، مثلاً ، هما عملان فكريان في المقام الأول ، إنما هو إيقاظ لهذه القوة الدراكة وتنمية لها لتتحمل مسئوليتها التامة عن تصحيح خطئها والتسامي بحالها .. وفي فداء الفرد البشري نفسه بنفسه عن طريق فكره فداء للحيوان من أن يتخذ وسيلة تقرب أو تفدية توسيع ، بذلك لقاعدة الحياة وتسام بالعلاقة مع كل الأحياء والأشياء.
نهاية الضحية في عهد السلام:
وثمة وشيجة بين ذبح حيوان الضحية وقتل الكافر ، في الإسلام. فقد شرعت (الحرب) في الإسلام على الكفار لاعتبارات مرحلية هي أن عقول أولئك الكفار لم تكن من النضج بحيث تستطيع أن تعرف الحق وتلتزمه ، ففرضت عليها تلك الوصاية الغليظة .. وحتى قتال الكفار بأيدي المؤمنين ، نفسه إنما كان مرحلة متطورة وملطفة على مرحلة تعذيب الكفار ، في الأمم الماضية ، بالعناصر الصماء كالطوفان ، والريح ، والصواعق ، وقد كانوا أشد فظاظة وغلظة ، وتبلدا .. قال تعالى عن هذه (الحرب): (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ، ويخزيهم ، وينصركم عليهم ، ويشف صدور قوم مؤمنين) وقد نزلت مثل هذه الآية من آيات (الحرب) في المدينة ناسخة لآية (السلام) والتي لم تكن البشرية يومئذ بمستطيعة أن تستجيب لها ، مثل آية: (وقل الحق من ربكم ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ..) .. واليوم ، وفي هذا العصر الذي صارت فيه حاجة البشرية إلى السلام حاجة حياة ، أو موت بعد أن عجزت الفلسفات المعاصرة عن تحقيق السلام العالمي ، عجزاً تاماً وصارت فيه العقول البشرية إلى النضج ، والى إمكانية معرفة الحق ، والتزامه صار حكم الوقت يقتضي أن نبعث آيات (السلام) وننسخ آيات (الحرب) .. وتحت ظل عهد (السلام) هذا الذي لا يبلغ غايته إلا ببعث الإسلام ، تسقط ، أيضاً الضحية بالحيوان!! فيفدي الحيوان من أن يتخذ ذبحه قربة دينية!! (ألم يكن المؤمن مأجوراً على قتال الكافر؟؟) .. ولقد يكفي أن يكون الكافر ، بمجرد كفره ، فداء للمؤمن لقوله تعالى: (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون) كما يكفي أن يكون مجرد وجود الحيوان فداء للبشر وذلك بارتفاع البشر درجة فوق الحيوانية وأن يكون الحيوان مسخراً لمنفعة البشر ..
وفي عهد (السلام) (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) .. والمسلم هنا تتسع لتشمل الأحياء والأشياء!! ذلك بأن كل عاقل وكل غير عاقل مسلم لله تعالى!! والدليل: (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً واليه يرجعون) و(وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) .. ولذلك ، ففي عهد (السلام) يكف المسلم عن ذبح الحيوان بغرض الفداء أو التقرب ، وهو يملك وسيلة إلى ذلك أفضل ، وأعمق ، وهي التفكير!!
التمسك بقشور الدين:
إن تمسك المسلمين بالضحية اليوم إنما يعطي صورة لتمسكهم العام بقشور الدين ، وتفريطهم في لبابه!! ولا نحتاج إلى جهد كبير في التدليل على هذا التفريط ، فنظرة عجلى إلى ما عليه المسلمون اليوم من مفارقات ، في الأخلاق والمعاملة تسعفنا بالدليل. ومعروف في الأثر النبوي: (الدين المعاملة) و(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) .. المسلمون اليوم ليسوا على شيء ، يؤدون أو يؤدى بعضهم الشعائر الدينية بصورة ميتة لا روح فيها ولا حياة وقد تملكها سلطان العادة فلا تؤثر في أخلاقهم ولا في أخلاق من حولهم .. فذهب عنهم بذلك لباب الدين الأصلي وأن بقيت القشرة الخارجية .. وصاروا كغيرهم من النصارى واليهود ، على مظاهر تحكي الدين ، بلا دين!! يذهبون إلى أماكن العبادة ، بصورة تقليدية آلية لا ثمرة من ورائها تظهر على أخلاقهم وقاماتهم الروحية ، فأدركتهم نذارة النبي المعصوم: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه!! قالوا: أأليهود والنصارى؟؟ قال: فمن ؟؟) .. ولقد اندثرت بينهم اليوم ، السنة وماتت وعاد الإسلام ، بينهم غريباً كما بدأ .. وفي رواية لحديث اندثار السنة جاء: (بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ ، فطوبى للغرباء!! قالوا: يا رسول الله كيف يكون غريباً؟؟ قال: كما يقال للرجل أنه في حي كذا وكذا إنه لغريب!!) وفي رواية أنه سئل عن الغرباء فقال: (الذين يحيون ما أمات الناس من سنتي!!) (الاعتصام) (الجزء الأول صفحة 3) وعن ابن عباس قال: (ما أتي على الناس من عام إلا أحدثوا فيه بدعة ، وأماتوا سنة ، حتى تحيا البدع وتموت السنن)!! (المصدر السابق والموضع نفسه) .. وجاء في (الاعتصام) أيضاً الجزء الأول صفحة 9 ، عن بداية اندثار السنة ، وتداعيها في الاندثار: (روي عن أبي الدرداء أنه قال: لو خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عليكم ما عرف شيئاً مما كان عليه هو وأصحابه إلا الصلاة. قال الأوزعي: فكيف لو كان اليوم؟ قال عيسى بن يونس: فكيف لو أدرك الأوزعي هذا الزمان؟؟ وعن أم الدرداء قالت: دخل أبو الدرداء وهو غضبان فقلت: ما أغضبك؟؟ فقال: والله ما أعرف فيهم شيئاً من أمر محمد إلا أنهم يصلون جميعاً!! (رواه البخاري)..
وعن ميمون بن مهران قال: لو أن رجلاً نزل فيكم من السلف ما عرف غير هذه القبلة!! وعن سهل بن مالك عن أبيه قال: ما أعرف شيئاً مما أدركت عليه الناس إلا النداء بالصلاة!! هذه جميعاً دلائل بدء اندثار معالم السنة منذ نهاية العهد الأموي أو الخلافة الراشدة ، وتداعي هذا الاندثار إلى ما وصل إليه المسلمون اليوم من انحطاط ديني ، دخل به الفترة الثانية ، أو الجاهلية الثانية ، ومن أول دلائل موت السنة ، واندثارها اليوم ، تماماً بينهم تفرقهم شيعاً وفرقاً وأحزاباً (كل حزب بما لديهم فرحون) ، لانبهام معالم هذه السنة أمامهم !! جاء في النذارة بهذا المصير المشئوم: تفرقت بنو إسرائيل إلى إحدى وسبعون فرقة كلها في النار إلا واحدة ، وتفرقت النصارى اثنين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وتتفرق أمتي إلى ثلاث وسبعين كلها في النار إلا واحدة!! قالوا: ومن هي يا رسول الله؟؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي!! فقد شاع بين المسلمين اتخاذ البدع ، كصلاة التراويح ، واتخاذ سنة العادة سنة عبادة ، كاللحية والضحية!! وذلك مع تفريطهم التام في السنة الحقيقية صورة تجويد العبادة وحسن المعاملة !! وتمسكهم بالضحية صورة لهذا التمسك الأعمى بقشور الدين ، فقد أسقطها النبي الكريم في حق أمته ، وأحسن صحابته الاتباع بإسقاطها عن أنفسهم ، ومع ذلك تبرز الضحية كل عيد أضحى ، كأهم معلم ديني بين المسلمين!! ومرد هذا التمسك الأعمى أما الجهل بسقوطها كقربة ، وفداء ديني ، وأما العمل بها كمظهر اجتماعي بعيد كل البعد عن القربة والفداء الديني وفي كلا الحالتين مفارقة لروح الدين ونصه .. بل أن منهم من يحرص على الضحية وهو يفرط في أوجب الواجبات الدينية في العبادة والمعاملة!!
الضحية اليوم عمل مخالف للدين:
وإذا قال قائل: فكيف ونحن أمام فعل النبي الكريم ونص قرآني في بهيمة الأنعام كقربة وفداء محتجاً بذلك على عدم سقوط الضحية في حق الأمة كان لنا من جهة أخرى ، في فعل النبي الكريم وقوله ، وفي فعل أصحابه ، وأقواله حجة على سقوطها!! فقد ضحى الرسول الكريم فداء لأمته من الضحية!! وجرياً مع العادة السائدة وضحى معه أصحابه ثم اسقط وجوبها بفعله وقوله ، وفهم أصحابه ذلك فلم يعودوا يضحون!! والقاعدة الذهبية في التشريع هي (تغير المصلحة بتغير الأزمان) .. ومن ذلك سابقة سهم المؤلفة قلوبهم في الزكاة فقد فرض الله لهم هذا السهم بنص قرآني (إنما الصدقات للفقراء والمساكين ، والعاملين عليها ، والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب ، والغارمين وفي سبيل الله ، وابن السبيل ، فريضة من الله والله عليم حكيم ..) .. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي هذا السهم للمؤلفة قلوبهم حتى لحق بالرفيق الأعلى. ولما ولى أبو بكر الخلافة أشار عمر إليه بقطع هذا السهم عنهم قائلاً لهم: لا حاجة لنا بكم ، فقد أعز الله الإسلام ، وأغنى عنكم فإن أسلمتم وألا فالسيف بيننا وبينكم !! (الجوهرة النيرة على مختصر القدوري ص164 ، الجزء الأول) وقد أمضى أبو بكر رأى عمر!! قال (الدواليبي) في (أصول الفقه) ، صفحة 239 إن رأي عمر كان (تبعاً لتغيير المصلحة بتغيير الأزمان رغم أن عمر (نظر إلى علة النص لا إلى ظاهره ، واعتبر إعطاء المؤلفة قلوبهم معطلاً بظروف زمنية مؤقتة وتلك هي تأليفهم واتقاء شرهم عندما كان الإسلام ضعيفاً فلما قويت شوكة الإسلام وتغيرت الظروف الداعية للعطاء كان من موجهات العمل بعلته أن يمنعوا هذا العطاء)!! وهكذا فإن النص القرآني ، والأثر النبوي إنما هما معلولان دائماً بحكمة .. ومن جوهر السنة معرفة هذه الحكمة ، والتصرف وفقها في إمضاء حكم النص ، أو تطويره .. فالنصوص ليست غاية في ذاتها ، وإنما هي وسائل لتأدية المصالح .. وفي حالة الضحية ، بالذات ، نحن أمام نصوص ، وآثار بسقوط الضحية هي التي تنسخ نصوص وآثار مشروعيتها المرحلية ، والعبرة هنا بفهم النص ، لا مجرد النص!! والقرآن الكريم يطالبنا بفهم الآيات ، ويحذرنا من جمود الفهم بقوله (والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعميانا) .. فالواجب الديني ، إذن يقتضينا أن نفرق بين أصول الإسلام وفروعه وبين سنة العبادة الأصلية الباقية ، وسنة العادة الموقوتة .. وإذا كان هذا هو أوان أحياء السنة الحقيقية في العبادة والمعاملة ، وإذا اقتضى نضج العقل البشري أن ينفتح الطريق أمام القربة الدينية بالفكرة بدلاً عن القربة الدينية بإهراق دم الحيوان وإذا جعلت الظروف الاقتصادية ، والاجتماعية والصحية ، أصلاً كما سنرى ، أمر الضحية شاقاً ، عسيراً وضاراً ، وإذا كانت الضحية أصلاً غير واجبة في حق الأمة المحمدية بتوجيه النبي الكريم ، وحسن اتباع أكابر الأصحاب ، فإن الضحية ، اليوم وفي وجه الاعتبارات التي جدت ، تصبح عملاً مخالفاً للدين تمام المخالفة!! بل هي لا تعدو أن تكون تداعياً وتأكيداً لتمسك المسلمين بقشور دينهم ، وتفريطهم في لبابه!! وسنرى فيما يلي دواعي سقوطها اجتماعياً واقتصادياً وصحياً ..
أضرار الضحية الاقتصادية اليوم:
من حكمة المشروعية المرحلية للضحية التوسعة على الأسر حينما لم يكن اللحم متاحاً لسائرها ، يومياً وإنما كان طعاماً موسمياً نادراً في ظروف شظف العيش التي كان يعيشها مجتمع الجزيرة العربية غير ميسور إلا للموسرين. جاء في شرح الزرقاني على موطأ الإمام مالك (المجلد الثالث صفحة 75): (حدثني عن مالك عن عبد الله عن أبي بكر عن عبد الله بن واقد أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاثة ، قال عبد الله بن أبي بكر: فذكرت ذلك لعمرة بنت عبد الرحمن فقالت: صدق ، سمعت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تقول: دف ناس من أهل البادية حضرة الأضحى في زمان رسول الله فقال الرسول: إدخروا لثلاث وتصدقوا بما بقي ، قالت: فلما كان ما بعد ذلك ، قيل لرسول الله: لقد كان الناس ينتفعون بضحاياهم بعد ثلاثة ، فقال الرسول: (إنما نهيتكم من اجل الدافة دفة عليكم ، فكلوا ، وتصدقوا ، وأدخروا) (يعني بالدافة قوم مساكين قدموا المدينة) فأراد أن يعينوهم ، ولذا قالت عائشة: وليست بعزيمة ، ولكن أراد أن يطعم منها ، والله أعلم بمراد دينه) .. وجاء في (سنن أبي داؤود ، الجزء الثالث صفحة 93): ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا كنا نهيناكم عن لحومها أن تأكلوها فوق ثلاث لكي تسعكم ، فقد جاء الله بالسعة فكلوا ، وادخروا ، وأتجروا ، ألا وإن هذه الأيام أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل) .. وهكذا يقف العامل الاقتصادي أيضاً وراء الحكم المرحلي للضحية ، فقد كان الناس ينتفعون بضحاياهم كما جاء في رواية الحديث ، وكانت أيام العيد أيام أكل وشرب كما جاء في الحديث ، وذلك في تلك البيئة المعسرة ، الشحيحة لموارد الغذاء ، فكانت (السعة) كما أشار الحديث هي إحدى علل الضحية ، ثم إن نسخ حكم عدم إدخار لحومها فوق ثلاث إنما هو ، في حد ذاته دليل على تغيير الأحكام بتغير الظروف .. ولذلك فإن العامل الاقتصادي وراء حكم الضحية المرحلي قد إنتفى اليوم حيث لم يعد اللحم غذاء موسمياً نادراً ، يضطر الناس إدخاره كما كانوا يفعلون في الماضي ، اكثر من ذلك فقد تحولت المنفعة الاقتصادية من الضحية في الماضي إلى ضرر اقتصادي اليوم!! ففي بلادنا ، كما هو في سائر البلاد اليوم ، ارتفعت أسعار الماشية ، ارتفاعاً مذهلاً ، مما يجعل من العسير ، إن لم نقل من المستحيل ، على الأسرة السودانية المتوسطة الحال ، ناهيك عن الفقيرة أن تشتري كبشاً للضحية!! وبذلك صارت الضحية اليوم من وجهة النظر الاقتصادية ، التي تدخل في إطار الدين ، إنما تشكل مشقة ، واستحالة عملية .. وكثير من هذه الأسر يعجز عن مواجهة متطلبات الحياة الأساسية فكيف بالضحية؟؟ إن مثل هذا العبء المالي الذي تسببه الضحية ، إنما هو في غياب التربية الدينية الصحيحة ، مما يفتح الباب أمام كثير من المخالفات التي ترتكب للحصول على المال بأي سبيل .. أيسرها تكبيل ميزانيات الأسر بالديون ، ثم هي قد تمتد إلى الارتشاء أو التلاعب بالمال العام ، أو العجز عن الوفاء بالالتزامات المالية !! وهذه وتلك من الأضرار الاقتصادية التي تجعل الضحية في هذه الظروف عملاً غير مرغوب فيه ديناً ، دفعاً للضرر، وسداً للذريعة .. الضحية ساقطة شرعاً في حق المسلمين بخاصة اليوم ، فلماذا التمسك الأعمى بها؟
الأضرار الاجتماعية والصحية:
وفي الظروف المعيشية الصعبة التي يمر بها الناس اليوم ، تنجم عن الأضرار الاقتصادية للضحية أضرار اجتماعية لا حصر لها .. فبجانب إهتزاز الموقف الاجتماعي لغير المستطيعين الذين يضحون وهم مكبلون بالديون ، ويواجهون اختلالاً شديداً في ميزانيات أسرهم ، أو يعجزون عن الوفاء بالتزاماتهم المالية ، هناك الآثار الاجتماعية الضارة التي يجرها المستطيعون بضحيتهم على بقية أفراد المجتمع .. فهم إما أن يضطروا غير المستطيع ليضحي فيدخل في الضيق المالي الشديد ، إنقاذاً لأسرته من الحرج ، وإما أن يكلفوه أشد العنت إذا قاوم الضغط الاجتماعي الثقيل فلم يضح ، وعند ذلك أيضاً تبرز أشد صور الطبقية حدة في مجتمعنا ، وتنجم عنها أسوأ الآثار النفسية الهدامة ..
أما الأضرار الصحية فقد أصبحت معلومات عامة هذه الأيام ، بكثرة الحديث عن إصابات الحمى النزفية التي ظهرت وسجلت وفيات في بعض الولايات ، فابتعد الناس عن اللحوم والألبان .. وكان من الواجب على الدولة أن تكثف من حملات مواجهة الذبيح العشوائي وترشد المواطنين إلى الابتعاد عن ذبح الحيوان بالمنازل خاصة في عيد الضحية ، وذلك للحفاظ على البيئة من هذا المرض الفيروسي .. هذا السبب وحده كاف لإيقاف ذبح الحيوان بالطريقة القديمة والمعروفة ، والمفترض أن يوجه الذين يصرون على الذبح إلى السلخانات لضمان سلامة الحيوان المذبوح ومن ثم سلامة الذين يتعاملون معه.. نحن في هذا البحث قد أثبتنا من الناحية الدينة بما لا يدع مجالاً للشك بأن الضحية عمل مخالف للدين ، ونسوق هذا الحديث عن الصحة كدعامة إضافية نابعة من الدين أيضاً ، لتعين الناس على الالتزام بتوجيه الدين الأساسي وهو ترك الضحية.
أيها المسلمون: أعرفوا السنة النبوية الحقيقية ، والتزموها واتركوا القشور التي أنتم عليها ، فالوقت وقت إحياء سنة ، والضحية كانت سنة عادة مرحلية انقضى عهدها وقد سقطت في حق الأمة ، فهي غير واجبة لا على الفقراء ولا على الأغنياء بل الواجب اليوم تركها .. والله المسئول أن يهدينا إلى حقائق ديننا لنمارسها بالوعي ، وبالفكر لا بالعادة ، فإن آفة العبادة نفسها أن تصبح عادة .. وهو تعالى أكرم مسئول وأسرع مجيب ..

Post: #452
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 02:54 PM
Parent: #451


من أوراق الأستاذ محمود محمد طه داخل معتقلات مايو (الحلقة الأخيرة)
السياسة هي تدبير أمر الناس بالحق بميزان الدين

د. محمد محمد الأمين عبد الرازق

فى ختام هذه الحلقات نحب أن نؤكد أمراً فى غاية الأهمية ، وهو أن الحزب الجمهوري حزب سياسي ، ولكن السياسة عنده لا تنفك عن التربية الدينية ، فالتربية هى الأساس فى كل عمل يقوم به الجمهوريون . وقد كانت حركة الجمهوريين تغير اسمها حسب التحولات السياسية فى البلاد ، ففي فترات الحكم النيابي ، كان الاسم الحزب الجمهوري وفى عهود الانقلابات العسكرية ، الأخوان الجمهوريون.. ومشاركة الجمهوريين بالآراء السياسية المستنيرة أو ببث المعارف الدينية من خلال الكتب التى كانوا يخرجوها إنها تهدف إلى تنوير العقول من أجل حشد الناس فى الطريق النبوي .. هذه هى الغاية : تمليك الناس المنهاج العلمي الذى به يتمكنوا من حل جميع مشاكلهم وليس الهدف تقديم حلول جاهزة لإنسان لا يملك الأرضية التى انطلقت منها تلك الحلول .. ولذلك جاء فى دستور الحزب الجمهوري 1968م وهو الدستور القائم إلى الآن :
الشعار : الحرية لنا ولسوانا.
المبدأ : تحقيق العدالة الاجتماعية الشاملة والحرية الفردية المطلقة.
الوسيلة: قيام حكومة جمهورية فدرالية ديمقراطية اشتراكية داخل حدود السودان القائمة إلي عام 1934م.
العضوية: (أ) لكل سوداني أو سودانية بلغ أو بلغت من العمر 18 عاماً.
(ب‌) لكل مواطن ولد بالسودان أو كانت إقامته به لا تقل عن عشر سنوات لم يغادر خلالها البلاد.
وجاء فى المذكرة التفسيرية المصاحبة لهذا الدستور ما يلي:
( الحزب الجمهوري يدعو إلى مدنية جديدة تخلف المدنية الغربية المادية الحاضرة التى أعلنت إفلاسها بلسان الحديد والنار فى هذه الحروب الطواحن التى محقت الأرزاق وأزهقت الأرواح ). ويتواصل الحديث : ( ودستور هذه المدنية الجديدة ( القرآن ) الذى يقوم بحل المسألة التاريخية التى أعيت حكمة الفلاسفة ، مسألة التوفيق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة ، وحاجة الجماعة الى العدالة الاجتماعية الشاملة ، وسمة هذه المدنية الجديدة ( الإنسانية ) ثم يقول :
( وسيبدأ الحزب الجمهوري بتنظيم منزله ، ومنزل الحزب الجمهوري ، السودان بكامل حدوده القائمة الى عام 1934م ، ذلك بأن هذه المدنية الجديدة لابد لها أن تطبق داخل هذه الحدود قبل أن تسترعي انتباه الإنسانية اللاغبة الضاربة فى التيه ، وأول خطوة فى سبيل تطبيقها بعث ( لا إله إلا الله ) من جديد لتكون خلاقة فى صدور الرجال والنساء اليوم كما كانت بالأمس، وذلك بدعوة الناس إلى تقليد محمد ، إذ بتقليده يتحقق لنا أمران : أولهما توحيد الأمة بعد أن فرقتها الطائفية أيدي سبأ وثانيهما تجديد الدين .. ) انتهت المذكرة التفسيرية.
وهكذا يتضح جلياً أن الحكم الصالح القائم على الدعامات الثلاثة : الديمقراطية ، الاشتراكية والعدالة الاجتماعية لا يمكن تحقيقه على أرض الواقع إلا إذا انخرط الشعب فى مجمله فى الطريق النبوي ، والسبب فى هذا الإصرار على المنهاج هو أن الفشل فى إدارة أمور الناس فى وقتنا الحاضر إنما يرجع فى الأساس إلى فساد الحكام والمحكومين ، أو قل خراب النفوس الداخلي .. ولذلك فإن الإصلاح يبدأ بخلق أفراد نماذج فى السلوك الإنساني ، ثم مجموعة نموذج فى التنظيم الاجتماعي .. وعندما اصدر الحزب الجمهوري صحيفة ( الجمهورية ) لأول مرة فى عام 1954م ، قال فى افتتاحية العدد الأول :
( أيها القارئ الكريم : تحيه طيبة .. أما بعد
فهذه صحيفة الجمهوريين يقدمها لك فتية أمنوا بربهم ، فهيمن عليهم الإيمان على صريح القصد ، فهم يقولون ما يريدون بأوجز أداء ويعنون ما يقولون من الألف إلى الياء … و( الجمهورية ) تطمح فى أن تخلق تقليداً فى الصحافة فى معنى ما يخلق الجمهوريون من تقليد جديد فى السياسة .. والجمهوريون حزب سياسي ولكنهم لا يفهمون السياسة على أنها اللف والدوران .. وإنما يفهمونها على أنها تدبير أمر الناس بالحق وبميزان .. وللجمهورية فى الصحافة رأى ، وهو أنها يجب أن تعين على العلم ، لا أن تمالي على الجهل .. يجب أن تسير أمام الشعب لا أن تسير فى زمرته تتسقط رضاه ، وتجاري هواه ، وتقدم له من ألوان القول ما يلذه ولا يؤذيه .. وقد تعرض الجمهوريون فى نهجهم السياسي للكثير من العنت ، والأذى من جراء مضائهم فيما يرونه الحق ، والعدل .. فهل تتعرض الجمهورية لشئ من الكساد ، من جراء ما ستجافى من التقليد التجاري بتقديم ما يقدم فى سوق النفاق؟ .
إن هذا لا يعنينا بقدر ما يعنينا أن نستقيم على الحق .. فقد أنفقنا عمرنا نبحث عنه ، ولا نزال ، فإن وجدناه ، فإنا سنلقاك به صريحاً غير مشوب بتلطيف ، وسيكون عليك أنت أن تختار لنفسك بين وجه الحق ووجه الباطل).
إن أسلوب الحزب الجمهوري فى العمل السياسي يعتبر تجربة فريدة ليس لها مثيل فى عصرنا الحالي .. فالحزب لم يغب عن الساحة فى تاريخه الطويل بالرغم من أنه لا يخوض الانتخابات العامة ولا يسعى إلى السلطة .. قال الأستاذ محمود ما معناه : إن حركة الجمهوريين تنطلق من مركزية حولها ثلاث دوائر : الأولى هى دائرة الجمهوريين الملتزمين ، والثانية دائرة الأصدقاء الذين توفرت لهم القناعة النظرية ولكنهم لم يطبقوا فى أنفسهم المنهاج ، أما الدائرة الكبيرة فهي دائرة الشعب السوداني .. وفى كل دورة من العمل تتسع هذه الدوائر ، فتأخذ دائرة الجمهوريين من الأصدقاء ودائرة الأصدقاء من الشعب وهكذا إلى أن تصل دائرة الجمهوريين الى نسبة 50% + 1 ، فيتمكنوا من استلام السلطة عبر صناديق الانتخاب الحر ، ثم ينظموا بيت السودان ليكون أنموذجاً للدول الأخرى .. والتركيز هنا ليس على
( الكم ) وإنما على ( الكيف ) . وهذا هو المقصود بالالتزام بالمنهاج ، فالتطبيق على مستوى السلطة قد سبقه تطبيق على مستوى تنظيم الجمهوريين .. ولذلك قال الأستاذ محمود : إن أكبر إنجاز أنجزناه فى عملنا هذا هو المجتمع الجمهوري ولو لم ننجز غيره يكفى ..
السؤال هو : ما هو موقف الحزب من الذين يؤيدونه سياسياً ولا يعتمدون برنامجه التربوي كالعقائد الأخرى والتجمعات العنصرية وغيرها ؟!
الجواب: باب العضوية مفتوح للجميع بشرط الموافقة على برنامج الحزب المعلن ، بمعنى أن الانطلاق من موقع معين ما هو إلا مرحلة نحو البرنامج الأساسي للحزب ، فكأن العضوية فى هذا المستوى تقع فى دائرة الأصدقاء وليس فى دائرة الملتزمين ، وهى دائرة لها اعتبار فى حدود معينة ، ولا تملك نفس الحقوق التى يتمتع بها من انخرط بكليته فى تطبيق برنامج الحزب التربوي .. الحزب يبحث عن قيم تحقق بوسائل محددة .. العضوية الكاملة لمن يوافق على القيم والوسائل فى آن واحد . فمن تمسك بالقيم وترك الوسائل لا يرفض ومن تمسك بالوسائل لكنه ضعيف فى القيم لا يرفض أيضاً وإنما تعتبر عضويتهما الاثنين فى حدود معينة لا تؤثر على التوجيه الأساسي الصادر من المركزية أو من دائرة الملتزمين.
إن المركزية التى دارت حولها حركة تنظيم الأخوان الجمهوريين هى التزام المنهاج النبوي تحت ترشيد الأستاذ محمود .. وقد كان المرشد فى حركة متابعة لا تتوقف قط لكل ما يقوم به تلاميذه من حركة داخلية وخارجية ، وكان ينتظر أن تحدث هذه الحركة ثورة فكرية لتثمر ثورة ثقافية ، بها يستقر عمود التوحيد على الأرض فى مستوى جديد يمكن من قيام مجتمع نموذج فى القيم الإنسانية وقادر على تغذية هذه القيم من الالتصاق بالله .. لقد أفرزت هذه التربية اعتقادات وأثمرت علم وتحقيق روحي ، وكان المرشد يستغل ما يظهر من اعتقادات فى شحن الأفراد بالمعرفة ، إذ أن العقيدة ما هى إلا مقدمة للمعرفة ، يتوكأ عليها الضعيف كما يتوكأ المعوق على العصا..
لقد تحدث الأستاذ محمود عن ما توصلت إليه حركة الجمهوريين فى أخر جلسات بعد الإفراج عنه والمعتقلين من تلاميذه فى 19/12/1984م أي قبل تنفيذ حكم الإعدام بشهر ، وفيما يلى اقتطف بعض ما جاء فى تلك الجلسات ، وقد كان تقييماً علمياً وتوجيهاً لما يقبل من أيام المواجهة مع نميرى ولمستقبل حركة الجمهوريين:
أولاً: التزام المنهاج: ( ما أصبح عندنا معتقلين داخل المعتقلات ، لكننا كلنا معتقلين خارج المعتقلات … أسوار معتقلنا الجديد هى الغربة .. الغربة البعيشوا فيها الجمهوريين .. وهى فى كل مرة بتزول ، فى مستوى من مستويات زوالها .. ويوم خروجهم من المعتقل الحقيقي هو يوم سقوط الغربة .. يجئ سقوط الغربة برفع واقع الناس للفكرة أو بإنزال الفكرة لواقع الناس .. وبإنزال الفكرة لواقع الناس تحصل الثورة الفكرية .. الجمهوريين ما ببيقوا غرباء فى الوقت داك ، بيبقوا هم الأصل ، والناس بيهطعوا ويجو يدخلوا فى حظيرتهم .. رفع الواقع للفكرة أو إنزال الفكرة للواقع بيقتضى انو الناس يعيشوا الفكرة حتى تصبح ماشة على قدمين بين الناس .. ودا ما نسميه الدعوة بلسان الحال .. الدعوة بلسان الحال أبلغ من الدعوة بلسان المقال .. وما يعملوا الانسان ، ابلغ وأهم مما يقولوا الإنسان .. فرفع الواقع للفكرة ، يعنى الناس يبينوا ليهم واقعهم ، لأنو الناس ، بيكونوا فى غفلة .. الواحد يكون حوله فى مشاكل كثيرة جداً ، لكن لغفلته ، لجهله ، لعدم وعيه ، ما شاعر بواقعه .. ودى عبارة رفع الواقع للفكرة … وبطبيعة الحال ، إنزال الفكرة للواقع دى بتكون واضحة ، فى معنى أنه الفكرة تكون واضحة وجليه للناس .. إنزال الفكرة للواقع ورفع الواقع للفكرة هو البتزول بيه غربة الجمهوريين .. ودأ كله يعنى أنوا الناس عملهم يكون أهم من قولهم .. الناس يبقوا زى ماب تجئ العبارة ، مصاحف فى الدم واللحم ماشه .. أخلاقهم هى اخلاق القرآن ، ود بيجي بالتعلق الشديد ، والاحترام الشديد ، والحب الشديد ، للقرآن والنبي.
فغربتكم قد تطول او قد تقصر على مدى ما تبذلوه من صدق فى العمل الداخلي ، عشان ما تكونوا بلسان حالكم دعاة ، والخارجي لتكونوا معلمين … ودا مصيركم وقدركم .. لكن الغربة دى لمن تنتهي ، الناس مقاماتهم بتكون أتحددت .. الفرص للعمل البتغير المقامات دى فى فترة الغربة .. ولذلك فترة الغربة دى ، الناس لازم يشوفوها فرصة زى ما شافوا الأخوان اعتقالهم فرصة .. لمن دخلوا خلف الأسوار كانوا فرحانين ، دخلوا المعتقلات فرحانين .. وهم عارفين بأنهم جايين على قدر ليخلوا لى الله ، وكانت الكتابات البتجى ، والأقوال البيقولوها كلها فى الاتجاه دأ .. فما حزنوا ما ضاقوا ما قلقو ، وهم خلف الأسوار ، لأنهم شاعرين بالمعية مع الله .. دى الخلوة .. لمن نقول الجلوة والخلوة ، معناها أن ننقل حالة الانحصار البنلقاها فى الخلوة لتكون فى الجلوة .. أنت وسط الناس ، وأنت منحصر .. أنت من أعلاك مع الله من أسفلك مع الناس .. كأنك أنت عندك وجهين : وجه مما يلى الله ، ووجه مما يلي الناس .. عبادة ومعاملة ، الأثنين يقومن مع بعض وما بتكون واحدة ناجحة بدون الأخرى .. هسع الناس من الجلسة دى ، ينقلوا أسوارهم من الحيطان الكانوا خلفها ، إلى أن تكون الأسوار هى الغربة .. ونحن كلنا فى المعتقل دا .. الأخوان الوجدوا فرصة أسوار الطوب والحجر ، يقدروا يكون عندهم تصور أكثر لموضوعهم .. الأخوان ألما دخلوا فى الطوب والحجر ، كان واضح برضوا إنجازهم وتخيلهم لأخوانهم الهناك .. إذا كانت المسألة دى احتاجت لدعم زيادة ، يكون عمل الناس المارسوا ممارسة حسية فى أن كانوا خلف الأسوار ، يكون زيادة شوية بأن ينقلوا لأخوانهم، مشاهدهم الكانوا فى الداخل .. لكن منذ اللحظة دى ، الجمهوريين خرجوا من المعتقلات التقليدية الوراء الحيطان ليكونوا فى المعتقل الكبير اللى هو أنهم غرباء .. وان غربتهم دى بترد .. ويوم ترد غربتهم بيكون نصرهم المبين .. وأنو الغربة بترد فى داخل الإنسان ذاتوا ، فى أن يكون ما يقولوا يعملوا .. أن يكون نظره للداخل نظر دقيق ومحاسبته لنفسه محاسبه دقيقة .. أن يعايش نفسه يعرف نفسه ويلتزمها ، ويفكر فى نقائصها ، ليتوجه بيها لى الله ليصلحها ليهو .. الإنسان لمن يعرف نقائص نفسه يكون يسأل الله بلسان الحال .. والله لمن يسأل بلسان الحال يستجيب حتى للكافر : (( أمن يجب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء )) .. المضطر دا مش المؤمن المسلم .. أي مضطر .. (( قل ما يعبأ بكم ربى لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما..)) شوف جاب ليهم التكذيب .. لكنوا بيعبا بيهم .. لولا دعاؤهم بلسان الحال ربنا ما بيعبا بيهم .. الدعوة بلسان المقال ما بيعبا بيها ربنا ، إلا إذا كانت مصحوبة بأنوار القلوب .. بعدين أنوار القلوب تمش لقدام فى الدعاء لغاية ما تبقى لسان حال .. يعنى مضطر ..
( أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ) تجئ مع ( قل ما يعبأ بكم ربى لولا دعاؤكم فقد كذبتم فسوف يكون لزاما.. ) الإنسان البنظر فى داخله بيعرف عيوب نفسه .. ودى الحاجة المهمة جداً .. الفكر نحنا بنقول ، الفكر مش هو فى السموات والأرض .. الفكر فى السموات الداخلية والأرض الداخلية .. الفكر فى عيوب النفس .. دا هو البيجى بيهو الخير .. لأنه بيكون دعوة بلسان الحال .. أنا افتكر أنو الجمهوريين يستشعروا الصورة دى ، أنهم هم فى معتقل والمعتقل دا أسواره الغربة .. وأنو يحاولوا أن يرفعوا الغربة بأن يكونوا مقنعين للناس الحولهم بلسان حالهم وبلسان مقالهم).
ثانياً: مواجهة مايو: (سمعنا مؤكد كلام طيب جداً من رؤساء المعسكرات الثلاثة عن التجربة .. وعن رأيهم فى اتجاه عام لمقبل الحركة .. حركة الجمهوريين .. الحاجة الإنسان قوى الثقة بالله فيها أن الجمهوريين ما يلقوا إلا ما يقويهم ويزيدهم ويجهزهم لأمرهم بالمرة .. زى ما حصل الاعتقال الناس مشوا ليه مسرورين وفرحانين ، وعاشوه مسرورين وفرحانين ، وخرجوا منه مسرورين فرحانين .. لكن من المؤكد أنو نحن مقبلين على حركة عايزة تشمير أكثر .. بنقصرها يقدر ما نشمر .. نحن خرجنا برضو فى وقت ، الشعب واقع عليه شئ كثير جداً من الاضطهاد ومن الظلم ومن الجوع .. من الجوع بصورة محزنة .. بعدين السلطة فى أضعف أوقاتها .. حاجة مربوكة .. السلطة مربوكة ما عارفة تعمل شنوا .. الهوس الديني لضعف السلطة ، افتكر أنه هو قريب من السلطة.. والهوس الديني من المؤكد أنو بيستهدف الجمهوريين .. ما عنده اعداء غير الجمهوريين ، حتى ولا السلطة .. ولذلك أنا افتكر أن الأيام المقبلة راح تكون أيام عراك .. لكن العراك ما بضركم بأى حاجة .. راح يقويكم ويزيد قاماتكم ، بس لأنو المشوار طويل ، مش بحساب الزمن .. بحساب القامة الروحية .. القامة الروحية المطلوبة كبيرة جداً .. إذا كان نحن أيقنا بأن الفكرة الجمهورية هى الدين .. وأنو الدين عائد بغرابة ، غرابة شديدة وأنو عائد ليكون فى قامة هى قامة كوكبية .. زى ما المجتمع البشرى هو مجتمع كوكبي وكله محتاج للدين .. لابد أنو الناس البيرفعوا المشاعل دى يكونوا قامات عالية جداً .. كل العوامل بتضافر لترفع القامات دى .. لكن بقدر ما نجود ، بقدر ما نغير أنفسنا ، نحن بنقصر المشوار دا .. واحد من مشايخة الأحمدية ، الشيخ البشير فى الحقنة ، أدى واحد من تلاميذه اسم عشان يكرروا فى سبحته قالو : أعملو كم يا مولانا ؟ قال ليه : إن كنت من أهل التوحيد أعملوا مرة واحدة .. الناس بيعملوا عدد السبعين عشان يكون فى واحد صاح .. هسع الجمهوريين أمامهم المشوار دا .. إما الحكاية بتبقى سبعين ألف أو تبقى واحدة .. فإذا كان كل واحد عرف مسئولية وخطورة القامة المطلوبة منه ، والمقام المطلوبة أن يملاه ، وعكف على نفسه افتكر المشوار قصير .. لكن لابد أن يكون فى تغيير جوّ .. المعركة الجمهورية هى كلها هى معركة روحية .. أنتو تنتصروا انتصار روحي .. زى ما بنقول معركة الجمهوريين فى سجادة الثلث .. دى عبارة بتقال دائماً .. بطبيعة الحال الناس كلما يمشوا لقدام زى البيجمعوا قوة ، وسرعتهم بتبقى أكثر لأنو فى أنوار استجمعت .. بجيكم وقت الأنوار الاستجمعت دى فجأة تشتعل .. زى حكاية : ( ثم أنشأناه خلقاً آخر ) بعد الستة أطوار : ( ثم أنشأناه خلقاً آخر ) فانتو هسع الناس الخرجو من المعتقلات ، والناس المعتقلين فى البيوت ، وفى المكاتب ، وفى كل جهة .. وكل جمهوري هو فى الحقيقة معتقل .. كل جمهوري هو غريب على المجتمع دا .. والغربة بطبيعة الحال بتخلى الإنسان ينظر لداخله أكثر مما ينظر لخارجه .. ويشعر بانو هو مقصود بالعداوة ، وأنو ما عنده لمواجهه العداوة غير الالتصاق بالله .. وأنا أفتكر فى الأيام المقبلة راح تشعروا بالحاجة لى الله أكثر مما شعرتوا بيها فى أى وقت .. المسألة البتحوجكم لى الله هى مسألة لخيركم ما فى أى كلام .. وانا مستبشر للمسألة دى تماماً.. نحن فى منعطف جديد .. افتكر أنو الناس يأخذوه بالجد اللازم ، والعمل اللازم ، وماب تلقوا العمل دا نار ، بتلقوه نور ، نور أخضر ، بارد ، ولذيذ وممتع .. فالناس أحسن يعكفوا فعلاً بالصدق فى مواجهة أمرهم .. وخيركم قريب .. أصلوا ما فى أدني شك .. وما يجرى ليكم إلا ما يزيدكم قوة وقرب والتصاق بي الله).
ثالثاً: الهيكل التنظيمي: ( تنتظم الجلسة وهى الجلسة المسائية الثانية بعد الإفراج عن المعتقلين . اليوم الجمعة 21/12/1984م يوافق 22ربيع الأول 1405هـ . الجلسة دى مخصصة لدراسة المشروع الذى أعدته اللجنة الانبثقت من الاجتماع العام .. انبثقت عن الهيئة الاتكونت فى الاجتماع العام .. واللجنة قامت بدراستها ، اتقدمت بها للهيئة ، الهيئة أجازتها .. اللجنة اجتمعت مرة ثانية ، زى ما سيفصل ليكم سعيد ، وأجازتها فى صورتها النهائية ..) انتهى.. ( ملحوظة : اللجنة تكونت من عشرة من الأخوان القياديين ، والهيئة تكونت من 62 وهم المعتقلون مضافاً إليهم القياديون اللذين كانوا خارج المعتقل ، والاجتماع العام هو الذى يضم جميع الأخوان والأخوات الجمهوريين .. هذا هو الهيكل المشار إليه).

فى ختام هذه الحلقات الشكر والتقدير لكل الذين اطلعوا عليها والذين ناقشوا موضوعاتها ، وأقدم فى ما يلي الجزء الأخير من ( ديباجة الدستور):
46)البيئة بيئتان : بيئة طبيعية ، من العناصر الصماء ، فى الأرض ، و فى السموات ، و بيئة اجتماعية ، من جميع الأحياء ، من لدن حيوان الخلية الواحدة ــ سواء أكانت خلية حيوان ، أو خلية نبات .. و البيئة مع ذلك ، وحدة متحدة ، الاختلاف بين أعلاها ، و هو الإنسان ، و أسفلها و هو ذرة بخار الماء ، إنما هو اختلاف مقدار .. هذا يعنى أن أصغر جزيئيان المادة ، إنما هى على صورة الإنسان ، و هي الإنسان ، في طور من أطوار نموه ، نحن لا نعرفه ، كما إنا لا نعرف الإنسان ، و هو فى طور الحيوان المنوي .. نحن لا نعرفه إلا بعد ان يولد ، بشرا ، سويا ، بعد مكث تسعة أشهر ، و بضعة أيام ، فى الرحم .. أن البيئة ــ سواء أكانت طبيعية ، أو اجتماعية ــ إنما هى مظهر الله العلى .. لقد تنزلت الذات العلية من صرافتها إلى مراتب الأسماء و الصفات .. تنزلت إلى مرتبة الاسم الله و بهذا الاسم قامت الأسماء و الصفات و الأفعال .. و أعلى هذه الأسماء : الله ، الرحمن ، الرحيم .. ثم يجئ ثالوث الأسماء : العالم ، المريد ، القادر .. و بهذا الثالوث ، بصورة ندركها أكثر مما ندرك ثالوث الأسماء الأول ، ظهر الخلق ــ ظهرت البيئة .. و نحن ، إنما ندرك هذا الثالوث أكثر مما ندرك الثالوث الأول ــ الله ، الرحمن ، الرحيم ــ لأن عندنا فيه مشاركة ، أكثر مما عندنا فى الثالوث الأول .. فنحن ، كل منا ، قد خلقه الله عالما ، و مريدا ، و قادرا ، فى المستوى الذى يليق بنا .. و إنما برزت البيئة الطبيعية ، و الاجتماعية ، إلى الوجود بهذه الأسماء الثلاثة .. فالله ، تبارك ، و تعالى ، قد أحاط بها علما ، و قد خصص الصورة الأولى منها إرادة ، و قد جسدها ، بالصورة التى تؤثر على حواسنا ، و عقلنا ، قدرة .. فهو بالعلم أحاط بالمخلوقات ، و بالإرادة خصص صورتها المحددة ، و بالقدرة أبرز هذه الصورة فى عالم الأجساد.. هذه صورة خلق الله .. و تشبهها صورة خلق الإنسان .. فالنجار ، تكون فى عقله صورة للتربيزة التى يريد صنعها ــ تكون فى علمه ، بصورة عامة .. فإذا أخذ قلما ، وورقة ، فرسم ارتفاعها ، و أبعاد قرصها ، و حجم أرجلها ، فقد خصص صورة العلم ، بالإرادة .. فإذا أخذ أدوات نجارته ، و بدأ فى تجهيز أجزاء التربيزة من الخشب الخام الذى فى ورشته ، إلى أن جمعها على بعضها ، فقد أبرز التربيزة، بالقدرة ــ أحاط بالتربيزة بالعلم ، و خصصها بالإرادة ، و أبرزها بالقدرة .. هذا هو المعنى المقصود من قول المعصوم : (( إن الله خلق آدم على صورته )) .. و قد سبقت إلى ذلك الإشارة.. فالله ، تبارك ، و تعالى ، حي ، و عالم ، و مريد ، و قادر ، و سميع ، و بصير ، و متكلم .. و هكذا قد جعل الإنسان حيا ، و عالما ، و مريدا ، و قادرا ، و سميعا ، و بصيرا ، و متكلما .. الإنسان يعلم بالعقل ، و يريد بالهمة ، و يقدر بالعضلات .. و لكن الله ، تبارك ، و تعالى ، لا يفعل بالجارحة ، و إنما يفعل بالذات .. فهو تبارك ، و تعالى ، يعلم بذاته ، و يريد بذاته ، و يقدر بذاته .. و هو قد خلق العالم بثالوث الأسماء ـ العالم، المريد ، القادر .. يمكن أذن أن نقول : إن العالم هو تجسيد علم الله .. يمكن أن نقول : أن العالم هو تجسيد ذات الله ، فى مستوى التنزل ، فى منازل القرب ، من عقل الإنسان ــ فى مستوى القدرة ــ و ذلك من أجل أن يفهم الإنسان .. (( اقرأ باسم ربك الذى خلق * خلق الإنسان من علق * اقرأ و ربك الأكرم * الذى علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم..)) علمه بقلم القدرة .. و ذلك القلم الذى أبرز المعاني إلى عالم المباني ــ عالم الأجساد .. تحرك العلم إلى القدرة ، و تحركت بينهما ، الإرادة .. و ما دمنا نتحدث عن الفتق ، بعد الرتق ، فى الخلق ، فلنواصل تعبيرنا فى امر تنزلات ألأسماء العلية : فقد كانت الإرادة والقدرة مرتتقتين ، فى العلم ، فإنفتق العلم عن القدرة ، وهى تمثل النقيض ، لأنها فى جانب التجسيد ، وتحرك البندول ــ وهو الإرادة ــ بين العلم والقدرة .. فالإرادة صفة وسطى ، من أعلاها العلم ، ومن أسفلها القدرة ، وهى تمثلهما ، كلتيهما ، كما يمثل كل وسط ، الطرفين الذين يكتنفانه .. وعلى هذا يمكن القول بأن الله تبارك وتعالى قد خلق العالم ــ البيئة الطبيعية والاجتماعية ــ بالإرادة .. البيئة مظهر إرادة الله .. والإرادة " ريدة " والريدة عندنا نحن السودانيين ــ محبة .. العالم " محبة " والله " محبة " ولم يجعل الله فى العالم بغضا وعداوة إلا لحكمه تعليمنا نحن .. والتعليم يبدأ من الجهل ــ وكذلك بدأنا نحن بنى البشر نتعلم من الجهل ونسير بتسيير الله لنا من الظلام إلى النور ــ من الجهل الى العلم .. وما خلق الله الظلام إلا لنتعلم نحن بالضد .. قال تعالى (( ومن كل شئ خلقنا زوجين لعلكم تذكرون )) خلق الظلام لنعرف النور وخلق الشر لنعرف الخير وعندما نفهم لا يبقى إلا العلم ولا يبقى إلا الخير : (( ما يفعل الله بعذابكم ، إن شكرتم ، وآمنتم .. وكان الله شاكرا عليما .. )) والله هو الذى يسيرنا من الجهل الي العلم ومن الظلام الي النور .. (( والله ولى الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور .. )) .. (( آلر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات الي النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد .. )) .. (( ولقد أرسلنا موسى بآياتنا أن أخرج قومك من الظلمات الي النور وذكرهم بأيام الله أن فى ذلك لآيات لكل صبار شكور .. )) ..

47) لقد خلق الله ، تبارك ، وتعالى ، الإنسان ليكون عالما ، وحرا ، وحيا ، حياة لا موت فيها ، وهكذا والاه بالتعليم ، وفرض عليه العلم فرضا : (( يأ أيها الإنسان !! إنك كادح إلى ربك ، كدحا ، فملاقيه .. )) أردت ، أو لم ترد !! فإنه ما من ملاقاة الله بد !! ولا تكون ملاقاة الله إلا بالعلم .. ولقد خلق لنا الله العالم لنتعلم منه ، وفيه .. وقد سيرنا الله بالعالم ــ بالبيئة تسييرا .. لقد خلق الله العالم كله مطيعا ، ومجبولا على الطاعة .. وخلق الناس ، وأعطاهم حق المعصية ، والطاعة ، ليصلوا الي الطاعة عن طريق العلم ، والحرية : (( الم تر أن الله يسجد له ، من فى السموات ، ومن فى الأرض ، والشمس ، والقمر ، والنجوم ، والجبال ، والشجر ، والدواب ، وكثير من الناس ، وكثير حق عليه العذاب ، ومن يهن الله ، فما له من مكرم ، ان الله يفعل ما يشاء ؟؟ )) .. (( وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب )) ، هذا لمكان الطاعة ، والمعصية التى متع الله ، تبارك ، وتعالى ، بها الإنسان .. كل الوجود مسلم لله : (( افغير دين الله يبغون ، وله اسلم ، من فى السموات ، والأرض ، طوعا ،وكرها ، وإليه يرجعون ؟؟ )) .. هذا هو الإسلام العام ، له يخضع كل العالم ، ولا يشذ عنه شاذ ــ هذا هو إسلام الأجساد .. وهناك الإسلام الخاص ، وهو إسلام العقول ، وفيه تقع المعصية ، وتقع الطاعة ، ولذلك قال ، فى الآية السابقة ، بعد أن ذكر سجود كل شئ لله ، قال ، من الناس : (( وكثير من الناس ، وكثير حق عليه العذاب )) ، إشارة الي الطاعة ، والمعصية .. وليس للإسلام العام ــ ليس بالطاعة فى الإسلام العام عبرة عند الله ــ وإنما العبرة عنده بالطاعة فى الإسلام الخاص ــ العبرة عنده بالطاعة طوعا ، واختيارا ، لا كرها ، واقتسارا .. (( ومن أحسن دينا ممن اسلم وجهه لله ، وهو محسن ، واتبع ملة إبراهيم حنيفا ، واتخذ الله إبراهيم خليلا ؟؟ )) وروح الآية في عبارة (( وهو محسن )) اى مختار ، ومدرك ، لإسلام وجهه لله ..


محمود محمد طه

Post: #453
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 02:56 PM
Parent: #452


الحلقة الثامنة
من أوراق الاستاذ محمود محمد طه داخل معتقلات مايو ( 8 )
كيف نطبق منهاج التوحيد العلمي في رؤية الفاعلين في آن معاً؟؟
د. محمد محمد الأمين عبد الرازق
قال الاستاذ محمود في آخر جلسة جمعته مع تلاميذه الأربعة المحكوم عليهم، قبل تنفيذ الإعدام بيوم واحد، وهو يوجههم بالتصرف المطلوب على منهج التوحيد، قال ما معناه: ( أنتو لمن تسمعوا في الأخبار أنو حسني مبارك رسل وفد من المحامين المصريين ليقابل نميري في أمركم، تفتكروا حاجات زي دي ممكن تغير الأحداث، لكن أعرفوا أن الأمور بيد الله وهو الذي يقرر فيها، فكونوا حاضرين معاهو هو في الحقيقة، واعلموا أن ما يريده ليكم فيه خير كان متوا أو حييتم، ويوم تجي شريعتكم ماها عليكم يعطيكم أياها هو، فالتوفيق يحصل في الشريعة بقدر حضوركم مع الله في الحقيقة)
لقد تحدثنا فيما مضى عن علاقة التشريع بأعراف المجتمع، وقلنا أنها تضبط وتوجه بواسطة النبي المرسل، فما هو التحقيق الذي جعل النبي مؤهلاً للقيام بهذا الدور؟؟ الجواب هو تحقيق التوحيد.. والتوحيد علم ومعرفة بالله، هو منهاج حياة بممارسته يسلم الإنسان أمره لله من غير اعتراض قال تعالى: (ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن) .. "وهو محسن" يعني طائعاً مختاراً لهذا التسليم.. والإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.. وهو درجة في نهاية مرحلة العقيدة، تليها مرحلة علم اليقين، وهي الدرجة الأولى في مرحلة العلم.. فالسالك في طريق محمد يمر بدرجات العقيدة وهي: الإسلام، الإيمان، الإحسان ، ثم ينتقل إلى درجات العلم وهي: علم اليقين، علم عين اليقين، علم حق اليقين، ثم الإسلام من جديد.. الإسلام الذي هو في البداية إسلام ظاهري، أما الإسلام النهائي فهو إسلاماً ظاهرياً وباطنياً..
التوحيد هو المنهج المشترك بين جميع الأنبياء المرسلين وغير المرسلين، قال تعالى: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسي وعيسي أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه، كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب).. الشرع المشترك هو التوحيد لقرينة " كبر على المشركين ما تدعوهم إليه" والذي يكبر على المشركين دائماً هو التوحيد.. ومعلوم أن شرائع الرسل الاجتماعية تختلف حسب حاجة المجتمع في الوقت المعين وتحقيق النبي المرسل في التوحيد.. وكلما اتسعت حركة المجتمع كلما نزلت تشريعات من قامة في التوحيد أعلى.. وهكذا ترتفع شريعة المجتمع تبعاً لارتفاع عمود التوحيد.. ويمكن تشبيه ذلك بعمود مثبت على الأرض ويثبت من أعلى بحبال نازلة على الأرض، فكل ما ارتفع العمود كلما نزلت الحبال بعيدة عن قاعدة العمود ليثبت، والحبال النازلة من أسفل العمود تقع قريبة من القاعدة .. إذن كلما ارتفع تحقيق التوحيد كلما اتسعت الشريعات لتغطي المساحة التي أنجزتها حركة التطور في دورة الحقيقة- الفترة..
إن منهاج التوحيد العلمي هو سنة النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في خاصة نفسه، والتي عليها سيتم بعث الإسلام من جديد ( الذين يحيون سنتي بعد إندثارها).. وهو يقوم على محاولة تحقيق كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) على أرض الواقع، وتعرف هذه الكلمة في السنة بأنها تعني: (لا فاعل لكبير الأشياء ولا لصغيرها إلا الله) بمعني أن الفاعل الأصلى واحد هو الله، وهذا المعني هو ما جعل الأستاذ محمود يوجه تلاميذه بالتركيز في هذه الحقيقة بالحضور مع الله والرضا بما يفعله وهم في أحلك الظروف.. وقد سبقت هذا التوجيه الأخير الذي لم يحدث بعده لقاء بين الأستاذ وتلاميذه، خطابات أرسلت من داخل المعتقل تشرح كيفية ممارسة هذا المنهج في الحياة اليومية حتى يكون واقعاً معاشاً به يرتفع عمود التوحيد على الأرض إلى مستوى جديد.. فلنتابع بدقة هذا الخطاب بتاريخ 14 فبراير 1984م، وأقترح أن نجعل له عنوان(رؤية الفاعلين) .. وأحب أن يلاحظ القارئ أن المرشد أنطلق من أرضية المواجهة مع مايو لشرح تفاصيل أدب المواجهة نفسها، فإلى الخطاب:
بسم الله الرحمن الرحيم الثلاثاء14/ فبراير 1984م
أبنائي وبناتي الجمهوريين:
تحيتي ومحبتي ومعزتي
أما بعد.. فإني أحمد الله الذي لا إله غيره، وأسأله تعالى لكم تمام النعمة بالهداية والتثبيت على السراط المستقيم، والنصر المؤزر بالعزة والكرامة.. ثم أما بعد.. فقد أنفقنا زمناً طويلاً في هذه الخلوة المباركة، في تجويد العبادة، ابتغاء تحقيق القدر المقدور لنا من العبودية.. وقد عطلنا، أو كدنا نعطل شريعتنا في هذه الفترة – شريعة معاملة المجتمع.. وإلا فإن شريعة العبادة قد كانت في أعلى مستوى.. والآن فإن القدر الذي تحقق في العبودية مرضي عندي، وأرجو أن يكون مرضي عند ربي.. معلوم أن السير في مضمار العبودية سير سرمدي، يتجدد ولا يتنهي .. ونحن نريد أن نجدده في المرحلة المقبلة بأن ندخل شريعة الجماعة في مضمار العبادة، فتكون لنا شريعتنا وحقيقتنا، فنجود التوفيق بينهما، من غير أن نذهل بالشريعة عن الحقيقة ولا أن نفني عن الشريعة في الحقيقة، وإنما هو الوزن بالقسط حيث نعامل الحق بالحقيقة، والخلق بالشريعة.. وهذا هو مقام عزكم الذي نسعي لبلوغه.. وهو مقام عزيز المنال، يقع البدء فيه ولا يتم الفراغ منه.. معلوم عندكم أن المبتدئ في العبادة الجادة، السالك مسالك العرفان بالعلم والعمل بمقتضى العلم، إنما يبدأ في غفلة يكون فيها مشغولاً بالخلق مذهولاً عن الخالق فهو لا يرى الفعل إلا من الفاعل المباشر: المخلوق، ويذهل عن الفاعل الأصلي من وراء الفاعل المباشر: الله .. وإنما من أجل الخلاص من هذه النظرة الجاهلة سنت الخلوة- الفرار من الخلق.. وبهذه الخلوة يتم فراغ البال من الخلق وتتمكن من العابد معايشة الرب حتى أنه لينتقل من رؤية الخلق في الفعل إلى رؤية الخالق وحده.. فلكأنه يصير إلى النقيض مما كان عليه قبل الخلوة.. فهو يفني عن الشريعة في الحقيقة .. وليس في أي من النقيضين كمال .. ليس في الفناء عن الحقيقة في الشريعة كمال، كما أنه ليس في الفناء عن الشريعة في الحقيقة كمال،.. وإن كان فناء الفاني في الحقيقة أكمل من فناء الفاني في الشريعة، لأن صاحب الشريعة وحدها صاحب دنيا.. وإنما الكمال في الجمع بينهما، وفي نفس الوقت..وهذا هو البقاء .. ومعلوم أننا لسنا مبتدئين في العبادة.. فإننا بفضل الله علينا، قد قطعنا في العبادة شوطاً بعيداً وموفقاً.. ولكننا مبتدئون في العبودية.. وقد ساق الله تبارك وتعالى، لنا بمحض فضله، هذه الفرصة لنخلو إليه في المعتقلات .. والمبتدئ في العبودية كالمبتدئ في العبادة من حيث حاجته للخلوة، مع اختلاف المقدار بالطبع، واعتقد أنكم لاحظتم حاجتكم إلى الخلوة منذ البداية..
الشريعة نهج البداية.. فليس دون الشريعة دخول في الملة .. والطريقة نهج المجود في الشريعة، لأنها شريعة وزيادة – لأنها شريعة منضبطة، وهي عندنا سنة النبي الكريم.. ونحن عليها بفضل الله منذ البداية.. والحقيقة معرفة أسرار الألوهية.. علم الشريعة يوجب العمل في العبادة ..وعلم الحقيقة – علم سر فعل الله - يوجب العمل في العبودية.. والعبودية هي التأدب مع الرب بما يليق من قبل العبد.. العبودية هي ألا تستعجل الرب في أمر أجله، ولا تستبطئه في أمر أعجله، وإنما تكون معه في حضرة شئونه، لاتتقدمه ولا تتأخر عنه.. وهو كل يوم في شأن، وإنما يومه زمنية تجليه لخلقه ليعرفوه وهذا التجلي (التعليم) هو شأنه .. فأنت تكون في أدب الوقت لتعقل عن ربك.. أنت كعابد مجود للعبودية لا تعيش في الماضي، ولا تعيش في المستقبل.. وإنما تعيش في (الهنا والآن) .. وهذا معلوم عندكم، وممارس بفضل الله، في مستوى مرضي من التجويد.. والآن!! .. دعونا ننقل أسلوبنا إلى المستوي الجديد، وهو التوفيق بين الحقيقة والشريعة، النظرة الواحدة الشاملة للفاعل المباشر، والفاعل الوراء الفاعل المباشر وهو الفاعل الأصلي، والوحيد.. ثم التصرف في نفس اللحظة بما تعطيه هذه النظرة الواحدة الشاملة، من علم يتسق فيه العمل بين الحقيقة والشريعة..
لقد عرفنا الحقيقة بأنها معرفة أسرار الألوهية.. هذه هي الحقيقة في الدين الخاص.. أما الحقيقة في الدين العام، فهي ما عليه الخلق من خير ومن شر، من علم ومن جهل، من إيمان ومن كفر.. هي الإرادة.. والإرادة هي ما عليه الخلق فإنه لا يدخل في المملكة إلا ما يريده الله.. نحن ندخل اليوم على شريعتنا بعد أن عطلناها، أو كدنا، لمصلحة حقيقتنا.. نحن ندخل على شريعتنا ومعنا حكم الوقت، بدليل أن قومنا اليوم قد تورطوا في تشويه ديننا، وفي التنكيل باسم هذا الدين بضعفاء شعبنا.. فوجب علينا من ثم، النهوض بالدفاع عن ديننا، وعن شعبنا، في هذا البلد الطيب.
وأول ما نبدأ به هو أن ما يجري من قومنا المسئولين، نحو ديننا، وشعبنا إنما هو بإرادة الله.. وإرادة الله دائماً تنطوي على حكمة.. علم من علم وجهل من جهل.. والله يريد أمراً ولا يرضاه وهذا معلوم عندكم.. وإنما يكون عملنا نقل قومنا - مسئولين عن أمر الناس وغير مسئولين- من إرادة الله إلى مرضاته.. وهذا إنما يكون بالنقد الهادئ، والموضوعي والبناء، الذي لا ينطلق عن ضغينة ولا عن حقد، وإنما ينطلق عن رغبة أكيدة في هداية الضال.. ينطلق من محبة للضال وكراهية الضلال.. وهذا أيضاً معلوم عندكم، بفضل الله عليكم .. وإرادة الله يمر عليها وقت في جزيئات الزمان والمكان، تطابق رضاه، فيكون ما يريده هو ما يرضاه.. ثم تقع المفارقة بين الإرادة والرضا ليحصل الترقي.. واليوم المفارقة بين الإرادة والرضا أكبر مما كانت في أي وقت مضى.. فعليكم أن تنقلوا الناس عبر هذه الفرقة، بالحكمة، والملاطفة، والعطف، والحب أيضاً.. واعلموا أن الله تبارك وتعالى حين قال في الرسالة الأولى عن النبي: (عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم) قال في الرسالة الثانية: (إن الله بالناس لرءوف رحيم).. وأصحابنا الصوفية قالوا: (الرحمة بخلق الله أولى من الغيرة على دين الله) لأن الغيرة من الغيرية ولا غيرية.. يعنون بالطبع أن ما يجري على الخلق من ضلال ما هو إلا من عند الواحد الذي لا غيره- لا قبله ولابعده.. وعلى العلماء بالله أن يرحموا خلق الله، ويرأفوا بهم، وينقلوهم من الضلال إلى الهدي، وهم ينطوون على حبهم، وعلى الحرص على خيرهم..
لعلكم تذكرون الرسم الذي عرضته عليكم في كتاب من كتب السيكولوجي .. الرسم يضم في شكل واحد إمرأة مسنة، وإمرأة شابة.. عندما ينظر الإنسان يرى واحدة من الإثنين..غالباً ما يرى المرأة المسنة.. فإذا نبه إلى أن هناك إمرأة شابة في نفس الرسم، وبدأ يدقق النظر، فإنه يراها، ولكنه في لحظة رؤيتها تغيب عن صورة المرأة المسنة، ثم لا يستطيع أن يجدها مرة ثانية – أعني المرأة المسنة- إلا بعد تدقيق، وإحداد للنظر، وإلا بعد مضي بعض الوقت .. وبمجرد أن يرى المرأة المسنة للمرة الثانية، تغيب عنه المرأة الشابة.. وهكذا .. والمطلوب أن يرى الإثنين في وقت واحد.. وهذا يمكن بطول المراس، وبتدقيق النظر وبترويض العقل.. والآن دعونا ندخل في أمر التطبيق.. إذا قال لنا إنسان قولاً، أو عمل عملاً فيه مساءة لنا، أو لغيرنا، فإنا لا نرى إلا الإنسان الذي جري لنا منه القول، أو العمل ونغضب ونضغن ونتصرف من هذا المشهد .. وبعد زمن يطول أو يقصر حسب حال أحدنا من الغفلة أو الحضرة، فإنا نرى القائل أو الفاعل الأصلي وراء الإنسان المباشر للقول أو الفعل.. هذا عمل مألوف عندنا في مرحلتنا الحاضرة من تجويد العبودية.. والمطلوب منذ اليوم، أن تكون المحاولة تقصير مدة غيبة الله، تبارك وتعالى، عنا في قول القائل المباشر أو فعل الفاعل المباشر.. يجب أن تكون مجاهدتنا في أن نتخلص من حجب الأغيار في أسرع وقت ممكن حتى نصل إلى المقام الذي نرى فيه الفاعلين في آن معاً.. فنكون مع الفاعل الأصلي بالحقيقة، ومع الفاعل الشرعي بالشريعة..
هذا يقتضي أن نحرك شريعتنا بغير حقد، ولا ضغينة، ويقتضي أيضاً ألا نبالغ في تحريك شريعتنا، بكثرة الإلحاح وبشدة الإصرار.. ولكن إنما نحركها بإتقان، وبانضباط ، وبتجويد وبإحسان .. وإذا كان علينا أن نقوم بعمل، أو نقابل أحداً، له في تقديرنا مكان، أو إذا كان علينا أن نقدم محاضرة أو أن نقوم بمناظرة، مثلاً فإنا يجب ألا نستعجل شريعتنا فنعيش خارج اللحظة الحاضرة- نعيش في زمن المقابلة، أو زمن المحاضرة، أو زمن المناظرة، مشغولين بالتحضير لما نحب أن نقول، قبل مجئ الوقت.. هذا يحصل من طبائع الأشياء.. ولكننا يجب أن نرد أنفسنا عنه، لأنه من المبالغة في تحريك شريعتنا، ولأنه من فعل الخوف.. نريد أن نستعد لئلا ننفضح.. يجب أن نرد أنفسنا عنه لنكون حافظين لحقيقتنا في اللحظة الحاضرة.. وحين يجئ وقت شريعتنا، فإنه يجي التوفيق، فيما يقال، أو يعمل.. ويكون التوفيق في الشريعة بقدر حفظنا للحقيقة .. هذا بالطبع هو السر في أن الجمهوريين والجمهوريات إنما يرتجلون، ولا يقرأون من الورق.. ولكننا نريد أن نزيد في هذا التجويد ليكون لنا عملاً تعبدياً به نعيش ونحيا الدين- العبودية.. وهذا هو الطور الجديد الذي ندخله منذ اليوم، ثم لا تكون له نهاية لأنه إنما هو الدين يحيا..
أقبلوا إذن على الدراسة السياسية، والقانونية على حسب النقاط التي وصلتكم، ابتغاء دفع التشويه عن دينكم، وابتغاء الدفاع عن المستضعفين من شعبكم، ابتغاء هداية من أضله الجهل من قومكم..
امضوا راشدين وعين الله ترعاكم وتكلؤكم، وتسدد خطاكم..
حفظكم الله، وحفظ عليكم
والدكم/ محمود

نواصل فيما يلي ما جاء في (ديباجة الدستور) حول الارتباط بين الكون الخارجي والكون الداخلي، ثم لشرح كيفية التحرر من الخوف بمنهاج التوحيد:
44)الكون الداخلي صغير جدا .. أبعد كواكبه ، من الشمس ، كوكب بلوتو .. ، و هو علي بعد 3671 مليون ميل ، تقريبا ، من الشمس .. و أقرب نجم ، من نجوم الكون الخارجي من الشمس ، يقع 4.22 سنوات ضوئية .. يعنى ان نوره يصل إلى الشمس في 4.22 سنوات .. فإذا علمنا ان النور يسير بسرعة 186.282 ميل في الثانية الواحدة ، تبين لنا كيف أن الكون الداخلي جيب صغير ، داخل الكون الخارجي .. ان الكون الداخلي هو بمثابة الرحم ، من الكون الخارجي .. و في هذا الرحم تكونت الحياة ــ حياة اللحم ، والدم ــ في الأرض ، كما تتكون حياة الأحياء في أرحام الأمهات اليوم .. الكون الداخلي صغير ، و محدود .. ولكن الكون الخارجى غير محدود ، وغير متناه وانما هو مطلق لأنه مظهر المطلق .. ونحن لم نقل أن الكون الداخلى صغير ، و محدود إلا باعتبار المادة ــ باعتبار المسافات ، و إلا فانه أهم من الكون الخارجي ، بنحو قريب من كون الإنسان ــ برغم صغر جرمه ــ أهم من جميـــع الأكوان .. و ما دمنا نتحدث عن الأبعاد لتصوير صغر الكون الداخلي ، إذا ما قورن ، من حيث الحجم ، بالكون الخارجي ، فلنذكر أن نور القمر يصل إلى الأرض في 1.28 ثانية ( و لقد قطعت مسافة القمر من الأرض مركبة القمر في أربعة أيام ..) .. فهل نستطيع ان نتصور بعد أقرب نجم إلينا من الكون الخارجي ، حين يسافر نوره إلينا ، في 4.22 سنوات ؟؟ و ما هي فرصة الإنسان في السفر في الفضاء الخارجي ؟؟ أو ما سمي بالفضاء الخارجي ؟؟ ( وفى الحقيقة ليس هناك فضاء في الكون ، و إنما كله معمور بالحياة ، و لكنها ليست الحياة التي نعرفها، نحن بعقولنا ) .. و ما دمنا في ذكر القمر ، فلنقل انه ، عند الفلكيين ، ليس بكوكب من الكوكب السيارة ، و إنما هو تابع للأرض ، و الأرض هي الكوكب السيار حول الشمس .. و لكن ، من وجهة نظر الدين ، فان القمر أهم من جميع الكواكب السيارة ، ما خلا الأرض .. و ثالوث الأرض ، و الشمس ، و القمر ، يرد كثيرا في القرآن .. و لقد ورد ذكر القمر سبعا و عشرين مرة .. وورد ذكر الشمس ، ثلاثا و ثلاثين مرة .. وورد ذكر الأرض ، من حيث هي ، نحو من أربعمائة ، و ستين مرة .. و لأهمية الكون الداخلي فان الدين ، في المرحلة ، ركز عليه كثيرا .. يقول تعالي : (( و لئن سألتهم من خلق السموات ، و الأرض ، و سخر الشمس ، و القمر ، ليقولن الله .. فأنّي يؤفكون ؟؟ )) و يقول تعالي : (( الله الذي رفع السموات بغير عمد ترونها ، ثم استوي على العرش ، و سخر الشمس ، و القمر ، كل يجرى لأجل مسمى ، يدبر الأمر ، يفصل الآيات ، لعلكم بلقاء ربكم توقنون .. )) قولــه تعالي : (( كل يجــرى لأجل مسمى )) هو ما قلنا عنه : ان الدين ركز ، في المرحلة علي ، الكون الداخلي ، و إلا ، فان، في عبارة السموات ، موجود الكون الخارجي ، المرئي الآن ، و غير المرئي ، المعروف الآن ، و غير المعروف .. و في الكون الداخلي ، فان السموات سبع ، باعتبار أن الأرض هي المركز .. السماء الأولي القمر ، و الثانية الزهرة ، و الثالثة عطارد ، و الرابعة الشمس ، و الخامسة المريخ ، و السادسة المشتري ، و السابعة زحل .. و الكواكب السيارة ، فوق زحل ، و هي ثلاثة ، لا تكاد تري بالعين المجردة .. و علي عهد العرب ، فان الفلكيين كانوا يعتبرون زحلا ابعد الكواكب .. و لقد قال أبو العلاء المعري ، في ذلك :
زحـــــل أشـــــرف الكواكـــب دارا ***** من لقـــاء الردي علي ميعــاد ..
فالسموات السبع هن ، الأجرام السبعة ، و مداراتها السبعة ، قال تعالي ، في ذلك : (( و لقد خلقنا فوقكم سبع طرائق ، و ما كنا ، عن الخلق ، غافلين .. )) و إلى هذه الأجرام السبعة و ثامنتها الأرض ، تشير لدي التجسيد ، الأسماء الحسنى الثمانية ، و هي : الملك للأرض ، و القدوس للقمر ، و السلام للزهرة ، و المؤمن لعطارد ، و المهيمن للشمس ، و العزيز للمريخ ، و الجبار للمشتري ، و المتكبر لزحل .. و هذه الأسماء ، و جميع الأسماء الحسنى ، هي في حق الإنسان ، و تتعالي عنها الذات العلية ، فهي فوق الأسماء ، و فوق الإشارات .. و لان الكون ، من الإنسان ، أبرزه الله خارجه ليعلمه به ، قال تبارك و تعالي : (( سنريهم آياتنا ، في الآفاق ، و في أنفسهم ، حتى يتبين لهم أنه الحق .. أولم يكف بربك أنه ، علي كل شئ شهيد ؟؟ )) و (( انه الحق )) هنا تعود علي الإنسان ، و من ورائه إلى الذات المطلقة ، و لكن عندما يصبح الحق حقيقة ، و عندما تنقطع العبارة ، و الإشارة ..

45) كل ذرة ، من ذرات الكون ، أرضه ، و سمواته ، المرئي منها ، و غير المرئي ، و المعروف منها ، و غير المعروف ، له مقابل في بنية الإنسان ــ قلبه ، و جسده ، و عقله .. ذلك بأن الله ، تبارك ، و تعالي ، قد خلق الكون علي صورة الإنسان ، و خلق الإنسان علي صورته هو سبحانه و تعالي ، و لقد قال المعصوم : (( ان الله خلق آدم علي صورته )) .. و هذه العلاقة الحميمة هي التي جعلت قوى العبادة في الإنسان تتجه إلى نظائرها في الكون ، فعبد الشجر ، و عبد الحجر ، و عبد النار ، و عبد الأجرام السماوية ، و عبد الظواهر المختلفة ، في البيئة التي تكتنفه .. و أرفع العبادة ، لقوي الطبيعة ، في طريق التوسل بها إلى خالقها ، ما اتفق لإبراهيـم الخليل، حيث يقص علينا الله ، تبارك ، و تعالي ، من خبره : (( و كذلك نري إبراهيم ملكوت السموات ، و الأرض ، و ليكون من الموقنين * فلما جنّ عليه الليل رأي كوكبا .. قال هذا ربى !! فلما أفل ، قال : لا أحب الآفلين * فلما رأي القمر بازغا ، قال : هذا ربى .. فلما أفل ، قال : لئن لم يهدني ربى ، لاكونن من القوم الضالين * فلما رأي الشمس بازغة ، قال : هذا ربى .. هذا أكبر .. فلما أفلت ، قال : يا قومي !! اني برئ مما تشركون * اني وجهت وجهي للذي فطر السموات ، و الأرض ،حنيفا، و ما أنا من المشركين )) .. و كذلك هداه الله إلى الحق بآيات الآفاق ..
(( سنريهم آياتنا ، في الآفاق ، و في أنفسهم ، حتى يتبين لهم انه الحق .. )) ..
ان الكون هو الإنسان ، و لكن الإنسان ليس الكون ، لأن الإنسان أهم من الكون .. و ان الإنسان هو الله ، و لكن الله ليس الإنسان ، لأن الله باق ـ كائن ـ و الإنسان فان ــ مستمر التكوين .. و هو مستمر التكوين يطلب كينونة الله !! و هيهات !! هيهات !! و إنما حظه من ذلك ان يكون مستمر التكوين ، في السرمد ، و هذا هو كماله ، و ليس لكماله نهاية، لأن نهايته إنما هي عند الله ، حيث لا عند .. (( و ان إلى ربك المنتهى )) و لا منتهى ..
هذا هو الله .. و هذا هو الكون .. نحن من الله ، و إلى الله .. و الكون منا ، و قد خلقه الله لنا ليعيننا ، فهو منا ، و إلينا .. و لكن الجهل ، منذ أول النشأة ، و إلى اليوم ، قد أوهمنا أننا إنما نعيش في وسط العداوة .. قال شاعرنا ، في وقت متأخر جدا ، إذا ما قورن ببدء النشأة : -
كأن فجاج الأرض ، و هي عريضة **** لدى الخائف ، المطرود كفة ، حابل ،
يؤتى إليـه : ان كـــل ثنيـــــة ***** تيمـمهـا ترمــى إليـــه بقـاتــــل..
هذا الخوف الساذج ، الفطري ، الذي أملاه علينا الجهل ، المطبق ، في سالف عصورنا ، لا يزال يوهمنا بالعداوات ، و يغرى بيننا البغضاء ، و الأحقاد ، و الضغائن ، و يثير الحروب .. و فى تطورنا نحو التحرر من الخوف ننزل المنازل المختلفة ، و نعرف ، فى مستوى من المستويات، كل حين ، حقيقة البيئة التى نعيش فيها ..
و لقد جاء القرآن ليوحد هذا الخوف في الله وحده ، ريثما يحررنا ، بالعلم ، من الخوف العنصرى ، الساذج ، و حتى من خوف الله .. اقرأوا هذه الآيات ، شديدة الدلالة على جهلنا ، بالغة الحكمة فى علاجنا ، من ذلك الجهل .. قال تبارك و تعالى : (( و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ، أفان مات ، أو قتل ، انقلبتم على أعقابكم ؟ و من ينقلب على عقبيه ، فلن يضر الله شيئا ، و سيجزى الله الشاكرين * و ما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله ، كتابا مؤجلا ، ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ، و من يرد ثواب الآخرة نؤته منها .. و سنجزى الشاكرين * و كأين من نبى قاتل معه ربيون كثير ، فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله ، و ما ضعفوا ، و ما استكانوا ، و الله يحب الصابرين * و ما كان قولهم إلا أن قالوا : ربنا اغفر لنا ذنوبنا ، و إسرافنا فى امرنا ، و ثبت أقدامنا ، و انصرنا على القوم الكافرين * فآتاهم الله ثواب الدنيا ، و حسن ثواب الآخرة ، و الله يحب المحسنين * يا أيها الذين آمنوا ان تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم ، فتنقلبوا خاسرين * بل الله مولاكم ، و هو خير الناصرين * سنلقى فى قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله، ما لم ينزل به سلطانا ، و مأواهم النار ، و بئس مثوى الظالمين * و لقد صدقكم الله وعده ، إذ تحسونهم بإذنه ، حتى إذا فشلتم ، و تنازعتم في الأمر ، و عصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون ، منكم من يريد الدنيا ، و منكم من يريد الآخرة ، ثم صرفكم عنهم ، ليبتليكم ، و لقد عفا عنكم ، و الله ذو فضل علي المؤمنين * إذ تصعدون و لا تلوون على أحد ، و الرسول يدعوكم في أخراكم ، فأثابكم غما بغم ، لكيلا تحزنوا على ما فاتكم ، و لا ما أصابكم ، و الله خبير بما تعملون * ثم أنزل عليكم ، من بعد الغم ، أمنة ، نعاسا يغشى طائفة منكم ، و طائفة قد أهمتهم أنفسهم ، يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون : هل لنا من الأمر من شئ ؟؟ قل ان الأمر كله لله .. يخفون فى أنفسهم ما لا يبدون لك .. يقولون : لو كان لنا من الأمر شئ ما قتلنا ههنا .. قل لو كنتم فى بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى مضاجعهم ، و ليبتلى الله ما فى صدوركم ، و ليمحص ما فى قلوبكم ، و الله عليم بذات الصدور * ان الذين تولوا منكم ، يوم التقى الجمعان ، إنما استذلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ، و لقد عفا الله عنهم .. ان الله غفور حليم * يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا ، و قالوا لإخوانهم ، إذا ضربوا فى الأرض ، أو كانوا غزى : لو كانوا عندنا ما ماتوا ، و ما قتلوا ، ليجعل الله ذلك حسرة فى قلوبهم ، و الله يحى ، و يميت ، و الله بما تعملون بصير * و لئن قتلتم فى سبيل الله ، أو متم ، لمغفرة من الله ، و رحمة ، خير مما يجمعون * و لئن متم ، أو قتلتم ، لألى الله تحشرون * فبما رحمة ، من الله ، لنت لهم ، و لو كنت فظا غليظ القلب ، لانفضوا من حولك ، فاعف عنهم ، و استغفر لهم ، و شاورهم فى الأمر ، فإذا عزمت فتوكل على الله ، ان الله يحب المتوكلين * ان ينصركم الله فلا غالب لكم ، و ان يخذلكم فمن ذا الذى ينصركم من بعده ، و على الله فليتوكل المؤمنون ..))
و مشكلتنا كلها واردة فى قوله تعالى : (( و طائفة قد أهمتهم أنفسهم ، يظنون بالله غير الحق ، ظن الجاهلية !! )) سبب الخوف جهلنا ، و حرصنا على سلامة أنفسنا ، حتى لقد ظننا بالله غير الحق .. و الآن فان كل وكد الدين هو تحريرنا من الخوف ، عن طريق العلم، و عن طريق تسليم أنفسنا لله ، فهو أولى بها منا ..
و إنما من ، اجل ذلك ، كتب علينا أن نقاتل فى سبيل نصرة الله ، و بنصرة الحق ، قال تعالى : (( كتب عليكم القتال ، و هو كره لكم .. و عسى أن تكرهوا شيئا ، و هو خير لكم ، و عسى أن تحبوا شيئا ، و هو شر لكم ، و الله يعلم ، و أنتم لا تعلمون .. )) ..

Post: #454
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 02:58 PM
Parent: #453


للحوار: آخر ما كتب الاستاذ محمود محمد طه داخل المعتقل(1)

***

من اوراق الأستاذ/ محمود محمد طه داخل معتقلات مايو (1)
التقييم العلمي لمسيرة الديمقراطية عبر التجارب المعاصرة داخلياً وخارجياً

د/ محمد محمد الأمين عبد الرزاق

ابتدر الأستاذ/ عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي السوداني السابق جلسة حوار مع الأستاذ محمود محمد طه بعبارة: (لا أقول تركت الماركسية ولكن أستمع بذهن مفتوح !!). من المؤكد أن هذه الكلمات تعبر عن وعي عميق بأهمية وضرورة الحوار الفكري من أجل إحداث تغيير جذري في حياة الناس الفردية والاجتماعية .. أكثر من ذلك ، فإن هناك قيمة أساسية تبرز بين كلمات زعيم الشيوعيين السابق ، وهي نبذ التعصب المذهبي المعوق لتطور الفرد الفكري .. قبل سنوات عندما كان الحوار يدور حول السلام استمعت إلى عبارة وردت على لسان السيد/ علي عثمان محمد طه في مقابلة تلفزيونية وهي: (توصلنا إلى قناعة بأن الحقيقة ليست في مربع واحد !!) .. وهي عبارة تدعم برنامج التلاقح الفكري بين المذاهب المختلفة نظرياً فقط ، وذلك لأن واقع الأجهزة الرسمية تحت قيادة السيد/ علي عثمان بعيدة كل البعد عن ما يمكن أن يعطيه من يكون على هذه القناعة عملياً ، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار اتفاقية السلام الموقعة بين الحكومة والحركة الشعبية في يناير 2005م ، والدستور الانتقالي القائم اليوم..
لقد كان الأستاذ محمود محمد طه يعول على المثقفين كثيراً ، ويحثهم على أن يقوموا بدور فعال في إنقاذ الشعب من دوامة الفشل والمعاناة والضياع الذي يتعرض له على يد الطائفية والهوس الديني .. وكان ينعى على اليساريين انطلاقهم من غرفة الفكر العلماني لمواجهة الهوس الديني ، إذ أن هذا المنهج سيترك الشعب فريسة سهلة ولقمة سائغة في فم المهووسين دينياً ، وهذا ما نراه اليوم واقعاً معاشاً حتى أصبحنا ننتظر الخلاص من التدخل الأجنبي !!.
إن توقيع اتفاقية السلام في التقييم العلمي إنما يعتبر مجرد إعداد للمسرح لتتم عليه عملية التوعية الفكرية بالإسلام في مستوى الرسالة الثانية من الإسلام، أو الإسلام في مستواه العلمي الذي به وحده يمكن اقتلاع الهوس الديني من داخل النفوس .. ذلك بان الإسلام سلاح ذو حدين: إذا استخدمته استخداماً صالحاً فإنه يحل جميع مشاكل الفرد والمجتمع أما إذا ارتد عليك بحد الهوس فإنه يقضي على الأخضر واليابس..
وفي فترة الديموقراطية الثانية تمكنت الطائفية بالتحالف مع الهوس الديني من حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان عام 1965م ، ثم أقامت محكمة الردة عام 1968م للأستاذ محمود وحكمت عليه غيابياً بالردة في انتظار الدستور الإسلامي المزعوم .. ثم واصل التحالف مخططه لإجازة الدستور الإسلامي المزيف الذي لا علاقة له بالإسلام من أجل تصفية الخصوم السياسيين الذين يخالفونهم الرأي .. وعندما وصلت الجمعية التأسيسية مرحلة إجازة الدستور المتخلف هذا في القراءة الثانية وكاد أن يصل إلى المرحلة النهائية جاءت مايو وكانت بمثابة إنقاذ للبلاد من مؤامرة تستهدف وحدة البلاد .. جاءت مايو بدعم من اليسار السوداني المنكوب بالديموقراطية .. هذا وقد أيد الأستاذ محمود محمد طه انقلاب مايو على قاعدة أخف الضررين وقال: (كنا أمام خيارين مايو أو الطائفية والهوس الديني لأننا ما عندنا فرصة نقيم النظام الذي نريده فاخترنا مايو على قاعدة أخف الضررين) .. واستمر الحال إلى أن وقعت مايو نفسها في مستنقع الهوس الديني لتستمر في السلطة التي تهاوت من كل جانب ، فتصدى لها الأستاذ محمود دافعاً نفسه في مواجهتها فداء للشعب السوداني في 18/1/1985م .. وهكذا ظلت العاطفة الدينية هي المطية التي يمتطيها كل متسلط يريد أن يستمر في السلطة على حساب مصالح الشعب المهدرة أمام كل مفكر حصيف ..
إن التجربة العملية عند الأستاذ محمود تعتبر رافد أساسي من روافد التوعية إلى جانب الحوار الفكري .. وكل تجربة لا تورث حكمة تكرر نفسها .. ومن خلال تجربة الحركة الإسلامية السلفية في السلطة منذ عام 1989م انتهينا إلى توقيع اتفاقية السلام في 9/1/2005م .. هذه الاتفاقية لا سند لها في الفهم السلفي ، إنما السند في الإسلام كما يطرحه الفكر الجمهوري .. ففي الشريعة السلفية التي طبقت في القرن السابع الميلادي ، والتي يعتمدها السلفيون على اختلاف ألوانهم ، المسلم لا يساوي غير المسلم ، والمرأة لا تساوي الرجل وليس فيها أي فرصة تعطي إقرار حق المواطنة بالصورة التي تمت وأجيزت في اتفاقية السلام .. فإذا استطعنا بقناعتنا الجديدة التي فرضها الواقع العملي ، أن نتجاوز المفاهيم التي تعطيها تلك الشريعة السلفية فلا بد أن نبحث عن سند من القرآن نتخذه ركيزة لتثبيت هذه الاتفاقية .. هذا السند متوفر ومبوب في كتب الأستاذ محمود محمد طه فيما سمي بالرسالة الثانية من الإسلام ..
لقد كتب الأستاذ محمود في أخريات أيامه (ديباجة الدستور) وأخرجها للجمهوريين من داخل معتقلات مايو في أكتوبر 1984م .. نقتطف منها هذا الجزء الخاص بمراحل تطور الحكم الوطني في السودان خاصة فترات الديموقراطية:

(( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ))
(1) كلمة "الديمقراطية" كلمة يونانية .. و هي كلمة يدل بها علي: حكم الشعب بواسطة الشعب، لمصلحة الشعب.. و لقد تطور مدلول هذه الكلمة بتطور مدلول كلمة الشعب.. فان كلمة الشعب كانت تضيق، علي عهد اليونان، فلا تشمل النساء ، ولا العبيد.. ثم اخذ معناها يتسع، علي مر الزمان، بفضل الله، ثم بفضل يقظة المستضعفين في الأرض، حتى اصبح،في آخر القرن الماضي، يشمل المواطنين جميعا من الرجال البالغـين سن الرشد. ثــم تداعـي التطور بكلمة الشعب هذه حتى اصبـح، في القـرن الحاضـر ، عند البــلاد التي تــمارس الديمقراطية، يعني كل المواطنين، من رجال ،و نساء منذ يبلغون سن الرشد..

2)و لما كان حكم الشعب ، بواسطة الشعب ، من الناحية العملية ، مستحيلا ، فقد جاء الحكم النيابي، و نشأت الأحزاب السياسية.. و في الحكم النيابي قلة قليلة جدا هي التي تباشر ، نيابة عن الشعب ، السلطة التشريعيـة ، و السلطة القضائية ، و السلطة التنفيذية.. و المفترض ان الشعب يراقب هذه القلة حتى يطمئن إلى إنها، إنما تدير دولاب السلطة لمصلحته هو ، لا لمصلحتها هي . و هذا أمر يقتضي وعي الشعب، و يقتضي وعي القلة التي تباشر السلطة ايضا.. و ليس هناك شعب من الشعــوب ، إلى وقتنا الحاضر، استطاع ان يكون في مستوي الوعي الذي يمكنـه من مراقـبة أداء من يتولـون ، نيابة عنه ، إدارة مرافقه بصورة تقرب ، و لو من بعيد من مستوي الحكم الديمقراطي بمعني هذه الكلمة.. و ليست هناك، إلى وقتنا الحاضر ،قلــة، في اى شعب من شعوب الأرض، استطاعت ان ترتفع فوق مطامعها ، و أنانيتها ، و جهلـها ، لتحكم شعبهـا حكمـا ديمقراطيـا صحيحا.. فالقلة إنما تحكم الشعب لمصلحتها هي ، لا لمصلحته هو.. و يصدق في كل قلـــة حاكمــة اليوم ما قاله أبو العلاء المعري منذ وقت طويل:
مـــلّ المقـــــام ، فكم اعاشر امة *** امرت بغير صلاحـــها، امراؤها !!
ظلموا الرعية و استباحوا كيدها *** و عدوا مصالحها، و هم اجراؤها !!

3) اما نحن السودانيين فقد بلونا اسوأ الوان الحكم النيابي ، في محاولتنـا الاولي ، في بدء الحكــم الوطني، و في محاولتنـا الثانيــة ، بعـد ثورة اكتوبر 1964.. فقد كانت احزابنا السياسية طائفية الولاء ، طائفيـة الممارسـة ، فهي لم تكن تملك مذهبيــة في الـحكم .. و الطائفية نقيض الديمقراطية.. ففي حين تقوم الديمقراطية علي توسيـع وعي المواطنين ، تقوم الطائفية علي تجميد وعيهم.. و في حين ان الديمقـراطية في خدمة مصلحة الشعب ، فان الطائفية في خدمة مصلحتها ، هي ، ضد مصلحـة الشعب .. و من ههنا جاء فساد الحكم النيابي الاول عندنا .. فكانت اصوات الناخبين توجه بالاشارة من زعيم الطائفة، كما كانت تشتري!! و كـان النـواب يشترون أيضا!! و ذلك في جـو مـن الصـراع الحزبي الطاحن علي السلطة ادي الي تهديد سيادة البلاد و استقلالها.. فقد كانت الحكومة ائتلافية بين حزب الامة،و حزب الشعب ــ حزبـي الطائفتين ذواتي الخصومة التقليدية ، طائفة الانصار ، و طائفة الختمية .. و دخلت البلاد في ازمة سياسية من جراء عدم الانسجام في الوزارة ، و بروز الاتجاه للالتقاء بين الحزب الوطني الاتحادي ، الذي كان في المعارضه ، و حزب الشعب ، عن طريق وساطة مصر .. فسافر رئيسا الحزبين ، السيد اسماعيل الازهري ، و السيد علي عبد الرحمن، الي مصر. لهذا الغرض ، و لقد نسب لرئيس الوطني الاتحادي تصريح ، بمصر، يعترف فيه باتفاقية 1929، التي كانت حكومة السودان الشرعية قــد الغتها.. ( و هي الاتفاقية التي ابرمت في الماضي بين دولتي الحكم الثنائي، بريطانيا، و مصر ،بينما كان السودان غائبا ، تحت الاستعمار ، فاعطت السودان نصيبا مجحفا من مياه النيل ، بالنسبة لنصيب مصر..) و كان ذلك الاعتراف بالاتفاقية بمثابة مساومة مع مصر لتعين الحزب علي العوده للحكم، كما صرح رئيس حزب الشعب ، بمصر ، بان حزبه يقف في المعارضه ! ! (انباء السودان 15/11/1958 ، الراي العام9/11 /1958 .. في هــذا الجو السيـاسي الذي يهدد استقـلال البلاد، و سيادتـها ، بالتدخـل الاجنبي ، سلم السيد عبد الله خليل ، رئيس الـوزراء ، الحكــم للجيش.. ( اقوال الفريق عبود في التحقيق الجنائي حـول الانقــلاب بعد ثورة اكتوبر 1964 ، " التجـربة الديمقراطية ، و تطور الحكم في السودان " للدكتور ابراهيم محمد حاج) .. فكان انقلاب 17 نوفمبر 58 بمثابة انقاذ للبلاد.. و حكم الحكم العسكـري ست سنوات، صادر فيها الحريات الديمقراطية.. و برغم انه حقق شيئا من التنمية الاقتصادية ، إلا انه آل إلى صور من العجز عن الإصلاح ، و في الفساد، أدت إلى قيام ثورة 21 أكتوبر 1964 .. و لقد تمثل في تلـــك الثــورة الشعبيـة ، السلمية، إجماع الشعب السوداني الكامل علي الرغبة في التغيير ، و ان لم يكن يملك المعرفة بطريقة التغيير.. فتخطي الشعب الولاءات الطائفية ، و هو ينادي بعدم العودة لماضي الحزبية الطائفية.. و لكـن سرعان ما أجهضت الأحزاب الطائفية تـلك الثورة، و صفـــت مكتسباتها .. فقــد ضغطت ، بالإرهـاب السياسي ، علي رئيس حكومة أكتوبر الثورية حتى استقال ، و شكل حكومة حزبيـة برئاستـه .. ثم عادت الأحزاب الطائفية للسلطة ، عن طريق الأغلبية الميكانيكيـة الطائفيـة ، فـي الانتخابات .. و قامت حكومة ائتلافية من حزب الأمة و الوطني الاتحادي.. و تعرضت الديمقراطية ، في هذه التجربة النيابية الثانية ، لاسـوأ صـــور المسـخ، عــلاوة علــي المسـخ الذي تعرضت له الديمقراطيـة من جراء فسـاد القلة ، و مـن جراء قصــور وعـي الشعب .. فقد عدل الدستور مرتين للتمكين للحكم الطائفي في الاستمرار : مرة ليتمكن أزهري من أن يكون رئيسا دائما لمجلس السيادة ، في إطار الاتفاق بين الحزبين علي اقتسام السلطه .. و مرة أخري لحل الحزب الشيوعي ، و طرد نوابه من الجمعية التأسيسية.. فقد عدلت الجمعية التأسيسية المادة 5/2 من الدستور، و التي تعد بمثابة روح الدستور.. و هي المادة التي تنص علي الحقوق الأساسية ، كحق التعبير ، و حق التنظيم.. و لما حكمت المحكمة العليـا بعدم دستورية ذلك التعديــل (مجلة الأحكام القضائية 1968) أعلن رئيس الوزراء آنذاك ، السيد الصادق المهدي "ان الحكومة غير ملزمـة بان تأخـذ بالحـكم القضائـي الـخاص بالقضيــة الدستوريــة" (الـــرأي العــــــام 13/7/1966).. ليتعرض القضاء السوداني بذلك لصـورة مـن التحقيـر لم يتعـرض لـها في تاريخه قط!! و لما رفعت الهيئة القضائية مذكرة إلى مجلس السيادة تطلب فيها تصحيح الوضع بما يعيد للهيئة مكانتها(الرأي العام27/12/1966) وصف مجلـس السيادة حكم المحكمة العليا بالخطأ القانوني (الأيام 20/4/1967) فاستقال رئيس القضاء السيد بابكر عوض الله ، و قد جاء في إستقالته( إنني لم أشهد في كل حياتي القضائية اتجاها نحو التحقير من شأن القضاء، و النيل من استقلاله كما أري اليوم.. إنني أعلم بكل أسف تلـك الاتجاهات الخطـيرة عنـد قــادة الحكم اليـوم، لا للحـد مـن سلطـات القضـاء في الدستـور فحسب ، بل لوضعـه تحت إشـراف الهيئة التنفيذية )) الكتاب المشار إليه آنفا.. هذه صورة لفشل التجربة الديمقراطية النيابية في بلادنا، مما حولها إلى دكتاتورية مدنية ، فهدد الاستقرار السياسي ، حتى جاءت ثورة مايو بمثابة إنقاذ للبلاد !! ان قصور تجربتنا الديمقراطية مرده الأساسي إلى قصور الوعى ــ وعي الشعب، ووعي القلة التي تحكم الشعب، مما أفرغ مدلول كلمة الديمقراطية من محتواها ــ هذا و فشل الديمقراطية في ظل البلاد المتخلفة ادي الي الانقلابات العسكريه ، في كل مكان ، في النصف الاخير من هذا القرن و ليس في الانقلابات العسكريه حــل..

4)إن الانسان المعاصر يري ان الديمقراطية ، و الاشتراكيه،يمثلان معا الحقوق الأساسية له ــ حق الحياه ، و حق الحرية .. و يري ان الاشتراكية وسيلة لازمة لتحقيق الديمقراطية.. ففي حين أن الديمقراطية هي الحرية السياسية ،فان الاشتراكية هي الحرية الاقتصادية فمن غير المعقول ان يطلب إلى الإنسان التنازل عن حريته الديمقراطية لقاء تمتعه بالحقوق التي تكفلها له الاشتراكية : كما تريد الماركسيـة ، أو يطلب اليه ان يحقق حريته الديمقراطيـة في ظل نظام اقتصادي تستأثر فيه القلة بالثروة ،كما تريد له الرأسمالية.. اما النظام الماركسي فهو نظــام ديكتاتـوري ،لا يمارس الديمقرطيه اصلا،و انما يزيفها،
فيسميها دكتاتورية البروليتارياــ العمال والمزارعين ــ و ما هي ، في الحقيقة ، إلا ديكتاتورية المثقفـين علـي العمــال و المزارعــين .. و اما النظـام الرأسـمالي الغربـي فانه يمارس الديمقراطية ، و لكنه يتسـم بقصور الممارسه، حيث تسعي القلة الراسمالية للسيطرة علي السلطة، حتي تخدم مصالحها الرأسماليه ضد مصلحة طبقات الشعب الاخري..فلا تتحقق الديمقراطية مع الرأسمالية..
و في أمريكا، أقوي ، و اغني دول العالم، فان تجربة الديمقرطيه النيابية تعتبر فاشله، اذا ما قورنت بالمرجو منها،و ما ذاك الا لان القلة التي تتولي السلطة لا تستطيع ان ترتفع فوق انانيتها ، و طمعها ،و اثرتها ، فهـي تحكم الشعـب لمصلحتها هي ، لا لمصلحته هو،و آية ذلك ما جري في السبعينات من رئيس الجمهورية ــ رتشرد نكسون ـــ فيما سمي بفضيحة ووترقيت .. فقد مارس الرئيس الامريكي ، مع كبار موظفي ادارته : مثل جون ميتشل النائب العام ، وعن طريق اعوانهـم ،عملية تجسس، و سطو علي مقر الحزب الديمقراطي ،بفندق ووترقيت :و ذلك لجمع معلومات عن هذا الحزب لمعركة انتخابات الرئاسة.. فلما كشف امر النائب العام ، و كبار الموظفين المتورطين في العملية،بادرت الإدارة الجمهورية باتهام صحيفة الواشنطن بوست،التي كشفت العملية ،بالعمل لحساب الحزب الديمقراطي ،و وصفت الاتهامات بالسخف .. ثم أخذت خيوط المؤامرة تتكشف، حيث أثبتت تحقيقات المحكمـة العليا ،ان النائب العام ،و بعض معاوني الرئيس،قد اعدوا ، و أشرفوا ، علي العملية .. ثم اتهم بعض هؤلاء المعاونين بتعطيل العدالة.. و خاطب الرئيس نيكسون الشعب الامريكي بان هناك تقدما ملحوظا نحو كشـف الحقائق حول القضية !! ثم قبل استقالة أعوانه المتورطين معه في القضية.. و خاطب الشعب الامريكي ، مرة أخري بان هناك محاولات لاخفـاء الحقيقة عنه هو ، و عن الشعب!! فاخــذ تـورط الرئيس يتضـح جليـا مـع استمرار التحقيقات .. فلما طلبت المحكمة منه الشرائط التي سجلت عليها محادثاته في مكتبه، سلم بعضها و اخفي بعضها.. فلما كشف عن التسجيلات المفقودة وجد أنها مسحت.. فاستقال الرئيس نيكسون ، تجنبا للمحاكمة .. و خلفــه احد أعوانـه في البيت الأبيـض ــ الرئيس جيرالد فورد ــ فاعلن عفوا عاما عنه.. و هكذا حاول الرئيس نيكسون ممارسة الكذب ،و تضليل الشعب، حتى انكشف أمره، و حوصر ، و اضطر إلى الاستقالة ،من أقوي منصب تنفيذي في العالم.. و قد حاول نائب الرئيس نيكسون، اسبروا اقنيو، الكذب و التضليل للشعب، من قبل، و هو يواجه الاتهام باستغلال النفوذ و سوء استخدام المال العام، أثناء توليه منصب حاكم ولاية(ميري لاند)، حتى انكشف أمره ، و اضطر إلى الاستقالة ، من منصب يعتبر المنصب الثاني في تلك الدولة.. و لقد استطاع ان يتجنب المحاكمة حتى قاضاه أحد مواطني تلك الولاية مؤخرا علي تلك المخالفات..
لقد كان هذا في أمريكا في السبعينات ، و الآن ، و في الثمانينات، فقـد لاحظ المعلقــون السياسيون أن مناظرات الرئيس ريغان، و منافسه علي الرئاسة ،المستر مونديل، قد كانت تتجه الى المواقف المسرحية، أكثر مما كانت تتجه لتنوير الشعب .. و قالوا ان هذه المناظرات ستربـك الشعب أكثر مما تنوره، و توعيه.. و قالوا انه لمن الغريب ان يختلف المرشحان حول حقائق تاريخية كل هذا الاختلاف ، حتى لكأنما قد حضر احدهما من كوكب الزهرة، و الآخر من كوكب المريخ.. و لقد أوردت مجلة الحوادث 2نوفمبر1984 إن بين السكرتير الصحافي لنائب الرئيس((بوستن)) و بين فريق الإعلام الذي يقوم بتغطية حملة ((بوستن)) أزمة شديده سببها موقـف هذا السكرتير من التصريحات المنافية للحقائق التي يطلقها المرشحون في مناظراتهم التلفزيونية.. فقد استفسر الصحافيـون من السكرتير عن عــدة وقائـع منافيـة للحقيقـة سردها "بوستن" في مناظرته مع منافسته جيرالدين فيرارو.. فكان رد السكرتير:
” و ماذا يهم ؟؟ يمكن الإدلاء باي شيء في مناظرة تلفزيونية و يستمع إليك 80 مليون مشاهـد .. و إذا ثبت عدم صـدق ذلـك، فمـن سيقرأ التصحيح؟؟ الفان، أو ربما ، عشرون الفا ، لا اكثر!! و علقت صحيفة واشنطن بوست علي ذلك بقولها:" لا نذكر في تاريخ الولايات المتحدة ان صدر مثل هذا الاحتقار، و الاستهزاء بالشعب الأمريكي "

5)نحن لا نسوق هذا لندلل به علي فشل الديمقراطيـة،و إنما لندلل به علي فشل الممارسات القواصر،مما يوجب علينا تطوير،و تسديد، ممارستنا، في سبيل تحقيق الديمقراطية.. و يجب ان يكون واضحا ، فان الديمقراطية بمعني حكـم الشعب ، بواسطة الشعب، لمصلحة الشعب ، لا تفشل.. و هي الحكم الباقي.. تتطور المجتمعات في تجويـده ، و في الارتفاع به ، حتي تكون الشعوب هي الوالدين الشرعيـين للافراد الاحرار حرية فردية مطلقة.. و لقـد تطـورت الديمقراطيـة ، في معني ما تطور مدلول كلمة الشعب،حتي اصبحت تشمل كل المواطنين،من نساء،ورجال ،منذ ان يبلغوا سن الرشد..
و اصبح علينا الآن ان نطـور مدلـول هـذه الكلمـة ــ كلمة الشعـب ــ لندخـل بها مجـال "الـنـوع" ، بعـد ان فرغنـا من مجال "الكـم" .. ذلك بان الشعوب الواعية ،وحدها، هي التي تستطيع تحقيق الديمقراطية الشعبية.. و للوصول لتوعية الشعوب لا بد من اعادةالتعليم، في جميع صوره، فان فشل البشرية المعاصـرة ، انما هو فشــل منهاج التعليم ،في كل بلــد..) انتهي

السؤال هو: كيف نصحح مناهج التعليم لتكون فعالة في توعية الشعوب ؟؟ الاجابة على هذا السؤال هي موضوع الحلقة الثانية من هذا الاستعراض

Post: #455
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 03:00 PM
Parent: #454


سلسلة مقالات صحفية حول موضوعات (ديباجة الدستور) (2)
من أوراق الأستاذ/ محمد طه داخل معتقلات مايو (2)
التواؤم مع البيئة ظل مادة التعليم والتعلم منذ بداية الحياة والى يومنا هذا

د. محمد محمد الأمين عبد الرزاق

أقام الحزب الجمهوري في فترة الديموقراطية الثانية 64 –1969م ، المهرجانات والأسابيع بالعاصمة والولايات وكثف من حملة التوعية ضد استغلال الدين لمصادرة حرية التفكير والاعتقاد .. على سبيل المثال: (مهرجان الحقوق الأساسية) (أسبوع تصفية المحاكم الشرعية) (مناهضة الدستور الإسلامي المزيف) .. الخ .. الهدف من هذا العمل المكثف هو تسليح الشعب بالفكر الإسلامي الواعي حتى لا يقع فريسة سهلة في يد الطائفية والهوس الديني الذي كان يخطط لإجازة دستور يسمى بالدستور الإسلامي وهو لا علاقة له بالإسلام لا من قريب ولا من بعيد .. وفي إحدى الندوات أخذ الفرصة شاب يساري وقال: إن عمل الحزب الجمهوري الفكري هذا لا فائدة منه لأن تيار الهوس الديني جارف بدرجة لا يمكن مقاومتها بهذا الأسلوب ، فهم لا بد أن يستلموا السلطة ويعملوا في الشعب ما يريدون .. فرد عليه الأستاذ محمود بما معناه : (الثمرة البيحدثها العمل الفكري نحن شايفنها ، لكن التجربة السيئة الإنت خايف منها دي هي نفسها أكبر رافد من روافد التوعية عندنا .. والشعب السوداني قد يحتاج لتجربتين: تجربة في التطبيق المشوه للشريعة ، ويذوق الشعب من جرائها الأمرين ويحدث فساد لا حد له .. ثم ينفر منها في اتجاه الشيوعية في رفض الدين فيدخل في تجربة علمانية .. ولن تتقصر هذه التجارب إلا إذا برزوا دعاة وضحوا للناس الإسلام الصحيح وين من هذه التجارب الفاشلة ؟؟ .. ثم واصل: نحن شعب بيتعلم نحن ما وجدنا فرصة في أن نجتمع ونتفاكر في كفاحنا ضد الاستعمار ، الإنجليز خرجوا بعوامل خارجية أكثر مما هي عوامل داخلية في الحركة الوطنية .. ولذلك نحن بنتعلم في داخل مراحل الحكم الوطني ما فاتنا أن نتعلموا في الصراع مع الاستعمار .. وما دام إنت بتتعلم لا بد أن تدفع مصاريف تعليمك .. الفشل والمعاناة وخيبة الأمل البتحصل لينا من حكوماتنا الوطنية في كل مرة ، دي المصاريف النحن بندفعها عشان ما نتعلم ، الشعوب بطبيعة الحال تطورها بطيء ، لكن الأرض البتقطعها ما بترجع منه ، وأسوأ مرحلة يمكن أن يصلها شعب من الشعوب هي أن يفقد الثقة في قادته ، استعادة الثقة هذه تحتاج إلى أجيال وزمن طويل .. ولحسن التوفيق نحن شعبنا بيتعلم ويوعى أسرع من القادة ، وراح يجي وقت يستطيع فيه هذا الشعب أن يخرج قادته الحقيقيين من بين أبنائه )..
هذا وقد أشار الاستاذ محمود إلى أزمة القيادة في السودان منذ وقت مبكر حين قال : ( أسيت للشعب السوداني لأنه شعب بلا قادة أو قل هو شعب عملاق يتقدمه أقزام أحترفوا السياسة في آخريات أيامهم بعد أن أفنوا عرامها في التمسح بأعتاب الأسياد ) .
السؤال هو: هل استفاد الشعب من تجربة الحركة الإسلامية في السودان ؟ الجواب: نعم .. نحن الآن أكثر استعداداً من أي وقت مضى لاستيعاب لماذا كان الأستاذ يبذل كل ذلك الجهد في النشاط الفكري .. لقد جاب الأخوان الجمهوريون جميع أرجاء السودان في حمل هذه الدعوة ..في الجبال في الشرق والرمال في الغرب ، أحراش الجنوب وتحت ظلال أشجار النخيل في الشمال ، يوزعون الكتب والمنشورات بلا كلل ولا ملل ، يصفحون عن من يصفعهم ، ويجيبون على من يسألهم بصدق وإخلاص في السر والعلن.. يسهرون الليالي في طباعة الكتب واعدادها ، يلتحفون الأبسطة ويكتفون بأي مستوى من الطعام .. ينتظرون اليوم الذي يتآخى فيه الذئب والحمل ، المفترس والأليف ، وأن تملأ الأرض عدلاً بعد أن ملأت جوراً .. يقيمون أركان النقاش بالجامعات والأسواق في العاصمة والولايات ، حتى أن أحد ضباط الجيش في أحد المعسكرات بالجنوب عندما وجد أمامه أثنين من الجمهوريين يعرضون عليه الكتب وضع يديه على رأسه مندهشاً وصاح: الجمهوريين في بور !! ؟؟ لا حول ولا قوة إلا بالله ، والله إنتو ما دام وصلتوا لا عند هنا راح تمسكو السودان دا كله !! ..
السبب في هذا النشاط هو أن الأستاذ محمود كان يعلم أن من يتحدثون باسم الإسلام ليس لهم أي قدم في تحقيق التوحيد والمعرفة بالله ، وإنما هم طلاب دنيا يريدون أن يستغلوا العاطفة الدينية في احراز السلطة والمال فقط ، ولا شأن لهم بالإسلام الحقيقي البتة .. وهذا النشاط في التوعية لم يبدأ بعد أكتوبر وحسب ، وإنما هو جاري منذ بداية الدعوة الإسلامية الجديدة في أكتوبر 1951م .. ففي كلمة نشرت بجريدة أنباء السودان في 6/12/1956م بعنوان: (تعالوا إلى كلمة سواء) جاء ما يلي: (إن الإسلام بقدر ما هو قوة خلاقة إذا ما انبعث من معينه الصافي ، واتصل بالعقول الحرة وأشعل فيها ثورته وانطلاقه بقدر ما هو قوة هدامة إذا ما انبعث من كدورة النفوس الغثة واتصل بالعقول الجاهلة وأثار فيها سخائم التعصب والهوس .. فإذا ما قدر لدعاة الفكرة الإسلامية الذين أعرفهم جيداً أن يطبقوا الدستور الإسلامي الذي يعرفونه هم ، ويظنونه اسلامياً لرجعوا بهذه البلاد خطوات عديدة إلى الوراء ولأفقدوها حتى هذا التقدم البسيط الذي حصلت عليه في عهود الاستعمار .. ولبدا الإسلام على يديهم وكأنه حدود وعقوبات على نحو ما هو مطبق الآن في بعض البلاد الإسلامية ، ولكانوا نكبة على هذه البلاد وعلى الدعوة الإسلامية أيضاً ..) إنتهى..
عندما ضاق الحال بنظام مايو ، ذهب نميري في نفس الاتجاه ، استغلال الدين لبقاء في السلطة ، فاعتقل الأستاذ محمود في يونيو 1983م ومعه 62 من تلاميذه .. وأثناء فترة الاعتقال أصدر قوانين سبتمبر 1983م ليدخل البلاد في مرحلة حالكة الظلام ، وشرع في البتر والقتل ليوحي للشعب بأنه إنما يقيم الإسلام .. مد له في غيه ، أدعياء الإسلام من عامة السلفيين .. ثم افرج عن الجمهوريين في 19/12/1984م ، وفي أمسية الإفراج افتتح الأستاذ محمود أول جلسة للجمهوريين بقوله: (نحن أخرجنا من المعتقلات لمؤامرة ، نحن خرجنا في وقت يتعرض فيه الشعب للإذلال والجوع ، الجوع بصورة محزنة .. ونحن عبر تاريخنا عرفنا بأننا لا نصمت عن قولة الحق .. وكل من يحتاج أن يقال ليهو في نفسه شيء قلناهو ليهو .. ومايو تعرف الأمر دا عننا ، ولذلك أخرجتنا من المعتقلات لنتكلم لتسوقنا مرة أخرى ليس لمعتقلات أمن الدولة وإنما لمحاكم ناس المكاشفي .. لكن نحن ما بنصمت ، نميري شعر بالسلطة تتزلزل تحت أقدامه فأنشأ هذه المحاكم ليرهب بها الناس ليستمر في الحكم .. وإذا لم تكسر هيبة هذه المحاكم لن يسقط نميري .. وإذا كسرت هيبتها سقطت هيبته هو وعورض وأسقط .. نحن سنواجه هذه المحاكم ونكسر هيبتها ، فإذا المواطنين البسيطين زي الواثق صباح الخير لاقو من المحاكم دي ما لاقو ، فأصحاب القضية أولى ..) ثم قال أمام المحكمة رقم (4) كلمته المشهورة: (أنا أعلنت رأيي مراراً في قوانين سبتمبر 1983م من أنها مخالفة للشريعة وللاسلام .. أكثر من ذلك فإنها شوهت الشريعة وشوهت الإسلام ونفرت عنه .. يضاف إلى ذلك أنها وضعت واستغلت لإرهاب الشعب وسوقه إلى الاستكانة عن طريق إذلاله .. ثم انها هددت وحدة البلاد .. هذا من حيث التنظير .. أما من حيث التطبيق فإن القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنياً .. وضعفوا أخلاقياً عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية تستعملهم لاضاعة الحقوق ، وتشويه الإسلام وازلال الشعب ، وإهانة الفكر والمفكرين وإذلال المعارضين السياسيين .. ومن أجل ذلك فإني غير مستعد للتعاون مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل ورضيت أن تكون أداة من أدوات إذلال الشعب وإهانة الفكر الحر والتنكيل بالمعارضين السياسيين).. وبعد النطق بحكم الإعدام وجه تلاميذه بأن يصدروا منشوراً يحوي عبارة (أحكام الإعدام لن ترهب الجمهوريين) وبالفعل صدر المنشور ..
وهكذا دفع الأستاذ محمود نفسه في مواجهة نميري فداء للشعب السوداني ، فعورض وأسقط ..
لقد كان الأستاذ محمود يردد: (المزارع بنوم لكن الزرع ما بنوم) .. إن ما بذرته الدعوة الجمهورية من افكار على أرض الشعب السوداني نامية ومتحركة ، تتلقى الري والسماد من التجارب التي تمر بها .. هذا الواقع يلقي علينا نحن الجمهوريين والمثقفين الذين تعلمنا على حساب هذا الشعب في المدارس والجامعات والداخليات والبعثات الخارجية مسئولية ألا نقف موقف سلبي ونذهب إلى الخارج لنحل مشاكلنا الخاصة بكل سبيل .. تحضرني عبارة الأستاذ محمود في هذا المقام (نحن مع البقاء في السودان ولو بنصف بطن) .. وفي تقديري أن من وجد متسعاً في معاشه بالخارج ، يكون واجبه أكبر في أن يبذل نفسه من أجل الذين عجزوا عن الخروج من الآخرين بالداخل .. ويمكن ان يكون ذلك بإقامة المشروعات الاقتصادية لتخفيف وطأة الفقر ، أو بالتوعية الفكرية باستصحاب الوسائل الحديثة لإستنهاض الهمم ..
هل ترك العمل الذي قام به الجمهوريون أثراً ظاهراً على الواقع في السودان اليوم ؟؟ الجواب: نعم .. وأكبر دليل هو توقيع اتفاقية السلام في يناير 2005م .. إن اقرار حق المواطنة المتساوية لجميع المواطنين لا سند له في الشريعة الإسلامية السلفية ، وإنما السند في القرآن على أن يفهم على هدي الرسالة الثانية من الإسلام .. ففي تلك الشريعة الكتابي لا يساوي المسلم ، والمرأة لا تساوي الرجل ، واللاديني الوثني ليست له حقوق وأمامه خيار واحد هو الدخول في الإسلام صادقاً كان أو منافقاً وإلا يقتل بنص القرآن: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) .. إن من وقعوا تلك الاتفاقية لا يخالجهم شك في أن حقوق المواطنة المتساوية تخالف أحكام الشريعة الإسلامية قولاً واحد ، فعلى أي فهم اتكئوا وهم يوقعون على تلك المفاهيم الجديدة !؟ الحقيقة ان الشعب السوداني لم يقف في يوم من الأيام وجهاً لوجه أمام الدعوة الجمهورية كما هي الحال اليوم ..
انتهينا في الحلقة الأولى بالسؤال: كيف نصحح مناهج التعليم لتكون فعالة في توعية الشعوب ؟؟ إليك الآن عزيزي القارئ الكريم ماذا قال الأستاذ محمود في الإجابة على هذا السؤال المهم لتصحيح مسيرة الديمقراطية من (ديباجة الدستور) التي تعتبر عندنا (الفكرة الجمهورية موضوعة في كبسولة):-
6)إن التعليم الرسمي الذي تقدمه السلطات لابناء شعوبها ،و بناتها في معـاهدها علي يومنا الحاضـر ، بدأ متاخرا جدا .. فقد بدأ التعليـم المنظم الذي يخاطب العقول ، منذ نشأة المجتمع البشري، و ذلك عهد يرجع الي بداية بدائيـة، ممعنه في البعد الزمني، من وقتنا الحاضر .. و كان الفرد البشري يعلم عادات المجتمـع الذي يعيش فيه،و تقاليده، و يعلم كيف يحترمهـا، و يقدسـها ، و يطيعها .. و بفضل معرفة ،و احترام ، و طاعة، هذه العادات، نشأ المجتمع البشري، و ارتفع فوق قطيـع الحيوان .. و كذلك نشأت القوانين..

7) و قبيـل هـذه المرحلـة ــ مرحلة نشأة المجتمع ــ فان التعليم قد بدأ .. بدأ التعليم بنشأة الفرد ــ و هي بالطبع سابقة لنشأة المجتمع، لقد خلـق الله الفرد البشري وسطا، بين القوة و الرخاوة ــ فلا هو قوي العضلات، قوة الأسد و الفيل ، فيعتمد في حل مشكلاته الحياتية علي العضلات و لا هو رخو ، لا يستطيـع ان ينهض للمناجزة ، و للقتال، فيعتمد ، في حل مشكلاته الحياتية ، علي الفرار ، و الاستخفـاء ، و في هذه النشأة الوسط ، وجـد العقـل فرصته للبروز، و للقوة، بحاجة الحي لرسم الخطط ، و لتنفيذها .. و من ثـم ارتفــع الحي البشري فوق مستـوي الحيوان .. لقــد وجـد الفرد البشري نفسه محاطا بقوي البيئة الهائلة ،المخيفة،البادية العداوة له، فاسترهبته، و اخافته،و لكنه بمحـض الفضل الإلهي عليه،وجد في هذه القوي الطبيعية،ما هو في صورة الصديق،كضوء الشمس ، و نور القمر ، و الماء العـذب، و الظـل الظليـل ، و الثمـر الداني، من الشجر المثمر، فسكن اليه.. ووجد في هذه القوي الطبيعية ما هو في صورة العدو، كالصواعـق ، و الزلازل،و النيران المجتاحة، ففر منها.. ثم انه هدي، بمحض الفضل الآلهي،الي تقسيم القوي العدوة إلي عدو يستطيع ان ينازله ، و يصاوله، و يتغلب عليه، بالحيلة، و الفكر، و بالقـوة العضليـة الميسورة، كالحيوان المفترس ، و كالعدو من بني جنسه.. و الي عدو ليست تناله الحيلة .. فنازل أو صــاول ، و احتـال ، صنوف الحيل،في مواجهة العدو الاول.. و من صنوف هذه الحيل ، اتخاذ الآلة ، من الخشب ــ العصا ــ ومن الحجر ــ السكين ، و الحربة ــ و أمـا القوي الصديقة، و أمـا القـوي العـدوة التي لا تنـالهـا مناجـزته،فقــد هدتــه الحيلة إلى التزلـف إليها بمحبة،للقوي الصديقة، و بخوف من القوي العدوة.. و من يومئذ نشأ العلم التجريبي، الذي تطور من السلاح الحجري إلـــى القنبلة الهايدروجينيـة في و قتنا الحاضر.. و نشـأ الدين الذي تطور مـن التعدديات إلى دين التوحيد،في وقتنا الحاضر ايضا.. و من القـوي الصديقة،في تعددها ، و من القوي العدوة، في تعددهـا، نشأت فكرة الآلهة، في تعددهـا أيضا .. و آخر منازل تطور الآلهة المتعددة ، نحو الإلـه الواحد ، منزلة الثنائية ، في إله النور، و إله الظـلام ، الذي منه نشأت ديانة الفـرس، حين كانوا يعبدون النـار ، فكانـوا مجـوسا ــ كانوا يعبدون إلـه النور ــ القوي الصديقة ــ لينصروه علي إلـه الظلام ـــ القـوي العدوة ــ وجـاء هذا بعـد تطـور طويـل ووئيد للعبادة البدائية، التي نشأت في الزمن السحيق .. و يلاحظ ان هذه الثنائية قائمة، عنـــد المسلمين اليوم بصورة ملطفة .. فمن علماء المسلمين من يعتقد ان الشر ليس من الله، و إنما هو من ابليس..

8) و كمـا هـدت الحيلة الفرد البشري الأول ، إلى اتخاذ السلاح، و إلى اتخاذ الدين، ليوجد التوائم بيـنه و بين بيئته ،تلك القاسية، هدته أيضا إلي اختراع المجتمع ـــ هدته إلى أن يعيش في مجتمع، ينمو في عدده، و يتطور في أساليبه، و عاداته، و أعرافه، كل حين.. ان مجتمع الحيوان لا ينمو في عدد ذكوره، و إن نما في عدد إناثه، ذلك ان الغيرة الجنسية تحمـل الفحول علـي ان يقتتلوا في سبيل الإناث، حتى لا يكون في المراح الواحد، إلا فحل واحد .. فإذا كان هناك ذكور ، إلى جانب الفحل ، في المراح، فإنما هم ذكور لا اربة لهم في الإناث، فان كانت لهم اربة في الإناث فانهم سيدخلـون حلبة الصراع مع الفحل الأب، فأما ان يطـردوه من المراح، و أما ان يقتلـوه، و أما ان يطردهم، أو ان يقتلهم هو .. و هذا هو الشأن بينهم هم فيما بينهم .. و لقد جعل الله طفولـة البشر أضعف، و أطول، من طفولـة الحيوان، ليؤكد له ضرورة المجتمع ، لطفولتـه و لشيخوخته ، و كذلك نشأ المجتمع البشري.. و لكنه لم ينشأ إلا بعد ان نشأ العرف الذي نظم الغريزة الجنسية، و أمّن الملكية الفرديـة ، فحرمت الأخت علي أخيها ، و حرمت الأم علي ولـدها ، و حرمت البنـت علي أبيها، و كذلك استطاع الابن ان يعيش مع أبيه، و أمه ، بعد ان بلغ سن الرشد .. و كذلك استطـاع ان يعيش الصهر ، مع صهره، و هـو آمـن علي زوجتـه، من أبيها ، و من أخيها .. و من ناحية الملكيـة الفردية للسـلاح الذي يتخذ من الحجر الجيد، و للكهـف ينحت في الجبل مثلا، فقد قام العرف بالاعتراف بها لأصحابها، و منع السطو عليها، و كذلك استطاع أفراد المجتمع ان يعيشوا في سلام، يحتكمون إلى شيوخهم ، عند التنازع، علي أمر من أمورهم .. و لقد فهمت الآلهة بصورة تجعلها تطلع علي المخالفات التي قــد تجري من الأفراد في السطـو علي ملكيـة الآخرين أو علي زوجاتهم حين يظنون انهم آمنوا أعين الرقباء.. و توقـع علي هـؤلاء اللعنة ، و سوء المنقلب .. هـذا بالإضافة إلى مايوقعه شيوخ الأسر من عقوبة مخالفة العرف، و التقليد، و العادة (القانون) حين يطلعون على هذه المخالفة .. و لقد نشأت ، مع نشأة العبادة (الدين و الآلهة) ، فكرة الحياة الأخرى ، بعـد الحياة الدنيا .. نشأت من الشعـور ، و مـن الاحلام .. و أعانت فكرة الحياة الأخرى علي ضبط نزوات الافـراد ..

9) بنشأة العرف الذي ينظم العلاقـة الجنسية ، و الملكية الفردية نشأ الكبت الذي أوجب أن يكون للعقل سلطان علي النفس.. و من ههنا برز الإنسان ، في مستـوي مـن مستويات المسئوليـة ، ميزته عن الحيوان السائـم .. فـالغريزة الجنسية، و حب الملكية الفردية ، هما أول ما وقع عليه الكبت .. فهما ،من ثم، في قاع العقل المكبوت ــ العقل الباطن ــ النفس الأمارة بالسوء ــ كما يقـول أصحابنا الصوفيـة .. و مـن هـذا العرف الذي نظم الغريزة الجنسية ، و الملكية الفردية، تطـورت الـحدود المعروفة عندنا في الاسلام.. و هي أربعة ترجع إلى اصلين: الزنا و القذف ، و ترجع إلى حفظ القـوي الجنسيـة ، و السرقة ، و قطع الطريق، و ترجع إلى حفظ حب التملك.. و بملاحظة هذه الحدود ، و عدم التعدي عليها، يقـوي العقل ، و يسيطر علي نزوات النفس ــ أو قـل علي نزوات الغرائز .. و من أجـل كرامـة العقـل جـاء حد الخمر .. و هو حد أقل انضباطا من الحدود الأربعة السابقة .. و هو لا يقوم علي مجرد الشرب ، و إنما يقـوم علي السكر .. هـذا في عهد المسئولية.. و أمـا في عهد الوصاية فانه قـد قام علي مجرد الشرب ، فجاء ( ما اسكر كثيره ، فقليله حرام)) .. لأن عهد الوصاية إنما يقوم علي حماية القاصـر مـن تحمـل مسئولية تصرفـه، حين يظن به العجز عن تحمل هذه المسئولية..

10) هل بدأ التعليم عندما بلغ الفرد البشري مستوي معينا من الإدراك و الخيال به ارتفع فـوق الحيوان فاحتال بالمصالحة و المناجزة علي القوي الطبيعية التي احتوشته في بيئته علي نحو ما جري به الشرح قبل قليل ؟؟ لا !! و لا كرامة !! و إنما بدأ التعليم قبل ذلك بآماد يخطئها العد ، و يصح ان يقال فيها أنها تبلغ بلايين السنين.. ان الأرض قد كانت في أمـها الشمس ، هي و أخواتها الكواكب السيـارة .. كانت مرتتقة مع الشمس ،فجرى الانفصال ، قبل مـا يزيـد علي العشـرة بلايـين من السنين ( أ ولم يـر الذين كفـروا : ان السمـوات ، و الأرض ، كانتا رتقا ، ففتقناهمـا ، و جعلنا من الـماء كل شـيء حـي ؟؟ أفـلا يؤمنون ؟؟ )) كانت الشمس ، و بناتها ــ الكواكـب السيـارة و منها الأرض ، في سحـابـة واحدة من غاز الهايدروجـين الملتهب، فانفتقـت هـذه السحـابة فبرزت الكواكب ، و برزت الأرض، و كانت ملتهبة ، فبردت إلى ان ظهر فيها، علي السطح، الطين و الماء.. و هي لا تزال ، في مركزها، غازا ملتهبا.. و عندما برز فيها الطين، و الماء، نشأت الحياة بينهما، في معني مـا يعرفـه علماء الأحيـاء الآن عـن الحياة ، و أول لـوازمها ان تتمتع بالحركـة التلقائية، .. و ان تتغذى، و ان تتناسل ، و قبل هذا ، أول لوازم الحي ان يشعر بحياتـه ، و من هذا الشعور تجيء الحركة ، في محاولة الاحتفاظ بالحياة، و يجيء الغذاء، و يجيء التناسل، للاحتفاظ بالحياة، في معني الاحتفاظ بالنسل..
تحولت المادة غير العضوية إلى مادة عضوية فبرز حيوان الخلية الواحدة.. و من يومئذ بدأ التعليم!! من المعلـم ؟؟ هـو المعلم الواحد – اللّه.. الله هو المعلـم الأصلي !! مـن المعلـم المباشر ؟؟ هو العناصر المتعددة في البيئة.. في الحقيقة كل عناصر البيئة حية ، و لكنها حياة فوق إدراك العقول ، و لا تصبح حيـاة في إدراك العقول حتى تخرج، من المادة غـير العضوية ، المادة العضوية ، و هـي ما تسمي ، اصطلاحـا، بالحياة.. و ما هي المادة التي يعلمهـا المعلم الواحد ــ الله ــ بواسطة العناصر المتعددة للحي في مستوي الخلية الواحدة ؟؟ هـي المقدرة علي التواؤم بين الحي و بيئته!!
11) فـي الحقيقـة ليـس في الوجـود الحـادث غير الانسان.. وجـود الإنسان وجـود أزلـي ابدي ــ سرمدي ــ فهو ينزل المنازل في البعد من الله ، و في القرب.. هو مغترب، و راجع من الاغتراب إلى وطنه، الأصلي، إلى الله في اطلاقه.. و ليس لهذا السير نهاية ، و إنما هو سير في السـرمد ، لأنـه سير إلى المطلـق : (( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافليـن * إلا الذين آمنوا ، و عملـوا الصالحات ، فلهم اجر غير ممنـون )).. خـلق الإنسان في أحسـن تقويـم في الملكـوت عند الله ، ثم جـاءه التكليف فعصي أمـر الله بإغـواء إبليـس إياه، فأبعـد ، هـو و زوجـه ، و ابعـد إبليس .. ابعـدوا إلى أسفل سافلين، و هـو مستوي ذرة غـاز الهايدروجين ، ثم ظـل إبليـس في منزلـة أسفل سافلـين لإصـراره علي المعصية ، و الحكمة ان يمثـل النقيـض لأحسن تقويـم ، حتى يتحرك البندول بين النقيضيـن ، فيكون بذلـك رجـوع الإنسان ، مـن اغترابـه ، في أسفل سافلين ، إلى وطنـه في أحسن تقويم ، و إنما كان ذلك لمجيء الإيمان اليه ، و لهدايتـه لعمـل الصالحـات ، حيـث هـداه الله إلـى التوبـة ، و النـدم .. و الإيمان ، و عمــل الصالحات ، إنما هـو الإنابة إلى الله .. و لقد أتى علي الإنسان دهر دهـير قبل ان ينزل منزلة العقل ، فيكون مذكورا في ملكوت الله ــ قبل ان يكون مكلفا بشرع الحرام و الحلال : (( هل أتى علي الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا !!)) .. و (( يا أيها الإنسان انك كادح إلى ربك كدحا ، فملاقيه )) و لا تكون ملاقاة الله في الزمان ، و لا في المكان ، و إنما هي معرفته .. و لقد علم الله الإنسان ، و هو في منزلة العناصر الصماء ، عن طريق مباشر ، و هو طريق القهر الإرادي للعناصر ، و بالعناصر ، فكانت نتيجة هذا التعليم الطاعة المطلقة للإرادة الواحدة ( و إن من شيء الا يسبح بحمده ، و لكن لا تفقهون تسبيحهم ، انه كان حليما غفورا ..)) و لقد علّم الله الإنسان ، و هو في منزلة المادة العضوية ــ الحياة البدائية و في مرتبة الحياة العليا ، دون الإنسان ، عن طريق شبه مباشر ، و ذلك بإرادة الحياة .. ثم سير الله الإنسان ــ أو قل علّمه ــ و هو في منزلة الإنسان ، عن طريق غير مباشر ، و ذلك بإرادة الحرية، فارادة الحياة معنى زائد عن حياة العناصر قبل ظهور المادة العضوية .. و إرادة الحرية معني زائد عن إرادة الحياة ، منذ ظهور المادة العضوية ــ الحياة السفلي .. إرادة الحرية ظهرت بظهور الانسان.. و الاختلاف في جميع المستويات إنما هو اختلاف مقدار .. الاختلاف بين الإنسان ،في ((أحسن تقويم )) فــي الملكــوت ، و بين الإنسان في (( أسفل سافلين)) ــ أدني مستويات التجسيد في الملك ــ إنما هو اختلاف مقدار ، لا اختلاف نوع ، فان التوحيد يمنع ان يدخل في الوجود اختلاف النـــوع ..

12) بإيجاز نعرف التعليم بأنه اكتساب الحي للقدرة التي بها يستطيع ان يوائم بين حياته ، و بين بيئته.. و هذه المقدرة علي التواؤم هي مقاس ذكاء الحيوان ، سواء أكان في مستوي الحيوات البدائية ، أو في مستوي الحيوانات العليا ، او في مستوي الإنسان .. و المشكلة هى دائما في معرفة ما هي البيئة؟؟ ذلك بأن العنف العنيف الذي لقيناه ، منذ نشأة الحياة ، من القوي الصماء ، التي تذخر بها البيئة ، قد رسب في صدورنا الخوف بصورة عميقة ، حتى لقد بدت لنا البيئة في صورة المخالب الحمر ، و الأنياب الزرق.. و لقد كان الخوف علي اجتثاث حياتنا صديقا ، في أول الطريق، إذ لولاه لما برزت الحياة من الماء ، و الطين في المكان الأول ، و لما برزت العقول من الجسد الحي ، في المكان الثاني ، و لما تطورت ، و ترقت ، العقول عند العقلاء ، في المكان الثالث .. و بترقي العقول أصبحنا ندرك البيئة إدراكا أدق كل حين .. و كلما أدركنا البيئة إدراكا دقيقا ، كلما اطمأنت نفوسنا ، و انتصرنا علي الخوف ..
13) إنما من أجل التواؤم بين حياة الحي البشري ، و بين البيئة ، نشأ الدين ،و نشأ العلم المادي ، و نشأ كتؤامين ، في وقت واحد ، كما سبقت إلى ذلك الاشارة.. ثم نشا المجتمع ، فعمق معني الدين ، و طور العلم المادي .. و لقد ظلت البشرية ، في طول عمرها ، تسير علي رجلين من روح و من مادة .. و هي لم تستغن ،في أي وقت من أوقاتها ،عن أي رجل من هذين الرجلين.. و كل ما هناك أنها كانت ، في سيرها ، تقدم رجل الروح تارة ، و رجل المادة تارة أخرى .. كما يفعل الإنسان حين يسير علي رجليه من يمين و شمال .. و الآن فان البشرية قد قدمت رجل الروح في القرن السابع .. ثم أخذت تتهيأ لتقديم رجل المادة ، من ذلك الوقت البعيد .. اليوم العالم مادي .. و حتى المتدينون من يهود ، و من نصاري ، و من مسلمين ، و من غيرهم من الملل ، و النحل ، إنما يظهرون التدين ، و يبطنون المادية .. أسوأ من ذلك !! فان أغلبية المتدينين إنما يتوسلون بالدين ، و يستغلونه ، للمادة .. و لقد تطور ، بفضل الله ، ثم بفضل الصراع بين الأحياء البشرية ، السلاح ، من مستوي السلاح الحجري ، حتى وصل القنبلة الذرية ، علي يد علماء العلم المادي التجريبي المعاصرين .. و بمحض الفضل الإلهي ، فان العلم المادي التجريبي قد أعان البشرية علي مزيد من التعرف علي البيئة التي نعيش فيها ، و ظللنا ، طوال حياتنا الطويلة ، نتوق إلى التعرف عليها .. لقد اظهر العلم التجريبي ، بانفلاق الذرة ، ان المادة ، بصورها المتعدده ، كلها وحدة.. بل لقد اظهر ان المادة التي نعرفها فيما مضي ، ونلمسها و نحسها بحواسنا، أو ندركها بعقولنا ، ليست هناك ، و إنما هي طاقة ، تدفع ، و تجذب ، في الفضاء .. و يعرف العلم المادي التجريبي خواص هذه الطاقة ، و لكنه يجهل كنهها .. بل ان كنهها لا يدخل في نطاق تجاريبه .. و لا هو يدعي انه سيدخل ، يوما ما ، في نطاق تجاريبه .. و حين تطور العلم التجريبي المادي حتى رد المادة في جميع صورها إلى اصلها الأصيل في الوحدة ــ في الطاقة ــ تطور توأمه الدين ، حتى لقد وصل بتصعيد التوحيد إلى رد كل المناشط البشرية ، و الطبيعية ، في العوالم المنظورة ، و غير المنظورة ، إلى اصل واحد .. ان العالم جميعه،ماديه ، و روحيه ، إنما هو مظهر الله الذي خلقه ، و قدره ، و سيره.. علي ذلك اتفق إنجاز العلم المادي التجريبي، و العلم الروحي التوحيدي .. بإيجاز فان البيئة التي نعيش فيها اليوم ، و ظللنا نعيش فيها في عهودنــــا السحيقة ، و نحاول التعـــرف عليها ، بكل وســائل البحـــث ،
و التقصي ، قد انكشفت اليوم ، بفضل الله علينا و علي الناس .. أنها ليست بيئة مادية كما توهمنا ــ بمعني المادة التي نألفها ــ و إنما هي في الأصل بيئة روحية ذات مظهر مادي .. هي ذات الله متنزلة إلى حياته ، ثم متنزلة إلى علمه ، ثم متنزلة إلى إرادته، ثم متنزلة إلى قدرته .. فبعلمه الاحاطه ، و بإرادته التخصيص ، و بقدرته التجسيد .. و بالتجسيد جاء المظهر المادي ، بمعني ما اصطلحنا عليه من معني المادة .. فلما فتت العلم التجريبي المادة ، فردها إلى طاقة معروفة الخصائص ، مجهولة الكنه ، و صلنا إلى الاراده الإلهية التي قهرت الوجود ، و سيرته إلى الله .. ان العلم المادي التجريبي ، و العلم الروحي التجريبي ــ التوحيدي .. اتحدا اليوم في الدلالة علي وحدة الوجود . لقد انفلقت نواة المادة فأحدثت دويا عظيما ، و توشك ان تنفلق نواة الدين و سيسمع لها دوي أعتي ، و أعظم ، من ذلك الذي أحدثته الذرة حين انفلقت ..
14) ان البيئة التي نعيش فيها إذن إنما هي بيئة روحية ، ذات مظهر مادي.. و هذه الحقيقة ستحدث ثورة في مناهج التعليم الحاضرة ، التي ظهر قصورها ، و إليها يرجع فساد الحكم ، و قصور الحكام ، و المحكومين .. ما هي الروح ؟؟ هي الجسد الحي الذي لا يموت!! و في المرحلة ،قبل ظهور الجسد الحي، الذي لا يموت ، فان الروح هي الطرف اللطيف من الجسد الحاضر ــ الروح هي العقل المتخلص من أوهام الحواس، و من أوهام العقل البدائي الساذج .. الروح هي العقل المتحرر من سلطان الرغبة ــ الهوى .. و نحن لا نصل إلى الروح إلا بالإيمان ، و بتهذيب الفكر ، و من اجل ذلك قال النبي الكريم ( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به.. )) و ما جاء به هو الشريعة ، و الطريقة ، و الحقيقة .. هذا شرط أول الطريق ..
_________________

Post: #456
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 03:01 PM
Parent: #455


من أوراق الأستاذ/ محمود محمد طه داخل معتقلات مايو (3)
ما هو الفرق الأساسي الجوهري بين الطريق (العلمي) والطريق (العلماني)؟ ؟
د. محمد محمد الأمين عبد الرازق
[email protected]
تتحدث الدعوة الإسلامية الجديدة أو الفكرة الجمهورية ، باستمرار في كتاباتها عن الإسلام في مستواه العلمي أو المرحلة العلمية من الإسلام ، ذلك في مقابلة المرحلة العقائدية أو الإسلام في مستواه العقائدي .. وتقول أن الإسلام في حقيقته ليس ديناً بالمعنى المألوف للأديان العقائدية السابقة كاليهودية والمسيحية ، وإنما هو علم نفس يعالج بمنهاجه العلمي وفق السنة النبوية العقد النفسية الموروثة والمكتسبة ، ويحرر الإنسان من الخوف الذي هو الأب الشرعي لجميع آفات السلوك التي إيفت بها الحياة البشرية في جميع العصور .. وبالتحرر من الخوف تتسع الحياة داخل النفس تدريجياً يغذيها الالتصاق بالله حتى تصل مرتبة ما لا عين رأت وأذن سمعت ، ولا خطرت على قلب بشر .. هذا العلم المعرف بالألف واللام كان عليه النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم في خاصة نفسه ، ولم تكن طاقة المجتمع في القرن السابع الميلادي تسمح بالأخذ بهذا المستوى الذي عاشه النبي الكريم بين الناس ، فنسخ من ثم واستعيض عنه بتشريع أقرب إلى واقع الأمة تنزل عن المستوى العلمي لضرورة حكم الوقت .. ذلك هو المستوى العقائدي .. ما هو الفرق الأساسي بين المستويين العلمي والعقائدي ؟ الجواب هو أن المستوى العلمي يخاطب الناس على أنهم مسئولين ويعطي الفرد مطلق الحرية في التصرف بشرط ألا يتعدى على حريات الآخرين ، يدعمه في أن يحسن التصرف المنهاج التربوي .. وإذا تعدى تصادر حريته وفق قانون دستوري .. القانون الدستوري هو الذي يحفظ في سياق واحد حق الفرد في الحرية وحق المجتمع في الأمن .. مصدر هذا الفهم والسبب فيه هو المسئولية أمام الله يوم الحساب مسئولية فردية: (ونرثه ما يقول ويأتينا فردا) أو (كل نفس بما كسبت رهينة) أو (ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى) .. هذه هي المسئولية الفردية التي أثبتت في آصل أصول الدين .. من هذا المنطلق نجد أن القرآن المكي عندما بدأت الدعوة أعطى الحريات بصورة واضحة: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) أو (فذكر إنما أنت مذكر ، لست عليهم بمسيطر) أو (أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين) أو (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) ..واستمرت الدعوة الإسلامية على هذا المنهج ثلاثة عشر عاماً ، تحمل النبي الكريم وأصحابه خلالها الأذى الجسيم في سبيل إرساء هذه الأسس على ارض الواقع .. الشاهد في الأمر أن المجتمع الجاهلي في ذلك الوقت لم يستجب لهذه المبادئ ، فدبر المشركون مكيدة لقتل النبي الكريم والتخلص منه ، فاختاروا شبان أقوياء من مختلف القبائل وتجمعوا حول بيته ليضربوه ضربة رجل واحد فيتفرق دمه بين القبائل ولا يعرف من هو القاتل بالتحديد ، فيقبل أولياء الدم بالدية ..هذا الانتهاك الصارخ للحقوق الأساسية للإنسان نموذج ، دل دلالة واضحة وعملية على أن ذلك الأسلوب العلمي أرفع من الواقع ، ولا بد من مرحلة عقائدية تكون قاعدة للانطلاق والانفتاح على مرحلة العلم .. فهاجر النبي وأصحابه إلى المدينة وبدأ عهد جديد ، فيه فرضت وصاية النبي على الأمة ، وشرع القتال في مواجهة المعتدين وفق الآيات المدنية: (إذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير ، الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله) إلى أن نزلت سورة براءة وجاء فيها: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) .. وأصبح الدخول في عقيدة الإسلام إجبارياً على كل فرد ولو كان منافقاً غير مقتنع ..وعليه نسخت الآيات المكية وأحكمت الآيات المدنية .. ما هو الحد الفاصل بين المستوى العلمي والمستوى العقائدي ؟ الجواب هو مستوى المسئولية .. هل الفرد مسئول مستعد لتحمل مسئوليته أمام القانون ، أم هو قاصر محتاج لوصي يرشده ويدرجه بصورة مباشرة نحو تلك المسئولية ؟ لقد كان المستوى العقائدي هو الأنسب لذلك الوقت ، وتربى عليه رجال كانوا نماذج في الانضباط وفي مستوى المسئولية ، وانتشر الإسلام عن طريق الجهاد والسيف ، وهذا الأسلوب أوقف العديد من ممارسات الجاهلية المتخلفة كوأد البنات وأكل الربا وقطع الرحم .. الخ .. وذلك بحشد الناس داخل العقيدة الواحدة حتى لو كانوا منافقين .. وعلى هذا ارتفع المجتمع درجة في التطور ما كان يمكن تحقيقها عن طريق المستوى العلمي الذي يريده الإسلام في الأساس ..
اليوم هو يوم المستوى العلمي ، ما في ذلك أدنى ريب ، فإذا كانت الدعوات تنطلق من جميع الاتجاهات تؤسس لحقوق الإنسان عبر المواثيق والعهود الدولية وتبحث عن قانون الإنسان بكل سبيل ، فهل يعقل أن ندعو الناس للمستوى العقائدي ونترك المستوى العلمي الذي أسس مبادئ الحقوق الأساسية من قبل أن يعرف الناس شيئاً عن تلك الحقوق ؟؟ إن حكم الوقت يقتضي أن نحكم الآيات المكية وننسخ الآيات المدنية ، لكي نقيم الحكم الدستوري الذي يكفل حقوق المواطنة المتساوية للجميع ولا يفرق بين مواطن وآخر بسبب العقيدة أو الجنس .. وأي تأخير في الأخذ بهذه الدعوة إنما هو مضيعة للوقت وهروب من مواجهة المسئولية التي كلفنا بها الإسلام في أصوله .. العيب ليس في أحكام الشريعة الإسلامية أو الفروع التي أحكمت في القرن السابع وإنما العيب في العقول التي تحاول إقحامها في زمان غير زمانها ، وتطبقها على مجتمع لا تشبه مشاكله مشاكل ذلك الوقت بأي وجه من الوجوه .. لقد خدمت الفروع غرضها حتى استنفذته وعالجت مشاكل مجتمعها بالحلول الناجعة ، فوجب الآن الانتقال منها إلى الأصول حتى نظفر بالحلول الناجعة لمشاكل عصرنا نحن .. هذه هي الدعوة الجمهورية ، أو الرسالة الثانية من الإسلام ، وقد كتب الأستاذ محمود منذ عام 1951م عن أساس دعوته فقال: (إن ما جئت به من الجدة ، بحيث أصبحت به بين أهلي كالغريب ، وبحسبك أن تعلم أن ما أدعوا إليه هو نقطة التقاء الأديان جميعها حيث تنتهي العقيدة ويبدأ العلم ، وتلك نقطة يدخل بها الإنسان عهد إنسانيته ولأول مرة في تاريخه الطويل) ..
هنا يبرز سؤال في غاية الأهمية: هل ما حدث بالسودان خلال تجربة الحركة الإسلامية السلفية نابع من المستوى العقائدي أم من المستوى العلمي ؟؟ الجواب: إن ما شاهدناه على أرض الواقع لا علاقة له لا بالمستوى العلمي ولا بالمستوى العقائدي ، وإنما هو انحراف عن المستوى العقائدي سببه ضعف التربية الدينية .. فهم أقرب إلى عصابة نهب تلهث خلف السلطة من أجل المال ، هذا هو منهجها منذ المصالحة الوطنية أيام مايو ، وحتى لا يتهمنا القارئ بأننا إنما نبالغ بهذا الاتهام أو نصفي حسابات قديمة مع تلك الجماعة نقدم فيما يلي دليلنا على ما نقول .. عندما أنشأت الحركة الإسلامية بنك فيصل الإسلامي في عهد مايو ، لم يكن همها أن ترسي تعاليم الإسلام في العدل بين الناس على الأرض ، ليتساوى الناس في الحقوق أو على الأقل ليجد كل إنسان الحد الأدنى من المال الضروري للحياة الكريمة .. وإنما كان هدفها الأول هو تجميع أقصى قدر يمكن تحقيقه من أموال الشعب لمصلحة تنظيمهم هم .. ولذلك خدعوا السلطة بالإرهاب الديني ، بفكرة الصيغ الإسلامية فاستجابت لهم فأقاموا بنك فيصل لتنفيذ خطتهم .. ففي عام 1979م – 1981م ، ارتفع حجم التمويل لدى البنك بنحو 318% بينما لم تتجاوز الزيادة في حجم التمويل لدى البنوك التجارية الأخرى مجتمعة نسبة 56% !! فهل نتجت هذه الطفرة من التجويد والكفاءة أم من الزج باسم الإسلام واستغلال العاطفة الدينية ؟؟ لقد نال بنك فيصل من الإعفاءات والامتيازات ما لم تنله البنوك المملوكة للدولة في ذلك الوقت ، واليك قائمة بذلك:-
1- كل أموال وأرباح البنك معفاة من جميع الضرائب..
2- الأموال المودعة في البنك بغرض الاستثمار معفاة من الضرائب..
3- مرتبات الأجور ومكافئات العاملين بالبنك وأعضاء مجلس إدارته ، ومكافئات هيئة الرقابة الشرعية ، معفاة جميعها من الضرائب..
4- خول القانون محافظ بنك السودان إعفاء البنك من أحكام القوانين المنظمة للرقابة على النقد في الحدود التي يراها مناسبة.. وعند افتتاح البنك أعفى المحافظ كل معاملات وتحركات رأس مال البنك وودائعه بالعملات الأجنبية من القوانين المنظمة للرقابة على النقد.
5- القوانين المنظمة للخدمة وفوائد ما بعد الخدمة غير ملزمة للبنك ، كما أن قانون المراجع العام لسنة 1970م غير ملزم أيضاً..
لقد مكنت هذه الإعفاءات والامتيازات البنك من أن يحقق أرباحاً عالية جداً ، إذ ارتفع صافي أرباحه من 2.5مليون جنيه عام 1980م إلى 10.2ميون جنيه عام 1981م ، أي بنسبة زيادة 330% في عام واحد!! (للمزيد راجع كتاب بنك فيصل الإسلامي – الأخوان الجمهوريون).. تصور كم من الأموال ضاعت على الخزينة العامة بسبب تلك الامتيازات والإعفاءات التي انتزعها هذا البنك من سلطة مايو عن طريق الإرهاب الديني ؟؟ إن تلك الأموال هي أموال الشعب نهبت في وضح النهار باسم الإسلام ، ولذلك قلنا أن ممارسة هذه الجماعة لا علاقة لها بالإسلام في أي مستوى من مستوياته .. هذا ما كان في عهد مايو ، وفي فترة الإنقاذ خاصة التسعينات من القرن الماضي وجدت جماعة الحركة الإسلامية الفرصة كاملة في السلطة ، وشرعت منذ اليوم الأول في السيطرة على كل مفاصل الاقتصاد .. وقد عبر أحد قادتهم بعد الانقسام الشهير: (في عهد الإنقاذ عندما كنا سوياً في السلطة لا فرق بين أموال الدولة وأموال الحركة الإسلامية !!) لقد فصلوا للصالح العام كل من يظنون أنه عقبة في طريق هذا النهب المنظم ، فشردوا بذلك أبناء الشعب في أصقاع الأرض المختلفة تركوا زوجاتهم وأطفالهم وهاجروا يبحثون عن لقمة العيش الكريم .. فتعرضت تلك الأسر لضربات الخصخصة الموجعة ففقدت العلاج ، وفقدت التعليم .. أكثر من ذلك فإنهم مسخوا الخلق السوداني الأصيل الذي زرعه قادة الطرق الصوفية في هذه البلاد ، والذي شكل سمة الجاذبية التي تميز بها السودانيون عندما اغتربوا في الخارج .. هذا في القطاع العام ، أما في القطاع الخاص فقد سيطروا على كل قطاعاته سيطرة تكاد تكون تامة ، ولم يتركوا مجالاً في السوق إلا احتكروه لأنفسهم ، يستغلون الأسماء المنسوبة للإسلام كلافتات لأعمالهم الخاصة فمثلاً :المستوصف الإسلامي ، المخبز الإسلامي ، الصيدلية النبوية .. الخ .. إن الأضرار الاقتصادية والاجتماعية التي عانى منها الشعب السوداني تحت سلطة هذه الجماعة ، نحتاج في متابعتها وتسجيلها إلى مجلدات ، فهذه مجرد خطوط عريضة .. فهل في هذا الواقع المرير ما يدل على وجود روح تربية دينية في أي مستوى من مستوياتها ؟؟ ألم نكن على حق عندما قررنا بصورة حاسمة أن ما جرى في السودان على يد الحركة الإسلامية لا علاقة له بالمستوى العلمي ولا بالمستوى العقائدي ؟؟
في الفقرة التالية نقدم من ديباجة الدستور: ما هو الفرق بين الطريق العلمي والطريق العلماني ؟ ونترك للقارئ الفرصة ليقيم من خلال شرح الأستاذ محمود لهذا الموضوع هل ممارسات الحركة الإسلامية التي أشرنا إليها موجهة من عقل المعاش العلماني أم من عقل المعاد العلمي ؟ فإلى الديباجة:-
يسمي كارل ماركس اشتراكيته : الاشتراكية العلمية .. في حين يسمي اشتراكية روبيرت اوين: الاشتراكية المثالية.. و الناس يتحدثون، في الوقت الحاضر ، عن العلمية بتأثر كبير برأي كارل ماركس عن اشتراكيته ، و لكنهم غير دقيقين في هذه التسمية .. اشتراكية ماركس علمانية ، و ليست علمية .. و كذلك كل ما يتحدث عنه الناس الآن ، إنما هو علماني ، و ليس علميا .. الفرق بين العلمية ، و العلمانية ، ان العلمانية علم ناقص .. و تجيء العبارة عنه في القرآن ( وعد الله ، لا يخلف الله وعده ، و لكن اكثر الناس لا يعلمون * يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا ، وهم ، عن الآخرة ، هم غافلون!!)) سماه ، و نفي عنه ، انه علم .. قال ((لا يعلمون)) ثم قال " يعلمون ظاهرا" .. و هذا الظاهر إنما هو المادة كما تتبادر إلى حواسنا .. العلمانية تتعلق بالحياة الدنيا ــ الحياة السفلي ــ حياة الحيوان ، و تغفل عن الحياة الأخرى .. الحياة العليا ، و هي حياة الإنسان .. كارل ماركس ينكر الغيب ، و ينكر الحياة الأخرى ، و تتعلق اشتراكيته بالسعي في الحياة الدنيا ، وفي ، ظاهرها ، و من ثم فهو علماني ، و ليس عالما .. العلم هو الذي ينسق بين الحياة الدنيا ، و الحياة الأخرى، علي غرار العبارة النبوية : "الدنيا مطية الآخرة “ .. العالم ذكي، و العلماني شاطر.. و الفرق بين الذكي و الشاطر ان الذكي يملك ميزان القيمة ، و يقيم الوزن بالقســــط .. و الشاطر لا يملك هذا الميزان ، فهو يخبط كحاطب ليل .. الذكي يعرف الوسائل و الغايات ، و ينسق بينها ، فلا يصرف ، في سبيل الوسيلة ، من الجهد ، ما ينبغي ان يصرف في تحصيل الغاية .. و الشاطر قد يفني حياته في سبيل الوسيلة ، لأنه لا يملك التمييز الدقيق بين الوسائل،والغايات.. الدنيا وسيلة الآخرة ، فيجب ان تنظم بذكاء ، و بعلمية لتتأدي إلى الغاية المرجوة منها.. و لا يستطيع ذلك العلمانيون و إنما يستطيعه العلماء..

16) الحضارة الغربية الحاضرة بشقيها ــ الاشتراكي و الرأسمالي ــ إنما هي حضارة مادية ــ قيمة الإنسان فيها مهدرة ، و قيمة الحطام مرتفعة.. هي حضارة، و ليست مدنية.. هي حضارة التكنولوجيا الهائلة ، و الآلات الرهيبة ، و لكن الإنسان فيها ليس سيد الآلة .. لقد نمت التكنولوجيا الثروة بصورة خيالية، و لكن ، لغياب القيمة ، لم يكن هناك عدل في توزيع الثروة ، و إنما انحصـرت في أيدي القلة ، و اصبح الفقر نصيب الكثرة ، فذهل الغني ، بالغني ، عن إنسانيته، كما شغل الفقير ، بالفقر ، عن إنسانيته، فانهزم الإنسان ، في هذه الحضارة المادية ، الآلية الهائلة، المذهلة.. لقد وصلت هذه الحضارة إلى نهاية تطورها ، ووقف طلائعها في نهاية الطريق المقفول ــ طريق المادية الخالية من الروحية.. و لا بد للبشرية التي سارت في هذا الطريق العلماني حتى بلغت نهايته من ان تعود لتدخل من جديد ، في الطريق العلمي..

17) من الأمم الإسلامية أمم متقدمة ، بمقاس الوقت الحاضر ، فدخلت خلف طلائع الحضارة الغربية في هذا الطريق العلماني، و قطعت فيه شوطا ، به اعتبرت متقدمة ، في الوقت الحاضر.. و من الأمم الإسلامية أمم متخلفة ، بمقاس الوقت الحاضر ، فلم تصل حتى إلى مفترق الطريقين ــ الطريق العلمي و الطريق العلماني ــ وهي بذلك اعتبرت متخلفة .. أما نحن السودانيين ، فإننا ، بفضل الله علينا ، نقف اليوم في مفترق الطريقين .. لقد دخل بعضنا في طريق الحضارة الغربية الحاضرة ، تبعا لطلائـع هذه الحضارة ، و لكنه لم يوغل ، و لم يبعد عن مفترق الطريقين .. أما الشعب فانه بفضل الله علينا ، و علي الناس ، يقف عند مفترق الطريقين ، تماما ، محتفظا باصائل طبائعه التي قد قدها الله تعالي له من شريحة الدين (( أما نحن الجمهوريين ، فبفضل الله علينا ، و علي الناس ، قد امتد بصرنا حتى رأينا قافلة البشرية الحاضرة ، و هي تقف حائرة، عند نهاية طريق العلمانية المسدود ، و اصبح واضحا عندنا، ان علينا لأن ندخل بشعبنا طريق العلمية حتى نكون للبشرية ــ قل للإنسانية ــ طليعة جديدة .. طريق العلمية طريق مفتوح علي الإطلاق ، و سير الإنسانية فيه سير سرمدي .. فهو يحقق فيه ، كل حين ، قدرا من إنسانيته ، و من كرامته ، و من عزه ، و من كماله.. و ليس لكمال الإنسان نهاية ، لان نهايته عند الله (( و ان إلى ربك المنتهي )) و لا منتهي لكمال الله تبارك و تعالي .

18) ان العلمية لا تستغني عن العلمانية ، و إنما تضعها في موضعها ، و هو موضع الوسيلة من الغاية ، علي غرار (( الدنيا مطية الآخرة)) .. فمن استغني بالدنيا عن الآخرة لقد ضل ضلالا بعيدا .. و من حاول ان يطلب الآخرة بدون الدنيا فقد ضل .. و القصد القويم هو ان تأخذ من دنياك زاد الراكب ، لتسير إلى أخراك .. هذا هو المقصود بقولنا ان العلمية لا تستغني عن العلمانية .. الحضارة العلمانية ، المادية الآلية ، الحاضرة ، حضارة عملاقة ، و لكنها بلا روح ، فهي تحتاج إلى مدنية جديدة تنفخ فيها هذا الروح و توجهها الوجهة الجديدة ، التي تجعلها مطية للإنسان بها يحقق إنسانيته، وكماله.. وهذا ماعلينا ان نقدمه نحن من الاسلام.. ان الطريق العلمي الجديد الذي علي الشعب السوداني ان يدخله منذ اليوم ، هاديه كتاب الأجيال ــ القرآن ــ و دليله محمد ، النبي الأمي، الذي جسد القرآن ، في اللحم و الدم فمعرفة الأكوان ــ العلمانية ــ و معرفة الله ــ العلمية ــ يجب التنسيق بينهما بعلم ، لان الأكوان إنما هي مطية الإنسان، في سيره إلى الله .. يقول تعالي : ((سنريهم آياتنا في الآفاق ، و في أنفسهم ، حتى يتبين لهم : انه الحق.. أو لم يكف بربك ، انه علي كل شيء شهيد ؟؟)) و يقول ( خلقت الأكوان للإنسان ، و خلقت الإنسان لي.. )) و هذا هو معني قوله تعالي : (( ما وسعني أرضي، و لا سمائي ، و إنما وسعني قلب عبدي المؤمن !!))

19) علينا ان نعلم أنفسنا ! و ان نعلم شعبنا، و ان نعيد تعليم المتعلمين منا ، من جديد ، فنخرجهم من الطريق العلماني، إلى الطريق العلمي.. ان علينا لان ننشئ التربية ، و التعليم .. فأما التربية فببعث سنة النبي فينا معاشة .. و هي تعني ((العدل)) : العدل بين العبد و الرب ، و العدل بين العبد و نفسه، و العدل بين العبد و أهله ، و العدل بين العبد و الناس، و العدل بين الناس.. و هذا كله وارد في الكتب الجمهورية ــ ((طريق محمد)) و (( أدب السالك في طريق محمد )) و (( الرسالة الثانية من الإسلام)) و (( رسالة الصلاة)) و (( تعلموا كيف تصلون)) الخ الخ .. و سيكون مجال التربية التعليم الرسمي ، في المدارس ، و المنابر الحرة ، في كل ميادين القرى ، المدن ، و منابر المساجد ، و منابر المدارس ، و المعاهد ، و الجامعات ، و كل مجاميع الشعب .. و أما التعليم الرسمي سيكون مجاله المدارس ، و المعاهد ، و الجامعات ،هو تعليم يقوم علي العلم المادي التجريبي، حتى يتقن المواطن، و المواطنة ، المقدرة علي تصميم الآلة ، و صنعها ، و استعمالها ، و صيانتها ، لكي يكون نافعا لمجتمعه بتسخير العلم المادي لخدمته .. لقد قلنا ان العلم المادي ، و العلم الروحي، قد اتفقا علي وحدة الوجود ، و ذلك يعني ان بيئتنا التي ظللنا نحاول التعرف عليها في الآماد السحيقة بوسيلة العلم المادي ، و العلم الروحي ، قد ظهرت لنا علي حقيقتها ، بفضل الله علينا ، ثم بفضل هذين العلمين.. ان علينا لان نعيد توجيه برامج تعليمنا حتى يجد الفرد منا المقدرة علي المواءمة بين حياته وبين بيئته هذه الجديدة ، و لما كانت هذه البيئة الجديدة ، إنما هي بيئة روحية، ذات مظهر مادي كما سبق ان قررنا فقد أصبح علي الحي ان يعلم مظهرها و مخبرها ــ خصائصها و كنهها ــ و هذا ما يوجب تعلم العلم المادي ، التجريبي ، و العلم الروحي كليهما ، لكي يتم تواؤم الحي مع بيئته هذه القديمة، الجديدة..


20) لقد أصبح علينا ان نعطي كلمة الديمقراطية : حكم الشعب بواسطة الشعب لمصلحة الشعب معني جديدا يناسب المرحلة المقبلة من مراحل تطور البشرية المعاصرة .. لقد سبق ان قررنا ان كلمة الديمقراطية قد تطورت في معناها عبر ما يزيد علي الألفي سنة بتطور معني كلمة الشعب .. لقـد أصبحت كلمة الشعب في الديمقراطيات النيابية عندنا اليوم تعني كل المواطنين ، من رجال، و نساء، منذ ان يبلغوا الرشد .. هذا تطور في ((الكم)) لا يكاد يحتاج إلى مزيد ، و إنما يجب ان ندخل ، في تطوير كلمة الشعب ،((الكيف)) بعد ان استوفينا ، أو كدنا نستوفي ، (( الكم)) .. ذلك بان الحكم الديمقراطي لا يمكن ان يحققه شعب جاهل كما سبقت إلى ذلك الإشارة .. و لا نعني بالجهل هنا عدم تعليم المدارس ، فقد سبق ان بينا ان تعليم المدارس، الحاضر ،علي النهج الغربي وحده ، ليس بعلم ، و إنما هو علم ناقص ــ هو علمانية ..
هذه مرحلة البشرية ، و أمامنا مرحلة الإنسانية .. و مرحلة الإنسانية تطور فوق مرحلة البشرية ، كتطور مرحلة البشرية ، فوق مرحلة الحيوانية .. و لقد فصّلنا في ذلك في مقدمة الطبعة الرابعة من كتابنا : (( رسالة الصلاة)) حيث تحدثنا عن مراحل نشأة الإنسان ، و قلنا ان له أربع مراحل ، في نشأته هذه المباركة .. قلنا هناك (( لقد تحدثنا عن المراحل الأربع من نشأة الإنسان .. تحدثنا عن المرحلة الأولى فقلنــا : ان بدايتها في الأزل ، حيث برز الإنسان في الجسد ، في المادة غير العضوية تلك التي نسميها ، اصطلاحا ميتة ــ ونهايتها عند دخول المادة العضوية فى المسرح..
(( و تحدثنا عن المرحلة الثانية ، و قلنا : ان بدايتها عند ظهور المادة العضوية ــ تلك التي نسميها ، اصطلاحا ، حية ــ و نهايتها عند ظهور العقل .. و يتضح لنا من هذا ، ان الشبه كبير بين المرحلتين : الأولى و الثانية ، فهما معا مرحلة الجسد الصرف ، علي اختلاف مستوياته من ذرة بخار الماء وإلى أعلي الحيوانات الثديية ، ما خلا الإنسان ..
وأما المرحلة الثالثة فهي تتميز عن المرحلة الثانية ببروز العقل من الجسد، و هو عهد جديد و خطير .. (( و أما المرحلة الرابعة فهي تتميز عن المرحلة الثالثة ، بدخول الحاسة السادسة ، و الحاسة السابعة ، في المسرح ، و تلك درجة جديدة من درجات الترقي ، تصبح بها الحياة البشرية شيئا جديدا ، مختلفا عما ألفنا من قبل .. و لذلك فأنا نستطيع ان نقول : ان لدينا ثلاث مراحل لنشأة الإنسان ، مرحلة الجسد الصرف ، و مرحلة الجسد و العقل المتنازعين، و أخيرا مرحلة الجسد ، و العقل المتسقين .. )) انتهي..
و أما مرحلة الجسد و العقل المتنازعين هي مرحلة البشرية ، منذ بدء الخليقة ، و إلى اليوم .. و أما مرحلة الجسد و العقل المتسقين ، فهي مرحلة الإنسانية ، التي هي قبلة البشرية الحاضرة ، منذ اليوم ، و ليس لها منها بد ..

21) مرحلة الجسد و العقل المتنازعين، هي مرحلة الكبت ، التي نعيشها الآن و التي بها ارتفع الإنسان فوق مرتبة الحيوان ــ فوق مرحلة الجسد الصرف ــ و الفضل في ذلك لله ، ثم للعقل.. و العقل عقلان، عقل المعاش، و عقل المعاد .. فأما عقل المعاش فهو القوة الّدراكه فينا التي استلها من الجسد ، الخوف من القوي الرهيبة التي هددت الحياة بالموت الذريع ، منذ أول النشأة .. فهو ، من أجل ذلك ،قلق، مضطرب ، خفيف ، يجسد الخوف و يجسد الحرص .. و هو موكل بمجرد حفظ حياة الحيوان و حركته ليست فكرا ، و إنما هي قلق ، و خوف مما يجيء به المستقبل المجهول .. هو غريزي ، و ليس مفكرا .. هو شاطر، و ليس ذكيا ، و إدراكه علماني، و ليس علميا .. و قد وردت الإشارة لهذين المعنيين قبل حين .. و من هذا العقل يجيء الجبن، و الحرص ، و حب الادخار ، و البخل ، و كل مذام الصفات .. و أما عقل المعاد فهو أيضا القوة الدّراكه فينا ، و هو الطبقة التي تقع بين عقل المعاش ، والقلب ، وهو أيضا خايف ، و لكن خوفه ليس عنصريا ، ساذجا ، و إنما هو خوف موزون بالذكاء الوقاد ، الذي يملكه حين يفقده عقل المعاش الشاطر .. عقل المعاد ،موزون،رزين ، وقور .. و هو أيضا موكل بحفظ الحياة ، و لكنه لا يخاف عليها من كل ناعق ، كما يفعل عقل المعاش ، و ذلك لأنه يملك موازين القيم .. فهو قد يستهين بالخطر الماثل ، في سبيل الآمن الدائم ، و هو قد يضحي باللذة العاجلة ، ابتغاء اللذة الباقية ــ هو ينشغل بالحياة الأخرى ، اكثر مما ينشغل بالحياة الدنيا ــ عقل المعاد هو عقل الدين ــ هو الروح ــ نحن لا نفهم الدين بعقل المعاش ، و إنما نفهمه بعقل المعاد.. و عقل المعاش يتأثر بعقل المعاد ، و يؤثر فيه ، قال تعالي في العقلين ( الشيطان يعدكم الفقر ، و يأمركم بالفحشاء ، و الله يعدكم مغفرة منه و فضلا ، و الله واسع عليم ..)) الشيطان هنا عقل المعاش ، و الرحمن عقل المعاد .. و الشيطان داخلنا ، و خارجنا.. خارجنا هو الروح الشرير الذي لا يأمر بخير ، و داخلنا هو عقل المعاش ، الذي ينصت للشيطان ، و يأتمر بأمره .. و إنما هو داخلنا لأننا خلقنا مـن الطين المحروق بالنار ، في حين خلق الشيطان من النار .. (( خلق الإنسان مـن صلصال كالفخار* و خلق الجآن من مارج من نار )) .. و عقل المعاش حين يؤثر علي عقل المعاد يزلزله ، و يخرجه من وقاره ، و يذهله عن قيمه ، و إنما من أجل تهذيب عقل المعاش جاءت الشريعة .. فهي، بوسيلة العبادة ، و بوسيلة العقوبة ، تسير عقل المعاش ليتهذب ، و يلتقي بعقل المعاد ..

22) و العبادة ثلاث مستويات: فكرية و قولية ، و عملية .. و اعلي مستويات العبادة العملـية الصلاة .. و هي تشمل الفكر، و القول، و العمل، منذ بداياتها .. و الصلاة تهذب عقل المعاش ، بصورة أوكد من كل عبادة ، لأنها تحارب الجولان بين الماضي، و المستقبل، و تروض المصلي على ان يعيش اللحظة الحاضرة .. و هي قد فرضت في مقام ( ما زاغ البصر و ما طغي)) .. و من ههنا اكتسبت المقدرة علي محاربة الجولان ، بين الماضي و المستقبل، الذي هو آفة فكر المعاش الأساسية .. و أما وسيلة العقوبة و أعلاها الحدود.. و الحدود خمسة ، و قد وردت الإشارة إليها في موضع سابق من هذا الحديث.. و الحدود يمكن ان تنضوي تحت القصاص .. فالقصاص معاوضه ــ من اتلف شيئا يعوضه ــ و الحدود معاوضه و القصاص قانون حياة ، أولا ، ثم قانون دين، ثانيا .. قبل ظهور العقول كان القصاص ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* و من يعمل مثقال ذرة شر يره)).. ثم بعد ظهور العقول جاء قانون الدين ( و كتبنا عليهم فيها: أن النفس بالنفس ، و العين بالعين ، و الأنف بالأنف ، و الأذن بالأذن ، و السن بالسن، و الجروح قصاص..)) و اليوم فان قانون الحياة ساير.. و أحسن حالات الناس ان يسيروا بقانونهم مصاقبين لقانون الحياة .. و قد جاء قانون الدين مصاقبا لقانون الحياة ، لان الله تبارك و تعالي ، يريد ،بمحض فضله، للعقل البشري ان يصاقب ، و ينطبق ، علي العقل الكلي ــ العقل المحيط ــ العقل الالهي.. و من اجل ذلك أرسل الرسل ، و أنزل الكتب ، و شرع الشرائع.. و لقد جاء عندنا في القرآن ( و أنزلنا اليك الذكر ، لتبين للناس ما نزل إليهم ، و لعلهم يتفكرون ..)) فبالعبادة و المعاملة ، في المجتمع ، وفق الشريعة ، و الطريقة ، و الحقيقة ، يــقوي الفكر ، و يسير العقل بالحياة مصاقبا للعقل الكلي ، كل حين، و في ذلك كمال العقل ، و القلب ، و الجسد..

_________________

Post: #457
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 03:03 PM
Parent: #456


الحلقة الرابعة
من أوراق الأستاذ/ محمود محمد طه داخل معتقلات مايو (4)
الحدود والقصاص قوانين علمية ودستورية في قمة الانسجام مع الدستور الإنساني

محمد الأمين عبد الرازق
[email protected]
قال الأستاذ عبد الخالق محجوب وهو يتجاذب أطراف الحديث مع الأستاذ محمود حول تجربة تطبيق الاشتراكية على الفهم الماركسي ، أنه لاحظ من متابعاته لإصدارات المكتبة السوفيتية بالخرطوم ، أن هناك حوادث سرقة وسطو بالاتحاد السوفيتي بالرغم من النجاح الذي حققته الاشتراكية في توفير حد معقول من الاحتياجات المادية لكل مواطن .. أوضح الأستاذ محمود في تعقيبه أن السبب في ذلك هو الخوف الموروث المترسب داخل النفوس والذي لا يمكن معالجته إلا بمنهاج الإسلام في مستواه العلمي ، فلا بد من إدخال الدين في الصورة وربط الدنيا بالآخرة ، الأمر الذي رفضته الماركسية ابتداءً.
إن تهذيب عقل المعاش في اتجاه عقل المعاد ، هو موضوع المرحلة العلمية من الإسلام .. والإنسان في هذا المستوى محاسب على سريرته الداخلية ، قال تعالى: (إن تبدو ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله) ، أما في المستوى العقائدي فإن القاعدة هي الحديث النبوي: (إن الله قد تجاوز لأمتي ما حدثوا به نفوسهم ما لم يقولوا أو يعملوا) .. الخطاب هنا لأمة المؤمنين بصورة خاصة ، فإن الله قد خفف عليهم في التشريع لظروف حكم الوقت .. وعندما نزل قوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون) قالوا: أينا يستطيع أن يتقي الله حق تقاته يا رسول الله؟؟ فنزل قوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون) .. المستوى العلمي دعوة إلى جميع الناس على اختلاف معتقداتهم ليتوافوا على حكم الدستور وسيادة حكم القانون .. قال تعالى: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئون والنصارى من آمن بالله وعمل صالحاً فلهم جرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) .. المستوى العقائدي يفرق الناس على قاعدة (كل حزب بما لديهم فرحون) والمستوى العلمي يجمع الناس كاجتماع الناس اليوم على العلم المادي .. ومن أوضح ما جاء عن المستويين قوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا آمنوا بالله ورسوله) هم مؤمنون ثم يندبهم إلى الإيمان من جديد ، فكأنه يشير بالإيمان الجديد إلى إيمان النبي الكريم القائم على العلم وليس على العقيدة .. قال تعالى: (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله) والفرق كبير بين إيمان النبي وإيمان الأمة .. إن المستوى العقائدي من الإسلام الذي قامت عليه الشريعة السلفية للفرد ولتنظيم المجتمع باستثناء الحدود والقصاص ، قد خدم غرضه حتى استنفذه ووجب الانتقال منه إلى المستوى العلمي الذي كان عليه النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. والحدود والقصاص مستثناة لأنها في الأساس مأخوذة من العلم وليس من العقيدة .. ويمكن القول أن المستوى العقائدي عندما يوضع بازاء المستوى العلمي يكون في عداد العقائد السابقة ، لأن الالتزام به وتطبيقه غير ممكن عملياً ، وطاقة البشرية اكبر منه .. وقد أنذر النبي بذلك في الحديث: (لتتبعن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب خرب لدخلتموه ، قالوا: اليهود والنصارى يا رسول الله؟؟ قال فمن؟) يعني من غيرهم .. والمعنى المراد من النذارة واضح ، وهو أن حركة التطور عندما تتخطى مرحلة معينة فإن أي محاولة للرجوع إليها تفرز انحرافات ، ولذلك ما نراه اليوم من دعاوى للإسلام أو المسيحية واليهودية ، إنما هو انحراف ، فهم يعتقدون أنهم أبناء الله وأحباؤه ، ويعتبرون كل من ليس معهم مجرد حطب للنار ، فينتهكون حقوقهم ويجورون عليهم .. قال تعالى: (قالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم؟ بل أنتم بشر ممن خلق) .. نكتفي بهذه الإضاءة في توضيح الفرق بين المستوى العلمي والمستوى العقائدي من ناحية المنهاج التربوي وقد تناولنا انعكاس ذلك على تشريع المجتمع في الحلقة السابقة.
إن الربط بين الدنيا والآخرة على قاعدة الحديث النبوي(الدنيا مطية الآخرة) إنما بشكل الأساس الذي ترتكز عليه حركة تطور الفرد الروحية .. وهذه المسيرة توجه بالتربية وتحكم بالعقوبة وفق القوانين الدستورية .. والقانون الدستوري هو الذي يحقق حين يطبق مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة ، في آن واحد .. فما هي مصلحة الجماعة؟ وما هي مصلحة الفرد؟ .. الجواب إن مصلحة الجماعة هي استتباب الأمن وإقامة المجتمع الصالح الذي يقوم على الدعامات الثلاث الاشتراكية والديموقراطية والعدالة الاجتماعية .. عندما تحقق هذه الأرضية فإن الفرد يجد الفرصة في تحقيق حريته الداخلية وكمالاته في تجديد حياة فكره وحياة شعوره في انطلاق نحو الحياة الكاملة ، فالإنسان الكامل هو الابن الشرعي لمجتمع الكامل .. إذن مصلحة الفرد في المرحلة هي أن يتربى ويضبط نفسه بحيث لا يتعدى على حريات الآخرين حتى يكتمل البناء الاجتماعي المنشود من أجل مستقبله هو .. من اجل ذلك جاءت العقوبات في الإسلام لتعين الفرد على الانضباط واحترام القانون الدستوري .. والمجتمع البشري له حدود كحدود ملعب كرة القدم .. القانون هو الذي يجعل لعبة كرة القدم ممتعة وجذابة ، وإذا أخرجنا القانون من الصورة تصبح فوضى لا قيمة لها .. وكذلك المجتمع البشري فإن حياة الناس لا يمكن أن تكون نامية ومتطورة إلا إذا حكمت بالقانون الدستوري الذي يكفل الحقوق الأساسية ، في حرية الرأي والتفكير لجمع المواطنين على قدم المساواة ، ويعاقب كل من يتعدى على الحريات .. وكما أن هناك قدر من الأخطاء يمكن أن تعالج داخل ملعب كرة القدم بالعقوبة ، فإن هناك حد إذا وصله اللاعب فإنه يطرد خارج الملعب تماماً .. هذه الصورة تنطبق على المجتمع البشري ، فإن للمجتمع حدود إذا وصلها المتعدي فإنه يطرد خارج الحياة البشرية بعقوبة الموت .. إن الحكمة من هذه العقوبة النهائية هي أن هذا الشخص استهان بالتجربة البشرية كلها التي وصلت إلى هذا المستوى من التطور بالدماء والعرق والدموع ، فكأنه أراد إرجاع الناس إلى الحيوانية مرة أخرى .. وهو على ذلك غير جدير بالبقاء فيها ، فبهذه العقوبة تتحقق مصلحة المجتمع ومصلحة الفرد نفسه بتطهيره مما لحق به من الجريمة التي ارتكبها وإرساله إلى الحياة الأخرى بكفاءة عالية ما كان يمكن أن تتحقق بغير هذا الأسلوب .. المشكلة أننا نتفهم مصلحة المجتمع ولكننا لن نفهم أين مصلحة الفرد وقد فقد حياته إلا إذا استقر في أذهاننا معنى واضح للحياة الأخرى ، حياة ما بعد الموت .. هذه هي النقطة التي يجب أن نركز عليها .. أن حياة الإنسان تتكون من حلقات: حلقة أرحام الأمهات ، الحياة الدنيا وحلقة ما بعد الموت .. ولا يمكن لإنسان علمي أن يفصل بين هذه الحلقات وهو يتناول أي شأن من شئونها ، وذلك لأنها تؤثر على بعضها تأثيراً واضحاً .. فمثلاً طريقتنا في الحياة واختيار زوجاتنا تؤثر مباشرة على حياة الجنين في رحم أمه وتحدد تركيبته الوراثية ومن ثم تؤثر على حياته بعد الولادة كذلك.
وحياة ما بعد الموت ، تاركة آثار واضحة على حياتنا الحاضرة ، وكل المصائب التي نعاني منها إنما تأتي بسبب الخوف من الموت بالجوع أو بالمرض أو بالكوارث ، هذا الخوف يجعلنا نؤذي بعضنا البعض فتضطرب حياتنا في جميع اتجاهاتها .. إذن هناك علاقة وثيقة بين هذه المراحل لا يمكن تجاهلها تجعل مراعاتها في وضع القوانين أمراً مقبولاً علمياً .. أقول هذا وفي ذهني مطالبة الأستاذ محمود بأن نضع الإشراف على الأطفال قبل الولادة تحت قانون وزارة الصحة حتى يضبط هل من يريدان الزواج خليقان بأن ينجبا أطفالاً أصحاء أم لا؟ وإذا لا يمنع الزواج بالقانون .. ولذلك إن من يقترف جريمة الحدود يعاقب بالعقوبة المحددة لأن فيها مصلحته هو في الحياة الأخرى ، ما بعد الموت وقد كانت عنده الفرصة الكافية لينتفع بالتربية نحو تلك الحياة ، والعقل يمكن أن يقتنع ويؤمن بذلك ريثما يوقن طالما أن الإطار العام يقبل ذلك بموضوعية .. من أجل ذلك قلنا في عنوان هذه الحلقة أن الحدود والقصاص قوانين دستورية وعلمية في قمة الانسجام مع الدستور الإنساني .. إن من يقطع حلقات الحياة المتصلة هذه ، ويركن إلى الحياة ما بين الولادة والموت فقط ، يقع في غفلة حقيقية ، فهو علماني وليس علمياً .. ونحب أن نؤكد نقطة هامة هي أن هذه القوانين الدستورية في الحدود أو في غيرها لا تفرض على الناس قسراً وإنما تشرع بالحجة والمنطق والإقناع .. هذا هو أسلوب المرحلة العلمية وقد ورد ذلك .. فإذا أجيزت في البرلمان تصبح قوانين سارية المفعول وألا تطرح في الحوار الموضوعي لإيجاد مزيد من القناعة بها ..
جاء في كتاب (أسس دستور السودان – محمود محمد طه) حول موضوع الحدود والقصاص ما يلي: (وينتج من هذا أمران: أولهما أن القرآن اشتمل على دستور للفرد في المكان الأول ودستور للجماعة في المكان الثاني .. وثانيهما أن القرآن نسق تنسيقاً متسقاً بين حاجة الفرد الذي هو غايته ، وحاجة الجماعة التي هي وسيلته ، فلم يقم هنالك تعارض يوجب التضحية بأيهما ويمكن أن يلتمس هذا التنسيق الدقيق في تشريع الحدود حيث قد بلغ أقصى اوجه ، والله تعالى يقول: (وتلك حدود الله فمن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) وأن توهم المعتدي جهلاً أنه قد ظلم غيره .. ولذلك فإن إقامة الحد عليه إنصاف لنفسه من نفسه في المكان الأول ، وإنصاف لغيره من نفسه في المكان الثاني .. وكذلك يلتمس هذا التنسيق الفريد في قوانين القصاص .. والله يقول: (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون) فهي حياة للفرد المقتص منه بنفي أوهامه وتنشيط ذهنه وتوسيع خياله ، وهي حياة للجماعة المقتص لها بحفظ نظامها واستتباب أمنها ..) إلى أن يقول: (يتضح من هذا أننا نتمسك بالتوحيد ، ونستقي منه تشريعنا الفرعي بالقياس على تشريعي الحدود والقصاص ، حتى يجيء متسقاً في اتجاه موحد لحاجة الفرد وحاجة الجماعة ، ونستسقى منه تشريعنا الأساسي (الدستور) بتمثل روح القرآن) .. انتهى النص ..
هذا وقد نقلت الأخت بتول مختار يوم 16/9/1984م سؤال إلى الأستاذ داخل المعتقل حول مسألة الحدود فحواه أن فيها قسوة شديدة بالفرد ، أن تقطع يد زول مثلاً .. فهل ممكن تكون في تربية تغني عن ذلك ؟ رد الأستاذ: (مثل هذا الكلام يرد كثيراً ، وأننا نحن المسلمين تكون عندنا أفكار فيها بتر الأيدي في الوقت البتكون فيه جمعيات للمعوقين لتساعدهم ، .. لكن المجتمع البتكون فيه الحدود ، ما بتكون فيه أي مشكلة تجعل الفرد يتعرض للسرقة ، مجتمع اشتراكي وديموقراطي والفرد كل حاجياته مكفية ، فإذا سرق بعد ذلك يبحث هل هو مريض أو محتاج؟ ويستفاد من التطور في درء الحدود بالشبهات ، وبعد ذلك إذا سرق يقطع ، لأن الحياة ليست هذه الحياة الدنيا فحسب ، وإنما في الدنيا العذاب قصير) وضرب مثل: (إذا كان في امرأة بتدافع عن ابنها وهو دائماً يعمل مشاكل مع ناس الفريق ، وهي تدافع عنه أيضاً ، نفس الشيء إذا الناس أهملوا في العقوبة هنا سينال الناس عقوبة أشد) .. ثم حكى قصة سيدنا عمر عندما أقام الحد على ابنه وكان ابنه يطلب الرفق فيقول له أبوههذا رفق بك وأنا أريد أن أجعل حقك هناك في الآخرة أخف من هنا).. انتهى
ماذا قال الأستاذ محمود عن قوانين الحدود والقصاص ، في آخر كتاباته (ديباجة الدستور) إذن اقرأ:
23) وأشد القوانين انضباطا قوانين الحدود، و القصاص.. و آية انضباطها مقدرتها علي التوفيق بين حاجة الفرد، و حاجة الجماعة .. هذه المقدرة عجزت عنها جميع الفلسفات البشرية القديمة ، و المعاصرة .. و اظهر ما يظهر هذا العجز في الفكرة الماركسية .. و هي عندما عجزت عن التوفيق بين حاجة الفرد إلى الحرية ،و حاجة الجماعة إلى العدالة ، اتخذت من عجزها فضيلة ، فادعت ان الجماعة أهم من الفرد ، فهزمت بذلك الغاية بالوسيلة.. و عجز الرأسمالية في هذا المجال ظاهر أيضا .. و يمكن القول بان إفلاس الحضارة الغربية ،الآلية المادية الحاضرة ، إنما يرجع إلى انعدام المذهبية التي تملك القدرة علي التوفيق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، و حاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة.. ان حاجة الفرد، بدون ادني ريب ، إنما هي إلى الحرية الفردية المطلقة .. و في النظم السياسية التي تقوم عليها الحضارة الغربية الحاضرة ، بشقيها ، فان الحرية الفردية المطلقة تعتبر فوضي ، و ما ذاك إلا لانعدام التربية التي ترتفع بالإنسان فوق مستوي القوانين ــ ترتفع به إلى مستوي الأخلاق التي هي قمة القوانين .. الحرية الفردية،عندنا، في الإسلام ، علي مستويين : الحرية النسبية ، و هي ان يفكر الإنسان كما يريد ، و ان يقول كما يفكر ، و ان يعمل كما يقول ، علي شرط ان يتحمل مسئولية قوله ، و عمله ، أمام القانون الدستوري.. و الحرية المطلقة ، و هي ان يفكر الإنسان كما يريد ، و يقول كما يفكر ، و يعمل كما يقول علي شرط ان يكون فكره، و قوله، و عمله ،برا، و خيرا، بالأشياء ، و الاحياء..
و القانون الدستوري،هو الذي حين يطبق، يحقق، في آن معا، حاجة الفرد، و حاجة الجماعة.. فلا هو يضحي بالفرد لمصلحة الجماعة ، و لا هو يضحي بمصلحة الجماعة في سبيل الفرد .. و لان المعلم واحد ، كما سبق ان قررنا ، و ان الأعراف البدائية ، الساذجة، البسيطة ، التي نشأ عليها المجتمع البشري ، حين نشأ ، بتقييد القوة الجنسية ، و بتقييد شهوة التملك ، و التي هي بدايات الحدود عندنا ، في الزنا ، و القذف ، و السرقة ، و قطع الطريق ، قد كانت دستورية ، فى معني التوفيق، بين حاجة الفرد، يومئذ ، و حاجة الجماعة.. لقد كانت عقوبات المخالفة لهذه الأعراف عنيفة ، اشد العنف ، و أقساه ، و لكن هذا العنف ، و هذه القسوة، قد كانت حاجة الفرد ، في المكان الأول ، ذلك لان الفرد قد كان حيواني النشأة ، غليظ القلب ، جافي الطبع ، ضعيف العقل ، لا يكاد عقله يسيطر علي نزوته ، و رعونة نفسه ، فكان غرض هذا العنف به، و القسوة عليه ، ان تقوي إرادته فيسيطر علي نفسه ، و يكبح جماحها .. و بهذا يسلك مسلك البشر ، و يتجافي عن مسلك الحيوان.. هذه حاجة الفرد ، في المكان الأول ، و ان لم يدركها .. ثم ان المجتمع قد كفل له حقه في الأمن ، و في التماسك ، في معني ما كف أفراده عن مخالفات أعرافه ، أو كادوا..
24) ان الكبت قد بدأ من يومئذ.. و الكبت يعني السيطرة علي الشهوة، فلا تعبر عن نفسها في انطلاق بلا قيد ، كما يفعل الحيوان .. و إنما تعبر عن نفسها من خلال شريعة الحرام ، و الحلال.. و يضعف عقل المعاش عن السيطرة علي نزوة الشهوة ، ليحتاج إلى التقوية ، و ذلك بالتربية ، و بالعقوبة ، حين تعجز التربية عن بلوغ المرام .. و لقد جاء التعليم ، و جاءت شريعة العبادة ، و جاءت شريعة المعاملة ، في القرآن، لتروض الشهوة حتى تسير في مراقي الإنسان ، وتتجافي عن دركات الحيوان ، قال تعالي:
(( أ تل ما أوحى إليك من الكتاب ، و أقم الصلاة.. ان الصلاة تنهي عن الفحشاء ، و المنكر ، و لذكر الله أكبر.. و الله يعلم ما تصنعون..)) .. و الفحشاء هنا تعني الزنا.. و المنكر يعني كل ما ينكره الشرع ، و من أعلاه القذف ــ قذف الآخرين بالزناــ و من أعلي المنكر أيضا السرقة ، و قطع الطريق.. من انتفع بصلاته امتنع عن الفحشاء ، و المنكر.. و من لم ينتفع تعرض للحدود.. و حد الزنا للمحصن الرجم بالحجارة علي رأسه حتى يتهشم.. و للبكر الجلد مائة جلده .. و حد السرقة اختلاسا ، و خفية ، قطع اليد اليمني .. أما حد الحرابة ، و هي الخروج علي الحاكم ، و قطع الطريق ، و إخافة السابلة في الطريق العام ، خارج المدينة ، و قتل النفوس ، و أخذ الأموال ، فهو درجات : فان أخاف الطريق ، و قتل ، و لم يأخذ المال ، يقتل .. و ان أخاف الطريق ، و قتل ، و اخذ المال ، يصلب.. و ان أخاف الطريق ، و لم يقتل ، و لكنه اخذ المال، يقطع من خلاف ــ اليد اليمني و الرجل اليسري .. و ان أخاف الطريق ، و لم يقتل ، و لم يأخذ المال ، ينفي من ارض وطنه ، لمدة يقررها القانون .. و لقد تبدو، لأول وهلة ، هذه العقوبات قاسية ، عنيفة ، و لكنها ليست كذلك ، في حقيقة الأمر ، و إنما هي حكيمة ، كل الحكمة ، حيث وفقت توفيقا تاما ، بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية الطلقة ، و حاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة .. و يجب ان يكون مفهوما بان هذه الحدود لا تطبق إلا من أجل إصلاح الفرد ، في المكان الأول ، ثم إصلاح المجتمع في المكان الثاني ، و ذلك لان ، في الإسلام ، الفرد هو محط نظر الله إلى الوجود ــ الفرد هو الغاية ، و كل شيء عداه هو وسيلته لتكميل نفسه ، و تطويرها ، و ترقيتها في المراقي لتلاقي الله .. القرآن ، و الإسلام ، و إرسال الرسول ، و تشريع التشريع، الغرض منه الإنسان .. المجتمع وسيلة الإنسان .. و لقد رأينا ، في أول النشأة ، كيف ان الله قد هدي الإنسان لاختراع المجتمع .. (( و أنزلنا إليك الذكر ، لتبين للناس ما نزل إليهم .. و لعلهم يتفكرون ..)) لعلهم يتفكرون التفكير المستقيم الذي يخلصهم من جهالة عقل المعاش ، و من قلقه ، و من خوفه ، و من شطارته ، ليصلوا إلى عقل المعاد، و اتزانه ، و شجاعته ، و ذكائه..
25)بالتخلص من عقل المعاش ـ قل بتهذيب عقل المعاش ــ نتحرر من الخوف ، و نفض الكبت الذي رسبه فينا جهلنا بالبيئة ، التي عشنا فيها طوال الحقب السوالف من عمر الحياة علي هذا الكوكب.. يقول تبارك و تعالي عن الجبال : (( ألم نجعل الأرض مهادا* و الجبال أوتادا؟؟)) "أوتادا" ثبت بها الأرض .. و قال تعالي في ذلك ( و جعلنا في الأرض رواسي ان تميد بهم ، و جعلنا فيها فجاجا سبلا ، لعلهم يهتدون.. )) و هذا أوضح في تثبيت الله الأرض بالجبال .. و قد جعل الله العقول في ارض البنية البشرية كالجبال في ارض الكوكب ــ فهي لتثبيت البنية أيضا .. الجبال هي عقل المعاش .. و قد جاء التشريع ، و الرسول ، و القرآن ، من اجل تهذيب عقل المعاش ، و تطمينه من الخوف العنصري ، الذي هو الأب الشرعي لكل آفات السلوك.. و لقد جسد الرسول القرآن فعاشه في جميع حركاته ، و سكناته .. فتحرر من المخاوف التي يسوقها عقل المعاش ، فكان لا يخاف الرزق ، من أين يجيء ، و كان ينفق ما يزيد عن حاجته الحاضرة ، و كان يأخذ من الدنيا زاد الراكب ، وزهد في كل شيء عدا الله ، فتحرر من حب الادخار ، و حب السلطة، و حب التعالي على الناس، و من استرقاق العناصر إياه ، فاخلص عبوديته لله ( قل ان صلاتي ، و نسكي ، و محياي ، و مماتي ، لله رب العالمين، لا شريك له .. و بذلك أمرت و أنا أول المسلمين ..)) هكذا كان ، و نحن نرفع نموذجه للناس ليهذبوا عقول معاشهم ، و يفضوا إلى عقول معادهم علي نحو ما فعل..

26) ثم ان الذي لا يهذب ، بعبادته على المنهاج النبوي ـــ النموذج الحي ــ عقل معاشه ، فانه يحتاج إلى العقوبة لتسد ثغرات التربية التي لم تفلح فيها عبادته .. فان لم يتفق له ، بمحض الفضل ، هذا التهذيب بين العبادة ، و العقوبة ، فانه قد أضاع حياته الدنيا ، و ذهب لحياته الأخرى بغير زاد.. و الدنيا دار مسئولية ، و لكنها مؤجلة ، و الآخرة دار مسئولية ، و لكنها مباشرة ، و ناجزة ( و في الآخرة عذاب شديد ، و مغفرة من الله ، و رضوان .. و ما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور..)) فمن هذب عقل معاشه فجعله عقل معاد بممارسة العبادة وحدها ، أو بممارسة العبادة و العقوبة ، معا ، فقد ذهب إلى الله و له (( مغفرة من الله و رضوان )).. ومن أضاع فرصة مهلة الحياة الدنيا ، فله " فى الآخرة عذاب شديد " .. و يقول تعالي عن عقول المعاش التي لم تهذب في مهلة الحياة الدنيا (و يسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا * فيذرها قاعا صفصفا * لا تري فيها عوجا و لا امتا * يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له ، و خشعت الأصـوات للرحمــن ، فلا تسمـع إلا همسـا !!)).. و هم لا يتبعون الداعي إلا بعقل .. و هذا هو عقل المعاد ، و قد خلصهم الله ، بالعذاب الشديد ، من عقول معاشهم التي أهملوا تهذيبها في الحياة الدنيا .. و من نسف العقول ــ عقول المعاش ــ في الآخرة ، جاءت حكمة الرجم بالحجارة، حتى يتهشم الرأس، لمن يتورط في الزنا ، و هو محصن ، أي متزوج ، و قد سلفت له تجربة في معاشرة النساء .. فان كان غرا غير مجرب ــ بكرا ــ فانه يجلد مائة جلدة ، ليقوي الألم عقله ، حتى يسيطر علي نفسه ، حينما تتهالك علي اللذة الحرام .. فلسفة الألم تبدو معقولة في حق البكر، لأنه سيعيش ، بعد المائة جلده ، لينتفع ، في باقي حياته ، من التجربة .. و لكن ما بال المحصن الذي يفقد حياته بالرجم ؟! ما الذي أفاده ؟؟ سيدخل حياته الأخرى ، و هو مطهر ، قد نسف عقل معاشه هنا ، مما يغنيه عن نسفه في الآخرة .. و معلوم ان عذاب الدنيا قصير ، و نعيمها فان .. و عذاب الآخرة ابدي، و نعيمها سرمدي .. و لذلك فقد استيقن هذا أصحاب عقول المعاد ، فطلبوا ان يرجموا ليدخلوا حياتهم الأخرى مطهرين : ماعز ، و الغامدية ، اعترفا للنبي بالزنا ، و طلبا ان يطهرا ، و قد طهرا ..
و قال النبي الكريم عن الغامدية أنها قد تابت توبة لو قسمت علي أهل الأرض لوسعتهم ))

27) و عقل المعاش هو الذي يخيف الإنسان من الرزق ، من أين يجيْ؟؟ و يعده الفقر ، و يأمره بالسرقة ، فيسرق .. و لو كان عقل معاشه مهذبا ، حتى أفضى إلى عقــــل المعاد، لتحرر من خوف الرزق بعلمه ( ان الله هو الرزاق )) و بعلمه ( و علي الله فليتوكل المتوكلون )).. و هذا العلم هو الذي جعل النبي يدعوا ربه ( اللهم اجعل قوت آل محمد الكفاف )).. لم يكن يخاف ألا يرزقه الله الكفاف ، و لكنه كان يخاف الغني الذي يمد لعقل معاشه في الوهم .. و معلوم ان حاجة الله إلى العباد عقولهم ، و من اجل ذلك خلقهم في نشأة وسط ، لا هم بالأقوياء الذين يحلون مشاكلهم الحياتية بعضلاتهم ، فتتأخر عقولهم ، و لا هم بالضعاف ، الرخوين ، الذين لا يستطيعون ان ينهضوا لمطلق مناجزة ، او مصاولة .. هذه النشأة الوسط أعانتهم على حل مشاكلهم بعقولهم ، و بأيديهم ــ يخططون بعقولهم ، و ينفذون بأيديهم خططهم تلك فتتطور عقولهم في المراقي .. و السارق يهمل عقله ، و يحاول ان يــحل مشكلتـه بيده .. و لما كانت اليد وثيقة الصلة بالعقل فان حكمة الله اقتضت تعطيل اليد لينشــط العقل، أو قل : ليتهذب عقل المعاش .. و اكثر من هذا يقال عن قطع الطريق لأنــه محاربة للسلطان ، و إخافة للآمنين ، و سطو علي أموال الناس .. و الغرض ، وراء كل العقوبات ، هو تهذيب عقل المعاش عند المعاقب ، أو إرساله للحياة الأخرى و هو مطهر ، حين تبلغ العقوبة به اجتثاث حياته.. و إنما شدد في أمر الزنا للمحصن ، اكثر مما شدد علي السارق ، و قاطع الطريق ، لان الغريزة الجنسية هي الحياة كلها ، و لكن حب الملكية ليس غريزة ، و إنما هو التواء للغريزة ، سببه الخوف علي الرزق الذي يسوله وهم عقل المعاش .. أما حد السكر فهو ، كما سبقت إلى ذلك الإشارة ، اقل الحدود الخمسة انضباطا .. و هو إنما يقع علي السكر ، و ليس علي مجرد الشرب ، و الحكمة فيه ان الشارب إنما يهرب من واقعه لأنه لا يعجبه ، و يغرق عقله بالخمر ، ليعيش في دنيا من صنع خياله المريض ، و عقله المعطل بالخمر ، حتى ان شاعرهم قد قال :-
فإذا سكرت فإنني * * رب الخورنق و السدير
و إذا صحوت فإنني * * رب الشويهة و البعير

فهذا الهروب من الواقع حالة مرضية ، و المطلوب من العاقل ان يتواءم مع واقعه ، مع أعمال عقله لتغييره للصورة التي يطمح إليها .. فمن اجل كرامة الفكر جاءت العقوبة بالجلد ، حتى يرده الألم للواقع ، فانه ليس مع وقع الألم فرصة لخيال مريض .. و هكذا تصان مصلحة الفرد ، و مصلحة الجماعة ، فى آن معا ، مصلحة الفرد بتهذيب عقل المعاش .. و مصلحة الجماعة بجعل أحد أفرادها فردا منتجا ، و نافعا لمجتمعه .
28) هذه هي الحدود.. و هي شديدة الانضباط.. هي دستورية، في قمة الدستورية.. و لقد قلنا ان دستورية القوانين تعني مقدرتها علي التوفيق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة ، و حاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة .. و تلي الحدود في هذا المضمار قوانين القصاص.. و لقد قلنا ان القصاص يقوم علي المعاوضه ـ من اتلف شيئا عليه ان يصلحه ـ عليه ان يعوضه ـ و هي ، بمعني أوسع ، تقوم علي ان تعامل الناس بما تحب ان يعاملوك به .. و هذه قاعدة تربية عظيمة النفع للفرد ، و للمجتمع.. و لقد قلنا ان تشاريع الحدود يمكن ان تنطوي تحت كلمة القصاص ، بمعني المعاوضه ، ذلك بان الحدود أيضا معاوضه .. و قلنا ان الحدود اشد انضباطا من القصاص ، ذلك بان القصاص يمكن فيه العفو ، كما تمكن فيه الدية .. و لكن الحدود إذا بلغت الحاكم ، فليس فيها إلا إقامتها .. و القصاص إنما تجيء دستورية قوانينه من مقدرته علي الجمع بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة ، و حاجة المجتمع إلى العدالة الاجتماعية الشاملة .. فمثلا من قلع عين إنسان لا بد ان يكون ضعيف التصور لمبلغ الألم الذي يلحقه ، بقلع عين أخيه الإنسان ، لأخيه الإنسان .. قد يكون ضعف التصور ناتجا من غضب استولي عليه ، فأخرجه عــن طوره، و عطل عقله ، فلم يسيطر علي رعونة نفسه .. و قد يكون ضعف التصــور ناتجا من ضعف عقل المعتدي ، و من قصر خياله ، فرأت حكمة التشريع ان تضعه في موضع المعتدي عليه ، فتقلع عينه ، ليذوق الألم الذي قصر خياله عن تصوره .. هذه التجربة توقظ عقله ، و تخصب خياله ، و تحي ضميره ــ تورثه حياة حية ــ و لذلك فقد قال ، تبارك و تعالي ، عن القصاص ، و هو يشمل الحدود ، كما سلفت الإشارة ( و لكم في القصاص حياة ، يا أولى الألباب ، لعلكم تتقون ..))و يجب ان يكون واضحا ، فان الحدود ، و القصاص ، لا تقام الا علي خلفية من العدل ــ العدل الاقتصادي ، و العدل السياسي ، و العدل الاجتماعي ــ و إلا علي بعث للتربية بإحياء منهاج العبادة ، التي تعين الأفراد علي أنفسهم ، ثم لا تجيء العقوبة ، حين تجيء ، إلا لتسد ثغرات الممارسة في العبادة ، حتى يعان الفرد الذي قصرت به عبادته بالعقوبة ليبلغ مبلغ يقظة العقل ، و حياة الضمير ، و توقد الذهن.

Post: #458
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 03:05 PM
Parent: #457


من أوراق الأستاذ محمود محمد طه داخل معتقلات مايو (5)
كيف تطور دين التوحيد من خلال الصراع بين المجموعات البشرية عبر التاريخ ؟
د.محمد محمد الأمين عبد الرازق
أوضحنا في ما مضى من حلقات الفرق بين المستوى العلمي من الإسلام ، والمستوى العقائدي. وفي هذه الحلقة نحاول أن نمدد البحث في اتجاه دراسة جذور الاعتقاد من حيث هو .. عندما برز الإنسان الأول وجد نفسه في البيئة الطبيعية ، وكان مجال الاعتقاد أمامه واسعاً إذ أنه ضعيف العقل في تلك المرحلة ، فاعتقد في كل شيء .. ومن خلال الصراع مع العناصر والأحياء ، أخذ عقله ينمو بإضطراد ، فتدخل مناطق كانت في مجال الاعتقاد منطقة العلم فتفقد رهبتها وبريقها .. وهكذا تحرك الإنسان في اتجاه المعرفة على حساب الاعتقادات التي تتضح سذاجتها مع الأيام .. والحقيقة أن المعاناة والثمن الذي دفعته البشرية في سبيل تطورها ، من دمائها وعرفها ودموعها ، يعجز الإنسان المعاصر عن أن يتصوره إلا إذا عكف على قراءة تاريخ النفس من داخله باتباع المنهاج العلمي في الإسلام .. وفي مرحلة معينة من نمو العقل اعتقد الإنسان في الحياة الأخرى من خلال الأحلام التي يراها وهو نائم ، فكان يرى أخوته الذين ماتوا يمارسون أعمالهم تشبه ما يقوم به هو في هذه الحياة الدنيا ، فقام في خلده أن الشخص الميت لا بد أنه محتاج لمن يساعده من أفراد أسرته الذين تركهم في هذه الحياة وذهب منفرداً .. من هذا الشعور جاء الاتجاه إلى دفن الزوجة والعمال والأدوات .. الخ ، مع الميت .. وفي مقبرة واحدة لأحد ملوك العهد القديم بالدفوفة بكرمة شمال السودان ، وجد أن هذا الملك قد دفن معه في آن واحد 49 رجل و46 امرأة!! مات هو موتاً طبيعياً ، وماتوا هم اختناقاً عندما انهالت عليهم التراب .. والسبب في هذه العملية البشعة أن هذا الملك سيحتاج إليهم في حياته الأخرى كما كان الحال في الدنيا !! وقبل شهور استمعت إلى ضابط شرطة ، كان يحكي في برنامج إذاعي ، عن تجربته في البحث عن الجاني في جريمة قتل بجنوب كردفان .. وقال أنه اضطر من أجل التحقيق إلى نشر بعض المقابر ، ففوجئ في أحدهما بكمية من العفش ، شنط وأدوات ولكنه لم يجد بشر ، فكأن التطور قد أحدث تقدم في التعامل وفق هذا الاعتقاد القديم لمصلحة أسرة الميت .. بعد تطور طويل وبطئ ، ظهرت ديانات التوحيد ، وتطورت المعرفة ، وبذلك زالت كثير من الاعتقادات الساذجة ، ويمكن إدراج ظاهرة عروس النيل في مصر التي أبطلها عمر بن الخطاب كمثال هنا .. ثم اعتقد الناس في الأنبياء ، والصالحين يطيعونهم ويعتقدون أنهم مصدر السعادة في الدنيا والآخرة .. فتكونت العقائد المختلفة وقال عنها القرآن (كل حزب بما لديهم فرحون) ، بالرغم من أن جميع هذه العقائد إنما تنبع من مصدر واحد هو التوحيد بنص القرآن: (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك ، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب) .. والسبب في هذا التفرق هو ضعف قدرة الناس على أخذ جانب العلم بدرجة تفوق جانب العقيدة ، أو تحول العقيدة إلى عقيدة علمية ..
هذا وفي توضيح معنى أن الاعتقاد الذي تكون ثمرته دفع الإنسان نحو العلم يكون اعتقاداً مقبولاً إلى حين ، جاء في كتاب (أسئلة وأجوبة – الثاني الأستاذ محمود محمد طه) ما يلي في الرد على سائل:
(وأنت تقول: "ولكننا مع توفير المعارف والعلوم لا نزال نبحث عن مرفأ ترسو فيه مراكبنا التي أضناها المسير" .. وهذا حق يعرفه كل ذكي يقلب الطرف فيما حوله من حالة القافلة البشرية ، وأنت تقول: "نحن في حاجة لعقيدة نهائية نعرفها ، ونهضمها ونتمرس بها ، ونختبرها لتصبح لنا ذلك المرفأ الذي ترسو عليه مراكبنا" .. وأنا على ذلك موافق بشرط واحد: هو أن تكون العقيدة مقدمة للمعرفة ، نحن نتوكأ على العقيدة ريثما نعرف ما نقصده معرفة اليقين .. إلى أن يقول: فالعقيدة مرفأ من عواصف الحيرة ودياجير الشك ما في ذلك ريب ، ولكن العقل البشري المعاصر ، لا يريد العقيدة إلا متوكئ يبلغ بها مشارف العلم ومنازل اليقين ، وكلما استيقن العقل من مرحلة طالعته مرحلة جديدة لا يسعه منها إلا الاعتقاد ، ريثما تتكشف له معمياتها ، وتدخل بذلك في مرحلة العلم فتطير له في الأفق البعيد مرحلة جديدة لا يسعها إلا العقيدة وهكذا دواليك) انتهى ..
إذن تكتسب العقيدة المعينة الاحترام وتستحق البقاء إذا كانت فعالة في تعليم معتقديها وفي زيادة معرفتهم .. وفي هذا الإطار يمكن للإنسان أن يتفهم القبول الصامت لاعتقادات التلاميذ في العارفين من قيادات الطرق لصوفية في السودان وفي من سار على دربهم .. إذ أن التغيير المباشر في غير ميقاته قد يفقد المعتقد توازنه فيهتز سلوكه فيتعرض لانحرافات نتيجة لقصوره ونقصان معرفته ، ولذلك فإن مثل هذا التغيير لا يعتبر صحيحاً بموازين التسليك والتربية .. وفي أغلب الأحوال يترك التصحيح لله رب العالمين ، فهو الذي يوجه مسيرة البشرية من مرحلة إلى مرحلة ..
وقد ورد في الحديث أن النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم قال: (بينما أنا على الصراط إذا بأناس من أمتي يوضعون ذات الشمال ، فأقول: أصحابي أصحابي !! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك .. فلا أقول إلا كما قال العبد الصالح: وكنت عليه شهيداً مادمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد) .. يعني أنهم انحرفوا عندما غاب عنهم جسدياً وذلك لأنهم اعتقدوا فيه هو أكبر من اعتقادهم في الله ، (إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير) .. وتحضرني هنا عبارة أحد الأصحاب: ما كنا ننفض أيدينا من تراب قبر رسول الله حتى أنكرنا قلوبنا..
الشاهد في الأمر أن حركة البشرية سائرة في اتجاه الاعتقاد في الله وحده وانتظار مجيئه بالعمل برسالته وفق شريعته وحقيقته ، وليس على الانتظار السلبي بلا عمل .. والدعوة إلى الله بهذا المفهوم هي موضوع رسالة الإسلام في مستواه العلمي .. والمقصود بالانتظار السلبي هو ترك الأمور تسير بغير فكر يهدي التطور انتظاراً لموعود آخر يرجى منه أن يقوم بهذا الدور ، أو بحجب الفكر عن قصد لأي سبب من الأسباب .. والانتظار السلبي بهذا المعنى كان يحدث عبر التاريخ بسبب الغياب الحسي للقيادات ، ولما كان الله حي لا يموت فلن تكون هناك فرصة توقف لمن يحمل نفسه في اتجاه هذا المستوى من الاعتماد على الله وحده بمسئولية .. وكل الأحاديث التي بثها الأستاذ محمود محمد طه في تلاميذه خاصة في الأيام الأخيرة قبيل الإعدام ، كانت تدفع الناس نحو الله ، وكمثال: (انتو في الأيام المقبلة راح تشعروا بالحاجة لله أكثر مما شعرتم بها في أي وقت .. المسألة الراح تحوجكم لله هي لخيركم ما في أدنى شك .. وأنا مستبشر للمسألة دي .. نحن في منعطف جديد تماماً لازم الناس يأخدوه بالجد اللازم والعمل اللازم) .. وهل أذيع سراً إذا قلت أن السبب المباشر في توقف النشاط المذهل الذي كنا نقوم به نحن الأخوان الجمهوريين هو غياب مرشدنا الحسي بسبب تنفيذ الإعدام ؟ ولكننا نقول بقوة إن العلم الذي طرحته الفكرة الجمهورية ، والتربية التي أرسى دعائمها مؤسسها لا يزالان يعملان بفعالية في تحريك التلاميذ نحو الالتصاق بالله ، فالحياة الممدودة من الله تنمو كما ينمو الكتكوت داخل البيضة ، ولن تنفك مستمرة في النمو حتى تكتمل وتخرج للناس في العلن بأقوى مما كانت في الماضي ..
من جانب آخر ، لقد سارت البشرية في اتجاه التوحيد بأساليب كثيرة متنوعة ، من التعدد إلى الوحدة ، يقودها الاعتقاد من مرحلة إلى مرحلة ، فتتجمع اعتقادات كثيرة في عقيدة واحدة بفعل الصراعات والحروب ، وذلك لأن الإنسان عندما يلح عليه الجانب العملي في حياته ، فإنه يبدل عقيدته بعقيدة أخرى يراها أكثر كفاءة في حفظ حياته وتنميتها .. فلنستمع إذن إلى الأستاذ محمود يحدثنا بشيء من التفصيل عن تلك المسيرة الطويلة في (ديباجة الدستور):
29) ان الفرد البشري اليوم وارث لكل حياة الجنس البشري، منذ النشأة ، فهو يعيد كل هذه الحياة ، منذ حياة حيوان الخلية الواحدة ، بين الماء و الطين . و لكن في رحم الأم هو يطوي هذه المراحل بسرعة شديدة لأنها موجودة فيه بالإمكان فهى تفـــر نفسها ، بمحض الفضل الإلهي ، في تسعة اشهر و بضعة أيام .. قال تعالي( و لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين *ثم جعلناه نطفة في قرار مكين..)) فأما القرار المكين هنا فإنما هو رحم الأم .. و أما النطفة هنا فإنما هي ماء الرجل المختلط ببويضة الانثي.. و لقد طوي ،تبارك و تعالي ، في عبارة(( من سلالة من طين )) تطور الحياة ، منذ نشأت ، بين الماء و الطين ، و إلى ان بلغت مرتبة البشرية قال تعالي ( هل أتي علي الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * انا خلقنا الإنسان من نطفة ، امشاج نبتليه ، فجعلناه سميعا بصيرا* انا هديناه السبيل ، إما شاكرا، و إما كفورا..)) فالنطفة الامشاج هنا إنما هي الماء المختلط بالطين .. و هذا مما طوي في عبارة (( من سلالة من طين)) .. فالفرد البشري اليوم، في الرحم، يعيش كل هذه الأطوار ، التي استغرقت دهرا دهيرا ، في تسعة اشهر ، و بضعة أيام ، و ذلك بمحض الفضل الإلهي . و لقد حفز الخوف الرهيب الحياة في المراقي ، حتي بلغت طورها الحاضر ، ببروز البشر المعاصرين .. و لقد طويت الإشارة إلى الخوف الرهيب الذي حفز الحياة في مراقيها في عبارة (( نبتليه)) .. و لقد طويت المراقي في عبارة (( فجعلناه سميعا بصيرا)) .. و في آيات النشأة البشرية يقول تبارك و تعالي ( و لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين* ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة ، فخلقنا العلقة مضغة ، فخلقنا المضغة عظاما ، فكسونا العظام لحما ، ثم أنشأناه خلقا آخر ، فتبارك الله أحسن الخالقين)) فهذه ست حركات يطوي فيها الكائن البشري ، في رحم الأم ، كحيوان منوي ، جميع مراحل الحياة ، منذ فجر الحياة ، من لدن الماء ، و الطين .. و في الحركة السابعة (( ثم أنشأناه خلقا آخر )) يدخل الكائن البشري ، و هو في رحم الأم : مرتبة البشرية ، ثم يخرج إلى الحياة طفلا بشرا سويا!! (( فتبارك الله أحسن الخالقين )) ثم هو، منذ ان يولد ، يسير سيرة الفرد البشري الأول الذي اضطر ، اضطرارا، ليعيش في مجتمع ، و كذلك هدي إلى اختراع المجتمع ، منذ ذلك الوقت المبكر .. ثم هو لم يخترعه إلا بعد ان تنازل اضطرارا عن بعض حريته ، ليستمتع بباقيها .. و هذا هو الشأن إلى يومنا الحاضر ، حيث تقيد حريات أفراد المجتمع بما لا يتعدي علي حريات الآخرين.. و كلما ترقت المجتمعات ، كلما قللت من القيود علي الأفراد . و من هذا الاتجاه نشأت الديمقراطية ، و نشأت الدساتير ، و نشأت القوانين الدستورية.. و لقد قلنا ، و نقول مرة أخري ، ان القوانين الدستورية هي تلك التي تملك القدرة علي التوفيق، في آن معا ، بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة ، و حاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة .. و لقد قررنا ، فيما سلف ، ان القوانين التي اخذت بداياتها من الأعراف البسيطة ، الساذجة ، البدائية، التى حولها نشأ المجتمع ، بتقييد ، ، قد كانت دستورية بهذا المعني الوارد أعلاه ..
نقول هذا مع ان العقوبات التي كانت تترتب علي مخالفات هذه الأعراف قد كانت عنيفة ، اشد العنف ، و أفظعه .. و لكنها ، مع ذلك ، قد كانت حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة .. و لكنها فقط في نقطة البداية ، حيث نشأة العقل ، الذي يقيد نزوة الحيوان فينا .. و لو لا نشأة العقل لما دخلنا مرتبة البشرية .. و لو لا العقل أيضا لما كان هناك طموح منا لنبلغ مبلغ الحرية الفردية المطلقة ، منذ اليوم ، و في أيامنا المقبلة .. و هي أيضا قد كانت ، و بنفس القدر ، حاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة ، التي نحلم بها نحن ، منذ اليوم ، و نترقب بلوغها ، في أيامنا المقبلة .. ان النهايات ظاهرة في البدايات.. و لكن ظهورها يحتاج منـا إلى أعمـال فكر.. ان المعلم واحد ـــ الله ..

30) و الآن فان الفرد البشري يولد أنانيا ، فهو لا يري ان هناك غيره ، بل انه يري انه يجب ان ينفرد بنيل ما يريد .. ثم هو يأخذ في التعلم ، قليلا ، قليلا ، حتى يقيد رغبته برغبة المجتمع من حوله .. و كلما نما ، كلما علم ، ان حريته مقيدة بحرية الآخرين.. ثم هو ، إذا بلغ سن الرشد ، اصبح واضحا أمامه وجوب تقييد نزواته ، وفق العرف ، و القانون ، و إلا فانه يتعرض للعقوبة التي تعرض لها الفرد البشري ، في أول النشأة ، مع الاختلاف طبعا ، في عنف العقوبة بين الأمس، و اليوم، و ذلك بفضل الله ، ثم بفضل تطور المجتمع ، فالفرد البشري اليوم مولود و هو وارث لتجارب الحياة منذ بدايتها.. ووارث للكبت الذي فرضته الحياة ، في المجتمع ، علي الفرد البشري ، منذ بروز البشر من مستوي الحيوان .. ثم ان علي الفرد البشري بالإضافة للكبت الموروث ، ان يمارس كبتا مكتسبا في حياته بين الميلاد و الوفاة .. و لقد كان الكبت دائما بفعل الخوف ، و لكن الخوف يقل ، و يقظة الضمير تزيد ، كلما اقتربنا من عهد كمال الحياة البشرية علي هذا الكوكب الذي نعيش فيه ، و لقد كان الخوف صديقا ، حيث به برزت العقول من الأجساد ، و لكنه لا بد من التحرر من الخوف من اجل كمال العقول و كمال الاجساد.. لقد كان الخوف صديقا في بداية النشأة ، و لكنه قد أصبح عدوا منذ اليوم ، حيث أقبلت الحياة البشرية علي عهد كمالها .. لقد سار الفرد البشري من مستوي الحيوان إلى مستوي البشر ، بفضل الله ، ثم بفضل الكبت ، الذي به انقسم علي نفسه و سيسير من مستوي البشر إلى مستوي الإنسان ، بفضل الله ، ثم بفضل فضّ الكبت ، حيث تتوحد البنية التي انقسمت بفعل الكبت .. ان جميع عصور البشرية ، و إلى اليوم ، قد تطورت فيها البنية البشرية و هي منقسمة علي نفسها .. و هذا ما أسميناه مرحلة ( الجسد و العقل المتنازعين)).. و ستدخل البشرية مرحلة كمالها منذ اليوم ، و ذلك بفض الكبت ، الموروث ، و المكتسب ، حيث تجيء مرحلة ( الجسد و العقل المتسقين)).. و يومئذ تدخل البشرية الحاضرة مرحلة الإنسانية ، حيث تتم وحدة البنية البشرية ، التي عاشت منقسمة علي نفسها طوال تاريخها الطويل .. و لا يجيء فض الكبت فجأة ، و بغير فكر يهدي التطور ، كما يظن الماديون ، حيث يتحدثون عن تحرير الغرائز ، و هم لا يعلمون ما يقولون.. لا بد للفرد اليوم ، من اجل تطوره في مضمار وحدة بنيته ، من الكبت ، المجود ، الواعي ، ليستطيع ، بعد تجويد الكبت ، ان يدخل مرحلة فضّ الكبت ، بعلم ، و بذكاء .. ان الكبت المكتسب يجب ان يجيء من قناعة ، و من يقظة ضمير ، و من توقد ذهن ، و من علم بأصل البيئة ، التي نعيش فيهاــ البيئة الطبيعية ، و البيئة الاجتماعية ــ لا ان يجيء من الخوف الذي سلط علي أوائلنا من جراء الجهل .. لقد كان الخوف كما قررنا ــ صديقا لأوائلنا ، و لكنه ، منذ اليوم ، هو عدونا ، و يجب بفضل الله ، ثم بفضل العلم الجديد بأصل البيئة الطبيعية ، و الاجتماعية ، ان نتحرر منه . و في مضمار التحرر من الخوف يجيء فض الكبت ..

31)لقد انصب الكبت في أول نشأة المجتمع ، كما سبق ان قررنا ، علي القوة الجنسية ، و علي حب التملك.. و اليوم فان الكبت يجب ان ينصب عليهما معا و لكن بعلم ، و بقناعة ، لا بخوف العقوبة من المجتمع .. و لما كان في المرحلة لا بد من مستوي من الخوف ، من اجل التحرر من الخوف ، فقد وجب توحيد الخوف في مصدر واحد ، ريثما يتم التحرر نهائيا من الخوف .. هذا المصدر الواحد إنما هو المعلم الواحد ، الذي سير الحياة ، من بدايات المادة ، في المراقي نحو الكمال .. لقد قلنا لأن المعلم واحد فان النهايات ظاهرة في البدايات ، و لكن ظهورها يحتاج منا إلى أعمال فكر.. و الآن فانا نقرر ان دين التوحيد قد كان ظاهرا في دين التعدد ، منذ نشأة الدين ، عند الفرد البشري ، قبل نشأة المجتمع.. فقد كان لكل فرد في الأسرة آلها ــ للأب، و للأم ، و للأبناء البالغين ، و لغير البالغين ــ و لكن آلهتهم جميعا تخضع لإله الأب، كما يخضعون هم جميعا له .. ثم ان الأسرة الواحدة قد نشأت منها اسر جماعة ، ترجع إلى رجل واحد ، هو جدها .. و لهذه الأسر العديدة رجل حكيم، يأتمرون بأمره ، و يذعنون لحكمته ، ولإلهه تذعن آلهتهم ، كما يذعنون هم له.. و هكذا سار التوحيد .. رجل حكيم ، و ذكي ، يذعن له رجال قبيلته، و نساؤها ، و لإلهه تذعن آلهة رجال قبيلته ، و نسائها.. ثم ان القبائل تحترب ،
فيما بينها ، فتغلب قبيلة قبيلة ، فتذعن القبيلة المغلوبة للقبيلة الغالبة ، و تذعن آلهة القبيلة المغلوبة لآلهة القبيلة الغالبة ..
و هكذا سار التوحيد .. ثم جاء عهد الملوك فتوجت القبائل شيوخها ملوكا عليها ، ليحموها و ليقودوها إلى النصر علي أعدائها الذين ينازعونها الأرض ، و ينازعونها المرعي ، و ينازعونها الماء ، و يشنون عليها الغارات ..
فإذا انتصرت قبيلة ، بقيادة ملكها ، علي قبيلة أخرى ، بقيادة ملكها ، فان الملك المغلوب يذعن للملك الغالب، و تذعن قبيلته معه ، و تذعن آلهته للآلهة الجديدة ، و يتوحد الملك بين القبيلتين ، و يتوحد الدين .. و هكذا يسير التوحيد .. ثم تطور عهد الملوك : من ملوك القبائل الرحل ، إلى ملوك المدن المسّورة ، المحصنة بالقلاع ، و تطورت ، مع تطور الملوك الآلهة .. و تطورت الممالك ، من ممالك المدن ، إلى ممالك الدول الكبيرة .. و تطورت الآلهة أيضا حتى جاء عهد الملوك الذين كانوا يرون أنفسهم آلهة ، و الملوك الذين كانوا يرون أنفسهم أبناء الآلهة ، و الملوك الذين كانوا يرون أنفسهم ظلالا للآلهة ، و الملوك الذين كانوا يرون أنفسهم ظلالا لإله واحد.. هكذا يسير التوحيد .. و لقد جاء دين التوحيد ، من السماء باتصال الملك جبريل بالبشر المرسلين لتعليم الناس التوحيد ، منذ آدم ، أبو البشر الحاضرين، و ذلك عهد بعيد ، ممعن في البعد، و لكن دائرة دين التوحيد بهذا المستوي ــ مستوي رسالات السماء ــ قد كانت ضيقة .. و في أثناء ذلك لقد خدم عهد الملوك دين التوحيد خدمة جلي ..

32)و جاء مؤخرا الملوك الموحدين ( ألم تر إلى الملأ من بني إسرائيل ، من بعد موسى ، إذ قالوا لنبي لهم : ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله .. قال هل عسيتم ان كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا ؟؟ قالوا : و مالنا ألاّ نقاتل في سبيل الله ، و قد أخرجنا من ديارنا ، و أبنائنا .. فلما كتب عليهم القتال تولوا ، إلا قليلا منهم .. و الله عليم بالظالمين * و قال لهم نبيهم : ان الله قد بعث لكم طالوت ملكا.. قالوا : أنّي يكون له الملك علينا ، و نحن أحق بالملك منه ، و لم يؤت سعة من المال ؟؟ قال: إن الله اصطفاه عليكم ، و زاده بسطة ، في العلم ، و الجسم ، و الله يؤتي ملكه من يشاء ، و الله واسع عليم ..)) و كان في جند طالوت داوؤد.. و يقص الله علينا من خبرهم ( و لما برزوا لجالوت ، و جنوده قالوا : ربنا افرغ علينا صبرا ، و ثبت أقدامنا ، و انصرنا علي القوم الكافرين * فهزموهم ، بإذن الله ، و قتل داوؤد جالوت ، و آتاه الله الملك ، و الحكمة ، و علمه مما يشاء .. و لو لا دفع الله الناس ، بعضهم ببعض ، لفسدت الأرض .. و لكن الله ذو فضل علي العالمين ..)) و خلف داوؤد سليمان ابنه، فكان ملكا رسولا.. و انتصر سليمان علي بلقيس ، ملكة سبأ ، فجاءت مذعنة ( قالت : رب اني ظلمت نفسي ، و أسلمت مع سليمان لله رب العالمين..)) و كانت هي ، و قومها ، يعبدون الشمس ، فتحولوا لما هزموا ، إلى دين التوحيد .. و هكذا يسير التوحيد .. و استمر عهد الملوك.. و لماء جاء المسيح ، ابن مريم ، نبيا عبدا ، رفضه اليهود ، لأنهم كانوا ينتظرونه نبيا ملكا .. و لقد جاء نبينا ، فخير ان يكون نبيا ملكا ، أو نبيا عبدا ، فاختار ان يكون نبيا عبدا .. فانتصر بذلك للمستضعفين ، في الأرض ، و بدأ عهد الجمهورية ، من يومئذ ، يدال له من عهد الملكية .. و لكن ، لما كان الوقت لا يزال مبكرا لمجيء عهد الجمهورية ، مجيئا عمليا ، فقد قال نبينا ( الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم تصير ملكا عضوضا .. )) و هكذا كانت ، علي عهد معاوية ، و إلى وقت قريب ، و في بعض البلاد الإسلامية ، إلى يومنا الحاضر .. و بالثورة الفرنسية ، في القرن الثامن عشر ، بدأ عهد الجمهوررية بصورة ، عملية ، و جريئة .. ثم جاءت الحرب العالمية الثانية ، و بنهايتها اتسع النظام الجمهوري ، و تقلص النظام الملكي ، في كل الأرض .. لقد جاء عهد الشعوب ، و بدأ التاريخ يكتب من جديد و هكذا يسير التوحيد ..

33) و الآن فان التوحيد قد بلغ مستوي طيبا جدا يسمح بتطور جديد في مستوي الحياة البشرية به تدخل عهد الإنسانية ، الذي ظلت ترقبه ، و تحلم به ــ أو بالأحرى يحلم به طلائعها من أنبياء الحقيقة . و لقد رأينا كيف ان العلم المادي ، بانفلاق الذرة، قد رد الوجود كله إلى اصل واحد ، معلوم الخصائص ، مجهول الكنه .. اصل واحد هو قوة ـــ هو طاقة ـــ تدفع ،و تجذب، في الفضاء.. و لقد اخترنا الحديث عن خط تطوير السلاح ، من السلاح الحجري ، إلى السلاح النووي، لان الحروب تحفز علي التطوير اكثر مما يحفز السلام .. و إلى اليوم ، فان الدول ، ميزانياتها ، تكاد تكون مفتوحة ، لتمويل البحوث العلمية التي تطور الأسلحة الرهيبة ، ذلك بان السلام اليوم إنما يقوم علي الخوف من الحرب بهذه الأسلحة الرهيبة ، التي معها لن يكون هناك منتصر، و منهزم ، كما كانت الحالة بالأسلحة التقليدية ، و إنما هو الدمار لكل الحياة .. و بفضل حوافز الحرب جاء تطوير العلم المادي التجريبي للحياة المعاصرة ، من جميع وجوهها .. ثم أننا رأينا كيف سار توأم العلم المادي التجريبي ــ الدين ــ من التعدد أيضا إلى التوحيد .. لقد كان هناك في بدء المسيرة آلهة كثيرة ــ آلهة بعد البشر ــ و لكن بعض الآلهة مهيمن علي بعضها ، هيمنة البشر ، بعضهم علي بعض .. و لقد جاءت أديان التوحيد جميعها تحارب آلهة الأصنام ، و آلهة العناصر ، و الأجرام ، و آلهة الملوك ، أمثال فرعون ( فحشر فنادي * فقال انا ربكم الأعلي..)) حتي تم لها النصر ، من حيث التنظير بنزول القرآن .. و عندما جاء النبي الكريم بالقرآن في مكة كان في الكعبة ، بيت الله الذي بناه أبو الأنبياء ، إبراهيم ، لعبادة الله وحده ، نحو ثلاثمائة و ستين صنما .. فقال يأيها الناس قولوا :” لا إله إلا الله" تفلحوا!! فقالوا فيما حكي عنهم القرآن ( أجعل الآلهة إلها واحدا ؟؟ ان هذا لشي عجاب !!)) و لقد جاء جميع الأنبياء ، و الرسل ، بقولة " لا إله إلا الله “.. اللفظ واحد ، و التحصيل ، في الصدور، يختلف ــ المعنـي يتفاوت .. في جميع العصور كانت (( لا إله إلا الله )) تعني ان جميع الآلهة باطلة ، إلا إلها واحدا ، هو الله .. (( لا معبود بحق إلا الله )).. هذا معني (( لا إله إلا الله)) عندنا، نحن المسلمين ، في القرن السابع .. ذلك بأنه قد كانت هناك آلهة أصناما حسية ، فكان هذا المعني يناسب ذلك الطور ، من أطوار المجتمع البشري.. أما اليوم فان التوحيد ، بمحض الفضل الإلهي ، قد ارتفع إلى قامة جديدة ، تناسب مجتمع القرن العشرين ، الذي طور العلم المادي التجريبي ، حتي رد المادة كلها إلى اصل واحد، و حتي بفضل الله، علينا و علي الناس ، طور الآلة في مضمار القوة ، و السرعة ، و الكفاءة ، إلى الحد الذى الغي، أو كاد ان يلغي ، الزمان ، و المكان .. فوحد بذلك هذا الكوكب الذي نعيش فيه .. ان البشرية اليوم لا تعبد أصناما حسية، كما كان يفعل الناس ، في القرن السابع ، و لكنها ، مع ذلك ، تعبد أصناما معنوية ، لها عليها سلطان ، اقوي من سلطان الأصنام الحسية علي عبادها الذين ظلوا لها عاكفين...

Post: #459
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 03:07 PM
Parent: #458


الحلقة السادسة
من أوراق الأستاذ/ محمود محمد طه داخل معتقلات مايو (6)
الهوية في ظل الحكم الدستوري تعني الانتماء للوطن المعين أو (الجنسية)
د. محمد محمد الأمين عبد الرازق

لقد مرت مسيرة تطور الإنسان بمراحل عديدة يخطؤها الحصر ، ويمكن تلخيصها في ثلاثة مراحل رئيسية: مرحلة الجسد الصرف ، مرحلة الجسد والعقل المتنازعين ثم مرحلة الجسد والعقل المتسقين .. الجسد الصرف هي مرحلة الحيوان ، والجسد والعقل المتنازعين هي مرحلة البشرية الحاضرة ، أما مرحلة الجسد والعقل المتسقين فلا تزال أمامنا وهي مرحلة الإنسانية فيها تكون الحياة البشرية شيئاً جديداً لدرجة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطرت بقلب بشر .. المهم بالنسبة لنا المرحلة التي نحن فها وهي مرحلة الجسد والعقل المتنازعين ، وهي تتبع في عمومها لمرحلة الحيوان إذ أن الحيوان لا تشير إلى الحيوان الأعجم وحده ، وإنما تعني أيضاً البشر الذين لا يختلف سلوكهم كثيراً عن الحيوان.
إن مرحلة الجسد والعقل المتنازعين بدأت بظهور العقل في المسرح ، وقد نمت القدرة على التفكير تدريجياً ، يغذيها الصراع مع البيئة الطبيعية ومع الأحياء .. ولما كان الفكر ضعيفاً ، في مراحله الأولى ، فقد وظف توظيفاً يكاد يكون تاماً في خدمة دوافع الجسد ومطالبه المادية ، أي عقل معاش .. وكان من الصعب على الفرد أن يضبط استرساله في الاستجابة لمطالب الجسد إلا إذا اضطر اضطراراً على ضرورة ماثلة لا يمكن تجاوزها .. لقد كانت حركة الفكر مزعجة للفرد البشري ، وكان باستمرار يحاول طرد الفكر الوافد الجديد هذا ، لكي تنساب الحياة كالحيوان من غير ضابط ، ولذلك فقد شهدت هذه المرحلة شرب الخمر بصورة مكثفة لفعاليتها في تغييب العقل وإبعاده عن الواقع .. ويمكن من هنا أن يلتمس الإنسان السبب في التدرج خطوة خطوة الذي اتخذه الإسلام في تحريم الخمر ، والسبب في جعل عقوبتها حداً أيضاً .. وفي بدايات هذه المرحلة التي نحن فيها الآن ، كانت المجموعات البشرية تتعرض للانقراض الحسي بسبب فشلها الاستجابة لدواعي التطور .. والقرآن ملئ بالقصص التي تحكي عن وسائل ذلك الانقراض ، كقوم عاد أو نوح مثلاً .. هذا الأسلوب قد خدم غرضه حتى استنفده ، وصارت البشرية تهتدي بالصراع الاجتماعي .. وفي إشارة لهذا المعنى قال النبي الكريم أنه سأل الله أن يرفع سخطه عن أمته فأجاب ، ثم سأله عن أن يرفع عنهم بأسهم بينهم فأبى ولذلك قال تعالى: (ولو لا دفع الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض).. ولا يزال الصراع الاجتماعي هو الأساس في تنمية الحياة البشرية ودفعها إلى الأمام ، وفي كل خطوة يقل الصراع الجسدي بالحرب ويحل محله التفاوض وهكذا تطور الحياة إلى أن يكون الفكر وحده سيد الموقف ..
إن الصراع العنيف في الحروب ، والنزاع على الأرض والمرعى الذي كان سائداً ، ولا يزال بصورة من الصور ، دفع البشرية لأن تتكتل في شكل مجموعات تربطها أواصر الدم ، فبرزت القبيلة والعنصرية .. وعندما جاءت أديان التوحيد فإن الدعوة كانت إلى تجميع تلك العناصر في عقيدة واحدة ، فجاءت العقائد المختلفة .. وفي اليهودية كأول دين كتابي كانت الصورة غير مفهومة فقد اعتبروا أن الدين اليهودي خاص بهم كعنصر ، والى الآن فإن من يدخل في اليهودية من غير اليهود يعتبر متدين يهودي من الدرجة الثانية ، لأنهم هم شعب الله المختار .. والعقيدة أضعفت العنصرية في الأديان اللاحقة كالمسيحية والإسلام ، فهي تطور عليها ولكنها لم تلغها ، فقد كان المتدينون يضربون بهذه العقائد عرض الحائط ويركنون إلى عناصرهم متى ما ضغطتهم الظروف ..
هذه الخلفية تقودنا إلى الحديث عن أوضاعنا في السودان .. فقد برزت من خلال الصراع المسلح بين الشمال والجنوب الاتجاهات إلى تحديد هوية السودان .. فمن الناس من يقول أن هوية السودان عربية ، ومنهم من يذهب في الاتجاه المضاد ويقول أن السودان أفريقي .. والذين في قلوبهم حنين إلى الدين يحاولون أن يبحثوا عن هوية من الإسلام ، لكنهم يصطدمون بالفهم العقائدي في الشريعة الذي يفرق بين الناس على أساس العقيدة والجنس .. ولذلك فإن اتجاه الواقع العملي الضاغط دفع المواطنين جميعاً على اختلاف معتقداتهم أن يقولوا أن الهوية هي السودان في محاولة للقفز فوق هذه الأسلاك الشائكة من المفاهيم القديمة ..
إن من يقول أن هوية السودان عربية أو أفريقية ، لا يستند على حقائق من الواقع ، فالسودانيون لا هم عرب ولا هم أفارقة ، وإنما هم مزيج بين ذلك .. وقد وصف الشاعر إسماعيل حسن حال السودانيين بدقة حين قال: (عرب ممزوجة بي دم الزنوج الحارة ديل أهلي .. ديل قبيلتي لمن أدور أفصل للبدور فصلي) .. العرب لم يكن لهم وزن في التاريخ كعرب ، وإنما أتاهم الوزن والقيمة من الإسلام ، وكذلك وحد الإسلام اللغة وهذبها على لغة قريش ..ومن يدعو إلى العروبة كما فعلت القومية العربية ، كأنه يقول العروبة كعنصر تجمع العرب والإسلام كفكر يفرق ، وهذا خطأ فادح وقع فيه دعاة القومية العربية .. فهم حتى النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم يسمونه (الثائر العربي) .. أما الأسماء العامة جميعها ينسبونها إلى العروبة: النادي العربي ، المكتبة العربية .. الخ .. وعلى عهد جمال عبد الناصر (الجمهورية العربية المتحدة) عندما توحدت مصر وسوريا على العروبة .. ولا عبرة بمن يطورون القومية لتقوم على أساس وحدة التاريخ واللغة ، فإن الأمم قد تجاوزت ذلك أيضاً إذ أن المهم ما هي القيمة الإنسانية التي أنجزها ذلك التاريخ؟ ..
الإسلام في جميع مستوياته يقف بصورة حاسمة ضد العنصرية ، قال تعالى: (يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) .. قوله (شعوباً وقبائل) إشارة إلى العناصر المختلفة من البشر ، وقوله (لتعارفوا) يعني لتقيموا علاقات بينكم تنقلكم من العنصرية إلى القيمة الإنسانية والكرامة عند الله المعبر عنها بعبارة (اتقاكم) لأنه (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى) .. وفي هذا الاتجاه جاء الحديث النبوي: (لا يأتيني الناس يوم القيامة بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم) ومن أجل تخفيف ضغوط العنصرية جاء الحديث النبوي في اختيار الزوجة: (اغتربوا لا تضووا) يعني ابتعدوا عن عناصركم لتتفاعلوا مع عناصر أخرى فتقوى فيكم الإنسانية وتضعف العنصرية .. هذا وقد حدد الفقهاء شروط الكفاءة في الزواج بستة أمور: الإسلام ، الدين ، النسب ، الحرية ، الحرفة والمال .. وفي الشريعة المطورة المأخوذة من الإسلام في مستواه العلمي تسقط جميع هذه الشروط ما عدا الدين والنسب .. الدين يعني مكارم الأخلاق وليس العقيدة ، والنسب وهو النسب المتعلق بالدين بمعنى الخلق وليس العنصر .. وقد سأل أحد الباحثين الوافدين: ما مغزى آيات سورة (المسد)؟ التي تبدأ بقوله تعالى: (تبت يدا أبي لهب وتب) وقال أنه لم يهتد إلى القيمة المستقبلية لهذه الآيات لأنها تشرح عقوبة فرد معين لا دخل للآخرين به .. فرد عليه الأستاذ محمود: (في الحقيقة دي أكبر آيات في القرآن ضربت العنصرية لأنو ده عمه!!) .. الدعوة العنصرية قد تجاوزها الزمن ، ومن يتبناها يكون في أدنى درجات التخلف .. ولا يقلل من هذا الفهم النفور الذي نجده في أنفسنا عندما نلتقي بالعناصر الأخرى التي نعايشها يومياً ، فإن هذا النفور مصيره إلى الزوال كلما تطورت المجتمعات واهتدت بالقيم الإنسانية الرفيعة ، وهذا التطور مستمر ومضطرد .. هل تزيد هذه المعاني عمقاً وتثبتاً ، إذا قلنا أن كل المفكرين والمخترعين الذين قادوا البشرية ، إنما يرجعون إلى عناصر متنوعة في تكوينهم العرقي ؟؟ ويمكن القول أن العنصرية والعقائدية بمقاس اليوم وجهان لعملة واحدة هي التعصب .. وفي وقتنا الحاضر نرى العقائديين من المسلمين ينسبون الأسماء إلى عقيدتهم كما فعل العنصريون من دعاة القومية العربية ، وعلى سبيل المثال تجد: المخبز الإسلامي ، مكتبة خاتم الأنبياء ، صيدلية ما شاء الله تبارك الله.. الخ.. وكلها صور من استغلال حب الناس للدين للكسب الدنيوي..
الحقيقة التي نحاول إثباتها في هذا البحث هي أن الهوية في عصرنا الحالي لا تعني غير الجنسية ، بمعنى الانتماء للبقعة الجغرافية المحددة إدارياً وليس على أي أساس آخر .. السودان لا هو عربي ولا هو أفريقي وإنما هو السودان وسكانه هم السودانيون .. ولا يمكن أن نقول أن الهوية هي الإسلام كعقيدة وقد شرحنا سابقاً بتفصيل أن وقت العقائد قد آذن بالزوال وأن أمامنا مرحلة الإنسانية .. ووضع السودان بالتحديد يجعله أكثر استعداداً لقبول هذه المبادئ ، فمثلاً إذا أردنا تحديد مؤهلات وظيفة محافظ بنك السودان ، لا يمكن أن ندخل عقيدة الشخص ضمن المؤهلات المطلوبة ، وإنما الكفاءة تنحصر في الشهادات ، الأمانة ، الخبرة .. فإذا توفرت هذه الشروط في شخص يخالف عقيدتنا فهو أحق بالوظيفة ، وهذا هو الأسلوب العلمي الذي يرمي إليه الإسلام .. ونحن لدينا تجربة مع السودانيين من غير المسلمين في جميع مرافق الدولة ، وقد كانوا نماذج في الدقة والانضباط والأمانة ، وخير مثال على ذلك هيئة السكة حديد في عهدها الذهبي ..
إن الصراع المسلح الذي كان دائراً في السودان بين الشمال والجنوب قبل اتفاقية السلام في يناير 2005م ، إنما ارتكز على أسباب كلها تنبع من العقائدية والعنصرية .. ولذلك فإن الارتفاع في الوعي بخطورة هذه الدعوات يعمل على إرساء دعائم السلام الشامل .. لقد كان الأستاذ محمود يجمع قتلى الطرفين أثناء الحرب ويقول: نحن السودانيين فقدنا كذا من أبنائنا .. إن الحل لجميع هذه المشاكل المعقدة إنما هو في نشر الوعي من خلال الصراع الفكري في المنابر الحرة .. ولذلك فإن تكاتف جميع أفراد الشعب بالتمسك باتفاقية السلام وحمايتها من الانهيار ، هو واجب المرحلة التي نحن فيها حتى لا تتكرر تجربة الحرب مرة أخرى ، ومعلوم أن كل تجربة لا تورث حكمة تكرر نفسها .. هل هذا هو تأييد لنظام الإنقاذ؟ التأييد للاتفاقية ، وإذا سار النظام في تطبيقها فبقاءه مرهون بفوزه بالانتخابات .. نحن نؤيد مبادئ دستورية ينص عليها الدستور الانتقالي ، ولذلك فإننا نعمل مع من يحترمها ونختلف مع من يعمل على تقويضها ..
هذا وقد لخص منشور (هذا .. أو الطوفان) الصادر بتاريخ 25/12/1984م ، والذي كانت نتيجته الإعدام لأستاذ الأجيال ، مطالب الجمهوريين في: إلغاء قوانين سبتمبر 1983م ، الحل السياسي لمشكلة الجنوب ثم إقامة المنابر الحرة .. والآن فإن جميع هذه المطالب قد تحققت بقدر طيب على الواقع يمكن البناء عليه وتكميله بالحوار الموضوعي ، من أجل خلق رأي عام ضد الهوس الديني يقوم على المعرفة بأصول الإسلام .. إذن المطلوب اليوم هو زيادة حضور قادة الفكر الإسلامي المستنير في الميدان السياسي ..
فيما يلي نقدم أضواء على مسيرة الإنسان في مرحلة البشرية الحاضرة ، منذ آدم أبي البشر والى يومنا هذا من (ديباجة الدستور) في الفقرة التالية:
34) ((اليوم أكملت لكم دينكم، و أتممت عليكم نعمتي ، و رضيت لكم الإسلام دينا..)) هذا اليوم ، هو يوم عرفة ، من سنة عشر للهجرة ، و هو يوم حجة الوداع ، و قد كان يوم جمعة.. هذه الآية هي آخر ما نزل من القرآن .. و لقد لبث النبي بعدها بين الناس ، بقية ذي الحجة ، و محرم ، و صفر ، ثم لحق بالرفيق الأعلى، و كان ذلك يوم 12 ربيع الأول ، من السنة الحادية عشرة ، من الهجرة المباركة.. لقد كمل يومئذ إنزال القرآن ، و لكن لم يكمل بيانه ــ و لن يكمل ، لان بيانه عند الله ، حيث لا عند ( ثم ان علينا بيانه))، هكذا قال ربي العظيم ، و ما علي الله بيانه لا يقع الفراغ من بيانه ، لأنه مطلق ،(( و كل يوم هو في شأن)) .. و لقد بين ،تبارك و تعالي ، لنبيه قدرا عظيما منه ، و لكنه نهاه عن تبليغه للامة ( نحن معاشر الأنبياء، امرنا ان نخاطب الناس علي قدر عقولهم )).. و لقد أرشدنا ، تبارك و تعالي ، إلى الطريقة التي بها نكون مهيئين لتلقي البيان منه ، تبارك و تعالي، فقال ( و اتقوا الله ، و يعلمكم الله و الله بكل شيء عليم .. )) و قال النبى الكريم( إنما أنا قاسم، و الله يعطي، و من يرد به الله خيرا يفقهه في الدين ..)) فالنبي جاء ليعلمنا كيف نتقي الله حتي يعلمنا الله .. فقوله (( إنما أنا قاسم )) يعني أرسلت بالشريعة لأعلمكم كيف تتقون ، و أرسلت بالطريقة أيضا لأكون لكم قدوة بإتباعها تزيدون في تقواكم لله ، فيعلمكم الله ،(( و الله بكل شيء عليم )) .. فهو يعلمكم بقدر استعداد المكان منكم للتعليم . (( و من يرد به الله خيرا يفقهه في الدين )).. و اليوم ، بفضل الله ، ثم بفضل إتباع النبي الكريم ، يدخل في الوجود زيادة بيان للقرآن يناسب القرن العشرين ، حتي يكون الإسلام ، و القرآن ، للناس ــ جميع الناس ــ ملاذا ، و مفازة .. ان " لا إله إلا الله “ اليوم لا تعني : " لا معبود بحق إلا الله “ ، و إنما تزيد علي ذلك المعني، فتصبح ( لا فاعل لكبير الأشياء ، و لا لصغيرها ، إلا الله )) .. يقول تعالي ( و كأين من دابة لا تحمل رزقها ، الله يرزقها ، و إياكم، و هو السميع العليم* و لئن سألتهم : من خلق السموات، و الأرض، و سخر الشمس، و القمر؟؟ ليقولنّ: الله .. فأنّي يؤفكون* الله يبسط الرزق، لمن يشاء من عباده ، و يقدر له .. ان الله بكل شيء عليم ..)) فكأن الناس يردون فعل الأشياء الكبيرة إلى الله ، و لكن فعل الأشياء الصغيرة ينسبونه للمخلوقات ، من دون الله .. و إنما جاء ذلك لوهم الإرادة التي ورطتنا فيها حركاتنا التلقائية .. نحن نظن ان عندنا إرادة مستقلة ، عن الله ، سبحانه و تعالي، بها ننفذ الأعمال الصغيرة، التي تتطلبها حياتنا اليومية ، في هذه الدنيا ، مثل تدبير الرزق ، و هو اكبر شيء رسب الخوف في صدورنا، منذ نشأة الحياة ، بين الماء ، و الطين ، في سحيق الآماد.. و لقد ساق الله لنا هنا الآية الأولى عن الرزق ثم ساق الآية الثانية عن خلق السموات ، و الأرض ، و تسخير الشمس ، و القمر.. و ساق الآية الثالثة عن الرزق أيضا .. نحن لا دعوي لنا في خلق السموات ، و الأرض، و لا في تسخير الشمس ، و القمر .. هذه لا طاقة لنا بها ، فلا دعوي.. و لكن لنا طاقة بتدبير الرزق بالزراعة ، و بالتجارة ، و باحتراف الحرف المختلفة .. و لذلك فقد تورطنا في الدعوي ههنا .. و استولي علينا عقل المعاش .. و ركز فينا خوف الجوع ، وخوف الموت بالـجوع ، و امرنا بالبخل ، و بالحرص ، و بالادخار ، و بالعداوة ، و بالحرب، و بكل مذام الصفات .. هذه هي الأصنام التي نعبدها اليوم ، لا الأصنام الحسية .. لقد كانت الأصنام الحسية ، في حينها ، رمزا، مجسدا ، لهذه المعاني.. كانت الأصنام الحسية رمزا للإرادة البشرية و تسويلاتها المختلفة التي أملاها علينا الجهل، في سحيق الآماد . و لقد جاء تبارك و تعالي ، في فاصلة الآية الأولى بقوله ( و هو السميع العليم)) .. و في فاصلة الآية الثالثة بقوله ( ان الله بكل شيء عليم )) و جاءت فاصلة الآية المتوسطة بين الآية الأولى ، و الآية الثالثة ، بقوله ( فأنى يؤفكون؟؟ )) .. و ((يؤفكون)) هنا تعني ((يصرفون)) .. كأنه قال ( فكيف .. يجهلون؟؟)) .. عبر، تبارك و تعالي ، في ثلاث الآيات عن العلم ، إشارة إلى وجوب الخلاص من وهم الحواس ، و وهم العقول التي أملت علينا وهم استقلال الإرادة .. ان صنمنا الأعظم اليوم إنما هو الإرادة البشرية المتوهمة التي تعارض الإرادة الإلهية المحققة..
,
35) الآية العظيمة التي صدرنا بها حديثنا هذا ، و هي ( اليوم أكملت لكم دينكم ، و أتممت عليكم نعمتي ، و رضيت لكم الإسلام دينا ..)) أخطأ في فهمها جميع علماء الإسلام ، حين ظنوا ان كل ما يخص الدين قد كمل، و ان ليس هناك أمر مستأنف، يجيء فيما يقبل من الزمان .. و الحق ان الدين كله أمامنا .. و انه لمن فضل الله، علينا ، و علي الناس ، ان جاءتنا هذه البشارة، بان الله اكمل لنا ديننا ، و أتم علينا نعمته ، و رضي لنا الإسلام دينا .. معلوم ان الإسلام قد جاءت به جميع الرسالات السماوية ، من لدن آدم ، و إلى محمد ، و قد قال المعصوم خير ما جئت به ، انا و النبيون من قبلي :" لا إله إلا الله ") .. اللفظ واحد ، و التحصيل يختلف ، بين الأمم ، و أنبيائها، و بين الأمم ، فيما بينها ، و بين الأنبياء، فيما بينهم .. و اكبر تحصيل ، في ذلك : بين الأنبياء ، ما قيضه الله، تبارك و تعالي، لنبيه الكريم .. وأكبر تحصيل ، فى ذلك : بين الأمم ، ماقيضه الله لأمة نبيه الكريم ــ أمة المؤمنين .. فأما عند الأمة المؤمنة ــ أمة المؤمنين ــ فقد كانت تعني " لا إله إلا الله " . لا معبود بحق إلا الله .. و قد سبق ان قررنا ذلك .. و أما عند النبي فقد كانت تعني " لا فاعل، لكبير الأشياء ، و لا لصغيرها ، إلا الله !!
و الدين الذي أشارت له الآية السابقة ، هو الدين الذي أشارت اليه آية :" فأقم وجهك للدين حنيفا ، فطرة الله التي فطر الناس عليها ، لا تبديل لخلق الله ،ذلك الدين القيم .. و لكن اكثر الناس لا يعلمون.." هو الفطرة ــ " فطرة الله التي فطر الناس عليها " ، جميع الناس .. و لقد قال النبي ( كل مولود يولد علي الفطرة ، فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه ..)) و هذه الفطرة لا يقع عليها الكبت ، و إنما يقع الكبت علي حواشيها ــ هي في سويداوات القلوب.. و لذلك قال تعالي عنها ( لا تبديل لخلق الله)) .. و لقد سبقت الإشارة إلى الكبت ، و قلنا سببه الخوف العنصري ، و به انقسم الإنسان على نفسه ، و بهذه القسمة ارتفع فوق مستوي الحيوان ، و اخذ الخطوة الأولى في سيره إلى مقام إنسانيته .. و ستكون الخطوة الثانية في فضّ الكبت .. و بفضّ الكبت يصل السالك إلى فطرة الله التي فطر الناس عليها ، في سويداوات القلوب.. و لقد وقع الكبت بين عقل المعاش ، و عقل المعاد..
و عقل المعاد هو طبقة العقل التي تلي عقل المعاش فيما بينه و بين سويداء القلب .. و طبقات العقل سبع ، تطابق النفوس السبع ، عند أصحابنا السادة الصوفية.. و تطابق أسماء الصفات السبع : الحي ، العالم، المريد ، القادر ، السميع ، البصير ، المتكلم .. فالحي في سويداء القلوب و هذه ــ الحياة ـــ هي الفطرة ــ فطرة الله التي فطر الناس عليها ..

36) بالكبت أخذنا أول خطوة في طريق السير إلى مقام إنسانيتنا .. و بفضّ الكبت نصل إليها .. و لقد ذكرنا ان التطور، في مضمار البشرية ، منذ ان ارتفعت فوق مستوي الحيوانية بالكبت ، ظل في نطاق الكبت .. و الكبت سببه الخوف .. و الخوف سببه الجهل بالبيئة التي نعيش فيها .. و لقد قلنا : ان العلم المادي التجريبي قد رد الكون الظاهري ــ أو قل قد رد المادة إلى اصل واحد ، هو الطاقة.. و عندما وصل الدين إلى معني (( لا إله إلا الله )) بأنه لا فاعل لكبير الأشياء ، و لا لصغيرها ، إلا الله ، فقد رد جميع مظاهر الوجود إلى مظهر واحد ، هو ــ الله ــ الكون مظهر الله في ذاته ــ لقد تحققت وحدة الوجود بتضافر العلم المادي ، و العلم الروحي.. و أصبحت البيئة القديمة بيئة جديدة 00.. هي بيئة روحية في مظهر مادي .. و أصبح علينا إذن ان نتواءم معها.. ثم ان هناك أمرا آخر تقرره الكلمة ( لا إله إلا الله )) .. هذا الأمر هو ان الوجود واحد ، و انه هو خير مطلق، و صرف، و لا مكان للشر فيه ، إلا لحكمة تعليمنا نحن قال تعالي (و من كل شيء خلقنا زوجين،لعلكم تذكرون* ففروا إلى الله .. اني لكم منه نذير مبين)) .." فالاثنينية" مظهر للواحد، و ليست أصلا فيه .. و الحكمة من الاثنينية ان نتعلم نحن ، لان حواسنا التي تؤدي المعاني إلى عقولنا اثنينية ، و كذلك عقولنا .. فنحن إنما نعرف الأشياء باضدادها ــ نعرف الظلام ، بالنور.. و نعرف البرد، بالحر..
و نعرف الشر، بالخير، وهكذا.. لقد دخل الشر في الوجود ليعرفنا بالخير ..
و الله خير مطلق.. فان نحن استطعنا ان نتواءم مع خلقه ــ نرضى بفعله ــ لا نري الشر اطلاقا.. و الله تعالي يقول( ما يفعل الله بعذابكم ، ان شكرتم ، و آمنتم ، و كان الله شاكرا عليما ؟؟)).. و في الآيتين السابقتين يأمرنا ، تبارك و تعالي ، ان نفر من الثنائية إلى الوحدة ، حيث ينقطع عنا الشر و يبقي الخير وحده.. هذه المعرفة الجديدة للبيئة القديمة هي التي تحررنا من الخوف .. و بالتحرر من الخوف ينفض الكبت الذي رسبه فينا الخوف الذي دفعه إلى قلوبنا الجهل بحقيقة البيئة..

37) فطرة الله التي فطر الناس عليها هي ((الحياة)) .. هي حياة الإنسان ،
و ما حياة الحيوان إلا الخطوة الأولى في السير إلى حياة الإنسان .. حياة الإنسان عالمة و حياة الحيوان جاهلة .. حياة الإنسان هي الحياة الأخرى، و حياة الحيوان هي الحياة الدنيا.. للحياة الأخرى عقل المعاد، و للحياة الدنيا عقل المعاش، و إنما جاء الدين ليهذب عقل المعاش ، حتي يرتفع بنا إلى عقل المعاد .. و لقد ورد في ذلك بعض التفصيل .. و لما كانت حياة الإنسان عالمة، كانت أيضا طائعة لله ، مؤمنة به :
(( الذين آمنوا ، و لم يلبسوا إيمانهم بظلم ، أولئك لهم الأمن ، و هم مهتدون..)) و لقد قال ، تبارك و تعالي، في الحياتين ، الحياة الدنيا ، و الحياة الاخري ( و ما هذه الحياة الدنيا إلا لهو و لعب ، و ان الدار الآخرة لهي الحيوان ، لو كانوا يعلمون!!)) و"الحيوان" تعني المبالغة في الحياة ــ تعني الحياة الكاملة ..
و لقد خلق الإنسان ــ آدم ــ علي هذه الفطرة ـ الحياة الكاملة.. (( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم )) و ذلك في أعلي الجنان ـ في الملكوت ـ عند الله ، و ترد عنها العبارة القرآنية (( عند مليك مقتدر)) من قوله ، تبارك و تعالي ( ان المتقين في جنات، و نهر * في مقعد صدق ، عند مليك مقتدر ..)) .. ثم انه ، من مقام (( أحسن تقويم )) قد رد إلى (( أسفل سافلين)) ، و إنما رد بالأمر التكويني.. و الأمر التكويني يقوم علي حكمة الخلق.. و لقد رد إلى (( أسفل سافلين )) ، و في ذاكرته (( أحسن تقويم )) ، من اجل ذلك ظل يحلم بالكمال دائما، و يسعي إلى تحصيله .. و لقد قلنا : ان (( أسفل سافلين )) هو مرتبة ادني التجسيد في عالم الملك ــ مرتبة ذرة بخار الماء ــ ذرة غاز الهايدروجين .. و لقد أخذ الإنسان طريقه ، في العودة إلى الله ، من ذلك التجسيد المهين، و ذلك بمحض الفضل الإلهي و لقد انفق في ذلك السير دهرا ، دهيرا .. و لقد عبر ، تبارك وتعالي، عن ذلك بقوله ( هل أتى علي الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا * انا خلقنا الإنسان من نطفة ، امشاج، نبتليه.. فجعلناه سميعا بصيرا..)) و هو إنما لم يكن شيئا مذكورا في ملكوت الله لأنه لم يبلغ ان يكون مكلفا ، في ذلك الحين الطويل من الدهر، و إنما كان يتقلب في الحيوات الدنيا ــ حياة الذر ، و الهوام ، و الحيوان .. ثم انه لما برز فيه العقل اصبح منورا بالعقل من أعلاه ، مظلما بالنفس من أسفله .. و ظل علي ذلك متجاذبا بين الواجب ، و يمليــه العقل، و بين الشهوة ، و تمليها النفس .. و كان علي ذلك أيضا خطاء.. و جعـل الله ، تبارك و تعالي ، كماله في هذه النشأة الخطّاءة .. فهو يخطئ ، و يصيب ، و يزيد رصيــد صوابه من ممارسة خطئه .. و لقد قال المعصوم ( ان لم تخطئوا ، و تستغفروا ، فسيأتي الله بقوم ، يخطئون ، و يستغفرون ، فيغفر لهم ..)) و عندما نزل آدم الأول ــ آدم الخليفة ــ منزلة التكليف ، فنبئ ، اسكن جنة الملك ــ جنة الأرض ــ ( و قلنا يا آدم اسكن ، أنت ، و زوجك الجنة ، و كلا منها رغدا حيث شئتما ، و لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين * فأزلهما الشيطان عنها ، فأخرجهما مما كانا فيه ، و قلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ، و لكم في الأرض مستقر ، و متاع ، إلى حين * فتلقي آدم من ربه كلمات ، فتاب عليه ، انه هو التواب الرحيم * قلنا اهبطوا منها جميعا ، فأما يأتينكم مني هدي ، فمن تبع هداي ، فلا خوف عليهم ، و لا هم يحزنون * و الذين كفروا ، و كذبوا بآياتنا ، أولئك أصحاب النار .. هم فيها خالدون )) .. "ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين " هذا أول أمر تشريعي لآدم ، بعد الأمر بالعبادة ، و هو تنظيم القوة الجنسية .. و لقد كان هذا أول أمر تشريعي لأسلاف آدم عند ظهور العقل ،و قبل وفرة العلم .. و لقد وردت إلى ذلك الإشارة عند الحديث عن نشأة المجتمع .. و لقد اهبط آدم من جنة الأرض بمخالفة هذا الأمر التشريعي.. و هذه الخطيئة قد جبرت بالاستغفار ، و عاد آدم الخليفة إلى الطاعة ، و الهداية .. قال تعالي في ذلك ( فتلقي آدم من ربه كلمات ، فتاب عليه ، انه هو التواب الرحيم )) .. و لقد كانت تلك الكلمات هي قول آدم ، وزوجه ( ربنا ظلمنا أنفسنا ، و ان لم تغفر لنا ، و ترحمنا ، لنكونن من الخاسرين )).. لقد اهبط آدم من جنة الأرض ــ و ذلك ، في مستوي من المستويات ، رد من (( أحسن تقويم )) إلى (( أسفل سافلين )) كما رد ، أو اهبط ، بعض ذريته ، من بعده ، و لا يزال هذا يجري ، و سيظل يجري ، مع كل خطيئة ( و ذا النون إذ ذهب مغاضبا ، فظن ان لن نقدر عليه ، فنادي في الظلمات ، إلاّ اله إلا أنت، سبحانك ، اني كنت من الظالمين * و استجبنا له ، و نجيناه من الغم ، و كذلك ننجي المؤمنين )).. و عن قوم سبأ يخبرنا ، تبارك و تعالي ،( لقد كان لسبأ ، في مساكنهم ، آية : جنتان ، عن يمين ، و شمال ، كلوا من رزق ربكم ، و اشكروا له بلدة طيبة ، و رب غفور * فأعرضوا ، فأرسلنا عليهم سيل العرم ، و بدلناهم ، بجنتيهم ، جنتين ذواتي أكل خمط ، و اثل ، و شيء من سدر قليل ))..

38) لقد اهبط آدم الخليفة من جنة المعاني ، في الملكوت ، إلى جنة المباني ، في الملك ، بالأمر التكويني، و علي الأمر التكويني تقوم حكمة الخلق ، و لا تقع ، في الأمر التكويني ، معصية ، فما فيه غير الطاعة .. ثم ان آدم قد اهبط من جنة الطاعة ، حيث الرغد ، و الوفرة ، إلى جنة الشقاء ، و الضيق ، لما عصا الأمر التشريعي ، (( و لا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين )).. و قال تعالي عنه ( و عصي آدم ربه فغوي)).. و هو إنما عصي لأنه استمع لأمر الشيطان ، و نسي أمر ربه: (( فوسوس إليه الشيطان : قال : يا آدم !! هل أدلك علي شجرة الخلد ، و ملك لا يبلي ؟؟ * فأكلا منها ، فبدت لهما سوآتهما ، و طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة ، و عصي آدم ربه فغوي * ثم اجتباه ربه ، فتاب عليه ، و هدي )).. و هو إنما استمع لأمر الشيطان ، لان عقل معاده ، قد كان محجوبا بعقل معاشه ، و هو عقل يسيطر عليه الخوف العنصري ، الساذج ، و لذلك فقد طمع في الخلد ، و الملك الذي لا يبلي.. و لقد سبقت الإشارة إلى عقل المعاد و عقل المعاش.. (( ثم اجتباه ربه ، فتاب عليه ، و هدي)) ، هدي عقل معاشه بالتهذيب بالعبادة ، و بالعقوبة ، ليسير به إلى عقل معاده ، حيث يعرف القيم ، فيطيع أمر الله ، و يعصي أمر الشيطان ، و لقد قلنا ان المعصية لا تقع في الأمر التكويني ، فليس ثمة إلا الطاعة .. و قلنا علي الأمر التكويني تقوم حكمة الخلق .. و أما علي الأمر التشريعي فتقوم حكمة التعليم .. و في الأمر التشريعي تقع المعصية ، و تقع الطاعة .. والأمر التكويني مسيطر علي عالم الملكوت و علي عالم الملك ــ علي عالم العقول ، و علي عالم الأجساد ، علي السواء.. و لهيمنة الأمر التكويني ، علي الأمر التشريعي ،فليست هناك معصية ،في الحقيقة، و إنما المعصية في الشريعة ــ في حكم العقل .. و في هذا سر التسيير ، و التخيير ، الذي شغل ، و لا يزال يشغل ، عقول المفكرين ، من علماء الدين ، و من علماء الدنيا .. و الحكمة وراء المعصية ، إنما هي ترويض العقول ، لتسير ، بالممارسة ، من المعصية إلى الطاعة ، حتى تصبح مطبوعة علي الطاعة ، و هي مختارة لها ، و مقتنعة بقيمها .. لقد خلق الله ، في الملكوت ، خلقا مرحليين ، و ضرب عليهم الطاعة ، فهم (( لا يعصون الله ما أمرهم ، و يفعلون ما يؤمرون )) .. هم بذلك علماء ، و لكنهم ليسوا أحرارا .. و خلق الله في الملك خلقا مرحليين ، و ضرب عليهم المعصية ، فهم لا يطيعون ..اولئك هم الملائكة .. و هؤلاء هم الأبالسة ، و عدم الحرية في أولئك ، و هؤلاء إنما هو أمر مرحلي .. ثم ان الله خلق ، بين أولئك ، و هؤلاء ، خلقا هم البشر .. الملائكة عقول بدون شهوة.. و الأبالسة شهوة ، بدون عقول ، و البشر شهوة ، ركبت عليها العقول لتسوسها .. و جاء الشرع ليقوي العقول علي هذه السياسة ، فتسير إلى الطاعة ، و هي مدركة ، و عالمة ، فتكون الحصيلة : العلم ، و الحرية ، و ذلك بفضل الله ، ثم بفضل كمال النشأة البشرية ، التي أعطيت حق : الخطأ .. و بهذه النشأة اصبح سائر بشر اكمل ، مآلا ، من سائر الملائكة .. و لا يكمل الملائكة ، و لا الأبالسة ، بان يكونوا علماء ، و أحرارا ، حتى يدخلوا في هيكل الإنسان ..



Post: #460
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 03:15 PM
Parent: #1


الحلقة السابعة

من أوراق الأستاذ محمود محمد طه داخل معتقلات مايو (7)
الأرض هي مركز المجموعة الشمسية من الناحية الروحية

د. محمد محمد الأمين عبد الرازق

لقد كتب الأستاذ محمود هذه الديباجة في أكتوبر 1984م ، وأختصر فيها كل ما أراد أن يقوله للناس ولذلك قلنا أنها الدعوة الإسلامية الجديدة موضوعة في كبسولة.. وقد وضع الأية : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً) في صدر البحث من غير أن يتحدث عنها مباشرة، ثم أوردها ثلاثة مرات أخرى ، فصل في الثانية أن هذا اليوم هو يوم عرفة سنة عشرة هجرية، وقد لبث النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم بعدها بين الناس بقية ذي الحجة، ومحرم، وصفر ثم لحق بالرفيق الاعلى يوم 12 ربيع الأول من السنة الحادية عشر من الهجرة المباركة.. وعندما تحسب الفترة التي قضاها الأستاذ محمود بيننا من تاريخ إصدار الديباجة حتى تنفيذ الإعدام في 18/1/1985م ، تجدها مساوية تقريباً للفترة التي قضاها النبي بين الناس بعد ذلك اليوم المذكور .. وفي إشارة لطيفة وخفية إلى ذلك قال: (بدأنا هذا البحث بالحديث عن الديمقراطية .. ولقد جاء الحديث عن الديمقراطية، بعد الآية العظيمة، التي صدرنا بها حديثنا هذا، بدون أي مقدمة حتى أني لأظن أن بعض الناس قد يستغرب هذا الأمر !!)..
الأستاذ محمود صاحب حقيقة وشريعة .. الحقيقة في الدين الخاص هي معرفة أسرار الألوهية، أما الحقيقة في الدين العام فهي ما عليه الخلق من خير وشر .. والمطلوب من الإنسان السالك على طريق محمد أن يبدأ بالشريعة، يعني بالعلم الظاهر، ثم يتطور تدريجياً فيتلقى فيوضاً من المعرفة بالله، أو قل معرفة بالحقيقة .. وخير مثال يوضح هذه المعاني ما جرى بين العبد الصالح والنبي موسي .. فعندما خرق العبد الصالح السفينة كان على علم بالمستقبل، وكذلك عندما قتل الغلام .. وكان موسي حينها في بداية مجاهداته في معرفة الحقيقة ولم يكن على علم بالحكمة في أفعال العبد الصالح ولذلك أعترض.. وقد فسر القرآن تلك الحكمة في الآيات: (أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر فأردت أن أعيبها وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصباً* وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً).. والعارف بعلم الحقيقة يحاول دائماً ضبط الشريعة مع ما يعلمه من الأسرار، أما صاحب الشريعة فمحاولته هي الالتزام الدقيق بمقتضياتها حتى تكون وسيلة موصلة إلى الحقيقة.. ولذلك قال الأستاذ محمود عن نفسه: (بدأت بالجانب التطبيقي في العبادة بتجويد وإتقان منتظراً موعود الله حين قال: "واتقوا الله ويعلمكم الله" وفي قول المعصوم: "من عمل بما علم أورثه الله علم ما لم يعلم"، فلما جرى على لساني وقلمي ما علمني الله من أسرار دينه ظنه بعض الناس ليس من الدين، وما علموا أن ما أدعوا إليه هو الإسلام عائداً من جديد)..
لقد ورد الحديث كثيراً في هذا البحث عن الدستور والحكم الدستوري، وقلنا أن الدستور يؤخذ من أصول القرآن وليس من فروعه .. الدستور يقوم على المسئولية الفردية، والشريعة قامت على الوصاية، وصاية النبي على المؤمنين، ووصاية المؤمنين على غير المسلمين، ووصاية الرجل على المرأة.. ولذك فإن الشورى ليس ديمقراطية، فالشورى هي حكم الفرد الوصي الرشيد على القصر ليرشدهم .. وولي الأمر غير ملزم بالأخذ بإستشارة المستشارين، قال تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله).. وآيتا الديمقراطية هما: (فذكر إنما أنت مذكر* لست عليهم بمسيطر) وهما منسوختان في الشريعة السلفية ..
إن الفكرة الجمهورية تدعو إلى الإنتقال من الشريعة التي طبقت في المدينة في القرن السابع الميلادي إلى شريعة جديدة قائمة على السنة النبوية، وسندها آيات الأصول المكية التي نسخت في ذلك الوقت لأنها أكبر من طاقة المجتمع.. إن مثل هذا التحول كان يقوم به في الماضي الأنبياء الرسل فكيف يتسني لإنسان أن يدعو لمثل هذا التحول الأساسي الجوهري في الدين وهو ليس نبياً؟؟ الجواب هو: أن الفرصة متاحة أمام الناس ليمارسوا المنهاج النبوي بتجويد وإدقان فيعلمهم الله أسرار دينه، وليس لهذا التعليم حدود، فكلما زاد الإنسان في التقوى زاده الله في العلم .. ولذك قال النبي الكريم: (علماء أمتي كأنبياءِ بني إسرائيل) وقال أيضاً: (إن من أمتي لأناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء ويغبطهم الأنبياء والشهداء لمكانتهم من الله).. ما هي وسيلة الدعوة إلى الناس؟ هي الحجة بالمنطق والإقناع وبحسن السيرة والإستقامة..
الرسالات السماوية مربوطة إرتباطاً وثيقاً بحركة تطور المجتمع وبالأعراف التي يتواضع عليها الناس.. ويمكن أن نلخص مسيرة البشرية من خلال دورتين: الأولى دورة الحقيقة والثانية دورة الشريعة.. دورة الحقيقة هي الفترة التي ليس فيها رسالة نبوة، وإنما تتحرك البشرية من خلال الصراع في الحياة بوسيلة العقل حسب ما تعطيه الطاقة في الوقت المعين.. فتنبت أعراف اجتماعية من هذا الواقع وتصبح قواعد ثابتة ينبني عليها العمل في تنظيم المجتمع.. وعندما تأتي دورة الشريعة، يقوم النبي المرسل الممدود بواسطة الوحي الملائكي بتنقية تلك الأعراف، فيبقي على الصالح منها ويزيل غير الصالح.. وهنا تكون شمس الشريعة قد سطعت في كبد السماء .. ثم يمضي الزمن فتضيق تلك الشريعة أمام حركة المجتمع الصاعدة، ويدخل الناس في دورة الحقيقة مرة ثانية.. فتنبت أيضاً أعراف جديدة لا تنضبط إلا إذا جاء نبي مرسل جديد بشريعة جديدة، وهكذا تستمر حركة التطور.. إن مثل الأنبياء في التعامل مع الأعراف الاجتماعية كمثل المزارع الذي يزرع القمح فتنبت الحشائش الضارة، فيقوم المزارع بإزالة الحشائش ويترك القمح لينمو.. وإعتماد التشريع على أعراف المجتمع وارد في القرآن بكلمات العرف والمعروف في حوالي تسعة وثلاثين موضعاً، كمثال: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين)..
إن هذه المسيرة لم تتوقف إلى الآن .. وعندما جاء الإسلام في مكة نظر في الأعراف التي تواضع عليها الناس، فأقر ودعم إكرام الضيف وإغاثة الملهوف، وأزال وأد البنات وعبادة الصنم .. ثم أقام شريعته في المدينة من وحي ذلك الواقع، فنسخ القيم التي ثبت بالتجربة العملية أنها أكبر من طاقة المجتمع في ذلك الوقت ولكنه ترك الآيات الداعية لتلك القيم في المصحف بالرغم من أنها معطلة في الحكم .. وبمرور الزمن ضاقت تلك الشريعة عن أن تواكب حركة التطور السريعة، فأستجدت الآن في الحياة الحديثة مفاهيم وأفكار جديدة إنطلقت من التطور في العلم المادي .. إذاً نحن في فترة حقيقة ونحتاج إلى دورة شريعة تعيد شمس الشريعة إلى كبد السماء، فتوجه البشرية التوجيه الروحي المطلوب بنفس القدر الذي كان يقوم به الأنبياء السابقون .. فإذا نهض عارف بالله قوي الحجة مستقيم السيرة فتصدى لهذا التحدي وأخرج من القرآن معالم الشريعة الجديدة، فليس للناس حجة في رفض هذه الدعوة لمجرد أنه ليس نبياً .. وإنما يجب أن ينظروا في قوة الاستدلال بالقرآن والسنة النبوية .. أن الدور الذي كان يقوم به النبي المرسل في الماضي لم يتوقف وإنما توقفت النبوة الممدودة بالوحي الملائكي لحكمة أن الناس يمكن أن يأخذوا المعرفة من القرآن .. هذا هو ما تدعوا إليه الفكرة الجمهورية، وهو بعث آيات الأصول المنسوخة لتكون هي هادية التشريع في وقتنا الحاضر ..
قلنا أن الإسلام في أصوله أسس الدستور ودعا إلى إقرار مبادئ حقوق الإنسان، في حق الحياة وفي حرية الرأي.. قال تعالى: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).. ولما كانت هذه المبادئ أكبر من الواقع نسخت واستعيض عنها بتشريع في مستوى الناس .. فإذا كان المجتمع الآن قد تطور عبر ألف وأربعمائة سنة على دورة الحقيقة، واستجدت أعراف جديدة منها مبادئ حقوق الإنسان نفسها التي إستهدفها الإسلام في بداية أمره، فهل يعقل أن تصد الدعوة الإسلامية الناس عن مقاصدها؟ أن المنطق المستقيم يقول: يجب علينا أن نرجع إلى الآيات المنسوخة ونبعثها لأنها هي مقصود الإنسان بالأصالة، فنتولى الدعوة إلى الدستور ومبادئ حقوق الإنسان نحن المسلمين قبل الآخرين.
لقد تبني جميع قادة السلفيين في السودان، حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان في منتصف الستينات، وهم يرون حسب الشريعة السلفية أن الحزب الشيوعي يجب أن يحرم من حقه في الحرية لمخالفته الإسلام في الرأي.. فهم لم يعطوا أي قيمة لما توصل إليه الصراع الاجتماعي من إنجازات في مجال حقوق الإنسان، وهم بالطبع لا يعرفون شيئاً عن شريعة الأصول .. فأخرج د. حسن الترابي كتابه (أضواء على المشكلة الدستورية) يدافع فيه عن مصادرة حرية الحزب الشيوعي، فرد عليه الأستاذ محمود في كتاب (زعيم جبهة الميثاق الإسلامي في ميزان: 1/ الثقافة الغربية 2/ الإسلام )، نقتطف منه هذا الجزء الذي يدور حول الحقوق الأساسية تحت عنوان عقلية الدكتور الترابي:
(ونحن لا نعتقد أن الدكتنور الترابي ذهب مذهبه في كتابه الغريب بفعل الرغبة أو الرهبة، بقدر ما ذهبه بفعل ضحالة الثقافة وسطحية التفكير .. يمد له في مذهبه كونه مفتوناً بثقافته القانونية أشد الفتون .. ومفتاح عقلية الدكتور ومفتاح ثقافته في هذا الباب يمكن أن يلتمس في فقرات كثيرات من كتابه هذا الغريب، ولكننا نرشح هنا لهذا الغرض قوله من صفحة 16: (وليس في متن الدستور ولا في مبادئ التفسير بالطبع ما يعول عليه للتفريق بين نص ونص على أساس أن هذا قابل للتعديل، والآخر غير قابل، ولا ما يسند الزعم بأن لفضل الحقوق الأساسية خاصية تميزه في هذا الصدد عن سائر الفصول، فكلها تستوى في قوة مفعولها، وأيما قانوني يقول بمجرد الأهمية النسبية في هذا الفصل أو ذاك في تقديره الشخصي، فإنما هو متكلف لا شاهد له من الدستور، ومغالط لا حجة له من القانون، ومعتبط يتجني على القانون .. ولو صحت المفاضلة القانونية بين فصول الدستور لكان فصل الحريات من أضعفها) .. هذا ما قاله د. الترابي في ذلك الموضع من كتابه، والتماس فتون الدكتور بثقافته القانونية في هذه الفقرة لا يعيي أحداً من القراء، ولذا فإنا سنمضي في تبيين ضحالة الثقافة وسطحية التفكير..ونبادر فنعيد إلى التفكير ما سبق أن قررناه في صدر هذا الباب من أن الدستور إنما هو لازمة من لوازم الحكم الديمقراطي، هو القانون الأساسي، وهو إنما سمي قانوناً أساسياً لأنه ينصص على هذه الحقوق الأساسية وإنما سميت الهيئة التي تضع الدستور جميعية تأسيسية لأنها تضع القانون الأساسي، وواضح أن الحقوق الأساسية إنما سميت حقوقاً أساسية لأنها تولد مع الإنسان.. الحياة والحرية، وهي حقوق لأنها لا تمنح ولا تسلب في شرعة العدل.. وهي أساسية لأنها كالغذاء وكالهواء والماء.. ويمكن إذاً أن يقال أن الدستور هو (حق حرية الرأي) وأن كل مواد الدستور الأخرى، بل وكل مواد القانون موجودة في هذا العبارة الموجزة كما توجد الشجرة في البذرة.. فإن النخلة بكل عروقها، وفروعها وساقها موجودة في (الحصاية) تراها عين العقل، فإذا وجدت (الحصاية) الظرف المناسب من التربة والماء خرجت منها النخلة بكل مقوماتها، وأصبحت ماثلة تراها عين الرأس أيضاً بعد أن كانت معدومة في حقها .. وكذلك الدستور، هو موجود بالجرثومة في الحق الأساسي (حق حرية الرأي) وما الجمعية التأسيسية إلا الظرف المناسب الذي يجعل شجرة الدستور، بفروعها وعروقها وساقها، تنطلق من تلك البذرة الصغيرة، كما إنطلقت النخلة من (الحصاية) .. هذا فهم للديمقراطية وللدستور وللحقوق الأساسية يفهمه كل مثقف استطاع أن ينفذ من قشور الثقافة الغربية إلى اللباب ولكن الدكتور الترابي وقف مع القشور حين ظن أن (ليس في متن الدستور ولا في مبادئ التفسير بالطبع ما يعول عليه في التفريق بين نص ونص على أساس أن هذا قابل للتعديل والآخر غير قابل) ولو كان الدكتور الترابي قد نفذ إلى لباب الثقافة الغربية لعلم أن المادة 5-2 من دستور السودان المؤقت (56 المعدل 64) غير قابلة للتعديل، وهذه المادة تقول: (لجميع الأشخاص الحق في حرية التعبير عن آرائهم والحق في تأليف الجمعيات والاتحادات في حدود القانون) وهي غير قابلة للتعديل لأنها هي جرثومة الدستور، التي إنما يكون عليها التفريع.. وهي الدستور، فإذا عدلت تعديلاً يمكن من قيام تشريعات تصادر حرية التعبير عن الرأي فإن الدستور قد تقوض تقوضاً تاماً .. ولا يستقيم بعد ذلك الحديث عن الحكم الديمقراطي إلا على أساس الديمقراطية المزيفة.. وهو ما يبدو أن الدكتور الترابي قد تورط في تضليلها..
المادة 5- 2 هي دستور السودان المؤقت، وهي دستور السودان المستديم، وهي دستور كل حكم ديمقراطي حيث وجد هذا الحكم الديمقراطي، وعمل الجمعية التأسيسية في وضع الدستور إنما هو تفريع عليها ليجعل تحقيقها أكمل وأتم..
وهناك قولة قالها الدكتور هي أحدى الكبر في شرعة العقل المفكر والثقافة الصحيحة وتلك هي قوله: (ولو صحت المفاضلة القانونية بين فصول الدستور لكان فصل الحريات من أضعفها لأنه يخضع للتشريع) فعبارة (لأنه يخضع للتشريع) تدل دلالة قوية على أن الدكتور يجهل أموراً ما ينبغي أن تجهل في أمر الحرية وفي أمر التشريع.. وأول هذه الأمور أن الحرية لا تضار بالتشريع، وإنما تزدهر بالتشريع، اللهم إلا إن كان هذا التشريع يقوم على نزوات الحكم المطلق، الذي يسمي نفسه ديمقراطياً زوراً وبهتاناً.. وهذا ما يبدو أن الدكتور يعنيه.. وهذه أحدى مشاكل تفكير الدكتور الترابي، وعبارة (في حدود القانون) التي وردت في عجز المادة 5-2 هي روح المادة، لأن القانون هو الذي يعطي الحرية معناها، ويميزها عن الفوضى.. فالتشريع صديق الحرية وليس عدوها، وكل تشريع غير ذلك لا يسمي تشريعاً، إلا من قبل تضليل الناس.. فالتشريع في النظام الديمقراطي طرف من الدستور وهذا هو المعني بدستورية القوانين... فكل تشريع يعارض الحرية ليس تشريعاً دستورياً..) ... أنتهي.
نواصل الآن ما جاء في (ديباجة الدستور) حول قصة خلق الإنسان في القرآن الكريم:
لقد بدأنا هذا البحث بالحديث عن الديمقراطية .. و لقد جاء الحديث عن الديمقراطية ، بعد الآية العظيمة ، التي صدرنا بها حديثنا هذا ، بدون آيّ مقدمة ، حتى اني لأظن ان بعض الناس قد يستغرب هذا الأمر .. قلنا ان الديمقراطية إنما هي حكم الشعب ، بواسطة الشعب ، لمصلحة الشعب .. و هذا الحكم إنما هو الحكم الباقي.. و هو حكم لم يجد تطبيقه ، إلى اليوم ، و لن يجده إلا في الإسلام .. و إنما من اجل تحقيق هذا الحكم العظيم ، في واقع الناس ، كتبنا هذا الاستقراء لنشأة الحياة ، و نشأة المجتمع ، و مجيء الأديان ، و تعاقبها ، حتى جاء دين التوحيد ، في المصحف الشريف ، الذي رسم خطة العودة إلى الله ، في إطلاقه .. في الإسلام الديمقراطية هي حق الخطأ.. و حق الخطأ هو كمال النشأة البشرية ، علي النشأة الملائكية .. و قد وردت الإشارة إلى ذلك ، و قيل ، وقتها : ان حق الخطأ يمكن الإنسان من ان يكون عالما ، و حرا ، في نفس الأمر .. و الحرية وسيلة الحياة .. و العلم وسيلة الحرية .. و الحياة وحدها هي الغاية في ذاتها ، فأكرم بالحرية من وسيلة ، هي طرف ، من اعظم غاية ــ الحياة ــ و لقد كرم النبي الكريم حق الخطأ ، اعظم تكريم ، حين قال ( ان لم تخطئوا و تستغفروا فسيات الله بقوم يخطئون و يستغفرون فيغفر لهم )).. و ذلك لمكان الحرية ، في الخطأ ، و الصواب .. و لمعزة الحرية ، عند الله ، قال تعالي لنبيه الكريم ( و قل: الحق من ربكم ، فمن شاء ، فليؤمن ، و من شاء فليكفر .. انا اعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها ، و ان يستغيثوا ، يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه ، بئس الشراب ، و ساءت مرتفقا ..))هذه هي الحرية ، و هذا هو ثمنها ــ المسئولية .. و الحرية ، في الإسلام ، مطلقة ، لأنها إنما تتضوع من المطلق .. الحرية ، في الإسلام ، هي العبودية لله ( و ما خلقت الجن ، و الإنس ، إلا ليعبدوني )) و يقول ( ان كل من في السموات ، و الأرض ، إلا آتي الرحمن عبدا * لقد أحصاهم ، و عدهم عدا * و كلهم آتيه، يوم القيامة ، فردا )) و العبودية هي ان تنعتق من رقك للعناصر .. من رقك للأحياء ، و الأشياء ــ ان تنعتق حتى من سيطرة الزمان ، و المكان عليك ، لتكون عبدا ، خالصا لله ، لا يشاركه في رقك شيء ، علي الإطلاق .. و من ثم قلنا : ان الحرية ، في الإسلام ، مطلقة ، و هي لا تقيد إلا بمقدرة الحر علي القيام بحسن التصرف فيها ..

40) ان الفرد البشري ، حين قيد نفسه بقيود أعراف المجتمع ــ طائعا أو مكرها ــ إنما من اجل الحرية قيدها .. كأنه تنازل عن بعض حريته ليستمتع بباقيها ، بفضل العيش في المجتمع ، و الانتفاع بالأمن ، و الحب ، و الدفء ، الذي يوفره له المجتمع .. الديمقراطية هي نظام الحكم ، في وقتنا الحاضر ، الذي يجب ان يوفر للفرد البشري كل الحرية التي تمكنه من ان يحقق فرديته ، التي ينماز بها ، عن أفراد القطيع .. و هذه لا تتحقق بمجرد الحرية في الجماعة التي يقوم الحكم الديمقراطي علي توفيرها ، و إنما تتحقق ، بها ، و بالمنهاج التعبدي والتعاملى ، و التعامل الذي يسوق الفرد ، سوقا فرديا ، في طريق الرجعي ، إلى الله ، تبارك ، و تعالي ، حيث صدرنا ، أول الأمر ، في طريق الاغتراب .. (( لقد خلقنا الإنسان ، في أحسن تقويم * ثم رددناه، أسفل سافلين * إلا الذين آمنوا ، و عملوا الصالحات ، فلهم اجر غير ممنون ..)) .. (( فلهم اجر غير ممنون )) يعني ان حبل العودة لهم من (( أسفل سافلين )) إلى (( أحسن تقويم )) موصول، غير مقطوع .. ذلك هو الإيمان ، و عمل الصالحات ــ منهاج العبادة ، و المعاملة .. و لقد قلنا : أننا إنما هبطنا من (( أحسن تقويم )) إلى (( أسفل سافلين )) بالمعصية فنحن ، إذن ، لا نعود إلى (( أحسن تقويم)) إلا بالطاعة ــ هذا هو قانون المعاوضة ــ
لقد قلنا ، عند حديثنا عن الفطرة ، ان الله فطر الناس علي الحياة الكاملة ، و قلنا ان الحياة الكاملة عالمة ، و هي ، من ثم ، طائعة لله ، لا تعصيه ــ مسلمة له .. و نقول ان معني الإسلام : الاستسلام ــ الطاعة .. قال تعالي ، لأمة المؤمنين ( يا آيها الذين آمنوا !! اتقوا الله ، حق تقاته ، و لا تموتن إلا و انتم مسلمون )) ، أي مستسلمون ، طائعون .. و لقد سبقت الإشارة إلى انه علي الأمر التكويني تقوم حكمة الخلق ، و انه ليس ، في الأمر التكويني ، معصية ، فليس ثمة إلا الطاعة ، و إنما المعصية في الأمر التشريعي ، و لاشتمال الأمر التكويني ، علي الأمر التشريعي ، فليس هناك معصية ، في الحقيقة ، و إنما المعصية في الشريعة لحكمة التعليم .. فلكأن الفطرة التي فطر الله الناس عليها إنما هي الطاعة .. و هو ، تبارك و تعالي ، يقول ، في ذلك ( تسبح له السموات السبع ، و الأرض ، و من فيهن .. و ان من شيء إلا يسبح بحمده ، و لكن لا تفقهون تسبيحهم ، انه كان حليما غفورا ..)) و لكن لا عبرة بتسبيح غير العقلاء ، عند الله ، و إنما العبرة ، كل العبرة ، بتسبيح ــ قل بطاعة ــ العقول ، و لذلك فانه ، تبارك و تعالي ، يقول (( و من أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله ، و هو محسن ، و اتبع ملة إبراهيم حنيفا ، و اتخذ الله إبراهيم خليلا ؟؟ )) و يقول (( و من يسلم وجهه إلى الله ، و هو محسن ، فقد استمسك بالعروة الوثقي ، و إلى الله عاقبة الامور..)) و روح هاتين الآيتين في قوله ( و هو محسن )) يعني يسلم وجهه لله ، و هو عاقل ، و مدرك ، و مختار لهذا الإسلام ــ هو عالم ، و حر ، في ذلك التسليم .. و في موضع آخر يقول تبارك و تعالي ، ( لا إكراه في الدين ، قد تبين الرشد ، من الغي ، فمن يكفر بالطاغوت ، و يؤمن بالله ، فقد استمسك بالعروة الوثقي ، لا انفصام لها ، و الله سميع ، عليم )).. و العروة الوثقي هي القرآن .. قاعدته شريعة ، و قمته حقيقة .. و هو ، بين الشريعة ، و الحقيقة ، موصل إلى الله ، و لذلك قال ( و إلى الله عاقبة الأمور )).. العروة الوثقي هي طرف الحبل الممدود بين الله ، و الناس ، من استمسك به سار إلى الله ..
41) لقد تحدثنا عن التعليم ، و قلنا : انه ، في جميع المجتمعات ، قد كان محاولة لإعطاء الحي مقدرة علي المؤاءمة بين حياته و بين بيئته .. و قلنا ان المشكلة إنما هي البيئة !! ما هي ؟؟ و لقد فهمناها فهما خاطئا .. و لقد ظل هذا الفهم الخاطئ يلازمنا إلى اليوم ، و إليه ترجع مشاكل المجتمع البشري برمتها و أخطاء تعليمه ، بصورة خاصة .. و لقد قلنا ان العلم المادي التجريبي قد كشف لنا ، بانفلاق الذرة ، ان المادة ، بالصورة التي تألفها حواسنا ، و تعرفها عقولنا ، ليست هناك ، و إنما هي ، لدي التحليل الأخير ، طاقة ، تدفع و تجذب ، في الفضاء .. هذه الطاقة معروفة الخصائص ، مجهولة الكنه ، و ليس في طوق العلم المادي ان يعرف كنهها ، لا الآن ، و لا في المستقبل ، بل انه لا يدعي لنفسه هذه الإمكانية ، بل انه يقرر أنها خارج نطاقه .. هو يقف ههنا و يسلمنا إلى العلم الروحي ــ تؤامه الأكبر ــ ليسير بنا ، أمامه ، في رحاب الوادي المقدس .. هذا هو موقف العلم المادي التجريبي ، بعد ان قطع مراحل التطور البدائية ، من التعدد ، إلى ان وصل إلى الوحدة .. فما هو موقف العلم الروحي التجريبي ، بعد ان قطع مراحل التطور البدائية ، من التعدديات ، إلى ان وصل إلى الوحدة ؟؟ (( كان الله و لا شيء معه .. و هو الآن ، علي ما عليه كان .. )) هذا حديث نبوي شريف .. و في حديث قدسي قال تعالي : (( كنت كنزا مخفيا ، فأحببت ان أعرف ، فخلقت الخلق ، فتعرفت إليهم ، فبي عرفوني .. )) و أصحابنا الصوفية يقولون : (( مافي الكون إلا الله ــ ذاته ، و أسماؤه ، و صفاته ، و أفعاله .. )) .. و أسماء الله ، و صفاته ، و أفعاله ، إنما هي تنزلات من ذاته .. و هي لدي التناهي ، ذاته.. فرجع الأمر إلى صاحب الأمر .. (( ألا له الخلق و الأمر)) .. (( كنت كنزا مخفيا )) ، ذاتا ، صرفا ، مطلقا ، فوق العبارة ، و فوق الإشارة ــ فوق الأسماء و الصفات .. (( فأحببت ان أعرف فخلقت الخلق )).. و لقد كانت أول حركة في الخلق تنزل الذات من الصرافة ــ من الإطلاق إلى القيد ــ إلى مرتبة الاسم، (( الله )) .. و هذه مرتبة الإنسان .. و هي مرتبة (( أحسن تقويم )) التي جاءت الإشارة إليها في قوله ، تبارك ، و تعالي : (( و لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم )) .. و لقد خلق الله بالإنسان الأكوان .. فجاء الفتق : (( ثم رددناه أسفل سافلين )) .. (( و أسفل سافلين )) هي أدني ، و أوهن ، صورة التجسيد ، و هي ذرة بخار الماء ــ ذرة غاز الهيدروجين ، و هي في مركز الأرض .. لقد كان الفتق من أعلي عليين إلى أسفل سافلين ــ من ألطف اللطائف ، إلى أكثف الكثائف ، فظهر بذلك النقيضان ، و تحرك بندول الإنسان ، في طريق الرجعي ، من (( أسفل سافلين )) إلى (( أحسن تقويم )) .. و لقد قلنا تحرك بندول الإنسان لأنه ، ما في الكون الحادث ، إلا الإنسان .. ان الاختلاف بين (( أحسن تقويم )) و ((أسفل سافلين )) ليس اختلاف نوع ، و إنما هو اختلاف مقدار .. التوحيد يمنع اختلاف النوع ان يدخل في المملكة ، فلم يبق إلا اختلاف المقدار .. و عن البندول يقول تبارك ، و تعالي : (( الله الذي خلق سبع سماوات ، و من الأرض مثلهن ، ينزل الأمر بينهن ، لتعلموا ان الله علي كل شئ قدير ، و ان الله قد أحاط بكل شئ علما .. )) فالنقيضان هنا هما السموات السبع ، و الارضين السبع ، و البندول الذي يتحرك بين النقيضين ــ بين اللطيف ، و الكثيف ، هو الأمر ــ (( يتنزل الأمر بينهن )) .. و الأمر هو روح الله المنفوخ في الإنسان .. الأمر هو روح الإنسان .. الأمر هو الإنسان حين تتزاوج نفسه مع روحه هذه ــ حين تتم وحدة بنيته .. قال تعالي عن عيسى بن مريم : (( قال : كذلك !! قال ربك : هو علي هين ، و لنجعله آية للناس ، و رحمة منا .. و كان أمرا مقضيا !!))

42)الإنسان ، من حيث الحجم ، لا يذكر ، إذا ذكرت الأكوان ، و لكنه من حيث القيمة لا يذكر معه شئ ، لأنه هو سيد الأكوان .. خلق الله الإنسان بذاته من ذاته ، و خلق الله بالإنسان الأكوان .. نفخ الله روحه في الإنسان ، و نفخ روح الإنسان في الأكوان .. و قال الله ، تبارك و تعالي ،(( خلقت الإنسان لي و خلقت الأكوان للإنسان .. و قال تعالي ( ما وسعني ارضي ، و لا سمائي ، و إنما وسعني قلب عبدي المؤمن)) .. لقد خلق الله كل شئ بالفتق ــ فتق النقيض من النقيض ــ فجاءت المثاني .. قال تعالي ( و من كل شئ خلقنا زوجين ، لعلكم تذكرون .. )) ثم حرك بندول فكر الإنسان بين النقيضين ليتعلم ، فهو يفهم الضد ، بالضد ــ يفهم الخير ، بالشر .. و قال تعالي : (( سبحان الذي خلق الأزواج كلها ، مما تنبت الأرض ، و من أنفسهم ، و مما لا يعلمون..)) .. و أعلي الأزواج الذات المطلقة و الذات المقيدة ــ حيث قيدت الذات المطلقة نفسها ، بمحض الفضل ، في مقام الاسم ــ الله ــ الإنسان ــ الذات المحمدية ، التي هي أول قابل لتجليات الذات المطلقة .. فتنزل الذات الصرفة المطلقة لمقام الاسم ــ الله ــ هو أول الحركة ــ أول الفتق ــ أول الزمن ــ و ان كان زمنا يكاد يلحق بالمطلق .. ثم جاء الفتق الثاني من روح الإنسان إلى نفس الإنسان ــ من (( أحسن تقويم )) إلى (( أسفل سافلين )) .. ثم جاءت الفتوق كلها ، ذلك بان كل زوجين إنما هما مفتوقان من بعضهما ، لتقوم الضدية ، و تحدث حركة فكر الإنسان ، بين الضدين ، فيحصل العلم ، (( و من كل شئ خلقنا زوجين ، لعلكم تذكرون .. )) قال ، تبارك ، و تعالي ، : (( يأيها الناس !! اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، و خلق منها زوجها ، و بث منهما رجالا كثيرا ، و نساء ، و اتقوا الله الذي تساءلون به ، و الأرحام ، ان الله كان عليكم رقيبا!! )) .. فالنفس الواحدة ههنا هي نفسه ، تبارك ، و تعالي ، في المكان الأول ، ثم نفس آدم ــ الإنسان ــ في المكان الثاني .. و زوج آدم المخلوقة منه هي حواء ، و عنها جاءت الإشارة في آية ((يس )) بقوله (( و من أنفسهم )) .. و زوج الذات المطلقة ، المخلوقة منها ، هو آدم ، و عنه جاءت الإشارة في آية (( يس )) بقوله : (( و مما لا يعلمون)).. و من لقاء حواء بزوجها آدم جاء الاستمتاع الجنسي ، في علاقة زواج الحقيقة ، و الشريعة ، و جاءت المعارف ، و جاءت الذرية ، من رجال و نساء .. و من لقاء آدم بزوجه الذات الصرفة جاءت العبودية ، و جاءت المعارف .. و من المعارف رجال ، و نساء ــ معارف فكر ، و معارف شعور .. سبحان الذي خلق الأزواج كلها ، مما تنبت الأرض ، و من أنفسهم ، و مما لا يعلمون !!)) و داخل الفتق الثاني ــ من روح الإنسان ، إلى نفس الإنسان ــ تقع كل العوالم ، ما نري منها، و ما لا نري ، و ما نعرف منها ، و ما لا نعرف .. كل العوالم في الإنسان مطوية ، و لقد قال أحد العارفين في ذلك :

و تزعـــم انك جـــــــرم صغيــــر **** و فيـــــك انطـــــوي العـــالم الأكبـــــر؟؟
و هذا هو المعني الذي أشرنا إليه ، عندما قلنا : ان الله تبارك ، و تعالي ، قد خلق الإنسان بذاته ، ثم خلق بالإنسان الاكوان.

43)و عن فتق الأكوان قال تعالي : (( أو لم ير الذين كفروا : ان السموات ، و الأرض ، كانتا رتقا ، ففتقناهما ، و جعلنا من الماء كل شئ حي ؟؟ أفلا يؤمنون ؟؟ )) و لكن هل رأى الذين كفروا : (( ان السموات ، و الأرض ، كانتا رتقا ؟؟ )) نعم !! و لا !! و إلا لما جاز السؤال !! ، رأوا ، لأنهم كانوا في جرم الإنسان .. و بالإنسان خلقت السموات ، و الأرض ، مرتتقة .. و بالإنسان فتقت.. و هم قد كانوا هناك !! و لم يروا ، عندما برزوا ، من جرم الإنسان ، إلى أجرامهم الخاصة بهم ، و التي وقع عليها التكليف الشرعي بالأيمان .. فالحقيقة دائما بين بين ، لا هي في النقيض الأيمن ، و لا هي في النقيض الأيسر ، و إنما هي بينهما ، و يمر عليها البندول ، و هو في حركته يمنة و يسرة ..
بانفتاق السحابة التي كانت مرتتقة برز الكون ، باجرامه التي لا تحصي .. و الكون كونان ،انفتق أحدهما من الآخر ، وفق السنة الإلهية في خلق الزوجين .. الكون الخارجي ، و الكون الداخلي .. الكون الخارجي هو كون الشموس ، و المجرات ــ كون الشموس الثابتة .. و هي لم تسم (( الثابتة)) لأنها غير متحركة ، فما في الكون الحادث إلا متحرك ، و إنما سميت (( الثابتة )) لأنها محفوظة النسب ، في مواقعها ، رغم حركتها الدائبة ، حول نفسها ، و حول و نحو مركز ، هو نفسه ، متحرك ، يطلب من لا تصح في حقه ، الحركة ، و لا السكون : (( و إن من شئ إلا يسبح بحمده ، و لكن لا تفقهون تسبيحهم !!)) .. و الكون الداخلي هو كون المجموعة الشمسية ــ و هو جيب صغير جدا ، داخل الكون الخارجي .. و لقد كان الكون الخارجي سحابة مرتتقة ، فانفتقت ، فبرزت ، من تلك السحابة ، النجوم ، و الشموس ، و المجرات .. و لقد كان الكون الداخلي سحابة مرتتقة ، فانفتقت ، فبرزت من تلك السحابة شمسنا المعروفة ، و بناتها ، الكواكب السيارة التسعة ــ الأرض ، و الزهرة ، و عطارد ، و المريخ ، و المشتري ، و زحل ، و يورينص ، و نبتون ، و بلوتو .. ومن الناحية المادية فان مركز الكون الداخلي الشمس .. و لكن ، من الناحية الروحية ، فان مركزه الأرض ، لأن الأرض هي موطن الإنسان .. و الإنسان سيد الأكوان .. و كان القدامى ، السذج ، البسطاء ، الطيبون ، يظنون هذا الظن .. فلما تقدم العلم المادي ، و جاء الفلكيون ، المحدثون ، اكتشفوا ان مركز الكون الداخلي ، إنما هو الشمس ، و ما الأرض إلا كوكب سيار ، لا نور له من ذاته ، و إنما هو يستمد نوره من الشمس .. و هذا صحيح ، في المرحلة .. و عندما يجئ الوقت المعلوم .. عندما تتحد المادة و الروح .. فستظهر الأرض الكبرى، من الشمس ، و بناتها ، و منها ، و أهمها ،الأرض .. و يومها تنطفئ الشمس ، و تبرد ، و تنشأ فيها الحياة الأخري .. و تصبح هذه الأرض الكبري هي الكون الداخلي ، و حولها يدور الكون الخارجي ، و الجميع يدور حول المطلق ، حيث لا حول ، يومها يتحقق حلم القدامى السذج ، البسطاء ، الطيبين ، الذين ضحك ، من سذاجتهم ، الفلكيون ، الماديون ، المتحذلقون ، اليوم .. يومها يصبح مركز الكون الداخلي، و الكون الخارجي ، مركز الأرض الجديدة ، الأرض الكبري ــ يصبح المركز المادي ، و الروحي ، واحدا ، لأن المادة ، و الروح ، قد زوجتا ، فبرزت الوحدة ..

Post: #461
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 03:19 PM
Parent: #1


كيف يحتفل الجمهوريون بشهر رمضان المعظم ؟؟
د. محمد محمد الأمين عبد الرازق

لقد سجن الأستاذ محمود محمد طه مرتين في عام 1946م: الأولى بسبب إصداره منشوراً سياسياً ، ضد الإنجليز ، والثانية بسبب ثورة رفاعة ضد قانون منع الخفاض الفرعوني.
كان الأستاذ محمود يتخذ من فترة السجن خلوة للعبادة ، الصلاة والصوم .. وكان يصوم صيام المواصلة ، النهار والليل لمدة سبعة أيام متتالية فاعتبره المراقبون للأحداث مضرباً عن الطعام ، ونشرت الصحف متابعة لأيام الصيام المتتالية .. ففي الرأي العام 24/10/1946م جاء في كلمة تحت عنوان (خواطر) ما يلي: (شاءت الحكومة أن تضع الأستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري ، في الدرجة الثالثة بالسجن حيث يلقى المعاملة التي يعامل بها حثالة المجرمين من أحقر طبقات المجتمع .. وكان أن صام الأستاذ محمود ، وأضرب عن تناول الطعام ، والشراب منذ أربعة أيام ، احتجاجاً على هذه المعاملة القاسية) .. وفي نفس العدد: (بهذا اليوم أتم الأستاذ محمود رئيس الحزب الجمهوري السجين ستة أيام من صيامه .. وقد أغلقت أمس أندية الخريجين في مدني ، والأندية الرياضية ، احتجاجاً على سوء معاملته .. وتتوالى برقيات الحزب الجمهوري والمواطنين على السلطات بالاحتجاج) ..
هذا وقد صححت أسرة الأستاذ محمود الخبر بأن الأستاذ صائم وليس مضرباً عن الطعام عبر الخطاب الآتي: (حضرة رئيس تحرير الرأي العام .. بالإشارة إلى الخبر المنشور في صحيفتكم عن إضراب رئيس الحزب الجمهوري عن الطعام ، أعرفكم أن الأستاذ محمود كان صائماً في اليوم الذي اعتقل فيه ، و ليس مضرباً ، وأنه قد افطر ليلاً .. وقد قابلت ضابط السجن بوصفي خالاً للمعتقل في يوم وصوله ، وسمح لي بتقديم الطعام إليه في كل يوم ، ومن هذا يتضح أن الأستاذ لم يكن مضرباً عن الطعام كما نشر ، وختاماً تقبلوا سلامنا .. الرأي العام 5/11/1946م) .. وفي لقاء لطلاب معهد الدراسات الأفريقية والآسيوية بجامعة الخرطوم ، مع الأستاذ محمود بمنزله قال في الرد على سؤال حول ذلك السجن: (بدأ السجن في مدني .. ويلاحظ برضو أنو المحكمة كانت زي سجنتني في الدرجة الثالثة ، ما ذكرت معاملة خاصة .. في مدة الاحتجاز قبل السجن كنت أعامل كسجين درجة ثانية ، لكن المحكمة ما ذكرت التمييز دا فكان الاتجاه انو أكون سجين درجة ثالثة .. بدأت بطبيعة الحال بنفس الأسلوب بتاعي اللي هو الصيام الصمدي ، فكان سبعة أيام ما في أكل ولا شراب لا بالليل ولا بالنهار .. وكانوا يجيبوا الأكل بتاعهم يختوهو وبعدين يشيلوهو ، ويجيبوا الوجبة البعده ، والأخوان من بره يتكلموا عن الإضراب عن الطعام لسوء المعاملة .. هم الأخوان الجمهوريون عارفين أنو صيام .. بدت الحركة الثانية بالصورة دي ، بعد السبعة يوم في اليوم الثامن عدلوا السجن إلى الدرجة الثانية .. سجن مدني ما فيه مكان لمساجين الدرجة الثانية .. استمريت زي ثلاثة شهور في سجن مدني .. فتقرر في الآخر أني أجي كوبر) ..
تلك كانت تجربة الأستاذ محمود في الصيام الصمدي .. والصيام الصمدي معروف في السنة النبوية ، فقد كان النبي الكريم عليه أفضل السلام وأتم التسليم يصومه .. وعندما حاول الأصحاب أن يقلدوه فيه منعهم فقالوا: إنا نراك تواصل يا رسول الله .. قال: إني لست كأحدكم فإني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني .. وبالطبع لا يطعمه خبزاً ولا يسقيه لبناً ، وإنما هي أنوار اليقين بالله ، فالحياة في الأساس ممدودة روحياً من الله.
إن جميع العبادات ما هي إلا وسائل لإصلاح النفوس ، ولكننا في الوقت الحاضر أفسدنا تلك الوسائل ، بإساءة ممارسة تطبيقها .. فالصلاة التي هي أشرف وابرك عمل العبد ، أصبحنا نصليها بالعادة ، ونعاملها كمظهر اجتماعي ، فجردناها من روحها وجوهرها ، وهو الحضور ومن ثم حرمنا من ثمرتها وبركتها.. نحن نركز على مكبرات الصوت من غير ترشيد ، ونظن أن مجرد نشر حركات الصلاة عبر الميكروفونات عمل جيد ولا ننتبه إلى المضايقة التي يمكن أن تحدث للمرضى والأطفال والمرهقين من المواطنين الذين تضطرهم ظروف عملهم إلى أن يرتاحوا في أوقات معينة وقد قال تعالى: (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً).. إن تفاصيل صلاة المصلين تخصهم هم ، ولا شأن لجيران المسجد بها ، فيجب أن تكون تلك التفاصيل محصورة داخل المسجد فقط ، ونكتفي بإعلان الآذان فقط عبر الميكروفون .. ويلاحظ أن بعض المساجد تبث عبر المكبرات المحاضرات والأحاديث التي يستمعون إليها داخل المسجد فيجعلون الاستماع إليها من الجيران إجبارياً .. نحن نظن أن تلك الصلوات عندما تؤدى وتعلن على الملأ إنما هي مسجلة تقرأ علينا يوم الحساب وتوضع في ميزان الحسنات .. ولكن الفهم الصحيح هو أن هذه الصلاة إنما هي وسيلة إصلاح للنفس اليوم في المقام الأول ويجيء تمام الأجر يوم الحساب فإذا أنت أضعت القيم التي ترمي إليها الصلاة في حسن معاملة الناس فلن تجدها مسجلة في أي مكان آخر ، لأنها لم تنجز المهمة التي شرعت من أجلها .. فالدين المعاملة .. ألم يقل النبي الكريم: (رب مصل لم يقم الصلاة) وأكثر من ذلك: (رب مصل لم تزده صلاته من الله إلا بعداً) وفي الصوم (رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش) .. ولتأكيد أن القيم التي تستخدمها العبادات كغاية أهم من العبادة نفسها ، جاء في الحديث (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) ..
لقد كان الأستاذ محمود محمد طه يحرص على تحقيق أقصى درجة من الفائدة الروحية التي يرمي إليها الصوم .. وكان تلاميذه يجتمعون أمام منزله في إفطار جماعي لا يختلف في مكوناته عن الأيام العادية .. ثم تقام جلسات الذكر والفكر حول فهم العبادات بصورة تجعلها مؤثرة على سلوك الأفراد ، ودافعة لترقيهم الروحي إلى الأمام .. ويوجه الذين لديهم أعذار تمنعهم الصوم ، بأن يتوقفوا عن الطعام الذي تندفع إليه نفوسهم اندفاعاً شهواتنا ، فإن في ذلك شيء من أهداف الصوم ، فالصوم هو الاستعانة بترك شهوتي البطن والفرج على دواعي الجبلة البشرية إلى الغفلة ، وهو يهدف إلى تقوية العقل ليتمكن من قيادة النفس وتوجيهها .. وأثر الصوم في إضعاف سيطرة النفس السفلي أظهر من العبادات الأخرى ولذلك جاء الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) ..

الصوم توأم الصلاة:
قال تعالى: (يأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر ، والصلاة !! إن الله مع الصابرين) وقال النبي الكريم (الصوم ضياء والصلاة نور) .. والصبر في الآية هنا يعني "الصوم" لأن الصوم رياضة تطالب بالصبر عن دواعي الجبلة ، وعن الغفلة ، والانحراف .. وغرضها تقوية الفكر .. والصبر فضيلة في السالك ، يحتاج إليها في جميع مقامات العبادة ، وليست في صفة العباد صفة تعادلها .. ولذلك فإنه قد قال: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) كل عامل في الطاعات أجره بحساب ، إلا الصابر فإن أجره بغير حساب .. فالصوم ليس هو الإمساك عن شهوتي البطن والفرج ، وإنما الصوم التزام بمحاربة العادات ، وانتصار للفكر ، بدوام الحضور .. حتى يصبح الصائم حاضراً مع الله ، ومتخلياً عن كل ما سوى الله .. وبارتقاء درجات الصائم ، ترتقي درجات المصلي ، حتى أن السالك في هذا المستوى ، بالصوم ، والصلاة ، ليبلغ مقام من قال سبحانه وتعالى عنه: (الذين آمنوا ، ولم يلبسوا إيمانهم بظلم!! أولئك لهم الأمن ، وهم مهتدون) .. والظلم هنا إنما يعني الشرك الخفي الذي عنه قال المعصوم (إنه ليدق حتى يصبح أخفى من دبيب النملة السوداء في الصخرة الصماء ، في الليلة الظلماء) .. إن الصلاة وسيلة إلى هذه المقامات ، يعينها ، في حسن التوسل إليها ، صنوها الصوم .. وهذا معنى قوله تعالى: (يأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين) .. قوله: (استعينوا) ، يعني استعينوا على دواعي "الجبلة" إلى "الغفلة" حتى تخرجوا من الغفلة إلى نور الحضرة " العلم" ..
والحديث (الصوم ضياء والصلاة نور) يوضح العلاقة بين الصوم والصلاة ، كما أنه يوضح قيمة الصوم والصلاة للسالك .. والفرق بين النور والضياء محكي في قوله تعالى: (هو الذي جعل الشمس (ضياء) والقمر (نوراً) وقدره منازل ، لتعلموا عدد السنين ، والحساب .. وما خلق الله ذلك إلا بالحق .. يفصل الآيات لقوم يعلمون) فالضياء (النور) الأصيل ، والنور (النور) المعار .. فالجرم "المضيء" "نوره" منه كالشمس ، والجرم "المنور" نوره مستمد من غيره كالقمر .. وعندهم أن الأرض والشمس والقمر من آيات الآفاق ، تمثل الثالوث المودع في البنية البشرية ، من آيات النفوس .. والله تبارك وتعالى يقول: (سنريهم آياتنا ، في الآفاق ، وفي أنفسهم ، حتى يتبين لهم أنه الحق .. أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ؟؟) ..
فالشمس ، من آيات الآفاق ، في مقابلة "القلب" من آيات النفوس .. والقمر ، من آيات الآفاق ، في مقابلة "العقل" ، من آيات النفوس .. والأرض من آيات الآفاق ، في مقابلة "الجسد" من آيات النفوس .. ومعنى الحديث أن الصيام إنما هو حظ الروح ، فهو يشحذ الذكاء ، ويعطيه نفاذاً ، ومضياً .. وملوم أن "البطنة" تنيم "الفطنة" .. والصيام إنما يشحذ الذكاء ، لأنه يؤثر على الدم فينقيه ، ويقلله ، ويحد بذلك من طيش ، واندفاعات ، الشهوة .. وقد جاء في حديث المعصوم (إن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم ، فضيقوا مجاريه بالصوم ..) فإذا ما شحذ الصوم ذكاء "روح" العابد ، ثم إن هذا العابد أقبل على الصلاة ، فإن عقله يكتسب ، نوراً بتعرضه لضياء "الروح" في أوضاع صلاته المختلفة ، كما يكتسب القمر النور من ضياء الشمس ، وهو ينزل منازله المختلفة .. والقمر ينزل أربعة عشر منزلاً يصير ، في نهايتها ، بدراً كاملاً .. سبعة لينتصف فيها بالنور وسبعة أخرى ليصير فيها بدراً كاملاً .. يحكي في الحجم جرم الشمس ، حتى لكأنه قد عكس بنوره جميع ضيائها .. هذا فيما يرى الرائي .. والصلاة ، في كل ركعة ، فيها سبعة حركات ، تمثل منازل القمر السبعة .. فأنت إذا كنت سالكاً مجوداً ، وصليت ركعتين ، وفكرك حاضر في صلاتك ، فيجب أن تعلم أن كل حركة ، من حركاته الأربع عشرة تختلف عن الحركة التي سبقتها ، وإن كانت تشبهها ، وما ذاك إلا لأنها بمثابة منزل جديد ، ينزله قمر "شريعتك" من شمس "حقيقتك" .. فإذا ما أنت أكملت الركعتين ، فلكأنما قد أكملت بدرك ، لكأنما قد استضاءت صفحة عقلك بنور المعرفة المنبثقة من ضياء روحك ، فتوازي العقل ، والقلب ..

آداب الصوم:
وإذا كانت الصلاة والصيام وسيلة إلى تهذيب النفوس وتنويرها – وسيلة إلى صفاء العقل ، وسلامة القلب – فيحسن أن نقف عند الصوم في شهر الصوم هذا ، حتى نستفيد منه ، حتى نحسن التوسل به إلى رياضة نفوسنا ، ومعرفته ، ومن عرف نفسه فقد عرف ربه كما جاء في الحديث الشريف .. وللصيام الصحيح آداب منها: أن نحب وقت الصيام ، وأن نستقبل شهره الكريم بالاستعداد ، والتوبة والتشمير ، وأن تدخل في صومك بنية ، وأن تكون النية متنقلة ، فلا يكن صيام عن الأكل والشراب فحسب ، ولكن فليكن صيامك استعانة بترك الأكل ، والشراب ، على يقظة الشعور ، وشحذ الفكر لتقوم بالمراقبة على جميع حركاتك ، وسكناتك في اليوم .. فليكن صومك فطماً لنفسك عن الرغبة في كل ما سوى الله .. ومن آداب الصوم أن تعجل بالفطور ولا تعجل نفسك عن الأخذ بحاجتها منه فأقبل على الفطور إذاً ، وخذ حاجتك منه ، في غير إسراف ، قبل أن تنهض لصلاة المغرب .. فأنت إنما تفعل ذلك حتى تقبل نفسك على الصلاة وهي في جمعية لا تتلفت إلى الطعام والشراب .. قال المعصوم: (إذا قدم العشاء فابدءوا به قبل أن تصلوا المغرب ، ولا تعجلوا عن عشائكم) ومن قلة الفقه ، يتورط في الخطأ كثير من الناس الآن في رمضان ، حيث يجلسون إلى الفطور فيتناول أحدهم "بلحة" واحدة ، ويجرع جرعتين من الماء المطلق ، ثم ينهض لصلاة المغرب ، ثم هم بعد الصلاة يقبلون على الأكل والشراب .. فبمثل هذا الصنيع تنقص الصلاة ، لأن حاجة النفس إلى الطعام والشراب ، وقد صامت عنها طول النهار ، وهما حاضران أمامها ، وتنبعث منها رائحتهما الشهية ، حاجة النفس إلى الطعام هذه تجعل النفس موزعة ، كثيرة التلفت ، مما ينقص حظها من الحضور .. والفقه يقتضي علينا بأن نتفرغ للصلاة بتناول حاجتنا من الطعام ، لا أن نتفرغ للطعام بالتخلص من الصلاة .. ومن آداب الصوم ألا يجري الاستعداد لرمضان بأطايب الأكل والشراب وبالإسراف الذي نرى الناس عليه اليوم ، فإن الناس في الوقت الحاضر يأكلون في رمضان أكثر مما يأكلون في غيره من الشهور .. ومن آداب الصيام ألا نتخذ الصوم ذريعة (لتقليل العمل) فنظهر رمضان كأنه موسم للتبطل ، والكسل ، والنوم ، وقلة الإنتاج .. إنك بذلك تعرضه للذم وهو أبرك الشهور وأبعدها عن الذم .. وحين تصوم صوماً صحيحاً ، تتوخى فيه الحضور ، والفكر وحفظ جوارحك ، ومراقبتها ، والاستعانة على كبح شهواتك ، ونزواتك ، بترك الأكل والشراب ، فإن روحك ستقوى ومن هنا تجيء حاجتك للاجتهاد في الصلاة وتقوم العلاقة بين الصوم والصلاة .. وصلاة القيام – قيام الثلث – كانت سنة النبي الكريم في رمضان ، وفي غيره ، ولكن رمضان كان موسم تشمير ، واجتهاد ، وذلك للقرينة القائمة بين رمضان والقرآن (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) .. فقم الثلث وأطل القيام .. وأكثر من قراءة القرآن في الصلاة .. وكرر القراءة في الصلاة إن شئت فإن قراءة القرآن في الصلاة أفضل العبادة .. والقرآن يعطي أسراره في رمضان ، أكثر مما يعطيها في غيره من الأزمان ..

صلاة التراويح:
إن صلاة القيام الواردة في السنة والمطلوبة بصورة أوكد في رمضان ، إنما هي صلاة الثلث الأخير من الليل التي يقوم لها المصلي بعد نوم ، وفي هدوء الليل ، وفي ظلامه ، وبعد أن أخذت النفس راحتها ، يقوم المصلي (إن ناشئة الليل هي اشد وطئاً وأقوم قيلا) يعني يواطيء فيها القلب اللسان ، فيستقر القول ، ويستقيم الخاطر ، ويطمئن القلب ، وتستوي لكل أولئك الفطرة .. وصلاة القيام هذه ، كما هي في السنة ، كانت بين ثلاث ركعات وهي أدناها وثلاثة عشر ركعة ، وهي أعلاها .. وهذه الصلاة عظيمة !! عظيمة!! ولذلك كان النبي الكريم يواظب عليها ، ولا يتركها حتى في السفر .. وإن فاتته لعذر قضاها بالنهار .. قضاؤها بين ركعتين واثنتي عشرة ركعة .. أما صلاة التراويح التي يصليها الناس منذ صدر الإسلام ، والى عهدنا الحاضر ، في أول الليل ، في رمضان ، ويسمونها (صلاة القيام) ، هي ليست بصلاة قيام على الإطلاق ، وبالتالي ليست سنة .. وإنما هي بدعة ، ابتدعها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب .. إن الذي جرى من النبي الكريم للناس أنه صلى بهم ليلتين أوقفها بعدهما .. وقال لمن كان ينتظر خروجه إليهم من الأصحاب لأدائها ، خشيت أن تكتب عليهم .. ثم أن الناس أخذوا يصلونها فرادى .. وفي عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أطلع عليهم ذات مرة وهم يصلونها في المسجد .. فوجد بعضهم يشوش على بعض باختلاط قراءاتهم .. فقال: (لو جمعناهم على إمام) .. فجمعهم على أبي بن كعب .. ثم أنه أطلع عليهم ذات ليلة ، وهم يصلونها خلف إمامهم هذا فقال: (إنها لبدعة ، ونعمت البدعة ، وإن كان الذي ينامون عنه ، أفضل من الذي يقومونه) ..
يعني الوقت من الليل الذي ينامون عنه ، هو الثلث الأخير ، أفضل من الوقت الذي يقومونه منه وهو أوله .. وقد ظلت بدعة "التراويح" تمارس إلى يومنا الحاضر .. وقد آن لها أن تقف .. ذلك بأن حكم الوقت اليوم ، يقتضي بإيقاف كل البدع الحسنة ، فإنه وقت التزام "السنة" لا وكس ولا شطط ، فلم تغادر "السنة" صغيرة ولا كبيرة نحتاجها في أمر معاشنا ، وأمر معادنا ، إلا وجهت فيه توجيهاً سديداً .. لا تصل "التراويح" ولا تنم الثلث من الليل ، ولا تزد في صلاة الليل عن الثلاث عشرة ركعة ، لا في رمضان ، ولا في غير رمضان .. وإن فاتتك صلاة القيام في الثلث لنوم غلبك ، فأقضها في الضحى ، وصلها شفعية: اثنتين ، أو أربعاً ، أو ستاً إلى أثنتي عشرة ركعة .. تأتي من ذلك ما تطيق .. فإن ذلك يورث النفس من الندم على فواته ما يوقظ فيها رقيباً عليها ينهضها من الليل..

الخاتمة:
وفي الختام أود أن أشير إلى ظاهرة صلاة التهجد ، التي تقام في المساجد في العشرة الخواتيم من شهر رمضان ، وتبث عبر مكبرات الصوت في جميع الاتجاهات .. إن هذه الصلاة لا علاقة لها بالسنة النبوية وإنما هي بدعة ، وصلاة القيام كما أسلفنا ، هي صلاة الثلث الأخير من الليل ، وهي صلاة فردية ليست صلاة جماعة .. ومن آدابها أن تصلى في المنزل ، في جو مظلم ، وفي هدوء الليل فيستغفر المصلي باستعراض شريط يومه كاملاً ، ويشكر الله إن أحسن ويستغفره إن كان في عمله إساءة .. إن عادت صلاة التهجد بالصورة التي تتم في المساجد الآن ما ينبغي أن نتردد في إيقافها ، لأنها تضعف الحكمة التي شرعت من أجلها صلاة الثلث الأخير عند من يظنونها صلاة القيام المفروضة في السنة وما هي بذلك .. يضاف إلى ذلك ما تسببه من ضوضاء تنتج من تضارب القراءات التي تأتي من المساجد المختلفة في جوف الليل والناس نيام .. ونحن نرى أن صلاة الثلث الأخير كما كان يؤديها النبي الكريم تعتبر فرض كسائر الصلوات الأخرى .. ذلك لأن الإسلام إنما يبعث ببعث السنة التي طبقها النبي في خاصة نفسه .. قال تعالى: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً) .. هذه هي صلاة القيام الحقيقية التي تؤدى بصورة فردية وليست صلاة جماعة بأي حال من الأحوال..



Post: #462
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 03:30 PM
Parent: #461

مفاكرة الجمعة
أهـــى إسلاميــــة المعــــرفة أم إسلاميــــــة العلـــم..؟
الشيخ عمر الأمين أحمد

/ علم مدخور لم يفض غلافه بعد:
وبوصولنا الى تصنيف يلصق المعرفة الى مكابدات الإنسان مع الطبيعة والمجتمع، ويحلّق بالعلم كى يتعالى فيصير حاكماً على مجمل الظواهر مجتمعية كانت أم طبيعية، فإننا نكون قد وصلنا الى مفترق طرق يتحاشى منظرونا ومفكرونا خاصة من الأكاديميين الوقوف عندها، فلا يتمكنون من رؤية كون المعرفة ليست أكثر من عمل مقصود منه مدافعة أو استئناس الطبيعة أو المجتمع، فيتحدد عندهم مصدر المعرفة ليكون العمل، وأغلبه مقترح يتم تعديله بتكرار التجريب. وتكرارالتجريب يراكم المعرفة والتى تورث كما يقال الحكمة، وذلك يفضى الى وزن الأمور بالمعروف، أو تكرر نفس التجريب كما قرره الشهيد الأستاذ محمود محمد طه فى مقولته: (كل تجربة لا تورث حكمة تكرر نفسها)
أما العلم فهو لا يتعدى أمر اكتشاف الأنساق والقوانين المنظمة لسلوك الظواهر الطبيعية والمجتمعية، وصلته بالعمل ضعيفة وواهية لا يؤبه لها، فالكهرباء اكتشاف انسانى لا تستمد وجودها من العمل الذى أدى الى اكتشافها، وكذلك كل القوانين الفيزيائية والكيميائية والبايولوجية والجغرافية والتاريخية فهى كظواهر كانت موجودة بكامل وجودها الذى لا يكمله أى عمل يؤدى الى التعرف عليها كظاهرة. فوجود هذه الظواهر وجود محفوظ ومكنون ومدخور (صرة بى خيط) لم تكن البشرية واعية به، كانت تمر عليه مرور العميان. فما كان اكتشاف الكهرباء يحمل أى شكل من إدعاءات بأنه إيجاد لها، بقدر ما كان ذاك ارتفاع لقامة العقل البشرى الى مقام يمكنه فقط من التعرف عليها كظاهرة.
بناءً عليه فالمعرفة نابعة من أسفل مرتفعة بالإنسان ومعه الى أعلى. أما العلم فهو موجود أصلاً فى استقلالية تامة يقتضى ارتفاع قامة البشرية الى مقام التعرف عليه، فهو بالتالى متنزل من أعلى كفعل موازٍ لارتفاع هذه القامة تشرفاً لمقامه. يبدو ذلك واضحاً فى التنزيل الحكيم فى نصوص واضحة غير ذات عوج، وبالتحديد فى قصة سيدنا موسى مع سيدنا الخضر فى سورة الكهف التى يتضح فيها دون كثير عناء وقت لم تبلغ فيه البشرية مقام ارتفاع عقلانيتها الى مناط التشريف العلمى. إذ لم يحن وقتها أوان نزول العلم، كون ذلك كان خارج قدرات إحاطة العقل البشرى حينها، ويمثل سيدنا موسى عليه السلام آنذاك قمته المعرفية العليا. انظر ذلك فى سورة الكهف فى طلب سيدنا موسى لسيدنا الخضر ــ عليهما السلام ــ فى قوله: (هل أتبعك على أن تعلمنِ مما علمت رشدا) ورد سيدنا الخضر: (إنك لن تستطيع معى صبراü وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا).
ولنأخذ مثالاً على كشف علمى آخر مدخور، انظر الى إمكانية أن تكون كلمة (علمكم) معطاة كمطابقة لكلمة (دينكم) فى الآية (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا)، وذلك نزولاً عند حكم صدرت قرارته من لدن عزيز حكيم، أوان نزول أول آيات التنزيل الحكيم الخمس (اقرأ بسم ربك الذى خلق ü خلق الإنسان من علقü اقرأ وربك الأكرم ü الذى علم بالقلم ü علم الإنسان ما لم يعلم) ولاحظ كيف بأن كرمه فى نهايات التنزيل دالاً على اكتمال نزول (علمكم) برضائه الذى يفترض فيه احتواؤه على تحقيق أول المطلوبات فى قوله الابتدائى وطلبه الأول (اقرأ) وذلك عن طريق استبعاد حدوث الرضاء فى حالة ما لم يكن حاوياً على إجابة ذلك الطلب بمتعلقاته (علم بالقلم ü علم الإنسان ما لم يعلم) حتى نتمكن من قراءة هذه الآيات الباهرات كما يأتى: (اليوم أكملت لكم دينكم) اقرأ علمكم .. (وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا) اقرأ (العلم دينا) وحينها يمكننا أن نقول بمعادلة آتية إن شاء الله مفادها.
الإسلام= العلم
ذلك الأمر الذى زيد تأكيده فى قوله جلَّ وعلا فى وضوح قاطع ناجز: (وكذلك أنزلناه حكماً عربياً ولئن اتبعت أهواءهم بعدما جاءك من العلم ما لك من الله من ولى ولا واق) 37 الرعد. والبشرية ليست موعودة كما قال الأستاذ الشهيد محمود محمد طه بحياة الفكر وحياة الشعور، فذلك لا يسوى شروى نقير مع ما هو موعودة به البشرية، مما أعد لها من سكن فى مدينة العلم، بعد أن يتمكن المؤمنون من الولوج عبر بابها الوحيد الذى انتبذوه وراء ظهورهم.
9 / جغرافيا تاريخ مناهج البحث:
وكذلك وبنفس الطريقة التى قدمنا فيها احتجاج فى نسبة وطرق التفكير العلمى الى فرانسيس بيكون أو ديكارت فى القرنين السادس عشر والسابع عشر، نحتج حول منهج البحث العلمى، وذلك لسبق نزول مصطلح منهج فى قوله ـ جل وعلا ـ (ولكل جعلنا شرعة ومنهاجاً) فإن التنزيل الحكيم قد سبق إليه البشرية إصطلاحاً وتنزيلاً. انظر الى جابر بن حيان (721 ــ 815 م) وهو يقول: (لكل صنعة أساليبها الفنية) ويقول (إنا نذكر في هذه الكتب خواص ما رأيناه فقط - دون ما سمعناه أو قيل لنا أو قرأناه، بعد أن امتحناه وجربناه، وما استخرجناه نحن قايسناه على أقوال هؤلاء) ثم يقول (ليس لأحد أن يدعى بالحق أنه ليس في الغائب إلا مثل ما شاهد أو في الماضى والمستقبل إلا مثل ما في الآن). ثم انظر الى الحسن بن الهيثم (965 ـ 1040م) فى كتابه (المناظير): وهو يقول عن عملية انتقال الضوء وكيفية الإبصار: (ولما كان ذلك كذلك، وكانت حقيقة هذا المعنى مع اضطراد الخلاف بين أهل النظر المتحققين بالبحث عنه على طول الدهر ملتبسة، وكيفية الإبصار غير متيقنة، رأينا أن نصرف الاهتمام إلى هذا المعنى بغاية الإمكان، ونخلص العناية به، ونتأمله، ونوقع الجد في البحث عن حقيقته، ونستأنف النظر في مبادئه ومقدماته، ونبتدئ في البحث باستقراء الموجودات، وتصفح أحوال المبصرات، ونميز خواص الجزئيات، ونلتقط بالاستقراء ما يخص البصر في حال الإبصار، وما هو مضطرد لا يتغير وظاهر لا يشتبه من كيفية الإحساس. ثم نترقى في البحث والمقاييس على التدريج والترتيب، مع انتقاد المقدمات والتحفظ في النتائج، ونجعل غرضنا في جميع ما نستقرئه ونتصفحه استعمال العدل لا إتباع الهوى، ونتحرى في سائر ما نميزه وننتقده طلب الحق لا الميل مع الآراء، فلعلنا ننتهي بـهذا الطريق إلى الحق الذي به يثلج الصدر، ونصل بالتدرج والتلطف إلى الغاية التي عنـدها يقع اليقين، ونظفر مع النقد والتحفظ بالحقيقة التي يزول معها الخلاف وتنحسم بـها مواد الشبهات. وما نحن، مع جميع ذلك، براء مما هو في طبيعة الإنسان من كدر البشريـة، ولكنا نجتهد بقدر ما هو لنا من القوة الإنسانية، ومن الله نستمد المعونة في جميع الأمور). فما رأيكم في من ينسب هذا الجهد الى (ليفى شتراوس) الذى يقال بكونه من أنزل مناهج البحث الى أرض الواقع العلمى؟ فقد جاء جابر بن حيان ثم الحسن بن الهيثم وطريقته، وذلك قبل أكثر من ستة قرون بالتمام والكمال عن مولد فرانسيس بيكون وأكثر من ذلك من ظهور ديكارت، والشاهد أنهما تلقيا علومهما ومناهجهما العلمية من الجامعات الأندلسية، وما تبنوه بعد ذلك فيه كثير مما هو محجوب الأصول، متهم بأن كثيرا منه يحتوى على سرقات ضخمة ومتلتلة مازالت آثارها بادية فى اختلالات منهجية كبيرة، واتهامات بالأحادية العلمية، وبالاختزال والاختلاس العلميين، وهذا هو ما سبب جانباً لم يتم النظر إلية كفاية من أجل نقده وتصحيحه فى كافة المشاريع العلمية الأوروبية، ومنها بالتأكيد ما قاد الى ما يُعرف عند راحلنا العزيز محمد ابو القاسم حاج حمد باللاهوت الأرضى.
ولا أدرى كيف تجرى موازين مختلة ومنحلة علمياً فى تاريخ العلم، عند أهل منظومة العقل الاستنباطى الحسى، لنتحدث عن تاريخ صحيج لما يسمونه (العقل التجريبى) فنراه فى تجريبية مستلفة عند ديكارت فينسب إليه فضل لا يستحقه، قام فيه بإدخال عناصر الهندسة التحليلية على منظومة مقايسات الأرض (الهندسة الإقليديسية)، فيقال بأبوته لمعادلات الإحداثين السينى والصادى وإحداث البعد الثالث الذى ينسبونه إليه مباشرة فى حين لا يمثل عندى أكثر من (جامع قمامة علمية) مما تساقط هنا وهناك مما يمكن الاستفادة منه وإعادة استعماله. فالإحداثيات على رأى البروفيسور (ك. ر. وايلى) رئيس شعبة الرياضيات بجامعة (يوتا) بالولايات المتحدة الأمريكية، فهى تخص مصور ناشئ من مدينة فلورنسا يسمى (فليبو برونيليشى) أخرجها مصادفة ضمن نشاطه التصويرى عند اكتشاف الرسم المعمارى وفق علم المنظور. لكن يظن الكثيرون ــ زوراً وبهتاناً ــ أن ديكارت أب للإحداثيات بحكم إدخال علم البيان الرياضياتى مستلفاً إحداثيات (برونيليشى) ثم إضافتها الى معادلات الهندسة التحليلية التى تستخدم معارف علم الجبر (المستلف الأول والأكبر). ولا أستطيع أن أجزم هل استلف ديكارت مفاهيم السلب والإيجاب الكمى فى (بيانياته) أم هى من مستخرجات وفوائد ما قام به من تبضع وتجميع لـ (القمامة العلمية)؟
ونزداد تعجباً إزاء هذا التغول والسرقة العلمية جهاراً نهاراً وبقوة عين، فقد أنفقت زمناً معتبراً لمعرفة ما إذا كان قد تم اعتماد ما قام به جابر بن حيان ثم الحسن بن الهيثم كمنهجية متكاملة الأركان هزت قناعات سابقة وهزمتها، وأطلقت مارد عقلانية البحث العلمي من قمقمه وجعلته بداية طريق لتحرير مناهج البحث وأدواته، وبالتالي القفز إلى حالة تحرير العقل عن الركون الى تزييف معلوماتى كبير فى أسلوب الاستنباطى الحسي. إلا إني للأسف لم أتمكن إلا من إيجاد اعترافات خجولة لباحث أمريكى يسمى الدكتور تشالرز جروسبى، اعترف أن ما جاء به ابن الهيثم كان صحيحاً في مجال علوم البصريات والضوئيات، وصحيحاً كمنهج للبحث العلمي جديد لم يتم النظر إليه كفاية، ما يزال ينتظر ذلك في أضابير لم يفض غلافها بعد.
لذلك فمنسجم مع هذا القول أن هنالك تجاهلاً كبيراً أن الحسن بن الهيثم ليس ظاهرة معزولة منبتة الأصول والجذور، ولا عبقرية متفردة جادت بها صدفة تاريخية محضة، فعلى شاكلته يقف الخوارزمي (توفى عام 850 م) في علوم الرياضيات والحساب كرائد لمناهجها خاصة فى علوم اللوغريثمات وطرق إجراء العمليات الحسابية المعقدة، حتى ليسمى المخترع الأول لآلة الحساب التي آلت بحذافيرها إلى آلة الحاسوب. وللخوارومى أستاذ ومعلم تتصل علومه بلا أدنى شك أو ريب الى المصطفى ــ عليه وعلى آل بيته أفضل وأزكى الصلاة وأتم وأوجب التسليم ــ فهو مسلم من أصل فارسى يعمل خازناً للخليفة العباسى المأمون، أرسله الى الإمام على بن موسى الرضا كى يعلمه كيفية تسجيل وحساب واردات بيت المال، فورث عنه بعضا من العلوم، وقام مأذوناً له ببثها فسميت طرق الحساب بإسمه فيقال (اللوغريثمات) وتعنى ترجمة لاتينية للكلمة اللعربية (الخوارزميات).
وفى مكان قريب آخر يقف الجغرافي الشهير الشريف الحسن الإدريسى (1100 ــ 1166م) الذي قال بكروية الأرض، وقدم لذلك خارطة مفارقة لكل التصورات الجغرافية التي عاصرته وامتدت بعده كحقائق مجهولة النسب لأكثر من أربعة قرون. من أين جاء بهذه المعلومة فى مقابلة ما كان يظن بتسطيح الأرض ومركزيتها الكونية، فذلك مبحث منيف آخر. فجابر بن حيان الصوفي كان أولهم ومعروف عنه أنه أول من أخرج علوم الحساب خاصة الجبر وأخرج علم الكيمياء وعلوم مناهج البحث، حتى لنكاد أن نقول إنه استخرجهما من عدمية مطبقة. فى حين يتجاهل الكثيرون منا أن جابر بن حيان، وهو من اوائل من حمل لقب (الصوفى) كان حارساً خاصاً (حاجب) لجد الإمام على بن موسى الرضا، ألا وهو مرجعية ما عندنا من العلوم خاصة الكيمياء والفيزياء والرياضيات، ألا وهو إمام العترة النبوية الشريفة الطاهرة المطهرة سيدى الإمام جعفر الصادق، رضى الله عنه وأرضاه. وتترى بعد ذلك قائمة طويلة عريضة لعلماء مسلمين يُلاحظ بوضوح تحرر عقلانيتهم من خرافات حدسية. ولولا خوف من استطالة فى مباحثنا، لسودنا صحائف تتبع هذه القمم العلمية الشامخة إلى مكان بؤرة الإشعاع العلمي التي انطلقت منها واستندت إليها، حيث تخفت هذه البؤرة بفعل السياسة الأموية والعباسية خفاءً يكاد يتطابق مع عدمية في مصادر هذه العقلانية، الأمر الذي قد يظن أن هذه المعارف تستند إلى مصادفات مضحكة مثل وقوع تفاحة على الرأس أو فيضان ماء في حمام كانت سبباً لانطلاق نظريات علمية، ربما بين الفحص الصحيح المتأني أن تلك كانت هرطقات غذتها عقليات الخرافة والأساطير الأوروبية التى كانت سائدة حينها.
وأظن أنى فى نهاية الحديث عن تاريخ وجغرافيا مناهج البحث العلمى، فإنه يجدر بنا أن نشير الى أن مناهج البحث شأنها فى ذلك شأن عقلانية التفكير العلمى، فكلاهما اسلاميتا المنشأ، فى حين تظل المعرفة قيمة مشاعة ذائعة منتشرة فى مختلف المضارب والجهات، وفى مختلف المستويات من أدناها إلى أعلاها، ومن تليدها الى معاصرها، ونقترح على البروفيسور محمد الحسن بريمة مدير معهد اسلام المعرفة بجامعة الجزيرة، تعديل اسم المعهد من (معهد إسلام المعرفة) الى (معهد إسلام العلم). ومن ثم ينبغى تشمير ساعد الجد لتنقية العلم ومناهج البحث العلمى من دخن دخلهما نتيجة استزراع بذرة تمت سرقتها من بيئتها الى بيئة لم تعط فيها ما تستحقه من مقومات، فضمر سوقها حين تحولت علومها الشريفة الى معارف تطبيقية تحسب بحساب الربح والخسارة الرأسمالى.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. (نواصل ما تبقى فى حلقة واحدة قادمة إن شاء الله تحت عنوان: «تسويات نهائية»).

http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=37048
_________________

Post: #463
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 04:48 PM
Parent: #1



عسل مختوم

محمد حامد الحُمْرِي
كُتب في: 2006-02-04

[email protected]


الفايق يحنن ضنب كلبو !!!

في عدد الزميلة الصحافة الصادر في 29 أكتوبر من العام الماضي كتب الزميل الأستاذ عثمان ميرغني يتحدث ويبرر ويوثق لحيثيات إنتقاله من صحيفة الرأي العام لصحيفة الصحافة قائلا (في تقديري أن المساحة المتاحة تحريريا في صحيفة الصحافة حاليا تناسب المدى الذي أظن أنني أستطيع العمل فيه ، حدود لا يحدها إلا الضمير والقانون) وأشار الأخ عثمان الى أنه رغم حرصه على موقعه ومنبره بالرأي العام ورغم ما بذلته قيادتها من جهد إلا أن الأمر في النهاية كان (بيد الظرف الذي جعل المساحة المنظورة من الرأي والتعبير أصغر من فم القلم)!! ثم تحدث عن القارئ السوداني الذي (يقرأ ما بين السطور بحاسة شم عالية تكشف المدسوس من المحسوس) واختتم عموده بقوله (في هذا الموقع الجديد نلتقي كل صباح بلا قيود حريرية أو حديدية) !!! وقد قرأت هذه المادة من على موقع الصحيفة بالإنترنت وكنت وقتها خارج البلاد ، كان الحزن في أعماقي كبيرا لجنوح الأخ عثمان وظلمه البين للرأي العام التي يشهد القراء وتشهد الأراشيف أنه كتب وقال من خلالها ما لم يقله الهالك محمود محمد طه عن الرسالة الثانية وصلاة الخواص !! حزنت للرأي العام وحزنت أكثر للزميل عثمان لتقديري أن الذي يبقى ويعيش في الدار لسنوات يتعلم فيها ويعلم ، يسهم ويستزيد ، يقول رأيه بحرية لايفصلها الكثيرعن الهوى والفوضى ، ثم يأتي من بعد كل هذا (الملح والملاح) ليسئ للدار التي عاش فيها ويعيبها ويطعنها ويقدم كل ذلك (قربانا) و(كرامة) لإحتراف مرتجى ، الذي يفعل هذا إنما يلقي بنفسه فريسة ولا أقول (فطيسة) بين يدي القارئ المتمتع بحاسة شم عالية تكشف المحسوس من الزعم والإدعاء والمدسوس من الحقائق والأسباب !!! ومما استوقفني في ذاك العمود ولم أجد له تفسيرا شافيا مقنعا : ماذا يقصد الزميل الكريم من وعده للقراء بأن يلتقيهم كل يوم على صفحات الصحافة بلا قيود (حديدية أو حريرية) !!! قلت لنفسي وقتها أن القيود الحديدية ربما عنى بها القيود الأمنية رغم أن الأجهزة الأمنية رفعت يدها قولا وفعلا ، وأقنعت نفسي أنه يقصد (سنسرات) إدارة التحرير ، رغم أن هذا مستبعد بإعتبار أن الإنتقال للصحافة كان مبرره الرئيسي أن الحرية المتاحة فيها واسعة لا يحدها إلا الضمير والقانون !!! ثم تسائلت ماهي القيود (الحريرية) التي يرفضها الزميل العزيز؟!! ولماذا الحرير دون غيره ؟! هل لملمسه وليونته؟! وهل هو بذلك يرفض حتى القيود الملساء اللينة التي قد يفرضها عليه أستاذينا عادل الباز ونورالدين مدني؟! أم أنه إختار الحرير لغلائه وإرتفاع ثمنه ؟! لكن ما علاقة الغلاء والثمن المرتفع بإبداء الرأي وتحديد المواقف؟! هل جاء إختيار الحرير بسبب ألوانه المتداخلة وتموجاته؟! وهل يعني ذلك أن القيود والحدود قد تتداخل وتتموج وتؤثر على صاحب الرأي وحامل الأمانة؟! أخيرا رجحت أن يكون إختيار الحرير قد جاء لحرمة لبسه على المسلمين من الرجال ويبدو أن عثمانا أراد القول أنه لن يحده في ممارسته للحرية إلا الحلال والحرام ، على كل فقد انتهت تأملاتي وخمدت عند هذا الحد ولم أر حينئذ داعيا للتعبير أو مبررا للتفكير!! ، صباح الخميس أمس الأول طالعت مادة مسيئة وسخيفة وغير لائقة خطها يراع الأخ عثمان تحت عنوان (أين نائب الرئيس .. علي عثمان؟؟) وهي تختلف كثيرا عما كتبه الزميل كمال الصادق بالأيام في ذات الموضوع والتاريخ ، وتنزوي قيمة أمام ما كتبه الأستاذ كمال حسن بخيت في زاويته أمس الجمعة ، ووجه السوء والإساءة فيما كتبه عثمان ليس مطلق السؤال فهو حق مشروع له ولغيره طالما أن الشيخ علي عثمان يتبوأ منصبا دستوريا ويثق فيه قائده وقائد البلاد ويكلفه بأصعب المهام وأخطر الملفات لكن السوء وعدم اللياقة يأتي من أن عثمان ميرغني - الذي أصبح في عهد الإنقاذ بفضل الله مستشارا محليا ومحللا إقليميا ، ورفيقا موثوقا ومخصوصا !! - ليس صعبا عليه أن يعرف ويحيط بمكان تواجد السيد النائب وأسباب غيابه حسيا ومعنويا قبل أن يسن قلمه ويجرده ويكتب مستصحبا الضمير و(قيد الحرير) !! الزميل عثمان يعلم يقينا أن الأستاذ علي عثمان ظل لعقود متراصة من الزمان مرابطا غير هياب ، مجاهدا غير ركون ، مضخا للحق والخير ، مخلصا ملتزما يفعل ما يقول ، يتسلح بالحكمة والفطنة والضمير الحق ، وحتى عندما كلف بمهام النائب الأول في أحلك الظروف ولم تزل القلوب دامية برحيل الحبيب الشهيد سيد شهداء الإنقاذ وإخوانه الأبرار ثم أصبح من بعد نائبا غير أول بعد توقيع السلام ، طيلة هذه السنوات ظل الرجل هو هو ، لم يتبدل أو يتخلى عن قيم ومبادئ شب وتربى عليها وتشبع بها ، لم يغرق في جواذب الحياة الدنيا وزخارفها ، وعندما كلفه القائد بملف السلام قال سمعا وطاعة ثم (تلزم) و(تحزم) وقاد إخوته ببصارة وذكاء وحكمة وتجرد حتى وصلوا بالمركب الى شواطئ ظلت بعيدة غير مرجوة !! شهور بل سنوات قضاها شيخ علي وإخوته (منفيين) في محابس ميشاكوس ونيفاشا ، تركوا الزوجة والولد وأحضان الأسر الدافئة ، نسوا همومهم ومصالحهم وشؤونهم الخاصة ، احتسبوا كل ذلك لله وضحوا به للوطن وأهله الشرفاء ، سنوات وسنوات مضت وتمضي وشيخ علي يكافح وينافح ، يقدم ويسهم ، يحترق هو راض مستبشر محتسب فخور ، ثم تشاء أقدار الله النافذة أن تصاب زوجته وشقيقته وإبنته أمام ناظريه وهم في طريقهم لجبل عرفات ويحجزن بالمستشفيات السعودية للعلاج من إصابات مختلفة ، وتنشر ذلك وسائط الإعلام على الملأ ويستأذن الرجل لمرافقة ورعاية أسرته لشهر واحد من الزمان !!! يتغافل عثمان ميرغني عن كل ذلك كأنه لا يعلم حق الموظف العام حتى وإن كان السيد الرئيس نفسه في الإجازة السنوية ، لا يتفكر ويتذكر فيقول أن شيخ علي لم يرتاح شهرا واحدا لسنوات فليرتاح وليستجم ، لا يراعي أو يحترم الظروف والأحوال الإنسانية المحيطة بالرجل وأسرته فيقول خيرا أو يصمت ، يترك عثمان كل ذلك ويركله بلا مشاعر أو ضمير وينتصب بلا تأدب أو بعض من وفاء وحياء ويطل ليحدثنا عن الغياب والملفات والخلافات وأن الأمر يحتاج لتوضيحات !! إن الذي يحتاج لتوضيحات فعلا ربما كان هو التركيبة النفسية للسيد عثمان ميرغني ومقادير وأنماط الدوافع والغرائز والمحفزات المؤثرة في (خلطته) التي تجعله غالبا ما يتحنط إختياريا وينحبس في أوهام بئيسة ومجالب رخيصة عنوانها (خالف تذكر)!! و(شاتر تشكر)!! و(تجرأ تشهر)!! وحقا ( الفايق يحنن ضنب كلبو ) !!!


http://www.alwatansudan.com/index.php?type=6&col_id=3&issue_id=36&bk=1
_______

Post: #464
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 04:49 PM
Parent: #463



تأكدت بنفسي أن محمود محمد طه لم يكن يصلي .. ومع ذلك حاولت إيقاف إعدامــــــــــه ..!

أصحاب «الحلاقيم الكبيرة» نسوا أن وثائق «عملاء الامن» كانت بحوزتي ..!



فاجأ اللواء الدكتور عمر محمد الطيب ، النائب الاول لرئيس الجمهورية ورئيس جهاز امن الدولة إبان الحكم المايوي .. فاجــــأ «الوطن» ، وقبل بحوار ساخن وملتهب وشــفاف وجديد .. اتفقنا معه على تسميته بحـــــوار «الاعترافـــات» .. للفترة الاخيرة من عمر مايو والانتفاضة.
حيث قال «عمر الطيب » ، البالغ من العمر «71» عاماً .. وهو يتمتع بصحة جيدة .. ان سوار الذهب ، والذي كان وزيراً للدفاع وقائداً عاماً للجيش «قد خالف اليمين، وصام ثلاثة ايام» .. مضيفاً:« أنا صُدمت .. لقد خدعني ، ولكن ..!».
وكشف الرجل الثاني ، في نظام مايو معلومات جديدة حول رسالة تحذيرية ، مثيرة وخطيرة ، بعث بها عبر السفير الامريكي بالخرطوم الى الرئيس نميري بواشنطن في 3 ابريل .. والرسالة تقول :« الاوضاع خطيرة جداً .. لذلك ، ارجع فوراً .. اكرر .. ارجع ، فان الاوضاع حرجة جداً».. ولكن ، اللواء عمر قال بأســف شديد :« سفيرنا في واشنطن لم يوصل الرسالة مطلقاً لنميري».
اضرب .. واقتل..!
وهاجم اللواء عمر الطيب ، مدير فرع العمليات بالقيادة العامة للجيش اللواء عثمان عبد الله ، والذي اصبح فيما بعد وزيراً لدفاع الانتفاضة .. هاجمه بالقول :« في اجتماع شهير يوم 3 ابريل ضم الامن والجيش ووزارة الداخلية ، كان عبارة عثمان عبد الله حول احداث الشارع Shoot & kill«اضرب واقتل»..!.
مضيفاً ان اللواء عباس مدني ، وزير الداخلية وقتها ، رفض مقترح عثمان عبد الله ، حيث علق عليه :«لا .. نحن لن نفعل ذلك .. بامكانكم ان تفعلوا انتم ذلك ، ان شئتم».
حكاية الراحل محمود
واجتر اللواء عمر محمد الطيب الذكريات السياسية الابرز في ايام مايو الاخيرة ، حيث تحدث ، في معرض اجاباته على اسئلة «الوطن» حول محمود محمد طه .. فقال :« هذا الرجل لم يكن يصلي.. ولكن كنت ضد اعدامه .. وهذا ما فعلته لايقاف التنفيذ ، ولكن».
وحول ملفات جهاز الامن والوثائق ، قال :« في صبيحة 6 ابريل ، رجعت لمكتبي ، وتصرفـــت في الملفات والوثائق ، واصحــاب الحلاقيم الكبيرة تحدثوا حولها ، وانا كنت الممسك بكل كبيرة وصغيرة .. واعرف كل عملاء الجهاز»..!.


http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=4904&bk=1
____

Post: #465
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 04:49 PM
Parent: #464



طلاب الاتجاه الاسلامي خرجوا ( ملحوسي الاصابع) من شرف الانتفاضة واختفوا تحت الارض
. أكاد اجزم وأقول ان الشعب السوداني كله شارك في الانتفاضة بمنظماته الاجتماعية المختلفة والشماسة شاركوا مشاركة اساسية وحرقوا اللساتك والاسلاميون وحدهم هم الفئة التي لم تشارك لان عناصرهم الذين نجوا من الاعتقال كانوا خائفين من ان يبطش بهم نميري وكان يخشون من ان يفعل بهم مافعله بالأستاذ محمود محمد طه وكوادر الاسلاميين الطلابية رفضت المشاركة معنا لانهم كانوا خائفين بل وان بعضهم تنكر وغير شكله ولديهم طلاب ناشطون بجامعة السودان رفضوا المشاركة في الانتفاضة لنفس السبب.



http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=4925&bk=1
_________________

Post: #466
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 04:50 PM
Parent: #465



عمــــر عبد الخالق محجـوب : قابلت نمــــيري ... وواجـــهت أبو القاسم .. وأشتكينا لقرنق
** عرفنا مگان المقبرة ونعد العُدة لفتح الملف الدامي
هذا ما قلته لـ «أبو القاسم محمد إبراهيم» ورده كان «دا شُغل سياسة يا إبني »!
======
لا.. يعني بلاقيهو في الشارع كذا مرة «وبضغط» العربية حقتو وبطلعها برة الشارع .. القضية ماقضية عبد الخالق محجوب القضية قضية محمود محمد طه وقضية الامام الهادي .. وقضية الشعب السوداني وقضية د. جون.




http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=3648&bk=1

Post: #467
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 04:51 PM
Parent: #466


لوطن) في حوار الوجه الآخر للدكتور حسن مكي:

حسن مكي لا يعرفه إلا الله
درست اللغة العبرية في جامعة الخرطوم
كنت أحب السينما والقصص البوليسية



د. حسن مكي مفكر وسياسي ومثير للجدل إلى جانب كونه خبيراً في شؤون القرن الأفريقي الا أن جوانب أخرى في حياته ما تزال في الظل بالرغم من أنه حكى عنها في كتابه (قصتي مع الحركة الإسلامية).. حاولنا أن نخرج تلك الحكايات والذكريات إلى شمس الخرطوم.. فهل ترانا وفقنا في ذلك..؟ وهل أمسكنا بعنان الحكاية لتوصلنا إلى ما نريد؟!



حوار: لولا نوح- عبد الجليل سلمان



* بداية مرحباً بك د. حسن مكي وكبداية تعريفية من هو حسن مكي الإنسان؟
- هناك كتاب ألفه اليكس كارليل أسمه (الإنسان ذلك المجهول) ويقول إن الإنسان متعدد الخصائص فيه اشياء باطنية وظاهرية لذلك حسن مكي لا يعرفه الا الله، وحسن مكي لا يعرف حسن مكي. الإنسان قد يرسم صورة لنفسه أو يرسم الآخرون عنه صورة مختلفة لكنها غير صحيحة وقد يكون الإنسان جباناً جداً- لكنه لا يعرف ذلك الا اذا وقع في مأزق يتطلب شجاعة فتخذله شجاعته.
وقد يرسم الإنسان صورة لنفسه على أنه فوق الشبهات وفوق الشهوات لكنه يسقط في أول إمتحان.. وقد يعتقد آخر أنه وفي لحظة يتبدد ذلك الوفاء- حتى لزوجته وأمه وأخته حتى أنا أجد نفسي أمام ثلاثة مستويات: حسن مكي الخبير، حسن مكي الخريطة النظرية المتصورة وحسن مكي فوق الشبهات.
لكن لا أجد نفسي الا أمام الله في الصلاة ودائماً أحاول أن أكون متأدباً أمام الله وحسن مكي يحاول أن يتأدب في صلاته أمام الله لان الله هو من يعرفه ظاهراً وباطناً وهو يعرف أن رحمة الله أكبر من أخطائه وأكبر من أوهامه.



* في أي بقاع السودان ولد حسن مكي وكيف تعلم؟
- ولدت في الحصاحيصا، والأصول من قنتي، درست في الحصاحيصا، وكانت في ذلك الوقت هنالك مدرستان اوليتان الحصاحيصا الشرقية والحصاحيصا الغربية، أنا درست في الغربية وكانت مدرسة جميلة كنت أسعى اليها برجلي من حي المايقوما وكنت لكي أصل المدرسة أمامي خياران، ان اجتاز حي السوق وحي كريمة أو اذهب عن طريق المقابر أشق المقابر والمستشفى في حي كريمة ويستغرق ذلك نصف الساعة والخريف لم يكن مشكلة كنا نخوض الخيران ونعمل في السوق.



* هل كنت تعمل وأنت طالب؟
- كانت هنالك ثلاثة واجبات ثقيلة على نفسي أولاً إحضار الغداء للدكان- الذي لابد أن يصل الدكان الساعة 3 أو 30:2 ظهراً.
ثانياً: كنس الدكان لان المدينة بالرغم من أنها على ضفاف النيل الازرق الا ان «الطيار» كان يأتيها من البطانة ودكاننا فيه كل شئ من ملابس وأحذية وغيرها من البضائع.
ثالثاً: جلب الحطب عندما تأتي الأمطار إلى المنزل حتى لا يبتل.
كنت أحب الذهاب إلى المكتبة واقرأ بالمجان المجلات المصرية والجرائد السودانية: الرأي العام، الأيام، الناس والتلغراف مما جعلني متابعاً للشأن السياسي السوداني منذ ان كان عمري 7 سنوات إلى الآن 50 سنة مما سهل لي عملية الكتابة الصحافية.
بعدها درست الثانوية في حنتوب وبالرغم من أن حنتوب كانت مدرسة جميلة لكن مشكلتي معها ان الموية كانت مالحة، كانت تعمل لي ترسبات ولكنني أجلب الماء من النيل واستخدم الشعير.



* من هم اصدقاؤك في حنتوب؟
- اصدقائي كثر منهم: د. قرشي محمد علي، د. عبد الله عبد الصادق ، د. الباقر عثمان خلف الله، د. حسام الدين ساتي الذي جندني في الحركة الإسلامية، د. مضوي الترابي كان الدفعة القدامنا والنور أحمد حمد أخوه دفعتي، يعيش في امريكا وهو متزوج بنت محمود محمد طه، ود. مجذوب الخليفة الذي جاءنا من وادي سيدنا ولم تروادني أية رغبة في دراسة علمية لذا امتحنت ادبي.
وعلى مستوى الجامعة من الصداقات، صداقة مع المرحوم محمد عثمان المكي، والدكتور عوض حاج علي والسفير بهاء الدين حنفي، سيد الزبير وعبد اللطيف كدور والمرحوم عبد الاله خوجلي وفتح الرحمن محمد إبراهيم من أولاد طيبة.
ما بعد الجامعة، علي عثمان محمد طه، عبد الرحيم علي وكثير من السياسيين.



* بداية العمل السياسي.. متى كانت؟
- ثورة أكتوبر 1964 كنا وقتها في ثالثة وسطى وسمعنا باستشهاد القرشي دخلنا في مظاهرات ضد نظام المرحوم الفريق عبود واشتركنا في ثورة اكتوبر، وهي التي غيرت السودان، انفتحنا على الأناشيد الثورية، محمد المكي إبراهيم الغناء الجديد نسخ ما في أذهاننا من غناء مثل أصبح الصبح.. أكتوبر مثلت فتحاً في عقولنا ما بين الشيوعية والأخوان المسلمين، اخترت الأخوان.. كنت أحب السينما والقصص البوليسية.



* كيف تربى د. حسن مكي ومن هم اهلك؟
- كان والدي متديناً ولم يكن ملازماً للمسجد، كان يقف مع المظلومين وكان كريماً وحريصاً على إخراج الزكاة بعد جرد الدكان الذي يتم بشكل دقيق، واسرتنا تتكون من الوالد والوالدة ونحن 5 أولاد وبنت واحدة تزوجت في 1951م وابنتها في عمري.
أخي الكبير المرحوم هو الذي أسس الدكان كان أبي رافضاً للفكرة. أخي درس المعهد العلمي تخرج 1950 بعدها وجد رأس المال وبدأ في تجهيز الدكان وفي إحدى رحلاته لمدني انقلبت به السيارة فنزف أخي محمد أحمد حتى مات.. وهذا الدكان يعرف الآن بدكان مكي أحمد.. الدكان كان حديثاً وتقليدياً وبعد وفاة أخي محمد أحمد حرم والدي أخي عثمان الذي يليه من الدراسة وعمل معه في الدكان. أخي الثالث ميكانيكي، والرابع طبيب يعمل في الأمم المتحدة ثم أنا وبعدي محمد أحمد.
توفي الوالد 1970 بعد نهاية الإمتحانات للجامعة.. والوالدة توفيت قبل سنتين هنا بالخرطوم.



* دخولك مع الأخوان المسلمين.. متى كان؟
- كنت أقرأ مجلة المصور فوجدت تحقيقاً عن المظاهرة التي كان يخوضها الأخوان ضد عبد الناصر ثم أن أحمد بهاء الدين كان يستعرض كتاب «معالم الطريق» استوقفتني عبارة مفتاحية «الحاكمية لله» وقتها كنت في ثالثة وسطى.
وفي العام 1966م جاءنا د. الترابي نحن في رابعة وسطى، والتاي وعبد الله حسن أحمد وتحدثوا عن جبهة الميثاق فقلت: هؤلاء هم ناسي.. في حنتوب قرأنا سيد قطب، الغزالي وسيد صائغ.



* تجربتك مع الأخوان المسلمين هل كانت ثرة؟
- كانت ثرة جداً أولاً عرفتني بناس اكبر مني سناً مثل أحمد عبد الرحيم المنصوري كان في سني، استفدنا من حكمة هؤلاء كالمرحوم التنقاري والقاضي حاج نور وكنا نوزع المنشورات التي تحتاج إلى قدر من الثبات والتماسك الداخلي.



* تجربة د. حسن مكي مع السجون كيف يصفها؟
- في السجن تعرفت على كل النادي السياسي السوداني وقد اتسجنت 3 مرات.
تعرفت على سليمان حامد من الشيوعيين والمرحوم نقد الله والمرحوم عبد الرحمن النور و د. عبد الحميد صالح من حزب الأمة، من الإتحاديين د. مبارك الفاضل شداد، عبد الماجد أبو حسبو، أحمد خير المحامي، عمر عبد العاطي المحامي ومن الأنصار عثمان جاد الله أبو ياسر ومن الإخوان د. الترابي، إبراهيم أحمد عمر، مطرف صديق، الجميعابي، يوسف فضل الله، المرحوم محمد كبير، عمر حضرة ومن عاصرتهم في السجن لا يقلون عن 400 شخص. وعندما خرجت من السجن اخذت «برطوش» يس عمر الإمام لأن «برطوشي» تمزق.



* هل أنت متخصص في التاريخ؟
- في الثانوي كنت أحب التاريخ لكنني تعقدت منه، كانوا يقولون لنا انكم ناس «كلشر» تخصصت في اللغة العربية والانجليزية والفرنسية- الفلسفة ثم جاء الدوش بدلاً لعبد الله الطيب عميداً للآداب فادخل نظام الساعات.
اللغة العبرية كان يدرسنا لها إبراهيم الحردلو وكانت اجبارية لم اكن أهتم بها ثم جاء عبد الله الطيب مرة أخرى، نجحت في العربي والانجليزي ورسبت في الفرنسية تخصصت في ثلاثة أشياء اللغة العربية- الإنجليزية والفلسفة، وتخصصي الأصلي هو الدراسات الإفريقية والآن أعمل أستاذ اديان، وعلوم سياسية تاريخ وفلسفة.



* هل تخشى الموت؟
- خبرتي مع الموت منذ الصغر اخاف من الموت والإنسان الميت غسلت ابي وابني، لكن على مستوى السودان وأنا طفل في عمر 8 سنوات حدثت وفاة السيد عبد الرحمن والشمس وكسوف الشمس وقد مات أصحابي، المرحوم صديقي عبد الفضيل إبراهيم من كلية الآداب، اشترك في يوليو 1976م وقد استشهد عدد من اصدقائي عبد الاله عبد الفضيل وحسن صالح. ومن اصدقائي الذي توفي بحادث حركة وحزنت عليه حزناً كبيراً، التجاني أبو جبري.. وفي السجن أحمد خير، عثمان جاد الله وفي حادث حركة صلاح الصديق شقيق الصادق المهدي، وعمر نور الدائم، عبد الله اسحق ومحمد الأمين البصير، ومجذوب الخليفة، ومحمد الأزهري ومعظمهم توفي في حادث حركة لانهم منهمكون في العمل ويريدون إكمال المشوار بالليل وفي التعازي.. ومن الأشخاص الذين تركوا أثراً في حياتي مبارك قسم الله الذي توفي بصورة مفاجئة وصديقي أحمد عثمان مكي كنا نقيم في غرفة واحدة إبان فترة الجامعة وزرته في الولايات المتحدة التي زرت فيها عشرين مدينة امريكية.
والآن أسكن في بيت معظم جيرانه من الأموات على الشمال أحمد عثمان مكي واليمين الخواض شقيق مجذوب الخليفة ومن الخلف الأمين البصير وعبد الوهاب محمد عثمان ود الريس.
ومن أصدقائي فضل السيد أبو قصيصة، وعبيد ختم، ومحمود شريف، وعبد السلام سليمان ولأن معظم أصدقائي ذهبوا تختلط الحقيقة بالغيب وتبقى مسألة العبور واردة وينعدم عنصر المفاجأة.
الأمام الغزالي يقول كمال الإنسان بتقربه لله وتخلقه باخلاق الله ومعرفة أسماء الله الحسنى 99 اسماً من احصاها وعدها دخل الجنة.
وأن تجعل هذا الاسم مثل الجلابية، مثلاً الحي تفكك الحي إلى الصفات التي يقوم عليها كل حي بماذا يتميز الحي الذي يموت بالحياة، والميت قد يكون حياً والحي ميتاً والذي يفتقد الإرادة يكون من الجماد والطيور والأشجار وهذا ما يقصده الإمام الغزالي أحاول أن اتجاوز الموت بالإقتراب من اسماء الله الحسنى.



* كيف يربي د. حسن مكي أبناءه؟
- لا أعتقد أنني أرى صورتي في أبنائي ولا أريد أن يكون الابن نسخة من أبيه انا لا اتدخل في اشيائهم الخاصة فهم «يساهرون» الليل في التلفزيون وانا أول من ينام في البيت، علاقتهم بالكتب ليست قوية، علاقتهم بالنادي الالكتروني الوهمي اقوى.. واعتقد أن واحداً يميل إلى النادي الثقافي، اكبر ابنائى يدرس الحاسوب والثاني الطب والثالث الالكترونيات والرابع والخامس في الغالب يسلكان نفس الطريق لا أفرض عليهم شيئاً، ولكن اتمنى ان يصبحوا مسلمين صالحين.



* هل ما زالت تلك العلاقة الحميمية مع الأهل والجيران القدامى متقدة ومتواصلة؟
- اشعر كالغريب وسط أهلي مهما احاول ان اتطبع مع الأهل اجد ان قضاياهم تختلف عن قضاياي وخبراتهم تختلف عن خبراتي، وهذا يضعف التواصل- لكنه لا يصل بي إلى درجة الجفوة، لان صلة الرحم هي مسألة من صميم ديننا.



* سؤال أخير: كيف تنظر إلى العلاقة بين شعوب القرن الإفريقي «السودان- ارتريا -اثيوبيا- الصومال وجيبوتي» من واقع انك خبير في شؤون هذه المنطقة؟
- هي ذات الشعوب، فشعوب الشمال في كل من السودان واثيوبيا والصومال تتماثل، وكذلك شعوب الجنوب، التقراي والتقري مهاجرون من جنوب شبه الجزيرة العربية، والنوبة واكسوم وممالك الصومال السبع هي شئ واحد، هذه المنطقة واحدة تقاسمتها الكنيسة الارذوكسية والإسلام، لذا فهذه المنطقة تمثل خريطة ثقافية روحية واحدة، لاحظ حتى جنوب النيل الأزرق هنالك تداخل كبير، مجموعات تعيش اجزاء منها بالسودان والأخرى في اثيوبيا «بني شنقول- الجعليون- البرتا- القمز- الوطاويط- وكذلك النوير والأنواك ناحية قامبيلا» اذن فهي شعوب واحدة لا فرق بينها.

http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=5930&bk=1
______

Post: #468
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 04:52 PM
Parent: #467


مفاجأة مذهلة في يوم الزيارة.. أنا ومحمد محمد خير أقارب..!

أصعـب شئ للمعتقل أن يبقــى سجين المحبسين- المعتقل والمقاطعة
لقـاء بالصـادق ومبايعة وقصيدة عصماء ثم الهجرة بعد «تهتدون»
من جيبوتي للقاهـــرة الســـفير علي حمد ابراهيم ترك منصبه الرفيع..



بقلــــــم : سيد أحمد خليفة
كنت قد خرجت من قسم الكرنتينة-ب- إلى مكاتب سجن كوبر تلبية لزيارة عائلية هي الأولى التي سمح لي بها بعد قرابة الشهر منذ أن تم اعتقالي بمطار الخرطوم وخرجت منه- مرفوع اليدين- والرأس- وخلفي عسكري ومدفع ملتصق بظهري وأسرتي التي كانت في استقبالي تتفرج على ذلك المنظر المرعب..!
كانت زيارات المعتقلين أما أن تتم في أحد مكاتب إدارة سجن كوبر أو في الفرندة.. وبحضور أفراد جهاز الأمن، حيث لا يسمح للمعتقل إلا بالسلام والكلام العام وبصوت عالٍ دون أي نوع من الهمس حتى ولو مع السيدة حرم المعتقل أو خطيبته..!
كان عدد زواري كما لاحظت كبيراً، فمن السجانة حيث السكن إلى- حي كوبر- حيث يسكن بعض أهلي كان الحشد كبيراً، ولكن حدثت وسطه مفأجاة غريبة..!
نفس زواري من أهلي في كوبر كانوا أيضاً زواراً لصديقي المعتقل محمد محمد خير، وحين سألت- أيه الحكاية.. زادت دهشتي عندما علمت أن زوار صديقي محمد خير هم أولاد وبنات خاله المرحوم إبراهيم عثمان- أحد أقطاب حي كوبر وتجاره الكبار ورئيس الحزب الإتحادي الديمقراطي هناك..!
أما علاقتي أنا به فهي أنه زوج عمة زوجتي وبالتالي قريبتي أنا..!
كتمت الأمر في نفسي ولكني لم اتمكن من تفسير الأمر ومن هو خال محمد محمد خير، هل هو العم إبراهيم عثمان قريبي ونسيبي أم عبد الرسول النور المسيري الكردفاني..؟!
طبعاً بعد العودة للقسم وإنتهاء الزيارة استوضحت الأمر من صديقي محمد محمد خير، فضحك كعادته وربط بذكاء شديد بين الأنصار وعبد الرسول النور ومقاطعة الشيوعيين له..!
إذن كان الأمر كله هو أن الرجل يبحث عن حماية ورعاية وجدار قوي يتكئ عليه حتى لا يبقى سجين المقاطعة داخل السجن..!
إن محمد محمد خير كان أحد مكاسبي من السجن لظرفه، وعلمه، وما أحوج المعتقل أو السجين لمثل هذا النوع من العلاقات والبشر وهو في السجن.
وقد امتدت علاقتي بالاستاذ محمد محمد خير وزادتها.. القربة.. عمقاً ومن خلالي وداخل المعتقل بكوبر تعرف على الصديق الراحل عمر نور الدائم ونصر الدين الهادي ومبارك المهدي، ولانه رجل كما يقول- إبن بلد- وسليل جزارين وإبن كار وتار فقد اعجب بالانصار وتاريخهم البطولي حتى اذا التقى السيد الصادق المهدي بعد ان تسلل ليلاً من قسم الكرنتينة- ب- الى قسم المعاملة وإلتقى بالسيد الصادق المهدي، حيث قالت رواية لم أتحر منها في وقتها إن الرجل بايع الصادق قائداً وزعيماً وواصل العلاقات معه حتى بعد الخروج من السجن والانتفاضة، حيث اعيد محمد محمد خير إلى وظيفته بتلفزيون السودان إلى أن شمله التطهير أو الصالح العام بعد الإنقاذ 1989م والتي صادقته واستفادت من قدراته وخبراته وصلاته الخارجية أبان محادثات أبوجا مع متمردي دارفور ومن ثم تم تعيينه ملحقاً إعلامياً بقنصلية السودان في دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة..!
لقد كان لي كما ذكرت مراراً مواقف ثابتة من المعارضة والعمل الخارجي، وما دمنا بصدد الحديث عن الصديق محمد محمد خير فإنني أربط قصته الآتية بقصة صديق آخر هو السفير علي حمد إبراهيم وكلاهما تشابهت ظروف وجوده الخارجي بظروف من وجدوا بالخارج ضد الإنقاذ- 89- 2007م- ضد نظام مايو الذي نروي حكاياته.. فبالنسبة للصديق محمد محمد خير الذي فصله نظام مايو من عمله وسجنه في كوبر 1983- 1985م، فإن النظام الديمقراطي والعلاقات الحميمة مع حزب الأمة والأنصار والسيد الصادق المهدي بل وحقه في الإنصاف قد أعاده للعمل في التلفزيون بعد الإنتفاضة عام 1985م ليفقد وظيفته عقب إنقلاب الإنقاذ وليتحول إلى معارض له صلات وعلاقات مع قادة الأنصار وحزبهم، حيث أُلقي عليه القبض في أحد مواسم الإنقلابات العسكرية - المفبرك والحقيقي منها ليبقى بالمعتقل ما يزيد عن العام وبعدها خرج ليسافر إلى القاهرة متسللاً بتوجيهات من السيد الصادق المهدي الذي كان قد خرج نفسه من البلاد من خلال عملية - تهتدون- المشهورة، حيث كان صديقي محمد محمد خير يقول عن رحلة خروجه من السودان متسللاً أنها تحمل اسم- تهربون..!
كان السيد الصادق المهدي- بوفائه المعروف يقدر الصديق محمد محمد خير ويحبه خاصة بعد قصيدته العصماء في تمجيد السيد الصادق المهدي حين قال له وفي حفل
اقيم امام الصادق..
يدعوك أهلك سيدي-
وأدعوك وحدك بالسيدين..!
والمعنى واضح، اذ كان اسم السيدين يطلق على الإمام عبد الرحمن المهدي جد السيد الصادق المهدي لوالده الإمام الصديق والسيد الثاني هو القوس والقطب والركن الثاني في الإنجاز الوطني وتحقيق الإستقلال..!
اذن خرج صديقي محمد محمد خير إلى مصر بعد الانقاذ واحتضنه وأكرمه هناك قادة التجمع الوطني الديمقراطي المعارض آنذاك والمصالح الآن؟ الا ان خلافاً نشب بينه وبين الأمين العام للتجمع السيد مبارك المهدي.. الذي قصده- وختاه في دماغه- ويا ويل من يقصده مبارك ويضعه في دماغه..!
ذات مرة وأنا أتردد على القاهرة قادماً من جدة، حيث كان أول إتصال أجريه فور وصولي هو بصديقي محمد محمد خير، جاءني الرجل شاكياً باكياً من ما لحق به من مبارك المهدي أمين عام التجمع، حيث أدركت ان- الفتق- بين الرجلين أكبر من أن ارتقه أنا أو غيري..!
بعدها بجهدي.. وبجهده.. وبجهد الآخرين ارتبط الرجل الفنان المرهف وهو- أبو عائلة كبيرة كانت تعيش معه في القاهرة ولها بالطبع مطالب ومتطلبات، أقول ارتبط الرجل- بابو هاشم- فالتحق بصحيفة «الإتحادي» وتولى أمره الراحل العظيم المرحوم محمد عثمان عبد الله - أحد خلصاء السيد محمد عثمان الميرغني، حيث سارت أمور صديقي محمد محمد خير على أحسن حال إلى أن منّ عليه الله بالهجرة إلى كندا هو وأسرته الكريمة، حيث تولاه الخواجات بالعناية والرعاية بعد ان فقدها آنذاك عند المعارضة الأنصارية ممثلة في السيد مبارك المهدي، وعند الحكومة الإسلامية ممثلة في نظام الإنقاذ الذي رد لمحمد محمد خير اعتباره الآن واستفاد من قدراته وخبراته وعينه لساناً له في دبي..!
وهل ذكرت عرضاً اسم الصديق الكاتب والدبلوماسي الرقيق العميق علي حمد إبراهيم الذي شغل آخر مناصبه عندما كان سفيراً للسودان في جيبوتي في منتصف التسعينيات..؟!
نعم أن السفير علي حمد إبراهيم كان من الوطنيين والانصار الخلص حتى أبان حكم مايو، حيث عمل بعدد من السفارات، وبعد الإنتفاضة عام 1985م التحق بخدمة المراسم بمجلس الوزراء، حيث كان قريباً من السيد الصادق المهدي إلى أن جاءت الإنقاذ وتم نقله للعمل الخارجي سفيراً في جيبوتي التي كانت وبحكم قربها من الصومال واثيوبيا وارتيريا مكان اهتمام مشروع عراب الانقاذ وشيخها آنذاك الدكتور حسن الترابي الذي قال قولته المشهورة وهي: إن الإسلام لا يعرف حدوداً بين المسلمين، الأمر الذي أخاف الدول المجاورة ذات السلطة المسيحية والعلاقات الغربية انجليزية كانت أو فرنسية أو امريكية مثل تشاد.. واثيوبيا، وارتيريا، وجيبوتي والصومال..!
كان السفير علي حمد إبراهيم صديقاً حميماً لي منذ زمان بعيد، حيث تعمقت بيننا الصلات وأنا أتردد على جيبوتي وتربطني بحكومتها صلات متينة..!
إنني أذكر للسفير علي حمد إبراهيم شجاعته في التعامل معي رغم سوء العلاقات بيني وبين بدايات الإنقاذ..!
فقد كان الرجل صميماً في انصاريته ومخلصاً لوظيفته، ولكن يبدو ان علاقات كانت تتواصل بينه وبين قيادة التجمع الوطني ممثلاً في السيد مبارك المهدي الأمين العام للتجمع، حيث اتخذ السفير علي حمد إبراهيم قراره باللجوء للخارج والإنضمام للتجمع الوطني في القاهرة، حيث لم يطل به المقام هناك مثله مثل صديقنا محمد محمد خير، حيث غادر السفير علي حمد إبراهيم القاهرة إلى أمريكا ليستقر هناك دارساً وعاملاً ويطبع علاقاته مع بلاده في الأعوام الأخيرة ويتردد على السودان بصورة عادية..!
وهل خرجنا عن مسار حكايات مايو.. لا أعتقد اننا ابتعدنا كثيراً، فطريق محمد محمد خير ووجوده بين سراية كوبر 1983 ونقله إلى الكرنتينة-ب- وعلاقته التي نمت هناك بالسيد الصادق المهدي كانت مدخلنا للحديث عنه وعن السفير علي حمد إبراهيم وهو أنموذج لمئات أو آلاف الخبرات والقدرات الوطنية الرفيعة التي فقدها الوطن بسبب ضيق أفق النظم العسكرية والشمولية التي كانت مايو أسوأ محطاتها في بدايتها كانقلاب شيوعي، وفي نهايتها كنظام ارتدى رداء الإسلام ليمارس ابشع ديكتاتورية عرفها السودان ولو من خلال سيئة الذكر- محاكم العدالة الناجزة - وجريمة إعدام شيخ جليل.. وعالم كبير هو الشهيد محمود محمد طه..!
إن عام الإعتقال في كوبر بعد الإستدراج من جدة في سبتمبر عام 1983م كان عاماً حافلاً بالحكايات والأحداث التي قد لا يصدق بعضها إنسان والتي لو لم أكن انا نفسي طرفاً فيها لما صدقتها..
ونواصل الحكايات

http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=5781&bk=1
___

Post: #469
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 04:53 PM
Parent: #1


أنا يا عباس النور معتقل سياسي مستدرج من جبرة إلى كوبر عام 1983م بتهمة معاداة قوانين سبتمبر واغتيال محمود محمد طه ومسرحيات اللامعقول المعنونة باسم محاكم العدالة الناجزة..!

http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=6774&bk=1

Post: #470
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 04:54 PM
Parent: #469


نتفاضة أبريل: ونهاية جعفر نميري
تنكر جعفر نميري للقوى التقدمية والوطنية التي آزرته وشدت قواه حين جاء مقتبساً برنامجها وأهدافها فأزل الشعب السوداني وأذاقه طعم الجوع والعوذ واستشرى الفساد وتدهور الإقتصاد وأصبح السودان في عهده مطية ذلولا للإستعمار الحديث وسآءت سمعته إقليميا وعالميا ولم يعد فقط رجل أفريقيا المريض بل صار في عهده جثة أفريقيا الملقاه على حافة الطريق لا تجد من يركلها أو من يواريها، وراح (المتأسلمون) يجملون له ما اسموه بحكم الشريعة فجلد النساء والشباب وقطعت أياديهم وأزلوا الشيوخ وأمتدت يده إلى المفكـر الإسلامي المقتدر العالم وقد تجاوز الخـامسة والسبعـين الأستاذ محمود محمد طه فأعدمه بعد أن زعموا له أنه كافر زنديق وأصبح النميري في يد (المتأسلمين) أرجوزاً بلغت السخرية به حد إقناعه بأن المقاعد الفارغة في مكتبه يجلس عليها أولياء الله الصالحين في حضرته وراحوا يقدمون له الشيخ فلان والشيخ فلان فيمدد يده في الهواء مصافحاً طالباً (البركة والتاييد وحسن الخاتمة).

http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=6680&bk=1
________________

Post: #471
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 04:55 PM
Parent: #470


كلمة الوطن
ملف الفلاشا من جديد
إذا كانت محاكم العدالة الناجزة وقوانين سبتمبر المعيبة وإعدام الشيخ الهرم محمود محمد طه تجسد أسوأ سيئات مايو ومخازيها الوطنية الداخلية ،فإن ترحيل الفلاشا اليهود من إثيوبيا عبر السودان إلى إسرائيل يجسد أكبر المخازي القومية لنظام مايو الذي قدم من خلال ترحيل الفلاشا نحو«15» ألف مقاتل إثيوبي «فلاشي» إلى اسرائيل، لتقتل وتقاتل العرب والمسلمين من فسلطين وغيرهم..!.
ولقد ظلّت قضية الفلاشا متداولة منذ أن تفجرت في منتصف ثمانينيات القرن الماضي حيث عقدت بشأنها المحاكمات، وكتبت بشأنها المقالات والتحليلات والتقارير، وكلها كانت أقرب إلى تبرير الجريمة النكراء منها إلى إجلاء الحقائق وقول الحق..!.
فاللاعبون الكبار فوق مسرح هذه الجريمة القومية، ولسوء الحظ كانوا ضمن مغالطات، وصفقات، وتحالفات ما بعد الانتفاضة 1985م؛ حيث شكّل أحد الأحزاب الرئيسة الشريك في قضية الفلاشا أو على الأقل في الحكم الذي صدّر الفلاشا؛ ونعني «الجبهة الإسلامية القومية»، حماية ورعاية وملاذات آمنة لهؤلاء اللاعبين.. حتى إذا جاء نظام الإنقاذ 1989م «في طبعته الأولى» قبل المفاصلة ،لمع من جديد نجم بعض هؤلاء اللاعبين على مسرح الفلاشا، فكان أن وجدوا الحماية والرعاية بل والتوظيف الرفيع دون أي مراعاة أو تقدير للمشاعر الوطنية والقومية التي طعنها هؤلاء في مقتل، يوم أن وافقوا على الانخراط في عمل مُشين وقذر، وهو دعم عدو العروبة والإسلام والتاريخ الإنساني، ونعني اسرائيل، بالجنود الأشداء الأقوياء ،حيث لا ينفع هؤلاء اللاعبين ما قالوه من أن المسألة كانت مجرد عبور لاجئين من إثيوبيا عبر السودان ،وهم غير مسؤولين عن وجهة هؤلاء اللاجئين بعد ذلك ..!.
إنه فعلاً ،وعلى ضعفه ووهنه كلام عجيب ومعيب ...!.
إثيوبيا التي ينتمي إليها هؤلاء المرحلون آنذاك ،رفضت أن تقوم بهذا الدور القذر.. رغم علاقة نظامها الدبلوماسي على الأقل مع اسرائيل.. وذلك تقديراً لعلاقاتها، أي «اثيوبيا» ،بالعالمين العربي والإسلامي، وتقديراً لمشاعر المسلمين في إثيوبيا وإريتريا والصومال المحتل ...!.
إن السكوت على مخازي التاريخ ومثل هذه الممارسات قد يشجع الآخرين من الحاكمين الآن وفيما بعد بارتكاب مثل هذه الجرائم، والمعاصي، والعقوق الوطني والقومي والإسلامي؛ الأمر الذي حتّم ويحتم دائماً ألا يقفل التاريخ أو تطوي صفحاته في قضية الفلاشا..!.
وبداية تبدأ «الوطن» بنشر حقيقة الحقائق حول قضية الفلاشا من الألف إلى الياء، وذلك على لسان وبقلم أحد أكبر المسؤولين، ليس في قضية الفلاشا وحدها بل في كل دولة مايو التي سقطت 1985م.. وهو السيّد الفريق الدكتور عمر محمد الطيب ،الرجل الأول في أمن مايو بكل أجهزته وقوته وممارساته.. والرجل الثاني الفاعل والفعّال في كل نظام مايو على الأقل في سنواته الأواخر...!.
والفريق عمر محمد الطيب الذي يحكي هنا بتفاصيل أدق وبالأسماء والتواريخ والأماكن ،يبدو لنا وكأنه يريد أن يضع كامل النقاط على كامل الحروف في قضية الفلاشا، وتسليط الأضواء الكاشفة بلا ضبابية أو مواربة على قضية الفلاشا، وذلك وفقاً لتقديرنا لخدمة التاريخ ولإبراء الذمة ولفتح مدوٍ لهذا الملف الكبير والخطير، حتى لا تنام الأعين أو تطوى الصفحات أو ينسى النّاس ما حدث بحقهم وحق بلادهم وأمتهم من سيئات أو حسنات. وهنا نختم ونقول إن سائر الذين وردت اسماؤهم على لسان الدكتور الفريق عمر محمد الطيب في هذه الحلقات الثلاث التي ستنشر بداية من يوم غد الخميس ثم السبت فالأحد ،سيكون من حقهم الرد والتوضيح والتصحيح ،إن كان في أحاديث الدكتور الفريق عمر محمد الطيب ما يستدعي ذلك.
«والله من وراء القصد»،،
سيد أحمد خليفة

http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=7318&bk=1
_________________

Post: #472
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 04:56 PM
Parent: #471


أنفاس السبت

عادل سيد أحمد
الترابي قال لأهل أَمري: ستجدون حقكم في الآخرة..!
ولكن السؤال المشروع: أين حق شعب السودان، في الدُنيا..؟!
ما بين الأُستاذ «المشنوق» والشيخ «المسجون».. تكمن أزمة «الإسلام السياسي»..!
الشايقية أكلوا وشربوا داخل صيوانات الجبهة.. ثم هتفوا: «عاش أبو هاشم.. عاش أبو هاشم»..!.



في العام 1986م... واستعداداً للإنتخابات العامة، في فترة الديمقراطية الثالثة... بعد الإطاحة بالنظام العسكري الديكتاتوري الثاني... وضمن الحملات السياسية، التي نشطت فيها «الجبهة الإسلامية القومية»... قام أمينها العام الدكتور حسن الترابي، بزيارة للشمالية...
إنَّ فرع الجبهة الإسلامية بالشمالية... كان أن سكب أموالاً، من أجل جذب جمهور الاتحاديين «والختمية»... ونجحت الجبهة في الدخول، لكلّ بيت..!.
كانت الجماهير، هناك... «متجاوبة» مع أية «ليلة سياسية»... ولكن القناعات «خرسانية» عند الكثيرين...
وفي منطقة الشايقية ـ تحديداً، حيث «الدوائر المقفولة» للاتحاديين... جاء الترابي، بعد أنْ رتّب أقطاب من حزبه... صيوانات «فاخرة جداً»... ثم دعوة الحاضرين لـ«عشاء كارب»... ذبائح وولائم.. وإنارات فخمة وكراسٍ وثيرة... لقد ضاق «الصيوان»، بالمدعوين..
وبدأت الليلة السياسية... والحديث «الساحر»، الجذاب... بالخطاب الديني الرنان، ودغدغة العواطف.. وامتلاك ناصية الحديث... والذي اشتهر به الدكتور حسن الترابي..!.
ولكن، جماهير «الشايقية»... بعد أنْ قبلت الدعوة والضيافة... وشربت العصير.. وتعشّت... وبمكر شديد... وقفت تلك الجماهير، وهي تُردد:
سكت على الفلاشا... وجاب لنا عاشه..
عاش أبو هاشم... عاش أبو هاشم..!
حاشية:
ـ الفلاشا، هُم اليهود، الذين تم ترحيلهم من إثيوبيا إلى إسرائيل، عبر السودان، إبان فترة الديكتاتور جعفر نميري.
ـ عاشه: هي عائشة الغبشاوي، وهي من القيادات النسوية «التاريخية» البارزة، للجبهة الإسلامية القومية... ومن مناطق الشايقية.
ـ أبو هاشم... كُنية... يكنّى بها السيد محمد عثمان الميرغني... في إشارة إلى حسبه ونسبه بالبيت النبوي الشريف...
ومعروف عن الرسول «ص»، أنه من بني هاشم...
***
قصدت من هذه الفذلكة التاريخية، اجترار الذكريات السياسية، في بلد، شهدت سنواته وفي العقود الثلاثة الماضية، تقلبات سياسية... مزعجة ومخيفة... بين أنظمة أحادية، وأخرى تعددية..!.
بيد أنَّ دكتور الترابي، والذي يزور الشمالية هذه الأيام... بثوب جديد... مركزاً هجومه على بناء سياسي، كان هو «مقاوله ومهندسه ومنفذه»...
كأنما يتهم شعبنا بـ«ضعف الذاكرة»... و«التسامح» لدرجة الإفراط والتفريط..!.
الترابي خاطب مواطني «أَمري» معلقاً بالقول: «حقكم، ستجدوه في الآخرة»..!.
***
والحقيقة التي لا مفرّ من ذكرها... ويتوجب على د.الترابي، وحزبه... الاعتراف بها... والاعتذار عنها... بوضوح وشجاعة وشفافية... أنَّ الترابي حصد، تماماً، ما زرعه...
فالسودان، في مجتمعه السياسي والمدني المنظم، وقواه السياسية الحية... لا يعرف أباً وراعياً ومؤسساً، للإسلام السياسي «الحديث» إلاَّ الدكتور حسن الترابي...
فالناس... حينما يهاجمون القوانين المسماة زوراً «إسلامية» في عهد الاستبداد الثاني... فإنَّ الألم يعتصر الناس، من قائد الحزب الإسلامي، الدكتور حسن الترابي... فشعب السودان «المتدين» فطرياً... والواعي، سياسياً... ما كان يرجو ـ أو يستحق ـ محاكم للتفتيش... تشهر بالأُسر، وأبنائها وبناتها، عبر الإذاعة والتلفاز، في أسوأ محاكم طواري وعدالة ناجزة «عاجزة»، عرفها ـ ربما ـ التاريخ الإسلامي ـ في كلّ مراحله...
وما كان اعتذار الدكتور حسن الترابي، مقنعاً أو كافياً... بل كان نوعاً من الالتفاف، والتمويه والخديعة «السياسية»... واللعب بعبارات دينية براقة... تشبه «المخدر»، الذي يعطيه الطبيب للمريض...
فماذا قال؟؟:
«أنا كنت المستشار، الذي لا يُستشار»...
هل هذا مقنع..؟؟!.
وهل هذا مقبول من داعية سياسي، بفكر إسلامي مستنير؟؟!.
ثم أين المبدأ الإسلامي الراقي والأصيل: «أفضل الجهاد، كلمة حق في وجه سطان جائر»..؟؟!.
أَما كان بالإمكان إرساء مباديء مقاومة الاستبداد، ومواجهة السُّلطان الجائر... وتثبيت موقف، يُحسب لصالح حركة الإسلام السياسي، الحديثة..؟؟!.
إنَّ واحدة من الآفات، التي أدخلها الدكتور حسن الترابي، وغرسها داخل حزبه... كانت حكاية «فقه الضرورة»...
نعم.. حكاية.. لأن «فقه الضرورة» قامت عليه كل «الرواية» التراجيدية - والكوميدية، والتي تبكينا وتضحكنا... كل يوم..!.
ومأساة «فقه الضرورة»... أنه تمدد وامتد لـ«السياسة»... حتى شب عن الطوق... وتحول من منهج أخلاقي، في نطاق ضيق، رحمة بالناس... إلى «فقه سياسي»، واسع، كرس للاستبداد والاحتكار والوصاية... حتى أصبح يوازي، بل يضاهي، الميكافيلية القميئة: «الغاية تبرر الوسيلة»...
إنَّ هذه الفكرة «المدمرة»... كانت السبب الأساسي، والباعث القوي، والدافع لإقصاء الآخرين... وطردهم من السُّلطة، رغم أنهم جاءوا إلى الحكم، عبر انتخابات ديمقراطية، شهد بها - وشهد عليها - العالم كله، في أعرق نظام برلماني، عرفه العالم الثالث، والقارة الإفريقية، على الاطلاق..!.
***
لقد دافع د. الترابي، عن نظام الإنقاذ... دفاعاً مستميتاً... وهو دفاع، لسوء حظ الترابي... كان عن النظام، والنظام في أسوأ سنواته، حيث «التشريد والاعتقال»... وحتى اقتصادياً، كان المواطنون يعانون في معاشهم وعلاجهم وتعليمهم... وكان السودان محاصراً، إقليمياً ودولياً... والحروب مشتعلة في أطرافه.. جنوباً وشرقاً... مع المعارضين... ومع المجاورين.. واشتعلت أزمة حلايب، مع مصر..!.
وقد كان بالسودان: بن لادن... والظواهري... وحتى الدكتور عمر عبد الرحمن، مرَّ بالسودان... وجميعهم ضمهم أو احتضنهم أو رعاهم، «المؤتمر الشعبي العريي والإسلامي»، والذي كان أمينه العام هو الدكتور حسن الترابي..!.
إنَّ «الشيخ» حينها كان هو «مايسترو» الإنقاذ..!.
***
وهنا تستحضرني، إفادات، كان أنْ أدلى بها الدكتور الترابي، في زيارته الشهيرة، للولايات المتحدة الأمريكية، في النصف الأول من حقبة التسعينيات... حيث استمات الدكتور الترابي، دفاعاً عن الإنقاذ في أحلك وأقسى أيامها...
وإليكم اقتبس - تنشيطاً للذاكرة، بعضاً مما جاء في إفاداته أمام الكونجرس... فما أبرز ما قاله؟؟:
{ الديمقراطية لا تنطوي فقط على الانتخابات وحكم الشعب، وإنما على ابعاد الدين عن النظام العام، وحظره قانونياً عن الممارسات العامة.
{ لا توجد اعتقالات ولا يوجد معتقلون... وإنْ وجدت، أحياناً، فهي تحفظية... والسياسيون يُنقلون إلى سجن كوبر.
{ الإنقاذ لم تطرد من الخدمة المدنية سوى عدة آلاف... وكلّ نظام جديد يضع مؤيديه في قيادة السُّلطة.
{ الكلام عن انتهاكات لحقوق الإنسان، اشاعات.
{ الجهاد في السودان ليـــس ضد المسيحية، وحكومة السودان ضد الإرهاب..!.
{ لم أشترك في الإعداد لما حدث في 30 يونيو... ولم تكن لي علاقة به.
{ السودان، الآن يحتاج إلى سُّلطة قوية على رأسها رجال القوات المسلحة.
***
ألاَّ تمثل إفادات الترابي «التاريخية» تلك... والتي أدلى بها في زيارته الشهيرة لأمريكا، في عقد التسعينيات أمام الكونجرس... حيث مارس دفاعاً مستميتاً «Advocacy» عن الإنقاذ... «مبالغ فيه»... وقد كان الذين استجوبوه هم:
- ميرفن دايمالي، وهو «ديمقراطي» من ولاية كلفورنيا.
- هوارد ولبي، ديمقراطي من المسسيبي.
- بن كليمان، «جمهوري» من نيويورك.
- بجانب فرانسيس دينق... من الشخصيات السودانية «الجنوبية» المعروفة.
واليوم... اليوم... وما أشبه الليلة بالبارحة... فإنَّ د.الترابي «يشتكي ويدعي» أنه يشرب من كأس «الاستبداد والمحسوبية والفساد»... كأنه بالأمس، كان أميراً للمؤمنين، بالقسط والعدل بين الناس ..رؤوفاً!. بهم وعطوفاً عليهم...
ولم يكن دقيقاً حينما نفى علاقة له مباشرة بالإنقاذ... فهو عاد ـ وفي رمضان، بعد المفاصلة، وقال: «قلت للبشير، اذهب للقصر رئيساً، وسأذهب للسجن حبيساً». .. وأنهم صوتوا داخل اجتماع الشورى للاستيلاء على السُّلطة..!.
كيف نصدق... كيف؟؟!... ونحن، الآن في السودان، على نطاق السياسة، ننعم بـ«سلام» أوقف الحرب... وبصحافة تمارس قدراً متنامياً من الحرية... وتنتصر، كل يوم، وتتمدد، وتنتزع الحرية، وتوسعها.. وما انتصار الصحافة في ابطال المادة 130 ـ سيئة الذكر ـ من قانون الاجراءات الجنائية، إلاَّ دليل على صدق ما أقول...
وما انتصار الصحافة في السجال القانوني في قضية عروة ونور الدين مدني، إلاَّ دليل حي، على تطورنا السياسي والإعلامي والصحفي...!.
***
إنََّ «شخصنة» الأمور، وتفصيلها على مقاس معين... هو الذي أضر بحركة الإسلام السياسي... والذين تمردوا على د. الترابي، من تلاميذه... برروا ذلك، بأنهم لا يقبلون الاستمرارية في «كبانية» المنشية...
صراع داخلي بين الشيخ وتلاميذه... لا يهمنا كثيراً، إلاَّ بقدر أنه صب لمصلحة شعب السودان... وقد كان الاختلاف رحمة بالعباد... حيث نحى بالبلاد إلى التحول الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، ثم انتخابات عامة، في المستقبل القريب، ليختار فيها الشعب حكامه، طواعية...
***
أختتم بمقارنة بسيطة بين موقفين، لزعيمين إسلاميين... هما الأستاذ الشهيد محمود محمد طه... والدكتور حسن الترابي... وكلاهما طرح برنامجاً إسلامياً:
{{ محمود محمد طه... أيام «قوانين سبتمبر».. قال، أمام قضاة الطواريء والعدالة العاجزة، بقيادة المهلاوي والمكاشفي... قال ما يلي:
«أنا أعلنت رأيي مراراً في قوانين سبتمبر 1983م، من أنها مخالفة للشريعة الإسلامية... أكثر من ذلك، فأنها شوهت الشريعة، وشوهت الإسلام، ونفرت عنه... يضاف إلى ذلك أنها وُضعت واستُغلت، لإرهاب الشعب وسوقه إلى الاستكانة، عن طريق إذلاله ثم أنها هددت وحدة البلاد... هذا من حيث التنظير... أما من ناحية التطبيق، فإنَّ القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها، غير مؤهلين فنياً، وضعفوا أخلاقياً، عن أنْ يمتنعوا عن أنْ يضعوا أنفسهم، تحت سيطرة السُّلطة التنفيذية، التى تستعملهم لاضاعة الحقوق، وإذلال الشعب، وتشويه الإسلام، وإهانة الفكر والمفكرين، وإذلال المعارضين السياسيين... ومن أجل ذلك، فإنني غير مستعد للتعاون مع أي محكمة، تنكرت لحرمة القضاء المستقل... ورضيت أنْ تكون أداة من أدوات إذلال الشعب، واهانة الفكر الحر، والتنكيل بالمعارضين السياسيين».
{{ أما د. الترابي... في ذات المشهد... من مسرحية 83 الشهيرة.. ماذا كان موقفه... وماهي أقواله؟؟!.. وما نص البيعة بينه وبين «الامام» جعفر نميري..؟؟!:
«أُبايعك على كتاب الله، ذي الجلال والإكرام.. أُبعايك على الطاعة في المنشط والمكره ما لم أومر بمعصية.. أُبايعك على النصيحة لك، والجهاد وراءك في سبيل الله.. أُبايعك على أنْ تقيم الدين، وتبسط الشورى والعدل، وتجهد في مصالح الأمة.. أُبايعك، وأشهد الله على ذلك، وهو خير الشاهدين».
***
الأستاذ محمود محمد طه، ذهب إلى المشنقة شهيداً ممسكاً بقناعاته... بينما الدكتور الترابي، ذهب إلى السجن «حبيساً»،في أكبر عملية تمويه عرفها السودان، في تأريخيه...!...
وما بين المشنقة والبيعة... تكمن أزمة الدكتور حسن الترابي...
إنها أزمة كبيرة بحق وحقيقة..!.
***
قال تعالى: «ذكِر إنما أنت مُذكِر.. لست عليهم بمُسيطر».
صدق الله العظيم

http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=7282&bk=1

Post: #473
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 04:57 PM
Parent: #472


في حوار مطوّل مع «الوطن»

أحمد عبد الرحمن يكشف حقائق حركة 1976م وخلافات الحركة الإسلامية
الخرطوم - هاشم عبد الفتاح
اجرت «الوطن» حواراً مطولاً مع الأستاذ أحمد عبد الرحمن محمد أحد أبرز قيادات الصف الأول في الحركة الاسلامية، وأحد القيادات التي شاركت في وضع منفستو الجبهة الوطنية المعارضة لنظام مايو والتي عُرفت فيما بعد بحركة يوليو 1976مأو « الغزو الليبي». وكشف الاستاذ أحمد عبد الرحمن عن حقيقة وطبيعة الأجواء التي شكلت عمل ومخططات المعارضة لإسقاط نظام نميري، مشيراً إلى أنّ الحركة الإسلامية كانت الأضعف تمثيلاً في الجبهة الوطنية وأنّ تمثيلها فيما بعد مصالحة 1977م مع حكومة نميري كان أيضاً ضعيفاً، ولم يكن لقيادات الحركة الاسلامية أثر في سياسات وقرارات نميري، وأضاف أنّ أجهزة وعناصر جهاز الأمن لم تكن ترغب في مشاركة الحركة الإسلامية في الحكم. ونفى أحمد عبد الرحمن في حواره أية علاقة لوزارة الداخلية التي كان يتولى مسؤوليتها بملف قضية الفلاشا الشهيرة، والتي حمَّل مسؤوليتها كاملة لجهاز أمن نميري والمخابرات الأمريكية والسفارة الأمريكية بالخرطوم، كما نفى أيضاً علاقة وزارته بقضية محمود محمد طه. وذكر أحمد عبد الرحمن بعض الحقائق في قضية خلافات الإسلاميين حول السلطة، وإمكانية معالجتها، مشيراً إلى أن طبيعة هذه الخلافات في البرنامج التطبيقي وليست في المنهج.

http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=9066&bk=1
_________________

Post: #474
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 04:58 PM
Parent: #473


الإسلامي أحمد عبد الرحمن يحكي لـ(الوطن) قصة الفلاشا.. وأيام نميري الأخيرة) (2 - 3)

رغم «المصالحة » عناصر نافذة في حكومة مايو لا ترغب في مشاركة الحركة الإسلامية
الداخلية لا علم لها «بالفلاشا».. ولم يحقق معها في محاكمات (رموز مايو)

«انقلابات.. واغتيالات ودماء وتعذيب وهروب».. تفاصيل لمشهد سياسي راسخ في ذهنية العقل السياسي السوداني، وهي كذلك صور وملامح لما بعد البيان الأول لأية حقبة حاكمة ليس في السودان فحسب لكنها أيضاً نموذج يمكن أن ينطبق في أية دولة من دول العالم الثالث.. وهكذا احتشدت الذهنية السودانية بواقع ومجريات التاريخ السياسي في السودان من لدن العام 1956م إلى ما بعد عشية 30 يونيو 1989م وكلما ارجع العقل السوداني ذاكرته إلى الوراء كلما ازدادت قناعته بفشل النخب السودانية في إرساء نموذج للحكم يلبي طبيعة أهل السودان واحتياجاتهم وطموحاتهم ويزيل عنهم (الرهق) والشقاء..
في ذاكرتنا الآن حركة يوليو 1976م التي (تبلورت) عبر أطروحات وأفكار (الجبهة الوطنية) المناهضة لنظام جعفر نميري والتي عرفت فيما بعد بـ(حركة المرتزقة) ولكن ومهما اختلف الناس أو اتفقوا حول حقيقة هذا التحرك المعارض فإن حركة يوليو 1976م تبقى شكلاً من أشكال الإرادة السودانية في سبيل بحثها عن الحكم الرشيد وتفكيك أنظمة الحكم الدكتاتوري، والحد من خطر الأنظمة العسكرية على وحدة واستقرار السودان وعلى المنطقة.. هكذا كان منفستو (الجبهة الوطنية) لمخاطبة القوى السياسية السودانية من أجل اقصاء نظام نميري الذي كانت طبيعته يسارية حمراء ومتشددة مع الإسلاميين.
(الوطن) حرصت على أن تجلس إلى مولانا أحمد عبد الرحمن محمد أحد أبرز رموز الجبهة الوطنية ممثلاً لحركة (الأخوان المسلمين) والذي يتولى الآن مسؤولية إحدى الواجهات الحكومية وهي مجلس الصداقة الشعبية العالمية، حاول في هذه المقابلة ارجاع ذاكرته إلى تلك الأيام والأجواء السياسية التي صاحبت انقلاب مايو 1969م وتشكيل الجبهة الوطنية المعارضة فيما بعد والتي تبلورت في المملكة العربية السعودية ثم استوطنت وتوسعت في بيروت بلبنان لينتهي بها المطاف في أرض الجماهيرية العربية الليبية.
في هذه المقابلة تشعب الحوار وتداخلت القضايا ورغم الأجندة والتساؤلات التي وضعناها أمام مولانا أحمد عبد الرحمن في بدايتها البعد التاريخي إلا أن واقع الحركة الإسلامية اليوم يستوجب البحث في واقعها ومستقبلها وكشف الحقائق والمسكوت عنه في خلافات الإسلاميين. وبالنظر إلى دور واسهام الأخوان المسلمين آنذاك في حركة يوليو 1976م لا يكاد يُرى لهم (أثر فاعل) في مجمل مخطط الجبهة (الإقصائي) وذلك باعتراف مولانا أحمد عبد الرحمن نفسه ولكن الحركة الإسلامية الحاكمة الآن تؤكد الحقائق التاريخية بأنها صعدت إلى واجهة السلطة بشكل متسارع ودرامي بعد أن كانت مجموعة ضعيفة ومهمشة وغير مؤثرة في الجبهة الوطنية.. أكثر من الساعة ونصف الساعة جلستها (الوطن) مع مولانا أحمد لكنها بالطبع ليست كافية لإدارة حوار مع رجل يحمل عدة (واجهات) الدخول فيها يحتاج إلى ساعات طوال.. والسؤال الاستثنائي الذي نطرحه هنا.. ما بال مولانا أحمد يمارس فضيلة (الاعتكاف السياسي) وهو الذي يدرجه البعض ضمن منظومة حكماء وعقلاء الحركة الإسلامية التي هي الآن في حاجة لهؤلاء العقلاء؟..

اجرى الحوار: هاشم عبد الفتاح / تصوير: سعيد عباس

* هل طالبتم نميري بتقوية مشاركتكم في السلطة عبر مواقع قيادية؟
- كنا موجودين في الحكومة لفترة أكثر من عام، كانت عضويتنا شاغرة في مجلس الأمن القومي، وهي فترة اعتبرها نميري فترة حسن «سير وسلوك»، بعدها ملأنا مواقعنا في مجلس الأمن القومي، ولو لا نميري لما دخلنا هذا المجلس لأن القيادات العليا النافذة في نظام نميري خاصة في أجهزة الأمن لم تكن راضية بمشاركتنا أو تمكين الحركة الاسلامية في أي موقع ناهيك عن مواقع قيادية.
* ومتى تحققت المفاصلة بين السيد الصادق المهدي ونميري؟
- اتفاقية كامب ديفيد كانت بمثابة مفترق طرق بين نميري والصادق المهدي، فالمكتب السياسي لحكومة مايو اجتمع لمناقشة موقف السودان من كامب ديفيد، وهنا السيد الصادق المهدي انتهز هذه الفرصة وأعلن خروجه من نظام مايو.
* وماذا كان موقفكم أنتم كحركة إسلامية من هذه الاتفاقية؟
- نحن لا ندعي بأننا كنا مؤثرين في نظام مايو حتى نقول رأينا في هذه الاتفاقية تأييداً أو معارضة، ولذلك لم يكن لدينا وجود حقيقي حتى تحسب لنا كامب ديفيد أو تحسب ضدنا، ومن هذا المفهوم كنا لا نرغب أن نتحمل مسؤولية ليست لنا.
* إذن كامب ديفيد كانت السبب المباشر لخروج المهدي من الحكومة وفض المصالحة مع نميري؟
- أبداً هذا ليس السبب المباشر لخروجه، فالصادق المهدي لم يكن مرتاحاً لوجوده داخل نظام مايو رغم أنه صاحب المبادرة أو المصالحة، لكنه لم يجد تطلعاته ورؤاه لا في المواقع التنفيذية ولا المواقع السياسية، وأدرك بأنه لا داعي للاستمرار في المصالحة مع نميري.
* أنت كوزير للداخلية في نظام مايو ما حقيقة الاضطراب أو الضعف في السنوات الأخيرة لحكم نميري؟
- قبل انتفاضة رحب أبريل 1985م كنا كحركة إسلامية أمورنا تسير بشكل طبيعي، ولم يكن لدينا استعداء ضد نميري، وكنا نعتقد أن فترة نميري هي بمثابة فرصة لنا (للتنفس) من المواجهات السابقة والتي لم يكن لدينا فيها سهما كبيرا، ونحن أكثر الكيانات السياسية التي تعرضت للسجون والمعتقلات لسنوات طويلة والمطاردات والملاحظات من جهاز أمن نميري.
وفي الأيام الأخيرة لنميري بدأنا نفكر في المستقبل، وأن توسع قاعدة الحركة بالاستقطاب والطريق السلمي وطرح أفكار وبرامج الحركة الإسلامية، واعتقد أن مظلة الاتحاد الاشتراكي التي كنا ننضوي تحتها تتيح لنا الفرصة الكاملة لممارسة هذا النوع من العمل، خاصة أن نميري في سنواته الأخيرة بدأت توجهات تتخذ منحنى إسلامياً.
* إذن ما هي الأسباب أو العوامل المباشرة التي أدت لخروجكم من منظومة مايو؟
- هناك قوة خارجية كان لها تأثير كبير جداً على نظام نميري وهم الأمريكان، حيث حضر وفد أمريكي بقيادة بوش الكبير والتقى بكل القوى السياسية في اجتماع بالسفارة الأمريكية بالخرطوم بعد أن وجهت الدعوة لكل هذه القوى ما عدا الحركة الإسلامية، وهذه كانت بمثابة قاصمة الظهر بالنسبة لنا، وبكل أسف كانت حاضرة هذا اللقاء وموافقة على أن الحركة الإسلامية خطرة على نظام نميري وغيره من القوى السياسية. في هذا الأثناء نشطت المخابرات الأمريكية واستطاعت ان توغر صدر المسؤولين على ان الحركة الاسلامية اذا «لم تتغدوا بها سوف تتعشى بكم».. ومن دون مقدمات وجدنا أنفسنا في السجون وعلمنا من البيان الأول بأننا متجهين إلى سجن «شالا» رغم أننا كنا وزراء.
* وكيف كانت تداعيات هذه العملية من جعفر نميري؟
- هذه هي الغلطة التاريخية التي وقع فيها نميري باعتقاله لقيادات الحركة الاسلامية، ونظام نميري كان في حالة استقرار منذ انعقاد المصالحة في 1976م، حيث لم تكن هناك مظاهرات أو اضرابات من الطلاب أو العمال أو غيرهم من قطاعات الشعب، وهذه العملية بضرب الاخوان المسلمين كانت قاصمة الظهر وبذلك وجدنا انفسنا اكبر مجموعة في المعتقلات والسجون.
* في تقديرك لماذا حاول نميري ضرب الإسلاميين وتحجيمهم في السلطة؟
- رغم ان نميري كان متعاوناً مع الحركة الاسلامية لكنه كان ينسب كل ما له علاقة بالمنهج الاسلامي إلى نفسه كرئيس للجمهورية، ولا يقبل بمشاركة أي مجموعة أو أي فرد من الحركة الاسلامية، بل ان نميري وجه مستشاريه بعدم الاتصال بالدكتور الترابي فيما يتعلق بتطبيق القوانين الاسلامية رغم انه كان وزير عدل في الحكومة، ولكن نميري شكل لجنة فنية برئاسة خلف الله الرشيد رئيس القضاء السابق وسكرتارية الدكتور الترابي (وزير العدل) على ان تستعين هذه اللجنة بكل العلماء والفقهاء السودانيين في مجال التشريعات الاسلامية، كما استعانت اللجنة بعدد من رجال الفقه والقانون من البلاد العربية خاصة مصر، وقامت اللجنة بعمل كبير ونظرت في كل القوانين المعمول بها في السودان من أجل امكانية مطابقتها للتوجه الاسلامي في البلاد، وتبين لهذه اللجنة ان حوالي 85% من القوانين المعمول بها تطابق التوجه الاسلامي.
* هنالك اعتقاد من بعض الاسلامية ان التوجه الاسلامي لحكومة نميري في ايامها الأخيرة هو الذي عجل برحيلها؟
- ربما يكون هذا صحيح لأن نميري أصر على تطبيق القوانين الاسلامية دون تدرج وركز على الحدود الاسلامية رغم ان هناك جهداً وتحركاً من القضاة الموجودين آنذاك بأنه لا بد ان تراعي عملية تطبيق قوانين الحدود الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تواجه السودان في تلك الفترة.
* أنتم كحركة إسلامية ما هو موقفكم من عملية تطبيق القوانين الإسلامية التي أعلنها نميري؟
- ليس لدينا فرصة ان نقول أي شيء وخاصة ونحن داخل النظام، لكن حافظ الشيخ الزاكي رئيس القضاء واحد قيادات الحركة الاسلامية كان لديه موقف مشهود في هذه القوانين، ولكنا سعينا لعمل مستوى آخر للاستئناف، حيث تم تكوين لجنة مراجعة الاحكام (الحدود) وهي لجنة أعلى من المحكمة العليا وحتى الآن لا تزال هذه اللجنة موجودة باسم (لجنة المراجعة)، وهذه اللجنة تعطي الآن الأهتمام الكامل باعتبار ان الحركة الاسلامية هي الحاكمة الآن.
* أستاذ أحمد قضية ترحيل «الفلاشا» الشهيرة شكلت أحدى مسالب مايو بل اعتبرها البعض «عار» ولعنة لا زالت تطارد السودانيين كيف حدث ذلك وأنت وزير داخلية؟
- هذه هي طبيعة الأنظمة الديكتاتورية لا تنتهج العمل المؤسسي، بل هي تضيق بهذا العمل. وانا كنت في وزارة الداخلية التي هي مسؤولة عن اللاجئين، ولكن للأسف الشديد قضية «الفلاشا» طرحت من كافة الجوانب والأجهزة الكبيرة في الحكومة ما عدا وزارة الداخلية وهي لا علاقة لها بهذه القضية وحتى المحاكم التي انعقدت ما بعد مايو لم تدع لها وزارة الداخلية لمحاكمتها أو أخذ رأيها بشأن هذه القضية.
ولذلك نعتقد ان عدم دعوة الداخلية تبرئة لساحتنا من أي جريمة في هذه القضية، ولكن على مستوى السودان تعتبر هذه القضية شيئاً (غير مقبول) لانه لا يمكن ان تكون هناك وزارة للداخلية غير معنية باوضاع وقضايا اللاجئين وان تكون أجهزة الأمن هي المسؤولة عن هذه القضية.
* إذن من المسؤول بشكل مباشر عن هذه القضية؟
- الحقائق التي وضحت في المحكمة ان جهاز الأمن والسفارة الأمريكية بالخرطوم هي الجهات المسؤولة بشكل مباشر عن هذا الملف.
* وكيف كان يمكن أن تتعامل مع هذه القضية اذا أوكلت إليكم في وزارة الداخلية في ذلك الوقت؟
- ان كان هؤلاء (الفلاشا) هم لاجئون حقيقيون كنا سنتعامل معهم حسب القانون، والذي يتيح لكل لاجيء الهجرة من بلد لآخر بغض النظر عن ديانته ولكن الواضح ان التعامل مع هذا الملف لم يكن باعتبار هؤلاء الفلاشا «كلاجئين».
* وهل كنت تعلم بأن هناك مجموعات (يهودية) قدمت من إثيوبيا واستوطنت في منطقة القضارف بشرق السودان؟
- أنا حاولت معرفة الحقيقة وذهبت إلى منطقة (العزازة) بولاية القضارف حينما علمت بأن هناك طائرات إثيوبية هبطت في هذه المنطقة وذهبت لتقصي الحقائق ان كانت الطائرات تحمل اسلحة أو أشياء أخرى، وأخبرني أحد الخفراء هناك بأن هذه الطائرة أحضرت مجموعة من الإثيوبيين، ولكني وجدت في الموقع جرائد (عبرية) يهودية واتضح لي فيما بعد ان المسألة «مطبوخة» بين السفارة الأمريكية والمخابرات الأمريكية وجاهز أمن نميري بهدف ترحيل هذا المجموعة إلى إسرائيل.
ولذلك كنت أتمنى ان تطلب منا محكمة (الفلاشا) سماع شهادتنا في هذا الموضوع وكنا متحمسين لذلك.
ورغم ان عملية (الفلاشا) تمت عبر طبخة بين حكومة مايو والمخابرات الأمريكية إلا أنني استدعيت أحد المسؤولين بالسفارة الأمريكية آنذاك وحاولت معرفة بعض المعلومات عن هذه القضية ووجهت له سؤالاً واضحاً (ماذا تعملون في السودان..؟).
* كيف تمت اقالتك من حكومة مايو؟ وهل ملف الفلاشا له أية علاقة بهذه الاقالة؟
- أنا كنت في زيارة رسمية إلى الصين واليابان لتوفير دعم مالي للاجئين وفوجئت بقرار فصلي من التلفزيون، وأنا كنت في هذه الفترة أبحث عن أي معلومات عن (الفلاشا)، واسفرت هذه العملية ان أحد السودانيين بعث لي بصحيفة تصدر في مدينة (فولتا مور) في أقصى غرب الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت هذه الصحيفة قد نشرت تحت عنوان: «حملة لجمع التبرعات لنقل الفلاشا من السودان إلى إسرائيل». ولذلك هذا التحرك الذي قمت به لجمع المعلومات عن ملف الفلاشا أكد للجهات الحكوية بأنني مهتم بهذه القضية وربما يكون هذا هو سبب فصلي من الحكومة.
* قضية اعدام محمود محمد طه من القضايا التي لا زال التاريخ يتحدث عنها وهي أيضاً حدثت وأنت وزير داخلية في حكومة مايو كيف تمت هذه العملية؟
- هذه أيضاً من القضايا الكبرى التي انفرد بها النظام، حيث أن الدكتور الترابي (وزير العدل) آنذاك كان لديه رأي مخالف حول الردة ولا يزال، فهو يرى ان لم تكن هذه الردة مصحوبة بقوة لتغيير النظام أو فرض رأيك لا يمكن ان يكون العقاب القتل». وقد سئلت في هذه القضية كثيراً. وحقيقة أنا لم أحضر فترة تنفيذ حكم الأعدام على محمود محمد طه.
* ألا ترى ثمة شبه ما بين (نظام نميري) في أيامه الأخيرة والانفاذ في (بواكيرها) باعتبار ان العنف والقتل والتعذيب كان القاسم المشترك في كلا النظامين؟
- الانقاذ قامت في مناخ محدد، فالقوات المسلحة كانت تتأهب للانقضاض على السلطة، وتأخر وتردد بعض المجموعات خاصة البعثين مما دفع برجال الانقاذ إلى استلام السلطة، ولكن حاول البعض استرداد هذه السلطة وهنا كان لا بد للانقاذ ان تستخدم خيار القتل ولذلك كانت المحاكم العسكرية فاعلة في ذلك الوقت لحسم كل من يريد اجهاض نظام الانقاذ.
وأقول أن كلا النظامين ـ نظام البشير ونظام نميري ـ طبيعتهما عسكرية خاصة في السنوات الأولى، حيث القبضة العسكرية القوية على مفاصل الحكم وهذه هي طبيعة أي نظام جديد ليس في السودان فقط وانما في أي مكان من الدنيا، ولكن رغم ذلك لا أعتقد ان النهج الذي اتخذه نظام البشير كان في حاجة إليه وكان بالامكان ان تحقق الأهداف بأقل من ذلك، فالسودان لا يحتاج لمثل هذا الضغط لكنه في النهاية نتاج خوف وعدم استقرار..


http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=9112

Post: #475
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 05:04 PM
Parent: #1


لأستاذة أسماء محمود في ندوة عن أثر الفكرة الجمهورية فى المجتمع السودانى

بمناسبة احتفال المركز بالذكرى 23 لاستشهاد الأستاذ محمود محمد طه
معقبون: الأستاذة هالة محمد عبد الحليم والأستاذ طه ابراهيم المحامي

http://www.kacesudan.org/talk_view_a.php?talk_id=66

Post: #476
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 05:10 PM
Parent: #475



: محمد طه لم يمت بل خاب وهلك قاتلوه (1-3)
أرسلت في 18-8-1427 هـ من قِبَل -

عبد الرسول النور

كان الفقيد الشهيد محمد طه محمد احمد، نسيج وحده ، فريدا في زمانه اذا غضب هدر كالليث الرابض، واذا ضحك ، ضحك من اعماقه لاتوسط في حالتيه ، فلسانه في قلبه ، لايرائى ولايجامل ولايتملق ولايخشي فيما يعتقد انه الحق لومة لائم حتي تبين له الخيط الابيض من الخيط الاسود من الحق . فاذا ما استبان له الحق لا يكابر ولاتأخذه العزة بالاثم فيصر علي ما كان يعتقد، بل يدافع عن قناعته الجديدة بحماسة شديدة ولكنه في كل الاحوال لا توجهه خصومة فاجرة أو يتحكم في تصرفاته عداء مستحكم أو حقد دفين، فقد كان قلبه أبيض وحبه للناس كافة بلا حدود عرفته منذ سنوات طويلة وكنا في تنظيماتنا الطلابية نتحالف ونتخالف وكان هو شديد الولاء لتنظيمه الطلابي وتوجهه العقائدي، يُنافح عما يؤمن بالوسائل الممكنة كافة. فقد كانت صحيفته «أشواك الحائطية» تميز خطه السياسي داخل تنظيمه الاتجاه الاسلامي آنذاك، وقد كانت آخر لحظة هي لسان حال التنظيم الطلابي. كان محمد طه وهو في السنة الثانية قانون يتصدى لعمالقة الطلاب الذين «ربتّوا» سنوات طويلة لقيادة تنظيماتهم، فكان يناقش «دالي» الجمهوري المتمرس المتشرب من فكر محمود محمد طه، والذي كان يخشاه الكثيرون لتمكنه من فن المجاملة، وكان يجادل الخاتم عدلان، وصديق الزيلعي وآخرين من سدنة التنظيم الماركسي وحفظة مقولات مفكريه. لقد كان وهو الفرد كتيبته خرساء لا تخشى خوض الوغى في أي زمان أو مكان. لقد كان معروفاً لدى الطلاب كافة في جامعة الخرطوم والجامعات والمعاهد العليا الأخرى كان قوياً معنوياً وجسدياً وعقلياً ولكنه لا يؤمن بسياسة القطيع، سياسة غُزية...
وما أنا إلا من غزية إن غوت غويت وان ترشد غزية أرشد
كان دائماً مع غزية اذا رشدت ولكنه ليس معها اذا غوت.

كان يعمل على جمع الصف وتوحيد الكلمة من أجل الدين والوطن ولكنه في سعيه لجمع الشمل يشرح الحالة العامة ويقول بما يعتقد أنه صحيح إلى أن يثبت له العكس يقول للأعور أعور ولا يضيع وقته في الدوران حول المعنى المقصود. كان شجاعاً إلى درجة ملامسة الحد الفاصل بين الشجاعة والتهور. كان صريحاً وواضحاً لأقصى درجات الشفافية لا يطعن الفيل في ظله أو ذيله بل يطعن الفيل في عينه اليمنى وليفعل الفيل بعدها ما يشاء إنه انسان يعيش على فطرته السليمة صدقاً وشجاعة وتوكلاً على الله. كان التباين بيننا في الآراء شديداً في فترة الديمقراطية الثالثة والانقاذ في بداية عهدها الشمولي الاستئصالي، ولكن اختلاف الرأي لم يفسد للود بيننا قضية، واختلاف الرأي من وطننا وأمتنا يفسد للود ألف قضية كما قال لي أحد الزعماء العرب. كان يعمل للوفاق من خلال قناعته هو حتى في أوقات الأزمات وما أكثرها وأدومها.
رجل كل سلاحه لسانه وقلمه، لم يضرب أحداً ولم يتحرش بأحد، فمن هم أولئك الذين أرادوا اسكات صوته وكسر قلمه ما هي اجندتهم؟ ومن هم الذين يقفون وراءهم، هذه الاسئلة تنتظر الاجابة الشافية الكافية من الجهات المختصة.
لقد فجع أهل السودان في واحد من أصدق وأشجع أبنائهم وكان تشييعه ومأتمه استفتاء على مدى تأثر المواطنين من فقده ومن الجريمة النكراء الفريدة التي نأمل ألا تفتح أبواب الجحيم على السودان وشعبه الطيب المسالم


http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=3906

Post: #477
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 05:11 PM
Parent: #476



استطلاعاً وسط الشارع السوداني حول حادثة اغتيال الراحل الاستاذ محمد طه
أرسلت في 16-8-1427 هـ من قِبَل -


علي محمود حسنين: هذا طريق وعر وطويل والراحل رجل فكر ورأي وقلم
العمدة الهادي عضو البرلمان: من نفذوا الجريمة لا صلة لهم بالدين ولا الوطن
أجرت «أخباراليوم» استطلاعاً واسعاً وسط جمهور الشارع السوداني حول حادثة اغتيال الراحل الاستاذ محمد طه محمد احمد رئيس تحرير صحيفة الوفاق .
وأبدى المتحدثون في الاستطلاع قلقهم جراء هذه الحادثة الغريبة واعتبروها دخيلة علي المجتمع السوداني بل بعضهم توقع ان يكون وراؤها اجانب . وعبر المتحدثون عن حزنهم لرحيل الاستاذ محمد طه محمد احمد بمثل هذه الطريقة .
واستعجل الشارع السلطات العمل على فك طلاسم العملية والقبض علي المنفذين .. فإلى حصيلة الاستطلاع :
الاستاذ علي محمود حسنين - نائب رئيس التجمع الوطني الديمقراطي قال هذا الخبر حزين وهذه تعد اول جريمة سياسية تحدث في السودان ويحسب بان هذا طريق وعر وطويل والاستاذ محمد طه محمد احمد رجل فكر ورأى وقلم فهو لا يملك غير ذلك وقد اراد دعاة الظلام الذين لم يحتملوا كلمة الحق التي كان ينشرها فهو صاحب قلم شجاع في مواقفه وارائه ان يغتالوه فالراحل كان فذاً وتمتاز كتاباته بالوضوح والشجاعة .
الاستاذ عثمان عبد الرحمن ـ رئيس تحرير مجلة الاقتصاد والاستثمار قال: ان الاستاذ محمد طه محمد احمد لم يفعل شيئا لترتكب فيه مثل هذه الجريمة فهو رجل صاحب فكر ولب ويجب ان تتم محاكمة من فعلوا هذه الجريمة لكي لا تتكرر خاصة وانها جريمة ترتكب لاول مرة في السودان .
العمدة الهادى عبد الرحمن مزمل - العضوالبرلماني البارز للمؤتمر الوطني قال هذا اسلوب وسلوك جديد علي الشعب السوداني وموروثاته وثقافته واننا كبرلمانيين ندين بشدة هذا الحادث وهو حادث اليم لم تشهده البلاد من قبل وهذا التصرف قامت به فئة لا صلة لها بالاسلام واردت به فتنة وهو سلوك لم نعتد عليه رغم الخلافات الموجودة بيننا كسياسيين ويعد هذا انحدارا لمسلك العنف وهؤلاء ارادوا بذلك ان يكون التدخل الاجنبي ذريعة ولكن نؤكد باننا كشعب سوداني فان قياداته واعية ولن تفرط في دماء الذين مارسوا العمل السياسي واسهموا بدورهم في قضايا الوطن وان هذه الجريمة بشعة في حق كل الشعب السوداني لاننا لم نعتد علي مثل هذه الاشياء وان الذين فعلوا ذلك ارادوا ان يقتلوا الكلمة القوية والمعبرة الحرة ، محمد طه محمد احمد كان من هؤلاء الذين يكتبون بحرية .. رحم الله محمد طه والهم ذويه الصبر .
كوبر ـ استطلاع :
نجاة صالح شرف الدين
توافدت صباح امس جموع المحتشدين من قبيلة الصحفيين واسرة الراحل فقيد الصحافة المرحوم محمد طه محمد احمد رئيس تحرير صحيفة الوفاق لتقديم واجب العزاء لاسرة شهيد الصحافة .
قلم حر
«أخباراليوم» قامت بزيارة الي اسرة الفقيد محمد طه محمد احمد وقدمت واجب العزاء واجرت استطلاعات مع بعض المسؤولين بالدولة وبعض اسرة الفقيد وكان لقاؤنا في البداية بالاستاذة سامية احمد محمد وزير الرعاية الاجتماعية والتي عبرت عن حزنها وقالت لـ«أخباراليوم» نتقدم بالعزاء للشعب السوداني في الفقيد الشهيد محمد طه محمد احمد ابن السودان الذي كان مهموماً بقضايا السودان بقلمه الحر ودافع عن المستضعفين والفقراء كما انه دافع عن الحق وقد عرف محمد طه بتدينه ووطنيته منذ نعومة اظافره وكان في كل المراحل الدراسية يتقدم الصفوف نصرة للدين والوطن .. والعزاء للسودان وقبيلة الصحفيين ولاهله وعشيرته .
سلوك غريب
واضافت الاستاذة سامية بان الجريمة التي ارتكبت في حق محمد طه محمد احمد جريمة غريبة علي السودان اذ لم تحدث من قبل مثل هذه الجريمة النكراء ، واشارت الي ان هذه ليست من اخلاق وشيم المجتمع السوداني وان ما عرف عن اهل السودان بانه مهما وصل الامر من خلافات في الرأى فان هنالك اخوة صداقة وعلاقات اجتماعية متواصلة ولذلك فان هذا الحادث لا يشبه السودانيين ولا من طبائع اهل السودان ولا يمت للاخلاق والقيم السودانية بصلة وهو غريب عن سلوك اهل السودان .
الدولة ستقبض على الجناة
الدكتورة سعاد الفاتح البدوى مستشارة رئيس الجمهورية اكدت بان الدولة لن تسكت علي هذه الجريمة النكراء في حق الاستاذ محمد طه محمد احمد رئيس تحرير صحيفة الوفاق وستقوم الدولة بتعقبهم وردعهم حتي ينالوا جزاء ما ارتكبوا من جريمة بشعة في حق الشهيد محمد طه محمد احمد واضافت د . سعاد الفاتح بان ارتكاب هذه الجريمة بهذه الطريقة البشعة يعتبر دخيلا علي قيم واخلاق المجتمع السوداني ولذلك فان الدولة ستلقي القبض علي الجناة وسيتم تقديمهم لينالوا جزاء فعلتهم البشعة مهما كانوا واكدت د. سعاد ان اسرة الشهيد محمد طه محمد احمد في بؤبؤ عين الانقاذ الوطني .
ناقوس الخطر
الاستاذة رجاء حسن خليفة رئيسة الاتحاد العام للمرأة السودانية قالت ان الجريمة البشعة التي ارتكبت في حق الشهيد محمد طه محمد احمد حادث بشع لا يشبه المجتمع السوداني ولا يشبه تقاليده واعرافه ونحن كأمهات ندق ناقوس الخطر وندعو الي ضرورة التعامل مع مرتكبي هذه الجريمة النكراء بالحسم حتي ينالوا جزاء ما ارتكبوا من حق المرحوم .
وأوضحت بان الفقيد محمد طه كان قد عرف عنه سماحة الاسلام وكان الشهيد محمد طه يعول عددا من الاسر وكان عائلا لبعض الايتام كما انه سخر عقاراته لبعض الاسر الفقيرة ولا حول ولا قوة بالله .
سابقة خطيرة
وقالت الاستاذة آمنة احمد محمد مختار امينة شئون المرأة بالمؤتمر الوطني ولاية الخرطوم بان الجريمة البشعة التي ارتكبت في حق الاستاذ الصحفي محمد طه محمد احمد رئيس تحرير صحيفة الوفاق جريمة دخيلة وغريبة علي المجتمع السوداني وعلي قيمه وتقاليده واضافت ان ارتكاب الجريمة بهذه الطريقة البشعة تعتبر سابقة خطيرة ونسأل الله ان لا تتكرر.
وطني شجاع
وقالت بان الشهيد محمد طه محمداحمد ليس فقدا للمؤتمر الوطني او الحركة الاسلامية فحسب وانما فقد للسودان باجمعه فقد كان الفقيد رحمه الله وطنيا شجاعا وغيورا وكان لا يخاف في قول كلمة الحق لومة لائم . نسأل الله المغفرة وان يتقبله برحمته و«انا لله وانا اليه راجعون».
نطالب بالقصاص
كما التقت «أخباراليوم» بزوجة وشقيقة الراحل محمد طه محمد احمد فقالت زوجة الراحل فوزية محمد احمد ان عملية اختطاف زوجها الراحل من قبل المختطفين تمت بسرعة شديدة حتي انها لم تتمكن من مشاهدة الخاطفين عندما حاولت اللحاق بزوجها فور سماع الطرقات علي باب المنزل وذكرت بانها شاهدت شبح شخص لم تتأكد من شكله وملامحه اغلق باب السيارة بسرعة شديدة واختفت العربة التي قامت بعملية الاختطاف ايضاً بسرعة شديدة وطالبت فوزية محمد احمد زوجة الراحل بالقصاص من مرتكبي هذه الجريمة البشعة في حق زوجها الشهيد محمد طه محمد احمد .
نرفض هدر الدم
وطالبت ايضاً شقيقة الفقيد كوثر محمد احمد بالقصاص في حق مرتكب الجريمة البشعة التي تعرض لها شقيقها الشهيد محمد طه محمد احمد وقالت ان دم اخيها لن يروح هدراً .
عدلان عثمان احمد المهدى - فني ديكور: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام علي اشرف المرسلين سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم . وبعد
اولاً الحادثة البشعة التي حدثت يوم الاربعاء والتي استهدفت الاستاذ الصحفي محمد طه محمد احمد رئيس تحرير صحيفة الوفاق وهي حادثة دخيلة علي البلد كما ان الذين قاموا بتنفيذها ليست لديهم اي درجة من الاخلاق والقيم ويجب علي السلطات العمل باسرع فرصة للقبض علي الجناة ومحاكمتهم علي فعلتهم هذه وكذلك تنوير الرأى العام لايضاح الاسباب والدوافع من خلال اجهزة الاعلام ..
ومواصلة منا في هذا الاستطلاع التقينا عبد العظيم برهان وهو سائق تاكسي كان هذا حديثه:
هذا الحادث نستنكره استنكاراً شديداً ونناشد وزارة الداخلية بالقاء القبض علي الجناة . وحقيقة هذه الحادثة دخيلة علينا كمجتع سوداني ونحن نعيش في حالة حزن عميقة ونسأل الله ان يوفق الحكومة في القاء القبض علي الجناة «إنا لله وإنا اليه راجعون» .
اما محمد بشير - فكان حديثه حذراً عن هذه الجريمة:
هذه الجريمة هي ارهاب والقصد منها هو زعزعة امن واستقرار البلاد . اما مدثر صالح وهو احد القراء: هذه الحادثة هي الاغرب من نوعها فلم يحدث مثلها بهذه البشاعة ، وعلي اجهزة الشرطة القاء القبض علي الجناة باسرع فرصة ورسالتي اوجهاها للداخلية بأن تكثف جهودها من اجل فك الغاز الجريمة خاصة وان محمد طه يعد من كبار الصحفيين ومن حاملي القلم الصادق .
والتقينا ايضاً بالعم/ اسماعيل الكاشف وهو احد القراء لم يتحدث الينا كثيراً بل اكتفي بهذه الكلمات: انا ابلغ من العمر 80 سنة وطول حياتي لم اسمع بمثل هذه الجريمة وهي في رأيى عمل اجنبي من خارج السودان وانا اعرف صحيفة محمد جيداً واعتقد ان السودان بريء من ارتكاب مثل هذه الافعال .
اما الطالب احمد عبد العال عكاشة وهو طالب دارسات عليا ابتدر حديثه عن محمد طه محمد احمد فقال: في البدء محمد طه محمد احمد قبل ان يكون صحفيا فهو انسان وحقيقة الاستاذ محمد طه كان يقدم خدمات لجميع روابط طلاب الولاية الشمالية حيث كان يقدم الاعلانات المجانية للندوات كما قدم خدمات لنادى الطمبور وانسان الشمال بصفة عامة.
وفي تقديرى الشخصي هذا الحادث قد نفذ بايدٍ دخيلة وهذا العمل لا يقوم به إلا الاجانب . واوجه رسالة الي السلطات الامنية في اجراء تحقيق في هذا الحادث وان يحصروا عدد الاجانب الذين دخلوا البلاد خلال الايام الماضية وسيظل محمد طه رمزاً للكلمة القوية وهي نموذج لكلامنا الذي سينزل علي اعدائه مثل الرصاص .
وتحدث جمال سليم صحفي بصحيفة فتاتي قائلاً ننظر الي هذا الحادث بانه جريمة نكراء لا تمت الينا باي صلة لانها طريقة من فعلها ما هو لا دين ولا ديانة له ونحن نشجب الطريقة التي تمت بها العملية ونطلب ان يحمي امثاله من اصحاب الاقلام النظيفة الذين لا يخافون في الحق لومة لائم ويجب علي الساسة والمسؤولين التوقف قليلاً فيما حدث حتي يعلموا ما يدور وما يدار بساحتنا السياسية ولا شك انه بعد ما شاهدناه من مأساة سيصبح السودان بؤرة اغتيالات سياسية وعقائدية ونحن اصحاب اقلام نشجب وندين ما تعرض له استاذنا محمد طه محمد احمد ونطالب الاجهزة الامنية العدلية الاسراع بالقبض علي الجناة حتي يصيروا عبرة وعظة وان يتقبل الله الفقيد الاستاذ شهيداً ويلهم اهله وذويه وزملاءه ورفاقه الصبر والسلوان والله اكبر .
قاسم النور احمد ـ تاجر خضار: اولاً هذه العادة دخيله وغريبة علي الوطن ونحن مسلمين لم يحصل علينا من قبل مثل هذا الحادث فنحن بطبيعتنا لا نقتل اخواننا المسلمين واتمني من السلطات المختصة القبض علي الجناة والله الموفق .
والمواطن بكرى محمد مضوى ـ اعمال حرة: هذه عادة غريبة علي السودان واخلاق السودانيين والفقيد الصحفي محمد طه شخص علم وذ وقلم لا يجف وان شاء الله يحسب من الشهداء وانا ارجو من الجهات المختصة القبض علي الجناة وان ينالوا جزاهم .
والدكتور تاج الدين موسي ـ طبيب هذا الحدث يعبر عن تيار متطرف ، بدا يمتد ويظهر في منطقتنا الاسلامية ، هذا التيار لا يعمل إلا في اجواء الكبت والقمع والتدافع من الاستكبار التي تعيشه المنطقة ، لابد من ان تتأصل الحرية وتنشئة الانسان في التعبير وفي المجتمع وتزول كل عوامل الاكراه والاجبار حتي يكون الدين والايمان والاعتقاد باختيار الانسان الذي هيأه الله ان يختار بين الكفر والايمان القرآن حدثنا بذلك والرسول الكريم لم يُكره احدا ولم يقطع رأس احد آذاه . كانوا يؤذونه بالمدينة لكنه كان يصبر ويجادلهم باللسان ولا يقاتلهم حتي يقاتلوه «اللسان باللسان والسنان بالسنان»
ومختار على محمد موظف «بالمعاش» قال : هذا الحادث دخيل وانا رأيى ان الذى فعل هذه الفعله هو الذى يستفيد من موته وهذا العمل لم يحدث من مسلم كامل اسلامه كما يقول الله تعالي «ولا تقتلوا النفس التي حرم الله» وهذه العملية عملية بشعة وان الذى فعل هذا الفعل مجرد من الانسانية واطلب من الجهات المختصة البحث عن الجناة وملاحقتهم باقسي عقوبة لها فهذه العملية تعتبر ناتجة عن فوضي ووحشية وعدم امن لارواح الناس وممتلكاتهم واين حقوق الانسان وممتلكاتهم واين حقوق الانسان واين شرع الله في مثل هذه الاحداث .
والفاتح البشرى ـ رجل اعمال قال :اولا ربنا يرحم فقيد الصحافة العربية والوطن محمد طه ويسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء . هذا الحادث المؤلم والمحزن انه قد دخل علينا ولم نتداركه من قبل وان الشعب السوداني معروف بعاداته وتقاليده شعب لا يعرف الاغتيالات والارهاب كما قال الله تعالي «ولا تقتلوا النفس التي حرم الله» وان مثل هذه الممارسات دخيلة علينا كشعب سوداني واناشد السلطات المختصة بان لا تتهاون في مثل هذه الجرائم الخطيرة و هذا الرجل كان يتجرد في الحقائق وهذا موقف وطني نحمده عليه . «إنا لله وانا اليه راجعون » .
ومحمود حسن دياب الشاعرـ موظف قال : هذا الحادث غريب جداً والشخص لا يتخيل يوما من الايام ان تصل الامور لهذه الدرجة من التفكير الارهابي الذي تصوره الجريمة البشعة وانا اشك تماماً في عقلية الجناة فهم مجردون من كل معاني الانسانية . انا بحكم معرفتي بالراحل محمد طه هو انسان بسيط واسال الله ان يوفق وزارة الداخلية في الوصول الي الجناة فمحمد طه مات مظلوما وفي الختام اشكر «اخباراليوم» لتفردها بنشر الخبر واطالب الدولة - باعداد رجال الشرطة واختيار العناصر المشهود لها بالكفاءة حتي الذين نالوا المعاش للاستعانة بهم لان الوطن مقبل علي احدث ساخنة ونسأل الله ان يحفظ بلادنا من كل مكروه ومؤامرات .
وضياء الدين ابراهيم ـ صحفي بصحيفة رأى الشعب قال : قبل ان يلوى الحزن الرؤس علي رحيل الاستاذ محمد طه محمد احمد يبقي السؤال من هو صاحب المصلحة في اغتياله لان محمد طه شهيداً للقلم والحرية كما كان محمود محمد طه شهيداً للفكر والرأى وإن اختلفت الاراء من حوله إلا انه يبقي علامة كبيرة في الهوة التي ينحدر إليها المجتمع السوداني وقبل ان نشير باصابع الاتهام هنا او هناك ينبغي ان نجيب علي السؤال اولاً في البداية كما ان الفقيد عاش حياته مشيراً للقضايا ومتضامناً مع الغلابه كما كان اغتياله البشع الشنيع اكثر اثارة وارى ان يتماسك الشعب السوداني اكثر وان يتماسك الصحفيون اكثر وان يفوتوا الفرصة علي كل من يريد ان يصطاد في الظلام . والجهات الامنية هي المسؤولة اولاً واخيراً حتي تقدم الجناة ويتم القصاص ولا حول ولا قوة بالله «إنا لله اليه راجعون».
وايهاب بابكر مهندس «سوداتل» تحدث قائلاً : هي حادثة دخيلة علي الشعب السوداني نحن الآن لا نودع انسانا فحسب بل نودع بطلا من ابطال الصحافة العربية ونرجو من الحكومة بذل كل الجهود لمعاقبة المتهمين في هذه الماسأة .
من الله الامين ـ صحفي: هذا الحادث يستنكره كل اهل السودان، الفقيد كان رجل كلمة وهو باعتباره شهيد الصحافة العربية وانا اطالب بقوة ان تسعي الجهات المختصة للقبض علي الجناة وان نتعامل مع هذه القضية بحزم حتي لا تتكرر مثل هذه الحادثة.
رجال الدين
ودعت البلاد امس فقيد القلم والكتابة الاستاذ محمد طه محمد احمد وتم تشييعه في موكب مهيب وحزين وطريقة اغتياله كانت مفاجأة لجميع قطاعات الشعب السوداني بصفة عامة والاعلاميين بصفة خاصة وهي اول جريمة سياسية تحدث وبهذا المستوي في السودان .. «اخبار اليوم» استطلعت عددا من رجال الدين الذين وصفوا هذه الجريمة بالبشعة وكشفوا في الاستطلاع عن استنكارهم بشدة لها .. فإلى مضامين ما خرجنا به من حصيلة معهم:
وصف مولانا صلاح عراقي - مدير اوقاف ولاية الخرطوم حادثة اغتيال محمد طه محمد احمد بانها بشعة وليس لها صلة بالاسلام والمسلمين واستبعد بان يكون من قام بهذا الحادث مسلم وقال ان قتل المسلم العمد محرم فجراء من يفعل ذلك نار جهنم وكان الرسول صلي الله عليه وسلم ينهي اصحابه عن فعل المثلة مع الخصوم موضحاً بانه لا تجوز المثلة حتي بالكافر .
وقال عراقي ان مثل هذه الاغتيالات وهي اول جريمة سياسية يشهدها السودان وان مثل الخطوة يمكن ان يقوم بها الموساد كما يفعل ذلك في العراق لاثارة الفتنة بين السنة والشيعة واستبعد العراقي بان تكون الجماعات التي قامت بمقاضاة محمد طه محمد احمد مؤخراً هي من قامت بذلك واستند ذلك بقوله بانهم قد قاموا بمقاضاته بحجة .
وقال مدير الاوقاف بانه كان من المعجبين بخطب الراحل محمد طه احمد خاصة بمسجد الجامعة في صلاة الجمعة وفي اركان النقاش وقال انه كان حينما يأتي للخرطوم يذهب خصيصا للاستماع لخطب الراحل لانه كان شجاعاً فصيحا وبليغاً ..
مولانا عثمان عبد الرازق بله - مساعد الامين العام للشئون الدعوية والتعليمية بهيئة علماء السودان قال ان جريمة اغتيال الراحل محمد طه محمد احمد هي وبكل اسف ليست من تعاليم الدين الاسلامي السمح وان هذه الحادثة تعبير عن روح هي خارجة عن هذا الوطن وان دلت علي شئ انما تدل علي ضيق الافق وعدم الروح الدينية السمحة التي امرنا بها الاسلام وقال انها حادثة جاهلية ووصف مولانا عثمان هذه الحادثة بانها خطيرة وابدي تخوفه بان تكون هذه هي ديدن بعض الناس وقال انها حادثة لا تدل اطلاقا بان يكون فاعلها له دين او سماحة يتحلي بها ووصفه بالمتعصب الاعمي وبالنفس المريضة وقال مولانا عثمان ان الله سبحانه وتعالي اراد ان يخرج العالم جميعه مما كان يعيشه من ظلام دامس وجاهل وغل خاصه امة العرب لانهم علي لما هم عليه من جهل كانت تعيش بينهم العصبية واهدار النفس وقتل الانسان لابسط الاشياء وارسل الله سبحانه وتعالي رسوله عليه الصلاة والسلام من هذه الامة ومن اجل ان يخرجهم مما هم فيه والاستهانة بالانسان واهدار دمه لابسط الاشياء وكانت الامة تعيش علي وئام وهذا ما غرسه الاسلام فينا واننا في السودان تحيط بنا هذه الروح الاسلامية السمحة وهذا هو الطابع الذي كنا عليه والحمد لله سبحانه وتعالي الذي بشرنا بدولة تقوم بتطبيق الشريعة . ويضيف مولانا عثمان بان هذه الجريمة وبكل اسف فهي حادث ونغمة جديدة علي مجتمعنا السوداني المتسامح .
ومن جانبه قال السيد/ يحيى مصطفي محمد احمد شاشوق - مدير اوقاف محلية ام دة قال ان سيدنا ابوبكر الصديق حينما ودع الجيش بعد وفاة الرسول صلي الله عليه وسلم اوصي سيدنا اسامه بمحاربة الاعداء في اجسامهم فقط وقال ان هذا هو الدين الاسلامي دين السماحة وقال ان هذه الجريمة تختلف عن عادتنا وديننا.
ويضيف الاستاذ يوسف عراقي قائلا ان هذه الجريمة هزت كل السودان والعالم الاسلامي لانها اول حادثة من نوعها تحدث في المجتمع الاسلامي وقالت ان درجة الخلافات يجب ان لا تصل الي هذا المستوي لدرجة الحرابة والاغتيالات..
مولانا عبد الرحيم ابراهيم ابو الغيث - جامعة القرآن الكريم قال هذه بكل المقاييس تعد جريمة بشعة ومن يقتل النفس بغير الحق فانما قتل الناس جميعا .. ان الانسان له حرمة في دمه حرام وعرضه وماله ولكها محرمات في دين الاسلام ولا يحق قتل النفس الا في الزاني المحصن والنفس بالنفس وعدا ذلك لا يجوز الاعتداء .. هذه جريمة غريبة علي مجتمعاتنا المسلمة خاصة في السودان ونحن كعلماء نستنكرها فهي مؤشر خطير يجب الانتباه له ولابد ان تتكاتف الجهود بين الدولة والعلماء والسياسيين من اجل محاربة هذه الظاهرة الخطيرة.
وقال ابوالغيث يجب الا نأخذ هذه الحادثة مصدرا لفرقة الناس والا نستعجل كما ذكر شقيق الراحل.
واستعجل مولانا ابوالغيث الجهات المختصة للكشف عن هوية الجناة وتقديمهم للمحاكمة لمواجهة ودرء هذه الظاهرة التي وصفها بالخطيرة .


http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=3860
_________________

Post: #478
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 05:20 PM
Parent: #477



المهدى فى لقاء مفتوح بطلاب جامعة الخرطوم
أرسلت في 3-5-1427 هـ من قِبَل -


الخرطوم :التجاني السيد /أحمد سر الختم
دعا الصادق المهدي زعيم حزب الأمة وإمام الأنصار وسط حشد كبير من الطلاب أمس للضغط عبر جبهة عريضة من القوى السياسية والحركات المسلحة لإقامة حكومة قومية تتولى مهام الانتخابات في حالة إصرار الحكومة الحالية على عدم عقد مؤتمر جامع في ظل الاخفاقات الراهنة . وطالب الحركات المسلحة بالإلتزام بنبذ العنف والاتجاه للعمل السلمي الجماهيري .

واعتبر الصادق المهدي رئىس حزب الأمة وإمام الأنصار المؤتمر الوطني والحركة الشعبية اخفقا في التوصل لحل نهائي لمشكلة أبيي المتنازع عليها بين الشمال والجنوب ووصف ذلك بمثابة فشل لمشروع الشراكة السياسية بين الطرفين إذا أضيف إليها الخلاف حول بعض البنود الأخرى التي تضمنتها الاتفاقية.
وشن الصادق المهدي في لقاء مفتوح أقامه الطلاب الأنصار وحزب الأمة في إطار حملات دعم قائمة التحالف في انتخابات اتحاد طلاب جامعة الخرطوم التي تتنافس عليها القوى السياسية هجوماً شديداً على الحكومة وسياساتها ، وقال المهدي إن أحد أسباب الإخفاق هو الفشل في الشراكة الحالية بين الطرفين المؤتمر والحركة وطبيعة الاتفاق الذي تم توقيعه في نيفاشا تحت الإملاءات والضغوط .
وقال إن الاتفاقية والتي كرست للحل الثنائي تحمل في طياتها أكثر من 20 نقطة غامضة تحتاج لبيان وتوضيح لأن أغلب البنود التي حوتها كانت في الأساس اقتراحات جاء بها الوسطاء مما جعلها في الغالب مبهمة وخاطف لونين حتى يفسرها كل طرف حسب هواه وبالتالي تقود دائماً للخلاف عندما تدخل مراحل التطبيق ، كما توجد سبع قضايا أساسية تجاهلها الاتفاق تحتاج لبرتكولات منفصلة من بينها البرتوكول السياسي والديني والثقافي ، وقال إن اتفاقية نيفاشا التي قيل إنها تعطي أولوية للوحدة ستعطي أولوية للإنفصال وأشار بأن المثال لذلك بأن النص على أن 50% من بترول الجنوب للجنوب لا يمكن تفسيره غير أنه حافز للإنفصال من خلال التفكير في المسارعة بالإنفصال لأخذ النصيب كاملاً وكان الأفضل النص بدل ذلك بإعطاء الجنوب 50% من موارد السودان إضافة لتناقضات أخرى كثيرة وقال إن الاتفاق تحدث عن وحدة جاذبة وقام بتسليم الشمال للجبهة بكل رؤاها الضيقة وجعلت بذلك الشمال ليس طارداً للجنوبيين وإنما للشماليين قبل ذلك .
وقال إن الحكومة تجاهلت كل الاقتراحات التي تقدمت بها القوى السياسية لحل أزمة دارفور حتى تفجرت الآن . وقال إن رؤية حزب الأمة لحل مشكلة دارفور والتي عرضتها للحكومة كان حلها بسيط وهي أن تعود دارفور كما كانت في 1986م إقليم واحد وحدود 1956م ومشاركة هيكلية في الرئاسة واعطائها من الثروة بما يناسب عدد سكانها لكن هذا الاقتراح لم يجد القبول من جانب الحكومة لأنه كان سيخرق سقف نيفاشا ، وقال إن المخرج الآن للأزمة إن كانت إشكالية التطبيق لإتفاقية السلام في الجنوب أو اتفاق أبوجا الخاص بدارفور هو طرح هذه الاتفاقات لملتقيات جامعة تشارك فيها كل القوى السياسية أو دعوة القوى السياسية للإنتظام في جبهة واحدة ترفض هذا السلام الجزئي الثنائي وتعمل على عزل الطغاة بالضغط الشعبي بعيداً عن حمل السلاح للإستجابة لمطالب الشعب والضغط لتحقيق السلام والتحول الديمقراطي عبر المواكب والمظاهرات والاعتصامات والمذكرات بعيداً عن العنف لتشكيل حكومة قومية لها مهام محددة من بينها اجراء الانتخابات وتخليص الشعب من هذا الاستبداد ، وقال المهدي إن التدخل الخارجي في شئون السودان بات الآن حقيقة وحمل الحكومة الحالية الأسباب كاملة من خلال استعانتها منذ البداية بالحلول الخارجية وقال إن الإنقاذ عندما جاءت للحكم لم تجد جندياً أجنبياً واحداً في السودان والآن انفتحت الأبواب لكل الدول افريقية وأوروبية ، وقال إن أحد أسباب تخوف الحكومة من دخول القوات الدولية وزيادة وجودها هو الخوف من تنفيذ الملاحقات القانونية للذين ارتكبوا جرائم ضد الانسانية في دارفور وانتهاك السيادة ، وأوضح أن الحكومة هي التي قبلت بدخول هذه القوات الدولية بموجب اتفاق نيفاشا وأبوجا كما أنها تسببت في صدور قرارات مجلس الأمن وعملت على انتهاج سياسات أدت لتمزيق السودان لجهات مختلفة وعملت على ظهور حركات مطلبية اقليمية مسلحة بسبب التظلمات ، مشيراً لظهور حركات شهامة «1»و«2»و«3» و«5» وشمم ونهضة كردفان بعد حركات دارفور غير ما يجري في الشرق والشمال إضافة لما ذكره وزير الداخلية بوجود أكثر من 48 مليشيا مسلحة في الخرطوم في ظل حالة أمنية متدهورة «على قفا من يشيل » وانتشار السلاح في كل مكان .
وقال إن البترول واستخراجه مهما كان الحديث عن إنتاجه فإنه لا ينعكس الآن على حياة المواطن وقال إن الانقاذ استخدمت عائدات البترول ليس لرفع المعاناة عن الشعب وإنما لإرتكاب سياسات حمقاء أفقرت الشعب وحولت النفقات على التعليم من 15% من الدخل القومي لأقل من 8% وتحول السودان مع ذلك لأفسد بلد عربي ويحتل رقم 144 في قائمة الدول الأكثر فساداً في العالم مما أدخل الاحباط في نفوس الشعب وأصبح العزاء في انعكاس ذلك على النكات والأمثال واللوحات الشعبية واعتبر أن هذا الشعور الآن مدخل للغضب والإصرار على المقاومة ، وقال إن الإنقاذ تتصرف الآن بما أسماه بمنطق العصابة وتتسلط على المال العام ، ودعا المهدي الطلاب للتمسك بمنبرهم النقابي وقال إن الصفوف تمايزت الآن ما بين المناداة بإتحاد تابع للشمولية واتحاد مستقل وجامعة حرة .. وقال مهما يكن فإن الديمقراطية أثبتت أنها أفضل الوسائل للحكم وقال إن للديمقراطية أخطاء لكنها بوسائلها تستطيع أن تعالج كل التظلمات ولا يعاب أن تكون المعالجات بطيئة بدل الدخول بالشباك كما فعلت الانقاذ وخرقت الدستور والقسم .
ودعا الطلاب إلى عدم الإلتفات لدعاوي حزب المؤتمر وقال يجب التعامل معهم بنظام «المي البارد يقد الدلو»، وعليكم ضبط الأعصاب واستخدام الوسائل الديمقراطية ، وقال بأن ميزانية جامعة الخرطوم قبل الإنقاذ كانت 12 مليون دولار قبل ثورة التعليم العالي والآن لا تتعدى المليون ووصف ثورة التعليم العالي والحديث عن الإنفاق على توسيع الجامعات بميزانية ثابتة أشبه بمن يحاول تحلية مياه البحر بملعقة سكر ، ونفى الصادق المهدي الحديث عن انشقاقات داخل حزبه وأن الجميع بإمكانهم الترشيح للرئاسة في الحزب ، وقال إن أي مجموعة تدعي أنها انشقت عن حزب الأمة إذا تم تفحصها يتضح أنها شقة سياسية ومفروشة ومستأجرة من قبل حزب المؤتمر الوطني ، وقال إن جميع الوظائف في الحزب مطروحة للوصول إليها بالإنتخاب بما في ذلك الإمامة ، وأضاف أن قيادة الحزب ليست محصورة على آل المهدي إلا عبر الانتخابات لكن لا يمكن فرضهم إذا رفضتهم القاعدة . وقال رداً على بعض الاسئلة ان حزب الأمة عندما كان في السلطة ظل يحكم بالديمقراطية . وأعلن في رده على بعض الفتاوى ورأيه في موضوع الردة القول بأنه لا توجد عقوبة دنيوية في الردة وقال إنه انتقد في السابق مواقف محمود محمد طه الداعمة لنظام مايو إلا أنه لا يتفق مع محاكمته لاحقاً بالردة بإعتبار أنه لا عقوبة دنيوية لها .
وحذر الطالب محمد حسن التعايشي عضو المكتب السياسي ورئىس اتحاد طلاب جامعة الخرطوم الأسبق من أي محاولات لنسف استقرار الجامعة أو تعويق الانتخابات الخاصة بالاتحاد ، وقال إن الجامعة لن تنصرف عن هموم المواطنين من حولها وقضايا الشعب بإعتبار أن جميع الطلاب دخلوا إليها وهم يحملون هموم أهلهم وقال إن أياماً قليلة ستأتي بالنتائج التي ينتظرها الشعب وإعلان فوز التحالف والإلتحام مع الجماهير رغم التخطيط لعرقلة الانتخابات ، وقال إن الطلاب سيقدمون على الانتخابات في معركة محسومة سلفاً لصالح أبناء الشعب ، وقال إن بشائر الإنتصار بدأت بانتخابات الروابط الخاصة بالكليات ، وقال إن اتحاد الطلاب «كوسو» يجب أن يتحدث عن أزمات الشعب ولا يكون ذراعاً من أذرع السلطة كما يريده المؤتمر الوطني وأن تاريخ النضال لن ينقطع في جامعة الخرطوم . وقال محمد حسن مهدي «فول» القيادي الطلابي البارز في حزب الأمة إن المشكلة مع أهل الإنقاذ أنهم فشلوا في إدارة البلاد


http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=2588

Post: #479
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-18-2008, 05:21 PM
Parent: #478



فى أدب المـــعـــارضــة والـــــحــــــگـــم
أرسلت في 9-4-1427 هـ من قِبَل -


الانتقال من السلطة للمعارضة لا يعنى التنكر للمسؤولية والامانة
حديث د. الترابي عن البترول اريد به الفتنة
موسي يعقوب
يقولون عن المعارضة في البلاد الديمقراطية إنها «حكومة الظل» أي تتمتع بذات المسؤولية التي تتمتع بها الحكومة لأنها ستصبح حكومة يوماً ما ، والحكومة عندما تكون في الحكم وتفارقه عليها أيضاً مسؤولية الأمانة على المصلحة العامة والوطنية التي كانت بين يديها فالانتقال من حال إلى حال لا يعني التنكر للمسؤولية والأمانة .. ذلك هو الأدب والتقليد المعروف غير أن الحال في بلادنا يبـدو غير ذلك .
إن الحاكم الذي يصبح معارضة يتحلل بين يوم وليلة من كل ما هو مناط التكليف يومئذ- فيما يبدو- والأمثلة دائماً متاحة في تاريخنا المعاصر وممارستنا السياسية ولا يختلف في ذلك ذو المرجعية الدينية الإسلامية عن ذي المرجعية العلمانية أو ما هو بين بين .. ! حكومة السيد الصادق المهدي الأخيرة التي كانت تحارب حركة التمرد وتفاوضها بغرض الوصول إلى السلام رحلت بعد رحيلها في 30يونيو 1989م بكل أحزابها ومكوناتها إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان يومئذ وهي التي كانت تدعوها «تمرداً»!! لتكون معها جبهة معارضة ومحاربة في وقت واحد .. ! .. ولكن الجديد تماماً في هذا الأمر «أدب المعارضة والحكم» وفيه مزيد للدارس والمختص هو ما حدث بعد الانقسام الذي وقع في صفوف الإنقاذ الوطني والحركة الإسلامية في ديسمبر 1999م ورحل بموجبه الدكتور الترابي من أروقة الحكم إلى رواق المعارضة .. وهو الذي كانت بين يديه كل أوراق الحكم ومصائر الحركة الإسلامية التي اتهمه كثيرون بأنه جمدّها وغيّبها لصالح الوضع المستجد أو الانقاذ الوطني . فالدكتور الترابي إلى يوم عزله بقرارات «4» رمضان من ذلك العام هو :
{ رئىس المجلس الوطني وبيده التشريع .
{ أمين عام المؤتمر الوطني وبيده السياسة .
{ أمين عام الحركة الإسلامية وبيده المرجعية .
ومعلوم ما هو دور التشريع والسياسة والمرجعية في إدارة دولاب الدولة ومحركاتها وسائر وسائلها في التأمين والتسيير وقبل ذلك الوصول إلى مرحلة الانقاذ الوطني بكاملها رغم أنه في إطار الترتيبات الخاصة التأمينية والسياسية كان قد ذهب «إلى السجن حبيسا» وذهب غيره «إلى القصر رئيساً ..!» ورغم ذلك كله عندما دقت ساعة الرحيل من الحكم إلى المعارضة لم يختلف الدكتور الترابي عن غيره من الساسة الذين انتقلوا من الحكم إلى المعارضة في وقت سابق ذلك أنه : «1» وقع مع التمرد يومئذ - الحركة الشعبية - تفاهم جنيف في فبراير 2000م
«2» قام بسلسلة من المحاضرات والمناشط السياسية التعبوية التي صحبتها موجة تخريب .
«3
--------------------------------------------------------------------------------
» اُتهم حزبه «المؤتمر الشعبي» بأنه خلف ما عرف بالكتاب الأسود ثم حركة العدل والمساواة التي تحمل السلاح في دارفور فيما بعد .

فضلاً عن محاولة إنقلابية برأته منها المحاكم مؤخراً ..
الأمر لم يقف عند ذلك الحد المألوف والمعروف في العمل الاعتراضي السوداني بصورة عامة .. وإن سبق أن اُتهم أحد الساسة بالوقوف خلف القصف الأمريكي لمصنع الشفاء للدواء في أغسطس - آب 1998م .
فالدكتور الترابي - مؤخراً - لم يجد بداً أو حرجاً في التعاطي بالمسكوت عنه في أدب الحكم والحزب والجماعة ، والإشارة هنا تحديداً إلى لقائه مع قناة العربية الذي تعرض فيه بالحديث عن محاولة إغتيال الرئىس المصري في أديس أبابا يونيو 1995م محاولاً إلصاق تهمة العلم أو التخطيط ببعض خصومه من الحاكمين مما وجد استنكاراً واسعاً من الرأي العام يومئذ والقمة العربية على الأبواب والعلاقات المصرية السودانية في أفضل أحوالها منذ زوال حكم المشير نميري . فالمصلحة العامة في كل الأحوال تقتضي ، وقد أغلق ذلك المف على أحسن حال بسحبه من طاولة مجلس الأمن الدولي بواسطة مصر واثيوبيا وانتقلت العلاقات مع الدولتين إلى درجة الخصوصية ، ألا يفتح ذلك الملف أو يبعث من جديد أياً كانت المرارات ودواعي الخصومة السياسية علماً بأن الموضوع نفسه قد قتل بحثاً وتحقيقاً في حينه من الجهات المعنية أي مصر واثيوبيا .
إن حالة التعاطي بالمسكوت عنه أو ما يجب أن يسكت عنه إلى أجل طويل في أدب الحكم والحزب والجماعة يبدو أنها ليست كذلك عند الدكتور الترابي حيث أنه لم يمض وقت طويل على «لقاء العربية» حتى كان لقاء صحيفة «السوداني» الأخير مع الدكتور والي لم ترع فيه الصحيفة واجب وأدب تنزيه الروايات والأخبار والحوارات الصحفية مما يضر بالمصلحة العامة كالحديث عن أسلحة غير تقليدية وصلت للسودان من جهة أجنبية وهو ما روجت له الصحيفة بخطوط بارزة ولم يكن في بالها أو ذاكرتها أن مجرد الاشتباه في أن العراق يملك أسلحة دمار شامل أو أسلحة غير تقليدية كان قد أدخله في الحالة التي هو عليها الآن. إن الحديث عن سلاح غير تقليدي يمتلكه بلد معين يثير متاعب ومشكلات وطنية ولكن الله سلم ، فقد نفى المصدر أي الدكتور الترابي - إنه لم يكن يقصد «أسلحة ذرية» وأبرزت الصحيفة ذلك بمانشيت عريض ..
.. ولكن غير ذلك الذي تم استدراكه كان في لقاء الدكتور الترابي مع صحيفة السوداني الكثير الذي يخرج عن الحكم والحزب والجماعة ويجعل من المعارضة آخر الأمر مطية لكل ما هو ضار وغير مقبول أخلاقياً ووطنياً .. ومن أشهر ذلك في الحوار المذكور ، من حيث الإضرار بالمصلحة العامة ، قول الدكتور للصحيفة بأن أخباراً قد وصلته من جهات خارجية مفادها «إن البترول الذي يخرج من السودان أكثر من الذي يعلن عنه .. !»
وعندما سأله محاوره : «لماذا صمتت الحركة الشعبية» ؟ أجاب « هناك أمور تتم ليرضوك بها .. ويملؤون فمك حتى لا تحتج أو تتحدث ..» ومعنى ذلك أن قادة الحركة مرتشون .. والحكومة فاسدة .. ولا ريب في مثل ذلك الاتهام إن كان له دليل ولكن القول بأن ما ينتج من النفط أكثر مما هو معلن .. أريد به الفتنة وتوتير الأوضاع بين الشريكين في حكومة الوحدة الوطنية وذلك يضر بالسلام والمصلحة العامة لاسيما وأنه «كلام والسلام» لا تفاصيل فيه ولا مصادر حقيقية.
وفي الحلقة قبل الأخيرة مما يمضي على ذات الطريق قول الدكتور الترابي وقد أبرزته الصحيفة وركزت عليه:
{ هناك أسلحة دخلت بلادنا لتعبر شمالاً وشرقاً وأخرى استقرت .
{ التصنيع الحربي ليس في الميزانية وهو ممول بالكامل من الخارج .
هنا وبغض النظر عن أن ما قال الدكتور الترابي لمحاوره صحيح أو غير ذلك يقول إن الرجل لا يعرف حدوداً لأمانة التكليف أو الحكم وما يمكن أن يقال أولا يقال في هذا الشأن وبخاصة عندما نجد أنه ليس بالمراقب السياسي أو المتفرج وإنما هو في قلب المسؤولية بل ممسك بمفاصلها كما سلفت الإشارة منذ صافرة البداية وحتى لحظة الفراق وذلك كله كان في حضوره وبين يديه .
أما أنه كما قال :
{ كان ضد إعدام محمود محمد طه في عهد نميري ومجدي وجرجس والطالب الجنوبي في عهد الإنقاذ .
{ واعترض على فكرة إنزال الشريعة في عهد النميري بتلك الطريقة الهوجاء .
{ وما حدث في محكمة انقلاب رمضان في عهد الانقاذ كان إبادة ومازال حزيناً عليه .
فذلك يقدح في مصداقيته وهو الرجل الذي عرف بأن له مواقفه منذ ظهوره في أكتوبر 1964م .. وليس بالرجل « التبع» أو الـYes Man ولم يكن في كل الأحوال من أهل الهامش أو المتفرجين في تلك الأحوال مجتمعة بل عمل في إطارها أو كان عاملاً ومشاركاً ومبايعاً منذ تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية في سبتمبر - أيلول 1983م مروراً بإعدام محمود محمد طه إلى ما قبل سقوط نظام نميري بقليل أي 9 مارس 1985م وإلى عهد الانقاذ الوطني في 1989م وبقاؤه في سدتها إلى قرارات الرابع من رمضان - اخر ديسمبر 1999م
إنه ليس بكاف أو مقبول أن يكون الدكتور الترابي في تلك الأحوال مجتمعة «ضد» و«معترض» و«حزين» .. ولا يتبع القول بالعمل ذلك أن كل موقف من تلك المواقف كان كافياً لأن يعمل الرجل حقه في تبرئة ذمته والنأي بنفسه عما يعتبره غير مقبول ومرفوض ويدعو للحزن إذ حتى في نظام المشير نميري بعد المصالحة كان وزيراً للعدل ونائباً عاماً فوزيراً للخارجية ومساعداً لرئىس الجمهورية .. حتى التاسع من مارس 1985 م حيث اعتقل مع قادة جماعته لأقل من شهر وكان سقوط النظام الذي تحملنا كلنا من بعد وزر السدانة له - إن كان وزراً حقاً .. ! .. وأما عن الإنقاذ فحدث ولا حرج .. وهو الذي كان بيده مفتاح السياسة والتعبئة ومبضع التشريع والعلاقات الخارجية الرسمية والشعبية . في ختام هذا المشهد السياسي هذه المرة ، وقد فرض نفسه عليّ كما الأمر السبت الماضي عندما وجدتني أدخل في قراءة سياسية لإجتهادات الشيخ الترابي الأخيرة ، أقول أجدني مضطراً لأن أركز في موضوع «أدب المعارضة والحكم» على ما أدلى به الأخ الدكتور لصحيفة «السوداني» عبر كاتبها الأخ الاستاذ صلاح عووضة الذي وجد ضالته في الشيخ فاهتبلها ـ وقد نَعِمَ بنصف ساعة إضافية على الزمن المقرر ـ ودامت الفرص والاهتبالات
على أعتاب مرحلة جديدة
دخول «أبوجا» يعني خروج «نيفاشا» !!
علي حساب من سيتم منح الحركات المسلحة بدارفور مواقع في حكومة الوحدة الوطنية؟
. احمد عمرابي
حتي لو تحقق المستحيل وقبلت قيادات التمرد الدارفورية بمشروع الاتحاد الافريقي مع تعديلات محدودة علي مسودته فان اتفاق السلام النهائي الذى يبرم علي هذا الاساس بين الحكومة السودانية وفصائل التمرد الثلاثة سيتصادم تصادماً رأسيا في معظم بنوده مع بنود اتفاق نيفاشا الموقع مع «الحركة الشعبية» الجنوبية وبالتالي مع الاوضاع والترتيبات التي قامت وتبلورت علي أساسه .. ولكي يتبين مدى هذا التصادم الخطير علينا أولاً ان نتفحص القضايا الشائكة في سياق العملية التفاوضية بين الحكومة من ناحية وقيادات الفصائل الدارفورية الثلاثة - «جيش تحرير السودان» بشقيه المتنافرين و «حركة العدل والمساواة» - مع المقترحات التي تشتمل عليها المسودة التوفيقية للاتحاد الافريقي . هناك اربع قضايا أساسية هي المصير الادارى بدارفور ومنصب نائب رئيس الجمهورية ونزع سلاح الجنجويد والتعويضات . في القضية الاولي يطالب قادة التمرد باعادة توحيد دارفور لتكون اقليماً واحداً له حكم ذاتي بينما ترى الحكومة ان يستند أى قرار في هذا القبيل الي استفتاء شعبي في دارفور أما الاتحاد الافريقي فيقترح مرحلة انتقالية قصيرة تقوم خلالها سلطة إقليمية يشارك فيها ممثلو قادة الحركات المتمرد علي ان يجرى عند نهايتها الاستفتاء .. ويريد قادة التمرد ايضا استحداث منصب جديد علي مستوى نائب لرئيس الجمهورية يتولاه مواطن دارفورى .. وبينما تعارض الحكومة هذا المطلب فان وسطاء الاتحاد الافريقي اقترحوا ان يكون لدارفور منصب «مساعد الرئيس» علي مستوى المرتبة الرابعة في سلم الرئاسة ـ أى بعد الرئيس والنائب الاول والنائب الثاني ـ وفيما يتعلق بالتعويضات يريد قادة التمرد تعويضاً فردياً لضحايا الحرب في دارفور بينما تريد الحكومة دفع تعويضات بصورة جماعية في إطار خطة لاعادة الاعمار .. اما مسودة الوسطاء الافارقة فتقترح تأسيس صندوق للتعويضات لكن الوسطاء يقولون في الوقت نفسه انهم لا يستطيعون تحديد ارقام للمبالغ المطلوبة قبل إجراء تقييم تفصيلي .. وبشأن الجنجويد فان قادة التمرد يطالبون بنزع سلاحها بالكامل لكن الحكومة تدفع بأن دارفور بها العديد من الميلشيات القبلية التي تعتبر شرعية في مجتمعاتها . وتقول المسودة الافريقية ان الحكومة يجب ان تنزع سلاح الجنجويد لكنها تطالب في الوقت نفسه بنزع سلاح قوات التمرد لدمجها في الجيش السوداني بعد أن يتم بالفعل تجريد ميلشيات الجنجويد من أسلحتها . واذا اخذنا في الاعتبار بروتوكولات اتفاق نيفاشا وبنودها في مجالات الترتيبات الامنية وقسمتي السلطة والثروة فاننا لا ندرى علي أى أساس وافقت الحكومة علي مسودة الاتحاد الافريقي علماً بان فصائل التمرد ترفض حتي الصيغ التوفيقية للمسودة مع إصرار قادة هذه الفصائل علي مطالبها التصعيدية رافضة اى تنازل .. وحتي لو افترضنا جدلياً ان الفصائل قد توافق علي مشروع الاتحاد الافريقي فان الصدام بين اتفاق سلام لدارفور واتفاق نيفاشا وافرازاتها العملية علي الارض سيكون حتميا لا محالة وعلي مدى واسع جداً . ولنُعد الي الاذهان ان نيفاشا اتفاق ثنائي بين حزب شمالي هو المؤتمر الوطني» وتنظيم جنوبي مسلح هو «الحركة الشعبية» وأن الترتيبات الامنية وبروتوكولات قسمة السلطة وقسمة الثروة وضعت علي هذا الاساس الثنائى علي أساس معادلات حسابية محددة وأنه علي صعيد التطبيق العملي دخلت قوى أخرى شمالية وجنوبية تحت مظلة الاتفاق . دون الاخلال بهذه المعادلات الحسابية .. والسؤال الذى يطرح إذاً هو : كيف يطبق اتفاق سلام لدارفور دون الاخلال بحسابات نيفاشا ؟ والسؤال يفرز تساؤلاً : ماذا سيكون مستقبل نيفاشا الذى تبلور في صورته النهائية بمشاركة قوى دولية رئىسية ؟ لنأخذ أمثله عملية : اذا رضخت الحكومة لمطلب استحداث منصب بمستوى نائب رئيس الجمهورية يشغله مواطن دارفورى فان ذلك سيؤدى عملياً الي نسف بند «مؤسسة الرئاسة» في بروتوكول نيفاشا لاقتسام السلطة فالبند ينص بوضوح قاطع ان مؤسسة الرئاسة تتكون تحديداً من رئيس الجمهورية الحالي ونائب أول جنوبي هو تحديداً قائد «الحركة الشعبية» ونائب ثانٍ شمالي . هذا يعني أنه اذا استجيب لطلب قيادات التمرد فان ذلك يتطلب بدوره وبالضرورة الحتمية إجراء تعديل في بروتوكول نيفاشا لاقتسام السلطة وبالتالي اجراء تعديل مماثل في الدستور المنبثق عن اتفاق السلام مع الجنوب .. غير أن امر التعديلات علي نيفاشا والدستورى لن يقتصر علي مؤسسة الرئاسة ولا حتي علي بروتوكول اقتسام السلطة وحدة .
وكما نعلم فان عضوية مؤسسات الحكم المركزى التي شكلت علي اساس اتفاق نيفاشا موزعة وفقاً لنسب مئوية محددة بحيث يستأثر «المؤتمر الوطني» بنسبة 52 % في مجلس الوزراء والبرلمان بينما يبلغ نصيب الحركة » 28 % ، اما نسبة 20 % المتبقية فقد خصصت للقوى الشمالية والجنوبية الاخرى .. وعلي هذا الاساس جرى تكوين «حكومة الوحدة الوطنية» .. كيف إذاً يطبق اتفاق سلام لدارفور يتضمن مشاركة الاقليم في مؤسسات الحكم المركزى وفقاً لمطالب قادة التمرد دون تفكيك هذه المؤسسات لاعادة ترتيها وفقاً لنسب توزيع جديدة ؟ وعلي حساب من المؤتمر الوطني ام الحركة الشعبية أم الاحزاب والمنظمات الاخرى المشاركة في حكومة الوحدة الوطنية الحالية ؟ ان قادة التمرد يقولون ان عدد سكان دارفور يمثل علي الاقل ربع سكان السودان وبالتالي فانهم يطالبون بنسبة مشاركة في مؤسسات السلطة لا تقل بحال من الاحوال عن 25 % .. فهل تُخصم هذه النسبة من نصيب المؤتمر الوطني فيفقد أغلبيته العددية أم من نصيب «الحركة» الجنوبية أم من نصيبهما معا ؟ وهل يتطلب ذلك إقصاء ممثلي الاحزاب الشمالية والجنوبية الاخرى من مجلس الوزراء والبرلمان لصالح ممثلي دارفور؟ وقس علي هذا السؤال مسائل اخرى ، ومن ذلك مثلا عضوية «مجلس الدفاع المشترك» فذلك المجلس يتكون وفقاً لاتفاق نيفاشا من ممثلين لقوات المسلحة وممثلين لجيش الحركة الشعبية فقط .. فكيف يكون الحال اذا اشتمل اتفاق سلام دارفور علي بند ينص علي إبقاء القوات العسكرية لفصائل التمرد الدارفورية .. فمن المحتم في هذه الحالة ان يطالب قادة التمرد بتمثيل قواتهم في مجلس الدفاع المشترك ، وما ينطبق علي مجلس الدفاع المشترك ينسحب علي «لجنة البترول القومية» التي تتولي امر السياسات النفطية العليا للبلاد .. وتقتصر عضويتها علي المؤتمر الوطني وممثلين عن حكومة الجنوب .. وينسحب الامر ايضاً علي وظائف الخدمة المدنية فبينما ينص اتفاق نيفاشا علي تخصيص نحو 25 % من اجمالي عدد الوظائف لمواطنين جنوبيين فان فصائل التمرد الدارفورية تطالب لدافور بنسبة مماثلة .. ومعني ذلك ان الجنوب ودارفور وحدهما سوف يستأثران بنصف قوة الخدمة المدنية فلا يكون بالتالي نصيب اغلبية الشعب السوداني المتبقية سوى النصف الآخر فقط
نقول هذا علماً بأننا لم نأت علي ذكر مطالب أخرى لقادة التمرد يعرضونها جميعاً كحد أدني لا يمكن التنازل عنه .. فالمطالبة بمشاركة اهل دارفور في مؤسسات الحكم المركزى بنسبة الربع علي الاقل تمتد لتشمل مؤسسة القوات المسلحة والشرطة والجهاز الامني القومي .. وتمتد ايضاً لتشمل العاصمة القومية فيكون حاكمها من دارفور . وهناك مطالبة بتخصيص 35 % من ايرادات الميزانية المركزية لدارفور وحدها .. بل وتشمل المطالبات ان يكون لفصائل التمرد وحدات قتالية في العاصمة القومية وان تتولي الحكومة المركزية عبء الصرف عليها !
وتأسيساً علي هذا نعيد طرح السؤال الاصلي :
اذا كان تحقيق توفيق بين اتفاق نيفاشا واتفاق في أبوجا بأي حد أدني ضربا من المستحيل الا يعني ذلك إلغاء نيفاشا أو اجراء تعديلات جوهرية وابعة التطاق على برتكولاته بما يؤدي الي إلغئه عملياً ؟ وهل تقبل «الحركة الشعبية» بذلك ؟ وماذا سيكون عليه موقف القوى الدولية الضامنة لاتفاق نيفاشا وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الاوربي والامم المتحدة ؟
يبدو ان السودان أصبح علي أعتاب وضع جديد تماماً لا ينطوى إلا عـلي نُذر شر مستـطير .


http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=2253
___________

Post: #481
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: صلاح شعيب
Date: 04-18-2008, 06:50 PM
Parent: #479

الاستاذ عبدالله عثمان

شكرا لهذا التوثيق المثابر وابشرك ان هناك حوار عميقا اجريته مع د. دالي سيرى النور قريبا
وسيكون شارحا أكثر للفكرة الجمهورية..واسعى لمحاورة الاستاذ عبدالله النعيم خصوص وهو سيزورنا في واشنطن ويحاضرنا يوم السبت 3 مايو..ويا ريت لو ساعدتموني بالمداخل ...تلفوناته أو الايميل أو غيره..وانتظرك في الماسنجر..عظم الله أجركم..وهدانا إلى سراطه المستقيم..

Post: #482
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 05:20 AM
Parent: #1


تشكر أستاذ صلاح شعيب على المرور
أرسلت لك رسالة فى المسنجر فآمل مراجعتها هناك
كلنا شوق لمطالعة اللقاء مع د. دالى
=======

Post: #483
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 05:21 AM
Parent: #1



الشيخ محمد سيد حاج :-
الصلاة والسلام علي رسول الله الامين وعلي آله وأصحابه أجمعين أول شئ ينبغي ان يكون النقاش نقاشاً فكرياً والسؤال الذي ابدأ به هل يعتبر الدكتور الترابي مجدداً او ما جاء به يعتبر جديداً ؟ للاسف الشديد الدكتور الترابي ما جاء به له سلف وهو ينكر السلفية لو أنه جاء باقوال لا جذور لها اعتبرناه انه أتي بشئ جديد وأستغربت لاخينا الذي قال ان عبد الله بن عباس في تفسير ابن كثير السؤال هل يعترف الترابي بابن كثير ويقول ابن عباس وهذا الكلام مكتوب قال ابن عباس في التفسير يا عيسي اني متوفيك ورافعك التي هي رافعك ثم متوفيك ومتوفيك بعد أن ارفعك وأنزلك الي الارض ثانية هذا تفسير ابن كثير والكلام الذي قيل مبتورجداً وأرجو أن يكون الانسان أمين عندما يقول ابن عباس قال يأتي بكلامه كامل . وقال الشيخ سيد حاج أى مقوله قالها الترابي له فيها سلف أول مقوله قالها بعدم نزول عيسي عليه السلام سبقه لهذه المقوله ابو هذيل العلاف المتوفي سنه 231هـ ولكن ملف الترابي اسوأ ملف وهو يتحكم من السلف وأن ابوهذيل العلاف وعبد الجبار الهمداني وعمرو بن عبيد المعتزلي فكيف ان ياخذ دينه من السلف ويرفض ان تأخذ ديناً من السلف المنطق يقول هل كل شئ قديم وسلفي يحكم عليه بضعفه لانه قديم وسلفي فنجد أن الشمس والقمر سلفيان وهل من شخص قال يريد شمسا أو قمراً تقدمياً ، انا لا أعفي الترابي لان كل القضايا التي قالها له فيها سلف المسأله الوحيدة التي لم أجد له فيها سلفا اباحه زواج المسلمة لليهودى والنصراني بحثت ووجدت ان هذه المقوله قال بها سيد أحمد خان شقي الهند المولود سنة 1817م المتوفي 1899م وتلميذه السيد علي بن الامير سيد هو الذي اباح ان يتزوج اليهودى والنصراني بالمسلمة ، وأعتبر الشيخ سيد حاج ان الترابي غير أمين وبالتالي الترابي سلفي وغير مجدد ولكن سلفي معتزله وخوارج ونحن سلفنا صالح وفي قوله ان تصلي المرأة بالرجال سبقته في هذه المقوله غزاله الشبيبية الخارجية في عصر الحجاج بن يوسف وأفتت بأن المرأة تصلي بالرجال . وقال الشيخ سيد حاج ان تجديد محمود محمد طه أعمق فكراً ومنهجية من تجديد الترابي ومحمود محمد طه بنى تجديده علي الرسالة الاولي والرسالة الثانية ، والترابي مره يقول نأخذ بالاحاديث وحديث ام ورقه في سنن ابي داؤود رقم 592فيه الوليد بن جمعيه الزهرى وعبد الرحمن بن خلاف يستدل بحديث ام ورقة ويضعف حديث ابي هريرة في الصحيحين قال النساء لا ناقصات عقل ولا دين والترابي ضد الرسول صلي الله عليه وسلم مباشرة والترابي يأخذ بالاحاديث التي تروق له ولا يأخذ بالاحاديث التي لا تنفع معه والترابي في 10/8/1982م في الديوم الشرقية قال إن ابوهريرة يروى الاحاديث لمصلحته الخاصة فلا نأخذ باحاديثه اذا كان فيها مصلحة فإن الترابي ليس لديه منهجية وهذه أبعدته وجعلته يتناقض يقول حديث ام عطية تصلي المرأة بالرجال وأن حديث أم عطية بنساء دارها . وقال الترابي الدار يمكن ان تكون دارفور اودار حمر وانا لا أويد منطق التهكم من الترابي بأنه قال زار النبي صلي الله عليه وسلم ام ورقة في بيتها ولما أرادت ان تصلي بغلمان معها قال يكونون أمامكي وتصلين بهم وأنت ِ خلفهم ، هذه الروايه لم يأتي بها الترابي وهو بذلك يبتر النصوص ولا يتعامل بمصداقية ولا أمانة ومحمود محمد طه كان واضحاً في كفره وصريحاً في ردته وأنكر الصلاة وابطل الزكاة . والترابي متناقض جداً والاحاديث في الصحيحين «إن المرأة خلقت من ضلع اعوج» . وأضاف الشيخ سيد حاج ان الاحاديث التي وردت في نزول سيدنا عيسي عليه السلام في 29 حديثا عن الرسول صلي الله عليه وسلم ومن باب الامانة العلمية 7 منها ضعيفة الترابي رد كل هذه الاحاديث الصحيحة وأعتبر جرأة الترابي ليس بعدها جرأة ومن رد حديثاً نبوياً وأحداً كفر فكيف لمن يرد 22 حديثا وقال الترابي في ندوته «أكلوا الذباب» .. والله الرسول صلي الله عليه وسلم اذا قال أكلوا الذباب ناكله وفي محاضرته الشهيرة قال «لو أن الطبيب الكافر قال ان الذباب يحمل الجرثومة الرسول قال أعطنها فاني اخذ بقول الطبيب ولا أجد في ذلك حرجا» . فإن مسلك التعالي عن النصوص خطر جداً علي الامه ويقول الدجال عينه عامله كيف الذي اوصفها الرسول صلي الله عليه وسلم قال الترابي مافي عين هذا كلام فاضي . ودعا الشيخ سيد حاج اتباع الترابي الي التعامل الصحيح مع الدين ومعه لانهم يقولون أنتم لم تفهموا كلام الترابي طيب فهمونا يقولون نحن ايضاً لم نفهم كلامه فهذا عيب لان كلام الله سبحانه وتعالي يتفهم وأبن كثير يفسر كلام الرحمن وحديث الرسول صلي الله عليه وسلم يتفهم قال الترابي عيسي ما ينزل وقال عذاب القبر ما في فقال الترابي هذا عذاب للروح والرسول صلي الله عليه وسلم قال « يضم ضماً حتي تختلج اضلاعه يسمع خلع نعال أصحابه فيجلسانه ويعقدانه » وقال الترابي ان الانسان 60% مويه عندما يدخل الارض ما يتلقي ، فهو بذلك يتعامل مع الغيب بالبساطه والسذاجه وسيد أحمد خان الذي اخذ منه الترابي فتوى اجازة زواج المسلمه لليهودى والنصراني والترابي انكر الاجماع وقال الاجماع تماماً هو اجماع الناس فقال الترابي بالاجماع الشعبي . وقرر الشيخ سيد حاج أن يكون مجدداً وفي كلام الترابي فقط وطالب الترابي بمسائل جديدة غير كلام المعتزله والخوارج الذي جاء به الترابي والتجديد يستهوى الناس والترابي افتي قديماً بأن المرأة اذا اسلمت قبل زوجها ألا يفسخ العقد وأن تصبر عليه وهذا الكلام يمكن ان يقبل يأخذ ويرد ولكن ان يتروج اليهودى والنصراني إبتداءً بمسلمه فلقد فهمت منه في لقائه في جريدة المحرر اللبنانية عام 1984م في العدد رقم 268 قال فيها لا أمانع أن وجدت مسيحياً معتدلاً ان يتزوج بنت من بنات المسلمين الآيه واضحة بقوله تعالي: « وأن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن الي الكفار» . الترابي جمع بين النقيضين ، واستدل الترابي بقصة عجيبة جداً بقصة زينب بنت الرسول صلي الله عليه وسلم مع زوجها ابو عاصم بن الوليد من عباد الاصنام لا ينطبق مع أهل الكتاب فهذا الدليل ضده فعندما هاجرت زينب رضي الله تعالي عنها الي المدينة الزواج لم يفسخ لانها تزوجت زواج حلال والجاهلية كان فيها زواج حلال . وقال الشيخ سيد حاج نحن مستعدون للنقاش والحوار الفكرى ولا نهاب الترابي ونطلب من الدكتور حسن الترابي مناظرة في أى مكان يحدده الترابي انا جاهز والله العظيم نحن متمنين المناظرة معه . وقال الشيخ عبد الحي يوسف اتينا ان نستمع حتي نصل الي كلمة سواء أما تهريج والتشويش واساءة الادب مع أهل العلم والله ما هذا بسلوك المؤمنين وهؤلاء يطلبون مناظرة مع من تكلم ومع من أتي بهذه الافتراء ومن اخترع هذه الاكاذيب ومن ضلل علماء المسلمين وسخر منهم ومن اتانا بما لا نعرف ونعوذ بالله ان نتخذ ايات الله هزوا ونرجوا ان يكون هذا المجلس ايها الفضلاء مجلس علم ووقار وسكينه من أجل ان نستفيد اما اذا فتح الباب للسخرية فو الله ما نحن عنها بعاجزين فإن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ونحن نريد أن نبين الحق ونريد ان ننشر العلم وكلنا نحن المسلمين مأمورون ومطالبون بان ندافع عن هذا الدين وأن نبين حقائقه وأن ننشره بين الناس ومن أجل هذا اتينا فوالله عندنا ما يشغلنا أقدم اليكم الدكتور علاء الدين الزاكي . الشيخ الدكتور علاء الدين الزاكي حمد الله علي أن هنالك رجال من أهل العلم ينفون عن دين الله تعالي وتبارك تحريف الجاهلين فهذه هي سنه الله تعالي في الارض لذلك يقول الرسول صلي الله عليه وسلم «لا تزال طائفة من أمتي علي الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم ولا خذلهم حتي أن يأتي أمر الله» . فله الجمر والمنة أن الحق لا يضيع وسيبقي ان شاء الله ما دامت السموات والارض عرفه من عرف وجهله من جهل يفوز برحمة الله سبحانه وتعالي من ثبت عليه ويبوء بالخسران المبين من ضيعه لذلك أخوتي في الله ان ابدأ حديثي مذكراً بكلام الله تبارك وتعالي: «من الناس من يتخذ دون الله انداداً يحبونهم كحب الله والذين امنوا أشد حبا لله او لم يرى الذين ظلموا إذ يرون العذاب ان القوه لله جميعاً وان الله شديد العذاب اذ تبرأ الذين إتُّبعوا من الذين اتَّبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الاسباب وقال الذين اتَّبعوا لو ان لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا كذلك يريهم الله اعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار» الاولي للانسان ان يتعرف علي الحق لا من افواه الرجال انما بالرجوع الي النصوص المعصومه من قول الله تعالي وقول رسوله صلي الله عليه وسلم من هنا نتعرف علي الحق



http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=2191
____

Post: #484
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 05:23 AM
Parent: #483


ندوة عاصفة لمجمع الفقه الاسلامي حول فتاوي الترابي المثيرة للجدل
أرسلت في 3-4-1427 هـ من قِبَل -


الخرطوم : محمد الحلو
قال البروفيسور جعفر شيخ ادريس إن الرجل الذي يصر على أن أول الخلق حواء وليس أبونا آدم ويبيح الردة فهو كافر وقال إن الزعيم الإسلامي المعروف لديه مقدرة على الكذب وهو يعيش حياة غير التي يؤمن بها وكان رئىساً لجماعة إسلامية لا يؤمن بأهدافها ولا كتبها ولا رجالها قال ذلك في الندوة التي أقامها مجمع الفقه الإسلامي مساء أمس بجامعة الخرطوم واعتبر

شيخ ادريس إن الزعيم الإسلامي يتحدث عن الحرية في الدين إنما يريد أن يرضي الأمريكان .
وقال إنه يقول إن الخمر لا تعتبر جريمة يعاقب عليها القانون إلا إذا ارتبطت بالعدوان إعتبر ذلك غباء وقال إن الزعيم الإسلامي كان يخفي مثل تلك الفتاوى والآراء ولا يبيح بها إلا لخاصته أو عندما ييأس وقال أنا أخشى أن يكون وراء هذا الأمر شئ فهو لا يتحدث إلا لغرض دنيوي فهذا الكلام ما يريده الغرب لأنهم يقولون هذا الدين ليس له دولة قوية تحميه وبالرغم من ذلك واسع الانتشار .
واعتبر شيخ ادريس تبصير المسلمين بما ذهب إليه الزعيم الإسلامي أهم من إقامة الحد عليه وقال لا أريد أن يقدموه لمحاكمة لأن العلمانيين وأصحاب حرية الفكر سيدافعون عن أفكاره وتصبح مسألة قد لا نحمد عقباها وقال إن الزعيم متقلب المزاج والأفكار لأنه قال لشخص أنا أعلم من النبي صلى الله عليه وسلم فعندما استنكر الشخص ذلك الكلام فرد عليه أنا أقصد الأمور الدنيوية مثلاً أنا أعرف اللغة الفرنسية والنبي صلى الله عليه وسلم لا يعلمها وإنه قال لصحيفة بريطانيا إن الاسلام لا يتدخل في زي المرأة إلا إذا سارت عريانة وأضاف علي المسلمين أن يفطنوا لمثل هذه الدعاوى التي أريد بها الفتنة للمسلمين عن دينهم والمصالح الشخصية .
ومن جانبه انتقد الشيخ محمد سيد حاج الأفكار والآراء التي جاء بها د .حسن عبد الله الترابي وقال إن هذه الأفكار والآراء لم يأت بها إنما أخذها من السلف الذين ينكرهم الترابي نفسه فقوله في نزول المسيح جاء من سلفه عبد الجبار الحمداني وعمرو بن عبيد واباحته للمسلمة أن يتزوجها اليهودي أو النصراني فهذا جاء به سلفه سيد احمد خالد في الهند سنة 1817م وكل السلف الذين أخذ منهم خوارج ومعتزلة ومسألة إمامة المرأة قالت بها غزالة بنت الشيبة واعتبر سيد حاج إن الترابي غير مجرد وقال إن الفكر الذي جاء به محمود محمد طه أعمق من فكر الترابي وبهذا الحديث يعتبر الترابي ضد الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة لأنه يتجرأ على النصوص القرآنية والسنة المحمدية ولا يتعامل بعقلانية .
وطالب سيد حاج بمناقشة الترابي ومحاورته حوار فكري أو مناظرته في أي زمان أو مكان يختاره .
وفي ذات السياق قال الدكتور علاء الدين الزاكي إن أفكار الترابي تنبع من شبهة ابليس وأنصاره فإن تعظيم العقل في مقابلة النصوص فهو يطرح نفسه كبديل للوضع القائم في السودان وقال إن أفكاره هذه تعجب الأمريكان فهو يهيئ نفسه ليعود إلى السلطة فهو بذلك قد جرد عقله لمصادمة النصوص واعتبر الترابي يخشى من المناظرات لأنه لا يرضى بالهزيمة واسأل الله له الهدايا ولاتباعه .
وقال عبد الحي يوسف إن أعداء الإسلام يتربصون بالبلاد والمخلصين يجب أن يردوا الناس إلى دينهم واعتبر أن الترابي يرفع شعار الإسلام ويريد أن يشكك المسلمون في دينهم فهو بذلك يريد أن يرجع إلى الأضواء من جديد ولم يجد سبيلاً إلا بالطعن في الدين بسلسلة من الأكاذيب وتحريف الكلم والصد عن سبيل الله بداية بإدعاء أن اليهود والنصارى مؤمنون إلى إنكار نزول المسيح بن مريم وانكار خروج الدجال والدابة والزعم بتزويج المسلمة من الكتابي والكافر ولكن لن يجد سبيلاً وسوف يتصدى علماء الأمة لمثل هذه الدعاوى .
وأضاف الدكتور سعد احمد سعد إن قضية ادعاء إجتهادات الترابي قديمة وقد عزمنا أن نرد عليها نحن جماعة علماء السودان واحدة تلو الأخرى ولكنه فاجأنا بعرض اجتهاداته بصورة كثيفة في وقت واحد فهو يريد أن يقدم نفسه للقوى الغاشمة التي تظن أنها سوف تحكم السودان واعتبر الترابي بذلك خسر الكثير وعليه أن يتوب إلى الله تعالى .ومن ناحيته دعا الشيخ أبو زيد محمد حمزة اتباع الترابي أن يحتكموا لصوت العقل ويرجعوا لله سبحانه وتعالى قبل أن يضلوا كما ضل شيخهم وقال إن الترابي من الذين يشار إليهم بالبنان فإن مخالفته هذه تعد أمراً خطيراً على الإسلام والمسلمين لأن الترابي يجب أن يرجع إلى أمور دينه في الكتاب والسنة فالترابي ثقافته ليست دينية بل غربية واعتبر ما يقوله يعتبر رأي حزب سياسي وليس عالم من علماء الأمة فقد ينحرف المئات من أتباعه من الرجال والنساء


http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=2176
____

Post: #485
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 06:49 AM
Parent: #1


حماس وديموقراطية رعاة البقر!
أرسلت في 9-1-1427 هـ من قِبَل -


بدون اية مقدمات ندخل في الديموقراطية التي تريدها امريكا والزائرون لواشنطن يقولون ان اول ما يقابلك وانت تدخل هذه العاصمة المتميزة هو تمثال الحرية ولا شك ان لهذا التمثال مدلول ورمز ولم يوضع من اجل الزينة وانما وضع ليؤكد مبادئ الحرية والديمقراطية وحرية الفكر والاختيار التي تؤمن وتعمل بها هذه العاصمة لا اقول العريقة وانما اقول العاصمة المتميزة كما اسلفت القول.
ولكن ما يحدث علي ارض الواقع من ممارسات تصدر من هذه العاصمة ويقف خلفها القابعون في البيت الابيض والكونجرس ووزارة الخارجية يؤكد ان هذه المبادئ حين تتعلق بالآخرين خارج امريكا تصبح معاييرها مزدوجة ولدرجة المهزلة.
ورحم الله محمود محمد طه حيث كان شعار حزبه الجمهوري «الحرية لنا ولسوانا» ولكن في بلد تمثال الحرية «ان الحرية لهم وليست لسواهم» وهذا ما اكده الواقع المعاش حالياً وهو فوز حماس بالانتخابات التشريعية وما يعطيها هذا الفوز حق تشكيل الحكومة الفلسطينية الا ان حاملة لواء الديمقراطية واشنطن استنكرت هذا الفوز الكاسح رغم انه جاء عن طريق صناديق الانتخابات وفي اجواء اتسمت بالنزاهة ولا احد من المنافسين لحماس شكك في فوزها المستحق.
هنا انبرت واشنطن كعادتها حين تأتي صناديق الانتخابات بالاسلاميين انبرت لحماس رافعة راية الابتزاز بانها ستوقف كل مساعداتها للشعب الفلسطيني ان لم تعترف حماس باسرائيل وان لم تترك ما تسميه بـ (الارهاب )اي مقاومة المغتصب المحتل ومحاولة استرداد الارض السليبة.. اذ في اعتقاد امريكا ان القاتل هو الضحية والمقتول هو المجرم.
هذه بالطبع ليست المرة الاولى التي تقف فيها حاملة لواء الحرية ضد الفوز النظيف للاسلاميين بالانتخابات عن طريق صناديق الانتخابات فقد حدث ذلك من قبل حين فازت الجبهة الاسلامية للانقاذ في الجزائر بزعامة عباس مدني بالانتخابات التشريعية والمحلية فوزاً كاسحاً وحدث الشئ نفسه حين فاز الاسلاميون في تركيا بالانتخابات بزعامة نجم الدين أربكان فكانت المؤامرة الخبيثة.
ومن هذه النماذج الثلاثة تتجلى ديمقراطية امريكا المزدوجة



http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=736
_

Post: #486
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 06:53 AM
Parent: #485


الغرب الصليبي والتوجه الاسلامي في السودان
أرسلت في 3-12-1426 هـ من قِبَل -


الاخ الكريم الاستاذ/ عاصم البلال الطيب
حفظه الله ورعاه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نشكر لكم تفاعلكم مع قضايا الشعب والامة واهتمامكم بها.. وفي هذا الاطار ارجو تكرمكم بالسماح بان يرى الموضوع المرفق طيه النور عبر بابكم المقروء اجراس فجاج الارض.
مع عاطر شكري وتقديري
اخوك/ عبد الله عبد الله علي
الغرب الصليبي والتوجه الاسلامي في السودان
منذ إعلان الرئيس الأسبق جعفر نميري للشريعة الاسلامية في السودان عام 1983 وضع الغرب الصليبي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية السودان تحت مجهره، ومن صدمته والمفاجأة غير المتوقعة لم يستطع اتخاذ اي قرار ضد النظام المايوي، وانتظر حتى ينجلي الأمر ولم يقتنعوا بجدية هذا التوجه. الا بعد اعدام محمود محمد طه. هنا شعر الغرب الصليبي الحاقد بضرورة ازالة النظام المايوي. واقتلاعه من جذوره بشتى السبل
عندها ولول الغرب وتحركت أمريكا وحركت النقابات السودانية التي يسيطر عليها اليسار العميل.
وجاء بوش الاب وكان نائبا للرئيس الامريكي وقتذاك. وقابل النميري وامره بالغاء الشريعة الاسلامية والا ستقوم امريكا باسقاطه فوراً وفعلاً استجاب لهم وقال بأنه سيراجع كل الاحكام التي صدرت وقام بسجن الاسلاميين وقضاة الشريعة وسافر النميري لامريكا. ومن الناحية الأخرى حرضت الاذاعة الاستعمارية الـBBC النقابات،والشعب السوداني للخروج على الرئيس واعلنت النقابات الاضرابات واندلعت المظاهرات في 26 مارس 1985م وازدادت يوما بعد يوم الى السادس من أبريل من ذلك العام حين اذاع المشير سوار الدهب انحياز القوات المسلحة للشعب، ونهاية الحقبة المايوية، وبداية عهد ديمقراطي جديد.
بعد نجاح الانتفاضة قامت أمريكا والغرب بالضغط على الحكومة الانتقالية لالغاء الشريعة، وردت الانتقالية بأن امر القوانين الاسلامية متروك للحكومة المنتخبة.
وعقب اجراء الانتخابات العامة، وتشكيل الحكومة الطائفية، واصل الاعداء ضغوطهم والتي أثمرت في النهاية بالموافقة على إتفاقية الميرغني قرنق لعام 1988م وبها يتم الغاء التشريعات الاسلامية والحدود والرجوع لقوانين 1974م التي تبيح المحرمات من زنا وفجور وخمور وميسر وربا.. الخ وعندما شرعت الطائفية في الغاء الشريعة الاسلامية وفقا للاتفاقية هبت ثورة الانقاذ الوطني بقيادة البشير في يونيو 1989 واستولت على السلطة، لوضع حد لعبث الطائفية واليسار العميل من اللعب بالنار.
ولكن يتبادر الى الذهن سؤال هل تتركنا امريكا والغرب الصليبي من إقامة دولة اسلامية في السودان؟ الاجابة قطعا لا وألف لا!! لهذا قاموا بدعم حركة التمرد المسلحة دعماً كثيفاً ليتمكن من اسقاط الحكومة الاسلامية ثم اقامة السودان الجديد الخالي من الاسلام، والعروبة، تنفيذاً لمخططات الاعداء ليصبح السودان السكران الحيران المفكك الاوصال. . ولكن الانقاذ استطاعت من دك حصون التمرد تماما مما دفع الاعداء لتأليب دول الجوار علينا، وادخالهم في حروب معنا، وبحمد الله هزمناهم، ففجروا لنا مشكلة دارفور ثم الشرق وهكذا استنزاف متواصل، وانهاك للدولة حتى تضعف ويسهل قيادها او اسقاطها وحاليا يحركون تشاد ضدنا.
هنالك حقيقة ينبغي أن نتذكرها ونعيها تماماً وهي الولايات المتحدة الامريكية والدول الاوروبية بقيادة بريطانيا، والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة ومجلس الامن وكل تلك المؤسسات والهيئات العالمية والتي يتحكم فيها اليهود، واعداء الاسلام من الغربيين لم تناصبنا العداء وتستهدفنا الا لاننا توجهنا الى الله سبحانه وتعالى، وسعينا لاقامة دولة تعبد الله، تنفذ اوامره وتجتنب نواهيه وصدق الله العظيم القائلولايزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم ان استطاعوا..) 215 البقرة
ان الغرب الصليبي كثيراً ما يتبجح بحقوق الانسان والديمقراطية وهو ابعد ما يكون عنها ألم تمنع فرنسا فتاة مسلمة من تغطية رأسها؟ الا تمنع الحجاب بالقانون؟الا يعتبر هذا إنتهاكاً صارخاً لحقوق الانسان؟ الم تفز الجبهة الاسلامية بالجزائر في مطلع التسعينات في الانتخابات هناك؟ الم يتدخل الغرب بواسطة الجيش الجزائري في الغائها حتى لا تحكم الجزائر بالاسلام؟ اين الديمقراطية في هذا؟
إن الولايات المتحدة ، والدول الغربية لا يمكن ان يسمحوا بقيام أي دولة اسلامية في العالم تحكم بشرع الله سواء جاءت بطريقة ديمقراطية او غير ديمقراطية سيكون مصيرها كما هو يحدث للسودان من فرض حرب عليه، وحصاره وتشويه سمعة، واكاذيب وزرع فتن داخل الدولة، وتحريك العملاء بالداخل لزعزعة الامن، والاستقرار كما يحدث عندنا في دارفور والشرق والجنوب قبل الاتفاقية.
وهكذا يتم الحصار حتى لاتستطيع الدولة الاسلامية التي تقوم من تقديم شئ يلبي اشواق مواطنيها، والذين كثيرا ما يتأثرون بالاعلام الخارجي المضلل والمستهدف للاسلام، بالاضافة لما يخطه يراع العملاء بالداخل من وصف لاية تجربة اسلامية بالفشل والسقوط وهذا مخطط لاجهاض اي توجه اسلامي ولبث روح اليأس بين الناس والثابت ان الصورة الزاهية للاسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، والصحابة الكرام لا يمكن تحقيقها بين يوم وليلة. لبعد الشقة بيننا وبين ذلك العهد، ولقوة الاعداء اليوم وخبثهم، ولضعف الايمان لدى المسلمين ولدور الطابور الخامس العميل بالداخل والحكام العملاء كل ذلك حجر عثرة امام اقامة دولة اسلامية راشدة ولكن علينا السير في طريق إقامتها.
فاذا حققنا اليوم نسبة مئوية في الاتجاه الاسلامي علينا زيادة هذه النسبة ومضاعفتها حتى تأتي الاجيال القادمة وتكمل ما انتقص من الاقتراب من المثال الى أن يأتي ذلك اليوم الذي تكتمل فيه الصورة الجميلة والزاهية للاسلام ويفرح المؤمنون بنصر الله.. نسأل الله ان يجعله قريبا نعيشه ونراه رأي العين وليس ذلك على الله ببعيد.
والله المستعان
عبد الله عبد الله علي



http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=365
____________

Post: #487
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 06:09 PM
Parent: #1


سبعينية الإمام .. الوجه الآخر .. !
أرسلت في 30-11-1426 هـ من قِبَل -


المشهد السياسي
موسي يعقوب
الإمام عبد الرحمن تنبأ له بأن « يسد فرقته » وجراهام توماس هتف « وجدت من يحكم السودان » ..!
الصادق دخل السياسة من باب الخصوصية ومحمود محمد طه في كتابه عنه نبه لخطورة ذلك
سبعينية الإمام فرصة للغوص في سيرته وتجربته والخروج منها بالنافع المفيد
كانت فكرة جيدة أن يكون الاحتفال بسبعينية السيد الصادق المهدي - متعه الله بالصحة والعافية - هذه المرة بهذا الاتساع والشمول ليكون الأمر في جملته وقفة مع مسيرته الفكرية والسياسية فهو بتاريخه وعطائه وخلفيته ودوره أهل لذلك لا محالة ، ففي ذلك كله « وجه آخر » ونصف كوب فارغ إلى جانب النصف الملآن .
السيد الصادق المهدي دخل السياسة والفكر من باب خاص بالغ الخصوصية فهو بناءً فكرياً وتأسيسياً إلى جانب الأحفاد الكمبوني وكلية فيكتوريا في الاسكندرية ثم الجامعة البريطانية ، أوكسفورد ، درس على يدي الشيخ السراج وهو من علماء اللغة والأدب والتراث فتنوعت مصادر معرفته التي أضاف لها من إجتهاده الخاص بكل تأكيد وشكّل ذلك كله آخر النهار الرجل الذي سمعناه وقرأناه وتابعنا نشاطه السياسي.
أما الخصوصية في دخوله السياسة من الباب الخاص فذلك ما نجده في أكثر من واقعة وشاهد ودليل ، فهو في كلمته أمام المحتفين بسبعينيته ذكر عن جده الإمام عبد الرحمن المهدي قوله لوالدته السيدة رحمة :
يا رحمة ولدك هذا سيكون له شأن عظيم فقد رأيته في المنام يخاطب جمعاً كبيراً ..
{ يارحمة ولدك هذا هو الذي « سيسد فرقتي ..!»
ومثل ذلك الشئ كانت السيدة أم سلمة جدته لأمه قد كررته وذكرته لها إلا أن المهم هنا أيضاً هو ما ذكر البريطاني جراهام توماس في كتابه « السودان : موت حلم » Death of A Dream ورواه السيد الصادق في كلمته المذكورة أيضاً وهو أنه عندما كان في إحدى زياراته للإمام عبد الرحمن المهدي وجد إلى جانبه فتى في الخامسة عشر من العمر فسأل الإمام : من هذا الفتي ؟ فقال إنه الصادق ابن ابني الصديق - وهنا قال جراهام الموصول بالسكرتير الإداري يومئذ للسير جيمس روبرتسون « لقد وجدت لك من يحكم السودان في المستقبل .. !!» يقصد الصادق المهدي ..
وقد سبق لي أن استعرضت بعض ما جاء في ذلك الكتاب في عمودي « أحاديث في السياسة » في آخر مايو 1990 م في صحيفة السودان الحديث وقد صدر الكتاب لتوه يومئذ في نسخته الانجليزية .. وجراهام توماس « أبو رضوان » وتلك هي كنيته قال عن نفسه إن الإمام عبد الرحمن قال لحفيده الصادق « إذا أردت نصيحة مخلصة فخذها من جراهام توماس .. !» وبالفعل كان الرجل قريباً من السيد الصادق وزوجه سارة وإن كان له كتاب آخر صدر قبل وفاته بقليل لم يكن فيه سعيداً بإدارة المهدي للدولة بعد الانتفاضة في رجب - أبريل 1985 .
وتواصل مسلسل الخصوصية إلى أن بلغ السيد الإمام الصادق بعد ثورة اكتوبر 1964 م سن الثلاثين - سن التأهيل للمجلس التشريعي - وأخليت له دائرة فاز فيها بالتزكية ودخل الجمعية التأسيسية ليبدأ معركته من أجل زعامة الحزب ورئاسة الوزراء خصماً على النخبة التي آزرت الإمام عبد الرحمن وحزبه وطائفته ثم ابناءه الصديق والهادي من بعده .
وقد طبعت هذه الخصوصية والتنشئة حياة الرجل وممارسته السياسية طوال تجربته . فهو « أمل الأمة » وهو صاحب الحل والعقد في الحل والترحال والحكم والمعارضة معاً ، وفي باله دوماً أين يكون ودون إعتبار لأي شئ آخر .. والشواهد والمحطات هنا أيضاً كثيرة .
{ في 7 يوليو 1977 م وقع مع النميري صلحاً منفرداً من وراء ظهر الجبهة الوطنية في لندن .. ولما لم يجد الموقع الذي كان ينتظره لم ينخرط في المصالحة إلى نهايتها كما فعل آخرون ..
{ في 9 ديسمبر 1996 م خرج في عمليته المشهورة « تهتدون » قاصداً التجمع في اسمرا .. ولما لم تسعه هيكلة التجمع القائمة عاد أدراجه في العملية « تفلحون ».
{ وفي مفاوضات الحزب بعد العودة مع المؤتمر الوطني والتي لم تسفر عما توقع تململ مفاوضو الحزب وشقوا طريقهم بعيداً عنه تاركين انقساماً وفراغاً في الحزب .
والمشكل في كل الأحوال هو أن ما يتطلع إليه السيد بحكم التنشئة والأوضاع الخاصة لن تتيحه له إلا انتخابات عامة يحقق فيها فوزاً كبيراً كماحدث من قبل . ذلك أن تطلعاته وتوقعاته أكبر من أن تحققها قسمة متفاوض عليها .
محمود محمد طه في كتابه « الصادق المهدي- القيادة الملهمة والحق المقدس » قبل أكثر من ربع قرن انتبه لذلك ونبه إليه . بيد أن السؤال الذي ينبغي أن يطرح في سبعينية السيد الإمام هو : ماذا تحقق على صعيد الدولة والحزب طوال أربعين عاماً بل لنكن منصفين وهو الذي لم يعمر في وزارته الأولى بعد أكتوبر 1964 م ولم تكن حكوماته قصيرة العمر بعد الإنتفاضة في 1985 م أحسن حالاً جراء التركيبة الهشة لنوجه السؤال إلى أمر آخر وهو :
ما هي مقومات القرار والسلوك الديمقراطي عند السيد الصادق المهدي ومن ثم قبوله للآخر ؟
ولعل هذا هو ما يهم من أراد أن يقف على تجربته السياسية ، إن القرار عند السيد الصادق مضطرب ودوّار ، وفي ذلك شواهد منها رفضه للجمع بين الإمامة والسياسة في مستهل حياته السياسية وهو الآن يعود إلى ذلك بدافع « عصا الإمامة لمآرب السياسة .. ! »والقرار عنده متردد ويمكن التنازل عنه بفعل الضغوط . والإشارة هنا إلى :
1) اتخاذ مجلس وزارته بعد الانتفاضة قراراً برفع سعر السكر ظهراً ثم التراجع عنه مساء نفس اليوم ..!
2) مذكرة القوات المسلحة في 22 فبراير 1989 م كانت بحاجة إلى إتخاذ قرار ولكنه اعتبرها « كميناً » يتعين تجاوزه بالتي هي أحسن .. حتى حدث ما حدث .
3) قوانين سبتمبر 1983 م كانت في خطابه السياسي لا تساوي الحبر الذي كتبت به والجبهة الإسلامية اخطأت في تعاونها مع النميري خطئاً لابد أن تغتسل منه سبع مرات إحداهن بالتراب .. ! ولكن ذلك كله لم يمكنه من إلغاء قوانين الشريعة ولم يمنعه من التعاون مع الجبهة في الحكم .
وهذا كله مما يشي بأن السيد الإمام معني ومهتم أكثر بالسلطة وبقائه فيها أكثر من أي شئ آخر لما استقر في نفسه وثبت من أنه المؤهل أكثر من غيره « ليسد فرقة الإمام عبد الرحمن » والذي في باله دوماً أن يثبت صحة رؤية جدته لأمه السيدة أم سلمة التي رأته في المنام يخاطب جمعاً كبيراً ورتبت على ذلك أنه « سيكون له شأن عظيم ».. ولن يتحقق له شئ من ذلك إذا ما هو « همش » أو ابتعد عن السلطة . ولهذا لسبب دون غيره وجدناه يظهر سعادته بما حدث لمصنع الشفاء للدواء ذلك المساء من شهر أغسطس - آب 1998 م عندما انهالت عليه صواريخ كروز الأمريكية حيث صرح قائلاً «رب غارة نافعة ..!» فكيف تكون الغارة نافعة وينزلها القائل منزلة قولهم «رب ضارة نافعة » إذا لم يكن لديه ما يبرر ذلك ويدعوه إليه ؟
إلي جانب ذلك فالسيد الصادق لا يعترف للخصم أو الآخر بفضل أو حق طوال تجربته السياسية- فهو الذي دخل مع السيد محمد أحمد محجوب في مناكفات برلمانية وصحفية ناسياً له دوره في حزب الأمة ومعركة الاستقلال والتحدث باسم العرب في الأمم المتحدة . وآثار مايو في مفكرته السياسية يجب أن تمحي بخيرها وشرها كما حدث بعد الانتفاضة .
المرة الوحيدة التي خرج فيها عن ذلك التقليد هي الأسبوع الماضي - أي في سبعينيته - عندما اعترف للإنقاذ الوطني بثلاثة منجزات هي البترول والسلام والتحول الديمقراطي .
لقد كان يقول قبل ذلك « ليتهم لم ينقذونا وتركونا حيث كنا .. !» هكذا كان يقولها دون مبالاة أو حرج فكل ما ليس له يد فيه لا يرى فيه خيراً .. بل شكك في مقابلة تاريخية له مع ليلى الشيخلي في قناة الـ mbc وخطوط الأنابيب الناقلة للبترول يومئذ تمد والمصاف والمنشآت تقام في مشروع السودان النفطي قائلاً لها « أنها أحلام ظلوط .. !» وظلوط هو ديك كنا نعرفه في كتب المطالعة في المرحلة الأولىة - الابتدائية الآن . وفي مؤسسته الحزبية عندما يدعو بعضهم للإصلاح الديمقراطي والمؤسسية لا يعترف بذلك .. وعندما ينشقون عليه ويغادرون صفوف حزبه يقول إن ذلك خطأ لا يمحوه إلا التوبة والاستغفار .
وما ذلك إلا لأن البداية في المشوار السياسي كانت قائمة على «الخصوصية » والتمييز منذ اليوم الأول . ولعل ما حفل به كتابنا الأخير « حزب الأمة - صراع المصالح المطامح» فيه اضاءات كثيرة في هذا المجال .
هذا طرف من الوجه الآخر في سبعينية السيد الإمام الصادق المهدي قصدنا به أن تكتمل اللوحة والصورة حتى يصبح بالإمكان يوماً ما وربما قريباً ظهور سفر متكامل لرمز من رموزنا السياسية ذات البعد الخاص والمؤثر مع الدعاء للسيد الإمام بطول العمر والصحة والعافية والأعمال الصالحات.



http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=329
_________________

Post: #488
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 09:47 PM
Parent: #1


هذه هي ديمقراطية الغرب

تذكرون كيف تعاملت دول الغرب مع البريطاني من اصل باكستاني سلمان رشدي حين اصدر كتابه ( ايات شيطانية ) واساء فيه الي خير البشر رسولنا محمد تذكرون كيف استقبله زعماء هذه الدول استقبال الفاتحين المنتصرين .وحين احتج بعض المسلمين علي هذا الاستقبال غير المبرر والذي يحمل الكثير من الدلالات التي لا تخفي علي اقل مسلم ذكاء رد هؤلاء الزعماء بان هذا الاستقبال جاء من منطلق مبدأ حرية الرأي والفكر وكان علي رأس هؤلاء الزعماء الرئيس الامريكي بيل كلينتون الذي بدت عليه وقتها علامات الارتياح وهو يصافح ذاك المرتد .
فبينما يساء الي الاسلام والي رسول الاسلام فان دول الغرب تقابل ذلك بمزيد من الانشراح اما حينما تمس اليهودية او ما يسمي السامية فان القيامة تقوم قبل موعدها .
فكلنا راي ويري ماذا يفعلون بمن يشكك مجرد تشكيك في محرقة اليهود او حتي يوجه نقدا ولو كان سياسيا لاسرائيل فان مصير هذا المتطاول العقاب اشده كما فعلت فرنسا بجارودي المفكر المعروف الذي اعتنق الاسلام .
وحرية الرأي والفكر المزعومة هل تعطي الحق لاي كاتب مسلم ان يؤلف كتابا يسئ فيه الي الديانة اليهودية او حتي ان يوجه نقدا سياسيا لاسرائيل ،الاجابة علي هذا السؤال معروفة اذ ان كل من يجرؤ علي ذلك فان سيواجه العقاب المحتوم .
ان حرية الراي هي لهم وحدهم وليست لغيرهم وهذا يذكرني بشعار الحزب الجمهوري حزب محمود محمد طه وليس الحزب الجمهوري الامريكي حيث ان شعارهم كان ( الحرية لنا ولسوانا ) .اما دول الغرب فان الحرية لها وحدها وليس لسواها وحينما كنا اغرارا كنا نخدع بكل ما يهب علينا من هذه الدول حيث كنا نظنهم ديمقراطيين وعادلين في احكامهم وتعاملهم الا اننا اكتشفنا اخيرا اننا كنا مخدوعين وسذجا .
فهم في مجتمعاتهم ديمقراطيون وفي مجتمعاتنا هم ليسوا كذلك ،وفي مجتمعاتهم يتمسكون بحقوق انسانهم اما في مجتمعاتنا فالانسان عندهم لاقيمة له ،يسجن بغير وجه حق سنوات وسنوات دون توجيه اتهام ودون محاكمة .
وهكذا هم ديمقراطيون انسانيون ومسالمون ونحن ارهابيون .
اخيرا اقول لقد انفضحت اللعبة



http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=6352
_________________

Post: #489
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 11:04 PM
Parent: #1


حماس وديموقراطية رعاة البقر!

بدون اية مقدمات ندخل في الديموقراطية التي تريدها امريكا والزائرون لواشنطن يقولون ان اول ما يقابلك وانت تدخل هذه العاصمة المتميزة هو تمثال الحرية ولا شك ان لهذا التمثال مدلول ورمز ولم يوضع من اجل الزينة وانما وضع ليؤكد مبادئ الحرية والديمقراطية وحرية الفكر والاختيار التي تؤمن وتعمل بها هذه العاصمة لا اقول العريقة وانما اقول العاصمة المتميزة كما اسلفت القول.
ولكن ما يحدث علي ارض الواقع من ممارسات تصدر من هذه العاصمة ويقف خلفها القابعون في البيت الابيض والكونجرس ووزارة الخارجية يؤكد ان هذه المبادئ حين تتعلق بالآخرين خارج امريكا تصبح معاييرها مزدوجة ولدرجة المهزلة.
ورحم الله محمود محمد طه حيث كان شعار حزبه الجمهوري «الحرية لنا ولسوانا» ولكن في بلد تمثال الحرية «ان الحرية لهم وليست لسواهم» وهذا ما اكده الواقع المعاش حالياً وهو فوز حماس بالانتخابات التشريعية وما يعطيها هذا الفوز حق تشكيل الحكومة الفلسطينية الا ان حاملة لواء الديمقراطية واشنطن استنكرت هذا الفوز الكاسح رغم انه جاء عن طريق صناديق الانتخابات وفي اجواء اتسمت بالنزاهة ولا احد من المنافسين لحماس شكك في فوزها المستحق.
هنا انبرت واشنطن كعادتها حين تأتي صناديق الانتخابات بالاسلاميين انبرت لحماس رافعة راية الابتزاز بانها ستوقف كل مساعداتها للشعب الفلسطيني ان لم تعترف حماس باسرائيل وان لم تترك ما تسميه بـ (الارهاب )اي مقاومة المغتصب المحتل ومحاولة استرداد الارض السليبة.. اذ في اعتقاد امريكا ان القاتل هو الضحية والمقتول هو المجرم.
هذه بالطبع ليست المرة الاولى التي تقف فيها حاملة لواء الحرية ضد الفوز النظيف للاسلاميين بالانتخابات عن طريق صناديق الانتخابات فقد حدث ذلك من قبل حين فازت الجبهة الاسلامية للانقاذ في الجزائر بزعامة عباس مدني بالانتخابات التشريعية والمحلية فوزاً كاسحاً وحدث الشئ نفسه حين فاز الاسلاميون في تركيا بالانتخابات بزعامة نجم الدين أربكان فكانت المؤامرة الخبيثة.
ومن هذه النماذج الثلاثة تتجلى ديمقراطية امريكا المزدوجة



http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=736
_________________

Post: #490
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 11:05 PM
Parent: #489


اخبار اليوم» رافقت امين الشعبي في زيارته لشندي
أرسلت في 17-8-1428 هـ من قِبَل webmaster


الترابي جدد بندوة طلابية حاشدة بجامعة شندي فتاويه المثيرة للجدل
مواجهة فكرية وفقهية حادة بين الترابي وأحد الطلاب السلفيين
شندي : عبدالرازق الحارث
وسط استقبالات شعبية وطلابية تقدمها انصار وقيادات المؤتمر الشعبي بولاية نهر النيل وصل الى محلية شندي الدكتور حسن عبدالله الترابي الامين العام للحزب يرافقه د. بشير ادم رحمة الامين السياسي والاستاذ المحبوب عبدالسلام امين العلاقات الخارجية ومولانا محمد سيد وقيادات الصف الثاني بالحزب من المجاهدين والشباب.

وعند وصوله توجه د. الترابي ووفده الى مكتب مدير جامعة شندي حيث امضوا بعض الوقت وتفقدوا اقسام كلية الطب ومن ثم تحرك الوفد الى صيوان ضخم نصبه طلاب الحزب في الساحة الممتدة امام مباني كلية الطب لتقديم د. الترابي في محاضرة كبرى امها قرابة الألف شخص ضاقت بهم الساحة والصيوان المنصوب ووقفوا في حر يتابعون المحاضرة التي شهدت مساجلات فكرية ساخنة ما بين د. الترابي وبعض الطلاب السلفيين والجمهوريين. وجدد د. الترابي فتاويه المثيرة للجدل حول عذاب القبر والحور العين وامامة المرأة
مما ادى لحدوث مواجهات فكرية وفقهية حادة ما بين الامين العام للمؤتمر الشعبي واحد الطلاب السلفيين الذي قدم مداخلة اتهم خلالها د. الترابي بانه مخالف بهذه الفتاوي النصوص القرآنية والسنة والسلف الصالح، وقال د. الترابي انه لا يوجد عذاب في القبر بيد ان الجسد يهلك ويصبح تراباً ، مشيراً الى ان هنالك بعض الطوائف مثل الهندوس يحرقون جثمان الميت وانتقلت العادة الى امريكا ، ومن ناحية علمية فان جلد الانسان يتكون من 60% الماء وتحدث له تغيرات يومية بالاكل والشرب ، وقال د. الترابي انه لا توجد محاسبة للجسد في القبر لان هنالك خمسمائة اية في القرآن تحدثت عن القيامة ولكن كل العلماء توقفوا في عذاب القبر.
ووجه د. الترابي انتقادات حادة لما وصفه بحالة الانحطاط التي يعيشها العالم الاسلامي ووصف انتظار السنة للنبي عيسى والمهدي وموقف الشيعة من الامام الغائب بانه اوهام وقال الترابي انه لا يوجد نص قراني او حديث نبوي يمنع المرأة من ان تصبح اماماً مؤكداً ان الحوار العين من نساء الدنيا يعاد تشكيلهن وان التعارف بالروح لا بالشكل.
ووجه الترابي انتقادات حادة للحركات السلفية ووصفها بانها في حركة ارتدادية للخلف وانهم حفظة نصوص.
وحول لفظ كلمة صحابي قال انه ليس كل من رأى النبي عليه الصلاة والسلام صحابي مبيناً ان هناك تفاوت في الدرجات بدءاً من السابقين الاولين والمتبعين باحسان والمنافقين حول المدينة والذين اتخذوا مسجداً ضرارا ونفى د. الترابي ان تكون الحركة الاسلامية استلمت الحكم من اجل السلطة ، مشيراً الى ان حركة الاسلام لم تات للدولة وانما جاءت للاخرة، واستطرد قائلاً انا لم ات للدولة وما جاءت حركة الاسلام للدولة وانما جئنا لتغير الحياة كلها.
ووجه بعض الطلاب في مداخلات انتقادات لتجربة الحركة الاسلامية في الحكم وحملوا الترابي وزر الاخطاء التي اكتنفت التجربة باعتباره كان عراب الانقاذ.
ورد عليهم د. الترابي قائلاً ان التجربة كانت ايجابياتها الكبيرة باحداث اكبر نقلة في التعليم وتطوير البنيات التحتية واكتشاف البترول والكهرباء والعلاقات الدولية وتعليم اللغة العربية وحدثت نقلة لحقوق المرأة بعد ان كانت توصف بانها ناقصة عقل ودين، واشار الترابي الى ان السودان لم ينل استقلاله سنة 1989م والبلاد لم تستقر في منهج حكم صحيح والانقاذ اول تجربة اسلامية منذ الخلافة الراشدة ورغم ذلك هناك اخطاء نعترف بها، واردف قائلاً نحن لدينا الجرأة ان نتكلم عن سيئاتنا بصراحة فهنالك اخطاء في التجربة بيد ان الذين امسكوا السلطة اغرتهم وظنوا ان الحاكم فوق الشريعة.
وانتقد د. الترابي مبدأ الاحتكام للبندقية في الصراعات مشيرا الي ضرورة بحث التراضي والتشاور حتي يتم تجنيب البلاد الصراع وحمل السلاح وحول تجربة الحركة الاسلامية في الحكم قال اننا حاولنا ان نطبق الاسلام في هذا البلد واحضرنا الحركات الاسلامية لكن دخل فيها جانب عسكري ادي لخرابها وهو ياتي بالبندقية ويخرب كل التراضي والحرية والشوري ،وحول الفساد قال زعيم المؤتمر الشعبي ان الفساد ليس هو فساد الحكومات فقط وانما يمتد من الخفير الي الوزير وذا لم تتغير من الاصول لا يحدث تغيير بالحكومات وانه كلما اقترب الناس من العلا يعلون ويمكن للبلد ان تتغير واضاف قائلا ان السودان عندما ينهض كل الناس ينجذبون الينا .
ووجه الترابي انتقادات للوضع السياسي الراهن قائلا اننا اصبحنا عورات في كل شئ وارتد سلوك الناس في التعاملات في الاسواق مبينا انه في مائة شيك هنالك تسعون ترتد ولابد من التغيير من الخفير الي الوزير لانهم بعضهم من بعض .
وفي ميدان المولد بشندي خاطب د. الترابي ندوة سياسية كبيرة نظمها الحزب بعنوان ( سنبي وطنا عزيزا سيدا) وحضرها قادة الجهاز التنفيذي وعلي رأسهم السيد جعفر بانقا معتمد محلية شندي وقادة الاحزاب والقوي السياسية وقطاعات كبيرة من المواطنين حيث ترك الباب مفتوحا امام امكانية توحد الحركة الاسلامية ،واضاف ان البلاد يمكن ان تتوحد مرة اخري وتتوحد امة السودان ويتم تجاوز الصورة القبيحة التي خلفتها مشكلة دارفور التي جعلت كل الشعوب تخرج في مظاهرات من اجل حل هذه المشكلة ،وحذر د، الترابي من التفاف شركاء نيفاشا حول الانتخابات القادمة وفقا لما اقرته اتفاقية قسمة السلطة بنيفاشا بواقع 52% للمؤتمر الوطني وبالغائها او تاجيلها او شراء الذمم بالاموال داعيا المواطنين لتذكر الاخرة عند الادلاء باصواتهم .وسخر د. الترابي من مبدأ ( اكلوا توركم وادوا زولكم ) مشيرا الي انه يتنافى مع قيم الاسلام .
من ناحية اخري كشف د. الترابي تفاصيل جديدة حول العلاقة التي ربطته بالاستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري ابان تواجده في رفاعة وقال د. الترابي انه قضي من عمره سنوات برفاعة وكان له معرفة بشقيق محمود محمد طه الاكبر واعلن الترابي انه شارك في مظاهرة دعا لها وقادها زعيم الحزب الجمهوري الراحل بمدينة رفاعة انذاك ودفاعا عن الختان الفرعوني قائلا انه ادعي العيسوية في بداياته وتحول عنها الي الرسالة الثانية ،وقال ان العلاقة ما بين الرئيس الاسبق جعفر نميري والاستاذ محمود محمد طه الزعيم الجمهوري الراحل كانت علاقة تأييد مطلق لكل الخطوات التي اتخذتها سلطة نميري بدا من ضرب الجزيرة ابا وقتل الانصار واستدرك ان العلاقة ساءت بين الرجلين بعد ان قام النميري بتطبيق الشريعة المحمدية واوقف شرب الخمر والربا ورفض نميري تطبيق افكار محمود محمد طه الامر الذي ادي لتدهور العلاقة بين الطرفين ونفي الترابي ان يكون له علاقة بما حدث لزعيم الحزب الجمهوري واردف قائلا انا لم انشغل به في يوم من الايام فالمحاكمة التي تمت له كانت محاكمة سياسية .
واجمع الحاضرون علي ان الخطاب السياسي للمؤتمر الشعبي كان متوازنا وبه نظرة تصالحية تجاوزت مرارات الماضي ما ينبئ بفتح صفحة جديدة بين الحكومة والمؤتمر الشعبي .
المحبوب عبدالسلام يكشف معلومات وتفاصيل جديدة حول المؤتمر الشعبي العربي والاسلامي
شندي : عبدالرازق الحارث
كشف الاستاذ المحبوب عبدالسلام القيادي البارز بحزب المؤتمر الشعبي معلومات جديدة حول انشاء وتكوين المؤتمر الشعبي العربي والاسلامي بالخرطوم ، وقال المحبوب في مداخلة قدمها بندوة لحزب المؤتمر الشعبي بمدينة شندي مساء امس ان انشاء هذا المنبر الهدف من ورائه تجاوز حالة الاحباط التي خلفتها حرب الخليج الثانية وادارة حوار ما بين كافة التيارات الاسلامية والشيوعية والبعثية وحزب الكتائب اللبناني والفصائل الفلسطينية مشيراً الى انها كانت تجربة فريدة من نوعها حيث تبنى المؤتمر خطاباً تصالحياً ولم يكن موصولاً بحماقة او عنف ولم يتبني خطاباً عنيفاً.
ووصف المحبوب عبدالسلام المؤتمر الشعبي العربي والاسلامي بانه كان نسمة عافية واول امل للامة وهي خارجة محطمة من حرب الخليج الثانية وكان يمكن للبلاد ان تعز بان تصل حركتها بحركة الاسلام من حولها، وقال ان حله افقد الغربيين لغة الحوار مع هذه التنظيمات مشيراً الى ورطة قال وقع فيها بوش في العراق خاصة ان بعض الغربيين كانوا يريدون ان يتوصلوا لحوار مع هذه الحركات.
واوضح المحبوب انه كان يمكن تجربة السودان ان تمتد الى افريقيا وتقدم كلمة لتخرجها من حالة الاوبئة والمجاعات ، واضاف ان ثورة السودان ليست ثورة المؤتمر الشعبي العربي والاسلامي لكنها ثورة دارفور في العالم والمشاهد التي تنقلها الفضائيات حول المجاعات وضرب الطائرات مشيراً الى انه اذا استمرت على خطتها سيعزل السودان.

http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=10131
____

Post: #491
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 11:06 PM
Parent: #490


حصاد مايو المر لازال حنظلاً جنَّياً (1 - 2)
أرسلت في 10-5-1428 هـ من قِبَل
ثمرة القول : عبد الرسول النور


كانت بلادنا الحبيبة عشية الخامس والعشرين من مايو عام 1969م تسير بخطى وئيدة في طريق الحرية والديمقراطية والتحرر، فأحزابنا التي عصفت بها الخلافات والطموحات الشخصية المشروعة وغير المشروعة لبعض الساسة من زعماء وقيادات وكوادر الأحزاب قد إلتأم شملها. فقد توحد إندماجياً الحزبان الاتحاديان الوطني الاتحادي والشعب الديمقراطي فكونا معاً الحزب الاتحادي الديمقراطي الذي ولد عملاقاً بقيادة الزعيم اسماعيل الأزهري ورعاية مولانا السيد علي الميرغني ومن بعده إبنه مولانا السيد محمد عثمان الميرغني وخاض إنتخابات مارس 1968م البرلمانية موحداً فأحرز مائة وواحد من النواب، أما الحزب الند الآخر حزب الأمة فقد وعي جناحاه الدرس بعد الإنتخابات فأستجابا لضغوط القواعد التي نادت بالوحدة الفورية فظهر حزب الأمة كأقوى ما يكون بعد المسيرة الهادرة التي أُعلن توحيد الحزب أمامها، وبرز دور الإمام الهادي كزعيم للحزب ومرشح وحيد له لرئاسة الجمهورية. فإستعدت البلاد لمعركة إنتخابية حامية الوطيس بين العملاقين اللذين يقودان الحزبين وهما الزعيم الأزهري والإمام الهادي المهدي، وكان اليسار بشيوعييه وعروبييه يراهنون على ضعف الاحزاب وانقساماتها وضعفها وعدم جدية قادتها، فدفع برئيس القضاء الأسبق بابكر عوض الله كمرشح له لحصد أصوات الوسط والواقفين على الرصيف والذين يئسوا من الأحزاب ومزايداتها ومكايداتها التي لا تنتهي.
وعندما أيقن اليساريون ألا سبيل لهم عبر صناديق الإنتخابات، إنتهزوا غفلة الأحزاب وإنشغالها بسفاسف الأمور وصغائرها فدبروا أمرهم بليل وأهل الأحزاب نائمون فجاءوهم فجراً وهم لا يشعرون فكان ميلاد 25 مايو 69 إبناً شرعياً لغفلة الأحزاب ومكر الشيوعيين ومن معهم ومن كانوا وراءهم . فكان أول الضحايا فجر ذاك اليوم المشئوم هو النظام الديمقراطي بمؤسساته وسياساته ورموزه والذي لم يجد من يدفع العدوان عنه، وكان مما أدهش الناس ان العقل المدبر لذاك الإنقلاب هو رئيس مجلس النواب الأسبق ورئيس القضاء الأسبق وهما وظيفتان ترتبطان بالحرية والديمقراطية وحماية القانون. اذن الحكاية خربانة من كبارها كما يقولون، رئيس القضاء يقود إنقلاباً فماذا أبقى للخارجين عن القانون أو الجاهلين به، لقد هدموا معبد الديمقراطية الذي شيدته ثورة أكتوبر العملاقة 1964م وأقاموا بدلاً عنه بيتاً من ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب . لقد ذبحوا على أعتابه وحدة القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى بهدف تسييسها وكذلك فعلوا بالخدمة المدنية والدبلوماسية فجعلوا عاليها سافلها وإبتدعوا نظام التطهير على أساس سياسي. فطردوا أهل الكفاءة والخبرة وأحلوا أماكنهم أهل الثقة والنفاق والتسلق . وجاءوا بنظام القفز بالزانة وربما بالهيلكوبتر أساساً للترقي. لقد عاثوا في البلاد فساداً تقتيلاً للأبرياء كما حدث في الجزيرة أبا وود نوباوي 1970م وفي المحاكم الميدانية عام 1971م بعد فشل إنقلاب الرائد هاشم العطا حيث أذاق حلفاء الأمس بأس بعضهم بعضاً وقتلوا الطلاب في الجامعات والثانويات أبان ثورتهم العارمة في شعبان أغسطس 1973م بقيادة الشهيدين أحمد عثمان مكي وعباس برشم فرح وما بعدها. لقد كان النظام المايوي لا يتورع عن قتل كل من ظن [1]أنه يهدد وجوده غير الشرعي حتي قتل الشيوخ أمثال محمود محمد طه، لقد بدأ النظام المايوي بالإحتفال بعيد ميلاد لينين وإنتهى بمبايعة جعفر نميري إماماًً للمسلمين. لقد شوه صورة الإسلام بإبتداعه قوانين سبتمبر 1983م والتي جعلت من القوانين الإسلامية سوط عذاب بدلاً عن غيث رحمة. وإنتهي النظام الذي جعل قضية فلسطين قضيته الأولى في بداية عهده الى مناصرة لاسرائيل يمدها بيهود الفلاشا عبر مطاراته ورجالاته. إن حصاد مايو المر لازال حنظلاً جنياً بوجود بعض قياداتها تعمل من خلال النظام الحالي ورئيسها جعفر نميري يمشي مطمئناً بين الناس وأيديه ملطخة بالدماء وعلى جبينه تسيل دماء الإمام الهادي وصحبه حيث لا مساءلة ولا قصاص، إنه يوم حزن مقيم وحداد وطني.
نواصل

http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=8269
_________________

Post: #492
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 11:07 PM
Parent: #491


مابين الإتصال الهاتفي من مدير جامعة الخرطوم واللقاء برئيس المجلس الوطني
أرسلت في 10-5-1428 هـ من قِبَل webmaster
أحمد البلال الطيب

وهاتف منتصف الليل من رئيس مجلس الصحافة (4-4)
قراءة ثانية صريحة لبيان مجلس الصحافة حول حظر نشر أخبار الحركات المسلحة
{ بعدد الخميس الماضي أوردنا تفاصيل الحوار الهاتفي الذي أجريناه مع الاستاذ علي شمو رئيس مجلس الصحافة والمطبوعات الصحفية حول بيان المجلس ووجهنا لسيادته أسئلة مباشرة فيما اذا كان هذا الحظر يشمل حركات مثل جبهة الخلاص الوطني وحركة العدل والمساواة وحركة جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور وقيادات مثل د. خليل ابراهيم وعبدالواحد محمد نور واحمد ابراهيم دريج.. ونفى الاستاذ شمو أن يكون الحظر يشمل هذه الحركات وهذه القيادات التي وصفها بالمعروفة والمعترف بها من خلال ادارة حوارات ومفاوضات سابقة ومجهودات مبذولة لضمها للعملية السلمية، وبناء على ذلك نقول رأينا حول البيان.
{ ونبدأ بالقول اننا عندما طالعنا بيان مجلس الصحافة عدت بالذاكرة للوراء لقرابة الثلاثين عاماً حيث كنت أتشرف بإعداد وتقديم البرنامج التلفزيوني (لو كنت المسؤول) والذي كانت تقوم فكرته على استضافة شخصيتين يتولى أحداهما موقعاً سياسياً أو تنفيذياً او أكاديمياًً او اجتماعياً رفيعاً ويحمل الضيف الثانى مؤهلات وقدرات وخبرات تؤهله لتولي المنصب المشار اليه .. ونستأذن ضيفنا الأول أن يتنازل عن موقعه خلال زمن البرنامج (ساعة) للضيف الثاني الذي يتحدث كما لو كان هو المسؤول، ويطرح رؤاه وأفكاره لتطوير الموقع المعني وانتقاداته وملاحظاته لأداء الضيف الأول الذي يقوم بالرد على ما يثيره الضيف الثاني، وأعتز كثيراً ببعض الحلقات التي تمكنا من تقديمها في ذلك الزمن الصعب .. وعلى سبيل المثال لا الحصر ... استضفنا في حلقة ملتهبة د. حسن الترابي النائب العام وقتها ومعه الاستاذ ميرغني النصري المحامي نقيب المحامين وقتها، وفي بداية الحلقة قال مولانا النصري للشيخ الترابي: ( لو كنت المسؤول وتوليت منصب النائب العام وبما إنني سُجنت بموجب قانون أمن الدولة لكان أول قرار اتخذته هو إلغاء قانون أمن الدولة وهو الأمر الذي لم تفعله يا د. حسن وأنت تتولى هذا المنصب) ... وعندما أعطيت الفرصة للدكتور الترابي للرد .. قال يومها بقوة وحزم ( يا أخي لو آل اليّ الامر كاملاً لشطبت الدستور الحالي كله بجرة قلم وأعدت الأمر لله) .. وقد أثار هذا الرد غضب الرئيس وقتها المشير نميرى وكاد أن ينسف البرنامج كله ... وفي حلقة ثانية استضفت الراحل د. عون الشريف قاسم رئيس المجلس الاعلى للشؤون الدينية والاوقاف وقتها بعد حل الوزارة، وجلس في مقعد «لو كنت المسؤول» الاستاذ الجامعي د. خليفة بابكر الحسن والذي قال: ( لو كنت في مكان د. عون الشريف وقد توليت الوزارة لما قبلت بحلها وعملت على إعادتها)، ولقد أثارت هذه العبارة غضب الرئيس السابق واتصل هاتفياً بوزير الاعلام وقتها الصديق الوزير وصاحب المواقف القوية والناصعة د. اسماعيل الحاج موسي محتجاً وقال له كيف يتم السماح لمقدم برنامج أن يوجه انتقادات لقرارات رئيس الجمهورية .. وقد جادل د. اسماعيل الرئيس السابق نميري حول هذا الامر وأقنعه بان مثل هذه الحوارات والآراء الجريئة تخدم النظام ولا تهدمه، واستجاب الرئيس السابق على مضض لوجهة نظر د. اسماعيل الحاج موسى .. الى أن جاءت الحلقة الاخيرة (للبرنامج) والتي كتمت بعدها انفاسه للأبد بتوجيه مباشر من الرئيس السابق نميري أطال الله عمره .... حيث انتقلت يومها عام 1982 بكاميرا البرنامج لمباني مصلحة المخازن والمهمات وتحدث في الحلقة رئيس نقابة عمال المخازن والمهمات وقتها المرحوم حسن مصطفي القيادي الاتحادي البارز ورئيس الحزب الوطني الاتحادي والذي انتقل لجوار ربه خلال اليومين الماضيين بعد مسيرة عامرة بالعمل الديني والصوفي والنقابي والسياسي والتنفيذي الرفيع حيث تولى وزارة الشباب والرياضة بعد الانتفاضة في الحكومة الائتلافية بين حزبي الامة والاتحادي الديمقراطي حيث اختاره مولانا الميرغني لشغل المنصب الوزاري الرفيع.
وعلمت لاحقاً بعد ايقاف البرنامج ان الرئيس السابق نميري يكن كراهية خاصة لنقابة المخازن والمهمات ورئيسها حيث انها النقابة الوحيدة التي صوتت (بلا) للرئيس السابق في الاستفتاء على رئاسة الجمهورية وقتها.. ولقد تطوع البعض ظلماً وبهتاناً وغرضاً وصوروا للرئيس ان استضافتي للنقابة المشار إليها ورئيسها الغرض منه هو تحدي الرئيس والنظام والحكومة !!!! فأطيح بالبرنامج بلا ذنب جناه ولا قصد خطط له..
{ ومناسبة العودة لهذه الذكريات تعود لصميم موضوعنا، ففي إحدي حلقات البرنامج التلفزيوني السابق ( لو كنت المسؤول) استضفت الاستاذه الفاضلة نفيسة احمد الامين رئيسة اتحاد المرأة يومها وأمينة المرأة بالاتحاد الاشتراكي.. واجلست في كرسي (لو كنت المسؤول) .. الاستاذه الفاضلة والمستشارة القانونية بالنائب العام وقتها اسماء كريمة الراحل الاستاذ محمود محمد طه .. ولقد استعانت الاستاذه أسماء أثناء الحلقة باطروحات لوالدها الراحل محمود محمد طه .. وكنا نسجل البرنامج ونبثه اسبوعياً كل اثنين من الساعة الثامنة للتاسعة مساء ... وخصص عدد من الائمة بعدد من المساجد خطبة أول جمعة بعد تقديم الحلقة لشن هجوم عنيف على التلفزيون والبرنامج ومقدمه واتهمنا البعض بالزندقة والكفر ... وفي الحلقة التالية قلت في بدايتها: (نما لعلمنا ان عدداً من أئمة المساجد قد شنوا هجوماً عنيفاً على البرنامج ومقدمه لاستضافتنا للاستاذة اسماء محمود محمد طه والتي لم نستضيفها لتتحدث نيابة عن والدها ... وأقولها صريحة إن رمي الناس بتهم الكفر والزندقة ليس من الاسلام في شئ وان من أسهل الاشياء ان تكمم الافواه وتكتمها ولكنها حتماً ستنفجر في يوم ما وبطريقة أخرى وقد تكون عنيفة ودامية ومدمرة للجميع».
{ أعود وأقول أنني بعد أن طالعت هذا البيان وقبله عندما جلست مع مولانا احمد ابراهيم الطاهر رئيس المجلس الوطني والذي وجه إلينا انتقادات مهذبة لم نحس فيها باملاء أو ضغوط وانما محاولة للنقاش والاقناع حيث انتقد اهتمامنا في الصحيفة بنشر أخبار الحركات المسلحة بدارفور وأخيراً الانتقال للاهتمام بتجمع (كاد) بالخارج - تجمع لأبناء من كردفان بالخارج ... وقال لي أنه يلاحظ في بعض الاحيان اننا ننشر على لسان ناطقين بأسماء حركات مسلحة خارجة وتحمل السلاح ضد الوطن والقانون تصريحات حول انتصارات وهمية في الميدان ... وقال لي انهم لا يشككون في وطنيتنا ولكن نشر مثل هذه الاشياء تثير علامات استفهام ... وكذلك عندما تلقيت اتصالاً هاتفياً منتصف ليل نفس اليوم من استاذنا علي شمو حيث نقل لي ملاحظات مشابهة، وقال لي إن بعض الصحف ونحن من بينها نفتح مساحات غير مبررة لحركات متمردة وحاملة للسلاح وتحاول أن تمرر عبر الصحف تهديدات لإثارة الهلع والرعب في نفوس المواطنين ... أقول انني بعد مطالعتي للبيان ولقائى بالسيد رئيس المجلس الوطني والاتصال الهاتفي الذي تلقيته من الاستاذ شمو عدت بالذاكرة للوقائع التي سردتها حول برنامج (لو كنت المسؤول).
{ كما انني سردت قصة طريفة لمولانا احمد ابراهيم الطاهر تتعلق ايضاً بالموضوع حيث رويت لسيادته انني ذات يوم وبينما كنت أقود عربتي وبرفقتي ابنتي الكبرى الطالبة الجامعية بكلية الهندسة الكهربائية لاحظت من خلال (المرآة) ان هناك عربة تتبعني وتوقفت وترجلت من العربة واتجهت صوب سائقيها وهما اثنان من الشباب الملتحين .. وقاما بتحيتي بحرارة وقالا لي انهما تتبعاني لتقديم الشكر لي .. وقال لي احدهما «نحن من منتسبي الدفاع الشعبي وجاهدنا ضد قرنق وقواته بالجنوب ولم نكن نتصور في يوم من الايام ان أيادينا ستمتد اليه .. ولكنك يا أخ احمد البلال استطعت مشكوراً من خلال صحيفتك وبرنامجك (في الواجهه) - ولم أكن قد أوقفته بعد بناء على حيثيات وأسباب سردتها وهذا ملف أغلقته ولا أود أن أعود اليه ولكنني أحسست بالحزن والأسي وأنا أطالع تصريحات للأخ الكريم الاستاذ د. أمين حسن عمر رئيس الهيئة القومية للاذاعة والتلفزيون نشرت بصحيفتي ألوان والصحافة حيث قال في رده على سؤال حول أسباب توقف برنامج في الواجهة انهم يوقفوا البرنامج وانما اوقفه مقدمه بعد ان وصلته وشاية بان برنامجه سيوقف فاخطرمدير البرامج بانه سيوقفه ثم سافر وبعد ذلك جاءه رئيس قطاع التلفزيون واخطره بأنهم بسبب غيابي سيقدمون برنامجاً بديلاً وانهم لا يستطيعون الانتظار وأنه أي الاستاذ امين بارك خطوة مدير التلفزيون !!!!!!!.
{ ولقد اتصلت هاتفياً بالاستاذ امين حسن عمر واوضحت له إن هذه ليست هي الحقيقة وانني وبعد تجربة ثلاثين عاماً في تقديم البرامج التلفزيونية لا يمكن أن اكون بهذه السذاجة والسطحية وانني لمجرد وشاية وصلتني بأن هناك اتجاه لايقاف البرنامج قمت بايقافه، ولقد أكد لي الاستاذ أمين انه لم يقل هذه العبارة ووعدني بالاطلاع على الحوار لأنه ـ وعلى حسب قوله ـ لم يكن قد اطلع عليه !! وكما قلت فان هذا ملف قد أغلق ولكنني أعدت فتحه بمناسبة هذه التصريحات الصحفية غير الدقيقة للاستاذ د. أمين حسن عمر حول أسباب توقف البرنامج -.
{ وأعود بعد هذا لمحدثي من الدفاع الشعبي حيث قال لي: أقولها لك صادقاً يا أخ احمد البلال أننا من خلال تتبعنا للحلقات التي أفردتها عن قرنق وحاورت فيها قيادات الحركة اثناء وبعد المفاوضات وبعد التوقيع على الاتفاقية .. لقد ساهمت في تطبيع العلاقات بيننا وبين قرنق وحركته للدرجة التي كنت فيها أنا أحد أفراد حراسة وفد مقدمة الحركة الذي وصل للخرطوم قبل عودة قرنق .. لهذا حرصنا على أن نشكرك».
{ وايضاً اوضحت لمولانا احمد ابراهيم الطاهر رئيس المجلس الوطني اننا نلتزم في هذه الصحيفة بقانون الصحافة والقوانين الاخرى، وذكرت له ان الصديق العزيز .. الاستاذ الجامعي والكاتب الصحافي النابه د. عبداللطيف البوني والذي نفتخر اننا قدمناه للقراء عبر صحيفة (الاسبوع) ابان فترة الديمقراطية الثالثة .. زارني ذات يوم بعد صدور «اخبار اليوم» بعدة سنوات وكان بصدد تقديم محاضرة بمجلس الصحافة والمطبوعات وسألني يومها عن الاسباب في انتظام صدور «اخبار اليوم» وعدم ايقافها او توقفها أو إصدار أحكام قضائية ضدها وسر احتفاظها بعلاقات مميزة مع كافة القوي الحاكمة والمعارضة والمتمردة .. وقلت له يومها : «السر بسيط .. فاننا نحترم الجميع .. نتعامل مع الحكومة كحكومة .. ومع المعارضة كمعارضة ومع المعارضين الحاملين للسلاح نحاورهم من أجل اقناعهم بوضع السلاح .. ولا يعقل أن تطلب من شخص يحمل السلاح أن يضعه وتحرمه حتى من توصيل وجهة نظره للآخرين).
{ وقلت لمولانا احمد ابراهيم الطاهر ان قانون الصحافة والمطبوعات يلزمنا بالتعامل مع أخبار القوات المسلحة والنظامية عبر الناطقين باسمها وأننا لم يحدث قط أن نشرنا خبراً أو تصريحاً لحملة السلاح حول أمور عسكرية أو حربية أو ميدانية دون الرجوع لمكتب الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة .. حيث ننشر تصريحات حملة السلاح وتعليق مكتب الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة حولها.
{ وايضاً عندما تلقيت الاتصال الهاتفي الأول من الاستاذ شمو قلتله: اننا نعتز كثيراً بالثقة التي يوليها لنا قادة الحركات المسلحة بدارفور الموقعين والرافضين وهم الذين يبادرون بالاتصال بنا، ويشهد الله أننا نبذل مجهودات مكثفة وندير معهم حوارات مطولة حول ضرورة وضعهم للسلاح من أجل السودان وأهلهم بدارفور، ونقول لهم ان (النار ستحرق الجميع)، وقلت له انني سبق ان استضفت عبر الهاتف وعلى الهواء مباشرة عبر برنامج ( في الواجهة) ومن خلال التلفزيون الحكومي السيد مني اركو مناوي ولم يكن يفكر يومها مجرد التفكير في التوقيع على اتفاق أبوجا وتحدثت معه عبر الهاتف وقلت له : ( لا التاريخ ولا الشعب السوداني ولا أهل دارفور سيغفرون لكم العمليات التي تقومون بها ضد المواطنين الابرياء ونهب حافلات الركاب وأرجو ان توجه عبر هذا البرنامج رسالة لقواتك بالتوقف فوراً عن هذه الممارسات).
{ وماذا كانت النتيجة ؟! لقد توقفت بالفعل هذه العمليات بل ان السيد مني اركو مناوي الذي كان أبعد الحركات عن التوقيع قام بالتوقيع على اتفاق أبوجا ويجلس بيننا اليوم معززاً مكرماً كبيراً لمساعدي رئيس الجمهورية ورئيساً للسلطة الانتقالية بدارفور.
وايضاًًً كنت قد استضفت الاستاذ عبدالواحد محمد نور على الهواء مباشرة لمرتين وقدم اطروحات قوية واتسم حديثه الاول بالعنف والثاني بالموضوعية ولقد قلت في الحلقة الاولى التي استضفته فيها (لا يمكن أن نتوقع من رجل يحمل السلاح ضد الدولة عندما نعطيه المايكرفون ان يتحدث حديثاً ناعماً.. فبالتأكيد سيكون حديثه عنيفاً وربما جارحاً، وفي المرة الثانية سيكون ساخناً وفي الثالثة سيكون موضوعياً وهذا ما حدث بالفعل عندما استضفناه للمرة الثانية وليس الثالثة وعلى مدى ساعة ونصف وعلى الهواء مباشرة، وتشرفنا بتلقي اتصال هاتفي من السيد رئيس الجمهورية أشاد فيه باستضافة الاستاذ عبدالواحد وقلنا في الحلقة قبل الاخيرة للبرنامج ـ وتسبب قولنا للأسف في قرارنا بالإطاحة بالبرنامج كله ـ «ان إشادة السيد رئيس الجمهورية باستضافتنا لقائد حركة مسلحة تحمل السلاح ضد الحكومة ينم عن فهم عميق من السيد الرئيس ويساعد في حل هذه المشكلة».
{ وأثناء الاتصالات التي أتلقاها من قيادات الحركات المسلحة بدارفور استمع لكثير من الانتقادات والمرارات ويقول لي بعضهم أن البعض يتعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثالثة ويرى انهم لا قيمة لهم ولا يستحقون أن يتحدثوا عبر اجهزة الاعلام الحكومية والصحف، ويقولون إن مثل هذه الممارسات هي التي دفعتهم لحمل السلاح.
{ نقطة النظام : في ختام هذه السلسلة المطولة أود أن أقول : نعم نحن لا نؤيد نشر الرعب وسط المواطنين أو نشر التهديدات والتصريحات التي تساعد على الإخلال بالأمن وإشاعة الرعب وعدم الاستقرار كما ورد ببيان الامانة العامة لمجلس الصحافة والمطبوعات الصحفية ولكننا لا نتفق مع ما ذهب إليه المجلس فيما يلي:
« إيقاف نشر أخبار الحركات ونشاطاتها أو إجراء الحوار مع رموزها وقادتها السياسيين والميدانيين»، بل ان البيان نفسه قال «أن نعي ان غالبية هذه الحركات المسلحة لا قاعدة لها ولا سند لها .. اللهم إلا تلك الحركات المعروفة والتي يجري العمل على توحيدها واقناعها بالحوار والتفاوض»... وهنا نتساءل وفي ظل الانقسامات والانشطارات داخل هذه الحركات فما هي المرجعية لتحديد أوزانها وان هذه معروفة وتلك غير معروفة .. ونذكر بأن هناك احزاب كبيرة بالبلاد تمارس العمل السياسي العلني دون ان تسجل نفسها لدى مسجل الاحزاب، ونحن مقبلون على انتخابات بعد عامين ستكون هي الفيصل في تحديد الاوزان الجماهيرية. وفي نظرنا ان هذه الانتخابات يمكن ان تشكل المخرج لازمة البلاد الحالية اذا اتجهنا نحو اللعب السياسي النظيف وجمع الصفوف واقناع حملة السلاح مهما كان حجمهم ووزنهم بوضع السلاح، وقد قال لي الصديق السيد مالك عقار الذي بدأت علاقتي معه متوترة بأديس ابابا عام 1998م أثناء المفاوضات وكدنا ان نتشابك بالايدي وانتهت بتناول الغداء معاً وتبادل الآراء والذكريات قبل عدة أشهر عندما رافقنا السيد رئيس الجمهورية في زيارته لطرابلس لحضور القمة الليبية السودانية الاريترية التشادية .. هو كعضو بالوفد الوزاري وأنا كعضو بالوفد الاعلامي المرافق .. قال لي السيد عقار يومها قبل التوقيع على اتفاق نيفاشا (خمسة اشخاص فقط ومعهم 5 قنابل قرنيت يمكن ان يروعوا وطناً كاملاً .. وهذه هي حرب العصابات) .. ونقول في الختام يشهد الله اننا كنا نتلقى اتصالات من قيادات الحركات المسلحة ونحاورهم من أجل وضع السلاح ونقنعهم بابعاد الكثير من التهديدات وان يفرقوا بين الحصول على الحقوق وتدمير الوطن كله ونقول ان هذا الحظر وبهذه الصورة المعممة يعمَّق الجراح ويزيد المشكلة المعقدة اصلاً تعقيداً.

http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=8260
_

Post: #493
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 11:12 PM
Parent: #1


اراء السبت
أرسلت في 5-4-1428 هـ من
عمر محمد الطيب وقفات عند شهادته للتاريخ ..!

عمر الطيب كان مع الانتفاضة بقلبه وفعله ولكنه دفع ثمنها «جرجرة» «وسجناً» ..
رسالته للنميري عبر السفارة الامريكية بالخرطوم كانت فيها اكثر من علامة استفهام ..!
موسي يعقوب
كنت قد تناولت الاسبوع الماضي في المشهد السياسي «اشياء في الذاكرة» وقد حلّت علينا الذكرى الثانية والعشرون لانتفاضة (رجب ـ ابريل 1985) وكانت النقطة المركزية في ما ذكرت هي الاسفين الذي ضربه السيد النائب الاول ومدير جهاز المخابرات في النظام الذي لم تكن الكرة في ميدانه بقادرة على ان تتحرك او تتدحرج . واعني 0بالاسفين) فك الارتباط والصلة بين الحركة الاسلامية والنظام الحاكم. وهو ما خطط له السيد الفريق عمر الطيب ومرره على النميري. ولم يكن ذلك الامر الوحيد بطبيعة الحال في ما انتهى اليه حال النظام الحاكم ولكنه كان ومن كل وجه نظرنا اليه . عايرناه او قسناه هو القشة التي قصمت ظهر البعير . ذلك انها اي الحركة الاسلامية ومنذ المصالحة في 7 يوليو ـ تموز 1977 كانت على وفاق ودعم للنظام المايوي رغم المشاكسات التي كانت تجري تحت عنوان (الصراع بين القادمين والقدامى..) اي ثماني سنوات او اكثر من يوليو )1977 ـ ابريل 1985) ورغم ما طرأ من احداث ومستجدات كان النظام صامدا ويتمتع (بورقة تأمين) غير رسمية حتى كان ما كان في 9 مارس ـ آذار 1985 من اعتقال لعناصر الحركة الاسلامية وقياداتها مما نقلها من حالة (الموالاة) الى حالة (الخصومة) .
الغرب ـ اوروبا بقيادة الولايات المتحدة الامريكية ـ كماهو معلوم دخل على الخط المايوي بعد انقلاب يوليو ـ تموز 1971 الذي تبعه رفع الغطاء السوفيتي يومذاك عنه ومن ثم وبالضرورة دعم اليسار الماركسي تحديدا .. وفي اطار الجائزة على ذلك واعطاء نظام النميري شارة القبول كانت بعض الامور والعلامات الدالة التي منها:
{ اتفاق اديس ابابا للسلام 1972 والذي استمره الايحابي لمدة عشر سنوات تلت اي حتى قيام الحركة الشعبية SPLM والجيش الشعبي SPLA في مايو 1983.
{ انفتاح الغرب ومؤسساته المالية على النظام حتى اعلان ماعرف بقوانين سبتمبر ـ 1983 وهي قوانين الشريعة الاسلامية ثم اعدام صاحب ومؤسس الفكر الجمهوري محمود محمد طه.
لقد اعترف السيد النائب الاول السابق في الحوارات الصحفية التي اجرتها معه الزميلة الوطن بانه:
اولا: كان على وفاق ومودة وتفاهم تام مع«بوش» نائب الرئيس الامريكي السابق - ريجان ـ الذي زار البلاد اكثر من مرة.
ثانيا: لم يكن موافقا على تطبيق قوانين الشريعة الاسلامية واعدام زعيم الفكر الجمهوري وان كان قد قبل ذلك على مضض.
وعلاوة على ذلك فقد كان الرجل يعتقد ان (الترابي وجماعته) هما السبب وراء ذلك كله ، غير ان ما لم يقله عمر الطيب في ما دعاه حديث الشفافية ـ كما هو معروف وكان يقول البعض ـ هو ان التوجه الاسلامي لدى النميري بدأ قبل المصالحة الوطنية او في 1976 بما عرف واشتهر وقتها بـ (اعلان القيادة الرشيدة) الذي حرم فيه على القيادات في نظامه تعاطي الخمر والرذائل بشكل عام.
امر اخر هو ـ كما يقول البعض ـ ان السيد النائب الاول السابق كانت له (ضغينة) مع الجماعة التي يتهم بعض عناصرها بانها نقلت للنميري انه يتآمر عليه ويعتقد ان دوره قد انتهى و(اهل الله) نعم هكذا يرشحونه للخلافة .. اي خلافة النميري.. وعليه كان قد طلب بالحاح تغيير الصورة لدى نميري بترتيبات بعينها وكان عمر قد اتخذها في حينها قائلا لمن كان جزءً من تلك الترتيبات انه سيرسل قيادات الجماعة وزعيمها الترابي الى المنافي في (شالا) في دارفور وغيرها على نحو ما حدث في 9 مارس 1985 بالتفصيل ..!
هذاوغيره من افادات السيد النائب الاول السابق ومما علق في الذاكرة من معلومات ووقائع نفهم ان النظام المايوي في سنواته الاخيرة كان مخلخلا ومتجاذباً من داخله وكانت للجهات الاجنبية ـ الادارة الامريكية يومئذ تحديدا ـ رغبة وعمل من اجل ان يطاح بذلك النظام كما كانت له ايضا اخطاؤه التي اعانت على الانتفاضة عليه كعملية تهجير الفلاشا الى اسرائيل والتي كان السيد عمر الطيب وجهازه جزءا منها.
لقد رتب السيد النائب الاول السابق للانتفاضة بكل ما هو متاح لديه رغم ما ذكر من انه كان قد بعث عبر السفير الامريكي في الخرطوم برسالة الى الرئيس نميري في واشنطن يستعجله العودة للوطن لان الوضع في تدهور ..!
وهنا ايضا تخطر بالبال والخاطر بعض الاسئلة وعلامات الاستفهام وقد ندب الدكتور عمر الطيب نفسه لحديث الشفافية والصراحة مع الاستاذ عادل سيد احمد على مدى خمس او ست حلقات.
{ والسؤال الاول هو : هل كانت واشنطن راغبة فعلا في عودة النميري ليمارس دوره في الحكم وهي التي كانت لها تحفظاتها الكبيرة على النظام مؤخرا وبشهادة عمر الطيب نفسه ولدرجة تشاورت فيها مع اخرين على البديل ؟!
{ والسؤال الثاني : لماذا عبر سفارة واشنطن في الخرطوم وليس سفارة الخرطوم في واشنطن مباشرة ومع الرئيس في بيت شقيق حرمه وهو السفير عمر صالح عيسى .. ونحن نعلم ان السيد عمر الطيب وقتذاك هو رئيس الدولة بالانابة ورئيس اهم الاجهزة فيها وهو جهاز الامن القومي ؟!
هناك احتمالان في هذا المقام لا ثالث لهما ـ والله اعلم :
الاول : ان السيد النائب الاول يومئذ لم يكن جادا في عودة النميري ليستمر نظامه شأنه شأن صديقه بوش.
االثاني : كان مترددا ازاء استلام السلطة لتبديل الاحوال على نحو ما يشتهي او من ناحية اخرى لم يكن جادا في الامر كما لم تكن له حسابات صحيحة حتى وجد نفسه وحيدا في كوبر ثم متهما ومدانا بعد ذلك فسجينا لسنوات .. كما حدث بالفعل.
وامر ثالث في هذا المقام هو ان الذي بين النميري وعمر في الفترة الاخيرة لم يكن على ما يرام بحيث يفكرالاخير في انقاذ الاول ونظامه وهو بعيد عن البلاد. فالنميري كانت قد تواترت اليه الاشارات من هنا وهناك ان السيد النائب الاول ـ عمر الطيب وصديقه النائب الامريكي بوش (الاب) لابد من الاحتراز والتحوط منهما . ذلك ان كلا منهما بدرجة طامع او متآمر ..!
وذلك ما وجدناه في المشهد السياسي الاسبوع الماضي بشهادة من الراحل محمد محجوب سليمان المستشار الصحفي للرئيس الاسبق والذي ذكرها وبالحرف الواحد «ان مسؤولا اول في قطر مجاور كان في زيارة لواشنطن استدعى النميري لساعات وهو يعلم انه سيتوجه بعد ايام الى واشنطن وقال له : لا تذهب الى هناك قبل ان ترتب ااوضاعك ـ فوراء الاكمة ما وراءها..!»
وهنا يجد المراقب ان النميري قبل سفره الاخير الى واشنطن كان قداتخذ بعض القرارات والتعديلات في دست الرئاسة والغرض منها كلها هو (قصقصة) سلطات وصلاحيات السيد النائب الاول ورئيس جهازالامن السيد عمر الطيب حيث انه :
(1) اضاف الى نائبي الرئيس عمر الطيب ولاقو اخر هو الراحل الرشيد الطاهر بكر قد كان سياسيا وقانونيا من الدرجة الاولى
(2) عين الفريق سوار الذهب وزيرا للدفاع بصلاحيات اوسع وضعت تحته الاجهزة النظامية وان لم يكن ذلك مباشرة.
النميري والامر هكذا .. وضع نائبه الاول بين (قوسين) اومزدوجين ـ ان جاز التعبير فقد احاطه سياسيا بشخصية سياسية مقتدرة وواصلة وامنيا وعسكريا بشخصية هي وبكل المعايير محل ثقة لدى النميري كما كانت محل ثقة وامانة بعد ذلك .
هذه وقفات مع الذكرى الثانية والعشرين لانتفاضة السادس من ابريل ـ رجب 1985م نحسب انها مفيدة لمن اراد ان يتوسع في الموضوع ويضعه على ميزان البحث والتدقيق في حدث هو بكل الاحجام والاوزان حدث يستحق الوقوف عنده ولاسيما بعد ان اخذت بعض الشهادات تجد طريقها الى اعمدة الصحف وان كان المطلوب ان يكون ذلك محل مذكرات ووثائق معتمدة يرجع اليها الباحثون والدارسون وقد اوشكت المناسبة على بلوغ الـ 25 عاما حيث يجوز في بعض البلاد للمسئولين بالبوح بما لديهم بعد مراجعته والتأكد على عدم تأثيره على الامن القومي والمصلحة العامة حيث من حسنات ذلك بروز وجهة النظر ووجهة النظر الاخرى في الموضوع المعين.
ومن هذه الزاوية (زاوية الرأي والرأي الاخر) يتوازن القارئ ويقي نفسه شر الوقوع في اخطاء واغلاط تمر نتيجة اخذ الامور على علاتها. فاذا كان المسئول السياسي الامريكي هنا في الخرطوم وعلى شرفة عمارة ابو العلا الجديدة قد قرأ الموقف وختمه بقوله GAME IS OVER كيف به او برئيسه السفير تسليم رسالة ترى ان وصول النميري للخرطوم سيكون فيه احياءا للعبة التي ماتت وانتهت ..!

http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=7570
_____

Post: #494
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 11:17 PM
Parent: #1


السياسى اليومى
أرسلت في 30-3-1428 هـ من قِبَل webmaster


( اخبار اليوم ) ترصد الندو المثير للحرك الشعبي لتحرير السودان بجامع الخرطوم
الامين العام للحركــة والمسئول السياسي لقطاع الشمال خاطبا الندوة وباقان وجه انتقادات حادة لنظام الحكم واتفاقية السلام مساومة بين الطرفين
باقان اموم : خياراتنا في الانتخابات القادمة واضحة ونفضل ان نخوضها لوحدنا ولتحقيق الوحدة لابد من التحرر من الماضي
حاربنا انفسنا و5 ملايين مواطن ضحايا الحروبات الاهلية ويجب الا نحمل الدولة اكثر من مسئولياتها الاتفاق وحق تقرير المصير تطور طبيعي للفدرالية
ياسر جعفر : الانتخابات كارثة وكل اجراءاتها التي تتم غير نزيهة وربط الخيارالسياسي بملء البطون فضيحة
رصد: محمد الحلو
نظم طلاب الجبهة الوطنية الافريقية بجامعة الخرطوم أحد روافد الحركة الشعبية لتحرير السودان ندوة سياسية كبرى بالميدان الغربي للجامعة مساء امس الاول بعنوان دور الطلاب في عملية التحول الديمقراطي تحدث فيها الامين العام للحركة باقان اموم اكيج والسكرتير السياسي والتنظيمي لقطاع الشمال بالحركة الشعبية ياسر جعفر قامت «اخبار اليوم» برصد الندوة المثيرة التي حدد فيها اموم خيارات الحركة لخوض الانتخابات القادمة التي لم يستبعد فيها التحالفات
الى مضابط الندوة
حيّا السكرتير السياسي والتظيمي للحركة الشعبية بقطاع الشمال ياسر جعفر حضور الندوة وعلى رأسهم الامين العام للحركة الشعبية الرفيق باقان اموم اكيج المناضل العظيم واحد صناع السلام في الدولة السودانية الجديدة .. في الحقيقة عنوان الندوة كبير ومؤثر ونحن لابد ان ناخذ القضية السودانية ككل وليس كجزئيات .. وان الحركة الطلابية هي احد الشرائح المؤثرة في عملية التحول الديمقراطي .. ونحن لانريد ان ناخذها في اطار العملية الانتخابية فقط لان الجامعة مؤسسة يقع على عاتقها الانتاج الفكري والسياسي للمجتمع وانسان قادر على تحمل المسئوليات على المستوى الشخصي والوطني وان جامعة الخرطوم احدى روافد الحركة الوطنية السودانية وقدمت الكثير من التضحيات والشهداء في سبيل التغيير ورفاهية الشعب السوداني وسياسياً اسهمت في بناء الدولة الحديثة .. بالنسبة لنا في فكر الحركة الشعبية التحول الديمقراطي ليس عملية شكلية هي عملية اعادة صياغة وبناء النسيج الاجتماعي السوداني ولابد من عقد اجتماعي جديد لان العقد القديم كان مسئولية القوى السياسية في الفترة التي ادت التراكمات للاخطاء بان البلد تمر بحالات تمرد وحروب والنسيج الاجتماعي يومياً يتمزق التحول الديمقراطي عندنا لابد ان نعترف بالتنوع والتعدد الثقافي والديني والاثني اللغوي ... الخ،، والطلاب كشريحة مستنيرة متعلمة تستطيع تحلل وتدرس وتقارن وتفهم وهي احدى الشرائح الاساسية التي يمكن ان تقود التحول على المستو الفكري وعلى مستوى الممارسة السياسية والاجتماعية لترمم وتعيد انتاج وبناء النسيج الاجتماعي السوداني .. وقبل ان ندخل في قضية التحول الديمقراطي لابد ان نتحدث عن الطالب السوداني فنجد ان همومه اصبحت عبر الانظمة المتعاقبة على البلاد حصرت هموم الطالب في السكن والاعاشة نسبة لمركزية التعليم التي ادت الى المشكلة وعندما يأتي الطالب الى المركز يكون«دايش» لقضية السكن والاعاشة والدراسة نفسها تدريجيا الطالب ينعزل من مجتمعه وجامعة الخرطوم كانت من الصروح المؤثرة في التاريخ السياسي السوداني ولكن في الاونة الاخيرة نجد ان المستوى لاداء الطالب ومشاركته اصبحت ضعيفة وان الذين يحاولوا تغيير هذا الوضع يتعرض لقمع وبطش شديد وان جامعة الخرطوم قدمت اعداد كبيرة من الشهداء من اجل مقاومة قمع الطلاب وحظر النشاط الطلابي ونحن نحيهم في هذا المكان .. وهنالك قوانين ثورة التعليم العالي التي اتت في 1991م وصندوق دعم الطلاب الذي يصفه الطلاب بانه طلاب دعم الصندوق وهذه التفاصيل اسهمت اسهام مباشر لعدم مقدرة الطلاب باداء دورهم المنشود والانظمة التي تعاقبت على السودان كلها كانت قاصدة تغييب دور الطلاب في عملية التغيير والحركة الطلابية لها ارثها ونضالاتها وتاريخها وتجاربها وانها قادرة في كل مرة تخلق معجزات .. بالنسبة لنا نحن نتحدث في هذه الامسية في الجامعة الانتخابات قادمة والناس في بالها من الذي يفوز ومن لايفوز .. القضية في حد ذاتها ووضع السودان اليوم اكبر من الفوز بالانتخابات القادمة بالنسبة في الحركة الشعبية
السودان في مفترق طرق
وقال ياسر جعفر ان السودان الان في مفترق طرق وانفاذ اتفاق السلام واحد من الركائز الاساسية التي تجعل البلد في حالة استقرار وتطور وعدم انفاذ الاتفاق يمكن ان يؤدي الى التشتيت والتشرزم والتفكيك وتمزيق البلد ونسيجها الاجتماعي لذلك وقوف الحركة الطلابية بطريقة صلبة من اجل انفاذ اتفاق السلام هو واحد من القضايا الاساسية المفروض تكون احد هموم الحركة الطلابية باعتبار انه ليس المصير الانتخابي والقضايا الطلابية الضيقة فقط بل ان القضية للبلد ان تكون اولا تكون وهي مربوطة بانفاذ الاتفاق في المرحلة القادمة وواضح انه اذا استمرت سياسة القمع والبطش وعزل الحركة الطلابية وعزل قطاعات اخرى مثل النقابات وغيرها والقوى السياسية واجهزة الامن او غيره وهذا التراكم يؤدي الى اي انسان يشق طريقه للدفاع بها عن وجهة نظره التي في النهاية تؤدي كمحصلة لان يكون الوضع دون استقرار وتعليم وتنمية .. بالنسبة لنا في الحركة الشعبية نحاول أن نتحدث عن التحول الديمقراطي في اطار محدد البيئة الجامعية لابد ان تكون هنالك تهيئة للبيئة الجامعية على مستويات مختلفة اكاديمية لابد من وجود معامل واساتذة ومراجع متوفرة واذا لم توجد لن تكون هنالك بيئة جامعية والطالب لن يستطيع المساهمة بطريقة فعالة ويفضل لاهث وراء انه يرجع الى أن يجد معمل لاجراء تجاربه .. ولازم يكون الاساتذة مستقلين علميا .. وفي هذه الايام استاذ الجامعة عندما يريد العمل لابد ان يكون لديه ولاء سياسي لجهة معينة بالاضافة الى ان الاستاذ الذي ياتي بهدف سياسي لا يستطيع تقديم الاخرين ونجد الذي يفرضه تنظيم سياسي لادارة الجامعة يمكن يكون غير مؤهل فنيا ولا اكاديميا وفي نفس الوقت يتعامل مع الشرائح الطلابية بنفس الطريقة التي ادت بها الى الجامعة وبالتالي تجد طلاب كثيرين يقولوا والله هذا الزميل مستواه جيد ومن المفروض يمشي للمساتر ولكن الاستاذ وضع امامه المتاريس وهذه البيئة لن تترك الحياة الاكاديمية في الجامعة تستقر وتذهب بطريقة جيدة بالاضافة لتهيئة البحث العلمي لابد من حريتها والعالم باثره يتطور نتيجة للبحث العلمي اكاديمي مستقل بغض النظر عن القوى السياسية الجالسة على جهاز السلطة التي تحكم وجهة نظرها في الحياة شنو هذا ليس بالمهم ولكن المهم استقلالية البحث العلمي المربوط بفرص تفوقك الاكاديمي وليس لاسباب سياسية حتى لا تحجم القدرات التي يمكن ان تساهم بايجابية في تطور الحياة العلمية والاكاديمية والجانب الاخر تهيئة البيئة الثقافية بتشجيع قيام الجمعيات الثقافية والنشاط السياسي والاكاديمي واذا هنالك جامعة لاتوجد بها بيئة سياسية ديمقراطية حية بالتالي تجد كل الطلاب اكاديميين ومساهمتهم في رفع الوعي داخل الجامعة ضعيفة وعندما يتخرجوا من الجامعة يصبحوا موظفين الواحد يكون مثل « الحمار او الخروف» من المكتب الى المنزل وبالعكس ولن يكون لديه اي دور اجتماعي او سياسي وبالتالي هذا يساهم في ان الهيمنة والشمولية والبطش من الاقليات يستمر ويتواصل وان تهيئة البيئة الجامعية للعمل السياسي الحر الديمقراطي ولابد من ممارسة الحق في التعبير عن وجهة النظر بطريقة ديمقراطية دون التحدث في ركن نقاش وترى ان الاقتصاد ينبغي ان يذهب وفقاً لهذه الطريقة وعندها يظهر السيخ والسكاكين والضرب وعدم الاستقرار بالجامعة والقمع لعدم تحمل وجهة نظر الاخر وكل القوى السياسية تطور برامجها السياسية بقبول وجهة النظر الاخرى واذا حظرت الحركة الطلابية لكي لا تمارس نشاطها بطريقة ديمقراطية وتعبر عن وجهة نظرها بالتالي انت بتخرج للمجتمع انسان ضعيف ليس لديه الثقة في نفسه لان الجامعات والصروح العلمية هي مراكز لبناء الشخصية الوطنية واذا لم تكن هنالك حرية وديمقراطية لم يكن هنالك ابداع ودون ابداع انك تخرج طالب ضعيف ومنهزم محبط سيؤدي الوظيفة والتخصص بطريقة ميكانيكية بالتالي هذا يساهم في القمع وان الذين يبطشون الاخرين من اجل الحكم بتكميم الافواه وهذا يؤدي لعدم الاستقرار لان الظلم مهما طال ليله في النهاية سيأتي الصبح وستظهر عندها اشياء كثيرة سوف تتضح وناس كثيرين سيقوموا جارين بالنهار ..ومالم تكون هناك بيئة سياسية ديمقراطية معافى في الجامعة
الانتخابات كارثة
وقال السكرتير السياسي والتنظيمي ان الانتخابات طبعاً هذه كارثة كل الانتخابات التي تتم في السودان غير نزيهة ويقصد وببيع وشراء تبدأ من العشاءات والباسطة باللبن انتهاء بالاصوات المشتراه بالقروش وفي ظل هذه الظروف انك لن تبني مواطن سوداني حر لانك تربط الخيار السياسي بالبطن وهذا بالنسبة للطالب الجامعي تكون فضيحة ويمكن ان يبيع قضيته الوطنية والسياسية لانه محتاج لياكل او يشرب ولابد من قانون انتخابات نزيهة واللجنة الانتخابية تكون نزيهة المراقبة تكون محايدة ودون ذلك لن نحصل على عمل سياسي بالجامعة حقيقي وهنالك كثيرين يمكن تقودهم قضاياهم الى ان لا يختاروا الحركة وهذا موقف سياسي ويمكن ان تكون محايد لاتذهب الى الانتخابات ولكن مش ان صاحبك اوقريبك اوانسان اعطاك حاجة معينة تجعلك تذهب للتصويت ولابد ان نكون لدينا الحق في اتخاذ القرار السليم التطور السياسي في السودان من قبل الاستقلال هنالك كثيرين رهنوا قضاياهم لعلاقات سواء كانت علاقات بيع وشراء او قرابة او علاقات دينية وان القرارات السياسية التي اتخذت يظل اطفال السودان على طول السنوات يعانوا منها.
{ الفيدرالية .. حق تقرير المصير
وقال جعفر ان حق تقرير المصير تطور طبيعي للفيدراليه التي طالب بها النواب الجنوبيين قبل الاستقلال بعد 50 سنه وصلت الى ذلك بسبب سوء الممارسة السياسية وان وحدة البلد والتراب لابد ان تأتي بالاعتراف باتخاذ القرار السليم واذا لم يتم ذلك يجب عدم التباكي على اشياء لم تبذل مجهود من اجلها على مستوى الجامعة لابد من الالتزام بقبول الاخر ،، ولابد من الاحتفاظ باستقلالية الجامعة لانها صروح للتعليم وبناء الشخصية الوطنية وكل قيادات القوى السياسية تخرجت من الجامعات والمعاهد العليا السودانية ماعدا فئة قليلة مرتبطة بالنقابات العمالية اوالمزارعين وكان لديها اسهاماتها ايضا ولكن معظم الناس الحاكمين والمعارضين ابناء هذه الجامعات واذا كانت نتيجة الجامعات جيدة لما وصلت الازمة السودانية لما وصلت اليه الان والنار مولعة في كل ركن من اركان البلد واذا كانت نتيجة الممارسة السياسية في الدولة كانت جيدة ستجعل المستقبل مشرق وبدلا من الحرب والتمرد والانفصال الوحدة تجعلهم يتحدثون عن التنمية والتطور وغيره وان الجامعات لابد ان تكون صروح مستقلة ولا يمكن ان تكون حزب سياسي في السلطة وتأتي الجامعة لتفرض هيمنتك وتستغل الامكانيات للدولة التي من المفترض ان تخدم بها الجميع لتهيمن بها على الجامعات والمعاهد العليا تفرض سياستك فكل هذه الممارسات تؤدي لخلق شخصية ضعيفة في الممارسة السياسية في النهاية يكون هنالك الم وجوع وفقر وكل هذا يأتي من هنا ومن المفترض للحركة الطلابية ان تكون غايه في التحول الديمقراطي وتقرأ الواقع بطريقة صحيحة وليس شرطا من الذين يأتي عبر الانتخابات ولكن الشرط ان تعرف اين مصلحة البلد وتعمل حاجاتك كلها وتربطها وترهنا بهذه المصلحة واذا كنت غير مؤمن بكلام لا تعمله وان قصة الارتباط السياسي تذهب مع بعض هنالك من يستخدم اموال الدولة في الجامعة وهنالك من يستعمل الشرطة والامن والبوليس لفرض الحظر على الاخرين وان ستكون رهين لهذا الوضع الافضل ان تعيش /جيعان/ وتضع صوتك صاح ،، لان التراكم للممارسة السياسية الصحية سيؤدي لبلد ديمقراطي وان التطور الاجتماعي والاقتصادي في السودان مشوه لم يتم بالطريقة الصحيحة بالتالي نحن محتاجين لنقاوم ذلك ونتجاوز تجارب الاخرين ولابد ان نذهب بخطوات صحيحة ولا يمكن سنويا نفس الممارسة السياسية تكون موجودة طبعا الطالب الذي مكث سنوات بالجامعة وحضر 4 أو 5 دفعات في الجامعة ماذا استفاد من الممارسة السياسية.
{ التحول الديمقراطي والعنف الطلابي
واضاف جعفر ان التحول الديمقراطي والعنف الطلابي نجد اناس معينين بدأوا العنف داخل الحركة الطلابية لا يستحملوا النور وعندما تقول لهم انتم مخطئين يقولون انت كفرت بالمسلمات حقته وليس لديه منطق لمناقشتك ويرجع للعصايا ومن المفترض الا تبدأ من هنا وسوف تذهب الى مكان غير جيد وان العنف سكة لا تسود وتقود الى تطور ولا يمكن لعمل ديمقراطي يتم في ظروف عنف وقمع على مستوى الدوله اوالقوى السياسية لماذا انت تأخذ سيخ وسكين وتضرب انسان وتمزق صحيفته يعني انك لاتملك الثقة في قوةالمنطقة لوجهة نظرك في ظل هذه الظروف لا يمكن توفر الاستقرار الاكاديمي وفي النهاية المستفيد الذي لا يستطيع المدافعة عن وجهة نظره لذلك اذا جاءالتحالف في اتحاد الجامعة ولم يستطع ان يحل مشكلة السكن ولكن لا يمكن ان تأتي بفكر رجعي في النهاية يوميا يتسبب لك في كارثة الى ان يتعلم ان الكلام الذي يحدث غير صحيح وهنالك اناس ماسكين في ضرع البقرة منذ الصغر ولااتفاق سلام في النهاية استطاع ان يفك ذلك ولابد ان يتبع معاهم سياسة التإنسان رخيص والضرب الخفيف حتى في النهاية يكون هنالك اقناع لفك الضرع لغيره من التوأم القادم الجديد ونقول لكم انتم عليكم ممارسة الخيار اليمقراطي وهنالك اناس كثر يقومون بتزويج بناتهم لرجل تعبان وفقير وذاا قيم ويمكن للبنت السمحة ان يتزوج رجل غني لكنه يذلها ويبطش وتتعب معه ويمكن تكون متزوجة من رجل فقير ويعاملها بلطف ولين وانا اتمنى منك ان تزوجوا بنتكم السمحة تزوجوها لناس تعبانين وأن الممارسة السياسية هي تراكم على مستوى جامعة الخرطوم وامدرمان والفرع وكسلا وغيرها وفي النهاية هي تقود الى وحدة حركة طلابية ديمقراطية تساهم للتغيير والعمل الديمقراطي لكن اذاكان الوحده الطلابية مفككة ومبعثرة ستكون عاجزة لممارسة اي دوروكل الانظمة الشمولية تريد للحركة الطلابية ان تظل مفككة ولا تمارس ادوارها السابقة من كلية غردون التذكارية مروراً 1964م وكل الانتفاضات التي قامت .. وانا بتذكر عام 1984م اتحاد جامعة الخرطوم للتحالف الذي قاد الانتفاضة وساهم في عدم عودة نميري للسودان مرة اخرى وانا متأكد ان الحركة الطلابية اذا ظلت في نفس ممارستها الديمقراطية تستطيع المساهمة مع النقابات والقوى السياسية الاخرى في احداث التغيير البلد في حالة برميل بارود اذا الاتفاق تنفذ اهلا وسهلا والا فان الجنوب سينفصل ومعه الغرب والشرق وهذه الانفجارات لا تستطيع العربات ولا الدبابات ايقافها لذلك اذااردناالاستقرارلابد من التحول الديمقراطي واي زول يصبر على وجهة نظره وثقافته والحديث عن الديمقراطية كثير وان الوقت لن يسمح لنا بالمواصلة وانا بختم كلامي هنا واقدم لكم احد صناع السلام واحد قادة الحرب الكمندر باقان أموم.
أحد قيادات الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان له اسهامات وطنية وسياسية ضخمة على المستوى المحلي والعالمي.
ü قائد الحرب وصانع السلام
الأمين العام للحركة الشعبية باقان اموم اكيج قال في البدء احب اشكر الاخوة والاخوات الرفقاء والرفيقات من الجبهة الوطنية الافريقية a.n.f لدعوتهم لنا لجامعة الخرطوم واعادوا لنا ذكريات واجواء طالت الفترة عندما كنت في هذا الميدان يوم 10/2/1982م وكانت آنذاك تنتظم مظاهرة ضخمة ضد ديكتاتورية المشير جعفر النميري في اليوم الثاني خرجت من الجامعة ولم أعد اتخذت قراراً بعد ان كنت طالبا بكلية القانون وتمردت على القانون القائم وتماديت في التمرد الى ان وقعنا الاتفاقية للسلام التي على أساسها فرض نظام دستوري جديد وقانون اساسي بالبلاد واتاح الفرص لنا ولكم لامكانية التحدث بحرية في هذا المساء ، فاشكركم لاتاحة الفرصة للرجوع للخلف وتذكر الأيام الماضية وفي نفس الوقت نشارك في أحلامنا المشتركة حول غدٍ مشرق لبلدنا ولندوة دور الطلاب في عملية التحول الديمقراطي وانا كنت طالبا في كلية القانون وهل شاركت في قضية التحول أم لا منذ عام 1982م أعتبر نضالي كطالب ينصب في دور الطالب لتحقيق التحول الديمقراطي وكان هنالك عشرات الالاف من الطلاب بطول تاريخ السودان ساهموا في النضال لتأكيد مستقبل مشرق للبلاد سواء كان هذا الطالب في الكلية الحربية سنة 1924م تحت قيادة عبدالفضيل الماظ او طالب جامعة الخرطوم في مقدمتهم القرشي سنة 1964م التي قادت الى ثورة اكتوبر او طلاب انتفاضة مارس ابريل وآخرين من الطلاب قيادات اتحاد الطلاب خاصة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم الذي قاد السودان في فترات مختلفة 1967 - 1968م سواء كان الأستاذ علي عثمان محمد طه أوالأستاذ ادور لينو او المرحوم الخاتم عدلان وآخرين وبالتالي نؤكد ان الطلاب كانوا الشريحة التي تجلس في المقدمة لنضال الشعب لتحقيق الديمقراطية في كل الفترة السابقة . واريد ان اؤكد ان السودان في مفترق الطرق وهذا فعلاً حقيقة ونستعير كلمة شكسبير في ان يكون او لا يكون وقبل كل شىء بين الماضي والمستقبل.
ü الفشل والنجاح
وقال أموم ان السودان الآن بين الفشل والانهيار والنهضة بين التطرف والاحادية .. بين التسامح والانفتاح .. وبين الكبت والحرية بين الشمولية والديكتاتورية من جهة والديمقراطية والانفتاح من جهة اخرى .. بين الاحادية وفرضها والاحتفال بالتعددية .. نحن كبلد ينبغي ان نساهم في دور الطالب في عملية التحول الديمقراطي كنت افكر من اين اساهم وابدأ الموضوع طويل .. فقررت اشارك معكم قصة السودان .. ليس بطريقة علمية بحثية ولكن بطريقة بسيطة طريقة أهلنا السودانيين .. وحقيقة قصة السودان يمكن ندمجها في عنوان صغير ذي مدلول كبير هي قصة ادمان الفشل كما قال عنها الدكتور منصور خالد وليس النخبة لادمان الفشل بل السودان ككل وصحيح ان المسؤولية الكبرى ويمكن جلها يتحملها الصفوة والمجموعات التي حكمت البلاد بعد خروج الاستعمار لكن من جانب آخر نحن كلنا سودانيين وانا ادري ان الاجواء مشحونة بالحزبية ولازم ان لا نلوم طرف معين .. اريد ان اشارك واقول من المفترض نأخذ لحظات بسيطة كلنا نتحمل مسؤولية مشتركة او على الاقل نتحمل الهم السوداني ولا نوجه أصابع الاتهام لجهة معينة ونتأمل الواقع الذي نعيشه يا اخواني واخواتي في الوطن ونضع شرطة تحت الوطن نحن كسودانيين فشلنا في الامتحان الاول وعلى الاجابة في الاولى عام 1956م .. الانجليز وضعوا الحدود بين مصر والسودان .. وفي الشرق حتى البحر الاحمر .. وحدود مع الايطاليين كانوا في اثيوبيا .. وذهب مجموعة من الضباط في المستعمرة الانجليزية في شرق افريقيا والحكم الثنائي الانجليزي المصري .. ركبوا الحصين وعندما تعبوا قالوا ان هذه هي الحدود بين كينيا والسودان .. بدل ما يذهبوا حتى بحر ادو .. ووضعوا خط وهمي بقرية ببيا في نملي وهي قرية اهلنا المادينق وقعت شمال الخط الوهمي واصبح سوداني .. وهكذا الي الجنينة بين الفرنسيين والانجليز والايطاليين والحكم الثنائي وليبيا وهذه دولة كتشنر منذ هزيمة دولة المهدي التي كانت اصغر وطويلة ودارفور لم يكن جزء منها.
ü دولة كتشنر
وقال اموم ان دولة كتشنر بهذه الخريطة التي نراها الآن وانا في الحقيقة معجب بها اذا دخلت الى الاتجاه الشرقي وهنالك مشكلة في حاجة طلعت فوق ونزلت تحت في الحدود المصرية السودانية انا حتى هذه اللحظة لا ادري ماذا يحصل .. ولكن على كل حال الفشل الاول بالنسبة لنا كسودانيين حول ان حدود كتشنر عام 1947م بقوة اخرجوا قانون قالوا أي زول في داخل هذه الحظيرة التي رسمها كتشنر بالحدود الوهمية يسمى سوداني وفي العشرينات عندما نقول لانسان سوداني كان يرفض ويقول ليك نحن اولاد قبائل واولاد البلد لن نقبل بتسمية سودانية وهذه التسمية لاولاد الشوارع وانهم عبيد . على كل حال الانجليز حسموا الموضوع وان الفشل بدأ عندما خرج الانجليز من البلد منذ عام 1953م عندما أرادوا ان نحكم انفسنا لفترة والسؤال من نحن ؟.. الانجليز سمونا السودانيين ووضعونا داخل الحظيرة .. هل يمكن ان نجد قواسم مشتركة ؟ طبعاً الاجابة لهذا السؤال قاد الى اشكاليات السودان وهنالك بعض الناس قالوا ان السودان دولة عربية مسلمة وهنالك من يرى عكس ذلك وبهذا التعريف الضيق ان خارج هذا التعريف يجد صعوبة ويخرج عنه بالقوة ومثلاً انا ليس عربي ولا مسلم ألوم من واذا قررت ان اقول انا عربي من قريش - «ضحك الجميع» حتى انتم تضحكون اذاً انا ليس لدي خيار هذه الاشكالية التي أدت الى فشل البلاد.
طبعاًَ هنالك آخرين يمكن أن يقولوا السودان دولة افريقية معناه آخرين من العرب اما ان يجلسوا ضيوف او يرجعوا الى الجزيرة العربية .. هل الجزيرة العربية تقبلهم ... طبعاً لا.
ü إدمان الفشل
وقال أموم ان السودانيين أدمنوا الفشل نتيجة لمبالغات والتعريف الزائد اذا كنا في الحركة الشعبية حاولنا حل المشكلة .. فنجد ان قائدنا الراحل د. جون قرنق دمبيور قال ان الحل بسيط جداً السودان لكل زول موجود في السودان دون زيادة لكن اي زول مسموح له بمنزله ان يضيف تعريفاته الزائدة يمكن يعمل 10 اضافات ما عندنا مشكلة تقول أنا سوداني لكن شلكاوي مسيحي من اعالي النيل .. وعندما نأتي جميعاً نقول سودانيين .. وعندما نذهب الى المكتب للوظيفة سوداني .. الحل البسيط يعطينا امكانية لتجاوز الاشكالية .. كان ممكن نحل الأزمات التي دخلنا فيها .. وادخلنا السودان في ازمة منذ عام 1955م .. وهنالك جماعة قالوا نحن خارج التعريف .. وأرادوا الفدرالية وقالوا لهم نحن نريد ان نعطي الفدرالية ولكن باعتبار حتى وصلنا الى حق تقرير المصير وان ذلك قاد الى التهميش نتيجة للغرض الاحادي وهذا كله بمجمله قاد لحرب اهلية بالسودان.
ü التهميش والحروب الأهلية
واضاف اموم ان التهميش قاد لحروب اهلية بالجنوب وجبال النوبة والنيل الازرق وحالياً بدارفور .. واثناء فشلنا نبلور القواسم المشتركة وفشلنا في تحرير انفسنا وفشلنا في مشروع وطني مشترك نعبر فيه عن تطلعاتنا السياسية .. وحقيقة ان هذه التطلعات البشرية والحرية وان نبدأ بالسلام والوئام وهي الارضية القوية للارضية الكريمة .. هذا الفشل طبعاً لانه لا يوجد مشروع مشترك جامع مرضي للكل .. اصبح هنالك توتر وعدم استقرار سياسي .. وهذا التوتر قاد الى انقلابات عسكرية لفرض مشاريع في جوهرها احادية للهيمنة تارة باسم الاشتراكية وتارة اخرى باسم الدولة الدينية .. الفشل الذريع الذي دخلنا فيه قادنا الى ان دولتنا حتى الآن اصبحت الدولة الوحيدة الاعلى في مستوى الفشل من اي دولة اخرى .. بالنسبة الدولة السودانية هي دولة فاشلة وفي قمة الفشل في افريقيا والعالم الثالث .. وهذا السودان الدولة الوحيدة بعد فترة استقلالها خاضت صراعات مع ذاتها وراح ضحاياها اكثر من غيرها.
ü ضحايا الحروبات الأهلية 5 ملايين
وقال اموم ان الحروب الاهلية خاضتها الدولة السودانية مع ذاتها راح ضحيتها 5 ملايين سوداني ونحن الدولة في المقدمة في العالم التي حولت مواطنيها الى نازحين من كل 10 نازح في العالم 5 سودانيين ومن عواصم العالم اكبر عاصمة النزوح في العالم الخرطوم ومن كل 8 لاجئ في العالم واحد سوداني .. وعندما نذهب لاي بلد تكون مطالبا لمخاطبة الجالية السودانية بها .. والسؤال لماذا تشتت السودانيون في العالم .. واصبحوا يهربون من البلاد .. انا خائف يوم نصبح نجد الحكومة لوحدها يكون كل المواطنين هربوا من البلاد وهذا يمكن يحصل اذا لم نحقق التحول الديمقراطي بالبلاد .. من المهم جداً أن أبناء الشعب يسألون انفسهم ماذا يحدث وماهو الخطأ ونحاول نقدم الحلول وطبعاً يمكن الزول يقول غير معقول ان تكون الخرطوم اكبر مركز للنازحين في العالم وهذا مؤكد والآن يزداد .. وهي أحد علامات في الفشل .. بالرغم ان السودانيين كلهم طيبين جداً خاصة في الأحياء بين الجيران أو في الخارج من خلال الحنين للسودان ولا يريدون الرجوع اليه نسبة للمشاكل وان السودان من اكثر الدول التي بها عنف وبطش سياسي غير موجود في اي محل ثاني لدرجة ان الذي يريد ان يكون حزب سياسي لابد ان يكون متأكد من الآتي :
1-اما ان تدخل سجن كوبر لفترات طويلة .
2- ان تدس نفسك تحت الارض لسنوات عديدة.
3- ان تُقبض وتُقتل شنقاً واعداماً او بالصلب .
هذا ما يحدث في السودان العنف في السودان وصل الفترة السابقة الى مستويات لم تصل اليها دولة في العالم .. وهذا على كل ألوان الطيف من اليمين الى اليسار ومثلاً زعيم الانيانيا الاب سترينو العضو البرلماني عندما تحدث عن الوحدة والانفصال تمرد واغتيل في يوغندا .. ووليم تون قتل رئيس حزب سانو .. عبد الخالق محجوب قتل .. الامام الهادي المهدي قتل .. محمود محمد طه صُلب وقُتل .. والذي لم يحدث له مثل هذه الكارثة يكون لزاماً انه دخل سجن كوبر اكثر من مرة .. او دس نفسه تحت الارض لسنوات كثيرة .. حتى الترابي عندما قام بالانقلاب لملم اغراضه ودخل السجن ولكن بعد اختلافه مع اولاده دخلوه السجن جد جد .. هذا العنف وصل الى اي مستوى حتى العنف السياسي المصاحب للعملية السياسية .. وعن الناشطين السياسيين في كل انحاء السودان دخلوا السجون في كل الانظمة الشمولية من كل الاحزاب من الحركة الاسلامية يميناً الى اقصى الشيوعي يساراً .. ان الدولة السودانية سواء كان في اجهزتها الامنية لم يكن لديهم اي عمل غير اصطياد الخصوم السياسيين لم يحدث يوم قاموا بإفشال عملية استخباراتية من امريكا او غيرها .. وظفوا اموال الدولة كلها لقبض الناس وقلع أظافرهم واستخدام الكهرباء والتعليق وكل أنواع التعذيب .
ü ميزانية الجيش ضد المواطن
وقال اموم ان الاموال الضخمة للميزانيات التي يصرفها الجيش السوداني بالرغم من انه لم يضرب ولا طلقة واحدة في حماية حدود السودان .. وضرب كل الطلقات بالملايين على السودانيين .. وبدلاً من ان تكون الدولة خادمة للمواطن أصبحت قاهرة له وأكثر من ذلك .. وعلى طلاب العلوم السياسية والاقتصاد من المفترض يعملوا دراسة للخدمة التي قدمتها الدولة منذ الاستقلال والى الآن ماذا صرفت في الكبت وقمع السودانيين وماذا صرفت في تعليم الأطفال .. ونتساءل نحن بنصرف كم في المدارس وكم في القمع ؟.. لنعرف ان الفنان الكبير محمد وردي يغني في كل السجن مستشفي ومكان المنفى كلية وغيرها ونحن كسودانيين من المفترض نتحمل المسؤولية.
الآن أمامنا مفترق الطرق .. هل نحن نتمادى في هذا الطريق ولا يمكن ننتقل بالسودان الى مرحلة جديدة وتحوله لحالة سلام فيما بينهم وذاتهم ولا نحارب دولتنا ولا تحاربنا .. الاجابة فقط اذا حولنا هذه الدولة الى دولة ديمقراطية مدنية منصفة وعادلة وبالتالي تحقيق التحول الديمقراطي ودور الطلاب فيه على أساس ذلك واننا فشلنا فشلا خطيرا وهذا واقع مرير نحن نعرفه وان التحول الديمقراطي ليس قضية تصويت فقط ولا قضية شعارات طلابية .. والتحدي امامنا الآن اذا لم نحقق النقلة السودان سينهار لانه في انهيار وجوهر التحول لازم يعالج القضية المركزية وهي السلطة لازم تسلم الى الشعب وترجع والشعب يختار حكومته بمحض ارادته بانتخابات نزيهة ودورية بشكل مستمر وهذا هو حل المشكلة لأن الذين يستولون على السلطة يأتون بمشاريع احادية ويبدأوا بكوبر ومصادرة الحقوق حتى الحقيقة.
ü السلطة في يد الشعب
واعتبر اموم حل القضية في ارجاع السلطة الى الشعب وفي اختيار من يحكمه وبالتالي السلطة ينبغي الا تكون تحت ايادي متسلطة .. ونحن لا نريد ادخال الدين في السلطة .. مثل الحاكمية لله من المفترض ان يكون الحكم في يد الشعب ولايأتي من يقول انه وكيل الله في الارض لحكم البلاد .. وثانياً ينبغي الا نحمل الدولة السودانية اكثر من طاقتها وهذا سبب المشاكل .. هذه الدولة يعطيها مسؤوليات بسيطة اولاً : نحن لا نعطيها غير توفير الجو الامني والخدمات الجماعية الاساسية ولا تدخل في الحريات الاساسية للمواطن السوداني ويكون للمواطن الحرية في اختيار العبادة وكل مجموعة دينية توفر لهم الحرية لممارسة شعائرهم .. والدولة تعطيهم الدعم والدور لهم ولكل الاديان متساوين .. وحالياً بعد الحروبات التي دارت منذ 1955م حتى 2005م وتوقيع الاتفاقية.
ü اتفاقية السلام للمساومة
وقال أموم ان اتفاقية السلام الشامل التي وقعت بنيفاشا بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لتحرير السودان يمثلان توجهين مختلفين والاتفاقية توصلنا اليها بشكل مساومة ليس كما تريدها الحركة الاسلامية في السودان وانهم كانوا يريدون الدولة الاسلامية وتوجه الحركة الشعبية سودان جديد ليس به المجاهدين لكن وصلنا الى الوسط وهذا اتفاق في الوسط انا في رأيى هذا خير للسودان لانه بكل تأكيد اذا كان تم فرض سلام بقوة من اي جهة من الجهتين سيكون على اساس الغاء الآخر يضر بجوهر السودان يسع الجميع وان الاتفاقية مدرسة في ان السودانيين يتحملون من ان يتحملوا بعض وبالتالي يمكن يكون نموذج الاتجاه في تحقيق التحول الديمقراطي على أساس كلنا نقبله بكل التيارات الفكرية السودانية وهي الديمقراطية الحقيقية وان انفاذ اتفاقية السلام ستنقل الى النظام الانتقالي او هنالك محاولة لتمكين النظام القديم وبالتالي قضية الصراع لتحقيق التحول الديمقراطي .. وحالياً هذا التحول يتم في اطار الدستور الانتقالي لنؤكد حكم القانون واحترام حقوق الانسان وتوظيف السلطة في يد البرلمان ممثل الشعب لمراقبة اداء الجهاز التنفيذي وفي نفس الوقت الشئ الذي يؤكد مهنية العمل المدني والعمل لتحقيق التحول الديمقراطي برنامج ومشروع كبير يحتاج لالتفاف كل القوى الديمقراطية في السودان في اتجاه تأكيد القيم الديمقراطية والدستور الديمقراطي في اتفاقية السلام الشامل والعمل لتأكيد ان كل القوانين في السودان لازم تتماشى مع الدستور الانتقالي وتضمن العملية الديمقراطية وبناء نظام ديمقراطي ليقود الى استقرار البلاد وخياره كنظام للحكم هو في الاساس حل لمشكلة الاستقرار السياسي عن طريقه يمكن تجاوز العنف والبطش السياسي المعروف في تاريخ السودان .. ان التحدي امامنا هل يمكن ان نقود السودان لاتجاه الاستقرار والسلام والتماسك أم لا ؟.. هنالك مهددات كثيرة.
ü الاولوية لقضية دارفور
وقال اموم بالرغم من تحقيق اتفاقيات السلام بالبلاد الا ان مشكلة دارفور والمأساة الانسانية الضخمة الحاصلة في دارفور بكل تأكيد حدث في جنوب السودان ولكن حالياً الآن يحدث في زمن العولمة والحاصل في دارفور مأساة انسانية ومن المؤسف هنالك سودانيون يحاولوا يدسوا رؤوسهم في الرمال وقادة سياسيين عايزين ينفوا الحاصل بدارفور وان دارفور بها ابادة جماعية ونزوح بالملايين ونتيجة نمتلك اكبر معسكرات للنازحين في العالم وهذه حقائق ووقائع ونحن لازم نقف امام المأساة التارخية السودانية الحاصلة في دارفور .. في قيادة الحركة الشعبية اتخذنا قرارات أساسية واستراتيجية في المساهمة لحل مشكلة دارفور ورئيس الحركة قام بمبادرة ومجهود لحل مشكلة دارفور للاستفادة من علاقتنا التاريخية بالاستفادة من الموقع الجغرافي المتميز وفي اننا جزء من الحكومة بشراكة المؤتمر الوطني فهو موقف متميز سوف نستغله لحل القضية ونضعها في الاولوية السياسية للحكومة .. وانا سعيد ان اقدم تقرير استطعنا من خلاله ان نضع قضية دارفور واعتمادها في حكومة الوحدة الوطنية كأولوية في حلها وسنساهم في ذلك من خلال علاقتنا مع الحركات المسلحة لتقريب وجهات النظر لبلورة موقف يعين على الحل السلمي وتحقيق الحل الشامل لدارفور في منبر بمشاركة الجميع وسنستفيد من العلاقات الاقليمية لدعم المجهودات لتحقيق سلام الاقليم .. وان قيادة الحركة تبنت برنامج لدعوة القيادات بجوبا للتوصل لايقاف المأساة الانسانية المرتبطة بعملية التحول السياسي .. ولا بد للطلاب لقيادة التحول بالانتاج الفكري وان يتقدموا النضال لترسيخ الديمقراطية كخيار اخير لتجاوز حالات الاقتتال والانقلابات والتمردات والتربية على القيم .. حتى لا يلجأ المهزوم في الانتخابات لاعادة الانقلابات العسكرية للبلاد مرة اخرى .. ولا بد من نبذ العنف واشيد بميثاق نبذ العنف الذي تم توقيعه بالجامعة ونطالبكم بالتمسك به حتى لا يعود السيخ لداخل الجامعة .. ولا بد للحريات داخل وخارج الجامعة .. وعدم استخدام السلطة للارهاب لتكميم الافواه . . ونحن موجودون هنا وأحد قيادات الحركة الطلابية ين ماثيو الآن قابع بالسجن بالرغم من عدم مشاركته في الشغب تم تلفيق تهم ضده لاخافة طلاب الجبهة الوطنية الافريقية .. وهذا العمل الارهابي لن يخيف احدا .. ولن يأتي بالتحالفات بالقوة.
ü استقلالية تحالفات طلاب الحركة
وقال اموم ان الحركة الشعبية في شراكة مع المؤتمر الوطني وطلابنا في تحالفات اخرى ونؤكد ان الحركة الطلابية لها استقلالية وندعم ما تريده عبر توجهاتنا العامة لاتباع خط الحركة المدروسة من جانبنا.
ü خيارات الانتخابات
أموم :نحن في الحركة لدينا خيارات واضحة امامنا ونفضل ان ننزل الانتخابات القادمة لوحدنا ونطرح برنامجنا برنامج السودان الجديد لخلق بلد جديد عبر البرنامج الثقافي والاجتماعي والتنوع والاحتفاء بالآخر وقبوله .. واذا الشعب اعطانا الاغلبية سوف نشكل الحكومة والآخرين يكونوا في المعارضة ولا نتركهم يأخذون السلاح والسيخ . اما خيارنا الثاني نخلق تحالفات على اساس برنامج مشترك مع القوى السياسية الاخرى يمكن ان يكون حزب واحد او مجموعة ولا نحدده حالياً والقضية البرنامج المحدد .. ويمكن ان نتحالف مع المؤتمر الوطني على اساس انفاذ اتفاقية السلام الشامل اذا وصلنا الى اتفاق ويمكن يكون مع قوى اخرى بما فيهم المعارضة . وخيارنا الثالث ان نخوضها لوحدنا واذا لم نأخذ الاغلبية سوف نشكل الحكومة من الاحزاب المشاركة لتشكيل الحكومة الائتلافية ونحن الآن نبذل مجهودا جبارا في الزمن الضائع من المبارة نريد ان نسجل الاهداف في هذا الزمن الضائع .. ولدينا تحدي في عام 2011م عندما يقف الجنوبيون للتصويت في صندوق الاقتراع لحق تقرير المصير بين الانفصال والوحدة وهو تطور للاوضاع بالبلاد الذي اوصلنا الى هذه النقطة لان اعطاء الفدرالية عام 1955م في السابق قبل خمسين عاماً كانت كفيلة بحل الإشكال.
ü الوحدة أم الانفصال
ويرى أموم أن التعامل مع الوضع بالنسبة للحركة بين الوحدة والانفصال أن برنامجنا واضح نحن نهدف لبناء سودان جديد كمجتمع على أساس القبول والاحترام والاحتفال بالتعددية اللغوية والدينية بإلغاء التهميش خاصة هوامش الأطراف من قبل المجموعات القابضة في المركز .. ولا بد لإلغاء السيطرة من المركز والاستحواذ على قدرات البلد ويكون هنالك توزيع عادل للثروة ونريد دولة ديمقراطية .. والسلطة في يد الشعب وأن تكون الدولة علمانية ولا تكون رسالية ويكون همنا كم طفل دخل المدرسة ووجد العلاج وتعبيد الطرق وحرية التعبير .. وان تكون الدولة لامركزية بتوزيع السلطة .. بدلاً من وجودها في مكان واحد.
ان تقرير المصير جاءت به الحركة الشعبية والذين ينادون به الآن كانوا في لندن وفنادق العالم الأخرى ونتعامل معه مع الوحدة الطوعية وضد الوحدة المفروضة بالقوة وخاصة بشكلها الحالي منذ 1955م وراح ضحيتها 4 مليون مواطن جنوبي مبنية على مصالح مشتركة بين المكونات والمجموعات السودانية دون هضم مصالح مجموعة أخرى حتى لا تخرج من الوحدة وسنعمل لتحقيقها وان الخيار المفضل للحركة ان يكون السودان دولة موحدة وكبرى ولا يمكن ان يكون موحداً إلا اذا حدث تغير عبر التراضي بين السودانيين انفسهم .. ببلورة المصالح المشتركة نحو غدٍ مشرق ووحدة السودان خطوة لوحدة القارة الأفريقية .. وسنعمل مفاوضات لدول حوض النيل الكبير والحريات الأربع التي ينادون بها تكون الحرية كبرى .. وان الشعوب المختلفة يمكن أن تتعايش في اطار التعددية وبناء مجتمعات قادرة للإزدهار والاتجاه الآن الذي يسود العالم نحو التكتلات وان الدول الزاهية ذات التعدد الثقافي .. وان السودان الدولة الوحيدة التي تضع تأشيرة للخروج لمواطنيها .. التحدي أمامنا ان نجعل الوحدة خيارا جاذبا ليختاره الجنوبيون لا بد أن نقوم بتغيير لان الوحدة القديمة «كريهة » حقيقة لذلك جاءت تسمية الولاية التي اكتشف بها البترول بولاية الوحدة كأنما أن الوحدة من أجل الموارد وليس من أجل الانسان .. ونطرح الوحدة لمجهود كل القوى السياسية السودانية ونحن نريد للجنوبيين أن يختاروا الوحدة أو الانفصال ولا بد من التحرر من الماضي الصعب وان طلاب الجبهة الوطنية الأفريقية لديهم الاستقلالية الكاملة في التحالفات مع القوى الطلابية على أساس البرنامج القادر علي حل قضايا وإشكاليات الطلاب لأن المستوى الأكاديمي الجامعي تدني بالنسبة للمناهج والطلاب وفي بعض الأحيان لا يستطيع خريج حاسوب التعامل التقني الكامل مع الجهاز في بعض الشركات ولا بد من حل الاشكالية لتحقيق النقلة النوعية والاستعداد لذلك ولا بد أن نبني الطلاب على العلم والمعرفة ولا بد من تطوير المنهج الذي هو مستقبل البلاد.
إعداد: الإدارة السياسية

إشراف: نور الدين أبوبكر

http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=7511
___

Post: #495
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 11:18 PM
Parent: #494


مــنــوعـــات
أرسلت في 17-3-1428 هـ من قِبَل webmaster


ميني حـــــــــوار
«أخبار اليوم »تفتح ملف فتاوي الدكتور حسن الترابي المثيرة للجدل (الحلقة الثانية)
الترابي تخلق بلبلة في أفكار الجماهير الإسلامية
{ الترابي مافي زول سبقو بمثل هذه الفتاوي طوال الـ 14 قرناً الماضية
أجراه / عبدالرازق الحارث إبراهيم
يعتبر فضيلة مولانا الشيخ ابوزيد أحمد حمزة رئيس جماعة انصار السنة المحمدية من ابرز القيادات الدعوية للحركة السلفية منذ نشأتها في اربعينات القرن الماضي حيث حمل لواءها يجوب الوهاد والنجوع القاصية في ربوع السودان المختلفة بارائه الحادة والجريئة ما جعله يصطدم بكل المواريث الدينية للتصوف الاسلامي الراكز منذ دخول الاسلام للسودان ، ورغم التباين الحاد في وجهات النظر الفكرية والعقائدية ما بين الشيخ ابوزيد ورجالات التصوف فانه ظل يحتفظ بعلاقات حميمية معهم في اطار التواصل الاجتماعي ما بين السودانيين وفق مبدأ (إختلاف الرأي لا يفسد للود قضية) حيث زار الشيخ ابوزيد القطب الصوفي الجعلي في كدباس ورد له الشيخ الجعلي الزيارة في مسجد الجماعة بالسجانة حيث صلى بهم اماماً في زيارة مشهورة ويحفظ للشيخ ابوزيد انه بكى يوم أعدام زعيم الجمهوريين الاستاذ محمود محمد طه رغم اختلافه الفكري معه .
وفي اطار سعي الصحيفة لطرح جميع وجهات النظر حول فتاوي الدكتور الترابي التقينا بالشيخ ابوزيد احمد حمزة فالي مضابط اللقاء :
{ فضيلة مولانا الشيخ ابوزيد ماهو تعليقك حول مجموعة الفتاوي التي اصدرها الدكتور حسن الترابي زعيم الحركة الإسلامية؟
إبتدر حديثه قائلا الفتاوي التي طلعها الترابي ما في زول سبقو بمثل هذه الفتاوي خاصة قضية امامة المرأة ، زواج الكافر من المسلمة ، تولية المرأة الولاية العامة.
وقال الشيخ أبوزيد الى ان مثل هذه الفتاوي تخلق بلبلة في افكار الجماهير الإسلامية ، وبلهجة عامية أضاف ، وكان حقو يتريث شوية في اصدار الفتاوي.
{ ماهي الخطورة في مثل هذه الفتاوي ؟
الخطورة في الدكتور أنه قيادي جماهيري ، الفتاوي لو صدرت من (زول عادي) ما كان في خطورة ، لكن الدكتور الترابي له جماهير واتباع والفتاوي تؤثر عليهم خاصة جماهيره.
وأردف قائلا : كلامو ما زي كلام اي انسان الخطورة من هذه الناحية الترابي عليه ان يتريث ويراجع نفسه في الفتاوي ويتقيد باجماع المسلمين.
{ الدين لا يمشي على هوى الناس
قال الشيخ ابوزيد احمد حمزة ان الدين لا يؤخذ بالرأي ، القرآن فوق الرأي لقوله تعالى (لو إتبع الحق أهوائهم لفسدت السماوات والأرض) والرسول عليه الصلاة والسلام يقول لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به.
واسهب محدثي الشيخ ابوزيد شارحا حول هذه النقطة بقوله الدين لا يمشي على هوى الناس اذا اردنا ان نخضع الدين لهوى الناس حا نكذب الدين كله ، في اشياء في الدين فوق الفعل البشري مثلا بقوله تعالي (عن اليمين وعن الشمال قعيد ، ما يلفظ من قول الا لديه رقيب وعتيد).
وعذاب القبر ، روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار ،النبي عليه الصلاة والسلام اخبر في القرآن.
الان في ناس يعذبوا في قبورهم قال تعالى : النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة ، أدخلوا ال فرعون العذاب).
وشرح فضيلته النص القران بقوله (العذاب الاول يختلف عن العذاب الأخير) العذاب الاول النار يعرضون عليها غدوا وعشياً ، صباحاً ومساء في الدنيا (ويوم تقوم الساعة ادخلوا ال فرعون اشد العذاب) في قبورهم معذبين).
وأستطرد قائلا أحاديث كثيرة واردة في عذاب القبر ، تواتر في التقاة ان عذاب القبر واقع.
لو حاولنا نحكم عقولنا لا نجد جنة ولا نار فالدين فوق العقل البشري ، ربنا ادانا العقل حتى نصل به للدين مش نخضع الآيات وفق عقولنا واهواءنا لذلك لابد من التسليم بامر الله حتى لو خالف عقولنا فسيدنا عمر بن الخطاب عندما اراد تقبيل الحجر الاسود في الكعبة قال ( اللهم أنت أعلم ،،انك حجر لا تنفع ولا تضر ) ولولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) يعني المحاكاة والتقليد للرسول عليه الصلاة والسلام التقليد لايجوز الا للرسول عليه الصلاة والسلام.
ومن الحكمة والورع ان هذا العمل طالما فعله علينا الاتباع لقوله تعالى : (فأتبعوه لعلكم ترحمون ، وفي نص قرآني ثاني يقول تعالى وأتبعوه لعلكم تهتدون)
وإستطرد قائلا : دكتور الترابي ربنا يعفو عنا وعنه ، يتوقع انه سوف يقف امام الله يوم القيامة فلا يصدر فتواه الا بعدان يراجع نفسه كثيرا عبر 14 قرن لم نسمع بفتاوي عالم من علماء الاسلام اصدر فتاوي كثيرة وجملة ،، مشيرا الى ان الفتاوي في موضوع واحد بهذه الكثرة في امور ثابته هذا هو الأمر المحير وزاد (ما بالطريقة دي) وقال الشيخ ابوزيد بعض الناس شذوا واصدروا فتوى - فتوتين - داعيا العلماء بتوضيح الحقائق للناس ويتقوا ربهم في دينهم.
في الحلقة القادمة نستمع لرأي الدكتور يوسف الكودة رئيس حزب الوسط الاسلامي حول فتاوي الترابي
والمفاجأة
معلومات جديدة حول كتاب الترابي التفسير التوحيدي للقرآن

http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=7254

Post: #496
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 11:19 PM
Parent: #495



منبر «أخبار اليوم» التداولي حول قضية دار فور من أبوجا إلى طرابلس
علاء الدين ابراهيم ابوبكر:
وصحيح ان الذين حكموا السودان معظمهم من ام درمان ونقول نحن هؤلاء المثقفين في المركز ومن بعد ذلك يكون صف الجيش من الشمال الجغرافي ولا بد ان يعاد الاعتبار لملف المفكر محمود محمد طه ونحن مع مبدأ المحاسبة مهما طال الطابور. ونحن غير مستعجلين للتفاوض والمشكلة لها اربعة اعوام اهلنا الى اليوم ماتوا 200 الف في ظرف 4 سنوات مقارنة مع الحركة الشعبية حرب عشرين عاماً لم يموتوا بهذا المعدل ولا بد ان يكون هناك آليات تفاوض واطروحة فكرية وماراثون تفاوض طويل جداً. ونحن طرحنا خارطة دارفور عندما يستعصي التفاوض ونحن حكمنا كردفان ولا ننتازل عن الحدود. وعلى مستوى الجامعات في المركز والاقاليم كردفان ودارفور لديها روابط مشتركة اسمها كردفور وهذا يؤكد انهم سيان وعلى مستوى الرقعة الجغرافية اقليم واحد ويمكن ان تأتي ليحكم المناطق شخص في ام روابة او ام درمان اذا وصلنا لمرحلة الانفصال. وهنالك تعقيب من بعد القدامى من محاربين جيم وقالوا ان الدكتور جلاد وهذا ردود افعال والدكتور يحمل مشروع كبير ونحن نصبر على منفستو جيم وكيف انت تنضم لجلاد ونحن حركاتنا لم تكن ثورية طالبنا بمطالب التعليم والصحة المجانية والبني التحتية والمشاريع الخدمية على مستوى البشرية وهي ليست فكراً او برنامج نطالب بحقوق مدنية ومسألة الفكر والبرنامج تأتي ما بعد السلام.

http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=10759
_________________

Post: #497
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 11:20 PM
Parent: #496


مداخلة د. منصور خالد
واجاب الدكتور منصور خالد على بعض الاسئلة بخصوص التجمع وقال بان التجمع حى وهناك تعاون بين الحركة و التجمع و اضاف بان الحركة و التجمع يلتقون فى قضية التحول الديمقراطى.وفى رده لسؤال حول وجود الشريعة الاسلامية فى الشمال رد دكتور منصور خالد بان من لا يريد الشريعة الاسلامية عليه النضال من اجل ذلك واضاف بان الحزب الوحيد الذى فعل ذلك هو الحزب الجمهورى.

http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=11445
_________________

Post: #498
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 11:21 PM
Parent: #497


وتسائل السائل وهو شمالى متى يتم ابعاد الشريعة الاسلامية من السودان؟ رد سلفا بحكمة وقال ان اللغة العربية لم يتم اقصائها كل مافى الامر ان لغة لهاحضورها اصبحت لغة معترف بها اما عن الشريعة فيحدثكم عنها الدكتور منصور خالد .

الدكتور خالد اعتلى المنصة بأمر الجنرال سلفاكيروقال ان دستور الجنوب حسم علمانية الدولة وفصل بوضوح بين الدين والدولة وانهم كحركة كانوا يريدون سودانا علمانيا الا ان ذلك اصطدم برغبة المؤتمر الوطنى.. وامتدح مستشار الحركة الشعبية الاخوان الجمهوريين وقال وحدهم هم الذين عارضوا مبدأ الدولة الدينية فى شمال السودان .

http://www.sudaneseonline.com/ar/article_15414.shtml
_________________

Post: #499
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 11:22 PM
Parent: #498


عودة الميرغني .. رحلة في انهار الظمأ 1 - 4
بتاريخ 16-11-1428 هـ
القسم: حقائب السفر /عبد الرازق الحارث
عندما نفذت حكومة مايو حكم الإعدام علي الأستاذ الشهيد الراحل محمود محمد طه فان الشاعر السوداني المهاجر محمد الدومة كتب ديوانه الشعري (رحلة في انهار الظمأ) الذي قال فيه :
عجيب كل ما يجري
واعجب منه ان تدري
وموتورن في المنفي
ومغتربون عن عمد
ومكتوب في المنفي
ومنسيون في البلد
لنا أهل .. لنا وطن
بلا أهل ولا وطن
وبحق فان الشاعر محمد الدومة كان يعبر عن ضمير الشعب بيد أن الحكمة عندما تغيب بين ابناء الوطن الواحد لا يبقي الا المشانق والبنادق واحتراق اغصان الزيتون علي أبواب الوطن.
إن القهر لا يولد الا العنف ..والظلم ظلمات تفضي الي ظلمات في بحر لجي من فوقه الاستبداد والفساد وهي بضاعة مزجاة لا يشتريها الاحرار أبداً ان المعصوم عليه الصلاة والسلام عندما دخل مكة فاتحاً واراد تأسيس دوله المدينة الفاضلة فإن وقف في مكة خطيبا امام جلاديه والذين أذوه واخرجوه من دياره وشردوه في بقاع الارض ولكن اراد ان يؤسس دولة العدل التي تقوم الي يوم القيامة فقال (يا أهل مكة ما ترون اني فاعل بكم .. قالوا أخ كريم وإبن أخ كريم .. قال اذهبوا فأنتم الطلقاء. وبذلك أنفتح فجر جديد من العدل والتسامح والعفو والتصافي والتعافي !!
وكل اصحاب الاعراق النبيلة فأنهم يؤسسون دولتهم علي العفو والتسامح وعفة اليد وطهارة اللسان (وهل يكب الناس في جهنم الا حصائد السنتهم) وكما اقول دائما ان مؤسس الدولة الأموية أسس هذه الدولة وفقا لقولته الشهيرة (لو كانت بيني وبين الناس شعرة ما قطعتها ابدا اذا هم شدوها رخيتها ، واذارخوها شددتها حتي لا تنقطع ).
وبهذا الميراث فان كل الحكام الذين تعاقبوا علي حكم البلد كانوا يدركون ان الشدة ماهي الا رحلة في انهار الظمأ وذلك سراب بقيعة يحسبه الظمأن ماء لانه من (العار) ان يظمأ انسان وامامه النيل والضفاف.
ويحدثنا التاريخ ان المنسيين في البلد خرجوا في أعتي الثورات وهدوا السجون وانزوي السجان..
نواصل ،،

http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=11735
___

Post: #500
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 11:23 PM
Parent: #499


القائم بالأعمال الأمريكي: هذه فرصة ذهبية لتحسين العلاقات الأمريكية السودانية
بتاريخ 21-11-1428 هـ
القسم: اخبار الاولى


ألبرتو: على الحكومة إذا أرادت قيام انتخابات نزيهة أن تكف عن اعتقال السياسيين وهناك عدم ثقة بين الحكومة السودانية والأمريكية
رصدتها : عرفة حمد السيد / تصوير:رضا
نظمت مؤسسة اتجاهات المستقبل في السابعة والنصف من مساء امس الاول بالقاعة الاقليمية بقاعة الصداقة بالخرطوم محاضرة عن مستقبل العلاقات السودانية الامريكية واولويات السياسات الامريكية تجاه السودان، تحدث في المحاضرة السيد البرتو فرنانديز القائم بالاعمال الامريكي بالسودان بحضور عدد كبير من القيادات والشخصيات السياسية. (اخبار اليوم) قامت برصد المحاضرة التي استهلها مدير مؤسسة اتجاهات المستقبل مقدماً القائم بالاعمال الامريكي د. حمد محجوب هارون قائلاً :

بسم الله الرحمن الرحيم، في البدء نرحب بكم ترحيباً حاراً هذا المساء بإسم مؤسسة اتجاهات المستقبل للدراسات الاستراتيجية والحوار في إطار ما نسميه (سلسلة محاضرات السياسات) برنامج اعتادت مؤسسة اتجاهات المستقبل انجازه منذ نحو عامين بغرض تقديم بعض الوجوه العامة من السودانيين وغير السودانيين في موضوعات نقدر اهميتها، تقدم من خلال مجهود بحثي معمق بدرجة ما، ودرجت كذلك المؤسسة على ان تقوم بنشر نصوص هذه المحاضرات وملخص التعليقات والحوار الذي يتم من بعد المحاضرة ودرجت على نشرها في كتيبات ربما وجدتم بعضا من هذه النماذج في كتيبات خارج القاعة، ولقد بدأنا هذه السلسلة هذا العام من باب الصدفة والقدر بضيفين عزيزين، اولهما كان مدير عام شبكة قناة الجزيرة الدولية، وكان الثاني كذلك هو رئيس الجمهورية الايرانية الرئيس محمود احمدي نجاد، ويصادف ان تختتم هذه السلسلة من العام بالسيد سفير الولايات المتحدة الامريكية بالسودان البرتو فرنانديز ارجو ان لا يفهم هذا بأي من الاحوال بانه تغيير.
هذه المحاضرة تم الاتفاق عليها مع سعادة السفير مشكوراً ونحن نزجي له باسم المؤسسة تقديراً خاصاً على سرعة استجابته للدعوة، وتجيء هذه المحاضرة تدشيناً لبرنامج نسميه في المؤسسة برنامج الدبلوماسية العامة الهادف الى تحسين العلاقات السوانية الامريكية، واختيار هذا المشروع لم يأت اعتباطاً بأي حال من الاحوال، نحن نعلم ان الولايات المتحدة الامريكية دولة مهمة في العالم، ونحن نعلم ان الامم في عالم اليوم لا تستطيع ـ شاءت او لم تشأ ـ ان تعيش بمعزل عن بعضها البعض، لابد ان تنشأ حالة من التواصل على المستويات الثنائية وعلى المستويات المتعددة، وفي هذا الاطار نحن ننظر الى اهمية والحاح الحاجة كذلك الى ان نرى العلاقات ما بين الولايات المتحدة الامريكية والسودان وما بين السودان والولايات المتحدة تسير خطوة بخطوة في اتجاه التحسن، نحن نعلم ان العلاقات بين البلدين شأن سائر العلاقات بين أي بلدين تتم في مستويين، هنالك العلاقات ما بين حكومة وحكومة وهذا يعني مجال نحن في المؤسسة لسنا مسؤولين عنه بأي حال، هناك اجهزة ومؤسسات تعمل على الملف ونحن واثقون ان العاملين في هذا الملف يقومون باللازم والمقدور عليه سعياً لان تحسن العلاقات ما بين البلدين.
اما المستوى الثاني فهو العلاقات ما بين الشعب والشعب وبين امة وامة وهذا هو المجال الحيوي الذي سيتحرك في اطاره هذا المشروع، مشروع الدبلوماسية العامة الذي نجسمه في هذه المحاضرة الهامة هذا المساء.
نحن نعلم جيداً كيف ان الشعبين في البلدين لديهما حاجة حقيقية للتواصل، الشعب الامريكي شعب كبير وعريق ومؤثر في الساحة، والشعب السوداني كذلك شعب عريق وكبير ومؤثر، وكلا الشعبين فخور بذاته، وشعبان بمثل هذه المواصفات ليس من الحكمة بأي حال ان يظل الحال فيها بينهم حالاً من التواصل الجافي، نحن نرغب من خلال هذا المجهود الذي نبدأه اليوم ومن خلال جملة المساعي والمجهودات الجارية او التي يمكن ان تبتدر في وقت لاحق ان ندفع هذه العلاقات خطوة للامام، كثير من السودانيين مدينون للشعب الامريكي ومؤسسات المجتمع الامريكي بكثير من الفضل، منهم من تعلم هناك ومنهم من يدير اعمالاً في الولايات المتحدة الامريكية، وليس السودان بأي حال من الاحوال عالة على الشعب الامريكي، فالسودان له الكثير الذي يستطيع ان يقدمه كذلك في اطار علاقة حية وبناءة ودافئة، مع الوضع في الاعتبار كل الحسابات المعروفة للعاملين في مجال العلاقات الدولية، وارجو ان اشير كذلك الى اننا في اطار هذا المشروع نسعى بمعاونة كريمة وترحيب وجدناه من الاخ السفير البرتو لان تنظم بإذن الله على الاقل لفترة عام، كما نخطط لجملة من النشاطات تتراوح ما بين تنظيم بعض اللقاءات المشتركة ما بين مجتمع المهنيين والدبلوماسين السابقين والخبراء والعاملين بمنظمات المجتمع المدني والاعلاميين .. الخ في البلدين، وتنظيم بعض ورش العمل واعداد بعض ما يسمى بالتحليلات المعمقة التي من شأنها ان تساهم بشكل او بآخر في توفير مزيد من المعلومات على الاقل للرأي العام ولصناع القرار والسياسات العامة في البلدين، كما يمكن ان يساعد كذلك في هذا المجهود، بالاضافة الى نشاطات اخرى نرجو لها ان تتم باذن الله وان يكون لها اثرها الايجابي في اتجاه تحقيق الهدف الذي وضعناه واتفقنا عليه في هذا الاسبوع . ختاماً انا ارحب بالسفير البرتو وهو رجل مثقف مفتوح العقل والقلب، كذلك خبير في الدبلوماسية بشقيها ومشتهر بخبرته الواسعة في الدبلوماسية العامة. انا ارحب بكم كذلك في هذا المنبر الذي يجمع جمهوراًمن النخبة السودانية حسنة التعليم ومفتوحة العقل ذات اهمية وكفاءة ومصداقية، كذلك انا ارجو ان تكون هذه بداية للحملة الجميلة والجميع مطلوب منهم ان يكون لهم اسهامات في اطارها، واشكر لكم حسن الاستماع.
ü القائم بالاعمال الامريكي يستهل محاضرته قائلاً :
شكراً للجميع، اذكر ان خطابي الرسمي الذي سألقيه سيكون باللغة الانجليزية، ولكني اريد الان ان اتحدث قليلاً باللغة العربية، وفي البداية اشكركم على هذا اللقاء معكم، يوجد مثل سوداني يقول (القلم ما بزيل بلم) أنا اتمنى ان تكون الكلمات التي سألقيها في خطابي مفيدة وايجابية وبناءة، وان تؤدي الى الحوار المخلص بين الشعبين الكبيرين السوداني والامريكي، طبعاً يجب ان أوضح ان لكل كلمة من الخطاب لها الموافقة التامة من القيادة الامريكية، وانا اتوقع ان اطلع منكم ومن أفكاركم وأحاديثكم وشكواكم وانتقاداتكم ايضاً عبر اسئلتكم باللغة العربية والانجليزية او الاسبانية اذا شئتم.
الرئيس بوش عبر عن ألمه أمام الامم المتحدة بان مواطني السودان بعانون القمع وان الادارة الامريكية في السودان تنتهج ثلاث سياسات العقوبات والمعونات الانسانية والدبلوماسية، وبالطبع فان هنالك خيارات اخرى الا ان الادارة الامريكية لم تتطرق الى أي منها في الوقت الحالي، وفي السودان نحن نسعى الى دعم السلام والديمقراطية في كافة انحاء البلاد ومساعدة الحكومة السودانية في تطبيق الاتفاقية للسلام بين الشريكين.
في دارفور فان المساعدات الانسانية الامريكية توفر الخدمات الاساسية لحماية الضعفاء، وسوف نواصل في الدعم او جلب كل من ينتهك حقوق الانسان الى العدالة، كما ندعم الحوار ما بين الاطراف المتصارعة في دارفور في داخل اطار الامم المتحدة او الاتحاد الافريقي، ونحن ندعم هذه المجهودات لخلق سلام دائم وفقاً لقرار مجلس الامن الدولي 1769 كما ان عمل الادارة الامريكية في السودان ليس بالجديد، ففي الثمانينات الادارة الامريكية قدمت المساعدات لحكومة السودان في دارفور وكردفان على وجه التحديد الى درجة ان المواطنين العاديين ظلوا يسمون الادارة الامريكية بمعونة الرئيس ريغان رئيس الادارة الامريكية، وفي سنوات التسعينات وفرت الولايات المتحدة الامريكية كثيراً من المعونات الانسانية عبر شريان الحياة في جنوب السودان لانقاذ حياة الاف السودانيين.
وعندما ارى بعض الانتقاد لسياسة الولايات المتحدة تجاه هذا البلد دائماً اتذكر بان هناك مئات الالاف من المواطنين السودانيين يعيشون بامان بسبب تدخل المجتمع الدولي وحرص الولايات المتحدة علي مساعدة السودانيين خلال سنوات، وواحدة من هذه الاشياء الاكثر فخراً ان الحكومات السودانية لم تكن قادرة على مساعدتهم، اليوم مساعدات الولايات المتحدة الامريكية للسودان بلغت 778 مليون دولار وهذه اكبر برنامج منها حوالي 120 مليون دولار قدمت في دارفور والجنوب وبقية المبلغ 671 قدمت كدعم غذائي في دارفور، وظلت تقدم اكثر من دعم لكل المانحين خلال اتفاقية السلام، وهذا ما جعل السلام جارياً، وهي اكثر المانحين من اجل الديمقراطية والادارة في السياسة العامة وتطوير الاحزاب السياسية وتقويتها ومشاركة المجتمع المدني، هذه ايضاً تشمل المساعدة في مجال البنية التحتية، نحن نبذل جهدا مضاعفا في المناطق الثلاثة ابيي وجبال النوبة وفي هذا العام اعتقد انه حدث تجاوز ويتطلب التفاتاً من المجتمع الدولي.
اتحدث اليوم عن العقوبات الامريكية وكما تعلمون بدأ فرضها بعد تولي هذه الحكومة في عام 1989م وفي التسعينات كان السودان يوصف بالارهاب، وهنا اتحدث عن ان هناك اموراً مثيرة للجدل وبعض السودانيين لازالوا يشكون المعاناة، اعتقد ان علينا ان ننظر لهذه العقوبات باعتبارها فرصة لكي نتعاون بعضنا البعض في هذه المناطق الكبيرة بين السودان والمناطق المهمشة لكي تزال هذه العقوبات
ü وفي مداخلة قال د. حسن مكي، سلام عليكم، شكراً د. البرتو على هذه الكلمات التي بدأتها بان الولايات المتحدة الامريكية تتعامل مع السودان من خلال الدبلوماسية والعمل الانساني والعقوبات.
الي اي مدى نجحت الولايات المتحدة من خلال هذه المسارات الثلاثة اعتقد ان الولايات المتحدة نجحت نجاحاً كبيراً في السودان اذا قارنا ذلك بالمناطق التي عملت فيها الدبلوماسية الامريكية من دول الجوار لان الولايات المتحدة الامريكية في السودان نجحت في اعادة هندسة وصياغة السودان في اطار العلاقات مع جنوب السودان وتقرير المصير ابتداء من ابوجا، وبدليل ان نائب الرئيس كان هو الخصم الاول للرئيس وبدليل ان الذي احرق 7 طائرات في مدينة الفاشر هو مساعد رئيس الجمهورية، اين تجد هذه في كل العالم، اذا نظرنا للدبلوماسية الامريكية في الكنغو نجده الان بلداً محترقاً، اذا نجحت الدبلوماسية الامريكية في السودان فيجب ان نقول هنالك نقاط تكون مستعدة ان تكون جملة مفيدة. الامر الثاني الذي نجحت فيه الولايات الامريكية بعد الدبلوماسية هو العون الانساني، ولكن الامر الثالث الذي فشلت فيه الدبلوماسية الامريكية هو مسألة العقوبات، اعتقد ان هذا الفشل في السياسة الامريكية ادى الى ان السودان يصيب نجاحا فارتفعت قيمة الصادرات حتى انها اتجهت لتصبح 12 مليون دولار امريكي وعينها على البترول السوداني، هناك معلومات غير صحيحة كثيرة عن السودان في ارشيف الولايات المتحدة بعد ضرب مصنع الشفاء هناك اكثر من 120 تقرير كاذب عن السودان، امريكا لم تعتذر عن ضرب مصنع الشفاء للسودان حتى الان.
الامر الثاني السفير كارلي ارسل لي كتاباً عن السودان وفيه معلومة عن ان بن لادن تزوج ابنة د. الترابي فارسلت له على الفور ليصحح المعلومة، هناك معلومة خاطئة عن السودان سببها عدم القدرة على تنفيذ بعض الاشياء في السودان، وهذا هي طبيعة الاشياء في العالم الثالث.
فشل الولايات المتحدة ليست من الان بل منذ عام 1986م عهد سوار الدهب عندما منعت اعادة طائرات الهيروت والغت الاتفاقية وحجبتها ولكن عندما تعاون نظام نميري بعد اعدام محمود محمد طه وبعد حقوق الانسان كانت اكبر مساعده من الولايات المتحدة الامريكية التي بلغت 500 مليون دولار في السنة الاخيرة لنميري نسبة لعملية ترحيل الفلاشا، فلذلك تصوير الحكومة السودانية كشرير والولايات المتحدة كملاك وان الولايات المتحدة نازلة من القمر والحكومة السودانية تمشي على الارض، هذا لا يليق، ونحن كلنا خطاؤون وتحكمنا المصالح، من كان بلا خطيئة فليرمها بحجر، الولايات المتحدة تحركها المصالح وهناك صراعات داخل الولايات المتحدة، نقول للسفير دعنا ان نبدأ صفحة جديدة ونتعاون لكن نجعل اهل السودان في المقدمة، لان حكومة الانقاذ ليست الكلمة النهائية في السودان ولا الحركة الشعبية هي الكلمة النهائية في جنوب السودان، ولكن اذا لم يتم تعاون بين الولايات المتحدة والسودان ستحدث ثلاثة اشياء خطيرة جداً واظنه يعلم، اولاً ستندلع الحرب الاثيوبية الاريترية وهو يعلم ان هذه الحرب قد تندلع في أي وقت، الامر الثاني الحرب الصومالية لن تقف، والامر الثالث ان هناك نذر حرب اهلية بجنوب السودان، وهو يعلم ذلك، وان لم يكن هناك تعاون مطلق بين حكومة السودان والادارة الامريكية فان المنطقة كلها ستصبح بحيرة من الحرب، وهذا ليس هذا من مصلحتها. وشكراً.
ü رد السفير: شكراً د. حسن، دائماً نستفيد من تعليقك، أول الاشياء انا واثق معك تماماً وقد قلت ذلك في الجزيرة منذ اسبوعين انا لا اؤمن بالملائكة والشياطين البشرية، لكن كلنا بشر، وانا واثق معك ان هناك خير وهناك شر في كل مجتمع وفي كل دولة وفي كل وطن، انت ذكرت شيئا مهما وهو النفاق السياسي، نحن سيئون ولكن جيراننا اسوأ، هذا صحيح وهذا دائماً صحيح، في كل دولة وفي كل بلد هناك ايجابيات وسلبيات فانا واثق واتفق معك انا عندي زميل دخل اليوم الى ارتيريا والعلاقات الاريترية الامريكية هي اسوأ من العلاقات بين السودان وامريكا.
عن العقوبات عندما اجلس مع المسئولين وكبار المسئولين في الحكومة السودانية يقولون ان هذه العقوبات سلبية وتوصل لطريق سلبي وعندما اجلس مع رجال الاعمال السودانيين يقولون هذه العقوبات ليست مشكلة، هذه قصة مع الشعب السوداني.
اما بخصوص التقارير فانا اتفق معك ان هناك تقارير غير صحيحة وضرب مصنع الشفاء كان في ظل الادارة السابقة فانا ما عندي أي مسئولية للدفاع عن كل الادارات الامريكية، انا جلست مع ناس من دارفور وتحدثت معهم بالعربية احسست ان هناك ظلما وشعوراً بالانتقام هل هذا هو الاستقرار؟ خلال 11 ايلول كان هذا هو السؤال في الغرب والشرق.
هناك من يكره الحكومة الحكومة السودانية، وهذا هو تحد وانا اثق ان الطريقة الوحيدة طريقة الحوار والتعامل نحن لازم نكتشف خريطة مضمونة سياسية سلمية.
مداخلة : العقيد مصطفى احمد ـ الحزب الاتحادي الديمقراطي، عندي سؤال وعندي تعليق:
السؤال ما هو موقف الادارة الامريكية من المحكمة الجنائية الدولية؟ التعليق هو انه دائماً العقوبات الامريكية تجاه الحكومات السودانية تكون في اوقات تقترب منها ازمة دارفور من الحل وتمثل رسالة سالبة للحركات المسلحة لمزيد من التهاب الملعب الدارفوري ومزيد من اشعال الحريق ودائماً العقوبات الامريكية توقيتها يكون متقن جداً وهادف الى عدم ايجاد حل.
مداخلة اخري من رجل اعمال :
بسم الله الرحمن الرحيم، شكراً للسيد السفير على هذه المحاضرة الصريحة، السيد السفير انتم تتحدثون عن العلاقات السودانية الامريكية وانا اقتصادي وسياسي ودرست في الولايات المتحدة لم ار أي هذا الإطار، الاطار العلاقات السودانية الامريكية، وليس هناك مثل هذا التعامل ولكني ارى ان هناك مصالح امريكية في السودان ولكن علاقة دولة مع دولة لا توجد، العلماء السياسيون يشرحون ذلك بانهم هنالك تعاون فيما يتعلق بالمصالح المشتركة بين البلدين، اذا نظرنا الى العلاقات بين الدولتين واذا نظرنا الى بنك السودان هناك تبادل يبلغ اقل من 5 الف دولار.
ليست هناك تجارة بين السودان وامريكا وبالنسبة للانشطة التجارية لا يوجد رأس مال يتدفق من الولايات المتحدة وبالعكس، وفي الجانب الثقافي لم ار منظمة ثقافية تأتي من امريكا سواء كان ذلك في مجال الرياضة او الغناء او أي شيء اخر، كذلك لم ار منظمة فنية تذهب من السودان لامريكا، عندما نتحدث عن علاقتنا فان هذا الحديث غير صحيح . السيد السفير، دعني اقول لك بمنتهى الصراحة بان سياسة الولايات المتحدة تجاه السودان تقع في ثلاثة، الولايات المتحدة تريد ان تقسم بلادنا الى دويلات وهذا ما تشير اليه اعمالكم، فانتم تخالفون ما تقولونه مع ماتفعلونه وهذا سيؤدي الى تقسيم السودان الى ولايات وانتم كذلك تودون ان تقوموا بتغيير ثقافة السودان، الثقافة التاريخية، تودون تغييرها، لديكم مصالح فيما يتعلق ببترولنا ومصادرنا ومواردنا، كما لم اقرأ في اي كتاب له علاقة بالعلوم السياسية ان هناك ثلاثة جيوش في بلد واحد في وقت واحد، ولم ار كذلك في تاريخ العلاقات الدولية ان هناك دولا تعطي ليكون لها مليشيا لها داخل بلادها، وخامساً مشكلة دارفور هو نزاع قبلي وهذا امر تقليدي في افريقيا وفي أي دولة وانا لا ادعو الولايات المتحدة للتدخل في هذا الامر كيف يمكن لامريكا ان تكون مهتمة بشأننا اكثر منا؟
رد السفير الامريكي :
أولاً سوف ابدأ الحديث بالمحكمة الدولية، أمريكا ليست طرفاً في ذلك الموضوع وإليك اجابتي بأنني كان عندي جلسات مع مئات السودانيين حول كل القضايا، وابداً لم ادخل مع سوداني في تفاصيل هذا الموضوع، هو موضوع لدول اخرى الدول الاخرى الذين لديهم اهتمام حول هذا الموضوع، ولكن امريكا بصفة خاصة لا تشارك في هذه المحكمة وهي بعيدة عن الاولويات الامريكية ونحن لا نركز كثيرا علي هذا الموضوع.
أمّا الجزء الثاني عن الحركات، امريكا هي الدولة الوحيدة التي وضعت عقوبات على قائد احد الحركات ويدعى د. خليل ابراهيم، امريكا هي الدولة الوحيدة والاولى ولا توجد دولة اخرى مثل جيرانكم كينيا او تشاد، اوافقك ان امريكا لم تعمل كثيرا لكنها عملت اكثر من الاخرين، هنالك رغم التناسب بين الولايات المتحدة والسودان الا ان هناك مشاكل كثيرة كالعقوبات وما الى ذلك من حجب الاعمال والعمل الدبلوماسي وهو، السيئ بين امريكا والسودان، وعلاقة الازدواجية من الطرفين، وهذا ما يعوق العلاقات الطبيعية بين البلدين. بالنسبة للثقافة هناك الكثير من النشاطات الثقافية بين البلدين، ولا اعرف كيف يمكن لنا ان نغير الثقافة السودانية، اذا كنتم تقومون بأي شئ مثل ذلك فهذا امر يخصكم، نحن نحترم تقاليدكم ودينكم، امريكا قامت بالكثير من اجل السودان، ود. مكي يقول ان امريكا تريد النفط السوداني، اذا كانت تريد النفط السوداني ستحصل عليه، وشركة شيفرون اول من اكتشف النفط. بالنسبة للجيوش الثلاثة اود ان اقول شيئا من الذي وقع اتفاقية السلام الشامل؟ نائب الرئيس علي عثمان ود. جون قرنق وقعوا الاتفاقية، فلو كانت ثلاثة جيوش او عشرة فليس هم الامريكان اذن عليكم ان تقوموا بالاتفاق عليه. اما بالنسبة لتقرير المصير هنالك دول مثل يوغسلافيا كانت دولة واحدة الآن اصبحت 6 دول وهذا لم تقم به الولايات المتحدة بل حدث نتيجة عوامل داخلية، اذن نحن نفضل وحدة السودان لانه سيكون اكثر استقرارا ويكون افضل للشعب السوداني، ولكن اتفاقية السلام الشامل قد اعطت حق تقرير المصير للجنوب وهذا امر اتفقت عليه الحكومة السودانية فاسألوا الحكومة السودانية عن هذا الامر. في دارفور امريكا لم تقوم باي شئ تجاه دارفور، فالادارات بدلاً من ان تقوم باخماد عصيان قامت بمعاونة طرف على اخر تلك هي الحقيقة وهذه هي المشكلة، يسعى الجميع لالقاء لومهم على الاخر نتيجة لاخطائهم، يقولون الموساد انني لم ار يهوديا واحدا في دارفور وليس من قبائل الفور من هو يهودي، علينا ان نواجه مسئولياتنا، وعندما تحدث اخطاء علينا ان نحلها بانفسنا .
انا لا ألوم الحكومة السودانية على الماضي ولا اركز على الماضي ولكن اركز على المستقبل وهذا ما قلته، ان نقول المصالحة في دارفور امر اساسي وجوهري والمصالحة بين هذا النسيج وهذا لن يقوم به الامريكي.
ü مداخلة : احمد عبدالرحمن - مجلس الصداقة الشعبية العالمية، الشكر اولاً لمؤسسة اتجاهات المستقبل، الشكر للسيد السفير الامريكي الحاضر في هذا الحديث الطيب، نحن في مجلس الصداقة الشعبية بحكم اهتمامنا الدبلوماسي وبالسفير نعرف دوره في هذا المجال، ومنذ ان قدم السودان نحي نحواً مختلفاً عن سابقيه، وفعلا عمل كثيراً من التصريحات الجريئة والموضوعية التي تعكس عزماً ورغبةً لتطبيع العلاقات الامريكية مع السودان، حقيقة لا بد ان نكون صادقين على مستوى المسئولين والشعب ان هنالك رغبة في تحسين العلاقات مع الولايات المتحدة الامريكية، بكل اسف ان هذه الظروف التي نعالج فيها قضايانا الولايات المتحدة لديها عبر كثيرة يمكن تؤخذ منها، والهيمنة الامريكية اصبحت مهدداً حتى في وجودها نفسها، وتدخلها بطريقة غير مقبولة ومعقولة ونخشى عليها ان يكون مصيرها كمصير الامبراطورية كما عبّر البابا قريبا.
ü مداخلة :
عثمان السيد، مركز دارسات الشرق الاوسط : انا سأبدأ بداية ساخنة لاصحح معلومة، د. حسن مكي الذي قال قبل قليل بان هناك تيم كامل قد اخطأ في مسألة زواج بن لادن من ابنة شقيقة د. الترابي فأنا ايضاً من واقع وجودي والتصاقي بالموضوع ليس صحيحا ان الدعم الامريكي زاد بعد عملية ترحيل الفلاشا، لان عملية ترحيل الفلاشا كانت في اواخر ابريل مع مارس عام 1982م حتى ان نظام مايو انتهى بمجرد عملية الترحيل، لكن الصحيح هو ان الدعم الامريكي زاد لنميري قبل ذلك، ويمكن ان السيد وزير شئون الرئاسة وصي عليه وكان عام 1971م عقب الانقلاب الشيوعي، حتى اننا اصبحنا نذهب من الاتحاد السوفيتي الى امريكا، انا واحد من الناس الذين تحدث عنهم د. هارون بانهم درسوا في امريكا على حسابها ودرست في الجامعة الامريكية في بيروت واخذت الماجستير على حساب الجامعة الامريكية، لكن ما اود اقوله ان ما درسناه في الجامعة الامريكية في بيروت والحديث عن الديمقراطية والشفافية، بعد تخرجنا من الجامعة وجدنا السياسة الامريكية في منطقة الشرق الاوسط وخاصة في قضية فلسطين وموضوع اسرائيل المسألة تختلف أساساً عما درسناه.
السيد السفير تحدث عن السياسة الامريكية في افريقيا، وانا عملت في اثيوبيا كسفير لفترة 13 سنة وستة شهور وزرت كثيراً من الدول الافريقية، كان على السفير عندما قارنا بليبريا ، الكنغو ان يقول نحن في الافضليات، صراحة السياسة الامريكية في افريقية مبنية على ان هناك دول محبوبة ودول مقربة واخرى غير مقربة لاسباب، ولكن منذ قيام الحكومة الحالية امريكا اتخذت منها موقفاً والامر لا يعني ان البشير انقلب على الديمقراطية، لانه حتى في عصر نميري التغيير الامريكي بدأ في اواخر عهد نميري، وهذه المسألة حصلت نتيجة للتوجه الاسلامي الذي تبناه النظام، وفي عام 1989م لم تكن المسألة تتعلق بحكم ديمقراطي ولكن النظام اتبع توجهاً معيناً، انا اعتقد ان السياسة الامريكية تعاني من انفصام تجاه السودان، هناك محركات تحرك السياسة الامريكية نحو السودان مثل اليمين المتطرف أو اللوبي اليهودي وغيرها التي تضغط وتسير سياسة امريكا نحو السودان، ما قاله د. حسن مكي مهم فيما يختص بموضوع السلام في السودان، واضيف عليه بان السودان كما قال د. سالم احمد سالم عندما كان أميناً عاماً لمنظمة الوحدة الافريقية ان السودان افريقيا مصغرة، عرب، زنوج، مسيحين، مسلمين،لا دينيين، وانه الدولة الوحيدة التي تجاور (9) دول، فانا اظن ان السياسة الامريكية الحالية سواء كانت مقصودة او غير مقصودة ستؤدي الى شرزمة افريقيا وسيكون لها انعسكات واضحة، اذاً فنجاح الاتحاد الافريقي في السودان هو نجاح لافريقيا. ما تحدث عنه السفير عن وجود مشكلة ومعاناة في دارفور نحن نعلم ذلك كله، لكن نريد ان نعرف ما هي الوسيلة التي تقوم بها امريكا لمساعدتنا في حل هذه المشكلة؟ هل يكون ذلك عبر القرارات التي تتخذ في مجلس الامن بتوجيه من امريكا؟ من الذي يسير مجلس الامن؟ لنكن واضحين، اذا لماذا اجيز القرار 1706 اخر يوم لرئاسة غانا لمجلس الامن بسبب الضغوط ليخرج القرار بصورته المعينة.
رد السفير :
اوافق على ان المشكلة هي عدم ثقة وانه يوجد احباط مشترك امريكي سوداني، وكل واحد يظن الاسوأ عند الاخر وسوء النية، بخصوص سياسة الخارجية الامريكية في الشرق الاوسط، انا والحمدلله في افريقيا وليس في الشرق الاوسط، وانتم تعرفون عندما كنت في واشنطن كدت اسقط في الهاوية بسبب تصريحاتي حول سياسة امريكا في الشرق الاوسط ليس فقط في فلسطين بل الشعب العراقي كذلك، انا اشجع ان يكون السودان في اطار الدول المحبوبة، الشهر الماضي كانت هناك موجة في الكونغرس الامريكي بين الديمقراطيين طلبوا عقوبات اضافية على السودان، د. جانسون قالت ان الوقت غير مناسب لفرض عقوبات اضافية لزيادة العقوبات على السودان، الديمقراطيون قالوا ان ادارة بوش ضعيفة امام الادارة السودانية، انا اوافق ان هناك سياسة الجزرة.
مداخلة :مريم المهدي، اقتصادية، أود ان اشكركم على تلك الكلمات التي بدأتم بها، انتم قلتم ان عملكم في افريقيا عمل شراكة والحكم على الشعوب اكثر من الشراكة من اجل المساعدة الامريكية على السودان كانت في مجال العون الانساني، وراعينا ذلك على مدى سنوات وتحولت الى دعم تنمية في زمن نميري في السبيعنيات، في الوقت الذي كان فيه معظم ديوننا يمكن التحكم فيها، لم تكن هنالك اشتراطات في مجال الحكم، ورغم معرفة الحكومة الامريكية بشئون الحكم انذاك، مع تبعات تلك المشاريع التنموية الحقلية والمشكلات الكبيرة التي ظللنا نواجهها الآن في هذا المنحنى يمكن ان اقول بان العقوبات الحالية تتفق تماما، فالعقوبات لا تؤثر على الحكومة بل تؤثر على الشعب بصورة غير مباشرة في انعدام التقانة المطلوبة، الحكومة الآن السياسة الامريكية لا تمكنها من الوصول للاسواق العالمية بغير محفزات، ان الدعم الذي يقدم عبر البنك الدولي هذا نوع من التنمية بعد الحروب، والسودان وجد نفسه الى مفترض البحث عن مساعدات غير مشروطة، وحصلت على قروض من الهند بفائدة متدنية سيستفيد منها الاجيال القادمة،
القروض المتاحة في دول اخرى بين القروض المشروطة، دولة الصين تمنح القروض. اتحدث باعتباري عضواً بحزب الامة، كيف لك ان تتوقع انتخابات نزيهة وهناك قادة محبوسون في السجن وهؤلاء القادة مضربون عن الاكل، اين النزاهة؟
العلاقات الامريكية تغيرت في افريقيا، قامت بتحفيز الحكومات الراشدة ووضعت استرايتيجية ايجابية على الناس الذين يقومون بالاعمال الصحيحة، خلال الثلاث سنوات الماضية شاركت في انهاء حرب اريتريا وحرب السودان.
بالنسبة لاعتقال السياسيين يجب ان اكون حذراً عندما اتحدث عن ذلك والا طالبوا بابعادي عن السودان ولن يكون هناك انتخابات ديمقراطية اذا ما شاركت الحكومة في اعتقال الناس، يجب ان تقدمهم لمحاكمات عدلة واشير لمبارك الفاضل وعلى محمود حسنين هناك احد القادة الكبار في الحركة الشعبية اعتقل قبل يومين كيف ستجرى الانتخابات، اذا كانت هناك سيطرة من الدولة.
عبر الحوار ستتحقق الانتخابات، هناك فجوة بين امريكا والسودان بعيدة جداً ومهمة السودان غير بعيدة نسبياً على الرغم من ان العراقيل والاتهامات نحن نسبياً في طريقنا لاكمال الخطوات.
الادارة الامريكية لها مرونة مع السودان واضحة وموجودة حتى اليوم انا قلت لاني دبلوماسي اذا الحكومة السودانية طردتني قبل الانتخابات الامريكية سابقى في السودان، المعارضة الامريكية تقارن نفسها بسياسة بوش الخارجية والديمقراطيون كانوا غير مبسوطين من ادارة بوش تجاه السودان، ويجب ان نفهم ذلك، ان الاوان وان هناك فرصة ذهبية ونادرة لتحسين العلاقات السودانية الامريكية هناك مشاكل تمويل في العالم الثالث وفي السودان هناك نخبة من المفكرين والمثقفين الذين عندهم تحليل سياسي وانتقاد للحكومة السودانية، انا متأكد من ان هناك حقيقة ايجابية كيف نحن نترجم ذلك بتحسين ملموس دون غموض وبدون تردد.
üمداخلة د. غازي صلاح الدين مستشار رئيس الجمهورية : نرحب بسعادة السفير الامريكي في السودان وفي هذه المحاضرة التي تتحدث حول العلاقات الامريكية السودانية، اقول ان السياسية ليس فيها جديد ومعني السياسة هو ان تتواصل وتعطي الناس الامل.
اريد ان اوضح الحقيقة القائمة اننا لم نسير الدرب الطويل في التعامل مع المشكلات سيكون من السذاجة ان نفتكر ان امريكا ديمقراطية، انا لا اهاجم السياسة الامريكية ولكن انظر الى تجربة السودان واتفق معهم انها اتت بواسطة انقلاب عسكري.
امريكا تدعم الاحزاب التي كانت في السلطة، وجهت الحكومة الدعوة لسفاكير مرتين ولمني اركو مناوي وقرنق من قبله وكانما ان ليس هناك شخص يرأس الحكومة مثل عمر البشير، اذا كان الصادق المهدي في موقع البشير سيحدث نفس الشيء، علينا الا نصدق دموع التماسيح، من الاخطاء التي اراها والفت نظر امريكا اليها هي كلما التقيت مسؤولا امريكيا يبدأ بتعداد حجم المساعدات الانسانية في السودان، وفي الواقع هذه العلاقة غير مبنية على العون الانساني، فاذا ما استمرت في التعدد فانك ستخلف امة من الشحاذين والمتبطلين.
امر ثاني هو التأشيرة الامريكية ظللتم تتحدثون عن عدم الثقة من يقولها يجب ان يكون مسؤولاً عنها.
العلاقةالمتعاونة في السياسة الامريكية قد تغيرت اننا لا يمكن فتح ارضيات جديدة انا غير سعيد كنت اتطلع للمزيد منه ولكن لم يتغير شيء في العلاقات بين البلدين، شرح السفير وانبري وانا احذره كصديق بان لا يكرر تلك الاخطاء التي يكررها السفراء في الخرطوم
ü رد السفير الامريكي:
الحقيقة ان مشكلة دارفور معقدة ولن تحل بدون جهد حقيقي من الحكومة السودانية واقول لدكتور غازي هناك فرصة حقيقية للقيام لذلك اذا كانت الحكومة السودانية تريد، وكما قلت هي ليست مستحيلة ولا اطلب منكم الانتحار والاستسلام للامريكان، لكن يمكنم القيام بما ترونه واقول ملاحظة ان العلاقات الامريكية السودانية صارت افضل خلال 11 شهرا الماضية انا اعلم ذلك هذا هو تحليلك اذن فمصادر السياسة السودانية الداخلية كذلك السياسة الامريكية الداخلية والخارجية تجاه السودان وتتغير من سنة الى سنة ونحن لازم نستفيد من هذه الحقيقة وسأقوم بجهود جديدة ربما هناك ناس راضين عن ما قلت انا جاهز لاستمرار الحوار مع أي شخص داخل الحكومة او خارجها نحن نريد الحوار.
شكراً جزيلاً

http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=11804
_____

Post: #501
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 11:24 PM
Parent: #500


الدكتور عبد الحميد صالح يكشف لاسرار السياسية لـ«أخبار اليوم»
بتاريخ 18-1-1429 هـ
القسم: شخصيات ومواقف/ اعداد : الفوال
الصادق المهدي رفض عرض نميري باستلامه الحكم؟
الصادق المهدي رفض عرض نميري باستلامه الحكم؟
لقاء البشير والصادق المهدي شئ مطلوب في هذه المرحلة
إعداد الفوال
لازلنا مع الحلقات المثيرة للدكتور عبد الحميد صالح السياسي المخضرم وهو يروي فيها زكرياته السياسية .. واسرار الفترة التي كان فيها احد قواعد السياسية في المسرح السوداني السياسي .. وفي هذه الحلقات المليئة بكل الاحداث والمواقف والتي تشكل مرحلة تاريخية مهمة من تاريخ السودان .. نحاول فيها تشريح الاحداث والمواقف في تلك المرحلة والتوثيق لكل مراحلها المختلفة من تعاقب الحكم المدني الديمقراطي والشمولي واقفين عند محطات مؤثرة ومواقف تاريخية نوثق لاحداثها وشخصياتها محللين للمواقف وباحثين عن المسببات التي صنعت كل تلك الاحداث الكبيرة .. ونتابع رحلة البحث والتقصي والاستفسار في هذه الحقلة
اهتمام نميري
بعد عودة الصادق المهدي من بورتسودان هناك نقطة لابد من الوقوف عندها قليلا .. ان طائرة الصادق المهدي في طريقها من بورتسودان عائدة الي لندن كان لابد أن تمر بالقاهرة وعلمنا فيما بعد . أن نميري كان متابعا لهذه الرحلة وكان قلقا علي حدوث شئ للطائرة وظل متابعا لها حتى مغادرتها للاجواء المصرية
{ لماذا هذا الاهتمام واسبابه؟
يبدو انه كان متوجسا من العبور علي الاجواء المصرية .. لان علاقات الصادق المهدي كانت في تلك الفترة متوائمة مع الاتجاه الليبي ولربما هذا او ذاك
اعدام محمود محمد طه
دخلتم في مصالحة مع نظام نميري ولكن سرعان ما توترت العلاقة بينكم .. ماهي الاسباب الحقيقية لهذا التطور السريع؟
الاسباب الحقيقية انناجئنا للمصالحة علي ضوء اتفاقات محدودة وشروط معينة .. ولكن نميري يبدو انه غير رايه الي ان وصل لمرحلة لقبض عليهم علي السيد الصادق المهدي وكل اعضاء المعارضة وانا كنت منزعجا جدا لهذه المسألة .. وقبل هذه التطورات كان حادث اعدام محمود محمد طه وهو السبب المباشر في انني قررت مغادرة البلاد مباشرة .. ولم اعد للبلاد الا بعد زوال عهد نميري بقيام الانتفاضة . وغادرت الي مصر حينما تنصل نميري من اتفاقياته التي بموجبها شاركنا في الحكم في تلك المرحلة
نميري يعرض الحكم للصادق؟
{ هل كان في هذه الاتفاقات ان يسلم نميري الصادق المهدي رئاسة الوزراء في ذاك الوقت؟
هو قال كلاما اكثر من رئاسة الوزراء ولكن الصادق المهدي رفض هذا..
اذكر تماما انه دعاني ودعا الصادق المهدي وقال للصادق المهدي (انا ماراجل بتاع حكم .. انا راجل رياضي بتاع كورة وفروسية انا عاوزك تجي تلبس عمة وجلابية عادية كمواطن وتركب معاي تلف كل السودان تشوف انا عملت شنو وما عملت شنو . وبعد ذلك انا ساعطيك الحكم تستلمه
{ ماذا كان رد السيد الصادق المهدي علي هذا العرض؟
الصادق المهدي سكت ولم يرد نميري ..
{ وماهو تعليقه معكم عن هذا الامر؟
قال الصادق المهدي . انه لايأخذ حكم مغتصب .. وحكم نميري حكم مغتصب
{ هل تعتقد ان جعفر نميري كان جادا في عرضه هذا؟
نعم اقولها بكل ثقة ان نميري كان جادي تماما في ذلك دون شك . ولكن للاسف هذا لم يحدث
{ هذه المصالحة كان لها معارضين داخل حزب نميري الاتحادي الاشتراكي؟
نعم كان لها معارضين داخل الاتحاد الاشتراكي ولا اريد ذكر اسماء لان البعض توفاه الله
{ ومن جانب حزب الامة هل كان هناك اجماع عليها؟
حزب الامة نفسه كان هناك ناس معارضين ولكن لم يكن باستطاعتهم الحديث
في فترتكم في الحكم مع نميري هل كانت هناك اتصالات معكم من الشريف حسين الهندي؟
الشريف رحمه الله لم يكن علي اتصال بنا في هذه المرحلة لانه كان عنده رأي علي ما يبدو ولربما رأي ان العملية تقع في انفراد حزب الامة بالمصالحة ولكن الاهم في الامر انه بعد عودة الصادق المهدي من بورتسودان واجتمعنا كجبهة وطنية وطرحنا اسس المصالحة الوطنية فلم يبد الشريف حينها اية اشارة معارضة لهذه الخطوة وما ذكره في هذا الاجتماع علي ما اذكر انه قال نحن في المعارضة عندنا سبعة شروط والان تأكدت ان نميري وافق عليها جميعا ولم يوضح الشريف انه ضد هذه العملية
اضاءة اولي
في هذه النقطة في حوار اجريناه مع دكتور الشريف التهامي ذكر عبارة يمكن ان تلخص موقف الشريف حسين الهندي من خطوة المصالحة تلك حيث قال دكتور التهامي . الشريف الهندي لم يعارض هذه المصالحة وفي نفس الوقت لم يتحمس لها ويبدو ان هذا اتاح له فيما بعد ان يعبر عن موقفه الذي اوضحه الدكتور عبد الحميد صالح في عدم وجود اتصال معه حينما اكتملت فصولها الاخيرة بالمشاركة من حزب الامة
الخروج من الحكم
حينما شعرت ان نميري تغير نحونا. لدرجة ان مصير محمود محمد طه يمكن ان يطال كل من يختلف ويعارض طريق نميري وكان هذا حديث مخيف .. قررت الخروج من البلاد الي مصر . وفي مصر بعث لي نميري السيد عمر محمد الطيب والدكتور مالك حسين وذلك بعد ان افتقدني في الخرطوم وحينها حاولوا معي ان ارجع الي السودان . ولكنني رفضت الرجوع لان الاتفاق بيننا وبين نميري لم يكن كذلك . وان نميري لم يلتزم بما اتفقنا عليه في بنود المصالحة . وكانوا علي اصرار ان اذهب لنميري لاتحدث معه في هذا الامر .. ولكنني رفضت ذلك وفعلا في هذه الفترة القي نميري القبض علي المعارضة واوعها السجون وهكذا بعدت الشقة بيننا وبين نميري بهذا الاعتقال حيث ان المعارضين لم يخرجوا من الاعتقال الا بعد قيام الانتفاضة في ابريل حيث اطاحت بالنظام ولكن الذي لاشك فيه ان نميري تغير في هذه الفترة
مفتاح شخصية نميري
اذا نظرنا الي شخصية نميري وبحكم معرفتكم بها ماهي الاسباب الكامنة وراء تقلب مواقفه تلك التي يمكن رصدها خلال مسيرته في الحكم . ولربما تجعله يأخذ مواقف متضادة في حالات كثيرة ماذا وراء ذلك؟
اقول لك نميري في العادة يضع اشياء امام الناس لكي يتفقوا حولها فان لم يتفقوا فيها هذا يثير غضبه وزعله ولادلك علي ذلك اذكر انه في احدي المرات حينما اثيرت قضية محمود محمد طه دخلت عليه لاتحدث معه في هذه القضية .. وحين لقائي وانا داخل عليه وقبل ان افاتحه في القضية قال لي اوعي تجيب لي سيرة محمود محمد طه كان هذا قبل ان اقول له السلام عليكم في مكتبه وكان نميري منفعلا في مثل هذه المواقف
{ ومواقف اخري مع نميري بخصوصكم؟
من المواقف كان بعد اكتمال المصالحة انه اصر علي ان اكون رئيسا لمجلس الشعب وهذه الفكرة رفضها السيد الصادق المهدي . فعينني نميري رقيبا للمجلس اي زعيما للمعارضة واذكر انه عين بكري احمد عديل في كردفان واليا لها وكان دوما علي اصراره للتعيين لايجاد علاقات اكبر وادخل المرحوم الدكتور عمر نور الدائم في المكتب التنفيذي وكذلك الصادق المهدي . حيث كان هناك اصرار شديد من نميري لدخول الصادق المهدي للمكتب السياسي
{ هل كان الصادق رافضا للدخول للمكتب السياسي؟
الصادق المهدي لم يكن راغبا لذا جاء اصرار نميري وفي تلك المرحلة جاءت مبادرة السلام الاسرائيلي المصري في كامب ديفيد فأيدها نميري وما كان الصادق المهدي الا ان قدم استقالته وبذلك اعلن خروجه من نظام نميري . كل هذه الاشياء اجتمعت دفعة واحدة فجعلت نميري يأخذ موقفا
ذكاء الترابي
بينما حسن الترابي وبذكائه المعروف .. لم يتطرق لمسألة كامب ديفيد ظل مع نميري .. وحين اجتماعنا به طلب الترابي مننا ان نمهله لمشاورة جماعته في امر الخروج من النظام وجاءنا في اليوم الثاني بقرارهم انهم لم يأمنوا علي الخروج من النظام وهكذا ظل مع نميري
هل يمكن ان نقول ان شخصية نميري انفعالية تؤثر او تنعكس علي قراراته؟
هو كرئيس جمهورية لايحب ان يقول له اي احد لا فهو لايريد المعارضة وفاكر انه المعارضة دي انتهت هي في الحقيقة قائمة
في هذه المرحلة الم تفكروا كحزب امة ان تضعوا حدا لهذه المعاناة بعلمية انقلاب عسكري يكون فيه الخلاص لكم؟
ابدا لم نفكر اطلاقا في هذا الاتجاه ولا املك في معلوماتي انه حدث يوما التفكير
ولم يحدث ان اتصل بكم خياط لديهم الرغبة في القيام بانقلاب وطلبوا تأييدكم؟
لا اعتقد ذلك حدث
اين الاحزاب
في المرحلة القادمة ما هو المنظور القريب لسيناريو الاحداث في السياسة السودانية . رؤيا . ونافذة نطل بها علي الواقع اليوم؟
اذا نظرنا للساحة اليوم .. والحزب الحاكم اليوم هو وليد نظام عسكري قائم لكن اين الاحزاب سؤال نطرحه بشدة اين الاحزاب التي يمكن ان تقف وتقول لا ..حزب الامة منشق والمؤتمر الشعبي تعلم اوضاعه الاتحادي الديمقراطي كذلك يعاني بمعني انه لاتوجد اليوم احزاب قوية في الساحة يمكن ان تفعل شيئا وانا في رأيي الشخص انه لم يتبقي غير هذا النظام وسيستمر هذا النظام
وما بعد الانتخابات؟
الانتخابات تقوم
{ وهل الاحزاب سيكون لها وجود فاعل بعد الانتخابات
الله اعلم
{ مضي ذلك ان المؤتمر الوطنى سيكتسح الانتخابات؟
ان كانت للاحزاب قوة ..فلتحاول ذلك ؟ وعليك ان تري أن الصادق داخل ونقد داخل والشعبي داخل والحركة الشعبية داخله والاتحادي ديل كم ؟ والشاطر يخم ؟
{ من هو في نظرك الشاطر؟
قال ضاحكا .. الشاطر انا .. لانني عائش في حالة
الصادق والبشير
{ اجتماعات الصادق المهدي مع البشير . ماذا عنها؟
اجتماع الصادق مع البشير جميل جدا في رأيي
هذا يعني انك تؤيد هذا الخط .. اقول لك احسن يعملوا كتلة . والاالبلد ستضيع . وايا كان النظام القائم اليوم لابد من الوقوف معه ونشد من ازره .. لانه لاطريق ثالث لنا .. لاننا داخلين علي مرحلة مصيرية في تاريخنا السياسي
غير المؤتمر الوطنى هل هناك خبرات لحزب الامة في التحالف مع الاتحادي الديمقراطي مثلا او اي حزب اخر؟
يمكن له ذلك ولكن السؤال هل سيستمروا في هذا التحالف هنا مربط الفرس وان كان هناك خيارات في هذا الجانب ليكون خيار هذا النظام ليستمر
اضاءة ثانية
بهذا الوضوح والشجاعة والصراحة .. اولي دكتور عبد الحميد صالح بافادته التاريخية وبقناعاته المنطقية المتجردة نراه يقف في صف الانقاذ للاستمرارية .. رغما عن انه رمز من رموز حزب معارض للانقاذ .. له مواقفه ومصادماته معه انه اعتراف بالحقيقة التي يراها امامه من خلال نظرته للمستقبل القادم والتحديات الماثلة ولازال الحديث مع الدكتور عبد الحميد صالح متواصلا يحمل المفاجآت بين طياته والاعترافات التي ربما تقود للتصادم مع مواقف تاريخية سابقة ورؤى ولكنها هي رحلة البحث عن الحقيقة في الوجدان التي تحتاج الي شجاعة فارس حينما يضع مصلحة الوطن فوق الانتماءات الصغيرة فكونوا معنا في هذه الحلقات المثيرة

http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=12665
_______

Post: #502
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 11:26 PM
Parent: #501


ملف خاص بمناسبة مرور 23 عام على انتفاضة 6 أبريل 1985م
بتاريخ 30-3-1429 هـ
القسم: الملف السياسي

بمناسبة مرور 23 عاما على ثورة رجب اوانتفاضة 6 ابريل1985
كانت الانتفاضة الشعبية صورة باهرة وعبقرية تفتقت عنها عقول النخبة النقابية ود. الجزولي دفع الله قال: الأحزاب لم يكن لها دور في أبريل
إعداد / مركز البحوث والمعلومات بالصحيفة
تمرعلينا الذكري الثالثة والعشرون لانتفاضة رجب ابريل العظيمة حيث انحاز الجيش للشعب فكانت اجمل لوحة سطرها التاريخ ونريد هنا ان نعيد للاذهان تلك السيرة العطرة التي خلدها شعبي البطل
معارضة نظام مايو:
منذ بدايته كان الحكم العسكري المايوي شموليا ذا نظرة آحادية سعى من خلالها لإحداث تغييرات سياسية واجتماعية في البلاد. ومنذ البداية عارضته الأحزاب التقليدية لطبيعته الاشتراكية، وبالطبع أيدته النقابات والأحزاب اليسارية الصغيرة وعلى رأسها الحزب الشيوعي والقوميين العرب إن لم يكن هم الذين قاموا بتنفيذ الانقلاب نفسه.
تميز النظام المايوي طيلة عهده بممارسة البطش والعنف ضد معارضيه، حيث امتلأت السجون والمعتقلات بالمعارضين. وإذا كان الفريق عبود هو أول من نفذ حكم الإعدام على عسكريين، فإن النميري هو أول من قام بإعدام معارضين سياسيين مدنيين كما فقد كثير من المعتقلين حياتهم جراء التعذيب في المعتقلات. ومرت المعارضة بسنوات ضعف وجمود في السنوات الأولى للنظام، أعقبتها عمليات منظمة، لتشتد في سنوات النظام الخمس الأخيرة. وتميز العمل المعارض في هذه الفترة بالمظاهرات والاحتجاجات التي تقوم بها الأحزاب سراً أو علناً أو التي تنظمها الجماهير بصورة عفوية.
المقاومة الجنوبية
ومن جانب آخر كانت هناك المقاومة المسلحة الجنوبية التي انطلقت منذ الستينات قبل مايو، إلا أنها تميزت بحصر نفسها في المطالبة بتقرير المصير أو الحكم الذاتي ولم تدم طويلا، ونجح نظام مايو في توقيع اتفاق سلام مع حركة تحرير الجنوب عرف باتفاقية أديس أبابا منح بموجبها الجنوب الحكم الذاتي. وأدت الاتفاقية إلى تحسين صورة النظام داخليا وإقليميا ودوليا مما أدى بدوره إلى انضمام عدد كبير من النخب السياسية الحزبية له وانسلاخها من أحزابها باعتبار أن النظام المايوي يعمل بصورة حسنة ويستطيع انجاز ما لم تستطعه الحكومات الديمقراطية الأوائل.
خروج المعارضة لخارج البلاد
وشهدت بداية نظام مايو خروج المعارضة لأول مرة لخارج الحدود السودانية وطلبها الملاجئ في بعض الدول ليصبح ذلك سمة أساسية للمعارضة للأنظمة العسكرية في السودان. واتخذت المعارضة من ليبيا ولندن مواطن لها وتم تأسيس الجبهة الوطنية من حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي والإخوان المسلمين، لتبدأ في إعداد العدة لمنازلة النظام عسكريا لإزالته من الوجود بالقوة. و بالفعل شنت الجبهة الوطنية في يوليو 1976 هجوما مسلحا من ليبيا استطاعت القوات المسلحة القضاء عليه بعد سلسلة طويلة من حمامات الدم في العاصمة، ودحره وأطلقت عليه سلطة مايو وقتها اسم هجوم المرتزقة للنيل منها سياسيا. وهكذا انتهت الجبهة الوطنية وتم تفكيك معسكراتها في ليبيا وأصبحت نسياً منسياً لدرجة أن قادتها العسكريين الذين قدموا أرواحهم مهرا لها مثل العميد محمد نور سعد تم تجاهلهم من جانب القيادات السياسية التي دفعت بهم إلى هذه المغامرة العسكرية.
ازالة نظام مايو
لم يكن للجبهة الوطنية برنامجاً واضحاً لمعالجة القضايا السودانية سوى إزالة نظام مايو ووراثة الحكم عنه، كما لم تستطع مخاطبة الجماهير بأبعاد العملية وأهدافها والإعلان عن قيادتها، فقد كانت عملية خطط لها في الظلام وتم دحرها في ظلام آخر. إلى جانب ذلك شهدت مايو عددا من الانقلابات العسكرية الفاشلة فاقت الخمس محاولات، تم دحرها جميعاً.
المصالحة الوطنية
فشلت الجبهة الوطنية في تحقيق أهدافها في إزالة النظام، وبعد حلها شارك اثنان من أعضائها (الأمة والإخوان المسلمون) في سلطة مايو بمقتضى المصالحة الوطنية التي وقعت في نهاية السبعينات، ودخلا في الاتحاد الاشتراكي. وبعد هذه النهاية المحزنة انعدم العمل الجبهوي المعارض للنظام المايوي
مواصلة المعارضة
وأخفقت محاولات عديدة لتوحيد قوى المعارضة، وانحصر العمل المعارض في ما كان تقوم به قلة من الاتحاديين في الخارج وانعكاساته على الداخل وما قام به الشيوعيون والبعثيون الذين نجحوا في منازلة النظام داخلياً في سنواته الأخيرة. كذلك شن الجمهوريون معارضة قوية في سنتي مايو الأخيرتين حصرت نفسها بدقة في المطالبة بإلغاء تطبيق قوانين سبتمبر التي شوهت الإسلام، ونتيجة لذلك واجه الأستاذ محمود محمد طه تنفيذ حكم الإعدام بابتسامة اشتهرت فيما بعد وأسهمت إسهاماً كبيراً في كسر حاجز الخوف لدى الشعب الذي هب لاقتلاع الدكتاتورية من جذورها في ابريل من نفس ذلك العام.
دور النقابات والاتحادات
في هذا الوقت وفي ظل غياب المعارضة الحزبية انبرت النخب الاجتماعية الآتية من خارج المنظومات الحزبية إلى قيادة العمل المعارض والنضال ضد النظام الدكتاتوري بعد أن تبين لها فشل النخب الحزبية في القيام بهذا الدور الطبيعي. وانتظمت هذه النخب الجديدة على قيادة النقابات والاتحادات المهنية وتوجيهها بالأفكار السياسية والتنظيمية للقيام بدورها السياسي بمهمة إسقاط النظام الشمولي. وأصبح لكل نقابة ممثلين في قيادة التجمع النقابي الذي أصبحت له فروع في الأقاليم، وتجمع الناس حوله وزادت عضويته باستمرار، وبدأ التجمع يتحول ببطء من نقابات مطلبية إلى حركة سياسية ثورية، يستخدم سلاح الإضراب والعصيان المدني، وله قدرة عالية في تنظيم الجماهير وحشدها لإجبار النظام العسكري على تقديم التنازلات وكان للشماسة والنازحين من أبناء الشوارع دورفي الإضرابات أيضا. وهكذا أصبح بإمكان المواطن العادي أن يساهم في إجراء تعديلات ديمقراطية على التشكيلات السياسية القائمة. وحقيقة كانت الحركة النقابية هي أول حركة من نوعها في المنطقة الإفريقية والعربية بتلك القوة والانتظام
مذكرة امين مكي مدني .
وتحركت هذه القوى الجديدة بهدف توحيد قوى المعارضة على أساس ميثاق محدد (مذكرة أمين مكي مدني) تم إعداده بواسطة قيادات نسقت فيما بينها، بين الخرطوم ولندن والكويت، ولاقت هذه الخطوات تجاوباً عظيماً وسط الجماهير في الداخل. وكان الميثاق ينادي باسترداد الديمقراطية وكفالة الحريات العامة وحل مشكلة الجنوب في إطار ديمقراطي، وتحسين الاقتصاد، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات وإتباع سياسة حسن الجوار وعدم الانحياز. وأخذت المداولات حوله أكثر من عام، اتسمت بالشد والجذب، وكلما زاد النظام من بطشه وقبضته الأمنية، ابتدعت هذه القيادات بدورها أساليباً جديدة وأتت بأفكار خلاقة للمقاومة الشعبية، حتى وضحت ملامحها واكتملت في مارس 1985. وظلت المشاورات لتوحيد قوى المعارضة الحزبية تعاني من فشل مستمر حتى صبيحة 6 ابريل 1985 ساعة بات مؤكدا انتصار القوى الجديدة على النظام الشمولي وإسقاطه، حيث توحدت كافة القوى حول ميثاق التجمع الوطني لإنقاذ الوطن.
الاضرابات وشدة المقاومة
وانتظمت الإضرابات التي دعا لها التجمع النقابي المظلة التي تحوي النقابات المهنية الممثلة في الموظفين والأطباء والمحامين والقضاة وأساتذة الجامعات وقيادات الطلاب وموظفي البنوك، الذي اتخذ من دار أساتذة جامعة الخرطوم مقرا له. واشتدت حركة المقاومة والعصيان منذ يناير 1985، لتضيق الخناق على النظام باندلاع مظاهرة جامعة أم درمان الإسلامية في 26 مارس التي أطلقت الهتافات بسقوط النظام، ثم أعقبها إضراب القضاة الشهير الذي هز أركان الحكم.
العصيان المدني والانتفاضة الشعبيةوسقوط النظام
وبعد أن بلغ السخط الشعبي ذروته دعت قيادة التجمع النقابي إلى عصيان مدني شاركت فيه جميع النقابات والاتحادات، شمل كافة أوجه الحياة في المدن السودانية، وأصبحت الشوارع فارغة، وخلت الحياة العامة من أي حركة وأصاب الشلل أجهزة الدولة وعمت البلاد انتفاضة شعبية كبيرة توجت بانتصار صباح السبت 6 ابريل بتدخل قيادة الجيش للإطاحة بالرئيس نميري. لم تلعب قيادات الأحزاب دورا ظاهرا في تنظيم هذا العصيان المدني والانتفاضة الشعبية، ونسب لدكتور الجزولي قوله أن الأحزاب لم يكن لها دور في ابريل (الصحافة 6/4/2007م). كما تجدر ملاحظة غياب نقابات العمال والمزارعين عن هذا العصيان، وذلك لضعفهما وموالاة قيادتهما للنظام الحاكم.
تميز دور الحركات النقابية في هذه الفترة بالمقاومة المستمرة ضد سياسات السلطة، وتعاظم دورها بعد مساهمتها الفعالة والكبيرة والفريدة في إحداث التغيير في ابريل 1985م. وكانت الانتفاضة الشعبية صورة باهرة وعبقرية تفتقت عنها عقول هذه النخبة الاجتماعية الجديدة التي خططت لها ونفذتها وقادتها، وكانت فريدة في روحها وملامحها وأفكارها وعكست جسارة في المواجهة قل ما شهد السودان مثلها.
{ المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب
المشير عبدالرحمن محمد حسن سوار الذهب - من مواليد السودان عام 1935 و الرئيس السابق للجمهورية السودانية، ورئيس مجلس أمناء منظمة الدعوة الاسلامية. استلم السلطةاثناء انتفاضة ابريل 1985 بصفته اعلى قادة الجيش وبتنسيق مع قادة الانتفاضةمن احزاب ونقابات ثم قام بعمل غير مسبوق في العالم العربي إذ قام بتسليم السلطة للحكومة المنتخبة في العام التالي. إعتزل العمل السياسي وعكف على عمل الدعوة الاسلامية. كان يشغل منصب رئيس هيئه اركان الجيش السودانى ، ثم وزير الدفاع وذلك في عهد الرئيس الاسبق جعفر نميري ، رفض تسليم حاميه مدينه الابيض العسكريه عندما كان قائدا للحاميه عند انقلاب الرائد / هاشم العطا عام 1971، حتى استعاد النميرى مقاليد الحكومه بعد ثلاثه ايام.
نشأته
- تلقى المشير سوار الذهب تعليمه العسكري في الكلية الحربية في السودان وتخرج منها عام 1955.
- تقلد عدّة مناصب في الجيش السوداني حتى وصل به المطاف إلى وزارة الدفاع كوزير معين.
- في ابريل من عام 1985، قاد المشير انقلابا عسكريا في السودان وتقلد رئاسة المجلس الانتقالي إلى حين قيام حكومة منتخبة.
- وفي بادرة لم يعهدها التاريخ العربي المعاصر، سلم المشير سوار الذهب مقاليد السلطة للحكومة الجديدة المنتخبة واعتزل العمل السياسي ليتفرغ لأعمال الدعوة الإسلامية.
انجازاته
يشغل حاليا منصب رئيس مجلس أمناء منظمة الدعوة الاسلامية في السودان، ويعود الفضل إلى تلك المؤسسة في تشييد المساجد، المستشفيات، ملاجئ الإيتام ومراكز رعاية الطفولة. حاز على جائزة الملك فيصل لخدمة الاسلام عام 2004 .

مجلس وزراء 6 ابريل
اصدر المجلس العسكري الانتقالي القرار رقم ( 31 ) بانشاء وتشكيل مجلس الوزراء
لسنة 1405هـ علي النحو التالي:
1- السيد دـ الجزولي دفع اللة رئيسآ للوزراء
2- السيد صموئيل ارو بول نائب لرئيس الوزراء ووزيرآ
للري والقوي المائيـة
3- السيد العميد أـ ح ـ عثمان عبداللة وزيرآ للدفاع
4- السيد ابراهيم طة ايوب وزيرآ للخـارجيـة
5ـ السيد عوض عبد المجيـد وزيرآ للمالية والتخطيط
الاقتصادي
6ـ السيد سيداحمدالسيـد وزيرآ للتجارة والتعاون
والتموين
7ـ السيد المـهندس عبدالعزيز عثمان وزيرآ للطاقة والصناعة
والتعديـن
8- السيد بيتـر جـات كـوث قوال وزيرآ للنقل والـمواصـلات
9- السيد صـديق عابـدين وزيرآللزراعة والموارد
الطبيـعية
10- السيد د ـ حسـين ابو صـالح وزيرآ للصحة والرعاية الاجتماعية
11- السيد اوليفر باتالي البينو وزيرآ للخدمة العامةوالـعمل
12- السيد فريق أول شرطـة عباس مدني وزيرآ للداخلية
13- السيددـ اميـن مكـي مـدنـي وزيرآ للتشييد والاسكان
14- السيد محـمد بشيـر حـامد وزيرآ للثقافةوالاعـلام
15- السيد بشيـر حاج التـوم وزيرآ للتربية والتعليـم
16- السـيد عـمرعبـد العاطي نائـبآ عـامآ
17- عـيـن السـيـد اسـتانس جـيـمي ونقـو _ وزيرآ للخدمة
العامة والعمل خـلفآ للسيد اوليفر البيـنو
18- عـيـن السيد سيـداحـمد طيفور_ وزيـر للمالية
والتـخـيط الاقتصـادي خـلفآ للسـيد عـوض عبد المجـيـد
{ د.الجزولي دفع الله العاقب
- ولد عام 1935 بقرية الدناقلة ريفي مدني
- تخرج في كلية الطب جامعة الخرطوم عام 1959م
- نال عضوية كلية الأطباء الملكية بلندن عام 1969م
- نال زمالة كلية الأطباء الملكية عام 1985م
- بعث الى اليابان عام 1980 حيث تخصص في مناظير الجهاز الهضمي وسرطان المعدة.
- عمل طبيبا متخصصا للباطنية بمستشفى القضارف ومتخصصا بمستشفى بحري - - شغل منصب سكرتير جبهة الهيئات ابان ثورة 1964م بمدينة رفاعة وضواحيها
- شارك في العديد من المؤتمرات والسمنارات الطبية الداخلية والخارجية.
- شغل منصب نقيب الأطباء خلال الفترة (1982 - 1985) ورئيس الجمعية الطبية السودانية .
- بعد انتفاضة 6 أبريل 1985م انتخب رئيسا للوزراء في الحكومة الانتقالية (1985 - 1986م) .
{ أداء القسم
ادي الوزراء الجدد في الحكومةالانقالية القسم امام الفريق اول عبدالرحمن سوارالدهب رئيس المجلس العسكري انتقالي يوم 25 ابريل 1985 بالقصر الجمهوري يوم 25 ابريل 1985 اي بـعد 18 يومـآ من الانتفاضـة في 6ابريل ، يعود المجلس العسكري الانتقالي:
1- الفريق اول عبدالرحمن سوار الدهب رئيسـآ
2- الفريق اول تاج الدين عبداللة فضل عـضـوآ
3- الفريق طيارمحـمد ميرغني محمد طـاهر عضــوآ
4- الفريق بحري يوسف حسين احـمد عـضـوآ
5- الفريق مهندس محمد توفيق خليل عضـــوآ
6- الفريق معاش يوسف حـسن الـحاج عضــوآ
7- اللواء أ ـ ح ـ فابيان اقـم لـونج عضـوآ
8- اللواءجـيمس لـورو عضـــوآ
9- اللواء أـ ح ـ عثمان الاميـن السيـد عـضــوآ
10- اللواء أ- ح - ابراهيم يوسف العوض عـضـوآ
11- اللواء أـ ح ـ حـمادة عـبد العظيم عـضــوآ
12- العميد أ ـ ح ـ عثمان عبـداللة عـضــوآ
13- العميد أ- ح- فضـل اللة برمة عضـــوآ
14- العميد مهندس أ- ح- عبدالعزيز محـمد عضـــوآ
15ـ العميدأ- ح- فارس عبداللة عضــوآ

شعارات
ابريل انقشاع ظلام حالك ....
6 ابريل عزيمة شعب ......
6 ابريل رساله الى الشعوب المغلوبة على امرها .....
6 ابريل انتفض شعب السودان الباسل امام الدكتاتوريه ......
6 ابريل نهاية اطول حكم عسكري السودان ..... .....
6 ابريل انحياز الجيش لخيار الشعب ......
انها ملحمة شعب وذكرى تحي فينا الامل .......
جددناك يا أكتوبر في أبريل بعزم أكيد وعهد جديد
تلاحم جيش وشعب أصيل
السجن ترباسو انخلع والشعب بي أسره اندلع
حرر ختام المهزلة بلى وانجلى وانهد كتف المقصلة

{ بيان المجلس العسكري الانتقالي {
انتفاضة 6 أبريل 1985.. لم تكن عملاً شعبياً وحده بل كان للجيش دوره المعروف وصحيح كانت المظاهرات الشعبية تجتاح العاصمة..لكن القشة التي قصمت ظهر البعير كان بيان قيادة الجيش الذي أذاعه الفريق أول عبد الرحمن سوار الذهب في الساعة العاشرة من صباح السبت 6 أبريل 1985.. وبعدها أعلن عن تشكيل المجلس العسكري الانتقالي.. من قيادات أفرع القوات المسلحة والذي تولى فوراً السلطة.. ولم يتم تشكيل مجلس الوزراء إلا بعد ذلك بعدة أيام..
تكون المجلس العسكري من 15 عضواً برئاسة الفريق أول عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب.. ونائبه الفريق تاج الدين عبد الله فضل والذي تولى رئاسة لجنة الأمن في المجلس العسكري الانتقالي.. ويضم المجلس قادة جميع أفرع القوات المسلحة بالعاصمة.. وهم عسكريون غالبهم لم يكونوا منخرطين في العمل السياسي.. وما كانت تتوفر لدى معظمهم أي دوافع مؤيدة أو معارضة لأية جهة..


http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=13802
_________________

Post: #503
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 11:27 PM
Parent: #502


صحيفة آخر لحظة - محمود محمد طه موضع حبنا... ولكن فكـــره مــوضع حـــربنــــــا



الخميس 25 يناير 2007م، 7 محرم 1428هـ العدد 178
الرأي

مراجعات سياسية
محمود محمد طه موضع حبنا... ولكن فكـــره مــوضع حـــربنــــــا
وددتُ لو مرًّت ذكرى إعدام محمود محمد طه في 18/يناير1985م بهدؤ ودونما استفزاز لمشاعر المسلمين الذين أجمعوا على ردته وخروجه على النهج النبوي كما سنوضح في سياق هذا المقال... سيما وأن الأمة الإسلامية جمعاء في مشارق الأرض ومغاربها تحتفل بالعام الهجري الجديد ولا تحتاج لمن يزيد عليها آلامها ومواجعها وهي تشهد أن أرخص الدماء هي دماء المسلمين بل إن الحرب ضد الإسلام قد صارت سياسة معلنة لدى الولايات المتحدة وحلفائها في أوربا الغربية منذ أن أعلن الرئيس بوش ( أن الحرب الصليبية قد بدأت).. ذلك بدعوى محاربة الإرهاب مروراً بتصريحات البابا ضد القرآن ووصفه بالجمود الفكري ثم الرسوم الكراكتورية التي تسخر من شخصية النبي محمد(ص) وتصوره بشخصية إرهابية وإنتحارية وإنتهاء بالتدخل لمراجعة ما يُدرَّس ضمن مادة التربية الإسلامية في المدارس ثم محاربة المؤسسات الإسلامية مثل جامعة الإيمان في اليمن.. لم تكن الأمة الإسلامية في السودان تنتظر من الصحافة السودانية أن تتبارى في مجارة قبائل اليسار والعلمانيين الذين يعبرون عن مواقفهم السلبية تجاه الدين بتمجيد الزنادقة والمرتدين.. وللأسف لقد وقع الكثير من أبناء المسلمين في هذا الفخ بتمجيدهم وتعظيمهم للهالك المرتد محمود محمد طه وكأن الذي تم إعدامه صبيحة الجمعة 18/يناير 1985م هو شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية أو التابعي الجليل سعيد بن جبير أو الشهيد سيد قطب.

لقد عجبت من صحف يتربع على قيادتها مَنْ ينتمون للتيار الإسلامي السياسي مثل ( الصحافة) و( الوفاق) وغيرها تقع في ذلك الفخ لدرجة أن الأخ والصديق عادل الباز رئيس تحرير الصحافة قد وصل به الإعجاب بعلم وفكر الإستاذ محمود ما جعله يبكي عليه بكاء الخنساء على صخر حيث يشير فى عموده تحت عنوان (صحارى النسيان) في صحيفة الصحافة عدد السبت 20/يناير2007م إلى وقوعه في فخ الأخ (دالي) منظر الفكر الجمهوري بجامعة الخرطوم في عقد ثمانينيات القرن الماضي والذي كان يؤكد مراراً وتكراراً قبيل لحظات الإعدام بأن الأستاذ محمود لن يُعدم بل لن يستطيعوا أن يمسوا شعرة من رأسة.. فيسأله الطلاب قائلين: ( فإذا تم إعدامه؟؟!) فيرد دالي عليهم: ( سأذهب لأبيع التراب في قرية ود الأبيض شرق الجزيرة)..وقد أُعدم محمود وسمعتُ أن دالي قد برَّ بقسمه.. لكن صديقنا عادل الباز قد صدَّق أنَّ قوة غيبية ستتدخل لتنقذ نبي الرسالة الثانية كما تدخلت عندما حاول سراقة الإعتداء على النبي ليلة الهجرة.. وكما منعت أبوجهل من الإعتداء على النبي محمد (ص) بمكة أو كما تدخلت الملائكة لنصرة النبي في معركة بدر..ظل الباز ينتظر تدخل قوة غيبية لإنقاذ رسول الرسالة الثانية .. وعندما فشلت توقعاته وبطلت مزاعم دالي وأعدم محمود بكى الباز كما بكت الخنساء على صخر.. انظر إليه ماذا قال: ( ... عدت إلى غرفتي يحدوني أمل ضئيل أن معجزة مــا لابد من حدوثها في اللحظات الأخيرة فينجو الأستاذ. أغلقت باب الغرفة على نفسي. لم أكُ مستعداً للحديث مع أى شخص. لم أسمع بما جرى إلا في مساء يوم الإعدام. بكيتُ الأستاذ كما لم أبك زعيماً من قبل. ولا أظنني سأبكي آخراً من بعد) ثم يحدثنا صديقنا الباز عن انبهاره وانجذابه في حضرة محمود لدرجة أنه يضعه في مصاف الخلفاء الراشدين.. ثم يحدثنا عن علمه ناسياً أن ابليساً كان عالماً..ثم يردد بأن محمود لايزال حياً يوقد فكره المنابر!! يقول الباز: ( على كثرة ما التقيت في عمري من بشر, ما عرفتُ شخصاً اجتمع له العلم والتواضع ونظافة اليد وعفة اللسان كالأستاذ محمود. خرجنا منه كما دخلنا عليه مختلفين معه فكرياً, منبهرين بشخصيته. الآن تمر ذكراه فيحتفل به, فأين الذين نصبوا له المشانق دُفنوا في صحاري النسيان أحياء, والشيخ الذي قبروه في صحراء العتمور لا يزال حياً يوقد فكره المنابر)..آهـ انتهى. وفي جريدة الصحافة نفسها يحدثنا المحرر السياسي بإعجاب كيف أن الفاتيكان قد ترجمت الكتاب الأساسي لأفكار الأستاذ محمود الرسالة الثانية من الإسلام إلي ثلاث لغات أوربية بينما ترجمته الولايات المتحدة الي اللغة الإنجليزية(!!) وكأن حرص الفاتيكان راعية المسيحية في العالم والولايات المتحدة راعية الصليبية العالمية حرصهما على الإسلام قد تجسد في ترجمة كتاب الرسالة الثانية لمحمود محمد طه ثم يحدثنا المحرر السياسي عن علماء أفذاذ نافحوا ودافعوا عن محمود وأشادوا بفكره منهم منصور خالد ومحمد ابراهيم خليل وفرانسيس دينق.. ولكنه نسى أن يحدثنا عن رأى العلماء الذين يعتبرون مرجعاً لنا في ديننا أمثال الشيخ القرضاوي وهيئة علماء السودان ورابطة العالم الإسلامي الأزهر الشريف وغيرهم من الذين قالوا رأيهم بوضوح في ردة محمود.

والآن نذكر نماذج من أفكار محمود محمد طه ليهلك من هلك عن بينة ويحي مَنْ حيَّ عن بينة. يرى محمود أن التكليف بالشرائع والفرائض في مرحلة من المراحل يسقط عن الإنسان لاكتمال صلاحه، إذ لا داعي للعبادة حينذاك. على نحو ما يقول غلاة الصوفية. فيقول: … ويومئذ لا يكون العبد مسيراً، إنما مخير قد أطاع الله حتى أطاعه الله معاوضة لفعله، فيكون حيًّا حياة الله، وقادراً قدرة الله، ومريداً إرادة الله، ويكون الله وهذا هو مذهب الصوفية في وحدة الوجود. أى أن الإنسان الكامل هو الله .. وأن الشاهد هو المشهود.. ثم يحدثنا محمود عن ترقى الإنسان نحو الله ( يا أيها الإنسان إنك كادح الى ربك كدحاً فملاقيه) وفي هذا الترقي يكون لكل إنسان سدرة منتهاه خاصة به حيث يتلقي شريعته الفردية ويسقط عنه تقليد النبي محمد لأنه أصبح أصيلاً وليس مقلداً للنبي وهذه مرحلة ( لكل منكم جعلنا شرعة ومنهاجاً) انظر الى قوله إن جبريل تخلف عن النبي ، وسار المعصوم بلا واسطة لحضرة الشهود الذاتي، لأن الشهود الذاتي لا يتم بواسطة.. والنبي الذي هو جبريلنا نحن يرقى بنا إلى سدرة منتهي كل منَّا، ويقف هناك كما وقف جبريل حتى يتم اللقاء بين العابد المجرد وبين الله بلا واسطة، فيأخذ كل عابد مجرد، من الأمة الإسلامية المقبلة شريعته الفردية بلا واسطة فتكون له شهادته، وتكون له صلاته وصيامه وزكاته وحجه ويكون في كل أولئك أصيلاً).آهـ لذلك لا يصلى محمود ولا يصوم ولا يحج ولا يزكى لأنه أصيل قد تلقى شريعته الفردية التى تختلف عن شريعة المعصوم!

يرى محمود بأن اللطائف تخرج من الكثائف، وعلى هذه القاعدة المطردة فإن الإنجيل قد خرج من التوراة كما ستخرج أمة المسلمين من المؤمنين، كما ستخرج الرسالة الأحمدية (أي الجمهورية) من الرسالة المحمدية، كما سيخرج الإخوان من الأصحاب .

ثم يقول محمود عن القرآن الكريم: القرآن موسيقى علوية، هو يعلمك كل شيء ولا يعلمك شيئاً بعينه، هو ينبه قوى الإحساس ويشحذ أدوات الحس ثم يخلي بينك وبين عالم المادة لتدركه على أسلوبك الخاص، هذا هو القرآن .

كما إن محمود قد تأثر بالنصرانية من خلال مناقشته لفكرة الإنسان الكامل الذي سيحاسب الناس بدلاً عن الله. وقد أخذ أفكاره من كتاب الإنسان الكامل لمؤلفه عبد الكريم الجبلي.

عبد الرحيم عمر محي الدين
جامعة النيلين - كلية الآداب



http://www.akhirlahza.net/Raay_view.aspx?id=2784
__

Post: #504
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 11:32 PM
Parent: #503


صحيفة آخر لحظة - أحد قضاة العدالة الناجزة في إعترافات جريئة يقول 2-2)


الإثنين 22 يناير 2007م، 4 محرم 1428هـ العدد 175
حوار

أحد قضاة العدالة الناجزة في إعترافات جريئة يقول 2-2)
تشريعات سبتمبر كانت إنقلاباً إسلامياً قانونياًَ

حوار/ مزمل عبد الغفار
ذاع صيت د. المكاشفي طه الكباشي القاضي سابقاً والمحامي والقيادي السياسي الإسلامي المعروف إبان تحالف الإسلاميين مع حكم مايو واختفى في ظل الإنقاذ.. هذا الرجل الذي يجمع ما بين التصوف والسياسة كان قد ملأ الساحة الإعلامية ضجيجاً وهو يتولى أمر بعض محاكم العدالة الناجزة بعد تطبيق القوانين الإسلامية في أواخر عهد جعفر نميري، كما لعب الرجل في بدايات عهد الإنقاذ دوراً كبيراً في بناء المؤتمر الوطني من خلال دائرة الفكر وتطوير النظرية، له اصدارات عديدة منها كتاب تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان بين الحقيقة والإثارة وكتاب الردة ومحاكمة محمود محمد طه وكتاب الشريعة الغائبة في ظل الحكم الطائفي.. نواصل معه حوارنا في هذه الحلقة بالسؤال:
هل تتوقع للحركة الإسلامية بشقيها أن تتوحد في ظل التحدي القادم؟

ـ الذي أتوقعه أن الخط الذي يسير عليه المؤتمر الشعبي الآن هو خط غير سليم وربما يؤدي هذا الى خروج الكثيرين منه. لأن الخط الذي يسير عليه المؤتمر الشعبي هو عكس التيار. ولذلك أقول أن تعارض الحكومة شىء، ولكن أن تعارض الوطن فهو شىء آخر.. فالترابي وحزبه معارضته للحكومة أدت لمعارضته للوطن.. وبالتالي أتوقع أن د. الترابي في النهاية سيكون وحده.

مارأيك في تحالف الترابي والصادق ونقد الأخير؟

ـ هذا تحالف وقتي وسرعان ما يزول.

ذاع صيت المكاشفي طه الكباشي إبان تحالف الإسلاميين مع مايو واختفى في ظل الإنقاذ لماذا ؟

ـ مايو هذه لم تكن غريبة على أحد، وما من أحد من أهل السودان لم يكن في مايو.. وتعلمون أن مايو جاءت على الحصان الشيوعي وركب موجتها شيوعيون فحدث ما حدث من مجازر معروفة ، و لكن عندما انقلب الشيوعيون على النميري أدى الى أن يقوم الأخير بضرب الشيوعيين. وبعد ذلك تكونت الجبهة الوطنية التي تضم كل الأحزاب: الأمة والإتحادي الديمقراطي وجبهة الميثاق الإسلامي وهؤلاء جميعهم كونوا الخط الوطني الذي أصبح يعارض نظام نميري في ذلك الوقت مما أدى ذلك الى قيام الحركة الشعبية المسلحة في يوليو من العام 1976م المعروفة بيوليو الخضراء. وجاءت بعد ذلك المصالحة الوطنية التي أدت الى دخول كل الأحزاب، فالصادق والترابي والميرغني جميعهم كانوا في الإتحاد الإشتراكي، فالمصالحة أدت الى دخول كل الأحزاب في مايو ليتم الإصلاح من الداخل.. وكان خط الحركة الإسلامية وقرارها أنها لا ترفض الإصلاح الذي تم، بالتالي لم ترفض المصالحة مع نظام نميري.

وبالفعل بوجود الحركة الإسلامية قامت البنوك الإسلامية ، واتبع بعد ذلك نميري الخط الإسلامي وبالتدرج الى أن قام بإعلان التشريعات الإسلامية في عام 1983م. عليه فإن دخول المكاشفي طه الكباشي في مايو لم يكن غريباً، وإنما كان في إطار المصالحة الوطنية التي تمت وليس في هذا عيب . وبالفعل فإن دخولنا جميعاً في نظام مايو أدى الى أن يتبنى النظام المايوي النظام الإسلامي. وكان القرار الذي اتخذه النميري قراراً شجاعاً وقوياً لم يسبقه عليه أحد حينما أعلن التشريعات الإسلامية في البلاد. وكان استمرارنا في مايو الى أن حدث ما حدث وانقلبت علينا مايو. وفي هذا لعبت أمريكا ودول أخرى دوراً كبيراً وذلك في أن ينقطع نميري عن الإسلاميين.

لا زال الناس يرددون القول بأن محاكم العدالة الناجزة في أواخر عهد مايو كانت مظهراً مشوهاً للشريعة وهدفها الإنساني فماذا تقول وقد كنت اسماً شهيراً فيها؟

ـ هذا قول غير صحيح لأن تطبيق القوانين الإسلامية على كل الأحول قد أدى الى تمكين الشريعة وما استطاع أحد أن يقتلعها.

وعموماً فإن ما حدث في تلك الفترة أدى الى تطبيق الشرع الحنيف ويكفينا في هذا ما قام به النظام المايوي من إغلاقه لدور المنكر وإراقته للخمور ومن ثم جعل نظام الإقتصاد في السودان نظاماً إسلامياً، وذلك بعد إلغائه للنظام الربوي. وكل هذا يعتبر عملاً كبيراً ومقدراً يقود في نهايته الى أن الدولة سعت لتطبيق الشريعة الإسلامية. وكلنا أيضاً أن القوانين التي كنا نحتكم فيها في الماضي كانت جميعها قوانين بريطانية سواء كان في مجال الجنايات أو في مجال التعاملات وبالتالي أصبح القانون الذي يحكم هو القانون الإسلامي بتطبيقه لأحكام الشريعة الإسلامية في مجال الجنايات من عقوبات حدية أو عقوبات تعزيرية ومن تطبيقه لأحكام المعاملات المالية على ضوء ما جاء في الفقه الإسلامي.. فكل هذا يعتبر إنقلاباً إسلامياً قانونياً وهذا هو مربط الفرس.. وبالتالي إتجاه الدولة من قانون الى قانون آخر، فهذا يعتبر مفخرة وإنجازاً كبيراً قام به النظام المايوي.

أقول أيضاً إن التطبيق كان لابد له من أن يكون منطلقاً من وجهة نظر في تطبيق الشريعة الإسلامية، ولعل بعد الناس عن الشريعة فترة طويلة أسهم في أن تكون هناك غرابة. ولكن حقيقة الذي حدث كان تطبيقاً سليماً للشريعة الإسلامية وأحكامها.. وبالتالي لم يكن هناك تشويه والذين يصفون تلك الفترة بأنها تشويه لمقاصد الشريعة في قلوبهم مقت وقد رددت على هؤلاء في كتابي المشهور تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان بين الحقيقة والإثارة وتصديت لكل الشبهات التي أثيرت، ولقد أفردت في ذلك الكتاب والكتاب الذي يليه وهو الردة ومحاكمة محمود محمد طه حيزاً.

ففي هذين الكتابين كانت هناك خلاصة لما تم تطبيقه وفيه رد على كثير من التساؤلات والشكوك التي أثارها البعض ولم اكتف بهذه الكتب وإنما عقدت سلسلة من المحاضرات والندوات سواء كان داخل السودان أو خارجه.. فكنت أحدث الناس عن ما تم تطبيقه ويقيني في هذا الأمر أن الشريعة استمرت وأن الذين يجرأون على إلغائها أو تجميدها ما استطاعوا ولن يستطيعوا.

الآن هل نستطيع القول بأن الحدود مجمدة؟

ـ أبداً الآن في ظل الإنقاذ، والإنقاذ هي إمتداد للعمل الإسلامي الذي تم في عهد نميري. جاءت لإنقاذ الشريعة الإسلامية.. والكل كان يذكر الخلط الكبير الذي شهدته فترة الأحزاب .. فكان جون قرنق في محادثاته في إتفاقية السلام الماضية مع الأحزاب يراهن على إلغاء التشريعات الإسلامية في شمال السودان وجنوبه والعودة الى قانون 1974م العلماني.. ولكن عندما جاءت الإنقاذ وقدمت طرحها في حل مشكلة الجنوب من خلال ما تمخضت عنه من اتفاقية سلام شامل في نيفاشا والتي نصت في فقراتها على فقرة صريحة وواضحة وذلك بأن تبقى الولايات الشمالية تحتكم للشريعة.. كما نعلم أن الإنقاذ ثبتت الشريعة وأصبح هناك نص دستوري موجود .. وما فعلته الإنقاذ أنها جاءت بالقانون الجنائي لعام 1991م وهذا من أهم القوانين والتي نحتكم اليها الآن.. ومحاكمنا الآن تطبق كل أحكام الشريعة.. والقانون الجنائي الآن في تبويبه ووضعه ينطلق من الفقه الإسلامي.. قنن الحدود كلها وأحكام القصاص جميعها وكل أحكام التعازير وأصبحت المحاكم تطبق هذا القانون وبالتالي فالحدود حالياً مقامة ولكن ليس وراءها إعلام . فالآن المحاكم تطبق كل أحكام القصاص والسلطة التي لها القرار النهائي هي الهيئة القضائية والمحكمة العليا وليست لرئيس الجمهورية .. فالمحكمة العليا هي صاحبة القرار النهائي في إصدار الأحكام الخاصة بالإعدام والخاصة بقطع اليد، والآن رئيس الجمهورية لا يتدخل إلا في العقوبات التعزيرية بالتخفيف أو الإلغاء، أما الأحكام الخاصة بالقصاص والحدود فهذا أمر يخص المحاكم، والآن المحاكم تعمل، ولعلك إذا ما ذهبت الى المحكمة العليا ستجد كل الأحكام أمامك والآن في كوبر تنفذ الحدود.

هل كان الإعلام ضاراً ومشوهاً للتجربة الإسلامية بحديثه عن محاكمات العدالة الناجزة ؟

ـ أنا لا أقول إنه كان ضاراً لأن كل مرحلة لها أسلوبها ومنهجها وطريقتها.. فالمرحلة التي كنا فيها كانت هي مرحلة تأسيس وبالتالي كان لابد من أن يصحبها إعلام.. والغرض من الإعلام في ذلك الوقت هو تثبيت تلك الأحكام حتى لا يتراجع عنها النميري، أو الذي يأتي من بعده لا يستطيع أن يلغيها.

لقد اختفيت في فترة الديمقراطية الثالثة وقبلها في الفترة الإنتقالية بعد ذهاب مايو ولم تكن لك مشاركات على الرغم من وجود الجبهة الإسلامية بفاعلية في ذلك الوقت فما السبب؟

ـ حقيقة كنت موجوداً في الفترة الإنتقالية التي أعقبت حكم مايو وكنت أصول وأجول والتقيت بالعديد من الطلاب في الجامعات المختلفة والتقيت بطلابي في جامعة الجزيرة وبالمواطنين في الأبيض من خلال ندوات مشهورة.. وفي أخريات الفترة الإنتقالية انتقلت للعمل في بعض الجامعات السعودية وذلك بطلب منها للمشاركة في التدريس.. فعملت أستاذاً جامعياً هناك لمدة ثلاث سنوات حسبما طلب مني ذلك، ولكن لم أكن بعيداً عن ما يدور في السودان ولقد أصدرت في تلك المرحلة كتاباً سميته الشريعة الغائبة في ظل الحكم الطائفي في السودان.

وقلت في ذاك الكتاب إن الفترة التي تمكنت فيها الأحزاب من الحكم ركنت الشريعة وجمدتها.

هل ترى أن هناك أسباباً منعت الصادق المهدي من الوقوف مع الأحكام الإسلامية في ذلك الوقت؟

ـ حقيقة الهجمة كانت قوية على أحكام الشريعة الإسلامية والصادق المهدي كان جزءاً من هذه الهجمة، لأن الصادق المهدي كان له حديث معروف وله رأيه في التشريعات التي صدرت في العام 1983م وله كلماته المشهورة في أنها لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به، وبالتالي الصادق المهدي كان له رأي فيها.. وبالتالي عندما جاءت الهجمة على التشريعات الإسلامية اشترك فيها فساعد ذلك في التجميد.. فالصادق المهدي له رأي مسبق وهذا الرأي متروك له.. وإن كما قلت إن الصادق المهدي مخطىء في هذا الرأي، لأن هذه أحكام خاصة بالحدود وبالتالي هو مخطىء في تقييمه لأحكام الشريعة الإسلامية لهذا ساعد في التجميد لأنه كان يتولى أمر الحكم.

هل كان للحركة الإسلامية في ذلك الزمان أي دور في محاكمة محمود محمد طه ؟

ـ أبداً لا يوجد أي دور للحركة الإسلامية في محاكمات محمود محمد طه، فالقرار كان قراراً عادياً وشأن محكمة.. وبالتالي فالحركة الإسلامية بعيدة كل البعد عن هذا القرار كما أن جعفر نميري بعيد أيضاً كل البعد.. فلم يتدخل أحد في قرارات المحكمة. لا في المحكمة الأولى التي ترأسها د. المهلاوي ولا في محكمة الإستئناف الأخيرة.. فالمسألة كانت مسألة دين وبالتالي الحركة الإسلامية ونميري ليس لهما دخل .

جريمة الردة هل يعمل بها الآن إن كانت هناك ظواهر؟

ـ الآن هي موجودة كمادة في صلب القانون الجنائي وبالتالي إذا كان هناك من تنطبق عليه هذه المادة يطبق عليه القانون.

لقد كنت في بداية عهد الإنقاذ رئيساً لدائرة الفكر وتطوير النظرية فإلى أي مدى ترى المنهجية الفكرية واقعاً معاشاً في حياة الناس خلال الـ 17 عاماً؟

ـ نحن دائماً نريد أن نقنن العمل السياسي. لأن السياسة هي نوع من العبادة حتى يكون مرتبطاً بمنهجية وفكر.. ولذلك فعندما كنا في المؤتمر الوطني في بدايات الإنقاذ كنا من المشاركين في الطرح الفكري والمنهجي للحزب الى أن تطور وصار حزباً له منهجه وطرحه.. وبالتالي فنحن نريد أن نؤسس لعمل ديمقراطي داخل الحزب.. وبالتالي لا نريد له أن يكون حزب بيوتات أو أشخاص وإنما حزباً تسوده الديمقراطية والمنهجية ومن خلال الهيكلة والمؤسسات قام المؤتمر الوطني من القاعدة الى القمة.

الخطاب السياسي للإنقاذ إنبنى على مؤسسات فكرية ومنهجية فهل ترى في أبعاد هذا الخطاب أي تحولات نتيجة تغيير الخارطة السياسية؟

ـ أقول إن هناك ثوابت وهناك متغيرات.. ومن الثوابت في الخطاب علاقة الدين بالدولة، والآن الإنقاذ لا تفرط في العقيدة ولا الوطن أما ما عدا ذلك فهي متغيرات وهذه تتعلق بالعمل السياسي وأساليبه المختلفة مثل شكل الديمقراطية وشكل الشورى من خلال الممارسة، فهذه كلها قد تختلف وهناك أطروحات كثيرة هنا. فهذه الأخيرة هي المتغيرات ولكن الثوابت لا يستطيع أحد تغييرها.

يقال إن الإسلاميين قد إستعجلوا الوصول للسلطة كيف ترى هذا القول؟

ـ أنا أقول ليس هناك إستعجال فما حدث شىء طبيعي لأن الطرح الإسلامي كان منذ فجر استقلال السودان.

يقولون أيضاً إن الحركة الإسلامية فقدت، وهي في السلطة أكثر مما فقدته وهي في المعارضة فما ردك هنا؟

ـ أبداً فالسلطة من المفترض أن تقوي البناء السياسي والبناء الإسلامي والحركة الإسلامية. وصحيح أن الحركة الإسلامية كانت في البداية حركة محصورة في طبقة مثقفة فقط، ولكن الآن أصبحت حركة جماهيرية فامتدت الى الجمهور وهذا شىء مهم.. وبالتالي لا أقول إنها فقدت، بل كل يوم هي تزداد قوة.

هل الحركة الإسلامية رتبت نفسها لأن تكون في مقاعد المعارضة في يوم من الأيام؟

ـ كل شىء وارد.. والناظر لتطور الحركة السياسية في عهد الإنقاذ يجد أن الإنقاذ قد مرت بمراحل، وكل مرحلة تختلف عن الأخرى .. وآخرها أن الأنقاذ هي التي فتحت باب الحرية والتعددية ولم يجرؤ حاكم أن يفعلها.. ولكن الإنقاذ في سبيل التطور الطبيعي المتدرج أوصلت الكل الى مرحلة التحول الديمقراطي بحيث أن يكون هناك تداولاً حقيقياً للسلطة ويومها الحركة الإسلامية لا تمانع في أن تكون في مقاعد المعارضة.

هناك إتهام موجه للإسلاميين بأنهم لا يتحلون بالشفافية الكاملة تجاه عملية التحول الديمقراطي ومفهوم التداول السلمي للسلطة؟

ـ هذا حديث غير صحيح.. فهناك الآن برلمان توج من خلال الدستور الإنتقالي لعام 2005م ومن خلال اتفاقية السلام الشاملة والإتفاقات التي تمت في الشرق والغرب.. والآن المجلس الوطني يضم كل ألوان الطيف السياسي. وبالتالي ليست هناك حكومة خفية، بل هناك حكومة الوحدة الوطنية كما تعلم وليس هناك برلمان خفي وإنما برلمان واضح تعرض فيه كل القضايا بشفافية ووضوح.. فهذه المرحلة التي وصلنا إليها هي مرحلة متقدمة، ذلك في أن سلكت الإنقاذ الطريق الذي إختطته بيدها والذي هو طريق التحول الديمقراطي والكل الآن يتحدث بصراحة .. وبالتالي زال الى الأبد ما يسمى بالغبن السياسي، فلا أحد الآن معزول بل الكل يشارك سواء كان داخل الحكومة أو خارجها.

إتفاقية السلام أقرت تطبيق الشريعة في الولايات الشمالية كيف ترى وتيرة سير التنفيذ في هذا الإتجاه ؟

ـ حقيقة النصوص واضحة جداً والتي جاءت في الإتفاقية وفي الدستور الإنتقالي والتي أوضحت بأن الولايات الشمالية تحتكم بالشريعة الإسلامية وذلك بأن تبقى حسب الدستور القوانين الإسلامية معمولاً بها في الشمال.. وهناك مفوضية لغير المسلمين وأرجو أن ينعكس الآن ما نجده في الشمال على الجنوب حتى لا تكون هناك مضايقات للشماليين في الجنوب.. حتى يكون النظام ديمقراطياً في الشمال وديمقراطياً في الجنوب.

أنت تنتمي لبيت صوفي وتيار إسلامي يرمي لتوحيد أهل القبلة وطرح حركة إسلامية كيف توفق ما بين مطلوبات البيت الصوفي ومطلوبات العمل السياسي.. وهل مفهوم توحيد أهل القبلة إتجاه قابل للتطبيق في واقع السودان؟

ـ أنا كما قلت اشتركت في اجتماعات كثيرة مع كل الأخوة في الحركات الإسلامية بمختلف مسمياتهم، إن هناك مسائل مشتركة عديدة بين كل أصحاب الدعوة الشىء الذي يقتضي توحيد الصف الإسلامي . واعتقد أنه آن الآوان لتوحيد الصف الإسلامي فيما يتعلق بالثوابت والمتمثلة في العقيدة والوطن.. وبالتالي أنا من أنصار التوحد ومن أنصار جمع الصف الوطني الواحد لأن المرحلة تقتضي ذلك وأتوقع أن يجتمع الصف الوطني وأن يقود السودان حزبان نتاج هذا التوحد.



http://www.akhirlahza.net/News_view.aspx?id=2627
__

Post: #505
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 11:35 PM
Parent: #504


صحيفة آخر لحظة - ذكرى الأستاذ محمود.. حزمة أسرار 2-5


السبت 20 يناير 2007م، 2 محرم 1428هـ العدد 173
الأعمدة

سيناريو
ذكرى الأستاذ محمود.. حزمة أسرار 2-5
شعرت أني أمام تسونامي قرار الإعدام أسابق الزمن، فرأيت أن الاحتكام لسيناريو القضاة لا يكفي، فلماذا لا تكون هناك محاولة أخرى داخلية، أي حفل عشاء آخر مع أصدقاء ممن ائتمن. هاتفت صديقي العفيف النظيف اسماعيل الحاج موسى، والراحل محمد محجوب سليمان، وابن عمي اللواء محمد بلال قائد السلاح الطبي، ودعوتهم لحفل عشاء بمنزلي، فلبوا الدعوة. قلت أنني أرى أن هذا المركب يغرق، فلماذا لا نحاول رفع مذكرة موقعة من نحو عشرين الى ثلاثين حامل موقع قيادي ونخاطب رئيس الجمهورية بمنعرج هذا المسار فإن استجاب فبها ، وإن لم يفعل نكون قد سجلنا موقفا للتاريخ. اسماعيل قال لي: ومن أين ستجد هذا العدد، قلت له أراه موجود، ولم نعدم أناس مثل الرشيد الطاهر وبدر الدين سليمان ومولانا دفع الله الحاج يوسف، قال اسماعيل: ثم من ؟ ، أنت متفائل، فتدخل محمد محجوب مستشار الرئيس الصحفي ليقول: ولماذا كل هذا التحمس يا أبوعلي، المسألة برمتها لن تأخذ زمنيا أكثر من فترة من هنا الى أعياد مايو القادمة وكنا في يناير، إما أن تنحسر فلا تكون هناك مايو أصلا وإما أن تنفرج نحو أفق جديد كليا، فلماذا لا ننتظر ؟ . والى رأي يوافق اسماعيل ومحجوب ذهب د. بلال. فانتهى العشاء وغادر اسماعيل ومحجوب، ليبقى معي د .بلال، تحدثنا في أمور شتى، وحين قدمته لسيارته خارج المنزل، مرت سيارتان مسرعتان بالشارع، فقال لي: حسن يا إبن عمي، هذه دولة بوليسية، وهذه العربات التي مرت من الأمن، أعمل حسابك، وأنا مع محجوب، لماذا لا ننتظر قليلا ؟ . فودعته وغادر، لأغادر أنا إلى جدة لتحديث قوة « قسم الصف »، بالأيام.
وهناك ذهبت للسفير عيسى مصطفى طالبا أن يقوم الملحق التجاري بالسفارة بشراء الأجهزة، نيابة عن الأيام، وفي ذهني بالطبع سقوط النظام، وقابلية الثورات لخلق قضايا من مثل هذه التعاملات التجارية. تردد السفير وقال لي: أنتم مؤسسة سياسية، وليس لدينا سابقة شراء من هذا النوع. أصررت فقال لي: إنت عايز تختني في «كرسي ساخن »، فوافق على مضض. وقد كان، لأفاجأ بعد الانتفاضة بعمر عبد العاطي يتحدث عن تهمة بتبديد المال العام، وفي التحري الذي قام به القاضي ( أحد أبناء شيخنا الزبير حمد الملك )، حاول أن يصرف رائد الشرطة الذي يدوّن في أقوالي طالبا منه أن يبحث عن «مراسلة» يأتي ل « الأستاذ »، والذي هو أنا، بكوب شاي، وفور مغادرته قال لي، أنا أقدرك، وقد قلت لناس النائب العام أنه ليست هناك قضية، دي (قضية فطيسة،) ولكنهم أصروا أن يمضوا بها، فلا تخف، وبعدين وكممثل للإتهام، وحين تقف في القفص سيكون لي كلام.
ضممت ذلك لأسباب المغادرة واللاعودة لوطن يتنفس فيه نافذون الحقد، ويتمطى فيه ضعاف المتنبي الجاهلون المتعاقلون مثل ذلك الزميل الشحرور، على المنابر، فيزورون حتى ما عاشوه وشاهدوه بأم عينهم. ولدهشتي ومع أيام الانتفاضة الأولى قرأت منشورا للمتعاونين مع أمن الدولة، فوجدت نفسي فيه برتية « عقيد أمن » فطفح الكيل بي. وقد كان، فلم أمثل أمام محكمة إلى اليوم، ولكن عمر عبد العاطي صال في التلفزيون حديثا عن القضية، نائبا عاما لانتفاضة كان تقديري أنها وضعت بذرة سقوطها منذ أيلولة نيابتها العامة لرجل مثل هذا، كنت قد تعرفت عليه عابرا في منزل عبد الكريم الكابلي بالشعبية في بحري قبل زمان، فكونت فيه رأيا سريعا ولكنه لم يخب.
وقد كان أيضا، أي نبوءة الراحل زين العابدين، فقد عدت من جدة لأجد قرارا سياسيا بإبتعاثي إلى أكاديمية السودان للعلوم الإدارية، فالتقيت زين العابدين بعد أيام في مأتم والد مأمون عوض أبوزيد، فأضحكني كثيرا. والى الغد.
حسن ساتي
[email protected]

http://www.akhirlahza.net/Raay_view.aspx?id=2527&r=1

Post: #506
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 11:40 PM
Parent: #1


صحيفة آخر لحظة - ذكرى الأستاذ محمود.. حزمة أسرار 5-3


الأحد 21 يناير 2007م، 3 محرم 1428هـ العدد 174
الأعمدة

سيناريو
ذكرى الأستاذ محمود.. حزمة أسرار 5-3
وعودة لكاريكاتير نحن الخبراء «حلقة سيناريو الأولى»، جئت مساءً في اليوم التالي لإعدام الأستاذ محمود للصحيفة، وبعد ظهور كاريكاتير نحن الخبراء، ومن قبله الافتتاحية «تبقى رايات العفو والتسامح عالية»، لأجد - ولدهشتي - استدعاءً للمثول أمام محكمة الاستئناف في الثامنة مساءً بالخرطوم2 . ذهبت فوجدتها منعقدة في انتظاري بحضور رئيسها المكاشفي وعضوية حاج نور والقاضي الثالث من السلك القضائي، وأظن أن اسمه عبد الماجد.

رحب بي المكاشفي ليقول لي: نريد أن نسمعك حول دوافع نشر هذا الكاريكاتير، وفي ذهننا أنه يقصد محكمة الاستئناف ورئيس الجمهورية ومحكمة الموضوع التي أصدرت حكمهاً على المرتد محمود محمد طه، لأن نشرك للكاريكاتير كان يوم إعدامه، وبعبارة نحن الخبراء نملك قدرة قتل ثلاثية يرمز إما لأعضاء محكمة الاستئناف الثلاثة، وإما إليها بضمها مع رئيس الجمهورية ومحكمة الموضوع ليصبحوا معا ذوي قدرة على القتل ثلاثية أيضا، فما هو قولك؟ قلت: دعوني أشرح لكم منهج تسييري للصحيفة، ففيها أكون أنا مسئولا مباشرة عن ثلاثة أشياء، هي «الكاريكاتير» و«يوميات الأيام» التي أتولى الإشراف عليها، ثم «افتتاحية» الصحيفة، وفيما عدا ذلك أترك التصريف اليومي لمديري إدارات الأخبار والتحقيقات والمنوعات والآداب والفنون، مع قليل من التشاور بيني وبينهم.

أما بالنسبة للكاريكاتير، فنحن ننشر نحو ثلاثة كاريكاتيرات يومياً على الصفحة الثانية وقبل الأخيرة ثم الأخيرة، والقرار هنا أن لا ينشر زميلي سكرتير تحرير الصحيفة كاريكاتيراً لا يحمل توقيعي. ولكن المشكلة، وبوجود ثلاثة رسامين للصحيفة، تكمن في وفرة الرسومات بحيث لا أقوم أنا بالتوقيع عليها يوميا، وإنما أجدولها مقدما حسب توافرها، وأحيانا يكون ذلك لما يقارب الخمسة أيام القادمة مثلا. ومع كاريكاتير نحن الخبراء يمكنكم الذهاب معي للصحيفة لنستبين أني قد جدولته من قبل صدور قراركم من جهة، ومن قبل تنفيذ الإعدام من جهة ثانية، وبالتالي فالأمر محض مصادفة، وبالتالي فلا أظن أني يمكن أن أكون بتلك الخسة التي أتصيد بها المناسبة، لأني ومن قبل هذا الكاريكاتير كنت قد نشرت افتتاحية، وأظن أنه لو كان هناك موضوع مساءلة، فتقديري يذهب أنها يمكن أن تكون حول الافتتاحية، لأنها مقصودة وموقَّتة على حدث، وقد تناولته الافتتاحية بوضوح وأشارت إليه، أما الكاريكاتير فتلك هي ملابساته. تداولوا في الأمر فيما بينهم فقال المكاشفي: إذن يُحفظ. قلت له مبتسماً: يا مولانا شنو هو الذي يُحفظ ؟ قال بصورة حازمة: البلاغ. ومضى ليوقع على القرار، ويدير الملف إلى العضوين، فوقَّعا، وحين سمحوا لي بالانصراف لاحقني حاج نور حافياً إلى سيارتي ليطيب من خاطري، ويتحدث معي عن صلة ساتي باسمي مع أني ومن تقاسيم وجهي وأنفي تحديدا أبدو من البديرية، أجبته بالإيجاب وغادرت بعد أن قال لي بما يقترب من تخصصه في هذا الشأن، قال لي مداعبا : أنظر إلى أنفك وقارنه بأنف الترابي، ثم عرّج ليقول لي : لقد انتقيت مفرداتك خلال المساءلة بعناية ، وبلغة جميلة ، كنت تنفع محامي ، ولكنك «تلحن» في بعض القول أحيانا ، ولم يعجبني استخدامك لمفردة «الخسة»، شكرته وغادرت.

بعد أن وصلت إلى مكتبي أدرت التلفون السري إلى علي شمو وزير الإعلام، سردت له ما حدث، وتساءلت: أي دولة هذه، التي يستدعى فيها رئيس تحرير من دون علم مؤسساته التي يتبع لها؟ . فنصحني بكتابة الأمر إلى اللواء محمد عبد القادر الأمين العام للاتحاد الاشتراكي لتتم مناقشته، فشكرته ولم أفعل بالطبع، وحين وضعت سماعة التلفون واسيت نفسي جهرا وقلت: دي جبَّانة وهاصت. وقد كان. فإلى الغد.
حسن ساتي
[email protected]





http://www.akhirlahza.net/Raay_view.aspx?id=2561
_____________

Post: #507
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 11:42 PM
Parent: #506


صحيفة آخر لحظة - المكاشفي طه الكباشي في حوار مع «آخر لحظة»


الجمعة 19 يناير 2007م، 1 محرم 1428هـ العدد 172
أخبار

المكاشفي طه الكباشي في حوار مع «آخر لحظة»
المخابرات الأمريكية وراء الخلاف بين الإسلاميين ونميري

الخرطوم: مزمل عبد الغفار
قال د. المكاشفي طه الكباشي القاضي السابق في عهد نميري إنه ليس نادماً على محاكمة محمود محمد طه زعيم الجمهوريين الذي تم إعدامه في ذلك العهد. واتهم المكاشفي المخابرات الأمريكية بالوقوف وراء الخلاف الذي وقع بين الإسلاميين ونظام مايو. وقال في حوار تنشره (آخر لحظة) بالداخل: إن المخابرات نجحت في اختراق العلاقة بين الطرفين. نافياً تخطيط الإسلاميين آنذاك للإنقلاب على النميري.

نص الحوار في حوارات




http://www.akhirlahza.net/News_view.aspx?id=2466
_

Post: #508
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 11:45 PM
Parent: #507


صحيفة آخر لحظة - في ندوة «بناء السلام» على شرف الذكرى 22 لإعدام محمود محمد طه


الجمعة 19 يناير 2007م، 1 محرم 1428هـ العدد 172
أخبار

في ندوة «بناء السلام» على شرف الذكرى 22 لإعدام محمود محمد طه
الجمهوريون يطالبون بإلغاء المواد التي تنتهك حقوق الفكر والتعبير من
الدستور

الخرطوم: ثناء- الدويخ
أكد ياسر عرمان الأمين العام المكلف للحركة الشعبية أن السودان يحتاج لأفكار الأستاذ محمود محمد طه الآن أكثر من أي وقت مضى، خاصة من زاوية الاسلام السياسي. وقال في احتفال الذكرى 22 لإعدام الأستاذ محمود محمد طه الذي أقيم بدار الحركة الشعبية أمس: إن مكانة الجمهوريين لم يستطع أي حزب أو جماعة إسلامية ملأها، مشيراً أن الحركة الشعبية تهتم بالمفاهيم التي تصلح الناس بعد أن شهدت البلاد حرباً طويلة كانت قضية الدين من أهم أسباب اندلاعها. وأوضح أن دعوة الأستاذ محمود محمد طه كانت مهمة لوحدةالسودان، ودعا عرمان الجمهوريين إلى ممارسة نشاطهم وطرح أفكارهم مستخدمين حقهم الدستوري والقانوني. ومن جانبه أكد أتيم قرنق نائب رئيس المجلس الوطني أن الأستاذ محمود محمد طه جاء بمنهج نابع من الإسلام ومستوعباً للآخرين، مؤكداً أن الانتماء للوطن يكون بالمواطنة وليس بالدين أو العرق، مشيراً إلى أن السودان شهد هوساً دينياً في فترة 1983م التي اعتبرها كارثة، وأكد قرنق أن قوانين سبتمبر كانت دعوة للانفصال موضحاً أن فكر الأستاذ محمود محمد طه كان أرضية صالحة لتوحيد السودان، لكنهم أعدموا محمود محمد طه السوداني. وفي ورقته «الإسلام في فكر الأستاذ محمود محمد طه» ذكر خالد الحاج عبد المحمود أحدتلاميذ محمود .م. طه، وبحكم الوقت يقتضي على البشرية أن تتوحد، وأضاف لذلك كان لابد من السلام ولتحقيق ذلك لابد من مدنية تقيم حكم القانون وتوقف العنف، موضحاً أن الحرب لن تحقق أمناً وأنها دليل على الخوف والعجز الفكري. وأكد الدكتور حيدر إبراهيم علي في ورقته «كيف نجعل من نيفاشا إطاراً لسلام دائم»، أن السودانيين لديهم مقدرة فائقة في تبخيس أشيائهم وهذا كما حدث لاتفاقية نيفاشا التي يحمد لها أنها إضافة يجب الافتخار بها، من واقع أنها حقنت الدماء. ووجه حيدر نقداً لاذعاً للحركة الشعبية خاصة فيما يتعلق «بالتلاوي» مع القوى السياسية الأخرى - على حد تعبيره - وأكد أن المستفيد الأول من هذا «التلاوي» هو المؤتمر الوطني الذي طبق سياسة «فرقّ تسد» أكثر من الإدارة البريطانية، ودعا حيدر الأحزاب السياسية الى أن تتعامل بحكمة مع المرحلة القادمة مؤكداً أن الوحدة الجاذبة تتطلب احترام الآخر .

وطالب شمس الدين ضو البيت ممثل اللجنة المنظمة للذكرى «22» لإعدام محمود محمد طه بإلغاء المادة 126 وجميع المواد التي تنتهك حقوق الفكر والتعبير من الدستور، واعتبر الدكتور أمين مكي أن يوم «18» يناير يوماً أسود في ذاكرة التاريخ السوداني، مشيراً إلى أنه يوم اغتيل فيه الفكر وحرية التعبير. الجدير بالذكر أن أسماء كريمة الأستاذ محمود محمد طه خاطبت الحضور من الدوحة مؤكدة أنه لن تكون هناك مواطنة حقيقية إلاّ بحرية الفكر والرأي والتعبير التي دعا لها الأستاذ محمود.

وتم خلال الحفل عرض فيلم يوضح حيثيات محاكمة واعدام الأستاذ محمود محمد طه بالإضافة إلى معرض كتاب شمل الكثير من رسائله.



http://www.akhirlahza.net/News_view.aspx?id=2469
_________________

Post: #509
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 11:48 PM
Parent: #508


صحيفة آخر لحظة - أحد قضاة العدالة الناجزة في إعترافات جريئة يقول :


الجمعة 19 يناير 2007م، 1 محرم 1428هـ العدد 172
حوار

أحد قضاة العدالة الناجزة في إعترافات جريئة يقول :
لست نادماً على محاكمة محمود محمد طه

حوار/ مزمل عبد الغفار
ذاع صيت د. المكاشفي طه الكباشي القاضي سابقاً والمحامي والقيادي السياسي الإسلامي المعروف ابان تحالف الإسلاميين مع حكم مايو, وقل بعض الضوء في ظل الإنقاذ.. هذا الرجل الذي يجمع مابين التصوف والسياسة, ملأ الساحة ضجيجاً ابان محاكمات العدالة الناجزة في أواخر عهد مايو بعد تطبيق قوانين الشريعة الإسلامية, كما لعب الرجل في بدايات عهد الإنقاذ دوراً بارزاً في بناء المؤتمر الوطني من خلال دائرة الفكر وتطوير النظرية.. له اصدارات عديدة منها كتاب (تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان بين الحقيقة والاثارة) وكتاب (الردة) و(محاكمة محمود محمد طه) و(الشريعة الإسلامية الغائبة في ظل الحكم الطائفي).

التقيناه في هذه المساحة لنقلب معه دفاتر الماضي والحاضر وسألناه بداية من هو المكاشفي طه الكباشي فقال:

معلوم الدور الكبير الذي لعبته وتلعبه الطرق الصوفية في السودان.. ومن هذه الوجهة فقد ترعرعت وعشت في كنف المسجد, والمسجد الذي نشأت فيه هو مسجد الشيخ إبراهيم الكباشي. والكباشي هي قرية من قرى محلية بحري ، تقع في الناحية الشمالية لبحري, وهناك حيث التقابة ونار القرآن حيث النوبة و الذكر. فهذه هي البيئة التي نشأت فيها وطبيعي أن مثل هذه البيئة تكون لها علاقات مع نفس البيئة الدينية الأخرى.. وللشيخ إبراهيم الكباشي علاقات واسعة مع مختلف الكيانات الدينية في السودان. وأذكر في هذا الجانب أن الشيخ إبراهيم الكباشي حسب التسلسل للطريقة القادرية أنه أخذ الطريق القادري من الشيخ طه البطحاني في المنطقة التي تقع جنوب الحصاحيصا, والشيخ طه البطحاني يسمي ايضاً بالشيخ طه الابيض الذي أخذ الطريق من الشيخ المكاشفي أبو عمر. وبالتالي وفقاً لهذا التسلسل نرى أن هناك علاقة بين هذه البيوت الدينية .. وهذا الترابط أدى إلى أن تكون هناك زيارات وتواصل بين هذه البيوت. وأذكر انه قبل ولادتي وتحديداً في العام 1936م زار الشيخ المكاشفي رجل الشكينيبة منطقة الكباشي وكان ذلك في عهد الخليفة عبد الوهاب المشهور بالشعراني ، ويومها كان هو خليفة الكباشي.. هذا التزاور انعكست آثاره على قوة الترابط بين البيتين وأذكر أنه في تلك الأعوام أصبح اسم المكاشفي من الأسماء المشهورة في منطقة الكباشي وأنا من مواليد عام 1946 فسميت بهذا الاسم تيمناً بالشيخ الكبير المكاشفي أبو عمر، لزيارته الميمونة للكباشي وأصبح كثيرون يحملون هذا الاسم نتاج هذه الزيارة فهذا هو سبب تسميتي بالمكاشفي. وفي الكباشي ترعرعت وعشت ودرست في المسجد القرآن ثم التحقت بالمدرسة الابتدائية ثم الوسطى والعليا بوادي سيدنا ثم جامعة الخرطوم كلية الشريعة وبعد ذلك نلت درجة الدكتوراة والأستاذية.

هذه هي البدايات الطبيعية لشخصك ماذا عن البداية السياسية إذن؟

السياسة كما تعلم هي الهم الشاغل لأهل السودان. وبالتالي أذكر أنه في بداية سنواتي الدراسية بدأت الأفكار تتوالى علينا سياسياً, وأنا يومها كنت طالباً بمدرسة وادي سيدنا.. وقبل وادي سيدنا وعندما كنت طالباً بالمدرسة الوسطى بحي العرب أم درمان, وكنت أسكن يومها شمال أم درمان في ودنوباوي والحتانة وتحديداً في الأعوام 1957 إلى 1959م التحقت بالحركة الإسلامية وكان سبب التحاقي بها على الرغم من أنها لم تكن موجودة في المدارس في ذلك الوقت, هو الليالي القمرية التي كان يخرج فيها بعض الأخوان.

ويوم أن كنت في الحتانة التقيت بالشيخ صادق عبد الله عبد الماجد ومن خلال معرفتي به في ذلك الوقت, ومن خلال مشاركتهم في تلك الليالي القمرية دار حديث بيني وبينهم فاعجبت بالطرح الذي طرح في ذلك الوقت وكان ينتهج منهج الإمام الشهيد حسن البنا.. فكانت هذه بداياتي ومعرفتي والتحاقي بالحركة الإسلامية. وعند انتقالي للمرحلة الثانوية زاد فكري وكنت جزءاً أصيلاً من الحركة الإسلامية الطالبية في وادي سيدنا.. ولكن مع اعجابي بمنهجهم كانت هناك بعض الأسباب التي تدعو الإنسان لأن يكون له طرحه الجديد.

وبعد اكتوبر مباشرة وفي مناخ الحرية الكبيرة آنذاك, وفي ظل أن يلعب الإنسان دوراً عملياً في الحركة الإسلامية الطالبية, أنشأت حزباً وسميته حزب الحق الناطق بلسان أهل الحق.. وذاك الحزب ما كان هو إلا حركة ليست هي حركة بعيدة عن الحركة الإسلامية ولكن هي جزء منها يتخذ خط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, لإصلاح المجتمع لأنه عندما كنا في المدارس رأينا بعض المظاهر السالبة التي كانت معروفة في ذلك الزمان.. فانشأت بالتالي هذا الحزب وكان له دوره في المدرسة, وانضمت إلى جبهة الميثاق الإسلامي التي كانت تتكون من 54 طائفة وحركة, ولقد استمر ذلك الحزب مع الحركة الإسلامية في جامعة الخرطوم. وعشت في جامعة الخرطوم عهودها الزاهية القوية في ذلك الوقت فادركت إتحاد علي عثمان محمد طه وبعضاً من فترة اتحاد ود المكي.

وفي ظل هذا الكم الكبير أصبحت هناك اهتمامات بالسياسة ذلك في أن السياسة تصبح هي جزء من الدين, ونحن من الذين يؤمنون بذلك وبالتالي لا إنفصال بين السياسة والدين.

لقد أفصح الكثيرون عن موقفهم من المفاصلة بعد قرارات الرابع من رمضان الشهيرة فيما لازلت أنت توثر الصمت فهل هو صمت وراؤه كلام ؟

أنا كما تعلم لا أقول أنني بعيد عن الساحة.. فأنا من أوائل الناس الذين تحدثوا عن الترابي قبل المفاصلة, وكنت من الذين يجأرون بالصراحة, ذلك في أن الترابي يسير في خط أشبه بالخط الدكتاتوري الشاذ عن الجماعة والذي يقود للتعالي والاستعلاء,. وعندما كان الترابي رئيساً للمجلس الوطني وكان يريد أن يمرر التعديلات الدستورية التي تفقد رئيس الجمهورية الكثير من السلطات يومها أنا كنت عضواً في المؤتمر الوطني, فكنا نتحدث في ذلك الوقت بان الترابي قد خرج عن خط الجماعة ويريد الهيمنة والسيطرة.. وبالتالي حينما جاءت قرارات الرابع من رمضان كنت من أوائل الناس ليس المؤيدين فقط بل حينها كنت في ذاك اللقاء العاصف الذي تم في دار المؤتمر الوطني ولم أكن حضوراً لوحدي بل كان خليفة الكباشي الخليفة الحبر حضوراً لأنه كان يؤيد هذا الخط. وبالتالي كان لابد من أن تكون هناك مفاصلة حدث بعدها ماحدث.

فنحن لم نكن بعيدين بل كنا من المؤيدين والمؤازرين للقرارات التي أصدرها رئيس الجمهورية ورئيس المؤتمر الوطني.. وأذكر هنا أنه قد تم لقاء في بيت الضيافة وكان بحضور الرئيس وعدد من الاخوان من الكباشي وولاية شمال كردفان في عهد واليها عثمان الهادي التي لنا فيها علاقات واسعة, وتحدثت في هذا اللقاء بعد الوالي وقلت للرئيس أن هذه المفاصلة كان لابد منها لأن الترابي قد خرج عن خط الجماعة والحزب.. وأراد أن يهيمن ويسيطر بتعديلاته الدستورية هذه وبالتالي أنا لم أكن صامتاً .

إلى ماذا كانت تهدف التعديلات الدستورية؟

كانت تريد أن تسلب رئيس الجمهورية الكثير من سلطاته.

هل كانت محاولة لاقصاء رئيس الجمهورية؟

نعم بالضبط هذا ما كان مجملها فهي كانت طريقة ومحاولة لاقصاء رئيس الجمهورية.

هل المفاصلة بين الإسلاميين الآن تعيش أعلى زروتها أم خفت وطأتها بما يقارب أكثر مما يباعد؟

د. الترابي كما يقولون قد انفرد وكون حزبه, وبالتالي أصبح يمثل حزب المؤتمر الشعبي, وأصبحنا نحن في الجانب الآخر حزب المؤتمر الوطني وبالتالي أصبحت المفاصلة واضحة في هذا الجانب, حينما اختار الترابي حزباً له والبشير والغالبية العظمى ظلوا في المؤتمر الوطني..

برجعة للوراء.. هل كان من الممكن للصادق المهدي بالجواد الإسلامي أن يستمر في الحكم حتى الآن وبالتالي لما سقطت أصلاً الديمقراطية الثالثة؟

الصادق المهدي ينتمي إلى بيت ديني وكان ينبغي أن يكون خطه إمتداداً للثورة المهدية لأن الامام المهدي أقام دولة الإسلام في السودان.. وبالتالي كان من المفترض أن يقف مع كل من يرفع راية الشريعة.. لو رفعها جعفر نميري أو أي شخص آخر.. والآن من يرفع الراية نحن معه, فلو كان الصادق المهدي قد تبنى الشريعة كما تبناها أجداده لحكم السودان إلى الأبد.. لأن أهل السودان عطشى وفي شوق شديد إلى تطبيق احكام الشريعة الإسلامية.

مارأيك في فتاوي د. حسن الترابي الأخيرة والتي واجهت معارضة من علماء في الداخل والخارج.؟

لقد تحدثت في هذا الموضوع بصفتي عضواً في مجمع الفقه الإسلامي, ولقد أصدر مجمع الفقه الإسلامي بياناً اشار فيه إلى أن الآراء التي يرددها الترابي فيما يتعلق بمسائل معينة منها زواج الكتابي من المسلمة هذا رأي غير صحيح, ويخالف ما أجمع عليه أهل العلم.. وكذلك في آرائه الأخرى التي أطلقها مؤخراً والتي جميعها آراء تخرج الإنسان من الملة بل وتخرج الإنسان من الإسلام, إذا أصر عليها ولكن إذا رجع عنها فباب التوبة مفتوح.. وأنا أقول هنا أن ماتفوه به الترابي من قول وآراء ما كان ينبغي أن يقوله.

إختلفت آراء العلماء حول حكمك على محاسب وادي سيدنا ابان محاكم العدالة الناجزة في مايو فلو عدنا بالزمن مرة أخرى هل ستتخذ نفس القرار؟

كما قلت في كتابي تطبيق الشريعة في السودان بين الحقيقة والإثارة قلت أن هذه القضية هي قضية فقهية, لأن من الفقهاء من يقول أن من يسرق مالاً بدون وجه حق من المال العام تقطع يده. وأن الاختلاف الذي تحدثت عنه هو أخذ المال غفلة أو خفية (مغافلة) وهذا الأخذ الذي ورد في القانون الذي كنا نطبقه عام 1983م يقتضي أن تقطع يد من يأخذ ذلك المال .. وبالتالي فإن أخذ المال العام أو سرقته اياً كان ذلك المال وبلغ النصاب فإن اليد تقطع. وهذا رأي سار عليه كثيرون وهو مذهب الإمام مالك رحمه الله, وأخذ به الياس بن معاوية حينما قطع يد الشخص الذي أخذ المال مغافلة أو أخذ المال خلسة, وبالتالي أنا أقول أن مادام هذا النص موجود فنحن نحتكم إلى قانون.. وعليه فإذا كان النص موجوداً نحن نطبقه كما هو مالم يتم تعديل للقانون.

يقولون أن القوانين الإسلامية في العام 1983م كانت تائهة مابين انفاذ أمر الشريعة ومابين نهمة السلطان الحاكم آنذاك جعفر نميري فما قولك في ذلك؟

هذه مقولة غير صحيحة ولعل المتابعين لجعفر نميري يعلمون أن الرجل له تطلعات دينية وأصبح متديناً, وبالتالي صارت له أشواق في الدين وحينما ولج هذا الأمر اصدر جميع القرارات عن اتجاهه نحو التدين وبالتالي ليس الغرض منها كان قضية حكم أو خلافة . والناظر له في ذلك الوقت يرى أنه قد بدأ بالقيادة الرشيدة واوقف الخمور في الأندية وبعض الأماكن التي كان يتجمع فيها الناس. فهو قد بدأ بمقومات تصب في صالح الدين عندما طبق الشريعة.

لقد وصلت الأمور بالرئيس السابق جعفر نميري إلى النية في التوجه نحو الخلافة الإسلامية كمنهج حكم في ذاك الوقت ماصحة ذلك؟

هذه فبركة وليس حقيقة وإنما هذا تصوير أمني صورته المخابرات الأمريكية حتى تقع الفتنة بين نميري والإسلاميين, وفعلاً قد وقعت.. فهذه فبركة ونوع من الاختراق الأمني من جهات معينة وبالفعل نجحت في مخططها, ولكن للحقيقة والتاريخ أقول لم يكن هناك تفكير لدي الإسلاميين للإنقضاض على النميري وليس هناك تفكير في ذاك الوقت في أن النميري دوره قد إنتهى.

هل أنت نادم الآن على ايقاعك الحكم بالإعدام على محمود محمد طه؟

مثلما اوضحت في كتابي الردة ومحاكمة محمود محمد طه أن محمود كتب الكثير في إصداراته ولكن في بداية إعلان التشريعات الإسلامية أصدر محمود منشوراً شكك فيه في التشريعات الإسلامية وأن الشريعة المطبقة ليست هي المطلوبة. وشئ طبيعي عندما يصدر الشخص منشوراً فمعنى ذلك أنه يحمل رأياً .. ختمت محاكمته في المحكمة الأولى, والتي لم أكن أنا رئيساً لها وحينما تم رفع الحكم إلى محكمة الاستئناف كجهة تأييد.. فنحن قد نظرنا في الموضوع كاملاً من حيث آراء محمود محمد طه ومن حيث أفكاره التي عرضت في المنشور لأن المنشور كان يتناول افكار محمود محمد طه, وذلك الفكر هو فكر هدام لأنه هدم كل اركان الدين.. وبالتالي كانت هذه محاكمة ردة عادية مثلها مثل المحاكمات التي تمت في العصور الإسلامية الزاهية.. وبالتالي فأنا لست من النادمين على تلك المحاكمة لأن الشخص حينما يطبق حكماً من احكام الله سبحانه وتعالى فهذا نوع من انواع العبادة نفسها لأن العبادة هي اقامة الدين ومن اقامة الدين اقامة الحدود.

... نواصل



http://www.akhirlahza.net/News_view.aspx?id=2501
______

Post: #512
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 11:54 PM
Parent: #509


صحيفة آخر لحظة - قصة محمود محمد طه من الألف للياء « 1-2»


الخميس 18 يناير 2007م، 29 ذو الحجة 1427هـ العدد 171
تاريخ

قصة محمود محمد طه من الألف للياء « 1-2»


قـــــــــــسم : التوثيق والمعلومات
مولده ونشأته
ولد الاستاذ محمود محمد طه فى مدينة رفاعة بوسط السودان فى العام 1909م ، لوالد تعود جذوره الى شمال السودان ، وأم من رفاعة . توفيت والدته فاطمة بنت محمود - وهو لماّ يزل فى بواكير طفولته وذلك فى العام 1915م ، فعاش الاستاذ محمود وأخوته الثلاثة تحت رعاية والدهم ، وعملوا معه بالزراعة ، فى قرية الهجيليج بالقرب من رفاعة، غير أن والده لمّا يلبث أن التحق بوالدته فى العام 1920م ، فانتقل الاستاذ محمود وأخوانه للعيش بمنزل عمتهم برفاعة .
بدأ الاستاذ محمود تعليمه بالدراسة بالخلوة ، وهى ضرب من التعليم الأهلى ، كما كان يفعل سائر السودانيين فى ذلك الزمان ، حيث يدرس الاطفال شيئا من القرآن ، ويتعلمون بعضًا من قواعد اللغة العربية ، غير أن عمته كانت حريصة على الحاقه وأخوانه بالمدارس النظامية ، فتلقى الاستاذ محمود تعليمه الاوّلى والمتوسط برفاعة . ومنذ سنى طفولته الباكرة هذه أظهر الاستاذ محمود كثيرا من ملامح التميز والاختلاف عن أقران الطفولة والدراسة ، من حيث التعلق المبكر بمكارم الاخلاق والقيم الرفيعة ، الأمر الذى لفت اليه أنظار كثير ممن عاش حوله.
كلية غردون ودراسة الهندسة
بعد اتمامه لدراسته الوسطى برفاعة أنتقل الاستاذ محمود الى عاصمة السودان ، الواقع حينها تحت الاستعمار البريطانى ، وذلك لكى يتسنّى له الالتحاق بكلية غُردون التذكارية ، وقد كانت تقبل الصفوة من الطلاب السودانيين الذين أتّموا تعليمهم المتوسط ليدرسوا في القسم الثانوي فأكمله الأستاذ محمود بتفوق ومن ثم دخل قسم الهندسة بكلية غردون في عام 1932 ، ودرس هندسة المساحة . كان تأثيره فى الكلية على محيطه من زملائه الطلبة قويا ، وقد عبر أحد كبار الأدباء السودانيين عن ذلك التأثير بقوله : ((كان الاستاذ محمود كثير التأمل لدرجة تجعلك تثق فى كل كلمة يقولها !)).
السكك الحديدية والنضال السياسي ىتخرج الاستاذ محمود فى العام 1936م وعمل بعد تخرجه مهندسًا بمصلحة السكك الحديدية ، والتى كانت رئاستها بمدينة عطبرة الواقعة عند ملتقى نهر النيل بنهر عطبرة ، وعندما عمل الاستاذ محمود بمدينة عطبرة أظهر انحيازًا الى الطبقة الكادحة من العمال وصغار الموظفين ، رغم كونه من كبار الموظفين ، كما أثرى الحركة الثقافية والسياسية بالمدينة من خلال نشاط نادى الخريجين ، فضاقت السلطات الاستعمارية بنشاطه ذرعًا ، وأوعزت الى مصلحة السكة حديد بنقله ، فتم نقله الى مدينة كسلا فى شرق السودان فى العام 1941م ، غير أنّ الاستاذ محمود تقدم باستقالته من العمل ، وأختار أن يعمل فى قطاع العمل الحر كمهندس ومقاول ، بعيدا عن العمل تحت امرة السلطة الاستعمارية.
كان الاستاذ محمود فى تلك الفترة المحتشدة من تأريخ السودان ، وفى شحوب غروب شمس الاستعمار عن أفريقيا ، علما بارزا فى النضال السياسى والثقافى ضد الاستعمار ، من خلال كتاباته فى الصحف ، ومن خلال جهره بالرأى فى منابر الرأى، غير أنّه كان مناضلا من طراز مختلف عن مألوف السياسيين ،حيث كان يمتاز بشجاعة لافتة ، لا تقيدها تحسبات السياسة وتقلباتها ، وقد أدرك الانجليز منذ وقت مبكر ما يمثله هذا النموذج الجديد من خطورة على سلطتهم الاستعمارية ، فظلت عيونهم مفتوحة على مراقبة نشاطه.
نشأة الحزب الجمهورى
فى يوم الجمعة 26 أكتوبر 1945م أنشأ الاستاذ محمود وثلة من رفاقه حزبًا سياسيًا أسموه (الحزب الجمهورى) ، اشارة لمطالبتهم بقيام جمهورية سودانية مستقلة عن دولتى الحكم الثنائى ، وقد كان هذا الحزب هو الحزب السياسى الوحيد وقتها فى المطالبة بالحكم الجمهورى ، وفى المطالبة بالاستقلال التام ، فى الوقت الذى كانت فيه الحركة الوطنية السودانية ، بقسميها الذين يقودهما حزبا الاتحادى والامة لا يناديان الا بالاتحاد مع مصر (الاتحاديون) أو بالاستقلال فى تحالف مع التاج البريطانى (الامة). وقد عبر هذا الموقف التأريخى من مصير السودان ، أصدق تعبير ، عن الرؤية الثاقبة ، والبصيرة المسددة التى ستكون لاحقا سمة الحركة الجمهورية التى أنشأها ورعاها الاستاذ محمود محمد طه .
أول سجين سياسى فى الحركة الوطنية!
نشأ الحزب الجمهورى أول ما نشأ على المصادمة المباشرة للاستعمار ، دون أن تقعده الرهبة ، أو يصرفه اليأس ، فحفظ تأريخ السودان للأستاذ محمود صورًا ناصعة من الاخلاص المتجرد من الخوف والطمع ، فى مواجهات مكشوفة مع الاستعمار ، ومع الطائفية السياسية التى كانت تحرك الشعب لمصلحة قادتها. ورغم أن الحزب الوليد اتخذ من الاسلام مذهبيةً له ، غير أنه فى تلك الفترة لم يكن يملك من تفاصيل تلك المذهبية ما يمكن أن يقدمه للشعب ، فأنصرف أفراده الى ما أسماه الاستاذ محمود (ملء فراغ الحماس) ، فضرب رجال الحزب الجمهورى وعلى رأسهم الاستاذ محمود الأمثال فى شجاعة المواجهة ، حيث كان الحزب يطبع المنشورات المناهضة للاستعمار والتى يقوم أفراده بتوقيع أسماءهم عليها ، ثم توزيعها، فى عمل فريد من أعمال المواجهة العلنية ، اضافة الى قيامهم بالخطابة فى الاماكن العامة ، حتى استشعرت السلطات الاستعمارية الخطر ، فتم اعتقال الاستاذ محمود فى يونيو من عام 1946م وتم تقديمه الى المحاكمة ، حيث خُيّر بين السجن لمدة عام ، أو امضاء تعهد بعدم ممارسة العمل السياسى فأختار السجن دون تردد. كان الاستاذ محمود بذلك أول سجين سياسى فى تأريخ الحركة الوطنية السودانية. وحتى فى السجن فقد واصل مقاومته للمستعمر بعدم تنفيذ أوامر السجن ، فى حين واصل رفقاؤه فى الحزب مقاومتهم خارج السجن ، فأضطُرت سلطات الاستعمار الى اطلاق سراحه بعد خمسين يوم من سجنه. وقد أدى نبأ اطلاق سراحه ، تماما كنبأ سجنه ، الى تجاوب واسع من قطاعات الشعب ، أظهرته برقيات التأييد التى انهمرت على الحزب من كافة محافظات السودان.
ثورة رفاعةبعد اطلاق سراح الاستاذ محمود
واصل الحزب الجمهورى نضاله ضد الانجليز ، حتى حانت فى سبتمبر 1946م فرصة أخرى لتصعيد المقاومة ، اذ قامت سلطات الاستعمار بتفعيل قانون منع الخفاض الفرعونى والذى كان قد صدر فى ديسمبر من عام 1945م ، حين قامت السلطات فى رفاعة بسجن ام سودانية خفضت بنتها خفاضا فرعونيا ، فنهض الاستاذ محمود الى التصدى لحادثة الاعتقال هذه ، معتبرا أنّ الاستعمار بتفعيله القانون فى مواجهة عادة متأصلة لا يمكن محاربتها بالقوانين ، انما يرمى الى اضفاء الشرعية على حكمه عن طريق اظهار نفسه محاربا لعادات الشعب السيئة من ناحية ، واظهار السودانيين كشعب غير متحضر مستحق للوصاية من ناحية ثانية.

خطب الاستاذ محمود خطبة قوية فى مسجد رفاعة مستنهضا الشعب للدفاع عن المرأة التى نزعت من بيتها الى ظلمات السجن. فتوحدت المدينة بأكملها خلفه فى ثورةٍ عارمة تصاعدت الى اقتحام السجن ، وأطلاق سراح المرأة ، رغم المواجهة العنيفة التى ووجهت بها من قبل السلطات والتى وصلت لحد أطلاق النار على الشعب . وقد تجلت فى ثورة رفاعة جسارة الاستاذ محمود فى مواجهة المستعمر والتزامه جانب المستضعفين من شعبه ، مما خلب ألباب الأحرار ، حيث عبّر أحد شعراء السودان عن ذلك فى مقدمة قصيدة له فى تمجيد ثورة رفاعة بقوله : ((من المنبر فى مسجد رفاعة انبعثت الصيحة ، وخرج المسلمون - كالمسلمين الأوائل - يندفعون الى الكافر ، ولقيهم هذا خلف صف من العساكر ، وأنطلق الرصاص ، وتقدم الرجال يمشون على خطى محمود !))
تمخضت ثورة رفاعة عن سجن الاستاذ محمود لمدة سنتين ، حيث ُسجن فى سجن ودمدنى لبعض الوقت ، ثم أتم باقى مدة السجن فى سجن كوبر الشهير بمدينة الخرطوم بحرى.

السجن، والخلوة
فى السجن الثانى للاستاذ محمود بدأت تتضح له تفاصيل دعوته التى وقف حياته لها وبعد اتمامه لمدة سجنه فى العام 1948م خرج الاستاذ محمود الى مدينة رفاعة حيث اعتكف لمدة ثلاث سنوات فى خلوة عن الناس ، حيث أتم ما كان قد بدأه فى سجنه . وقد بدا واضحا أن الاستاذ محمود قد أقبل على موضوع كبير وخطير ، وكان الحزب الجمهورى طوال فترة اعتكافه قد توقف نشاطه ، فى حين كان أفراده ينتظرون خروج قائدهم من اعتكافه.
الحزب الجمهورى يخرج من جديد
خرج الاستاذ محمود من اعتكافه فى اكتوبر 1951م ودعا الحزب الجمهورى الى اجتماع عام عقد فى 30 اكتوبر 1951م . فى هذا الاجتماع طرح الاستاذ محمود ما أسماه المذهبية الاسلامية الجديدة ، والتى قال انها تقوم على الحرية الفردية المطلقة ، والعدالة الاجتماعية الشاملة .
حركة الحوار والنشر
فى عام 1952م صدر كتاب ((قل هذه سبيلى)) ، وبدأت به حركة واسعة لتأليف الكتب التى تتولى شرح فكرة الدعوة الجديدة وتفصيل مذهبيتها. فصدر كتاب ((أسس دستور السودان)) فى ديسمبر 1955م ليشرح أسس الدستور الذى دعا له الجمهوريون ، ثم توالى اصدار الكتب حيث صدر كتاب ((الاسلام)) فى عام 1960م ، ثم كتابا ((رسالة الصلاة)) و ((طريق محمد)) فى عام 1966م. فى يناير 1967م بكتاب ((الرسالة الثانية من الاسلام)) والذى ُيعد الكتاب الأم للفكرة الجمهورية. وقد توالى بعد ذلك ، وعلى مدى زمنى يمتد الى قرابة العشرين عاما، صدور الكتب ، فصدر فى ذلك جملةً ما يقارب الثلاثين كتاباً ، هذا فضلا عن الكتيبات والمنشورات التى كانت تواكب مستجدات الأحداث وقد صدر فى هذا الباب ما زاد على المئتى كتيب ومنشور

أسس الاستاذ محمودنهجاً جديداً في حركة التأليف ، والنشر ، ومنابر الحوار التى تقام فى الطرقات العامة والميادين والحدائق ودور العلم والاحياء .

المجتمع الجمهورى
حرص الاستاذ محمود على تربية تلاميذه على معيشة ما يدعون اليه من قيم الدين ، وكان نهج الفرد الجمهورى فى ذلك هو المعيشة فى(الهنا والآن) ، فى اللحظة الحاضرة ، مشتغلا بتجويد أداء الواجب المباشر جهد الطاقة ، ثم الرضا بالنتيجة أيا كانت ، اذ أنها من الله ، على قاعدة من المراقبة والمحاسبة للنفس ، تنقية وترقية لها نحو معالى المعرفة . وقد كانت حركة الجمهوريين اليومية فى الدعوة الى فكرتهم تتم تحت أعين الاستاذ محمود ووفقا لارشاده المتصل ، فى حركة يومية لا تفتر من الجلسات الصباحية والمسائية التى تعقد لتدارس المعانى السلوكية و العرفانية ، ومن حلقات الانشاد العرفانى ، والذكر والقرآن ، ومن الندوات التى تعقد فى منازل الاخوان الجمهوريين ، فضلا عن حركتهم الخارجية المتمثلة فى حلقات النقاش وحملة توزيع الكتب ، والمقابلات الخاصة لرجال الدين والمفكرين والسياسيين.
المؤامرة!
لم تتوقف محاولات القوى الدينية التقليدية التى استشعرت الخطر من تنامى تأثير الحركة الجمهورية وسط الشعب السودانى عن الكيد لها بمختلف السبل ، وقد كان القاسم المشترك لكل مؤامرات قوى الهوس الدينى هو محاولة استغلال السلطة لتصفية الحركة الجمهورية واسكات صوتها ، فسعت لدى قادة انقلاب 1959م لايقاف نشاط الاستاذ محمود ، فكان أن استجابت السلطة بقرار ايقاف الاستاذ عن القاء المحاضرات فى الاندية ، غير أن الحركة استمرت فى شكل ندوات مصغرة تعقد فى المنازل ، ويؤمها جمهور كثير ، حتى الغت السلطة القرار لاحقا ، وعاد الاستاذ محمود الى المحاضرات العامة

محكمة الرّدة !
بعد ثورة اكتوبر 1964 م وعودة القوى الطائفية الى السلطة ، تجددت محاولات قوى الهوس الدينى لضرب الحركة الجمهورية ، حيث دبرت مهزلة محكمة الردة فى نوفمبر 1968م ، والتى حكمت على الاستاذ محمود بالردة بعد محاكمة صورية سريعة استغرقت نصف الساعة ! ، ولم يمثل الاستاذ أمامها ، ولم يستأنف حكمها ، تأكيدا لعدم اعترافه بشرعية المحكمة المزعومة ، غير أنه استثمر المحاكمة كفرصة جديدة لمزيد من حملات التوعية عن خطر الهوس الدينى على حرية الشعب ، وعلى حياته أيضاً.
اصطلحوا مع اسرائيل
دعا الاستاذ محمود محمد طه ، وفى قمة فوران المد القومى العربى الذى قاده الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، الى الصلح مع اسرائيل على أساس الاعتراف المتبادل ، وحل قضية فلسطين عبر التفاوض ! ، مذكرا العرب بأن قضيتهم ليست اسرائيل ، وانما هى اقامتهم على قشور من الدين وقشور من حضارة الغرب ، مما جلب عليهم الخسران المبين. وقد كان هذا الرأى غريبا على كل العرب! اذ أنه قد انبنى على قراءة دقيقةٍ للتاريخ وبصيرةٍ ثاقبةٍ بالمستقبل ، جعلت صاحبه وكأنه آت للعرب من مستقبلهم الذى هم عن رؤيته قاصرون ، غير أن الأحداث قد أيدت رأيه ، وأبانت صدق بصيرته لكل من يرى!
حادثة الاعتداء على الاستاذ محمودفى الثانى والعشرين من مايو 1969م وبمدينة الابيض بغرب السودان ، وبينما كان الاستاذ محمود يحاضر عن الصلاة فى أحد الاندية كدأبه فى حركته المتصلة وسط شعبه ، قام أحد المغرر بهم من المهوسين بالاعتداء عليه بضربه فى رأسه بعصاة كان يحملها ، وقد نقل الاستاذ محمود على اثر الضربة الى المستشفى لتلقى العلاج ، وكان فى هذا الاعتداء دلالة جديدة على النهج الذى اختارته قوى الظلام من أجل النيل من الاستاذ محمود وفكرته ، ويجدر بالذكر أن الاستاذ محمود قد عفا عن الشخص الذى قام بهذا الاعتداء عليه.
الدستور الاسلامى المزيف وقيام مايو
فى 25 مايو 1969م قامت حركة مايو المعروفة ، فى لحظة تاريخية دقيقة كانت الاحزاب الطائفية وقوى الهوس الدينى تتهيأ فيها لفرض دستور يسمى "الدستور الإسلامي" ، ويهدف لتمكين تلك الاحزاب من فرض حكم شمولى يتلفح برداء الاسلام ، ليصادر حرية الشعب ويهدد وحدته الوطنية ، فأعلن الجمهوريون تأييدهم لحركة مايو باعتبارها قد حالت بين الشعب وبين فتنة كبرى كانت لتودى باستقرار الوطن والشعب ، رغم ادراك الاستاذ محمود للطبيعة المرحلية لمايو ، ولقصورها عن شأو الحكم الصالح الذى ظل يدعو له طوال حياته. وقد ظل تأييده لمايو ملتزما بهذه المرجعية التى تاسست عند قيامها ، لم ينحرف منه الى الدخول فى أجهزة مايو ، او مشاركتها فى تقلباتها السياسية.
لم تتوقف محاولات الكيد للاستاذ محمود بقيام حركة مايو ، بل ظلت تجرى فى الخفاء ، ففى عام 1975م أصدر مجلس الأمن القومى لنظام مايو قرارا بمنع الاستاذ محمود من القاء المحاضرات العامة، وان ظل تلاميذه الجمهوريون يقدمون المحاضرات وأركان النقاش فى كل مكان دون توقف.
السجن مرة أخرى!

فى ديسمبر 1976م واثر اصدار الاخوان الجمهوريون لكتاب ((اسمهم الوهابية ، وليس اسمهم أنصار السنّة)) والذى أثار غضب السلطات الدينية السعودية ، قامت سلطة مايو باعتقال الاستاذ محمود وعددٍ من قادة الأخوان الجمهوريين ، وقامت بايداعهم سجن كوبر ، وكانت تلك هى المرة الأولى التى يسجن فيها الاستاذ محمود فى عهد حكم وطنى بعد سجون الاستعمار.

المصالحة الوطنية وسقوط مايو!
بدأت سلطة مايو تتجه شيئاً فشيئاً الى أحضان القوى الدينية التقليدية .. وبعد دخولها فى المصالحة الوطنية فى العام 1977م اجتاحت القوى الطائفية وحركة الاخوان المسلمين عددًا من أجهزة الحكم المايوى ، وقد أيّد الاستاذ محمود المصالحة باعتبارها حقناً لدماء السودانيين بعد اقتتال ، رغما عن ادراكه للطبيعة الجديدة لمايو بعد دخول قوى الهوس الدينى ، فقد قال عقب المصالحة ((بالمصالحة الوطنية انتهت المرحلة الاولى من مايو ، وبدأت المرحلة الثانية والاخيرة)).
حل مشكلة الجنوب فى حل مشكلة الشمال!
كانت مشكلة جنوب السودان من أهم القضايا التى اهتم بها الاستاذ محمود فى فكره السياسى ، اذ كانت مشكلة الجنوب احدى قضيتين أخرج من أجلهما الحزب الجمهورى منشوراته التى واجهت الانجليز فى عام 1946 م ، والتى على اثرها تم سجن الاستاذ سجنه الأوّل ، ثم كانت مشكلة الجنوب أيضا هى أحدى القضايا التى من أجلها أخرج الجمهوريون منشورهم الشهير(هذا أو الطوفان) والذى واجه سلطة الهوس الدينى المايوى ، والذى تصاعد الى محاكمة الاستاذ محمود فى يناير من العام 1985م ، وقد ذهبت كلمة الاستاذ محمود الشهيرة (حل مشكلة الجنوب فى حل مشكلة الشمال) مثلا على استواء البصيرة السياسية على جادة الحكمة التى تزن الأمور بميزان التوحيد ، وذلك بالاشارة الصائبة الى أن مشكلة الجنوب انما هى بنت افتقار القوى السياسية السودانية الى المذهبية الفكرية الرشيدة ، وركونها الى الفساد السياسى والمكايدة الحزبية ، وهى عين مشكلة الشمال ، ولم ينفك الجنوب عن التأرجح تحت عجلة الاتفاقات التى لا تعقد الا لتنقض بيد القصور السياسى والتخبط الحزبى ، فى تأكيد متصل على مقولة الاستاذ محمود سالفة الذكر.
الهوس الدينى يثير الفتنة ليصل الى السلطة!
فى مايو 1983م أصدر الأخوان الجمهوريون كتاب ((الهوس الدينى يثير الفتنة ليصل الى السلطة)) والذى واجه النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس جهاز الأمن عمر محمد الطيب بنقد قوى لقيامه بالسماح لجماعات مهووسة ، ودعاة مشبوهين من خارج القطر ، باستغلال مسجد يتبع له ، وباستغلال أجهزة الاعلام ، فى القيام بحملة رأى الجمهوريون أنها تفتح الباب أمام فتنة دينية لا تبقى ولا تذر ، فقامت السلطة باعتقال الأستاذ محمود، وعددٍ من الجمهوريين من غير أن توجه لهم تهمة، وظلوا فى المعتقل حتى صدرت قوانين سبتمبر 1983م ، والتى نسبت زورا الى الشريعة الاسلامية ، فعارضها الاستاذ محمود وتلاميذه من داخل المعتقل ، ومن خارجه ، ثم تصاعدت وتيرة الأحداث الى اعلان حالة الطوارئ واقامة المحاكم الايجازية العشوائية فى أبريل 1984م لتطبيق تلك القوانين السيئة الاخراج والقصد .

المؤامرة من جديد !
فى تدبير مبّيت ومكشوف قامت السلطة باطلاق سراح الاستاذ محمود وتلاميذه فى ديسمبر من عام 1984م ، فى مقدمة لتدبير مؤامرة ضدهم ، ورغم علم الاستاذ محمود بالمؤامرة وحديثه عنها ، الا أنه لم يتردد فى 25 ديسمبر 1984م وبعد اسبوع فقط من مغادرته للمعتقل ، فى اصدار منشوره الشهير (هذا! أو الطوفان!) والذى طالب فيه بالغاء قوانين سبتمبر 1983 م تنقيةً للدين من التشويه الذى ألحقته به ، ودرءاَ للفتنة الدينية ، وطالب السلطة ومعارضيها فى الجنوب الى التفاوض لحل مشكلة الجنوب ، والى ايقاف الاقتتال ، صونا لوحدة الوطن ، وحقنا لدماء أبنائه .. ولم يفت على الاستاذ محمود أن السلطة انما كانت تتربص به ، وتنتظر فرصة كهذه لتقديمه لمحاكمها الجائرة ، غير أن الأمر عنده قد كان ، كما كان طوال سيرته ، امر دين لا مساومة فيه .. و لما كان الدين عنده هو نصرة المستضعفين من شعبه ، فقد نهض الى واجبه الدينى دون التفات للحسابات السياسية ، او الاعتبارات الدنيوية.
فى يناير من العام 1985م أقام الجمهوريون مؤتمر الاستقلال بدار الاستاذ محمود بأم درمان ، وفى ختامه مساء 4 يناير تحدث الاستاذ محمود عن ضرورة أن يفدى الجمهوريون الشعب السودانى حتى يرفعوا عن كاهله اصر الظلم الذى وقع عليه ، مقدما نماذج من تأريخ التصوف لصور من فداء كبار المتصوفة لشعبهم.
الكيد السياسى والمحكمة المهزلة
فى صباح الخامس من يناير 1985م اعتقلت سلطات النظام المايوى الاستاذ محمود محمد طه بعد أن كانت قد اعتقلت عددا من الجمهوريين قبله ، ليتم بذلك تنفيذ التدبير المعد سلفاً لمحاكمة الاستاذ محمود والجمهوريين أمام المحاكم التى شكلها النظام من خصوم الجمهوريين من قوى الهوس الدينى.
فى يوم الاثنين 7 يناير 1985م قُدّم الاستاذ محمود وأربعة من تلاميذه للمحاكمة أمام محكمة الطوارئ ، برئأسة حسن ابراهيم المهلاوى ، فأعلن الاستاذ محمود محمد طه رفضه التعاون مع المحكمة ، بعبارات خلّدها التأريخ فى سجل الشرف ،



http://www.akhirlahza.net/News_view.aspx?id=2465
___________

Post: #513
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 11:58 PM
Parent: #512


صحيفة آخر لحظة - رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية في الكرسي الساخن


الجمعة 12 يناير 2007م، 23 ذو الحجة 1427هـ العدد 165
حوار

رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية في الكرسي الساخن
كنت من المؤيدين لإعدام محمود محمد طه

حوار: مزمل عبد الغفار
تتعدد التيارات والطوائف الدينية في السودان، بل وقد كانت مرتكزاً ومدخلاً أساسياً لكافة جوانب الحياة الإجتماعية، وقد إرتبط بعضها بمسار التحولات السياسية منذ أواخر القرن التاسع عشر، وقد فشلت جميعها في أن تبلغ بالسودان مرحلة أن تتوحد فيه الإرادة الإسلامية الغائبة.. وقد طرحت كلٌ من هذه التيارات والطوائف الدينية مباديء ومفاهيم لأجل هذا الهدف، ولكنها لم تنجح في الاجتماع على صعيد واحد .. وقد شابت كل هذه التيارات والطوائف عدوى التباين، التي أصابت الجسم السياسي السوداني وانتقلت إلى المؤسسات الدينية.. نحسب أن جماعة أنصار السنة المحمدية هي من الجماعات التي بدت أكثر إنفتاحاً ومواكبة لإتجاهات حركة المجتمع والدولة في الفترة الأخيرة .
في وقائع هذا الحوار الشامل إفادات مهمة للعالم الجليل شيخ الهدية رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية الذي نواصل معه حوارنا في هذه الحلقة بالسؤال!

إحدى محطات فترة حكم جعفر نميري كانت محطة قوانين سبتمبر الشهيرة في العام 1983م، كيف كان موقفكم منها بعد أن توشحت مايو بالثوب الإسلامي؟

موقفنا كان مؤيداً لها، وشكرنا جعفر نميري عليها، ويكفي تلك الخطوة إبادة النميري لجميع الخمور بالبلاد، إضافة لتطبيق الحدود، لذلك كنا مؤيدين لمايو في هذه الجزئية، وهذه الفترة ، وكما قلت لك أنا كنت معارضا لمايو، ولكن كنت أحمد للنميري إبادة الخمور وإعدام محمود محمد طه.

هل تعتقد أن النميري كان صادقاً حقاً في قضية انتهاج نظامه للمنهج الإسلامي، وبالتالي تحول مايو من يسار إلى قومي عربي إلى يمين ؟

ـ نميري أكبر خائن لأن الامام الهادي هو الذي أد خله الكلية الحربية، فهو أول شخص أضرَّ ببيت المهدي ولم يحفظ له الجميل، وهذه خيانة في حد ذاتها لهذه الأسرة التي وقفت معه ولكن أنا معجب به فقط في جزئية تطبيق الشريعة الإسلامية، فهو كان شجاعاً فيها لأن كل الأحزاب قد رفضتها في السابق .

هل ما زال الخلاف قائماً بينكم وبين الأخوان المسلمين؟

ـ نحن نختلف مع الأخوان المسلمين في جزئيات، ولكن الإخاء بيننا وبينهم لم ينقطع، ونحن لا نحمد للإنقاذ إلا علي عثمان نائب الرئيس، فعندما كنا في معتقلات نميري كان علي عثمان معتقلاً معنا، وأصبح يقدم لنا الخدمات مثل ابننا ونحن كنا كباراً في السن وهو شاب، فهو كان باراً بنا، وبعد أن إنتهت مايو وجاءت الإنقاذ الآن والتي نحمد لها الكثير ولكن نأخذ عليها عمليات التشريد والفصل من الخدمة الكبيرة التي شهدتها البلاد، فهذا كان ولا يزال قضية سيئة يجب أن تُعالج.. ولكن أقول على الصعيد الإيجابي إنني إن كنت ألوم الإنقاذ فسأكون خائناً لأن التوسع الذي وجدته دعوتنا في ظل الإنقاذ لم نجده في عهد الأحزاب على الإطلاق.

ففي ظل الإنقاذ كثرت مساجدنا وأنشطتنا ومعاهدنا، وفي وقت سابق وعهود سابقة كنا نتقدم بتصديق لمسجد لمدة عامين لا نتحصل على التصديق.. وبالتالي ما وجدناه من تفهم وسعة إدراك في مرحلة الإنقاذ لم نجده في الديمقراطية الثالثة.. وأنا من المعجبين في هذه الإنقاذ بشخصية علي عثمان وغازي صلاح الدين.

أنت من المشاركين في فعاليات نيفاشا التي كان مخاضها إتفاق السلام الحالي، كيف تنظر للهنات والعسرات التي تجابه إتفاق نيفاشا الآن؟

ـ الهنات والعسرات هي نتاج وقوف دول الاستكبار وبعض الدول الغربية ضد السودان لأجل كلمة الإسلام.

بإتفاق نيفاشا هل نحن نسير الآن نحو الوحدة الجاذبة أم الإنفصال؟

ـ لقد أعطينا الجنوب عهداً ولن ننقضه.. وقرنق كان يعمل من أجل الوحدة ولكن سلفاكير الآن بعض أفعاله في هذا الطريق لا تعجبنا.

أنتم متهمون بأنكم لا تعترفون بالصوفية، فهل تغير هذا الفهم حسب تطور العصر؟

ـ نحن من مبادئنا أن لا ننقد صوفي على الاطلاق لا على مستوي الطريقة ولا على مستوي الشخصية، ولكن إذا سُئلنا نقول ذاك العمل على سبيل المثال يتعارض مع الآية تلك أو مع الحديث، فهذا إذا ما سُئلنا لكن مبدئياً لا نبادر بالتناول.. فالعلاقة بيننا وبين الصوفية هي علاقة تعاون ورغبتنا أن يصبحوا جميعاً سلفيين. لأن الولاء لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى.

ماذا تقول في انقسام الحركة الإسلامية؟

ـ أقول إن الحركة الإسلامية لو كانت صادقة لما كانت قد إنشقت أصلاً.

في قضية التطوير والتحديث أي بلغة العصر هل تتجهون نحو تكوين حركة سياسية أم ستكونون جماعة إلى ما شاء الله؟

ـ سنكون جماعة إلى ما شاء الله، ولا علاقة لنا بالسياسة.. فنحن لا نعادي جميع الأحزاب لأن جماهيرها هي جماهيرنا، فنحن كنا ولا ز لنا أصحاب د عوة إسلامية سلفية.. فنحن لسنا طلاب سلطة أو كرسي حكم، ولكن كما قلت لك لن نعادي أي حزب .

نلاحظ أن لكم مشاركات لبعض منسوبيكم في مواقع سيادية مهمة في عهد الإنقاذ كيف ينظر المراقب لهذه المشاركات هل كانت قرار الجماعة أم أفراد لذاتهم؟

ـ نحن لم نتخذ أي قرار بالمشاركة في أي حكم في يوم من الأيام، فهذا هو خطنا ونهجنا الدائم، وبالتالي فإن الذين شاركوا في قيادة بعض المواقع في عهد الإنقاذ هم يشاركون من تلقاء أنفسهم .. وهؤلاء سعت لأخذهم الإنقاذ وإختيارهم في هذه المواقع تم بإلحاح من الحكومة.. وسبق أن جاءني في بواكير عهد الإنقاذ مسؤول كبير بالإنقاذ وطلب مني ترشيح أشخاص لشغل وظائف سيادية فرفضت تماماً أن أرشح أي شخص.

لقد مرت بمسيرة السودان السياسية عدد من الإنقلابات العسكرية بدءًا من نوفمبر (عبود) ونهاية بالإنقاذ، فهل سبق لكم أن شاركتم في أي إنقلاب؟

ـ نحن لم نشارك في يوم من الأيام في أي إنقلاب من الإنقلابات العسكرية التي شهدتها المسيرة السياسية السودانية.. ونحن لسنا حزب سياسي.. وموقفنا هو ضد الإنقلابات العسكرية على خط مستقيم، ونعتقد أن هذه البلاد لم تحطمها إلا الإنقلابات العسكرية.

هل من كلمات الآن لجمع الصف ونصائح للحاكمين والمعارضين؟

ـ على الحاكمين جميعاً من شركاء في الحكومة أن يراعوا مصلحة البلاد والعباد، ويجب أن يستمعوا للجماهير في كل كبيرة وصغيرة، وذلك من أجل تلمس المشكلات الأساسية، لأن الضغط من شأنه أن يولِّد الإنفجار، والآن الحرية غير موجودة.

هل هناك خطر على الإسلام والدعوة من الهجمة الأمريكية على المنطقة؟

ـ حقيقة السودان ترعاه العنا ية الإلهية لأن المستعمر بعد الاستقلال حاول التد خل مراراً وتكرارا،ً ولكن باءت محاولاته بالفشل في النيل من السودان.. وبالتالي ليست هناك مهددات على سير الدعوة في السودان.

الآن هناك إعادة صياغة للجهويات والعرقيات في العالم وهناك تكتلات دينية من الملل والطوائف الأخرى في العالم من حولنا فيما لا زلنا نرى المسلمين شيعا وطوائف. إلى أين يسير هذا الواقع؟

ـ نحن لدينا الإسلام الحقيقي وليس الإسلام المزيف وبالتالي متمسكين بدعوتنا وسنتخطى أي إستهداف عالمي بتمسكنا بهذه الدعوة.

متى نستطيع القول بإننا قد ترجمنا على أرض الواقع إسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجتمع الفضيلة ونعلن إنهاء مبدأ المشاحنات؟

ـ الأمر بالمعروف ليس فيه مشاحنات ولا أحقاد فيه منكر لا بد من إزالته وإزالة المنكر هي من وظائف الحاكم وتغيير المنكر باللسان هي وظيفة العامل.

لقد أقدم نظام مايو قبل نهايات عهده وبعد تبنيه قوانين الشريعة الإسلامية أقدم على إعدام محمود محمد طه فماذا كان موقفكم من ذلك؟

ـ نحن من المؤيدين لإعدام محمود محمد طه، وهذا الموقف أعلنته في جامعة الخر طوم في ذلك الوقت والنميري يحمد على هذه الخطوة.

مرت على فترة حكم مايو محطتان إنقلابيتان هما إنقلاب هاشم العطا وإنقلاب حسن حسين كيف كنت تراهما في ذلك الوقت؟

ـ إنقلاب هاشم العطا كان مخططاً بليداً والأبلد منه إنقلاب حسن حسين.

هل شاركتم في إنتفاضة أبريل رجب الشعبية التي إقتلعت حكم جعفر نميري ؟

ـ نحن كنا من أوائل المشاركين في هذه الإنتفاضة الشعبية.

ما هو شكل علاقتكم الان مع المؤتمر الوطني؟

ـ ليست لدينا علاقة سياسية على الإطلاق لا مع المؤتمر الوطني ولا مع غيره، ولكن نحن أصدقاء لكل الأحزاب، لأن جماهيرها كما قلت لك هي جماهيرنا نحن، وبالتالي لو إنحزنا لحزب فلن تستجيب الجماهير لدعوتنا، فهذه هي نظرتنا.. وأكرر القول إننا لن نتجه لأن نكون حركة سياسية في يوم من الأيام، ومجالنا الأوحد هو الدعوة فقط.

إذن كيف ستشاركون في الانتخابات المقبلة؟

الانتخابات رأينا فيها قديم ولن يتغير أبداً.. فنحن ننظر للمرشحين ونري من هو المتمسك بالدين فيهم نقف معه حينها فهذا هو مبدؤنا وليست لدينا هنا أي عصبية لحزب.

لو كنت حاكماً اليوم ماذا تفعل؟

ـ لوكنت حاكماً لطبقت الشريعة الإسلامية بكاملها، وبدونها لن يحدث تقدم.

متى يكون الإسلاميون جميعاً على قلب رجل واحد؟

ـ هذه إجابتها واضحة هي وأعتصموا بحبل الله جميعاً كما قال الله سبحانه وتعالى.. فالمبدأ الأساسي هو تحكيم الشريعة والبداية لا بد من أن تكون بتطبيق الحدود.



http://www.akhirlahza.net/News_view.aspx?id=2138
____

Post: #514
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 00:01 AM
Parent: #513


صحيفة آخر لحظة - ذكرى الأستاذ محمود.. حزمة أسرار 4-5


الإثنين 22 يناير 2007م، 4 محرم 1428هـ العدد 175
الأعمدة

سيناريو
ذكرى الأستاذ محمود.. حزمة أسرار 4-5
ونعود لحزمة الأسرار، كنت وكما أشرت سابقا في جدة في مهمة لتحديث طاقة الجمع في صحيفة الأيام، وذلك بعد أن وثقنا توزيعها اليومي بوصوله إلى 105 ألف نسخة، نعم، مائة وخمسة آلاف نسخة في اليوم من دار التوزيع ومديرها أخي أبوبكر أرباب، ونشرنا الوثيقة على الصفحة الأولى، وبعد مراجعة كل الصحف العربية، كتبت مع شهادة دار التوزيع أقول: إن هذه الصحيفة هي الأولى عربياً توزيعاً باستثناء بعض الصحف المصرية، والتي لا يمكن أن تنافس على خلفية تعداد السكان ونسبة الأمية... إلخ، وقلت: إن ذلك الحكم ينطبق على الشرق الأوسط جريدة العرب الدولية، وكان ذلك بحسابات ذلك الزمان وليس اليوم طبعا.

تزامن وجودي بجدة مع نشر منصور خالد لحلقات كتابه «السودان في الكرة البلورية» بجريدة السياسة الكويتية، وأهمها الحلقتان 18 و19 من تلك المقالات، وفيهما كشف منصور عن الفساد في مايو، بإشارات لتورط مسئولين بالقصر وعدنان خاشوقجي. وتزامن كل ذلك أيضا وفي مكتب السفير مع زيارة عابرة لعلي شمو وكلتوم العبيد مديرة مكتب الرئيس نميري. كان تقدير علي شمو أنَّ مقالات منصور هي الأكثر دماراً للسودان في تلك اللحظات، قالها بالانجليزية The most defastating، ولكني فوجئت بكلتوم العبيد، وهي محل تقديري دوماً، تسألني أن أتولى الرد على منصور خالد بعد عودتي، والتي وجدت نفسي معها منقولا لأكاديمية السودان للعلوم الإدارية، وأمام قناعتي بقرب انتهاء كل هذا «المولد». قلت لها: «لكن منصور ما قال حسن ساتي سرق».. «ما أحسن يردوا الناس الذين أشار إليهم»، بدت مندهشة واحتفظت بتعليقها.

ولكني وباللجوء إلى تكنيك الإسقاط والتداعي، وعلى ذكر منصور خالد، أذكر أننا في الأيام كنا قد ركبنا الصعب ونشرنا له، أيام رئاسة إسماعيل الحاج موسى لهيئة التحرير عام 1980سلسلة مقالات ما أسميه «الخروج»، بعنوان: لا خير فينا إذا لم نقلها. وأذكر أن منصور وبونا ملوال كانا يمران عليّ بالأيام كل مساء تقريباً، لينقل منصور حرصه على تجنب الأخطاء المطبعية، ورجاءه الممتد لي أن أولي الأمر عنايتي الشخصية، وذلك ما حدث. وأذكر أني ومع قرب نهاية الحلقات، قلت لمنصور وأنا أتقدم معه لسيارة «السيهان بيرد» التي كان يأتينا عليها: دعنا نكون صريحين، أشم في هذه المقالات نعياً مقدماً لكل هذه القصة. قال بطريقته القاطعة والفاصلة: طبعاً.. طبعاً.. قلت: ولكن السؤال أيضاً وكم ستأخذ رحلة النهاية هذه؟ . قال: يعني.. دعنا نقول شيءً مثل أواخر عام 1984، والعبارة الأخيرة قالها لي بالإنجليزية، وقد تذكرت ذلك وأضفته إلى حزمة قناعاتي بأن هذا المركب يغرق.

ومن عجب أن تلك كانت قناعتي وأنا في أميركا ضيفاً على وكالة الإعلام الأميركية، وقد سألني يومها هناك مرافقي جاسم العزاوي، التلفزيوني اللامع حاليا بقناة أبي ظبي، وكان وقتها طالباً بالجامعة، عن تداعيات قوانين سبتمبر، قلت له: أفضل شيء يوصلك لفهم ما يحدث مقروءاً مع الحالة السودانية بخصوصياتها ، هو أن أبعث لك من القاهرة بالبريد كتابَيْ طه حسين «الفتنة الكبرى والفتنة الصغرى»، إن لم تكن قد قرأتهما، فأجاب بالنفي، وقد فعلت واشتريت لنفسي أيضا نسختين إنعاشا لذاكرتي. وحين عدت بعد غيبة ثلاثة أشهر هي مدة الزيارة، قابلت الرئيس نميري لأطلعه على مجمل الزيارة، فأخذت السانحة، وللتاريخ، لم أشِرْ لرأيي صراحة في قوانين سبتمبر، وإنما لواقعة سؤال مرافقي العربي الأميركي «جاسم» لي عن تداعياتها، ولردي واقتراحي له بقراءة كتابَيْ طه حسين ، وقولي للرئيس بأني شخصياً أعيد قراءتهما، لأني حقيقة قد اعتبرت ذلك رداً دبلوماسياً أمام رئيس، بمعني أني أرى شبح «فتنة»، فيما كان الأستاذ محمود قد رأى قبلي بشهور ما هو أبعد، رأى «دولة للهوس الديني» فدفع حياته ثمنا لنعيش نحن. وإلى الغد.
حسن ساتي
[email protected]


http://www.akhirlahza.net/Raay_view.aspx?id=2605&r=1
_________________

Post: #515
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 00:03 AM
Parent: #514


صحيفة آخر لحظة - ذكرى الأستاذ محمود.. حزمة أسرار 5-5


الثلاثاء 23 يناير 2007م، 5 محرم 1428هـ العدد 176
الأعمدة

سيناريو
ذكرى الأستاذ محمود.. حزمة أسرار 5-5
كنت في دار روز اليوسف في يوم لا أذكره من أيام عام 1976، وتحديداً في الطابق الخامس حيث مجلة صباح الخير، وفي حضرة الراحل رئيس تحريرها حسن فؤاد، وكان نبأ نيتي زيارة السودان بعد منفى اختياري لعامين قد تسرب في المؤسسة، متزامناً مع حملة كان قد دشنها الراحل عبد الرحمن الشرقاوي رئيس مجلس إدارة روز اليوسف ضد علماء الأزهر، متبنياً فكرة تقول بإمكانية أن تكون ماركسياً وتكون مسلماً، وهو طرح تقاطع مع رؤية نفر من علماء الأزهر فقامت معركة إعلامية. فوجئت بحسن فؤاد يقول لي: الشرقاوي يريد رؤيتك، قلت: متى، قال الآن. ومضى ليتحدث إلى مكتبه ويرتب المقابلة، فأكملت قهوتي وصعدت للطابق السابع حيث استقبلني بحفاوة وبتلقائية عظماء مصر: حسن إزيك، وكيف عامل.. وإنت بتكتب حلو يا ابني.. شد حيلك.. وإحنا قلنا للنميري أن روز اليوسف ليست ضد السودان، بدليل أننا قد ضممنا إليها كاتباً سودانياً، »يقصد شخصي أنا بالطبع «.. وقهوتك إيه.. ومضى مباشرة ليقول: إنت تعرف محمود طه، قلت نعم. قال لم أقرأ له كثيراً، ولكن أفكاره تعجبني، وسمعت إنك رايح السودان.. تقدر تعمللنا معاه حوار.. في مسألة شيء اسمه علماء الدين، وعن الماركسية.. وبالمرة نقدر نخلي القارئ المصري يقف على فكر الرجل. رحبت بالفكرة، فقال لي، عايز من روزا حاجة » معناها المساهمة في نفقات سفري« شكرته، وقلت له: أنا كده كده رايح، ضحك وقال لي: طيب لمن ترجع نتصرف.

عدت لحسن فؤاد، وبدا لي أنه كان على علم بأسباب المقابلة، لأنه وعلى الفور قال لي: حسن هل قرأت كتاب نوال السعداوي الذي صدر هذا الشهر » حواء هي الأصل «، قلت لا، فتح درجه ليعطيني نسخة ويقول: بالمرة حاور لنا أستاذ محمود حول هذه الفكرة، ودا طبعا مش لروزا، وإنما لصباح الخير، وغادرت للسودان.

حاورت الأستاذ في الموضوعين، وهما متاحان ليومنا هذا بصوت الأستاذ وصوتي على موقع الجمهوريين على الأنترنت باسم »الفكرة.. ولا أذكر بقية تفاصيل الكود«، وفيهما ذهب الأستاذ الى أن حواء بالطبع هي الأصل، لأنها هي الأرض في حين أن آدم جاء كـ »ألمامة سماوية «، وتمعنوا ثراء العبارة..وقال إن التطورية والنشوء عند داروين جاءا متأخرين لأن لهما أسانيدهما الدينية من وجهة نظره طبعا، ومجمل رأيه في الحوار لروزا أنه لا يوجد في الإسلام شيء اسمه رجال دين...الخ.

لم يكن ذلك أول حوار أجريه مع الأستاذ، فقد حاورته عام 1974 قبل هجرتي لصالح جريدة الأيام، ولكن رؤسائي تحفظوا على الحوار، وليتهم كانوا قد نشروه، إذن لكان قد زاد مؤامرة إعدامه وضوحاً، ففي ذلك الحوار، وعن جزئية فرية رفع الصلاة عنه، قال لي: المقلد لا يمكن أن يكون أصيلا، والرسول قال: صلوا كما رأيتموني أصلي وفي ذلك تثبيت للتقليد، والصلاة صلة بين العبد وربه، ولذلك وحين تتقنها سنة على قدم الرسول، وتتبعها بالتهجد تقترب من الوصول الى صلاة تخصك في مناجاتك وهي تتلاقى مع التقليد، ولكنها تصطحب نفسك ( بفتح السين ) الخاص، أي التجديد، وإمعانا في هذا التجديد المطلوب طلب مني الاستماع الى تدشينهم لفكرة تلحين وأداء نصوص دينية منتقاة من أدب التصوف للنابلسي وإبن الفارض.

حين عدت بالحوارين للقاهرة، كنت وكانا سيئي الحظ، فقد استعرت الحملة بين الشرقاوي والأزهر خلال غيابي، وقال لي حسن فؤاد مشيراً إلى أن ذلك سر: الريس السادات بنفسه إتصل بعبد الرحمن وقال له: كفاية يا عبد الرحمن. فأخذت صباح الخير الرسالة فيما يبدو لنفسها أيضا مع اختلاف سياقات الحوارين فلم ينشرا.

رحم الله الأستاذ، فالحاجة إليه ولفكره الوسطي المعتدل والمتسامح تسامح الإسلام مقروءا من عيونه، وليس بالشهادات السماعية، لا تزال قائمة.

حسن ساتي
[email protected]





http://www.akhirlahza.net/Raay_view.aspx?id=2647&r=1
_________________

Post: #516
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 00:04 AM
Parent: #515


صحيفة آخر لحظة - في أجرأ حوار مع الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار 1-2


الأحد 1 إبريل 2007م، 14 ربيع الأول 1428هـ العدد 244
حوار

في أجرأ حوار مع الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار 1-2
الإنتماء لآل المهدي ليس من شروط التأهيل للهيئة أو الحزب والأنصار
حركة وسطية ومرنة

أجراه مزمل عبد الغفار
قبل أيام مرت ذكرى إعدام محمود محمد طه ونحن نستلهم الذكرى والدروس والعِبر وطالما نتحدث عن قضية إسلام عريض ومتسامح كيف ينظر الآن كيان الأنصار لتلك الحادثة؟

الكيان الأنصاري إختلف مع الأخوة الجمهوريين في تفسيرهم للقضية الإسلامية ورؤيتهم الفكرية ولكن لم يدع إلى اقصائهم أو إعدامهم لأن الفكر الجمهوري لم يكن فكراً جديداً وإنما هو مجموعة أفكار سبق بها عدد من المفكرين من أهل التصوف وأهل الفكر الإسلامي في التاريخ.. ولذلك في تقديرنا أن المحاكمة كانت هي محاكمة سياسية لأن محمود محمد طه عارض نظام مايو لذلك حدث هذا الحكم.. وفي تقديرنا الأفكار لا يمكن أن تُعدم ولا يمكن أن نقيم محاكم تفتيش لنحاسب الناس فهذه عند الله سبحانه وتعالى. ولكن أيضاً ندعو أصحاب الفكر أن يراعوا الواقع الذي ينشرون فيه أفكارهم, فهناك أفكار تصادمت مع الواقع والرأي العام لايتقبلها ومحلها النقاش العلمي الهادي وهناك في التاريخ الإسلامي خلافات كثيرة بين علماء الإسلام. فنحن نقول: إن هناك إختلافاً بيننا وبين الأخوة الجمهوريين في أفكارهم ولكن لا ندعو إلى الغائهم ومثلما ندعو للحرية لنا أيضاً نريدها لغيرنا. فنحن ضد قرار الإعدام لأنه كان سياسياً ولم يكن شرعياً.
أفكار الترابي التي ظل يرددها مؤخراً في الفقه الإسلامي ما رأيكم فيها؟



http://www.akhirlahza.net/News_view.aspx?id=5834
_________________

Post: #517
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 00:04 AM
Parent: #516


صحيفة آخر لحظة - مؤسس الحركة الإسلامية ورئيس الجمعية التأسيسية في الديمقراطية الثالثة 1-2

محمد يوسف محمد

الخميس 12 إبريل 2007م، 25 ربيع الأول 1428هـ العدد 257
حوار

1-2
اجراه مزمل عبد الغفار

قوانين سبتمبر (الشريعة) التي جاء بها النظام المايوي في العام 1983م هناك من الحركة الإسلامية الآن من تبرأ منها ماذا تقول أنت عنها؟

للتاريخ أقول لم نكن شركاء في هذه القوانين فهي قد فعلها نميري لوحده.

كذلك هناك من تبرأ من قرار إعدام محمود محمد طه ما قولك؟

هذه الحادثة قد يختلف فيها الناس وليس للحركة الإسلامية أي دور في هذا القرار.





http://www.akhirlahza.net/News_view.aspx?id=6467
_

Post: #518
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 00:10 AM
Parent: #517


أمين الفكر والدعوة قبل أن تلفظ مايو أنفاسها الأخيرة يخرج عن الصمت2 - 2
الحركة التي أنهت مايو كانت حركة إنقلابية وليست انتفاضة

حاوره: مزمل عبد الغفار

رغم أنها تجربة حكم إمتدت لستة عشر عاماً في السودان إلا أنها كانت مجموعة تجارب في تجربة واحدة ممتدة... تلك هي تجربة مايو فقد بدأت حمراء اللون ثم وسطية الملامح ثم يمينية التوجه.. وخلال هذه المراحل الثلاث تأرجح خطاب مايو وتأرجحت القناعات في كثير من الأحيان... ولكنها في سياق إمتدادها قد انجزت وأسست لأوثق تجارب السودان السياسية التي حققت قدراً من المشاركة, وهي تجربة الإتحاد الاشتراكي... فالحديث مهم مع قادة هذه التجربة خصوصاً في أبعادها الفكرية لاسيما المفاهيم والآراء حول مرجعيتها هل هي نبع تحالف قوى الشعب العاملة الخارج من رحم الاتحاد الاشتراكي مع المؤتمر الوطني كيف هو الحال وماهي الصورة نواصل في هذه الحلقة حوارنا مع د. محمد عثمان أبو ساق:

الذي بدأ حديثه:

فيما يتعلق بأسلوب العمل الديمقراطي حقيقة إن مايو مهما قلنا عنها فهي قد جمعت خبرة العمل من خلال المؤسسات من عقد للمؤتمرات ونقاش للخطط والبرامج واستدعاء قفل باب النقاش والحوار.. وإلى هذا اليوم كوادرنا مدربة في هذا الجانب أكثر من أي كوادر أخرى, وهي مؤهلة لأن تدبر الحوارات والاجتماعات بشكل ديمقراطي.

الاتحاد الاشتراكي هل كان سعيداً بقوانين سبتمبر حقاً أم لم يكن سعيداً؟

هذه نقطة مهمة ولابد من الحديث فيها لأن هناك أخطاء كثيرة.. فقوانين سبتمبر لم تكن قوانين شريعة أو قوانين حدية مثلما قال الناس.. فهناك من الجانب الحدى وجانب الشريعة موجود. ولكن الفكرة الأساسية كانت هي نوع من تطوير وتصحيح القانون في السودان.. وذلك بحثاً عن أن القوانين.. يجب ألاّ تكون متعارضة مع الإسلام. وبالتالي هذه المسألة تمت من خلال قيادات فقهية وقانونية وحقوقية ولم يكن جميعهم إسلاميين فاشترك فيها جميع فقهاء القانون.

كيف كان موقف الاتحاد الاشتراكي من إعدام محمود محمد طه؟

لقد كان الاتحاد الاشتراكي منشقاً حيال هذه الحادثة وتداعياتها, وبالتالي أقول أن هناك تياراً في الساحة منذ زمن بعيد ظل يُكفِّر محمود محمد طه ولقد سار هذا التيار في هذا الخط ولكن اؤكد للتيار: أن النظام لم يكن موحداً في هذه الحادثة أي لم يكن على رأي واحد.

هل سبق أن أوصلتم وجهة نظركم هنا لجعفر نميري؟

نعم نميري وصلته آراء كثيرة في هذا الجانب, حتي من الخارج وهناك إلتماسات من الملوك والرؤساء ومن أوربا .. ولكن كانت القناعة قوية. والخط الذي كان يسير هو ليس استهداف محمود محمد طه في شخصه بل في تأثيره على الآخرين. وللحقيقة الحادثة إقتصرت على محمود محمد طه فقط, ولم تتعداه إلى الهجوم على التنظيم في حد ذاته. لانه صراحة الجمهوريون كتنظيم كانوا موالين لمايو وبالتالي تنظيم الجمهوريين كان مؤيداً لمايو ولكن كان يتسبب في أضرار لبعض التنظيمات الأخرى وبعض الكيانات الإسلامية, لذا قرار الإعدام كان فيه عنصر سياسي أكثر من الوضعية التي نُوقش فيها والتي هي الإطار الديني فحسب.

الأيام والساعات التي سبقت انتفاضة 6 أبريل 1985م ضد مايو نذكر أن الاتحاد الاشتراكي كان قد دعا إلى مسيرة وصفت بالهزيلة في تلك اللحظات الحالكة كيف ترى ذلك؟

من الصعوبة القول بأن المسيرة كانت هزيلة.. ولكن هناك خلافات داخلية وضغوط عالمية واشياء كثيرة تجمعت.. وفي كل فترة هناك تحول تاريخي يحدث وكان التحول في تلك الفترة ينادي بالعودة إلى الديمقراطية كما أن هناك مشكلات في التنمية بدأت تواجه البلاد. كذلك نجد أن المصالحة الوطنية لم تأخذ شكلها الاستيعابي, فحدث بالتالي نوع من الخلافات في إطار المصالحة وفي إطار سياسات الدولة في التنمية.. وفي الوحدة الوطنية فكل هذه الاسباب تجمعت واضعفت من مايو. ولكن هذا ايضاً لا يمثل قوة للمعارضة لأن المعارضة الحزبية لم تأت بالانتفاضة. وبالتالي فالحركة التي أنهت مايو هي حركة انقلابية تمثلت في تأييد الجيش للتغيير .. ولكن لا تستطيع جهة معينة أن تدّعي هذا الموقف.

فالأحزاب استمرت في السودان ضعيفة وإلى الآن ضعيفة وهي لا تمثل الإرادة الشعبية الجماهيرية وبالتالي فهى لم تأت بالانتفاضة . فالأحزاب لم تأت بالانتفاضة.

قبل الانتفاضة بأشهر تردد أن نميري كان قد تعرض لمساءلة من قادة الجيش حول الأوضاع السياسية وما كان يردده الشارع من فساد فهل سادت نفس اللغة الاتحاد الاشتراكي ايضاً؟

صراحة لم تكن هناك محاسبة بهذا الشكل في القوات المسلحة لنميري. فالقوات المسلحة كانت تحت قيادة المشير جعفر نميري ويحظى منها بالتمجيد والاحترام إلى اليوم.. وهو الآن خارج السلطة أيضاً يُحظى بهذا التقدير والإحترام.. والحديث حول الأوضاع في ذاك الزمان والتناول الجرئ كان قد طرح حتي في الاتحاد الاشتراكي وسبق أن تم حل الاتحاد الاشتراكي وجاءت قيادة جديدة ونظرت في الشكاوى وفتح باب النقد لبعض المسار في مايو وجاءت قيادة محايدة في ذاك الزمان .

من الذي جعل من نميري قائداً ملهماً هل هو الإتحاد الاشتراكي أم المايويون خارج التنظيم؟

حقيقة بغض النظر عن الصراعات السياسية أقول أن نميري هو شخصية قيادية بمعنى الكلمة فهو قائد إداري وسياسي من الطراز الأول فهذه مسلمات وواقع لاينكرها إلا جاحد.

لقد زار بوش الأب وهو كان آنذاك نائباً لرئيس الولايات المتحدة الأمريكية زار السودان قبل الانتفاضة فهل للزيارة أية علاقة باعطاء كرت أحمر بنهاية نظام مايو؟

لا أعرف كثيراً عن تفاصيل هذه الزيارة. ولكن صراحة فيما يتعلق بالانتفاضة أقول أن هناك جانباً أمنياً في الانقلاب على مايو, وهذا كان هو السبب الرئيسي في نهاية مايو أكثر من القيادات الحزبية والمظاهرات الحزبية.. فالثابت أن هناك دوراً أمنياً في اسقاط النظام المايوي ساعد في ذلك وجود صراع داخلي في الاتحاد الاشتراكي, اضافة إلى الدور العسكري الذي ساهم في الانقلاب. وبالتالي التوازنات لذلك لم تكن اليد الطولى فيها للأحزاب.

أمريكا كصديق لنظام مايو تردد في آخر أيام مايو أنها غير راضية عن قوانين الشريعة التي طبقها النظام هل كان ذلك حقيقة؟

لا أعرف كثيراً عن الأسرار الداخلية لمايو, ولكن أذكر أن العلاقة السياسية مع أمريكا كانت من منظور وزاوية الإحترام المتبادل.. وكان هناك نوع من الدعم الأمريكي للسودان مقدر ولم يحدث في تاريخ السودان.. ولكن كانت هناك توترات وتزمر من ناحية الشريعة الإسلامية وإجراءاتها والتي من بينها منع الخمور.. حيث كانت هناك شكاوي من بعض السفراء الغربيين.. وللحقيقة والتاريخ نقول: إن نميري إستمر في هذه القرارات ولم يستجب لرغبات الغرب وذلك فيما يختص بقرارات الهوية السودانية والقيادة الرشيدة.

الكل يذكر أن مشاكل دارفور هي ليست وليدة اللحظة بل منذ زمن بعيد وسبق أن كانت القضية -في شكل من أشكالها- قد طُرحت للنقاش في الاتحاد الاشتراكي فماذا تم في ذلك الزمان؟

لقد كنت مسؤولاً عن ملف دارفور في تلك الفترة ولقد رأست جلسات المؤتمر, الذي تقرر فيه عزل أحمد دريج حاكم الاقليم في ذلك الوقت. وبالتالي كانت مشكلة دارفور في ذلك الزمان هي (القيادة السياسية هناك والتقسيم الجغرافي لدارفور). فالصراعات التي حدثت في زماننا كانت تتعلق بالجانب الجغرافي وقد حسمها رئيس الجمهورية آنذاك ولكن ما أزم الموقف هو الصراعات بين القيادات.. فأزمة دارفور لم تكن بالطبع مثلما هي عليه الآن.

يقولون إن المثقفين والتكنوقراط هم الذين أفسدوا مايو باعتبار أنه كان الأفضل لها أن تكون بثوبها العسكري ماذا تقول هنا؟

حقيقة لا أحد ينكر دور المثقفين في السياسة السودانية وأنا لا أفصل بين المثقفين والعسكريين لأن الدور العسكري هو مربوط بالدور المدني.. فالمدارس الحربية هي أول من إكستب الوعي الوطني والحركة الوطنية.

بصفتك أحد قيادات الاتحاد الاشتراكي ماهو حجم الإسهام الذي قدمه السيدان الصادق المهدي وأحمد الميرغني حينما تمت مشاركتهما بعد المصالحة ودخلوا الاتحاد الاشتراكي؟

أحمد الميرغني كان يحضر بعض الاجتماعات ومكتبه كان مجاوراً لمكتبي, وكان عندما يغيب دائماً يعتذر.. ولكن الصادق المهدي لا أذكر له مساهمات مع أنه كان قد رحب بفكرة الشمولية في التنظيم السياسي الجامع. مع العلم بأن المصالحة في مايو تمت بنفس مبادئ وأفكار مايو والآخرين انخرطوا فيها ولكن كما قلت لا أذكر أي نشاط للصادق المهدي في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي .

هل تعتقد أن حكام الديمقراطية الثالثة قد أخطأوا حينما طرحوا شعار كنس آثار مايو؟

في التعامل مع السياسة لا يمكن أن تزيح التراث والانجازات ولا يمكن أن تتعامل هنا بنوع من الحقد والإحن.. لأن هذا الموقف صراحة سيضعك في خانة المخطئ.. فانجازات مايو لم تكن انجازات سلبية وبالتالي لا يمكن إزالتها.. فقوة البلاد الآن ودفعها في المجالات التنموية والمعيشية والقانونية لازالت تعيش على التراث المايوي.

الآن مايو ممثلة في تحالف قوى الشعب العاملة تشارك في الحكم في حقبة الإنقاذ بحجم وزاري وتنفيذي وصفه الناس بأنه لا يليق وحقبة مايو الكبيرة ما قولك هنا وأنت أحد عُراب دمج تنظيم التحالف في المؤتمر الوطني؟

لحسن الحظ أنا من المساهمين في خطوة الإندماج .. وأعتقد أن الفكرة في حد ذاتها هي سليمة وجيدة لأن الخطوة ترتبط بمستقبل السودان. ولذلك فإن كيانات التحالف وكيانات المؤتمر هي متشابهة من حيث القوى الانتاجية وقوى المجتمع, وهذا مفيد لمستقبل السودان. ساعد في ذلك اجواء الانفتاح السياسي والتحول لوضع جديد.. وحتي الديمقراطية التي نتجه نحوها هي ليست ديمقراطية ويست منستر ولا شبيهة بالديمقراطيات الثلاث, التي شهدتها الساحة وفشلت.. لقد سبق أن ساهمت مايو في الإعتراف بالكيانات المختلفة من خلال اتفاقية أديس ابابا ومن خلال تجربة الحكم الاقليمي. والآن هذه القوى الحديثة الجديدة هي التي إعترفت بها اتفاقية السلام وهي القوى التي سينبني عليها التوحيد والمصالحة والوحدة الوطنية الاختيارية, لتشكل هذه العناصر الأساس للديمقراطية المقبلة .. فنحن شاركنا لأن هذه نقلة تمكننا من الولوج لمرحلة ديمقراطية مواتية تكون مستقرة والحقوق فيها مكفولة لكل الكيانات السودانية.. ذلك بعكس الانظمة الديمقراطية السابقة التي كانت تُستغل بواسطة قيادات معينة لمصلحة معينة.. وأنا هنا أسجل صوت لومٍ وإدانة للديمقراطية الثالثة حيث لم تكن قياداتها ديمقراطية بل كانت هناك قيادات معينة قائمة على مفهوم الراعي والرعية, وبالتالي لم تكن هناك مشاركة جماهيرية بالمعنى.

فالأحزاب كانت مبنية على قيادات تقليدية وبيوتات كبيرة..

هل أنت راضٍ عن الإندماج الذي تم بين مايو والإنقاذ؟

حقيقة التحالف والإندماج هو شئ تاريخي ومصيري ولابد منه بالنسبة لكل الأطراف؛ لأن إنقاذ البلاد يكون في وحدتها مع قبول التعدد والديمقراطية وقبول الاتفاقيات.. والآن نحن محتاجون في السودان لعملية توفيق داخلي لأننا في السودان عبر التاريخ فاتتنا فرصة الاندماج. والآن أتيحت لنا هذه الفرصة على شكل الوحدة في التنوع وقبول التعدد.

هل تعتقد أن د. الترابي كان صادقاً في مشاركته داخل مؤسسة الرئاسة المايوية أي عندما كان مساعداً لرئيس الجمهورية السابق جعفر نميري؟.

أظن أن الترابي بوعية السياسي وقدراته كان له فضلٌ في تطور السياسة في السودان, في مختلف العهود وإبان فترة مايو ساهم في التشريعات كنائب عام وساهم في السياسة, وكان يساهم حتي في الجوانب الإدارية وله عقلية سياسية وبصمات واضحة في التطور السياسي في السودان .

هل يمكن لليسار باشكاله المختلفة أن يعود للحكم مرة أخرى؟

اليسار في السودان غير متوحد, وأنا لا أعرف أية قدرة لليسار ما لم يكن متوحداً.. وأن فرصة التوحد فقدها اليسار منذ أيام مايو, وعليه لا أظن أن هناك فرصة لتوحده.. وللأسف اليسار الآن يتحالف ويتوحد مع الأحزاب التقليدية.. وهذا ينافي خلفيته التاريخية.

http://www.akhirlahza.net/News_view.aspx?id=6742

Post: #510
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 11:49 PM
Parent: #1


صحيفة آخر لحظة - قصة محمود محمد طه من الألف إلى الياء « 2 - 2»


الجمعة 19 يناير 2007م، 1 محرم 1428هـ العدد 172
تاريخ

قصة محمود محمد طه من الألف إلى الياء « 2 - 2»
رحلة الميلاد من رفاعة الي حبل المشنقة في كوبر

قـــــــــــسم : التوثيق والمعلومات
المجتمع الجمهورى

حرص الاستاذ محمود على تربية تلاميذه على معايشه ما يدعون اليه ، وقد كانت حركة الجمهوريين اليومية فى الدعوة الى فكرتهم تتم تحت أعين الاستاذ محمود ووفقا لارشاده المتصل ، فى حركة يومية لا تفتر من الجلسات الصباحية والمسائية التى تعقد لتدارس المعانى السلوكية و العرفانية ، ومن حلقات الانشاد العرفانى ، والذكر والقرآن ، ومن الندوات التى تعقد فى منازل الاخوان الجمهوريين ، فضلا عن حركتهم الخارجية المتمثلة فى حلقات النقاش وحملة توزيع الكتب ، والمقابلات الخاصة لرجال الدين والمفكرين والسياسيين.
المؤامرة!
لم تتوقف محاولات القوى التى استشعرت الخطر من تنامى تأثير الحركة الجمهورية وسط الشعب السودانى عن الكيد لها بمختلف السبل ، وقد كان القاسم المشترك لكل المؤامرات هو محاولة استغلال السلطة لتصفية الحركة الجمهورية واسكات صوتها ، فسعت لدى قادة انقلاب 1958م لايقاف نشاط الاستاذ محمود ، فكان أن استجابت السلطة بقرار ايقاف الاستاذ عن القاء المحاضرات فى الاندية ، غير أن الحركة استمرت فى شكل ندوات مصغرة تعقد فى المنازل ، ويؤمها جمهور كثير ، حتى الغت السلطة القرار لاحقا ، وعاد الاستاذ محمود الى المحاضرات العامة.
محكمة الرّدة !
بعد ثورة اكتوبر 1964 م وعودة القوى الطائفية الى السلطة ، تجددت المحاولات لضرب الحركة الجمهورية ، حيث دبرت محكمة الردة فى نوفمبر 1968م ، والتى حكمت على الاستاذ محمود بالردة ، ولم يمثل الاستاذ أمامها ، ولم يستأنف حكمها ، تأكيدا لعدم اعترافه بشرعية المحكمة ، غير أنه استثمر المحاكمة كفرصة جديدة لمزيد من حملات التوعية على لحرية الشعب ، وعلى حياته أيضاً.
اصطلحوا مع اسرائيل
دعا الاستاذ محمود محمد طه ، وفى قمة فوران المد القومى العربى الذى قاده الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، الى الصلح مع اسرائيل على أساس الاعتراف المتبادل ، وحل قضية فلسطين عبر التفاوض ! ، مذكرا العرب بأن قضيتهم ليست اسرائيل ، وانما هى اقامتهم على قشور من الدين وقشور من حضارة الغرب ، مما جلب عليهم الخسران المبين. وقد كان هذا الرأى غريبا على كل العرب! اذ أنه قد انبنى على قراءة دقيقةٍ للتاريخ وبصيرةٍ ثاقبةٍ بالمستقبل ، جعلت صاحبه وكأنه آت للعرب من مستقبلهم الذى هم عن رؤيته قاصرون ، غير أن الأحداث قد أيدت رأيه ، وأبانت صدق بصيرته لكل من يرى!

- حادثة الاعتداء على الاستاذ محمودفى الثانى والعشرين من مايو 1969م وبمدينة الابيض بغرب السودان ، وبينما كان الاستاذ محمود يحاضر عن الصلاة فى أحد الاندية كدأبه فى حركته المتصلة وسط أتباعه ، قام أحد الاشخاص بالاعتداء عليه بضربه رأسه بعصاة كان يحملها ، وقد نقل الاستاذ محمود على اثر الضربة الى المستشفى لتلقى العلاج ، ويجدر بالذكر أن الاستاذ محمود قد عفا عن الشخص الذى قام بهذا الاعتداء عليه.
الدستور الاسلامى وقيام مايو
فى 25 مايو 1969م قامت حركة مايو المعروفة ، فى لحظة تاريخية دقيقة كانت الاحزاب الطائفية تتهيأ فيها لفرض دستور يسمى الدستور الإسلامي، فأعلن الجمهوريون تأييدهم لحركة مايو باعتبارها قد حالت بين الشعب وبين فتنة كبرى كانت لتودى باستقرار الوطن والشعب ، رغم ادراك الاستاذ محمود للطبيعة المرحلية لمايو ، ولقصورها عن شأو الحكم الصالح الذى ظل يدعو له طوال حياته. وقد ظل تأييده لمايو ملتزما بهذه المرجعية التى تاسست عند قيامها ، لم ينحرف منه الى الدخول فى أجهزة مايو ، او مشاركتها فى تقلباتها السياسية.
لم تتوقف محاولات الكيد للاستاذ محمود بقيام حركة مايو ، بل ظلت تجرى فى الخفاء ، ففى عام 1975م أصدر مجلس الأمن القومى لنظام مايو قرارا بمنع الاستاذ محمود من القاء المحاضرات العامة، وان ظل تلاميذه الجمهوريون يقدمون المحاضرات وأركان النقاش فى كل مكان دون توقف.
السجن مرة أخرى!
فى ديسمبر 1976م واثر اصدار الاخوان الجمهوريين لكتاب ((اسمهم الوهابية ، وليس اسمهم أنصار السنّة)) ، قامت سلطة مايو باعتقال الاستاذ محمود وعددٍاً من قادة الأخوان الجمهوريين ، وقامت بايداعهم سجن كوبر ، وكانت تلك هى المرة الأولى التى يسجن فيها الاستاذ محمود فى عهد حكم وطنى بعد سجون الاستعمار.
المصالحة الوطنية وسقوط مايو!
بدأت سلطة مايو تتجه شيئاً فشيئاً الى أحضان القوى الدينية التقليدية .. وبعد دخولها فى المصالحة الوطنية فى العام 1977م اجتاحت القوى الطائفية وحركة الاخوان المسلمين عددًا من أجهزة الحكم المايوى ، وقد أيّد الاستاذ محمود المصالحة باعتبارها حقناً لدماء السودانيين بعد اقتتال ، رغما عن ادراكه للطبيعة الجديدة لمايو بعد دخول هذه القوة ، فقد قال عقب المصالحة ((بالمصالحة الوطنية انتهت المرحلة الاولى من مايو ، وبدأت المرحلة الثانية والاخيرة))
حل مشكلة الجنوب فى حل مشكلة الشمال!
ويقول موقع الكتروني مقرب من الجمهوريين كانت مشكلة جنوب السودان من أهم القضايا التى اهتم بها الاستاذ محمود فى فكره السياسى ، اذ كانت مشكلة الجنوب احدى قضيتين أخرج من أجلهما الحزب الجمهورى منشوراته التى واجهت الانجليز فى عام 1946 م ، والتى على اثرها تم سجن الاستاذ سجنه الأوّل ، ثم كانت مشكلة الجنوب أيضا هى أحدى القضايا التى من أجلها أخرج الجمهوريون منشورهم الشهير(هذا أو الطوفان) والذى واجه سلطة مايو ، والذى تصاعد الى محاكمة الاستاذ محمود فى يناير من العام 1985م ، وقد ذهبت كلمة الاستاذ محمود الشهيرة (حل مشكلة الجنوب فى حل مشكلة الشمال) مثلا على استواء البصيرة السياسية على جادة الحكمة التى تزن الأمور بميزان التوحيد ، وذلك بالاشارة الصائبة الى أن مشكلة الجنوب انما هى بنت افتقار القوى السياسية السودانية الى المذهبية الفكرية الرشيدة ، وركونها الى الفساد السياسى والمكايدة الحزبية ، وهى عين مشكلة الشمال ، ولم ينفك الجنوب عن التأرجح تحت عجلة الاتفاقات التى لا تعقد الا لتنقض بيد القصور السياسى والتخبط الحزبى ، فى تأكيد متصل على مقولة الاستاذ محمود سالفة الذكر.
مايو 83
ويقول الموقع فى مايو 1983م أصدر الأخوان الجمهوريين كتاب ((الهوس الدينى يثير الفتنة ليصل الى السلطة)) والذى واجه النائب الأول لرئيس الجمهورية ورئيس جهاز الأمن عمر محمد الطيب بنقد قوى لقيامه بالسماح لجماعات ، باستغلال مسجد يتبع له ، وباستغلال أجهزة الاعلام ، فى القيام بحملة رأى الجمهوريون أنها تفتح الباب أمام فتنة دينية لا تبقى ولا تذر ، فقامت السلطة باعتقال الأستاذ محمود، وعددٍ من الجمهوريين من غير أن توجه لهم تهمة، وظلوا فى المعتقل حتى صدرت قوانين سبتمبر 1983م ، والتى نسبت زورا الى الشريعة الاسلامية ، فعارضها الاستاذ محمود وتلاميذه من داخل المعتقل ، ومن خارجه ، ثم تصاعدت وتيرة الأحداث الى اعلان حالة الطوارئ واقامة المحاكم الايجازية فى أبريل 1984م لتطبيق تلك القوانين .
الاعتقال
قامت السلطة باطلاق سراح الاستاذ محمود وتلاميذه فى ديسمبر من عام 1984م ، فى مقدمة لتدبير مؤامرة ضدهم ، ورغم علم الاستاذ محمود بالمؤامرة وحديثه عنها ، الا أنه لم يتردد فى 25 ديسمبر 1984م وبعد اسبوع فقط من مغادرته للمعتقل ، فى اصدار منشوره الشهير (هذا! أو الطوفان!) والذى طالب فيه بالغاء قوانين سبتمبر 1983 م تنقيةً للدين من التشويه الذى ألحقته به ، ودرءاَ للفتنة الدينية ، وطالب السلطة ومعارضيها فى الجنوب الى التفاوض لحل مشكلة الجنوب ، والى ايقاف الاقتتال ، صونا لوحدة الوطن ، وحقنا لدماء أبنائه .. ولم يفت على الاستاذ محمود أن السلطة انما كانت تتربص به ، وتنتظر فرصة كهذه لتقديمه لمحاكمها الجائرة.
فى يناير من العام 1985م أقام الجمهوريون مؤتمر الاستقلال بدار الاستاذ محمود بأم درمان ، وفى ختامه مساء 4 يناير تحدث الاستاذ محمود عن ضرورة أن يفدى الجمهوريون الشعب السودانى حتى يرفعوا عن كاهله اصر الظلم الذى وقع عليه ، مقدما نماذج من تأريخ التصوف لصور من فداء كبار المتصوفة لشعبهم.
الكيد السياسى والمحكمة المهزلة
فى صباح الخامس من يناير 1985م اعتقلت السلطات الاستاذ محمود محمد طه بعد أن كانت قد اعتقلت عددا من الجمهوريين قبله ، ليتم بذلك تنفيذ التدبير المعد سلفاً لمحاكمة الاستاذ محمود والجمهوريين أمام المحاكم التى شكلها النظام من خصوم الجمهوريين.
فى يوم الاثنين 7 يناير 1985م قُدّم الاستاذ محمود وأربعة من تلاميذه للمحاكمة أمام محكمة الطوارئ ، برئأسة حسن ابراهيم المهلاوى ، فأعلن الاستاذ محمود محمد طه رفضه التعاون مع المحكمة ، بعبارات خلّدها التأريخ فى سجل الشرف ، واضعا المحكمة ، والقانون الذى تحاكم به ، والسلطة التى تأتمر بأمرها فى موضعها الصحيح من أنها مجرد أدوات لقمع الشعب وأسكات صوت الأحرار من أبنائه.
فى يوم الثلاثاء 8 يناير 1985م أصدرت المحكمة بالاعدام على الاستاذ محمود وتلاميذه الأربعة ، لتغطى سماء البلاد موجة من الحزن والذهول.
فى يوم 15 يناير 1985م أصدرت محكمة الاستئناف المزعومة برئاسة المكاشفى طه الكبّاشى حكمها المتوقع بتأييد حكم المحكمة المهزلة ، بعد أن قامت بتحويل الحكم من معارضة للسلطة واثارة للكراهية ضدها ، الى اتهام بالردة ، لتتضح ملامح المؤامرة أكثر .
فى يوم الخميس 17 يناير 1985م صادق الرئيس جعفر نميرى على حكم الاعدام ، بعد أن أوسع الفكرة الجمهورية تشويهاً ، ونصب نفسه قاضيا على أفكارها ، فاتجهت الانظار الى سجن كوبر بالخرطوم بحرى فى انتظار تنفيذ الحكم.
ابتسامة على حبل المشنقة!
عند الساعة العاشرة من صباح يوم الجمعة الثامن عشر من يناير 1985م ، الموافق للسادس والعشرين من ربيع الآخرة من عام 1405ه ، صعد الاستاذ محمود درجات السلم الى المشنقة تحت سمع وبصر الآلاف من الناس ، وعند ما نزع الغطاء الذى كان يغطى رأسه قبيل التنفيذ، انكشف وجهه عن ابتسامة وضاءة لفتت الأنظار، فانفتحت بموقفه الاسطورى هذا ، وبابتسامة الرضا تلك ، دورة جديدة من دورات انتصار الانسانية على عوامل الشر فى داخلها وفى الآفاق.
فى السادس من أبريل 1985م سقطت سلطة مايو أمام انتفاضة الشعب السودانى ، وفى 18 نوفمبر 1986م أصدرت المحكمة العليا السودانية حكمها بابطال أحكام المحكمة المهزلة ومحكمة الاستئناف المزعومة بحق الاستاذ محمود. وقد أعلنت منظمة حقوق الإنسان فيما بعد يوم 18 يناير يوما لحقوق الإنسان العربي ..




http://www.akhirlahza.net/News_view.aspx?id=25

Post: #511
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-19-2008, 11:52 PM
Parent: #510


صحيفة آخر لحظة - أخطر حوار مع المكاشفي طه الكباشي حول المسكوت عنه


الخميس 18 يناير 2007م، 29 ذو الحجة 1427هـ العدد 171
أخبار

أخطر حوار مع المكاشفي طه الكباشي حول المسكوت عنه
محمود محمد طه إستحق الإعدام والترابي خارج عن الملة إن لم يعلن التوبة

الخرطوم : آخر لحظة

وصف الدكتور المكاشفي طه الكباشي، قاضي محاكم العدالة الناجزة، ابان العهد المايوي، أن محاكمة زعيم الحزب الجمهوري الراحل محمود محمد طه، ثم إعدامه الذي تم في مثل هذا اليوم قبل 22 عاماً، كانت محاكمة ردة عادية مثلها مثل المحاكمات التي تمت في العصور الإسلامية الزاهية. وقال الدكتور المكاشفي: (لذلك.. أنا لست نادماً على تلك المحاكمة) واتهم المكاشفي زعيم الجمهوريين الراحل بأنه أصدر منشوراً شكك بموجبه في التشريعات الإسلامية وإن الشريعة المطبقة ليس هي المطلوبة. وعلى صعيد آخر إتهم الدكتور المكاشفي، الدكتور حسن عبد الله الترابي بالدكتاتورية والتعالي والاستعلاء، والخروج عن خط الجماعة بمحاولة الهيمنة والسيطرة على مقاليد الأمور بالتعديلات الدستورية التي سعى إليها. وقال المكاشفي في حوار مثير لـ (آخر لحظة) ننشره غداً إن آراء الترابي التي أطلقها مؤخراً تخالف ما أجمع عليه أهل العلم، وتخرجه من الملة والاسلام إذا ما أصر عليها، أما إذا رجع عنها فإن باب التوبة مفتوح.

- نص الحوار غداً -


التعليقات

1/ د. أحمد الطاهر المصطفى - (الإمارات - السودان) -
18/1/2007
المكاشفي رجل أكاديمي ولكنه جاهل بإمور الدين تماماً ,
ونقول له ما رأيك في نقض المحكمة الدستورية لشرعية محكمة
المهلاوى؟؟ ثانياً المنشور الذي أثار خوف وفزع النميري
وأعوانه من شاكلة المكاشفي منشور صحيح لأن قوانيين سبتمبر
1983 لم تمت الى الشريعة بصلة لقد كانت تشويه للدين..
وأقول للمكاشفي أفعل ما تشاء كما تدين تدان .. سيأتني
اليوم الذي تندم فيه على جهلك... يا أيها التكفيري الأعمى



http://www.akhirlahza.net/News_view.aspx?id=2415
___

Post: #519
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 01:27 AM
Parent: #1


صحيفة آخر لحظة - رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية في الكرسي الساخن


الجمعة 12 يناير 2007م، 23 ذو الحجة 1427هـ العدد 165
حوار

رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية في الكرسي الساخن
كنت من المؤيدين لإعدام محمود محمد طه

حوار: مزمل عبد الغفار
تتعدد التيارات والطوائف الدينية في السودان، بل وقد كانت مرتكزاً ومدخلاً أساسياً لكافة جوانب الحياة الإجتماعية، وقد إرتبط بعضها بمسار التحولات السياسية منذ أواخر القرن التاسع عشر، وقد فشلت جميعها في أن تبلغ بالسودان مرحلة أن تتوحد فيه الإرادة الإسلامية الغائبة.. وقد طرحت كلٌ من هذه التيارات والطوائف الدينية مباديء ومفاهيم لأجل هذا الهدف، ولكنها لم تنجح في الاجتماع على صعيد واحد .. وقد شابت كل هذه التيارات والطوائف عدوى التباين، التي أصابت الجسم السياسي السوداني وانتقلت إلى المؤسسات الدينية.. نحسب أن جماعة أنصار السنة المحمدية هي من الجماعات التي بدت أكثر إنفتاحاً ومواكبة لإتجاهات حركة المجتمع والدولة في الفترة الأخيرة .
في وقائع هذا الحوار الشامل إفادات مهمة للعالم الجليل شيخ الهدية رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية الذي نواصل معه حوارنا في هذه الحلقة بالسؤال!

إحدى محطات فترة حكم جعفر نميري كانت محطة قوانين سبتمبر الشهيرة في العام 1983م، كيف كان موقفكم منها بعد أن توشحت مايو بالثوب الإسلامي؟

موقفنا كان مؤيداً لها، وشكرنا جعفر نميري عليها، ويكفي تلك الخطوة إبادة النميري لجميع الخمور بالبلاد، إضافة لتطبيق الحدود، لذلك كنا مؤيدين لمايو في هذه الجزئية، وهذه الفترة ، وكما قلت لك أنا كنت معارضا لمايو، ولكن كنت أحمد للنميري إبادة الخمور وإعدام محمود محمد طه.

هل تعتقد أن النميري كان صادقاً حقاً في قضية انتهاج نظامه للمنهج الإسلامي، وبالتالي تحول مايو من يسار إلى قومي عربي إلى يمين ؟

ـ نميري أكبر خائن لأن الامام الهادي هو الذي أد خله الكلية الحربية، فهو أول شخص أضرَّ ببيت المهدي ولم يحفظ له الجميل، وهذه خيانة في حد ذاتها لهذه الأسرة التي وقفت معه ولكن أنا معجب به فقط في جزئية تطبيق الشريعة الإسلامية، فهو كان شجاعاً فيها لأن كل الأحزاب قد رفضتها في السابق .

هل ما زال الخلاف قائماً بينكم وبين الأخوان المسلمين؟

ـ نحن نختلف مع الأخوان المسلمين في جزئيات، ولكن الإخاء بيننا وبينهم لم ينقطع، ونحن لا نحمد للإنقاذ إلا علي عثمان نائب الرئيس، فعندما كنا في معتقلات نميري كان علي عثمان معتقلاً معنا، وأصبح يقدم لنا الخدمات مثل ابننا ونحن كنا كباراً في السن وهو شاب، فهو كان باراً بنا، وبعد أن إنتهت مايو وجاءت الإنقاذ الآن والتي نحمد لها الكثير ولكن نأخذ عليها عمليات التشريد والفصل من الخدمة الكبيرة التي شهدتها البلاد، فهذا كان ولا يزال قضية سيئة يجب أن تُعالج.. ولكن أقول على الصعيد الإيجابي إنني إن كنت ألوم الإنقاذ فسأكون خائناً لأن التوسع الذي وجدته دعوتنا في ظل الإنقاذ لم نجده في عهد الأحزاب على الإطلاق.

ففي ظل الإنقاذ كثرت مساجدنا وأنشطتنا ومعاهدنا، وفي وقت سابق وعهود سابقة كنا نتقدم بتصديق لمسجد لمدة عامين لا نتحصل على التصديق.. وبالتالي ما وجدناه من تفهم وسعة إدراك في مرحلة الإنقاذ لم نجده في الديمقراطية الثالثة.. وأنا من المعجبين في هذه الإنقاذ بشخصية علي عثمان وغازي صلاح الدين.

أنت من المشاركين في فعاليات نيفاشا التي كان مخاضها إتفاق السلام الحالي، كيف تنظر للهنات والعسرات التي تجابه إتفاق نيفاشا الآن؟

ـ الهنات والعسرات هي نتاج وقوف دول الاستكبار وبعض الدول الغربية ضد السودان لأجل كلمة الإسلام.

بإتفاق نيفاشا هل نحن نسير الآن نحو الوحدة الجاذبة أم الإنفصال؟

ـ لقد أعطينا الجنوب عهداً ولن ننقضه.. وقرنق كان يعمل من أجل الوحدة ولكن سلفاكير الآن بعض أفعاله في هذا الطريق لا تعجبنا.

أنتم متهمون بأنكم لا تعترفون بالصوفية، فهل تغير هذا الفهم حسب تطور العصر؟

ـ نحن من مبادئنا أن لا ننقد صوفي على الاطلاق لا على مستوي الطريقة ولا على مستوي الشخصية، ولكن إذا سُئلنا نقول ذاك العمل على سبيل المثال يتعارض مع الآية تلك أو مع الحديث، فهذا إذا ما سُئلنا لكن مبدئياً لا نبادر بالتناول.. فالعلاقة بيننا وبين الصوفية هي علاقة تعاون ورغبتنا أن يصبحوا جميعاً سلفيين. لأن الولاء لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى.

ماذا تقول في انقسام الحركة الإسلامية؟

ـ أقول إن الحركة الإسلامية لو كانت صادقة لما كانت قد إنشقت أصلاً.

في قضية التطوير والتحديث أي بلغة العصر هل تتجهون نحو تكوين حركة سياسية أم ستكونون جماعة إلى ما شاء الله؟

ـ سنكون جماعة إلى ما شاء الله، ولا علاقة لنا بالسياسة.. فنحن لا نعادي جميع الأحزاب لأن جماهيرها هي جماهيرنا، فنحن كنا ولا ز لنا أصحاب د عوة إسلامية سلفية.. فنحن لسنا طلاب سلطة أو كرسي حكم، ولكن كما قلت لك لن نعادي أي حزب .

نلاحظ أن لكم مشاركات لبعض منسوبيكم في مواقع سيادية مهمة في عهد الإنقاذ كيف ينظر المراقب لهذه المشاركات هل كانت قرار الجماعة أم أفراد لذاتهم؟

ـ نحن لم نتخذ أي قرار بالمشاركة في أي حكم في يوم من الأيام، فهذا هو خطنا ونهجنا الدائم، وبالتالي فإن الذين شاركوا في قيادة بعض المواقع في عهد الإنقاذ هم يشاركون من تلقاء أنفسهم .. وهؤلاء سعت لأخذهم الإنقاذ وإختيارهم في هذه المواقع تم بإلحاح من الحكومة.. وسبق أن جاءني في بواكير عهد الإنقاذ مسؤول كبير بالإنقاذ وطلب مني ترشيح أشخاص لشغل وظائف سيادية فرفضت تماماً أن أرشح أي شخص.

لقد مرت بمسيرة السودان السياسية عدد من الإنقلابات العسكرية بدءًا من نوفمبر (عبود) ونهاية بالإنقاذ، فهل سبق لكم أن شاركتم في أي إنقلاب؟

ـ نحن لم نشارك في يوم من الأيام في أي إنقلاب من الإنقلابات العسكرية التي شهدتها المسيرة السياسية السودانية.. ونحن لسنا حزب سياسي.. وموقفنا هو ضد الإنقلابات العسكرية على خط مستقيم، ونعتقد أن هذه البلاد لم تحطمها إلا الإنقلابات العسكرية.

هل من كلمات الآن لجمع الصف ونصائح للحاكمين والمعارضين؟

ـ على الحاكمين جميعاً من شركاء في الحكومة أن يراعوا مصلحة البلاد والعباد، ويجب أن يستمعوا للجماهير في كل كبيرة وصغيرة، وذلك من أجل تلمس المشكلات الأساسية، لأن الضغط من شأنه أن يولِّد الإنفجار، والآن الحرية غير موجودة.

هل هناك خطر على الإسلام والدعوة من الهجمة الأمريكية على المنطقة؟

ـ حقيقة السودان ترعاه العنا ية الإلهية لأن المستعمر بعد الاستقلال حاول التد خل مراراً وتكرارا،ً ولكن باءت محاولاته بالفشل في النيل من السودان.. وبالتالي ليست هناك مهددات على سير الدعوة في السودان.

الآن هناك إعادة صياغة للجهويات والعرقيات في العالم وهناك تكتلات دينية من الملل والطوائف الأخرى في العالم من حولنا فيما لا زلنا نرى المسلمين شيعا وطوائف. إلى أين يسير هذا الواقع؟

ـ نحن لدينا الإسلام الحقيقي وليس الإسلام المزيف وبالتالي متمسكين بدعوتنا وسنتخطى أي إستهداف عالمي بتمسكنا بهذه الدعوة.

متى نستطيع القول بإننا قد ترجمنا على أرض الواقع إسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجتمع الفضيلة ونعلن إنهاء مبدأ المشاحنات؟

ـ الأمر بالمعروف ليس فيه مشاحنات ولا أحقاد فيه منكر لا بد من إزالته وإزالة المنكر هي من وظائف الحاكم وتغيير المنكر باللسان هي وظيفة العامل.

لقد أقدم نظام مايو قبل نهايات عهده وبعد تبنيه قوانين الشريعة الإسلامية أقدم على إعدام محمود محمد طه فماذا كان موقفكم من ذلك؟

ـ نحن من المؤيدين لإعدام محمود محمد طه، وهذا الموقف أعلنته في جامعة الخر طوم في ذلك الوقت والنميري يحمد على هذه الخطوة.

مرت على فترة حكم مايو محطتان إنقلابيتان هما إنقلاب هاشم العطا وإنقلاب حسن حسين كيف كنت تراهما في ذلك الوقت؟

ـ إنقلاب هاشم العطا كان مخططاً بليداً والأبلد منه إنقلاب حسن حسين.

هل شاركتم في إنتفاضة أبريل رجب الشعبية التي إقتلعت حكم جعفر نميري ؟

ـ نحن كنا من أوائل المشاركين في هذه الإنتفاضة الشعبية.

ما هو شكل علاقتكم الان مع المؤتمر الوطني؟

ـ ليست لدينا علاقة سياسية على الإطلاق لا مع المؤتمر الوطني ولا مع غيره، ولكن نحن أصدقاء لكل الأحزاب، لأن جماهيرها كما قلت لك هي جماهيرنا نحن، وبالتالي لو إنحزنا لحزب فلن تستجيب الجماهير لدعوتنا، فهذه هي نظرتنا.. وأكرر القول إننا لن نتجه لأن نكون حركة سياسية في يوم من الأيام، ومجالنا الأوحد هو الدعوة فقط.

إذن كيف ستشاركون في الانتخابات المقبلة؟

الانتخابات رأينا فيها قديم ولن يتغير أبداً.. فنحن ننظر للمرشحين ونري من هو المتمسك بالدين فيهم نقف معه حينها فهذا هو مبدؤنا وليست لدينا هنا أي عصبية لحزب.

لو كنت حاكماً اليوم ماذا تفعل؟

ـ لوكنت حاكماً لطبقت الشريعة الإسلامية بكاملها، وبدونها لن يحدث تقدم.

متى يكون الإسلاميون جميعاً على قلب رجل واحد؟

ـ هذه إجابتها واضحة هي وأعتصموا بحبل الله جميعاً كما قال الله سبحانه وتعالى.. فالمبدأ الأساسي هو تحكيم الشريعة والبداية لا بد من أن تكون بتطبيق الحدود.



http://www.akhirlahza.net/News_view.aspx?id=2138
_________________

Post: #520
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 01:27 AM
Parent: #519


صحيفة آخر لحظة - ذكرى الأستاذ محمود.. حزمة أسرار 4-5


الإثنين 22 يناير 2007م، 4 محرم 1428هـ العدد 175
الأعمدة

سيناريو
ذكرى الأستاذ محمود.. حزمة أسرار 4-5
ونعود لحزمة الأسرار، كنت وكما أشرت سابقا في جدة في مهمة لتحديث طاقة الجمع في صحيفة الأيام، وذلك بعد أن وثقنا توزيعها اليومي بوصوله إلى 105 ألف نسخة، نعم، مائة وخمسة آلاف نسخة في اليوم من دار التوزيع ومديرها أخي أبوبكر أرباب، ونشرنا الوثيقة على الصفحة الأولى، وبعد مراجعة كل الصحف العربية، كتبت مع شهادة دار التوزيع أقول: إن هذه الصحيفة هي الأولى عربياً توزيعاً باستثناء بعض الصحف المصرية، والتي لا يمكن أن تنافس على خلفية تعداد السكان ونسبة الأمية... إلخ، وقلت: إن ذلك الحكم ينطبق على الشرق الأوسط جريدة العرب الدولية، وكان ذلك بحسابات ذلك الزمان وليس اليوم طبعا.

تزامن وجودي بجدة مع نشر منصور خالد لحلقات كتابه «السودان في الكرة البلورية» بجريدة السياسة الكويتية، وأهمها الحلقتان 18 و19 من تلك المقالات، وفيهما كشف منصور عن الفساد في مايو، بإشارات لتورط مسئولين بالقصر وعدنان خاشوقجي. وتزامن كل ذلك أيضا وفي مكتب السفير مع زيارة عابرة لعلي شمو وكلتوم العبيد مديرة مكتب الرئيس نميري. كان تقدير علي شمو أنَّ مقالات منصور هي الأكثر دماراً للسودان في تلك اللحظات، قالها بالانجليزية The most defastating، ولكني فوجئت بكلتوم العبيد، وهي محل تقديري دوماً، تسألني أن أتولى الرد على منصور خالد بعد عودتي، والتي وجدت نفسي معها منقولا لأكاديمية السودان للعلوم الإدارية، وأمام قناعتي بقرب انتهاء كل هذا «المولد». قلت لها: «لكن منصور ما قال حسن ساتي سرق».. «ما أحسن يردوا الناس الذين أشار إليهم»، بدت مندهشة واحتفظت بتعليقها.

ولكني وباللجوء إلى تكنيك الإسقاط والتداعي، وعلى ذكر منصور خالد، أذكر أننا في الأيام كنا قد ركبنا الصعب ونشرنا له، أيام رئاسة إسماعيل الحاج موسى لهيئة التحرير عام 1980سلسلة مقالات ما أسميه «الخروج»، بعنوان: لا خير فينا إذا لم نقلها. وأذكر أن منصور وبونا ملوال كانا يمران عليّ بالأيام كل مساء تقريباً، لينقل منصور حرصه على تجنب الأخطاء المطبعية، ورجاءه الممتد لي أن أولي الأمر عنايتي الشخصية، وذلك ما حدث. وأذكر أني ومع قرب نهاية الحلقات، قلت لمنصور وأنا أتقدم معه لسيارة «السيهان بيرد» التي كان يأتينا عليها: دعنا نكون صريحين، أشم في هذه المقالات نعياً مقدماً لكل هذه القصة. قال بطريقته القاطعة والفاصلة: طبعاً.. طبعاً.. قلت: ولكن السؤال أيضاً وكم ستأخذ رحلة النهاية هذه؟ . قال: يعني.. دعنا نقول شيءً مثل أواخر عام 1984، والعبارة الأخيرة قالها لي بالإنجليزية، وقد تذكرت ذلك وأضفته إلى حزمة قناعاتي بأن هذا المركب يغرق.

ومن عجب أن تلك كانت قناعتي وأنا في أميركا ضيفاً على وكالة الإعلام الأميركية، وقد سألني يومها هناك مرافقي جاسم العزاوي، التلفزيوني اللامع حاليا بقناة أبي ظبي، وكان وقتها طالباً بالجامعة، عن تداعيات قوانين سبتمبر، قلت له: أفضل شيء يوصلك لفهم ما يحدث مقروءاً مع الحالة السودانية بخصوصياتها ، هو أن أبعث لك من القاهرة بالبريد كتابَيْ طه حسين «الفتنة الكبرى والفتنة الصغرى»، إن لم تكن قد قرأتهما، فأجاب بالنفي، وقد فعلت واشتريت لنفسي أيضا نسختين إنعاشا لذاكرتي. وحين عدت بعد غيبة ثلاثة أشهر هي مدة الزيارة، قابلت الرئيس نميري لأطلعه على مجمل الزيارة، فأخذت السانحة، وللتاريخ، لم أشِرْ لرأيي صراحة في قوانين سبتمبر، وإنما لواقعة سؤال مرافقي العربي الأميركي «جاسم» لي عن تداعياتها، ولردي واقتراحي له بقراءة كتابَيْ طه حسين ، وقولي للرئيس بأني شخصياً أعيد قراءتهما، لأني حقيقة قد اعتبرت ذلك رداً دبلوماسياً أمام رئيس، بمعني أني أرى شبح «فتنة»، فيما كان الأستاذ محمود قد رأى قبلي بشهور ما هو أبعد، رأى «دولة للهوس الديني» فدفع حياته ثمنا لنعيش نحن. وإلى الغد.
حسن ساتي
[email protected]






http://www.akhirlahza.net/Raay_view.aspx?id=2605&r=1
__

Post: #521
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 01:28 AM
Parent: #520


صحيفة آخر لحظة - ذكرى الأستاذ محمود.. حزمة أسرار 5-5


الثلاثاء 23 يناير 2007م، 5 محرم 1428هـ العدد 176
الأعمدة

سيناريو
ذكرى الأستاذ محمود.. حزمة أسرار 5-5
كنت في دار روز اليوسف في يوم لا أذكره من أيام عام 1976، وتحديداً في الطابق الخامس حيث مجلة صباح الخير، وفي حضرة الراحل رئيس تحريرها حسن فؤاد، وكان نبأ نيتي زيارة السودان بعد منفى اختياري لعامين قد تسرب في المؤسسة، متزامناً مع حملة كان قد دشنها الراحل عبد الرحمن الشرقاوي رئيس مجلس إدارة روز اليوسف ضد علماء الأزهر، متبنياً فكرة تقول بإمكانية أن تكون ماركسياً وتكون مسلماً، وهو طرح تقاطع مع رؤية نفر من علماء الأزهر فقامت معركة إعلامية. فوجئت بحسن فؤاد يقول لي: الشرقاوي يريد رؤيتك، قلت: متى، قال الآن. ومضى ليتحدث إلى مكتبه ويرتب المقابلة، فأكملت قهوتي وصعدت للطابق السابع حيث استقبلني بحفاوة وبتلقائية عظماء مصر: حسن إزيك، وكيف عامل.. وإنت بتكتب حلو يا ابني.. شد حيلك.. وإحنا قلنا للنميري أن روز اليوسف ليست ضد السودان، بدليل أننا قد ضممنا إليها كاتباً سودانياً، »يقصد شخصي أنا بالطبع «.. وقهوتك إيه.. ومضى مباشرة ليقول: إنت تعرف محمود طه، قلت نعم. قال لم أقرأ له كثيراً، ولكن أفكاره تعجبني، وسمعت إنك رايح السودان.. تقدر تعمللنا معاه حوار.. في مسألة شيء اسمه علماء الدين، وعن الماركسية.. وبالمرة نقدر نخلي القارئ المصري يقف على فكر الرجل. رحبت بالفكرة، فقال لي، عايز من روزا حاجة » معناها المساهمة في نفقات سفري« شكرته، وقلت له: أنا كده كده رايح، ضحك وقال لي: طيب لمن ترجع نتصرف.

عدت لحسن فؤاد، وبدا لي أنه كان على علم بأسباب المقابلة، لأنه وعلى الفور قال لي: حسن هل قرأت كتاب نوال السعداوي الذي صدر هذا الشهر » حواء هي الأصل «، قلت لا، فتح درجه ليعطيني نسخة ويقول: بالمرة حاور لنا أستاذ محمود حول هذه الفكرة، ودا طبعا مش لروزا، وإنما لصباح الخير، وغادرت للسودان.

حاورت الأستاذ في الموضوعين، وهما متاحان ليومنا هذا بصوت الأستاذ وصوتي على موقع الجمهوريين على الأنترنت باسم »الفكرة.. ولا أذكر بقية تفاصيل الكود«، وفيهما ذهب الأستاذ الى أن حواء بالطبع هي الأصل، لأنها هي الأرض في حين أن آدم جاء كـ »ألمامة سماوية «، وتمعنوا ثراء العبارة..وقال إن التطورية والنشوء عند داروين جاءا متأخرين لأن لهما أسانيدهما الدينية من وجهة نظره طبعا، ومجمل رأيه في الحوار لروزا أنه لا يوجد في الإسلام شيء اسمه رجال دين...الخ.

لم يكن ذلك أول حوار أجريه مع الأستاذ، فقد حاورته عام 1974 قبل هجرتي لصالح جريدة الأيام، ولكن رؤسائي تحفظوا على الحوار، وليتهم كانوا قد نشروه، إذن لكان قد زاد مؤامرة إعدامه وضوحاً، ففي ذلك الحوار، وعن جزئية فرية رفع الصلاة عنه، قال لي: المقلد لا يمكن أن يكون أصيلا، والرسول قال: صلوا كما رأيتموني أصلي وفي ذلك تثبيت للتقليد، والصلاة صلة بين العبد وربه، ولذلك وحين تتقنها سنة على قدم الرسول، وتتبعها بالتهجد تقترب من الوصول الى صلاة تخصك في مناجاتك وهي تتلاقى مع التقليد، ولكنها تصطحب نفسك ( بفتح السين ) الخاص، أي التجديد، وإمعانا في هذا التجديد المطلوب طلب مني الاستماع الى تدشينهم لفكرة تلحين وأداء نصوص دينية منتقاة من أدب التصوف للنابلسي وإبن الفارض.

حين عدت بالحوارين للقاهرة، كنت وكانا سيئي الحظ، فقد استعرت الحملة بين الشرقاوي والأزهر خلال غيابي، وقال لي حسن فؤاد مشيراً إلى أن ذلك سر: الريس السادات بنفسه إتصل بعبد الرحمن وقال له: كفاية يا عبد الرحمن. فأخذت صباح الخير الرسالة فيما يبدو لنفسها أيضا مع اختلاف سياقات الحوارين فلم ينشرا.

رحم الله الأستاذ، فالحاجة إليه ولفكره الوسطي المعتدل والمتسامح تسامح الإسلام مقروءا من عيونه، وليس بالشهادات السماعية، لا تزال قائمة.

حسن ساتي
[email protected]





http://www.akhirlahza.net/Raay_view.aspx?id=2647&r=1
_________________

Post: #522
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 01:29 AM
Parent: #521


صحيفة آخر لحظة - في أجرأ حوار مع الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار 1-2


الأحد 1 إبريل 2007م، 14 ربيع الأول 1428هـ العدد 244
حوار

في أجرأ حوار مع الأمين العام لهيئة شؤون الأنصار 1-2
الإنتماء لآل المهدي ليس من شروط التأهيل للهيئة أو الحزب والأنصار
حركة وسطية ومرنة

أجراه مزمل عبد الغفار
قبل أيام مرت ذكرى إعدام محمود محمد طه ونحن نستلهم الذكرى والدروس والعِبر وطالما نتحدث عن قضية إسلام عريض ومتسامح كيف ينظر الآن كيان الأنصار لتلك الحادثة؟

الكيان الأنصاري إختلف مع الأخوة الجمهوريين في تفسيرهم للقضية الإسلامية ورؤيتهم الفكرية ولكن لم يدع إلى اقصائهم أو إعدامهم لأن الفكر الجمهوري لم يكن فكراً جديداً وإنما هو مجموعة أفكار سبق بها عدد من المفكرين من أهل التصوف وأهل الفكر الإسلامي في التاريخ.. ولذلك في تقديرنا أن المحاكمة كانت هي محاكمة سياسية لأن محمود محمد طه عارض نظام مايو لذلك حدث هذا الحكم.. وفي تقديرنا الأفكار لا يمكن أن تُعدم ولا يمكن أن نقيم محاكم تفتيش لنحاسب الناس فهذه عند الله سبحانه وتعالى. ولكن أيضاً ندعو أصحاب الفكر أن يراعوا الواقع الذي ينشرون فيه أفكارهم, فهناك أفكار تصادمت مع الواقع والرأي العام لايتقبلها ومحلها النقاش العلمي الهادي وهناك في التاريخ الإسلامي خلافات كثيرة بين علماء الإسلام. فنحن نقول: إن هناك إختلافاً بيننا وبين الأخوة الجمهوريين في أفكارهم ولكن لا ندعو إلى الغائهم ومثلما ندعو للحرية لنا أيضاً نريدها لغيرنا. فنحن ضد قرار الإعدام لأنه كان سياسياً ولم يكن شرعياً.
أفكار الترابي التي ظل يرددها مؤخراً في الفقه الإسلامي ما رأيكم فيها؟



http://www.akhirlahza.net/News_view.aspx?id=5834
_________

Post: #523
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 01:29 AM
Parent: #522


صحيفة آخر لحظة - مؤسس الحركة الإسلامية ورئيس الجمعية التأسيسية في الديمقراطية الثالثة 1-2

محمد يوسف محمد

الخميس 12 إبريل 2007م، 25 ربيع الأول 1428هـ العدد 257
حوار

1-2
اجراه مزمل عبد الغفار

قوانين سبتمبر (الشريعة) التي جاء بها النظام المايوي في العام 1983م هناك من الحركة الإسلامية الآن من تبرأ منها ماذا تقول أنت عنها؟

للتاريخ أقول لم نكن شركاء في هذه القوانين فهي قد فعلها نميري لوحده.

كذلك هناك من تبرأ من قرار إعدام محمود محمد طه ما قولك؟

هذه الحادثة قد يختلف فيها الناس وليس للحركة الإسلامية أي دور في هذا القرار.





http://www.akhirlahza.net/News_view.aspx?id=6467
_________________

Post: #524
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 01:30 AM
Parent: #523


صحيفة آخر لحظة - الشيخ الهدية
الخميس 20 سبتمبر 2007م، 9 رمضان 1428هـ العدد 41
بعد ومسافة
الشيخ الهدية
بالأمس إرتحل عن دنيانا الشيخ محمد هاشم الهدية، إلى عالم الخلود بعد عمر طويل قضاه في الدعوة وجلائل الأعمال في هذا الشهر العظيم، ومعروف عنه أنه من الآباء المؤسسين لجماعة أنصار السنة المحمدية، ومن أكثرهم إنفتاحاً على الآخر.. ولا أدعي أنني كنت من المقربين له، إذ أنني كنت أقرب كثيراً للشيخ أبو زيد محمد حمزة، بحكم ظروف عديدة، أولها الجيرة في السكن، ثم وجود مسجد الحارة الأولى الأقرب لمنزل الأسرة، والذي لازمته فترة طويلة من فترات الصبا، بل أستطيع القول بأن الشيخ أبو زيد كان من الذين أسهموا في بناء وتكوين شخصيتي ضمن عشرات المئات من أبناء الحارة الأولى.. وقد برز منهم كثيرون في الصفوف الأولى لجماعة أنصار السنة.. ولكن إنفلاتي المستمر وتمردي كانا من الأسباب التي لم تقيدني داخل إطار الجماعة، حيث كانت الحارة الأولى في مدينة الثورة، على قلة بيوتها التي تتجاوز السبعمائة بيت بقليل، كانت ساحة للتنافس الفكري والعقائدي والسياسي.. ساحة ساخنة لا ينقطع الصراع فيها لحظة واحدة.. فقد أقام فيها إلى أن رحل تحت حبل المشنقة الأستاذ محمود محمد طه مؤسس ورئيس الحزب الجمهوري، وزعيم الجمهوريين.. كما أقام فيها أستاذنا الجليل أطال الله في عمره الشيخ الأستاذ ياسين عمر الإمام، القيادي الإسلامي الكبير، و أحد آباء الحركة الإسلامية في السودان.. وضمّت في فترة من الفترات الشيخ الأستاذ عبد الجبار المبارك الفنان والرسام الذي أخذته الدعوة في آفاقها الواسعة العريضة، وأقام فيها لفترة شاعر الشعب محجوب شريف، ومن قيادات الإتحاديين الأستاذ حسن محمد زكي- أمد الله في أيامه- كما ضمت رموزاً مايوية كبيرة تمثلت في (الزعيم) علي محمد عثمان.. ورموزاً في الفنون والرياضة والإعلام منهم الأستاذ المغني خالد كرم الله- ردَّ الله غربته- وشقيقته المذيعة اللامعة زينب كرم الله، والأساتذة محمود أبو العزائم، والراحل أحمد الزبير (أشكال وألوان) ومن الرياضيين الكابتن برعي أحمد البشير الأسطورة التي لن تتكرر قريباً، ومحجوب الكوارتي وغيرهم وغيرهم..

وجدتُ نفسي أنحاز لأنصار السنة دون إنتماء في معركة يواجهونها، فقد كان الشيخ أبو زيد ولازال قدوة ونموذجاً يستحق أن يحتذى، وهذا الموقف المنحاز قربني بالضرورة من هذه الجماعة، وتعرفت على أحد أبناء الشيخ الهدية، وهو الأستاذ عبد الملك الهدية بحكم صداقته لأحد أصهاري الأستاذ بدر الدين عبد الرحيم أحمد طه، وقد حزنت كثيراً إبان الفترة الأخيرة للخلافات بين رأسي الجماعة، الشيخ الراحل محمد هاشم الهدية، والشيخ أبو زيد محمد حمزة، خاصة بعد أن إنتقل الخلاف إلى صفحات الصحف، وكنت أشعر بأن ما يحدث كان يهدد وحدة الصف وقوة الجماعة. والتقيت بالشيخ الهدية كثيراً وكنتُ أطالبه مثلما أطالب الكثيرين من قادة جماعة أنصار السنة بأن ينخرطوا في الحياة السياسية، وألا يبقوا على الهامش، وكذلك طلبت من الشيخ أبو زيد هذا الأمر ولازلت ألح على ضرورة مشاركتهم الفاعلة في الحياة السياسية، وأعضد ذلك المطلب بوجهة نظر كثيراً ما أعتقد بأنها صائبة، وهي أن الفكر والعقيدة يتعثر دائماً نشرهما وإنتشارهما اذا لم يجدا القوة المرتبطة بقوة الحكم والدولة.

وإقتربت من الشيخ الهدية- رحمه الله- أكثر خلال مفاوضات نيفاشا التي أفضت إلى إتفاقية السلام الشاملة، وهو رجل واسع المعرفة وبحر علوم، يتمتع بقدرة عظيمة في التأثير على مستمعيه، صاحب حجة ومنطق ودراية شاملة بالفقه والسيرة والتفسير، يتمتع إلى جانب ذلك كله بالروح الخفيفة المرحة أو ما أصطلحنا على تسميته بـ (خفة الظل).. وظل- رحمه الله- طوال حياته يفتح قلبه وأبوابه للصحافة والصحفيين، لا يمتنع عن حديث، ولا يعتذر عن حوار، وكان يرى في الصحافة نفسها وسيلة من وسائل الدعوة..

وأذكر أنه خلال لقاء للقائد الراحل جون قرنق بعدد من قيادات المجتمع ورموزه وبعض الصحفيين في نيفاشا أن الدكتور جون قرنق كان يبدي نحوه إحتراماً كبيراً- يستحقه بلا شك- ويوقره ويحرص على سماع رأيه في بعض القضايا، الأمر الذي دفع بأستاذنا الصحفي الكبير إدريس حسن - وكان وقتها رئيساً لتحرير صحيفة (الرأي العام)- إلى أن يقول للراحل قرنق: (إيه رأيك يا دكتور ما دام أي حزب في السودان عندو راعي أنو شيخ الهدية يكون راعي الحركة الشعبية؟) ضحك الدكتور جون قرنق ومثله الشيخ الهدية وبقية الحضور. رحم الله الشيخ محمد هاشم الهدية رحمة واسعة وغفر له وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً. مصطفى ابو العزائم



http://www.akhirlahza.net/Raay_view.aspx?id=13045
______________

Post: #525
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 01:53 AM
Parent: #1


صحيفة آخر لحظة - رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية في آخر حوار قبل وفاته


الخميس 20 سبتمبر 2007م، 9 رمضان 1428هـ العدد 415
حوار

رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية في آخر حوار قبل وفاته
كثرت مساجدنا في عهد الإنقاذ وأنا معجب بـ «علي عثمان» و«غازي»

أجراه/ مزمل عبد الغفار
تعيد (آخر لحظة) نشر آخر حوار أجرته مع الشيخ محمد هاشم الهدية رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية الذي انتقل إلى جوار ربه أمس، حيث تم نشر هذا الحوار في السادس والعشرين من يوليو الماضي.




لكل أمة حكماؤها ولكل مجتمع عقلاؤه ولكل منظومة مفكروها ومنظروها وحداتها كان في إنتمائه للوطن والقضايا الوطنية, صاحب القدح المعلى يكافح ويناضل بالكلمة والمنطق ويقوِّم المسيرة من خلال رأيه الصائب إلى أن بلغ به العمر عتيا... حمل لواء الدعوة الإسلامية لفترة زمنية فاقت الخمسين عاماً فأبلى بلاءً حسناً ولا يزال, إنه الأب والشيخ المربي محمد هاشم الهدية رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية حاورناه كثيراً في مراحل سابقة, ولكن نحسب أن الحوار الآن يكتسب أهمية, لأن الأمر جلل ويحتاج للمزيد من الإضاءة والتوضيحات حول مصير ومستقبل هذه الجماعة في ظل ما رشح من أحداث كبيرة تركنا للرجل مساحة الحديث حول جذور المسألة فماذا قال؟
إحدى محطات فترة حكم جعفر نميري كانت محطة قوانين سبتمبر الشهيرة في العام 1983م، كيف كان موقفكم منها بعد أن توشحت مايو بالثوب الإسلامي؟

موقفنا كان مؤيداً لها، وشكرنا جعفر نميري عليها، ويكفي تلك الخطوة إبادة النميري لجميع الخمور بالبلاد، إضافة لتطبيق الحدود، لذلك كنا مؤيدين لمايو في هذه الجزئية، وهذه الفترة ، وكما قلت لك أنا كنت معارضا لمايو، ولكن كنت أحمد للنميري إبادة الخمور وإعدام محمود محمد طه.

هل تعتقد أن النميري كان صادقاً حقاً في قضية انتهاج نظامه للمنهج الإسلامي، وبالتالي تحول مايو من يسار إلى قومي عربي إلى يمين ؟

ـ نميري لم يكن وفياً مع آل المهدي لأن الامام الهادي هو الذي أدخله الكلية الحربية، فهو أول شخص أضرَّ ببيت المهدي ولم يحفظ له الجميل، وهذا عدم وفاء في حد ذاته لهذه الأسرة التي وقفت معه ولكن أنا معجب به فقط في جزئية تطبيق الشريعة الإسلامية، فهو كان شجاعاً فيها لأن كل الأحزاب قد رفضتها في السابق .

هل ما زال الخلاف قائماً بينكم وبين الأخوان المسلمين؟

ـ نحن نختلف مع الأخوان المسلمين في جزئيات، ولكن الإخاء بيننا وبينهم لم ينقطع، ونحن لا نحمد للإنقاذ إلا علي عثمان نائب الرئيس، فعندما كنا في معتقلات نميري كان علي عثمان معتقلاً معنا، وأصبح يقدم لنا الخدمات مثل ابننا ونحن كنا كباراً في السن وهو شاب، فهو كان باراً بنا، وبعد أن إنتهت مايو وجاءت الإنقاذ الآن والتي نحمد لها الكثير ولكن نأخذ عليها عمليات التشريد والفصل من الخدمة الكبيرة التي شهدتها البلاد، فهذا كان ولا يزال قضية سيئة يجب أن تُعالج.. ولكن أقول على الصعيد الإيجابي إنني إن كنت ألوم الإنقاذ فسأكون خائناً لأن التوسع الذي وجدته دعوتنا في ظل الإنقاذ لم نجده في عهد الأحزاب على الإطلاق.

ففي ظل الإنقاذ كثرت مساجدنا وأنشطتنا ومعاهدنا، وفي وقت سابق وعهود سابقة كنا نتقدم بتصديق لمسجد لمدة عامين لا نتحصل على التصديق.. وبالتالي ما وجدناه من تفهم وسعة إدراك في مرحلة الإنقاذ لم نجده في الديمقراطية الثالثة.. وأنا من المعجبين في هذه الإنقاذ بشخصية علي عثمان وغازي صلاح الدين.

أنت من المشاركين في فعاليات نيفاشا التي كان مخاضها إتفاق السلام الحالي، كيف تنظر للهنات والعسرات التي تجابه إتفاق نيفاشا الآن؟

ـ الهنات والعسرات هي نتاج وقوف دول الاستكبار وبعض الدول الغربية ضد السودان لأجل كلمة الإسلام.

بإتفاق نيفاشا هل نحن نسير الآن نحو الوحدة الجاذبة أم الإنفصال؟

ـ لقد أعطينا الجنوب عهداً ولن ننقضه.. وقرنق كان يعمل من أجل الوحدة ولكن سلفاكير الآن بعض أفعاله في هذا الطريق لا تعجبنا.

أنتم متهمون بأنكم لا تعترفون بالصوفية، فهل تغير هذا الفهم حسب تطور العصر؟

ـ نحن من مبادئنا أن لا ننقد صوفي على الاطلاق لا على مستوي الطريقة ولا على مستوي الشخصية، ولكن إذا سُئلنا نقول ذاك العمل على سبيل المثال يتعارض مع الآية تلك أو مع الحديث، فهذا إذا ما سُئلنا لكن مبدئياً لا نبادر بالتناول.. فالعلاقة بيننا وبين الصوفية هي علاقة تعاون ورغبتنا أن يصبحوا جميعاً سلفيين. لأن الولاء لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى.

ماذا تقول في انقسام الحركة الإسلامية؟

ـ أقول إن الحركة الإسلامية لو كانت صادقة لما كانت قد إنشقت أصلاً.

في قضية التطوير والتحديث أي بلغة العصر هل تتجهون نحو تكوين حركة سياسية أم ستكونون جماعة إلى ما شاء الله؟

ـ سنكون جماعة إلى ما شاء الله، ولا علاقة لنا بالسياسة.. فنحن لا نعادي جميع الأحزاب لأن جماهيرها هي جماهيرنا، فنحن كنا ولا ز لنا أصحاب د عوة إسلامية سلفية.. فنحن لسنا طلاب سلطة أو كرسي حكم، ولكن كما قلت لك لن نعادي أي حزب .

نلاحظ أن لكم مشاركات لبعض منسوبيكم في مواقع سيادية مهمة في عهد الإنقاذ كيف ينظر المراقب لهذه المشاركات هل كانت قرار الجماعة أم أفراد لذاتهم؟

ـ نحن لم نتخذ أي قرار بالمشاركة في أي حكم في يوم من الأيام، فهذا هو خطنا ونهجنا الدائم، وبالتالي فإن الذين شاركوا في قيادة بعض المواقع في عهد الإنقاذ هم يشاركون من تلقاء أنفسهم .. وهؤلاء سعت لأخذهم الإنقاذ وإختيارهم في هذه المواقع تم بإلحاح من الحكومة.. وسبق أن جاءني في بواكير عهد الإنقاذ مسؤول كبير بالإنقاذ وطلب مني ترشيح أشخاص لشغل وظائف سيادية فرفضت تماماً أن أرشح أي شخص.

لقد مرت بمسيرة السودان السياسية عدد من الإنقلابات العسكرية بدءًا من نوفمبر (عبود) ونهاية بالإنقاذ، فهل سبق لكم أن شاركتم في أي إنقلاب؟

من الأيام في أي إنقلاب من الإنقلابات العسكرية التي شهدتها المسيرة السياسية السودانية.. ونحن لسنا حزب سياسي.. وموقفنا هو ضد الإنقلابات العسكرية على خط مستقيم، ونعتقد أن هذه البلاد لم تحطمها إلا الإنقلابات العسكرية.

هل من كلمات الآن لجمع الصف ونصائح للحاكمين والمعارضين؟

ـ على الحاكمين جميعاً من شركاء في الحكومة أن يراعوا مصلحة البلاد والعباد، ويجب أن يستمعوا للجماهير في كل كبيرة وصغيرة، وذلك من أجل تلمس المشكلات الأساسية، لأن الضغط من شأنه أن يولِّد الإنفجار، والآن الحرية غير موجودة.

هل هناك خطر على الإسلام والدعوة من الهجمة الأمريكية على المنطقة؟

ـ حقيقة السودان ترعاه العنا ية الإلهية لأن المستعمر بعد الاستقلال حاول التدخل مراراً وتكرارا،ً ولكن باءت محاولاته بالفشل في النيل من السودان.. وبالتالي ليست هناك مهددات على سير الدعوة في السودان.

الآن هناك إعادة صياغة للجهويات والعرقيات في العالم وهناك تكتلات دينية من الملل والطوائف الأخرى في العالم من حولنا فيما لا زلنا نرى المسلمين شيعا وطوائف. إلى أين يسير هذا الواقع؟

ـ نحن لدينا الإسلام المزيف وبالتالي متمسكين بدعوتنا وسنتخطى أي إستهداف عالمي بتمسكنا بهذه الدعوة.

متى نستطيع القول بإننا قد ترجمنا على أرض الواقع إسلام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مجتمع الفضيلة ونعلن إنهاء مبدأ المشاحنات؟

ـ الأمر بالمعروف ليس فيه مشاحنات ولا أحقاد فيه منكر لا بد من إزالته وإزالة المنكر هي من وظائف الحاكم وتغيير المنكر باللسان هي وظيفة العامل.

مرت على فترة حكم مايو محطتان إنقلابيتان هما إنقلاب هاشم العطا وإنقلاب حسن حسين كيف كنت تراهما في ذلك الوقت؟

ـ إنقلاب هاشم العطا كان مخططاً بليداً والأبلد منه إنقلاب حسن حسين.

هل شاركتم في إنتفاضة أبريل رجب الشعبية التي إقتلعت حكم جعفر نميري ؟

ـ نحن كنا من أوائل المشاركين في هذه الإنتفاضة الشعبية.

ما هو شكل علاقتكم ـ ليست لدينا علاقة سياسية على الإطلاق لا مع المؤتمر الوطني ولا مع غيره، ولكن نحن أصدقاء لكل الأحزاب، لأن جماهيرها كما قلت لك هي جماهيرنا نحن، وبالتالي لو إنحزنا لحزب فلن تستجيب الجماهير لدعوتنا، فهذه هي نظرتنا.. وأكرر القول إننا لن نتجه لأن نكون حركة سياسية في يوم من الأيام، ومجالنا الأوحد هو الدعوة فقط.

إذن كيف ستشاركون في الانتخابات المقبلة؟

الانتخابات رأينا فيها قديم ولن يتغير أبداً.. فنحن ننظر للمرشحين ونري من هو المتمسك بالدين فيهم نقف معه حينها فهذا هو مبدؤنا وليست لدينا هنا أي عصبية لحزب.

لو كنت حاكماً اليوم ماذا تفعل؟

ـ لوكنت حاكماً لطبقت الشريعة الإسلامية بكاملها، وبدونها لن يحدث تقدم.

متى يكون الإسلاميون جميعاً على قلب رجل واحد؟

ـ هذه إجابتها واضحة هي وأعتصموا بحبل الله جميعاً كما قال الله سبحانه وتعالى.. فالمبدأ الأساسي هو تحكيم الشريعة والبداية لا بد من أن تكون بتطبيق الحدود.


http://www.akhirlahza.net/News_view.aspx?id=13067
____

Post: #526
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 01:54 AM
Parent: #525


صحيفة آخر لحظة - عن الأبراج: شدّو حيلكم.. مسلسل مفتوح ..وأعيد إنها مهزلة..


السبت 25 أغسطس 2007م، 12 شعبان 1428هـ العدد 389
الأعمدة

سيناريو
عن الأبراج: شدّو حيلكم.. مسلسل مفتوح ..وأعيد إنها مهزلة..
وللعلم، فالاعتراض على السيناريو القائم لمناقشة الأبراج ونشرها، هو اعتراض على مجرد فكرة بحث المسألة لأنها ( عرضة برة الدارة ) كما يقول أهلنا، والاعتراض أيضا على مجرد اقتراب أيا كان شكله من صاحبة الجلالة من غير ذويها، وبالتالي من رؤيتنا لما نقدم فيها. كما إن مصدر الاعتراض ليس في أن نشر الأبراج يمكن أن يفقدنا شيئا إذا توقفنا عنه كما يمكن أن يتوهم البعض ، فنحن كرمنا أصحاب العمل بجعلنا الصحيفة الأولى، وأهدونا كأس المونديال مع أني طالبتهم فقط في أول سيناريو يوم الصدور في ذلك الاثنين الأغر أن يبقونا ضمن دور الأربعة، وقلت بجرأة أننا لن نلعب أصلا أدوار 32 و16 و8، وإنما جئنا لنلعب دور الأربعة، كرمنا أصحاب العمل القراء بفارق يتعدى الخمسة عشر ألف نسخة يوميا من المباع وليس المعروض في أسواق العاصمة المثلثة فقط، عن الوصيف أو صاحب المركز الثاني. ومع ذلك لا أظن أن مكافأة أصحاب العمل لنا ( شيك على بياض )، لأنهم يمكن أن يسحبوا ثقتهم منا في أي وقت كما فعلوا مع آخرين ، فإذا هم الآن يقاتلون بلغة دوري كرة القدم ، لاحقونا تقليدا، فحاولوا الأبراج والكاريكاتير والإشارات، ولكن وكما قال الشهيد محمود محمد طه أن مشكلة الذي يقلد أنه يكون قد حرم نفسه أصلا من أن يكون أصيلا، ومن هنا كان امتداد فلسفته بأن يمتلك كل إنسان صلاته ( بكسر الصاد ) الخاصة بمولاه، فأساء تأويلها من كمنوا له في حقول الظلام فحولوها إلى ادعاء منه بصلاة خاصة وأنه رفعت عنه الصلاة...الخ فأعدموه. الاعتراض ليس أيضا على رأي ديني إسلامي، وللعلم ففي السودان ديانات أخرى، ولكن الاعتراض على ( الانتقاء ) ومصادرة حق أصحاب ديانات أخرى، ومن قال أن القراء أصحاب العمل لآخر لحظة كلهم من المسلمين على ما بين المسلمين السودانيين أنفسهم من تباين في الفهم والأمزجة تجاه هذا الأمر. وأشير إلى أننا وقبل أقل من أسبوعين احتفلنا في السودان بذكرى الإسراء والمعراج، ولعلم ضيقي الأفق، فربط الإسراء والمعراج بليلة 27 رجب يحتمل خلافا لو أفردت له من قراءاتي فيه صفحات بهذه الصحيفة لما أوفيته حقه، دعك عن كون الاحتفال به ذاته لو عرضناه على آخرين في هذه الملة لقالوا إنه ( بدعة ) ولأخرجونا منها بنفس الأفق الذي يرى به التزمت عملية نشر الأبراج ( تخريبا )، مع فارق المقارنة بالطبع بين المسألتين، ولكن نقاط التماس قائمة بينهما من عدة أوجه، بينها أننا في السودان أصحاب مزاج وعقل وتركيب نفسي ووجداني خاص، فنحن نغني ونمدح للنبي:

القبة العجيب أوصافها.. مدحا، ووحات الله ورسول الله..غناء، و نحن، وكما توصلت لذلك في بحثي عن الوجدان السوداني ومحاضرات قدمتها للسودانيين بأبو ظبي والشارقة في حفلي تكريم، أكثر شعوب المعمورة قاطبة إقحاما لاسم الجلالة في الغناء، ومناشدة وتوسلا لأهل الله في الغناء أيضا وليس مجرد التعبد، والنعام غناها من كلماته:

النعام جنّك دا خلّو..

ويا رجال الله البصّلو ..

بل أننا وحتى في حالات ( السقوط والمعاصي ) نستجير بالنبي، وفي الستينات راجت أغنية دكاكينية تقول:

يا نبينا.. توب علينا..

من شراب العرقي..

وكل هذه أمور لو عرضناها على آخرين لرأوا فينا جموع كفرة فجرة، أوهم يستمعون مثلا إلى شاعرنا عبد الله محمد خير من غناء صديق أحمد:

مصيري الراجي أكان نار واللا جنّي ( يعني الجنة )..

بدورك فيهو تبقي قريبة مني..

نحن أمام مزاج قدري لا تهمه نار ولا جنة، وفي ذلك قمة التصوف، وبين شيوخه من رأى أن العبادة والحب لله يكتسبان توهجهما وأصالتهما حين يكونان لا خوفا من ناره ولا طمعا في جنته، وذلك عين ما قصده عبد الله محمد خير، وراجعوا عشق رابعة العدوية، وهنا الحديث يطول.

ونحن أصحاب عقل ومزاج مولع باستكشاف الغد، ونتوشح خوفا نبيلا منه، واذكروا إبراهيم بن عوف من غناء الراحل ياسين عبد العليم:

ضمني يا ليل الغلابة وضمني..

ضمني وقبل ما ينزل على الدنيا الصباح..

وقبل ما تنزل مصيبة تخمني.. يا ليل يا ليل..

وإسماعيل حسن:

خوفي منك خوفي تنساني وتنساها الليالي..

ونحن نتحسس بخوفنا ( الوداعيات ) وقارئات الفنجان، وقديما غنت بلبلتا (ثنائي النغم ):

يا ست الودع.. أرمي الودع..أرمي الودع وكشكشيهو..

فتدافع لها الوجدان في برنامج ما يطلبه المستمعون..مثلما تدافع مع أولاد المأمون ميرغني المأمون وأحمد حسن جمعة وغنى وطالب عبر ما يطلبه المستمعون:

شوف الخيرة يا رمّالي..

أظن كاتبني عن عمّالي..

ونحن حتى مع أدب الأطفال نستجير بالكواكب وكأننا وثنيين متوسلين أن تفك لنا لغزا فنغني:

يا قمرة ..كبي السنسني الحمرة.. وشوفي أبوي دحين ماجا..

وكل هذا التراث هو في حقيقة الأمر ( أبراج ) تمشي بين الناس وليس مجرد أحرف في صفحات الصحف.

إنها مهزلة.. ويا أخي الطيب صالح أجبنا: من أين أتى هؤلاء الناس ؟. والى بعد غد لنفتح غدا جرحا نازفا طازجا برحيل كروان الغناء خليل إسماعيل . حسن ساتي
[email protected]

http://www.akhirlahza.net/Raay_view.aspx?id=11824
______

Post: #527
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 01:55 AM
Parent: #526


صحيفة آخر لحظة - النائب الأول للرئيس في مايو يكشف أسراراً تنشر لأول مرّة«4 - 4»


الثلاثاء 21 أغسطس 2007م، 8 شعبان 1428هـ العدد 385
حوار

النائب الأول للرئيس في مايو يكشف أسراراً تنشر لأول مرّة«4 - 4»
الجبهة الإسلامية سعت لاستقطابي قبل إنتخابات الديمقراطية الثالثة
وفشلت

أجراه/ مزمل عبد الغفار
إن في الصمت كلاماً.. ذلك ما كنا نحسه ونحن نرسم مداخل اللقاء مع ضيفنا.. فالرجل كما ذكرنا ضنين بالحديث وهو في مقاعد السلطة وضنين بالحديث أيضاً وهو يراقب تطورات الأحداث، وما بين صمته الأول وصمته الثاني لعله إختزن في الذاكرة ما يمكن أن يكون مسرحاً لحديث طويل، لا سيما وأن ضيفنا عسكري من طراز فريد, شغل منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية في الفترة من 1979م إلى 1981م وهي الفترة التي تمثل مرحلة الإنفتاح السياسي لتجربة مايو وأيضاً وزيراً للدفاع في آخر حكومات الديمقراطية الثالثة.. وفي هذه الحلقة يفرد ضيفنا الذي لن تنقطع معه اللقاءات مستقبلاً لأهمية تجربته في الساحة السودانية, وفي هذه الحلقة يتواصل الحديث حول الطلاق الذي وقع بينه وبين نميري والتقاعد المفاجئ والمكاشفة التي تمت بينهما كما تتضمن هذه الحلقة الختامية رؤيته لواقع السودان في ظل التحديات الدولية ولمستقبل السلام والتجربة الديمقراطية.. إنه الفريق أول عبد الماجد حامد خليل النائب الأول لرئيس الجمهورية في مايو الذي يواصل ما انقطع من حديث في الحلقة الماضية قائلاً:

أذكر أنه في يوم 24 يناير 1981م إتصل بي الرئيس جعفر نميري في مكتبي بعد الظهر قائلاً لي: أرجو أن نلتقي في الاتحاد الاشتراكي لنقوم بتكوين لجنة قومية لتقييم حديث الضباط فهذا ما قاله عبر الهاتف، وفي بضع ساعات تغيَّر موقفه تماماً بنسبة 180 درجة وعندما إتصلت به في المنزل رد عليّ عبر الهاتف د. بهاء الدين محمد إدريس بالقول: إن الرئيس معه جماعة فقلت: أرجو أن تخطره لكي يحدثني فتحدث معي الرئيس نميري وكانت إجابته: لن يأتي للاجتماع الذي دعي له.

بعد ذلك هل سمعت بإقالتك عبر الإذاعة أم نقل إليك جعفر نميري هذا النبأ؟

بالطبع الرئيس نميري طلب مجيئي له لمقابلته وأذكر أنه ولمدة نصف ساعة لم يتحدث معي, وبعدها بادرته بالقول خير إن شاء الله، فبدأ معي الحديث بالقول: إنه لا يوجد شئ تجاهك وطبيعي أن يشمل قرار الإعفاء موقعك كوزير دفاع وقائد عام، وبالتالي -والقول لجعفر نميري- أنا للمستقبل والتاريخ أعطيك خطاباً مكتوباً باليد يشهد بادائك الجيد والمتميز وأنت بحق من حراس مايو.

ونحن نؤرخ للتاريخ السياسي وأنت وزير أسبق للدفاع في مرحلة من مراحل الديمقراطية الثالثة في حد تقديرك ما هي الأسباب التي أدت لزوال الديمقراطية الثالثة؟

حقيقة أية حكومة إئتلافية نتيجتها في الآخر تكون غير إيجابية، لأن أغلبها يسودها منهج التنافس المحموم غير الراشد, وهذا هو العامل الأساسي الذي أسقط الديمقراطية الثالثة، كذلك من عوامل سقوطها العمل الفوضوي بالنسبة لقطاعات كثيرة, وفي ذلك, فالتنافس الحزبي هو مظهر من مظاهره أيضاً، وبالتالي لم يكن هناك استقرار بل كانت هنالك فوضى، وهذه الأجواء من شأنها أن تعطي الفرصة لأية جهة وأي شخص لإحداث أي تغيير وهذا ما حدث بالفعل، فالتنافس السائد لم يكن في المصلحة العامة وإنما كان حول مصالح التكوينات السياسية نفسها، وبالتالي الساحة السياسية كانت متقبلة لأي نوع من التغيير.

ماهو رأيك في الصادق المهدي منذ ذلك الزمان وحتى الآن؟

حقيقة هناك أناس يعتقدون أن أي شخص منحدر من كردفان أو غرب السودان لابد من أن يكون حزب أمة، فأنا للتاريخ أقول لم أكن شيوعياً ولا إتجاهاً إسلامياً ولا حزب أمة ولا إتحادي ديمقراطي ولم اكن مع أي تكوين سياسي آخر، ولم أشارك في أي محفل أو نشاط يناقش شيئاً سياسياً.. وقد كنت شخصاً مستقلاً بالتمام والكمال، أما فيما يتعلق بالعلاقة مع الصادق المهدي فأنا كنت قريباً منه ورأيي في الصادق المهدي أنه رجل وطني من الدرجة الأولى, وكان يتمنى أن يكون الجيش السوداني هو أقوى جيش في أفريقيا.

الكل يحمِّل الصادق المهدي ضياع الديمقراطية الثالثة فما قولك هنا؟

ليس صحيحاً هذا الموقف فهو لم يحكم في تلك المرحلة لوحده بل معه آخرون، ولكن يُعاب على الصادق المهدي إيمانه المفرط بالديمقراطية، وبالتالي زوال الوضع الديمقراطي لا يتحمل وزره بالكامل الصادق المهدي.

ما هو رأيك في محمد عثمان الميرغني في تلك الفترة التي كان فيها شريكاً في الحكم؟

قطعاً طبيعة نشأة الميرغني حتمت وضعيته في تلك المرحلة ولكنه في الآخر دخل بعمق في السياسة.

üما تعليقك إذاً على د. الترابي عندما كان مساعداً لرئيس الجمهورية في مايو وعندما كان في حكومة الديمقراطية الثالثة؟

حقيقة د. الترابي عندما كان في مايو قدم لمايو كل ما يمكن أن يقدمه وزير فيها, فعمل على خدمة مايو وتأييدها وعاونها, ووقف معها بنسبة 100%, ولم تكن في تلك الفترة تربطني به أي علاقة خاصة.

ولكن ما كنت أستغرب له أنه في ظل الديمقراطية الثالثة كان حريصاً على إبعادي مع العلم بأنه كان قد أهداني ذات يوم كتاباً لتفسير القرآن الكريم.

وأذكر حادثة مهمة هنا أنني عندما سألني البعض عن الأحزاب وما إذا كان أي حزب قد وجه لي الدعوة للإنضمام له كانت إجابتي: لم يتصل بي حزب خلاف الجبهة الإسلامية الذين جاءوا ووجهو الدعوة لي للانضمام لهم وكان ردي لهم بأنني لن أدخل أي حزب مهما كان, وهذه الدعوة كانت قبل الإنتخابات التي أتت بالحكم الديمقراطي.

الشعار الذي أطلقه الصادق المهدي في الديمقراطية الثالثة كنس آثار مايو هل تعتقد أنه أفقد الديمقراطية كوادر مايو؟

لا أتصور أن لهذا الشعار أثر بليغ في تلك الحقبة يمكنه أن يؤدي إلى عزوف المايويين عن المشاركة آنذاك.

هل سبق لك أن تمت مساءلتك أو محاكمتك ضمن زمرة مايو بعد انتفاضة أبريل 1985م؟

لم يحدث هذا بتاتاً لا في انتفاضة أبريل 1985م التي إقتلعت نظام مايو ولا انتفاضة اكتوبر 1964م التي اقتلعت ثورة عبود. فلم أكن من الذين تمت محاسبتهم أو مساءلتهم وهذا مصدر إعزاز وفخر لي.

نأتي لحدث اليوم من عمر تداعيات أحداث السياسة في السودان فماذا تقول عن قرار القوات الهجين لجهة إحلال السلام في دارفور؟

حقيقة عندما وافقت الحكومة على القوات الهجين أعتقد أن القرار كان صائباً لسبب جوهري وهو أن أهل دارفور يحتاجون لها و(موافقين) عليها، ودائماً ما أقول للكل أنني لو كنت مسؤولاً سأفعل ما يريده أهل دارفور، وأنا من المقتنعين بأن القوات الإفريقية ليست لها الإمكانات الكافية ولا المعدات ولا الدعم اللوجستي الذي يمكن أن تنجز به مهامها، ولذلك يجئ التأييد لقرار القوات الهجين.

في قضية دارفور هل يمكننا القول بإن دريج الذي كان حاكماً في مايو يعتبر الأب الروحي للحركات المسلحة في مرحلة من المراحل؟

بالطبع دريج كان من أوائل السياسيين الدارفوريين المتعلمين وكان يسير في إتجاه النهوض بإنسان وتنمية دارفور, وذلك في أن تأخذ حقوقها كاملة وبالتالي يمكن أن يلعب هذا الدور.. ولكن الآن ظهرت حركات هي أقوى من دريج كثيراً، فأعتقد أن دريج قد أدى دوره تماماً ولكن ملاحظتي عليه أنه قلل من وضعه الدارفوري بسبب وجوده في الخارج, على الرغم من أن وجوده في الخارج سيخدم الإعلام الخارجي الذي له تأثير كبير في هذه القضية.

نيفاشا كإتفاقية أنقضى منها عامان وأكثر فهل نحن أقرب لخيار الوحدة أم خيار الإنفصال؟

حقيقة نحن ينبغي أن نعمل للوحدة كما يجب أن نعمل لإحتمال إنفصال الجنوب، وبالتالي لابد من أن نضع في الحسبان كل شئ لأن كل الاحتمالات واردة.

كيف تنظر لمسار نيفاشا من حيث قسمة الثروة والسلطة ومن حيث أنها كاتفاقية مثالية ولاغبار عليها؟

هذا الموضوع بالتأكيد تحفه صعاب وهنالك مشكلات كبيرة، وبالتالي لا أعتقد أن إتفاقية نيفاشا حُسمت كما حُسمت إتفاقية أديس أبابا للسلام أيام حكم مايو، لأن في تلك الاتفاقية أي أديس ابابا لم تدخل عناصر خارجية عالمية إقليمية في هذا الموضوع، وبالتالي طالما أن هناك مصالح للدول الكبرى ودول الإقليم, فالموضوع لن يكون حله بسهولة, لأن هناك من يسعى لوضع العراقيل أمام السلام في السودان، وذلك لأجندات ومطامع خاصة بهم.

من الملاحظ أن مصر كانت ذات تأثير على السياسة في السودان وكان تدخلها إيجابياً ولكن لسنوات عدة نجد مصر بعيدة تجاه حل قضايا السودان والتي أبرزها الآن قضية دارفور فيكف تنظر لهذا الدور؟

هي ليست بعيدة تماماً ولكن من المؤكد مصر لها مصالحها, وهي أيضاً تتحرك مع العالم أجمع ومع الدول الكبرى وهذه بالضرورة لها تأثيراتها، فهي من الممكن أن تساعد السودان باعتبار أنها الأقرب للقرار العالمي والقرار الأمريكي والأوربي.

باعتبار أنك كنت على رأس النظام المايوي كيف يستطيع السودان أن ينشد علاقة قويمة مع أمريكا؟

للتاريخ أقول إن قرب أمريكا من مايو كان سببه الحزام الشيوعي في المنطقة والإقليم والذي كنا نقف ضده كنظام في ذاك الوقت, وبالتالي هذا الأمر أحدث التقارب بيننا وبين أمريكا.

أما الآن فالتيار الشيوعي قد إنحسر وحتى روسيا نفسها قد إنحسرت وخلت السيطرة لأمريكا على العالم كله، وفي نفس الوقت أمريكا تعمل مع إسرائيل لتغيير خريطة الشرق الأوسط.

ماهي رؤيتك لمستقبل الديمقراطية في السودان؟

أقول ونحن نتحدث عن هذه التجربة الديمقراطية إن واقع الأحزاب الآن غير مرضٍ لذا لابد من توحيد الأحزاب قبل كل شئ، فالانشقاقات التي نراها هي التي أنهت الديمقراطية في السودان, وبالتالي واقع هذه الأحزاب لابد من أن يتغير ولابد من أن يلتئم شملها قبل كل شئ.

هل تعتقد بعد كل هذه السنوات أن قرار محاكم العدالة الناجزة في مايو وتأييد نميري لحكم إعدام محمود محمد طه كان قراراً صائباً؟

إعدام محمود محمد طه لم يكن قراراً صائباً ولم تجنِ مايوولم تستفد شيئاً من إعدامها لمحمود محمد طه, بل كان مأخذاً عليها.. والحدث نفسه كان قد أفقد مايو الكثير لاسيما وأن الجمهوريين كانوا سنداً كبيراً لمايو.

üبالرجوع إلى مذكرة القوات المسلحة الشهيرة أواخر الديمقراطية الثالثة فهناك من يرى أن هناك أصابع سياسية كتبتها في إشارة لليساريين في ذاك الزمان فما هي الحقيقة؟

لا علاقة بتاتاً لليساريين بمذكرة القوات المسلحة الشهيرة في نهايات الديمقراطية الثالثة فهي قد صاغها الضباط لوحدهم, ولم تتدخل أية جهة في ذلك, وأنا قد إطلعت عليها ولا أعتقد أنها تحمل شيئاً مزعجاً ولكن قدرها أنها جاءت في وقت متوتر جراء تداعيات الأحداث السياسية في ذاك الزمان.

http://www.akhirlahza.net/News_view.aspx?id=11712
_________

Post: #528
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 01:56 AM
Parent: #527


صحيفة آخر لحظة - القيادي بحركة (حق) في حوار الاعترافات(1-2)


الإثنين 9 يوليو 2007م، 24 جمادي الآخرة 1428هـ العدد 342
حوار

القيادي بحركة (حق) في حوار الاعترافات(1-2)
هذه القصة الكاملة لميلاد حركة حق بالخارج

حاوره: عصام الصولي
يقال ما هزَّ الحزب الشيوعي وسبب له الأرق والحمى والسهر الطويل.. كالهزة التي سببها له انشقاق مجموعة نوعية ومدربه من كوادره العملاقة على الصعيدين السياسي والفكري.. وتكوينها فيما بعد لتنظيم مستقل اسموه اختصارابب(حق) لينقسم هو الآخر فيما بعد لـ(حق) الخارج ويقودها الراحل الخاتم عدلان و(حق) الداخل ومفكرها الأستاذ الحاج وراق، ولكن الدكتور الباقر العفيف يتحدث في حواره مع (آخر لحظة) عن وحدة مرتقبة توافرت لها كل العوامل والمناخات.

ويمثل الدكتور الباقر العفيف الجمهوري القديم والقيادي الحالي في صفوف (حق) الكاريزما السياسية والفكرية للحركة التي رزأت بموت عرابها ومنظِّرها الأول الخاتم عدلان، وهي لمَّا تزل تتلمس طريقها للانغراس في التربة السودانية، وإن بدت تأتي أكلها الآن، والدليل تواجدها في انتخابات إتحاد طلاب جامعة الخرطوم التي جرت مؤخراً. والمعروف أن د. الباقر العفيف هو ناشط في حقوق الإنسان، وعمل مديراً لمنظمة العفو الدولية لمنطقة الشرق الأوسط، ومحاضراً بمعهد السلام الأمريكي، ويؤسس الآن لمركز الخاتم عدلان للثقافة والاستنارة الفكرية.

متى وكيف كان ولوجك للعمل السياسي عبر بوابة الحزب الجمهوري؟

ـ إلتزامي للفكرة الجمهورية في العام 1980م، وقتها كنت طالباً بالسنة الأولى بجامعة الخرطوم، بعد أن عكفت فيها لسنتين في دراسة وقراءات للفكر الجمهوري، فلفت الجمهوريون انتباهي، وفكرهم جاوب على الكثير من الأسئلة التي كانت تدور بخلدي في فترات الطفولة والمراهقة، وبعضها أسئلة حائرة عن الدين.

وأول كتيب لفت نظرك؟

ـ فيه وجدت إجابات لأسئلة كثيراً ما أرهقتني، ولذلك شعرت براحة كبيرة جداً.. قامت بطرد هواجسي، وعلى هذا تشكلت نظرتي للحياة، وساعدني على ذلك وكما ذكرت لك إلمامي بكل المباديء الأساسية للفكرة الجمهورية.

وهل قابلت الأستاذ محمود محمد طه؟

ـ نعم وكان ذلك في منزله بالثورة.. وأنا على أعتاب الجامعة.

وما هو الانطباع الذي خرجت به عن شخصية الأستاذ وأنت تراه لأول مرة؟

ـ البساطة والتواضع والتلقائية ينتابك إحساس كأنك تجالس والدك أو عمك أو جارك، المنزل ذاته يشبه بيوت عامة السودانيين لا تكلف ولا بهرجة ولا أبهة.. علاوة على شخصية الأستاذ التي طابقت الصورة التي تخيلتها له.. نموذج للمفكر العميق الذي تمنيت أن أكونه.. نموذج للإنسان الملتصق بالأرض والشعب دون تعالي أو غطرسة. ومن حينها إتخذته مثلاً أعلى لي وما زال.

وهل ما زلت جمهورياً أم غيَّرت انتمائك السياسي لصالح حركة حق؟

ـ صحيح أنا الآن ضمن كوكبة (حق) لكنني لا زلت أعتبر نفسي جمهوريا،ً شكلت الفكرة الجمهورية فكري ونظرتي للآخر وللوجود.. داخل كياني أنا جمهوري.

ولماذا إخترت الفكرة الجمهورية للولوج للعمل السياسي؟

ـ طبعا لمحتوى الفكرة الجمهورية الإصلاحي.. وأيضا ربما لإنتهاج الجمهوريين أساليب جديدة في العمل التوعوي غير مسبوقة، عبر أسلوبهم المتفرد للإتصال بالشعب.. حيث يتحول الجمهوريون إلى مكتبات متحركة.. وتأسيسهم لمدرسة المكتبة الموبايل التي لم يسبقهم عليها أحد في العالم كله.. وعوضاً عن المألوف حيث يسعى الناس للكتاب والمكتبة. الجمهوريون يوصلون الكتاب إليك حيثما كنت وأنت جالس في مكانك.. فغدا الكتاب كأنه (قاطع طريق) للناس.. هذا هو الأسلوب الذي اتبعناه.. نحن ذهبنا بالكتاب للناس في أي مكان، في المكاتب والبارات والمنتديات العامة وفي الشوارع.. جبنا هذا السودان مدينة مدينة وقرية قرية، جبنا الوهاد والفرقان والأصقاع النائية.. ذهبنا إليها على ظهور الدواب وبالسيارات وراجلين على أقدامنا، وقد لا أبالغ لو قلت لك إننا طرقنا مناطق لم تطرقها أية قدم لمسؤول مهما كان موقعه.

وهل تم ذلك بتوجيه من الأستاذ محمود؟

ـ نعم.. كنا نسمي هذه الرحلات المعتادة بـ(الوفود)، مثلاً يقولون لك.. سنبدأ غداً وفد الشمالية فيتحرك الوفد إليها وينقسمون إلى وفدين من مدينة شندي.. وفد يسلك طريق شرق البحر وآخر غربه، ويبدأ التطواف من قرية إلى قرية، نلتقي الناس ونبشر بالفكر الجمهوري إلي أن نصل للحدود المصرية.. وكذلك رحلة الجنوب والغرب وهكذا.

وهل توزعون الكتب مجاناً؟

ـ لا لم تكن مجاناً بل بأسعار زهيدة وفي متناول الأيدي.. لأن الكتاب نعده ونطبعه ونصنعه بأنفسنا.. وقد نبيعه بسعر تكلفة الورق فقط، مع هامش ربح قليل لنطبع بها غيره، وهناك مسألة أخرى نحن الجمهوريين أول من إبتدر وإخترع مسألة أركان النقاش في الجامعات لأول مرة في تاريخ السودان، والذي سبقنا إليها هم البريطانيون في الهايد بارك .. حيث يخطب الخطيب واقفاً، ولكننا تفوقنا على الهايد بارك بتناولنا في الأركان القضايا الجادة، هم يستغلون الخطابة كطابع هزلي أو سياحي أو لاستعراض مكانتهم لجذب الناس.

وهل استغليتم منبر الهايد بارك الشهير وقمتم بتوصيل الفكرة الجمهورية؟

ـ نعم.. وقدمنا أفكاراً جادة ـ نحن أسسنا أركان النقاش في السودان ـ وصارت الآن ثقافة موجودة في جامعة الخرطوم، ربما الطلاب الممارسين الآن لأركان النقاش لا يعلمون أن الجمهوريين هم أول من إبتكر هذا النوع من المنابر في السودان.

ومن هو أول جمهوري قدم ركن نقاش في جامعة الخرطوم؟

ـ كان الاستاذ بدر الدين السيمت لكن بعده د. الريح عبد الرحيم الريح وهو الآن يعمل إدارياً كبيراً في الخليج وأحمد المصطفي دالي وهو أشهر من قدم أركان النقاش، وعمرالقراي أيضا من النجوم وأسماء محمود محمد طه وبتول مختار، وفي الفرع كان هناك متوكل مصطفى حسين وسمية محمود محمد طه وهدى عثمان.. وتوالت كوادر الجمهوريين بعد ذلك، وأنا شخصيا عملت أركان نقاش في كلية التربية وفي كلية الفنون بجامعة السودان.. ولكن دالي والقراي هم أشهر من قدم أركان نقاش.

وهل صاحب هذا الإبتكار هو الأستاذ محمود نفسه؟

ـ بكل تأكيد.. وهو ذات أسلوبه عندما يقدم محاضراته، وعندما أوقفت السلطات محاضراته، وكانت آخرها عام 1972م محاضرة بعنوان: (الدين والتنمية الاجتماعية) وبعدها ظهرت في كتاب.. لذلك إتجه الأستاذ لأركان النقاش، وكان يوجه بالتقييد الصارم بوقت الركن الذي يبدأ عند الساعة الحادية عشرة صباحا وينتهي عند الواحدة .

وهل تقبلت القوى السياسية الأخرى هذه الفكرة المبتكرة؟

ـ الاخوان المسلمون في البداية سخروا منها وأهملوها قبل أن يحاولوا إيقافها بالقوة والعنف.. وعندما عجزوا عن إيقافها تبنوها.. ومارسوها وبرز منهم المرحوم محمد طه محمد أحمد، فالفكر الجمهوري يجب على الآخرين دراسته والاستفادة منه لأنه تجربة حركية بها إبتكار وإبداع وأشياء غير مألوفة سابقا.

وهل توقفت إبتكاراتكم عند حدود أركان النقاش فقط؟

ـ أبداً.. نحن رواد أيضا في خروج المرأة الي العمل الدعوي في الشارع وتوزيعها للكتاب، وهذه شكلت إحدى القفزات الاجتماعية الكبيرة التي أحدثها الأستاذ بعبقريته وإصلاحه الاجتماعي، عندما أضاف شيئاً جديداً اسمه المرأة الإنسانة المثقفة والواعية ولها دور في المجتمع عبر التصاقها بالشارع وتتحمل الأذى من جهلاء المجتمع.. إلى أن استقرت تجربة خروج الأخوات الجمهوريات، وأصبحت من الأشياء العادية التي لا تثير الاستنكار.

ولكن هل تبدد الحزب وتفرق أيد سبأ بعد إعدام الأستاذ محمود محمد طه؟

ـ لا.. ولكن بلا شك إن الأحداث الدامية وتجريم الفكر الجمهوري واستشهاد قائده وسن القوانين التي تحظر وتمنع نشاط الحزب - وهي بالمناسبة سارية حتى اللحظة ـ جعل من الناحية العملية غير ممكن ممارسة العمل العام للجمهوريين.

وكيف إذن يتسنى لكم تقديم مساهماتكم للمجتمع؟

ـ أجابتي على هذا السؤال هي بإيجاد وسائل أخرى، فالجمهوري لا يمكن أن يلتزم ضمن صفوف الأحزاب التقليدية، مثلا لا يمكن أن أنضم لحزب الأمة أوالإتحادي ولا الحزب الشيوعي، وأساسا الفكرة الجمهورية لها آراء في الكيانات السياسية التقليدية، لابد إذن من حركة جديدة تستفيد من التراث الجمهوري، فالفكرة السياسية للجمهوريين تقوم على الجمع ما بين الاشتراكية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وعنصر الالتصاق مع القطاعات الفقيرة من الشعب، وأنت كجمهوري لابد أن تكون صوتاً لها، تمارس الانحياز للمستضعفين، وأزعم أنه لا يوجد أي حزب سياسي سوداني يدعو لنظام إشتراكي ديمقراطي في السودان.

ولكن عن أي ديمقراطية تتحدثون؟

ـ نحن قلنا إن الديمقراطية الليبرالية والنيابية هي خطوة للديمقراطية المباشرة.

وما هو الكيان الذي انضممت إليه وفيه شئ من الفكر الجمهوري ؟

ـ حركة (حق) نادت بالاشتراكية والعدالة الاجتماعية.

ولكن الجمهوريين يعتنقون الاشتراكية؟

ـ لكن أيضا هم لا يقصدون الاشتراكية الماركسية ـ الاشتراكية كمدرسة موجودة قبل الماركسية ـ وحركة حق جمعت بين الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحقوق الانسان وموضوع الهوية، حيث أننا أرجعنا المشكلة السياسية السودانية لأزمة الهوية، وقلنا إن الحرب ناتجة عن انحراف هوية، ولا مناص للشماليين إلا بفهم هويتهم فهما صحيحاً، هم ليسوا عرباً ـهم سودانيون من أصول نوبية ثم استعربوا.

لكنهم يتحدثون العربية؟

ـ يا أخي ليس هناك لغة على الإطلاق تمنح الناطق بها جنساً، اللغة العربية لا تعطيك الجنس العربي، بل الصحيح أن تقول أنا سوداني ناطق باللغة العربية.. العربي له ملامح محددة وقد تقول الخليجيين والسوريين واللبنانيين وكذا.. نحن لا نشبههم، نحن ملامحنا تشبه سكان القرن الأفريقي ـ الصومالييين والأثيوبيين والارتريين والجيبوتيين وكذا.. نحن ننتمي لهذه المناطق، ولكن نتحدث اللغة العربية لا مشكلة، لكن مجرد الاحساس بأننا عرب فهذا أفسره تلقائيا بأننا أصحاب هوية منحرفة ـ (يعني مترفلين في ثوب عربي وعاملين فيها عرب) ـ نحن ندعي أننا عرب، والعرب أنفسهم لا يعترفون بأننا عرب.. وتصحيح ذلك في أن نعي بأننا سودانيين وننتمي لهذه القارة الأفريقية عنصرياً وجغرافياً.. هذا يجعلنا أكثر تفهماً وتعاطفاً مع الأفريقي الآخر الذي يشاطرنا هذا السودان.. ونقبلهم.. العربي القح يعتبرنا عبيداً ونحن حينما لبسنا روح العربي جعلنا من الآخر الذي يسكن معنا في هذا السودان هو من العبيد.. يجب تصحيح هذه النظرة القاصرة ومعرفة حقيقة أنفسنا.. ومنح الآخر قدره وجعله مساوياً لي في القيمة الانسانية، وله ذات الحق في هذا السودان في الفرص والتنمية، السودان له هوية وطنية متعددة الأبعاد (Marticle

Snaralizm)، متعدد الثقافات،
وعندها فقط نقول نحن سودانيون، فينا من يتحدث العربية ويدين بالإسلام، وفينا من يتحدث العربية ولا يدين بالإسلام، وسودانيون يتحدثون بغير العربية ويدينون بالدين الأفريقي التقليدي، وفي هذا مصدر غنى ومصدر ثراء وجميعنا له الحق في التعبير عن أنفسهم، وينعكس ذلك في كل حياتهم.
برأيك هل حسمت نيفاشا هذه الجدلية؟

ـ نيفاشا هي اتفاقية عظيمة لأن جوهرها يقوم على تقرير المصير، وهو اعتراف بهوية الآخر. نريد نيفاشا لكل مقومات السودان الأخرى، أهل الغرب لهم الحق في تقرير هويتهم وناس الشرق وفي كل مكان حتى في الشمال، نحن بلد له وضع غير طبيعي، خمسين عاماً من الاحتراب هذا غير طبيعي أصلاً، والنظام الحالي نظام الجبهة هو أيضاً غير طبيعي.

لكنه ذات النظام الذي وقع نيفاشا؟

- هناك ضغوطات مورست عليه من الحركة الشعبية ومن المجتمع الدولي وإحساسها بنتائج وخيمة قد تنزل على راسها إذا لم تستجب. لما استجابت بصراحة الحكومة لم تذهب طائعة - ذهبت لنيفاشا Crying and kicking مشوا للتوقيع مجبرين

ولكنهم يا دكتور وقعوا وهذا جيد؟

ـ لكنهم لا يطبقونها تطبيقاً صحيحاً يماطلون في التطبيق وعندما سئل قرنق عن الضمانات التي في جيبه في حال مماطلة المؤتمر الوطني في تطبيعها قال: لا ضمانات لدي ولكنني سأجعل لهم عدم تطبيق الإتفاقية أفدح ثمناً من تطبيقها لذلك سيطيقونها - وهذا ما يحصل حالياً..

وماذا عن دار فور ومشكلتها ؟!

ـ دار فور نتاح لحركات متعددة تتنافس مع بعضها البعض وتصارع بعضها البعض وتنشق كل يوم، هذا أفضل وضع لهذه الحكومة لكي تلعب بهم كما تشاء

ولكن الحكومة وقعت مع جزء منهم أبوجا؟

ـ أبوجا هذه ماتت وتبقى لها أن تقبر فقط بطريقة كريمة، والحكومة لو أرادت سلاماً حقيقياً لفاوضتهم بنفس سلام نيفاشا

ومن الذي يحل المشكلة ؟

ـ حركات دارفور والمجتمع الدولي، يجب على الحركات أن تتوحد أولاً في وفد تفاوضي موحد، الحكومة تريد مفاوضة (كيمان) ليسهل ضربهم . لو لم يتوحدوا لن يتحقق سلام .

الحكومة تصر على عدم فتح الإتفاق من جديد؟

- أولاً: إتفاق دارفور لا يمكن أن (يترقع) يجب فتح النقاش من جديد. جبهة الخلاص بذلت مجهوداً ضخماً لتوحيد الحركات وهنا أثمِّن عالياً الدور الذي يقوم به محمد إبراهيم دريج وشريف حرير، هم حريصون على توحيد الحركات لكنهم لم ينجحوا على الأقل حتى الآن .. إذا توحدت الحركات فستتوحد خلفهم كلمة المجتمع الدولي.

والدور الإقليمي ؟

لا ثقة لي في الدور الاقليمي، الكل يلعب لصالحه، هم يساهمون في الانشقاقات، وهو غير الدور الاقليمي الذي توفر لحركة وجيش تحرير السودان عندما كانت الحركة الشعبية موحدةً، والإيقاد موحدة والمجتمع الدولي موحداً خلفهم، وبهذا اكتملت شروط نجاح أي إتفاق، كل حالة دارفور لا توجد إيقاد، بل إتحاد أفريقي، وعن رأيي شخصياً أقول الإتحاد الأفريقي لا يوجد من ورائه أي خير . لانه مجموعة دول تجمعها الجغرافية فقط . لذلك هم متناقضون ولا يتفقون على شيء - مثله مثل الجامعة العربية - دائماً ينحاز للحكومة، لأنها عضو فيها، تماماً كما وصف أحد الظرفاء الجامعة العربية بأنها نقابة لرؤوساء الدول العربية. والنقابة تعمل بمبدأ: (أنصر أخاك ظالماً أو مظلوما)ً، وكذلك الإتحاد الأفريقي تعاطف مع الدولة أكبر من تعاطفه مع الحركات، ولذلك تحركهم مصالحهم الخاصة مع الدولة لمسايرتها في كافة الأمور. ما أود أن أقوله إن الوسيط غير فعَّال. والحكومة تستطيع فعل أي شيء تريده، وفي وجود الإتحاد الأفريقي . هذا هو السر في التمسك به والاصرار عليه ... ماتزال الحكومة تصر على الإتحاد الأفريقي حتى ظننت أنها ستورثه.

ولكنهم حسب منطق الحكومة ليسوا أمميين؟

ـ وهل هم بالممقابل سودانيون. هم كلهم أجانب

ولكن الحكومة تخشى بدخول القوات الأممية تكرر المشهد العراقي؟

ـ هذا منطق (خم ساكت). العراق بها احتلال . الوضع في دارفور لايشبه ذلك. نحن نطالب بقوات أممية لحماية المدنيين من شعب دار فور، ولو فكرت الحكومة قليلاً لوجدت أن مجرد وجود القوات الأممية في دارفور هو اعتراف بالحكومة، ويساعد على إصباغ الشرعية على الحكومة. ثم إن للقوات الأممية مهمة محددة. هي قوات أممية وليست أمريكية . رغم أن الحكومة نفسها تؤيد باستمرار قوات حفظ سلام أممية في لبنان لحمايته من إسرائيل وفي فلسطين وغيرها. هل بمنطقها هي أنها تريد من الأمم المتحدة احتلال لبنان أو فلسطين .. بصراحة الحكومة لا تقيم وزناً لعقل الشعب .. هي تظن أنها تحكم قطيعاً من الخراف .. تقول أي شيء دون استحياء.

أين الجمهوريون الآن، وهل لازالوا متماسكين؟

ـ الجمهوريون موجودون ويعقدون جلسات في كل المدن. وأنا أشارك في هذه الجلسات من حين لآخر . وجلسات الإنشاد بمنزل الاستاذ عبداللطيف عمر حسب الله لا زالت عامرة، يؤمها العديد منهم والسلطات تعلمها. ولا تتعرض لها، ومنطقهم يقول طالما ألا تهديد يأتينا من هؤلاء القوم .. دعوهم .. لكن الفكرة باقية وفي انتشار، وأنا كل ما أحضر للسودان أجد الفكرة الجمهورية قد استقطبت أناس جدد. والذين يقولون إن الفكرة الجمهورية ماتت لانها توقفت عن الفعل السياسي والنشاط العام في الشوارع واصدار كتب جديدة وأركان نقاش وحملات توعية . إذن ماتت أقول هذا ليس صحيحاً.

ولكن لماذا لا يطمحون لدخول الانتخابات ؟

ـ الانتخابات عمرها ما كانت مطمع الجمهوريين. ونلحظ ذلك على مدى كل الانتخابات التي جرت في السودان. المرحلة هذه هي مرحلة تثقيف للجميع واصلاح للثقافة والتوعية وضرب النموذج للمثقف السوداني المستقيم الذي كل همه توعية الناس وخلق النموذج المتسامح والمتحمل للأذى، تربية الفرد التي أهملها دكتور الترابي لتلاميذه فقاموا بضربه على (قفاه) . ينشدون التربية أولاً التي غابت عن تنظيم بحاله يسمي نفسه بالاسلامي، ولكنه يعمل أعمالاً الإسلام منها براء .. ولا يهمه الشعب، وذلك كان يسميها الأستاذ محمود بتربية القامات التي تضرب بسلوكها اليومي وتواضعها وبساتطها أروع المثل، لذلك نجد الجمهوري هو أبعد الناس عن العنف والكذب ونابي الألفاظ، وهو يتمثل ثقافتنا السودانية والإرث الصوفي السوداني المتسامح الذي يستطيع التعايش مع أنماط السلوك المختلفة ولا يقمع آراء الآخرين .. ويتمثل قوله تعالى (لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك) (وأدعوا إلى سبيل ربك بالحكمة والموعضة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) هذا هو القرآن أين هذا النموذج من ممارسة النظام الذي أثرى قادته وبقية الشعب جوعان .

كيف إلتقيت الخاتم وكيف تأسست (حق) وهل ثمة حكايا لم تنشر ؟

ـ أول مرة عام 94 في ليدز في مؤتمر عن جنوب السودان، أنا قدمت ورقة وهو كذلك تعرفت عليه عن قرب لأول مرة .

وهل لازال في الحزب الشيوعي وقتها؟

ـ نعم .. ولكنني كنت أسمع عنه أنه يقود مع آخرين حملة لإصلاح الحزب الشيوعي والتخلص من الحمولة الأيدلوجية التي تكبل التحول إلى تنظيم يدعو للعدالة الاجتماعية ومنفتح على قوى التجديد .. وتغيير اسم الحزب نفسه، هذه الآراء كنا نسمعها كأنها إشاعات .

وبعد ذلك؟

بعد ذلك بفترة مقدرة أُعلن أن الخاتم وآخرين سيشاركون في احتفالية بمناسبة الذكرى الأربعين لتأسيس الحزب الشيوعي، وربما أعلنوا عن أشياء جديدة .

أنا لم أشهد تلك الاحتفالية، ولكن حدثني من حضر أن الخاتم قال سيرجع الذين حضروا خصيصاً لاحتفالنا هذا لكي يسمعوا منا أشياء قد تؤدي لانشقاق الحزب سيرجعون بخيبة أمل.

وماذا حدث بعد ذلك ؟

- في عام 1994م أعلن الخاتم عدلان في مؤتمر صحفي استقالته من الحزب الشيوعي، وكانوا أربعة إضافة لد. خالد الكد عمر البخيت ود. أحمد المجري، كلهم تحدثوا ولكن كلمة الخاتم كانت مكتوبة وقوية نقد فيها الماركسية ونقد الحزب، وسبَّب استقالته بأسلوب مقنع . وأنا أُعجبت بهذه الكلمة .. ودفعني هذا لافتش تلفونه وأخبرته من أنا، وقلت له أنا إتصلت بك لأهنئك بالكلمة العميقة والتي تصلح في حد ذاتها لأن تكون وثيقة مهمة . فطلب مني تلفوني وعنواني . وبعد شهرين قام بإرسال كتيب لي اسمه المنطلقات الأساسية للحركة السودانية للديمقراطية والتقدُّم.

http://www.akhirlahza.net/News_view.aspx?id=10057
_________________

Post: #529
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 01:58 AM
Parent: #528


صحيفة آخر لحظة - شريف التهامي: «نميري» كان ينوي معاقبة «الصادق المهدي» بـ«الجلد» والاستتابة



السبت 16 يونيو 2007م، 1 جمادي الآخرة 1428هـ العدد 319
حوار

شريف التهامي: «نميري» كان ينوي معاقبة «الصادق المهدي» بـ«الجلد»
والاستتابة
لا أنادي الصادق بـ « الإمام » ونميري لم يقرر إعدامه بل طالب بجلده

حاورته / غادة أحمد عثمان
يُعد الدكتور شريف التهامي من قيادات حزب الأمة التي لعبت دوراً رئيسياً في مصالحة 1977 بين حزبه والرئيس الأسبق جعفر نميري، والتي أفضت إلى مشاركتهم في مايو, حيث تم تعيينه وزيراً للطاقة والتعدين.. لكن خلافاتٍ نشبت بين النميري والصادق المهدي أدت إلى (نفض) الأخير يده من المصالحة وخروجه معارضاً لمايو, فيما استمر التهامي في منصبه حتى سقوط نظام نميري في 1985م الأمر الذي أدى إلى أزمة بيته وبعض قيادات حزبه.

ويمتلك د. التهامي معلومات مهمة عن كيفية دخول شركة شيفرون الأمريكية السودان وخروجها من البلاد.. « آخر لحظة » جلست إليه واستنطقته حول عدة قضايا.. فإلى مضابط الحوار :

قال نميري بعد أحداث الجزيرة أبا أنه سيقوم بإعدام الصادق المهدي بعد محمود محمد طه وقال ذلك للأستاذ عبد الحميد صالح فإلى أي مدى شكل الإمام خطراً على نظام مايو؟

ليس لدى أي غرض في إمامة الصادق ولا تهمني ولا أناديه بالإمام بل باسمه, ونميري لم يقل إنه سيعدم الصادق المهدي بل هو أعدم محمود محمد طه بناءً على الحكم الذي أصدرته محكمة المكاشفي طه الكباشي, ولكن الحقيقة أن نميري أختلف مع الصادق المهدي في قصة الشريعة عندما انتقدها وقال: إن قوانين سبتمبر لا تسوي الحبر الذي كتبت به وذلك في خطبة عيد الأضحى في العام 1983م وبالطبع لم يقبل الرئيس نميري ذلك الكلام وناداني و(شغَّل) الخطبة كلها.. وقال لابد من معاقبة الصادق المهدي وحدد العقاب بالجلد و(الاستتابة) واتهمه بالزندقة وهذا كل ما حدث. وكان ردي للرئيس نميري إن ذلك غير معقول وهو ليس في حساباتنا عندما عملنا المصالحة معه ولذلك أكدت له رفضي للعقوبات وقلت له كنت مصراً عليها لن استمر في الحكومة, فصمت نميري وإستهجن ردي وقال لي:

أنت مازلت أنصاري إشارة؟ فقلت له: لا و لكن لا يجوز أن تصل الأمور لهذه الإبعاد و في الآخر صرف النظر عن العقوبات, ولكنه أمر بالاعتقالات في سجن كوبر, وأعتقل الصادق ستة عشر شهراً برفقة مجموعة من قيادات حزب الأمة وشيوخ الأنصار.. و كذلك عندما جئنا لإطلاق سراحه فقد بذلت مجهوداً كبيراً مع الرئيس لأنه لابد من أنهاء ذلك الاعتقال الذي طال ,وقَبِل نميري تحت ضغوط شديدة ويشهد على ذلك عمر محمد الطيب في أن (يسوي) الأمر باطلاق سراحه والذين معه, ويؤخذ منهم تعهد (أمامي) بأنه لا يقوم بمناوشات كلامية.. وأذكر أنه وقبل أطلاق سراح الصادق الذي كنت اقابله كل سبت سلمني في إحدى المقابلات الرئيس نميري مذكرة من ست عشرة صفحة بخط اليد وقال لي: (مكثت الليل كله لأكتب المذكرة) وأضاف: ضروري أن تقرأها له أولاً ثم تسلمها للصادق وبالفعل قرأتها له وسلمتها ولازالت المذكرة بحوزتي كواحدة من وثائق المصالحة, وكان فيها هجوم مركز على الصادق وشخصيته وأنه تجرأ وانتقد الشريعة والغريب في الأمر أنه وبعد كل الحديث الذي دار عن قوانين سبتمبر وأنها لا تساوي الحبر الذي كُتبت به, فإن الصادق وبعد أن أصبح رئيساً للوزارة في العام 1986م في عهد نميري لم يستطع أن يلغي قوانين الشريعة التي عملها نميري نفسه إلى أن سقطت حكومته في يونيو 1989م, وهذه من القفشات السياسية في أنك تأخذ موقفاً متطرفاً من شئ وبعد أن تكون السلطة بيدك لا تستطيع أن تبتر الشئ الذي كنت تراه غير صالح أو ناضج ولا في مصلحة البلد.

ألم يحدث أن سألتم الصادق المهدي عن تغييره المفاجئ وأنه لم يستطع أن يلغي الشريعة أليس ذلك تناقضا؟

إن الصادق رفض الشريعة في خطبة العيد علناً وجامع الخليفة مكتظ بالمصلين وبالتالي تسجيل رفضه موجود ولكن أنا قلت أن تصرفه يندرج تحت القفشات السياسية.

نريد أن تحدثنا عن دورك في مصالحة 77 حيث يقال أن مشاركة حزب الأمة محسوبة عليك باعتبارك من لبذين قادوا المصالحة؟

الحوار في مصالحة 77 استمر بعد يوليو 76 وبعد أحداث (المرتزقة) كما سماها إعلام مايو والأحداث انتهت وبدأ الحديث عبر وفاق وطني وكل أحداث المصالحة شهدتها لندن, وكنت مع الصادق المهدي وعبد الحميد صالح حيث يتولى الأول رئيس حزب الأمة والثاني الأمين العام, بينما كنت مساعد عبد الحميد للتنظيم وشؤون المكتب السياسي وسياسات الحزب.. وفكرة المصالحة طرأت علينا في لندن والهزيمة تلاحقنا من كل جهة والمشكلة أخذت إبعاداً كبيرة جداً لأن 2 يوليو 76 قامت بها الجبهة الوطنية وهي مشكلة من ثلاثة أذرع: حزب الأمة والحزب الاتحادي بقيادة الشريف حسين الهندي وأخواننا المسلمين الذين كان يمثلهم عثمان خالد مضوي.. ولكن للأمانة والتاريخ دفعنا في حزب الأمة وكيان الأنصار الثمن الحقيقي لأحداث يوليو 76 ..لأن كل الخسائر في الأرواح كانت من شبابنا و مجموعتنا حيث فاق العدد الألف, بينما فقدت الجبهة واحداً اسمه عبد الإله خوجلي شقيق الأستاذ حسين خوجلي والاتحاديون لم يفقدوا شيئاً فوقع كل العبء علينا وإذا كان هناك أي تفكير لأي مخرج كان سيأتي.

حكومة مايو وحزب الأمة في المقام الأول ولذا كنا في حالة عدم استقرار ذهني نحن الثلاثة ومعي الصادق وعبد الحميد على ما كان وما سيكون بعد هزيمة 2 يوليو 76 ,حتى إن الخلافات بيننا وتباين وجهات النظر كنا نتجنبها؛ لأن الوقت ليس وقت خلافات وكان الصادق المهدي بحكم أنه في الخارج قائداً للمعارضة وكانت له علاقات قوية مع الليبيين والإثيوبيين والانجليز بحكم أنه كان متحركاً وكان رئيس الجبهة الوطنية, وأنا وعبد الحميد كنا كوادر داخلية تقوم بتسيير العمل في الداخل وقبل 2 يوليو 76 كنا رهن الاعتقال في كوبر أنا وعبد الحميد عام74.. ولذا المعلومات عن الحركة الخارجية كانت في يد الصادق وهو الشخص الذي كان يعرف الامكانات وأين نسير بها وفي مرحلة من المراحل في حوار معي شخصياً طرح عليّ إنه يمكن الاستمرار في معارضة نظام مايو بقوة مسلحة لأن ليبيا كانت أصلاً المركز وتكره نميري ومستعدة للمساعدة, وكان ذلك خياراً أما الخيار الثاني بمساعدة منقستو ايلا مريم في أديس أبابا وهي أسهل لأن قواعدنا ومعسكراتنا كانت في أثيوبيا الموحدة ( أرتيريا وأثيوبيا) ولكن ذلك كان سيدخلنا في ورطة لأنه سيقحمنا في السياسات الدولية وعلاقة منقستو مع الروس جيده وهم شيوعيون ونحن انصار وتوجهاتنا إسلامية ونختلف أيدلوجيا والتركيبة نفسها غير لائقه وحتى إن النقاش تم في هيلتون في كنزنستون فقلت له: إن هيلا مريم قد تكون مغرية من ناحية العمل السياسي ولكن أدبياً غير لائقة, ولكن الصادق فاجأنا وذهب لابوظبي وقابل خالد فرح عبد الرحمن وهو من أبناء الأنصار وله صلة قرابة مع الصادق وكان معهم عصمت زلفو وهو كان ضابطاً متقاعداً في الجيش فاتفقوا على أن يعملوا مصالحة ولكن لا استطيع أن أجزم أن الصادق المهدي هو الذي طلب المصالحة في ذلك الاجتماع, وكان قوله أن الأخوان اقترحوا عليه ذلك وبعدها جاء لندن والتقى مأمون عوض أبوزيد وخالد فرح وزلفو في فندق دونشستر وتناولوا وجبة العشاء وحددوا كيفية الحوار وبعدها خبروني وعبد الحميد.. ولكن الأمر عموماً كان من قبل الصادق المهدي.

قلت مقاطعا: إذن لم يستشركم الصادق؟

لم يستشرنا بل كان في قلبه وغادر, ولكن عندما صار الأمر واقعاً وهنا أقول بأمانة أن الدكتور عبد الحميد كانت لديه الفكرة ولكن تصرف الصادق شجعه أكثر وسهل عليه الأمر فتولى الموضوع فوراً ونظمه وهو رجل ذو مقدرات كبيرة وذهنه يعمل ورأسه كالكمبيوتر, البدائل لديه كثيرة وإذا حدث شئ يقول يفترض أن يحدث كذا وبالفعل قمنا بدعوة فتح الرحمن البشير ورشحناه في أن يقود المصالحة مع الصادق وتم الأمر, وكون أنني قلت أنني قدت مصالحة حزب الأمة في الحكومة مع نميري فنميري لم يعطينا أية إغراءت بل دخلت لوحدي وأصبحت محسوباً على حزب الأمة و كانت كل تصرفاتي تستند على أنني وأحد منهم وبأمانة كان من الشروط التي رأيناها في المصالحة أن يقترح نميري على الصادق المهدي تشكيل حكومة أو نائب رئيس, وكان نميري في الأول معجباً بالصادق وكان لديه كتاب أسمه (الرجل والتحدي) كاتب فيه أن الرجل (الصادق) كان شجاعاً رغم الحكم عليه بالإعدام و لكنه جاء واستقر في السودان وعمل مصالحة إلا أنه وبعد حضورنا للخرطوم زال الحماس السابق وصار نميري في حيرة من أمره هل سيدخل الصادق المهدي كرئيس للوزارة أم لا.. وأنا سعيت بينهما ورتبت لقاءين أو ثلاثة بين الصادق ونميري ولكن الأخير لم يقل نعم أو لا.

إذن نميري كان متحفظاً لعودة الصادق؟

نعم كان متحفظاً جداً ولا نعلم ما كان يدور في رأسه وما إذا كانت هناك أخطاء فقلت له: ياريس أدخل الصادق لأننا عندما عملنا المصالحة لم تكن على أساس أن اتقلد وزارة الطاقة أو أن يصبح عبد الحميد نائب رئيس للمجلس و22 من شبابنا لا, فالمسألة ناقصة وما لم يدخل الصادق لن يستقيم الأمر.. والصادق رجل مغرور جداً و شاعر بمكانة كبيرة وإنه شاب وسيم وطويل ومتخرج من جامعة اكسفورد وحفيد الإمام المهدي, ولذا فلن يقبل بمشاركتنا من دونه وسبق أن قال لي نميري (والله لو شكلتوا حكومتكم دي ما تستمروا ستة شهور) دلالة على ضعف مقدرات الصادق الإدارية وسار الحديث على ذلك حتى جاءت قصة أنور السادات وكامب ديفيد والصلح مع إسرائيل وكان السادات مضغوطاً جداً و نميري أيده في صلحه مع الإسرائيليين.. فاعتبره الصادق سبباً وكتب صفحة بخط اليد (استقالته) لنميري وأشار فيها إلى أن ما حدث مع إسرائيل ضياع للحقوق العربية بسبب موقف السادات وأنه لا يمكن أن يؤيد نميري السادات وكان الصادق قد أدى القسم في الاتحاد الاشتراكي وصار عضواً فيه واقبل على المصالحة بكل عواطفه, ولكن ثمنها لم يأت ولذا صار يتحين الفرص في كيفية وداع المصالحة ففعل بالاستقالة لموقف السادات, وكان ذلك العذر المعلن ولكن الليبيين كانوا يكرهون نميري ولم تكن لهم أي علاقة وقالوا لنا بعد أن ذهبنا للمصالحة إن السودان يجب أن يلغي الاتفاق الذي أبرمه مع مصر, وهو اتفاقية الدفاع المشترك التي وقعت مع السادات وقالوا أنها موجهة ضدهم ولذا وضعوها لنا أيام المصالحة كأول النقاط.. ولكن نميري لم يكترث للموقف الليبي ومضى في المصالحة وبعد أن حدث كل ذلك قدم الصادق استقالته وكل ذلك قبل قوانين سبتمبر.. وكان يصرح في الصحف كالشرق الأوسط والـ B.B.C ولذا وبمجرد ما جاء وقال هو ضد الشريعة اعتقله على الفور وكان كل همي أن اكفيه شرور نميري وحكومة مايو.. وبالفعل نجحت وفؤاد مطر شاهد على ذلك.. و إذا استمريت في الحكايات سوف أضطر لتأليف كتاب ولدي النية في إنتاج كتاب, تحت عنوان: (بيني والصادق ونميري) ولذا فقد كانت فترة المصالحة من البداية وحتى النهاية ومدتها خمسة أعوام كانت متعبة جداً وحاولت فيها أن أوفق بين نقيضين نميري الرجل القوي المحب للسلطة والقرار والذي كان يرى كل ما يفعله هو الأفضل وبين شخص عنده شفافية واهتمام في الحوار وحب مناقشة القرار, ولذا الجمع بينهما صعب واللقاء مستحيل.

بعد خروج الصادق المهدي لماذا لم تفعل و تخرج؟

هذا سؤال مهم فالصادق استقال كما قلت وسلم استقالته لنميري حسبما قال أصلاً حوالي الثانية صباحاً وبعدها ناداني وعبد الحميد حوالي الثامنة صباحاً وكان هناك فرق ساعات ما بين وقت الاستقالة واستدعائه لنا, ولكن ومهما قبلت بالتفاوض والديمقراطية كذلك أردت تنفيذها بأسلوب محدد, والصادق المهدي رغم حديثه عن الديمقراطية إلا أنه ديكتاتور يقرر قراره ويعتقد انه قرار حزب الأمة, ولم يستشيرنا في الاستقالة رغم تورطنا في المصالحة وحدث أن قلت له في مرحلة من المراحل نحن نذهب إلى أين؟

فقاطعته وقلت إذن سبب لكم إحراجاً؟

هو ليس إحراجاً ولكن سياسياً لم تكن لدينا جهة نذهب إليها حيث تركنا الجبهة الوطنية والمصالحة التي عملناها ترتبت عليها مسائل سياسية كثيرة, مثل ارجاع المقاتلين من أثيوبيا وكذلك قطع العلاقات مع الجهات التي هي ضد نميري وكذلك بعودتنا صرنا عزل, من غير سلاح كما أننا لا نستطيع أن (ننفخ) لأن القوة عند الطرف الآخر, ولذا كانت استقالة الصادق قنبلة في غير محلها.

هل تعتقد أنه تعمد تقديم الاستقالة؟

هو تعمد أن يستقيل وقد يكون ضغطاً من الليبيين حتى يقدمها - لا أعلم- لأنه يقال إن عبد الوهاب الزنتاني وهو كان سفير ليبيا في الخرطوم, جاءه وقال له إنهم في مؤتمر بغداد الذي عمل ضد السادات رصدوا امكانيات كبيرة جداً للعمل السياسي ضد السادات, وعليه أن يستقيل من الاتحاد الاشتراكي, فأخذ الكلام وفعل.. ولا أدري هل لأنه غضبان من السادات لتوقيعه كامب ديفيد؟ فأنا أعتقد أنه ليس السبب الأساسي رغم أنه أكده في الاستقالة, ولكن السبب أنه لم يجد الشئ الذي يرغب فيه, ولذا آثر الابتعاد.. كما أن الصادق كان له هاجس اسمه الشريف حسين الهندي والذي لم يقبل المصالحة ولازال في الخارج يعمل ضد النظام, وأعتقد الصادق أن الهندي سيستقطب هو ليقود المعارضة ضد نميري فرأى ترك المساحة للشريف وحده, ولذا قدم الاستقالة, وخلط الأوراق كلها حتى لا يتم كشف ما يريد فعله أو لماذا.. أما لماذا لم نستقيل نحن فبعد خطبة الصادق ومطالبته الغاء الشريعة قام نميري من نفسه بحل مجلس الشعب, ولذا وجد أبناؤنا العشرون الفائزون بالمجلس أنفسهم خارجاً وبلا وضعية وكان من سلطات نميري حل البرلمان فترك الجميع ينظرون يميناً وشمالاً.

وصبرنا أنا وعبد الحميد.. أما بكري عديل وعبد الرسول النور فكانوا في كردفان وعبد الحميد رئيس المجلس وشخصي وزير للطاقة وقال لنا من الأفضل أن نستمر نحن, لأنه لو كان لدينا رأي فلننقله للحكومة ونكون القناة وذلك بمعنى (شعرة معاوية) بين حزب الأمة والنظام وهو دائماً يقول: إن بقاءنا أحسن لأنه لو لم نكن موجودين لحدثت مشاكل كثيرة ولكان رد فعل نميري تجاه مسائل عديدة عنيفاً, ولذا وجودنا هدأ المسائل وكان نميري يخجل منا ويعمل لنا ألف حساب.. ولو كنا ذهبنا لضربت مصالحنا (بالشلوت) وما كانت سترى النور, وحققنا أشياء كثيرة للأنصار, فمثلاً أنا كنت وزيراً للطاقة وهي وزارة خدمات يحتاجها الناس كالكهرباء والمياه وكنت أسهل لأهلنا في الريف هذه الخدمات حتى لا يظلموا, حتى لو وصلهم القليل.. كما كنت أرعى أهلنا المزارعين حتى في بيت المهدي ولوقت قريب كانت منازلنا مصادرة واستطعت بتفاوض وحجج واغراءات ومناوشات أن استردها كلها لأولاد السيد عبد الرحمن لأنها صودرت بعد أحداث الجزيرة أبا في مارس 1970, وكذلك وكما يقول المثل (وجوه الرجال خناجر) حتى لو لم نقل شيئاً وحتى عندما تم اعتقال الصادق نحن ( الشلنا الشيلة على ضهرنا) حتى أطلق سراحه ولا صحة لما تردد ولا وجود لقوى أجنبيه أو غيرها وكل ذلك من محاسن وجودنا في مايو وموثق له.

وأذكر أنه وقبل شهور في جريدة (الصحافة) قرأت تصريحاً لسارة الفاضل قالت فيه: إن الذي لا يسمع الكلام ويسير على الخط سيجد العقاب الذي وجده عبد الحميد صالح شريف التهامي.. بمعنى لم يخرجوا ولكن حديث سارة لا أساس له من الصحة وليس هناك من أحد قال لنا أخرجوا ولا حتى الصادق أو بكري عديل أو عبد الرسول النور وأتحداهم وثانياً: من الذي قال لها إننا (تأدبنا) سواء سقطت مايو ام بقيت فنحن الآن ناس محترمين جداً وكوننا فارقنا حزب الأمة لا يعني اننا تأثرنا والحزب نفسه أين هو الآن فهو في اسوأ حالاته وتشرذم وأصبح خمسة أو ستة أحزاب وهذا استهداف لنا وتبجح ونحن على كل بنينا أمجادنا.

كيف كان تعامل نميري معكم أيام مايو وهل صحيح أن يده كانت تمتد ويضرب الوزراء؟

ضحك وقال: إن السؤال يحتاج لضحكة كبيرة وهذا يعني أنني أيام ما كنت وزيراً في مايو معناها (رأس السوط لحقنا) ولكن والله العظيم ذلك الكلام اسمعه فقط وظلت اكثر من جهة تردده .. لكن طوال فترة عملي مع نميري لم أر أو أسمع أنه كان يضرب أو يوبخ الوزراء وهم كانوا أكثر من مائة, وحتى في جلسات النميمة لم أسمع أن فلاناً ضرب.. ولكن كان نميري عندما لا يعجبه الكلام يصمت وحتى يوم عودتنا من الولايات المتحدة وفي الطائرة دار النقاش حول موقف تأييد السودان للسادات في كامب ديفيد وكان معنا الرشيد الطاهر رحمه الله, و أبوبكر عثمان ومحمد محجوب سكرتير الرئيس الصحفي وكلهم كانوا رافضين وتحدثوا مع الرئيس وقال لهم في هدوء: إن الموضوع يحتاج لنقاش.

هل صحيح أن التعيين والفصل كنتم تسمعونه عبر الإذاعة؟

لا أعتقد أن هناك شخصاً يتم فصله بدون علمه بذلك أولاً وعلى الأقل ذوقياً يفترض ذلك وشكره على خدمته وحديثي عن تجربتي وقد يكون هناك من حدث معهم ذلك ولكنني استمريت وزيراً في مايو حتى سقوطها, وبذا لم يتم اعفائي واسماؤنا كانت في قائمة كبيرة جداً وكان قد وقف نميري عند اسمي كثيراً.. وقال إنه يمكن الاستفادة مني في مجلس الوزراء لمؤهلاتي.

أما الدكتور عبد الحميد صالح رجاحة عقله في حل المشاكل أهلته ليكون في مجلس الشعب كذلك عمر نور الدائم وبالاضافة لمجموعة من الشباب فازوا في الانتخابات وكانت تلك الطريقة التي دخلنا بها ولم نخرج إلا بعد سقوط النظام.

كنا نريدك أن تحكي لنا حادثه لك مع نميري سواء حزينة أم مفرحة أو حرجة؟

أكثر حدث كان مفرحاً مع نميري هو عندما اكتشفنا البترول في أبوجا برة وكان أول كشف تجاري في يوليو 1979م وعندما ابلغت نميري بالخبر فرح جداً وقال لي: ياسلام.. يا سلام يعني شنو؟ فقلت له ده كشف تجاري وأسمه (Comitiol Discovary) وكان أن وجدوا بالسودان كذا كشف ولكن التجاري يعني أن تنتج البترول للتطوير والتنمية وهذا هو الفرق وفي اليوم التالي أحضرت معي العينة فأخذ القلم وأدخله في الزجاجة وكتب في ورقة بيضاء (بترول السودان) عدة مرات وأنا بالذات لم أشعر أن نميري (تغاتت) عليّ أو غير مستلطف لحضوري معه، بل كان يجلس ونتجاذب اطراف الحديث رغم أني لم أكن أطيل لدرجة أنه اسماني أبو الهول الصامت, في واحدة من لقاءاته الشعرية وقال أنني أوكلت استخراج البترول لابي الهول الصامت الذي يتحدث بمقدار حتى أن كثيراً من الصحفيين التقطوا الاسم وعبروا به عني وعندما عملنا مشروع الارياب في شرق السودان وبعد ظهور الـ (Comitiol Diposite) وأن هناك خامات للذهب استخرجنا أول عينة وقلت للفرنسيين صمموا قطعة عملة فيها صورة الرئيس وكتبوا خلفها ذهب السودان وحتى أن نميري كان يقول لي: والله يا تهامي ربنا يخليك كل يوم تجيني بكشف جديد للبترول ومرة الذهب ولذا كان يتفاءل بي.



التعليقات

1/ ابوسفيان الباقر عمر - (السودان) - 17/6/2007
عبارات غير لائقة تعبر عن حقارة متأصلة منك ومن خادم
الدكتاتوريات هذا




2/ عثمان عمر - (السودان) - 17/6/2007
با لله ده ما بخجل. يفتخر بتفاؤل نميرى. الزول ده
أنصاري؟!!! والله لو أدركه الإمام لأوسعه ضربا




http://www.akhirlahza.net/News_view.aspx?id=9219
______

Post: #530
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 01:59 AM
Parent: #529


صحيفة آخر لحظة - علَّها تنفع المؤمنين بها!


الأحد 27 مايو 2007م، 11 جمادي الأولى 1428هـ العدد 300
الأعمدة

بعد ومسافة
علَّها تنفع المؤمنين بها!
منذ الإطاحة بالنظام المايوي، وأجهزته صبيحة السادس من أبريل عام 1985، ظللت على مدى سنوات عديدة أتلقى رسالتين من الأخ والصديق، الأستاذ إلياس الأمين عبدالمحمود، مدير المراسم في الإتحاد الإشتراكي (الأول)، وعضو مجلس الشعب في تلك الحقبة، والذي جمعتني به علاقة صداقة قوية رغم إختلاف المشارب الفكرية، والرؤى السياسية، ففي صبيحة كل يوم يصادف الخامس والعشرين من مايو، أتلقى رسالة من شاكلة: (يا ثورة سلكت ضمير الناس قد سلكت ضميري.. فوضعت في يدها يدي، وجعلت من غدها غدي. ومضت في عزمات وثبتها فبايعت النميري) ثم تهنئة وأمنيات طيبة بما يسميه الأسناذ إلياس( أعياد مايو الخالدة).

أما في أبريل فإنه يبعث برسالة حزن وشماتة، وهو أول من أطلق على اليوم السادس من أبريل، اسم (يوم السجم والرماد).. ونحن لا نلوم الأستاذ إلياس الأمين، الذي كان من المؤمنين بالفكر المايوي، ومن المروجين له، رغم أنه كان دائم الإتهام لي، وعلى رؤوس الأشهاد بأنني (شيوعي حاقد)، ولا أدري من أين جاء بهذه الفرية العظيمة، وإن كنت قد أرجعتها الى عدم إستجابتي، وأنا شاب صغير السن، أدرج في مدارج العمل الصحفي الأولي، وتم تكليفي بتغطية أعمال الاتحاد الإشتراكي السوداني، إبان تولي أستاذنا الصحفي الكبير إبراهيم عبدالقيوم، لمقاليد رئاسة التحرير، في صحيفة (الأيام) التي كنت أعمل بها، وكان أستاذنا الكبير حسن ساتي، نائباً لرئيس التحرير، بينما كنت محرراً بقسم الأخبار في الصحيفة.. وقد خلقت علاقات طيبة مع كثير من العاملين في الإتحاد الإشتراكي، مستنداً على أنهم مصادري الأساسية في العمل، لذلك لم تكن تفوت علينا شاردة أو واردة، مما يجري داخل أروقة تنظيم مايو السياسي.

في ذلك الوقت، ونحن على العتبات الأولى من ثمانينيات القرن الماضي، كان أن تولى صديقنا الأستاذ مكي السماني أمانة الشباب بالإتحاد الإشتراكي، خلفاً للدكتور مكاوي عوض المكاوي، وفوجئت في النشرة الرئيسية من تلفزيون السودان، بورود اسمي ضمن المكتب التنفيذي لإتحاد شباب السودان، ضمن حزمة قرارات أصدرها المشير جعفر محمد نميري، رئيس الإتحاد الإشتراكي، ورئيس الجمهورية وقتها.

لم أنم ليلتها، وحملت هماً عظيماً، وكانت القرارات قد تضمنت أيضاً اختيار زميلي وصديقي الصحفي الأستاذ نجيب نور الدين، الذي قابل النبأ بذات الهم، وقررنا عدم قبول القرار، ولكن كيف السبيل الى ذلك، خاصة وأننا نعلم أن الصحيفة التي نعمل بها (الأيام) وشقيقتها الوحيدة (الصحافة) مملوكتان للإتحاد الإشتراكي السوداني، وهذا يعني في تقدير شابين صغيرين الفصل والتشريد، لذلك ذهبنا لمقابلة الأستاذ مكي السماني، وقابلت من جانبي صديقي الأستاذ الأمين، وطلب كل منا إبتداع طريقة تعفيه من قبول التكليف دون حرج، فابتسم الأستاذ مكي وقال، الطريقة الوحيدة هي أن تتغيبا عن ثلاثة من اجتماعات متتالية للمكتب التنفيذي، لأن اللوائح تنص على أنه في حالة غياب عضو المكتب لثلاثة اجتماعات دون عذر يتم فصله فوراً.. ثم سألته - بسذاجة- هل سيتم إعلان فصلنا بقرار؟.. فضحك وقال (لا).

ومنذ ذلك اليوم ظللت بالنسبة للأستاذ إلياس الأمين، (شيوعياً حاقداً) أو كما كان يقول، الى أن أنار الله بصيرته وعرف أين يكون موقعي من الإعراب السياسي والمهني.

الآن، أو تحديداً يوم الجمعة الماضية، مرت ثمانية وثلاثون عاماً من ذكرى تحرك ضباط خور عمر في الخامس والعشرين من مايو 1969، وتسلمهم مقاليد السلطة، حيث حاولوا إدارة البلاد جماعياً، لكنهم فشلوا في ذلك، فأقصاهم أقوى رجال مايو، العقيد أركان حرب جعفر محمد نميري، الذي ترقى الى رتبة لواء، أقصاهم الواحد تلو الآخر، وانقلب على زملائه من الحزب الشيوعي في عام 1970، ثم انفرد بالسلطة ليصبح رئيساً للجمهورية بسلطات مطلقة حسب قانون 1973، وأصبح هو رياضي السودان الأول وكشافه الأعظم، وكل النهايات المطلقة الموجبة، وانقلب للسير نحو اليمين، وجاء بمعارضيه بعد مصالحة 1977 الشهيرة، وأرادهم أن يكونوا (تمومة جرتق) السلطة التي جمعها بين يديه، وضم المكتب السياسي للإتحاد الإشتراكي كل قيادات الأحزاب الطائفية والتقليدية، وكثيراً من الشيوعيين الذين خرجوا عن حزبهم، ثم أخذ في إقصائهم مثلما فعل مع زملائه الواحد تلو الآخر، ولم يبق في المركب المايوي، سوى التيار الإسلامي، الذي أبعده النميري أيضاً قبل سقوط نظامه بأيام قليلة، بعد أن حاول أن يحملهم كل أوزار النظام، وشنق زعيم الجمهوريين الراحل الأستاذ محمود محمد طه.

أقول لأخي وصديقي الأستاذ إلياس الأمين، في ذكرى مايو الثامنة والثلاثين، إن الذكرى تنفع المؤمنين، وعلها تنفع المؤمنين بمايو..!

نحن في (آخر لحظة) نحاول جاهدين أن نقدم توثيقاً حقيقياً لتلك الفترة السياسية المهمة في تاريخ بلادنا، ونأمل أن يتعلم الساسة الدروس، وألا نصبح مثل الفئران التي تصرعها الشراك المتكررة منذ بداية الخليقة، دون أن تتعلم منها الأجيال القادمة.


مصطفى ابو العزائم


http://www.akhirlahza.net/Raay_view.aspx?id=8321
_____

Post: #531
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 01:59 AM
Parent: #530


صحيفة آخر لحظة - «آخر لحظة» توثق الحدث بكل تفاصيله «2»


الجمعة 25 مايو 2007م، 9 جمادي الأولى 1428هـ العدد 298
تاريخ

«آخر لحظة» توثق الحدث بكل تفاصيله «2»
محطات على طريق مايو : مقتل الإمام الهادي وتمرد الجنوب

توثيق/ زين العابدين / أميمة عبد الوهاب
لم يكن الصباح هادئاً كعادته في اليوم الخامس والعشرين من شهر مايو عام 1969 حيث استيقظ الناس على بيان يتلى من العقيد جعفر محمد نميري معلناً نبأ نجاح انقلابه والإطاحة بالنظام الديمقراطي السابق. ولم يواجه مدبرو الانقلاب صعوبة في التنفيذ بسبب انصراف الحكومة الائتلافية عن النواحي الأمنية وانشغالها بقضاياها الخاصة وانقساماتها الداخلية التي لم تدعها تشتم رائحة المؤامرة التي تحاك لدك عرشها ولم يلفت نظرها تلك التدريبات التي يتلقاها الضباط الأحرار من الشيوعيين والقوميين داخل القوات المسلحة في خور عمر شمال أم درمان . البون شاسع بين البيان الأول للرئيس جعفر نميري وهو يبشر الجماهير بما تحمله الثورة من بشري بالإصلاح والتغيير وصون كرامة ومكتسبات الشعب السوداني وتحقيق الاستقلال الحقيقي، وما بين تجارب تكشفت بعد سنوات على أرض الواقع ومواقف لقائدها جعلته في نظر الكثير من السودانيين (دكتاتوراً) فأطلقت الأحزاب بعد الإطاحة بحكمه في السادس من أبريل عام 1985أطلقت وصف «السدنة» علي أتباع ومؤيدي مايو .

و«ها» نحن نحاول في « آخر لحظة » وكما عودناكم ، وبمنتهى الحياد ، فتح ملفات (مايو) وقراءة سيرتها من الألف إلى الياء فمعاً نتابع:

مقتل الإمام الهادي في الكرمك:

كشف نميري في بيان له بتاريخ الخميس 2/4/1970م عن مجريات الموقف في النيل الأبيض وأن قوات الأمن طاردت الهادي المهدي إلى الحدود مع أثيوبيا الذي كان يعتزم الهروب إليها مع عدد قليل من أتباعه في عربتين وطالبته قوات الأمن بالتوقف ولكنهم أطلقوا النار على قوات الأمن فردت عليهم بالمثل وأصيب الإمام الهادي بجراح مات على أثره في منطقة الكرمك، واعتقلوا من كانوا معه ومنهم محمد محمد صادق الكاروري أحد قيادات جبهة الميثاق المنحلة وعز الدين الشيخ هكذا قال نميري.

وذكر أنه زار الجزيرة في يوم الجمعة 3/4/1970م واستقبلته بالترحاب، وأوضح لهم أن سلالة الهادي حصلت على السلاح من إسرائيل لمحاربة الإسلام والمسلمين، وأن لجاناً ستصل قريباً لتقسيم المشاريع الزراعية وتوزيعها على المواطنين.


تداعيات أبا وودنوباوي:
أتهم فاروق أبو عيسى وزير الدولة للشؤون الخارجية وقتها المملكة العربية السعودية بالتدخل في شؤون السودان الداخلية وإيواء عناصر المعارضة. وتم إبعاد كل من الصادق الصديق عبد الرحمن من السودان كما ابعد عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي من السودان أيضاً وقد استضافتهما مصر. وصرح الرائد مأمون عوض أبوزيد عضو مجلس قيادة الثورة ومدير الأمن القومي أن الإجراءات السياسية الأخيرة التي اتخذتها الحكومة لا تعني أي تغيير في فلسفة الثورة وقال: إننا نؤمن أن معايشة سلمية مع اليمين في شتى صوره ومختلف اشكاله لن تكون إلا على حساب الجماهير, لذا فإن مثل هذا التعايش ليس (غير مقبول) فحسب, ولكنه مرفوض رفضاً باتاً.


انقلاب 19 يوليو:
بعد أحداث الجزيرة أبا وابعاد عبد الخالق ادرك الشيوعيون أنهم الفريسة القادمة وأن نميري ابتعد كثيراً عن النهج الذي وضع للثورة فما كان إلا أن دبروا انقلاب 19 يوليو 1971م بقيادة هاشم العطا وبابكر النور عضو مجلس قيادة الثورة (مايو) واستولى الانقلاب على السلطة لمدة ثلاثة أيام حدثت خلالها مجزرة بيت الضيافة التي راح ضحيتها (31) عسكرياً, وخرج كل الشعب السوداني وقتها مطالباً بعودة نميري وتدخلت ليبيا وتصدت للطائرة المقلة لزعماء الانقلاب, وهم قادمون من الخارج وأجبرتهم على الهبوط في طرابلس وسلمتهم إلي نميري الذي أعدم زعماء الانقلاب وهم عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب الشيوعي والشفيع أحمد الشيخ رئيس اتحاد نقابات عمال السودان وجوزيف قرنق وآخرين. مما أعتبر تتويجاً للاتحاد الثلاثي بين مصر والسودان وليبيا في عام 1971م ، وشهد العام 1973م ابعاد القوميين عن المواقع السياسية فيما يعرف بالتطهير، وتم اعتقال جميع الشيوعيين بالبلاد وكان من المطلوبين لدى وزارة الداخلية عبد الخالق محجوب الذي قيل انه كان يختبئ داخل القصر الجمهوري، وسليمان حامد، وغازي سليمان، علي وراق، أحمد عبد الله جلال، ميرغني خالد كوهين، وقيل حينها أن حزب البعث العربي الاشتراكي شريك في هذا الانقلاب, وتحالف مع الشيوعيين وشكلوا جبهة واحدة لإسقاط نظام نميري. وقال بعدها نميري إنه ليس هناك أمل لحكم حزب شيوعي فحسب, وإنما لقيام حزب شيوعي في السودان مرة أخرى. وساءت العلاقات الخارجية مع الاتحاد السوفيتي. وفي 12/8/1971م قرر نميري تسمية القصر الجمهوري بقصر الشعب اعترافاً منه بالجميل.

واستمر الوضع إلى أن وقعت حركة شعبان التي كان أبرز معالمها الإضراب السياسي والعصيان المدني الذي فشل هو الآخر.


الغزو الليبي:
واستمر العام تلو العام محتشدة بالانقلابات وحدثت في عام 1975م حركة حسن حسين المسلحة التي استولت على السلطة لمدة خمس ساعات فشلت بعدها واعدم قائدها وآخرون.

ولما استعصت مايو على الإزاحة تكونت جبهة للتصدي لمايو فكانت الجبهة الوطنية وتتكون من الحزب الاتحادي الديمقراطي بزعامة الشريف الهندي وحزب الأمة بزعامة الصادق المهدي ومعهم الأخوان المسلمون فتدرب الآلاف من عناصر هذه الجبهة في أثيوبيا, وبعد ذلك نقلوا مركز تدريبهم إلى الصحراء الليبية لمدة عامين متواصلين لتفاجئ الجميع في يوليو 1976 بهجوم مسلح استمر القتال فيه لمدة ثلاثة أيام, ولكن فشلوا في القضاء على نميري ونظامه. حينها (جن جنون نميري) ونسب هذه الحركة إلى القذافي نسبة لموقع التدريب وسماه بالغزو الليبي على السودان.


تقلبات سياسية :
كانت مايو ثورة شاذة في كل شئ تنقلت من أقصى اليسار بعد أن بدأت اشتراكية شيوعية إلى أقصى اليمين فقد تصالح نميري في عام 1977مع الأخوان المسلمين وعينهم بالأجهزة السياسية والإدارية ولكنه نقض حلفه معهم وسماهم فيما بعد (الأخوان الشياطين) وأدخلهم السجون.

ومضت الأيام وازداد ضيق صدر الأحزاب السياسية بمايو وقائدها بل ومن ورائهم كل الشعب السوداني والتنظيمات السياسية والنقابية الموجودة بالبلاد، إلى أن فاجأ الجميع في سبتمبر 1983م بقرار الشريعة الإسلامية والتي اعقبتها نكبات واختلال في الموازين السياسية، ففي يناير 1985م اعدم محمود محمد طه زعيم حركة الأخوان الجمهوريين والذي اتهمه نميري بالكفر والردة لاعتراضه على أسلوب تطبيق الشريعة في بيان بتاريخ 25 ديسمبر 1984م وضح فيه تشويه قوانين سبتمبر للإسلام وكيف اساءت لسمعة البلاد، فألغت الشريعة لأنها أباحت قطع يد السارق من المال العام مع أنه في الشريعة يعذر ولا يجرم لكون قيام مشاركته في هذا المال، واعدم الرجل الذي استخدمه في مرحلة من المراحل وقربه إليه ليضرب به الأخوان المسلمين.

هكذا اتسمت مايو بالتناقضات اللامحدودة وتسديد الضربات المتلاحقة فليس لها صديق يدوم ولا عدو، ومليئة بالاستفهامات منها تعرض مدينة أم درمان لغارة جوية في 16/ مارس/1984م استهدفت مبنى الإذاعة، قتل على أثرها خمسة اشخاص لم تعرف حقيقتها فوجه نميري الاتهام إلى ليبيا أيضاً.


مايو وما أحدثته من تغيير في مسار المقاومة الفلسطينية:
بعد أحداث منظمة ايلول التي قامت بضرب السفارة السعودية بالخرطوم وإعدام السفير الأمريكي ومعاونه والقائم بالأعمال البلجيكي بعد احتجازهم بالخرطوم في 6/مارس/ 1973م بما عرف بأحداث الخرطوم أو أيلول الأسود والتي اتهمت فيها منظمة فتح بالسودان. قابل نميري الحادث بعنف أكثر مما يستوجب رغم نفي ياسر عرفات زعيم فتح قيامهم بالحادث، إلا أن نميري أصدر قراراته بتسليم مدير مكتب فتح بالسودان فؤاد ياسين والذي هرب خارج السودان، كما أصدر قراراً بإيقاف جميع أنشطة المقاومة في السودان وبعث برسائل إلى الملوك والرؤساء العرب حرضهم على اتخاذ إجراءات ضد المقاومة الفلسطينية وعناصرها، مما اعتبرته المقاومة نقطة تحول في مسارها وذلك باستخدام الأراضي السودانية لترحيل اليهود الفلاشا إلى إسرائيل.


جراح الجنوب:
من أخطر القرارات التي أصدرها الرئيس نميري التي قدمها له جوزيف لاغو تقسيم الجنوب إلى ثلاثة إقاليم في 5/5/1983م لشئ في نفس يعقوب فالرجل زعيم حركة أنانيا (1) 1955م وقد عينه نميري قائداً للقيادة الجنوبية ، وأنكر جوزيف لاغو بعد ذلك التقسيم وقال: إنه اقترح أن يتم ولكن بالتدريج وذلك بإنشاء مجلس تنفيذي برئاسة شخص واحد ومعه ثلاثة نواب يمثلون الأقاليم الجنوبية الثلاثة ويتكون المجلس أيضاً من تسعة أعضاء ولكل إقليم وزيران وكذلك تكوين برلمان واحد يضم أعضاء من الأقاليم الثلاثة. وقد اتهم نميري القادة الجنوبيين بالتواطؤ مع حكومات الشمال الرجعية ومع الاستعمار ضد قضايا الجنوب منذ عام 1950م.


اتفاقية اديس بابا:
جاءت اتفاقية أديس ابابا في عام 1972م كإحدى المحطات على طريق حل قضية الجنوب بعد فشل المائدة المستديرة في عام 1965م . ومثل طرف أديس جوزيف لاغو عن الجنوب وأبيل الير عن الجانب الحكومي.

ولكن على ما يبدو أنها ولدت ضعيفة وناقصة وتعرضت لأخطاء عند التطبيق. نصت الاتفاقية على عدد من الوزارات وعدد معين من المقاعد لمجلس الشعب الإقليمي. كما نصت على مركزية تخطيط التعليم ولم يتوفر ذلك، كذلك نصت على عدد معين من المديريات فتضاعف، ولم تضع نهاية للمعارك والجراحات الجنوبية، ووقع في 2/ مارس/1975م حادث (اكوبو) الذي تعود تفاصيله إلى عودة المقاتلين إلى منازلهم بعد توقيع الاتفاقية وإلقاء السلاح في انتظار الحلول وإيجاد فرص عمل لهم من مشروعات التنمية التي وعدتهم بها الثورة, ثم إلحاق آلاف منهم في القوات المسلحة. ليجد ثلاثين ألفاً من هؤلاء العسكريين أنفسهم بلا عمل بسبب عدم التنفيذ للمشروعات ومن هنا بدأت الحلول التخديرية وتم ترحيل الجنوبيين إلى الشمال، ورفضت أعداد كبيرة منهم هذا الحل وثاروا على قياداتهم وقتلوا العميد ابيل كول وآخرين. واتخذوا الهروب وسيلة حيث اتجهوا نحو اثيوبيا ليشكلوا حركة انانيا (2) بزعامة صمويل جاي توت، وقامت الحركة بتجنيد العاطلين عن العمل، وكانت خيبة أمل الجنوبيين في حدوث تنمية وتطور أثر انقيادهم وراء حركة انانيا (2) ولكن لم يستطيعوا تكوين تنظيم له أهداف سياسية واضحة ينادون بها ويناضلون من أجلها فتحولوا إلى قطاع طرق.

وجاء الشرح في العلاقة بين الشمال والجنوب في عام 1982م عندما طرد نميري أعداداً هائلة منهم من العاصمة فما كان منهم إلا أن وجدوا في حركة انانيا (2) عصا الثأر التي تجلب كرامتهم من حكومة الخرطوم.

وفي محاولة من حكومة مايو لحل مشكلة أخرى وهي اختفاء بعض الأموال المتعلقة بالقوة الموجودة في بور في اكتوبر 1982م أرسل فريق من جوبا للتحقيق في الحادث فتأزم الموقف بسبب فرض التحقيق مع الجنود في حامية بور.

وفي فبراير 1983م تكرر الموقف وتم إيقاف صرف المرتبات لقوة بور وأرسلت قوة لتأديبها فحدث تمرد في الكتيبة (105) وتمددت الجراح وتدخل العقيد جون قرنق الذي كان في إجازة بقريته قرب بور في محاولة لمعالجة الموقف إلا أنه وجد نفسه يأخذ جانب المتمردين, والتقى بصمويل جاي توت. ومن هنا امتدت رحلة جون قرنق بعيداً عن الوطن والقوات المسلحة. وكون حركته التي عرفت باسم الحركة الشعبية لتحرير السودان «S.P.L.M» وتوسعت طموحاته لتحرير كل السودان مما أوجد خلافاً بينه وبين حركة أنانيا (2) التي كانت ترى أن السودان قد تم تحريره منذ عام 1956م وأن المعاناة في الجنوب وليس في الشمال الذي نال حظه من رغد العيش بعد الاستقلال.. وقد تسبب الخلاف في وجهات النظر لوقوع تصادم بين الحركتين.

http://www.akhirlahza.net/News_view.aspx?id=8258
____________

Post: #532
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 02:00 AM
Parent: #531


صحيفة آخر لحظة - رئيس اللجنة الفنية لدستور 1998م رئيس القضاء الأسبق «2 - 2»


الثلاثاء 22 مايو 2007م، 6 جمادي الأولى 1428هـ العدد 295
حوار

رئيس اللجنة الفنية لدستور 1998م رئيس القضاء الأسبق «2 - 2»
محاكمة محمود محمد طه كانت خطأً ومحاكم العدالة الناجزة مسخٌ مشوَّه
للعدالة

أجراه: مزمل عبد الغفار
الميزان.. القسط.. العدل.. معاني سامية ترتسم في الأفق ما أن يتبادر إلى الذهن اسمه.. وتمتد الآفاق لتشمل التجربة السودانية العدلية والترتيب والمسار والأدوار... هو مولانا خلف الله الرشيد الذي لم تقتصر تجربته في بناء المؤسسة العدلية بل إمتد عطاؤه ليشمل مسيرة البناء الدستوري في السودان بخبراته وتجاربه.. يمضي الآن ليقود مع اخوانه من الوطنيين المخلصين مسيرة جمع الصف الوطني في السودان من خلال عضويته في لجنة جمع الصف التي يترأسها المشير سوار الدهب..

إذن هي محاور متعددة نسوقها معه ونحن نفرد أمامه مساحات البوح الصريح، فكانت أسئلتنا له في قضايا عديدة كان لمهنية الرجل القسط الوافي فيها، في شيء من القانون وقليل من السياسة.. ونواصل معه في هذه الحلقة بالسؤال:

هل السيد محمد عثمان الميرغني أصلح للسياسة أم للسجادة؟

- يقول هنا: مستقبل السيد محمد عثمان الميرغني هو أدرى به أكثر مني ومن الآخرين.. وبالتالي أنا لا أحكم على السيد محمد عثمان الميرغني بأن يذهب للسجادة أو للسياسة. فالأمر متروك له، فهو يعرف امكانياته وقدراته. وهو الآن له شعبية لا يتسطيع أحد تغييرها.

لقد كنت رئيساً للقضاء في حكومة نظام مايو واختفى اسمك في عهد الديمقراطية الثالثة، وأقصد هنا أنك لم تشارك في تلك المرحلة، فهل وراء ذلك دوافع بعينها منعتك من المشاركة والظهور على المسرح التنفيذي أو التشريعي أو السياسي؟

- بالعكس لم أختفِ في تلك الحقبة وبالتالي كانت لي نشاطات واسعة داخلية وخارجية.

وما هو تقييمك للديمقراطية الثالثة؟

- الديمقراطية الثالثة كانت فيها نوع من المجابدات والمكايدات. وأذكر من بين هذه المجابدات الخلاف حول اتفاقية الميرغني قرنق للسلام، والتي كنت مشاركاً في تحقيقها، وأذكر أن رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي قد تم إطلاعه على هذه الاتفاقية، وكذلك تم إطلاع بقية الأطراف السياسية الأخرى ولم يكن هناك اعتراض على هذا العمل، فقط كانت هناك بعض النقاط التي ذكرت ووضعت بعد ذلك في الحسبان. فالسيد محمد عثمان لم يتخذ هذا العمل كمكسب شخصي له، لدرجة أنه طلب من الصادق المهدي كرئيس حكومة تولي وتبني هذه الاتفاقية والذهاب لأديس أبابا للقاء قرنق. والصادق المهدي حينها رفض الذهاب إلى أديس أبابا، وبالتالي أقول إن المزايدات السياسية هي التي أجهضت الديمقراطية الثالثة. أضف إلى ذلك أن الائتلافات التي قامت لم تساعد على النظرة الواحدة للقضايا السياسية.

هل يمكننا اعتبار أن اتفاقية نيفاشا التي أرست السلام الآن هي ابنة عم اتفاقية الميرغني قرنق، أم هي نقيض لها؟

- حقيقة إتفاقية نيفاشا وإتفاقية الميرغني قرنق هما مختلفتان تماماً عن بعضهما. فإتفاقية الميرغني قرنق لم تتضمن وجود حكومة هنا وحكومة هناك. وفي ظل نيفاشا الشمال الآن لا يشارك في حكومة الجنوب، بينما المشاركة الآن مشتركة في الشمال.
قوانين سبتمبر الاسلامية في العام 1983 كيف كان موقفك منها؟

- حقيقة اعتراض الناس في ذاك الوقت ليس منصباً على القوانين الحدية، وإنما كان الاعتراض على القوانين المقيدة للحريات. فالشيء السالب هو صدور القوانين المقيدة للحريات مع القوانين الاسلامية في آن واحد، مما أحدث الربكة وعدم الهضم. وأنا شاركت في إعداد القانون الجنائي ولكنني لم أشارك ولم أؤيد القوانين المقيدة للحريات. فالآخرون كانوا يعتقدون أن الإسلام لا يمكن أن يطبق إلا بتقييد الحريات، وهذا هو السبب الذي أدى لمعارضة القوانين برمتها.

ًًًü بعد كل هذه السنوات الطويلة ظل إعدام نميري لمحمود محمد طه مسار جدل.. كيف كانت نظرتكم لهذه الواقعة؟

- حقيقة موقفي أعلنته منذ ذاك الوقت، فقلت إن محاكمة محمود محمد طه كانت خطأً من نواحي عديدة أولها الناحية الإجرائية.

فمحمود محمد طه لم توجه إليه تهمة ردة وهذا أكبر خطأ من شأنه أن ينسف أية محكمة من أساسها. أضف إلى ذلك أن حق الدفاع عن النفس هو حق إلاهي وليس حقاً طبيعياً. وبالتالي محمود محمد طه لم توجه له كما ذكرت تهمة ردة. بل كل التهمة كانت موجهة لحزبه بأنه خرق النظام العام.

أضف إلى ذلك أننا في قانون 1983 لم ندخل مادة الردة في الحدود، وعدد الحدود كان سبعة فقط، والناس متفقون على خمسة، فكان الاختلاف على حد الردة والحرابة. والخلاف حول المادتين جاء حتى لا تستغل سياسياً. وعليه لم نُضمِّن جريمة الردة في قانون 1983م، وبالتالي من أين جاء القاضي بجريمة هي ليست موجودة في القانون.

وبالتالي أقول إن آراء محمود محمد طه كثيرة، ومنها آراء مخالفة، ولكن كان لابد من أن ينال محاكمة عادلة لأن الفقهاء لم يتفقوا على الردة كجريمة بعد. بل إتفقوا على الزندقة.

ما هي وجهة نظرك في محاكم العدالة الناجزة في فترة حكم مايو الأخيرة، هل كانت منقصة للعدالة في السودان أم كانت تجربة حميدة؟

- كانت منقصة تماماً وخطأ في تاريخ العدالة السودانية. وأذكر أنني عندما كنت أقوم بتدريس القانون الجنائي في إحدى الجامعات وقتها أرسلت بعض الطلاب لكي يأتوا لي بالسوابق من محاكم العدالة الناجزة، فلم يجدوا أية سابقة. وبالتالي هي كانت مسخاً مشوهاً للعدالة.

استقلال القضاء بين النظرية والتطبيق كيف تراه من واقع تجربتك القانونية؟

- حقيقة هناك نص دستوري والنص في الدستور أو في غيره هو عمل كافي لأنه في أشياء كثيرة هناك تجاوز للدستور سواء في الحكومات الديمقراطية أو الشمولية. وهناك سوابق في عملية تجاوز الدستور بدءاً من قضية طرد الشيوعيين تلك السابقة التاريخية ومن ثم هناك قضايا كثيرة جداً في الحقب السياسية الماضية تم فيها تجاوز الدساتير. فالدستور لا يحفظه إلا الشعب شريطة أن يكون مؤمناً به. فالرأى العام هو الحارس للدستور، ولكن هذا لن يتحقق إلا إذا ما وجد الإتجاه الذهني لأهمية حكم القانون والدستور. كما أن القاضي نفسه هو المسؤول عن عملية استقلال القضاء لأن مسؤوليته شخصية أمام الله. وفي التاريخ الطويل نجد أن القضاة في أحلك الظروف وقفوا مع استقلال القضاء. فالقضاة علاقتهم بالله وليس بالحاكم.

هل تتفق مع المقولة التي تقول إن الضمير الانساني للقاضي وروح القانون هما أهم من نصوص القانون؟

- حتى ولو لم يكن هناك نصاً. فالنصوص ليست هي كل شيء، بل المهم روح القوانين وإعمال الضمير.
من الملاحظ أنك أشرفت على دستور 1998 مع عدد من القانونيين، وتشارك الآن في مناقشات قانون الأحزاب الذي أُجيز وقانون الإنتخابات الذي هو في الطريق إضافة لعضويتك في لجنة جمع الصف الوطني برئاسة سوار الدهب، فهل كل هذه المشاركات تدخل في باب القناعة بالإنقاذ؟

- أنا شاركت ليس من منطلق سياسي ولكن من منطلق وطني - كنت ولازلت بل هذا هو ديدني عبر كل الحقب الماضية - مشاركاتي هي في اللجان المحايدة. وعلى سبيل المثال عندما طُلب منا الاعداد لدستور 1998 لم نأت لهذه المهمة على أساس حزبي لا أنا ولا غيري من القانونيين الذين شاركوا في اللجنة الفنية. وبالتالي حتى القوانين الأخيرة والمتمثلة في قانون الأحزاب وقانون الانتخابات أيضاً لم تأت هذه القوانين من الحكومة بل جاءت كمبادرة من أكاديميين ومحايدين. فأنا لازلت أشارك في القضايا القومية والوطنية لأنني إنسان وطني يهمة مصلحة البلاد واستقرارها.

بذات القدر كيف إلتقيت أيضاً مع مايو وجعفر نميري؟

- أنا لم أدخل في مايو في يوم من الأيام. وقبل تعييني رئيساً للقضاء كنت محامياً عاماً، وللحقيقة والتاريخ لم أكن راغباً في هذا الموقع ولا ساعياً في يوم من الأيام له.

عندما كنت رئيساً للقضاء هل تذكر أن الرئيس السابق جعفر نميري كانت له أية تدخلات في القضاء وسيادته على أقل تقدير في فترة توليكم رئاسة السلك القضائي؟

- إطلاقاً لم يتخدل في الأداء القضائي. وكان فقط يسأل عن قضايا معينة تهمه، ولكن لا أذكر له أي تدخل في السلك القضائي.

هل يمكننا القول بأن علاقتك بمايو هي من منطلق الوظيفة فقط وليس من منطلق قناعات وانتماء؟

- بالضبط نعم. وأنا كانت لي معرفة سابقة بنميري منذ أيام الدراسة في حنتوب.

حل أزمة دارفور التي تشعبت وتدولت الآن هل هو رهين بالقضية القانونية أم السياسية في حد تقديرك؟

- حقيقة قضية دارفور هي أزمة معقدة جداً. ولذلك إن السياسة وحدها لن تحلها كما أن القانون وحده أيضاً لن يحلها، ولجنة جمع الصف الوطني والوفاق هي من مهمتها حل مشكلة دارفور، ولكن لم تجد الظروف المواتية للحل. ولذلك فالحكومة لو دعمت هذه اللجنة كان من الممكن أن تصل إلى حلول كبيرة.

كيف هي صلاتك بالسيد الصادق المهدي باعتبار زعامته في المجتمع وقيادته لحكومة سابقة؟

- صلات جيدة وحميدة ولكن ليست عميقة والاحترام بيننا متبادل.

هل مشاركتك في فترة من حكم مايو هي التي أفسدت جو الود بينك وبين الزعامات السياسية التقليدية؟

- قد يكون ذلك صحيحاً كما أن قبولي أيضاً لرئاسة لجنة الدستور في العام 1998 قد يكون أيضاً فيه نوع من الحساسية لبعض القادة الحزبيين.

الآن أو قريباً الانتخابات على الابواب وهي بلا شك بوابة الديمقراطية القادمة ماذا تنصح هنا؟

- حقيقة الأحزاب السياسية تأخرت كثيراً في مشاركتها السياسية الراهنة، فما كان لها - وأقصد هنا الأحزاب المعارضة- أن تتأخر عن الركب طيلة هذه السنوات. والديمقراطية تم إقرارها في الدستور عبر ضوابط محكمة، وذلك بتكوين أحزاب حسب الدستور، وهذه الأحزاب لها الحق في كامل التعبير عن رأيها، كما أن على الحكومة أن تعطيها الحق المماثل في إطار التساوي بين كل الأحزاب حكومة ومعارضة.

http://www.akhirlahza.net/News_view.aspx?id=8157
_______

Post: #533
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 02:02 AM
Parent: #532


سيناريو
مرثية متأخرة .. محمود جنا طه «3-1»
حسن ساتى
====
(الوصفة ) ليست لي ..

محمود جنا طه ...

زول يستحق القول ..

والحمد والتبجيل ..

ذلك نص من قصيدة رائعة لصديقي الشاعر الإنسان سيد أحمد الحردلو .. كنا ننهي بها مجالس المسامرة في هزيع الليل في منزل متواضع بالسجانة ك ( عزابة ) وجميعنا قد حفظها عن ظهر قلب ، واجتهدنا في تلحينها . ويشهد الله أننا أحببنا ذلك المنزل وعشنا فيه إبداع الحردلو وبخاصة لرائعته :

تقولي شنو ..وتقولي منو ..

ونحنا الدنيا جبناها وبنيناها بويت في بويت ..

ونحن التاية .. والإنداية .. والزرّيعة .. والواطة..

أحببنا ذلك المنزل وإن تجاوبنا مع صديقي الدبلوماسي الأريب عبد المحمود عبد الحليم مندوبنا الدائم بالأمم المتحدة الآن وجاريناه في سخريته الأنيقة، وكان عبد المحمود في ليالي الصيف وحين يشح الهواء وتجود السجانة بتلك ( الأرياح ) يدعونا لأن نهتف :

داون (Down ) داون بيوت الطين ..

وها قد أكرم الله معظم تلك الشلّة ، وإن جارت الأيام قليلا وابتلت الحردلو نجم تلك الليالي .. ولكن صبرا صديقي حردلو ( وأنا جاييك ) .. وهذا هو عبد المحمود الآن ملء السمع والبصر ..

كنا نردد ( محمود جنا طه ) والراحل الأستاذ محمود محمد طه يسد عين الشمس بفكر وإجتهاد ثاقب في أمور الدنيا والدين ولم يكن قد كمن له المهووسون في زمان داكن ليتشفوا منه ومن فكر دارت الأيام لتبرهن صدق حاجة الناس اليه ( فكر التسامح )، بعد أن كثرت السهام هذه الأيام على دين متين نبه المصطفى الى التوغل فيه برفق ، وعدم مشاددته ، ولكنه الهوس الديني .

بل ولكنها الاستدارة التي أهدت شيخنا حسن الترابي أخيرا إلى الاجتهاد ليتقدم خطوات كثيرة على ما كان ينادي به الراحل محمود محمد طه لجهة تقديم هذا الدين القيم كما حمله قرآنه (حمّال الأوجه كما قال إمام المتقين سيدنا علي بن أبي طالب عنه محذرا الخوارج )، وإجتهادات شيخنا الترابي أعادتني إلى أعظم تعريف قرأته في حياتي ل ( الخذلان ) ، وقد أورده شيخنا الجاحظ في سفره المتين ( البيان والتبيين ) ، عن أعرابي سئل عن ما هو ( الخذلان ) فقال : أن يستقبح الإنسان ما كان يستحسن ، وأن يستحسن ما كان يستقبح ، ورسالتي هنا واضحة .

كمن الهوس الديني لمفكر هو محمود جنا طه في أزمنة رديئة فاغتالوه، لتنسف السماء كل النظام بعد 77 يوما وكأنها تقول أن كل سنة من عمر محمود هي يوم من المتبقي من عمر النظام، وقد أعدم محمود يوم الجمعة 18 يناير، وكان يوم الجمعة الماضي هو الذكرى الرابعة والعشرين لإعدامه شنقا، وإخفاء جثته، فأي إسلام هذا ؟ ، والسؤال، وقد ظللت مشغولا طوال الأيام الماضية وكثرت إعتذاراتي ل ( أصحاب العمل )، ولكن ما العمل و( الزينة )لا تستطيع أن تتقطع، والسؤال مرة ثانية:هل تناول تلك الذكرى أحد من زملائي في هذه المهنة يوم الجمعة ، أرجو ذلك . وإن لم يحدث فلماذا يا إلهي نظل هكذا لا نتدبر الأحداث ولا نهب الأجيال الجديدة

المحطات المفصلية في حياتها لتتدبر أمرها وتتعرف على فكر يكفي إيراد القليل منه ليعرف الناس عظمة دين قدم التيسير على التعسير، فاختطفه المهووسون فقدموا التعسير فكان ما كان .. فما هو قليل محمود الباقي الى أن يرث الله الأرض ومن عليها ..؟ والى الغد .

http://www.akhirlahza.net/Raay_view.aspx?id=17218
________

Post: #534
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 02:02 AM
Parent: #533


سيناريو
مرثية متأخرة .. محمود جنا طه «3-2»
حسن ساتى

كنت أزور الأستاذ محمود محمد طه كل حين، وله رأي ( صوفي ) في شخصي قاله لبعض مريديه وأوصلوه لي ، ومشكلة الأستاذ أنه ( صوفي مفكر ) ومشكلة ( ناس الجبهة ) أنهم يرحبون بالتصوف ولكنهم يريدونه وقفا على ( النوبة والرقيص ) ومن هنا ضاقت صدورهم بصوفي مفكر يزاحمهم في فكرهم . كنت في مناسبات الأعياد أصارح الأستاذ الراحل محمود قائلا بأني ومن هنا ( نمشي كمان نعيد على أستاذ يسن )، ولم يكن ليعترض بل يهبني ابتسامة رضاء واضحة، وأقصد أستاذنا يسن عمر الإمام أيام رئاسته لمجلس إدارة الأيام، ومنزله قريب من منزل الأستاذ محمود.وذلك ضمن فهم أورثنا له أهلي الصوفية، بأن لا تسفر في خصومتك، وأن (تخلي الخلق في شئون كثيرة طبعا لخالقها) ، لأن لها ( خالق أولى بأمورها )، وأن تتيقن بأن الله ( واسع عليم ) ولابن عربي اجــتهاد مرموق في اسمي الله من بين كل أسمائه الحسنى ( الواسع العليم ).

في الأعياد كانت وحتى ( عيد الأضحى ) كنت تجد ( الترمس والبلح )، وإن أتت مائدة ففي الغالب الأعم

( كسرة بي ويكة ). وكان شديد التركيز بأن على المسلم أن يجعل قوله مطابقا لفعله، لأن دون ذلك النفاق، ومن هنا كان القرآن قاطعا في قوله لم تقولون ما لا تفعلون.. كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون )، ولفت نظري أكثر من مرة إلى اللغة القاطعة بتكبير المولى ل (المقت) مع أنه لا يحتاج للتكبير، ولكنه إمعان من المولى أن يثبت مخاطر التناقض بين القول والعمل. وبعد ذلك بسنين قرأت لكبار المفكرين في الغرب وهم يحدثوننا عن الفجوة بين الخطاب والممارسة في أداء شعوب العالم الثالث بصورة خاصة، وإن كانت تلك الفجوة موجودة أصلا بحكم طبيعة الأشياء في كل العالم ويسمونها


Margin between Ideology and Practice. وذلك هو الأستاذ،
خلال تواجدي بكوبر بعد إعدامه سجينا بقرار من ( معي عام الانتفاضة عمر عبد العاطي، وبعدها قال أن الاعتقال كان بإيعاز من الرفاق ، ولا يهم إن كانوا قد فعلوا فتلك حقبة وقرت فيها المرارات في النفوس فأعيت العقول) ، قرأت استشهادا منسوبا إلى صحيفة الرأي العام يقول أن الأستاذ في الأربعينيات رفض الوقوف لمأمور السجن الإنجليزي وهو يمر في السجن فعاقبه بحبس إنفرادي.
المفكر الأصيل يموت دون مواقفه وأفكاره ولا يساوم عليها، وقد طالبه المأمور بالوقوف وفق تلك الرواية، فرفض لأنه لا يرى مبررا لذلك، والوقوف عند لا يكون بالضرورة دلالة على الاحترام، والاحترام لا يتم بالاستعطاف، ولكنه أمر مثل الإيمان يوقر في الصدر.. وصدقوني، لم أكن حامل ختم لكل أفكار الأستاذ، ولكني شديد الإعجاب بتفريقه القاطع والمنطقي بين طبيعة الرسالة المحمدية بين مكة والمدينة، وهو فارق أملاه اختلاف طبيعة التكليف بين الدعوة والدولة. والغريب وعودة لشيخنا حسن الترابي، ومعه كثير ممن تحاملوا على محمود محمد طه حيّا وميتا، أصبحوا اليوم كثيري الاستشهاد بوثيقة المدينة، ويرونها عماد الدستور الإسلامي المكتوب. ولكن من كمنوا له في الأزمنة المظلمة وإغتالوه تركوا كل فكر الرجل وتسمروا عند ( رفع الصلاة عنه ) ، وهو ما لم يقله ، أو قل ما لم يعنيه هنا ، فرؤيته كانت واضحة ، ولكنها أزمنة الأسى والردى التي تحول بعض الناس الى ( دراكولا ) لا يعيش ولا تطيب له الحياة إلا بدماء البشر ، فماذا قال محمود وما هي رؤيته ؟ .. الى الغد .

http://www.akhirlahza.net/Raay_view.aspx?id=17247
__________

Post: #535
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 02:03 AM
Parent: #534


سيناريو
مرثية متأخرة .. محمود جنا طه «3-3»
خسن ساتى

ورطة الأستاذ أنه دخل حقل الألغام بفكره مع قضية ( التقليد والتجديد ) ، وقد قال لي إن ( المقلد ) لا يمكن أن يكون أصيلا ، وفي شأن الصلاة فالرسول الكريم قال ( صلّوا كما رأيتموني أصلي ) ، وأصل الصلاة هو الصلة بين العبد وربه ، ولذلك لا بد من مشوار طويل مع الصلاة وفق حديث الرسول الكريم ( التقليد ) ، ولكن بتجاوز فروضها ، والعكوف على قيام الليل ، تترقى النفس لتجد لنفسها هامشا من التجديد ، ل ( تصلي ) تهجدا بما يورثه التقليد ذاته من ( تجديد ) ربما يصل الأمر معه إلى ( صلاة ) ، بقيامها وسجودها تكون ( خاصة هذا المصلي ) وكأنها هبة التعبد الطويل والتهجد .

هنا كمن له من كمن ولكن في الظلام عجزا من أن يباروه في العلن، وأساء تأويل مقاصده، والذين زاروه وحدهم الذين يعرفون تمسكه بمواقيت الصلاة وترديده للآية (إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ). والأستاذ كان شديد الإعتداد بما يسميه ( العلم اللدني ) وقد قال لي تمعن يا إبني قول الله : واتقوا الله ويعلمكم الله . ليذهب منها أن هناك علم من الله لعبده ، وهو علم خارج سياقات التحصيل المألوف لأنه علم ( لدني ) أي من لدن المولى لمن يعلم فيه كفاءة للتلقي . وهو يستشهد هنا بقول الله : «فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا» . الكهف(65) ، فأي خطأ هنا ، والرواية المحيطة بمحك التحدي بين ( النبي )سيدنا موسى ، و( العبد ذاك ) موضوع هذه الرؤية واضحة وأقرأوا سورة الكهف ، وليتكم تقرأون تفسير شيخنا الشعراوي لها ، وإن كان مع ( حقول الألغام المحيطة بتفسير هذه الآية يكتفي بالتلميح ) ، ومجمل الرواية بنصها القرآني كما يلي :

فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا (65)

قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66)

قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67)

وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا (6.

وشاهدها الواضح تفوق ( العبودية لله ) أحيانا على ما عداها .

الأستاذ محمود أعدم ظلما، ولكن مسألة إحياء ذكرى إعدامه تتعداه الى مناهجنا عامة في النظر الى ماضينا والى التاريخ. ملحمة هذا الرجل جزء من تاريخنا، وعلينا أن نحاكم هذا التاريخ إن استطعنا، والمحاكمة لا تعني أن نقتص أو نتشفى من أحد، ولكن أن نصل إلى معادلة جديدة لا تلجأ للإقصاء ، كما فعلت ذلك جنوب أفريقيا مع ماضيها الأسود بلجنة ( الحقيقة والمصالحة ) وكما فعل الملك الشاب محمد السادس في المغرب بمحاكمة حقبة والده بنجاح وتحضر محيّر وجديد على العقل العربي والإسلامي .

محاكمة ماضينا يا سادتي لا تكون بعبارة الرفاق الساذجة جدا بعد سقوط مايو ( كنس آثار مايو )، لأن الآثار السياسية ليست ( زبالة ) ولا تكنس حتى بمنطق كارل ماركس نفسه. ولكن الجديد أنهم لم يعودوا يحدثونك ، ولا أحد بما في ذلك شخصي ، عن ( كنس آثار يونيو ) مثلا، وإذا كانت آثار مايو لم تكنس ، فمن ذا الذي يستطيع أن يكنس آثار يونيو . وتقديري ، مصحوبا ب ( حليفة ) ، ولتكن ( عليّ الطلاق ) ، لن تستطيع شركة متعددة الجنسيات أو ( هجين ) أن تكنس آثار يونيو إلا إذا ساهم في الكنس ( الجبهجية الجدد ) ممن إتسعت صدورهم أخيرا لتقبلنا ( على علاتنا ) ، وإعطائنا حق المشاركة في بناء وطن هو لنا مثلما هو لهم .

أترحم عليك أستاذنا محمود محمد طه ويعتصرني ألم بأننا كنا شهودا على تلك الحقبة وعلى ذلك الحدث، ولكنا لم نفعل أكثر من مجرد الاعتراض بالكلمة أقرب ما نكون من مركب الذين أعدموك في الظلام لحاجة في نفوسهم وليس لخطأ في فكرك وفي تفكيرك. وطبت حيا وميتا أحد رواد التنبيه للحاجة إلى ثقافة التسامح، والرائد الأوحد الذي نبه لمخاطر الهوس الديني فضاع تنبيهه بين شهوة السلطة لدى البعض ، وشهوة الجيب لدى البعض ، ولؤم من إختطفوا سماحة الإسلام من شعب سمى للتسامح حيا في أم درمان أسماه ( المسالمة ) ، فتعايش فيه المسلمون واليهود والنصارى ، لنشهد أحياء جديدة يسمونها ( المجاهدين ).


http://www.akhirlahza.net/Raay_view.aspx?id=17273
_________

Post: #536
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 02:04 AM
Parent: #535




عباس من الخلوة للكنيسة
رحيل غبوش وغروب شمس الحزب القومي بجبال النوبة

النهود: يوسف عبد المنان

غيب الموت بالعاصمة البريطانية لندن أحد زعماء الأحزاب السياسية المثيرة للجدل بعد صراع قصير مع المرض, وصراع طويل مع السلطة المتعاقبة على حكم البلاد.. فليب عباس غبوش مطران الكنيسة اللوثرية الذي رحل صباح الأحد, ولد بمنطقة حجر سلطان غرب مدينة الدلنج وينحدر من أسرة بسيطة تعمل بالزراعة ورعي الأغنام والأبقار والده غبوش آدم مسلم يحفظ أجزاء من القرآن ويصوم شهر رمضان ويهفو قلبه لزيارة مكة وأداء مناسك الحج, ولكن باغته الموت وابنه عباس (فليب لاحقاً) لايزال صبياً يدرس في الخلوة القرآن الكريم.. قال فليب عباس غبوش قبل عامين من رحيله للكاتب (نشأت مسلماً وحفظت أجزاء من القرآن وإنتقلت للدراسة في هيبان حيث النشاط الكنسي في منتصف الثلاثينات فهُديت على أيدي القساوسة الرومان والانجليز للديانة المسيحية) تبدل اسمه في الكنيسة من عباس لفليب عباس وتدحرج اسم والده من موقع الأب ليصبح جداً للصبي الذي تحدث عن أسباب تمرده المبكر على السلطة وقال (جبال النوبة شهدت أسوأ أنواع الظلم في التاريخ الإنساني.. المستعمر فرض علينا ضريبة أطلق عليها ضريبة (الهوا) وهي ثمن الحرية التي نتمتع بها بعد سنوات من الاسترقاق الذي مارسه المستعمرون البيض بحق السود في أفريقيا..


ويضيف (غبوش: بعد الاستقلال فشلت الحكومات المتعاقبة في رفع الظلم والتهميش عن منطقة جبال النوبة وهو أول دافع جعلني أقود تياراً وطنياً باسم إتحاد عام جبال النوبة تأسس عام 1964م).

خاض إتحاد عام جبال النوبة الإنتخابات التعددية 1965م وحاز على ثمانية مقاعد إلا أن الإتحاد تعرض لدورة إنشقاقات وإنقسامات حادة أفضت لانضمام نواب منه لحزب الأمة القومي ( قمر حسن رحمة) دائرة تلودي و( مركزو كوكو) دائرة دلامي الذي أصبح إتحادياً ديمقراطياً.

أمسك فليب عباس بقيادة التنظيم وخاض معركتين في وقت واحد, من جهة رفض توجهات بعض قيادات التنظيم من المثقفين أن يضع النوبة قضيتهم في عباءة الجنوب وأحزاب سانو والحزب الفيدرالي.. ومن وجهة أخرى الإلحاح بشدة على الحكومة الإتحادية وحزب الأمة والإتحادي الديمقراطي لإلغاء ضرائب تفرض على جبال النوبة دون بقية الولايات, حينما أعلن الرئيس الأسبق جعفر نميري الإستيلاء على السلطة حل الحزب القومي السوداني ولجأ فليب غبوش لدولة يوغندا مثل عشرات القيادات من زعماء أحزاب الجنوب, فيما إتجهت قيادات أحزاب الأمة والإتحادي الديمقراطي بإتجاه ليبيا وأثيوبيا لكن فليب غبوش تعرض لضربة موجعة بالتحاق محمود حسيب بحكومة مايو ومنذ ذلك الحين أخذ غبوش ينعت الراحل حسيب بالخيانة في معارضته لحكومة مايو, أتخذ فليب عباس موقفاً صارماً من الأحزاب الجنوبية وحركة الأنانيا (1) التي جندت لصفوفها بعض أبناء النوبة..

غداة مصالحة الأحزاب الشمالية لجعفر نميري عاد الأب فليب عباس غبوش للخرطوم وإستقبل مثل السيد الصادق, ولكنه أضمر في نفسه نوايا إنقلابية ووفقاً لتقديراته الذاتية ارتأى أن أعداد أبناء جبال النوبة في الجيش السوداني تؤهلهم لانجاح إنقلاب عسكري ضد الرئيس الأسبق جعفر نميري, فتم القاء القبض عليه وفر بعض من أتباع غبوش مثل الملازم حينها والوزير حالياً لواء إسماعيل خميس جلاب إلى الغابة لينضم للحركة الشعبية, وحينما صدر حكم الإعدام على غبوش في عهد نميري إعتذر الأب فليب وطلب العفو والصفح لينجو من المقصلة التي نصبت من قبل لمحمود محمد طه فرقّ قلب نميري عليه وعفا عنه وحينها قال فليب عباس غبوش (خدعت النميري وخرجت من المقصلة).

بعد سقوط النظام المايوي ولج غبوش الساحة السياسية باسم الحزب القومي السوداني وخاض الإنتخابات بنفسه في دائرة الحاج يوسف, وحقق فوزاً على مرشح الجبهة الإسلامية المهندس صالح عبد الله الشهير (بأمبرو) ورغم الهزيمة ينظر صالح عبد الله بإعجاب للقس المسيحي الذي هزم أحد قيادات الجبهة الإسلامية القومية, ويقول ( صالح عبد الله): استغل فليب حتى سيارات الجبهة الإسلامية ليصوت إليه من جاءت بهم الجبهة الإسلامية وكان فليب يقول بلسانه ( أركبوا سيارات الجبهة وصوتوا للحزب القومي).

بعد الإنتخابات دخل الأب فليب في تحالف مع حزب الأمة والإتحادي الديمقراطي وكان من نصيب الحزب وزارة السياحة والفنادق التي اسندت لضابط الأمن المتقاعد أمين بشير فلين قبل أن تعصف الخلافات بالحزب وينشق عنه المرحوم محمد حماد كوة وعدد من النواب وأتهم فليب عباس من قبل وزير الداخلية حينذاك مبارك الفاضل بالتصرف في الملابس المستعملة في يوغندا والتي جاء بها لاتباعه في كنيسته بأم درمان, ولكن فليب عباس قال ساخراً: (الجلابة يتصرفون في الرخص التجارية وفليب يتهم ببيع الملابس القديمة).

بعد 30 يونيو 1989م بلغ التعب بالأب فليب عباس غبوش مبلغاً جعله يرفض الخروج من الخرطوم إلا لأيام معدودة, ثم العودة لكن حربه تفرق دمه وأنشق لاربع مجموعات هي حزب السودان القومي بزعامة فليب والحزب القومي برئاسة بروفيسور الأمين حمودة والحزب القومي القيادة الجماعية برئاسة محمد حماد كوة وإتحاد عام جبال النوبة بزعامة يوسف عبد الله جبريل, ولم يبد الحزب القومي في عهد الإنقاذ مقاومة تذكر وتراوحت علاقته بالإنقاذ ما بين ( المهادنة والمساكنة) حتى عقد د. جون قرنق مؤتمراً في كاودة دمج الأحزاب الأربعة التي تشكل ميراث الحزب القومي في الحركة الشعبية, والتي لأول مرة نجحت في خطف قضية جبال النوبة وأخذها من أصحابها, وفوض فليب عباس غبوش والقيادات الأخرى الراحل د. جون قرنق ليفاوض نيابة عن شعب النوبة في نيفاشا وينتزع لهم حقوقهم بعد أن عجزوا هم عن أخذها, لكن حينما عاد فليب عباس غبوش من الولايات المتحدة الأمريكية بعد تحقيق السلام وإبرام الحركة الشعبية لاتفاق لم يرضي النوبة في الداخل بدا فليب غبوش غاضباً على الحركة حتى أسعفه إتفاق القاهرة بين المؤتمر الوطني وأحزاب التجمع الوطني الديمقراطي, وجلس غبوش في المقعد النيابي للبرلمان ودفع بالسيد محمد سليم كيم كمعتمد بشمال كردفان, وعين نائبه في الحزب د. عبد الله التوم الإمام في منصب أمين حكومة جنوب كردفان بحسبان الصداقة الشخصية التي تجمعه بوالي جنوب كردفان الحالي, لإعتبارات قسمة السلطة حيث ينص برتكول جبال النوبة على قسمة السلطة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية فقط..

تدهورت صحة الأب فليب عباس غبوش منذ العام الماضي وأخذ يتوكأ على عصاة وتسنده شابة صغيرة العمر ليصعد الي قائمة البرلمان, ولكنه ظل صامتاً وفي ديسمبر من العام الماضي تدهورت صحته ونقل لمستشفى بالخرطوم وشعر الأب فليب بالوحدة الشديدة, بعد أن تفرق أبناؤه في التنظيمات التي أسسها ما بين رفاق في الحركة الشعبية وشيوخ في المؤتمر الوطني, وتخلى عنه من حملهم بالأمس على اكتافه للوزارات والنيابة البرلمانية..

وغبوش في محنته زاره الفريق بكري حسن صالح وزير رئاسة الجمهورية وتكفل بعلاجه على حساب حكومة السودان, وفي لندن عجز الأطباء عن ضخ الحياة في جسد توالت عليه الضربات والنكبات وقلب اتسع سنوات طويلة ولكن في الأخير ضاقت به الحياة..

أوصى الأب فليب عباس غبوش بدفنه حيث ولد بقرية حجر سلطان غرب الدلنج ولكن السؤال هل سيدفن الحزب القومي مع الأب فليب عباس غبوش يوم الخميس القادم حيث تاريخ وصول جثمانه في صندوق خشبي أم يملك القيادات الذين خرجوا من عباءة الأب فليب ومن مفاصل التنظيم الذي يفتخر فليب بأنه المحرض الأول للمهمشين لنيل حقوقهم بإختيار قيادة جديدة تجلس في مقعد الحزب بالبرلمان ويبقى على أرث تنظيم تم وصفه بالعنصري والإثني والجهوي, ولكنه لم يمت مثل جبهة نهضة دارفور ومؤتمر الفونج وظل باقياً على قيد الحياة ويقول المراقبون لأوضاع الحزب القومي والمنطقة إن الدكتور عبد الله التوم الإمام الذي يحظى بسند من والي جنوب كردفان ودعم حقيقي يسعى لوراثة الأب فليب غبوش ويقود تياراً ضعيفاً شعبياً, ولكنه يملك السلطة والمال وينافس البروفيسور الأمين حمودة الأستاذ الجامعي الذي كان واحداً من تلاميذ الراحل فليب الأوفياء لكنه يفتقر للقاعدة الجماهيرية وفي حالة إنقطاع دائم عن قواعد الحزب ويبرز تيار إتحاد عام جبال النوبة بزعامة يوسف عبد الله جبريل وثيق الصلة بالحزب الشيوعي وحليف الحركة الشعبية, حتى قبل توقيع إتفاقية السلام بأيام محدودة..

وقبل أن تحسم خلافة كرسي القيادة في الحزب القومي السوداني تعتبر قيادات الحركة الشعبية إن غبوش هو رمز النضال في جبال النوبة وأنه أسلم الراية بطوعه وإختياره للزعيم الراحل د. جون في مؤتمر كاوده, لذلك الحركة الشعبية تمثل اليوم الوريث الشرعي لكسب غبوش السياسي, فيما تتولى أسرته الميراث الذي يتكون من منزل بأم درمان جنوب البوستة يقطنه أفراد عائلته من زوجته ذات الأصول المصرية ومنزل آخر بمنطقة ( كرور) شبه العشوائية بأم بده كان يقيم فيه الأب فليب عباس غبوش وسط الفقراء والمعوزين ويتخذ من سكنه في الحي الفقير جداً بأطراف أم درمان دليل أثبات على تهميش السلطة لغبوش وفيه يلتقي بالسفراء الأجانب والمبعوثين.

يقول فليب غبوش إنه مهتم جداً بالرياضة يشجع المريخ لأنه سجل الحارس حامد بريمة لحراسة شباكه وكان يفترض مثل حامد بريمة اللعب كرأس حربه, ويقرأ فليب غبوش شعر نزار قباني ولكنه في ذات الوقت زار إسرائيل ويعتبرها ساندت جبال النوبة, وما كان للسودان ان يجعل من اسرائيل عدواً له لأن إسرائيل عدو للأمة العربية والسودان ليس بلداً عربياً كالعراق واليمن, وينفي عن نفسه تهمة العنصرية ويقول أنا معجب بالفنان محمد وردي لأنه نوبي مثلي ويعتبر الفريق بكري حسن صالح والفريق عبد الرحيم محمد حسين أبناءه, ولكن لماذا يهمشون أبنائي الضباط المحترمين جداً في حكومة الإنقاذ, يصف الرئيس البشير بأنه شجاع جداً وجعلي حقيقي ويقول عن الصادق غدر بنا وغدرنا به, وعن جون قرنق يصمت ويقول حتى يعود للخرطوم لن أتحدث عنه.. وعاد د. جون قرنق ولم يمكث سوى 21 يوماً في السلطة جتي غيبه الموت ولحق به الأب فليب عباس غبوش هذا الأسبوع ولله ما أعطى ولله ما أخذ إنا لله وإنا إليه راجعون..

http://www.akhirlahza.net/News_view.aspx?id=17516
_________________

Post: #537
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 02:05 AM
Parent: #536


سيناريو
صرختان لصاحبي عمل

حسن ساتى

الطيب احمد البدوي فيكتب رسالة يدافع فيها عن محمود محمد طه مع إنه كان إبن سنتين عام إعدامه وبدون خوض في تفاصيلها أترككم معها ولكن الذي لفت نظري هجومه من خلالها على جيله وتلك قضية كتب لي فيها عشرات
====
الأستاذ حسن ساتي .. لك التحية والاحترام

بارك الله في قلمك ذلك الوحيد الذي تحدث في ذكرى إعدام محمود محمد طه وتحدثت بموضوعية خاصة في ذكرك للعلامة الترابي الذي يمر بمرحلة فكر تشابه نوعا ما مرحلة محمود .

أنا لست (جمهوري) ولست (مؤتمرا شعبي) كما قد يوحي الكلام ولا أحب السياسة ولا أهلها ,ولكن اتيحت لي الفرصة لأعرف فكر محمود وانا حين اعدم لم ابلغ العامين بعد عن طريق أخ جمهوري . وعايشت فيه فكر محمود وطفقت بعد ذلك ابحث عن ما كتب محمود ولم أجد إلا في موقع يخص الجمهوريين واطلعت على بعض البعض من كتبه ولا أقول أني قد أعجبت بها كاملة مبرأة من كل عيب ولكن وجدتني أمام استضاءة فكر وإمعان في التدبر ودقة مجسدة في شخص فخيم العبارة موغل في المعاني الدينية وفهمها بفطرة سليمة لا يشوبها التعصب والغلو والحشو والسفسطة .

المشكلة الآن أن فكرة معظم الجيل الحالي وأنا كنت منهم من قبل أن محمود هو عبارة عن رجل شاذ الفكر جل همه أن يفتن الناس بأنه قد أسقطت عنه الصلاة وانه لا يحتاجها لأنه قد أتاه اليقين والعديد من الأقوال التي على هذه الشاكلة وان كان هناك ما هو أكثر جورا منها .

في حق (الزول ده ) شيء فوق التصور ما دايرين نخوض في منو المسئول من كده ونفوت علي جيل كامل العبرة والاستفادة. هذا جيل همه كله : شفته كليب نانسي الجديد رووعة الليلة الطرب وين حليمة مسكول قاجّة في الحله البيهناك النقدة النقدة غرزة غرزتين تلاته غرز .

مالك يا أستاذ حسن فغرت فاهك استغرابا هو انت شفته حاجة ؟.

لك التحية والتقدير..

أستاذ حسن : تم جميلك وادي الرسالة العليك تجاه محمود (جنا طه) وعرف الجيل الحالي بفكر محمود في مقالات اسيوعية خاصة أو أي شيء على هذه الشاكلة وأنا قدر ما أوصف ليك كيف الجيل ده جاهل ومجحف ماحأقدر . ولك الودhttp://www.akhirlahza.net/Raay_view.aspx?id=17678
_________________

Post: #538
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 02:06 AM
Parent: #537


بير الأنصار في إستنطاق عصي وبوح لأجل الوطن: (3 -3)
إعدام محمود محمد طه خروج عن الدين وحادثة لا مبرر لها


حوار: مزمل عبد الغفار - إخلاص النو

يكون عصياً إستنطاق رجلٍ عركته التجارب وإختزن في ذاكرته مراحل من تاريخ السودان السياسي... ومثلما يكون إستنطاق مثله عصياً يكون سهلاً أيضاً عندما يكون البوح لأجل الوطن.. من كبار القيادات الوطنية التي أسهمت في ثورة إكتوبر 1964م التي أسقطت النظام العسكري وأقامت النظام الديمقراطي في السودان.. شغل منصب وزير الداخلية بعد أول إنتخابات بعد سقوط الحكم العسكري, وكان مساعداً لأخيه الإمام الهادي وتولى موقع نائب الإمام إلى حين أحداث الجزيرة أبا الشهيرة 1970م, أصبح المسؤول الأول في كيان الأنصار والراعي لجماهيرهم والأب لأسرهم وقبائلهم والمشرف على مؤسساتهم ومنظماتهم الدينية والإجتماعية منذ العام 1974م... هو الخليفة الثالث للإمام عبد الرحمن المهدي بعد وفاة شقيقه وعميد أسرة الإمام المهدي وخلفائه ومازال في الزعامة الفاعلة بالبلاد.. إنه الإمام أحمد عبد الرحمن المهدي الذي إخترنا أن نحاوره لعدة أسباب أهمها علاقاته الطيبة والوطيدة مع كل القيادات الوطنية والدينية وبحكم موقعه ووجوده على رأس الكيان الأنصاري وما على عاتقه من مسؤولية تجاه الأحداث الجارية والقضايا الراهنة محلياً وعالمياً لا سيما وأن الرجل ظل يقود الحوار الديني بين الأديان والمعتقدات وله صلات متميزة بالقيادات الجنوبية ويسعى لغرس بذور المودة والإلفة والتعارف بين الجنوب والشمال. حيث بدأنا هذه الحلقة الأولى من الحوار بأهم قضايا الساعة ألا وهي قانون الإنتخابات الذي قال عنه :

هل كان حل الحزب الشيوعي خطأ باعتبار أنه أنتج مايو ذلك؟

- هذه قضية كبيرة حقيقة لأن هناك أناساً حتى الآن يرون أن هذا الحل كان خطأ ولكن أنا لا أعتقد أن الحزب الشيوعي قد ظلم لأن الاتجاه السياسي آنذاك كان قد أفضى لذلك.

وبالتأكيد كانوا قد غضبوا وجاء انقلاب مايو وأذكر انني قابلت عبدالخالق محجوب بعد الانقلاب في مكتبه بالخرطوم فقلت له ممازحاً ما شأنكم يا عبدالخالق بالكتب الآن فاتركوها لنا لنقرأ بعد أن أصبحتم حاكمين فقال لي عبدالخالق بالحرف الواحد إنني أخشى في هذه البلاد أن يتم ذبحنا في الشوارع بسبب أخطاء هذا الانقلاب ونفى لي نفياً باتاً أي وقوف او دعم من جانبه للانقلاب وبالفعل حدث ما حدث من مآسي فهو للحقيقة والتاريخ كان رجلاً ذا بصيرة.

حركة يوليو 1976م المسلحة هل من خطأ فيها؟

- أخطاء كثيرة صاحبتها فهي كانت نتيجة غضب سياسي حيث لم يكن هناك استفادة ولا تمهيد للاستفادة من القوى الشعبية التي تقف وراء الحركة نفسها وبالتالي أخطأت طريقها وحتى الذين قادوها اقتنعوا بأن هذا الخط غير سليم وبالتالي كل الأطراف قد أيدت المصالحة من الإسلاميين وحزب الأمة والاتحاديين.

هل كانت حركة شاذة لا تعبِّر عن دعاة الديمقراطية؟

- لا .. هي كانت ردة فعل تجاه مايو . وللحقيقة والتاريخ أقول إن الأنصار قد تصرفوا بانضباط شديد جداً إزاء المآسي والاعتداءات التي حدثت لهم، وكان من الممكن ان يلهبوها حماساً .. ولكن قيادة الأنصار الحقيقية ما كانت موافقة على الدخول في المواجهات المسلحة ولا بإدخال العنف السياسي في السودان، ولم يؤمن الأنصار في يوم من الأيام بمبدأ استعمال العنف والقوة وإذا كان هذا كذلك لكنا قد حكمنا السودان.

فالإنصار كانوا قوة كافية وضاربة في ذاك الزمان ولكن لم نهتم بهذا الجانب أبداً باعتبار أن البلاد تحتاج لنظام ديمقراطي وأريد أن أصحح بعض المفاهيم هنا ألا وهي ان الانصار لم يشاركوا على الإطلاق في جملة الانقلابات التي حدثت في السودان.

فالانقلاب الأول أيّده الإمام عبدالرحمن المهدي بشرط وذلك في أن تعود الحياة النيابية إلى البلاد وأن يحافظ الجيش على استقلال السودان وهذه كانت مسألة واضحة انسحب بعدها الإمام من السياسة وترك الأمر.

أما الانقلاب الثاني (مايو) فهو مطلقاً لم يكن فيه رائحة انصارية بل العكس تجد ان الانصار كانوا ضحية بينما أيدت كل الأحزاب والطرق الصوفية وتنظيمات المجتمع النظام اليساري.

وايضاً إنقلاب الإنقاذ نجد ان الانصار لم يشتركوا فيه مطلقاً وحتى اليوم هناك حوارات في كيفية ان يكون هناك دور للانصار في الواقع السياسي الراهن. فالانصار لم يشتركوا على الإطلاق في العنف او ادارة عمل مسلح ولهذا السبب حركة يوليو 1976م المسلحة ضد مايو لم تجد النجاح المطلوب، وإلى اليوم هناك قناعة راسخة بذلك. على الرغم من أن هناك من يرى غير ذلك ولكن القيادة رأيها واضح هنا وحتى من سار في طريق القوة المسلحة لم يسر فيه إلى النهاية في هذا الاتجاه. لأنه صارت هناك قناعة بأن هذا العمل لا يجدي وبالتالي يجب ان يكون الأنصار قوى مدنية تضغط بالصورة الممكنة لأجل تحقيق مبادىء سياسية.

تمنيت في تصريحات سابقة ان تحدث الوحدة الإسلامية وذلك بتوحيد كيان الأنصار وكيان الحركة الاسلامية فهل ترى أي مستقبل قريب هنا ؟

- نعم قد يكون قريباً جداً بل ويجب ان يكون قريباً واتمنى ان يُحدث هذا التحرك آثاراً سياسية في البلد تمكِّن من مواجهة القضايا الكبرى ومعالجتها.

إنقسام حزب الأمة إلى عدد من الفصائل والأجنحة هل هناك خطى من جانبكم لتوحيد الحزب؟

- نعم فهذا هدف واضح أمامنا ونسعى له على الدوام

ü هل ستلعب دوراً بعينه في عودة مبارك الفاضل لصفوف الحزب؟

نعم مبارك وكل قيادات الحزب التي خرجت وكذلك القيادات المتفرجة والأخرى التي لها مواقف فكلها أنا اتمنى ان تكون في تنظيم واحد. لذلك فان عودة الخارجين لصفوف الحزب يظل هو الهم الذي أحمله في كل المساعي التي أقوم بها في سبيل لمِّ الشمل.

من الذي رسخ مقولة إن الإمام الهادي على قيد الحياة كما تردد في السابق؟

- حقيقة الأنصار يفتخرون بأن الإمام شهيد، وكلما مرت الأيام تترسخ القناعة بذلك والآن الموقف متغير جداً في هذه المسألة بالذات عند كثير من الأنصار لأنه في العهود التي مضت كانت هناك ضبابية للحقائق والمعلومات المتوفرة ولكن المعلومات أضحت واضحة خاصة بعد سقوط نظام مايو. لأن نظام جعفر نميري قد ساهم في الترويج لهذه الإشاعة.

هل ودعنا الخلافات داخل آل بيت المهدي ؟

- الخلافات موجودة ولكن ما نريده هو خلق المناخ الذي يمكن ان يتجاوز فيه آل البيت والقيادات الأنصارية هذه الخلافات.

لقد ظللتم بكافة تشكيلاتكم مناهضين لمايو وجعفر نميري ودفعتم ثمناً كبيراً في ذلك فهل يمكننا القول إنكم قد عفوتم عن جعفر نميري لوجه الله تعالى؟

- حقيقة كما قلت لك نحن بعد المصالحة الوطنية قد أسدلنا الستار على هذا الصراع ، لأن المصالحة الوطنية قد تمت وبالتالي تجاوزنا هذه المسألة لأجل هدف وطني.

ونحن نقدم على الانتخابات هل تعتقد أنه من مصلحة السودان أن يحكمه حزب واحد اذا ما أفضت النتائج الى ذلك وهل هناك حزب يمكن أن نطلق عليه إنه حزب قومي؟

- الأحزاب جميعها تدعي القومية في السودان والظرف المحيط بالبلاد الآن يتطلب صفة قومية أوسع، والآن حتى الحزب الحاكم يعي هذه المسألة تماماً بل وعلى قناعة بذلك وبالتالي يسعى لإشراك الأحزاب الأخرى وهذا في حد تقديري هو اعتراف بضرورة القومية في المرحلة القادمة . وبالتالي ليس من مصلحة السودان ان يحكمه حزب واحد. ولا توجد اي دولة مشابهة ظروفها لظروف السودان ان يدعي فيها أي حزب واحد بأنه يمكن أن يحكم وبالتالي هناك ضرورة إلى شكل قومي.

ماذا عن الخطاب السياسي المطلوب قبل التحول الديمقراطي؟

حقيقة أنا في رايي أن التحول الديمقراطي لن يأتي بين عشية وضحاها ولذلك نظل أكثر حاجة لحدوث وفاق قومي يؤمن المسيرة حتى بلوغ الغايات والتحول فنحن لم نصل بعد للتحول ولا اعتقد أننا يمكن الوصول بهذه السرعة.

هل تعتقد سياسياً أنه قد انتهى زمن البيعة في قواعد اللعبة القادمة؟

نعم لأن البيعة السياسية هي مفهوم دعائي فقط وانتهى عهدها وزمانها فاستعمال هذا التعبير في تحديد الولاءات السياسية في رأيي شىء غير موفق وليس بالضرورة

هل أضرت هذه البيعة بالحكام لاسيما جعفر نميري (بايعناك لديارنا علم ومعلم بارز للحرية)؟

هي حقيقة استحدثها الرئيس السابق نميري للتأييد السياسي ذلك عندما سعى لمحاولة خلق نظام إسلامي يكون فيه إماماً وزعيماً اوحد وبالتالي جاء مفهوم البيعة هذا غير أنه لم يوفق وسار بعد ذلك في البيعات المختلفة وبالتالي هي في تقديري ولاءات سياسية وعهود سياسية لقائد او زعيم.

بعد أن مرت على الذكرى سنوات وعقود ما تعليقكم على إعدام محمود محمد طه في تاريخ السياسة السودانية؟

- هذه الحادثة هي شيء مؤسف حقيقة حيث كان من الممكن ان يكون هناك تسامح في هذه المسألة وهي ناتجة من المناخ والجو الذي كان مصاحباً آنذاك والذي حاول فيه جعفر نميري ان يطبق النهج الإسلامي، وبالتالي أرى ان في هذه القضية خـروج عن الدين والإسلام والعقيدة واعتداء على النفس . فالحادثة لا مبرر لها.

هل تتوقع مقاطعة بعض الأحزاب للانتخابات القادمة؟

- قد لا تكون هناك مقاطعة بالمعنى ولكن قد يكون هناك عدم مشاركة من بعض الأحزاب وهذا كله رهين باكتمال الحوارات الجارية الآن حول قانون الانتخابات وحول التحول الديمقراطي نفسه.

فأنا اتمنى ان يكون مفهوم الانتخابات نفسها هو مفهوم مشترك بين القوى السياسية كلها.

كيف يمكننا ان نتفادى الديمقراطية العرجاء؟

- بالحوار يمكننا الاستفادة من أخطاء الماضي وهذه نقطة مهمة جداً لأن لنا تجارب عديدة.

هل تعتقد أننا قد ودعنا زمن الدائرة الجهنمية من حكم عسكري ومدني وبالعكس؟

- انا اتمنى ذلك فيجب ان نودع هذه الحلقة المفرغة والمتمثلة في ديمقراطية وانقلاب عسكري وبالعكس وهذا في تقديري مفهوم لدى السلطة الحاكمة نفسها اذ انها واعية لهذه المسائل هي حريصة للوصول لشيء يجنبنا هذه الحلقة المفرغة.

قانون الأحزاب السياسية الناظر إليه أنه ثمن إجازته ولكنه لم يتم تفعيله فكيف تنظر له؟

- لا اعتقد أن قانون الأحزاب يمكن أن يكون مهماً إذا كان هناك تسامح في قضية الحريات العامة. فهو ضوابط وموجهات لتكوين للأحزاب ولكن ليس بالضرورة ان تخضع الأحزاب للقوانين.

ماهي رؤيتكم لحل مشكلة أبيي؟

- حقيقة قضية أبيي هي امتحان في أن السودان يكون او لا يكون وهي مربط فرس بالنسبة للعلاقة مع الجنوب . وبالتالي يجب أن نتعامل مع هذه المشكلة معاملة خاصة وأنا أرى ان الأمور تسير في هذا الاتجاه ولحسن الحظ ان يتم رفع هذه المسألة لمؤسسة الرئاسة حتى نتمكن من إيجاد الحل الذي يرضي الأطراف جميعها وانا متفائل بالحوارات الجارية.

الآن أنت أقرب إلى مَن مِن الإنقاذيين والإسلاميين؟

- أنا حقيقة انظر ككتلة واحدة وأحب أن أنظر إلى الإسلاميين جميعهم كمجموعة وأنا لا أفرِّق في حواري بين الإنقاذيين والإسلاميين لأن المسؤولية واحدة ومشتركة، وأتمنى ان يكون هناك حوار داخلي بينهم.

http://www.akhirlahza.net/News_view.aspx?id=18515
__

Post: #539
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 02:07 AM
Parent: #538


خارج النص
6 أبريل !!
يوسف عبد المنان


إلتقى جيل البطولات بجيل التضحيات.. هتف الشعب من أعماقه التغيير واجب وطني.. هتافات وغناء وأغصان أشجار (النيم) التي تساقطت في شوارع الخرطوم حملت وحدها حكومة الرئيس الأسبق جعفر نميري من القصر على ضفة النيل كحاكم الى لاجيء يقيم في قصر الطاهرة بالعاصمة المصرية القاهرة..

في السادس من أبريل إفترقت الدروب ما بين الإسلاميين وجعفر نميري الذي زج بقيادة الأخوان في غياهب السجون وقطع شعرة معاوية مع الحزب الشيوعي وفشل في تقديم تنازلات تبقي على خيط المصالحة الواهي مع السيد الصادق المهدي فانكشف المستور وتعرى النظام المايوي من قدميه حتى منتصف البطن وتهاوت الهياكل الكرتونية التي كانت تحشى بالرجال الذين تحسبهم جماعة وقلوبهم شتى.. سقطت مايو في منتصف نهار السادس من أبريل عام 1985 لأن مايو فقدت كل مبررات البقاء.. إتفاقية السلام مع الجنوب مزقها جعفر نميري ورمى بها في سلة مهملات النظام وعلاقته مع الإسلاميين وهنت وضعفت، لأن ضغوط الخارج وشروط الولايات المتحدة كانت أقوى من القرار الداخلي ووصم النظام بالفساد والمحسوبية قد أرهق مايو أخلاقياً، وفوق هذا كله قال مالك الكون وواهب السلطة والمال إذهبوا فسقطت مايو في رابعة النهار الأغر..

في يوم سقوط مايو الذي كان عيداً وطنياً حتى عام 1989 يحتار المرء ما بين إبراز محاسن مايو ومساوئها؟ وهل إبراز وذكر المحاسن في مثل هذا اليوم يمثل صحوة ضمير لجيل لم يعرف عن مايو إلا مشهد النواح والبكاء وراديو أم درمان يعلن إعدام العقيد محمد نور سعد ويوم إختفاء شمس الأبيض حينما نفذ حكم الإعدام في ابنها حسن حسين عثمان!.. لا ضير ذكر محاسن الموتى كاعتراف من جيل تفتق وعيه السياسي بعد رحيل النظام المايوي، فقد حافظت مايو على قومية السودان ولم تبرز خلال الستة عشر يوماً من الزمان دعاوي الجهوية والعنصرية ولم تحمل الأطراف السلاح في وجه المركز تطالب بقسمة السلطة والثروة ولم تحتف مايو بالذين يتمردون على القومية وتسلم المشير سوار الذهب السلطة وكل السودان تحت إمرة وسلطة حكومة المركز، حتى الجنوب لم تتساقط المدن مثل أوراق الخريف إلا بعد عام من رحيل النظام المايوي..

لم يهتم جعفر نميري كثيراً بالإنتماءات السياسية السابقة ولا كان لجعفر نميري موظفو إرشيف يحاكمون القيادات بأنسابهم وقبائلهم.. قرَّب النميري جوزيف لاقو وأبيل ألير ووثق جداً في جعفر محمد علي بخيت وعبدالماجد حامد خليل وأوفى بعهده مع أحمد إبراهيم دريج وأبو منصور وكان صديقاً حميماً لحامد شاش ود. أبو ساق وأبو القاسم هاشم والرشيد الطاهر بكر وفقراي وأبو كلابيش وميرغني عبدالرحمن وسبدرات وبدرية والترابي وبكري عديل..

جعفر نميري كان شجاعاً في اتخاذ القرارات الصعبة، أعدم محمود محمد طه ووضع عنق فليب غبوش على حبل المشنقة وغيَّب جوزيف قرنق وصالح وصادق المهدي والترابي والميرغني وأراق الخمور في شوارع الخرطوم ورقص مع البلابل «حلوين حلاوة» ومع العاجكو في جامعة الخرطوم ولم يبال بالسيخ الذي كان يستخدمه الطيب إبراهيم محمد خير وصلى الصبح في أبو قرون واستقبل الشيخ الكباشي والعركيين في القصر الرئاسي وتجول في ودنوباوي وحي الدومة رغم الدماء التي سالت ما بين مايو وأهله الأنصار في الجزيرة أبا..
تلك بعض وقليل من مخزون محاسن مايو، أما مساوئها، فالديموقراطية التي شكلت غياباً عن المسرح السوداني وحدها ترجح كفتها بكل حسنات مايو والعنف الذي مارسه النميري ضد خصومه وخصائص مايو في قبول شروط الآخرين واستجابتها للوصفات المصرية والأمريكية جريرة أخرى.

http://www.akhirlahza.net/Raay_view.aspx?id=19616
__

Post: #540
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 02:08 AM
Parent: #539


قراءة في ذكرى الإنتفاضة
6 أبريل 1985م.. سقوط اللاعب غير المحترف

مصطفى أبو العزائم

يزعم كثيرون أنهم كانوا وراء إسقاط نظام الرئيس الأسبق المشير جعفر محمد النميري، ذلك النظام الذي عرف في تاريخ السودان باسم العهد المايوي.. ويظل عدد من قادة الأحزاب يرددون هذا الزعم حتى صدقته بعض قواعدهم، وصدقه الذين لم يعايشوا تلك الفترة.. والحقيقة الجلية الواضحة لكل صاحب ضمير سياسي حي هي أن عمر النظام الإفتراضي كان قد إنتهى.. وأن الكثيرين ممن لبسوا عباءات البطولة الزائفة كانوا جزءاً لا يتجزأ من ذلك النظام في فترة ما من فترات بقائه الممتد من الخامس والعشرين من مايو 1969م لحظة أن أذاع العقيد أركان حرب- وقتها- جعفر محمد النميري بيانه الأول وأشار فيه إلى أسباب ودواعي إنقلابه على السلطة الشرعية المنتخبة التي كان الرئيس الراحل إسماعيل الأزهري يمثل رمزها الأول من خلال مجلس السيادة، بينما يمثل السيد محمد أحمد محجوب رمزها التنفيذي إذ كان هو رئيس وزراء ما قبل العهد المايوي.. إلى اللحظة التي أذاع فيها المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب بيانه الأول في السادس من أبريل عام 1985م معلناً فيه نهاية الحقبة المايوية ومعلناً إنحياز الجيش إلى الشعب في ثورته العارمة ضد النظام المايوي والتي كانت قد بلغت مداها منذ نهايات مارس من نفس العام بتظاهرة طلابية خرجت من جامعة أم درمان الإسلامية دعا لها إتحاد الطلاب الذي كان يرأسه في تلك الدورة الطالب محمد أحمد سلامة ..

إذن سقطت كل دعاوى الذين أرادوا إرتداء أثواب البطولة الذين إدعوا أنهم كانوا وراء إسقاط النظام.. لقد كان بيان المشير عبد الرحمن محمد حسن سوار الذهب واضحاً يضع نقاط الحقيقة على حروفها، خاصة في عبارته التي خلدت في تاريخنا السياسي، وهي (إنحياز القوات المسلحة إلى الشعب).. الثورة كانت شعبية هادرة وكان الدافع الأساسي لها ما أصاب البلاد من تدنٍ بل إنهيار تام في الإقتصاد كانت أسبابه سوء التخطيط والتخبط ثم الإعتماد على الإعانات والإغاثات الخارجية.. وتدخلت ظروف طبيعية قاسية تمثلت في جفاف حاد ضرب أجزاء كبيرة من البلاد وأدى إلى نزوح مئات الآلاف من الأسر نحو أطراف المدن.. وأدى إلى نفوق مئات الآلاف من المواشي.. وأصبحت أيادٍ كثيرة تمتد تسأل الناس إلحافاً لقمة خبز أو كسرة جافة، وأخذ الناس في بعض الولايات يبحثون في (بيوت النمل) عن بضع حبات من الذرة.. واستدعت الذاكرة الشعبية ما حدث في السودان بين عامي 1888- 1889م أو ما عرف بمجاعة (سنة ستة) إذ أن سنة المجاعة كانت تصادف العام الهجري 1306 وربط الناس بين ظلم الحكام في نهايات الدولة المهدية، وظلمهم في نهايات الدولة المايوية، وقد إستمرت الأولى ثلاثة عشر عاماً في القرن التاسع عشر بينما إستمرت الثانية ستة عشر عاماً في القرن العشرين.

ولازال الساسة والمراقبون وكثيرون ممن تجاوزوا سن الخمسين في السودان يذكرون تماماً إن النظام المايوي بدأ متحالفاً مع اليسار السوداني، بل مدعوماً من الحزب الشيوعي السوداني الذي عارض المشاركة في (الإنقلاب) في العلن، بينما أيده في الخفاء بأن قام بتقديم عدد من كوادره لدست الحكم أعضاء في مجلس وزراء النظام الجديد.. ووفر السند النقابي وسيّر التظاهرات التي ترفع اللافتات الحمراء تأييداً للثورة التقدمية التي جاءت لمحاربة الرجعية والتخلف كما كان يسمَّي النظام خصومه السياسيين في الأحزاب الطائفية الأخرى، وشن حرباً لا هوادة فيها حاول من خلالها إغتيال شخصيات قادة تلك الأحزاب وتحرش النظام الجديد في عام 1970م بطائفة الأنصار وهجمت قواته المدججة بالسلاح على مسجد السيد عبد الرحمن في ود نوباوي لتحصد أرواح المئات من الأنصار العزل في وقت وقف مؤيدو النظام على الرصيف المقابل يهتفون تأييداً للمذبحة، ووقفت سيّدة تهتف بحماس هتافاً مخزياً وتقول: (يا عقيد.. بيد الـ....) ولا نكمل إذ أن نار الخلافات سرعان ما أحرقت جسور الود الممتدة بين النظام الجديد ومناصريه من ذوي (الياقات الحمراء) وتم إعدام زوج تلك السيدة التي كانت تهتف مؤيدة لمذبحة ود نوباوي في يوليو 1971م.. فقد كان عضواً في مجلس قيادة الثورة، لكنه أبعد فيما عرف بقرارات نوفمبر 1970م ليعود اسمه من جديد في قائمة أعضاء مجلس قيادة الثورة الجديد.. أو (الثورة التصحيحية) التي قادها الرائد الراحل هاشم العطا ضد نظام نميري الذي أقصاه هو وزملاؤه عن مواقع السلطة في نوفمبر 1970م لينقلبوا عليه في التاسع عشر من نوفمبر 1971م.. لكن حكمهم لم يطل ولم يستطيعوا إحكام قبضتهم على السلطة أكثر من ثلاثة أيام عاد بعدها النميري حاكماً أقوى يعتمد على سند شعبي كبير دفعه لأن يصادق على أحكام الإعدام والسجن لمدد طويلة التي أصدرتها المحاكم العسكرية الإيجازية في مواجهة قادة ومنفذي الإنقلاب.

ولم يتح إبعاد الشيوعيين ومحاربتهم الفرصة للواء أركانحرب جعفر النميري- بعد أن رقى نفسه- فرصة مصالحة القوى السياسية الأخرى، فقد خسر طائفة الأنصار وحزب الأمة منذ البداية، وخسر الحزب الإتحادي الديمقراطي قبل ذلك في حادثة وفاة الزعيم إسماعيل الأزهري بمستشفى أم درمان وإذاعة نبأ الوفاة في نشرة الأخبار دون الإشارة إلى صفاته السياسية أو زعامته للحزب الإتحادي الديمقراطي، بل أشير إلى أنه توفي إسماعيل الأزهري المعلم السابق شقيق كل من.. ومن.. ومن... وكانت الأرض تهتز كل يوم تحت أقدام النظام المايوي وبدأ ذلك الإهتزاز في أول أعوام الإنقلاب (الثورة) لحظة دفن الزعيم الأزهري في مقابر البكري بأم درمان ومخاطبة السيد محمد عثمان الميرغني لمئات الآلاف الذين شاركوا في تشييع الزعيم الراحل. ثم توالت الإهتزازات بعد أحداث ود نوباوي وإغتيال الإمام الهادي المهدي، ثم إنقلاب 19 يوليو 1971م وما تخلله وأعقبه من مذابح وإعدامات بدءاً من بيت الضيافة وإنتهاء بساحات الإعدام رمياً بالرصاص في الشجرة. وتكونت الجبهة الوطنية التي كانت تحالفاً لكل القوى السياسية وتزعمها الشريف حسين الهندي والتي قامت بأكثر من محاولة لأسقاط النظام وجرت عدة محاولات إنقلابية في الأعوام 1975م و 1976م وبعدها.. محاولات قادها المرحوم محمد نور سعد ثم المقدم حسن حسين وقد واجه كل منهما برفقة مجموعة من زملائه الموت بالرصاص .. وتحرك الطلاب في أغسطس عام 1973م أو ما عرف بـ(ثورة شعبان) التي إنطلقت أول ما إنطلقت من داخل المدرسة الأهلية بأم درمان إثر إعتقال أحد الطلاب داخل أحد المساجد بأم درمان وهو يحمل بعض المنشورات، وقد كان الطالب المعتقل آنذاك هو اللواء الحالي عبد القادر يوسف- وتحرك إتحاد الطلاب وبرزت رموز طلابية في مواجهة السلطة من بينها الهادي الشيخ والكارس وحسين خوجلي ومحمد عبد الله فرح وكاتب هذه المادة وآخرون..

وتحرك إتحاد طلاب جامعة الخرطوم الذي كان يرأسه وقتها الراحل ود المكي، وتحرك جموع الطلاب في كل مدارس السودان وسقط الشهداء، واعترف النظام بعد تلك الثورة الطلابية القوية بإتحادات الطلاب وبحرية العمل السياسي داخل الجامعات والمعاهد.. وظل النظام يواجه الضربات المستمرة برغم ما حققه من إنجازات تحسب له في مجالات البنيات التحتية وإنشاء الطرق وإقامة المعابر والجسور وإنشاء العديد من الطرق القومية ومصانع السكر والعديد من الصروح والمصانع والمنشآت القائمة حتى الآن .

لكن النظام المايوي خسر بعض دول الجوار في كثير من الأوقات لأسباب مختلفة وعديدة.. وعمل على أن يخلق مصالحة وطنية مع خصومه ففاوض السيد الصادق المهدي الذي إلتقى بالرئيس الأسبق نميري في بورتسودان.. ثم تمت المصالحة الوطنية في عام 1977م ووجد الإسلاميون أنفسهم يدخلون في منظمات النظام السياسي وتنظيمه الوحيد(الاتحاد الاشتراكي ) فعملوا على أن تقوى شوكتهم وأن يضعف النظام وقد نجحوا في إعلان الشريعة بالسودان ودعمها.

أما ورطة النظام الكبرى فقد كانت إتفاقه على ترحيل الفلاشا إلى إسرائيل من السودان عن طريق دولة ثالثة في العملية المعروفة داخل ملفات الموساد الاسرائيلي بـ(عملية موسى).. ثم جاءت ورطة النظام الكبرى الثانية فقد تمثلت في إعدام الأستاذ محمود محمد طه زعيم الجمهوريين، وكان العالم الغربي قد حدد موقفه تماماً من النظام بعد إعلان تطبيق الشريعة الإسلامية في سبتمبر 1983م.. ثم كانت بذرة التمرد الثانية قد بدأت في ذات العام إحتجاجاً على نكوص النميري ونظامه عن إتفاقية أديس أبابا التي وضعت حداً للحرب في البلاد بأن عاد النميري مرة أخرى إلى تقسيم الجنوب إلى ثلاثة أقاليم بعد أن كان إقليماً واحداً وفقاً لإتفاقية أديس أبابا.نظام الرئيس نميري الذي استمر لستة عشر عاماً ظل على الدوام كلاعب في السيرك يسير على الحبال يريد العبور بين مرتفعين خطيرين دون أن يسقط، لكن التخبط وعدم القدرة على إمساك عصا التوازن أديا إلى سقوط اللاعب- غير المحترف.

http://www.akhirlahza.net/News_view.aspx?id=19629
_________________

Post: #541
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 02:11 AM
Parent: #540


في الذكرى (23) لانتفاضة (رجب - أبريل) .. وزير الحكومة الانتقالية يكشف المثير(2-2)
أقل من 60% نسبة تحقيق شعارات الانتفاضة في عام الانتقال
أجـــراه: مـــــزمــل عــبـد الـغـفار

ثورة أبريل رجب الشعبية 1985 كانت علامة مضيئة ونقطة فاصلة في ملف السياسة السودانية وتاريخ الصراع السياسي.. ليس في ذلك الزمان فقط بل لما بعد ذلك فهي كانت التجربة الثانية بعد أكتوبر، وما بين أكتوبر وأبريل لغة مشتركة ومحور ارتكاز واحد هو الشعب.. لذا تبقى هناك تساؤلات مشروعة هي: هل هناك دروس مستفادة من هذا التحول الذي أنتجته الانتفاضات الشعبية؟ وهل جنى الشعب ثمار النضال السياسي.. ؟ فكثيرون من اليسار إلى اليمين إلى الوسط تبنوا الانتفاضة الشعبية التي اقتلعت نظام مايو، وكثيرون ادعوا قيادتها وبطولاتها.. ولكن يبقى السؤال قائماً: من صنع الانتفاضة؟! وهل استفدنا من الدرس؟! مساحة من الحوار والبوح والاستنطاق جمعتنا مع الوزير النافذ في الفترة الانتقالية أحد الناشطين في الانتفاضة د. أمين مكي مدني وزير الأشغال والإسكان الأسبق الذي نواصل معه الحوار حول الذكرى 23 للانتفاضة الشعبية، ولأن قضايا الأمس لا تنفصل عن قضايا اليوم حيث أنها امتداد لتلك الحقب.. تناقشنا حول جملة من الموضوعات بالساحة الآن وبدأنا هذه.. الحلقة بالسؤال:

يقولون إن محاكمات رموز مايو كانت مسرحية دعائية أكثر من كونها إدانة كاملة للنظام ورموزه، فلماذا فشل الحكم الانتقالي في محاكمة مايو؟

- هذه واحدة من العيوب الموجودة فينا.. وأنا أعتقد أن عملية المحاسبة والعقاب والمسائلة عندما ينتهي نظام سياسي ويحل مكانه نظام آخر غير موجودة في ثقافتنا، وأعتقد أن في ذلك عيباً كبيراً. فالمحاسبة والمساءلة هي عملية مهمة لأنك ما لم تصفِّ الماضي لن تستطيع أن تضع الرؤيا لمستقبل للأجيال.

مجلس وزراء الحكومة الانتقالية كان مظهره خلافياً ولا يوجد فيه انسجام بين الوزراء فهل هناك اختلال في التكوين بدايةً؟

- هذا المجلس أنتجه التجمع الوطني الذي كان يتكون من الأحزاب والنقابات. وجاء المجلس العسكري والذي فرض نفسه وأصبح بعد ذلك هو المشرف وهو المهيمن على تكوين الحكومة، ولكن في النهاية قبل المجلس بكل الترشيحات.

ميثاق الدفاع عن الديموقراطية مات لحظة أن ولد، كيف ترى هذا القول؟

- حقيقة لو رجعنا لردة فعل الشعب خلال الثلاثة انقلابات التي مرت بها البلاد نجد أنه لا شيء غير متوقع في قناعات الكل، لأن الانقلابات هي عادة ما تأتي كردود فعل لأخطاء الممارسة السياسية. فالناس يرون أن الممارسة السياسية لم ترضِ طموحاتهم. وبالتالي قوة دفع الميثاق تتأثر هنا وهناك بهذه الأجواء.

نرى أيضاً أن أول إضعاف للميثاق هو خروج الجبهة الإسلامية منه، وكذلك الصادق المهدي عندما كان في الحكم كان أول من أدار ظهره للميثاق إذاً ماذا كان قد تبقى للميثاق؟

- ميثاق الدفاع عن الديموقراطية يتضمن وعداً والتزاماً بحماية الطرح الديموقراطي إذا ما تعرّض لأي مخاطر. ولكن إذا كان الطرح الديموقراطي نفسه لم يرضِ الطموحات ولم يحقق الأماني فلماذا الدفاع عنه اذاً كانت هذه هي المشكلة الحقيقية التي واجهها الناس.

الصادق المهدي كان أكثر زعيم سياسي يستعجل نهاية عام الفترة الانتقالية لدرجة أنه عندما رأت بعض القوى السياسية مد الفترة لتكون خمس سنوات أعلن رفضه لذلك وقال بالحرف الواحد ولا خمس ساعات علماً بأنه كان هو وحزبه من ضمن منظومة القوى السياسية الأخرى فمن اين اذاً جاء حديثه في تلك المرحلة؟

- موقفه ذاك كان باعتباره زعيماً لأكبر حزب وكان المطروح ثلاث سنوات بدايةً ولكن مع الإصرار صارت عاماً واحداً وهناك اناس يرون ان العام نفسه مدة كبيرة.

وحقيقة ما تم في ابريل لم يأت بين يوم وليلة بل كان عملاً امتد لمدة عام بين القوى السياسية في الداخل والخارج. فكل هذه المجهودات تبلورت في يوم 5 ابريل والمؤسف ان الناس لم يلتقوا قبل يوم 5 ابريل. فالتجمع النقابي كان قد تكون مؤخراً ولكن للتاريخ والحقيقة نجد ان العمل السري الحزبي لمقاومة النظام وإنهائه بدأ قبل العمل النقابي والتجمع النقابي كجسم سياسي تكون عشية اغتيال محمود محمد طه والذي ضم حوالى 13 نقابة وكان ذلك في يوم 18 يناير 1985. فالتجمع النقابي على قصره في مقاومة النظام كعمل سياسي نجده هو الذي نفذ بأحكام عملية الإضراب السياسي التي شلت النظام تماماً.
ما هو تقييمكم للديموقراطية الثالثة عموماً؟

- حقيقة لا إنحاز بحكم إنني قد شاركت في الفترة الانتقالية التي مهدت للديموقراطية الثالثة ولكن عموماً أقول إن الديموقراطيات الثلاث التي مرت على السودان تقاعست لعدم وجود الاستراتيجيات والبرامج بالنسبة للأحزاب السياسية او بالنسبة للسلطة الحاكمة. ولكن هناك بعض الأشياء الإيجابية تحققت في عهود الديموقراطية مثل قضايا الحريات واستقلال القضاء. ولكن تظل الحقيقة قائمة إن الأنظمة العسكرية لم تحل مشاكل الناس في الديموقراطية كما أن في ظل الأنظمة الشمولية لا توجد حرية للتعبير بعكس النظم الديموقراطية.

في كل الديموقراطيات التي مرت بالبلاد نرى ان الشارع لم يقف معها لحظة انهيارها لماذا؟

- حقيقة جميع الديموقراطيات التي مرت على البلاد انتهت بانقلابات عسكرية وعندما حدثت هذه الانقلابات للأسف الشديد الشارع تنفس الصعداء نتيجة للإحباط وخيبة الأمل التي كان يلمسها في فترات ما يسمى بالتعددية الديموقراطية. فأداء الأحزاب في فترات الديموقراطيات الثلاث كان أداءً محبطاً إلى حد كبير. فالأحزاب التقليدية من إشكالياتها أنها قائمة على الولاءات القبلية والطائفية. وبالتالي فمسألة الديموقراطية داخل الأحزاب والبرنامج السياسي للحزب نجده معدومة إلا ما ندر. فإذا نظرنا للدول الديموقراطية نجد مؤتمراً سنوياً للحزب. وهذا المؤتمر السنوي يناقش فيه الحزب سواء كان في المعارضة او الحكومة برنامجه ونجاحاته وإخفاقاته وتطلعات المواطنين. وهذا ينتج عنه تغييرات سواء كان في الحزب حاكم او في المعارضة من هياكل سياسية وشكل حكم وما غير ذلك.

فالمؤتمر السنوي هو كشف حساب لأداء الحزب لمعرفة إلى أي مدى استطاع أن يحقق طموحات وأماني الجماهير المكونة لعضويته او جماهير الامة ككل وهذا بمثابة كتاب مفتوح. واليوم مشكلة المعارضة عندنا ما زالت موجودة والشارع لا يعجبه مستوى التحالفات ولا الانشقاقات داخل الاحزاب والمفاوضات الجارية بين المؤتمر الوطني وبعض الأحزاب على سبيل المثال يرى الناس ان هناك حديثاً حول شعارات كبيرة مثل المشاركة في السلطة ودارفور والقوات الدولية ولكن قضايا الخبز والمرض والتعليم والسكن والمواصلات لا يوجد نقاش حولها . فكل التحالفات السياسية هي مجرد عملية التفاف حول من حليف من؟ كأنما الحكم في حد ذاته غاية وليس وسيلة لتحقيق أحلام وتطلعات وأماني الجماهير وهذه مشكلة حقيقية.

هل ستظل بعيداً عن السياسة ام سنرى لك مشاركة قادمة؟

- حقيقة أنا ليس لي رغبة في الانضمام لأي حزب سياسي يميني او يساري او وسط.. ولا رغبة لي أيضاً في تولي اي منصب رسمي وإنما من زاوية مؤهلاتي واهتماماتي سأستمر في مسألة المناداة بمبدأ سيادة حكم القانون وحقوق الإنسان من خلال المحاماة والمنظمات المعنية بحقوق الإنسان السودانية والدولية والإقليمية.

ما تقييمك حتى الآن لمسار اتفاق نيفاشا على صعيد ما هو مكتوب وما ترجم من واقع عملي؟

- بلا شك الوضع مقلق للغاية فالأسس التي قامت عليها الاتفاقية وبنى عليها الدستور تظل حبراً على ورق وحتى المؤتمر الوطني تحديداً لا يرغب في ترك الساحة وسيطرته عليها فيما تبقى من وقت وهذا يعني خرق الاتفاقية والدستور اللذين أملنا فيهما خيراً. فلو لم يتم تطبيق المبادئ الواردة في الدستور والاتفاقية حتى فترة الانتخابات وإذا استمر الوضع في دارفور على ما هو عليه اعتقد أن القضية القادمة لن تكون هي مستقبل من سيحكم السودان إنما ماذا تبقى من السودان؟.

إذن كيف تنظر لخيار الوحدة الجاذبة؟

أعتقد أن هناك أزمة حادة وأنه من مصلحة المؤتمر الوطني ومصلحتنا جميعاً الإسراع في اتخاذ كل الخطوات الممكنة واللازمة في إطار الاتفاقية والدستور حتى نخرج بسودان معافى. فالمؤتمر الوطني أصبح رقماً في الساحة السياسية لا يمكن الاستهانة به وبالتالي من باب أولى أن يحرص على أن يظل رقم وأن يشارك الآخرين ايضاً من منطلق المواطنة وأن نأخذ في الاعتبار معالجة المسائل الأساسية.

شخصيات سياسية ماذا تقول عنها؟

الصادق المهدي:

- احترم في الصادق المهدي فقهه الواسع وثقافته واعتقد أنه من الرموز السياسية الحقيقية المؤهلة للحكم.

محمد إبراهيم نقد:

- محمد إبراهيم نقد يطرح برامجه ورؤاه ببساطة شديدة وبوضوح وصراحة وهو لا يتردد..

الراحل جون قرنق:

- أزمة حقيقية بالنسبة للبلاد فقد د. جون قرنق حيث فقدناه في الوقت الخطأ.

محمد عثمان الميرغني:

- احترم علي محمود حسنين واعتقد انه مناضل نقي. والسيد محمد عثمان الميرغني يملك الفرصة للعب دور سياسي وحقيقي كزعيم ولكنه يهدر هذه الفرصة بغيابه وتردده في الحضور للسودان وهو بلا شك يحتل مكانة لها أثر كبير.

د. حسن الترابي:

- د. الترابي أستاذي أجله واحترم فكره ولكن له دور كبير في النظام الحاكم رغم خلافي معه فهو لم يعتذر حتى الآن للشعب السوداني.

انتهاج الحزب الشيوعي لمبدأ السرية هل تعتقد انها ما زالت مطلوبة؟

- السرية في الحزب الشيوعي من الأسئلة المطروحة في الساحة داخل الحزب الشيوعي الآن وهو في مؤتمره الخامس من المؤكد سيناقش هذه المسائل.

إذا ما تحدثنا بالنسب المئوية كم حققتم كحكومة انتقالية وترجمتم شعارات الانتفاضة؟

- أقل من 60% لأن الشارع كانت من أبرز مناداته السلام والوحدة الوطنية والقوانين والسياسات الخارجية القومية.

هل أنت شيوعي؟

- لا على الإطلاق ولم انضم في أي يوم من الأيام للحزب الشيوعي بل كنت في الجبهة الديموقراطية غير أنني أبعد ما أكون عن اليمين.

http://www.akhirlahza.net/News_view.aspx?id=19808

Post: #542
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 02:13 AM
Parent: #541


شيخ الهدية..نهاية رحلة وبداية مرحلة
الخرطوم:درة قمبو

فى موكب مهيب كساه الحزن شيع عشرات الآلاف نهار أمس الرجل صاحب أطول سجل فى قيادة جماعية فكرية وسياسية فى السودان الشيخ محمد هاشم الهدية,الرئ

يس السابق لجماعة أنصار السنة المحمدية الموصوفة بالتنظيم السلفى الأوسع قاعدة ونفوذاً فى البلاد.
والرجل ذو اللحية البيضاء الكثة يعد أيضا" الوحيد الذى رأس الجماعة على مدى قرابة النصف قرن حتى تاريخ عزله من قيادتها أواخر يوليو الماضى فى مؤتمر عام إستثنائى نصب بنهايته نائبه السابق أبو زيد محمد حمزة زعيما" جديدا" بعد سلسلة خلافات عصفت بالجماعة ودقت بين الراحل وخلفه إسفينا",بدأت فى العام 2000م عندما سربت وثيقة شراكة سياسية وقعها أعضاء بارزون فى التنظيم مع حزب المؤتمر الوطنى فى نهاية العام السابق للكشف عنها ،ما أعتبره نائب رئيس الجماعة حينها أبوزيد محمد حمزة نتاجا" لغياب الشورى والمؤسسية .
ويقول موقع إلكترونى يخص جماعة أنصار السنة بالبلاد إن الرجل ولد فى العام 1912م لكنه حسب رأيه وفقاً " لمقربين منه فى حياته يعتقد أنه ولد قبلها بعامين خلافاً" لما أعلمته به جدته التى أرخت لمولده بـ(السنة التى وصل فيها القطار مدينة الأبيض أول مرة) ,وهو الرئيس السادس منذ الإعتراف بها رسميا" قبل الإستقلال بنحو ثمانى سنوات,إذا تجاوزنا راعيها الأول الشيخ أحمد حسونة.
وعلى الرغم من الطبيعة الصارمة للجماعات الإسلامية فى مختلف بقاع العالم ,فإن جماعة أنصار السنة السودانية تبدو أكثر مرونة من مثيلاتها فى العالم الثالث ,وهو ما جعل إحدى الجماعات السلفية المتشددة فى الجزائر تضع الرجل على لائحة ( المغضوب عليهم) ضمن قائمة ضمت شخصيات إسلامية مختلفة التوجهات والمناهج الفكرية منها د.حسن الترابى وأسامة بن لادن وخالد مشعل والشيخ عبد المجيد الزندانى وعمرو خالد,كماأشتهر بالطرفة وحضور البديهة واللماحية,وعرف عنه ولعه بالأمثال الشعبية وبساطته وتلقائيته المفرطة,وشارك أيضا" مع المتصوفة فى مناشطهم لدرجة بناء نحو ستة عشر مسجدا" لصالحها وهو ما يفسر وجودهم لدى تشييعه الى جانب الرسميين ومختلف الجماعات السلفية المنشقة عن جماعة أنصار السنة.
وفور تناقل نبأ وفاة الشيخ الهدية صباح أمس بعد خروجه من العناية المكثفة بيومين إلى منزل إبنته الوحيدة التى يعيش معها منذ سنوات , حيث شيع منه وصلى عليه فى مسجد الملك فيصل الشهير بشارع العرضة وهو المكان الذى أعتاد إمامة المصلين فيه وعقد حلقة درسه غير الراتب ,خف إلى البيت الكائن بحى المهندسين بأم درمان العشرات فيما توجه المئات الى مقابر البكرى بأمدرمان يتقدمهم خصمه الجديد رفيق الأمس أبو زيد محمد حمزة ورجالات الطرق الصوفية الذين كان الراحل يواددهم على الرغم من الخلاف القطعى بين الطرفين وآراء السلفيين الحادة فيهم ,لدرجة أن المتصوفة كانوا سببا" لأول محاولة لعزل الشيخ الهدية من زعامة الجماعة فى نهاية الستينيات عندما شهدوا زواج إبنه الأكبر عبدالقادر وأطلقوا العنان لحناجرهم بالمديح النبوى الذى يلازم جلساتهم ويكدر صفو السلفيين لولا تدخل نائبه حينها مصطفى الناجى وإثنائهم عن تبليغه قرار القيادات العليا تنحيته,ثم إعتذاره هو بأنه لا دخل له بما حدث بحكم أن إبنه المتصوف صاحب القرار فى دعوة رفقائه لزواجه,لكن على ما يبدو أن أتباع الهدية المتشددين لم ينسوا له أنه بدأ حياته صوفيا" ملتزما" الحزب الوطنى الإتحادى وجناحه الدينى الطريقة الختميه ثم أنتقل منها الى نظيرتها الطريقة العزمية قبل تفرغه طواعية للفكر السلفى كما أن الجماعة كان لها سابقة عزلت فيها مؤسسها والأب الروحى لها أحمد حسونه لمجرد قراءته القرآن الكريم بقبة المهدى وأبعدت سلفه بسبب تغليبه مساندة حزب الأمة فى البرلمان فى العام 1956م.
و الشيخ الهدية المولود بمدينة رفاعة حاضنة الشخصيات المثيرة للجدل مثل زعيم الجمهوريين المهندس محمود محمد طه ,أب لتسعة أبناء ذكور وإبنه واحدة إنتقل للعيش معها عقب وفاة زوجها تاركا" منزله الأصلى بحى المسالمة الأمدرمانى القديم ,وينتظم بعض أولاده فى صفوف الجماعة بينما فضل آخرين منهم التصوف أو إعتزال التنظيمات السياسية والجماعات الدينية.
وأعتلى الهدية سدة قيادة الجماعة التى أنتمى لصفوفها نهايات الأربعينيات على يد مدرسه لعلم التجويد الشيخ عبد الباقى يوسف النعمة, وواصل القائد الجديد عمله كموظف بالبريد والبرق المعروفة بالبوستة لكنه تعرض لمحاولة إقصاء ثانية فى بداية التسعينيات عندما أختلف مع مقربيه الذين كان يبسط عليهم حمايته من عضوية الأمانة العامة للتنظيم,حيث شرعوا فى خطوات حثيثة لعزله وصلت حد جمع تواقيع أربعين من القيادات النافذة فى التنظيم السلفى, لولا تحركه السريع ومساندة نائبه وقتها أبوزيد محمد حمزة, ومن حينها بدا الرجل قابضا" بيد من حديد على مقاليد الأمور فى الجماعة,غير أن نائبه ورفيق الصعاب الذى لازمه منذ عودته من مصر وإلتزامه صفوف الجماعة فى العام 1961م , أطاح برئيسه على نحو حاسم فى يوليو الماضى بعد نزاعات داخلية حادة بدأت قبل عامين وشهدت صفحات الصحف قدرا" ليس باليسير منها,لكن أقساها كان تحذير رئيس الجماعة لنائبه المتمرد على قرار فصله عبر إعلان مدفوع القيمة من التحدث بإسم الجماعة,كما خاض الفريقان معارك قانونية بمدن الأبيض والدلنج وكادوقلى حول الأحقية فى مقار ومؤسسات تابعة للتنظيم إنتهت لصالح جماعة أبوزيد.
ويؤرخ كثير من المنتمين للجماعة لبداية الخلاف الأخير بوثيقة الأتفاق السياسى التى وقعها بتكتم ودون علم بقية رموز الصف الأول لأنصار السنة ثلاثة من قادة الأمانة العامة الجديدة وهم يوسف الكودة وأبوزيد مصطفى الوزير الحالى ود. محمد الحسن عبد الرحمن مع قيادات المؤتمر الوطنى د.غازى صلاح الدين والراحل حاج نور وفتحى خليل فى العام 1999م والتى أميط اللثام عنها بعد عام ,حيث أعتبرتها قيادات بالجماعة مفاجأة غير سارة وتآمر من الأمانة العامة الجديدة بهدف المشاركة فى الحكم ووضع الجماعة أمام الأمر الواقع,غير أن القيادة أمتصت صدمة قرار الحكومة السابق للإتفاق غير المعلن بأربعة أعوام بتعيين عضو الجماعة عبد الله التهامى محافظا" لمنطقة الكاملين وأقرت المشاركة فى الحكومة ولكن بصفة الأشخاص الذاتية وليس بإسم التنظيم الذى كان ينظر للحكومة بعين الريبة منذ الهجوم الدامى على مسجد الجماعة الأول فى العام 1994م ,قبل تحوله للحوار الموسع بمبادرة من الرئيس عمر البشير بلقاء مفاجئ مع مجلس شورى الجماعة وقيادة المؤتمر الوطنى ألقى فيه كل طرف بتحفظاته على الآخر ونفث كليهما ما فى صدره ليتلوه نهاية الإحتقان غير معلوم الأسباب بين الطرفين.
لكن الإتفاق السياسى حقق نتائج عكسية فى صفوف الجماعة كانت قطعا" أكبر من صفحاته الخمس التى أسست لتفرق الجماعة ومضت بخلافات الرئيس ونائبه مدى" بعيدا" أخذ بعده الشخصى لاحقا" لدرجة تجميد الهدية لنشاط أبوزيد الذى لم يأبه للقرار ثم فصله نهائيا" فى 2005م لتتلاحق الوساطات من قيادات الجماعة فى الداخل ورعاتها ومسانديها فى الخارج دون جدوى,فيما كانت فيه جهود المتحمسين للشراكة فى الحكم ومساعيهم أثمرت ترشح بعضهم بإسم المؤتمر الوطنى حسب نص بعض بنود الإتفاق القائل بـ(النظر فى كيفية تمثيل قيادة الجماعة فى أجهزة المؤتمر الوطنى ومناصب الدولة والتنسيق فى كيفية الترشح للأنتخابات المقررة وقتها فى العام2000م) وفوز أبرزهم أمين العلاقات الخارجية للجماعة يوسف الكودة بالتزكية فى دائرة الكلاكلة ومن ثم إنخراطهم فى جهاز الدولة التنفيذى والتشريعى على أشلاء الجماعة التى وصلت حمى الصراع فيها نقطة اللا عودة.
ومع كثرة الوسطاء ظهرت قيادة المؤتمر الوطنى وسيطا" بين الرجلين فى محاولة لتوحيد الجماعة لا تخفى فيها مكاسب الوطنى إذ يدرك الجميع أنه يستفيد من حصد تأييد الجماعة مجتمعة أكثر من إنقسامها بالنظر لتنامى قوتها السياسية وسط طلاب الجامعات وهو ما أتضح بجلاء فى انتخابات جامعة الخرطوم 2003 عندما حازت الترتيب الثانى فى تصويت الناخبين من الطلاب,لكن لم يكن ثمة ما يمكن إنقاذه بين الفريقين.
وبوفاة الشيخ الهدية الرجل الموصوف بسودانيته القحة وحبه الشديد للمتصوفة وكرمه البائن تنفتح صفحة جديدة من عمر التنظيم السلفى ,ويرى الصحفى المهتم والمتابع لشؤون الجماعة مكى المغربى أن التنظيم يتجه لمرحله صعبة سيما وأن أبوزيد سيتحول الى رئيس لها وليس داعية ما عرف وسط القواعد,فيما يبقى الفريق الآخر على نائب الهدية الجديد غير المشهور ميرغنى عمر أو تسمية نجم القيادات المتحالفة مع الحكومة محمد أبوزيد مصطفى قائدا" للمجموعة مع إحتمال توحد التنظيم مجددا" خصوصا" أنها رغبة حقيقية لعدد من الأعضاء وأيلولة الرئاسة لأبي زيد وترك الأمانة العامة للمجموعة الأخرى لكن يستبعد مكى المغربى فى حديثه الهاتفى معى عشية أمس الوحدة بالنظر لصرامة القيادات التاريخية والشباب تجاه عودة الرجل للقيادة بإعتباره حسب رأيها خارجا" على التنظيم ولم يسبق للجماعة مراجعة نفسها فى شأن شخص فصلته من صفوفها,غير أن آمالا" عراضا تحدو البعض بإحتمال أن تفتح وفاة الرجل الباب أمام الخصوم لمراجعة أنفسهم ..فالليالى أبدا" حبالى يلدن كل جديد.

http://www.alahdathonline.com/Ar/ViewContent/tabid/76/C...tID/603/Default.aspx
_________________

Post: #543
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 02:14 AM
Parent: #542


غلام الله بن عايد وآثاره في السودان
د. أحمد إبراهيم أبوشوك

أهدى لي الأخ الصديق الدكتور سمير محمد عبيد نقد، الذي يعمل حالياً بجامعة البحرين، نسخة من كتابه الموسوم بـ "غلام بن عايد وآثاره في السودان"، ووصلتني هذه الهدية القيَّمة عبر الدكتور الأمين حسن العبد الذي كان أميناً على حملها من الخرطوم إلى كوالالمبور عشية حلول شهر رمضان المبارك، فله مني الشكر أجزله، وللأخ سمير التحية والتجلة عبر هذه المراجعة المتواضعة لسفره القيم، الذي يتكون من اثنتين وأربعين ومائة صفحة من الحجم المتوسط، مُقسمة إلى ثلاثة فصول رئيسة، تتصدرها كلمة شكر، ومقدمة، وتمهيد، وتتذيلها خاتمة، وثبت مصادر ومراجع، وفهرس محتويات. وزُينت خلفية غلافها الخارجي بشعار دار عزة للنشر والتوزيع بالخرطوم، وتاريخ نشرها عام 2007م. أما من حيث الموضوع فقد أسس الدكتور سمير مفردات دراسته على فرضيَّة مفادها أن للشيخ غلام بن عايد وأحفاده الركابية في السودان دور عظيم في تثقيف العقول، والتواصل مع أهل السودان رحماً ومودةً، إلا أن هذا الدور لم يكن واضحاً في الإذهان، ويكتنفه شيء من الغموض، وتقدح في صدقيته بعض الروايات السماعية المتعارضة مع بعضها بعضاً. وانطلاقاً من هذه الفرضيَّة فقد حاول الدكتور سمير أن يعيد قراءة الروايات المتداولة حول سيرة هذا العلم اليماني في السودان، وذلك ابتداءً بمسقط رأسه في مدينة اللُحيَّة بجنوب اليمن، حيث أجرى الدكتور سمير عدداً من المقابلات الشخصية مع رهط من رواة التراث الشعبي، ووقف على بعض المصادر الأولية والمراجع الثانوية التي أعانته في توثيق الفصل الأول، الذي ارتكزت محصلته على "بلاد غلام بن عايد وأهلها" الذين كانوا يقطنون زيلع والحُليلة واللُحيَّة، وأصول أسرة المترجم له التي ترفع نسبها إلى أحمد بن عمر الزيلعي. وفي الفصل الثاني عرض المؤلف نسب غلام الله بن عايد، وأسباب خروجه من اللُحيَّة واختياره السودان، وإقامته بدنقلا، وآثاره العلمية التي تبلورت في عطاء عدد من تلاميذه النجباء، وفي مقدمتهم الشيخ محمد سوار الدهب بن عيسى. وفي الفصل الأخير تحدث الكاتب عن نسل الشيخ غلام الله بن عايد الذين اشتهروا لاحقاً بالسادة الركابية، وطبيعة علائقهم بمن جاورهم من البديرية والشايقية. وفي هذه المراجعة لا أود الالتزام بتقاليد المراجعات الأكاديمية المألوفة مراعاة لاختلاف أذواق القُرَّاء، ومن ثم أحاول جاهداً أن أحلل بعض النتائج التي توصل إليها الدكتور سمير، وذلك في إطار الموروثات الأدبية الموجودة في السودان، والآثار المتعددة التي خلَّفها السادة الركابية باعتبارهم نموذجاً من نماذج التمازج الثقافي والاجتماعي والفكري في السودان.
غلام الله بن عايد في مخطوط البدوي محمد نافع
يوجد أصل هذا المخطوط بدار الوثائق القومية بالخرطوم تحت الرقم: منوعات، 1/18/208، ويبدو أن الدكتور سمير محمد عبيد لم يطلع عليه، لذا فقد اكتفى بذكر الآثار العامة لغلام الله بن عايد وأحفاده في المصادر التي استشارها، دون أن يتتبع تفصيلاً طبيعة توزيعهم الديمغرافي، وآثارهم الثقافية والاجتماعية التي تركوها في السودان. وآمل أن تتاج الفرصة للأخ سمير ليقف عند هذا المخطوط القيم، ويوسِّع دائرة بحثه المنداحة في كل بقاع السودان، لأن قطرها الجامع بين عدد من المدن والضواحي يعطى صورة حيَّة لتواصل الركابية الثقافي والاجتماعي مع مَنْ تناسلوا معهم نسباً، أو نهلوا من فيض علمهم الدافق. أما عن أهلية المخطوط فيقول البدوي محمد نافع ، إنه قد نسخه عام 1953م، وذلك بعد أن جمع مادته من صدور حفاظ التراث الشعبي، ومن مخطوط ورثه عن والده نافع بن الأمين، وآخر وجده في حوزة السيد عيسى سوار الدهب وبخط محمد زين الجابرابي الذي كان يقيم بنواحي البواليد نسري بريفي ود حامد. فلا غرو أن هذه الخلفية تكسب المخطوط قدراً من التوثيق، وزد على ذلك أن معظم المعلومات الواردة بين دفتيه قد تطابقت مع بعض النتائج التي توصل إليها الدكتور سمير، ونذكر على سبيل الاستشهاد هجرة غلام الله بن عايد إلى دنقلا في القرن التاسع للميلاد، وذلك بخلاف ما تواضعت عليه الروايات الآخرى التي أرجعتها إلى القرن العاشر للميلاد، علاوة على أن هذه الهجرة لم تكن من الحُليلة، أو زيلع، أو الحجاز، كما زعمت بعض الروايات الشفوية والمكتوبة، بل إنها انطلقت من مدينة اللُحيَّة التي يصفها الدكتور سمير بأنها "ميناء صغير على البحر الأحمر، عند مصب وادي مور شمال الحُديدة، وكان أهلها يعتمدون على صيد السمك، واللؤلؤ، والتجارة البحرية مع موانئ البحر الأحمر والبصرة والهند، والحياة الشعبية فيها وفيما حولها من تهامة تُشبه الحياة الشعبية في السودان إلى حد كبير." (سمير، ص 127). وذهب الدكتور سمير أبعد من ذلك، حيث قدم مقاربة نصيَّة جيدة الصِنْعَة بشأن الروايات المتداولة في الأدبيات السودانية عن نسب الشيخ غلام الله بن عايد وصلته بعمر الزيلعي. وبعد غربلة هذه الروايات ومضاهاتها بكتب التراث اليمنية ومنطق الأحداث التاريخية، توصل الباحث إلى نتيجة تقضي بأن الروايات النسبية كافة كانت مضطربة من حيث التسلسل، ولم تفلح في إثبات صحة نسب غلام الله بن عايد إلى عمر الزيلعي بصورة مقنعة، ومن ثم نجده يرجح الرأي بأن الركابية ينتسبون إلى جهينة، إلا أنه لم يقدم سلسلة مفصلة تربط أصولهم بأي فرع من فروع جهينة. وهذه الملاحظة لا تقدح في قيمة التحليل النصي الرائع الذي اتبعه في إثبات اضطراب الروايات المحلية الخاصة بنسب السادة الركابية، لكنها تعكس ضمور تحليل النص تحليلاً أثنوغرافياً، يقوم على تفكيك دقائق البيئات المحلية التي كانت تحكم حركة التواصل الاجتماعي في السودان، وانعكاسات ذلك على ماهية النص الوظيفية وفاعلية تداوله بين الناس. لكننا نجد العذر للمؤلف، لأنه انطلق من فرضيَّةلم تضع التحليل الاثنوغرافي في سلم أولياتها البحثية، بل عمدت إلى صحة إثبات النص ودرجة تطابقه مع الواقع، وهنا يبرز عطاء المؤلف وإسهامه العلمي.
الركابية وريادة العلم الديني في السودان
استقى الدكتور سمير جل معلوماته المرتبطة باسهامات الركابية العلمية في السودان من طبقات ود ضيف الله التي تؤكد أن الشيخ إبراهيم البولاد بن جابر "هو أول من درَّس خليل ببلاد الفونج، وشد إليه الرحال ، ومدرسته في خليل سبع ختمات، وعلَّم فيها أربعين إنساناً." وخلفه على سجادة أولاد جابر أخوه عبد الرحمن الذي جلس "للتدريس والفقه وساير الفنون، ... وانتفع به الناس، وبلغت ختماته في خليل أربعين ختمة. وكان له ثلاثة مساجد، موزعة بين الدفار، ودار الشايقية، وأمري الزورات (تذكر بعض المراجع كورتي بدلاً عن الزورات). ويبدو أن الشيخ إبراهيم البولاد قد حط الرحال أولاً بمملكة الدفار، وتحت رعاية ملكها مسوا الكبير، وفي هذا يقول البدوي محمد نافع:
ـ إن إبراهيم البولاد بن جابر قد وضع "مسجداً بقرية ملك الدفار قصاد قنتي شرقاً، وعند بناية المسجد وضع خمسة أعمدة حذواً بقواعد الإسلام، ولا تزال آثار المسجد موجودة بالدفار على مآثر مملكة البديرية، وصار ملوك الشايقية يحضرون لاستماع الدروس والإرشادات التي كانت توجَّه إليهم من داخل المسجد.
وتقودنا هذه الرواية إلى القول بأن بشارة الغرباوي جد الإسماعيلية في كردفان ودبة الفقراء قد درس بمنطقة الدفار، وذلك بخلاف ما ذهب إليه ود ضيف الله وأحمد الأزهري مؤلف مخطوط الاقتباس بأن الغرباوي قد درس في جزيرة ترنج في منطقة الزورات، لأن البون شاسع بين ترنج وموطن الشيخ بشارة الغرباوي بمنصوركتي، ويبدو أن الرواة قد خلطوا بين فترتين في حياة أولاد الجابر، الأول ترتبط بإقامتهم بمنطقة الدفار، والثانية تتمثل في رحلتهم الأخيرة إلى جزيرة ترنج حيث توجد مقابرهم، ومقبرة حوارهم المطيع حمد العجمي بن الملك مسوا الدفاري الذي أرتبط بهم روحياً، وآثر البقاء معهم في جزيرة ترنج إلى أن توفاه الله.
أما آثارهم العلمية، كما يعرضها البدوي محمد نافع ويوافقه الرأي الدكتور سمير، فلم تكن حكراً لمنطقة الدفار ونواحي الشايقية، بل انداحت اتساعاً مع ريح طلابهم الذين بلغ أربعون منهم مقام القطبانية، حسب ود ضيف الله، ونذكر منهم الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ النويري المدفون بأربجي، والشيخ عبد الله بن دفع الله العركي، ويعقوب بانقا الضرير جد اليعقوباب، والشيخ الحاج اللقاني، والشيخ عيسى سوار الدهب بتنقسى، والشيخ إبراهيم ود أم رابعة بحجر العسل، والشيخ ود الكرسنى بالبركل، والشيخ حمدتو بنوري، والشيخ عبد الله الأغبش ببربر، والشيخ صغيرون بالفجيجة. وبذلك استطاع أحفاد غلام الله بن عايد أن يضعوا اساس التعليم الديني في السودان، ويسهموا في تأسيس عدد من مراكز العلم المختلفة (خلاوى ومساجد) التي أضحت تقوم بأدوار متعددة الأغراض في مجتمع الدولة السنارية، ثم تدريجياً كوَّنوا اللبنة الأولى لطائفة العلماء التي احتلت مراكز اجتماعية مرموقة في حياة المجتمع السناري، حيث أضحى أقطابها مراجعاً للشورى، والفتوى، والشفاعات في بلاط أهل السلطة ومواطن نفوذهم الديني والاجتماعي.
الركابية من ريادة العلم إلى التمازج القومي
لا عجب أن ريادة العلم والنفوذ الديني قد مهدتا الطريق لأحفاد غلام الله بن عايد أن يتزاوجوا مع الأهلين، دون أن يرتكنوا لحاجز نسبيٍ يمنعهم من التصاهر مع مريديهم ومضيفيهم في كل بقاع السودان. ويبدو أن مثل هذا التواصل قد بدأ منذ فترة مبكرة، يرجع تاريخها إلى زواج الشيخة العالمة فاطمة بنت جابر من سرحان بن عمران المرفوع نسبه إلى السلطان حسن كردم، وتبلورت حصيلة هذا الزواج المبارك في ميلاد الشيخ محمد صغيرون العودي الذي كان بحراً في علوم القرآن والفقه. ويقال أنه هاجر من جزيرة ترنج منطقة أمري الزورات إلى قوز المطرق (أو الفجيجة) جنوب شندي، نتيجة لخلاف نشب بينه وبين أولاد خاله الشيخ إسماعيل بن جابر في جزيرة ترنج. وبعد أن حط رحاله بدار الجعليين أقطعه السلطان بادي أبوشلوخ أرضاً في الفجيجة لتأسيس داره، وخلوته، ومسجد تقام فيها الصلوات الجامعة. وبفضل هذه الهجرة تواصل أحفاد غلام الله فكرياً واجتماعياً مع الجعليين في منطقة شندي وما حولها، وأضحى قوز المطرق يُعرف بقوز العلم، الذي تحول إلى منارة من منارات تحفيظ القرآن وتدريس الفقه المالكي في منظقة الجعليين والمناطق المجاورة لها. وأمتد أيضاً تواصل أحفاد غلام الله الفكري والاجتماعي إلى كردفان ودارفور، وذلك بعد هجرة الشيخ عبد الهادي بن دوليب من موطنه بدبة الفقراء إلى جبل الحرازة بشمال كردفان جهة حمرة الوز، حيث استقر فترة من الزمن، تزاوج فيها اجتماعياً مع أهل جبل الحرازة، واستمر في تعاليم القرآن إلى أن توفاه الله. وبعد وفاته انتقل ابنه ياسين إلى خورسي التي صارت عاصمة للدوليب، واشتهر اسمها بين طلاب العلم في كردفان ودارفور. ودواليب خورسي هم أحفاد محمد الضرير الملقب بدوليب نسي في منطقة الدبة، والذي كان الناس يتبركون بفضله، ويقولون في التمني: "اللهم ارزقنا عبادة دوليب نسي، وكرامات حبيب نسي، وعلم ود عيسى". وفي رفاعة يوجد نفر من ذرية الشيخ حسن ود بليل الذين ساروا على نهج أجدادهم الركابية في حمل لواء العلم والتواصل الاجتماعي مع مضيفهم، ونذكر منهم أسرة السيد لطفي، والسيد الطيب الجزولي (الشهير بأفندي)، والسيد عبد الرحيم محمد قيلي، والسيد محمد طه والد الأستاذ محمود محمد طه.
فلا شك أن الحديث يطول حول تحديد معالم شبكة العلاقات الاجتماعية والثقافية التي أسسها السادة الركابية في السودان، لكن أكتفي بهذا القدر الذي ربما يعين القارئ الكريم في التثبت من صحة الفرضيَّة التي ذهب إليها الدكتور سمير محمد عبيد عندما اختار لدراسته عنوان: "غلام بن عايد وآثاره في السودان"، فالكتاب حقاً جدير بالاطلاع والمدارسة، لأنه يحمل بين ثناياه معلومات قيِّمة عن نسب غلام الله بن عايد، وحركة التعليم الديني التي وضع لبناتها أحفاده في السودان، واتمنى أن يجد الدكتور سمير الفرصة ليقف على بعض المخطوطات المودعة بدار الوثائق القومية بالخرطوم، والتي حتماً ستعينه في توسيع مدارك دراسته القيِّمة، وتمكنه من إضافة بُعد آخر لسيرة الركابية في السودان، يقوم على مقاربة تحلل تواصلهم الاجتماعي مع قبائل السودان المختلفة، وانعاكسات ذلك على صون التمازج القومي، وكيفية توظيفه تجاه وحدة جاذبة في السودان.



http://www.alahdathonline.com/Ar/ViewContent/tabid/76/C...tID/590/Default.aspx
_____

Post: #544
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 03:38 AM
Parent: #1


مانديلا والمهدي.. قواسم غير مشتركة! (1)
فتحي الضــو
يُمكن القول إن أسوأ مؤسسة عقابية إبتدعها الإنسان (لحيّونة) أخيه الإنسان هي السجن، رغم إدعاءات الذين يُصِرّون على أنها مؤسسة إصلاحية، تهدف إلى (أنسّنة)

المجتمع بفصل أخياره عن أشراره. وحتى إن أسلمنا جدلاً بهذه الرسالة المثالية، فقد لا يجد المرء مسوغاً يبرر وجود سياسيين في أقبية السجون، لكن ذلك ممّا لا يعُوزه حُواة الحكم وهُواة السياسة في النظم الفاشستية، فهم حينما يزمعون التنكيل بخصومهم المعارضين يزجّون بهم في المعتقلات، وكلما سألهم الناس إلحافاً عن تسريحهم بإحسانٍ أو محاكمتهم بعدلٍ، تزرّعوا بعدم إكتمال التحريات! ولربما من أجل هذا قيل أن السجن يمتحن أقدار الرجال! رغم أنه تعبير معلول من وجهة نظرنا، لأنه يُحرّض السجين على الصبر، عوضاً عن المثابرة في مناهضة السلطة الغاشمة التي رمت به خلف القضبان، ولربما هذا هو الذي إستفزّ المتنبىّ تحديداً، حينما حثّ سجناء الضمير مثل (أصحابنا الحاليين)، بتجنب عار (الميتة أم رماداً شح) إن لم يكن ثمة بداً منها! لكن قيل أنه شاعر مجنون لم يجد غاوٍ يتبعه في هذا الوطن العريض، سوى شيخ سبعيني أسمه محمود محمد طه، نحره خفافيش الظلام - قبل عقدين أو يزيد - في لحظة غفأت فيها عين التاريخ، والمفارقة أن ثلاثية أسمه المنسوبة أصلاً لأسماء النبوة لم تشفع له يومذاك في تهمة الردة التي حوكم بها!من خلف الحدود كان هناك غاوٍ آخر، شديد الولاء لجدلية الموت والحياة صمد في سجنه حتى تململت عظام أبي الطيب في قبره، أسماه والده (روليهلاهلا)، والذي يعني بلغة الهوسا (قلاّع غصن الشجرة) أو (مسبب المتاعب) في تفسير آخر، (لعله أصبح كذلك فيما بعد)، إلا أنه إشتهر بإسم نيلسون مانديلا، الزعيم الذي ملأت سيرته الدنيا وشغل الناس، بجدلٍ لن ينتهي حتى لو رحل للدار الباقية، ذلك لأنه ببساطة - تشبه بساطة قمصانه التي درج على ارتدائها - سخرّ حياته في الدعوة لمجتمع أفلاطوني يتسع تنوعه لشعبه وجلاديهم معاً، وناضل من أجل تكريس قيم الحرية والمساواة والعدالة الإجتماعية والديمقراطية الليبرالية واحترام حقوق الإنسان، وجراء ذلك اقتطع من عمره ما يناهز الثلاثة عقود زمنية في السجون، بصمود أسطوري منح رفاقه القدرة على مواصلة المشوار، إلى أن تحقق الحلم الذي ظنه الكثيرون مستحيلاً، وأجبروا أعتى الأنظمة العنصرية في التاريخ البشري إلى التسليم والإمتثال لإرادة شعبهم بعد ثلاثة قرون من حكم القهر والظلم والطغيان!
أصبح مانديلا رمزاً عالمياً ومثالاً مُلهِماً للبشرية، وكان قد منح جائزة نوبل للسلام مناصفة مع الرئيس الأسبق فردريك دكليرك،، وفي أغسطس الماضي أُزيح الستار عن تمثاله الضخم في ميدان البرلمان الكائن في قلب لندن، إلى جانب أبراهام لنكولن وأوليفر كرومويل وونستون تشرشل، وما زال يواصل إسهاماته الهادفة إلى توطين القيم التي ناضل من أجلها في بلاده، وإمتدت هذه المساهمات إلى خارج الحدود، تحاول إطفاء الكثير من نيران النزاعات المسلحة وبؤر التوتر، وفي هذا الإطار لا يخالجني أدنى شك أن الكثير من تعساء العالم منّوا النفس بطلّته علّها تتساقط عليهم رطباً سياسياً!
الغريب أنه رغم هذا الصيت الذي يحيط بسيرة الرجل، لكن يبدو أن هناك من لا يرغب في إستلهامه حتى ولو على الورق، فبينما كنت أقرأ للمرة الثالثة في كتاب السيرة الذاتية لهذا الزعيم التاريخي، إلتقطت عينيّ مذكرة رفعها السيد مبارك الفاضل من معتقله بسجن كوبر، بواسطة مديره صلاح عبدالله للمستشار ياسر أحمد محمد رئيس اللجنة المكلفة من وزير العدل بالتحقيق معه، وعلى النسق نفسه توالت بعدها مذكرات المعتقلين الآخرين، ويتراءى للناظر بدايةً أنهم جميعاً استيأسوا أي فعل يمكن أن تقوم به القوى السياسية المختلفة لإطلاق سراحهم - بما فيها أحزابهم - ففضلوا خوض معركتهم بأنفسهم، وطفقوا يكتبون تلك المذكرات، غير أن ما يلفت الإنتباه فيها انها جميعاً كانت على قلب رجل واحد في شرح الظلم ودحضه، إلا مذكرة السيد مبارك فقد سبحت في فلك آخر، وفارقت إجماعهم فراق الجفن للعين!
كنا قد كتبنا على صفحات هذه الصحيفة (الأحداث5/9/2007) مقالاً تعرضنا فيه لموضوع تلك الإعتقالات السياسية، وخلصنا فيه إلى أنها مجرد أكذوبة درجت عليها عصبة الإنقاذ، وأكدنا فيها سفاهة السيناريو، وقلنا عنها أنها لم تكتف بخواء الفكرة، ولا إفلاس المنطق، ولكنها ازدرت واستخفت بعقول كل الذين يعلمون أنها ما فعلت ذلك إلا لتمرير أجندة خاصة بها، بغاية صرف الأنظار عن أزمة إستحكمت وضاقت حلقاتها!
من جهة أخرى قلنا أن الإعتقالات نفسها كشفت عجز وضعف وخيبة القوى السياسية المعارضة بشكل عام، والأحزاب التي ينضوي تحت لوائها المعتقلون بشكل خاص، فالطرفان وفق وقائع ردود الفعل الخجولة التي بدرت، واجها القضية بفؤاد أفرغ من جوف أم موسى، بل أن المتربصين منهم تعاملوا مع القضية بعقلية الثأر والشماتة والتشفي! وعزّ عليهم أن يعدوها إنتهاكاً صريحاً للدستور، وكنّا قد طالبنا أيضاً بضرورة إطلاق سراحهم فوراً، وليس بمحاكمتهم كما يقول البعض، وذلك لإنتفاء الحيثيات في الأصل، وقلنا ريثما يفرج الله كربتهم، على المعتقلين أنفسهم أن يعلنوا بصدق وطني وشفافية حل تنظيماتهم السياسية، أو الإستقالة منها، ليس لأنها فشلت في الإمتحان الماثل، ولكن لأنها أكدت بما لا يدع مجالاً للشك أنها مجرد خيالات مآتة، مثلما هو الحال في حزب السيد مبارك، أو كما هو الوضع في حزب السيد حسنين، أو الرفاق القادرين على التمام الذين ينتمي لهم اللواء محمد علي حامد برباط العقيدة العسكرية!
جاءت مذكرة السيد مبارك المؤرخة 3/9/2007 إثر رفض المستشار المذكور مذكرة من محاميه طالبت بإطلاق سراحه، إستناداً على نص المادة 37(ج) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991 وكذا رفضه إطلاق سراحه إحتياطياً بالضمان لحين البت في الأمر، مشيراً إلي أن «التحريات مع الأمن واللجنة الموقرة أثبتت أنه لا علاقة له بموضوع الإتهام» وفنّد سيادته الرفض هذا بأربع نقاط، كانت الأولى إجرائية خاصة بملابسات الإعتقال والتحري والتحقيق معه، ونرى من الضروري إيراد الثلاث نقاط الأخرى بإعتبار أنها محور هذا المقال:
أولاً: إعتقالي بداية جاء على خلفية إتهام جهاز الأمن للأخ عبد الجليل الباشا عضو حزبنا لإتهامه بأنه على صلة بنشاط مع معاشيي القوات المسلحة برئاسة اللواء معاش محمد علي حامد واشتباه جهاز الأمن بأنه ربما أنا كنت على علم بهذا الشأن.
ثانياً: إن معلومة زيارة اللواء معاش محمد علي حامد لي في مكتبي العام الماضي تبرعت أنا بها لجهاز الأمن ولم تكن متوفرة لهم من مصادرهم، وقد تحرى جهاز الأمن مع محمد علي حامد وعبد الجليل الباشا، وإتضح له تطابق أقوالهم مع ما أدليت به في التحري، وأنني بالتالي لا علاقة لي بنشاط المعاشيين، وقد تأكد لهم بأنني إعتذرت لهم عن دعمهم مادياً قبل عام من الزمان.
ثالثاً: لقد تحريت أنت معي بحضور لجنتكم الموقرة، وانحصرت تحرياتك معي حول إجتماع اللواء محمد علي معي في مكتبي قبل عام، ولم يتطرق التحري لأي فعل عسكري أو تخريبي لقلب نظام الحكم ولم توجه لي أي سؤال عن العسكريين المتهمين، وقد تأكد لي من خلال المواجهة أمام اللجنة بيني وبين الأخ عبد الجليل الباشا من جهة أخرى صدق أقوالي، وقد تأكد لك بأنني قد رفضت طلب اللواء م. محمد علي حامد بالدعم المالي لنشاطه السياسي في إطار معاشيي القوات المسلحة، ليس ذلك فقط بل تأكد لك أنني حذرت الأخ عبد الجليل الباشا من أي علاقة مع المعاشيين العسكريين، لأنها مصدر شبهة في ظروف التوتر السياسي الذي تعيشه بلادنا.
كنت أتمنى أن يهزم السيد مبارك سجانيه ويسمو في أعين مناصريه، بمذكرة غير هذه التي قرأتها، ولا أعتقد أن عيناً واحدة يمكن أن تخطيء منهجها القائم على نظرية تخليص الذات بتوريط الآخرين، وهو أمر لا يليق بسياسي في قامته، ولا ينبغي أن يتشرف بها حتى وإن أفلحت في إطلاق سراحه، ونضيف أيضاً الملاحظات التالية على ملاحظاته تلك، بإيمان لا يتزعزع في عدالة قضيته، وبعزيمة لن توهن في مواصلة دعمه بهذا السلاح الوحيد الذي نمتلكه كلما وجدنا لذلك سبيلا:
1- لا شك أن النقطة الأولي أجابت بطريق غير مباشر على تساؤلنا في المقال الماضي، حول الكيفية التي ذاب بها حزب السيد مبارك في الظلام بمجرد اعتقال رئيسه، فالسيد عبد الجليل الباشا الذي يعيش محنة الإعتقال جنبا إلى جنب معه، استكثر عليه منحه صفته الإعتبارية في الحزب فهو الأمين العام، وأسبغ عليه عوضاً عن ذلك تعبير (عضو حزبنا) وهو أقل درجة تنظيمية، علاوة على أن التعبير يؤكد أن الحزب ملكية خاصة للمتحدث، وإن قال البعض أن تلك شكليات لا ينبغي الوقوف أمامها طويلاً، فما بال السيد مبارك يعتبر إعتقال أمين حزبه السيد الباشا بأنه جاء على خلفية (إتهام) جهاز الأمن له في التعامل مع معاشيي القوات المسلحة، بينما في حالته هو فإن إعتقاله جاء على خلفية (إشتباه) جهاز الأمن فيه، وشتان ما بين الكلمتين، وعضّد مبارك (إشتباهه) بإضافة (ربما) وهي كما نعلم ترفع الإثم عن ظن الجهاز المعني!
2- فليتمعن القاريء الكريم في إطار النظرية المذكورة لذلك الكرم الحاتمي الذي حدا بالسيد مبارك أن يجعل من نفسه شاهد ملك Tender of Pardon لجهاز الأمن في مدّه بالمعلومات، في ظل ما أسماه بقصور مصادر الجهاز، فهو يتبرع بأشياء كأنه لا يعلم أنها حينما تبدي للجهاز فستسوء الطرف المعني حتماً، وبالطبع لن يصدق المجبولون فيه على الشك الدائم أنه ليس وراء الأكمة شيء يبعث على الإرتياب ويثير الشكوك!
3- لايخفى على قارىء الفقرة الثانية أيضاً أن تبرّؤ سيادته بتلك الصيغة التي وردت من زميله في الضراء (لا علاقة لي بنشاط المعاشيين وتأكد لهم بأنني إعتذرت عن دعمهم مادياً قبل عام من الزمان) يمكن للموجهة لهم الرسالة الإدعاء باشتمام رائحة تورط ما، حتى دون أن تكون لديهم حيثيات تعينهم على إستجلاء الشك، وتثبيت الظنون!
====
2
مانديلا والمهدي.. قواسم غير مشتركة! (2)
فتحي الضــو
نواصل سرد ملاحظاتنا علي ملاحظات مبارك الفاضل ,حيث توقفنا بالأمس عند الفقرة الثانية ..
4- الفقرة الثالثة مضت إلي أبعد من ذلك، فمن بعد التبرؤ

والإعتذار عن الدعم يقول أنه حذّر السيد الباشا من أي علاقة بأولئك المعاشيين العسكريين لأنهم ببساطة (مصدر شبهة في ظروف التوتر السياسي الذي تعيشه بلادنا)، فإن لم يكن هذا هو منهج تخليص الذات بتوريط الآخرين، فكيف هو إذاً!
الغريب في الأمر، تزامناً مع أعلاه أرسل اللواء حامد في 2/9/2007 مذكرة أخرى لنفس الجهة بلغة مختلفة تماما، قال فيها بعد أن تأكد له رفض المستشار الإستماع لأقواله مجدداً وتسجيل إعتراضه «أعبر عما سبق أن قلت بأن النشاط الذي كنا نقوم به كان نشاطاً متعلقاً بحقوق العسكريين المهضومة، ويناقش الطرق والوسائل السلمية لإسترداد هذه الحقوق الشرعية كما نصت على ذلك إتفاقية القاهرة، وكان الإتصال ينشد مساعدة السياسيين الذين تم الإتصال بهم في هذا الخصوص والإستنارة بآرائهم وتجربتهم في تكوين حزب سياسي جديد كان العسكريين ينوون الإعلان عنه وقد تم بالفعل تسجيله بإسم اللواء الأبيض» ونفى ما قيل عنه أو زميله النقيب (م) شرطة صلاح الفحل من استلام مبالغ مالية من سياسيين أمثال علي محمود حسنين نائب رئيس الحزب الإتحادي لتمويل أي نشاط سياسي، وختم بقوله «أطلب من سيادتكم أن توقف اللجنة إجراءاتها، وأن توصي وتقرر إطلاق سراح جميع المعتقلين في هذه القضية فإنهم أبرياء وأنا أشهد ببراءتهم» وأيضاً شتان ما بين شهادتين!
في ختام القضية التي إشتهرت بـ (محاكمة ريفونيا) والتي واجه فيها مانديلا ورفاقه أقصى عقوبة وهي الإعدام، فعلى الرغم من نظرات الهلع والخوف والقلق التي ملأت وجوه الحاضرين، وعلى الرغم من رائحة الموت التي سيطرت على مناخ قاعة المحكمة، إلا أن مانديلا وقف كالطود الأشم وقدم مرافعته بنفسه، والتي إستغرقت أربع ساعات قال في خاتمتها: «لقد وهبت نفسي خلال حياتي للكفاح من أجل الشعب الأفريقي، فقد ناضلت ضد سيطرة البيض وناضلت ضد سيطرة السود، وتعلقت بالمجتمع الديمقراطي الحر المثالي الذي يعيش فيه كل الناس معاً في إنسجام وبفرصٍ متساويةٍ، وهو الهدف الذي أتمنى أن أعيش من أجله ويتحقق، وهو الغاية التي أنا على إستعداد للموت في سبيلها» وفي 12/6/1964 نطق القاضي (كوراتس دي ويت) بالحكم فاستبدله من الإعدام إلى المؤبد، وبموجبه نُقل مانديلا ورفاقه إلى سجن جزيرة (روبن) الرهيب ليقبع فيه نحو 27 عاما ونصف.
ثم أنظر إليه وهو في السجن بعدئذٍ، وكان قد قضي فيه أكثر من عشرين عاماً، وحدث أن تفاقمت المقاومة الداخلية التي يقودها المؤتمر الوطني الأفريقي، وكذلك زادت الضغوط والإدانات الخارجية على نظام بوتا العنصري، والذي أبدى إعتدالا جزئيا، بدر عنه أثناء مناقشة برلمانية أواخر يناير1985 فقدم عرضاً بالحرية لمانديلا إذا «رفض العنف دون شروط كأداة سياسية» ورغم أنه كان يعد العرض السادس المشروط خلال عشر سنوات، إلا أن مانديلا أصرّ على الرد عليه فأعدّ مذكرة وسلمها لمحاميه (اسماعيل أيوب) مقتنصاً فرصة تجمع جماهيري يقام في استاد (جابولاني) بسويتو لتقرأها بنته (زيندزي) عليهم في 10 فبراير1985 وأكثر ما لفت الإنتباه فيها تلك الروح المُتدثّرة بالصمود والكبرياء والمتزمّلة بالمبادئ والآمال: «إنني أعزّ حريتي كثيراً ولكنني مهتم أكثر بحريتكم، فقد مات الكثيرون منذ أن ذهبت إلي السجن، وإن عانى الكثيرون بسبب الحرية، فإنني أهديها لأراملهم ولأيتامهم ولأمهاتهم ولآبائهم الذين ظُلموا وبكوا من أجلهم، لست وحدي الذي عانى خلال هذه السنوات الطويلة الموحشة، ولست بأقل حباً للحياة منكم، ولكنني لا أستطيع أن أبيع حق مولدي، كما أنني لست مستعداً أن أبيع حق مولد الشعب في أن يكون حراً، فما هي الحرية التي تُعرض علينا بينما تبقى منظمة الشعب محظورة؟ وما هي الحرية بينما يكون من الممكن اعتقالي على جريمة مضت؟ وما هي الحرية التي تُعرض عليّ لأعيش حياتي كأسرة مع زوجتي العزيزة التي ظلت منفية في (براندفورت)؟ وما هي الحرية التي تُعرض عليّ حينما لا تكون مواطنتي كجنوب أفريقي بالذات غير محترمة؟ إن الرجال الأحرار فقط هم الذين يستطيعون التفاوض، أما السجناء ليس باستطاعتهم الدخول في إتفاقيات، لذا لا أستطيع طالما أنا وأنتم غير أحرار، فحريتكم وحريتي لا يمكن فصلها»
إن نظرية تخليص الذات بتوريط الآخرين، ليست حكراً على السيد مبارك وحده، ففي مايو 1994 اعتقل النظام البروفسير حمّاد بقادي والسيد عبد الرحمن فرح وبعدهما بفترة قصيرة اعتقل السيد الصادق المهدي أيضاً، بنفس السيناريو الحالي، حيث ادعى النظام أن المذكورين متورطون فيما أسماه (مؤامرة إجرامية) بالإشتراك مع إستخبارات دولة أجنبية، وفي يوم 19/6/1994 ظهر المهدي على الشاشة (البلورية) بعد إطلاق سراحه، ليدلي للناس بشهادته التي أدانت قطبيّ حزب الأمة المذكورين، ولم تجد تبريراته اللاحقة نفعاً «وافقت على البيان في إطار صفقة محدودة تحقق الإفراج عن بقادي وفرح».
قد يعجب المرء لظاهرة الصفقات التي دخلت القاموس السياسي السوداني، وذلك أيضاً ما استلهمه السيد مبارك في محنته الراهنة، إذ أرسل مذكرة أخرى في 13/9/2007 خاطب فيها وزير العدل والنائب العام «بحق زمالة النضال من أجل الديمقراطية التي جمعت بيننا بمواجهة نظام مايو وانقلاب الإنقاذ..الخ» يلفت النظر فيها كشفه ملابسات صفقة خلف الكواليس، وذلك بعد يوم واحد من الإعتقال، وإن لم تؤت أُكلها «بعد الإستجواب يوم الأحد 15/7/2007 بدا لي أن رجال الأمن قد أدركوا خطأ إعتقالي نتيجة لحصيلة التحريات معي ومع الأخ اللواء حامد والأخ عبد الجليل، كلاً على حده حيث تأكدت صحة أقوالي فجاءني رئيس لجنة التحقيق في جهاز الأمن وعرض عليّ لملمة الأمر سياسياً فقلت لهم قدموا عرضكم»! بالطبع ليس غريباً على عصبة الإنقاذ المساومة في الحريات العامة، لكن المدهش تجاوب المجني عليه مع العرض، مما يؤكد أن ميكافيلليته التي يعرفها عنه الناس جبّت ميكافيللية الجاني نفسه!
إن آلية الصفقات والمساومات التي دخلت القاموس السياسي، سبقتهما ظاهرة معروفة حيث أن السيدين إبتدعا ظاهرة خصمت من رصيدهما السياسي وأرثهما المهدوي يوم أن هربا وتركا النظام الذي يتسنمان فيه المواقع الرفيعة يترنح تحت سنابك خيل بني قينقاع، تلك واقعة لم يقدم عليها سياسي قبلهما سوي الشريف حسين الهندي، وإن خفف من وطأتها بثباته على مبدأ هروبه حتى إنتقل إلى الرفيق الأعلى.!!


http://www.alahdathonline.com/Ar/ViewContent/tabid/76/C...tID/759/Default.aspx
_________________

Post: #545
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 03:39 AM
Parent: #1


دفن الآباء أوالأنتقام الفني من صورة الأمام المهدي
خالد موسي دفع الله
أبتدر الأديب المصري الكبير أحمد عبد المعطي حجازي على صفحات الأهرام القاهرية سلسلة مقالات حول النهضة والأنحطاط في ذكرى الشاعرين حافظ وشوقي بمناسبة مرور

ثمانية عقود على وفاتهما.واستعرض حجازي في مقالاته ما أسماه ظاهرة دفن الآباء حيث ناقش باستفاضة نظرية أدونيس في الأتباع والأبتداع،وتتبع نقده لأدباء عصر النهضة الحديثة خاصة شوقي وحافظ أبراهيم ، وهما حسب مقاييسه لا يعدوان أن يكونا مقلدين، حيث أن لغة شوقي حسب زعمه مشبعة بالكلاسيكية وتستقي من القاموس القديم وفيها صدى لديباجة المتنبي وصوره الشعرية. وحتى محاولته التجديدية نبعت من معارضته القصائد العربية، كما استهلك طاقته الشعرية في الأغراض القديمة الغارقة في المدح والوصف ، وأسقط ذات المعايير على شاعر النيل حافظ إبراهيم. ولا أدري لماذا عمد الأديب حجازي الي محاكمة أدونيس وأسقاطاته النقدية بعد مرور ما يقارب الأربعة عقود على كتابه المذكور الذي صدر عام 1969..ولا شك أن هذه الحفريات قد ارتقت بالهم الثقافي لمناقشة أخطر قضية ظلت تسيطر على دائرة الجدل الأدبي وسط النخب المثقفة في العالم العربي.ألا وهي قضية الحداثة والأنحطاط والنهضة ودور الأدب في التعبير عن ملامح وخصائص هذه النهضة . واضطر الأديب حجازي في مقالاته الى استعراض فذلكة تاريخية متطاولة أشار فيها الى أن مصر ظلت لمدة 23 قرنا تحت الأستعمار الأجنبي ، أي أنها كانت فاقدة لشخصيتها الوطنية ، وإبداعها الثقافي المتوطن في وجدانها الاجتماعي . وبدلا من أن يناقش ادعاءات ومزاعم أدونيس عمد الى تفكيك الواقع التاريخي السابق للنهضة ..وقد شاع أن نهضة مصر الحديثة بدأت باحتلال نابليون لمصر ..وقيام دولة محمد علي حيث أزدهرت حركة البعوث العلمية والترجمة .. وقال أن النهضة تقوم على شرطين الأول هو أكتشاف العالم والاتصال بحضارته مثلما فعل بعض المفكرين مثل أحمد فارس الشدياق في كتابه كشف المخبأ في فنون أروبا والطهطاوي في تلخيص الأبريز وخير الدين التونسي في أقوم المسالك.والشرط الثاني هو أحياء التراث القديم كما فعلت أروبا في أحياء التراث اللاتيني واليوناني .
العودة الى التراث وإحياء الفنون القديمة كأحد شروط النهضة جاءت متلازمة مع حركة المقاومة الوطنية لأنها تشعل شرايين الثورة بالأدب المقاتل وشرارات الوعي الوطني...ويقف هنيهة مع أدونيس الذي يرى أن حركة الشعر لم تعبر عن أصداء النهضة لأنها لم تنقل حركة الشعر من وضعها القديم الى موقف جديد متقدم..
هذه الشنشنة التي تدور على صفحات الأهرام تكتسب أهمية نوعية لأنها تناقش وتجادل في شروط النهضة وأسباب الأنحطاط، ولعل مما زاد أوارها هي النزعة الوطنية التي تلبست حجازي الذي عكف على مراجعة الأطروحة النقدية لأدونيس بعد نيف وثلاثين عاما لأنه جرد مصر من دورها الريادي في قيادة النهضة ، وشكك في دور الطليعة والرواد من لدن البارودي وشوقي وحافظ حاملو لواء نهضة الشعر الحديث.
ظاهرة دفن الآباء عادت في أقوى صورها الى المشهد السوداني عبر الفن التشكيلي، وهو أقرب الفنون للأسقاطات الأيديلوجية وتسنمت بعض التيارات الفكرية التي ترفض مسلمات التاريخ ، الدعوة لتبخيس إنجازات الآباء المؤسسين للدولة السودانية الحديثة ، ولا شك أن هذا الشكل من التعبير الفني قد استقى أفكاره المركزية من تيار الرفض الاجتماعي في تجلياته السياسية والثقافية والفكرية التي ترى أن التاريخ المكتوب هو تاريخ زائف لا يعبر عن جوهر الحراك الاجتماعي ولا يعترف بالفسيفساء الديمغرافية التي أثرت التنوع التاريخي والمعاصر ، وأنكرت دور الفواعل الأخرى التي تنتمي الى الهامش ، لذا فإن الراهن المعاصر هو تمثيل زائف للحقائق التاريخية ، وخيانة لصيرورتها الاجتماعية ، مما يستدعي اشتداد معاول الهدم الوطني وإعادة بناء وتشكيل الأمة السودانية على قواعد جديدة من التصورات ، ولا يتم ذلك إلا بالتمثيل بصور الآباء المؤسسين للدولة السودانية الحديثة وإن دعا ذلك الى بقر بطونهم وتشقيق أكبادهم....
ولعل أشهر من عبر عن هذا الخطاب بشكل صارخ هو الفنان التشكيلي خالد كودي الذي أكتسب شهرة واسعة في الولايات المتحدة وأصقاع أروبا المختلفة لمثابرته الفنية وناشطيته السياسية، ومشاركته الفاعلة في معظم المعارض والفعاليات الفنية..واعتماده على تكنيك فني يستبطن في خطوطه والوانه تعبيرات صارخة وصادمة للوجدان السوداني..وهو تكنيك قديم اشتهر في منابر الجدل السياسي يقوم على إحداث نوع عنيف من الصدمة تهز المسلمات والخبرة التاريخية المتراكمة وتقوم فلسفته على السفور الفني الجارح وتعرية التاريخ الوطني وإسقاط لوازم ومقتضيات الستر الاجتماعي .
على ذات النسق شارك الفنان خالد كودي في أحدى مؤتمرات جمعية الدراسات بولاية بنسلفانيا بعرض فني باذخ يحتوي على عدة جداريات..وقد ابتدر معرضه الفني بعرض مبتكر رسم فيه القادة السياسيين عراة كما خلقهم الله من الرئيس البشير حتى رافع علم الاستقلال إسماعيل الأزهري، واستثني من القادة عبد الخالق محجوب ونقد ومحمد عثمان الميرغني ومحمود محمد طه، وابتدر عرضه مؤكدا أنه يبحث في تعرية التاريخ الوطني ، وأنه ينزع بلوحاته ثوب القداسة من الزعماء والقادة الذين خانوا وطنهم وشعبهم..وتوسطت العرض جدارية ضخمة للأمام محمد أحمد المهدي مع عدد كبير من النساء يشاركنه المخدع ويرقدن حوله ، و زين الجدارية بأوراق ووثائق من فترة المهدية السابقة..وفي التعريف بالمهدي قال أنه لم يكن بطلا قوميا كما حاول كتاب التاريخ أن يصوروه بل كان خائنا لوطنه ، و كان أكبر تاجر رقيق في المنطقة واستدل على هذا الزعم بالوثائق المنشورة في كتابات أبوسليم عن تاريخ المهدية و أملاك بيت المال الذي كان يحتوي على سجلات بعدد وأسماء الرقيق في زرائب الأبيض وام درمان وغيرهما..وعن وجوه النساء في اللوحة الجدارية قال أن المهدي كان عاكفا على الاستمتاع بملذاته الحسية وله أكثر من 100 عشيقة ،يتساقطن على فراشه مثل فراشات النار ..وقال مذكرا أنه أراد فقط تعرية التاريخ الوطني وسحب ثوب القداسة عن أجساد زعمائه وقادته ، واختتم عرضه بما أسماه النموذج الأمثل للأنسان السوداني وهو إنسان الهامش ..وكل ما عداه هباء منثور..ولا أستطيع بطبيعة الحال أن أصور حجم الصدمة لدى زوار المعرض من الأمريكيين والسودانيين، ولعل تلك الصدمة الشعورية هو ما أراده الفنان فعلا..
لقد لمست إتقانا فنيا بديعا في الخطوط والألوان والفراغات ، ولكن صدمني التهريج الفني الذي يتكئ على فكرة فوضوية تزعم أن فكرة تعرية التاريخ تعني التعرية الحسية للجسد، إذ بإمكان الفنان المبدع أن يعري التاريخ دون تعرية الأجساد ، لأن تعرية التاريخ هي فكرة ملهمة تستعلي على الترميز الفوضوي ويمكن التحليق بها في فضاءات رحيبة من الالهام المبدع..دون أن تسقط في وحل الهجائية والريطروقيا وله أن يسكب عصارة إبداعه على إدانة كل تاريخنا الزائف ، وأن ينتقد بروية وحصافة كل الصيرورة التاريخية للأنسان السوداني ، وأن يسلخ جلد التجربة السياسية وله حق نصب المشانق الفكرية والثقافية لإدانة رموزها وسدنتها ، و ذلك نقد مبدع ومشروع ومحبذ وسط النخب المثقفة..ولكنني أقف بقوة ضد التمثيل الفني بصورة الأب المؤسس للدولة السودانية الحديثة founder of the nation و ضد أن تبقر بطنه وتلاك كبده في فضاء التاريخ وعلى رؤوس الأشهاد..بل وتمتد الإدانة لينكر جهاده البطولي الذي شهدت به الدنيا ، لا بل و أن تنكر دماء الشهداء الذين صنعوا لنا العزة والمجد والسؤدد.والآن ماذا تبقي لنا في تاريخنا الوطني..الذي بدلا من أن يكون مدعاة للفخر ، يراد لنا أن نطأطئ رؤوسنا خجلا من خيباتنا وعارنا لأن الأمام المهدي تاجر رقيق وزير نساء.
بهذه اللوحة تطل علينا ظاهرة دفن الآباء بصورة أكثر شراسة مما عهدنا ، بل وتمتد لتمس وجدان الأمة وترسم جرحا غائرا في عصب التاريخ و تستصرخ كل مسلماتنا التي عكفنا عليها بأظافرنا نحتا ورهقا..ولنا أن نجدد السؤال كما أفترعه أحمد عبد المعطي حجازي لمصلحة من يتم دفن الآباء... فالأمام المهدي لم يكن طائشا نزقا يستخدم السيف لإشباع ملذاته الحسية ولم يكن تاجر رقيق يشيد الدور ويكنز الذهب والفضة ، بل كان مجاهدا ، ومجددا وقائدا وفقيها وثائرا وبطلا قوميا وأبا مؤسسا للدولة السودانية الحديثة..
هذه ليست إدانة شخصية للفنان خالد كودي الذي يختزن طاقة إبداعية هائلة ، وأداة فنية باهرة ، ويملك عصا الأدهاش بريشته وخطوطه والوانه في رحلة بصرية ساحرة ولكنها إدانة جمعية لمدرسة هذا التعبير الفني و التيار الفكري الذي يمارس الهدم الوطني ويجترئ للتمثيل بصورة الأمام المهدي ويغرس خنجر الأنتقام الفني في قلب تاريخنا الوطني ،لأن هذه الأطروحة الفنية هي أصدق تعبير عن التيار الفكري العامل لنسف الدعائم الوطنية والمسلمات التاريخية والداعي لتفكيك السودان وإعادة تشكيله من جديد لأنه حسب زعمهم ما يزال في مرحلة سيولة وتشكل ولم يصل الى مرحلة الصلابة النهائية،، فلا بد من مواصلة الهدم الوطني الذي لا يستقيم إلا بهدم فكرة مؤسس الدولة السودانية الحديثة والقائها في مذبلة التاريخ..ومرة أخرى نجدد السؤال لمصلحة من يتم دفن الآباء..

http://www.alahdathonline.com/Ar/ViewContent/tabid/76/C...ID/1626/Default.aspx
_________________

Post: #546
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 03:40 AM
Parent: #545


التكفير في بنية العقل الإسلامي ، ومعضلات قبول الآخر
راشد مصطفي بخيت
تناولنا في مقالنا السابق ، بعض نماذج ظاهرة التكفير في أشكال مختلفة ، استمددنا نماذجها بشكل سردي من بطن ذاكرة التراث العربي الإسلامي ، وقد تكشفت لنا من

خلال ذاك السرد التاريخي ، بعض الحقائق التي توضح ارتباط معظم نماذج التكفيرتلك ، في شكليه المذهبي والفردي ، وشائج قربي قوية الصلة ، تتصل على نحوٍ من المباطنة بصراعات سياسية بحتة في بعض الأحيان ، وبافتراضات الصحة المطلقة وأحادية تفسير النص الديني في أحايين أخري ، حيث برز العديد من النماذج التكفيرية في تأريخ هذا التراث ، متخذةً شكل التعذيب الجسدي كما في حالة الحلاج ، أو القتل والتنكيل كما في نموذج الجعد بن درهم ، إضافة إلى ظواهر أخرى تمثلت في ارتباط ظاهرة التكفير في الحالة المذهبية ، باختلاف طرائق القراءة وآليات التأويل المتجسدة في حالة قراءة النص الديني ومحاولات تبيان المقاصد الضمنية التي يطرحها ، فاتضح من بعد أن جزءاً غير قليل من هذه المظاهر ، يرتبط أيما ارتباط ، بافتراض صحة مزاعم بعض الفئات وخطل ما عداها . الشئ الذي أوصلنا إلى بعض قناعةً أثبتتها مسيرة التاريخ ، تفيد صعوبة امكانية التحاور التفسيري بين مذاهب المسلمين المتعددة ، في ظل سيادة افتراض الصحة المطلقة لدى الكل وقصدنا من خلال هذا السرد ، أن ندلل على بعض التطابقات المفترضة في حالة الذهن الإسلامي ، ظلت تكرر نفسها باستمرار في تربتنا السودانية بأشكال مختلفة وارتباطات متطابقة في الحالتين ، الشئ الذي نشهده بوضوح تام إذا أعدنا قراءة ظواهر التكفير السودانية أو بعض نماذجها ، من خلال هذين المنظورين السابقين ، فالشاهد على ماذهبنا إليه من حديث ، غزيرٌ بالنسبة لما راكمته خبرتنا السودانية مع هذا المرض العضال ، والتي بدأت منذ زمن بعيدٍ من تاريخنا ، يعود لأيام الثورة المهدية ، حين أصدر العلماء منشوراً يكفِّر قائد الثورة بعد أن ثار على الإستعمار التركي ، ووصفهم المهدي بأنهم ( علماء سوء ) ، ثم كُفِّر بعض أمراء المهدية الذين عارضوا حكم الخليفة عبد الله التعايشي ، ثم عادوا وكفروا الشيخ الجليل ( علي ود عبد الكريم ) وغيره من " شيوخ الخلاوي " بطلب من الإدارة البريطانية حيث تخوفت من قدرته على تهييج الجماهير ضدها في ذاك الوقت . ودار سجالٌ شديد مع بدايات النشاط المسرحي في السودان وقضى بعض الفقهاء بتكفير من يمارسه بينما قضى البعض بأن ( ناقل الكفر، ليس بكافر ) . وتم طرد الحزب الشيوعي من البرلمان أيضاً بعد حادثة معهد المعلمين العالي باستغلال دعاوي الكفر والإلحاد أيضاً رغماً عن وضوح الدافع السياسي لذاك الحادث . بالإضافة إلى تكفير جماهير الأنصار حزب الأمة في العام 1970 . وفي 25 ديسمبر 1984 أصدر الأخوان الجمهوريون منشورهم ( هذا أو الطوفان ) الذي أصدر على إثره حكماً بإعدام المفكر الإسلامي ( محمود محمد طه ) باعتباره خارجاً عن الملة ، وأعطت من معه فترة شهر للعدول عن آرائهم وإعلان توبتهم ، خفضت بواسطة النميري إلى ثلاثة أيام فحسب . وقبل شهور قلائل من ذلك التاريخ في يوم 14 مايو 1984 ، تم اعتقال عدد من البعثيين في وكر طباعة سري بالفتيحاب ثم قدموا للمحاكمة بعد إضافة مواد جديدة قائمة على تهمة الردة الدينية ولكن أُصدرت ضدهم أحكاماً مخففة في 22 فبراير 1985 . ثم ينفتح الباب على مصراعيه بعد كل هذه الحوادث ليسهل من بعد ذلك إطلاق نعت ( الكافر ) على العديد من الناس ، كما حدث مع تكفير بعض الهيئات لأفراد ضمن نخبة الرموز الفكرية والثقافية في المجتمع السوداني من أمثال ( غازي سليمان ) و ( كمال الجزولي ) و ( الحاج وراق ) وشيخ عبد الله ( أزرق طيبة ) وخلافهم ، ورصد مبلغ خمسة مليون جنيه مقابل الرأس الواحد ! وتتجدد سنوياً في هذا السياق فتوى تكفير الجبهة الديمقراطية بجامعة الخرطوم حين اقتراب موعد الإنتخابات ، من قبل طلاب أنصار السنة المحمدية ، ويُحرَّم التصويت لصالح قائمة التحالف الطلابي ويتكرر بناءً علي ذلك فوزها لأربع مراتٍ على التوالي ! إضافةً إلى تكفير ( مجمع الفقه الإسلامي ) أخيراً لبعض فتاوي حسن عبد الله الترابي وإعتباره خارجاً عن الملة مع مطالبة رئيس الدولة بمحاكمته أُسوةً بما فعله النميري ب ( محمود محمد طه ) ؟! وفي ذات السياق ، تذهب كتابات ( الطيب مصطفي ) الأخيرة ، في رده على عثمان ميرغني بخصوص ما كتبه عن الشاعر الوطني (محجوب شريف ) وإعلانه صراحة ً ضمن مقاله هذا ، بأنه يرى في الشيوعية والمنتمين إلى صفوفها ، مجرد خارجين عن ملة الإسلام لا غير ! .
لا تعدم المجتمعات العربية الراهنة هي الأُخرى العديد من النماذج المشابهة في تكفير العديد من مثقفيها ويتكرر الموقف باستمرار دون أي توقف ، فقد حوكم الدكتور ( صادق جلال العظم ) إثر إصدار كتابه ( نقد الفكر الديني ) ، وكُفر قبله الأديب ( طه حسين ) أيضاً في كتابه ( في الشعر الجاهلي ) وأُغتيل المفكر (حسين مروة ) وفصل بين ( نصر حامد أبو زيد ) وزوجته بذات الإدعاء ، وهدد بالقتل ، ( سيد محمود القمني ) وكفرت ( نوال السعداوي ) ولم تنته القائمة بعد .
إذن نخلص من كل ما تقدم ذكره ، إلى موقفين متماثلين في الرؤية ومختلفين من حيث الإسم ، صاحبا مسيرة وظواهر التكفير عبر كل العصور ، يتركز الأول على وضوح الترابط الكلي بين التكفير كظاهرة متصلة الوشائج باختلاف الرأي أو المعارضة السياسية للنظام الحاكم بحيث تشهر الأنظمة المستبدة في كل الأحوال سلاح التكفير في وجه خصومها السياسيين ، أملاً في التخلص مما يسببونه لها من إزعاج وفضح لممارساتها السياسية ، بينما يتركز الثاني على وضوح أحادية النظر في التعامل مع كل متطلبات العقل والتفكر واحتكار مطلقية التحدث باسم الدين لجهة واحدة لا تقبل بمبدأ التعدد حتى في طرق وأنماط التدين والمذهبية ، ويستتبع ذلك وقوف العقل الإسلامي بعيداً عن أنشطة الفكر والتفكر كما ذهبنا للقول سابقاً ، ومعاداة كل من يسهم بأفكاره في هذا الإتجاه . ولا يمكن الفكاك من هذين المأزقين ، إلا في تحويل النظرة إلى التراث – المصدر المعرفي الأكبر للجماعات الإسلامية – من حيزها اللاهوتي الأكثر قداسةً إلى سوح الحيز التاريخي الذي يرى في الماضي صيرورةً موضوعية ينبغي خضوعها لمناهج التحليل والنقد ، بمعنى تحويل هذه الإطلاقية في النظر إلى الماضي لنسبيةً تخضع دوماً لمبدأ المساءلة ويغدو بناءً على ذلك الماضي ، مجرد حالة تاريخية يعتريها الفشل والنجاح وليس من منظور القياس الفقهي المتحجر : ( ليس بالإمكان أحسن مما كان ) . الذي تتبعه الجماعات الإسلامية في أغلب الأحيان .



http://www.alahdathonline.com/Ar/ViewContent/tabid/76/C...ID/1540/Default.aspx
_________________

Post: #547
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 03:42 AM
Parent: #546



--------------------------------------------------------------------------------

الأحداث والحداثة
حيدر إبراهيم علي
تحمست كثيراً لفكرة صحيفة (الأحداث) المجانية بسبب بسيط.. بسيط للغاية وهو أنها فكرة جديدة، ولأنني مازلت بعد الستين نصيراً متحمسا لكل ما هو جديد لذلك لم

يكن توقف التجربة مجرد إخفاق إعلامي بل وصلت بي إلى تساؤل حول الشخصية السودانية وتعاملها مع الجديد.. وهل السوداني شخصية مقاومة للجديد.. وممانعة في التحول والتغيير؟.. وتوصلت الى بعض فرضيات تساعد في فهم الشخصية السودانية والثقافة السودانية السائدة عامة.
السوداني إنسان محافظ ومتشكك وخائف متردد، خاصة وهو صاحب حكمة (الجن التعرفه أخير من الجن الما بتعرفه) فهو يركن الى جِنِّه القديم حتى وان كان سيئا وشريراً، لأنه يعرفه وألِفه وتعوَّد عليه، فهو يرفض الجن الجديد حتى وإن كان هناك احتمال ان يكون أفضل من القديم, لذلك لا يبادر السوداني الى تجريب ما هو جديد.. وهو في هذه الحالة تشكُّكي الى درجة التشاؤم، وبالتالي تجنب أو رفض الجديد.. وفي حالة (الأحداث) بدأ بشك ديكارتي يقول: لماذا تقوم جبهة ما بتوزيع صحيفة مجاناً وماذا تستفيد من ذلك؟ ثم من الذي يقف وراء هذه الصحيفة الغريبة, وما هي أهدافه؟ وقد يصل الى استنتاجات: لو كانت عندها قيمة ما كان وزعوها مجاناً.. ويردد البعض لغة السوق المبتذلة ان "الرخيص برخصته يضوقك مغصتو.." وهكذا حاصر السوداني المحافظ المتشكك صحيفة (الأحداث) بالمواقف السلبية، وهو بهذه الطريقة دائم التشاؤم لا يرى في الوجود شيئاً جميلاً، هناك تعريف حول المتشائم والمتفائل، إذ يرى المتفائل النصف الممتلئ من الكوب, بينما يرى المتشائم الجزء الفارغ من الكوب.. أما السوداني فيرى أي كوب فارغاً مهما كان نصيبه الكوب من الماء..
من مفارقات الشخصية السودانية ان المتعلمين والذين يفترض فيهم اجتراح آفاق الحداثة والتحديد والتغيير هم الأكثر محافظة وتقليدية وتشاؤماً، لذلك نلاحظ ان جميع معارك الحداثة نشبت بين المتعلمين، ومن الجدير بالذكر ان التاريخ يكرر لنا تجربة غريبة وهي ان مجددي اليوم هم بالتأكيد محافظو وتقليديو الغد، إذ نجد أن الشخص المتحمس للتجديد ويهاجم المحافظين سرعان ما يعود أشد محافظة ومسكنة.
ومن معارك الحداثة السياسية الشهيرة الخلاف بين الختمية والاشقاء أو الوطني الاتحادي. وبشَّر أحد الاتحاديين المجددين بمقتل القداسة على عتبة السياسة، اي نهاية الطائفية وهاجم السيد علي الميرغني لدرجة الوقاحة والالفاظ المقذعة، ثم دارت الايام ورجع الجانبان الى اتحاد أو ائتلاف وسارع المجدد الى السيد علي قائلاً:
مولانا: لو في كلب ولغ بلسانه في البحر دا بيعمل للبحر حاجه؟
رد مولانا: طبعاً لا يعمل
ورد المجدد: أهو أنت البحر وأنا الكلب..
وعفا عنه السيد علي بل وعيَّنه وزيراً للتربية والتعليم، ليبث على الأجيال الجديدة مكارم الأخلاق..
تكررت معارك التجديد واحياناً قد تكون معارك الاختلاف مع السائد اذ قد لا تكون الحركة القادمة جديدة تماماً فقد عرف السودان رفضا عنيفاً لأنصار السنة بسبب انكارهم للطائفية والأولياء وزيارة المقابر والموالد والمديح. واتذكر في الشمالية المعركة مع العجيمية والتشويه الذي كان يحدث لسلوكهم وآرائهم، ثم جاء الدور على الجمهوريين واتباع الاستاذ محمود محمد طه وأخيراً الهجوم على الشيوعيين، وقد تحملوا كثيراً من العنت رغم كل محاولاتهم لتأكيد احترامهم للدين والتقاليد، وكانوا في بعض الأحيان يزايدون في محافظتهم، وهذا لم يمنع عنهم الحل والمطاردة، ومن الملاححظ ان المعارك السياسية والايدولوجية لم تظل كذلك، اي حسب طبيعتها الحقيقية، بل يتم تديينها بسبب قوة سلاح الدين في مجتمع تقليدي.شهد ميدان الابداع معارك التحديث والتجديد الكبرى لأن هذا المجال يتطلب باستمرار ما هو جدي، لأن كلمة ابداع نفسها تعنى بما هو غير موجود، ومن فضلنا كلمة البدعة على الابداع، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، ولكن الابداع تمت محاربته في الواقع السوداني ليس لأنه ضلالة بل لتهديده استقرار القديم. فقد كان على الشعر الحديث ان يواجه الاستهزاء قبل النقد والتقويم، وقد فقدت جامعة الخرطوم عدداً من الاساتذة المتميزين بسبب مساندتهم وتشجيعهم للأدب الحديث، بينما ظل عميد كلية الآداب متعصباً للشعر العمودي التقليدي، وبالمناسبة شهدت الجامعات والمعاهد العليا معارك شرسة بين القديم والجديد ووصل الأمر درجة الشخصنة وحروب داحس والغبراء.
عرف الفنانون في مختلف تخصصاتهم واهتماماتهم معارك صعبة أضافت لها حساسية الفنانيين المعروفة قدراً من الوقود. وفي المجتمعات التقليدية تتحول المنافسة الي حسد وغيرة، بسبب تخلفهم وغموض معايير التقييم، فهناك فرق بين ان تعمل على القضاء على الآخرين لكي تكون الأول بمفردك، وبين ان تقبل ان يكون هناك اكثر من أول واحد على القمة، لأن القمة تسع الجميع.. ففي الغناء والموسيقى مثلاً تعرض الفنان ابراهيم عوض لعملية اغتيال شخصية رغم ان مجال الفن اقل اهتماماً بذلك من السياسة، إلا أن الفنان أضاع وقتاً وجهداً كبيرين في قضايا جانبية.. وفي مجال الفنون التشكيلية كانت المعارك الخاصة بالمدارس الفنية لا تخلو من قصم ظهور رغم رقة الفنانين، اذ لم يكن الفنانون قادرين على التسامح, خاصة إذا وجد أحدهم نفسه في موقع مؤثر وقس على ذلك مجال المسرح والسينما.لاحظت حين صدور (الأحداث) أن أغلب الصحف التي طالعتها نسيت أن ترحب بالزميلة الجديدة كما هو العرف السائد، وهذا خلل عظيم في القدرة على قبول آخر مختلف، وكان بعض زملائها حين يستشهدون ببض ما كتبت يكتبون: حسب صحيفة (الأحداث) المجانية.. فهل ذكر هذه الصفة ضرورياً أم هناك حاجة في النفس؟من المؤكد أن الاخوة عادل الباز والطيب حاج عطية وفريقهم تعاملوا مع ما حدث لـ(الأحداث) من زاوية إعلامية ومهنية بحتة، ولكن مجريات التجربة كشفت عن هذا العقل السوداني الغريب, فالعقل السوداني رغم البلاوي والابتلاءات التي وقعت عليه يظل مرتاحاً لجنِّه القديم الذي يعرفه فليهنأ به.


Post: #548
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 03:52 AM
Parent: #1


غرباً باتجاه الشرق:
كان يهودياً هواها !
مصطفي عبدالعزيز البطل

[email protected]

اذا حيّرك العنوان – ايها القارئ الكريم - فاعلم انه محاولة عشوائية لمجاراة البيت الشعري – او لعله نصف البيت – من القصيدة التي كتبها الفيتوري و انشدها محمد وردي كان جنوبيا هواها ). و قد تطاول عهدي بالقصيدة و النشيد فما عدت ادري من هي التي كان هواها جنوبيا و لا معني و مغزي ان يكون الهوي جنوبيا. وربما يتبادر الي ذهنك انني طالما لم اعرف الاولي، فانني بالضرورة سأعرف الثانية، اي تلك التي" كان يهوديا هواها ". و لكن صدقني – اعزك الله – انني حتي هذه لا اعرفها و لا استطيع ان احدثك عنها. الذي يعرف هو " ابو العرّيف ". و ابو العرّيف هو الاستاذ احمد ابراهيم الطاهر رئيس المجلس الوطني. و اليهودي الهوي، بحسب الاستاذ الطاهر، هو شعب و حكومة جنوب السودان. و آية ذلك ان جنوب السودان – بحسب الاستاذ ايضا - هو الان علي اكمل استعداد لاستقبال يهود اسرائيل، عند دنو لحظة الانفصال عن الشمال، حيث سيقوم هؤلاء اليهود بفرض سيطرتهم علي مجري نهر النيل. و قد ادلي الاستاذ الطاهر، رئيس سلطتنا التشريعية، بتصريحات مستفيضة نشرتها صحيفة " المصري اليوم" القاهرية نهاية اكتوبر المنصرم القت بضوء كثيف علي تصور رئيس السلطة التشريعية للتحديات الاستراتيجية التي تواجه مصر و السودان في حالة انفصال الجنوب عقب استكمال الاستفتاء الشعبي الذي كرسته اتفاقية نيفاشا. قال الاستاذ، الذي يؤمن فيما يبدو باستراتيجية الصعق الكهربائي،في حديثه المطول لمحرري الصحيفة المصرية، و من ورائهم مصر كلها شعبا و حكومة، ما يمكن ايجازه في الاتي: ان انفصال الجنوب في المساء، معناه ان تستيقظ مصر في الصباح لتجد يهود اسرائيل يسيطرون علي الف كيلومتر من مجري نهر النيل! و لم يفت علي الاستاذ الطاهر ان يقدم الشواهد والادلة بين يدي هذه التحذيرات التي تزلزل الفؤاد فاشار الي دور لاسرائيل وصفه بانه "معروف" في ازمة دارفور. اضافة الي ذلك فقد بصّر الاستاذ حكومة و شعب مصر "المؤمّنة باهل الله" بان امنها القومي يرتبط، اوثق رباط، بالامن القومي السوداني. و لا بد ان الاشارات الفصيحة قد وصلت و نقرت علي الاوتار الحساسة التي استهدفتها ابتداءً. و لا بد ان مصر كلها قد تجافت جنباتها المضاجع منذ خرجت الصحيفة المصرية بنذارات الشؤم و اللؤم تنبؤها بان امنها ربما تطلب – في المرحلة الغبراء التي تستشرفها - ما هو اكبر و اقوي من "اهل الله" لدفع الخطر الوشيك!



طالعت التصريحات و قلت: لا اله الا الله، محمدا رسول الله. رحم الله جدي عباس افندي محمد ابراهيم. عاش و مات و هو، و الملايين من جيله، يلهلهون بخطر اليهود واسرائيل، و تلاهم جيل اخر بلغ مبالغ الشيخوخة و البعبع اليهودي مقيم في يافوخه ما اقام عسيب، ثم ها هو الجيل التالي، في مسلسل الغم و الهم اليهودي، و هو الجيل الذي ينتمي اليه كاتب هذه الكلمات، والذي ارتقي علي مدارج الطفولة و الشباب صعودا حتي وقف علي منصة الكهولة و ما زال اليهود هم الهاجس الخالد الذي لا منجاة منه ولا عاصم. و ليس لاحد ان يسأل: ماذا يا تري سيفعل يهود اسرائيل بنهر النيل عندما يهبطون الي مجراه في جنوبي السودان؟ مع ان مثل هذا التساؤل يبدو منطقيا و مشروعا. و ما زلت اذكر عند بدايات المرحلة الدراسية المتوسطة بمدينة عطبرة، و قد غمرنا الزهو بانه قد اضحي في وسعنا ان نناقش و ندلي بالاراء في قضايا الشأن العام اسوة بكبارنا، كيف كانت الاسئلة محددة و قصيرة و الاجابات سريعة و حاسمة كحد السيف. سين: ماذا لو سمحنا للجنوب بالانفصال؟ جيم: لا يمكن، لان اليهود ينتظرون سانحة كهذه بصبر نافذ، فإن من اغلي اماني اسرائيل السيطرة علي جنوب السودان! ثم يسود الصمت التام فمن الذي يقوي علي مجادلة حجة ضاربة و مفحمة كهذه؟! ثم ان اليهود هم اعداؤنا و جمال عبد الناصر هو صلاح الدين القرن العشرين الذي سيزيل دولتهم من الوجود، و الحبيب بورقيبة عميل و خائن لانه قال بان التعايش مع اسرائيل ممكن، و محمود محمد طه كافر مرتد لان افكاره املاها عليه يهود، يحضرون اليه في ساعة متاخرة من الليل بعد ان ينام الناس، و غايتهم من ذلك اضعاف الامة. اليهود هم مصدر كل شر و هذا هو السبب في اننا ندعو عليهم كلما نودي للصلاة من يوم الجمعة: اللهم دمر اليهود. آآآآآآمييين. تلك كانت ثوابتنا بلغة اليوم. و احسب انها - عند البعض - ماتزال ففي المهجر الامريكي، اليهود هم الحائط القصير الذي يقفز عليه كل سوداني غيور فشل في تحقيق غاية. يذهب السوداني الباحث عن وظيفة الي المعاينة فيُرد علي عقبيه حسيرا كسيرا. تسأله عما حدث في المعاينة فتأتي الاجابة: " الذي اجري المعاينات يبدو انه يهودي و قد استبعدني بمجرد ان قرأ اسمي." و تسأل: كيف عرفت انه يهودي؟ فلا تجد الا التلعثم و التمتمة! و لم يحدث ابدا ان سمعت سودانيا يجيب: "المعاينات في الولايات المتحدة، بخلاف الحال في السودان، تتطلب تحضيرا معينا، و انا لم احضّر للمعاينة التحضير اللازم، ثم انني لم استوف المهارات المهنية و المؤهلات المطلوبة، كما ان لغتي الانجليزية منيلة بستين نيلة و لذلك جاءت اجاباتي علي الاسئلة ضعيفة و مهزوزة و خائبة." فمتي ولدت حواء السودانية ذلك الفتي الاصيل الجميل الذي يملك ان يعترف علي نفسه بمثل هذا الهترالسخيف؟ و ما الذي سيدفع به ليدلي باعتراف كهذا و اليهود موجودون و علي تمام الجاهزية لتحمل كل الاوزار عنا؟ و لا اشك لحظة واحدة في ان نفس المنهج السلوكي التلقائي و الحالة العقلية تلبست الاستاذ رئيس المجلس الوطني عندما صرح بان اليهود وراء التصعيد الاخير في ازمة دارفور، من حيث ان القاء المسئولية علي اليهود بلسم شاف، منّ الله سبحانه و تعالي به علينا، يدرأ الحرج و يخفف الهم ويزيل الحزن!



في عام ١٩٨٦، و في مناسبة اجتماعية، جلست مستمعا الي احد ضباط جهاز امن الدولة، الذي كانت حكومة الانتفاضة قد حلته، يتحدث غاضبا، يزعم ان الامور قد اختلط حابلها بنابلها و ان الامن القومي للسودان قد اصبح عورة. شدت انتباهي عبارة في كلامه، اذ قال: ( نحن اليوم لا نعرف من هم اعداؤنا. و لتكون لنا استراتيجية امن قومي فاعلة لا بد ان يكون لنا اعداء واضحون. لا بد ان نعرف و ان نحدد من هم الاعداء). اذن من هنا نبدأ. يجب ان يكون لنا اعداء. و اذا لم يكن لنا اعداء فكيف ستكون لنا استراتيجية امن قومي؟ صحيح ان "الخبير الامني الاستراتيجي" المزعوم كان يتحدث و في ذهنه دول مثل ليبيا و اثيوبيا اتخذتها حكومة مايو عدوا مبينا و لكن الحكومات الحزبية بددت ذلك العداء، غير ان الفكرة المبدئية تظل كما هي، و هي فكرة ضرورة و حتمية وجود اعداء خالدين. و اسرائيل دولة معتدية و ظالمة و معاداتها واقع ملزم لمن اراد الوقوف مع الحق الفلسطيني المهدر. و ذلك مما لا خلاف عليه. غير انه يبدو لي اننا في مسألة العداء هذه اصبحنا ملكيين اكثر من الملك و كاثوليك اكثر من البابا! قبل عدة اشهر، و اثناء مشاركته في احد المؤتمرات بالدوحة نهض السيد الصادق المهدي عن كرسيه و استدار الي الخلف ليغادر المكان فوجد يدا ممتدة لمصافحته، و بصورة عفوية مد حفيد المهدي، الذي يقضي سحابة يومه عادة في مصافحة الناس، يده ليصافح اليد الممتدة دون ان يدري انه يصافح شمعون بيريز رئيس وزراء اسرائيل الاسبق. و اهتاجت الدنيا في السودان و في بعض مواقع النقاش السودانية علي شبكة الانترنت، وسُرّت بعض دوائر السلطة الحاكمه و كوادرها الاعلامية بالخبر ايما سرور فانطلقت تعاير الرجل: كيف يصافح رئيس وزراء اسرائيلي؟! و لكن احدا لم يتطوع ليذكّر شعب السودان، الذي يصعقه خبر مصافحة سياسي يهودي، ان دولة قطر التي استضاف حاكمها الوفد الاسرائيلي و استقبله و اكرمه بقصره الاميري تعترف بدولة اسرائيل و تتبادل معها التمثيل الدبلوماسي، و قطر – و لا شك - اكثر عروبة من السودان! و لم يتطوع احد ليقول ان منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي و الوحيد للشعب الفلسطيني، الذي من اجله و باسمه نعادي اسرائيل مُر العداء و نجعل منها كابوسا يؤرق مضاجعنا، تعترف بدولة اسرائيل، و انها من اجل توطيد ذلك الاعتراف عدلت ميثاقها الوطني لتسقط الفقرات التي تتناقض مع حق اسرائيل في البقاء. و لم يتطوع احد ليقول بان الرمز الفلسطيني و الزعيم الملهم ياسر عرفات كان يزور اسرائيل و يعانق قادتها و سياسييها معانقة الاحباب و يزور منازلهم ليؤدي واجب العزاء عند وفاة عزيز لديهم. و ان الرئيس الحالي ابومازن يفوق سابقه في مواددة الاسرائيليين و مطايبتهم، و ان قادة السلطة الفلسطينية و بعض قادة حماس يطلبون الاستطباب و الرعاية الصحية في مستشفي حداثا التخصصي – فخر مستشفيات الشرق الاوسط - في قلب تل بيب كلما اعتلت صحتهم و يرقدون علي الاسرّة جنبا الي جنب مع قادة الدولة العبرية! و لربما غاب عن الاستاذ رئيس المجلس الوطني وهو يحمل في يديه "فزّاعة" اسرائيل و يلوح بها في وجوه اهل الكنانة ان مصر – قائده مسيرة الكفاح العربي المشترك – تعترف هي ايضا بدولة اسرائيل اعترافا كاملا غير مشروط و تتبادل معها التمثيل الدبلوماسي علي ارفع مستوي، و ان العلم الاسرائيلي الذي يحمل نجمة داؤود ظل يرفرف علي ضفة النيل في قلب القاهرة منذ ١٩٧٨، و ان الوفود السياسية والتجارية والسياحية الاسرائيلية تهبط مطارات و موانئ مصر في البكور و العشيات، و ان الرئيس مبارك شخصيا يستضيف و يعانق و يؤانس القادة الاسرائيليين في منتجع شرم الشيخ بمعدل مرتين في العام!



و اذا كنا في وارد الحديث عن التدخل اليهودي في السودان فمالنا و اساطير الاولين عن بروتوكولات حكماء صهيون وما جاء فيها عن خطط اليهود للسيطرة علي النيل، و اليهود قد دخلوا السودان فعلا لا قولا، في رائعة النهار، و تحت سمع و بصر الحكومات. و دونكم كتاب فيكتور اوستروفسكي الشهير (عن طريق الخداع) الذي يفصّل كيف وجد ضباط الموساد طريقهم الي فندق الهيلتون في الخرطوم عام ١٩٨٤ و ظلوا يجوبون شوارع العاصمة اياما بلياليها، بعلم و مساعدة اجهزة الامن للاشراف علي عمليات نقل يهود الفلاشا الي اسرائيل، و يومها كان قائد الحركة الاسلامية يحتل منصبا دستوريا في قمة السلطة التنفيذية – مساعدا لرئيس الجمهورية - بالقصر الجمهوري، و كان رجل الاسلاميين القوي احمد عبد الرحمن محمد وزيرا للداخلية، و كان الاستاذ احمد ابراهيم الطاهر نفسه يحتل منصبا دستوريا في حكومة اقليم كردفان!! و المفارقة المحيرة في امر المعادلة السودانية الاسرائيلية ان عناصر الموساد دخلت السودان و فعلت علي ارضه الافاعيل في عهد حكم شاركت فيه الحركة الاسلامية مشاركة فعلية كاملة، ثم ان السودانيون بدورهم دخلوا اسرائيل ذرافات ووحدانا في ظل نظام احتكرت فيه الحركة الاسلامية الحكم منفردة دون شريك! اي ان اسرائيل لم تعرف طريقا الي السودان و لم يعرف السودانيون طريقا الي اسرائيل – علي طول تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي - الا تحت الرايات الاسلامية! فمن عجب ان اسرائيل التي يحذر الاستاذ الطاهر مصر من نواياها و خططها المستقبلية هي في يوم الناس هذا مقصد الالاف من اللاجئين السودانيين و كعبتهم، تهفو اليها نفوسهم كما تهفو نفوس المسلمين الي جنة الرضوان، و يقف المئات منهم اليوم طوابيرا علي ابوابها يستعطفون الدولة العبرية ان تضمهم الي صدرها لواذا من جحيم الجنجويد و غارات السلاح الجوي السوداني التي دمرت الحرث و النسل!



غير ان هناك بعض الاسئلة التي تستدرها تصريحات الاستاذ الطاهر للصحيفة المصرية و لكنها ظلت تراوح مكانها بدون اجابة، و نلتمس لها من سيادته شرحا و تنويرا، في مقدمة هذه الاسئلة: ما هو الشيء الذي ستفعله اسرائيل بمجري النيل بعد احكام سيطرتها علي الف كيلو متر وهو الشريط الممتد داخل الاقاليم الجنوبية الحالية؟ هل سيقوم يهود اسرائيل – تحت حماية حكومة جنوب السودان –- بتحويل مجري النيل شرقا الي كينيا او اثيوبيا ام غربا الي افريقيا الوسطي، كما تذهب الاسطورة، فيموت اكثر من مائة مليون مصري و سوداني عطشا! و كيف سينفذ يهود اسرائيل هذا المشروع الجبار؟ هل تراهم يطرحونه في عطاءات دولية و يستقدمون كبري شركات المقاولات في العالم لانجازه تحت سمع و بصر الدنيا و العالمين، و مصر و السودان و دول العالم العربي و افريقيا شاخصة و كأن علي رؤوسها الطير، ام تراهم ينفذونه فرادي باستخدام المحافير اليدوية، تماما كما ارادت حكومة الثورة المنقذة في بداية التسعينات انجاز مشروع حفر ترعتي كنانة والرهد في شمم و اباء ثم تناسته و اغفلته، بعد ذلك، في خفر و حياء؟! و ما الذي عساه ان يحفز حكومة مستقلة في جنوب السودان، لو كتب للجنوب ان يستقل بذاته، لان تفكر في دعوة يهود اسرائيل للسيطرة علي مواردها و استخدامها في مشروعات شيطانية شريرة تفوق الخيال تستعدي عليها دول حوض النيل و المنطقتين الافريقية والعربية و العالم باسره؟!



ولكن السؤال الاكثر الحاحا يبقي: اذا كانت سلطة الثورة المنقذة – التي يجلس الاستاذ الطاهرمع اخرين في كابينة قيادتها - تؤمن فعلا بان السودان و مصر تحدق بهما مخاطر جسيمة كالتي يصورها و يفرزها حتما سيناريو سيطرة يهود اسرائيل علي مساحة الف كيلومتر من مجري وادي النيل فلماذا اذن وقعت مع الحركة الشعبية لتحرير السودان اتفاقا ينقل مثل هذا الخطر من حيز الخيال المستحيل الي نطاق الواقع الممكن؟ لا سيما و ان خبر هذا الخطر و سيرته ليس من الطوارئ المستجدة في ثقافتنا السياسية بل هو جزء راكز في التاريخ والميثولوجيا العربية ظل يعشعش في الرؤوس علي امتداد الازمنة، تماما مثل پروتوكولات حكماء صهيون التي استقر في روعنا لعقود متوالية بان اليهود قد كتبوها دستورا لهم ليدلهم الي طريق السيطرة علي العالم، ثم کشف البحث العلمي انها مجرد وثيقة مفبركة اصطنعتها مخابرات روسيا القيصرية لاهداف خاصة بها!



هل يملك رئيس البرلمان اجابات شافية لهذه الاسئلة المُشرعة، ام انه من الخير له و لنا ان ننسي هذه الخزعبلات و التخاليط، و ان نترك مصر و شعبها لشأنهم يدبّرون امر معاشهم و معادهم بعيدا عن الفزع و الجزع و القلق المصطنع!



عن صحيفة ( الاحداث )

http://wwww.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2070
_________________

Post: #549
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 03:53 AM
Parent: #548


في حضرة عيد ميلادك يطيب الحديث؟!
فتحي الضـو
[email protected]
بادىء ذي بدء ثمة إعتذار نوجهه للسيد باقان أموم الذي بدأنا معه سلسلة حوارية لم تنته بعد، فالموضوع الذي نحن بصدده الآن فرض نفسه على أجندتنا، وبات من الصعوبة بمكان إرجاؤه حتي تنتهي السلسلة، والاعتذار موصول أيضاً للقارىء المتابع لهذا الحوار، ونمزجه بالشكر الجزيل خاصة لأولئك الذين أمطروني بوجهات نظرهم عبر الهاتف، والذين فاض بريدي الالكتروني – رغم سعته – برسائلهم المتواصلة، آملين أن يكون الموضوع الحالي مبرراً موضوعياً لنا في قطع الحوار مؤقتاً، مع وعد بمواصلته بذات الهمة والشفافية الاسبوع المقبل.
إحتفلت أسرة السيد الصادق المهدي الاسبوع الماضي بعيد ميلاده الثاني والسبعين، وهي مناسبة أصبحت ”سنة راتبه“ على حد تعبيره في مستهل كلمته التي ألقاها على الحضور، ذلك رغم ندرة الظاهرة سودانياً وعربياً وأفريقياً، بل قد لا يعرف المرء لها إحياءً راتباً، إلاَّ عند الرئيس المخلوع صدام حسين، والشاه الطريد محمد رضا بهلوي، والجنرال المقبور فيدل بيدل بوكاسا..وبالطبع بئس المثال والذي نرجو ألا يثير كوامن الغضب في نفوس محبي المهدي! لكن على كل حال فهو السياسي السوداني الوحيد الذي دأب على الاحتفال بالمناسبة في مناخ عام وإن إكتسبت زخماً صفوياً، ورغم طغيان السياسوي على الطقس الاجتماعي. وقد شاركه الاحتفال عدد من الدبلوماسيين المعتمدين في السودان، وبعض الكتاب والصحفيين والاعلاميين، بالاضافة إلى أفراد أسرته الكريمة ونفرٌ من منسوبي حزب الأمة، ومن وقائع ما نقلته الصحافة بصورة عامة يلتمس المرء السرور والحبور والسعادة التي غمرت الجميع وعلى رأسهم المحتفي به، ويمكن القول أن مثل هذه المناسبات تنقص من سني عمره ولا تضيف لها عددا، فالرجل بطبعه مجبول على حب الناس، بخاصة إن أحاطوا به إحاطة السوار بالمعصم وبادلوه حباً ووداً وألفة.
بهذا المنظور لعل المناسبة كانت مدعاة لإستدرار عواطف الزميل الحاج وراق الذي تحدث نيابة عن ”منتدى الصحافة والسياسة“ وللذين لا يعلمون أن المنتدي هو نمط من أنماط ”الجهاد المدني“ الذي يحييه المهدي شهرياً وسط رهطٍ من الصحافيين وبعض السياسيين في داره، ويبدو من الاختيار أن وراق بمثابة حجر الرحى فيه! ولكنه حينما أدرك أن حديثه إقترف من بحور عاطفة مشبوبة، وأن الإيجابيات الكثيرة التي ذرَّها على مسامع الحاضرين قد لا تجد إجماعاً، رأي حينئذٍ بكياسة بالغة ألا يُحمِّل تبعات حديثه الناس أجمعين فقال «هذه المداخلة تعبر عن شعوري وعواطفي نحو المحتفى به وليست بالضرورة أن تعبر عن منتدي الصحافة والسياسة» ولا شك أنه أدرك أن المحتفي به يعد ضمن ثُلَّة من السياسيين ذوي الباع الطويل في فنون الإثارة والجدل، ورغم ذلك فقد عزّ على وراق أن يعتبر السلبية الوحيدة التي رصدها في سجل صاحب المناسبة أنموذجا لتناسخ أخطائه، والمفارقة أيضاً – رغم أنف هاتين الملاحظتين – أن الزميل محمد لطيف حينما تحدث وافق وراق بنسبة 99% كما قال هو، وترك بأريحية يحسد عليها نسبة الـ 1% عالقة في سماء الاجتهاد، ونقول نحن إن مثل هذا التطابق ليس هو الذي تصفه العرب العاربة بـ ”توارد الخواطر ووقع الحافر على الحافر“ ولكنه هو عين الذي تقاربه العرب المستعربة ومنهم صديقنا الدبلوماسي عبد المجيد على حسن وأسماه بـ ”الشيء السوداني“ وحكمته في هذا الصك الإجتهادي تستند على أننا قوم مجاملون حتي النخاع، لا نجد حرجاً حين تتداعى العواطف في مواقف فاصلة... على تجميل القبيح وتقبيح الجميل!
من هذا المنطلق وطالما أن المهدي جعل من هذه المناسبة مناسبة للتقييم، (وهذا مما يحمد له) يحق لنا أن نجعلها فرصة للتقويم، وذلك في تذكيره بأخطائه وخطاياه، دون أن نغمطه حقه في تسطير حسناته، ونعتقد أن للمهدي إيجابيات مثل تلك التي تبارى فيها المتحدثون، ولكن بالقدر نفسه له سلبيات ربما صمتوا عنها تأدباً، وهو في كلٍ شأنه شأن الذين إنخرطوا في العمل العام فأصبحوا في عين العاصفة، ولنبدأ بغيض من فيض تلك الايجابيات:
أولاً: بغض النظر عن المبالغة في الوصفة الوحدانية التي أسبغها وراق على المهدي، أجد نفسي متفقاً معه فيما قاله «الأمام الصادق هو السياسي السوداني الوحيد الذي يتقبل النقد حال كونه في قلب السلطة أو خارجها، وظل يتقبل هذا النقد بصبر رحب» وضرب وراق مثلاً بتقديم المهدي لكتاب الكاركتيرست كاروري رغم أنه خصصه لنقده، كذلك يضرب كاتب هذه السطور مثلاً آخراً بنفسه، حيث أنني إنتقدته بشدة في كتابي الأول (محنة النخبة السودانية 1993) ووثقت له بصرامة مسئوليته في إنهيار النظام الديمقراطي الذي كان يقف على رأسه، وكذا ملابسات دوره فيما بين (تهتدون وترجعون) في إطار النشاط المعارض في الخارج (سقوط الأقنعة 2006) ومع ذلك لم ألتمس منه غضباً أو أسمع منه عتاباً رقيقاً كان أم قاسياً مثلما فعل البعض، ولم يفسد النقد العلاقة الشخصية التي نشأت بيننا على بساط العمل العام، رغم أنني ما زلت محتفظاً بكل قناعاتي التي بررت بها تناولي إخفاقاته السياسية، والتي قد لا يراها هو كذلك، لكن أغرب ما إلتمسته في هذا الصدد أن النقد الذي لا يثيره هو، يغضب بغير مبرر كثير من منسوبي الحزب أو الكيان، وتلك حماقة يوصم بها من كان بابوياً أكثر من البابا، أو من إرتضى لنفسه أن يكون من فصيلة ”الحيران“ والأتباع مسلوبي الارادة!
ثانياً: قال المهدي أنه ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، ولكنه تمرد على الواقع فتحولت إلى ملعقة من حديد أو ”علقة حديد“ على حد تعبيره، مؤكداً أنه دفع ثمنها سجون ومنافي ومصادرات، ولا أحسبه يبالغ في هذا الأمر، فبالفعل نالت منه الانظمة الديكتاتورية ودفع ثمناً غالياً في معارضتها، وذلك بغض النظر عن دوره ومسئوليته في تعبيد الطرق لبعض هذه الانظمة للإنقاض على السلطة، وكذلك بغض النظر عن طبيعة منهجه الخاص في معارضة هذه الانظمة!
ثالثاً: يشهد الجميع للمهدي بالعفة وطهارة اليد وخلو سجله من الفساد، وهو ذريعة الانظمة العسكرية دوماً في الإنقضاض على السلطة! ولنضرب مثلاً بإنقلاب الطغمة الانقاذية التي لم تجد شيئاً تلصقه به سوى أنه كثير الكلام، ورأت أن تلك جريرة تستحق أن تُضمَّنها البيان الأول، ثم تدور الدوائر فإذا بها تُشيّد مصانع للكلام وتجعل للفساد سنناً وفرائض! ولم يكتف المهدي بحرمة المال العام على نفسه، ولكنه زاد على ذلك بما هو أسمى، إذ قرر العمل بغير أجر، وهو في حقيقة أمره ليس من هواة جمع المال، مثل أولئك الذين كادوا أن يعبدوه، وقد إستعاض عن هذه ”الفتنة“ بالإستزاده من بحور العلم والمعرفة والفكر، لكن مع ذلك فقد يرى البعض أن سكوته على مفسدين في حكومته وبخاصة الفترة الاخيرة، كان خصماً على ذلك السجل الناصع، وبالتالي كان سبباً بعدئذٍ في تضعضع حُكمه وإنزواء بريق السلطة عنه بعض الشىء!
رابعاً: يُعدّ المهدي ضمن قلَّة من جملة ساسة أهل السودان، ممن يحرصون على تثقيف أنفسهم في شتي ضروب المعرفة، وأذكر أن المرحوم عمر نور الدائم (طيّب الله ثراه) لم يجد حرجاً في قوله لي ذات يوم «سيد صادق يُوفر علىّ قراءة كتاب من 700 صفحة» والمعروف أن المهدي يكتب بصورة راتبه في الصحف السيارة، وكذلك شغل نفسه بتأليف العديد من الكتب، بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معه فى آراءه وأفكاره المطروحة في ثناياها، وقد ذكر وراق أن له أكثر من «تسعين كتابا وورقة» والحقيقة أن بعضها يصعب على المرء تصنيفه في دائرة الكتب وفق المعايير العلمية المعروفة في هذا الخصوص، وكأني به شغوفاً بالكم دون الكيف! ومهما يكن فهو قد تصدر الناشطين السياسيين جميعهم في هذا المضمار، علماً أن بعضهم – وفق معايشة موضوعية – لا يطالعون سوى بياناتهم وتصريحاتهم الصحافية، وقد رأيت بعضهم يحمل أسفاره تلك في حقائبه، ويُعيد قراءتها بين الفينة والأخرى.. بزهو وخيلاء الطواويس!
خامساً: أيضاً يجد المرء نفسه يتفق إلى حد ما مع وراق في وصفه للمحتفي به بالإعتدال، ولربما أن الاحتفال بهذه مناسبة يعد دليلاً ساطعاً على الاعتدال نفسه، ولكن يصعب علىّ أن أمضى إلى أبعد من ذلك مثلما فعل وراق في تنصيبه «رمزاً للإعتدال في السودان» والحقيقة تلك مزية لا يستطيع كائناً من كان في التاريخ المعاصر، أن يسلبها شهيد الفكر الاستاذ محمود محمد طه، ويكفيه أنه هزم التطرف الأرعن رغم أن الثمن كان حياته، كذلك يصعب علىّ ان أوافق وراق في إجتهاد آخرٍ إشتط فيه بمبالغة غير محمودة العواقب وذلك في قوله «ليس مصادفة أن يأتي ميلاده في الخامس والعشرين من ديسمبر ذات تاريخ المسيح عليه السلام، وكأنما القدر اراد أن يلعب دوراً تاريخياً هاماً في حياة السودان، وأن يكون الجسر نحو المسيحيين وكسر للهوة بين الشمال والجنوب» والحقيقة هناك من إتخذ هذه الفرضية على العكس تماماً، وقال أن المهدي في بواكير شبابه تلبسته أوهام المُنقِّذ كما المسيح! لكني أزيد على الاعتدالية التي ذكرها وراق بالتأكيد على الأدب الجم الذي يتمتع به المهدي، وليس ثمة مقارنة مع ”بلدوزرات“ وطنّوا أنفسهم على وطء القيم والاخلاق والمباديء!

ذلك ما نراه من ايجابيات تصب في ميزان حسنات المحتفي به في عيد ميلاده الثاني والسبعين، وأعتقد بأنها لازمته طيلة سني حياته وليس فيها من أمر مستجد أو طارىء، وتلك تحسب له أيضاً بمنظور أنه كان صمدياً في التمسك بهذه المُثُل، وعلى الجانب الآخر هناك ما نراه سلبيات رمت بظلالها الكئيبة على حياته بخاصة السياسية، وبعضها سرده هو وحاول تفنيده في حديثه حول المناسبة، ورأينا أن منطِقِه لم يكن مقنعاً، وعليه فليتسع صدره لسماعها:
أولاً: المعروف أن المهدي رجل وفاقي، يحاول دوماً إرضاء كل الناس وهي غاية لا تُدرك، لكن هذه وتلك هي نقطة ضعفه، التي تدل على التردد وعدم القدرة على إتخاذ القرار، ولهذا حكم ببوهيمية دونما هدف فأورث البلاد شططاً، وكلما حاصرته المشاكل هرب إلى الأمام!
ثانياً: تُعدّ فضيلة الاعتراف بالخطأ فريضة غائبة في منهج المهدي السياسي، ويُلحق ذلك بمجافاته مبدأ النقد الذاتي، وعوضاً عن هذا وذاك يلجأ إلى المكابرة في تزيين أخطائه وإلباسها ثوباً مزركشاً من النجاحات غير المرئية، ثم يرمي باللائمة على آخرين كلما إنكسر الاناء وتدفقت محتوياته! مثل هذا المنهج الغريب مارسه حتى فى المناسبة موضع المقال، إذ إنتقد الاحزاب جميعها وصنّفها بـ «فئران وارانب وسباع» وذلك في إشارة إلى أن حزبه هزبر الساحة، فلو أنه كان كذلك فلماذا ظلَّت ثعالبها تعوث فيها فساداً لما يناهز العقدين من الزمن! وأيضاً إنتقد رؤساء الأحزاب وزكّى نفسه بإعتباره البحر الذي في أحشائه الدر كامناً.. أو كما قال!
ثالثاً: إنطلاقاً من هذه الفرضية، فالمهدي ورؤساء أحزاب آخرين، يعتقدون أنهم ما خُلِقوا إلا ليكونوا رؤساء على العباد، وإن تعذر فرؤساء في أحزابهم وهذا أضعف الأحلام، صحيح ألا أحد يستطيع أن ينازع المهدي رئاسة حزبه، مثلما ألا أحد يضارعه ملكاته السياسية والفكرية، ولكن هذه وتلك لا تمنحانه الشرعية في الجلوس المستدام على سدة الرئاسة، وكلنا يعلم لو أن ذلك يجدي لتمكن رؤساء من البقاء في السلطة حتى يطوف عليهم عزرائيل، ولكنهم آثروا الإمتثال لقواعد اللعبة الديمقراطية، وغادروا كراسيهم وهم في قمة مجدهم وعطائهم بل في ميعة الشباب!
رابعاً: الأنكى من ما سبق أن المهدي حاكى لويس الرابع عشر وقال «أنا الحزب والحزب أنا» وهذا الكفر السياسي أفصح عنه صراحة في الكواليس، حينما إحتدمت الأزمة بينه وبين السيد مبارك الفاضل، ومن نكد الدنيا على السودانيين، أن يقنعهم رئيس حزب غير منتخب ديمقراطياً.. أنه يسعي لإسترداد الديمقراطية! وكأنهم لا يعلمون أن فاقد الشىء لا يعطيه!
خامساً: أومأ وراق أن المهدي مثال للمزواج بين التقليدي والحديث، واستدل بالمناسبة نفسها «من الاشياء التي تكاد تكون مستغربة أن يحتفي رجل دين بعيد ميلاده، وهي المناسبة التي في نظر الكثيرين بدعة» ما نراه بصدق أن الأمر ليس مزاوجة كما قال، إنما هو إصطراع مزمن بين نقيضين في نفس المهدي، وهذا الاصطراع أدي في بعض الأحيان إلى مواقف مربكة، مثال موقفه من إلغاء قوانين سبتمبر قبل وبعد سقوط نميري، وليس بعيداً الآن أن ينكص على عقبيه مستقبلاً في قضية فصل الدين عن السياسة، بعدما جهر بعكس ذلك مؤخراً، ونسي أن حزبه كان ضمن الموقعين على حسمها في اسمرا1995 وقد وافق عليها قبل إنسلاخه من التجمع الوطني!
سادساً: كشف المهدي عن إحدي عورات الحزب، ففي سياق حديثه في المناسبة قال أنه قام بأربع وعشرين رحلة داخل الوطن، وست وعشرين خارجه، فهو يلجأ لاسلوب العرض المنفرد One man show ويستأثر لنفسه بهذه المنابر، وبالتالي لا يمكن القول أن مشاركته تلك في إطار الجماعية والمؤسسية، وهما الكلمتان اللتان يعافهما المهدي وينفر منهما فرار من لا يخشي لومة لائم!
سابعاً: كثيراً ما دافع المهدي عن ظاهرة توريث أسرته أو تبوأهم وظائف قيادية في الحزب بالإدعاء أن ترفيعهم جاء نتيجة عطائهم وإمكاناتهم الذاتية، والواقع أن ذلك قول ضعيف كحديث الذبابة، فمع كامل الاحترام للوارثين، إلا أن تلك مكانة لن يبلغوها لولا أن رئيس الحزب هو والدهم، ولولا أنهم يقبعون في حزب طائفي تشابكت فيه السياسة بالقداسة، فالمعروف أن بعضهم (حباه) الله بقدراتٍ متواضعةٍ وليس في ذلك عيب، فالعيب أن تنكر العين ضوء الشمس من رمدٍ!
ثامناً: أشعر بأنه ينبغي عليّ التوقف عن الرصد، ليس لأن باقي القصة معروف، ولكن لأن هذا طريق لو سدرت فيه لأفسدت على ”الأمام“ بهجة يومه هذا، وأخشي أن يقول عني ”الأحباب“ أنني من المطففين الذين إذا إكتالوا على الناس يستوفون، فوالله أنا أيضاً أحبه ولكن بغير جلباب السياسي، ولا يمنعني تقييمي هذا أن أدعو له في هذه المناسبة بطول العمر والصحة والعافية، وأردد له ما يغنيه فنان الشباب كاظم الساهر .. «كل عام وأنت بحب».. سيدي الأمام!!
عن صحيفة (الأحداث) 2/1/2008



http://wwww.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2340
_________________

Post: #550
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 03:19 PM
Parent: #1


حوار في الساعة الخامسة والعشرين مع باقان أموم (7)

فتحي الضـو

[email protected]



نواصل في هذا المبحث الحديث حول موضوع اللغة، بتأكيد مبدئي على أنه رغم تناولي لها إضطراراً، إلاّ أن تقديراتى تشير إلى أن وضوح الرؤى حولها يمكن أن يُعبِّد الطريق نحو أي من النجدين..الوحدة أو الانفصال. وطالما أنني لا أخفي تعصُّبي نحو الأولى فسألقي ببُردة المسؤولية الوطنية والأخلاقية على كاهل الحركة الشعبية، وبالطبع لا يوجد سبب يجعلني – وفق قناعاتي الخاصة – أن أتأمل خيراً في شريكها المسمي ”المؤتمر الوطني“ حتى وإن إرتدى جلباب نيفاشا توسلاً لشرعية مفقودة! بالإضافة إلى أننا حينما تأملنا حسم الجدل في الحلقة الماضية لصالح اللغة العربية...لم يكن ذلك تطرفاً ولا إنحيازاً ولا تعصباً، ولكن لإدراكنا أن اللغة لا تمنح هوية فهي مجرد وسيلة للتواصل الانساني والمعرفي، كذلك فإن شواهد الواقع تقول أنه وبعد أن أصبحت اللغة العربية قاسماً مشتركاً بين قبائل الجنوب نفسه (سواء أسمها اللغة الهجين أو ”عربي جوبا“) إضافة إلى أنه وبدون أي مكابرة تعتبر الآن الشعرة الوحيدة التي تربط بين شعوب الكيانين الشمالي والجنوبي إلى حين إشعار آخر، ولكن بعض الذين أصابتهم ما أسميناه ”فوبيا اللغة“ يرون فيما يجسده هذا الواقع.. خطيئة وطنية، فظلّوا وما انفكوا يغرقوننا في (جدل البئر المعطلة والقصر المشيد) وقد إستثنينا منهم زعيم الحركة الراحل دكتور قرنق بالرواية التي شاركناه حبكها.. ونزيد عليها بالتالى:

في العام 1986 فاجأ قرنق مستمعيه الذين جاءوا إلى أثيوبيا للإلتقاء به للمرة الأولي في كوكادام، وقد تركوا وراءهم الخرطوم تمضغ بقايا ثورة لم تكتمل، ويحرسها جند معلومون قدَّر قرنق أن يُسميهم ”مايو2“ أى إمتداد للنظام الذي ظن القادمون أنهم قبروه، ومن المفارقات وبعد أكثر من عقدين من الزمن أصبح أسمهم في زمن المسغبة السياسية الراهن ”مجلس الحكماء“ أي الذين ينتظر شعب السودان المكلوم أن يجري الله الحكمة على ألسنتهم ليخرجوا بها البلاد من الظلمات إلى النور.. قال قرنق «نحن نتاج لتطور تاريخي، واللغة العربية مع ضعف إلمامي بها وحرصي على إجادتها سريعاً، لابد أن تكون اللغة الرسمية للسودان الجديد، ونحن صريحون وواضحون في كل شىء، لا يمكن القول أن اللغة العربية هي لغة العرب وحدهم (يقصد عرب السودان: د. منصور خالد) وإنما هي لغة السودان كله، فالإنجليزية هي لغة الأمريكان ولكن القطر الذي يسكنونه هو أمريكا وليس انجلترا، والاسبانية لغة الأرجنتين وبوليفيا وكوبا وكل هذه البلاد معروفة وليست إسبانيا. نحن جادون فيما نريد ولا نحس بمرارة فيما نقول، نحن جادون في خلق سودان جديد، يخلق حضارة جديدة تضيف إلى العرب وإلى الأفارقة حضارة الانسان، فالحضارة ليست ملكاً لأحد لأن الحضارات جميعها وليدة تلاقح» (المصدر: مجلة كتابات سودانية العدد 33 ص 24) لمثل هذا الكلام لا يخالجني أدني شك في أن رئيس الحركة الحالي الفريق سيلفا كير ميارديت سيخلع قبعته إحتراما وتقديراً، أما أنا فقد أنحنيت له تكريماً وتبجيلاً حتى كلَّ ظهري!

وأزيد على المثال أمثلةً من الجوار الإقليمي، تشاد تلك الدولة التي ظللنا نستعلي عليها سياسياً وإجتماعياً وثقافياً، وفي ظل حكم عصبة الانقاذ إشتد ساعدها فإستعلت علينا عسكرياً، هي الدولة الوحيدة خارج حظيرة الجامعة العربية...التي أقدمت (برضاها) على إقرار اللغة العربية في دستورها كلغة رسمية إلى جانب الفرنسية لغة المستعمر، أما جيبوتي التي تبدو أكثر إعتزازاً بعروبتها، فقد فعلت الشىء نفسه أي إقرار اللغة العربية في الدستور، ورغم أن ذلك أهَلّها لإحتلال مقعد في منظومة الجامعة العربية المذكورة، لكن المفارقة أن لغة التخاطب في الدوائر الحكومية والشارع العام هي الفرنسية.. إلا من رحم ربي! وأيضاً اريتريا فبرغم أن المتحدثين بالعربية أكثر عدداً من جيبوتي، إلا أن قيادتها تمنَّعت في الانضمام للجامعة العربية لتوهمها أن ذلك سيشوش على هويتها، ونضرب كذلك مثلاً بالبلد الذي نعيش على ظهرانيه وقد ذكره د. جون في سياق حديثه، فالمعروف أن الدستور الأمريكي صمت عن إقرار اللغة الرسمية، فسادت الانجليزية وهي لغة المستعمر البريطاني بشرعية الأمر الواقع Defacto ويتحدثها نحو 96% من السكان، في الوقت الذي إندثرت فيه لغة أهلها ألاصليين (الهنود الحمر) رويدا رويدا، وحالياً نتيجة تغييرات ديمغرافية بدأت الاسبانية (يتحدثها حوالي 30 مليون نسمة ما يعادل 12% من السكان) تفرض نفسها بقوة، وقد تصبح اللغة الأولى في السنوات القادمة في بعض الولايات مثل تكساس وكليفورنيا، ومع ذلك لم يشتك أحداً ولم يقل أن الاسبان قادمون لإستعمار أمريكا، وفي التقدير أن كل هذه الأمثلة تؤكد ما قلناه آنفاً أن اللغة لا تمنح هوية، بل حتى بالنسبة للعقيدة الاسلامية فهي (تابعة) وليست (متبوعة) كما قال شهيد الفكر الحر الاستاذ محمود محمد طه!

إن اللغة ينبغي أن تكون في إحدي غاياتها السامية عامل توحد بين الشعوب، وصحيح أن اللغة العربية التي ظلت تنمو وتزدهر في السودان لأكثر من سبعة قرون لم تكن كذلك، نسبة لأن البعض أقحمها بصورة أو أخري في النزاعات المسلحة والحروب الأهلية، وحمَّلها ما لا تطيق حينما إندلع من ركام تلك الحروب والنزاعات سؤال الهوية. كذلك لا يرى المرء سبباً وجيهاً يفسر إفتعال البعض معركة في غير معترك، أي إدارة صراع خفي بين اللغتين العربية والانجليزية، رغم أنهما لغتين وافدتان وإن إختلفت طرق إنتشارهما في السودان، ولعل هذا هو ما دفعني للتساؤل سراً بينما كنت اشاهد وقائع الاحتفال بالذكرى الثالثة لإتفاقية السلام في أستاد واو يوم الأثنين 14/1/2008 إلى من وجّه المتحدثون باللغة الانجليزية حديثهم؟ هل للجالسين على المنصة أم للمنتشرين في الاستاد؟! ويتعقّد التساؤل أكثر لأن اللقاء مبثوث على الهواء، وبالطبع مقصود به السودانيين في الداخل والخارج، وبينهم نسبة معتبرة من غير الناطقين بها!

بما أن الشىء بالشىء يذكر، بصرف النظر عن المحتوى وطبيعة النظام، من منَّا لم يشعر بالزهو والاعزاز حينما خاطب الدكتور لام أكول مؤتمر القمة العربية الذي إنعقد في الخرطوم العام 2006 بلغة عربية فصيحة حرضت الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى على البوح بمكنون صدره من إعجاب مستتر، وكلنا يعلم آنذاك أن العرب العاربة الذين خاطبهم أكول، منهم من يتعثر في قراءة سطرين، وإذا قيض المولى له أن يكملهما دون تأتأة فقد يظن أن تلك درجه تؤهله لأن يصبح كليم الله. على كلٍ أستطيع أن أقول بقرائن الأحوال، إن إجادة لام ورفيقه مشار اللغة العربية كانت حافزاً لدكتور جون في محاولاته تحسين لغته، وأعلم أن أكثر ما ساءه في إنقسامهما الشهير العام 1991 وإرتمائهما في أحضان نظام الخرطوم، كان ظهورهما وآخرين في الأجهزة الإعلامية الرسمية واللقاءات الجماهيرية ومخاطبة الناس بلسان عربي مبين، رغم أنهما لا يمتلكان ذات الكاريزما التي يتمتع بها هو! وكنت قد قرأت رأئاً لرئيس مجلس إدارة الصمغ العربي المستشار منصور خالد (الرأي العام 11/11/2003) قال فيه «أن د. جون بدأ يتجاوز عقبة الحديث باللغة العربية» ويومها كانت نيفاشا تقدم رجلاً وتؤخر أخرى!

كذلك أطمح من خلال إثارتي قضية اللغة هذه رداً على ما أدلي به أموم على رتق الفتوق التي صاحبت الحرب الأهلية في جنوب البلاد منذ أن بدأت بشرارة تمرد العام 1955 وقد هالني أثناء إعادة قراءة تقرير لجنة التحقيق الاداري التي عينها وزير الداخلية السيد على عبد الرحمن (الشيخ الأحمر) كما كانت تطلق عليه صحافة ذاك الزمان، وكانت اللجنة برئاسة قاضٍ فلسطيني مشهود له بالكفاءة والنزاهة وهو توفيق قطران قاضي المحكمة العليا، وعضوية خليفة محجوب مدير عام مشاريع الاستوائية، ولوليك لادو زعيم قبيلة ليريا، وبعد عام كامل من التحقيقات الميدانية في مدن مختلفة في الجنوب والخرطوم العاصمة أصدرت اللجنة تقريرها قي 18/2/1956 ولم ينشر حينذاك كاملاً وهو يعد من أهم الوثائق التي وضعت الأصبع على الجرح النازف، ورغم مرور أكثر من نصف قرن على الحدث، إلا أن ذلك التقرير يعد مرجعاً لتفسير كل ما إلتبس في لوح الحرب، وما يهمنا فيه الآن موضوع اللغة وتأثيرها في التمرد.

في سياق التسلسل التاريخي للمشكلة أشار التقرير إلى أنه في إطار الحيثيات إختط السكرتير الاداري آنذاك المستر هارولد ماكيمايكل مطلع العام 1930 سياسة جديدة بالنسبة للجنوب إقتضت «إمداد الجنوب بموظفين لا يتكلمون اللغة العربية من إداريين وكتبة وفنيين، كما شملت الرقابة على هجرة التجار من الشمال وإستعمال اللغة الانجليزية عندما يكون التفاهم باللهجات المحلية مستحيلاً» وقد ترتب على هذه السياسة عملياً خمسة سلبيات..ويهمنا منها الأخيرة «ألغى تدريس اللغة العربية كمادة في المدارس» وتؤكد الوثيقة التعسف الذي صاحب تنفيذ هذه الاجراءات «إن المدى الذي أتبع في تطبيق هذه السياسة بلغ حداً صبيانياً. فقد هجرت قرية كافيا كنجي (مديرية بحر الغزال) وخلقت منطقة حرام بين دارفور وبحر الغزال لمنع إختلاط العرب والزنوج، وحتى المسلمين من الزنوج من الأقطار الأخرى من أفريقيا مثل الفلاتة والهوسة قد أجلوا» إلى أن تخلص الوثيقة للنتيجة «صار إستعمال لغة التخاطب بين القبائل المختلفة (نوع ركيك من اللغة العربية) جريمة يعاقب من يتكلمها في المدرسة» كذلك أجبر من «كانوا يسمون بأسماء عربية لعدة أجيال على تغيير أسمائهم» تلك كانت نطفة المستعمر التي قذفها في رحم الوطن وولدت جنيناً مشوهاً ترعرع في كنف الحرب والكراهية، وبالطبع لا يوجد مغامر يرغب في إعادة عقارب الساعة للوراء ليرتكب الخطيئة نفسها، طالما أن هناك عقلاء مهمتهم هدهدت الفتنة في مرقدها!

لكني أخشي أن يكون أموم قد أومأ في حواره مع ”الرأي العام“ إلى إمكانية إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بصورة أخري، حيث أشار إلى اللغة الانجليزية كبديل محتمل رغم أن ذلك قول سبقه نفى منه، والحق يقال إن صدق هذا، فقد يكون أشبه بحال المستجير من الرمضاء بالنار، وكان الصحفي قد سأله عما إذا كانت الانجليزية لغة سودانية؟ فتحذلق قائلاَ «نعم الانجليزية لغة سودانية بحكم الاستعمار الانجليزى، والصفوة السودانية تعلمت باللغة الانجليزية والجامعات السودانية كان التدريس فيها باللغة الانجليزية حتى جاءت الانقاذ بما يسمي ثورة التعليم العالي.. وبالتالي فإن الانجليزية لغة سودانية بحكم أننا ورثناها من المستعمر الانجليزي» الواقع أنا لا أعلم رد فعل القارىء فيما قرأ، ولكن شخصاً مثلي يعرف قائله معرفة لا إدعاء فيها لابد وأن يقطب جبينه إستغراباً، وتنكمش نفسه إستنكاراً، ويتمدد عقله في محاولة لمعرفة أي دوافع ميتافيزيقية حدت بالقائل أن يسُمّ طعامه بيده!

لعل أموم يعلم أن إسترجاع عقارب الساعة تمثل في أن تماثل اللغتين كاد أن يعصف بمحادثات أديس أبابا بين نظام نميري وحركة تحرير السودان بقيادة جوزيف لاقو، وذلك من قبل أن تفضي للإتفاق الشهير في مارس 1972 يومذاك رفضت الحركة أن تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية بإعتبارها لغة إستعمارية، إلى أن تمّ تجاوز العقبة بإقرار اللغة العربية، والانجليزية اللغة الرسمية في الجنوب أي لغة المكاتب، والواقع أن ذلك القرار لم يزد من إستخدام اللغة الانجليزية ولم يحد من إنتشار اللغة العربية، وتجدر الإشارة إلى أننا حينما نقول اللغة العربية فنحن نعني تحديداً اللغة الهجين التي أصطلح على تسميتها بـ ”عربي جوبا“ ولعلها بهذه التسمية تدرأ الشبهات في نفوس الذين أصابتهم ”فوبيا اللغة“ كما ذكرنا، وقد أسعدني الجهد الذي أنجزه دكتور بول دينق شول ولعله كان بعنوان ”لهجة جوبا العربية“ والذي نوقش في منتدي بمتحف التاريخ الطبيعي في يونيو العام الماضي 2007.

إن حسم الجدل حول موضوع اللغة لا يعني بأية حال إهمال اللغات الأخري أو الإستعلاء على الثقافات الأخري، ولعل الفرضية الأولى هي التي أدت إلى إنقراض بعض اللغات واللهجات السودانية، وذلك ما أكده (الراية القطرية 13/12/2007) البروفسير يوسف الخليفة أبوبكر رئيس دائرة اللغويات في مجمع اللغة العربية في السودان «بين يدينا سبع لغات لا يتحدثها إلا بضع مئات، وأخري إنقرضت في خلال القرن العشرين منها لغة حرازة وبِرقِد وقلي» والأخيرة هذه للذين لا يعلمون كانت لغة دولة الفونج، وقال أنه في زيارة للمنطقة عام 1977 وجد أربعة أشخاص فقط يتحدثونها، كانت أعمارهم تجاوزت السبعين!

في ختام مبحث اللغة أرجو ألا يندهش القراء مثلي إن علموا أن هناك جسماً غير مرئي يسمي ”مفوضية اللغات“ ويبدو أنها عاطلة عن العمل مثل صنواتها، وما أكثر العاطل عن العمل في أجندة الشريكين!

نواصل...



عن صحيفة (الأحداث) 16/1/2008



http://wwww.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2463
_________________

Post: #551
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 03:20 PM
Parent: #550


(أنتِفوها) ... يرحمكم الله!



فتحي الضـو

[email protected]



في بواكير عهدهم بالسلطة بالمُغتَصَبة، حاول دهاقنة الانقاذ يومذاك تشنيف آذان السودانيين بإحدي بدع الضلالة التي تصتك لذكرها الأسنان وترتعد الفرائص، فإدعّوا أن العناية الإلهية إبتعثتهم في مهمة دنيوية تهدف الي «إعادة صياغة الانسان السوداني» غير آبهين بإنقطاع الوحي عن العباد، ولا خواتيم المهام الربانية، وكان ذلك من الشعارات ذات العيار الثقيل، أي تلك التي ترسل كل من يحاول الاقتراب الي محرقة التكفير، ولم يكن ثمة مناصٍ أن ينتبذ القوم مكاناً علياً، ويوطّنوا النفس صبراً علي المكاره، ريثما يستبينوا ليلهم من ضحاهم!

وقيل يومئذٍ أن الذين تواصوا علي وثيقة الاعلان العالمي لحقوق الانسان قبل نحو نصف قرن أو يزيد، تحسسوا مقابض أقلامهم وكادوا أن يعلنوا عجزهم وفشلهم وخيبتهم، لأنهم بقدر ما اجتهدوا وصاغوا الخيال واقعاً، ولم يتركوا فيه شاردة ولا واردة إلا وضمنوها تلك الوثيقة، إلاّ انهم لم يخطر ببالهم أن نظاماً يمكن أن يأتي إلي سدة السلطة - بغض النظر عن شرعيته - ويدعو جهرة الي (التطهير الذاتي)!

فكر الصاغة ثم قدروا أن مشروع إعادة الصياغة يستوجب توفير كل أسلحة الدمار الشامل، تلك التي تحيل المثل والقيم والأخلاق الي هشيم تذروه الرياح بين غمضة عين وإنتباهتها. استنهضوا من بين الركام متشاعر موهوم، وظيفته الترغيب في الآخرة، ولكن (بتتفيه) الدنيا التي أوصي المولي عباده بها خيراً! وأزاحوا الغبار عن مغنٍ إفتري علي الناس عبثاً، وطفق يرهق عباد الله بتلك الطلاسم التي تخدش الوجدان وتبلّد المشاعر وتدمي القلوب التي في الصدور!

بيد أن الصاغة رأوا أيضاً ان الصياغة لن يكتمل بدرها إلا إذا إستنبت القوم تلك الشعيرات في أذقانهم وهم مقمحون، فهرعوا الي بطون الكتب الصفراء يستخرجون منها سموم تلك الأفاعي الزاهية الوانها، ومثلما يسري الطاعون في مدن المسغبة، صحا الناس ذات يوم ووجدوا وجوه أصحاب المشروع وقد إكتست شَعَراً، واضحت تهلل وتكبر شِعراً. غير أن تلك الفتيا وضعت البعض في حرج بالغ، لأن تكوينهم الجسماني البايولوجي لا يساعد في إستنبات ذلك الزرع، فإستجلبوا له كل أنواع السماد البشري ليستغلظ ويقوي علي سوقه! وبدأوا كأنهم حُمر مستنفرة، فرّت من قسورة!

إزاء الترهيب الوظيفي والاجتماعي والارهاب الفكري والديني، لم يكن أمام الذين في روما أن يفعلوا سوي ما يفعله الرومان، ولهذا لم يكن بمستغربٍ أن يجاري البعض الظاهرة، ليبدوا من قبيلة أهل الولاء، فجنحوا كذلك إلي إستنبات شعيرات يُقمّن صُلبّهم، ويدرأوا عنهم شبهة التكفير وسيف الصالح العام المشهور في الوجوه، لكن ذلك ما لا يمكن أن تتجاهله المخيلة الشعبية، ويفوت علي فطنة الذين تعودوا علي مداراة همومهم بالسخرية منها، فأطلقوا علي الظاهرة مسميات تتسق والإنتهازية التي نهلت منها، فسموها مرة (دعوني أعيش) وأخري (من أجل أبنائي) وثالثة (تمكنّا) ورابعة (تفرعنّا)، وتجدر الإشارة أن الأخيره هذه من مسكوكاتي الخاصة، بعد أن إستهوتني القافية، غير أنني وجدت فيها التعبير الأقرب للظاهرة من حبل الوريد!

تذكرون يا سادتي – وما أبأس ذكرياتنا – يومذاك خرج عرّاب النظام الجديد من (النور) إلي (الظلام) بعد أن أكمل شهور (العُدّة السياسية) التي قضاها مع ضحاياه في السجن العتيد، فنحروا له قطعان من الخراف والأبقار والجمال، فحركت رائحة الدم شهوة القتل والانتقام والثأر في قطيع ثيران المصارعة الاسبانية، فصاح نائحهم يا معشر بني غربان نريدها حمراء بكل يد مضرجة تدق! ومن أراد أن تثكله أمه فليحاول أن ينزع منّا قميصاً ألبسنا له الله؟! هنيهةً بعدها وقاموا بنحر 28 نفساً زكية في مثل هذا اليوم من رمضان الفضيل، وقالوا للناس من رأي منكم الشهر متسربلاً دماء الأبرياء فليصمة أبد الدهر!

بعد أن جاءته الخلافة تجرجر أذيالها إعكتف الشيخ قليلاً في مدينة (قُمْ) الكائنة في أطراف العاصمة، وقال لحوارييه متي أضع العمامة تعرفوني، وبدأ يرسم لهم المشروع سطرا سطرا، ويصدر لهم الفرمانات شفاهة دون قلم يُدمي بنانه، وأصبحت داره كدار أبي سفيان، من دخلها فقد أمن نفسه وأهله من غوائل الدهر، ثم خرج عليهم ذات يوم وقد إرتدي البزة العسكرية، وأشار بعصاه جنوباً وقال لهم بصوت جهير: يا سارية خاصرة الوطن! فحمل النيل الأبيض دماءً حمراء أثقل من الماء ووضع أوزارها عند ملتقي النيلين، وحينئذٍ تحولت الخرطوم إلي سرادق كبيرة للعزاء!

ثمّ مدّ بصره إلي ما وراء الحدود، فتلبسته أوهام الأممية، فقال مخاطباً الغافلين والذين في آذانهم وقر «هذا نموذج سوداني سنحسنه ونهديه للعالم!» ويومئذ كان في ذاك الوطن مواطناً يدعي أبوبكر الصديق يزجر أبنه لمجرد أنه طلب منه (حق الفطور)، وآخر أسمه علي بن أبي طالب وقد وضع يديه علي خديه لأنه لا يملك (حق الدواء) لزغب حواصل يتضورون سقماً، وثالث أسمه عثمان بن عفّان يهيم علي وجهه بعد أن فُصل للصالح العام، ولم يك ساكن القصر الذي بناه غردون هو عمر بن الخطاب الذي صعد المنبر بغتةً وقال «ايها الناس تعرفون أني رعيت في مكة غنم خالات لي من بني مخزوم نظير حبات من تمر أو قبضة من زبيب، ثم ترجل عن المنبر، كمن خلّف من وراءه حملاً ثقيلاً، فباغته عبد الرحمن بن عوف وسائله لماذا قال ما قال، فيجيبه ويحك، يا إبن عوف خلوت بنفسي فقالت لي أنت أمير المؤمنين وليس بينك وبين الله أحد فمن ذا أفضل منك؟! فأردت أن أعرفها قدرها!»

تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، ولكنك لن تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت، يومئذٍ وقفت عصبة الانقاذ في العقبة، وهي لا تلوي علي كبير شيء، ولهذا لم يكن غريباً ولا مفاجئاً ان يختلف اللصان ويظهر المسروق للناس والشمس في رابعة السماء، ذلك لأن اعادة الصياغة لا تأتي عبر دبابة، ولا تسكن بيوت اشباح، ولا تأكل اموال الدولة بالباطل، ولا تعث في الأرض فساداً، ولا تستحل السحت، ولا تقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، ولا تخن الأمانات، ولا تكذب إن أقسمت، ولا تنم متخمة وفي (الرعية) من يبيت الطوي، وفي ريع دولتها حق للسائل والمحروم!

عندما كان المشروع الحضاري تتساقط أوراقه واحدة تلو أخري فيما أسميناه في مقال سابق (بالإستيربتيز الأيدولوجي)، كان المكلومون يبحثون عن ابنه السفاح المسمي (اعادة صياغة الانسان السوداني) فأدركوا أنه حي يرزق، فقد نجحت العصبة في مهمتها الدنيوية والأخروية ولكن في مسار آخر علي عكس ما إجتهد الفارابي في تضميينه مدينته الفاضلة، وبخلاف ما رمي له أفلاطون في جمهوريته المثالية، وفرّت حتي من مثالهم، حاكمية سيد قطب وأبو العلاء المودودي، والمفارقة أن المتهم رقم واحد والموصوم بالارهاب الدولي والذي سبق وأن قسّم العالم إلي فسطاطين، تبرأ منهم هو أيضاً قبل أن يدير لهم ظهره ويعود من حيث أتي! وبالتالي ليس علي الملتبس حرج إن لم يستطع تصنيف دولة المنقذين الجدد، بعد أن أصبحت بلا لون ولا طعم ولا رائحة!

بعد ما يناهز العقدين من الصياغة الاجبارية، كانت المحصلة تدعو للحزن والرثاء، إنتشرت الظواهر السالبة في المجتمع، إزدادت معدلات الفقر، تفاقمت الجريمة، تمدد الفساد المالي، تفشي الفساد الأخلاقي، انحسرت القيم الجميلة التي كان يستظل بها الناس وتباهوا بها شعراً ونثراً، وحلت مكانها ثقافة أخري تدعو للرذيلة وتحور مسمياتها، فقد أصبحت السرقة شطارة، والاختلاس فهلوة، والنصب والاحتيال علاقات عامة، تحول أصحاب الايادي المتوضئة إلي غزاة استباحوا مدينة غريبة، سآموا أهاليها سوء العذاب، واستحيوا نساءها بذرائع الحلال مثني وثلاث ورباع، وتطالوا في البنيان بدعوي أن ربك حثهم علي الحديث بنعمته، وأصبح مألوفاً أن يري الناس دينهم الذي جبلوا عليه بالفطرة وقد ولي الادبار، وقال البعض قولته التي جرت مثلا شعبيا بين الناس لو كان بمثل ما يدعون فنحن منه براء!

لكن الأنكي والأمر أن القول نفسه أجرته الضغينه علي لسان أحد السبعة العظام الذين نهضت الانقاذ علي أكتافهم، وأسماهم البعض تعظيماً وتبجيلاً يومذاك (المجلس الأربعيني) تحدث يس عمر الأمام لصحيفة ألوان (12/8/2007) بعد أن غادر وكر السلطة الدافيء، فقال قولاً تقشعر منه الأبدان «الحركة الإسلامية دخلت السلطة وخرجت مضعضعة وفيها فساد شديد وفيها ظلم وأدت مفاهيم معاكسة للقيم التى تحملها للناس، وزارني بعض الأخوان بالمنزل وكان من ضمنهم حسن الترابي، وقلت لهم بأنني أخجل أن أحدث الناس عن الإسلام فى المسجد الذى يجاورني بسبب الظلم والفساد الذى أراه، وقلت لهم بأننى لا أستطيع أن أقول لأحفادي أنضموا للأخوان المسلمين، لأنهم يرون الظلم الواقع علي أهلهم (فلذلك الواحد بيخجل يدعو زول للأسلام في السودان، أنا غايتو بخجل)» وأكد قوله في فقرة أخري «أعتقد أن تجربة السودان جعلت المواطن العادي لديه ظن سييء في شعار الاسلام ولا عشم له حوله» والموسي أن رجلاً أسمه محمود محمد طه وهو من غير جماعة يس، عندما أجري الله علي لسانه مثل هذا القول، كلفه حياته وكان ذلك قبل عقدين أو يزيد!

أيضاً كان ذلك قول يس عضو الجماعة، أما قول يس الذين أرسله الله بشيرًا ونذيراً فقد قال قبل أكثر من أربعة عشر قرناً «أن آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أوتمن خان» وذكرهم في حديث آخر كيف تكون القدوة الحسنة «والذي نفس محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» وربّ يس الذي أنزله قراناً عربياً يهدي إلي الرشد قال مخاطباً يس النبيّ كيما يتعظ يس عضو المنظومة «اليوم نختم علي أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون» بيد أن هذا وذاك مما تتغافل عن رؤيته جماعة يس.

عوضاً عن ذلك شغلوا أنفسهم بمعارك وهمية، فقالوا عن الدولة المدنية مالها، قلنا يومئذٍ نحدثكم أخبارها علي لسان المفكر الفرنسي جان جاك روسو (1721-1778) صاحب كتاب العقد الاجتماعي ذائع الصيت، والذي صدر قبل نحو 245 عاما أي في 1762 وقد ترك أثراً كبيراً في الفكر السياسي الثوري العالمي بصورة عامة والفرنسي بصورة خاصة قال: «إن فرداً ما قد يخضع نصف العالم، ولكنه يظل دائما مع ذلك فرداً، فمصالحه هي مختلفة تماماً عن مصالح الآخرين. وعندما يموت تتحلل ممتلكاته وتتبعثر، فهو مثل شجرة بلوط كبيرة تنهار وتتحول إلي رماد بمجرد أن تلتهمها النار» لكن ذلك ما لا تقرأه العصبة التي جاءت إلي السلطة متلحفة عباءة لويس السادس عشر (انا الدولة والدولة أنا)!

إن إعادة الصياغة بالصورة التي إرتأتها عصبة الانقاذ وخططت لها، كانت مجرد ذر رماد في عيون واقع لا يمكن للعين أن تخطئه، فيه المتحول الذي تجسده سلسلة تفاعلات تاريخية، بدايةً بالدولة الكوشية والمروية والنوبية (المسيحية) بممالكها الثلاث (نوباتيا، المقرة، علوة) ومروراً بالممالك الاسلامية المختلفة (الفور، الداجو، الفونج، المسبعات، تقلي)، ثم التركية التي جثمت نحو ستين عاماً علي صدر البلاد، ومثلها الحكم الثنائي البريطاني المصري، وبينهما المهدية، وإنتهاءً بدولة ما بعد الاستقلال بعلوها وهبوطها، أما الثابت فذلك ما تقوله اللوحة الفسفسائية ممثلةً في التعدد الأثني والثقافي والفكري والعقائدي.

الآن بعد أن قبر أصحاب الرقيم الانقاذي مشروعهم الاسلاموي، وغشت بعضهم صحوة ضمير، نحن ندعو برباط المواطنة المخلصة، والعقيدة السمحاء غير المشوة بغرض، كل من إستزرع واحدة بعد العام 1989 من شاكلة التي سخرت منها المخيلة الشعبية أن ينتفوها، لأنها منتنه كدعوة الجاهلية وتدل علي إنتهازية بغيضة كما ذكرنا، مثلما أنها تذكرنا بتلك الحقبة الكالحة التي حاولت أن تستحقر إنسانيتنا، ودون شك فإن هذه الدعوة ستزيد بالمقابل الذين وضعوها بصدق ودون رياء أو انتهازية تمسكاً بها، أما الذين نعنيهم فيعلمون أنفسهم تماماً، فقد كانت الظاهرة من قبل أن تهبط علينا ثعالب المشروع الحضاري، دليل علي التسامح الذي كان يعم المجتمع، وفيه تلك الهرمية الجميلة التي يحترم فيها كبيرنا صغيرنا، ويوقر فيها صغيرنا كبيرنا! وعندما يزين بها الكبير وجهه يناديه الصغير تحبباً بإحدي الحسنين، إما يا عمّ أو يا حاج! وكلما كانت بيضاء جانبها السوء، وإذ ما تخلل سوادها بياض زادت صاحبها قبولاً حسناً، لكن أنظر بعدئذٍ كيف تحولت الظاهرة إلي (فوبيا) علي إثر الصياغة المزعومة، فقد قال لي صديق يعمل في مجال المال والتجارة، أنه دائما ما يكون مهجوساً من أثنين في تعاملاته، الذين يزرعونها في وجوههم، والذين يكثرون من القسم بمناسبة أو بدونها!



* الجدير بالذكر أن صحيفة (الأحداث) التي ينشر الكاتب مقاله الاسبوعي علي صفحاتها إعتذرت عن نشر هذا المقال. 10/10/2007



http://wwww.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2299
___

Post: #552
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 04:19 PM
Parent: #1


أوراق في السياسة الوطنية السودانية:الحركة الوطنية الإسلامية :رحلة الشتاء والصيف (1)
عبد المحمود نور الدائم الكرنكي
جيب ساعة لـ"حزب الأمة"
عندما كوَّن الإتجاه الإسلامي الجبهة الإسلامية للدستور عام 1954م, كانوا جماعة من الشباب المتحمس, ا

لذين ليس لديهم أي وزن نقابي أو عشائري أو فكري. وكان كتاب "حياة محمد" لمحمد حسين هيكل من مراجعهم المهمة. وكانوا يعيشون أزمة حقيقية ويبحثون عن زعيم يقودهم وعن أب يسيرون تحت رعايته الحانية.
فذهبوا وهم يبحثون عن زعيم, إلى الأستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري, والذي أعدمه الرئيس جعفر نميري عام 1985م قبيل سقوطه، بتهمة الردة عن الاسلام, وكان في السادسة والسبعين من العمر!. وذلك من قبل أن يُبحِر محمود محمد طه فيما بعد, بعيداً عن إسلام الصلوات الخمس و"الرسالة الأولى" ويؤثر آراءه الذاتية في قضية الإسلام. ولم يعط الأستاذ محمود محمد طه شباب الإتجاه الإسلامي رداً إيجابياً. فذهبوا كذلك إلى السيد/ علي عبد الرحمن الأمين الضرير زعيم الشعب الديمقراطي, ولكن بغير نتيجة.
ثم بعد تكوين الجبهة الإسلامية للدستور, ذهب جماعة الإتجاه الإسلامي الى السيد/ عبد الرحمن المهدي، ليتبنَّي مطالبهم بإقامة حكم إسلامي في السودان. ورآهم فردَّ عليهم خيراً وأوصاهم بلباقة، أن يسيروا في هذا الطريق وهو من ورائهم!.
والجبهة الإسلامية للدستور سياسياً، يمثل وزنها قياساً إلى السيد/ عبد الرحمن المهدي. وزن نجمة صغيرة إلى جانب مجرّة كبيرة تدور حولها الأموال والقبائل والعشائر والخريجون وعلاقات العالم الخارجي.
كان السيد عبد الرحمن المهدي مجرّة كبيرة يدور حولها الذين يعلمون والذين لا يعلمون!.
وبينما كان الزعيم عبد الرحمن المهدي سياسي يعرف أهدافه ووسائله بدقة، وبينما كان رجل أعمال ناجح، عرف كيف يزواج بين المال والسياسة، ويخلق إمكانياته وينمِّيها عبر السنين, كان شباب الجبهة الإسلامية لا يملكون غير أنفسهم وحماسهم ومرتباتهم الشهرية!.
وانتهت علاقة الإتجاه الإسلامي بحزب الأمة في الخسمينيات عند تلك الحدود. ورفض التنظيم عندها اقتراح الأستاذ الرشيد الطاهر زعيم الأخوان المسلمين, وقتها, بأن يخوض الانتخابات باسم حزب الأمة.كان الرشيد يرى أنه لا مجال للإخوان المسلمين لدخول البرلمان إلا عبر تلك الطرق. وسعى الأستاذ الرشيد لمصاهرة آل المهدي. فأراد مصاهرة السيد الصديق. ولكن اقتُرِح له مصاهرة السيد/ عبد الرحمن بالزواج من ق.ق. فذهب الرشيد عندها إلى كركوج في منطقة شمال الفونج وصاهر السيد الشريف محمد الأمين الخاتم.
وانتهت تلك المرحلة سياسياً بتسليم رئيس وزراء حزب الأمة ووزير الدفاع عبد الله خليل مقاليد الأمور في 17 نوفمبر 1958م إلى الفريق ابراهيم عبود القائد العام للجيش.
وكان يوم 17 نوفمبر موعداً لجلسة برلمانية يُسقِط فيها الإتحاديون الحكومة ويشكِّلون بديلاً عنها حكومة جديدة.
كذلك بتسليم السلطة إلى الجيش, ارتاح عبد الله خليل من صراع نفوذ حاد داخل الحزب بينه وبين السيد الصديق المهدي.
وبدأت صفحة جديدة هي العهد النوفمبري الذي استهل حياته بحل البرلمان والغاء حرية الصحف ومنع الأحزاب. والتقي وزير الاعلام اللواء أ.ع بالصحفيين في وزارة الإعلام وحذرهم "البفتح د... بنديهو في د...".
وآثر الصحفيون السلامة والحفاظ على ديانتهم!.
ومرة أخرى ظهر الأستاذ الرشيد الطاهر في انقلاب المقدم علي حامد ضد حكم الرئيس إبراهيم عبود. والذي انتهى بفشل وذلك برغم رفض "الجماعة" "جماعة الإخوان المسلمين" المشاركة في الانقلاب. وبتوجيه من الرشيد الطاهر كان "الأخ المسلم" صادق مصطفى عطا الله ناشطاً داخل القيادة العامة للجيش بسيَّارته. وربما وظف الرشيد الطاهر علاقاته كمرشد للأخوان بعدد من الضباط ممن كانوا طلاباً في حنتوب الثانوية, وينبغي الإشارة إلى أن جعفر نميري كان مشتركاً في ذلك الإنقلاب. حيث كان دوره قيادة المدرعات. ودخل الرشيد الطاهر السجن إثر فشل الإنقلاب. وفصله الإخوان من القيادة. وتقوقع الإتجاه الإسلامي على نفسه وتحوَّل إلى مجموعة ثقافية تعمل من خلال نادي أم درمان الثقافي. وقد شهد النادي مشاركات لعبد الكريم الكابلي وشرحبيل أحمد. ومن جهة ثانية وفي فترات لاحقة كان الشيوعيون يجتمعون في منزل الفنان التاج مصطفى للتخطيط للإنقلابات العسكرية. وبعد فشل إنقلاب المقدم/ علي حامد, فُصِل من الجيش كذلك عدد من الضباط الإسلاميين, منهم الضابط حسين خرطوم دارفور الذي أصبح محامياً فيما بعد, والضابط محمود عبد الله برات الذي صار لاحقاً د. محمود برات المحاضر بكلية التربية جامعة الخرطوم, بعد أن واصل دارسته في الجامعة الأمريكية في بيروت. كان محمود برات يتميز بعاطفة حادة وكان خطيباً.
وعند اشتعال ثورة أكتوبر 1964م التقي الإتجاه الإسلامي مرة ثانية بحزب الأمة, يعزز ذلك الالتقاء مصاهرة أحد قادة الاخوان وهو الدكتور حسن الترابي لآل المهدي.
هذا إن لم تكن المصاهرة سبب الإلتقاء بين الحزبين.
وعندما تمت مواجهة النظام العسكري وشارك الإتجاه الإسلامي, مع من شارك, في تفجير الوضع بندوة جامعة الخرطوم, التي أثارت قضية جنوب السودان, وبينما كان د. حسن الترابي متحدث الندوة الرئيس كان السيد الصادق المهدي يصلي صلاة الجنازة على طالب كلية العلوم أحمد القرشي طه الذي سقط برصاص الحكومة, برصاصة طائشة أصابته أمام داخلية سوباط في البركس. وقاد قوة البوليس إلى داخليات البركس الضابط بخاري الجعلي الذي صار فيما بعد د. بخاري الجعلي, بعد أن أعد بحثه عن الحدود السودانية- الأثيوبية ونال به شهادة الدكتوراه.
وكان تحرك الإتجاه الإسلامي بعد أكتوبر 1964م, تحت مظلة جبهة الميثاق الإسلامي, التي جعلت جزء اساسياً من حركتها موظفاً لاحتواء ومناوأة حركة الحزب الشيوعي.
وقد تكون تلك المرحلة هي التي أوحت إلى الصادق المهدي وأدت به الى شدة الاقتناع، بعدم تقييد نشاط الشيوعيين، باعتبارهم معادلاً موضوعياً يوازن الإتجاه الإسلامي, ويستهلك طاقته في صراع اليسار, حتى لا يتفرَّغ ذلك الإتجاه الإسلامي لمنافسته, وينصرف إلى تضييق فرصه وانطلاقه. والعكس صحيح كذلك, إذ أن إطلاق نشاط الشيوعيين يمكِّن السيد الصادق أن "يؤدِّب" الغريمين ببعضهما. تلك هي نظرية زواج الضرائر, والتي ربما حاول السيد الصادق ان يطبقها على صعيد السياسة القومية. وهناك سبب آخر لتعاطف السيد/ الصادق مع الشيوعيين وهو انتماؤه خلال دراسته الجامعية في اكسفورد لخلايا الاشتراكيين الفابيين. ربما جاء ذلك الإنتماء حسب توجيه مرشده "غراهام توماس" وكيل وزارة العمل قبل جلاء بريطانيا عن السودان. وشهدت مرحلة أكتوبر الممتدة لخمس سنوات تنسيقاً وتآلفاً بين حزب جبهة الميثاق الإسلامي وحزب الأمة جناح الصادق, والذي كان يبحث عن دور قيادي للأحزاب والمجموعات الصغيرة, والتي جمعها تحالف قوس قزح أو مؤتمر القوى الجديدة, وذلك بعد الإنشقاق الحادّ للصادق المهدي عن حزب الأمة الأم بقيادة الهادي المهدي والذي سجّل نتائج طيبة في الإنتخابات شكّل على أثرها الحكومة الائتلافية بالإشتراك مع الحزب الإتحادي الديمقراطي.
ووقف حزب الأمة جناح الصادق على هامش الحياة السياسية. ووقف في المعارضة برصيد لا يتعدَّى الثلاثين عضواً في الجمعية التأسيسية إلا قليلاً. ولكنه أكدّ وجوده كقائد للأحزاب الصغيرة باتجاهاتها اليمينية والإقليمية فكسب ثقتها. ذلك التأكيد وتلك الثقة التي استثمرها بنجاح في مرحلة الانتفاضة ومرحلة ما بعد الانتخابات، وأصبح مجرد وجوده السياسي حاجزاً لعدم نشوء أي تحالف بين الإتحاديين والإسلاميين.
ونجح الصادق المهدي في احتواء حزب جبهة الميثاق الإسلامي ووضعه في إطاره تماماً. حتى أصبح السودانيين في حيرة عن الإجابة على أنواع تلك الإسئلة: ما الفرق بين جماعة الأخوان المسلمين وحزب الأمة "جناح الصادق", وذلك في مجال السياسة. مثلما كان السودانيون حائرين في المجال الفكري عن معرفة الفرق بين جماعة الأخوان وجماعة أنصار السنة, وهل الأخوان معهد للفقه الحنبلي والزيدي حيث راجت بينهم كتب الإمام إبن تيمية وإبن القيم والإمام الصنعاني. أم هم زاوية صوفية حديثة, أم جماعة تكفير وعزلة وهجرة, أم هم كل ذلك؟
هل هم حزب ديمقراطي ليبراليّ يؤمن, بعد الله تعالي ورسوله الكريم, بالتعددية الحزبية, أم "حزب الله الوحيد" حزب الله الفائز الذي لا يؤمن الا بنفسه, وهل هم الفرقة الناجية أم إحدى الفرق غير الناجية؟ أم هم الفرقة الماسية بقيادة أحمد فؤاد حسن وهي تعزف خلف كوكب الشرق السيدة أم كلثوم؟ وغير ذلك من الإسئلة. فقد كان الإتجاه الإسلامي مصاباً بدوار فكري وسياسي، أدّى بدوره إلى إصابة الشعب السوداني بدوارٍ مماثل في تقويم حركته المتناقضة. عبَّرت عن ذلك الإنتخابات البرلمانية التي سبقت قيام تحرك مايو 1969م، والتي لم تُحرِز فيها جبهة الميثاق الإسلامي غير مقاعد هزيلة قليلة جداً لا تسمن ولا تغني من جوع.
وبينما نال السيد الصادق المهدي أكثر من ثلاثين عضواً، كانت جبهة الميثاق لا تملك غير "صالح العمل القليل" 3 أعضاء فقط لا غير. وكان طبيعياً وهي تحت تأثير سيكولوجية البحث عن أب، أن تتجه إلى الصادق المهدي زعيم الأقليات الحزبية بغير منازع. وبرغم وجهات النظر المتميزة التي طرحتها جبهة الميثاق الإسلامي, حول قضايا الجنوب ومؤتمر المائدة المستديرة وحل الحزب الشيوعي والدستوري الإسلامي, وهي من أهم ما شغلت به جبهة الميثاق نفسها في مرحلة ما بعد أكتوبر, إلا انه برغم ذلك كان الإتجاه الإسلامي يرى بعقلية التابع أن ما يراه الصادق المهدي هو عين ما يراه! بل متطابقاً. هل كان ذلك سحر الحقيقة أم سحر آخر؟ وإلا فقد كان السيد الهادي المهدي زعيم الحزب الأم, بتكوينه المحافظ التقليدي ومواقفه، هو الأقرب إلى جبهة الميثاق الإسلامي من السيد الصادق المهدي. وإلا فقد كانت هناك طائفة أخرى لها وزن وتاريخ ونفوذ, هي طائفة الختمية. فقد بدت الطائفة الختمية وكأنما قد وضعها الاتجاه الاسلامي في القائمة السوداء, بدون مبرر, كما وضع اليسار والشيوعيين. ولم يُنشئ أو يُطوِّر علاقة بها, انما اكتفي بقطعها غير المفهوم وغير المنطقي, كأنما يُراعي ما تفرضه آداب المنافسة بين البيتين الحاكمين, آل المهدي وآل الميرغني!. ووصل ارتباط الإتجاه الإسلامي بحزب الأمة "جناح الصادق" إلى حالة ارتباط عضوي. عبّر عن ذلك سؤال البسطاء من الشعب السوداني, الذي ما كان يعرف غير طائفتين, وهو يرى في جبهة الميثاق طائفة جديدة صغيرة تتجوّل في ساحة حزب الأمة وبيت المهدي. سأل أحد المواطنين البسطاء زميله : من هم الإخوان المسلمون هؤلاء؟ فأجابه : ديل جيب ساعة لحزب الأمة. تلك قصة حقيقية. هذا وفي تفصيلة الجلابية السودانية "الزيّ القومي" يوجد جيب صغير على الجانب الأيمن للصدر, يُسمّى جيب الساعة, كانت توضع فيه الساعة قبيل انتشار لبس الساعة في المعصم, وقبل أن يدمر "الموبايل" بعد ذلك ساعة اليد!.
وعند قيام انقلاب مايو 1969م، حفظ السودانيون من دعايته الشيوعية المضادة للإسلاميين تلك الجملة الشهيرة : إن أحزاب الأمة والإتحادي الديمقراطي وتوابعهم من الإخوان المسلمين..الخ.
وجاء انقلاب العقيد جعفر نميري في مايو 1969م, وحزب الأمة منقسم إلى قسمين انقساماً حادّاً. قسم يدعو إلى تحديث الحزب وإعادة بنائه واحتواء المثقفين عن طريق احتواء الأحزاب العقائدية، مثلما حاول وفعل عبد الرحمن المهدي مع حركة الخريجين من قبل, ويتزعم ذلك الجناح السيد/ الصادق المهدي خريج جامعة أكسفورد 1958م, وقسم آخر يرى أن تدور عجلة الحزب كما كانت على طريقتها الموروثة, والإكتفاء بقُدَامي المثقفين والخريجين ممن صنعهم السيد/ عبد الرحمن المهدي ويقود ذلك الجناح الإمام الهادي المهدي الذي كانت له السيطرة المطلقة على قواعد الأنصار.
وجاء تحرُّك جعفر نميري واستيلاؤه على السلطة في 25 مايو 1969م وجبهة الميثاق الإسلامي تمسك بطرف رداء حزب الأمة "جناح الصادق" ويسيران في نفس الإتجاه، تجمعهما مصيبة قلة العدد والمقاعد البرلمانية الضئيلة ومؤتمر القوى الجديدة!.
وإذا كان متطرفو اليسار الماركسي الفلسطيني كانوا يصيحون في أوائل السبعينيات في العاصمة الأردنية، بأن الطريق الى القدس يمر عبر عمان, فقد كان الأخوان المسلمون يرون أن الطريق سواءً إلى الحكم أو إلى القدس يمرّ بـ"حزب الأمة"!.
وفي حقيقة الأمر فإنّ الذهن الأخواني قد تشكّل بحيث صار يخامره بشدة وَهْم أن الطريق إلى الدولة الإسلامية يمر بمحطة حزب الأمة. وقد عبّر عن ذلك كل القيادات الإخوانية, وبصورة مختلفة أو متفاوتة, من الأستاذ بابكر كرار وكان والده من الأنصار إلى الأستاذ صادق عبد الله عبد الماجد وكان مسكنه في ود نوباوي قريباً من آل المهدي, إلى د. حسن الترابي الذي صاهر آل المهدي بزواجه من السيدة / وصال الصديق المهدي, إلى الأستاذ الرشيد الطاهر حفيد سلاطين الفور الذي سعى لمصاهرة آل المهدي.
كان الرشيد الطاهر عابداً ناسكاً. حسب شهادة الشيخ الراحل حامد عمر الإمام الذي سكن معه خلال عمل الشيخ حامد في مكتب الأقاليم التابع لتنظيم الإخوان المسلمين.
وكان الشيوعيون يحسبون للرشيد الطاهر حساباً كبيراً، لمكره السياسيّ ودهائه. حدّثني بذلك الأستاذ أحمد سليمان المحامي.
-نواصل-



http://www.alahdathonline.com/Ar/ViewContent/tabid/76/C...ID/7544/Default.aspx
_________________

Post: #553
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 05:38 PM
Parent: #1


ورد فى صحيفة الاحداث اليوم 10 مارس 2008 ان قناة النيل الازرق سوف تستضيف
د . منصور خالد فى العاشرة و النصف مساء اليوم فى لقاء فكرى
حول شخصيات الاستاذ محمود محمد طه , د . حسن عبدالله الترابى و
الصادق الصديق المهدى و هى الحلقة الرابعة من برنامج ( مراجعات )
=====

لحركة الوطنية الإسلامية... رحلة الشتاء والصيف ( 10-11):الإخوان المسلمون ... رحلـة في منابع مايـــو
عبدالمحمود نور الدائم الكرنكي

توغّل الإخوان كثيراً في بحار المصالحة الوطنية، وتركز همّهم على هدفهم الأخير وهو إزاحة جعفر نميري ووراثته، وهو هدف استرخصوا من أجله كل غالٍ ونفيس. ف

عارضوا إضراب عمال السكك الحديديّة، وبايعوا نميري إماماً للمسلمين، وشاركوا بكل إمكانياتهم في المسيرة المليونية، التي نبّهت نميري إلى خطرهم القريب، وأيّدوا إعدام الكاتب محمود محمد طه. ذلك بالإضافة إلى الإنتقال والمشاركة في الإتحاد الإشتراكي ومجلس الشعب ومجلس الأمن القومي ومجلس الوزراء والصحافة القومية، وغير ذلك.
كان الصادق المهدي يمثّل السبب الحقيقي لرحلة الإخوان في منابع مايو، وتوجّههم لكي ينهلوا من معينها! وما كانوا من قبل يعرفون ثورة مايو "الظافرة" ولا ميثاق العمل الوطني أو القسم بالله لحماية الثورة الاشتراكية. كيف كان ذلك؟
بدأ ذلك في مارس 1977م حينما فتح الصادق المهدي عدة قنوات مع جعفر نميري طالباً الصّلح. ولعب مكتب السيد فتح الرحمن البشير إلى جانب الدكتور عبد الحميد صالح دوراً مهماً. كان ذلك في مايو 1977م. وذلك بالإضافة إلى السيد إبرايم الطيب الريّح والسيد صالح فرح اللّذين تربطهما المصاهرة بالدكتور حسن الترابي، والذي كان معتقلاً وقتها مع زوجته وطفلهما الذي لم يبلغ عاماً.
في يونيو 1977م عُقد اجتماع أخطر فيه الصادق المهدي زملاءه من سياسييّ الجبهة الوطنية، بفكرة المصالحة وطرحها عليهم. ولم يجد التجاوب المطلوب من الحزب الإتحادي الديمقراطي، كما لم يؤيده السيد عثمان خالد من ممثلي الإخوان، وكذلك مهدي إبراهيم. أعقب ذلك الإجتماع الرحلة السّرّية ولقاء بورتسودان الذي تمّ مع الرئيس جعفر نميري.
قام السّيد الصادق المهدي برحلته السّرّية إلى بورتسودان والالتقاء بـ"جعفر نميري"، ولم يخطر أحد من زملاء الجبهة الوطنيّة ماذا تمَّ في الإجتماع أو ماذا دار؟ أو على ماذا اتفقوا؟ كانت تلك هي النقطة التي ماتت عندها علاقة الإخوان بحزب الامة.
دخل حزب الأمة والإخوان المسلمون إلى ساحة صلح النميريّ منفردين. واتفق كل حزب مع جعفر نميري على إنفراد. وبقي حسين الهندي وحيداً في ميدان المعارضة، وهو يرقب تلك اللعبة الخطرة مع النظام المايوي، التي بدأها الصّادق المهدي. وبقي الهندي وحيداً حانقاً في الخارج وهو يرى اتفاق الصّادق المهدي مع جعفر نميري، ولا يعلم شيئاً عن شروط ووعود الإتفاق، بقدر ما كان يعلم أنه الضحية الأولى لذلك الإتفاق.
دخل الصّادق المهدي والإخوان المسلمون المصالحة الوطنيّة من أبواب متفرقة. وكان دخولهما يعني إنفصام التحالف بينهما نهائياً. ذلك الإنفصام الذي بدأ بالإتصالات الخفية للصّادق المهدي مع النظام المايوي في مارس 1977م، حتّى تبلوره في يوليو من نفس العام.
بدأ حزب الأمة المصالحة الوطنية والركوب في السّيارة المايوية، ولم يعلن الشروط السّرية للمصالحة، أو الوعود الخفية لجعفر نميري. ثم لحق الإخوان المسلمون بالمسيرة المايوية.
ثم جاء تعيين الصّادق المهدي وحسن الترابي أعضاء في المكتب السياسي للإتحاد الإشتراكي السوداني "التنظيم السياسي الوحيد".
ثم حلّ الرئيس "جعفر نميري" مجلس الشعب لإقامة إنتخابات جديدة، لتكوين مجلس الشعب الثالث. وذلك لإتاحة الفرصة للقادمين الجدد بعد المصالحة. وأحرز حزب الأمة أربعين مقعداً فيما حصل الإخوان المسلمون على ثمانية عشر مقعداً.
وفي إطار إستيعاب القادمين الجدد بعد المصالحة، كسب الصّادق المهدي نقطة جديدة في مصالحته النظام، وهي حقيبة وزارة الطاقة. حيث تمّ تعيين السيد شريف التهامي في منصب وزير الطاقة. وهو منصب مهم في وقت إرتفعت فيه الأصوات بأن السودان قد بدأ عصره البترولي. والسيد شريف التهامي من الإتجاه السياسيّ للسيد الصادق المهدي ومحسوب عليه سياسياً، فهو زوج إبنة الامام عبد الرحمن المهدي "عمة الصادق".
الصّادق المهدي على عكس ما ظل يزعم، قد شارك في النظام المايوي بنفسه وبأقربائه وأتباعه.
كما تم تعيين عبد الحميد صالح رقيباً لملجس الشعب الثالث، وهو أحد أعضاء حزب الأمة، وأحد أهم المكوك والرسل في قضية تحريك وإنجاز المصالحة الوطنية، كما خطط لها ونفذها الصّادق المهدي.
ولكن برغم الأربعين مقعداً في مجلس الشعب الثالث وتعيين السيد شريف التهامي وزيراً للطاقة، ورقابة مجلس الشعب، وعضوية المكتب السياسي للإتحاد الاشتراكي، برغم ذلك تذمر الصّادق المهدي من المصالحة، وسخط حظه القليل منها. حيث كان ما حصل عليه يقع دون طموحاته بمسافة بعيدة. فأعلن خروجه الشخصي من المصالحة، واستقال من عضوية المكتب السياسي للإتحاد الإشتراكي. ولم يعدم لنفسه عذراً، فأعلن أنه استقال إحتجاجاً على اتفاقية كامب ديفيد!
منذئذٍ بدأ السيد الصّادق المهدي ينتقد الحكومة المايوية علنا،ً في المحاضرات التي تدعوه إليها الجمعيات الطلابية بجامعتي الخرطوم وأم درمان. ومن ورائه بدأ أتباعه الأربعون بمجلس الشعب ينتقدون. وعلى حين نُقض عقد المصالحة الوطنية بخروج الصّادق المهدي، إلا أنه ظل مشاركاً بثقله الحزبي في النظام المايوي.
على حين ذلك ظلت مشاركة الإخوان في نظام مايو على أكملها من القيادة والحزب. فتقلّد د. حسن الترابي أمانة الإعلام والإشراف السياسي على دارفور. ثم أصبح نائباً عاماً، ذلك إلى مشاركته في لجنة تعديل هيكل الأجور واللجنة القومية لنظافة العاصمة. بالإضافة إلى لجنة تعديل القوانين. حيث طُرحت قضية القوانين الإسلامية.
وشُكّلت اللجنة برئاسة الدكتور حسن الترابي، لتعديل القوانين لتتماشي مع الشريعة الإسلامية. ولم يُجز نظام مايو قانوناً منها سوى قانون الزكاة والذي عُيِّنت له لجنة لم يكن بين أعضائها أحد من الإخوان المسلمين، أو من الداعين إلى تطبيق القوانين الإسلامية. وطاحت قضية القوانين الإسلامية بين اللجان والإجتماعات والمحاضرات والتوصيات والصياغات والدراسة الشخصية لنميري... وانتهت إلى فراغ! ثم نهضت القوانين الإسلامية فجأة لتظهر بصورة غير متوقعة، ومعها محاكم العدالة الناجزة على طريقة المحاكم العسكرية الإيجازية لتطبيق الحدود وإقامة شرع الله! وذلك في سبتمبر 1983م.
غداً ... الحلقة الأخيرة...
في أٌخدودالمصالحة الوطنية

http://www.alahdathonline.com/Ar/ViewContent/tabid/76/C...ID/8250/Default.aspx
______

Post: #554
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 05:38 PM
Parent: #553


من داخل منزل المجذوب:عوض الكريم: تجاهُل المجذوب من قبل "الخرطوم عــاصمـــة للثقــــــافة"
حوار: النشادر/التلب/ صلاح عبد الحفيظ

(في هذا الصالون كان جثمانه ممدداً وتم غسله فيه، كنا وقتها أطفالاً نحاول التسلل إلى هذا المشهد المهيب، لمحَتْنا أمه الحاجة القوية آمنة التي أشرفت على غ

سل ابنها بلا جزع، فانتهرتنا)؛ هكذا تحدث ابن المجذوب الصحفي والباحث المختص في تراثه الشعري عوض الكريم محمد المهدي المجذوب، وهو يصف المكان الذي كنا جالسين فيه بين كتب المجذوب وحياته ومشهد موته وأبنائه وأحفاده. استنطقنا ذاكرة الباحث فيه، والابن، عن المجذوب.



منزل المجذوب
لم ينظر أي منا إلى السماء، لم يتبق لنا من النظر إلا الكثافة التي تشكل ترقبنا لما يمكن أن تكون عليه زياراتنا لمنزل المجذوب، بتلك النبرة الضيقة التي تشرق فيها الأسماء الصماء، نبرة النهار، طرقنا الباب إستقبلنا رجل بنظارات وإبتسامة وشبه أكد لي (أن هذا هو المنزل) قبل أن نفتعل نبرة تشكك (هل هذا منزل المجذوب؟) السؤال الذي بدأنا به حوارنا مع هذا المنزل بالحديث والنظرات وإستنطاق الصور والحوائط والكتب وأهل المجذوب، كان هذا عاصم إبنه الكبير الذي إقتادنا إلى الداخل وسط تطلع صاخب لأحفاد المجذوب الصغار زينب ومحمد، أدخلنا إلى الصالون لتواجهنا صورة المجذوب الشهيرة الجانبية حيث يوجه بصره حسب وضع الصورة بإتجاه مكتبته التي تكدست فيها فيها الكتب إلتقطنا بعض العناوين (أحمد محمد صالح، أبو نواس،الحطيئة، جرير، مقدمة إبن خلدون، تاريخ الرواية الحديثة، شرح إبن عقيل، أيام في الإتحاد السوفيتي، في ظلال القرآن، سيرة إبن هشام، الأذكار، مهرجان المدرسة القديمة، أعداد من مجلة شعر، نهر الرماد وبيادر الجوع لخليل حاوي، تهافت الفلاسفة، الفرح ليس مهنتي لمحمد الماغوط، فرجيل، محاكمة في نيسابور للبياتي، رسالة الغفران). المكتبة التي تمثل الجزء الأقل من مكتبته، هذا هو المكان الذي عاش فيه ومات فيه وغسل فيه جثمانه. لنتفاجأ عند لقاءنا بإبنه الذي يعد رسالة الماجستيرعن حياته وسيرته وأعماله الأستاذ عوض الكريم ، بأننا أول صحيفة تزور منزله منذ وفاته.
الرجل الذي إستقبلنا مندهشاً وأستقبلنا ما قاله مندهشين، أسعفنا ترحيبه وترحيب زوجته الصحفية سوزان شلبي عبد الرحمن.
كان فضولنا إصغاءاً متفحصاً، ونحن نقلب كل شئ بنظراتنا وأسماعنا وأسئلتنا وكاميرتنا.
حكايات من حياة المجذوب
في البداية حدثنا عوض الكريم عن دراسته التي قال إنها جزئين جزء يبحث في حياته وجزء يبحث في أعماله وتصفح معنا فصول دراسته وكيف جمعها من معاصريه منذ الخلوة مروراً بكلية غردون مروراً بتنقلاته العديدة وصداقاته الأدبية. خلال هذا الإستعراض المنظم من عوض الكريم كان فضولنا يتحرك تجاه معرفة تفاصيل عن علاقة المجذوب بالحياة كيف كان يتحرك كبشر في الشارع والمجتمع علاقته بالقراءة وعلاقته بالموسيقى والفن عموماً، من خلال ماجمَّعه من حكايات وماعايشه منها. يقول عوض الكريم (كان قارئاً نهماً، ويميل إلى قراءة الأدب الإنجليزي، ومكتبته الإنجيزية مهولة تبدو أمامها المكتبة التي ترونها قليلة ، ولم تكن قرائته مجرد قراءة، بل كانت قراءة وتعليق وحواشي كثيرة يضيفها) وعندما سألنا عن ما كانت تحتويه هذه الحواشي قال (أغلبها تصويبات، وبعضها إستحسانات، وفي بعض الأحيان لن تجد فراغاً في الصفحة من إزدحام حواشيه). ثم أضاف (عبد الله الطيب نفسه إعترف بمقدرة التصويب هذه للمجذوب فأوكل له تصحيح ديوان، ونجد ذلك مدرجاً في مقدمة الكتاب). ثم أنتقل إلى حكايات حول طبع المجذوب حيث كان سمته التي أجمع عليها أغلب معاصريه هي البساطة وحكى لنا قائلاً( قد يقضي المجذوب وقتاً طويلاً مع بائع اللبن يؤانسه ويسأل عن حاله، ومما يحكيه خالنا البروفسير أحمد بابكر الطاهر عنه أنه في زوج إبنته الكبرى عام 77م التي تزوجت مبكراً رغم أفكار المجذوب المُتقدمة يبدو أنه جذب في ذلك بأهله المجاذيب،ذهبوا إلى السوق ليشتروا بهائم لهذه المناسبة وأبتدأوا مفاصلتهم في الأسعار مع التجار، والمجذوب رحمة بالرجل وبشقائه على بهائمه، كان يريد أن يعطي الراعي مايريده من سعر، فلم يكن لديه روح للمفاصلة، أما جماعته فقد حاولوا إبعاده حتى لا يفسد خططهم وسير أمورهم، وبعد أن إنتهوا من مفاصلتهم وجدوا حوله عدداً كبيراً من الرعاة وأصحاب البهائم والسماسرة،وهو جالس بينهم في بساطة يضحك. وهنالك حكاية أخرى عنه تبين أنه رجل يحب الحكاية ويمتلك روحاً طريفة، أنه كان قادماً من الدامر إلى الخرطوم ولم يكن لديه حجز في القطار فأستأذنوا الناس في القمرة أن يجلسوه بينهم، تأفف الركاب في البداية من هذه الإضافة مما جعل خالنا يتصل به بعد نهاية الرحلة ليستفسره كيف كانت فقال إن هؤلاء الناس رحبوا به وأحتفوا به جداً ووسعوا لي فقد ونستهم حتى لم يرد بعضهم أن تنتهي الرحلة). وتحدث عوض الكريم عن تواضعه وعدم حبه للأضواء والإعلام بواقعة حكاها له رجل عاصر المجذوب في الجنوب قائلاً (كنت صديقه نقضي أمسياتنا سوياً ولم أكن أدري شيئاً عن كونه شاعر كبير له مكانته، كما أنه لم يخبرني هذا عن نفسه أبداً، فحدث أن جئت للخرطوم في إجازة وتركته في الجنوب، فتفاجأت أن الصحف كلها تتحدث عن هذا الرجل وعن قصائده وعن تزعمه لندوة أدبية فذهلت وبدأت هل هو هو أم أنه شخص آخر، فأصبحت متشوقاً لإنتهاء اجازتي، وأول ما رجعت سألته: ياود الناس إنت الزول دا ذاتو؟ فقال : آي بالحيل).
تجاهل
ثم أجتر عوض الكريم مرارة لا يمكن تفاديها، عن تضييع المبدعين في هذا البلد بمثال حامض يبين فيه تجاهل إنتاجات ثقافية مهمة كإنتاج المجذوب سارداً واقعتهم مع ديوان (القسوة الحليب) وما تجلى فيه من إهمال الخرطوم عاصمة ثقافية موضحا (هذه العاصمة الثقافية التي طبعت كتباً لاقيمة لها وهي دون المجذوب، وهذا إحقاقاً للحق،فقد كان تجاهل العاصمة الثقافية للمجذوب موجعاً، فقد وصلنا خطاب من الأمانة العامة للخرطوم عاصمة للثقافة لطباعة أعمال المجذوب، فأعددنا كشفاً بإسم الدواوين وذهبنا،فتجاهلونا بطريقة مؤلمة ومريرة وبين أمشوا وتعالوا حمنا مسافةً حتى قالوا لنا: خلاص حنطبع ليكم في الربع الثاني، وبعد تماطل كثير حُلت المشكلة نصفياً وقيل لنا أذهبوا لسكرتيرة مسؤول أمانة النشر بالخرطوم عاصمة للثقافة عثمان جمال الدين أجتهد الرجل معنا ولكن صدمنا بتصرفات سكرتيرته معنا، فتخيل ما قالته أنها تريد أن تجعل 9 دواوين للمجذوب في عقد واحد،ولكننا أصررنا على أن يكون كل ديوان منفصلاً لأن المجذوب علمنا أن لانضيع حقنا، وفي النهاية قيل لنا أنهم سيتصلون بنا الإتصال الي لم يأت حتى هذه اللحظة، وطبعنا ديوان القسوة في الحليب بجهد الأسرة الذاتي).
منشور يصيح: الدم، الدم
حديث عوض الكريم عن الإهمال الذي عايشه للمجذوب من قبل العاصمة الثقافية كان مقطعا بشفرات مرة جعلت إنتقالنا إلى سؤال آخر عسيراً لكنناإتبعنا (لذة الفضول) كما يقول المجذوب ودفعنا عوض الكريم ليحدثناعن حياته الفكرية وعلاقته بالحزب الجمهوري فقال (أما عن فكره التقدمي، فمحمد المهدي المجذوب من أوائل الذين أسسوا الحزب الجمهوري، وأستمرت الدعوة إلى حزب جمهوري ينادي بقيام الجمهورية السودانية وقتها،وبعضهم يقول أن المجذوب كان يكتب خطابات الحزب للأستاذ محمود في ذلك الوقت مع أنني أشك في ذلك وأنسحب المجذوب عندما بدأت أفكار محمود الجديدة حول الإسلام، لنشؤ تعارضات بين فكره وفكر محمود محمد طه، هنالك من يقول أن المجذوب شيوعي، وهذه كما يقال حقيقة أريد بها باطل فهو لم يكن شيوعياً، بل كانت بعض الأفكار التي ينادي بها تتقاطع مع فكر الشيوعين فحسب على أهل اليسار، وهو لم ينفي ذلك، بحكم تهذيبه، فهو رجل شاعر، وشاعر مجيد).واثرنا نقطة أخرى عن ما يحكى عن عمق إطلاع المجذوب حيث يرد عنه أنه أطلع على أعمال معاصره الكاتب الفرنسي المعروف جان جنيه التي كانت لتوها مترجمة للغة الإنجليزية، وبلا إندهاش يذكر رد قائلاً ( كان المجذوب عميقاً جداً وله ملكة التنبؤ بأحداث قبل حدوثها بزمن بعيد،لأنه يرى الأشياء حتى أعماقها ويقرأ علاقاتها وماتترتب عليه من نتائج، فعندما نشرت صحيفة الأمة بعد الإستقلال قصيدته التي يقول فيها: (منشوراً يصيح: الدم، الدم.)، فكانت أشبه بالتنبؤ بإنقلاب عبود. والذي كان رافضاً له بصرامة، وقد كتب عن ذلك عدة قصائد لم يفصح عنها إنما رمز لها في قصيدة العنان بقوله:في حيِّنا حصان منطلق ويعدو بلا عنان).
هذه البلد مُحبِطة:
نقلتنا أجواء الأهمال إلى خوفنا على ماتبقى من المجذوب مالم ينشر من أعماله ومشروع أعماله الكاملة فحدثنا عبد الكريم قائلاً (بالنسبة لهذا الأمر نحن نأمل أن نجتهد ولكن هذه البلد مُحبِطة، لأننا طبعنا كتابين للمجذوب وكنا نتوقع أن يتم توزيعهما بسرعة حتى ننجز ماتبقَّى من كُتبِه، حتى أننا قمنا بتأسيس شركة صغيرة، أسميناها نار المجاذيب وكنا نتخيل أنها ستكون نواة لدار نشر تتخصص في أعمال المجذوب، ولكن للأسف لم نوزع ربع الكمية التي لدينا). بالنسبة للأشعار التي لم تنشر قال( هنالك أشعار كثيرة غير مضمنة في الدواوين، بعضها نشر في الصحف وبعضها لم ينشر، وبعض شعره أُحرق، أحرقه والده الشيخ المجذوب الذي إعتبره(قلة أدب)، فهو كان يريد أن يوجه دراسة امجذوب في إتجاه ديني وكان يريده في مجال القضاء والمحاكم الشرعية وهذا ما جرى مع أعمامي، إلا أن المجذوب تمرَّد وصار مُحاسباً، حيث قال(تركت القيد عند أبي لغيري وقيَّدني التجاربُ والهمومُ). وتمرد المجذوب كان في سبيل أن يكون شاعراً كما أحب، فأغضب ذلك والده وحرق عدداً من أشعاره، حتى أنني وجدت إشارات لذلك في قصيدة الشعر والنار( أحرقت شعرك قرباناً لآلهةٍ إن القصيدة لاترضى بآلهةٍ وقربان).
المجذوب رساماً سريّاً:
من النار التي تأكل الشعر في سؤالنا السابق ذهبنا بعبد الكريم نحو علاقة المجذوب بالرسم وقصته مع كلية الفنون فحدثنا( المجذوب كان مُحباً للرسم وإذا تأملنا مُقدمة ديوان الشرافة والهجرة، نجد تفاصيل مُذهلة لعملية الشرافة في اللوح، عندما بحثت هذا الأمر وأتصلت بمن زاملوه في الخلوة، فقالوا أن المجذوب هو الذي كان يُشرِّف اللوح وليس الشيخ،وهذا مايجعلني أفهم الدقة المتناهية التي يصف بها تفاصيل عملية الرسم على اللوح،كما أنه أنضم لجمعية الفنون في كلية غردون ومايقوله المجذوب عن الرسم أن شخصاً ما كان يرسم الوجوه الحسان بقلم الرصاص أماهو فقد كان يميل إلى رسم البيوت والكنائس، من زامل المجذوب في الكلية يحكي أنه عندما يكون هنالك نشاط في أو إحتفال في الكلية فإن الطلبة كانوا يجمعون على ترشيح المجذوب ليرسم خلفية المسرح مع العلم ان والده كان استاذاً في ذات الكلية، وكان يأتي ويشيد بمن رسم الخلفيات الجميلة للمسرح واصفاً إياه بالفنان الكبير، ولم يكتشف أمر إبنه إلا في زمن لاحق. كما ألتحق المجذوب بكلية الفنون وكان يصف نفسه بأنه أسنَّ تلميذ وقد درسته جريزالدا الطيب، ثم لم يستمر بحكم أنه نقل إلى الجنوب في وظيفته، ففاته أقرانه، أما في شعره فيظهر تأثره بفلسفة الألوان وبمعرفتها فأشتغل على دلالات الألوان مثلاً في القوقعة الفارغة(الموج أخضر، الموج أصفر)، فهو يعرف دلالات الألوان ولايضعها عبثاً وليس بعيداً تأثره بالموناليزا التي يضع قصيدة بإسمها في أول ديوانه رغم وجود قصائد أقوى منها).
إنتقلنا إلى الدراسات اتي تناولت شعر المجذوب حيث إستعرضها عوض الكريم وعلَّق على بعضها قائلاً(قمت بتجميع كل الدراسات حوله ، لنبدأ بدراسة الدكتور عبد الرؤوف الخانجي والتي نال بها درجة الماجستير تحت إشراف عبد الله الطيب، بعنوان درس وتحليل ديوان نار المجاذيب ما أعيبه عليه كمعاصر بل إنه راجع بحثه مع المجذوب نفسه أنه لم يهتم بالتوثيق لحياة المجذوب، حيث أتخذ منحىً علمياً نقدياً أكثر أعزوه لبداية ظهور مثل تلك الدراسات في ذلك الزمان، وفي كتاب تيارات الشعر العربي أفسح الدكتور محمد مصطفى هدَّارة باباً للمجذوب وكان منصفاً، هنالك من يجامل المجذوب عن محبة د حسن أبشر الطيب، وهنالك ددراسة جيدة أنجزها الأستاذ عبد الهادي الصديق وهو واحد من تلاميذ المجذوب جاءت بعنوان (حداثة الموروث)، ومحمد عبد الحي كتب عنه (بين البراءة والخطيئة)، وكتب عنه مجذوب عيدروس وعبده بدوي وإحسان عباس وعبد المجيد عابدين، وكتب لبان حديثين أيضاً مثل كتاب (محمد المهدي المجذوب والصورة الفنية في شعره) لعثمان كُنَّة وهنالك العديد من الشباب يعدون الآن دراسات كثية حوله، وهذا جيد لأن المجذوب لم ينل حظه من النقد ولم يكتشف بعد كما يجب).
كنا نتمنى أن ننقل لكم حذافير الهواء والجدران والصمت والصور لكن كيف وحذافير المرارة تفرض علينا ألسنتنا، لكننا نأمل أن يستقبل سؤال المجذوب أسئلتنا الصغيرة، (ما أشبهنا بهذه الضفادع التي تتنادى في ليل مستنقعاتها الفقير، ولا يرى بعضها بعضاً مطوعةً لصراخها العاشق كل حتمية هذا الكون) كما يقول رينيه شار.نتنادى قائلين: اطبعوا أعماله الكاملة ياقوم!.

http://www.alahdathonline.com/Ar/ViewContent/tabid/76/C...ID/8074/Default.aspx
___

Post: #555
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 05:39 PM
Parent: #554


محمود محمد طه 1916 – 18 يناير 1985:سيرة مفكر إرتضى التضحية شنقاً
صلاح عبد الحفيظ مالك
العلامة الفارقة في تاريخ مفكرينا وغرابتها هي بلا شك علامة أو محطة المفكر محمود محمد طه الذي يرجع نسبه الى الشيخ محمود الهميم الصوفي السوداني الشهير وا

لعالم الفقيه الذي ابقى على حباله سبع نساء وجمع على زواج الاختين وجمع بين بنات بانقا الضرير (كلتوم وخادم الله) فأنكر عليه ذلك قاضي الشرع المعروف بلقب دشين (اول قاضي في عهد الخليفة عبد الله التعايشي) واراد فسخ زواجه وفي هذا قصة نعود اليها.
نشأ محمود محمد طه ولم يرتكب اي معصية كانت في حياته وعاهد الله أن يلتزم بالخلق الاسلامي , إلتحق محمود بكلية غردون وتخصص في الهندسة وخرج للحياة فى الثلاثينات فالتحق بالسكة حديد وعمل بعطبرة وفيها ازدادت حصيلته المعرفية بفضل قراءته الجادة والنهمة التي تركز اغلبها في الفلسفة والمنطق والتي اوصلته لمرحلة التعليق عليها بعدد من المقالات والدراسات, ومن ضمن نضالاته وقوته الظلم الذي حاق بامرأة أجرت خفاضا فرعونيا لبنتها، فما كان منه إلا الذهاب لجامع رفاعة وخطب في الناس بعد صلاة الجمعة فما كان من المصليين الا إقتحام السجن واخراج المرأة ليلقى القبض عليه ويحاكم بالسجن لمدة سنتين.
عند تأسيس الحزب الجمهوري لم ينضم اليه اكثر من عشرة هم الشاعر محمد المهدي المجذوب والشاعر الكاتب الاستاذ منصور عبد الرحم والسيد امين التني والاستاذ محمد فضل الله محمد والشاعر منير صالح عبد القادر والاستاذ جعفر السوري والمعلم عبد القادر المرضي، وكان ذلك اواخر العام 1945 ويعتبر العام 1946هو عام انطلاقتة الحقيقية نحو العمل السياسي بعد القبض عليه ومحاكمته تحت نص المادة (105) كراهية الحكومة وذلك بالسجن سنتين.
تعددت وسائل مناهضته للحكومات أياً كانت وطنية أم أجنبية غير أن أهم ما يميزه طوال حياته حالة العمق الفكري الواضحة لديه رغما عن حديث البعض عن تلك القوى الخفية التي زُعم انها مقترنة به , تنازع الناس حول شهر العسل الذي بينه وبين نظام النميري الذي ضاق به ذرعا بانتقاداته المتكررة لقوانين سبتمبر، وبتاريخ 25 ديسمبر 1984 اصدر منشوره الاشهر (هذا أو الطوفان) الذي اوصله بواسطة تداعات كثيرة الى حبل المشنقة التي وصلها غير هياب منها في سابقة غير موصوفة في تاريخ الفكر العالمي , وبتاريخ 18 يناير على حبل المشنقة بسجن كوبر الشهير كانت نهاية رحلة المفكر الذي مازال يثير الجدل الى الان.

http://www.alahdathonline.com/Ar/ViewContent/tabid/76/C...ID/5911/Default.aspx
_________

Post: #556
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 05:47 PM
Parent: #1


غربا باتجاه الشرق

عبدالله جلاب وجمهورية الإسلامويين ( 2 - 3 )

[email protected]

نستأنف إستعراضنا لكتاب جمهورية الإسلامويين الأولى: تطور وتحلل الإسلاموية في السودان:

The First Islamist Republic: Development and Disintegration of Islamism in the Sudan

للدكتور عبدالله جلاب أستاذ الدراسات الإفريقية في جامعة ولاية أريزونا الأمريكية و نقف علي بعض الأفكار والخلاصات التي أنتهي اليها المؤلف في إطار عرضه وتحليله لظهور وتطورالحركة الإسلاموية في السودان منذ نشأتها الأولى وحتي وصولها للحكم عن طريق إنقلاب 1989.



يتطرق الكتاب بشكل تفصيلي إلى مراحل التكوين أو البدايات الأولى لظهور الحركة في السودان. ونلاحظ ان مؤرخيها سواء من المؤسسسين الإسلامويين من أمثال محمد خير عبدالقادر أو من الأكاديميين من نظائر الدكتور حسن مكي يتفقون مع حملة تاريخها الشفاهي من شاكلة يس عمر الإمام ومحمد يوسف محمد في أن الفكرة قد دخلت حيز التنفيذ في إحدى الأمسيات في الميدان الغربي داخل الكلية الجامعية (جامعة الخرطوم حاليا)، حين عقد سبعة من الطلاب هم: بابكر كرار ومحمد يوسف محمد ويوسف حسن سعيد ومحمد خير عبدالقادر و آدم فضل الله ومحمد أحمد محمد على والطيب محمد صالح و احمد محمد بابكر اجتماعا سريا و كان ذلك خلال شهر مارس من العام 1949. الا ان عصبة السبعة، كما يقول محمد خير عبدالقادر في كتابه (نشأة الحركة الإسلامية في السودان 1946—1956) لم تكن تملك وقتئذٍ رؤية واضحة او تصورا من اي نوع لشكل ومحتوي و توجه الحركة التي كانوا بصددها " و لكن حسبها الإستعانة بالله وصدق التوجه وعزيمة الشباب!" وقد أختارت عصبة السبعة لتجمعها ذاك إسم: حركة التحرير الإسلامي. ويذهب محمد خيرعبدالقادر إلى أنه لم تكن هناك ثمة علاقة مباشرة بين نشأة تلك الحركة وحركة الإخوان المسلمين بل ان الكثرة من الأعضاء المؤسسين لم تكن علي دراية بوجود تنظيم للإخوان في مصر ابتداءً. غير أن لأعداء الحركة رأي آخر و رواية مخالفة فقد رأوا فيها وباءً قادماً من مصر، ولذلك استخدموا لمقاومتها ذات الأدوات التي حوربت بها الحركة هناك، ولأن هؤلاء لم يكونوا علي معرفة بحقائق الحركة و دقائقها فقد أطلقوا عليها إسم " الإخوان المسلمين". وكان في مقدمة الأدوات التي إستثمرت لمناهضة الحركة التدابير التي اختطها حزب الوفد في مصر و ضمّنها في كتاب (حركة الإخوان المسلمين في الميزان).



ويلاحظ الدكتورعبدالله جلاب بأن هنالك جهداً كبيراُ من قبل كتاب ومؤرخو وزعامات الحركة الإسلاموية وعلى رأسهم الدكتور حسن الترابي ينحى لإعادة صياغة تاريخ الحركة في ضوء منهج للكتابة والرواية يقوم ويتطور وفق مقتضيات "خصوصية تكوين الحركة". ويتساءل جلاب عن الدوافع والاسباب التي حدت بهؤلاء الي العمل علي رسم وترسيخ صورة للذات أدني الي الاساطير منها الي الحقائق و ذلك من خلال رواياتهم المكتوبة والشفاهية. و هو يري ان هذا الإتجاه المستند الي "خصوصية التكوين" و تلك الروح المتعالية المنبثقة من ذلك النهج هي التي استقدمت الي السطح الكثير من الحساسيات و مظاهر العداء بين الحركة الإسلاموية السودانية وبعض الحركات الإسلاموية وغير الإسلاموية في الداخل و في بعض دول الجوار. ويضيف بأن ذلك الإتجاه القائم على إذكاء روح الخصوصية ربما هدف إلى إقناع أعضاء الحركة والمتعاطفين معها من جهة، والقوي المعادية لها من جهة اخري، بأن مشروعية وجود الحركة الإسلامية انما ترتكز بالاساس على " الحاضر" الماثل لا على " الماضي" الذاهب، شأن الحركات القائمة على إرث صوفي أو المستندة الي مؤسسات العلماء التقليدية. ثم أنه اذا كان التوجه نحو الإسلام يمكن أن يعتبر أمراً أيجابياً في مجتمع مسلم، إلا أن ذلك في حد ذاته لم يكن ليؤهل أولئك الإسلامويين للنهوض بمهام علماء الدين الذين خرجوا من صلب مؤسسات التعليم الإسلامية التي عرّفتهم بشكل منهجي على ذلك الإرث الضخم من علوم الدين ومن ثم أهلتهم لممارسة القضاء والفتيا والتدريس، الأمر الذي لا قبل به ولا سبيل اليه بالنسبة لمعظم الإسلامويين ذوي الخلفية التعليمية العلمانية. لذلك و في إطار الحاجة الملحة لتمييز الذات قدم الإسلامويين أنفسهم كمفكرين لا كعلماء أو شيوخ دين، و تأسيسا علي ذلك نصبوا أنفسهم ناطقين رسميين بإسم اسلام " الدين والدولة". و قد اتخذ هذا التوجه شكلاً آخر في مجال التنافس والتنابذ بين الاسلامويين و بين التيارات العلمانية حيث يذهب الإسلامويون الي انهم يمثلون الحداثة في نصاعتها وأصالتها بينما يمثل غيرهم المبادئ المستوردة في زيفها واغترابها. و في هذا الاطار يمكن لنا ان نستوعب مقولة الدكتور حسن الترابي امام الجمع من أساتذة الدراسات الإسلامية الأمريكيين في ولاية فلوريدا عام 1997 من أن " الإسلام هو الحداثة الوحيدة "، وهي مقولة رددها الترابي في مناسبات و محافل عدة بعد ذلك.



يشير جلاب في تحليله إلى نتائج محددة ترتبت على تركيز الحركة علي هذا النوع من " تصوير الذات " اولها و ابرزها أنها اغلقت نفسها في إطار الدفاع عن ما اعتقدت انه هو الأصل و الاساس في خصوصيتها و ذلك دون الإنفتاح على المحيط الاوسع الذي يربطها بالمعارف الأخرى. ومن هذا المنطلق فإن اهل الحركة لم يقوموا فقط بتقزيم أنفسهم بل قاموا ايضا ايضا بتقزيم التجارب الأخري المتصلة بتلك المعارف. ثم أن فشل الاسلامويون في وضع الإسلام في أطره الحيوية المتنوعة انتهي بهم الي تجاهل المعاني العميقة للتطورات الإقتصادية والإجتماعية والسياسة التي عايشتها و تعايشها المجتمعات المتعددة التي تضمها الأمة الإسلامية. وعلي ارضية هذا الواقع تواضع الاسلامويون علي إيديولوجية غلب عليهم الظن بأنها قادرة على تطهير تلك المجتمعات من "الشوائب" و"العيوب" المتراكمة والتي بدت في الظاهر و كأنها جزء من اسباب الانحطاط في العالم الاسلامي مع انها في الاصل لا تَعدُ ان تكون بعضا من جوانب التطور التاريخي لهذه المجتمعات. و لعل من أهم نتائج ذلك النهج أنه جعل من الحركة الإسلامويه في السودان تجمعاً سياسياً منطويا علي نفسه و مكتفيا بذاته اكتفاءً وقف بها علي مشارف النرجسية؛ وآية ذلك هو أن هذه الجماعة لم تتردد، بمجرد وصولها إلى الحكم، في الحاق صفة الاسلام بكل المشروعات الاصلية و الفرعية التي طرحتها و كأن النسبة للاسلام تقوم و تتحقق بمجرد قرارها الحاق تلك الصفة بالمشروع.



يفسر المؤلف ظهور الحركة الإسلاموية في السودان بانه واحدة من أفرازات التطورات العميقة التي إنتظمت المجتمع السوداني في القرن الماضي. فقد ظهرت في مسرح الحياة السودانية في فترة الأربعينات العديد من الحركات السياسية والثقافية وثيقة الصلة بحركة المتعلمين السودانيين الجدد والطبقات السودانية البازغة و تفاعل هذه المستجدات مع الواقع الناتج عن ديناميات التجربة الإستعمارية. و هي الافرازات التي تجسدت باشكال واضحة في تطور وتنوع أصوات ومنابرالحركة الوطنية في البلاد. و في إطار الإتجاهات الإسلاموية فقد ظهرت في تلك الفترة ثلاثة إتجاهات، أولها ذلك الذي تسمى بإسم الإخوان المسلمين والتي ترأسها لفترة وجيزة الشيخ عوض عمر ثم خلفه على طالب الله الذي كان عضواً نشطاٌ في مؤتمر الخريجين ومديرا لتحرير صحيفة المؤتمر وعلى علاقة متميزة بزعيمه إسماعيل الأزهري. و كان الامام حسن البنا قد عين علي طالب الله عضوا في الجمعية التاسيسية لجمعية الأخوان المسلمين بالقاهرة. لقد كانت هنالك محاولات متعددة لحسن البنا من أجل تمديد حركة الإخوان في السودان وقد إتصل في هذا الصدد بزعامات الختمية والإنصار التي ردت محاولاته بدبلوماسية وأدب. و قد ضمت جماعة الإخوان السودانية الاولي تلك حفنة صغيرة من السودانيين و بعض المصريين العاملين في الجيش المصري و مصلحة الري المصري. ووجدت الجماعة وزعيمها علي طالب الله مضايقات جمة من السلطات الإستعمارية وانتهي بها الامرالى أن تحول أفرادها الى حركة التحرير الإسلامي.



أما المجموعة الثانية فهي مجموعة الجمهوريين التي أنشأها محمود محمد طه في العام 1945. وقد ظهرت تلك الحركة كإتجاه مناوئ للإستعمار ومناهض للطائفية في ذات الوقت. لقد تميزت الحركة الجمهورية عن الحركات الإسلاموية الأخرى بمرجعيتها المبتكرة التي تقوم، بحسب المؤلف، على بناء مستقبل إسلاموي ( ينسخ ما يرى ويبقي ما يود ويستنسخ ما يريد) أن يبني عليه مشروعه الفكري والسياسي في إطار تطويرى يجافي إطار الشريعة القائمة وآيات "الفروع" المدنية و يجد نفسه في آيات "الأصول" المكية، من أجل تطوير الشريعة والإرتقاء بالإنسان المسلم من مستوى الوصاية إلى مستويات المسؤلية والحرية. و الحال كذلك فان الفكرة الجمهورية انما تقوم علي قواعد مخالفة تماما للنهج الذي تقوم عليه العمد الأساسية للافكار السياسية الإسلاموية والوهابية والصوفية ومدارس العلماء في أشكالها المتعددة. و من تدابير الاقدار التي تدعو للتأمل ان جماعة حركة التحرير الإسلامي التي كانت قد قصدت محمود محمد طه في مرحلة مبكرة و عرضت عليه ان يتزعم حركتها قد عادت بعد ذلك لتعمل بضراوة لمناهضته و اخراس دعوته إلي أن وصلت بالأمر، بالتضامن أو بالتآمر مع غيرها، إلى نهايته المأساوية.


و المجموعة الثالثة فهي مجموعة حركة التحرير الإسلامي التي تزعمها بابكر كرار الذي يعتقد المؤلف بأنه الأب الروحي للدكتور حسن الترابي، إذ أن الكثير من الأفكار الحداثية في مجالات المرأة والفنون وإستقلالية الحركة الإسلامية السودانية والعدالة الإجتماعية تعود في أصولها بشكل أو بآخر إلى عقل بابكر كرار. و بابكر شخصية سودانية لم تجد حظها من الدرس والإهتمام من قبل الدارسين الأكاديميين أو الإسلامويين أو من جمهور المهتمين بدراسة الحركات الإسلاموية بشكل عام. (و قد عرف بابكر كرار منذ نعومة اظافره السياسية بشخصيته الفذة و مهاراته القيادية، و كانت رؤيته للعمل الاسلامي متميزة و مختلفة عن رؤي جميع من نافسوه علي موقع القيادة. و قد اشتهر كرار بأنه كان الاكثر حرصا من سواه علي سودانية الحركة و الاكثر استصحابا لتراث السودان الاسلامي و في مقدمته تجربة الثورة والدولة المهدية، كما كان من اوائل الاصوات الداعية للاشتراكية الاسلامية. لذلك فقد كان التيار الذي وقف خلف بابكر كرار في أوساط الإسلامويين هو التيار الذي يمكن أن يوصف بالتيار "الثوري" الذي وجد ضالته بعد ذلك في قيادة حسن الترابي، و ذلك في مقابل المحافظين الذين استمسكوا بمرجعية حركة الإخوان المسلمين الأم و قيادتها المتمثلة في شخص الصادق عبدالله عبدالماجد). و قد قاد بابكر كرار ذلك القطاع، تحت مسمي حركة التحرير الاسلامي، دون منازع حتى العام 1954 حيث تدافع الي رحاب الحركة عدد من اعضاء كيان الإخوان المسلمين القادمين من جماعة على طالب الله المنهارة و تنظيم اخوان مصر وعلى رأسهم محمد خيرعبدالقادر الذي نُصب أميناً عاماً للحركة بعد توحيدها تحت مسمي "الإخوان المسلمين". و معلوم ان الحركة قد شهدت سلسلة من من المنازعات والمنازلات حول القيادة امتدت حتى العام 1964، و هو العام الذي شهد مخاض التحولات الكبرى علي المسرح السياسي القومي العام ثم علي المستوي الحركي الاسلاموي الخاص، فقد قدمت ثورة أكتوبر لزعامة الحركة جيلاً جديدأ من المتعلمين من خريجي جامعة الخرطوم وبعض مؤسسات التعليم العالي الغربي على رأسهم الدكتور حسن الترابي. وقد ظل حسن الترابي في سدة القيادة منذ ذلك الوقت دون منازعة تذكر حتى العام 1999 حيث أودى بزعامته ذات الإنقلاب العسكري الذي كان قد نظمه بنفسه لينقل به الحركة من رباط المعارضة إلي بلاط السلطة، بعد أن علّم الذين إنقلبوا عليه " لبس الشال و إستعمال الجوال" كما يقول تلاميذه ومريدوه!



يفرد المؤلف في كتابه حيزاً كبيراً لثورة أكتوبر1964 والفترة التي تلتها مباشرة بإعتبارها واحدة من أهم الحقب في تاريخ السودان المعاصر او بالاحري المُعاش، و قد حملت تلك الحقبة في تضاعيفها تغييرات و تداعيات كبري كان لها اكبر الاثر في الواقع السياسي و الاجتماعي و الثقافي. لم تكن اكتوبرتمثل تغييرا مجردا في اسلوب و شكل الحكم من ادارة عسكرية الي نظام مدني بل كانت مدخلا رحيبا للمشروع السياسي السوداني وآفاق مقاصده في شمولها و إتساعها. و من ذلك انها عرفت الامة علي بعض مكامن قوتها ممثلة في سلطة المجتمع المدني الحديث و بيئة ذلك المجتمع التي تسودها و تحكمها ثقافة الثقة والاحترام والفاعلية الاخلاقية التي تقود المجتمع إلى الإهتمام ببعضه بعضا ومن ثم الإهتمام بالأمة جمعاء و غير ذلك من القيم التي بسطتها روح اكتوبر. ويذهب المؤلف الي القول أن الأمة مجتمعة سجلت موقفاً ً اخلاقيا رفيعاً، مستندة الي تراث اكتوبر و قيمه العدالية، في الدفاع عن حق الإخوة في الوطن في أن يختاروا لأنفسهم كيفية إدارة شأنهم العام و حق المواطن في أن يختار إنتمائه وتوجهه السياسي، و في تكريس النهج الديمقراطي اطارا للحوار الوطني و ادارة الصراع حول صياغة مشروع بناء الامة. و قد قدمت أكتوبر رعيلاً جديداً من السياسيين على رأسهم الصادق المهدي و حسن الترابي و عبد الخالق محجوب و محمد عثمان الميرغني و أبيل ألير وكلمنت أمبورو ووليم دينق وأحمد إبراهيم دريج و فاطمة أحمد إبراهيم و صفوف اخري متراصة من السياسيين و قادة المجتمع المدني. إضافة إلى كل ذلك فقد أكدت اكتوبر مشروعية وجود الأحزاب كلها بما فيها تلك التي منعت ذات يوم بقوانين محاربة الانشطة الهدامة. كما أعطت بعض المشروعية للتصريح و المجاهرة بوجود فصائل ثورية في القوات المسلحة يمكن أن تتدخل في الحياة السياسية عن طريق الإنقلاب العسكري الذي كانت العديد من الدول النامية قد تعرفت علي دروبه و شعابه. و هو ما اطلق عليه السيد الصادق المهدي عند لقاء المؤلف به " فيروس الإنقلاب العسكري "، و هو الفيروس الذي حول الجيش الي واحدة من قنوات التغييرالسياسي الذي تسلل منه الي سدة السلطة العقيد جعفر نميري و العميد عمر البشير وغيرهما من العسكرين. وسوف نستعرض باذن الله في الحلقة الأخيرة، الاربعاء القادمة، ما يصفه المؤلف بالتحولات الكبرى في الحركة الإسلامية والتي تمخض عنها الإنقلاب والنظام الشمولي ومن ثم الإنقسام الذي قاد الي إنهيار الجمهورية الأولى.

نقلا عن صحيفة ( الاحداث )

http://www.alahdathonline.com/Ar/ViewContent/tabid/76/C...ID/8986/Default.aspx

Post: #557
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 05:48 PM
Parent: #556


غربا باتجاه الشرق





الأنبياء الكذبة : الوجه الجديد لعبدالعزيز خالد!





مصطفي عبد العزيز البطل

[email protected]



ارجو ان يأذن لي الاخوة الجمهوريون في ان استعير من ادبياتهم عبارة، ربما كان الاستاذ محمود محمد طه هو اول من صكها، قرأتها في مقدمة احدي كتبهم، تقول: ( الترابي في ذاته محل حبنا و في فكره محل حربنا)، فأقول بدوري ان العميد (م) عبدالعزيز خالد في ذاته محل حبنا و تقديرنا و احترامنا و لكنه في محاولته الاخيرة و تطوافه علي تجمعات السودانيين بالولايات المتحدة، بغرض اعادة انتاج و تسويق طموحه في الاضطلاع بدور المنظر و الموجه و القائد لمسيرة تغيير مرتجي في المشهد السياسي السوداني، يبقي محل استغرابنا و دهشتنا و ارتيابنا! و لعلني، قبل ان امضي قدما في امر الضابط المتقاعد المتطلع لادوار القيادة اتوقف لهنيهة فاحث اولئك الذين دأبوا علي الاستعارة والاغتراف من بضاعة الاخوان الجمهوريين علي الالتزام بالاصول المرعية في الاستعارات و "الاغترافات". فقد لاحظت ان البعض و خاصة من اهل المعسكر ( الاسلاموي) يستحسن و يُحسن الاستعانة بالمصطلحات و التعبيرات التي ارتبطت بالادب الجمهوري و كأنها من منحوتاتهم وفي ذلك تجاوز ما بعده تجاوز اذ كيف تأتي لمن حارب قوما و طاردهم وقعد لهم كل مرصد ان يعود فيعب من موردهم و يشرب من معينهم ثم يقدمه للناس بعد ان بخسه و رخصه و رماه بكل نقيصة. وقد ادهشني الليلة الماضية و انا اتصفح كتاب ( الترابي والانقاذ: صراع الهوية و الهوي) للدكتور عبدالرحيم عمر محي الدين الكادر الاسلامي القيادي النشط قوله عن نفسه انه و في اجتماع مغلق لقادة المؤتمر الوطني عقب اعتقال الدكتور الترابي في فبراير ٢٠٠١ استنكر قرار الاعتقال و طالب اخوته في الحزب الحاكم بان يلتزموا في مستقبل تعاملهم مع حزب المؤتمر الشعبي بمبدأ ( الحرية لنا و لسوانا)!! و في علم الكافة ان ذلك شعار من اكثر مصكوكات الجمهوريين ذيوعا. و في قتل "الاسلامويون" لصاحب الشعار ثم انتحال و استحلال الشعار بعد ذلك لانفسهم مفارقة عزّ ان يكون لها نظير. و كنت قد قرأت قبلها في صدر مقال للدكتور عبدالله علي ابراهيم انه رصد عبارة استخدمها مؤخرا الاستاذ علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية ضمن حديثه امام بعض الاعلاميين يصف فيها شعب السودان، قبل الانقاذ، انه ( شعب عملاق يتقدمه اقزام) و تلك بدورها مقولة مأثورة اشتهرت عن الاستاذ محمود!



ولكن الذي يشغل بالنا حقا في يومنا هذا هو ما كان من امر العميد عبدالعزيز و مساعيه للتواصل مع جموع السودانيين بالولايات المتحدة، بعد وصوله اليها مؤخرا، لترويج بضاعته الجديدة المتمثلة في دعوته لتكوين جبهة عريضة تضم جميع القوي السياسية الفاعلة لاسقاط خيار الدولة الدينية اولا و اقامة دولة المجتمع المدني ثانيا. و يذكر السودانيون ان نجم عبدالعزيز كان قد سطع و لمع في حقبة التسعينات تحت راية مشروع قوات التحالف الوطني الذي كان قد اعتمد العمل المسلح وسيلة لاسقاط النظام. و يذكرون عنه تصريحاته المجلجلة المدوية عن نهاية عهد الحلول الوسط في السودان، تماما كما يذكرون بشاراته و نذاراته بان السودان قد اظله زمان الحسم الجديد تحت رايات التحالف: الزمان الذي " لا يعرف الحلول الوسط"! و من الحق ان صلاة عبدالعزيز و نسكه عند بيت التحالف، في تسعينات القرن المندحر، لم تكن كلها مُكاءً و تصدية، و آية ذلك ان جموعا غفيرة من ابناء الوطن كانت قد استصوبت برنامج التحالف و استبطنت فيه مصداقية تجديدية ثورية فاستوت في صفه بعد ان استخارت تحت راياته يقينها في المستقبل الديمقراطي. وبلغ من سطوة ذلك التنظيم و رفعة شأنه ان تقارير صحفية نشرتها كبريات الصحف العالمية عهدذاك نسبت الي مصادر عليمة مقربة الي دوائر صنع القرار الامريكي ان الولايات المتحدة اسقطت من حساباتها قيادات السودان التاريخية، و في مقدمتها الصادق المهدي، بعد ان وجدت ضالتها في في شخصية عبد العزيز خالد الذي بدا في يومه ذاك و كأنه يصلح ان يكون بديلا جديا و فاعلا لقيادة البلاد. غير ان مياها كثيرة جرت تحت جسور النيل في الحقبة الفاصلة بين زمان الاحلام الكبار الذاهب و اوان تجوال عبدالعزيز بين سودانيي المهجر الماثل.



كثير من كتاب السيناريو و الحوار في المسلسلات و الافلام المصرية الجديدة يضعون علي السنة الممثلين عبارة ( نيو لوك) وترجمتها: "المظهر الجديد"، فتسمع حنان ترك تخاطب محمد هنيدي مثلا: ( ايه ده؟ انا ما قدرتش اعرفك بعد النيو لوك بتاعك)! و العبارة التي عرّبتها الكوميديا المصرية، مع الاحتفاظ بلفظها ونطقها الاجنبي، تتصل في معناها الحرفي باتخاذ الانسان لمظهر جديد في الشكل كتغيير طريقة تصفيف الشعر و النظارات و الملابس و حتي طريقة الكلام اما من الوجهة المعنوية فتدور في مدار تبديل المواقف و تغيير الاتجاهات و التماس سبل جديدة في العمل العام مفارقة تماما لمواقف الماضي و اتجاهاته و مسالكه. وقد بدا لي مما سمعت علي لسان العميد المتقاعد انه قرر ان يضع في وجهه - المجازي لا الحسي - نيو لوك، فيعيد انتاج اسمه و شخصه و طروحاته و استراتيجيات نهجه السياسي ثم يطلب الينا في سودان المهجر الامريكي ان نستقيم تحت رايته الجديدة. و رأيتني اتأمل – في امر هذا النيو لوك - و استغرق في التأمل ثم اصُد فاقول لنفسي: كيف تأتي للعميد ان يقول لنا ان نظام الانقاذ سيسقط علي يديه عبر نهج النضال المسلح، ثم ينقلب علي رفقاء مسيرته المسلحة و يصفهم بكل رزية ثم يتحول بمسيرة النضال المسلح مائة و ثمانين درجة الي نضال التفاوض مع نظام الانقاذ واساطين الدولة الدينية الذين بني مجده السياسي علي قوة و شراسة مواقفه ضدهم و بشرنا بأن عهد الحلول الوسط معهم قد انتهي الي غير رجعة، ثم يدفع باقرب اعوانه ( نائبه عصام ميرغني "ابو غسان" و غيره) ليتولوا المواقع الدستورية في مؤسسات دولة الانقاذ ممثلين لتنظيمه، ثم بعد ذلك كله يعود ليخاطب الملأ في المهجر الامريكي ليدعوهم الي الانتظام في جبهة عريضة لمقاومة خيارالانقاذ وهزيمة المؤتمر الوطني، وهي جبهة لا احسب انه يري نفسه منها الا في موقع الصدر! و لعل وجود العميد في الولايات المتحدة التي يحتدم في جنباتها اوار الحملات الانتخابية الرئاسية هذه الايام وهي حملات شرسة تفتح فيها ملفات المتنافسين صفحة صفحة و يجري تمحيصها سطرا سطرا حتي تطمئن النفوس الي ان السيرة الذاتية لمن يمكن ان تؤول اليهم دفة الحكم تزكي هؤلاء و تؤكد حيازتهم لكافة مؤهلات و مهارات واخلاقيات القيادة، يغرينا بان نلتمس من العميد الاذن لنا بجولة قصيرة في تضاعيف سيرته السياسية في اطار مجاذبات طفيفة حول النقاط التي تحدث حولها و بعض الاجابات التي تفضل بها علي طائفة من المتداخلين في حواراته الاخيرة مع الجاليات السودانيه. بالاضافة الي ما سبقت الاشارة اليه من الدعوة الي الجبهة العريضة لاسقاط الانقاذ فقد تطرق العميد الي عده قضايا منها: انحسار دور تنظيم التحالف و الخلاف الذي عصف به وبلغ ذروته في العام ٢٠٠٤ وملف الاندماج مع الحركة الشعبية و ملف انتهاكات حقوق الانسان في معسكرات التحالف، و الموقف من قضية التحول الديمقراطي، و قبل ذلك كله ما يصفه العميد بالدور السلبي للمثقفين.



شن العميد هجوما شاملا علي المثقفين السودانيين اجمالا و تحدث عن ما اسماه " قصر نفس المثقفين السودانين في العمل السياسي العام"، و " الطموحات الذاتية للمثقفين"، و "تعجلهم حصد الثمار" و ميلهم الي "العمل علي تكوين تنظيمات هشة سرعان ما يأفل نجمها". و قد بدا لي مما يدعو الي العجب ان يصدر مثل هذا الهجوم علي قبيلة المثقفين من ضابط سابق بالقوات المسلحة بغير اكتراث او احتراس، مع ان الكثرة الكاثرة ممن خاطبهم يمكن تصنيفهم ضمن هذه القبيلة. الا ان احدا من هؤلاء لم يحرك ساكنا او يبدي انفعالا بهذا التهجم، ذلك انه و برغم ان تعبيرات العميد وتوصيفاته السالبة قد بدت عامه و مفتوحة بحيث تغطي كافة المثقفين السودانيين فان الجمع ممن اعاروه اسماعهم كانوا في واقع الامر "يعرفون البير و غطاه" اذ لم تخالج احدا منهم ذرة شك في ان اصابع العميد و اتهاماته انما كانت تتجه من طرف خفي الي رفاقه السابقين في تنظيم التحالف و في طليعتهم الدكتور تيسير محمد احمد. و لو كان الامر غير ذلك لما عدم الحاضرون بين صفوفهم من يرد علي صك الادانة الشاملة الذي اصدره العميد بحق جمهرة المثقفين السودانيين بصك ادانة مضاد لضباط المؤسسة العسكرية – التي ينتمي اليها – و هي مؤسسة ذات تاريخ حافل في مضمار "قصر النفس" و" الطموحات الذاتية" والمغامرات و الانقلابات و التعابث بالمواثيق والحقوق الدستورية.



يميل عبدالعزيز الي تصوير " الدورالسلبي للمثقفين" باعتباره العامل الحاسم في الانقسام الداخلي و من ثم انهيار تنظيم التحالف. و كأني بالحقائق و الوثائق و الوقائع و الشرائع تنظر الي العميد شذرا و تستعجب مقالته. و الذين تابعوا مراحل الصراع السياسي، الذي كان يعبر عن نفسه في قائمة التحالف الالكترونية، عند بدايات الازمة التي تصاعدت حتي قصمت ظهر الحركة و حطمت عظامها يعرفون ان محنة عبدالعزيز بدأت بالاستفهامات و الاستعلامات الواردة في مذكرة الجهاز السياسي الشهيرة في الخامس عشر من يوليو ٢٠٠٣ بشأن ما تكشف من اتصالات سرية بينه و بين حكومة الانقاذ من خلف ظهر التنظيم و اخفائه المعلومات عن هيئته القيادية و مكتبه السياسي. و في مسعي اخضاع ممارسات العميد لمبدأ المحاسبة و التحري عنها و تقصي مغازيها التمس الرفاق الهداية من مواثيق التنظيم و لوائحه فقاموا بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق من ثمانية من خيرة اعضائها علي رأسها البروفيسر شيخ عبدالعزيز عثمان رئيس المجلس المركزي لقوات التحالف وهو عضو مؤسس للتنظيم و استاذ في الشريعة و القانون يحظي باحترام و ثقة الجميع، و هي اللجنة التي ادت القسم أن تراعي الله و الوطن و الضمير في عملها فتحرت و تقصت واطلعت علي الادلة و محصتها ثم اصدرت توصيتها بتجميد عضوية العميد. و عند مواجهته بالادلة التي توافرت بشأن اتصالاته السرية المتواترة برموز الانقاذ من السياسيين و بعض قيادات و عناصر جهاز الامن و فرع الاستخبارات العسكرية لم ينكر العميد ضلوعه في هذه الاتصالات السرية دون علم التنظيم بل حاول ان يجد لها تبريرا في قوله بان هدفه من وراء هذه الاتصالات هو اختراق النظام و اجهزته الامنية وانه كان في كل مقابلاته السرية " يشتري " المعلومات من ممثلي النظام و اجهزة أمنه. يضاف الي ذلك ما كان من امر اكتشاف تحويل مبلغ ثلاثمائة و خمسون الف دولار امريكي، بصورة سرية و بالمخالفة للوائح و نظم التحالف المالية، من الحساب المصرفي الرسمي للتنظيم الي حساب خارجي خاص. و لم تقع تبريرات عبد العزيز ودفوعاته موقعا حسنا عند رفاق دربه النضالي فتضعضعت جسور الثقة و تمددت ظلال الشك و تراجعت الروح المعنوية و كانت تلك ضربة البداية في مسيرة الانحسار والانحدار. و أهل النهي لا يرون في هذه الوقائع المحزنة و استطراداتها و تداعياتها، التي استولدتها ممارسات العميد، " قصر نفس مثقفين" بقدر ما يرصدون فيها ملامح تشف عن قسمات سلطوية دكتاتورية تحتكرالمسار والقرار و تحتقر الجماعة و ترتقي باهواء الزعيم الفرد فوق ما عداها غرورا واستكبارا.



و اذا كانت الشكوك و الريب التي خامرت العصبة من رفقة عبدالعزيز حول علائقه و مداخلاته مع ممثلي النظام و عناصره الامنية و الاستخبارية قد اثبتها الرجل نفسه باقراره بصحة المعلومات التي وقع عليها زملاؤه و اعترافه بالاتصالات التي كان يجريها منفردا و في السر دون علم الاخرين، فان قرائن اخري قامت لتعضدها في اوقات لاحقة علي نحو تكاثفت معه الشبهات و الفتن كما قطع الليل، فالعديد من قيادات التجمع الوطني السابق وكوادره تعلم عن مآلات الجهود التي اضطلع بها الزعيم الميرغني لاطلاق سراح العميد عبدالعزيز عند اعتقاله في دولة الامارات العربية في سبتمبر ٢٠٠٤ اذ بهت قادة التجمع عندما نقل اليهم ممثل وزير رئاسة الجمهورية المصري، عند لقائهم به، بأن المعلومات المتوافرة للسلطات المصرية تفيد بان اعتقال العميد في دبي وتحضيرات نقله للخرطوم انما تمت بتنسيق بين العميد شخصيا و بين السلطات السودانية و ان الامر في جملته لا يعدو ان يكون مسرحية رديئة الاخراج. و زاد الشكوك والريب ضغثا علي ابالة الروايات المتواترة بشأن ٣٧ فردا هم جملة كادرات التحالف التي كانت قد اختارت ان تتوجه الي الخرطوم عبر الحدود الاريترية للالتحاق بالعميد والانخراط في العمل السياسي تحت قيادته وقد اقام اغلب هؤلاء في دور اسرهم و ذويهم باستثناء عدد صغير لا يتجاوز الثمانية عشر فردا استأجر لهم العميد منزلا في حي الدروشاب، و في مسعي توظيفهم و اعادتهم الي دورة الحياة العادية فوجئ ممثلي المجموعة بالعميد يستدعيهم و يسلمهم بيانات اشتملت علي اسم و عنوان ضابط اتصال في جهاز الامن و المخابرات بالخرطوم طلب منهم مقابلته و عند اللقاء بمسئول الامن صعق هؤلاء الافراد عندما علموا بان الترتيبات المعدة لهم هي الاستيعاب في وظائف وثيقة الصلة بجهاز الامن و المخابرات فاعتذروا عن قبول عروض العمل و انتهي قرار افراد المجموعة بعد التداول فيما بينهم الي الانخراط في الجيش الشعبي لتحرير السودان التحاقا بالمجموعات الاخري التي سبق دمجها مع الجيش الشعبي، و جميع هؤلاء احياء يرزقون!



و قد أهمني بعض الشئ التماس عبدالعزيز لنفسه مخارج تتجافي مع معاني الاستقامة و تتعارض مع منهج التقوي في مواجهة المُشكل من القضايا و العويص من التساؤلات التي طرحها امامه سودانيو المهجر الامريكي، و من ذلك ولوغه في نفي وقائع رسخت في الوعي العام و تواترت عليها القواطع من الادلة، ومثال ذلك انكاره جملة واحدة وجود اي تجاوزات في مجال حقوق الانسان ابان قيادته و اشرافه علي معسكرات الحركة في الاراضي الاريترية و السودانية وادعائه انه لم يسبق قط لهيئة دولية من الهيئات المهتمة بحقوق الانسان ان طرحت اية ملاحظات حول التجاوزات في معسكرات التحالف و هي تجاوزات طبق خبرها الافاق و بلغت اهوالها مطالع الشمس. و ذلك في وقت يعلم فيه العميد علما لا جهالة بعده ان ملفات قوات التحالف، وبعضها ما يزال بحالة جيدة لم ترث اوراقه بعد، تشتمل علي رسائل و مذكرات و تقارير يحمل اغلبها توقيع السيدة جميرا رون مديرة مكتب منظمة هيومان رايتس ووتش في واشنطن، و هي مراسلات معنونة اليه شخصيا مع صور مرسلة لكافة اعضاء المكتب التنفيذي لقوات التحالف و تتعرض بعض هذه التقارير الي و قائع تجاوزات حقوق الانسان في المعسكرات التي كان يشرف عليها العميد بنفسه. و ذلك فضلا عن المذكرات العديدة التي تقدم بها ضحايا التعذيب انفسهم الي رئيس التجمع الوطني و قياداته وقد اشتملت احدي هذه المذكرات علي معلومات حول عنصر من عناصر القوات المسلحة السودانية جري استقطابه و استيعابه في قوات التحالف ولكنه لامر ما غادر المعسكر دون علم العميد ثم حدث ان القت السلطات الاريترية القبض عليه و سلمته الي قوات التحالف حيث اصدر عليه العميد حكما بالاعدام، جري تنفيذه بالفعل، بتهمة الهروب من الخدمة. كما اشتملت مذكرات اخري علي معلومات عن لصوص تخصصوا في نهب المركبات تعاقد معهم العميد علي سرقة شاحنات و سيارات و تسليمها لممثليه لقاء مكافآت مالية، و في اعقاب خلافات مع هؤلاء السراق امر العميد بحبسهم في سجونه حيث تعرضوا لالوان من التعذيب لا قبل لبشر بها فصلوها في مذكراتهم مدعومة بالاسماء و المواقع و التواريخ. و ادهي من ذلك ان صورا فوتوغرافية عديدة لسجون العميد و معتقلاته المرعبة التي سارت بذكرها الركبان، و قد شيد بعضها في شكل حفر عميقة تحت الارض، كانت قد وجدت طريقها الي النشر في مواقع الشبكة العنكبوتية كما نشرت حوارات مع بعض الضحايا من المعتقلين الذين كشفت تجارب اعتقالهم و تعذيبهم في تلك المعسكرات عن فظائع مروعة تشيب لهولها الاجنة. و ما ضر العميد لو استبرأ الي ربه و شعبه فأقر بهذه التجاوزات و اعلن علي الملأ من سودانيي المهجر استعداده لتحمل المسئولية عنها و طلب النقد الذاتي المتجرد سبيلا لتطهير نفسه من اوزارها، اذن لكان عند الله وجيها و عند الناس من الفائزين، ولكنه تنكب الطريق و ترك ما يليق الي ما لا يليق. و من نماذج مفارقة العميد لجادة الحق نفيه – ضربة لازب – انه ادلي بتصريح قال فيه ان الدكتور تيسير محمد احمد ( لا يصلح لقيادة ثلاثة غنمايات ) و ذلك في رده علي سؤال الاستاذة هناء خضر في واشنطن. و قد وردت تلك المقولة الشائنة المزرية علي لسان العميد ضمن تصريح مطول كان قد ادلي به لصحيفة ( الشرق الاوسط) و نشرته كاملا في فبراير من العام ٢٠٠٤ وقد اعيد نشر هذا التصريح في عشرات الوسائط الاعلامية و ظل يتكرر و يدور في مدارات التداول الورقي و الالكتروني طوال السنوات الاربعة الماضية دون ان يحرك العميد ساكنا. و قد جاء في نص التصريح الاصلي كما اوردته الشرق الاوسط: ( انور ادهم [محامي] يستطيع ان يكسب ثلاثة قضايا في اليوم و محمد عبدالمنعم [رجل اعمال] يستطيع ان يعمل ثلاثة مليون جنيه في اليوم ود. تيسير محمد احمد [استاذ جامعي] يستطيع ان يكتب خمسة كتب، و لكن ايا من هؤلاء لا يستطيع ان يقود ثلاثة غنمايات). و كان الظن انه بدلا من ذلك المضيق الوعرالذي ادخل عبدالعزيز نفسه فيه بمثل هذا النفي الفطيرالمتعجل الذي يفتقد جذوة المنطق و يحمل جرثومة الاستخفاف بالنخبة من سودانيي المهجر ان يبادر بتحمل المسئولية عن الحديث المنكور الذي جري علي لسانه و نشرته منسوبا اليه اكثر الصحف العربية وزنا و احتراما واحترافية.



ومن ذلك ايضا روايات العميد، التي صدع بها الناس تصديعا، عن اعتقاله في اسمرة بواسطة السلطات الاريترية، واخوتنا المصريون يقولون: ( الكدب خيبة). وتلك كذبة بلقاء لا تليق بمن يتحري في نفسه مؤهلات القيادة و يلتمس دروبها. و قد اتخذ عبدالعزيز ذريعة الي ادعائه ذلك طلب السلطات الاريترية اليه عدم ارتياد مناطق معينة علي الحدود الاريترية الاثيوبية والحدود الاريترية السودانية و ذلك في اعقاب اجتماع له مع القاده الاريتريين الذين ارتابوا في بعض تحركاته واتصالاته، كما ارتاب قبلهم عشيرته الاقربين. غير ان مدينة اسمرا الساحرة لم تعرف العميد الا حرا طليقا، كما طائر النورس، حتي اخر يوم اظلته سماءها الصافية و تراشقت عليه اشعه شمسها المشرقة و شهدت عليه طرقاتها وحواريها و هو يتردد بين الدور و الفنادق والمطاعم و اماكن سكني اعضاء المجلس المركزي في مسعي محموم لاثنائهم عن عقد اجتماعهم العام ثم غادر المدينة حرا - كما دخلها قبل ذلك حرا - بعد ان كللت مساعيه لمنع عقد الاجتماع العام بخيبات ثقيلات.



مرحبا بالعميد عبدالعزيز خالد بين اهله و بني وطنه في المهجر الامريكي.



حللت اهلا و نزلت سهلا.


نقلا عن صحيفة ( الاحداث )



http://www.alahdathonline.com/Ar/ViewContent/tabid/76/C...ID/9405/Default.aspx
______

Post: #558
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 05:50 PM
Parent: #1


لذلك تظل خلافة الرجل الأول فى السودان مشكلة ويظل غياب الزعيم مشكلة اكبر مثلما غاب الازهرى فى الإتحادى وكذلك غياب الاستاذ محمود محمد طه فى الجمهوريين حيث غاب أثرهم بغيابه.




http://www.rayaam.net/syasia/syasa2.htm
_________________

Post: #559
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 09:15 PM
Parent: #1


وكذلك هنالك الاستاذ محمود محمد طه الذي تحلقت حوله صفوة سودانية كانت تراه كذلك (مهدي الله) و(قوس الزمان) و (شاهد الوقت) وهو أيضاً مات ميتة درامية .. ومحمود محمد طه كان أول من دعا في الشرق الاوسط بالاعتراف باسرائيل في كتابه (مشكلة الشرق الأوسط) والآن نصبت الدوائر اليهودية تلامذته كدعاة للاسلام الجديد.. فاذا كان جون قرنق يدعو للسودان الجديد فإن محمود محمد طه اصبح تلامذته يدعون إلى الاسلام الجديد وما أسماها بالرسالة الثانية للاسلام. ومضى محمود إلى ربه ولكن تلامذته أصبحوا الآن نجوماً في أروقة عدد من الجامعات العالمية المخصصة لمثل هذا النشاط.. كما انهم اصبحوا نجوماً في منظمات حقوق الانسان كـ ه(African Watch) و Human Rightes وغيرهما من مؤسسات حقوق الانسان . بل نما إلى علمنا أن عدداً من الدول الاسلامية كأندونيسيا حينما يجيء ذكر عن الاسلام يذكرون محمود محمد طه . ونحن لا نريد لإسلام محمود محمد طه أن يكون الاصل في العالم . ولكننا نقول ان الانسان عندما يكون له فكر واضح سواء كان باطلاً كأفكار الفلاسفة وغيرهم أو كان حقاً .. فإن هذا الفكر سيظل يتردد ويحوم وتنسج حوله الأسمار والأباطيل وتنسج حوله الاساطير.





http://www.rayaam.net/articles/article1.htm
_________________

Post: #560
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 09:16 PM
Parent: #559



كتب دكتور منصور خالد اليوم 15/1/2007 فى صحيفة الرأى العام (ص3) مقاله الثاني حول: عامان من السلام: حساب الربح والخسارة.. وقد خصص هذا المقال الثاني ل: حق تقرير المصير والوحدة الجاذبة.. فقال: "ويستذكر أن تقرير المصير ما كان ليصبح مطلبا لو فعلنا ما هو أدنى منه: النظام الفيدرالي فى دستور السودان الأول، الحكم الذاتي فى مفاوضات المائدة المستديرة 1965، الحفاظ على الحكم الذاتي الإقليمي فى عهد النميري ولعلنا نزيل وهما سائدا بأن قبول الفيدرالية يومذاك كان أمرا مستعصيا لأن القيادات لم تدرك، أو أن أحدا ما كان ليجسر بالدعوة له (الطيب حاج عطية، ندوة الفيدرالية، الأيام، 28/11/2006).. وحول الجسارة فى إبداء الرأى نقول إنه كان بين هؤلاء القادة فى ذلك الزمان السياسي من بادر منذ 1955 بإعداد مذكرة ضافية عنوانها: أسس دستور السودان لقيام جمهورية فيدرالية ديموقراطية اشتراكية ذلكم الرجل هو الأستاذ الشهيد محمود محمد طه. هذا أمر ينبغى ألا يتجاهله المؤرخون.)

Post: #561
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 09:17 PM
Parent: #560


فهناك لعنة اسمها العلاقة مع اسرائيل ؟
× نعم .. الملك عبد الله دفع حياته في يوليو 1951 ثمنا لمباحثاته السرية مع اسرائيل وتبعه السادات في 1981م بإغتياله وكانت واحدة من الاسباب التي عزلت الجمهوريين وقت اغتيال محمود محمد طه لدعوتهم للصلح مع اسرائيل .. وعزل الإمام نميري من خلافته بعد انكشاف فضيحة ترحيل الفلاشا .. نظرة إلى بنود الإتفاق الذي نشرته الاهرام تدلنا على أن التواصل في علاقة السودان واسرائيل بإطاره التاريخي كانت تتحكم فيه مجريات الأحداث في الشرق الأوسط ولا ترتبط بقريب أو بعيد بالمصالح الوطنية المباشرة ..



http://www.rayaam.net/syasia/syasa3.htm
____

Post: #562
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 09:17 PM
Parent: #561


اتحاد الكتاب وزدانوف السوداني

بقلم: د. خالد المبارك
لقد عارضت الطريقة التى طبق بها النميرى «الاسلام» العام 1983م وعارضت حرق الكتب واعدام محمود محمد طه.



http://rayaam.net/araa/araa4.htm

http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=m...ard=3&msg=1173216294
_________________

Post: #563
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 09:18 PM
Parent: #562


أ.د. حسن مكي محمد أحمد
التيارات الفكرية الإسلامية في السودان : 1-2
للأصول المائزة وأوجه التقارب
كما أن المهندس محمود محمد طه ابتدع رؤية جديدة في الفكر الديني تري أن نموذج الدولة العلمانية أقرب لروح الإسلام من نموذج الدولة على الشريعة الإسلامية



http://www.rayaam.net/articles/article12.htm
_________________

Post: #564
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 09:19 PM
Parent: #563


الثلاثاء 17 يناير 2006
..............................
سيناريو

حسن ساتي

[email protected]

ذكرى الأستاذ محمود .. حزمة أسرار (1-5)

مع أن الحديث عن الذكرى 21 لرحيل الاستاذ محمود محمد طه، إلا أني أريد أن آخذكم في هذا المسلسل الشيق جدا من وجهة نظري، بعد أن وجدت في نفسي ميلا لسرد هذه الوقائع التي لا يعلم بها الا من كان طرفا فيها، لأنني لم أؤرخ بعد لتلك الحقبة المايوية الشائكة التي أودعنا فيها عمر عبد العاطي سجن كوبر، والرجل ضعيف ، بتهمة قالت: لتبييضهم وجه النظام.

كنت مريضا بملاريا وقابعاً في منزلي بالمنشية حين صدر حكم محكمة الاستئناف بالإعدام على محمود طه، فنشرت كاريكاتيرا لبدر الدين ظهر يوم الجمعة 18 يناير يوم إعدام الاستاذ محمود يقول: نحن الخبراء.. ذوي قدرة على القتل ثلاثية، مجاراة لدعاية كان يبثها تلفزيون السودان لأحد المبيدات، ثم ركبت سيارتي أقاوم المرض لأتولى أمر إفتتاحية الأيام التي أرأس تحريرها، فكتبت إفتتاحية بعنوان: تبقى رايات العفو والتسامح عالية، وصورتها قبل أن تنشر وحملت صورة في جيبي، ثم هاتفت صديقي فضل الله محمد وقلت له لابدّ من موقف، فهذا هو الجنون. وافقني الرأي، وكتب بخبرة المهني والقانوني رأيا هادئا بالداخل، فيما كتبت أنا بخبرة المهني فقط رأيا صارخا بالصفحة الأولى. وحزنت بعد ذلك بشهور مع حمى الانتفاضة، حين وجدت أحد صغار محرري الصحيفة، وكان حاضرا لمخاض تلك الإفتتاحية، وقد قرأتها على رهط من زملائي الحضور، فقال لي ذلك الزميل الصغير وبالحرف: الآن يحس الإنسان بشرف الإنتماء لهذه الصحيفة، ولكنه عاد وغيّر رأيه بعد الانتفاضة، وكتب متسائلا ما إذا كان ذلك الخط من الصحافة والأيام قد أتى صدفة أم بتوجيه من أعلى كمناورة سياسية. شعرت أن قلبي ينزف، وضممت ذلك لأسباب رحلة مشروع المغادرة واللاعودة الى السودان، حين شمخ في داخلي المتنبي يصرخ:

أفي كل يوم تحت ضبني شويعر..

ضعيف يقاويني.. قصير يطاول..

الى أن يقول:

غير أنه بغيض اليّ الجاهل المتعاقل..

ثم أدرت الهاتف بعد خروج الزملاء من مكتبي الى مولانا القاضي عبد العزيز حمدتو طالبا لقاء عاجلا في نفس الليلة، فرحب، فاتجهت الى منزله المتواضع بالحلة الجديدة في الخرطوم، قرأت له الإفتتاحية، وقلت له إن هذا المركب يغرق، وغدا ستنتصب المشانق في الخرطوم، ولكني أرحب بعقوبة سجن لي، ولكن ليس الإعدام بالطبع، ولكني لا أضمن أن أمثل أمامك في قفص إتهام، فلماذا لا نوسع الفرصة بقوانين الاحتمال، أريد لفيفا من أصدقائك القضاة بمنزلي في حفل عشاء لأشهدهم على فهمي لحدود مهنيتي، ولحدود تداخلها مع ما هو سياسي، فرحب أيضا، وكان بعد أيام عشاء بمنزلي جمعني مع نفر كريم من قضاتنا أذكر منهم عادل سمساعة وسيف حمدنا الله عبد القادر، وأعتذر لمن رحلت أسماؤهم عن ذاكرتي.

في العاشرة من صباح اليوم التالي هاتفني على التلفون السري الرئيس نميري ليقول لي: حسن يا أخي، أولادك دول ما في داعي يتسرعوا ويكتبوا مثل هذا الكلام، ويحاولوا التأثير على رئيس الجمهورية الذي لم يصدر حكمه بعد، والذي يدرس في الأمر من عدة نواحٍ، وأنا أقرأ الآن الكثير من المراجع الفقهية. قلت له ما قصد سيادة الرئيس بـ ''أولادي '' ؟ قال الذين كتبوا هذا الكلام بالصفحة الأولى. قلت له: سيادة الرئيس، أنا الذي كتبته، ضحك ساخرا وقال لي: شكرا، وأنهى المحادثة. سألت صديقي الراحل زين العابدين عبد القادر بعد يوم عما يقصده الرئيس من عبارة أولادك ؟ قال لي حاول أن يجد لك عذرا ومخرجا فلم تفهم يا أبو علي.. شيل شيلتك وبل راسك .. دا زولي وأنا عارفه.والى الغد .

Post: #565
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 09:21 PM
Parent: #564


رد على سيناريو الاستاذ حسن ساتي

«لقد فعلتها مجموعة من النساء»

بقلم : د. سعاد ابراهيم عيسى

جاء بسيناريو الخميس «19/ يناير 2006م» حول ذكرى الاستاذ محمود.. «حزمة اسرار» ان الاستاذ حسن ساتي قد دعا مجموعة من اصدقائه في محاولة منه لوقف قرار السيد الرئيس باعدام الاستاذ محمود محمد طه وذلك بارسال عريضته في ذلك الشأن يقوم بالتوقيع عليها بعض القيادات المرموقة في حدود عشرين او ثلاثين شخصاً يخاطبون الرئيس ان استجاب لهم فذلك هو المطلوب وان لم يستجب يسجلون موقفاً للتاريخ. وذكر بان احد اصدقائه الحضور قد استفسره عن الكيفية التي يمكن ان يحصل بها على ذلك العدد من الموقعين.

وانتهى الامر بقبول اقتراح مستشار الرئيس نميري الصحفي المرحوم محمد محجوب الذي نصحهم بالانتظار لان مايو قد ينتهي اجلها قبل موعد اعيادها القادمة او ان تنفرج نحو افق جديد كلياً وقد وجد ذلك الاقتراح بالصبر قبولاً لدى الحضور.

هنا رأيت ان اوضح للاستاذ حسن ساتي ان هنالك مجموعة اخرى قد سجلت موقفها للتاريخ فعلاً وهي اعضاء المكتب التنفيذي لاتحاد نساء السودان في ذلك الوقت بقيادة السيدة نفيسة احمد الامين التي دعتهن لاجتماع طارئ لمناقشة قرار الاعدام حيث تمت الموافقة وبالاجماع على ارسال عريضة للسيد الرئيس توضح رأي الاتحاد في الامر وتناشده العدول عن قرار الاعدام خاصة وان الرئيس ذاته قد رفض في وقت سابق ان يتصدى لهجوم الاستاذ محمود ضد الاسلاميين قائلاً ان الفكر لا يقاوم بالقرارات ولكن بالفكر ايضاً وزاد بان الذين يطالبونه بان يوقف ذلك الهجوم يقصد الهجوم على الاسلاميين عليهم مقارعة ارائه بالحُجة ولذلك لا يمكن ان يحارب الفكر بالاعدام وقد وقع الجميع على العريضة ومن ثم اتصلت السيدة نفيسة باللواء عمر محمد الطيب نائب رئيس الجمهورية حينها وطلبت منه مساعدته في ايصال العريضة للسيد الرئيس في ذات اليوم نسبة لضيق الوقت وانه ان تقرر ارسال العريضة عبر القنوات الرسمية عن طريق الاتحاد الاشتراكي فانه قطعاً لن يجرؤ احدهم على تقديمها للرئيس وبالتالي سيتم وأدها في مهدها. وقد ابدى اللواء عمر تفهماً كاملاً للامر وابدى استعداداً كاملاً لانجاز المهمة وقد فعل مشكوراً.

فقد استلم الرئيس العريضة في ذات اليوم وبالطبع استنكرها بقوله ان التنظيمات التي كان ينتظر وقوفها خلفه ومساندتها لقراره قد وقفت ضده. وقد وجد «الشمشارون» من قيادات الاتحاد الاشتراكي فرصتهم لارسال الشائعات بان الرئيس سيفعل بتلك المجموعة التي وقعت على العريضة سيفعل بها كذا وكذا لكن ارادة الله كانت الاسبق فانتهت مايو قبل تنفيذ كذا وكذا وباءت نبوءات الجماعة بالفشل.

فيا استاذ حسن لقد كان هنالك من يستطيع ان يقول للرئيس «لا» في ذلك الوقت فان صبرت قليلاً على فكرتك واجتهدت قليلاً لوجدت اكثر من العدد الذي حددته للتوقيع ولو اتصلت بنا لكنا في مقدمة الموقعين.

خلاصة الامر لقد كان اتحاد نساء السودان هو التنظيم الوحيد الذي سجل موقفاً للتاريخ في معارضته لاعدام الاستاذ محمود محمد طه. وبحمد الله فان المسئولين عن احداث هذه الرواية احياء يمكن مراجعتهم لمن اراد التأكد من ذلك.

* احدى الموقعات على العريضة

Post: #566
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 09:22 PM
Parent: #565



--------------------------------------------------------------------------------

rayaam 01/25/06


سيناريو

حسن ساتي

[email protected]

ذكرى الأستاذ محمود.. حزمة أسرار 4-5

ونعود لحزمة الأسرار، كنت وكما اشرت سابقا في جدة في مهمة لتحديث طاقة الجمع في صحيفة الأيام، وذلك بعد أن وثقنا توزيعها اليومي بوصوله الى 105 ألآف نسخة، نعم، مائة وخمسة آلاف نسخة في اليوم من دار التوزيع ومديرها أخي أبوبكر أرباب، ونشرنا الوثيقة على الصفحة الأولى، وبعد مراجعة كل الصحف العربية، كتبت مع شهادة دار التوزيع أقول أن هذه الصحيفة هي الأولى عربيا توزيعا باستثناء بعض الصحف المصرية، والتي لا يمكن أن تنافس على خلفية تعداد السكان ونسبة الأمية... الخ، وقلت أن ذلك الحكم ينطبق على الشرق الأوسط جريدة العرب الدولية، وكان ذلك بحسابات ذلك الزمان وليس اليوم طبعا.

تزامن وجودي بجدة مع نشر منصور خالد لحلقات كتابه ''السودان في الكرة البلورية '' بجريدة السياسة الكويتية، وأهمها الحلقتان 18 و19 من تلك المقالات وفيهما كشف منصور عن الفساد في مايو، بإشارات لتورط مسئولين بالقصر وعدنان خاشوقي.وتزامن كل ذلك أيضا وفي مكتب السفير مع زيارة عابرة لعلي شمو وكلتوم العبيد مديرة مكتب الرئيس نميري، كان تقدير علي شمو أن مقالات منصور هي الأكثر دمارا للسودان في تلك اللحظات، قالها بالانجليزية شوم ٍُ لمنففىَهسرار،، ولكني فوجئت بكلتوم العبيد، وهي محل تقديري دوما، تسألني أن أتولى الرد على منصور خالد بعد عودتي، والتي وجدت نفسي معها منقولا لأكاديمية السودان للعلوم الإدارية، وأمام قناعتي بقرب انتهاء كل هذا '' المولد '' قلت لها: لكن منصور ما قال حسن ساتي سرق.. ما أحسن يردوا الناس الذين اشار اليهم، بدت مندهشة واحتفظت بتعليقها.

ولكني وباللجوء الى تكنيك الإسقاط والتداعي، وعلى ذكر منصور خالد، أذكر أننا في الأيام كنا قد ركبنا الصعب ونشرنا له، أيام رئاسة اسماعيل الحاج موسى لهيئة التحرير العام 1980 سلسلة مقالات ما أسميه '' الخروج ''، بعنوان: لا خير فينا إذا لم نقلها. وأذكر أن منصور وبونا ملوال كانا يمران عليّ بالأيام كل مساء تقريبا لينقل منصور حرصه على تجنب الأخطاء المطبعية، ورجائي أن أولي الأمر عنايتي الشخصية، وذلك ما حدث. وأذكر أني ومع قرب نهاية الحلقات، قلت لمنصور وأنا أتقدم معه لسيارة ''السيهان بيرد '' التي كان يأتينا عليها: دعنا نكون صريحين، أشم في هذه المقالات نعيا متقدما لكل هذه القصة. قال بطريقته القاطعة والفاصلة: طبعا.. طبعا.. قلت: ولكن السؤال أيضا وكم ستأخذ رحلة النهاية هذه ؟ . قال: يعني.. دعنا نقول شيئا مثل أواخر العام 1984، والعبارة الأخيرة قالها لي بالإنجليزية، وقد تذكرت ذلك وأضفته الى حزمة قناعاتي بأن هذا المركب يغرق.

ومن عجب أن تلك كانت قناعتي وأنا في أميركا ضيفا على وكالة الإعلام الأميركية، وقد سألني يومها هناك مرافقي جاسم العزاوي، التلفزيوني اللامع حاليا بقناة أبو ظبي، وكان وقتها طالبا بالجامعة، عن تداعيات قوانين سبتمبر، قلت له: أفضل شئ يوصلك لفهم ما يحدث مقروءا مع الحالة السودانية بخصوصياتها هو أن أبعث لك من القاهرة بالبريد كتابي طه حسين '' الفتنة الكبرى والفتنة الصغرى ''، إن لم تكن قد قرأتهما، فأجاب بالنفي، وقد فعلت وأشتريت لنفسي أيضا نسختين إنعاشا لذاكرتي. وحين عدت بعد غيبة ثلاثة اشهر هي مدة الزيارة، قابلت الرئيس نميري لأطلعه على مجمل الزيارة، فأخذت السانحة، وللتاريخ، لم اشر لرأيي صراحة في قوانين سبتمبر، وإنما لواقعة سؤال مرافقي العربي الأميركي ''جاسم '' لي عن تداعياتها ولردي واقتراحي له بقراءة كتابي طه حسين وقولي للرئيس بأني شخصيا أعيد قراءتهما، لأني حقيقة قد اعتبرت ذلك ردا دبلوماسيا أمام رئيس، بمعني أني أرى شبح فتنة، فيما رأى الأستاذ محمود بعدي بشهــــــــور ما هو أبعد، رأى دولة للهوس الديني فدفع حياته ثمنا لنعيش نحن. والى الغد.



Post: #567
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 09:24 PM
Parent: #566



Rayaam 31/01/2006


حسن ساتي

[email protected]

ذكرى الأستاذ محمود.. حزمة أسرار 5-5

وأعتذر بداية لانقطاع مواصلة حزمة الاسرار بمداهمات الحزن القاسية التي كتبت فيها.

كنت في دار روز اليوسف في يوم لا أذكره من أيام العام 1976، وتحديدا في الطابق الخامس حيث مجلة صباح الخير، وفي حضرة الراحل رئيس تحريرها حسن فؤاد، وكان نبأ نيتي زيارة السودان بعد منفى اختياري لعامين قد تسرب في المؤسسة، متزامنا مع حملة كان قد دشنها الراحل عبد الرحمن الشرقاوي رئيس مجلس إدارة روز اليوسف ضد علماء الأزهر، متبنيا فكرة تقول بإمكانية أن تكون ماركسيا وتكون مسلما، وهو طرح تقاطع مع رؤية نفر منهم. فوجئت بحسن فؤاد يقول لي: الشرقاوي يريد رؤيتك، قلت: متى، قال الآن. ومضى ليتحدث الى مكتبه ويرتب المقابلة، فأكملت قهوتي وصعدت للطابق السابع حيث استقبلني بحفاوة وبتلقائية عظماء مصر: حسن إزيك، وكيف عامل.. وإنت بتكتب حلو يا ابني.. شد حيلك.. وإحنا قلنا للنميري ان روز اليوسف ليست ضد السودان، بدليل أننا قد ضممنا اليها كاتبا سودانيا، »يقصد شخصي أنا بالطبع «.. وقهوتك إيه.. ومضى مباشرة ليقول: إنت تعرف محمود طه، قلت نعم. قال لم أقرأ له كثيرا، ولكن أفكاره تعجبني، وسمعت إنك رايح السودان.. تقدر تعمللنا معاه حوار.. في مسألة شيء اسمه علماء الدين، وعن الماركسية.. وبالمرة نقدر نخلي القارئ المصري يقف على فكر الرجل. رحبت بالفكرة، فقال لي، عايز من روزا حاجة » معناها المساهمة في نفقات سفري، « شكرته، وقلت له: أنا كده كده رايح، ضحك وقال لي: طيب لمن ترجع نتصرف.

عدت لحسن فؤاد، وبدا لي أنه كان على علم بأسباب المقابلة، لأنه وعلى الفور قال لي: حسن هل قرأت كتاب نوال السعداوي الذي صدر هذا الشهر » حواء هي الأصل «، قلت لا، فتح درجه ليعطيني نسخة ويقول: بالمرة حاور لنا أستاذ محمود حول هذه الفكرة، ودا طبعا مش لروزا، وإنما لصباح الخير، وغادرت للسودان.

حاورت الأستاذ في الموضوعين، وهما متاحان ليومنا هذا بصوت الاستاذ وصوتي على موقع الجمهوريين على الانترنت باسم «الفكرة.. ولا أذكر بقية تفاصيل الكود»، وفيهما ذهب الأستاذ الى أن حواء بالطبع هي الاصل، لأنها هي الأرض في حين أن آدم جاء ك «ألمامة سماوية »، وتمعنوا ثراء العبارة.. وقال ان التطورية والنشوء عند داروين جاءا متأخرين لأن لهما أسانيدهما الدينية من وجهة نظره طبعا، ومجمل رأيه في الحوار لروزا أنه لا يوجد في الإسلام شىء اسمه رجال دين...الخ.

لم يكن ذلك أول حوار أجريه مع الاستاذ، فقد حاورته العام 1974 قبل هجرتي لصالح جريدة الأيام، ولكن رؤسائي تحفظوا على الحوار، وليتهم كانوا قد نشروه، إذن لكان قد زاد مؤامرة إعدامه وضوحا، ففي ذلك الحوار، وعن جزئية فرية رفع الصلاة عنه، قال لي: المقلد لا يمكن أن يكون أصيلا، والرسول قال: صلوا كما رأيتموني أصلي وفي ذلك تثبيت للتقليد، والصلاة صلة بين العبد وربه، ولذلك وحين تتقنها سنة على قدم الرسول، وتتبعها بالتهجد تقترب من الوصول الى صلاة تخصك في مناجاتك وهي تتلاقى مع التقليد، ولكنها تصطحب نفسك الخاص، أي التجديد، وإمعانا في هذا التجديد المطلوب طلب مني الاستماع الى تدشينهم لفكرة تلحين وأداء نصوص دينية منتقاة من أدب التصوف للنابلسي وإبن الفارض.

حين عدت بالحوارين للقاهرة، كنت وكانا سيئي الحظ، فقد استعرت الحملة بين الشرقاوي والأزهر، وقال لي حسن فؤاد مشيرا الى أن ذلك سر: الريس السادات بنفسه اتصل بعبد الرحمن وقال له: كفاية يا عبد الرحمن. فأخذت صباح الخير الرسالة فيما يبدو لنفسها أيضا مع اختلاف سياقات الحوارين فلم ينشرا.

رحم الله الأستاذ، فالحاجة اليه ولفكره الوسطي مقروءا من عيونه، وليس بالشهادات السماعية، لا تزال قائمة.



Post: #568
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 09:26 PM
Parent: #567


تحت الضوء

أسماء محمود محمد طه بعد (17) عاماً من الغياب

تروى قصة والدها .. وتكشف مزيداً من أسرار تلك الايام...

حاورها / ضياء الدين بلال-تصوير / ابراهيم حامد

بثوبها الابيض وابتسامتها الناصعة ،كانت اسماء ابنة الاستاذ محمود محمد طه وابرز القياديات الجمهوريات فى وقت مضى ، والعائدة الى الوطن بعد غياب اقترب من ان يكمل ثمانية عشر عاماً ، وابتعاد عن اجهزة الاعلام فاق تلك المدة،كانت اسماء تجيب عن اسئلتنا التى تفرض عليها محددات المهنية والصراحة ان تكون( قاسية) بعض الشئ خاصة على من يملك الاجابات التى تخرج منهم من تحت الاظافر، ولكن يفعلون ذلك معك بود يلقى عليك كثيراً من الحرج وان اصابهم بكثير من الألم ، كان الحوار مع اسماء اقرب للتداعى الحر ،ينتقل من العام الى الخاص والى الخاص جداً احياناً ،دون ان يلتزم بالمنهج الارسطى (مقدمة وموضوع وخاتمة) ولا بذوق المتصوفة الذى قد يحافظ على سلامة الخاطر وان اصاب الاذى الفكرة، ولان اسماء قلّما تحدثت بعد رحيل والدها الاستاذ محمود محمد طه ، لهذا كان الحوار معها بطعم مختلف وكانت اجاباتها بثبات جميل وسماحة ناجعة.

--------------------------------------------------------------------------------


* قبل ان نتحدث معك عن العودة ،فلنبدأ بالحدث عن الخروج من الوطن باي حيثيات تم؟

= خروجي كان فى 1990 قبل العيد الاول للانقاذ ، وكان ذلك قراراً سياسياً ولكن رتبت له ونفذته بطريقة شخصية ،عندما جاء انقلاب عمر البشير كنت فى حاجة لبعض الوقت لمعرفة وجهة الانقلاب وعندما ثبت لى انه انقلاب يمينى وسيسير فى ذات الخط الذى سارت عليه مايو فى اخريات ايامها وهى تطبق قوانين سبتمبر وما اصابنا من هذه القوانين من مأساة شخصية وعامة باغتيال الوالد والصورة التى تم بها الاغتيال،ادركت وقتها (انو انا ما عندي مكان فى البلد دي) فاما ان اطأطيء رأسى لهذ الواقع الجديد او اقاومه وأقع تحت طائلة قوانينه القمعية ،فكان خياري الرحيل من البلد والبحث عن بلد آخر يوفر لي حياة كريمة انا وابنائي.

* استاذة اسماء ..حتى فى ايام الديمقراطية كان حماسك فاتراً تجاه العمل العام ،هل كان ذلك لوقع حدث اعدام الوالد محمود محمد طه عليك ؟

= صحيح ،لم نكن كجمهوريين متحمسين للعمل المنظم وذلك لطبيعة الفكرة الجمهورية نفسها فهى فكرة (عندها صاحبها متولي امرها ونحنا تبع له.. ) والفكرة لها جذور وارتباطات دينية اكثر من كونها عملاً سياسياً فقط ، وبها تعقيدات تصعب من العمل فى غياب ''صاحبها''.

* يبدو ان هذا مصدر ضعف الفكر الجمهورى ، اعتماده على فردية القيادة ومركزيتها ،فالافكار والرسالات يجب ان تكون لها قابلية ذاتية للبقاء والاستمرار فى غياب مطلقها؟

= انا اتفق معك فى ان الافكار لا تموت ، الافكار الجمهورية باقية ولكن انا اتحدث معك عن العمل التنظيمى ، ويمكن ان تلاحظ ان معظم ما دعا له الاستاذ هو الآن فى طريقه للتحقق على ارض الواقع ،منها دعوته لحل مشكلة الجنوب سلميا والتى كانت من اسباب اغتياله حيث كانت من ضمن ما جاء فى بيان (هذا او الطوفان) ،وتجد الآن الحديث عن قضايا المرأة ومساواة الرجال بالنساء.

* استاذة اسماء باحساسك كبنت تجاه والدها احكى لنا اللحظات الاخيرة قبل اعدام الاستاذ محمود؟

= هى ايام فوق الوصف، ولا استطيع ان انقلها لك بذات الاحساس الذى كان وقتها ،نعم الاشياء كانت متداخلة وانت تنظر لوالدك مقاداً الى الاعدام ،وهو يبتسم للخطر القادم ويلفت نظر المحامين الذين جاءوا لنصرته لمحكومين آخرين معه بالسجن ليتبنوا قضاياهم، وهو محكوم عليه بالاعدام ،ونحن جزعين عليه و حالة الاطمئنان التى يعيشها تنسحب علينا فى مرات وتنسحب منا فى مرات أخرى.

* ماذا دار بينكما فى اللحظات الاخيرة ؟

= لم تكن هنالك فرصة للالتقاء به بصورة منفردة ،فقد كنا نذهب اليه كمجموعة ،ولكن فى مرة اقترب مني وقال لى (الموضوع دا حيتم. ثقي فى الله ، وارضى بحكمه)،كانت لتلك الكلمات وقع اصابني بكثير من الحزن.

* باحساس البنت تجاه والدها ،هل حاولت ان تؤثري عليه كي يتراجع عن آرائه امام المحكمة ؟

= كنت اعرف تماماً انه لن يتراجع عن افكاره.

* ألم تحاولي معه ؟

= كنت اتمزق من داخلي ولكن تربيته لى كانت تمنعني من ان اطلب منه التنازل عن افكاره.

* هل كانت لك قناعة وقتها ان الاعدام لن يتم ، وان هنالك تدخلاً بشرياً او غيبياً سيحول دون ذلك ؟

* صمتت فترة.

=ثم قالت : كنت اعتقد ان هنالك شيئاً سيحدث سيؤجل التنفيذ (كنت حاسة انو فى شئ سيحدث حيغير مجرى الاحداث)..كان ذلك نابعاً من قناعة واعتقاد ديني.

* الى متى كانت هذه القناعة ترافقك ؟

= الى آخر لحظة ،عندما علمت ان التنفيذ قد تم كانت بالنسبة لي مفاجأة كبيرة.

* هل كنت من ضمن الحضور بسجن كوبر ؟

=لم اكن هنالك فقد منعتنا السلطات الامنية من الحضور لمحل التنفيذ، كانت قوات الامن تحيط بمنزل خالتى بكوبر حيث كنا هنالك (اصلو نحنا كنا.......)

صمتت لفترة(........)

* قلت : هل كان اتباع الاستاذ محمود يتوقعون حدوث مفاجأة غيبية تمنع تنفيذ الاعدام؟

= انا حدثتك عن قناعتي الشخصية ، ويمكنك ان تسأل الآخرين عن قناعاتهم ، هذا امر شخصي.

* قيل ان دكتور القراي ودالي كانا يرددان بجامعة الخرطوم قبل يوم من اعدام والدك، بأنه لن يعدم لان قوة غيبية ستتدخل؟

= نعم ..هنالك من كان له هذا الرأي.

* هل اعدام الاستاذ محمود كان له اثر على تزعزع قناعتكم بأطروحته الروحية ؟

=( الاعدام جعلني آخذ وقفة ،لا فى سلامة الاعتقاد ولكن حول مقولاته بان الكبار يجب ان يفدوا الصغار مثل الشيخ الرفيع الذى فدى الناس من الجدري والشيخ طه الذي رفعت وفاته وباء السحائي ، وهو كان يرى فى القوانين وباء يستحق التضحية)

* المجموعة التى تراجعت عن الفكر الجمهوري بالمحكمة ،هل تم ذلك برضاء الاستاذ محمود ؟

= نعم ..الى حد كبير..!

على ما اعتقد هو اراد ان يفدي المجموعة التي كانت معه، عكس عدد من السياسيين يدفعون بالشباب الى المخاطر ويكتفون هم بالتنظير فقط.

* هل اقنعهم بالتنازل عن الفكر الجمهوري... عفواً اريد معلومة لا رأياً شخصياً؟

= لا استطيع ان اجزم بذلك ، لكني استمعت الى ان الاستاذ قد اطلق بعض الاشارات التى تؤكد ذلك.

* بعد الاعدام تفرق عدد كبير من الجمهوريين بين التيارات المختلفة العلمانية والاسلامية ،كيف تنظرين لذلك ؟

= الفكرة الجمهورية مختلفة عن التنظيمات الأخرى التى من طبيعتها الاحتفاظ بعضويتها بغض النظر عن المفارقات والتناقضات التى تحدث،الفكرة الجمهورية مطروحة كفكرة يتم الدخول اليها بقناعات محددة ويخرج منها اذا اهتزت هذه القناعات فى مرحلة ما ،نحن ليس لنا سجل للعضوية ولا مصالح حزبية.

* ألم يكن هنالك هيكل تنظيمي للجمهوريين ؟

= هنالك هيكل تنظيمى يقوم على الترتيب الروحي المتعارف عليه بيننا.

* ألم يكن هنالك خليفة للاستاذ محمود ؟

= (لا ما كان فى خليفة )

* فى اية لحظة من اللحظات ألم يناقش الاستاذ مستقبل الحزب الجمهورى فى حال غيابه؟

= لا. لم يتم ذلك !

فقد كان على اعتقاد ان فكرته ستنتصر.

* بوجوده ام فى غيابه ؟

=لم يحدد ذلك ،ولكنه كان يعتقد ان افكاره هى قبلة العالم وحاجة الانسانية والبشرية.

* هل كان يعتقد انه هو المسيح المحمدي ؟

= أبداً (مافى كلام وارد زي دا )..هذا مقام يختار له الله من يشاء ، والاستاذ لم يذكر ذلك فى كتبه.

(.......)

* هو لم يكتب ذلك ولكن كان يعلم ان اتباعه يعتقدون انه هو المسيح المحمدي ؟

= هنالك كثير من الصوفية يعتقدون فى مشائخهم انهم اصحاب مقامات معينة ،ليس على الاستاذ ان يحدد اعتقاد الآخرين فيه ، والذين عاصروا الاستاذ رأوا فيه كمالات لم يروها فى دعاة آخرين.

* أنت معه فى البيت هل رأيت فيه ،بعض الخوارق والما ورائيات؟

= طبعاً الفكرة دينية روحية فكثير ما يحدث ما هو مبهر واهم من ذلك قوة الفكرة وتطابق العمل مع الفكر ،وهذه كرامة فى زمن يقول فيه الناس ما لا يعملون (الاستاذ كان البقولو بعملو) ،والاستاذ قال ان الكرامة هى الاستقامة الفكرية وهى كرامة القرن العشرين.

* هل كانت هنالك خوارق تحدث له ؟

= لعدد كبير كان يحدث ذلك.

* انا اتحدث معك عن الاستاذ محمود ؟

= هنالك من يروى احداثاً كثيرة تنبأ بها الاستاذ وحدثت بالفعل.

* هل مرت بك انت بشكل شخصى ؟

= نعم ، ولكن لا اعتقد ان هذه هى المناسبة الافضل لذكرها.

* قيل انه فى العام 1979 بالهايد بارك بلندن اعلن بعض الجمهوريين ان المسيح المحمدى سيظهر قبل انتهاء القرن الرابع عشر؟

= هذه قناعاتهم ولا ارغب فى مناقشتها.

نواصل


http://www.rayaam.net/news/tag2.htm
_________________

Post: #569
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 09:27 PM
Parent: #568


هل صحيح ان والدك كان لا يؤدى العبادات الشرعية من صيام وصلاة وحج ؟

= (دا كلام فارغ )..!

الاستاذ له كتاب بعنوان (كيف تصلون؟ ) يتهم فيه المسلمون بأنهم لا يصلون رغم انهم يملأون المساجد , ولكن صلاتهم هذه لا تنهيهم عن الكذب والنفاق والفحشاء والمنكر و ......



مقاطعة

* هل ذهب الى الحج ؟

= لا ..!

قد يكون ذلك مرتبطاً بالاستطاعة



هل كان ذلك مترتباً على موقف فقهى وفكرى ام عن عدم الاستطاعة ؟ *

= هو له موقف فكرى اتجاه الدعوة لكل العبادات , فهو يرى ان العبد يترقى بهذه العبادات الى مراق يصبح فيها على علاقة خاصة بالله

*هل تسقط العبادات حينها ؟

= يسقط التقليد ولكن لا تسقط العبادات

*العبادات كأداء هل تسقط مع ذلك الترقي؟

= (الاستاذ لم يكن يصلى مثل صلاتنا دي لكنو كان بصلى )

*كان يصلى مثل من ؟

= لم يكن يصلى الخمس اوقات (ارجو ان ترجع الى كتاب رسالة الصلاة لان هذا امر كان يخص الاستاذ )

* كم كان يصلى من الخمسة اوقات ؟

= هو كان يصلى أكثر من الخمسة اوقات لان نفسه الصاعد والهابط كان صلاة ,وهو يرى ان العبادة يجب ان تكون اسلوباً للحياة تجلب الخير للناس وتمنع عنهم الشر

* وماذا عن الصيام ؟

= كل عباداته كانت خاصة به لانه اصيل فيها (ارجو ان ترجع فى ذلك الى كتبه لانها هنالك مفصلة بشكل اكبر )

* هل هنالك من الجمهوريين من وصل ذلك المقام ؟

= لا..!

صمتت فترة

ثم قالت :هذا على حسب علمي

* ولا اظن ان ذلك حدث فى التاريخ ؟

= نعم دعوته غير مسبوقة ,هنالك نماذج لبعض الصوفية مثل الشيخ احمد البدوي لهم شرائعهم الفردية

* هل كان يحثكم كابناء على الصلاة ؟

=بصورة اشد واكثر من الآخرين (فى وقت معين كنت انا شخصياً اغتسل عند كل صلاة ولا اصلى بالوضوء العادي )

* في اية لحظة من اللحظات ألم يساورك شك فى شرعية هذا الامر ؟

= ( انا من المعايشة الشخصية لللنموذج الذى حققه الاستاذ من استقامة ومن تطابق بين القول والعمل كانت كافية تماماً باقناعي والقضاء على اي شك )

* وعندما اعدم انهار كل شئ ؟

= التجسيد مهم , فى غياب الاستاذ فقدت الكثير ,علاقتي بالعبادات لم تعد كما كانت لم اعد اجد فى صلاتي ما كنت اجده من قبل



* يبدو ان هنا تكمن ازمة الفكر الجمهورى انه ارتبط بشخص القائد وذهب بغيابه ؟

= من الطبيعي ان يكون هنالك اثر عاطفى ونفسى لغياب القائد الروحى ولكن الافكار تظل ثابته وقوية,وافكار الاستاذ الان منتشرة بين الجميع وان لم تنسب اليه

* يتعجب الكثيرون من دعوة والدك للاعتراف باسرائيل ؟



= هو اشار من المراجع التاريخية الى وجود حق للاسرائيلين بفلسطين ,ودعا للتسامح والعيش معاً ,الفكرة الاساسية انه اراد ان يقول اننا كعرب ليست اسرائيل هى ازمتنا ولكن الازمة فى تصوراتنا وسلوكنا الذى يعبر عن قشور الاسلام وقشور المدنية الغربية



* قيل ان دعوته المبكرة للاعتراف باسرائيل فاضت على اتباعه بعد رحيله منحاًَ ومعاملات خاصة فى الدول الغربية ؟

= ( هذا غير صحيح انا ابنة الاستاذ عندما ذهبت لامريكا كنت اعمل فى مطاعم ماكدونالد انظف واعمل , واكملت دراستى الى ان وجدت العمل المناسب ,ولم تقم اية جهة باحتضاننا كما يشاع )



.



* هنالك من يقول ان ازمة الجمهوريين انهم يراهنون على التغيير لا عبر الجماهير ولكن عبر الحلول الالهية الجاهزة ؟

= لان الفكرة اديمها روحي والتسيير فيها تسيير مطلق على هدي الارادة الالهية

* كيف كنتي تفصلين بين محمود الأب ومحمود القائد الروحى.. بالنسبة لك؟

= الاستاذ محمود كان يعامل الجميع كابنائه حتى انهم كانوا ينادونه (ابوي الاستاذ),نعم رغم ذلك كان بيننا ماهو خاص واسرى

*ماذا كان يدور بينكم كبنت وابيها ؟

=كثير ما كان يوجهني لبعض الاشياء وينصحني ببعض النصائح التى قد لا يلقيها على آخرين ,وعندما اخطئ يعاقبني بالعزوف ,وكان ذلك عقاباً قاسياً بالنسبة لي

* ومتى كان يتعامل معك كأب فقط ؟

= عندما تكون هنالك جلسة خاصة تجمعني به دون حضور الآخرين, وهذه لحظات نادرة , كان يتحدث عن التضحية التى نقدمها كأسرة لا تستمتع كثيراً بالجلوس مع والدها, لانه كان يعلم ان ذلك يصيبنا ببعض الحزن (لماذا لايكون والدنا اباً عادياً لا يجابدنا فيه احد) , ولكن مع الزمن كنا نشعر بأن تلك تضحية قليلة امام الغايات العظام

* هل كنتم تشركونه فى شؤونكم الخاصة كبنات , وكيف كان ينظر لعلاقتكم بالجنس الآخر, واين تقف خطوطه الحمراء ؟

= الخطوط الحمراء تبدأ عنده وتنتهى بالمسؤولية الكاملة عن التصرفات ,وهنالك حدود يجب الا يتم تجاوزها ,فكرياً لم يكن له مانع من الاختلاط بين النساء والرجال فى المجالس العامة

* كيف كان ينظر للخلوة بين المرأة والرجل ؟



= كان يتعامل على اساس ان الشريعة تمنع الخلوة ,والمجتمع يرفضها



* هل الاعتبار الاكبر كان يعطيه للمجتمع ام للشريعة,والمعروف ان له رؤية اخرى للشريعة ,تتناقض مع ماهو سائد ومتفق عليه ؟

= هو يعلم ان المجتمع ملتزم بقواعد ضابطه لسلوكه,ومسألة العرض يصعب تصحيح اخطائها,نعم فالمجتمع مقدم عنده على الاعتبارات الآخرى ,وهذا لا يعنى الاستسلام للعادات والتقاليد السيئة ,فكان مقترحه بلبس الثوب الابيض وعدم الافراط فى استخدام الزينة



*هل كانت تلك ارشادات تنظيمية ام دينية ؟

= هذه اعتبارات سودانية متدينة والثوب الابيض زي ساتر وغير مقيد للمرأة ,وكل ما المجتمعات ترقت وتطورت والنظرة للنساء اصبحت انسانية أكثر من كونها انثوية فان الزي سيخف فى شكله و مستواه و.....

مقاطعة

*ماذا تقصدين بأن الزي "سيخف" ؟



= بمعنى سقوط القيود الكثيرة التى تثقل بها النساء, ومنها ذلك الزي الذى ترتديه بعض النساء مثل ما هو بالخليج وبعض الدول الأخرى باعتباره شرعياً

* وما حدود الزي الشرعي بالنسبة لكم ؟

= هو ما يكفى للحشمة التى يرتضيها المجتمع

* انتم فى ذلك تريدون مسايرة المجتمع والتماهى معه ولا تسعون لتغييره على عكس اصحاب الافكار والمعتقدات؟

= الفكر الجمهورى لا يريد ان يقفز بالمجتمع الى مدى أبعد من طاقته وحاجته للتغيير ولا يساير المجتمع الجاهلي فى عاداته وتقاليده السيئة

* كانت لكم علاقة جيدة بالنميري وبمايو حتى انه اهدى احد كتبه للاستاذ محمود.. هل تطبيق القوانين الاسلامية فقط هو سبب الانقلاب فى هذه العلاقة ؟

= نحن ساندنا مايو لانها كانت حائلاً بين الشعب والهوس الدينى والطائفية ,وعندما سلمت مايو نفسها للاخوان المسلمين بل اعطت الهوس الدينى السلطة والقوة ,لذا سحبنا ذلك السند وانتقلنا الى معارضتها

*كنتم سلبيين جداً تجاه الديمقراطية وعوناً للشمولية ؟

= لم تكن هنالك ديمقراطية, كانت هنالك طائفية تستغل الجماهير وتفسر الدين حسب مصالحها الخاصة ,الصادق المهدى نقض حكم محكمة دستورية فى قضية حل الحزب الشيوعى وقال ان سلطة الجهاز التنفيذى فوق احكام المحكمة الدستورية , و الاتحاديون كانوا يريدون تمرير الدستور الاسلامى

* لكن كنتم اكثر قسوة على الصادق المهدى ؟



= لان الصادق كان له بريق وسط الشباب الذين ظنوا انه قيادى مستنير , وهومسيطر على قطاع واسع من المستغلين وهم طائفة الانصار



* هل تعتقدين انه كان سعيداً بغياب والدك ؟

= لا استطيع القول ان له دوراً فى ذلك لكن اعتقد انه بارك ما حدث , المهم ان دوره كان سلبياً

*قيل ان الترابي كان معترضاً على اعدام محمود ؟



= الترابي كان وراء ما حدث



* ما الدليل على ذلك ؟

=تصريحات عديدة اطلقها الترابي وقتها



*هل ترين فى آراء الترابي الاخيرة اعادة لآراء والدك ؟

= الى حد كبير ذلك صحيح ,نحن عندما كنا نتحدث عن حقوق المرأة والمساواة بينها والرجل وعن تطوير التشريع , الترابي كان يهاجمنا فى ذلك , الان اصبح يتبنى هذه الآراء وينسبها لنفسه

* الاستاذ محمود فى مستهل الخمسينات قاد ثورة برفاعة ضد منع الخفاض الفرعوني وطور افكاره بعد ذلك ؟

= موقفه كان اعتراضاً على تدخل الانجليز فى الشؤون الداخلية, وفى مسألة تمس حياء المرأة السودانية ,و كان ذلك موقفاً سياسياً ضد الانجليز وبداية للثورة عليهم أكثر من كونه مناصرة للختان الفرعونى

* حتى بعد ذلك لم يسجل له موقف صريح ضد الختان الفرعوني ؟



= كان له كتاب عن الختان الفرعوني ووصفه بأنه عادة ذميمة ,ولكنها فى فترة من الفترات خدمت غرضاً, على اعتبار الاعتقاد بأنها جزء من الفضيلة والعفة بالنسبة للمرأة ,وقال ان محاربتها لا تتم عبر القانون ولكن عبر التربية



*كيف تنظريين لمحاولة اعادة تنظيم الجمهوريين مرة اخرى ؟

=لا ارى ذلك مفيدا ,ً فالفكر الجمهورى اصبح ملك الجميع ,واقصى ما يمكن القيام به اعادة طباعة كتب الاستاذ وتوزيعها على نطاق واسع وترجمتها وهذا ما نحاول القيام به الآن من امريكا واماكن كثيرة

* كأسرة لماذا لم تهتموا بالبحث عن قبر والدكم ؟

= كانت هنالك مساع ومناقشات ايام الديمقراطية لكنني كنت زاهدة فى ذلك

* اذا كانت اسباب خروجك من السودان اعتبارات سياسية كما ذكرت من قبل.. ماذا تقولين عن العودة فى هذه الايام؟

= لم اكن اتصور ان اعود فى ظل هذا النظام ولكن اعتبارات اسرية ومتغيرات سياسية - منها اتفاقية السلام - هى التى جعلتنى بالخرطوم الآن .

أسماء محمود محمد طه بعد (17) عاماً من الغياب-لهذه الاس...د للاعتراف باسرائيل


______

Post: #570
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 09:28 PM
Parent: #569


إن قصيدة ود دوليب هذه حملت نبوءات وان فك «شفرة» هذه النبوءات يتم عن طريق حساب الجمل والحروف.. ولذلك يعتقدون أنه حتى أحداث الحادى عشر من سبتمبر فى امريكا مضمنة فى هذه القصيدة. وأن ظهور المسيح الدجال مضمن فى قصيدته وأن الهجمة على السودان مضمنة فى قصيدته كذلك، ونحن لا نريد ان نفتح هنا باباً «للا معقول» ولكن لنشير الى ان كثيراً من ادبيات السودان وكثيراً من التشكلات السياسية فى السودان ظلت خاضعة للخارطة الدينية التقليدية، ولذلك نجد ان الرئيس النميرى حينما أفلس برنامجه القائم على الاشتراكية وأفلس برنامجه القائم على التوجه صوب امريكا اتجه مرغماً الى الخارطة الدينية فكان مشروع الولاية الثانية وكان مشروع النهج الإسلامى كيف؟ ولماذا؟ .. وأنه فى إطار هذه الخارطة الدينية قام بتصفية محمود محمد طه وأبرز مشروعه فى إعلان تطبيق الشريعة الإسلامية.



http://www.rayaam.net/22005/05/03/articles/article1.htm
_________________

Post: #571
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 09:29 PM
Parent: #570


احتفاء بالذكرى الستين لـ«الرأى العام»:

الجمعية الأدبية بعطبرة لها دورها أيضاً

بقلم: مصطفى أبو شرف

سعدت بالعدد الممتاز لـ«الرأى العام» فقد جعلنى وجيلى الذى عاصر الحركة نهيم فى تهويمة مقدسة للماضى النبيل -الجميل- الأصيل الذى عشناه وملء بردية الشباب والقوة والفتوة وكنا نؤمن أن ليس وراء العمل الوطنى مال يبتغى أو لجاه يرتجى وإنما سبيلهما لمن يريد «التقرب من الانجليز» يستغلها بالدجل والنفاق وللأستعمار يستدره بالملق والتجسس، والصفوة من الخريجين لم تعرض الضمائر للبيع ولا المؤتمر للأتجار وليس هناك إلا الصدق والصبر والزهد وللمجاهد احدى الحسنين -ضريبة الوطن بوفاء الابن البار لها إذا فازت أو الجنة إذا استشهد.

أخى القارئ

كاتب هذه السطور من الجيل الثانى من الخريجين الذى حط رحاله بعاصمة الحديد والنار -عطبرة- إذ سبقه الكثيرون منهم للالتحاق بحسابات السكة الحديد -قاسم مجذوب- محمود الفضلى- عبد المجيد عبد الرحيم- إبراهيم علي- أحمد محمد يوسف- محمد سنادة- صالح مصطفى الطاهر ومن البارزين فى غير أقسام الحسابات -خليفة عباس- الطيب عباس فقيرى- صالح محمود اسماعيل- حسن طه شريف- أمين عمر البنا- محمود محمد طه «المهندس» ومعه فى قسم الهندسة يضم غندور- محمد حسن زين العابدين- أمين حسن علي- محمود ابوبكر «الضابط فيما بعد» ثم الذين عيونوا كمفتشى حركة كما كانوا يسمونهم - مبارك زروق - حسن طه «شاعر الجماهير» محمد السيد- مكى السيد علي- اسماعيل حسين والتيجانى سعد- وأأسف ان غاب عن ذاكرتى التى أصابها الوهن بعض الأسماء- هؤلاء جميعاً هم الذين أنشأوا الجمعية الأدبية بالنادى السودانى والذين نصبوا الشهيد محمود محمد طه سكرتيراً للنادى وهو الذى وقع «التعهد» للجنة النادى وكانوا كلهم من آبائنا الذين لا يحتملون مشقة الجهاد وما يتبعه من حركات لا يرضى عنها الحكام بل كان هو «محمود» الذين وقع الورقة «أنه هو وأعضاء اللجنة الأدبية مسئولون أمام القضاء لو حدث ما يعكر الأمن ويخرج عن النظم المتبعة آنذاك» ولهم العذر فما كانت أتبرة تتخلف عن ثورة 1924 بل شاركت فعلياً بالتظاهرات التى حدثت أيامها وجعلت الانجليز يحسبون للعمال الذين انخرطواً مع أخوانهم واخيراً فى الجمعية الادبية الف حساب- بل وبسياسة «فرق تسد» بنوا لهم دار خريجى مدرسة الصناعة وهى التى أحالها العمال لتدريس اللغة الانجليزية ومحو الأمية بل وللخلايا للحركة الوطنية -وليحيا نضال الحركة العاملة- سليمان موسى- الطيب حسن- محمد ادريس عبد الكريم- أحمد الفكى- خيرى عبد المجيد «الجيل الذى سبق الشهيد الشفيع أحمد الشيخ» وقاسم أمين وأخوانهما.

وكان جزاء محمود ان ينقل من «اتبرة» الى جبيت وكان يوم وداعه يوماً مشهوداً يؤرخ فإن عطبرة الوفية ردت له جهاده إعترافاً منها بفضله والقافلة سارت بعد بحماس أكثر لتقول للانجليز «كلنا محمود»!!

أخى القارئ

وتكونت لجنة المؤتمر الفرعية بعطبرة ورفضت لجنة النادى ان يقام الاجتماع العام بساحة النادى «الباب اللى بجيك منو الريح- سدوا واستريح» كان شعارها- لجنة الآباء المحترمين» وقد أقيم الاجتماع العام بسينما النجم الأحمر لصاحبها أميل قرنفلى وقد طلب الرجل أن يفسح للمؤتمر كل ما فى الدار من كراسى من الساعة الرابعة مساء الى السادسة وبعدها ليبدأ العرض- لعل هذه تمر على القارئ ببساطة ولكن لو عرف ان مدير المديرية فى الدامر رفض أسماء مقدمى الطلب لأن ليس فيهم من كان فى الدرجة «أ س هـ» أكبر درجة للسودانيين أيامها لبطل العجب ولأنه ظن ان السودانيين الذين يتمتعون بالدرجة أياها لا يجرأون ليفعلوها وهم يتابعون الحمقى من الشبان ولكن خاب ظنهم فقد وقع على الطلب المهندس محمد حسن زين العابدين وأقيم الاجتماع وتقديراً لموقفه طلبنا منه أن يتلو خطاب سكرتير المؤتمر «كان المرحوم أحمد متولى العتبانى آنذاك» وبعدها سيتولى أعضاء اللجنة الحديث للاجتماع- كان عدد المؤتمرين أيامها ألفاً وثمانين عضواً وهم النواة للحركة الوطنية بـ«اتبرة» أيامها والتى تمخضت عن مساندة المؤتمر فى حوادث الجمعية التشريعية- ألا يذكر من باب الوفاء للقارئ تحية شاعر المؤتمر لـ«أتبرة»:

لله أتبرة يقيم بها الشباب القيم

القطر يهتف باسمه فله بكل فم فم

من كل جبار النهى فكأنما هو ملهم

وكأن فى أثوابه سعد العظيم ومكرم

وطنية أهدافها عمل فلا تتكلم

أضفى عليها الاتحاد رواءه والميسم

آمالها لبلادها مما يراق له الدم

وقد صدق شاعرنا فقد قدمت عطبرة القرابين على هيكل الوطنية الصادقة وما ضحايا «النادى الأهلى» ببعيد عن الأذهان ومن الوفاء فى شئ ان أذكر المرحوم ابراهيم المحلاوى الذى ركل الوظيفة العالية فى حسابات السكة الحديد شأنه شأن راهب الوطنية حماد توفيق- وقاد المظاهرات أيامها - وما كانت مساهمة الخريجين أيامها بقليلة ولا مساهمة العمال بالتى تنكر أو تقبر .

ضمن أعضاء اللجنة أىامها




http://www.rayaam.net/22005/04/08/araa/araa5.htm
_________________

Post: #572
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 09:29 PM
Parent: #571


استدراك على العقل السوداني:

الناقد محمد الجيلاني: محمود محمد طه انتج مقدمات عدم كفاية الوعي السوداني

حوار : محجوب كبلو

ارتبط اسم محمد الجيلاني طيلة العقد الاخير تقريباً بما يمكن ان نطلق عليه ايدولوجيا المكان أو المكانية، وقد قارب طيلة هذه الفترة بواسطة نظرية المكان هذه كما يسميها مختلف القضايا في مختلف الحقول.. العلم والفلسفة والدين والفن، ولما كانت جل هذه المقاربات، ان لم تكن كلها، شفاهية من خلال فعالية المنتديات، رأينا تقديمه في هذا الحوار لعله يجلى بعض الغموض حول هذه النظرية، خاصة ان هنالك كثيراً من اللغط وسط جمهور المثقفين حول توصيفها الشفاهي.

ü ما هو تعريف هذا المشروع الفكري؟

ـ استدراك على العقل السوداني لتفعيل عنصر المكان فيه.

ü ماذا تعني بالاستدراك؟

ـ لغة يعني الالتفات إلى ما كان يجب ان يحضر سابقاً ولم يفعل.

ü هل تعني حضور ذلك الشئ رغم تكرار الشروط التي لم يحضر عبرها سابقاً؟

ـ نعم، كانت العقبة في عدم حضوره هي عدم الوعي بأهمية المكان.

ü كون المكان معطى بديهياً، الا يعارض ذلك القول بأن الوعي السوداني، أو اي وعي آخر عاجز عن ادراكه؟

ـ هناك تدرجات في الوعي السوداني:

في الوعي الشعبي المكان موضوع للتوصيف وفيه ايضاً المكان مسرح، أما في وعي السلطة فالمكان فهو مدخل استثماري، بينما فلسفيا هو المكان الذي يفكر مع الانسان في انتاج معرفته.

ü ماذا تعني بالمكان الذي يفكر، اذا كان ذلك مجازاً، فما هي حدود هذا المجاز؟

ـ المكان المفكر ليس مجازاً ولكنها حقيقة مثل الومضة سهلة الفرار وعصية الامساك.

فمثلاً لانتاج خطاب قانوني لصالح غالبية السكان في السودان الذين هم مزارعون، مع ان الممارسين الفعليين والذين لا نقيس عليهم اقل من 65% من المجموع، في مثل هذا الوضع، نجد مجالا للحديث عن الزراعة كمغامرة وكاسترزاق وكملكية وعن يجب ان تشكل مصدراً من مصادر هذا القانون واهدافه، وبالنظر إلى القوانين السودانية التي تأسست على المنقولات تضرب صفحاً عن هذه الاغلبية.

ü ولكن طبيعة القانون هي ان يعبر عن مصالح الشرائح المهيمنة لا عن مصالح الاغلبية.

ـ هذه ليست طبيعة القانون بما انه نتيجة للوعي وليست سبباً له، فهل تعتقد ان حاكماً استطاع ان يحول سلطته من فئة محددة الى طاعة من كامل الشعب ويجتني ريعه كسلطة من كامل الجغرافيا العاملة أو النشطة، هل هذه مصلحته أم ان المصلحة في التسلط الجزئي والتنمية الجزئية؟.

ü يبدو ان هنالك اعتماداً على المنظومة القيمية التي يعتقدها الحاكم؟

ـ على النقيض ليست هنالك منظومة قيمية ندعو لها بل نحن بازاء التشكيك حولها، لان الاستدراك يقتضي استعراض البنى الرئيسية والنظم والبنى المادية والقيم وكشف تصدعاتها.

ü عود على البدء، المكان المفكر كما تفضلت بتسميته، الا يناقض ذلك حقيقة ان الوعي الانساني هو التجلى الوحيد للوعي في مجمل المادة الكونية؟ واستطراداً لتوضيح السؤال يذهب محمود محمد طه إلى ان النبتة اعلى مقاماً من الجبل الذي تنبت بين شقوقه، والنملة اعظم من الشمس لوصولهما الى سلم الحياة أولى الخطوات نحو الوعي.

ـ المقام ليس مقام اتفاق أو اختلاف، بل هو مقام ترتيب. محمود انتج مقدمات مشروع حين كان يتحدث عن عدم كفاية الوعي الانساني (راجع كتاب الدين والتنمية الاجتماعية). وتكلم عن مراحل القلب والعقل والجسم، وحدد مرحلتنا في مرحلة الجسد وهو يساوي الطبيعة ولا يزيد عليها بحال، ولكن ما يدعي بالهيومانزم في الغرب فمرجعيته موت الانسان عند فوكو، وان ما يحكمنا هو مرحلة الهجاين بعد كل هذا الدفق من الانبياء والفلاسفة والعلماء بما يعني استمرار الميتافيزياء.

ü ماهي تقاطعات هذه النظرية مع اقنومي الفلسفة المادي والمثالي؟

ـ مجموعة تنبؤات الفلسفتين تتمشكل بين الاستقراء والاستنباط حيث تختلف المعطيات عن المعطيات الحالية، انظر إلى منهج العلوم البحتة والانسانية، يمكن التدقيق مستقبلاً في هذا الموضوع.

ü بصورة اكثر تحديداً، ما هي الحاضنات الفلسفية التي افرخت هذه النظرية؟

ـ اسئلة الجابري التي انطلق منها معتمداً بنيوية جيرار جينيت، تعتبر مفاتيح لمشروع الفكرة في شكلها الذي تمظهرت به والتي فتحت اسئلة كيف نفكر؟ وكيف يُفكر لنا؟ فبدأنا في تأسيس هذا الاستدراك الذي يجيب على المغيب عن التفكير فيه عندنا.

فاذا كانت العرقية قد صنعت النازية، والايدولوجيا صنعت الاتحاد السوفيتي والدين صنع مكة فماذا كانت تصنع هذه التأسيسات اثناء الانهيار والعبور الى المستقبل؟ فبدأنا نفكر في الجغرافيا على الرغم من اشتغال المفكرين والفلاسفة عليها مثل هيجل الذي انتهى إلى العرقية الاوربية وغاستون باشلار الذي انتهى بها إلى علم النفس الجمالي، ونحن نريد قلب المنهج بكامله عبر اعادة ترتيب اولوية مصادر العقل.

ü ما هي نقاط التأسيس لهذه الفكرة في مجمل المشهد الفكري السوداني؟

ـ اذا صح قول محمد المهدي بشرى والذي لم اجد له سنداً حتى الآن، ان الاستاذ محمد أحمد محجوب تطرق الى العامل الجغرافي كأحد عناصر الوحدة الوطنية ولم يسهب بشرى في ذلك ولعله يفعل، واشار الناقد أحمد عبد المكرم إلى مقطع العبادى الشعري في مسرحية المك نمر:

يكفي النيل أبونا

والجنس سوداني

كما أشرت أنا في مقال بالخرطوم قبل اشارة عبد المكرم إلى دور مدرسة الغابة والصحراء والتي أظن انها تتساوى مع اشارة العبادى في بحثها عن المشبه به الشعري المحلي اكثر من بحثها عن مفردة او مفهوم يستدرك كما نفعل الآن.

وأنا أبحث في اضاءات المتعلمين الفكرية والاهليين لمقولات تتصل بهذه النظرية، علماً بأن ما ساهمت به الحضارات والاسئلة مثل سؤال الهوية وسؤال الآخر كاشكالات آنية لم تواجه الاجيال السابقة وهنالك من ادى دوراً سالباً لتغييب هذا الاستدراك الضروري.

ü تلاحظ لك مقاربات عديدة لمختلف النصوص الابداعية، ما هو موقفكم كمدرسة حول المنهج القيمي والشكلاني؟

ـ هذا السؤال لم نصل إليه بعد، وقد لا نصل إليه، فما نفعله الآن من استدراك على العقل السوداني لم يتم استيعابه ولم يترجم إلى نظم تربية وتعليم ووجدان، وذلك لا يعيق انتاج آداب سابقة لهذا الاستدراك.

ü من هو الاقرب من المبدعين السودانيين للنموذج الذي تطرحه المكانية على صعيد الشعر والرواية؟

ـ في الشعر يمكن التفاوض مع مدرسة الغابة والصحراء تاريخياً رغم تلاشيها وتغييبها لبؤرة ضوء كان يمكن ان تفتح من الادبي إلى المعرفي وقد تفلتت من الكوزموبو ليتانية (صحوة العالموية) في صرعتها في قصيدة النثر منتجاً نصاً بعنوان:

الشاعر محجوب كبلو يقارب نظرية المكان موضوعاً ومنهجاً حين يقول في المطلع:

يا مكرس للينابيع

يامتوج بالغمامة

طار الحمام

من موكب الجليل للنيل

واهداك السلام

فيما يخص الرواية واذا كان التجلي للمكان انتاجياً هو الزراعة، فان ما قرأته من رواية سودانية يسحق الفاعل الاساسي في هذا المكان كصنيع الطيب صالح في موسم الهجرة وكما فعل بركة ساكن في الطواحين مما يساوي وزير الزراعة الاسبق قنيف خروج المزارع الضعيف من الدولة الزراعية.

أما حيال النقد فتمتد المحاولات الرغبوية بأكثر مما هي معرفية منذ حمزة الملك طمبل ومحمد عشري الصديق وعبد الهادي الصديق وصولاً إلى محمد المهدي بشرى وعبد المكرم اللذين تركا اشاراتهما في الخلاء، وصلالات أحمد الطيب زين العابدين الجميلة في المكان الثقافي ظاناً انه المكان التأسيسي.

وهنا نشير إلى ان المكان نعرفه هو اقصاء وحصار وابشار للمكان الطبيعي



http://www.rayaam.net/22005/05/25/art/art9.htm
___

Post: #573
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 09:30 PM
Parent: #572


الاثنين19ديسمبر2005

أوراق العمر مع عضو مجلس رأس الدولة الاسبق الاستاذ ميرغني النصري (1)

كان لـ (الازهري) عربة لا تسعه الا هو - كنا نقوم بدفرها عندما تحرن

اجراه: محمود الجراح

احد رجال القانون عمل بالمحاماة بالمحاكم السودانية منذ 1956م كان نقيباً للمحامين لاكثر من عشر سنوات. وصار رئيساً للجنة قبول المحامين 83-.85
رفاعة مدينة عربية لكن الشكل السكاني لها اتسع متجاوزاً اصلها الرفاعي حيث قدمت اليها قبائل سودانية اخرى من الركابيين والشايقية والجعليين كذلك بعض العوائل ذات الاصل التركي والمغربي.. فاصبحت من حيث السكان لوحة مونقة ذات الوان بهية خلابة.

على طول هذا الطريق كانت هناك منظمات اسلامية اخرى منها منظمة الاخوان المسلمين بقيادة سودانية يرأسها الاستاذ المغفور له باذن الله علي طالب الله وهنالك الحزب الجمهوري بقيادة محمود محمد طه وهو حزب قائم على مباديء اسلامية ونزعة اشتراكية ذات مضمون فردي واجتماعي.. وهنالك هيئة انصار السنة بقيادة محمد هاشم الهدية ومنظمة التبشير الاسلامي بقيادة شوقي الاسد.

فهذه المنظمات الاسلامية ماعدا الحزب الجمهوري تجمعت في هيئة سميت لجنة الدستور الاسلامي وهذه اللجنة تدعو الى الدستور الاسلامي. وقد اتصلت بكل من قيادة الحزب الوطني الاتحادي بزعامة الزعيم اسماعيل الازهري وقيادة الانصار بزعامة عبدالرحمن المهدي. وبقيادة الختمية بزعامة السيد علي الميرغني.. اتفقوا على قيام جمهورية اسلامية ودستور اسلامي في العام 1957 تم تكوين لجنة قومية للدستور وكان ذلك في عهد الرئيس عبدالله خليل . وتكونت هذه اللجنة من الاحزاب السياسية ومن شخصيات وطنية. ومن عضوية للمنظات الاسلامية بما فيها الحزب الجمهوري ..


http://www.rayaam.net/22005/12/19/tahgigat/hiwar2.htm
_____________

Post: #574
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 09:31 PM
Parent: #573


نيران صديقة

الصادق والمزاوجة بين الامامة والجمال

محمود الجراح

في حالة تماثل خلجات علي بن الجهم، شاعر عيون المها، تفتق جوف الصادق المهدي عن مخفيات حب نادر الاناقة، مفعم اللذاذة والعذوبة .

تمدد به كثيراً، أصبح الي جانب ريادته المطلقة للأنصار، صريعاً لفاتنات النهى .

الحكاية برمتها نقلتها عنه مجلة اوراق «عدد اكتوبر الماضي» عندما سألته عن ابيات في شأن الختان لم يكملها، فسأله المحرر عن بقية الأبيات وعن ماكتبه الصادق بخلافها من اشعار.

فقال الامام:

انا اكتب الشعر في بعض المواقف، اذكر منها مرة، كنت علي متن طائرة برفقة المرحوم عمر نورالدائم وكان هناك «مضيفة» تقف علي خدمة الركاب بهمة عالية، وكانت علي قدر عالٍ من الجمال، فدار حوار بيني وبين المرحوم عمر نور الدائم قلت له فيه:

زي دي لو كان في غير عالمنا يخدموها، ماتخدم..!

ثم نظمت فيها بعض الابيات لا اذكرها الآن. وتعليق آخر من عمر نورالدائم نفسه حول طاقم الحماية الخاصة بالعقيد معمر القذافي. وقد كان العقيد في زيارة للخرطوم، سألني المرحوم:

ـ حسّع زي ديل بحْمَنو؟

يقصد الحرس النسائى، فأخذت قطعة من منديل الورق وكتبت عليها بعض الابيات في معناها، ان الافعي لا تغتر بمنظرها الناعم فهي تستبطن في دواخلها كل الشراسة .

فعلق المحرر:

إذن انت موجود في عالم الجمال، تتغنى وتترنم وكذا .....

فقال الامام : انا احفظ الشعر وانشد وادندن بصوت عالٍ إحياناً.

وفي النهاية قال الصادق:

حارسات القذافي الهمنني شعر الغزل .!

وفي الحقيقة الامام بهذا الحديث الذي افضى به لم يكن بعيداً من الشاعر الجاهلي علقمه بن الفحل، فلبس عباءته وانشد:

فأن تسألوني بالنساء ** فإني بصير بأدواءالنساء طبيب

إذا شاب راس المرء أو قل ماله ** فليس له من ودهنّ نصيب

وانفعال الامام الصادق بالجمال يشي الى هيامه «سراً» في فضاء انساني يؤجج فيه نيران الهوى. فهو حقيقة يكاد يصرخ من شدة ما يعتريه من هوى: مالي أفي ويخان عهدي وما بالي اُصاد ولا أصيد

ومادام الامام ـ رجل الدين والاجتهاد ـ يدندن بشعر الغزل متغنياً في وهج قشيب الضياء، فإنه كأمام للانصار، أوجد فيه مندوحة زاوجت بين الغزل والصحوة الاسلامية التي فجرها كفضيلة أخلاقية مسكرة الفوح.

الامام الصادق اجتهد وزاوج بين العيون النجل المدهشات والصلوات في ناشئة الليل. بإعتبار ان ما من شئ إلا يسبح بحمده. وقديماً قال محمود محمد طه: «المرأة وسيلتنا للحب الالهي».



http://www.rayaam.net/22005/12/23/igtm3i/igtm3.html
_________________

Post: #575
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 09:32 PM
Parent: #574


اتفاقيات السلام ... البدايات والمآلات (2)

د. منصور خالد

السلام الشامل ما هو؟ وما هى وسائل تحقيقه؟

بقدر ما نستطيع، حاولنا في المقال السابق إبانة الأسباب التي أدت لأن يكون التفاوض بين الحكومة والحركة الشعبية ثنائياً وينتهي إلى وفاق ثنائي. وقلنا إن تحقيق السلام الشامل لا يتكئ، فحسب، على صدق الارادة السياسية للطرفين الموقعين في تنفيذ الاتفاق الذي تواصيا عليه، وإنما أيضاً على صيانة ذلك الاتفاق بسياج من التأييد الوطني. السلام الشامل، أو الحل السياسي الشامل، تعبير شاع في الخطاب السياسي منذ منتصف الثمانينات، خاصة بعد أن جاءت الحركة الشعبية بأطروحة قلبت المفاهيم هى أن مشكل الجنوب هو مشكل السودان. وكما ذكرنا في المقال السابق استطال الحوار في كوكادام بين الحركة والتجمع الوطني حول إن كان المشكل الذي ينبغي حله هو قضية اقليم محدود (الجنوب) أو قضية الوطن كله. ولعل ذلك الانكار من جانب الطبقة السياسية الشمالية أن الوطن كله مأزوم هو الذي حمل الأستاذ محمود محمد طه في الستينات، حين استبد بالناس الحديث عن مشكلة الجنوب، إلى اصدار كراسة اتخذ لها عنواناً: "...وللشمال مشكلة أيضاً". حقاً، كان الخطاب السياسي يومذاك، في الغالب الأعم، يتمحور في مشكلة واحدة هى مشكلة الجنوب، وفي قضية واحدة هى قضية الديموقراطية. الأولى تذكرنا بها دوماً الحرب الأهلية، والثانية لا نستذكرها إلا عند وقوع الانقلابات أو سقوط الأنظمة العسكرية فنبدأ في البحث عن وسائل حمايتها.



http://www.rayaam.net/22004/07/26/articles/article26.htm
_____________

Post: #576
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 09:32 PM
Parent: #575


ويؤكد غازي سليمان على أهمية البعد الأسري حيث يضيف : ما اكتسبته من والدي أحد قيادات الحركة الوطنية وعضو اللجنة الستينية في مؤتمر الخريجين ومن المؤسسين له ومن المؤسسين أيضاً لندوة ودمدني الأدبية نواة الحركة الوطنية في السودان مع زميليه أحمد خير وإسماعيل العتباني مؤسس «الرأي العام» إضافة الى شخصيات تلقيت منها الثقافة والشجاعة وهم أبي طبعاً محمد أحمد سليمان وهو أول مدرس للغة الإنجليزية والتاريخ بكلية غردون، والشريف حسين الهندي الذي عملت معه بوزارة المالية، وعبدالخالق محجوب، ونقد الله الكبير والشهيد محمود محمد طه، وأجاب غازي عن هل السياسة تمثل لك مصدر رزق؟ قائلاً: السياسة أفقرتني وأنا أصرف عليها من دخلي في المحاماة ودخل أشقائى الأطباء مروان ومامون، وأضاف السياسة أفقرتني واخوتي



http://www.rayaam.net/22005/05/14/syasia/syasa5.htm
_________________

Post: #577
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 09:33 PM
Parent: #576


تحــــت الضـــــــوء

بين الحقيقة والوهم

توقع اغتيال الصادق المهدي..!

تحقيق: ايمان آدم

* اعدام محمود محمد طه في العام 1985 زعيم تنظيم الجمهوريين.

* اختطاف محمد مكي محمد مؤسس جريدة الناس في العام 1969 على ايدي الثوار الفلسطينيين في جنوب لبنان والذي اعيد للخرطوم لتتم محاكمته بتهم التسلل الى اسرائيل وتهم اخرى. تم تسليمه للثوار الفلسطينيين حسب اتفاقهم مع حكومة السودان. تواترت الانباء بعد ذلك عن تذويبه في برميل من الحامض.





http://www.rayaam.net/22005/05/14/syasia/syasa4.htm
__

Post: #578
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 09:34 PM
Parent: #577


البروفيسور: حسن مكي

.................
تشكيل جنوب سودان حر: ذكريات كفاحنا 1934م ــ 1985م


العلاقات اليهودية .. السودانية والسودان والصهيونية: (1 ــ 2)
سياحة تاريخية سريعة:-

علاقات أهل السودان باليهود قديمة فقد تزوج نبي الله موسى كوشية ولم يعبأ باحتجاج اهله على ذلك كما سارت جيوش الفاتح السوداني ترهاقا استجابة لدعوة من احد انبياء اليهود لتخليص القدس الشريف من قبضة الآشوريين بقيادة سارهدون الثاني، وظل السودانيون على الشريعة الموسوية الى ان ذهب ابان المملكة المروية وزير مالية الكنداكة ملكة مروي الى المسجد الاقصى للزيارة والحج وهناك قابل حواري المسيح فليبس، ومن الخدمات المتناولة بين اهل السودان والمسيحية، ان وزير الكنداكة خلص فليبس حواري المسيح من جلاديه كما اعتنق وزير الكنداكة تعاليم العقيدة المسيحية التي توطنت في السودان بعد قرون من ذلك وقد شاع في الادبيات اليهودية ان مملكة مروي عمل فيها اليهود كفنيين واختصاصيين في صهر الحديد حتى اصبحت مروي برمنجهام افريقيا في تلك العصور السحيقة.
======.

في وقت طغت فى وسائل الاعلام قضايا تطبيق الشريعة الاسلامية في السودان واعدام محمود محمد طه وتلى ذلك تطورات داخلية ادت الى الاطاحة بنظام الرئيس جعفر محمد نميري.


اسرائيل من دعم انانيا الى دعم الحركة الشعبية




http://www.rayaam.net/22004/04/03/articles/article12.htm
__________

Post: #579
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 09:34 PM
Parent: #578


كمال الجزولى
.......................
حَوْلياتُ الحُلْمِ الانْسَانِى

السادِسُ والعِشْرُونَ مِنْ يُونيو (3)

(1)

أرضه يستبدون بالأمر من (3/4) غير أن تاريخ الفكر الاسلامى شهد ، منذ وقت باكر ، تياراً آخر يمثله مفكرون أحرار اشتغلوا على الاعلاء من شأن مفهوم (حرية) الارادة الانسانية فى القرآن ، مقابل (الجبر) كتبرير للظلم ، كاشفين بذلك عن الدوافع (السياسية) الكامنة فى أساس نظرية (الارجاء) الملغومة! ولذلك لم يكن محض مصادفة أن يُغتال أبرز رموز هذا التيار من خلال صراعات الدولة الاسلامية ، كمعبد الجهمى عام 80 هـ ، وغيلان الدمشقى عام 99 هـ ، والجعد بن درهم عام 120 هـ (هيثم مناع ؛ ''الانسان فى الثقافة الاسلامية'' ..) ، تماماً مثلما اغتيل فى السودان ، ولنفس الأسباب ، الشهيد محمود محمد طه عام 1985م. ويلزمنا أن نشير هنا أيضاً إلى أن الحسن البصرى (21 ـ 110 هـ) يُعتبر أقوى أبكار المدافعين عن حرية الاختيار والعدل والمسئولية ، وهو الذى سأله سائل: ''آخذ عطائى من بنى أمية أم أدعه حتى آخذه يوم القيامة''؟ فأجابه من فوره: ''قم ويحك خذ عطاءك فإن القوم مفاليس من الحسنات يوم القيامة!'' (أنظر: هيثم مناع ؛ الامعان فى حقوق الانسان ، موسوعة عالمية مختصرة ، دار الأهالى 2000م ، مادة ''الحسن البصرى'').



http://www.rayaam.net/22005/05/03/articles/article1.htm
_________________

Post: #580
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 09:35 PM
Parent: #579


رسالة من بروفيسور عبد السلام جريس

الاخ د. خالد المبارك ثاني لقاء لنا كان بمنزل الشاعر الفذ الراحل محمد عبد الحي بمنزله حيث كنا نحتفل بمناسبة اسرية سعيدة وفجأة ساد الوجوم عندما سمعنا باعدام الاستاذ المفكر محمود محمد طه ولم يمر وقت طويل الى اللقاء الثالث امام بوابة كلية الطب في ذلك الىوم المشهود أواخر مارس 1985م وكنا نقف بالقرب من الاستاذ عمر عبد العاطي المحامي وهو يتلو بيان الانتفاضة وفجأة هوى من عل عندما اطلق الجنود القنابل المسيلة للدموع فتفرقنا.



http://64.233.167.104/search?q=cache:PARBh6G8SYEJ:www.r...n&ct=clnk&cd=9&gl=us
_________________

Post: #581
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 09:36 PM
Parent: #580



تحت الضوء

د. منصور خالد

عامان من السلام : حساب الربح و الخسارة(23)

انفصاليوالشمال، وانفصاليوالجنوبقــــــراءة خـــــارج النص

نقول هذا، بصرف النظر عن رأينا في تلك الحروب، أو رأينا في تواطؤ الكثيرين بالصمت عنها وعن ادراك ماتقود اليه شحنات الكراهية التي ولدتها. تلك حقيقة، لا نعدوالصواب إن قلنا، إن بصيراً واحداً فطن لها يومذاك وجاهر برأيه فيها، ألا وهوشهيد الفكر محمود محمد طه.

كان الاستاذ يقول، كلما تكاثر الحديث حول مشكلة الجنوب : ''وللشمال مشكلة أيضاً''. وكان، كلما تسمع بياناً من القيادة العامة للجيش يعلن عبر المذياع خبراً مفاده :''لقد فقدنا عشرة شهداء في المعركة ومات الف من الخوارج''، ردد :''الاجدر أن نقول فقد السودان مائة والفاً من ابنائه''. هذا قول رجل يدرك البدهيات، ومن البدهي أن القلوب جُبلت على حب من يحسن اليها، وبُغض من يسئ اليها، ناهيك عن الغضب الذي اورثته لأهل الجنوب مظالم متجذرة. لذلك، ظللنا ندعو، مع قلة ذات حس بالآخر نذكر منها الراحل العظيم محمد عمر بشير، للاعتراف بجذور المشكل بدلاً من الهروب منها الى الأمام بسياسات لا تقود الا لتعميق البغضاء بين ابناء الوطن الواحد. لم نذهب لذلك إلا بدافع الحرص على انقاذ أهلنا في الشمال من أنفسهم، وكان المسار عسيراً. وحمداً لله ان انتهى أهل السودان جميعاً لهذا الرأي. انتهى اليه التجمع المعارض في مقررات اسمرا، وانتهت اليه حكومة الانقاذ في ماشاكوس.



http://www.rayaam.net/articles/article26.htm
_______

Post: #582
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 09:59 PM
Parent: #1


إنتَهَت اللعْبَة!

THE GAME IS OVER!
كمــال الجـــزولي
مساء الثامن عشر من يناير 1985م.

غداة إعدام الشهيد محمود محمد طه في السابع عشر من يناير ، إجتمع ، سِراً ، ممثلو ثلاثة عشر نقابة ، على رأسها المحامون والأطباء والمهندسون والتأمينات وأساتذة الجامعات ، ليؤسسوا (التجمع النقابي) ، وليتداولوا خيارَي الاضراب أو تسيير موكب يسلم رئيس الجمهورية مذكرة تطالب بإطلاق الحريات والحقوق ، وبالأخص حرية العمل النقابي ، وإلغاء قانون النقابات ، وضمان استقلال القضاء ، والجامعات ، وحرية البحث العلمي ، واعتماد الحل السلمي لما كان يُسمى ، حينها ، بـ (مشكلة الجنوب) ، فضلاً عن رفع المعاناة عن كاهل الجماهير ، وما إلى ذلك. وبدا الرأي الغالب أميَلَ للمزاوجة بين الخيارين.

من جهتها ، كانت أحزاب الأمة والاتحادي والشيوعي قد عكفت ، أصلاً ، ومنذ العام 1984م ، على بلورة (ميثاق) يوحد العمل الوطني الديموقراطي للاطاحة بالنظام بين أطراف جبهة المعارضة ، بما فيها الكتلة السياسية التي كانت قد ائتلفت ، قبل سنوات من ذلك ، مع حزب البعث ، في ما عُرف بـ (تجمع الشعب السوداني).



http://www.rayaam.net/malaf/roznama.html
_________________

Post: #583
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 09:59 PM
Parent: #582


وكرم الله يماهي بين السكون والحركة في نسيج شخوصه ذات الأبعاد الروحية الإلهية ، حيث كل مخلوق صناعة علوية بوظيفة محددة في الحياة. وتستمد صيرورة الأشياء عنده مادتها من أثر فلسفي يقترب ويبتعد ، بقدر محسوب ، من وعن الفكر الجمهوري الذي ما يزال يتخلل خطابه. وكنموذج لهذا ، فإنه يُظهر ، في قصته (حمار الواعظ) ، كم هو محير أن يتحول الدين إلى محض أداء روتيني يمارسه الواعظ كما لو كان مكلفاً بتوصيل رسالة ناقصة إلي البسطاء ، فتجده يحثهم علي مخافة الله العزيز الجبار الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ، بينما هو لا يفعل ذلك في علاقته مع حماره الذي يعذبه ليل نهار!




http://www.rayaam.net/malaf/roznama.html
_________________

Post: #584
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 10:00 PM
Parent: #583


إلا قليلا

د. كمال حنفي

Email: [email protected]

كلهم أقسموا !
ما رأيكم أن نبحث عن قبور على حامد ... وشهداء الجزيرة ابا... وهاشم العطا وفاروق حمد الله وعبد الخالق محجوب و جوزيف قرنق ... وحسن حسين ... وعبد الاله خوجلى وعبد الله ميرغنى ... و محمود محمد طه ... وضحايا مذبحة وقفة عيد رمضان 1990 ... نقف أمامهم لنخبرهم أنه بعد فوات الأوان أمسكنا بدستور دولة المواطنة التى يكون فيها المواطن أهم من استقرار واستمرار النظام السياسى !




http://www.rayaam.net/22005/07/11/colum/colum5.htm
_________________

Post: #585
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 10:00 PM
Parent: #584


فيليب غبوش: أنا كالحرباء بطيء وخطير وعيوني مركبة..

(ديل قاعدين يعصروا الحكومة عصر تمام..!)

حوار: أحمد يونس

* لكنك تراجعت في المحكمة عن القبلية وأعلنت توبتك؟

ـ لم أعتذر عن الإنقلاب، وقلت للمحكمة نحن في المسيحية نغفر لأخوتنا سبعين مرة، المكاشفي طه الكباشي قال لي: (لسة ما تبت، قلت ليهو: لا..)!

ـ تلفت الأب فيليب ثم قال: (ما سمعت بحكايتي مع محمود محمد طه)؟!

* أجبت: لا..

ـ فباغتني إذاً (إنت رايح ساي)..

* ما هي حكايتك معه؟

ـ قلت لصاحبي لا تتعصب مع النميري، إشتغل بوليتيكا (سياسة)، لازم تبقى سياسي، عليك بأخذ السبحة والقول (لقد تبت)، عشان تواصل الفكرة والمباديء.. وين محمود محمد طه الآن؟! محل قبرو ما معروف، البوليتيكا تقول أن تعرف متى تزوغ إذا أحسست أن هنالك خطراً يهدد (كرعيك)..!

* كأنك تقول لا توجد مباديء تستحق الموت من أجلها؟

ـ محمود ما عندو مباديء.. كان بحارب الأخوان المسلمين بس!




http://www.rayaam.net/malaf/panorama.html
___________

Post: #586
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 10:01 PM
Parent: #585


إلا قليلا

كمال حنفي

[email protected]

سيد الاسم

... اذا أصدرت السجلات المدنية السودانية الأسماء المتشابهة فى دوريات ستسرى بين الناس كالتيار الكهربائى تضيئ وتلسع ... تخيّل اذا أصدرت السجلات المدنية قائمة بمواطنين سودانيين اسمهم الطيب صالح ... تأمل لو أصدرت السجلات المدنية قائمة بمن اسمهم عمر حسن أحمد !

سنتفاجأ بعدد من السودانيين يغطّون اليابسة السودانية بمهن ومحن مختلفة اسماؤهم محمد أحمد المهدى واسماعيل الأزهرى ... هناك أسماء تجرى بيننا اليوم أعمارهم فى منتصف الثلاثينات يحملون أسماء نميرى والقذافى وعبد الناصر ... هؤلاء السودانيون غالبا من المولودين أيام توقيع ميثاق طرابلس ...اسم نميرى لم يكن متداولا بين السودانيين قبل مايو 69 واختفى بعد ابريل 85 ... وبين التاريخين توالدت موارد بشرية سودانية اسمها نميرى ... بل جنح البعض الى الأبعد فأسمى ابنه جندى نميرى!

نوع من القراءة السياسية أن نبحث فى أعمار سودانيين يحملون على رؤوسهم أسماء بارقة ... من حقنا البحث فى شهادة ميلاد كل من اسمه محمد نجيب... أو ازهرى أو عبود أو القرشى ... نوع من الانتخابات أن نحفر فى السجلات المدنية عن مواليد أوائل السبعينيات لنجد هل هناك مواطنون اسماؤهم عبد الخالق محجوب أو هاشم العطا أو جوزيف قرنق ... أو محمود محمد طه ... شكل جديد للاستفتاء أن ننبش فى شهادات مواليد عام 89 و 90 بحثا عن اسم الترابى!

مفهوم البطولة عند السودانيين اقليمى ولذلك فان عددا من السودانيين اخذوا أسماء سيد قطب و محمد مصدق والخمينى ومنقستو ... لكن يحيرنى سودانيون يجسّدون أسماء الشهرة فى الذكور أكثر من الاناث ... هل توجد بين بنات السودان واحدات اسماؤهن فاطمة أحمد ابراهيم أو سعاد الفاتح أو البلابل!

المغتربون السودانيون انخرطوا فى تسمية ابنائهم باسماء الجغرافيا التى يعيشون فيها ... ولكن حتى الآن لم نتأكد من وجود سودانيين اسماؤهم زايد وفهد أو سعاد الصباح أو حسنى أو الأسد ... فمعلوماتى تتوقف فى نقطة أنّ السودانيين يقفون عند الأسيد ولم يبلغوا مرحلة الأسد! ... لكن حتى الآن لم أسمع ببنت سودانية عمرها عامان اسمها راضية!

ابحثوا عن أسمائكم فى السجلات المدنية السودانية ستجدون مفاجآت سعيدة ... مشابهون لكم لم تلدهم أمهاتكم أو أباؤكم ... لا تبحثوا فى بلاغات الشرطة أو وكيل النيابة الأعلى حتى لا تكتشف بأنك متهم هارب من العدالة !... أنا شخصيا مارست هذا التمرين فوجدت اسمى مراسلا لقناة النيل من جنوب سيناء ... شكرا لكم ... يحييكم كمال حنفى من جنوب سيناء!!


http://64.233.167.104/search?q=cache:lpqvBEOukggJ:www.r...n&ct=clnk&cd=4&gl=us
__________

Post: #587
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 10:03 PM
Parent: #586


كان عالم عباس
تضاريس 88

38
بمناسبة صدور ديوان شعره الجديد --من شمس المعشوق إلى قمر العاشق--وبمناسبة قرب عودته إلى أرض الوطن وبمناسبة الشاعر نفسه وبلا مناسبة إن جاز لنا استلاف العبارة الرائعة عن الشاعر كمال الجزولي ، احتفل منتدى --السيد عبدالرحمن المهدي -- بجدة بالشاعر عالم عباس محمد نور في لفتة كريمة مساء الأربعاء الماضي طاف فيها متحدثون كثيرون من السادة والسيدات بعالم عالم.قدم للحفل جماع مردس وحضره لفيف من ألوان الطيف السوداني. صدرت المجموعة الشعرية الجديدة عن دار مدارك في مطلع هذا العام 2007م وصمم غلافها وأشرف على طباعتها الشاعر الناشر الياس فتح الرحمن ونفذها فنياً عفت إبراهيم ولأنها صدرت تسر الناظرين كان هذا التنويه بمن أشرفوا عليها.هي خطوة للأمام في إخراج الإبداع السوداني الذي عاني ولعقود طويلة من سوء النشر والإخراج. عنوان الديوان--من شمس المعشوق إلى قمر العاشق -- مثلما في -- منك المعاني ومنا النشيد-- مجموعة الشاعر نفسه التي صدرت عام 1984م عن دار المطبوعات الحديثة بجدة جاء ليصور لنا هذه الثنائية أيضاً التي يكون فيه الشاعر هو الثاني بطوعه واختياره لأنه يحب الأول خالقاً كان أو مخلوقاً في الجدليتين. نحن لا نقول بأن الشاعر هناك في المجموعة الأولى كان صوفياً وفي الثانية كان عاشقاً ولكننا نقول بأنه المحب الموله في كلتا الإصدارتين .وعلى الرغم من أن العاشق فاعل إلا أن شمس المعشوق هي التي ينهمر منها الضوء، أما العاشق الفاعل فتنطلق فاعليته بعد الوقوع في أسر ذلك الضوء وتلك المعاني.هكذا يصبح الفاعل منفعلاً. وعلى الرغم من أن المجموعة التي نحن بصددها قد صدرت حديثاً إلا أنها لا تحوي شعر عالم الجديد.المجموعة الوحيدة التي لم يصدرها الشاعر بجهده الخاص هي --إيقاعات الزمن الجامح--التي صدرت عام 1974م عن مصلحة الثقافة بالخرطوم وهي إنما جاءت بسبب فوز عالم الطالب الجامعي وقتها بالجائزة الأولى للشعراء الشباب ومن بعد صدرت لعالم عباس على التوالي مجموعات --منك المعاني ومنا النشيد--1984م ؛ماريا وامبوي1986م ؛ أشجار الأسئلة الكبرى 1986م.. نفسه وأخيرا وقبل صدور المجموعة الحالية صدرت للشاعر عن دار عزة -- أوراق شوق للخرطوم-- وهي عبارة عن مختارات. وهكذا نرى أن عالماً لم يكن مقلاً في النشر لكن شعره كثير ويسبق نشره بفراسخ وربما لو أنه نشره كله الآن لرأينا لهذه المجموعة ثلاث صويحبات أو أكثر .ولولا أن عالماً لم يتوقف عن الكتابة لقلنا ربما يتأثر الشعر بعدم النشر فالذائقة في كل جيل تتغير لكن عالماً شاعر مواكب وشعره شاب. استهل الشاعر مجموعته الجديدة بقصيدة --من أسفار الشعر والرفض -- التي كتبها ببورتسودان عام 1974م وهي في نظري --مانفيستو-- شعري عبر فيه الشاعر عن رؤيته للشعر : هاؤم أقرأوا كتابية الذي غنيت في سطوره لكل حاملي مشاعل التجديد من قديمنا.. وللذين آمنوا وأيقنوا بأن الشمس ، مذ عرفنا الشمس لا تعود القهقرى،والبدء كانت البداية الخلاقة التي تبحر ضد نفسها.. لكم أحبتي نقول الشعر، نرتقى، نهز جذعه... ومن نفس تلك الفترة من شعر بورتسودان نجد في المجموعة الجديدة قصيدة --سفر الخروج والكشف والرؤيا-- حيث يفصح الشاعر عن أنه خرج كدأبه القديم يفتش الجديد في القصيد وفي تلك القصيدة يفاجئنا في مقطع (الكشف)تصوير بعدسة مكبرة: خرجت من مسام جسدي كما البخار أقتفي القصيد بين رعشة تبددت ودهشة تمددت على الرموش خاطها الكرى على العيون فض ختمها السهاد حين ابصرت تسمرت فدمرت عماها كذلك اندلقت وانسرقت صرت خلف دمعة تسللت من بين فتحة الرموش من عروقها التي تيبست بتربة الجفون الراوي - الشاعر صار خلف هذه الدمعة وعلى الرغم من صغره المتناهي وتخفيه فما تلتقطه الكاميرا التي يصور بها إنما هي صور مكبرة فالدمعة التي هو خلفها: ترنحت وسقطت على تلال الخد ما تكاد تستقر في الخدود عند الوجنتين حتى امتدت الشفاه غيبتها لعقت ملوحة العذاب في كيانها وعرجت بها إلى القرارة التي غابت بها سواها فلا تراها. في قصيدة --السطور الاخيرة في دفتر الحلاج الثاني -- تلك التي أهداها الشاعر إلى روح الشهيد محمود محمد طه نقرأ: ثم استدار والشلوخ الغائرات الحزن أغفت فازدهى فيها الوقار وبريق في عيون هي لولا جنة الإيمان نار ويصرخ الشاعر في تلك القصيدة التي كتبها في فبراير عام 85م منادياً ابريل قبل وصولها: في كومة الركام هذه لابد من زلزال لابد من زلزال وكان الشاعر يوحد بين الوطن والشهيد بقرينة الحبل الواحد الملتف على كليهما كان الحبل الملتف على رقبتك الشامخة الرأس هو الطرف الآخر من ذات الحبل الملتف على عنق الوطن المقتول في ابريل عام 1984 بكى الشاعر شعراً حاراً على فراق والدته ففي قصيدة سقى جدثاً بالرمل نقرأ لوعة الشاعر: ويا جدثاً بالرمل قد ضم لحدها وقد ضم فيما ضم لبي وخاطري وبعد.. يقول عالم عباس في إحدى قصائد المجموعة : هو الشعر يا أنت نفس القصيدة قد فضحت سرها في المثاني ألوذ بها في اشتياقي إليك إذا بالغ المد في العنفوان أتيت لأصرخ هيا اتركوني وشأني دعوا الحزن لي والدموع التي فرطت عقدها في ثوانٍ والتعلات والشوق والبوح والتوق إني لأمزج صهباءها في دناني.. فهل نكون مجافين للحقيقة إذا دعونا القراء إلى صعود سلسلة جبال هذا الديوان منذ القصائد الباكرة --وثباً نحو القمم الألف-- وهي عنوان آخر قصيدة فيه؟ هذه دعوة لقراءة عالم عباس محمد نور في آخر إصداراته ومن ثم العودة لشعره منذ إيقاعات الزمن الجامح.


http://www.rayaam.sd/Search_Result.aspx?pid=84&ser=%u06...+%u0637%u0647&type=2
__________

Post: #588
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 10:04 PM
Parent: #587


نميري يكتب مذكراته.. ما الذي لم يقله؟
من الصدور الى السطور

لبابة جفون
مذكرات الرؤساء تنطبق عليها مقولة «تقرأ فيها ما لم تكتبه الصحف» لأنها خزينة أسرار متداخلة مفاتيحها بيد الرجل الذي «كان» الأول في الدولة وتنتهي عنده خيوط مؤسساتها السياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية.. وبينما لزم فراش المرض الاسبوع الماضي الرئيس جعفر محمد نميري فإن خبراً قد سبق الى دهاليز الصحافة مفاده أن «أبوعاج» يعكف على كتابة مذكراته. وقد جاء وقع الخبر متفاوتاً في الأوساط المختلفة ، فبينما ارتفعت وتيرة الفضول عند البعض تحفز آخرون ما زالت تربطهم مرارات بمايو ورمزها نميري لم تستطع السنوات محوها، وتوجس آخرون قد تكشف المذكرات شيئاً من أسرارهم، وفرح من ينتظرون لملفات ظلت حبيسة الأدراج لبضع عقود ان ترى النور أخيراً. علاقاته! ولأنه حكم البلاد لحوالى ستة عشر عاماً شهدت أحداثاً متسارعة ومتداخلة وداوية ودامية ولا يزال بعض أبطالها شخوصاً ماثلين على مسرح الفعل السياسي يساريين وإسلاميين وطائفيين ومن سواهم، فإن الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري هو من أكثر الرؤساء السودانيين إثارة للجدل. استطلاع استباقي عن أهم القضايا التي قد تشملها «مذكرات نميري» هو ما حاولت «الرأي العام» الإجابة عنه فجاءت توقعاتهم عن أسئلة لا تزال تبحث عن إجابة. الكاتب والمفكر الاسلامي د. عبدالوهاب الأفندي يرى في علاقات نميري بحلفائه ومعارضيه على مدى سنوات حكمه أهم الجوانب التي سيكشف عنها نميري، فبحسب الأفندي فإن معظمهم تحدثوا من جانبهم عن علاقتهم به وبعضهم كتب عن تلك الصلة مثل الدكتور منصور خالد ،لكن نميري لم يكشف النقاب عما ربطه من مواقف وأحداث بالصادق المهدي والترابي وإسرائيل وسر الصورة التي ظهر فيها يتسلم رشاشة «عوزي» من أرييل شارون ،حيث وضعها الأخير ضمن مجموعة الصور في مذكراته وعملية الفلاشا وعلاقته بمصر. وأضاف الأفندي ان هذه ليست هي المرة الأولى التي يكتب فيها الرئيس الأسبق مذكراته، فقد مثل كتابه «النهج الإسلامي لماذا» الجزء الأول من مذكراته لأنها غطت فترة حكمه حتى العام 7791م، لكنه لم يفصّل فيها دقائق علاقاته السياسية. وسط النجوم التحولات الضخمة في كثير من القضايا المحلية والعالمية التي شهدتها مايو، وبقاء نميري طوال تلك الأعوام كرجل لم تنقصه الكاريزما والمكانة وسط القيادات التاريخية عربياً وافريقياً «عبدالناصر، السادات، نكروما، هيلاسلاسي، منقستو، الملك حسين، الملك فيصل، الأمير الصباح» هو ما توقّع مسؤول الأمن الخارجي في عهد النميري العميد م. حسن بيومي ان يقرأه في مذكرات نميري «رئيس لجنة الحكماء» العرب. في ذلك الوقت بالاضافة لأسرار اتفاقية كامب دي?يد وعن أسرار اكتشاف البترول في السودان وكيف منع الأمريكان استخراجه ،واضاف بيومي، بكثير من الحماس لرئيس كان ضمن قيادة مؤسسته الأمنية. أتوقع ان يكشف نميري الكثير عن جوانب حياته الشخصية لأنه رجل غير «فاسد» بحسب توصيف بيومي، مشيراً الى مذكرات الرئيس الامريكي بيل نيكسون وكيف انها كشفت عمن تعاون مع الـ CIA من قيادات العمل السياسي بالسودان، وتوقع بيومي للمذكرات في حالة صدورها ان تحدث «ضجة» لأنها ستكشف حقيقة كثيرين من مدّعي البطولات او كما قال! أسرار « المدعو نميري دا سبب كتلة الإمام والجزيرة ابا اكبر ازمة سودانية هو الذي تسبب فيها ،ولست معنية بأي شيء من كلامه سوى كشف الحقائق واجراء التحقيق حول هذه القضية» هكذا انفجرت الدكتورة مريم الصادق بغضب عارم تجاه السؤال الذي لم تنتظر حتى سماع بقيته!! العميد«م» عبدالرحمن فرح مسئول جهاز الأمن ابان العهد الديمقراطي لا يرى ان الرئيس نميري مهيأ الآن لكتابة مذكراته، متوقعاً ان يتولى كتابتها شخص آخر من مقربيه لكنه يتوقع في حال خروجها ان تجيب على كثير من الاسئلة المهمة حول دور نميري في اخراج الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من الاردن الى مصر واحداث ايلول الاسود وكذلك خفايا ما عرف بأحداث المرتزقة والمصالحتين الاولى والثانية وفترة المجاعة التي زار خلالها نائب الرئيس الامريكي جورج بوش الاب السودان والمساعي الامريكية لاخراج «الاسلاميين» من الحكم وقتها. ويتوقع عبدالرحمن فرح كذلك ان يكشف النميري عن «سر قسوته» تجاه بعض خصومه «اعدامات انقلاب هاشم العطا - حسن حسين-المرتزقة» وما تردد عن الخشونة التي عامل بها بعض وزرائه. بعض المراقبين تحدثوا عن جملة من القضايا التي قد تتضمنها مذكرات المشير من بينها قضية الفلاشا والاعدامات التي تمت في عهد مايو «محمود محمد طه - حسن حسين- هاشم العطا» واحداث شعبان وبدء اعلان تطبيق الشريعة«اغلاق البارات والبيوت سيئة السمعة» وجهود التنمية التي بذلها النميري في جوانب الصحة والتعليم وغيرهما . غير ان للأستاذة آمال عباس الكاتبة الصحافية وأحد اهم الرموز النسائية في مايو «عضو الاتحاد الاشتراكي السابق» وجهة نظر مفادها ان حقبة مايو بسنواتها الست عشرة كلها لم تلق حظها من التوثيق والتقييم ،فبحسب الاستاذة آمال ترافق قيام مايو مع ظروف داخلية وخارجية مهمة جداً لذلك كل فترة مايو يجب ان تلقى حظها في مذكرات نميري لأنها مهمة جداً وهي تجربة ملك للشعب السوداني وترفض «آمال» ان يطلق على كتابي النميري السابقين «النهج الاسلامي لماذا» و«النهج الاسلامي كيف» صفة المذكرات لأن التطبيق في تجربة 1983م يختلف عما ورد في تلك الكتب. وتضيف: مايو نفسها لا يمكن كتابتها بنفس واحد، فالعامان في بدايتهما لهما طابع مختلف عن الاربعة اعوام التي تلتهما والفترة من1983-1985م لها نفس مختلف تماماً. الرئيس جعفر نميري الذي ودعت حكمه الجماهير هاتفه «لن ترتاح يا سفاح». وعادت لإستقباله بهتاف حسير «عائد عائد يا نميري » . اختلف الناس معه او اتفقوا فقد حكم السودان في فترة شهدت اهم التحولات الداخلية والاقليمية والعالمية ظل فيها طوال الستة عشر عاماً حاكماً وزعيماً اوحد مما يجعل مذكراته شديدة الاهمية في كشف خبايا......«كل شي في مايو».

http://www.rayaam.sd/Search_Result.aspx?pid=84&ser=%u06...+%u0637%u0647&type=2
___________

Post: #589
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 10:05 PM
Parent: #588


منصور خالد والأستاذ محمود محمد طه: قصة قصة قصة

يمثل الأستاذ نبيل أديب عبد الله المحامي الدكتور منصور خالد في قضية إشانة السمعة التي رفعها ضد جريدة الإنتباهة. ومع أن للمحاماة أعرافها في خوض القضايا إحقاقاً للحق بغض النظر عن رأى المحامي في طبيعة المتهم أو التهمة إلا إنني استغربت شيئاً ما - أن يكون نبيل طرفاً في القضية لسببين. أما السبب الأول فهو رأي نبيل (الذي هو أميز من يكتب هذه الأيام عن مادة إشانة السمعة وحرية التعبير) أن هذه التهمة من مثبطات النقاش الوطني ومبطلات دوران الرأي في الشأن العام. فلو وقع لي حديث نبيل أديب فهو على الحجة التي ترى في دعوى إشانة السمعة مصادرة للحق في انتقاد الحكام.

وبدا لي من عرضه الجيد لهذه المادة أن قانوننا يكفل هذا الحق لأنه استثنى من الحماية كل مشتغل بالعمل العام. وبدا لي أن نبيلاً ميال لأعراف القانون الأمريكي حول القذف دون سواه لأنه لا يتطلب من شانيء المشتغل بالعمل العام أن يثبت صحة أقواله عنه. فلو طالبناه بمثل هذا الإثبات لعطلنا النقاش الحر لأن الوقائع كثيراً ما خفيت. وهكذا يرخص القانون الأمريكي للمعلقين على رجال الشأن العام ونسائه حق الخطأ في إيراد الوقائع طلباً لليقظة تجاه أدائهم ومساءلتهم باستقامة لا تهدأ أو تكل. فمن مستحبات الأمريكان أن تخطيء، طالما أخطأت، على الجانب الصحيح من المسألة. وليس هذا الترخيص دعوة للسفه بإطلاق القول على عواهنه بالطبع. فالصحف من جانبها تأخذ هذه الطلاقة القانونية بجدية ومهنية تفلفل فيها قصصها فلفلة فلا تخرج الواحدة منها للنشر إلا بعد تمحيص لا يترك شاردة ولا واردة.

أما السبب الثاني فهو أن نبيلاً، مثل كل اليساريين من جيلي، ترعرع على ذائعة عمالة منصور للأمريكيين التي هي موضوع القضية موضوع الحديث. وصحيح القول أن الانتباهة لم تبتدع تهمة هذه العمالة وإنما اتبعت الشيوعيين فيها حذو النعل بالنعل . وهي عبارة تعلمناها من حبيبنا صلاح أحمد إبراهيم. ولم نسأل جيل منصور من رفاقنا الشيوعيين على ما قالوا عن منصور خالد برهانا. وكان آخر شانئة لمنصور من الشيوعيين بهذه العمالة في كتابهم الذين قوموا فيه اتفاقية أديس أبابا 1972م، ثم أسقطوا التهمة بالتقادم وبغير شرح حين أعادوا نشر الكتاب بالقاهرة في التسعينات. ووصفت هذا الاختلاس الثقافي في وقته ب «خفة اليد الثورية». ووجدت الأستاذ محمد إبراهيم نقد في كتاباته قبيل خروجه من المخبأ عاتباً على رفاقه الذين تطفلوا على نص الكتاب. وسيكون من الطريف بالطبع أن يستجوب نبيل رفيقاً شيوعياً متى استدعته الإنتباهة ليشهد لها.

لو عامل الناس منصوراً بالمثل لما خرج من محاكم إشانة السمعة لحظة واحدة. فالقذف سليقة تجري على قلمه. وليس ذلك لأن منصوراً سيء الطوية بل لأنه خريج مدرسة التفاصح العربي التي تطغى فيها محسنات اللغة وبديعها بصورة تصبح الوقائع نفسها عرضاً. فاللغة عند أهل هذه المدرسة ليست حالة من الوعي بل هي لتسويد صحائف «في متونهن جلاء الشك والريب». فقد وصف منصور الدكتور خالد المبارك، مدير معهد الموسيقي والمسرح في آخر السبعينات وأوائل الثمانينات، في كتابه «المخيلة العربية» بأنه من المرابطين في ثغور مايو يأكل تمرها عن آخره قبل أن ينقلب عليها ويرميها بالنوى. وأنه التحق بجوقة المايويين مديراً لمعهد الموسيقى والمسرح. وأنه صَوَّت لصالح دعوة الرئيس نميري في وجه اعتراض بعض الأساتذة وكانت عقوبة هؤلاء المعترضين الفصل بتهمة الشيوعية. عَقاب ما يويتك يا منصور! لقد كنت طرفاً في هذه القصة كعضو بمجلس المعهد الأكاديمي. وأشهد الله ما رأيت في حياتي، وقد بلغت هذا المبلغ من العمر، رواية لواقعة افترسها سوء النية وشح النفس كمثل رواية حادثة معهد الموسيقي والمسرح. وقد أخذها منصور بذبابتها عن الشيوعيين لم يحقق فيها بصورة مستقلة فيسأل المعاصرين لتتكافأ فصاحته ووقائعه.

أما أدق من نظر في فلتان منصور عن الملاحقة القضائية بإشانة السمعة فهو المرحوم الأستاذ محمود محمد طه وتلاميذه. فقد وقف الأستاذ وحواريوه بمحكمة بورتسودان العام 1975 متهمين بإشانة سمعة القضاة الشرعيين. فقد كان نظم الجمهوريون معرضاً لهم بالمدينة.ووضعوا بخط كبير على ملصق عبارة للأستاذ عن هؤلاء القضاة بعد حكمهم عليه بالردة في 1968 قال فيها إن قضاة الشرع (أذل من أن يؤتمنوا على الأحوال الشخصية، لأنها أخص وأدق القوانين لارتباطها بحياة الأزواج والزوجات والأطفال، وفي كلمة واحدة - العرض.» وزادوا بكلمة أخرى من الأستاذ:» متى عرف القضاة الشرعيون رجولة الرجال وعزة الأحرار وصمود أصحاب الأفكار.»

ولما انعقدت المحكمة قرأ السيد أحمد سليمان المحامي (الجمهوري) للشاكي ما كتبه منصور عن القضاة الشرعيين في كتابه «حوار مع الصفوة» (1974) وجاء فيه: « نريد وقد خرجتم من سلطانكم المشروع كقضاة أنكحة وميراث. . نريد أن نسمع حكم الإسلام في الإمام الكاذب والوالي الظالم والوزير السفيه. نريد حكمه في السفاه السياسي الذي نعيشه اليوم وهو سفاه شيوخ ولا حلم بعده. شيوخ يرتدي بعضهم قفطانا مثلكم ويتمنطق بحزام مثلكم ويضع على رأسه عمامة كشأنكم.» وسأل المحامي الشاكي إن لم يكن كلام منصور هذا إساءة للقضاة الشرعيين. فرد الشاكي سلباً معتذراً لمنصور بأنه من اصحاب الطموح السياسي يكتب ويسخر لاغير.» فتدخل السيد بدر الدين السيمت المحامي قائلاً: السيمت : يا مولانا سفاه الشيوخ الذي لا حلم بعده ، شيوخ يرتدي بعضهم قفطانا مثلكم ، هل هو إساءة أم غير إساءة؟

الشاكي: لفظ ما مهذب.

ثم استجوب الأستاذ محمود الشاكي بنفسه لفترة طويلة. وأنكر الشاكي أن مقالة منصور مما يشين القضاة. ثم عاد السيمت فسأل الشاكي إن كان قد علم أن منصوراً قد هاجم محكمة الردة التي قضت بردة الأستاذ في 1968. ثم عرض عليه نصاً آخر من منصور يقول: « من بين رجال الدين هؤلاء طائفة قضاة الشرع. ما كنت أود أن أتناولها بالحديث لو اقتصرت على أداء واجبها كموظفين يتقاضون رواتبهم من مال دولتهم الذي تجبيه من ريع بيع الخمور.»

أما المعاملة التفضيلية لمنصور لأنه يقذف ولا معقب على قذفه فقد جاءت في لحظة دقيقة في دراما المحكمة. فقد وقف سكرتير الثقافة بنادي الخريجين ببورتسودان، الذي انعقد فيه معرض الجمهوريين، شاهداً للاتهام. فسأله السيمت:

السيمت: هل سمعت بالدكتور منصور خالد؟

الشاهد: شغال شنو؟

السيمت: أنت أستاذ في التربية والتعليم والسكرتير الثقافي لنادي الخريجين ولا تعرف الدكتور منصور؟

الشاهد: مش الوزير؟

السيمت: هل تعلم أن الدكتور منصور خالد هاجم القضاة الشرعيين؟

الشاهد: لا أذكر.

السيمت: طيب أذكرك. ده كتاب (حوار مع الصفوة) للدكتور منصور خالد (يقرأ عليه نصاً منه). هل الكلام دا فيهو إساءة للقضاة الشرعيين؟

الشاهد: فيهو إساءة.

السيمت: هل تعرف الأسباب البيها القضاة الشرعيين اشتكونا نحن وما اشتكو منصور خالد؟

الشاهد: لا أعرف.

السيمت: هل تفتكر لأنو منصور خالد وزير ونحن ضعيفين.

الشاهد: جايز أكون عندهم ضدو قصة.

وقصة قصة قصه ولسه لسه لسه. إن عقلي موزع بين أمرين. فنصفه العاقل يؤمل أن يتصالح منصور والانتباهة على حد أفكار نبيل، رفيق الصبا اليسارى، الرصينة عن فساد فكرة إشانة السمعة بالنسبة للمشتغل بالشأن العام. وأن يصحب ذلك تحريض على الصحف أن ترتفع بمهنيتها لكي لا تبتذل هذه الرخصة حتى بلغت الشكاوى منها «150» شكوى في بحر العام المنصرم. ونصف عقلي المجنون يريد للمحكمة أن تنعقد ليرى عامة الناس صفوتهم لا كما يريدون لأنفسهم ان يراهم الفراجة من غمار الناس: كل في صغائره زعيم، أو كما قال حبيبنا محمد المهدي المجذوب.

http://www.rayaam.sd/Raay_view.aspx?pid=84&id=4227
_________________

Post: #590
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 10:05 PM
Parent: #589


تيدي بير الدبدوب: جحر الضب
عبدالله على ابراهيم

حادثة المعلمة الإنجليزية السيدة جيليان قيبون بمدرسة اليونتي محزنة بلحيل. فمن جهة لم ير فيها خصوم النظام غير الهوس الديني. وهذه عادتهم في المعارضة بما اتفق دون النفاذ إلى الدلالات الاجتماعية والرمزية التي انطوت عليها دراما أو تراجيديا المعلمة. وسنضرب صفحاً عن هؤلاء المعارضين الذين أفسد نظام الإنقاذ بصيرة التحليل فيهم . ولذا طال فينا واستطال. ولكن أقض خاطري أكثر أولئك الذين عبأوا جمهرة من المسلمين للتظاهر ضد إساءة مزعومة لأفضل البشر. وقلت في نفسي أليس فيهم رشيد كالرباطابي الماكر. قيل إن أحدهم طرق باب الرباطابي ففتح له. وقال له الطارق إنه من مداح الرسول. فقال الرباطابي: --وما وجه النقص في الرسول الذي تريد أن تكمله بمديحك.-- لو كانت غيرتنا للرسول عن معرفة لما استحق أمر هذه المدرسة ولا السابقات الأخطر منها (كرتون الدنمارك وخطبة البابا) هذا الانفعال والتجييش دفاعاً عن من خلقه القرآن. أدبه الكتاب فأحسن تأديبه في تمييز الخبيث من الطيب وفي فرز ما ينفع الناس عن الزبد الجفاء وفي الإعراض عن اللغو وقوله سلاماً متى خاطبه الجاهلون. لو كنا على أسوة حبيب الله لصبرنا على الدعوة واحتمال الأذى وجهل الجاهلين. فقد قضى النبي (14) عاماً منذ صدع بالرسالة يزينها للناس بالحكمة والموعظة الحسنة ويتقبل أذى الملأ المكي وغير الملأ بصدر لم يضق: لأنه لن يترك الحق لو وضعوا الشمس على يمينه والقمر على يساره. ولمّا أذن الله له بالحرب دون دعوته لم يستغرقه ذلك سوى (6) سنوات ودخل المدينة الباغية: مكة. لو كانت غيرتنا للنبي حقاً لعرفت الرحمة سبيلها إلى حكمنا في القضية المعروضة وغير القضية المعروضة. فقد وردت --الرحمة-- ومشتقاتها في الترجمة الإنجليزية لألفاظ القرآن (307) مرة ولم يرد --الغضب-- ومشتقاته سوى (66) مرة. وحتى لو أساء المسيء النصراني للرسول عمداً لصح، لو كان فينا الرشيد أو الرباطابي، ان نذكره أن نبيه المسيح مذكور عندنا في القرآن (90) مرة وإن أمه مريم مذكورة (34) مرة بينما لم يرد اسم --محمد-- سوى (4) مرات. الرسول إنسان عين الكمال. ولا يزعم له النقص إلا مفتئت جاهل. ولا يغير عليه بالتظاهر ساعة بعد ساعة إلا المؤمن الضعيف. لقد سبقت مظاهرة الأسبوع الماضي مظاهرات زعمت الذود عن الرسول فأفسدت ما بين المؤمنين والوطن. ثم ندم مثيروها عليها. فقد زار الدكتور حسن الترابي دار الحزب الشيوعي بنمرة اتنين قبل أيام وهو الذي حل هذا الحزب في 1965 متذرعاً بنبأ صفيق بحق بيت النبي وصفه الحزب الشيوعي في بيان له في تلك الأيام بأنه من فاسق. وقد اعترف صاحب النبأ أخيراً على جريدة الصحافة بأنه قصد الدس للحزب وأنه قرير العين بما فعل لا يطرف له ضمير. وتعرض الأستاذ محمود محمد طه وتلاميذه إلى عذابات معلومة لعقائدهم التي عدها الجيل الإسلامي الباكر طاعنة في الرسول. وسمعت منذ أيام الأستاذ علي عثمان محمد طه يغترف من قول الأستاذ محمود عبارته عن عظمة شعب السودان الذي يتقافز القادة الأقزام أمام مسيرته. من قش لكم الدرب؟ مرحباً بكما سمحين إذا دعوتم وسمحين إذا اختلفتم وسمحين إذا رجعتم عن الخطأ. ونأمل أن تكون خبرتكما في متناول الجيل الحدث من المسلمين يشبون بها عن طوق الغيرة على حبيب الله بالأقدام، لا العقل. لم انشغل بمسألة المدرسة بمثل انشغالي بإزاحتها الستار في لمحة خاطفة عن حياة مترفي المدينة رأينا بها، في قول أحمد يوسف نجم، --أن الحياة عندنا ليست كذلك--. فقد رأينا --جحر الضب-- عياناً بياناً في ثنايا الحادث وهو الجحر الذي حذرنا منه الرسول بقوله إننا سنبلغ من السخط طوراً نتبع به آثار الكفار فلو دخلوا جحر ضب انحشرنا من بعدهم. فبالله عليك أى أجحار الضب بدعة أكثر من اللعبة موضوع الخصومة المسماة التيدي بير. ولم أكن اعرف أنه استوطن في بيوت الأغنياء منا حتى أطلقوا عليه --دبدوب--. وآحلاتو يا ناس الله. فالتيدي بير (دب تيدي) هي لعبة أمريكية المنشأ. وتيدي صاحبها هو الرئيس الأمريكي تيدي روزفلت ( 1901-1909) غاوي الصيد. وكان زار السودان عام 1910 في رحلة لذلك الغرض. ومن أطرف ما قرأت عنه منذ سنوات كتاباً يحلل شخصيته ويرى فيها التجسيد الأمثل لـ --الذكر-- الأمريكي الخشن الشجيع. وأصل حكاية الدب الدبدوبي أن روزفلت كان في رحلة صيد في 1902 فسأله صحبه أن يطلق الرصاص على دب خائر القوى لطول ما ضيقت كلاب الصيد عليه فأنهكته. فأمتنع روزفلت لأن ذلك ليس من خلق الصيد الحميد. وسجلت له هذه المأثرة رسمة كاريكتيرية بصحيفة ما. فالتقط تاجر بنيويورك، هو موريس متشم، رأس الخيط وصنع دباً محشواً سماه --دب تيدي-- وأغتنى الرجل لجنى الجنى وإلى يومنا هذا. وأصبح الدب في التقليد التربوي والعائلي الغربي مثل --لي قطة صغيرة-- يلعب به الأطفال ويلاعبونه فينام في الليل معهم ويلعب في أصابعهم. وأصبح مادة طيعة في كسب إنتباه الأطفال وترويضهم على المعرفة. وهذا هو التقليد التربوي الذي استلهمته المدرسة قيبون حين أرسلت لأسر تلاميذها خطاباً برفقة التيدي بير الملعون تخطرهم بأنه سيقيم أسبوعاً مع كل أسرة (قالت يقضي نهاية الأسبوع) ورشحت للأسرة أن تأخذه معها أين ذهبت. في رحلة في حفلة أو لما تشتروا آيسكريم من عفراء. يكون معاكم. وخذوا له الصور مع الأسرة والطفل الذي سيكتب مذكراته عن أيام للتيدي بير في رحاب أسرته. نعم التعليم. ولا أدرى كم يدفع الآباء الصفوة لمثل هذا التعليم بعد أن خربوا التعليم الوطني الذي تخرجوا من مدارجه تخريباً لم تأت ساعة الحساب عليه بعد. ولا حاجة للقول إن تلاميذ هذه المدرسة يعيشون في بحبوحة من التعليم وغير التعليم. فالمدرسة قيبون هي واحدة من (27) معلماً إنجليزياً بمدرسة على رأس إدارتها كاهن هو حزقيال: ما بخش مدرسة المبشر وما بهاب الموت المكشر عندي معهد وطني العزيز يا مترفي السودان ومترفاته إذا بليتم بجحر ضب فاستتروا. وأحرصوا أن لا يرشح من فيض إمتيازكم هذا خبر يستفز المسلمين الفقراء استفزازاً لا يقوون على الرد عليه بغير التظاهر على ما في ذلك من قلة الحيلة والغضبة التي تستحيل رماداً معجلاً. ثم يعودون إلى بيوت الطين والمدارس الوهمية (على غرار أفران مايو الوهمية) وبنات اللعاب. الكلاكلة قال، دبدوب قال.

http://www.rayaam.sd/Raay_view.aspx?pid=84&id=351
__________

Post: #591
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 10:07 PM
Parent: #590


نحو مدخل جديد للعمل المعارض.. (2-3)

إبراهيم علي ابراهيم
في المقال الأول رأينا كيف تسببت الخلافات الحادة والعميقة بين طائفتي الختمية والانصار وحزبيهما، من جهة، وبين القوى التقليدية والقوى الحديثة والديمقراطية من جهة اخرى، في انقسام حاد في الجسد السياسي للأمة السودانية، وكيف ان هذا الانقسام اصبح مدخلاً للانقلابات العسكرية الثلاثة. كذلك رأينا ان جميع التشكيلات السياسية بمختلف مسمياتها وتصنيفاتها قد عجزت عن ادراك وفهم طبيعة المكونات الاقليمية والعرقية والثقافية والدينية للبلاد التي يتنازعون في حكمها، وتأثير هذه الحقائق على تحديد الخيارات السياسية المتعلقة بنظام الحكم. كما وصلنا الى ان العملية الديمقراطية غاب عنها ركن مهم من اركان الديمقراطية وهو وجود معارضة ذات ملامح واضحة، وكيف اثر ذلك لاحقاً على الممارسة السياسية بشكل عام. في هذا المقال سنتطرق لعمل المعارضة في عهدي الفريق عبود ونظام مايو، بشيء من التحليل لندرك طبيعة وماهية القوى التي قادت التغيير، واسباب نجاحها، ونجري مقارنات بين ما حدث من انتصارات ازالت انظمة الشمولية العسكرية، واختلاف درجات هاتين الانتصارين، وطبيعة النزاع الذي حدث لمعرفة لماذا عجزت الفترتان الانتقاليتان عن تنفيذ متطلبات عهد الانتقال إلى الديمقراطية. المعارضة إبان نظام الفريق عبود: في 17 نوفمبر 1958م استلمت قيادة الجيش السلطة وتم تنصيب الفريق ابراهيم عبود رئيساً للبلاد. ولم تتغير الاوضاع الاقتصادية، ولم يف المجلس العسكري الحاكم بالوعود السياسية التي كان قد قطعها مع بعض الاحزاب. ومع ازدياد غلاء المعيشة ازداد تعسف النظام وقبضته العسكرية علي السلطة، وتم اعتقال الكثير من السياسيين ونفيهم، كما تم تنفيذ أول احكام بالاعدام على عسكريين ارادوا الانقلاب عليه. بدأت حركة المعارضة تنشط في الوسط السياسي الذي اصيب بالشلل في السنوات الأولى للنظام نتيجة لعلاقات شائكة بين النظام الجديد وقيادات الحزبين الكبيرين، وتشكلت جبهة بقيادة حزب الأمة طالبت بإنهاء الحكم العسكري في البلاد فوراً، واجراء انتخابات جديدة. ردت الحكومة على هذه الخطوات بإلقاء القبض على قادة المعارضة ونفيهم للجنوب. ومع تنامي مشاعر الاستياء ازدادت حدة العمل المعارض وعمت المظاهرات والاضرابات التي دعت للاطاحة بنظام الفريق عبود. ومع تزايد سياسات القمع والقهر التي اتبعها النظام ضد معارضيه، واستمرار الانهيار الاقتصادي في كل السودان وتصاعد حدة الحرب في الجنوب، تصاعدت درجة السخط العام وعدم الرضاء، فاندلعت انتفاضة شعبية دعا لها التحالف العريض لجبهة الهيئات المكونة من اتحادات الطلاب والمهنيين والعمال والمزارعين واساتذة الجامعات ورجال القانون الى جانب الاحزاب السياسية، حيث نجحت في اسقاط الدكتاتورية العسكرية الأولى والاطاحة بالجيش في 21 أكتوبر 1964م، وتم تشكيل حكومة انتقالية للاشراف على انتقال السلطة مرة اخرى إلى حكومة مدنية منتخبة. المعارضة لنظام عبود لم تكن حكراً علي الاحزاب فقط بل شملت جماهير الشعب كله وفئاته المهنية وقطاعات الطلاب، إذ اتسمت هذه الفترة بظهور حركات اجتماعية مطلبية جديدة (الهيئات) لأول مرة علي المسرح السياسي السوداني، حيث لعبت دوراً كبيراً في قيادة وتنظيم وتوجيه النضال ضد القمع السياسي، وتسيير المظاهرات وتصعيد شعارات المطالبة بالحريات العامة وعودة الديمقراطية، وشجع علي ذلك المناخ العالمي والاقليمي الذي كان متأثراً بالمد الاشتراكي وبروز الحركات النقابية العالمية وتصاعد أهمية دورها في قيادة التغيير السياسي والاجتماعي. معارضة نظام مايو: منذ بدايته كان الحكم العسكري المايوي شموليا ذا نظرة احادية سعى من خلالها لاحداث تغييرات سياسية واجتماعية في البلاد. ومنذ البداية عارضته الاحزاب التقليدية لطبيعته الاشتراكية، وبالطبع ايدته النقابات والاحزاب اليسارية الصغيرة وعلى رأسها الحزب الشيوعي والقوميون العرب ان لم يكن هم الذين قاموا بتنفيذ الانقلاب نفسه. تميز النظام المايوي طيلة عهده بممارسة البطش والعنف ضد معارضيه، حيث امتلأت السجون والمعتقلات بالمعارضين. وإذا كان الفريق عبود هو أول من نفذ حكم الاعدام على عسكريين، فان النميري هو أول من قام باعدام معارضين سياسيين مدنيين، الشهداء: عبد الخالق والشفيع وجوزيف قرنق، ومحمود محمد طه، كما فقد كثير من المعتقلين حيواتهم جراء التعذيب في المعتقلات. ومرت المعارضة بسنوات ضعف وجمود في السنوات الأولى للنظام، اعقبتها عمليات منظمة، لتشتد في سنوات النظام الخمس الاخيرة. وتميز العمل المعارض في هذه الفترة بالمظاهرات والاحتجاجات التي تقوم بها الاحزاب سراً أو علناً أو التي تنظمها الجماهير بصورة عفوية. ومن جانب آخر كانت هناك المقاومة المسلحة الجنوبية التي انطلقت منذ الستينات قبل مايو، إلا انها تميزت بحصر نفسها في المطالبة بتقرير المصير أو الحكم الذاتي ولم تدم طويلاً، ونجح نظام مايو في توقيع اتفاق سلام مع حركة تحرير الجنوب عرف باتفاقية اديس ابابا منح بموجبها الجنوب الحكم الذاتي. وادت الاتفاقية إلى تحسين صورة النظام داخلياً واقليمياً ودولياً مما ادى بدوره الى انضمام عدد كبير من النخب السياسية الحزبية له وانسلاخها من احزابها باعتبار ان النظام المايوي يعمل بصورة حسنة ويستطيع انجاز ما لم تستطعه الحكومات الديمقراطية الأوائل. وشهدت بداية نظام مايو خروج المعارضة لأول مرة لخارج الحدود السودانية وطلبها الملاجيء في بعض الدول ليصبح ذلك سمة اساسية للمعارضة للانظمة العسكرية في السودان. واتخذت المعارضة من ليبيا ولندن مواطن لها وتم تأسيس الجبهة الوطنية من حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي والاخوان المسلمين، لتبدأ في اعداد العدة لمنازلة النظام عسكرياً لازالته من الوجود بالقوة. وبالفعل شنت الجبهة الوطنية في يوليو 1976م هجوماً مسلحاً من ليبيا استطاعت القوات المسلحة القضاء عليه بعد سلسلة طويلة من حمامات الدم في العاصمة ودحره واطلقت عليه سلطة مايو وقتها اسم «هجوم المرتزقة» للنيل منها سياسيا. وهكذا انتهت الجبهة الوطنية وتم تفكيك معسكراتها في ليبيا واصبحت نسياً منسياً لدرجة ان قادتها العسكريين الذين قدموا ارواحهم مهراً لها مثل العميد محمد نور سعد تم تجاهلهم من جانب القيادات السياسية التي دفعت بهم الى هذه المغامرة العسكرية. لم يكن للجبهة الوطنية برنامج واضح لمعالجة القضايا السودانية سوى إزالة نظام مايو ووراثة الحكم عنه، كما لم تستطع مخاطبة الجماهير بأبعاد العملية واهدافها والإعلان عن قيادتها، فقد كانت عملية خطط لها في الظلام وتم دحرها في ظلام آخر. إلى جانب ذلك شهدت مايو عدداً من الانقلابات العسكرية الفاشلة فاقت الخمس محاولات، تم دحرها جميعاً. فشلت الجبهة الوطنية في تحقيق اهدافها في إزالة النظام، وبعد حلها شارك اثنان من اعضائها (الأمة والاخوان المسلمون) في سلطة مايو بمقتضى المصالحة الوطنية التي وقعت في نهاية السبعينيات، ودخلا في الاتحاد الاشتراكي. وبعد هذه النهاية المحزنة انعدم العمل الجبهوي المعارض للنظام المايوي، واخفقت محاولات عديدة لتوحيد قوى المعارضة، وانحصر العمل المعارض في ما كان تقوم به قلة من الاتحاديين في الخارج وانعكاساته على الداخل وما قام به الشيوعيون والبعثيون الذين نجحوا في منازلة النظام داخلياً في سنواته الاخيرة. كذلك شن الجمهوريون معارضة قوية في سنتي مايو الاخيرتين حصرت نفسها بدقة في المطالبة بإلغاء تطبيق قوانين سبتمبر التي شوهت الاسلام، ونتيجة لذلك واجه الاستاذ محمود محمد طه تنفيذ حكم الاعدام بابتسامة اشتهرت فيما بعد وأسهمت اسهاماً كبيراً في كسر حاجز الخوف لدى الشعب الذي هب لاقتلاع الدكتاتورية من جذورها في ابريل من نفس ذلك العام. في هذا الوقت وفي ظل غياب المعارضة الحزبية انبرت النخب الاجتماعية الآتية من خارج المنظومات الحزبية الى قيادة العمل المعارض والنضال ضد النظام الدكتاتوري بعد ان تبين لها فشل النخب الحزبية في القيام بهذا الدور الطبيعي. وانتظمت هذه النخب الجديدة على قيادة النقابات والاتحادات المهنية وتوجيهها بالافكار السياسية والتنظيمية للقيام بدورها السياسي بمهمة اسقاط النظام الشمولي. واصبح لكل نقابة ممثلون في قيادة التجمع النقابي الذي اصبحت له فروع في الاقاليم، وتجمع الناس حوله وزادت عضويته باستمرار، وبدأ التجمع يتحول ببطء من نقابات مطلبية الى حركة سياسية ثورية، يستخدم سلاح الاضراب والعصيان المدني، وله قدرة عالية في تنظيم الجماهير وحشدها لاجبار النظام العسكري علي تقديم التنازلات. وهكذا اصبح بامكان المواطن العادي ان يسهم في اجراء تعديلات ديمقراطية على التشكيلات السياسية القائمة. وحقيقة كانت هذه الحركة النقابية هي أول حركة من نوعها في المنطقة الافريقية والعربية. وتحركت هذه القوى الجديدة بهدف توحيد قوى المعارضة على اساس ميثاق محدد (مذكرة أمين مكي مدني) تم اعداده بواسطة قيادات نسقت فيما بينها، بين الخرطوم ولندن والكويت، ولاقت هذه الخطوات تجاوباً عظيماً وسط الجماهير في الداخل. وكان الميثاق ينادي باسترداد الديمقراطية وكفالة الحريات العامة وحل مشكلةالجنوب في إطار ديمقراطي، وتحسين الاقتصاد، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات واتباع سياسة حسن الجوار وعدم الانحياز. واخذت المداولات حوله اكثر من عام، اتسمت بالشد والجذب، وكلما زاد النظام من بطشه وقبضته الامنية، ابتدعت هذه القيادات بدورها أساليب جديدة وأتت بأفكار خلاقة للمقاومة الشعبية، حتى وضحت ملامحها واكتملت في مارس 1985م، وظلت المشاورات لتوحيد قوى المعارضة الحزبية تعاني من فشل مستمر حتي صبيحة 6 ابريل 1985م ساعة بات مؤكداً انتصار القوى الجديدة على النظام الشمولي واسقاطه، حيث توحدت كافة القوى حول ميثاق التجمع الوطني لانقاذ الوطن. وانتظمت الاضرابات التي دعا لها التجمع النقابي المظلة التي تحوي النقابات المهنية الممثلة في الموظفين والاطباء والمحامين والقضاة واساتذة الجامعات وقيادات الطلاب وموظفي البنوك، الذي اتخذ من دار اساتذة جامعة الخرطوم مقراً له. واشتدت حركة المقاومة والعصيان منذ يناير 1985م، لتضيق الخناق على النظام باندلاع مظاهرة جامعة أم درمان الاسلامية في 26 مارس 1985م التي اطلقت الهتافات بسقوط النظام، ثم اعقبها اضراب القضاة الشهير الذي هز اركان الحكم. وبعد ان بلغ السخط الشعبي ذروته، دعت قيادة التجمع النقابي الي عصيان مدني شاركت فيه جميع النقابات والاتحادات، شمل كافة اوجه الحياة في المدن السودانية، واصبحت الشوارع فارغة، وخلت الحياة العامة من أي حركة واصاب الشلل اجهزة الدولة وعمت البلاد انتفاضة شعبية كبيرة توجت بانتصار صباح السبت 6 ابريل 1985م بتدخل قيادة الجيش للإطاحة بالرئيس نميري. لم تلعب قيادات الاحزاب دوراً ظاهراً في تنظيم هذا العصيان المدني والانتفاضة الشعبية، ونسب لدكتور الجزولي قوله ان الاحزاب لم يكن لها دور في ابريل (الصحافة 6/4/2007م)، كما تجدر ملاحظة غياب نقابات العمال والمزارعين عن هذا العصيان، وذلك لضعفها وموالاة قيادتهما للنظام الحاكم. تميز دور الحركات النقابية في هذه الفترة بالمقاومة المستمرة ضد سياسات السلطة، وتعاظم دورها بعد مساهمتها الفعالة والكبيرة والفريدة في احداث التغيير في ابريل 1985م، وكانت الانتفاضة الشعبية صورة باهرة وعبقرية تفتقت عنها عقول هذه النخبة الاجتماعية الجديدة التي خططت لها ونفذتها وقادتها، وكانت فريدة في طرحها وملامحها وافكارها وعكست جسارة في المواجهة قل ما شهد السودان مثلها.
إبراهيم علي ابراهيم

المحامي - واشنطن

http://www.rayaam.sd/Search_Result.aspx?pid=101&ser=%u0...+%u0637%u0647&type=1

Post: #592
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 10:07 PM
Parent: #591


الصحافة والشرطة و . . . جوديث ميللر
السر سيد أحمد
من المهم أن تتصدى الصحافة الى أي تغول عليها من قبل السلطة، لكن الأهم أن تتصدى الصحافة وبهمة أكبر لترتيب بيتها من الداخل. يعرف المتابعون أن جوديث ميللر صحافية أمريكية كانت أول أمرأة تتولى إدارة مكتب صحافي خارجي، حيث تولت الإشراف على مكتب «نيويورك تايمز» في القاهرة لتغطية المنطقة العربية وشملت مسؤولياتها السودان، ومن الأحداث التي غطتها مباشرة إعدام الأستاذ محمود محمد طه، كما أصدرت كتابا عن الحركات الإسلامية تحت عنوان «لله (99 إسما». وقبل سنوات ثلاث برز أسم جوديث ميللر لإرتباطه بقضية عميلة الإستخبارات الأمريكية فاليري بلامي التي تم تسريب إسمها بواسطة أحد مسؤولي إدارة بوش، وهو سكوتر ليبي المدير السابق لمكتب نائب الرئيس ديك تشيني، إنتقاما من زوجها السفير جو ويلسون المعارض للحرب على العراق. وبما أن عملية التسريب هذه تعتبر مضرة بالأمن القومي، فقد إضطر بوش الى تعيين مدع خاص للتحقيق فيمن قام بالتسريب. جوديث كانت من الصحافيين الذين عرفوا إسم هذه العميلة في موضوع كانت تعده، لكنها لم تنشره قط، ورغم ذلك خضعت لتحقيق المدعي العام، الذي طالبها بالكشف عن المصدر الرسمي الذي تحدث لها عن إسم العميلة، لكنها رفضت إحتراما لمبدأ صحافي أخلاقي بعدم الكشف عن مصادر الأخبار الا بموافقتها. وبما انها تخضع لتحقيق قضائي فقد أتهمت بتعويق العدالة وحكم عليها بالسجن، وبالفعل إستنفذت كل مراحل التقاضي ودخلت الى السجن لتقضي فيه (85) يوما دفاعا عن حق الصحافة في حماية مصادرها. وأفرج عنها بعد أن أحلها ليبي من وعدها له ومن ثم أفضت للقاضي بإسمه. لم تهلل «نيويورك تايمز» لجوديث ميللر، بعد الإفراج عنها، كونها بطلة من أبطال حرية الصحافة، وإنما قامت بتكليف فريق خاص برئاسة أحد نواب مدير التحرير للتحقيق في هذه الحالة تحديدا وفي موضوعات أخرى تتعلق بكتاباتها حول أسلحة الدمار الشامل وكيفية إدارة التحرير لمسؤولياتها. أعد الفريق تحقيقا معمقا من (6200) كلمة، أي سبعة أضعاف حجم هذا المقال، وتحدث عن سلسلة الأخطاء التي أرتكبتها جوديث ميللر خاصة في جوانب التعامل مع المصادر التي لا ترغب في الكشف عن نفسها، مثل الإشارة الى سكوتر ليبي في مذكراتها على انه مصدر في الكونجرس بينما هو في الإدارة التنفيذية، وهذا خطأ مهني أخلاقي لأنه يعتبر تضليلا للقارىء، وكذلك الأخطاء التي وقعت فيها إدارة التحرير بعدم التدقيق والمراجعة. ثم عقب المحرر العام، الذي يعتبر عين القراء داخل الصحيفة وكتاباته ليست خاضعة لرقابة أية جهة حتى رئيس التحرير، قائلا انه لا يرى مستقبلا لجوديث ميللر في الصحيفة. وفعلا تم التوصل معها الى اتفاق تترك فيه الصحيفة بعد مشوار مهني متميز حصلت فيه حتى على جائزة بوليتزر، وهي أرفع جائزة أمريكية تعطي لصحافي. مناسبة هذا الحديث ما شهدته الصحافة السودانية الأسبوع الماضي من مواجهة مع الشرطة بسبب قضية التسريبات الخاصة بإحالة بعض قيادات الشرطة الى التقاعد. فالى جانب التغطية المكثفة لما حدث، الا ان الجانب الخاص بالأداء الداخلي وكيفية ضمان عدم تكرار مثل هذا الوضع مستقبلا لم يرشح عنه شىء عدا نشر تصحيح للخبر، وهذا هو الأساس في التأسيس والحفاظ على المصداقية التي هي رأسمال الصحافي ومؤسسته. ويلاحظ بداية ان خطوة «النيويورك تايمز» جاءت من الصحيفة نفسها ولم تكن نتيجة لتدخلات من إتحاد الصحافيين او إستجابة لمتطلبات ميثاق الشرف الصحافي، وإنما إستشعارا لمسؤولية داخلية وتلبية لإستحقاقات المهنة وحقها على قرائها. الملاحظة الثانية والمهمة ان الصحيفة لم تكتف بإجراءات داخلية للتحقيق وتعديل الوضع وإنما عملت على إشراك جمهرة القراء من خلال نشر الموضوع في الصفحة الأولى مع بقيته في الصفحات الداخلية. ثالثا: ان تاريخ جوديث ميللر ومسيرتها المهنية الحافلة عبر (2 عاما قضتها في الصحيفة لم تشفع لها عند إرتكاب أخطاء مهنية. فالتحدي الصحافي وهو تحد مستمر يوميا لا يقبل العيش على انجازات الماضي. رابعا: ان الصحافة الأمريكية ورغم تاريخها الطويل والإمكانات المتاحة لها وحقوقها المكفولة دستوريا تظل مواجهة بمتاعب خارجية وداخلية. فالقانون، بغض النظر عن الوضع السياسي القائم، لا يعطي الصحافيين أو أية مهنة أخرى مرتبة تميزهم عن بقية المواطنين، لذا أعتبرت جوديث ميللر معوقة للعدالة وسيقت الى السجن. لكن رغم الأخطاء التي أرتكبت فأن النظام الداخلي يسمح بالمراجعة وتسليط الضوء على الأخطاء ومن ثم تصحيحها. ثم ان مثل هذه الخطوة لا تتطلب إمكانات ولا خبرات و لاحماية دستورية. ان أخذ النفس بالشدة في هذا المجال يبدو مطلوبا لسببين أساسيين أولهما: ان الجسم الصحافي اذا لم يرتب أموره نفسه بأن يفتح الباب أمام جهات أخرى للقيام بهذه المهمة تحت مختلف الذرائع. فليس كافيا الإعتذار بعدم الوصول الى المصادر أو إتهام جهات في الشرطة بتسريب أخبار معينة خدمة لأجندة ما، لأن مهمة الصحافي الإستيثاق والسعي ما أمكن للوصول الى الحقيقة. فالحراك السياسي الكبير الذي يعيشه السودان يجعل من التسريبات ممارسة عادية والصحافة المسؤولة والمهنية لا تقع في مثل هذا الفخ وهناك آليات معروفة للتعامل مع هذا الوضع خاصة والخبر الذي لا يستند الى مصدر محدد تتحمل فيه الصحيفة مسؤولية أكبر. أما الجانب الثاني فهو ان الصحافة التي تطالب الأحزاب والدولة بترتيب أمورها والتصرف بمسؤولية تحتاج هي نفسها أن تضع موضع التنفيذ ما تنصح به الآخرين.


http://www.rayaam.sd/Raay_view.aspx?pid=101&id=5832
______________

Post: #593
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 10:08 PM
Parent: #592

قثحثشفثي

Post: #594
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 10:09 PM
Parent: #593


الاغتيالات في ذاكرة السياسة السودانية

تقرير: عوض جاد السيد
أحس ضابط الأمن أن وراء الرسالة التي التقطها أمر خطير، فقد كانت كلماتها مقتضبة غامضة «العصفورة فوق النخلة على ضفاف النيلين» ولم تكن العبارة سوى شفرة تنفيذ عملية أيلول الأسود، كانت الجملة عبارة عن مكالمة بين افراد الجماعة المنفذة للجريمة.. ورغم ان ضابط الامن احس بخطورة المكالمة الا انه لم يفطن الى ان العصفورة كانت تعني الاشخاص المستهدفين، اما النخلة على ضفاف النيلين فكان المقصود بها سفارة السعودية في الخرطوم.. والى حين فك شفرات الجملة كانت جماعة ايلول الاسود قد نفذت عمليتها الشهيرة. ويقول مراقبون معاصرون لتلك الأحداث أن السودان ظل لفترات طويلة من تاريخه يمثل القطر الآمن من حوادث الإغتيالات ذات الطابع السياسي المنتشر في كثير من بلدان العالم ، ولذلك يذهبون الى ان التأريخ للاغتيالات السياسية بحادثة جماعة أيلول الأسود غير دقيق، فيذكر الصحافي المعروف الاستاذ محمد سعيد محمد الحسن في وقت سابق على صفحات «الرأي العام» أن أول محاولة إغتيال سياسي ناجحة في السودان كانت في العام 1968م، حيث أغتيل وليم دينق مؤسس حزب سانو الجنوبي «وهو من القيادات التي إستجابت لنداء ثورة اكتوبر للعودة والحوار وإشترك بفاعلية في مؤتمر المائدة المستديرة الذي اعترف بالفوارق بين الشمال والجنوب ووصل لصيغة أن يحكم الجنوب حكماً إقليمياً، ولكن ربما لم تعجب مشاركته هذه آخرين فجاء إغتياله في تلك الاثناء حيث أتهم خصومه بتدبير حادث الإغتيال». ويضيف البعض الى القائمة حادثة إغتيال عناصر أريترية في السبعينات تمت ايضا داخل الأراضي السودانية.. شبهات ويدرج بعض المراقبين اعدام محمود محمد طه على أنه لا يقل عن الإغتيال السياسي، ويصفون عدم محاولة إسعاف الإمام الهادي الذي كان ينزف لفترة طويلة قبل أن يفارق الحياة بذات الوصف، وكما يضمّن البعض الحادثة التي أودت بحياة النائب الاول لرئيس الجمهورية السابق زعيم الحركة الشعبية د. جون قرنق في ذات الخانة «خاصة بعد الجدل الكثيف الذي اثير آخيراً، واعتزام الحركة فتح ملف التحقيق في وفاته وتشكيك عدد من قادتها في تقرير لجنة التحقيق» وكان د. قرنق المثير للجدل حيا وميتا قد نجا من عدة محاولات أهمها تلك التي كانت في مدينة بور من حرسه الخاص العام 1988م وبعدها قام بتغيير حرسه وجاء بفريق حراسة من أبناء النوبة مات أحدهم واسمه جمعة معه في حادث الطائرة الكارثة. ويشير المراقبون إلى أنه كان من أكثر السياسيين تشديدا لحراسته الشخصية ربما لشعوره بأنه مستهدف من خصومه. ولا تبدو بعيدة عن القائمة الطريقة التي أغتيل بها صاحب صحيفة «الوفاق» الصحافي محمد طه محمد أحمد، اذ يشير البعض الى ان السياسة ليست بعيدة عنها، وتتشابه طريقة الاغتيال لمحمد طه على نحو ما مع ما حدث لمكي مؤسس جريدة «الناس» الذي أختطف العام 1969م وان اختلفت طريقة القتل، فد تحدثت انباء عن تذويب جثة مكي الناس في براميل من الاحماض. حاولات واوضح محمد سعيد في إفاداته تلك أن محاولات اخرى سبقت تلك التي نفذت وأودت بحياة المستهدفين، ومنها المحاولة التي تعرض لها الزعيم إسماعيل الازهري من أحد المعتوهين حين حاول الهجوم عليه بآلة في مطلع العام 1958م أثناء جولة له في قرية بالقرب من القضارف. ويقول سعيد أن الأزهري «الذي كان في منتهي الهدوء والسكينة حينها» شدد على عدم ذكرالحادثة. ويروي التاريخ أن فترة حكم رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي في النصف الثاني من الثمانينات شهدت حادثة أعتبرت الأشهر في التاريخ السوداني وهي إغتيال معارض نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين المرجع الشيعي مهدي الحكيم بفندق هيلتون الخرطوم. ورغم أن السودان وفقا للتأريخ ولإفادات الكثيرين لم يشهد لجوء خصوم السياسة والحكم إلى إراقة الدماء لإزاحة بعضهم البعض، إلا أن قدامى الصحافيين يؤكدون ان فترة الحكم المايوي شهدت محاولات فاشلة إستهدفت واحدة منها الرئيس الأسبق جعفر نميري وتم تجنيد ضابط برتبة رائد للقيام بها في القيادة العامة، ولكن عندما حانت لحظة التنفيذ مساء الخميس الرابع من سبتمبر العام 1975م كان نميري خارج القيادة العامة محتفلاً بوفد شركة شيفرون مع وزير الصناعة وقتها الدكتور بدر الدين سليمان «بحسب الرواية». ويقال ان محاولة إغتيال نميري تكررت في منطقة الجابر حين زار الجزيرة أبا، لكنه نجا منها بسبب الحماية التي وفرها له العميد أحمد أبو الدهب والرائد عثمان الامين. وعندما قامت حركة هاشم العطا في 19 يوليو أوكلت لحرس نميري مهمة إغتياله إلا ان التعليمات لم تنفذ في القصر الجمهوري الذي كان به نميري وكبار معاونيه ونفذت في بيت الضيافة فكانت نتيجة ذلك ما عرف تأريخيا بمجزرة بيت الضيافة. ويذهب عدد من الخبراء الأمنيين والسياسيين إلى أن الاغتيال السياسي ظاهرة لا توجد في السياسة السودانية ربما لطبيعة المجتمع المتسامحة، ولكنها حينما تحدث يكون الغالب ان منفذيها والمستهدفين فيها أجانب وكلها تمت بواسطة جهات ذات إرتباط وثيق بدول أجنبية.

http://www.rayaam.sd/Search_Result.aspx?pid=101&ser=%u0...+%u0637%u0647&type=1
_________________

Post: #595
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 10:10 PM
Parent: #594


الاغتيالات في ذاكرة السياسة السودانية

تقرير: عوض جاد السيد
أحس ضابط الأمن أن وراء الرسالة التي التقطها أمر خطير، فقد كانت كلماتها مقتضبة غامضة «العصفورة فوق النخلة على ضفاف النيلين» ولم تكن العبارة سوى شفرة تنفيذ عملية أيلول الأسود، كانت الجملة عبارة عن مكالمة بين افراد الجماعة المنفذة للجريمة.. ورغم ان ضابط الامن احس بخطورة المكالمة الا انه لم يفطن الى ان العصفورة كانت تعني الاشخاص المستهدفين، اما النخلة على ضفاف النيلين فكان المقصود بها سفارة السعودية في الخرطوم.. والى حين فك شفرات الجملة كانت جماعة ايلول الاسود قد نفذت عمليتها الشهيرة. ويقول مراقبون معاصرون لتلك الأحداث أن السودان ظل لفترات طويلة من تاريخه يمثل القطر الآمن من حوادث الإغتيالات ذات الطابع السياسي المنتشر في كثير من بلدان العالم ، ولذلك يذهبون الى ان التأريخ للاغتيالات السياسية بحادثة جماعة أيلول الأسود غير دقيق، فيذكر الصحافي المعروف الاستاذ محمد سعيد محمد الحسن في وقت سابق على صفحات «الرأي العام» أن أول محاولة إغتيال سياسي ناجحة في السودان كانت في العام 1968م، حيث أغتيل وليم دينق مؤسس حزب سانو الجنوبي «وهو من القيادات التي إستجابت لنداء ثورة اكتوبر للعودة والحوار وإشترك بفاعلية في مؤتمر المائدة المستديرة الذي اعترف بالفوارق بين الشمال والجنوب ووصل لصيغة أن يحكم الجنوب حكماً إقليمياً، ولكن ربما لم تعجب مشاركته هذه آخرين فجاء إغتياله في تلك الاثناء حيث أتهم خصومه بتدبير حادث الإغتيال». ويضيف البعض الى القائمة حادثة إغتيال عناصر أريترية في السبعينات تمت ايضا داخل الأراضي السودانية.. شبهات ويدرج بعض المراقبين اعدام محمود محمد طه على أنه لا يقل عن الإغتيال السياسي، ويصفون عدم محاولة إسعاف الإمام الهادي الذي كان ينزف لفترة طويلة قبل أن يفارق الحياة بذات الوصف، وكما يضمّن البعض الحادثة التي أودت بحياة النائب الاول لرئيس الجمهورية السابق زعيم الحركة الشعبية د. جون قرنق في ذات الخانة «خاصة بعد الجدل الكثيف الذي اثير آخيراً، واعتزام الحركة فتح ملف التحقيق في وفاته وتشكيك عدد من قادتها في تقرير لجنة التحقيق» وكان د. قرنق المثير للجدل حيا وميتا قد نجا من عدة محاولات أهمها تلك التي كانت في مدينة بور من حرسه الخاص العام 1988م وبعدها قام بتغيير حرسه وجاء بفريق حراسة من أبناء النوبة مات أحدهم واسمه جمعة معه في حادث الطائرة الكارثة. ويشير المراقبون إلى أنه كان من أكثر السياسيين تشديدا لحراسته الشخصية ربما لشعوره بأنه مستهدف من خصومه. ولا تبدو بعيدة عن القائمة الطريقة التي أغتيل بها صاحب صحيفة «الوفاق» الصحافي محمد طه محمد أحمد، اذ يشير البعض الى ان السياسة ليست بعيدة عنها، وتتشابه طريقة الاغتيال لمحمد طه على نحو ما مع ما حدث لمكي مؤسس جريدة «الناس» الذي أختطف العام 1969م وان اختلفت طريقة القتل، فد تحدثت انباء عن تذويب جثة مكي الناس في براميل من الاحماض. حاولات واوضح محمد سعيد في إفاداته تلك أن محاولات اخرى سبقت تلك التي نفذت وأودت بحياة المستهدفين، ومنها المحاولة التي تعرض لها الزعيم إسماعيل الازهري من أحد المعتوهين حين حاول الهجوم عليه بآلة في مطلع العام 1958م أثناء جولة له في قرية بالقرب من القضارف. ويقول سعيد أن الأزهري «الذي كان في منتهي الهدوء والسكينة حينها» شدد على عدم ذكرالحادثة. ويروي التاريخ أن فترة حكم رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي في النصف الثاني من الثمانينات شهدت حادثة أعتبرت الأشهر في التاريخ السوداني وهي إغتيال معارض نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين المرجع الشيعي مهدي الحكيم بفندق هيلتون الخرطوم. ورغم أن السودان وفقا للتأريخ ولإفادات الكثيرين لم يشهد لجوء خصوم السياسة والحكم إلى إراقة الدماء لإزاحة بعضهم البعض، إلا أن قدامى الصحافيين يؤكدون ان فترة الحكم المايوي شهدت محاولات فاشلة إستهدفت واحدة منها الرئيس الأسبق جعفر نميري وتم تجنيد ضابط برتبة رائد للقيام بها في القيادة العامة، ولكن عندما حانت لحظة التنفيذ مساء الخميس الرابع من سبتمبر العام 1975م كان نميري خارج القيادة العامة محتفلاً بوفد شركة شيفرون مع وزير الصناعة وقتها الدكتور بدر الدين سليمان «بحسب الرواية». ويقال ان محاولة إغتيال نميري تكررت في منطقة الجابر حين زار الجزيرة أبا، لكنه نجا منها بسبب الحماية التي وفرها له العميد أحمد أبو الدهب والرائد عثمان الامين. وعندما قامت حركة هاشم العطا في 19 يوليو أوكلت لحرس نميري مهمة إغتياله إلا ان التعليمات لم تنفذ في القصر الجمهوري الذي كان به نميري وكبار معاونيه ونفذت في بيت الضيافة فكانت نتيجة ذلك ما عرف تأريخيا بمجزرة بيت الضيافة. ويذهب عدد من الخبراء الأمنيين والسياسيين إلى أن الاغتيال السياسي ظاهرة لا توجد في السياسة السودانية ربما لطبيعة المجتمع المتسامحة، ولكنها حينما تحدث يكون الغالب ان منفذيها والمستهدفين فيها أجانب وكلها تمت بواسطة جهات ذات إرتباط وثيق بدول أجنبية.

http://www.rayaam.sd/Search_Result.aspx?pid=101&ser=%u0...+%u0637%u0647&type=1
_________________

Post: #596
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 10:11 PM
Parent: #595


مقالة الدكتور كمال حنفي بـ «الرأي العام».
كتب الدكتور حنفي - وهو من الإسلاميين- عن اغتيال الأستاذ/ محمود محمد طه قائلاً:
«... الحركة الاسلامية كانت هي القوة الفكرية الوحيدة التي وقفت معنوياً وسياسياً مع الحكم على محمود مع انها كانت من أوائل المتأذين من المحاكم السياسية في السودان وفي غير السودان... شهادات بعض الشهود التاريخيين أن محمود أعدمه قضاته «العلماء».. معنى ذلك ان محموداً أعدمه «العلماء»، لكن لايحدث ذلك إلا بالمناخ السياسي.. محمود محمد طه أعدمته السياسة مثله مثل سيد قطب وباقر الصدر وعباس برشم وعبد الخالق محجوب.
على الحركة الاسلامية وهيئة علماء السودان ألا يشغلا بالهما بالتفكير في إرسال برقية احتجاج لجاك شيراك لأنه «حرّم» غطاء الرأس على المسلمات بفرنسا، ولكن عليهما ارسال برقية احتجاج لضميرهما في الوقوف ضد المحاكم السياسية بالحجج حينما تصادم مزاجاً سياسياً والوقوف المساند لها بتطويع نفس الحجج إذا حدثتهم نفسهم الأمارة بالسياسة!
إن مرور تسعة عشر عاماً على إزهاق نفس قالت لا اله إلا الله دون ابداء مشاعر التوبة معناه قتلنا للناس جميعاً.. كي نستوعب صرعى المحاكم السياسية على مدار التاريخ السوداني الحديث معناه أن نتخيلهم جميعاً كانوا من ركاب الخطوط الجوية السياسية وهوت بهم في عباب البحر الأحمر!.. توبوا عن المحاكم السياسية فهي حمَّالة أوجه.. العبارة السابقة لقيناها مسجلة داخل الصندوق الأسود لطائرة الخطوط الجوية السياسية المحطمة!!»
_________________

Post: #597
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 10:17 PM
Parent: #1


متــــى يتدبــــرون؟
عصام صديق

في تعقيب لم ينشر على مطالبة الأستاذ عثمان ميرغني للإنقاذ بالتحقيق في محاولة اغتيال الرئيس المصري قلنا بالحرف الواحد (إن المطلب يعبر عن صوت الشعب السوداني المسالم، الذي لا يعرف الغدر ولا الاغتيال، فهو شعب متدين لا يقر اخذ القانون باليد ولا قتل النفس التي حرم الله قتلها الا بالحق). المصيبة ان هناك بعض السياسيين يؤمنون بمفاهيم مخالفة للدين جذورها حديثان (من بدل دينه فاقتلوه)، (ومن رأى منكم منكراً فليغيره بيده)، وآية (ومن لم يحكم بما انزل الله)، ولهذا ايدوا اعدام نميري للأستاذ محمود محمد طه (وإن ارتد)، وأيدوا محاولة اغتيال الرئيس المصري. وفي تقديري ان الترابي وجماعته كانوا وما يزالون (عدا الترابي وقلة مؤخراً)، لكنه لم يطالب بإلغاء عقوبة الردة من القانون الجنائي الذي ساهم في وضعه) يحملون تلك المفاهيم.. واليوم يعيد التاريخ نفسه، ويبدأ مسلسل تكفيري ضد الشيخ نفسه، وفي ظل استمرار الهجران الكبير لمعاني ومقاصد القرآن الكريم، قد يقود الى ان يشرب من نفس الكأس التي ساهم هو على الأقل سكوتياً في صنعها، وراح ضحية لها الأستاذ محمود محمد طه قبل عقدين من الزمان بعد تجاوزه هو ايضاً السبعين!.


الاختلاف الوحيد لمناخ اليوم عن سابقه الذي ارتكبت فيه جريمة قتل المرتد محمود هو ان الدستور الانتقالي يبيح حرية تبديل الدين. الا ان القانون المخالف للدستور، هو نفس القانون الذي اعدم بموجبه محمود. ورئيس الجمهورية ونائباه في موقف لا يحسدون عليه، فالجماعات التي نصبت نفسها مفسرة وحامية للعقيدة الإسلامية تضغط وتحرض وتتوعد لإقامة حد الردة على الشيخ، ومجمع الفقه الإسلامي التابع لرئاسة الجمهورية يصدر الفتاوي المؤيدة لتكفير الشيخ.. ومن ناحية ثانية رفع اكثر من حزب ومفكرون مذكرة لرئيس الجمهورية، اهم ما فيها تعديل تلك المادة التي تعدم المرتد عن الدين الإسلامي، وبالتالي قد تقطع الطريق على مرامي الجماعات التكفيرية.

وفي هذا المقال لن نتعرض الى آراء الترابي، وهل هو مرتد؟ ام غير مرتد عن الدين الإسلامي؟ ولسنا مؤهلين لذلك. المؤسف ان الترابي خصم سياسي لتلك الجماعات، ولذلك تظل شبهة رغبة تلك الجماعات في اختفائه عن الساحة السياسية قائمة. ولذلك فإنني اناشدهم بأن يعودوا الى القرآن الكريم ليكون حكماً بينهم وبين الترابي بالحق، وليدخروا لذلك المؤهلين لإصدار الفتاوي وشرطها - كما يقول البروفيسور ابراهيم احمد - توفر الخبرة والشرع. والخبرة هي بنص القرآن (وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق..) الفرقان: 20، اي المهنية في شتى ضروب الحياة والمعرفة. وأذكرهم فإن الذكرى تنفع المؤمنين بقوله تعالى (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) محمد: 24، وقوله تعالى ( وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً) الفرقان: .30

ترجع مناشدتنا للإسلاميين والعلماء والفقهاء لتدبر معاني القرآن حول الحرية الدينية الى ثمانينيات القرن الماضي بعد اعدام النميري للأستاذ محمود محمد طه، حين اقترحنا (حكم الردة في الإسلام) موضوعاً لبحث بكالريوس التخرج لطالبة السنة النهائية للدراسات الإسلامية عواطف احمد صالح، (ام العيال) بجامعة ام درمان الإسلامية، التي ارسلت استبياناً الى اثني عشر عالما ومفكرا وفقيها، منهم الترابي، الصادق المهدي، ابن باز، شيخ الأزهر والشعراوي. شمل الاستبيان الإجابة على سؤال (ما حكم المرتد في القرآن الكريم؟). ولكن للأسف لسبب ما لم تصل إليها اجابة من اي من هؤلاء، وحصل البحث على درجة الامتياز عام .1986 ومما جاء فيه: (انه لا يوجد نص بقتل المرتد في الدنيا في القرآن الكريم)، وأرسل البحث الى رئيس الوزراء آنذاك السيد الصادق المهدي الذي ايد ما جاء فيه، وبموجب ذلك ارسل كاتب هذا المقال خطابا الى النائب العام عام 1988 د.حسن الترابي في ذلك الوقت، مطالباً بإلغاء مادة عقوبة الردة من مسودة القانون الجنائي. سلم الخطاب الى الأستاذ حافظ الشيخ الزاكي لتسليمه الى النائب العام؛ الترابي، ولكن لم يصل رد يفيد الاستلام او التعقيب، ولم نسقط مادة عقوبة الحد من القانون الجنائي، وبقي كما اجازه النميري. وعندما اعدم محمود كان الترابي مستشاراً ممثلاً لجماعته التي صالحت النميري وشاركته الحكم.

لم تقف محاولاتنا لإلغاء المادة (126) لمخالفتها الشريعة الإسلامية، عند ذلك الحد، وإنما استمرت المحاولة الى عهد الإنقاذ. فقد حصلت على كتاب محمد منير ادلبي بعنوان (قتل المرتد الجريمة التي حرمها الإسلام) عام 2004، ويا سبحان الله جاء مطابقاً لكثير مما جاء في بحث السيدة عواطف احمد صالح، المشار اليه اعلاه، ولكن بتوسع كبير وإضافات وأدلة من الكتاب والسنة، وتم تسليمه الى سكرتارية البروفيسور احمد على الإمام، مستشار الرئيس لشؤون التأصيل، ليتم التداول حوله بمجمع الفقه الإسلامي، وأعيد لي الكتاب دون تعليق من سكرتارية البروفيسور، ثم سلم الكاتب الى الأستاذ عبد الجليل النذير الكاروي ليعلق عليه.. واليوم مضى على ذلك اكثر من عام ولم نسمع تعليقاً من الأستاذ على حكم الردة في القرآن.

ثم اقام ملتقى السلام الذي يرأسه كاتب المقال، سمناراً بعنوان (الحرية الدينية والدستور الانتقالي) في قاعة الشارقة مطلع هذا العام شارك فيه كل من الإمام الصادق المهدي، الدكتور الحبر يوسف نور الدائم، الحاج وراق ود.صبحي فانوس، وغاب عنه كل من الشيخ حسن الترابي والدكتور بيتر نيوك. وجه للمتحدث سؤالاً عن حكم المرتد في الإسلام ومدى مخالفة المادة (126) للدستور الانتقالي، ترك لهم حق الامتناع عن الإجابة، وقد فعلوا سوى الحاج وراق، الذي رفض حدة الردة. في تقديري ان هذا الأمر يضع حداً فاصلاً بين الحرية الدينية وعدمها في الإسلام، ولذلك لن نمل مناشدة الخبراء والدعاة ان يقودوا حملات كبرى لوقف الهجران الكبير الذي يتعرض له القرآن الكريم، بتدبر معانيه بعمق شديد ومستمر وجماعي لا فردي، ولا اعنى بالطبع هجر الحفظ والتجويد، فنحن اليوم احوج لهذه الحملة من اصدار فتاوي التكفير، وهل الترابي مرتد أم غير مرتد.. اذا كان السلف من الخلفاء الراشدين مثل الخليفة العادل عمر بن الخطاب كانوا محتاجين لمن يذكرهم بتأمل آيات الله البينات وفي وقت لم يمضِ عليه سوى سويعات على انتقال المصطفى (ص) الى الرفيق الأعلى، اي على ايام دولة المدينة ودولة القرآن، حتى ابن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه كان محتاجاً للتذكير، حين استل سيفه يريد اخذ القانون بيده لتنفيذ حد الردة في من نقلوا - فقط - خبر موت محمد (ص)، قائلاً: (من يقل ان محمداً قد مات حسوت رأسه بهذا السيف!) فانبرى له الرئيس الحاكم القائد الخليفة الأول لرسول الله (ص) ابوبكر الصديق، ثاني اثنين في الغار، مذكراً له بالقرآن، الذي هجره عمر بن الخطاب في تلك اللحظة العصيبة التي تلت موت رسول الله (ص)، مردداً قوله تعالى (ايه اسميها؟ اليوم وفي هذه اللحظة التي اكتب فيها هذا المقال، اسميها ايه: الحرية الدينية): (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً) آل عمران: ..144 تعالوا تندبر هذه الآية سوياً. أولاً: هذه آية للإعجاز القرآني، فقد نزلت بالطبع قبل قصة سيدنا عمر بن الخطاب حين انتقل المصطفى (ص) للرفيق الأعلى. ثانياً: الله سبحانه وتعالى لم يشأ ان يكشف لعباده كيفية انتقال المصطفى اليه، ولذلك وضع الاحتمالين لانتقال اي شخص: الموت او القتل. ثالثاً: الجزء الأول من الآية يخاطب عمر بن الخطاب وكل من يحاول اخذ القانون بيده، انه حتى لو قتل الرسول (ص) فلا تبيح لك تلك الجريمة ان تنفذ انت بيدك كمواطن غيور على العقيدة والدين عقوبة القتل على من يقتل شخصاً، ولو كان ذلك الشخص هو اعظم البشر محمد (ص). ولذلك فإن قتل خالد الإسلامبولي للسادات جريمة حسب نص هذه الآية العظيمة التي ذكر بها الخليفة الأول في الإسلام ابن الخطاب وسائر المسلمين الى يوم الدين.. لا اظن ان الإسلامبولي ولا الذين خططوا معه، ولا الذين حاولوا قتل الرئيس المصري حسني مبارك قد تدبروا وأمعنوا النظر في تلك الآية ولم يجلسوا للنظر في مغزى تلك الحادثة الأولى بعد انتقال الرسول (ص) الأمر الرابع لتلك الآية هو ان الجزء الأخير منها يقول بحرية تبديل الدين (..ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً.. الآية). ماذا يضير الإسلام لو ارتد محمود محمد طه أو ارتد الترابي؟ كم عدد الذين يدخلون في دين الله أفواجاً كل يوم؟ وكم عدد الذين يرتدون؟ لا تقولوا إن شيخ الترابي كبير يؤثر في الكبار أو الشباب بأفكاره ولذلك ينبغي ان تحرق كتبه! تدبروا قوله تعالى في شأن الفتن التي قد يجرها المرتد: (... آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون) سورة آل عمران: 72، وهي نزلت في اليهود، كانوا يخططون - كدأبهم- لفتنة المسلمين عن دينهم، يؤمنون او النهار ليجالسوا المسلمين ثم يرتدون آخر النهار، عل المسلمين يرتدون مثلهم (لعلهم يرجعون..) الآية. رغم ذلك لم ينفذ فيهم المصطفى (ص) حد الردة المزعوم، رغم تخطيطهم الواضح لفتنة المسلمين، فما بال عمر البشير يستجيب لنداءاتكم المخالفة للكتاب والسنة الصحيحة المفسرة له.. وتدبروا علمائنا الأجلاء قوله تعالى (.. وكانوا شيعاً لست منهم في شئ إنما أمرهم إلى الله..الآية) الأنعام: 159، و(من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه..) المائدة: 54، و(ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة) البقرة:..127 وغيرها من الآيات البينات التي لا يسع المجال لذكرها كلها، وأضعف الإيمان أن تقرأ هذه الآيات باستصحاب قاعدة (الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة)، فإن نجا المرتد من العقوبة الدنيوية بسبب العفو فلن ينجو من عذاب الآخرة..

إن كان الترابي، أو محمود من قبله مرتداً، فحسابهم على الله بنص القرآن، (لست عليهم بمسيطر × إلا من تولى وكفر × فيعذبه الله العذاب الأكبر× إن إلينا إيابهم × ثم إن علينا حسابهم) الغاشية: 22- .26 فالإنسان حر فيما يعتقد دنيوياً دون ان يجرح مشاعر المؤمنين أو أي شخص بالسباب أو السخرية من أي دين، كما فعل سفهاء الدنمارك مؤخراً. المطلوب اليوم تدبر القرآن أكثر من الجدال في الفتاوي غير المرتبطة بالقضايا الرئيسية التي تواجه العالم اليوم والغد، مثل أزمة الطاقة بارتفاع أسعار النفط لأكثر من 75 دولارا للبرميل والذي يصادف الذكرى العقدية الثانية لكارثة مفاعل شرنوبل النووي، وتهديدات مجلس الأمن لإيران واعتراضات رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية، لنية ايران مساعدة السودان للتوليد الكهربائي النووي وتوليد البرازيل 40% من كهربائها من الكتلة الحية، كأنهم تدبروا قوله تعالى: (الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً) يس: ...80 قضايا أمراض العصر وتلوث الغذاء والبيئة والفقر والحلول القرآنية لها كقوله تعالى: (كلوا من طيبات ما رزقناكم) البقرة: .57
[email protected]


http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147505003&bk=1

Post: #598
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 10:19 PM
Parent: #597


مبروك عُنيدة
د.كامل إبراهيم حسن
اليوم الأربعاء الثامن من نوفمبر أُعلن رسمياً فوز دانيال أورتيقا كرئيس واعتلاؤه سدة الحكم في نيكاراغوا للمرة الثانية بعد أن فارق السلطة لمدة ستة عشر عاماً... عن طريق الثورة العسكرية أطاح دانيال أورتيقا وزملاؤه بحكومة الدكتاتور سموزا وقاتلوا جماعة الكونترا المدعومة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية سنين عددا.. ورغم الانتصارات العديدة التي سجلتها قوات الساندنستا الثائرة علي قوات الكونترا العميلة إلا أن هذه الأخيرة نجحت في فرض جو الحرب على البلاد وبالتالي لم تجد الثورة الوقت والهدوء الكافيين لتنفيذ برامجها الإصلاحية الهادفة الى تحسين حياة المواطن البسيط.. لإيقاف نزيف الدم المتواصل اقترح بعضهم وضع السلاح والاحتكام لصناديق الاقتراع الشىء الذي وافق عليه الساندنستيون فدماء مواطنيهم غالية عليهم وتعني بالنسبة إليهم الشيء الكثير.. جاءت النتيجة لغير صالح الثوار ولكن ذلك لم يمنع أورتيقا ورفاقه قبول النتيجة ولسان حالهم يقول: نحن نرضى بالنتيجة ما دام ذلك هو خيار الشعب الذي نناضل من أجله..

صبر أورتيقا ورفاقه وصاروا يتعلمون من شعبهم ويعملون في إصرار لرفع الوعي الإجتماعي وسط الشرائح الفقيرة بصورة خاصة ليقطفوا ثمرة نضالهم أخيراً ويرجع أورتيقا على أكتاف الجماهير وعن نفس طريق الصناديق الانتخابية التي لم يحالفه الحظ فيها من قبل.. وهكذا ينضم دانيال أورتيقا الى مجموعة كاسترو وشافيز وغيرهما من باقة التقدميين فواحة العبير لتقوى بذلك شوكة البلدان التي رفضت الخنوع والخضوع لغطرسة اليانكية من رعاة البقر، وأرادت أن يكون القرار في بلدانها في يد أبنائها ليدافعوا عن مصالح شعوبهم، ولا بأس إن توافقت تلك مع مصالح الولايات المتحدة على أن تكون العلاقة مبنية على أساس التوافق والندية واحترام المصالح المُشتركة.

طربت عند سماع فوز أورتيقا وتلفتّ وقلت في سري: من استدعي اليوم ليشاركني هذه البهجة؟ وعندها قفز الى ذهني اسم الزميلة عُنيدة مرسيدس بنز النيكاراغوية ذات الأصول الألمانية والتي كانت الصديقة الحميمة لأغلبية السودانيين ولكنها تخص الأخ د.بشير حسن موسى - رحمه الله - بمودة خاصة.. كانت عُنيدة تعتقد أن السودان هو القطر الأول المرشح لبناء الاشتراكية من بين كل بلدان أفريقيا، وذلك لأن السودانيين - حسب رأيها - من أكثر شعوب العالم الثالث وعياً اجتماعياً وسياسياً وثقافياً.. وأقول لها: عزيزتي عنيدة.. لقد طاش سهمك.. فنحن - كما قال الأستاذ الشهيد محمود محمد طه - شعب عملاق ولكن ونتيجة حظنا العاثر لا يحكمنا إلا الأقزام، وصار حالنا وكأننا مربوطون في رأس مسمار (قلووز) كر الأيام يزيدنا غوصاً في أوحال التخلف والتشتت.

عُنيدة من أصول ألمانية - كما ذكرت سابقاً - ولذلك كنت أمازحها سائلاً: أصحيح أن مارسيدس بنز صاحب سيارات المرسيدس المشهورة جدك؟ وكانت ترد بنفس الروح قائلة: هذا صحيح غير أن والدي خُيّر بين الوقوف مع الجماهير الفقيرة وبين الانضمام الى نادي الرأسماليين مصاصي الدماء فصاح بأعلى صوته: أنا مع الأغلبية.. وبذلك حرمنا من الفخفخة وخيرات الدنيا.. ونضحك معاً.. تحياتي يا عُنيدة أين كنتِ وألف مبروك.

د.كامل إبراهيم حسن

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147512910&bk=1

Post: #931
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-06-2008, 00:50 AM
Parent: #598


بسم الله الرحمن الرحيم
ثورة رفاعة 1946
التاريخ بين المثقفين المصريين والمثقفين السودانيين

ان الأمم تهتم بتاريخها، وتاريخ عظمائها، وترصد الأحداث التي مرت بها، وتجعلها حية، في عقول، وقلوب، ابنائها وبناتها كي تهتدي بها في حاضرها وتخطط عبرها لمستقبلها.
لقد لفت نظري، البون الشاسع، بين المثقفين السودانيين، والمثقفين المصريين، في اهتمامهم بتاريخ بلادهم، وموقفهم منه، واهنمامهم بالرواد الذين صنعوا ذلك التاريخ فقد وجدت المصريين- وكثيرون غيرهم- يهتمون اهتماماً بالغاً بتاريخ بلادهم، واحداثه ورجاله.. يخلدونه، وينشرونه من خلال البحث العلمي الجاد، ومن خلال العمل الفني الرفيع، حتى يظل حيا في وجدان الأمة.. أقول هذا، وأنا قد تابعت، هذه الأيام، مسلسلا مصريا حول حياة وافكار " قاسم أمين".. والمسلسل لايؤرخ لقاسم أمين فقط ، وإنما لكل الزعماء والمفكرين، والساسة، الذين عاصروه، على مختلف مشاربهم، وأفكارهم .. وهؤلاء مثل: الشيخ المجدد محمد عبده، والمفكر لطفي السيد، والزعيم سعد زغلول والرائد الوطني الكبير مصطفى كامل، والشعراء حافظ وشوقي، والرائد الاقتصادي طلعت حرب، الى آخر هؤلآء النفر الكرام، من رواد نهضة مصر الحديثة.. وكذلك يعرض هذه الأيام في العديد من القنوات المسلسل المصري: "فارس بلا جواد".. ومن خلال أحداث هذا المسلسل، أبرز المخرج أحداث قرية دنشواي المصرية في مواجهة الاستمار الانجلبزي، بصورة قوية مؤثرة، خصوصا المشهد الدرامي لاعدام بعض أفراد القرية على يد الانجليز- وهو مشهد استفاد فيه المخرج، من مشهد اعدام عمر المختار، في الفلم الذي صرفت ليبيا مبالغ هائلة لاخراجه، وتخليد سيرة بطلهاالعظيم، وقد اسندت البطولة في هذا الفلم للمثل العالمي الكبير"انطوني كوين" وقد استطاعت ليبيا عبر الفلم أن تجعل شخصية عمر المختار ونضاله، حيا، ليس في وجدان الشعب الليبي فقط، وانما في وجدان الشعوب العربية عامة.
ونحن لانجد حدثاً، أوشخصاً، في تاريخ مصر – منذ الفراعنة، وحتى ثورة يوليو – الا وقد قامت الجهات الرسمية والمثقفون، بابرازه، وتخلبده، من خلال الدراسة والنشر ومن خلال وسائل الاعلام المختلفة أو من خلال عمل فني، أونصب أوتسمية مرفق، أو شارع باسمه.. وما من زائر يزور وسط مدينة القاهرة الا ويطالعه طلعت حرب مثلاً، في تمثال أقيم له، في ميدان هام، سمي باسمه، وكذلك العقاد وكل الرواد، حتى شامبليون الأجنبي، خلدوه بتسمية شارع هام، في وسط القاهرة باسمه عرفاناً لما قام به من دور خطير في تاريخ مصر- وبهذه المناسبة.. ماذا فعلنا نحن بالدكتور هكوك؟!! الى اين انتهت قضية مقتله وأين أوراقه؟!!
وماذا فعل تلاميذه في مواصلة دراسته العلمية الجادة في تأصيل تاريخ السودان القديم؟ لو كنت، في مكان القرار بجامعة الخرطوم لقمت، على الأقل، بنسمية قاعة هامة من قاعات الجامعة باسم دكتور "هكوك" عرفاناً ووفاءاً، لوفائه.
عموما أنت لاتجد حدثاً أو شخصاً، له دور في تاريخ مصر القديم، أو الحديث والمعاصر، الا وتجدهم قد خلدوه من خلال عمل ما، لا يختلف في ذلك الزعبم الديني عن السياسي، أو الاقتصادي، أو الأديب والمفكر، والفنان.. حتى الشيخ الشعراوي المعاصر أخرجوا عنه مسلسلا، يعرض هذه الأيام تحت اسم "امام الدعاة " وهذا أمر ليس فاصرا على المثقفين المصريين، وانما تجد له ضريبا في معظم بلدان العالم.
فاين نحن من ذلك؟! ماهو دور الحكام، والمثقفين عندنا، منذ الاستقلال وحتى اليوم في هذا الصدد؟! لاشئ يذكر.. ان الكثير من المتعلمين عندنا يجهلون الرواد من الساسة والوطنيين، ومن رجال الدين والمفكرين، ومن الفنانين المبدعين.. فقل لي بربك كم من المتعلمين عندنا، سمع ـ مجرد السماع ـ بالمفكر والاديب الفذ معاوية نور؟! انا علي يقين من ان شخصية، مثل شخصية الشيخ بابكر بدري كرائد للتعليم وتعليم المرأة بالذات، لو كان مصريا، لخلدوه باكثر من عمل، خصوصا أن الرجل قد جعل الأمر ميسرا لذلك، بما كتب من مذكرات ضافية.
وليت الأمر وقف عند مثقفينا، عند مجرد السلبية، ولكنه، وبكل أسف وصل عند بعض، حد الجحود، وعدم الأمانة الفكرية، بسبب من العداوات الشخصية الضيقة أو بسبب السعي في التقرب الى جهات، يطمعون في التقرب اليها!! لقد وصل الأمر ببعض مثقفينا الى حد العمل على تشويه تاريخنا الناصع!! ولكن هيهات!! هيهات!!
ان مشكلة جنوب السودان، هي مشكلة السودان الأولى: كانت، ولا تزال .. وهي قد وجدت من كل حادب على مصلحة البلاد الاهتمام، والعمل الجاد، على ايجاد الحلول لها.. ولقد كان الأستاذ محمود محمد طه، على رأس من تصدوا لهذه المشكلة، قبل أن تتفاقم، وتصبح حرباً أهلية، لا زلنا نعاني من ويلاتها، حيث أصدر كتاب: "أسس دستور السودان" في عام 1955م.. ثم تناول القضية عبر تاريخ عمله العام الطويل، من خلال الخطابة، والكتابة المكثفة في الكتب والمنشورات، والى آخر منشور، حكم عليه بسببه نظام نميري بالاعدام، منشور:"هذا أوالطوفان".. فلا يستطيع أحد، أن يغفل دور الأستاذ محمود والجمهوريين في التصدي لقضية الجنوب.. ولكن أحد المثقفين، من أبناء الجنوب هو السيد أبيل ألير، كتب كتاباً ضخماً، عن مشكلة الجنوب، يتظلم فيه من نقض العهود.. ولم يفتح الله على أبيل، بكلمة واحدة يذكرها عن دور الأستاذ محمود والجمهوريين!! هذا مع أنه ذكر ادواراً لأفراد .. بل أنه ذكر حتى اصحاب الأدوار السلبية!! ومن المفترض في ابيل انه صاحب قضية حارة، وقد اكتوى بنار الظلم، فهو يأباه لنفسه، ولغيره..
وابيل رجل قانون، المفترض فيه أنه تثقف وتربى على العدل!! وهو ينعي على الآخرين نقض العهود فما باله هو، يعشى عن الوفاء للأوفياء؟!! هل يجهل ابيل دور الأستاذ محمود في قضية الجنوب؟!! هل لم يسمع بكتاب" أسسس دستور السودان"، وهو المثقف والسياسي صاحب القضية ؟!! هل لم يسمع بكتاب الجمهوريين "جنوب السودان المشكلة والحل" ؟! هل لم يسمع قط بأي منشور، أو محاضرة أو ركن نقاش تعرض فيه الجمهورين لمشكلة الجنوب؟! هل لم يطلع على المنشور الذي حوكم من اجله الأستاذ محمود؟! ان هذا امر مستحيل.. فقضية أبيل ليست قضية نقص معلومات.. اذن فما السبب؟! نترك الاجابة عليه لأبيل وللقراء..
وآخرون.. نفر من الأكاديميين، وضعوا كتابا في مقرر التاريخ للصف الثالث الثانوي: والكتاب في جملته عمل ركيك، لابمكن ان يجاز لو كان هناك قسم للمناهج له سلطة حقيقية، وملتزم بضوابط العمل الأكاديمي الصحيح، ومقتضيات وضع المنهج السليم.. أقل مايقال عن الكتاب أنه ليست فيه وحدة موضوع وانما نتف من هنا وهناك، ثم هو يقوم على ترتيب تاريخي معكوس لا يمكن أن يصدر عن اي شخص له علاقة بمادة التاريخ، فهو يبدأ باحداث في القرن العشرين، وينتهي في بابه الأخير، بحديث عن الحضارة الأسلامية التي تبدأ في القرن السادس الميلادي!! وهذه وحدها، كافية في أن تخرج الكتاب، من أن يكون عملا أكاديميا يستحق أن يقرر على طلاب.. ولكننا هنا، لسنا بصدد الحديث عن هذا المنهج فمثله كثير!! وانما اردنا فقط أن نشير البه في اطار حديثنا عن المثقفين السودانيين.. فقد تعرض الكتاب، في اطار حديثه عن الحركة الوطنية في الأربعينات لنشاة الأحزاب السودانية، ودورها في الحركة الوطنية.. وأورد أسماء أربعة عشر حزباً، منها مالم يعمر اكثر من عام، وطبيعي أن معظمها لم يكن له دور في الحركة الوطنية، بل ذكروا حزبا ليس له دور في الحركة الوطنية لأنه لم يكن موجوداً أساساً، فمددوا حديثهم ليشملوه بالذكر، وأعطوه مساحة أكبر من الأحزاب الأخرى، ولا يوجد أي سبب لذلك سوى أن يكون بعضهم ينتمون اليه أو يريدون التقرب الى من ينتمي اليه!! هؤلآء النفر لم يوردوا أي ذكر للحزب الجمهوري، ولو بمجرد ذكر اسمه ضمن الأحزاب التي نشأت في ذلك التاريخ ولا يمكن ان اتصور انهم يجهلون الحزب الجمهوري، وتاريخه الوطني، وهو الذي قدم أول سجين سياسي في الأربعينات، وأقلقت منشورات، وخطب كوادره مضاجع الأنجليز!! ولكنه الغرض، وانحرافات الأهواء.
وكل الذي ذكرناه، عن سلبية المثقفين، وعدم تقديرهم لتراثهم التاريخي، ولرواد الإصلاح، وعدم الأمانة الفكرية عند بعضهم، هو أقل سوءاً بكثير، من الدرك السحيق الذي انحدر اليه د. خالد المبارك وهو يتحدث عن ثورة رفاعة 1946م حديثا مسفا، لا علاقة له بالموضوعية، والأمانة الفكرية، اللتين ينبغي أن يتحلى بهما من يتصدى لتقويم أحداث التاريخ.

د.خالد المبارك وثورة رفاعة:
لقد تعرض د. خالد المبارك، لأحداث ثورة رفاعة 1946م في حديث له بجريدة الرأى العام بتاريخ 19/11/2002م، هبط فيه بدور المثقفين الى قاع، يصعب أن يجاريه فيه أحد .. فقد جاء حديثه، متحاملا مغرضا، يفتقر الى ابسط قيم الفكر الموضوعي الأمين.. فالموضوعية في ابسط صورها تقتضي ذكر الحقائق كماهي، ثم مناقشتها، لا تبديلها وعكسها، أو تحريفها.. ولكن لنرى، من اقوال خالد المبارك، ماذا فعل!! فقد جاء من أقواله من ذلك المقال: " لكن الأستاذ محمود محمد طه ارتكب عدة أخطاء تقديرية جسيمة. حدثت انتفاضة رفاعة- التي اشاد بها المتحدث- احتجاجاً على قرار الادارة الاستعمارية بمنع الخفاض الفرعوني. قيل للعامة: يريد الانجليز ان يتدخلوا في كل شئ حتى ..... بناتكم.. وفعلا ثار الناس حماية للشرف الرفيع، وكان على رأسهم الأستاذ محمود. كان موقفه متخلفاً ورجعباً، في مواجهة قرار تحديثي جرئ وسليم. انتفاضة رفاعة المزعومة ليست من مآثرنا في النضال ضد الاستعمار، بل هي من مخازينا، ويقع وزرها على الأستاذ محمود محمد طه. قيل لنا أنها مثل اضرابات الطعام في المدارس، واضرابات زيادة الأجور العمالية، مجرد ظاهرة اجتماعية، لمضمون سياسي هو رفض الاستعمار، وهذا دفاع واه، لأن الأستاذ محمود لم يراجع موقفه علنا أو يذكر مبرراته بعد نيل الاستقلال" !!
.. هذا حديث قاله سوداني، لا شك في سودانيته من حيث: الدم وشهادة الجنسية!! ثم هو رجل منسوب للثقافة!! بل وربما الفن ايضا!! " فانها لاتعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور "!!.. بدل "قيل لنا "، كان ينبغي أن تقول من الذي قال لك، وما نص قوله، وما هو المصدر الذي استقيت منه هذا القول، هذا ماتقتضيه الموضوعية والأمانة الفكرية، اللتين حدت عنهما حيادا تاما!! ما الذي يجعل ثورة شعبية، قامت ضد المستعمر، واجه فيها الشعب الرصاص، وتعرض للمحاكم والسجون، ما الذي يجعل هذه الثورة في نظر د. خالد المبارك "من الأخطاء التقديرية الجسيمة ".. وموقف قائدها موقف متخلف ورجعي.. وهي "ليست من مآثرنا في النضال ضد الاستعمار، بل من مخازينا"!! كل هذا السباب الفظ ، ما الذي يبرره في نظر قائله د.خالد المبارك؟! السبب في نظر قائل العبارات، وحسب عبارته هو، أن ثورة رفاعة قامت "احتجاجًا على قرار الادارة الاستعمارية بمنع الخفاض الفرعوني"!! وهو يقرر هذا الأمر تقريرا، دون أن يحاول ايراد اي دليل عليه!! فخالد المبارك يريد أن يقول أن الأستاذ محمود، وثوار رفاعة يؤيدون الخفاض الفرعوني ولذلك قاموا بثورتهم ضد الانجليز، لأنهم منعوا هذا الخفاض، في قرار "تحديثي جرئ و سليم" حسب عبارته!! لو كان د. خالد المبارك موضوعيا أو امينا لعرض الموقف كما هو، ثم ناقشه، ولكنه لم يكن كذلك .. فما هو موقف الأستاذ محمود والجمهوريين من الخفاض الفرعوني؟
ان الجمهوريين يرون منذ البداية، أن الخفاض عادة سيئة وضارة، وكان لخالد المبارك ان يرى ذلك بوضوح لو أراد، فقد جاء في منشور الخفاض مثلا: " لانريد بكتابنا هذا أن نقف موقف المدافع عن الخفاض الفرعوني ولا نريد أن نتعرض بالتحليل للظروف التي أوحت به لأهل السودان، ولكننا نريد نتعرض لمعاملات خاصة وأساليب خاصة، وسنن خاصة سنتها حكومة السودان، أو قل ابتدعتها ابتداعا- وأرادتنا أن ننزل على حكم ابتدعها ارغاما"..الخطوط تحت الكلمات من وضع الكاتب.
ويمضي المنشور ليكشف الغرض الحقيقي والمبيت من اصدار القانون، فيقول: "لا شك أن مجرد التفكير في الالتجاء الى القانون للقضاء على عادة مستاصلة في النفوس تاصل الخفاض الفرعوني دليل قاطع على أن حكومة السودان اما أن يكون رسخ في ذهنها أننا شعب تستطيع القوة وحدها أن تثنيه عن كل مبدأ، أو عقيدة أو أن تكون قد ارادت أن تقول للعالم الخارجي ان السودانيين قوم متعنتون وأن تعنتهم الذي الجأنا للقانون لأستئصال عادة الخفاض الفرعوني الهمجية، هو نفس التعنت الذي وقف في سبيلنا، وشل أيدينا عن استعمال الأراضي الواسعة الخصبة في الجنوب والاستفادة من مياه الدندر والرهد والأتبرا، والتوسع في التعليم.. هذا من ناحية الالتجاء للقانون.. وأما القانون في ذاته فهو قانون اريد به اذلال النفوس واهدار الكرامة والترويض على النقائص والمهانة.." اذن فالجمهوريين، وحسب منشورهم، لا يدافعون عن الخفاض الفرعوني، فهو عندهم- كما هو عند أي مثقف- عادة ذميمة، وضارة، بل وهمجية، كما ورد في عباراتهم.. و الأستاذ محمود، والجمهوريون ليسوا فقط ضد عادة الخفاض الفرعوني وانما هم ضد خفاض المرأة في أي صورة من صوره، كما سنبينه في موضعه.
القانون، أي قانون، ليس مجرد نص، وانما هو علاقة تكامل بين النص، والجهة التي اصدرته وغرضها من اصداره، والظروف التي صدر فيها، وآليات تطبيقه.. وأي قانون يصدر من المستعمر، وبحكم طبيعته الاستعمارية لابد ان يكون وراء غرض المستعمر، ومصالحه، لا مصالح الشعب المستعمر، هذا من حيث المبدأ.. وقد بين الجمهوريين بيانا وافيا، الغرض الاستعماري من سن قانون الخفاض الفرعوني ومما جاء في هذا الصدد في منشورهم وفي كتاب: "الخفاض الفرعوني" مانصه :
"1- الانجليز كأستعمار لم يكونوا يعملون على توعية، وترقية، الشعوب التي تحت حكمهم ولم يكن ذلك لمصلحتهم، بل كانوا يسعون الى تجميد وعي هذه الشعوب ليحكموا اطول فترة ممكنه .. ولذلك لايوجد سبب موضوعي للاعتقاد بان الانجليز لم يكونوا يريدون من قانون الخفاض سوي محاربة عادة ذميمة وليس لهم غرض استعماري وراء ذلك
2- العادات لاتحارب بالقانون .. وقد ثبت ذلك بالتجربة الطويلة، وفي عديد البلدان، وقد كان واضحاً للجمهوريين منذ البداية .. وهو لم يكن خافياً، علي الانجليز، ولكنهم كانوا يريدون شيئاً غير محاربة الخفاض .
3- لقد كان توقيت صدور القانون مؤشراً اساسياً للغرض الاستعماري الذي دفع اليه .. فلقد شهدت فترة صدور القانون، والعمل علي تنفيذه " 1945-1946 " نشاطاً سياسياً مكثفاً، وأشتد فيها الحماس والوطني، وعلا صوت السودانيين في المطالبة بالاستقلال، وكانت دولتا الحكم الثنائي تتهيئان لعقد مفاوضات صدقي- استانسجيت .. وفي هذا الوقت بالذات، سن الانجليز القانون، وتشددوا في تطبيقه، وكانوا يعلمون أن السودانيين سيقاومونه طالما انه تدخل في امر يتعرض للعرض والشرف .. وكان غرض الانجليز هو اظهار السودانيين بمظهر الهمجية، والتخلف، حتي يستطيع الانجليز ان يدعوا انهم لايستحقون الاستقلال، ولم يتهيئوا له بعد .. وكان هذا الغرض واضحاً للجمهوريين وكشفوه في اول منشور لهم
4- وقد كان من اغراض الانجليز من اصدار القانون اهدار كرامة المواطنين ، وترويض النفوس علي المهانة والذل .
5- أن عقوبة السجن بالنسبة للنساء تعتبر عند السودانيين أمراً شاذاً ومهيناً، ويفقد المرأة سمعتها .. وقد نص قانون الخفاض علي عقوبة السجن في حالة المخالفة، ولم يستثن في ذلك النساء، وطالما ان العادة مستأصلة في المجتمع فقد كان من المنتظر أن تتعرض حرائر النساء المحصنات للسجن بهذه الصورة المهينة والمشينة للسمعة .. وهذا ماتم بالفعل في حادث رفاعة واستوجب الوقوف ضده بحزم، ولم يتوان المواطنون في ذلك، وخاضوها ثورة عارمة ذهبت بهيبة الانجليز من الصدور، وزعزعت جبروتهم .. " صفحة (38) .. هذا أمر واضح جداً ومصادره متوفرة، وادني حد من الموضوعية كان يقتضي من د. خالد المبارك مناقشته، ولكنه لم يفعل، وهو لم يفعل لانه مغرض بادئ الغرض .

الاستاذ محمود ضد كل صور الخفاض :-
يقول د. خالد المبارك : ".. وهذا دفاع واه لان الاستاذ محمود لم يراجع موقفه علناً او يذكر مبرراته بعد نيل الاستقلال " .. ليس للاستاذ محمود موقف يحتاج لمراجعته، فموقفه كان واضحاً في حينه، ولايحتاج لمبررات بعد الاستقلال، وقد ذكرنا طرفاً منه اعلاه، وإنما انت، وبسبب الغرض من عشيت عيناك عنه .. وانت لم ترجع الي أي مرجع، في هذا الصدد قبل الاستقلال أو بعده ، والا فقد كنت تجد في كتاب : "معالم علي طريق تطور الفكرة الجمهورية" مثل هذا النص مثلاً "وبعد فأن عادة الخفاض الفرعوني لاتزال تمارس رغم وجود القانون ورغم سوء هذه العادة البالغ وذلك لسببين أولاً : لم تتفق التوعية الكافية للشعب عن قبح هذه العادة ومضارها .. مثل هذه العادات الحساسة المتأصلة في مجتمع مثل مجتمعنا، لايقتلعها القانون وحده، وماينبغي له ان يقتلعها .. وانما الذي يقتلعها نهائياً هو التربية والتوعية الشعبية" صفحة (52) – صدر الكتاب في مايو 1976م .. ان من يقول مثل هذا القول لايمكن ، في شرعة العقل السليم، أن يتهم بأنه يساند الخفاض .
أن الاستاذ محمود هو ضد الخفاض من حيث هو، لا الخفاض الفرعوني فقط .. وموقفه هذا معلن وواضح، وهو ماينسجم مع طبيعة دعوته بداهة .. فقد جاء في هذا الصدد من كتاب "الخفاض الفرعوني" الصادر في اكتوبر 1981م عنوان جانبي يقول : "الخفاض ليس سنة " !! ومما جاء تحت هذا العنوان "أصبح من الشائع بين الناس أن هناك نوع من الخفاض يسمي { خفاض السنة } وهذا خطأ شائع : فالاسلام عندما جاء في القرن السابع لم يسن الخفاض، وانما كانت ممارسة الخفاض سابقة لمجئ الاسلام بأمد بعيد، كما راينا عند حديث عن تاريخ الخفاض .. وفي حديث أحمد، قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : "الختان سنة للرجال ومكرمة للنساء" ، وهذا حديث واضح في التدليل علي ان الخفاض ليس سنة، فالنبي الكريم لم يسمه سنة، وانما سماه مكرمة، في حين سمي الختان بالنسبة للرجال سنة .
والمكرمة في الختان أنما تجئ من حكم الوقت، الذي جعل الوصاية علي المرأة وما يتفرع عليها من تشاريع هي الوسيلة للصون والعفة .. فالختان حتي في المستوي المهذب منه هو تشريع مرحلي، وليس اصلاً في الاسلام، وإنما الاصل هو العفة التي تقوم في الصدور، صدور الرجال والنساء، وهذه ليس سبيلها الكبت وإنما سبيلها هو التربية" صفحة ( 46) .. وهذا قول لا يملك امثالك ان يقولوا به، رغم ماتدعي من تقدميه، لانك لا تملك السند الديني الذي يقوم عليه، ولا يمكن من غير سند ديني معالجة قضية الخفاض التي ارتبطت في ذهن الشعب بالدين .

ثورة لم يحركها قانون:
بقي امران، ليظهر مدي تجني د. خالد المبارك، ومجافاته التامة للحقيقة .. أولهما : ثورة رفاعة اساساً لم تتحرك لمقاومة قانون الخفاض الفرعوني، أو اي قانون أخر .. هي لم تحركها مقاومة قانون وأنما حركتها احداث .. اقتيدت امرأة الي السجن، هكذا بدأت الاحداث وتحرك الثوار وأطلقوا سراحها .. ثم أقتيدت مرة اخري في جنح الليل، بصورة لا تمت بصلة لعمل الحكومات، فاستفز ذلك الثوار فتحركوا لاطلاق سراحها، الي اخر سلسلة الاحداث المعروفة .. فالمحرك للثورة هو مقاومة الحدث، وليس مقاومة قانون فلم يكن الثوار مشغولين بالقانون بقدر أنشغالهم بسجن المرأة، كفعل خاطئ ومهين.. وقد يكون القانون صحيحاً – وهو هنا غير صحيح – ولكن تنفيذ القانون يجئ خاطئاً .. فحركة الجماهير كانت ضد الظلم، وضد الاذلال، وقد جاء في خطبة الاستاذ محمود بمسجد رفاعة، تلك الخطبة التي حركت الجماهير، قوله : "ليس هذا وقت العبادة في الخلاوي، والزوايا، ايها الناس وانما هو وقت الجهاد .. فمن قصر عن الجهاد ، وهو قادر عليه البسه الله ثوب الذل وغضب عليه ولعنه .. ايها الناس : من راي منكم المظلوم فلم ينصفه، فلن ينصفه الله من عدو. ومن رأي منكم الذليل ولم ينصره، فلن ينصره الله علي عدو . الا ان منظر الظلم شنيع، الا ان منظر الظلم فظيع .. فمن رأي مظلوماً لاينصف من ظالمه، ومن رأي ذليلاً لاينتصر علي مذله، فلم تتحرك فيه نخوة الاسلام ، وشهامة الاسلام الي النصرة، والمدافعة، فليس له من الايمان ولا قلامة ظفر" .. هذا ما حرك الجمهور، الاهانة والذل والظلم، اين هذا من قولك الذي انتحلته!!
ثم ثانياً : ثورة رفاعة اشتركت فيها جميع قطاعات الشعب علي مختلف اعمارهم ، وانتماءاتهم الحزبيه والدينية، ومستوياتهم التعليميه والاجتماعية .. فهي ليست قاصرة علي الجمهوريين وحدهم .. فاذا كانت لك عداوة خاصة مع الجمهوريين، ماكان ينبغي ان تنداح فتشمل سكان رفاعة جميعهم، بل وتاريخ البلاد.
من الذين اشتركوا في الثورة مثلاً الشيخ الصديق الازهري والشيخ محمد لطفي عبد الله وقد اصيب بالرصاص البدري عبد الرحمن
أما قائمة الشرف من من حكم عليهم بالسجن فتضم : عباس المكي – عوض القريض – احمد الامين – محمد الياس – الزبير جاد الرب – عبد العال حسن – أحمد عثمان –حمد النيل هاشم – علي مالك – محمد الحاج علي – بابكر وقيع الله – عبد الله حامد الشيخ – حسن أحمودي – منصور رجب – عابدون عجيب – والصبي اسماعيل العشرابي الذي حكم عليه بالجلد، وهولآء جميعهم ليس من بينهم من الجمهورين سوي الاستاذ محمود محمد طه، اما بقية الجمهوريين الذين حكم عليهم بالسجن فقد كانوا بالخرطوم، وهم : عثمان عمر العتباني – سعد صالح عبد القادر – ذو النون جبارة .. فالثورة ضمت الختمي الي جانب الانصاري الي جانب التجاني والقادري، ومن لا طريقة له .. ومن ينتمي الي حزب الاشقاء الي جانب من ينتمي الي حزب الامة ..
وهؤلاء النفر الكريم، وغيرهم ممن اشتركوا في الثورة، ليسوا من العوام والرجعيين، كما تفضلت انت ووصفتهم، في معرض تحقيرهم، والزراية بهم !! فهم ابناء المدينة التي انتهت اليها ريادة التعليم في السودان منهم من هو رائد للتعليم ليس في مدينة رفاعة فحسب، وانما في السودان عموماً، فاذا جئت انت لتحقرهم، وتصفهم بالعوام، فان ذلك لا ينقص من قدرهم، وانما يعود عليك انت .
معذرة ايها الاباء الكرام الاحرار، فان لمثل صنيعكم تلد الامهات الرجال، فقد فديتم الوطن واعززتم الدين ، ونصرتم المستضعين، فلا يقدح في صنيعكم ارجاف المرجفين، وليس بالغريب ان يكون في الأسرة ابن عاق، فهو لم يصنع اكثر من انه عرض صورته علي مرآتكم الصافية، فظهر حجمه وبانت قامته .

الموضوعية :-
ينعي د. خالد المبارك علي غيره من من تصدوا بالرد عليه، عدم الموضوعية، وهو اذ يفعل ذلك ، ينسي نفسه، فما هي الموضوعيه فيما كتبه هو ؟! فهو ينسب لثورة رفاعة انها قامت ضد قانون الخفاض الفرعوني، بصورة تجعلها وكأنها انما قامت لتدافع عن عادة الخفاض ولايورد اي دليل علي ذلك، بل اكثر من ذلك يتجاهل تماماً الادلة التي تدحض رأيه هذا، سوي كانت من منشور الجمهوريين 1946م ، أو الكتب الاخري التي ذكرناها .. وهو حتي عندما ذكر بذلك في الردود التي وردت عليه ، تجاهله تماماً، واصر علي موقفه، وكرره مرة أخري في مقالة له في جريدة الراي العام بتاريخ 9/12/2002م .. فقد جاء في ذلك المقال قوله :"وفي موقف مؤازر قاد الاستاذ محمود محمد طه انتفاضة احتجاج علي تحريم الخفاض الفرعوني .." هكذا !! هذا رجل مصر علي باطله .. وقد رأينا اوصافه التي وصف بها الاستاذ محمود وثوار رفاعة ، فقد وصفهم بانهم عوام وان موقف الاستاذ محمود كان رجعياً ومتخلفاً .. وعن ثورة رفاعة قال : "انتفاضة رفاعة المزعومة ليست من مآثرنا في النضال ضد الاستعمار بل هي من مخازينا" الي اخر ماقال !! وما معني كلمة "مزعومة" من عبارة "انتفاضة رفاعة المزعومة" ؟! هل يريد خالد المبارك أن يقول انها لم تحدث ؟ أن عبارته تعني ذلك ، فهذا أمر ليس غريباً عليه ، طلما انه ينسب للآخرين عكس مايقولون به ، في حقائق موثقة لاتجدي فيها المغالطة
أن د خالد المبارك لم يكن موضوعياً لا في الشكل ولا في المضمون وهو قد اعظم علي الله الفرية ، بصورة موبقة وفي اصرار وعناد .
د. خالد المبارك يتهم الاخرين اشنع الاتهامات بغير دليل ، ثم ينعي علي الاخرين عدم الموضوعية، حين ينسبون له الدفاع عن الاستعمار بالدليل الواضح، والموثق من اقواله هو !! فانت حين تهاجم خصوم الاستعمار وتقلل من شأنهم ، وتصفهم بانهم من العوام والرجعين وتسفه عملهم ضد الاستعمار، وتنتحل من عندك الاسباب الباطلة لتخطأته، والتقليل من شأنه، اليس هذا دفاعاً عن الاستعمار .. وليتك وقفت عند ذلك فان دفاعك عن الاستعمار قد جاء صريحاً، فانت تتبرع بالشهادة له ان بعض اعماله حسنة النية وخالية من اي غرض استعماري ، ينبع من طبيعته ، بل واكثر من ذلك تصف اعماله بالانسانية ، وتقول عن قراره في قانون الخفاض : "قرار تحديثي جرئ وسليم" فماذا يكون الدفاع إذا لم يكن هذا دفاعاً عن الاستعمار؟! قطعاً لاينتظر ان تحمل سيفك لتدافع عنه ، وقد مضي علي ذهابه قرابة نصف القرن .. ان الانجليز انفسهم لايستطيعون اليوم ، وبعد مرور هذه الفترة ان يقولوا ان اعمالهم في السودان حين كانوا يستعمرونه ، اعمالاً انسانية وتحديثية خالية من الغرض الاستعماري.

الاعتراف باسرائيل :-
أن منهج د. خالد المبارك في النقد وفي تقويم التاريخ ، وفي التفكير عموماً ، منهج غريب اشد الغرابة ، فهو لايتحدث كمفكر ، وانما يتحدث كسلطة ، يصدر القرارات في فورمانات سلطانية وينتظر من الاخرين السمع والطاعة .. فهو لايهمه ان يكون مايقرره مخالفاً للواقع أو حتي مناقضاً له .. وهو لايحتاج الي اقامة اي دليل على مايقول !! أسمعه مرة اخري يقول في هذا النص العجيب : "ولعل دعوة الاستاذ محمود محمد طه للاعتراف باسرائيل هي السبب المباشر للرعاية الحميمة التي ينالها اتباعه في الغرب اينما حلوا" !! ما هذا ؟ ماهي المناسبة ؟! إن عبارة "الرعاية الحميمة التي ينالها اتباعه في الغرب اينما حلوا"
هي خبر فأما ان يكون صادقاً أو كاذباً .. وهو محض افتراء ، كبقية إفتراءاته وهو كالعادة ، لا يحاول ان يقيم عليه اي دليل، لانه لن يجده .. أن مجرد هذا التعميم يدل علي ضعف شديد في التفكير ، فخالد المبارك قطعاً لايعرف كل الجمهوريين في الغرب ، ومن باب اولي انه لايعرف احوالهم فما اعرفه انا في هذا الباب بحكم صلتي ، اكثر مما يعرفه خالد المبارك بكثير .. فانا اعلم أن معظم الجمهوريين في الخارج يعملون خارج تخصصاتهم ، والكثيرين منهم يعملون اعمالاً هامشيه ، والقلة التي تعمل في مجال تخصصها ، لاتعامل في مستوي تأهيلها الاكاديمي والفني .. وهذا أمر ليس خاصاً بالجمهوريين وأنما هو امر ينطبق علي كل الاجانب الوافدين علي الغرب .. فالحياة في الغرب تقوم علي نظام رأسمالي لايعترف بسوي الكفاءة والاداء .. وكل شركة أو مؤسسة أو جامعة في الغرب لها نظامها وقوانينها ، وضوابطها في العمل التي تلتزم بها بصرامة ولاتحيد عنها لاعتبارات عاطفية .. ولاتوجد سلطة فوقية في الغرب تفرض علي المؤسسات اساليب تعاملها مع موظفيها وعمالها ، وليست الدولة هي المسؤولة عن التوظيف ، كما هو الحال في الانظمة الشمولية التي يبدو انها معشعشة في ذهن خالد المبارك .. ان عبارة خالد المبارك هذه افتراء ، وكذب صريح ، ثم هو كذب ساذج لا يجوز علي احد .. ولكن اعرف من الجمهوريين ، من يمكن ان يكون له وضع مميز ، فمثلاً د. عبد الله أحمد النعيم أكاديمي متميز تحفظ له جامعته مكانته ، وحقه الذي يؤهله له مستواه الاكاديمي وخبرته ، وهو ليس بدعاً في ذلك ، فان كل الاكاديمين النابهين ، اصحاب الكفاءة الواضحة ، الوافدين علي الغرب يجدون في جامعاته القبول ، والوضع المادي والعلمي المريح ، فانا اعرف مثلاً، من أمثال هؤلاء النابهين د. صلاح أحمد الفحل ، لانه من ابناء وطني ، فهو اكاديمي متميز وجد كل تقدير من جامعته ومن الاوساط التي يعمل بها .. فاذا اردت ان تكون من امثال هؤلاء ، وتملك الموهبة التي تؤهلك ، فانت لست في حاجة للتنقيص من قدرهم، فالباب أمامك مفتوح، ولن يسألك أحد: هل تؤيد قيام دولة أسرائيل أم لا .. أن النفس السليمة، تشعر بالفخار، عندما تجد نجاح أحد ابناء وطنها ، في مجال من المجالات، والعكس صحيح.. يبدو أن هذه المنطقة ، هي منطقة مكمن الداء !!

التاريخ مرة أخري :-
أن مواقف الاستاذ محمود محمد طه ، وافكاره حول مشكلة الشرق الاوسط دخلت التاريخ بحكم الزمن الذي مضي عليها ، وهو تاريخ معاصر ، حي وموثق ، فلو كان د. خالد المبارك رجلاً موضوعياً ، يطلب الحق ، كان يمكن له ان يعرض ارآء الاستاذ محمود حول مشكلة الشرق الاوسط ، من مصادرها ، ثم هو يناقشها كما يشاء بدل الاشارة المقتضبة ، والمغرضة ، بأن دعوة الاستاذ محمود للاعتراف بأسرائيل هي مما يرضي الغرب ويكافئ عليه !! فهل فعلاً رأي الاستاذ محمود مما يرضي عته الغرب ويكافئ عليه ؟! أم هو مجرد افتراء كبقية افتراءات خالد المبارك ؟! علي كل ، فالاستاذ محمود ، في ارائه ، لا يعنيه من يرضي أو يغضب ، وأنما يعنيه فقط الحق ولا شئ غير الحق .
أن قضية الاعتراف بأسرائيل أو عدمه، قضية علاقات دولية العبرة فيها بالنسبة للغرب مواقف الدول ، لا الافراد أو التنظيمات .. والجمهوريون لا يتوهمون ، أن لهم وزناً ، في هذا المجال ، يمكن ان يأبه به الغرب .. والغرب في هذا الصدد لا يبني مواقفه علي الحق والرأي السليم ، وأنما علي المصلحة ، والمصلحة فقط .. وهو يتعامل مع الدول حسب وزنها عنده ، وهو لا يقم للعرب مجتمعين وزناً .
ثم هل أسرائيل الان في حاجة لمن يعترف بها ؟! أن المشكلة اليوم ليست هي الاعتراف بأسرائيل ، وأنما المشكلة هي الاعتراف بدولة فلسطين ، وهذا أمر من البديهيات .. ومن من العرب اليوم، بعد كل الدماء التي أريقت ، والثروات التي اهدرت، لا يعترف بدولة اسرائيل ؟! أن الدول العربية جميعها ، لاتعترف بأسرائيل وحسب ، وأنما علي استعداد لتطبيع علاقتها معها وقد قدمت بالفعل مشروعاً بهذا الصدد رفضته اسرائيل .. ولقد كان الاستاذ محمود يريد للعرب ان لا يصلوا لهذه المذلة والمهانة ، وان لا يفقدوا مافقدوه من ارواح ابنائهم ، بأن يساوموا بالاعتراف بأسرائيل ، في وقت كان فيه للاعتراف قيمة في المساومة ، وأنذرهم عاقبة الابطاء ، مما يفوت الفرصة ، ويفقد الاعتراف قيمته في المساومة ، فيضطروا للاعتراف بأسرائيل دون ان يقبضوا الثمن ، وهذا بكل أسف ، هو ماحدث بالفعل .
أن رأي الاستاذ محمود حول مشكلة الشرق الاوسط رأي واضح ، ومصادره عديدة ومتوفرة ، سواءً في كتابي "مشكلة الشرق الاوسط" و "التحدي الذي يواجه العرب" ، اللذين صدرا في عام 1967م ، أو بقية المصادر الاخري .. وهو رأي قد تم تسليم كل الزعماء العرب صورة منه ، في مؤتمرهم الذي انعقد بالخرطوم في 29/8/1967م ..والرأي يقوم علي ان حل المشكلة يتم في مرحلتين "مرحلة عاجلة ومرحلة أجلة : فاما حل المرحلة العاجلة فهو حل سياسي ، ومرحلي ، في نفس الامر ، وهو حل يقتضيه حل المرحلة الاجلة.. وهذا هو وحده الحل المستديم السليم .. وبالحل المرحلي ، العاجل ، يستطيع العرب ان يرجعوا الي نقطة الاعتدال بين الكتلتين : الكتلة الشرقية ، والكتلة الغربية . وهي النقطة التي فيها يقومون مقام الكتلة الثالثة .. " صفحة 179 من كتاب (مشكلة الشرق الاوسط)..
"ان على العرب ان يعلنوا للعالم على الفور أنهم، ايثارا منهم لعافية الدول، وتضحبة منهم في سبيل السلام العالمي، وابقاء منهم على المنظمة العالمية العظيمة، ورعاية منهم لصالحهم هم انفسهم، يقبلون التفاوض مع دولة اسرائيل، تحت اشراف الأمم المتحدة (ومجلس الأمن بشكل خاص) وعلى أن يكون التفاوض علي اسس قراري الامم المتحدة المتخذين في التاسع والعشرين من نوفمبر 1947م (قرار التقسيم) وفي الحادي عشر من ديسمبر 1948م
(قرار اعادة اللاجئين) وهما القراران اللذان التزمت بهما دولة اسرائيل لدي دخولها هيئة الامم.." صفحة 181 المرجع السابق .. فاين العرب الان من قرار التقسيم ، أن الوضع قد تجاوزه بكثير جداً لمصلحة اسرائيل والعرب موافقون علي هذا التجاوز !! وقد جاء عن الحل المقترح للمرحلة العاجلة من كتاب (التحدي الذي يواجه العرب) قوله "1- يجب عدم اللجوء الي السلاح ، ذلك لان العرب لا يحاربون دولة اسرائيل وحدها ، وانما يحاربون من وراءها دول أمريكا وبريطانيا وفرنسا والمانيا الغربية – وهم قد التزموا بالمحافظة علي حدود دولة اسرائيل حسب مايعطيه التقسيم الذي اقرته الجمعية العامة في التاسع والعشرين من نوفمبر 1947م – التزم بذلك منذ 1950م كل من أمريكا وبريطانيا وفرنسا .
2- كل لجوء الي السلاح في حل قضية فلسطين ، علي المدي الذي يريده الزعماء العرب الان ، ويمنون به شعوبهم عمل قليل الجدوي ، ثم هو عمل يجعل العرب مضطرين الي السير في ركاب الاتحاد السوفيتي ، ويفتح ابواب بلادهم علي مصرعيها للشيوعية ، ويباعد بينهم وبين دينهم ، إن لم يقطع صلتهم به ، وذاك أمر ، في حد ذاته ، يهدد العرب بأخطر مما تهددهم به دولة أسرائيل .
3- من أجل احراز حل المرحلة العاجلة يجب التفاوض مع اسرائيل ، وسيكون هدف التفاوض : -
أ . انسحاب اليهود من الارض العربية التي احتلوها في حرب 15 مايو 1948م وحرب 29 أكتوبر1956وحرب 5 يونيو 1967م .
ب. إرجاع اللاجئين العرب الذين أخرجوا من ديارهم عام 1948م وعام 1967 وتعويضهم عن جميع ممتلكاتهم التي فقدوها .. وتوطينهم في الاراضي التي حددها لهم تقسيم 1947م – تنفيذ مبدأ التقسيم .
ج . ضمان الدول الكبري ، بما فيها الاتحاد السوفيتي –وهذا يعني ضمان مجلس الامن والجمعية العامة – لحدود الدولة العربية الجديدة ولتأكيد هذا الضمان توقف، علي الفور، الهجرة اليهودية الي اسرائيل.
د. تأخذ هيئة الامم علي اسرائيل تعهداً بان لاتحاول أي توسع في ارض أي من الدول العربية المجاورة لها ، فاذا جرت منها محاولة ، فان مسئولية ايقافها تقع علي كاهل هيئة الامم .
هـ . انهاء حالة الحرب التي ظلت قائمة بين العرب واسرائيل .
و . أعطاء اسرائيل حق المرور البرئ في الممرات المائية ، خليج العقبة وقناة السويس" صفحة 34- 35
هذا بعض ماجاء عن راي الاستاذ محمود في مشكلة الشرق الاوسط- فهل هذا ما يرضي عنه الغرب ، كما زعم د. خالد المبارك ؟!
أن ماحققته اسرائيل ، نتيجة لتهاون العرب وغفلتهم ، وعدم مبادرتهم بالاخذ بهذا الرأي ، قد تجاوز المقترحات المطلوبة بكثير، ودون مقابل، ومايطمع فيه العرب اليوم، هو دون ماأراده لهم الاستاذ محمود بكثير جداً، وقد ادركتهم نذارة الاستاذ لهم في عاقبة الابطاء، فهم اليوم وبعد أن فوتوا الفرصة التاريخية، يتفاوضون، ويعترفون ثم لا يكادون يبلغون وراء ذلك طائلاً .. ونحن نقول مرة أخري ، لدكتور خالد المبارك ماجاء في خاتمة كتاب (مشكلة الشرق الاوسط ..) "أن وقت التدليس، وتمويه الحقائق ، وتمليق الشعور، ودغدغة العواطف النواضب، قد ولى الي غير رجعة، وأن علي الناس أن يرتفعوا الي منازل الرجولة المسئولة ، التي تقوي علي مواجهة المسئولية في عزيمة الأحرار" .. وهذا قول، د. خالد المبارك ، في اشد الحاجة اليه .
هلي يجهل د. خالد المبارك كل هذا الذي ذكرناه به ؟! لا اعتقد !! إذن ما القضية ؟! إن القضية ، هي قضية نفوس ، وقضية حس وليست قضية فكر .
إن حديث د. خالد المبارك ، لاقيمة له ، ولاوزن ، لانه متهافت وغير موضوعي ، ومغرض .. ونحن انما سقناه في أطار حديثنا عن المثقفين ، في تعاملهم مع تاريخ البلاد وتراثها .. وقد يقول قائل .. إن نموذج خالد المبارك نموذج خاص، لا يمثل عامة المثقفين .. ونحن نقر بذلك ، ونوافق عليه ، ولكنه نموذج وجد من الجرأة مابه نشر باطله ولم يكن ليفعل لولا أنه يشعر بأن المثقفين منصرفين عن الذود عن تاريخ بلادهم وتراثها
ثم ، مرة أخري "لاتحسبن أن الكيد لهذه الامة مأمون العواقب – كلا - فلتشهدن يوماً تجف لبهتة سؤاله أسلات الالسن – يوماً يرجف كل قلب ويرعد كل فريصة"
هذا ، وعلي الله قصد السبيل ، ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين .



خالد الحاج عبدالمحمود
رفاعة


Post: #599
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 11:29 PM
Parent: #1


نزعات: المثقف
قصي مجدي سليم

من بين تعاريف المعاجم اللغوية، وشروح الموسوعات الفلسفية و(الابستمولوجية)، واقوال الادباء والمفكرين والفلاسفة، تبرز مقولة كالشمس فى سماء (السويد) لا يسعك الا الوقوف امامها وتأملها، وهى تعريف للانسان الحر ساقه انسان حر فقال: (الحر هو: الذى يفكر كما يريد، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول ثم يتحمل نتيجة قوله وفعله وفق القانون الدستورى) (من محاضرته تعلموا كيف تصلون). قائل العبارة الآنفة- وهو الاستاذ محمود محمد طه- قد طبق تلك العبارة- اول ما طبقها - على نفسه، فكان مثالا مشرفا عبر التاريخ..

التاريخ الذى جنى عليه كتابه - الا القليل- فحذفوا اسم الاستاذ من صفحات النضال الوطنى. تلك الصفحات التى اكدها شاعرنا الفذ محمد المهدى المجذوب فى أكثر من عشر قصائد زان بها دواوينه المتعددة التى تحفل جميعها باشارات وعبارات تثبت دور (الاستاذ) فى النضال والاجتهاد والصدق والشرف والبسالة.

ولكل شىء مالوف، عندنا، تعريف بديع عند (الاستاذ) فالقول بان الانسان حيوان ناطق (لا يروقه) بل الذى يروقه انه (حيوان مفكر) وآفة الفكر عنده فى شيئين: (قلته، والتوائه.. وانما يلتوى الفكر اذا صاحبه الغرض). (من كتابه مشكلة الشرق الاوسط).

والمثقف ليس الشخص الذى قرأ ودرس بل قد يكون (أميا) لكنه (يحس بالحق ويعمل به) . ولأن الحق حمال اوجه فان للاستاذ تعريفاً آخر للحر المثقف الحق وهو (الذى يفكر كما يشاء، ويقول كما يفكر، ويعمل كما يقول ثم لا تكون عاقبة فكره وقوله وعمله الا برا و خيرا بالاحياء والاشياء). (من محاضرته تعلموا كيف تصلون).

وبمثل هذا المنطق الأريب نافح الاستاذ عن افكاره وعن هذا (المنطق) وذاك (الرجل) يقول المجذوب:

يصاول كهان الدياجى بمنطق يدك عليهم كل زور مشيد

(من قصيدته (الجمهورى) ديوان (المنابر) ط 1981) .

كما يحدثنا المجذوب أيضا عن قدر الاستاذ الذي تجاهله الظُلّام:

أبايع محمودا على الحق بيعة هي الصبر والرضوان في عقدها بدر

لك النصر يا محمود والنور باقيا وأعطيت ما أعطى بصائرنا الفجر

عرفنا رجالا قدرهم ليس قادرا وغيرك في السودان ليس له قدر

(من قصيدته (فتاة رفاعة)، ديوان (الشرافة والهجرة) ط2 (1982)

والذي يُأسى له انه، ومع هذا الاهمال، لدور مفكر ومجاهد حق، فإن ادعياء الثقافة - وبالمقابل- فى (وطننا الحزين) كثر ورزيئتنا بهم اكبر. والتواء الفكر بين قادتنا لو فتحنا له مجالا هنا لما وسعتنا كل الصحف التى صدرت اليوم فى احصائها (ناهيك عن هذه المساحة الصغيرة) فيكاد تاريخنا الحديث بمجمله أن يكون سجلا حافلا بالالتواء والحذلقة والكذب (الصراح). وتسخير القلم لاهل السلطان، وتحريف الكلم للاهواء، وتزييف الحق، وتزيين الباطل. وهذا هو ديدن الشعوب فى عصر انحطاطها الخلقى والفكرى والثقافى..

وأولى بوادر ذلك الانحطاط (اللامبالاة الاجتماعية). فقادة الشعب قد خرجوا من صلب الشعب، والشعوب عن افعال قادتها مسؤولة، فإذا أهمل الأفراد واجبهم وفرطوا فى حقوقهم كان جزاؤهم ما يلاقونه من تغفيل، جزاءً وفاقاً.

وبلادنا - شفاها الله - مصابة بهذا الداء وأولى سبل علاجه الاعتراف به، ثم العمل على تصحيحه بإعمال (الفكر) الجاد فى كل القضايا الفكرية والثقافية، وتفويت الفرصة على المستغلين والمتسلقين عن طريق التسلح بالجدية والصدق والشجاعة، والمواجهة الدائمة لكل أشكال التغفيل والتنطع الأجوف. ودون هذا الفناء.

لأن البيئة التي نعيش فيها الآن تتطلب منا لكي نوائم بيننا وبينها أن نعمل فكرنا، فهذا عصر الفكر، والعلم، والعقل، والمعلومات الوفيرة.

والتاريخ اخبرنا بفناء الحضارات والأمم، بل والكائنات، التى لم توائم بينها وبين بيئتها فعاشت على هامش التاريخ ثم خرجت منه....

... مأسوفا عليها.




http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147512584&bk=1

Post: #600
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 11:30 PM
Parent: #599


كن منصفاً يا دكتور كامل
عبدالله عبدالرحمن

ورد في مقال د.كامل إبراهيم حسن بجريدة السوداني الغراء وفي صفحة الرأي بعدد الأحد 29 أكتوبر الجاري ما يأتي: (دعنا من التاريخ البعيد نسبياً) هل كرمت (حكوماتنا الديمقراطية) شهداء الديمقراطية المقاتلين من أجل حرية شعبنا من أمثال عبدالخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرنق ومحمود محمد طه وقاسم أمين وبابكر النور وهاشم العطا والشريف حسين الهندي وذلك الرتل من المناضلين؟.. الخ المقال.بقدر ما اثار اعجابي ذلك المقال الذي سرد جانباً من نضال المقهورين السود في سويتو بجنوب افريقيا ضد التمييز العنصري إلا انني تعجبت ان يختتم مقاله بتناقض عجيب وعدم وفاء وتمييز - لا اقول عنصري- ولكن اقول تمييز سياسي، أما الأخيرة فقد نسى شهيدين من أجل الحرية لئن تجاهلهما الدكتور فلن يتجاهلهما الناس وأرجو ان يكتبا عند الله من الشهداء والصالحين، هما الشهيد الامام الهادي المهدي والشهيد الدكتور محمد صالح عمر اللذان قتلا أثناء وعقب مجزرة الجزيرة أبا في مارس 1970، الأول قتل بدم بارد في الحدود السودانية الأثيوبية على أيدي زبانية النظام الاستبدادي نظام مايو والثاني قتل أثناء مواجهته لقوة البطش والبغي داخل الجزيرة أبا وهي تدور بدباباتها وتضرب بغاراتها أنصار الدين والوطن وما نقموا منهم إلا انهم وقفوا ضد الانقلاب المايوي الأسود الذي جثم على صدور أهل السودان ورفع الرايات الحمراء.. رايات لينين وماركس ومن كان يقف وراء ذلك الانقلاب! انهم ما ذكر الدكتور زوراً وبهتانا أمثال عبدالخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وعضو مجلس الثورة بابكر النور وهاشم العطا اللذان لم يكتفيا بوأد الديمقراطية التي تباكى عليها د.كامل بل دبرا ونفذا انقلاب 19 يوليو الدموي وكانوا يهتفون: (سايرين.. سايرين في طريق لينين)... هل نسى الدكتور تلك الشعارات الثورية التي كانت تطالب بتصفية الرجعية والثورة المضادة وشعارات (لن تظل جامعة الخرطوم جزيرة رجعية في ظل بحر ثوري هائج)؟.هل كان انقلاب 19 يوليو (1971) وبقيادة عبدالخالق محجوب (واستثني هنا المرحوم الشفيع أحمد الشيخ الذي رفض ذلك التصرف الأهوج) هل كان من أجل الديمقراطية والحريات العامة أم من أجل نظام ديكتاتوري شمولي أحمر اللون؟ وهل نسى مجازر بيت الضيافة التي راح ضحيتها خيرة ضباط القوات المسلحة؟ولعلي اتفق مع د.كامل ان من اسوأ ما قامت به حكومة وطنية هو تكريم لبعض من أكتوى بنارهم الشعب السوداني من ظلم وفساد أمثال الديكتاتور النميري وجماعته بل وبعضهم عينوا وزراء وللمفارقة بعضهم سلك سلوكاً ضد توجهها (الحضاري) يتم تكريمه وترفيعه وهو الذي أحدث فضيحة عالمية بجلاجل في إحدى طائرات الامارات قادماً من مؤتمر اقتصادي في أقصى الشرق قبل بضعة شهور وهو بالمناسبة من أكبر سدنة مايو ذلك النظام الفاسد المفسد.



http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147512210&bk=1

Post: #601
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 11:32 PM
Parent: #600


سويتـــــو SOWETO..مدينــة الثــورة والجريمـة (1-2)
د. كامل إبراهيم حسن


جاء الاسم من تجميع الحرفين الأولين من كل كلمة ل( مدن الجنوب الغربي - South West Townships ) ... وسويتو عبارة عن تجمع أكثر من دستة من المدن الصغيرة - أو قد يكون تسميتها بالأحياء أكثر دقة - المتشابكة ولكن غير المتشابهة بل المتباينة من حيث مستوى العمارة ودخول قاطنيها لذلك لا يمكن أن نشبهها بأحياء مدينة الثورة مثلاً ... عندما تقف في حي الطبقة الوسطى الخاص بالمحامين وأساتذة الجامعات وموظفي الدولة وتطل من علٍ على حي عمال المناجم على الطرف الآخر من الخور الكبير العميق - أو لعل كلمة الوادي هي الأفضل - الذي يفصل بينهما فالفارق واضح للعيان لا يحتاج لبراهين تثبت التفاوت البين بين ساكني الطرفين ... في الطرف الجنوبي حيث تقطن الطبقة الوسطي تجد الفلل الأنيقة متراصة بصورة أقل ما يمكن أن تصف بها أنها أنيقة وكم أعجبنا - صديقنا د. بيونق دينج مجوك والسيدة زوجتي وشخصي - بذلك الذوق الهندسي الرفيع وكيف أن هؤلاء القوم يفعلون بالطوب المحروق العجائب ... أشكال في مداخل المنازل وشكل أكثر إبداعاً في الأسوار وتفنن رائع المستوي عندما يستعمل في الزخرفة الخارجية للحيطان ... وحدائق صغيرة صغيرة ولكنها جميلة جميلة في كل منزل وشوارع مسفلتة تربط بين كل بيوت الحي ... الحي العمالي على طرف الوادي الآخر عبارة عن صناديق إسمنتية خالية تماماً من أي مظهر من مظاهر الجمال ... وقد لاحظنا - د. بيونق وأنا - وقد كانت هذه هي زيارتنا الثانية معاً لنفس المكان أنه ورغم ذلك فهنالك تغير الى الأحسن في الطرفين ولكن بوتائر مختلفة هي الأسرع في الطرف الجنوبي ولكن لاحظنا وجود القليل من السيارات وبعض النساء في الطرف الشمالي الشىء الذي كان منعدماً في زيارتنا الأولى في العام 2002 ... الشىء المشترك الوحيد هو أنك لن تجد إنساناً أبيض يسكن في أي حي من أحياء سويتو وإن قابلت أحدهم فهو إما من السياح أو عابر سبيل ضارب في مناكب الأرض ... وتفخر سويتو بأنها إحتضنت الثوار أيام النضال المتأجج والفصل العنصري العنيف إذ أن أغلبية المناضلين ضد الأبرتهيت من السود إما أنهم كانوا من سكانها الأصليين أو أنهم عاشوا فيها فترات تطول أو تقصر مختفين من قهر السلطة ... بعد إنتصار الثورة في العام 1994 فضل الكثيرون منهم العيش فيها بصورة دائمة لذلك تجد لأغلبية رموز الثورة منازل بسويتو ... ولقد زرنا المنزل الذي جاء إليه مانديلا مع ويني مانديلا عندما أُطلق سراح الزعيم من سجن جزيرة روبن وهو منزل بسيط جداً وصار يطلق عليه في ما بعد ( متحف ويني) ... ولا أدري هل ما زال يحمل هذا الإسم بعد أن حدث ما حدث بين ويني من ناحية وبين مانديلا ومن بعد مع أمبيكي بوجه خاص من الناحية الأخرى ... فالمعروف أن ويني تستمتع بجماهيرية عالية وسط الشباب وكانت تتعمد أن تأتي متأخرة الى الإحتفالات وأمعنت في هذه العادة وبشكل لافت للنظر بعد تنحي نلسون مانديلا فتُستقبل بهتافات الشباب الهادرة الشىء الذي كان يغيظ أمبيكي كثيراً ... وقد حدث أن ضرب أمبيكي ويني فأطار قبعتها الأنيقة ... البعض يقول إنها أرادت تقبيله إمعاناً في إغاظته فأراد إبعادها بظهر يده فجاءت يده على خدها دون أن يقصد ذلك والبعض الآخر يقول أن الرجل قصد ذلك ( لكن عمل روحو ما قاصد ) ... على كل حال فالعلاقة بين الزعيم والزعيمة كالعلاقة بين (الشحمة والنار) كما يقول المثل ... وقد أخبرني أحدهم أن السلطات صادرت مطاعمها المنتشرة في مدينة سويتو بحجة عدم دفعها للضرائب المقررة عليها بينما يقول مؤيدوها أن هذا كذب صراح بل تم ما تم لمعاداة أمبيكي لها والله أعلم أين تكمن الحقيقة ...

العواجيز من جيلنا لابد يتذكرون مجزرة سويتو والتي إرتكبتها سلطات الفصل العنصري عندما خرج المواطنون في مظاهرة سلمية فتصدى لها البوليس بصورة فظة أدت الى مقتل المئات ... ومن سويتو إندلعت الشرارة الأولي للثورة ومنها كان أول شهيد من شهداء الحركة الطلابية هيكتور روبتسون التلميذ في المدرسة الثانوية في يوم 16 يونيو للعام 1967 ... عندما زرنا سويتو مع الأخ د. بيونج دينق مجوك وطالب الدكتوراة آنذاك والأستاذ بجامعة ( جنوب أفريقيا - University of South Africa ) الآن د. جون قاي وشخصي وقفنا عند النصب التذكاري للطالب المذكور وقد أخبرنا احد المواطنين أن متحفاً سيقوم في هذا المكان وسيفتتح في يوم 16 / 6 / 2002 لم أصدق أن يكتمل بناء متحفٍ في هذه المدة الوجيزة فنحن في شهر فبراير ... عدت هذه السنة 2006 لأجد تحفة أثرية رائعة فالمتحف مبني على شكل جناحي طائر وكأنه يقول للعالم سنطير ونحلق عالياً فشكراً لهؤلاء الذين ضحوا بحياتهم ليحققوا لنا الإستقلال ويعلنوا ضربة البداية في مسيرة الحرية والتنمية لشعبنا .... كل الأحداث الخاصة بمشاركات الطلاب في المعركة ضد الفصل العنصري مصورة مع تعليق كامل يصف الحدث أو كأفلام مع التعليق الواصف لما جرى ... قضينا أكثر من أربع ساعات في المتحف ولم نستطع أن نقتلع السيدة زوجتي منه إلا بعد أن نبهها بيونج ألا تنسي أنه دعا الكثيرين من السودانيين للعشاء في منزله إحتفاءً بنا ... عندها خرجت زوجتي مضطرة وقالت : أنا أحب زيارة المتاحف وقد زرت الكثير في دول أوربية عديدة ولكن أعترف بأنني لم أزر متحفاً حسن التنظيم بمستوي هذا المتحف .س

وقتها تذكرت رثاء شاعرنا محمد المكي لرفيق آخر من رفاق هيكتور ... لم يكن من سويتو بل من قرية القراصة بالنيل الأبيض ولكنه كزميله مات ضحية الجبروت وفي معركة ضد الظلم ... إسمه القرشي ... يقول الشاعر :



وكانت في قريته الذرة

مثقلة الأعواد بالثمار

والقطن في حقولها منّور

ولوزه نضار

وكان في العشرين لم ير

ألفاً من الشموس مقبلة

ولم يعش هناءة الزفاف

ولم يكن في فمه أكثر من هتاف



ولم يكن في يده أكثر من حجر

وكان في المقدمة

على خطوط النار والخطر

فجندلوه بالرصاص دامياً منتفضا

وفي كف صحبه قضي



تعطر الثري بدمه واختلج التراب

أجفل صبح قادم وشاب

وقف شَعر النجم والأجنّة

هبت عليه بالرضا رياح الجنة

تصاهلت خيول المركبة

وإصطفقت أجنحتها المرحبة

وهكذا

على وسادة من الريش الوثير

تصاعدت الى السماء روحه الزكية

الى النعيم بطلاً وثائرا

وقائداً رعيل الشهدا

ورمز إيمان جديد بالفدا

وبالوطن .



ولا يهتم القوم هنا بالصفحات البيضاء من تاريخهم فقط ولكن حتى تلك الحالكة السواد لا تُهمل بل يحافظون عليها لتبقي درساً وموعظة لشباب المستقبل ... عندما إقترح بعض المناضلين ضد فترة الفصل العنصري إزالة تماثيل رموز فترة الإستعمار إعترض مانديلا قائلاً : هذا هو تاريخنا بكل نجاحاته وإخفاقاته ... أتركوا التماثيل لتلعن مع شروق كل شمس وغروبها الظلم والمستعبدين ولتعلم الأجيال القادمة قباحة الإستعمار وجمال الحرية ... عندها تذكرت تمثالي غردون وكتشنر ... وبالمناسبة كتشنر معروف في جنوب أفريقيا بأفعال لا تقل سواداً عن أفعاله في السودان فهو المهندس ومنفذ خطة الأرض المحروقة في حربه ضد البوير ... وقد زرنا ( مل روز هاوس - Mil Rose House ) ببريتوريا حيث وقع كتشنر مندوباً من حكومة بريطانيا إتفاقية وقف الحرب مع البوير في حجرة في هذا القصر المنيف حيث كان يقيم ...

في طريق العودة قلت للصديق بيونج : إنظر كيف تكرم جنوب أفريقيا أبناءها البررة ... أما نحن في السودان فشيمتنا الجحود ... كم من شباب اليوم قد سمع بثورة النوير ضد المستعمر ؟ كم منهم يعرف ولو القليل عن تمرد الحلاويين أو عبد القادر ود حبوبة ؟ كم من شباب العاصمة القومية يعرف أين تقع أم دبيكرات دع عنك أن يكون قد زار ضريح ( أبو عثمان خليفة المهدي عبدالله ود تور شين ) ... دعنا من التاريخ البعيد نسيباً هل كرمت حكوماتنا ( الديموقراطية ) شهداء الديموقراطية المقاتلين من أجل حرية شعبنا من أمثال عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرنق ومحمود محمد طه وقاسم أمين وبابكر النور وهاشم العطا والشريف حسين الهندي وذلك الرتل من المناضلين؟ لم يكرم أي من هؤلاء المناضلين الذين ذكرناهم والذين لم يتسع المجال لذكرهم ... ولكن حكوماتنا (الوطنية ) تكرم القتلة والمجرمين وتصرف على (مدوعلتهم) من أموال الشعب الذي إكتوى بنيران ظلمهم من أمثال الديكتاتور النميري وجماعته بل وبعضهم عينوا كوزراء ... فيا للمفارقة ويا لسخرية القدر ولك أن تتعجب ما شاء الله لك ذلك ...

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147512154&bk=1

Post: #602
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 11:33 PM
Parent: #601


الحزب السياسي السوداني (3) تضاريس الحزبيـــة علــى جـــدار الواقـــع الســـوداني: اضعاف القبلية صاحبها نشأة وتطور طائفتي الختمية والأنصار
تعارف الناس في السودان على تقسيم الحزب السياسي إلى نوعين... نوع يطلق عليه حزب تقليدي وآخر عقائدي. ولم يعرف السودان الأحزاب السياسية إلا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945، وقبل ذلك، وفي إطار الحكم الثنائي الاستعماري نشطت وبرزت تنظيمات عسكرية واجتماعية معظمها ذات نشاط سري وكان الهدف منها هو مقاومة الاحتلال مثل المقاومة المسلحة في جنوب البلاد والتي تواصلت حتى نهاية عقد العشرينات ومقاومة دارفور حتى موقعة (برنجيه) في عام 1917 ثم الثورة التي قادتها جمعية اللواء الابيض بالخرطوم عام 1924 وقبل ذلك ثورة الحلاوين بالجزيرة بقيادة عبد القادر ود حبوبة. كما احتاج الشرق إلى وقت طويل لإخضاعه لحكم الاستعمار بعد أسر الأمير عثمان دقنة.

وبدأت الحركة الوطنية في التطور على أساس انهاء الاحتلال متأثرة بالظروف الإقليمية والعالمية.

وفي عام 1938 تم إنشاء مؤتمر الخريجين العام برئاسة المرحوم ابراهيم أحمد وسكرتارية الزعيم اسماعيل الأزهري.

إعداد: الفاتح عباس

الزعامات تأتي عبر الوراثة والمصاهرة.... والمهمشون بها (خميرة عكننة)

× الأحزاب السياسية السودانية:

تأسيس مؤتمر الخريجين، كان ايذانا ببداية التنظيمات السلمية بهدف مقاومة المستعمرين وقد أفرزت الحرب العالمية الثانية ظروفاً جديدة ساهمت في تطوير الحركات الوطنية بالسودان وفي مختلف الأقطار ثم الاعتراف بحق تقرير المصير للشعوب المستعمرة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى ولكن تم تنفيذه عملياً بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. وقد أدى قيام الأمم المتحدة إلى دعم حق تقرير المصير واستفاد السودان من هذه الظروف خاصة وان قواته المسلحة (قوة دفاع السودان) ساهمت في صد الفاشية والنازية ووجد تنافس بين دولتي الحكم الثنائي لاستقطاب المتعلمين وقادة الرأي وزعماء الطوائف والعشائر.

د.عمر محمد علي في ورقته بعنوان (تحديات الإصلاح الحزبي في التحول الديمقراطي بالسودان) يقول: الظروف والمناخ الاجتماعي والسياسي الذي اعقب الحرب العالمية الثانية بدأت القبلية تضعف لصالح الطائفية فالحكم الاستعماري المستند على مبدأ فرق تسد باحياء النعرة القبلية وتوظيفها صاحبها نشأة وتطور طائفتي الختمية والأنصار منذ الحكم التركي المصري (1821-1885) ثم ظهور الطوائف الدينية الأخرى. ولكن الحكم الاستعماري ابرز أيضاً مشكلة الجنوب في محاولاته المستمرة لفصل الجنوب، حتى أصبح الجنوب أحد المسببات الأساسية لعدم الاستقرار السياسي في السودان بعد الاستقلال وحتى الآن ومنذ اندلاع العنف بتوريت في عام .1955 ومع ضعف الوعي القومي وأحياء النعرة القبلية وتطوير الطائفية وظهور قضية الجنوب واستقطاب دولتي الحكم الثنائي تم تهميش دور المتعلمين، لذلك عندما نشأت الأحزاب بعد عام 1945 لم يجد المتعلمون بداً من حل مؤتمر الخريجين ثم الانضمام إلى كافة أنواع الأحزاب.

× حزب تقليدي .. وآخر عقائدي

× الأحزاب التقليدية:

× حزب الأمة:

نشأ حزب الأمة في عام 1945 بدعم طائفة الأنصار بقيادة أسرة الامام محمد أحمد المهدي وعلى وجه الخصوص الأمام عبد الرحمن المهدي هدفه تحقيق الاستقلال ومناطق نفوذه في وسط وغرب السودان.

× حزب الاشقاء وحزب وحدة وادي النيل:

نشأت هذه الأحزاب في عام 1945 بدعم طائفة الختمية وبقيادة الأسرة الميرغنية وعلى وجه الخصوص السيد علي الميرغني وكان من أهدافها تحقيق وحدة وادي النيل مع مصر. ومناطق نفوذها في شمال وشرق السودان. أما حزب وحدة وادي النيل فأنشاه بعض المتعلمين ومنطقة نفوذه الاساسية الخرطوم.

× الأحزاب العقائدية الرئيسية:

× الأخوان المسلمون:

انشأوا تنظيمهم في نهاية الأربعينات وقد تأثر تنظيمهم بتنظيم الأخوان المسلمين في مصر بقيادة (حسن البنا) انشأه صفوة من المتعلمين هدفهم تحكيم الشريعة الإسلامية ومنطقة نفوذهم الأساسية هي الخرطوم.

× الحزب الشيوعي السوداني:

أنشأه نخبة من المتعلمين والنقابيين السودانيين الذين تلقى معظمهم تعليماً أو تدريباً بالاتحاد السوفيتي وشرق اوربا ومصر. هدفهم تحقيق الاشتراكية ومناطق نفوذهم الأساسية الخرطوم وعطبرة حيث توجد رئاسة سكك حديد السودان، ومدني حيث توجد رئاسة مشروع الجزيرة وبورتسودان الميناء البحري الوحيد بالسودان آنذاك.

× الحزب الجمهوري:

انشأه المرحوم الشهيد محمود محمد طه على أساس فكري وبتوجه إسلامي تضم عضويته مجموعة من المتعلمين خاصة من الخرطوم والجزيرة... الهدف هو نشر الفكر الجمهوري.

× حزب البعث العربي:

انشأه بعض المتعلمين مؤخراً تأثراً بأفكار الوحدة العربية التي بثتها بقوة أحزاب البعث في سوريا والعراق. منطقة النفوذ الرئيسية هي الخرطوم.

× الأحزاب الإقليمية الرئيسية:

1- جبهة الجنوب:

أنشأها بعض المتعلمين من جنوب السودان بغرض تنمية الجنوب وتحقيق حكم اتحادي فيه... يتركز نشاطه السياسي بجنوب السودان وفي أوساط أبناء الجنوب بالشمال، قيامه يعكس فشل الأحزاب التقليدية في استقطاب عدد كبير من أبناء الجنوب فيها وعدم الثقة في منح الجنوب حكماً اتحادياً مراعاة لخصوصياته إضافة إلى استمرار التدخل الخارجي ومعظم قادتها من من تلقوا تعليمهم في مدارس الكنائس داخل وخارج السودان.

2- جبهة البجا:

أنشأها بعض المتعلمين من أبناء البحر الأحمر لشعورهم بأن حزب الأشقاء، فيما بعد الاتحادي الديمقراطي، لا يلبي طموحهم في تحقيق تنمية مناسبة في مناطق الشرق.

3- اتحاد جبال النوبة

أنشأه بعض المتعلمين من أبناء جبال النوبة بغرض العمل على تنمية منطقتهم لشعورهم بأنها مهمشة من قبل الحكومات والأحزاب الأخرى وقد برز هذا التنظيم في منتصف الستينيات.

4- حزب سانو

أنشأه بعض المتعلمين من أبناء جنوب السودان في كنشاسا بالكنغو بعد ازدياد حالة العنف في مطلع الستينيات بالجنوب.. الهدف هو حل قضية الجنوب بالوسائل السياسية، وبعد هذا العرض التاريخي لنشأة الأحزاب السياسية (العقائدية والتقليدية) بالسودان يقول د.عمر محمد علي في ورقته (تحديات الإصلاح الحزبي في التحول الديمقراطي بالسودان).

× يتضح من ذلك:

(أ) ان الهدف الرئيسي للأحزاب السياسية قبل الاستقلال كان تحقيق الاستقلال أو وحدة وادي النيل لذلك نشأت الجبهة الاستقلالية بقيادة حزب الأمة داعية لاستقلال السودان عن مصر وبريطانيا، وقد شاركت في هذه الجبهة أحزاب عقائدية كالحزب الشيوعي السوداني (الجبهة المعادية للاستعمار) والأخوان المسلمين والحزب الجمهوري، كما نشأت كتلة اتحادية بقيادة حزب الأشقاء شاركت فيها أحزاب أخرى داعية إلى وحدة وادي النيل مع مصر.

(ب) ولكن بعد الاستقلال لم تكن هناك برامج واضحة لحكم البلاد فبدأ الصراع حول السلطة واهملت التنمية كما بدأ العنف يتصاعد في الجنوب.. وبذلك فقد برزت قضايا جديدة.

1- الحاجة إلى دستور.

2- الحاجة إلى حل مشكلة الجنوب.

3- الحاجة إلى تنمية.

وبما ان الأحزاب بسبب الصراعات السياسية والشخصية لم تتمكن من تحقيق انجازات تذكر بالفترة الزمنية منذ الاستقلال حتى أول يناير 1956 وحتى 30 يونيو 1989 فقد بدأت دورة عدم الاستقرار بتعدد الأنظمة والحكومات غير المستقرة على النحو التالي:

1- حكم ذاتي (53-1955) بزعامة الحزب الوطني الاتحادي (الأشقاء سابقاً).

2- الديمقراطية الأولى (56-1958) بزعامة حزب الأمة - حكومة ائتلافية.

3- الحكم العسكري الأول بقيادة الفريق ابراهيم عبود (58-1964).

4- الديمقراطية الثانية (64-1969) حكومة انتقالية (سر الختم الخليفة) وحكومات ائتلافية غير مستقرة بزعامة حزب الأمة تارة المرحوم محمد أحمد محجوب وأخرى الصادق المهدي.

5- الحكم العسكري الثاني بقيادة المشير (العقيد آنذاك) جعفر محمد نميري (1969-1985).

6- الديمقراطية الثالثة (85-1989) حكومات غير مستقرة (المشير عبد الرحمن سوار الذهب رئيسا ود.الجزولي دفع الله رئيسا لمجلس الوزراء) ثم ائتلافية بزعامة حزب الأمة وبقيادة السيد الصادق المهدي.

7- الحكم العسكري الثالث 1989-وحتى الآن بقيادة المشير عمر حسن البشير (العميد آنذاك) وبنفوذ الجبهة الإسلامية القومية.

هذه الحالة الحادة من عدم الاستقرار السياسي، وعلماً بأن كل نظام حكم مدنياً أو عسكرياً لم يكن مستقراً من خلال فتراته الزمنية، يعكس امراضاً خطيرة اصيبت بها الأحزاب السودانية وأثرت على كيان الدولة وقوتها ويمكن تلخيص هذه الأمراض فيما يأتي:

× أولاً الصراع حول السلطة

أصبح هدفاً للأحزاب والقيادات مما أدى إلى كوارث إنسانية وتبديد الوقت واهمال التنمية.

× ثانياً الانقسامات

جميع الأحزاب التقليدية والعقائدية والإقليمية تعرضت إلى الانقسام ومازالت. الأشقاء تطور إلى وطني واتحادي ثم انقسم بعد الاستقلال إلى وطني اتحادي وشعب ديمقراطي، اتحد مرة أخرى في اتحادي ديمقراطي ووطني اتحادي في منتصف الثمانينات وبعد 1989 انقسم إلى عدة أحزاب: جناح الميرغني وجناح الهندي وغيره.

الأمة أيضاً تعرض إلى الانقسامات: جناح الأمام الهادي وجناح الصادق المهدي في منتصف الستينات وبعد 1989 انقسم إلى امة قومي وأمة إصلاح وتجديد بقيادة مبارك الفاضل المهدي ثم أجنحة أخرى.

الحزب الشيوعي انقسم أيضاً: سوفيتي بقيادة الشهيد عبد الخالق محجوب وصيني بقيادة الشامي ثم جناح عبد الخالق محجوب ومعاوية ثم مذبحة قادة الحزب في يوليو 1971 وانهيار الاتحاد السوفيتي مما أدى إلى اضعاف نفوذه:

الأخوان المسلمين طوروا أنفسهم إلى جبهة ميثاق إسلامي في الستينات ثم جبهة إسلامية قومية في الثمانينات ولكنها سرعان ما بدأت تتصدع، تفرقت الجبهة إلى اخوان مسلمين وأنصار سنة وجبهة إسلامية، وانقسمت الجبهة الإسلامية إلى مؤتمر وطني ومؤتمر شعبي.

كذلك انقسمت احزاب الجنوب وكثرت الخلافات في جبهة الجنوب وانقسم (سانو) من البداية إلى جناح (اقري جادين) العسكري وجناح (وليم دينق) السياسي ثم تطورت الانقسامات.

وحتى حزب البعث انقسم إلى سوري وعراقي وظل نشاطه محدودا بالخرطوم.

× احتكار قيادة الأحزاب السياسية

يرى د.عمر محمد علي ان آفة الأحزاب السياسية السودانية تتمركز في (الانفراد) بزعامة الحزب السياسي إلى ان يقضي الله امراً كان مفعولاً ويقول ممارسة الديمقراطية داخل الأحزاب نفسها محدودة ولعل أولى المعوقات ان القيادة تتم بالوراثة أو تستمر لعدة عقود دون انتخاب حقيقي في كل الأنواع، اما الأحزاب التقليدية تهيمن عليها بالوراثة اسرتا المهدي واليمرغني الأمة والاتحادي وتشمل زعامة الطائفة ورئاسة الحزب ورئاسة السلطة التنفيذية وقد أدى ذلك إلى تهميش المتعلمين خاصة الذين لا يرتبطون بصلة القربى أو المصاهرة باحدى الأسرتين. يتجه بعضهم للابتعاد عن المشاركة في العمل العام بينما يتجه البعض الآخر للمشاركة في الأحزاب العقائدية. ويظل الحزبان واحزاب الجنوب تعتمد على قواعد شعبية عريضة لكنها تتمتع بتدنٍ شديد في الوعي وعدم تقديم خدمات تعليمية أو علاجية او تنموية لمناطقهم، ويمثل ضعف الخدمات والتنمية في مناطق نفوذ الأحزاب التقليدية ثغرات مناسبة لاختراق الأحزاب العقائدية والأنظمة الشمولية، وفي الأحزاب العقائدية أيضاً تستمر القيادات لفترة طويلة مثال ذلك قيادة الشهيد عبد الخالق محجوب للحزب الشيوعي منذ تأسيسه ثم محمد ابراهيم نقد منذ عام 1971 وحتى الآن. وتولى قيادة الجبهة الإسلامية د.حسن الترابي لعدة عقود من الزمان، وتولى الشهيد محمود محمد طه تأسيس وقيادة الحزب الجمهوري حتى وفاته!!

× الأحزاب السياسية وضعف الممارسة الانتخابية

تناول د.عمر محمد علي الحصيلة النهائية للانتخابات التي جرت بالسودان منذ عام 1953 مع ملاحظة بعض السمات والمؤشرات المهمة التي أشار إليها ومنها ان بعض ممارسات الأحزاب التقليدية ضد الأحزاب العقائدية قد شجع الأخيرة على اللجوء إلى العنف وتشجيع الانقلابات العسكرية. في عام 1966 تم حل الحزب الشيوعي وحظر نشاطه والاعتداء على مقره بالخرطوم بقرارات عشوائية من السلطة التنفيذية وبتحريض لبعض القواعد الشعبية. وعندما نجح الحزب الشيوعي في اصدار قرار من المحكمة العليا بعدم قانونية ما اتخذ ضده لم تطبق السلطة التنفيذية القرار وكان ذلك بمثابة تمهيد لانقلاب مايو 1969 الذي شارك فيه الشيوعيون. وفي انتخابات 1986 تحالف حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي على اسقاط د.حسن الترابي زعيم الجبهة الإسلامية (بدائرة الصحافة) في الخرطوم وكان ذلك أحد الأسباب التي مهدت للتغيير العسكري في 30 يونيو 1989 والذي شاركت فيه الجبهة الإسلامية القومية ثم تطورت المشاركة إلى احتكار السلطة باسم حزب المؤتمر الوطني.

× الأحزاب الجهوية

يشير د.عمر إلى ان أحزاب الجنوب تفرغت للنشاط السياسي الإقليمي ولم تتمكن من اثبات قوميتها، انتهت الحرب الأهلية الأولى بتوقيع اتفاقية أديس ابابا عام 1972 بين (النميري) والانانيا بقيادة اللواء جوزيف لاقو ولكن في عام 1982 تكونت الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة د.جون قرنق واستمرت الحرب حتى عام 2005 حيث تم التوقيع على اتفاق سلام نيفاشا ولكنه سلام مهدد بخيار الانفصال وباستمرار التدخل الخارجي وبالحاجة إلى إعادة البناء والتعمير خاصة بعد وفاة د.جون قرنق المفاجئة.

كذلك نشطت جبهات عسكرية جديدة بدارفور وجبال النوبة والانقسنا وشرق السودان باعتبارها مناطق مهمشة واصبحت لها كيانات سياسية تمثلها وقد ساعد على اذكاء نار الحرب طمع الأجانب في الموارد الاستراتيجية المكتشفة في هذه المناطق، إضافة إلى عدم الإدارة السليمة لحل الخلافات والنزاعات بالوسائل السلمية داخل البلاد، وهي جميعاً تسعى للمشاركة في السلطة والثروة في غياب الانتخابات العامة وامام خطر التدخل الخارجي الماثل بدواعي الكوارث الإنسانية وخروقات حقوق الإنسان.

× السلطة القضائية... والسلطة الرابعة

لم تستبعد (الورقة) تأثير السلطة القضائية سلباً في ظروف الديمقراطية والشمولية ففقدت كفاءات مدربة ونزيهة وبالتالي فإن النظام الديمقراطي، الذي يعترف بالعدل كأحد أركانه الرئيسية قد اهتز كثيراً. وبذلك فقد فتح المجال امام كافة الممارسات غير القانونية لاسترداد الحقوق بما في ذلك اللجوء إلى استخدام العنف سواء من جانب الحكام أو المحكومين.

× الصحافة ووسائل الإعلام

في ايجاز يقول د.عمر (تعتبر الصحافة واجهزة الإعلام الأخرى بمثابة السلطة الرابعة في أية دولة، فاذا ضعفت .. ضعفت الديمقراطية.. وتضعف السلطة الرابعة التي تعكس هموم الشعب وتنتقد موضوعياً الأداء الضعيف للسلطات الأخرى بسبب عدة عوامل منها: غياب الحرية وضعف الكفاءات الإعلامية وعدم التأثير على قطاعات كبيرة من السكان لسبب الأمية أو عدم المصداقية او الصعوبات الفنية... وقوة السلطة الرابعة تعتبر قوة للدولة رغم ذلك لم تجد الاهتمام المطلوب وقد عجزت العديد من الأحزاب في اصدار صحفها في اوقات الديمقراطية كما احتكرت أحزاب أخرى الصحف وأجهزة الإعلام الأخرى في اوقات الشمولية.

بانوراما الأحزاب السياسية السودانية وتقاطع مفاصلها مع كل مفصل اكثر سواداً وتشاؤماً لم تمنع الورقة في ان تستعير مقولة محمد أحمد محجوب الواردة في كتاب الديمقراطية في الميزان والقائلة (ان الديمقراطية وحدها قادرة على تأمين الظروف التي يبلغ فيها السياسيون مستوى رجال الدولة بعد الخبرة الطويلة التي يكتسبونها خلال سنوات طويلة في المناصب. أما في النظام الذي هو أقل من ديمقراطي فالمصلحة الشخصية والطموح يصبحان الوسيلة الوحيدة للمحافظة على المناصب، بدلاً من الاعتماد على اقرار الناخبين وموافقتهم على السياسة التي تكون في مصلحة البلد).

وتواصل (السوداني) استعراض الحزب السياسي السوداني عشية التحول الديمقراطي المرتقب.


http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147511141&bk=1

Post: #603
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 11:35 PM
Parent: #602


اتخاذ القرار داخل الأحزاب السياسية السودانية
علي محمد عطية مدني

لمعالجة جوهر هذا الموضوع لا بد من هذه التوطئة التي أحاول فيها بيان المنهج الذي اتبعته لكتابة هذا المقال السردي التحليلي ثم أحاول رسم إطار عام لتفاصيل صورة المقال السردي التحليلي عل ذلك يعتبر فاتحة شهية لمعرفة تفاصيل الصورة المراد تبيانها.

فالمنهج الذي اتبعته في كتابة هذا البحث هو المنهج السردي التحليلي الجانح للاسلوب العلمي وهناك صعاب جمة تحول دون التقيد التام بهذا المنهج رغم توافر المراجع الكثيرة والمتعددة باللغتين العربية والانجليزية والمقالات العلمية رفيعة المستوى بالدوريات العلمية والثقافية والوطنية والإقليمية فكتابة مقال سردي تحليلي رصين يسبر غور هذه القضية وكما سبق وأشرت تعتريه صعوبات جمة نسبة لأن ما كتبه فيه الكتاب السودانيون الوطنيون اثر عليه الصراع الحزبي الضيق وتباينت فيه وجهات النظر، عدا كتابات أكاديمية رفيعة المستوى ومحايدة لأكاديميين سودانيين مثل كتابات المرحوم البروفيسور محمد عمر بشير وترجمات لكتاب إداريين ومهنيين بريطانيين رغم تحفظ البعض عما ورد في بعضها.

علي محمد عطية مدني

اهم القرارات التاريخية للاحزاب اعلان الاستقلال داخل البرلمان

هذا هو الطريق للاصلاح السياسي

جانب من مفاوضات الشرق

وهناك أيضاً كتابات بعض الاخوة المصريين عن سياسات السودان وأحزابه والتي ايضاً لا يخلو معظمها من نظرات استعلائية أو اختزال للحقائق، أو لجنوح بعضها لتحقيق أهداف ومرامٍ سياسية معينة.

لكن رغم كل ذلك سنجنح للعملية وفقاً للرؤى الأكاديمية عن القرار السياسي وصنعه واتخاذه وتأثيراته وعواقبه.

اما الإطار العام للصورة المراد تبيانها فحصرناه في ثلاثة محاور وملحق واحد يتناول المحور الأول ـ لمحة خاطفة عن الأحزاب السياسية السودانية تكوينها وأهدافها وبرامجها وصنع القرار السياسي فيها.

والمحور الثاني يتطرق لأهم القرارات السياسية المفصلية لبعض هذه الأحزاب والتي كان لها الأثر في تطورات الأوضاع السياسية بالبلاد.

أما المحور الثالث فيتناول ملخص المقال أو ختام المقال كما درج على تسميته معظم كتاب البحوث والمقالات العلمية.

اما الملحق فخصصناه لمرجعيات هذا البحث من كتب ومقالات ودوريات فذيلنا به بحثنا دعماً للنهج العلمي الأكاديمي المتبع في هذا الشأن.

المحور الأول:

لمحة خاطفة عن الأحزاب السياسية السودانية

تكوينها واهدافها وبرامجها وصنع القرار السياسي فيها.

ظهرت الأحزاب السياسية السودانية ـ خاصة التقليدية ـ مرتبطة بأبرز طائفتين دينيتين هما طائفتا الأنصار والختمية. فطائفة الأنصار مؤيدو الإمام المهدي شكلوا (حزب الأمة) وطائفة الختمية بزعامة مولانا السيد/ علي الميرغني شكلوا الأحزاب الاتحادية وكانت عدة أحزاب تطورت واندملت مشكلة الحزب الاتحادي الديمقراطي الحالي والأحزاب الاتحادية الأخرى المنشقة منهم)، وهناك أحزاب جهوية مثل (مؤتمر البجا 1957م) وجبهة ( نهضة دارفور) و(سوني بغرب السودان) وأحزاب الجنوب مثل (جبهة الجنوب) و(حزب سانو) وأحزاب جنوبية أخرى و(إتحاد جبال النوبة) و( الحزب الجمهوري الإشتراكي) الذي أسسه الإنجليز من كبار زعماء العشائر ورجالات الإدارة الأهلية نكاية للحزبين التقليديين ( الامة والإتحادي) وخاصة حزب الأمة بعد بروز خلافات بينه وبين الإنجليز إلا ان هذا الجزب قد إختفى عقب إنتخابات الحكم الذاتي عام 1953م ورجع كثير من قاداته للحزب الأصلي الذي أنشقوا منه وهو حزب الأمة.

وهناك الحزب الجمهوري الذي يدعو للتجديد الإسلامي والذي أعدم مؤسسه وقائده الأستاذ/ محمود محمد طه عشية نهاية فترة حكم نميري.

وتلى ذلك ظهور أحزاب عقائدية ( الجبهة المعادية للاستعمار) التي تحولت للحزب الشيوعي السوداني فيما بعد و( الحركة الإسلامية بمسمياتها المختلفة ـ جبهة الميثاق الإسلامي ـ الجبهة القومية الإسلامية ـ المؤتمر الوطني ـ المؤتمر الشعبي) وهناك احزاب ذات اثر ضعيف مثل أحزاب ( حزب البعث) سواء كان منتمياً لسوريا أوللعراق.

والحزبان الكبيران المسنودان بسند طائفي كان لهما سند شعبي وجماهيري كبير اتى هذا السند ليس لقوتهما التنظيمية أو اداؤهما لكن الظرف الدولي والإقليمي عند مولدهما ساعدهما على تكوين هذه الشعبية حيث بوادر إنتهاء الحرب العالمية الثانية وإتساع نطاق حركات التحرر العالمية وبروز القطبين الدوليين ووعود الدول الإستعمارية خاصة بريطانيا وفرنسا بإعطاء حق تقرير المصير لشعوب البلدان المستعمرة أضف إلى ذلك الشخصيات القيادية لكل الحزبين آنذاك كانت شخصيات فذة ذكية وشخصيات ملهمة( كارازمية) إستطاعت حشد الجماهير حولها أضف إلى ذلك أن السياسة الإستعمارية( البريطانية بالتحديد) ساعدت على خلق الطائفتين كقوى مالية وذلك بإقطاعها الإقطاعات الضخمة من الأراضي بالمدن المهمة والأراضي الزراعية الخصبة وسهلت لهما العمل التجاري والمالي والإستثماري ( دائرة الميرغني ـ دائرة المهدي) ونظرة الإستعمار في ذلك هي المساعدة لبقائه بالبلاد أكبر فترة ممكنة وذلك بشق وحدة الصف الوطني السودان فخلق بذور الخلاف والضغائن والإحن بين الطائفتين وإنعكس ذلك على الحزبين اللذين يمثلان هاتين الطائفتين.

وبما أن الحزبين الرئيسيين قد تكونا وإستويا على سوقيهما عشية نضج الحركة الوطنية معززة بحركات التحرر الوطني لتقرير المصير وتحقيق الإستقلال فإن الهياكل التنظيمية لهذه الأحزاب وشؤونها الإدارية(خاصة الأحزاب التقليدية) لم تكن بالمستوى الذي يتلاءم وجماهيرية وشعبية تلكم الأحزاب وإنعكس ذلك على آلية صنع القرار السياسي بتلكم الأحزاب ولايفوتنا ان نشير إلى ان الهياكل الإدارية والتنظيمية للأحزاب العقائدية ( الشيوعي والحركة الإسلامية) تميزت بالقوة والتسلسل الهرمي ووجود اللوائح رغم ان القرار السياسي بداخلها يتبلور في النهاية بيد الرجل الأول والملتفين حوله كماهو موجود وممارس بصورة أكثر وضوحاً بالأحزاب التقليدية.

ومن المؤثرات الجديرة بالملاحظة ان القرار السياسي بتلكم الأحزاب ( التقليدية) تأثر بالشللية واحياناً بالعاطفة، وإتسم بالسرعة وبعدم إجراء الدراسات المتأنية، ويمكن القول وانه وفقاً لطبيعة تكوين المجتمع السوداني وإرثه الحضاري والإجتماعي خاصة وانه مجتمع تقليدي رعوي زراعي، تسود فيه شخصية القائد التقليدي الواحد( ناظر ـ عمدة ـ شرتاي ـ مك) فإن ذلك إنعكس على إستحواذ رئيس الحزب أو زعيمه على حسم الموضوعات الكبرى والقرارات المفصلية بنفسه.

وحيث أن الأحزاب ـ خاصة الكبرى كان همها الحصول على أكبر عدد من المقاعد بالبرلمان جرياً وراء كراسي الحكم لذا فإن نشاطها كان يدور عشية معركة الإنتخابات وإتسمت قراراتها السياسية في تلكم الفترة بالعجلة وفقدان البعد الديمقراطي وعدم قبول السماع للرأي الآخر ووضح جلياً ذلك في قرارات الفصل لكوادر قيادية وتزكية أفراد بعيدين عن السند والتأييد الشعبي للتشريح فقط لأن زعيم الحزب أو رئيسه أو بعضاً من المقربين إليه يفضلون ذلك الشخص.

لم تسلم الأحزاب العقائدية من الضيق بالرأي الآخر داخل أحزابها وحسم الخلافات بالفصل وهناك تاريخ حافل لذلك بالحزب الشيوعي السوداني وبالجبهة الإسلامية بكافة مسمياتها مما سنتعرض له لاحقاً.

والملاحظة الإجمالية العامة للممارسات السياسية للاحزاب السياسية السودانية فقدان الديمقراطية الحقيقية داخلها وإحتكار القيادة وعدم عقد مؤتمراتها الدورية بكشل منتظم بل إن بعضها لم يعقد مؤتمره العام لحوالي عقدين أو ثلاثة عقود إذا إستثنينا من ذلك بشكل غير مخل حزب الأمة القومي بشكله الجديد ( فترة الديمقراطية الثالثة بالسودان) والتي كان له فيها أغلب المقاعد بالبرلمان قبل إستيلاء الإنقاذيين على السلطة في 30يونيو 1989م.

المحور الثاني:

أهم القرارات السياسية المفصلية للأحزاب السياسية السودانية اتخذته قيادات الحزبين التقليديين الكبيرين (الأمة والاتحادي الديمقراطي) ، وهناك قرارات سياسية مفصلية للأحزاب العقائدية سنتطرق لها في حينها.

القرار السياسي التاريخي الذي وثقه التاريخ السياسي الحديث بالسودان هو قرار إعلان استقلال السودان من داخل البرلمان في يوم الأثنين19 ديسمبر 1955م والذي تم التشاور والإتفاق فيه بين الحزبين الكبيرين الإتحادي والامة وبقية القوى السياسية الأخرى والذي تم إعلانه في الجلسة التاريخية التي أشرنا إليها والتي توجت بإستقلال السودان في الأول من يناير1956م.

وهناك قرارات سياسية إتخذتها الأحزاب وحكومتها الحزبية بتبني دعم حركات التحرر الوطني الافريقي والعالم العربي.

والقرارات السياسية التي أقرت ان يكون السودان أحد مؤسسي حركة عدم الإنحياز واشتراكه الفعلي في مؤتمر باندونق المشهور بإندونيسيا كأحد المؤسسين الفاعلين فيه.

ثم كانت قرارات الأحزاب السياسية بمقاطعة ومعارضة الحكم العسكري الأول بقيادة المرحوم الفريق إبراهيم عبود(17 نوفمبر 1958م ـ 20 أكتوبر1964م) وما لاقاه قادة الأحزاب من سجون ومطاردات ثم أتت فترة الديمقراطية الثانية من أكتوبر 1964م في 25 مايو 1956م التي إنشغلت فيها الأحزاب بالصراعات السياسية وإتسعت فيها الأعمال الحزبية الضيقة. ونلاحظ أن أهم القرارات طرد نواب الحزب الشيوعي من البرلمان التي إتفقت عليه الأحزاب التقليدية والحركة الإسلامية ثم إتسعت دائرة نطاق الصراعات الحزبية ، فلجأ الحزب الإتحادي الديمقراطي بخطة محكمة بحل الجمعية التأسيسية بدعوى إستقالة ثلثين من أعضائها، ولهث حزب الأمة لإعادتها دون جدوى.

تلى ذلك قيام الحكم العسكري الثاني من 25مايو 1969م حتى 6أبريل 1985م وكانت القرارات السياسية للأحزاب التقليدية الكبرى مقاطعة الحكم العسكري بل وصل طور حزب الامة بقيادة الإمام الهادي مرحلة الصدام العسكري مع النظام بالجزئرة أبا وإستشهاد الإمام الهادي المهدي، تلاه تكوين الجبهة الوطنية للأحزاب بليبيا واثيوبيا فتصاعدت وتيرة صدور القرارات السياسية للأحزاب لمقاومة النظام المايوي وتوج بالغزو المشهور 1976م الذي تم دحره.

اتخذ حزب الامة بعد ذلك نهج المصالحة فكانت قراراته السياسية بالمصالحة الوطنية1977م.أما الشريف الهندي أحد أعمدة الجبهة الوطنية فلم يتصالح حتى نهاية الحقبة المايوية،رغم أنه توفى قبل إنتهاء الحقبة المايوية،وعلى الرغم من ان حزبه في الداخل قد تصالح مع النظام المايوي بقرارات سياسية اتخذها بالداخل وبموجب هذه المصالحة دخل السيد / أحمد الميرغني نائب رئيس الحزب ونائب زعيم طائفة الختمية المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي الحزب الحاكم في عهد نميري.

وفي الفترة الإنتقالية (أبريل 1985 ـ مايو 1986م) إنشغلت الأحزاب السياسية بالإنتخابات، والتي تم بموجبها قيام الحكم الديمقراطي الثالث الذي لم يدم غير ثلاثة أعوام وأشهر معدودة ولم نلحظ أي قرارات سياسية إستراتيجية للأحزاب السياسية السودانية في تلكم الفترة عدا القرارات السياسية بمؤتمر كاوكادام بأثيوبيا والتي وافقت فيها الأحزاب لأول مرة بمنح الجنوبيين حق تقرير المصير.

وقبيل إنقلاب يونيو 1998م العسكري إتخذت الأحزاب السياسية قرارات سياسية هامة لإعادة تشكيل حكومتها وإبعاد الجبهة الإسلامية مما دعا الإسلاميين للإستعجال لقيام إنقلابهم في يونيو 1989م.

وفي بداية الإنقاذ إتخذت الأحزاب السياسية التقليدية بالإضافة للحزب الشيوعي السوداني نهج المعارضة والمقاومة للإنقاذ وهاجرت للخارج مشكلة ( التجمع الوطني الديمقارطي المعارض) بل انها قد شكلت قوات عسكرية ووجدت بعض الدعم من دول الجوار وقد تزعم التجمع المعارض مولانا/ محمد عثمان الميرغني مرشد الختمية ورئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي، وقد ضم التجمع في فصائله عدا الأحزاب التقليدية الشيوعيين والحركة الشعبية بقيادة د. جون قرنق وبعض تجمعات عسكريين مبعدين من القوات المسلحة.

وبعد مدة من الزمن خرج حزب الامة من التجمع بل عقد إتفاقاً مع الانقاذ بجيبوتي وتم هذا بناءً على قرارات سياسية اتخذها حزب الأمة القومي.

ثم دارت عجلة الزمن لتتخذ الحركة الشعبية قرارات سياسية بالمفاوضة المباشرة مع النظام في ابوجا ونيروبي ونيفاشا ليتوج ذلك بإتفاقية نيفاشا للسلام.

إنتقل التجمع بثقله لأسمرا عاصمة أرتريا وظل على علائق طيبة بالرياض وأديس ابابا والقاهرة، ونجحت حكومة الإنقاذ في تقوية وضعها الداخلي وكسب جولة المفاوضات مع الحركة الشعبية مما جعل التجمع يدخل في مفاوضات معه لعب دوراً متميزاً فيها وإتخذت الأحزاب السياسية السودانية وقرارات سياسية هامة للدخول في المفاوضات مع حكومة الانقاذ بل في المشاركة الجزئية المحدودة في السلطة.

فأشتركوا في حكومة الوحدة الوطنية بشقيها التنفيذي والتشريعي وعقدوا إتفاقية القاهرة مع نظام الإنقاذ وتمت لقاءات جدة والرياض إشترك الحزب الإتحادي الديمقراطي بالسلطة التشريعية والتنفيذية على المستويين الاتحادي والولائي وإكتفى الحزب الشيوعي السوداني بالإشتراك في السلطة التنفيذية.

والملاحظ في كل قرارات الأحزاب السياسية السودانية في الفترة الأخيرة منذ بداية عام 2004م إتسمت بالموضوعية والمرونة.

لكن هنالك أمر لابد من ملاحظته وهو انه وبعد احداث المفاصلة بين الإسلاميين وانقسامهم لمؤتمر وطني حاكم ومؤتمر شعبي معارض كانت القرارات السياسية الصادرة من الطرفين تتسم بالكيدية والتآمر وأحياناً هذه القرارات السياسية للحزبين تنعكس على الأوضاع الأمنية خاصة في العاصمة المثلثة وفي أطراف البلاد بالغرب والشرق وبعض هذه القرارات السياسية فاقمت الصراعات في أوساط النقابات المهنية والحركة الطلابية وتنظيمات الشباب والمرأة.

اما الحقبة الأخيرة لعهد الإنقاذ ونتيجة حتمية للصراعات الحزبية بين الإنقاذ بقيادة حزبها الحاكم المؤتمر الوطني والأحزاب السياسية الأخرى المعارضة ولظروف الأحزاب السياسية الداخلية فإن صدور القرارات السياسية من كافة الأطراف تسارعت وتعدد معها شبح الإنقسامات الحزبية فإنقسم حزب الأمة لأكثر من حزبين وكذلك الإتحادي الديمقراطي لأكثر من حزبين.

شهدت كذلك الفترة الأخيرة قرارات سياسية محورية لحركة التحرير بغرب السودان بقيادة مني أركو بالدخول في مفاوضات مباشرة مع الانقاذ أثمرت عن توقيع إتفاق ابوجا للسلام واتخذت الحركة اسلوب العمل السياسي السلمي مع النظام كما إمتنع فصيل منشق من حركة التحرير وفصيل آخر من التوقيع على الاتفاق.

كذلك شهدت الستة أشهر الماضية قراراً سياسياً من مؤتمر البجا المسلح بأرتريا في الدخول في مفاوضات مباشرة مع الإنقاذ بواسطة دولة أرتريا لإيجاد حل سلمي لقضية شرق السودان وتم التوصل لإتفاق إطاري بوقف العدائيات وبدء مفاوضات نهائية في يوم 17 يوليو الجاري بأسمرا للوصول لحل نهائي سلمي لقضية الشرق.

خاتمة:

* ومنذ قيام أول حكومة وطنية للحكم الذاتي بالسودان في عام 1953م وعند قيام أول حكومة كاملة السيادة في يناير 1956م كان السودان في وضع سياسي قوي دولة مستقلة كاملة السيادة وتتمتع بعضوية هيئة الامم المتحدة. واسهمت حتى قبل نيلها الاستقلال في دعم حركات التحرير الوطني وقيام منبر دول عدم الإنحياز بباندوق وكانت الدولة مثالاً للمؤسسية وإستقلال السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وتتمتع بالحريات النقابية والصحفية والحريات العامة ولها إسهامها في المجتمع الاقليمي والدولي وداعمة لقضايا الامن والسلم الدوليين ويعتبر السودان من الأعضاء الأوائل لجامعة الدول العربية ومن المؤسسين لمنظمة الوحدة الافريقية ـ الاتحاد الافريقي ـ الآن.

كل هذا جاء بحكمة ورجاحة عقل السودانيين الأوائل قادة الاحزاب السياسية السودانية وفعاليات المجتمع ونخبة وقادة مجتمعه المدني.

وكل هذا يرجعنا للقرارات السياسية الشجاعة والإستراتيجية لقادة الأحزاب السودانية في تلك الفترة والتي إنعكست بدورها على أوضاع البلاد العامة ونهج حكوماتها في تلكم الفترة.

* إتسمت القرارات السياسية للاحزاب السياسية السودانية خاصة التقليدية منها بمناهضة الحكم العسكري في البلاد. بل انه بحساب بسيط نجد فترات الحكم العسكري منذ الإستقلال وحتى الآن بلغت اربعين عاماً بينما بلغت فترة الحكم الديمقراطي إحدى عشر عاماً متقطعة حيث لم يدم أي حكم ديمقراطي لأكثرمن خمسة أعوام فقط.

* ولكي تنصلح آلية صنع القرار السياسي بالأحزاب السياسية السودانية جميعها دون إستثناء فينبغي إتباع الآتي:ـ

* إصلاح الهياكل التنظيمية لهذه الأحزاب أو مايسمى ( بإعادة الهيكلة) وإنتهاج الأسلوب الديمقراطي في ذلك.

* قيام المؤتمرات العامة الدورية بشكل ديمقراطي وإنتخاب القيادات بإقتراع حر مباشر وتحديد فترة زمنية محددة لدورة القيادات عام أو عامين أو على الأكثر ثلاثة أعوام تفصل بين كل مؤتمر عام وآخر.

* إنتهاج أسلوب القيادة الجماعية ومبدأ الشورى والحوار الديمقراطي المباشر.

* البعد عن الكيد والصراع الحزبي الضيق.

* الفصل بين المصلحة الحزبية الضيقة ومصالح البلاد الوطنية العليا.

* التقيد بمبدأ التداول السلمي للسلطة عبر الإنتخابات الحرة العامة.

* التقيد التام بفصل السلطات بالدولة خاصة القضاء الحر المستقل الحصن المنيع للعدل.

* بسط الحريات العامة في البلاد خاصة الحريات الصحافية وحريات الاجتماعات والمنتديات السياسية والعلمية والاجتماعية يطور النقد والنقد الذاتي ويتحسن بذلك مناخ إتخاذ القرار السياسي داخل الأحزاب السياسية بل وفي الدولة ومنظمات المجتمع المدني.

* البعد كلية عن إتخاذ أي قرارات سياسية تدعو للصراع القبلي والجهوي وتدعو لسياسات العنف والتصفية والإقصاء.

* تحديد فترات زمنية محددة لبقاء رئيس الحزب أو زعيمه لدورات محددة بالرئاسة يحرر القرار السياسي داخل الأحزاب السياسية من الاحتكار والتسلط والديكتاتورية ويشيع الديموقراطية داخل الاحزاب السياسية لكن ينبغي تقنين ذلك بدساتير ولوائح الأحزاب السياسية.

* البعد عن إحتكار السلطة والعمل العام لجهة واحدة أو حزب واحد فقط يتم تداول السلطة سلمياً عبر إنتخابات حرة مباشرة وينص على ذلك في دستور البلاد.

* الإستفادة الكاملة من الثورة المعلوماتية والرقمية وسلاسة تدفق المعلومات لأجهزة الأحزاب السياسية وستترتب على ذلك مردودات إيجابية في إتخاذ القرارات السياسية لتلك الأحزاب.

* المصداقية والشفافية في تعامل الأحزاب مع بعضها البعض وتعامل الحكومة مع الأحزاب.

* القرارات السياسية الصادرة من الأحزاب السياسية والمتعلقة بعلاقة البلاد بالمجتمع الدولي والاقليمي ينبغي دراسة موضوعاتها بعناية وتأنٍ والبعد كلية عن إتخاذ القرارات العاجلة والفطيرة والنأي عن إتخاذ قرارات بردود أفعال ويرجي النظر بسعة أفق لما سيترتب على هذه القرارات من نتائج على البلاد فتقييم الظرف الدولي والإقليمي تقييماً علمياً دقيقاً واجب مهم وملح في هذا الصدد ويستحسن إصدار هذه القرارات بعد مشاورات جماعية مع كل قادة الأحزاب السياسية والنخب النافذة بالمجتمع وأجهزة الدولة المختصة المعنية بالأمر.


http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147510712&bk=1

Post: #604
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 11:38 PM
Parent: #603


لايمكن التبرؤ من التاريخ
محمود دفع الله الشيخ المحامي

الأستاذ/ محجوب عروة

تحية طيبة،

بالإشارة لعمودكم (قولوا حسناً) الوارد في صحيفة (السوداني) عدد الثلاثاء 18 يوليو 2006 والذي جاء بعنوان (تصحيح لوزير الدفاع) ورد فيه ان الرئيس جعفر نميري قد اسر لك بأنه يعد لانقلاب في الداخل، وذلك ابان وجودك في القاهرة لتسجيل حوار صحفي معه، وكانت اجابتك له كما سطرتها انت على النحو التالي:

(فتظاهرت بالإعجاب بالفكرة ومثلت له ولأعوانه، وقلت له لماذا لا تنسقون مع الإسلاميين؟). فيما يتعلق بإجابتك تلك فهنالك خطآن الأول: انك قلت (مثلت له) والمعروف ان الذي يمثل (لـ) شخص يكون الأخير على علم بتمثيله كالمتفرج الذي ينظر لعمل درامي او سينمائي وهو على يقين ان المؤدين له ممثلون، وكان من الأحرى بك ان تقول (مثلت عليهم) إلا إذا كان نميري على علم بتمثيلك (له)؟.

وثاني الخطأين اللذين وردا في ردك في قولك: (لماذا لا تنسقون مع الإسلاميين؟) والمعلوم انك في ذاك التاريخ كنت ملتزما بصفوف الإسلاميين، فلماذا لم تقل له: (لماذا لا تنسقون معنا؟) أم انك قلت له بالفعل وأجريت للعبارة اعادة صياغة لتتماشى مع تبرؤك من الإسلاميين؟.

المهم في الموضوع والذي حداني لتسطير هذا الرأي هو ردك (الخداعي) لنميري وقد اصطحبت فيه المبدأ الميكيافيلي (الغاية تبرر الوسيلة) وبالتالي خالفت شعارك الذي (طالما) زينت به عنوان عمود (قولوا حسنا) وأثبت ان السياسة فعلا لعبة تجوز استخدام كافة الوسائل ے(DIRTY GAME).. فيا سيدي الفاضل ان محاولات الانقلاب لا تحبط بالخداع، بل بالثورات والصدام وكان اجدى بك وبعد اعجاب النميري (بشجاعتك) ان ترد عليه رداً ثورياً وبنفس الشجاعة برفضك لمحاولة الانقلاب وعملك على تقويضها... فالباطل لا يجابه بالباطل، بل بامتشاق كلمة الحق.. وبالتالي فإن هذا يشكك في نكرانك عدم علمك بانقلاب زملائك القدامى.

كما انني لاحظت في عمودك الأول والثاني انك تناولت تاريخك الشخصي وتاريخ الإسلاميين بشئ من (اجتناب وحيادية كاملة) وفي ذلك خطأ، إذ لا يعقل ان يفصل المرء نفسه عن تاريخه حتى وإن كان يعتقد في خطأ انتمائه أو تجربته، فمن العدل ان يظهر ذلك وأن يفخر بتاريخه ان كان مشرقا، وإن كان عكس ذلك فعليه واجب سرده ايضا دون تزيين.. فالذي لا تاريخ له بالضرورة ينعدم مستقبله ويكون باهتاً، وحاشاك سيدي منه...

ان تتحدث عن الإسلاميين تاريخيا وكأنك لم تكن منهم امر لا يتوافق مع التوثيق حتى وإن كنت تعارضهم حاليا. اقول قولي هذا رغم انني من اشد الناس خصومة للفكر المتأسلم سياسيا لدرجة انه قد تعتريني قشعريرة عند أي جدال مع إسلامي، وذلك لأن لي مبدأ لا احيد عنه وهو ابعاد استخدام النصوص المقدسة عن ممارسة العمل السياسي، ترفيعا من شأنها ومنع الناس من اتخاذها اداة لتحقيق مكاسب وتخذيل معارض وفقا للقواعد (وأمرهم شورى بينهم) و(أنتم اعلم بشؤون دنياكم). ولكن معارضتي هذه لا تمنعني من احترام الكيانات السياسية الإسلامية والاعتراف بحقها في التعبير عن آرائها والتشجيع لاكتساب عضويتها، ولا يمنعني أيضاً من احترام (القلة) النزيهة من الإسلاميين، (والقلة) هذه مقصودة فالنزاهة لا تعني بالضرورة الكسب الحلال، فقط فالساكت عن الحق شيطان اخرس. وكم من فئة من الإسلاميين طوال الأعوام السبعة عشر عاما كانوا وظلوا انقياء السريرة نظيفو الأيدي إلا انهم شاركوا من اعتراهم (طغيان) في آثامهم عبر صمتهم وعدم جرأتهم على قول الحق... وبالتالي لا يمكن ادخالهم برأيي في الفئة القليلة، وهذا ما اثبته الممارسة العملية وتجربة الحكم... وبالتالي اتاحوا فرصة تاريخية لتأكيد نبوءة الشهيد محمود محمد طه، التي تنبأ بها قبل ثلاثين عاماً ولا زلنا في انتظار خاتمة النبوة بعد (الحكم وإذاقة الأمرين فالتطاحن) وهي (ينتهون إلى زوال).

سيدي الفاضل، أما آن لكم ان تدونوا أخطاء الجبهة الإسلامية التي ادخلت السودان لجهنم قبل اوانها منذ العام 1977 (وحتى الآن)؟ أما آن لكم انتم شخصياً و(كجبهجي سابق) التكفير عن دعم نظام النميري ومنع الشعب من (شنقه هو وزمرته)؟.. وهي دعوة أخرى للمنشقين عن الحزب الشيوعي الذين دعموا نظام مايو.

من حقك يا سيدي ان تنشد التقوى وأن تتبرأ من أحاديث (عنقرة) ولكن ايعقل ان تركب للهدى عمدا قطارات الجنون؟

الأستاذ المحترم محجوب، استميحك عذرا ان كان في أسطري السابقات بعض من غلظة وعبارات فظة، فحسبها كلمة حق اريد بها حق.. نرجو نشرها لتأكيد ايمانكم بحرية الرأي الآخر وأحسب انكم كذلك.

وتقبل مودتي وعميق احترامي

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147508000&bk=1


Post: #605
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 11:40 PM
Parent: #604


البقاء للأجمل.. كانت لنا أيام ..السودان القديم.. أو العصر الماسي
نجيب نور الدين

عن أي شئ كان يبحث د. نور الدين شلقامي عبر هذه الدعوات واللقاءات التي ينظمها من وقت لآخر بداره العامرة حيث يجتمع ابناء المدينة الرائعة كوستي التي كانت باذخة في زمان ما وهي التي أنجبت مجتمعاً وأفراداً من أولئك الناس الذين يجعلون العالم مكاناً أفضل ويحفزون الإنسانية في بحثها الدؤوب عن التوحد والاستقرار والرفاهية؟ وما زال السؤال قائماً حين يجتمع في دار شلقامي أجيال من امثال العملاق عمنا يونس الدسوقي وود الشاذلي.. وعناق اصدقاء وزملاء يقول أحدهما للآخر هذه ثلاثين عاماً ولم نلتق.. ما هذا؟!

كيف يجمع شلقامي هؤلاء الناس حيث تتلاشى ألقابهم وفيهم العلماء المبدعون والأغنياء والفقراء كل ذلك يختفي وراء فكرة هائلة لصيقة جداً بالانتماء والروح وحالة كوستي ومجتمعها.. أعتقد أن شلقامي يلبي نداءات عديدة كلها تتوق إلى الأيام الخوالي وما حملته من بهاء وعظمة.. وهي أيضاً الحالة السودانية والعالمية في ذلك الزمان الذي اسموه العصر الذهبي وأسميه العصر الماسي.. في الفترات التي امتدت ـ حسب تقديري وقراءة التاريخ ـ بين نهاية الخمسينيات حتى منتصف السبعينيات من القرن الماضي ووقفت سنوات الستينيات وحدها عصراً كاملاً بل ملحمة رائعة حتى الذروة عاشها العالم والسودان وكأن السماء تعطينا انموذجاً حياً لطاقات الإنسانية إذا أرادت ان تخلق الجنة على الأرض.. وبحثاً عن هذا التناسق والتناغم الداخلي في الإنسان والكون سعى علماء الفيزياء منذ اسحق نيوتن.. وحتى سبعينيات القرن الماضي ليكتشفوا أخيراً (جمال التوحد) الذي يشمل ظواهر الكون الأربع الكهربائية والمغناطيسية والنووية والجاذبية ومثلوا على ذلك باستقرار الإقمار الصناعية في مداراتها النائية حول الأرض انما هو محصلة (تناسق بديع) بين قانون الجاذبية الأرضية وقانون القوة الطاردة المركزية.. هذا تفسير علمي آخاذ اوردته هنا ليس بحثاً عن الإجابة عن الحالة الإنسانية التي مرت بهذا الكوكب في منتصف القرن الماضي لان مجرد محاولة تفسير التاريخ تبدو محاولة ساذجة، بل ان كثيراً من اللحظات الهائلة والعظيمة تبدو عصية على منطق التفسير..

لكنني أبحث كما يبحث شلقامي والمغنون والشعراء عن حالة الاستدعاء الدائم للأجمل في حياتنا ونحن جيل محظوظ اننا وجدنا في هذه الحياة في تلك الفترات فعاصرنا افذاذ ذلك العصر.. تمتعنا بطفولة حقيقية في فترات سلام عامة اجتاحت العالم عقب حربين عالميتين.. كل شئ كان بديعاً اساتذتنا في المدارس.. نظامنا الإداري.. الخدمة المدنية.. بيوتنا الرملية الطينية قبل ان يدهمنا (السراميك) وكثير من الزيف وكثير من الحزن.

والغناء اجمله سجلته تلك السنوات البهية وصديق منزول وبرعي وجكسا وكمال عبدالوهاب من تلك السنوات. السينما.. قدمت افضل ماعندها خلال المائة ونيف من السنوات منذ بداياتها في تلك الفترة.. المبدعون الكبار خرجوا من تلك المدن والقرى والبوادي في السودان وفي الغناء والموسيقى والشعر والقصة والرواية والسياسة.. كان هنالك تاريخ سوداني مميز نابع من قيم انسانية جديرة بالتقدير والاحترام بل والتأمل والنبوءة .. كما يزعم الأستاذ الشهيد محمود محمد طه بان السودان سوف يكون قبلة أنظار العالم ونقطة لالتقاء اسباب السماء باسباب الأرض.

قد يقول قائل اننا نعيش الآن في عصر النقلات التكنولوجية الهائلة وثورة الاتصالات الرقمية المهدشة والابحاث العلمية الضخمة وانعكاس ذلك على الحالة الحضارية للعالم.. إلا اننا في خضم كل ذلك نفقد ذلك الابهار المعنوي والروحي الذي قدمته تلك السنوات وربما هي تلك الحالة التي تشير إليها الأبحاث العلمية في استقرار ظواهر الكون وجمال التوحد والتي عاشها العالم بالفعل وانعكست على أهم موارده ومركزه وهو الإنسان الذي بدأ الآن تائهاً واقرب كثيراً إلى عصور الظلام الأولى رغم الإنجازات الضخمة الموازية من الفخامة في السيارات والتطاول في البنيان واتساع عدد الحاجيات التي يحملها الإنسان معه من الموبايل والمفاتيح والحقائب والأوراق والخيبات المتواصلة.

صديقي د. نورالدين شلقامي كان الحديث وسيظل هو الاحتفاء ـ احتفاء جيلنا ـ بهذا الموكب التاريخي البهي الذي مر من أمام عيوننا يوماً ما ومضى ويا صديقي البقاء للأجمل.

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147505898&bk=1

Post: #606
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 11:42 PM
Parent: #605


في ذكــــــرى 25 مايــــــــو..أسئلــة حزينــة ومشروعــة لمايــو!!
ليس غريباً ان ينبت مخلوق كجعفر نميري في السودان ويسوم أهله الخسف والهوان، وكنت ترى الناس يحاولون ان يسابقوا القطار الذي يستقله والسيارة التي تحمله، وتخرج النساء فتيات وعجائز والرجال شباناً وصبية وكهولا.. كلهم كانوا يسبحون بحمده اجلالاً وإكباراً، ويرددون في السر والعلانية ألا بديل له، كأن العالم قد وقف عنده وليس هذا بغريب.. فقد ظن جعفر نميري، كما ظن هتلر والدوتشي بنيتو موسليني، ان هذه الجماهير تحبه وتعبده فبالغ في غيه وضلاله حتى أورد السودان موارد الهلاك. والطغاة دائماً تكون بصائرهم في خفاء، لأنهم لا يرون غير الدنيا وزينتها، ولا يفكرون في العاقبة.

حقاً لقد وجد جعفر نميري التربة الصالحة فقهر وفجر، وبطر وغدر واستبد وانفجر يحطم كل شئ.. وما دمنا وما نزال نحن نعيش في هذا الخدر، نصيح ونهتف ونعجز عن العمل، ولا نلتفت لإصلاح وتنمية بلادنا سيأتي نميري آخر.. ونميري آخر.. ويكون تاريخنا محكوماً بالطغاة. فنحن الذين نصنع الطغاة، وكل واحد استيقظت لديه النعرة العنصرية، وكل انسان يريد ان يحكم السودان، وكل قبيلة تهاجم الأخرى، ونظام نميري والنظم الأخرى أتاحت لهم ذلك (فرق لتسد).. السودان أصبح ولايات، والولايات أصبحت دويلات؛ كل دويلة تطمع أن تحكم السودان.

ان نميري ما كان يمكن ان يزول إلا بأسلوب وقوى انتفاضة ابريل والتي ما كان يمكن ان تتمكن من نميري إلا أنه اختار الخيارات القاتلة وأنها اختارت الخيار الصحيح في النضال وأسلوبه وقواه.. علّ ذلك كله يكون عبرة للشعب وقادته.. فكم من ملوك وقادة نسيهم التاريخ تماماً، وكم من قادة استغلوا الفرصة التي اتيحت لهم بتبوء موقع القرار فخلدوا انفسهم في التاريخ بانتقائهم للخيار الصحيح والممكن تاريخياً.

الشعب السوداني لم يتمكن من محاكمة نميري، وهل يستطيع صراحة ان يواجه كل الاتهامات التي وجهها الشعب السوداني اليه. فمنذ ان تولى مقاليد البلاد في اعقاب ثورة مايو 1969م وانقلابه على المهديين والأنصار وضرب الجزيرة أبا بالطائرات والصواريخ وقتل الهادي المهدي بعد التشهير به بأنه سكير وعربيد، ثم تهجمه على حزب الأمة الذي ارتبطت أسبابه بتاريخ أسرته والذي اعاده من جديد الى العسكرية بعد نظام عبود، وتنكره للشيوعيين رغم أن الثورة كثيراً ما كان يقال عنها وفي البداية انها شيوعية.. فقد ظهر نميري لأول مرة على سطح الحياة محاطاً بالشيوعيين عن يمينه ويساره، بل ان خطابه السياسي الأول كان بأقلام الشيوعيين.. لماذا؟ ورغم أن الحزب الشيوعي سبق ان رفض انضمام نميري اليه في أوائل الستينيات في مدينة مدني، ثم ما هي أسرار انقلاب هاشم العطا؟ وما هي أسباب تدخل قوى أجنبية لإفساد وإفشال هذا الانقلاب، وإسقاط الطائرة العراقية قبل وصولها الخرطوم والتي كانت تقل القيادات الشيوعية في بغداد، وتغيير مسار طائرة بابكر النور وفاروق عثمان حمد الله من لندن الى طرابلس حيث تم القبض عليهما؟! ولماذا اعدم نميري فاروق حمد الله وبابكر النور سوار الدهب رغم انه قال لزوجة نميري السيدة بثينة خليل، وأكد لها في لندن انه سيذهب الى الخرطوم ليطفئ نار هذا الانقلاب؟!

ألم يندم على اعدام فاروق عثمان وعبد الخالق محجوب والشفيع؟.. خاصة وأن الأخيرين حملا الى المشنقة وهما في الرمق الأخير من شدة ضربهما كانا ينازعان.. حتى قيل ان الضابط الذي أشرف على أعدامهما كان يبكي!!. وهل حقيقة طلب السادات من النميري ان يخفف الحكم على الشفيع، لكن سبق السيف العذل.. فجاءت المكالمة بعد ساعة من اعدامه؟!.

ثم ماذا كان يرى نميري في رجاله الذين اقتربوا منه في الحكم.. ماذا يرى في د.بهاء الدين ادريس الذي كانوا يطلقون عليه مستر (10%)، اشارة الى نسبة العمولة التي كان يتقاضاها من الصفقات التي كان يجريها؟، ومنصور خالد الذي هاجمه بكتاب كامل وأسباب عدم ترشيح نميري له كسكرتير عام الأمم المتحدة؟! ومحمد محجوب سليمان الذي أيد انقلاب هاشم العطا وبعد ذلك اصبح مستشاراً صحفياً للنميري.. كيف؟! وأبو القاسم محمد ابراهيم ومأمون عوض ابوزيد و.. وآخرين اقتربوا من نار السلطة وابتعدوا في سرعة البرق؟!

ولماذا انهار الاقتصاد السوداني ووصل الى حالة متردية؟! وهل سبب انهيار الاقتصاد السوداني ان نميري ترك الحبل على الغارب، كما يقولون، لعدنان خاشوقجي الذي كان يسيطر على تمويل المشاريع في السودان ومعه عبد اللطيف أبو رجيلة؟! وفي حواراته بعد الحكم حين يشير بأصابع الاتهام الى ان السبب الرئيسي في انهيار الاقتصاد السوداني يعود الى الثلاثي محمد الفيصل ود. محمد سعيد النجار والدلة الذين دمروا ے- على حد تعبيره - الاقتصاد السوداني من خلال البنوك الإسلامية!.

وإذا كان نميري كثيراً ما يفخر بأنه (ابن الساعي) فلماذا جعل أبناء الشعب السوداني في النهاية سعاة له؟!

ثم كان لا بد ان تمتد المواجهة الى موضوع في غاية الأهمية.. وهو تطبيق الشريعة الإسلامية في السودان؟!

وكيف تحول نميري من الانغماس في الحياة الدنيا الى تطبيق الشريعة الإسلامية؟! ولماذا الشريعة الاسلامية؟! هل بسبب الضغوط الاقتصادية؟ أم لإرضاء دول الخليج والسعودية لخطب ودها ومعونتها المادية؟ أم لكسب ود الجماعات الدينية؟ أم لإبعاد العناصر الفاسدة من حوله؟! أو ليس من الأسلم لمن يطبق عليهم الشريعة ان تشبع أولا بطونهم حتى لا تقطع أياديهم؟!.

ولماذا اعدم نميري محمود محمد طه واتهمه بالمروق في يناير 1985 خاصة وأن المحكمة برأت محمود طه وأوردت ان الركن الدامغ للردة غير متوافر.. وهو ان يعلن المرء مجاهرة وفي كل مكان انه خرج من ملة محمد (ص)، وكان محمود محمد طه يرفض الإلحاد؟! وهل حقيقة أمر النميري بإلقاء جثة محود محمد طه في البحر؟!.

كيف يصف جعفر نميري الإخوان المسلمين في أول عهده في الحكم بالمرتزقة والتوابع والأعداء، ثم يصبحون بعد ذلك - وفي نهاية حكمه - هم أهل السمع والطاعة؟!

وماذا عن مشكلة المشاكل في السودان.. الصداع الأزلي؛ مشكلة الجنوب؟.. وإذا كان جعفر نميري قد بدأ سياساته موفقاً نحو (مشكلة الجنوب) فقد أصدر في 9 يوليو 1969 قرارا باعتبار الجنوب منطقة اقليمية واحدة مع قبول الحكم الذاتي فيه. وقد اعقب ذلك انشاء وزارة خاصة بشؤون الجنوب تولى ادارتها جوزيف قرنق، فلماذا أعدمه نميري في حركة هاشم العطا عام 1971م مما ترك سلبياته على الجنوب؟!

ثم كان لا بد من فتح اخطر الملفات (ملف قضية اليهود الفلاشا في السودان). فلقد اعترف نميري اعترافاً خطيراً في احد حواراته بعد الحكم - ولأول مرة في مصر - بأنه هو الذي اتخذ قرار ترحيل اليهود الفلاشا من السودان، بل واشترط على بوش ان ينقلهم بطائرات أمريكية!.

ولكن لماذا لم تقف أمريكا بجواره في الانقلاب الأخير عليه ثمناً لما فعل؟! ولماذا نجح هذا الانقلاب عليه بينما فشلت الانقلابات السابقة وما أكثرها: انقلاب هاشم العطا وحسن حسين والعميد محمد نور سعد..؟!.

ستظل هذه الأسئلة مطروحة على مر الأجيال المعاصرة والقادمة.. ولكن الزمن وحده هو الكفيل بالإجابة عنها...

الآن اصبح نميري جزء من التاريخ السياسي.. قتل فأسرف في القتل.. واعتقل فأسرف في الاعتقال.. عذب وبالغ في التعذيب.. قتل كل الضباط اليساريين الذين كانوا في الأصل من اصحاب التنظيم الذي دعاه للاشتراك في حركة مايو.. ومن المقتولين أولئك الذين لم يكونوا بالسودان وقت حدوث الانقلاب، ولم يشتركوا في تخطيطه وتنفيذه، بل لقد كان النميري على قناعة شخصية ان من بينهم من لم يكن عضواً في الحزب الشيوعي.. فنميري لم يكن يصر على معاقبة الانقلابيين فحسب، بل كان الأهم عنده هو التنفيس عن رغبته في الانتقام من كل الأشخاص؛ عسكريين أو مدنيين، والذين كانوا يشكلون تحدياً له، ولم يكن بقادر على ان يتطاول الى قامتهم خاصة من حيث الفكر أو الثقافة أو السلوك الشخصي بمعيار الحد الأدنى من التصرف السليم..

تسلق نميري قمة السلطة منفرداً على سلم القهر والتصفية والإحباط والعمالة والخيانة والانتهازية والعجز!! وكفى الله السودان شر أمثال هؤلاء الطغاة.


http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147505215&bk=1

Post: #607
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 11:43 PM
Parent: #606


البصلـــــــة وقشرتهـــا:تعريف وإعادة تعريف المصطلحات (2)
د. كامل ابراهيم

حرية الاعتقاد وحق الاجتهاد .. بين الدين والسياسة
تقول مواثيق حقوق الإنسان إن حرية التفكير والاعتقاد تعتبر من الحقوق الأساسية التي لا يصح لجهة أن تنتزعها.. ويقول د. الترابي (وما دام كذلك هو الأصل خلقاً وشرعاً فالحرية مؤصلة في العقيدة وأحكام الشريعة الفرعية إنما تعبر عن ذلك الأصل العقدي الذي أسس عليه الدين... ومن ثم نجد في الشريعة السياسية إباحة للفرد المسلم أن يكسب كسبه بإجتهاد في الرأى... فمهما وضعت عليه ضوابط التعليم والتوجيه فليس لأحد - ما دام التفكر عبادة والاجتهاد فرعاً من التدين وإبداء الرأي نصيحة واجبة - ليس لأحد أن يسكت صوت المسلم الحر.. له بالطبع أن يجادله وله بالطبع أن يوصيه، ولكن ليس له أن يحول بين المسلم وحقه فى أن يسخر عقله بطلاقة والتزام لعبادة الله فيكسب بذلك كسباً يهديه بوجوه التعبير الحر للمجتمع مع سائر إخوانه المسلمين). د. حسن الترابى - محاضرة - اتحاد طلاب جامعة الخرطوم... لا يقف الدكتور عند هذا الحد بل حتى مسألة الإيمان والكفر هي مسألة إختيار... (ذلك لأن الحرية في أصل العقيدة الدينية هي قدر الإنسان الذي تميز به عن كل مخلوق سواه.. فمهما كانت الأشياء تسجد لله كرهاً... ومهما سجد كذلك العنصر المادى من جسم الإنسان... فإنه بإرادته حر مختار إن شاء عبد الله سبحانه وتعالى طوعاً وإن شاء كفر).. نفس المصدر.

وليس لمخلوق مهما عظمت مكانته أن يجبرنا حتى على قبول الدين الصحيح..(ذلك هو قدر الإنسان الطبيعي وهو كذلك حكمه الشرعى.. فلم يجعل الله لرسول أو حاكم عليه سبيلاً ليكرهه على قبول الدين الصحيح.. فكما لم يركب الله في فطرة الإنسان ما يلجئه إلجاءً الى الإيمان... ولم يركب فى عقله ما يضطره الى أن يستسلم لحقائق الإيمان.. لم يجعل كذلك للسلطة الإجتماعية ولاية إجبار تتحكم فى الإنسان كيف يتخذ موقفه من ربه).

وهنا لنا أن نتساءل: هل يصدق إنسان أن هذا الطرح المتقدم والإيمان (العميق والمؤسس) بحرية الاعتقاد جاء على لسان نفس الشخص الذى وافق على اغتيال مفكر فى قامة الأستاذ محمود محمد طه بتهمة الردة؟ أليس هو القائل (ليس للسلطة الإجتماعية ولاية إجبار تتحكم فى الإنسان كيف يتخذ موقفه من ربه)؟ إن اغتيال الأستاذ محمود كان بحق اغتيال للفكر السياسي واستغلال للدين.. ونحن نوافق ما جاء في بيان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني.. يقول البيان: (إن حكم الإعدام على الفكر السياسي هو الثمرة المرة للتجارة بالدين واستخدام الإسلام واجهة لتسلط حكم الفرد.. وبعث لأكثر تاريخ صفحات الإسلام سواداً حيث يكفر الحاكم معارضيه السياسيين ويستبيح دماءهم.. ويتسابق علماء السوء وقضاة الضلالة في تدبيج الفتاوى والأحكام لتبرير استبداد الحاكم.. هذا ما يمارسه في سودان اليوم جعفر نميري والأخوان المسلمون وبطانة الشعوذة والدجل من أمثال أبو قرون والمهلاوي.. وفي كتاب: (الأخوان الجمهوريون- ماذا قال العالم عن الأستاذ محمود) نجد أن الترابي- وفي إجابته على جريدة (الهدى) بتاريخ 9 جمادي الآخرة 1405 هجرية يقول: (محمود محمد طه لا يعرفه أهل السودان سياسياً.. لأن دعوته دينية.. لأنه رجل له قضية.. وقضيته (ضد الدين ) الذى تعرفونه .( .. أي لجلجة وكذب صراح .. واسمعه وهو ينافق النميري قائلاً عنه في تطبيق (الشرعية الإسلامية) إنه (أكثر من جاد وأكثر توكلاً من كثير من الحكام) .. وبعد خلافهم في امور الدنيا صار يصفه ( بالطاغية ) . . والآن الترابي ينفي أي علاقة له مع قضية إغتيال الأستاذ محمود ( انظر حوار عووضة معه بصحيفة ( السوداني)... إنها المكيافيلية في أقبح صورها ومنطق الغاية تبرر الوسيلة .

دعونا نكمل مع الترابي حديثه عن الحرية ذلك لأنه لم يكتف حتى بذلك الحديث (المتقدم الجريء ) عن الحرية بل ويحثنا لنتمرد على الدولة الظالمة التى تريد سلبنا حريتنا كبشر ويتهم من يستكين لمثل هذه الدولة بالشرك.. يقول : (لابد لمن يريد إسلام نفسه لله أن يتحرر ازاء الدولة فى أطوار تفاعله معها... ولابد للدولة أو من يمثلها من سلطان مسلم أن يتيح له الحرية الدينية ليكون خالصاً لربه.. بل واجب الدولة ممثلة فى أولياء الأمر المكلفين المسؤولين أن يعينوا أخوانهم من الرعية على هذه الحرية بأن يكفوا يدهم عنهم ( لاحظ ما فعلته الإنقاذ بكل من خالفها الرأي دع عنك بمن أراد أن يعبر عن آرائه ذلك خاصة عندما كان الترابي على قمة المسؤولية في النظام !!) ... إلا أن يدفعوهم الى مزيد من الترقى فى مدارج التحرر من المجتمع والدولة.. وواجب الفرد كذلك أن يجاهد كل محاولة للسيطرة عليه من قبل الدولة........ والدولة التى تنتقص من حرية الإنسان وتحاول فرض سيطرتها على نفسه وروحه شاركت الله فى السيطرة عليه...وإذا رضي الفرد واستسلم لشرك المجتمع أو الدولة فقد أصبح مشركاً بالله سبحانه وتعالى ..الخ الخ) نفس المصدر.

وبعد كل هذا يأتى نفس الرجل ليخطط لانقلاب تصادر فيه حرية المسلم وغير المسلم ... ولا يعجز عن الإتيان بمبررات يصبغها بالصبغة الدينية يسوقها ليحلل ما سبق ويحرم عندما كان خارج السلطة.. فأين يكمن سبب هذا التناقض فى المواقف إن لم تكن المكيافيلية (وفقه الضرورة ) .. والآن يدعي الترابي وزمرته عدم علمهم بالتعذيب الذي مورس ضد كثيرين ويطلبون من الله المغفرة لمشاركتهم في الإنقلاب ودموع التماسيح تبلل اللحى؟.

ورغم اختلافنا مع الترابي نجد من هو أكثر تخلفاً عندما يقول: ( إنه لابد من إهانة غير المسلمين... غير أنها (الشريعة ) لا تهينه لمجرد الإهانة... فإن حكمة الآية فى ذلك حاضرة... فهى بإذلالها وإهانتها وتحقيرها لغير المسلم إنما تعجل بنقله من دافع للجزية الى مؤد للزكاة... لتنقله من معسكر غير المسلمين حيث الجزية إهانة الى معسكر المسلمين حيث الزكاة عبادة ( الدكتور الترابي وفساد نظرية تطوير الدين ) تأليف د. عبد الفتاح محجوب ص 40 بالله عليكم - وغض النظر عن التفسير الصحيح للآية - أهذا منطق يقنع أحداً.. كأنه يريدنا أن نقبل هذه الحجة الواهية : لكى يدخل الكفار دين الله أفواجاً علينا أن نذيقهم ألوان من الذل والإهانة وكلما أسرفنا فى تحقيرهم كلما كانت النتيجة أفضل وانتشر الإسلام بوتائر أسرع وعم كل نواحى المعمورة... أين كرامة الإنسان ؟ إن شخصاً هذه هي مكوناته ونوعيته أعتقد أن وجوده خارج حظيرة الإسلام أفضل بكثير من وجوده داخلها فمثله لن يكون إلا عبئاً علينا ولن يفيد لا الإسلام ولا المسلمين فى شىء...

وليت د. عبدالفتاح قال قوله هذا - على علاته - كنوع من الاجتهاد القابل للخطأ أو الصواب ولم يقله بوصفه الحق الذى يخرج من يخالفه من أمة محمد ... عندها كنا نقول فيه قول مسكويه فى رده على سؤال لأبى حيان التوحيدى عن قضية الإجتهاد وسبب إختلاف العلماء فى كتابه ( الهوامل والشوامل )... يقول مسكويه: (وليس ينبغى أن يتعجب الإنسان من الشىء الواحد أن يكون حلالاً بحسب نظر الشافعى وحراماً بحسب نظر مالك وأبى حنيفة... فإن الحلال والحرام فى الأحكام ليس يجري مجرى الضدين أو المتناقضين فينبغى للعاقل إذا نظر فى شىء من أحكام الشرع أن يجتهد فى النظر ثم يعمل حسب اجتهاده ذلك.... ولغيره أن يجتهد ويعمل بما يؤديه إليه إجتهاده وإن كان مخالفاً للأول واثقاً أن إجتهاده هو المطلوب منه ولا ضرر فى الخلاف) .. ويسبب مسكويه رأيه هذا بقوله: (.... أما ما سوغ للفقهاء أن يقولوا فى شىء واحد إنه حلال وحرام... فلأن ذلك الشىء ترك وإجتهاد الناس فيه .. فبعض الأحكام يتغير بحسب الزمان وبحسب العادة وعلى قدر مصالح الناس لأن الأحكام موضوعة على العدل الوضعى...وربما كانت اليوم فى شىء وغداً فى شىء آخر وكانت لزيد مصلحة ولعمرو مفسدة ).

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147505168&bk=1

Post: #608
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 11:46 PM
Parent: #607


رويترز تتحدث عن اعتقال كاهن والشرطة تنفي
أعلنت مصادر مسؤولة في الشرطة عدم علمها بما نقلته وكالة رويتر للأنباء عن إعتقال كاهن مسيحي سوداني يوم الأحد بتهمة اختطاف امرأة جاءت الكنيسة لاعتناق المسيحية وقال المكتب الصحفي لـ (السوداني) لم تصلنا أية معلومات بهذا الصدد وكانت الوكالة نقلت أمس عن رجل ديني وقالت إنه كاهن انجليكاني سوداني القى عليه القبض بتهمة اختطاف امرأة مسلمة جاءت للكنيسة تريد اعتناق المسيحية. وأضافت أن الشرطة احتجزت الكاهن ايليا كوموندان يوم الاحد مع اربعة اشخاص آخرين على الاقل احدهم من كنيسة أخرى بعد أن اختفت امرأة في الثالثة والعشرين من عمرها لا يمكن تحديد هويتها لأسباب امنية في مارس الماضي. وقال سيلفستر توماس كامبايا رئيس الكاتدرائية الاسقفية لجميع القديسين في الخرطوم (التهمة هي الخطف).


وقال (يبدو ان الكنيسة مستهدفة لان شخصا قال لي انهم يعتقدون اننا ساعدناها على الاختفاء او رعينا خروجها من البلاد).

وقال كامبايا انها ليست المرة الاولى التي تتحرش فيها السلطات بموظفي كنيسة لقبول أشخاص يرغبون في اعتناق المسيحية.

وقام السودان بموجب قانون الشريعة الاسلامية المطبق منذ عام 1983 باعدام محمود محمد طه في عام 1985 بتهمة الارتداد عن الاسلام.

وقال الكاهن جوزيف تبان لاسوبا ان كومندان اعتقل لمحاولته تحويل امرأة إلى المسيحية.

وقال لاسوبا (انهم ماهرون جدا انهم لن يدخلوا على خط الدين لكنه موجود دائما في الخلفية. انهم يعلمون انهم اذا جعلوا القضية دينية فان العالم سيراقبهم). مضيفا انه مر بتجارب مماثلة.

وقال رجال الدين إن اجهزة الدولة الأمنية تحرشت او حتى قامت بتعذيب أشخاص تحولوا عن دينهم في الماضي. وبعضهم تلقى تهديدا بالموت من عائلاتهم ومعظمهم ارغموا على الاختفاء او الهروب من البلاد لان الكنيسة لا تستطيع حمايتهم. ولم يتسن الحصول على تعليق فوري من الشرطة.

وتم وضع دستور سوداني جديد في العام الماضي بعد ان انهى اتفاق السلام في يناير 2005 حربا استمرت عشرين عاما بين الجنوب المسيحي والوثني من جهة والحكومة الاسلامية الشمالية من جهة أخرى. وينص الدستور على حرية العقيدة.


http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147504995&bk=1

Post: #609
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 11:47 PM
Parent: #608


البصلة وقشرتها ..تعريف وإعادة تعريف المصطلحات (1)
د. كامل ابراهيم

(1)

هل الدولة الدينية .. من الإسلام في شىء ؟

توضيح :

إستفزني - في المعني الإيجابي - تعليق الأستاذ الهاشمي علي تعقيبي على مقال له .. لذلك شعرت ربما يكون من الأفضل أن نعطي موضوع تعريف وإعادة تعريف المصطلحات وقتاً أكثر وبعض التفكير الجاد لذلك إخترت بعض المصطلحات - التي أعتقد أنها مثار خلاف - وسوف أحاول مناقشتها تباعاً ....





إن أوضح ما يوسم فكر سيد قطب - المرجع الثاني بعد حسن البنا من وجهة نظر حركة الأخوان المسلمين وتوابعها من جماعات الإسلام السياسي لمعرفة صحيح الإسلام - وهو تشدده ومناداته بالدولة الدينية .. وقد كان لهذا التيار أثره في إندلاع المعارك - ولوقت طويل - التي إحتدمت بين السلفيين وبعض دعاة العصرنة والتحديث .. وما كان لتلك المعارك أن تقوم أصلاً لو ساد الحوار العقلاني بدل تعصب الطرفين ونفي كل منهم للآخر ... السلفيون يرون الحاضر والمستقبل بعيون الماضي .. والمتعنتون من دعاة التحديث لا يرون في التراث إلا مجموعة من خرافات وأساطير القرون الوسطي أكسبها كر الأيام نوعاً من القدسية عند الجهلاء والعامة .. ونحن نعتقد إن كليهما قد إشتط.



فما هو نوع الدولة التي يريد سيد قطب والسلفيون بناءها ؟ وهل هي من الإسلام في شيء ؟ سيد قطب والسلفيون يريدون بناء دولة دينية قلباً وقالباً .. دولة يريد أن يسيطر فيها بعض الأفراد أو الجماعات على السلطتين الزمنية والدينية رغم إنكار أغلبية المسلمين للسلطة الدينية .. ويعرف الدكتور محمد عمارة - في أحدى إشراقاته القليلة - هذه السلطة في كتابه : (الإسلام والسلطة الدينية) - الناشر دار الثقافة الجديدة - بقوله : (إن السلطة الدينية تعني - في كلمات بسيطة ودقيقة - أن يدعي إنسان ما لنفسه صفة الحديث بإسم الله وحق الإنفراد بمعرفة رأي السماء وتفسيره وذلك فيما يتعلق بشئون الدين أو بأمور الدنيا .. وسواء في ذلك أن يكون هذا الإدعاء من قبل فرد يتولي منصباً دينياً أو منصباً سياسياً .. وسيان كذلك أصدرت هذه الفتوي من فرد أو من مؤسسة فكرية أو سياسية .. وفيما يتعلق بالفكر الإسلامي فإن كل مذاهبه وتياراته الفكرية - بإستثناء الشيعة - تنكر وجود السلطة الدينية وتنفي أن يكون من حق أي فرد أو هيئة إضفاء القدسية الإلهية على ما تصدر من أحكام وآراء ...الخ ) .. وينفي د. عمارة (العصمة حتى على الرسول في الجانب الدنيوي).. يقول ذلك أن مقتضي التسليم بوجود (السلطة الدينية ) لفرد أو هيئة يقتضي إضفاء القداسة و (العصمة) على ما تقدم من آراء .. وهذه العصمة ينفيها الإسلام عن البشر جميعاً .. ولا يعترف بها إلا للرسول - عليه الصلاة والسلام - وبالذات وفقط فيما يتعلق بالجانب (الديني) من دعوته .. لأنه في هذا الجانب الديني كان مبلغاً عن السماء ومؤدياً لما توحي به إليه .. ولم يكن مجتهداً ولا مبدعاً أو مبتدعاً فيه .. فهو في هذا الجانب ما كان ينطق عن الهوي إن هو إلا وحي يوحى.. وما على الرسول في هذا الجانب الديني إلا البلاغ - كما يقول القرآن الكريم .. أما الجانب الدنيوي الذي تعرض له الرسول - عليه الصلاة والسلام - في سبيل تبليغ رسالته الأساسية ومهمته الدينية فقد كان فيه بشراً مجتهداً عند غياب النص القرآني الصريح .. ومن ثم كانت إجتهاداته وآراؤه في هذا الجانب موضوعاً للشوري .. أي البحث والأخذ والعطاء والقبول والرفض والإضافة والتعديل.. لأن العصمة غير قائمة له في هذا الجانب من جوانب الممارسة والتفكير .. الخ الخ ) ص10 و11 .



ويصنف د. هاشم صالح في مقدمته لكتاب محمد أركون : ( الفكر الإسلامي - قراءة علمية ) من يقفون مع السلطة الدينية من السلفيين ضمن معتنقي (الارثودكسية الدينية) التي يصفها بالنتاج النهائي لما أسماه ميلتون روكيش ب(الصرامة العقلية) .. ويعرف روكيش الصرامة العقلية بأنها : (عدم قدرة الشخص علي تغيير جهازه الفكري أو العقلي عندما تتطلب الشروط الموضوعية ذلك .. وعدم القدرة علي إعادة ترتيب أو تركيب حقل ما تتواجد فيه عدة حلول لمشكلة واحدة وذلك بهدف حل هذه المشكلة بفاعلية أكبر ) .. وقد أجري العالم الفرنسي جان بيير ديكونشي أبحاثاً نظرية وتجريبية ليبرهن أن (الصرامة العقلية) لا بد وأن تقود الى أيدولوجية ما وصفها ب (العقلية الدوغمائية) .. ويعتبر ديكونشي أن العقلية الدوغمائية ترتكز أساساً على ثنائية ضدية حادة هى : نظام من الإيمان أو العقائد / ونظام من اللا إيمان واللا عقائد .. بكلمة أخرى أكثر وضوحاً فإن العقلية الدوغمائية ترتبط بشدة وبصرامة بمجموعة من المبادىء العقائدية وترفض بنفس الشدة والصرامة مجموعة أخرى وتعتبرها لاغية لا معنى لها .. ولذلك فهي تدخل في دائرة الممنوع التفكير فيه أو المستحيل التفكير به وتتراكم بمرور الزمن والأجيال على هيئة لا مفكر فيه .. وإذا إستخدمنا لغة روكيش قلنا أن نظام الإيمان/ واللا إيمان هذا يتحدد بواسطة ثلاث نقاط :



1- إنه عبارة عن تشكيلة معرفية مغلقة قليلاً أو كثيراً ومشكلة من العقائد واللاعقائد (أو القناعات واللاقناعات) الخاصة بالواقع .



2- إنه متمحور حول لعبة مركزية من القناعات (أو الإيمانات اليقينية) ذات الخصوصية الخاصة والأهمية المطلقة .



3- إنه يولد سلسلة من أشكال التسامح / واللا تسامح تجاه الآخر .)



ونحن نتفق مع محمد أركون في إستنتاجاته العديدة التي توصل اليها مستخدماً هذه الاطر النظرية في تحليله لمفهوم الأرثوذكسية في الإسلام) وكيفية نشوئها وتشكلها وآثارها عبر القرون .. ثم بين كيف أنها لا تزال تحول حتى الآن دون فتح الأضابير التاريخية وتجديد الفكر بشكل جذري في المجال العربي - الإسلامي .. إذ إننا نرى فيها أساساً جيداً لتفسير الممارسات العملية المنكفئة في تراثنا الإسلامي كنتيجة منطقية لتلك الصياغة القطعية وما تفرزه من حجاب حاجز يحول دون رؤية الأمور رؤية موضوعية حقيقية .. ونستطيع الإتيان بأمثلة عدة من واقع تاريخنا تبرهن على صحتها.. نقصد صحة الآثار السالبة للدغومائية (أو كما يسميها روكيش الأرثوذكسية الدينية أو طبعتها الإسلامية أي الأرثوذكسية في الإسلام كما يقول أركون) .. والدولة الدينية هي التطبيق العملي لنظرية (الأرثوذكسية في الإسلام) وعلي سبيل المثال يمكننا أن نستفيد مما أورده د. عمارة في كتابه سالف الذكر لنعطي إشارة لما تسببت فيه الدولة الدينية من ظلم وإساءة لصحيح الإسلام .. فتحت عنوان : (صفحة مظلمة في تاريخ المسلمين ) يورد ما يلي :



= فمعاوية بن أبي سفيان ( 20 ق الهجرة - 60 هجرية -680 م ) عندما يري في (مال الدولة) ومال الناس (مال الله) ويدعي لنفسه الحق والحرية في التصرف فيه بالمنع والمنح كيف يشاء بإعتباره (خليفة الله) فيقول الأرض لله .. وأنا خليفة الله .. فما أخذت فلي وماتركته للناس فبالفضل مني .) .. ومعاوية هنا يضفي علي سلطاته (سلطة دينية) يجعل بها تصرفات الحاكم قانون السماء وكلمة الخالق وإرادة الله .. ومن هنا كانت معارضة أبي ذر الغفاري له في هذه التسمية عندما قال له كلا إن هذا المال هو مال الناس فهو لهم وإرادتهم هي المرجع عند التصرف فيه ).



= وإنتقال السلطة السياسية من الأمويين الى العباسيين غيّر الأسرة الحاكمة ولكنه لم يغيّر من فلسفة الحكم ولا من تعلق الخلفاء الجدد بحبال (السلطة الدينية) .. فأبو جعفر المنصور يخطب الناس فيقول : (أيها الناس لقد أصبحنا لكم قادة .. وعنكم زادة .. نحكمكم بحق الله الذي أولانا .. وسلطانه الذي أعطانا .. وأنا سلطان الله في أرضه وحارسه في ماله .. جعلني عليه (قفلاً) .. إن شاء أن يفتحني لإعطائكم وإن شاء ان يقفلني ) .. فيجعل من تصرفاته المالية إرادة الله وقانون السماء حتي يبرر إطلاق يده وتفرده بالقرار ويبتعد بنفسه عن دائرة المساءلة والمحاسبة أمام الناس .. إنه يتعلق بالسلطة الدينية (الحكم بحق الله .. أي الحق الإلهي) .. ويريد أن يجعل من نفسه وكيلاً لله حتى يترك الناس حسابه لمن أوكله - أي الله - يوم القيامة .. وذلك هرباً من أن يحاسبه الناس لأن الإقرار (بمدنية السلطة) يعني أن الحاكم وكيل عن الأمة فحسابه حق أصيل من حقوقها الأصيلة !



= وكما قرأنا وسمعنا في تاريخ العصور المظلمة بأوربا عن تلك المؤسسات الكهنوتية التي إستندت الى السلطة الدينية في الحكم على عقائد نفر من المواطنين خاصة العلماء والفلاسفة والمفكرين المستنيرين .. وكيف ذهبت تلك المؤسسات الي إحراق بعض الكتب وتحريم بعض النظريات ومحاربة عدد من الإختراعات والإكتشافات العلمية والفكرية كما حدث في أوربا في العصور المظلمة عندما سادت فيها كلمة الذين زعموا لأنفسهم (سلطة دينية) .. فإن المجتمعات الإسلامية - ولها هي الأخرى عصورها المظلمة - قد شهدت هي الأخري شيئاً من ذلك.) ص16 و17و18



وفي هذا الإطار يمكن سرد الكثير من الوقائع التي يأباها الإنسان المتحضر دع عنك المسلم الذي يؤمن بعظمة الإنسان وأخوته .. وعلى سبيل المثال لا الحصر نورد :



= مرسوم الخليفة العباسي القادر الذي أسماه (الإعتقاد القادري) الذي حرم فيه فكر المعتزلة العقلاني وعده فسقاً وكفراً وزندقة وإلحاداً .. وفعل هذا المرسوم فعله في الإنتكاس بحركة الخلق والإبداع الفكري في حضارتنا الشىء الذي مهد لسيادة عصر الجمود والركاكة والتخلف تحت حكم المماليك والأتراك العثمانين - كما يقول د. محمد عمارة .



= أو جريمة الوالي الأموي خالد بن عبدالله القسري عندما ذبح مفكراً إسلامياً كبيراً هو الجعد بن درهم تنفيذاً لأوامر هشام بن عبد الملك (أمير المؤمنين) .. وقال قولته القبيحة أيها الناس إنصرفوا تقبل الله منكم .. فإني أريد أن أضحي اليوم بالجعد بن درهم ). ... وذبحه بجوار المنبر يوم عيد الأضحي بعد أن فرغ من خطبة العيد .. وقد إعتبر عامل أمير المؤمنين أن ذلك لا بد وأن يضعه الله في ميزان حسناته .



= ومالنا نذهب بعيداً .. ألم يغتال النميري رجالاً في قامة عبد الخالق محجوب والشفيع أحمد الشيخ وجوزيف قرنق ثم أعدم محمود محمد طه بإسم الإسلام وأمر الناس بمبايعته إماماً وبذلك جسّم كل مساوىء الدولة الدينية عندما جمع بين السلطتين الزمنية والدينية وطغيان ما يسميها أركون بالأرثوذكسية في الإسلام .

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147504854&bk=1

Post: #610
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 11:49 PM
Parent: #609


رويترز تتحدث عن اعتقال كاهن والشرطة تنفي
أعلنت مصادر مسؤولة في الشرطة عدم علمها بما نقلته وكالة رويتر للأنباء عن إعتقال كاهن مسيحي سوداني يوم الأحد بتهمة اختطاف امرأة جاءت الكنيسة لاعتناق المسيحية وقال المكتب الصحفي لـ (السوداني) لم تصلنا أية معلومات بهذا الصدد وكانت الوكالة نقلت أمس عن رجل ديني وقالت إنه كاهن انجليكاني سوداني القى عليه القبض بتهمة اختطاف امرأة مسلمة جاءت للكنيسة تريد اعتناق المسيحية. وأضافت أن الشرطة احتجزت الكاهن ايليا كوموندان يوم الاحد مع اربعة اشخاص آخرين على الاقل احدهم من كنيسة أخرى بعد أن اختفت امرأة في الثالثة والعشرين من عمرها لا يمكن تحديد هويتها لأسباب امنية في مارس الماضي. وقال سيلفستر توماس كامبايا رئيس الكاتدرائية الاسقفية لجميع القديسين في الخرطوم (التهمة هي الخطف).


وقال (يبدو ان الكنيسة مستهدفة لان شخصا قال لي انهم يعتقدون اننا ساعدناها على الاختفاء او رعينا خروجها من البلاد).

وقال كامبايا انها ليست المرة الاولى التي تتحرش فيها السلطات بموظفي كنيسة لقبول أشخاص يرغبون في اعتناق المسيحية.

وقام السودان بموجب قانون الشريعة الاسلامية المطبق منذ عام 1983 باعدام محمود محمد طه في عام 1985 بتهمة الارتداد عن الاسلام.

وقال الكاهن جوزيف تبان لاسوبا ان كومندان اعتقل لمحاولته تحويل امرأة إلى المسيحية.

وقال لاسوبا (انهم ماهرون جدا انهم لن يدخلوا على خط الدين لكنه موجود دائما في الخلفية. انهم يعلمون انهم اذا جعلوا القضية دينية فان العالم سيراقبهم). مضيفا انه مر بتجارب مماثلة.

وقال رجال الدين إن اجهزة الدولة الأمنية تحرشت او حتى قامت بتعذيب أشخاص تحولوا عن دينهم في الماضي. وبعضهم تلقى تهديدا بالموت من عائلاتهم ومعظمهم ارغموا على الاختفاء او الهروب من البلاد لان الكنيسة لا تستطيع حمايتهم. ولم يتسن الحصول على تعليق فوري من الشرطة.

وتم وضع دستور سوداني جديد في العام الماضي بعد ان انهى اتفاق السلام في يناير 2005 حربا استمرت عشرين عاما بين الجنوب المسيحي والوثني من جهة والحكومة الاسلامية الشمالية من جهة أخرى. وينص الدستور على حرية العقيدة.


http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147504835&bk=1

Post: #611
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 11:56 PM
Parent: #1




أملكيون أكثر من الملك؟؟!!
فى الرد على الأستاذ الدكتور عبد الله على ابراهيم
"الحجارة ليست لها عيون"!!
عبد الله عثمان – واشنطون

لعل أول ما استوقفنى فى مقالة الأستاذ الدكتور عبدالله على ابراهيم، هى اختياره لكلمة "حولية" لوصفه للإحتفالات بالذكرى السنوية لاستشهاد الأستاذ محمود محمد طه، فعل ذلك فى العام الماضى فى جريدة الصحافى الدولى 31/1/2002 ثم عاد وكررها هذا العام فى الصحافة يناير 2003، فالتسمية، مهما أحسنا الظن فى دوافع اختيارها، فان لها دلالات ومعان سلبية كثيرة ليس هذا مجال الخوض فيها، بيد انه لمما يحمد للأستاذ الدكتور عبدالله على ابراهيم واضح اهتمامه بجملة الأمر، وهو أمر حرى به أن يشغل كل من يهمه أمر دينه وأمر الوطن، بل وأمر نفسه، والا فان يوم أن "أكل الثور الأبيض" ليس ببعيد!! ومع ذلك فان ما يؤخذ على الأستاذ الدكتور كثير وسأعود لذلك فى صلب هذه العجالة انشاء الله.
إن حياة الأستاذ محمود محمد طه، كما دوّنها فى كتبه، وعاشها مجسدة، فى اللحم والدم، لحياة مدهشة، بكل تفاصليها، مهما صغرت هذه التفاصيل، أو كبرت، فمما يحكى عن الأستاذ محمود فى طفولته الباكرة أنه كان مع شقيق له، فأخذ شقيقه يقذف بالحجارة كما يلهو الصبيان، فقال له الأستاذ محمود ما معناه: لا تقذف بالحجارة، فالحجارة ليست لها عيون!! وقال لإحدى بناته لما رأى عندها مبيد "البف الباف" قال لها مستنكرا "هسع دة فرقو شنو من المدفع الرشاش"؟؟ هذا ديدنه اتساقا مع قوله "البر بالأحياء والأشياء" وقد حكى المرحوم الدكتور خليل عثمان محمود، الذى قضى فترة معتقلا مع الأستاذ، أن الأستاذ سأله يوما عن اختفاء كوب ماء قديم فقال خليل أنه قذفه، فقال له "مش حرام، خدمنا الفترة دى كلها نجدعوا!!" فنزلا يبحثان عنه حتى وجداه فجاء به الأستاذ وغسله وعلقه فى اعتداد تكريما له!! وحادثة أخرى لها دلالتها الكبيرة، أنه لما رأى أحد تلاميذه يقتل نملة لم يرتض منه ذلك، وحدثه في ذلك فأجاب تلميذه: ولكنها عضتنى!! فقال له عضها!! بل إنه ليدعو لأكبر من ذلك، لمقام "فمن عفا وأصلح، فأجره على الله"!! وغنى عن القول، أن الاستاذ محمود محمد طه، قد كان من أوائل المهندسين السودانيين، فى زمن كانت الوظيفة فيه بقرة حلوب، ولكنه مع ذلك ظل ملزما نفسه بالشعار الذى رفعه أن "ساووا السودانيين فى الفقر، إلى أن يتساووا فى الغنى" فلذا عندما كان يلومه أقرانه لِمَ يسافر بالدرجة الرابعة فى القطار؟ يرد عليهم لأنه لا توجد درجة خامسة!! ويظل قوته خشن ما يعرف أهل السودان مع قلة فيه، ولا يدخل السكر لشاى الكبار حين يعز السكر فلا يجده سواد السودانيين فى سودان السبيعنات وبداية الثمانينات!!
واتساق أمر الاستاذ محمود محمد طه مع شعاره "الحرية لنا ولسوانا" وصنوه الأخر "ليس هناك رجل هو من الكمال بحيث يؤتمن على حريات الآخرين" لأمر يدعو الى الاعجاب، فقد كان أصلب من وقف ضد حل الحزب الشيوعى السودانى فى الستينيات فى وقت تخاذل فيه حتى الشيوعيون أنفسهم عن نصرة أمرهم، وقد جر ذلك على الأستاذ الكثير من كيد خصومه الاسلاميين ورجال الدين الى أن تداعى الأمر الى محكمة الردة سيئة الصيت!! وهو، هو الأستاذ محمود، الذى سعى ليعزى الأسلاميين فى فقدهم لسيد قطب ورفاقه الذين أعدمهم عبدالناصر وقال لعبدالناصر "ستلقى الله وفى يديك من دمائهم أغلال!!"
ذلك قليل من كثير يمكن أن يقال عن الأستاذ محمود فى هذا الباب، ولكن دعنا نعرج على خصومه الذين علقوه على أعواد المشانق ثم فرحوا بهذا "الذبح العظيم"!! فتاريخهم القريب يطفح بكل ما يشين أمر الرجال العاديين، بله من يدعو الى الدين!! فهؤلاء القوم لا يتورعون عن أتخاذ أى وسيلة، حتى ولو خالفت أمر الدين، لتحقيق غاياتهم بصورة تجعل ميكافيلى تلميذا صغيرا عندهم، فبينما يقول الأستاذ محمود "ان الغايات الصحاح لا يتوسل اليها بالوسائل المراض"، تجدهم، هم، قد بايعوا نميرى أماما وهو يقول "ح نتلب البيوت ونتجسس"!! ويعدونه مجددا للدين ويسوقون الناس لبيعته فى المنشط والمكره!! ألم يقل الترابى للبشير "اذهب أنت للقصر حاكما، وأذهب أنا الى كوبر سجينا"!! مالى أذهب بعيدا، فانهم فى انفسهم لا يتورعون عن وصم كل من يخالفهم، حتى من بنى جلدتهم بكل ما يشين، فتارة قد يكون من يخالفهم مارقا أو ماسونيا، أو شيعيا زراية به!!وتارة عميلا للمخابرات الأمريكية (وقد طلعت الشمس وعلم الناس من هم عملاء المخابرات)!! او مجنونا أو مخرفا ألخ الخ.. ولا تحصر قائمة من استهدفوهم ولكن لا بأس من ايراد بعض الأسماء مثل: الرشيد الطاهر بكر، د.منصور خالد عبدالماجد، د. عون الشريف قاسم، د. محمود عبدالله برات، د. حسن عبدالله الترابى، د. حسن مكى محمد أحمد، د.عبدالوهاب الأفندى، عمار محمد آدم، داؤود يحيى بولاد، محمد طه محمد أحمد، أمين بنانى نيو، مكى على بلايل، عبد الرحيم عمر "الخمينى" وحتى حليفهم السيد الصادق الصديق المهدى، الذى ظل يقدم لهم جلائل الأعمال، منذ مأساة "معهد المعلمين العالى" وحتى وقتنا الحاضر "لم الشمل بجنيف"، فلم يشفع له ذلك، وكأنى بالحبر لم يجف بعد من مقالة المحبوب عبد السلام عن "بارود السلطان المبتل" فى حادثة السيدة البريطانية المعروفة!!
اما تاريخهم فى العنف بالخصوم، فانه لمما لا يقع تحت حصر!! وكيف يقع تحت حصر، وهم قوم تربيتهم لأبنائهم "فليعد للدين مجده أو ترق فيه الدماء"!! والمجد عندهم أن تجاهد مثلا "رقصة العجكو" فى قاعة الامتحانات بجامعة الخرطوم وترق دماء الأبرياء أو أن تحرق معرض الفكر الجمهورى بنادى الخريجين بود مدنى، وغير ذلك كثير مثل حادثة اغتيال الفنان خوجلى عثمان، وضرب الأستاذ محمود محمد طه فى محاضرة عامة بالأبيض، وضرب وزيرهم الحالى ومفوضهم لمحادثات "السلام" دكتور مطرف صديق "النميرى" للدكتور أحمد المصطفى دالى فى مقهى النشاط بجامعة الخرطوم، وضرب الدكتور أحمد قاسم ورفاقه للدكتور صلاح موسى محمد عثمان بداخليات حسيب بجامعة الخرطوم، وضرب تلاميذ الأستاذ محمود فى مساجد كوستى الخ الخ، وهذه كلها، وغيرها، حوادث مسجلة فى أقسام البوليس وفى ذاكرة الشعوب!! فكلها شواهد تدل على ضيق الاسلاميين بالآخر، وسعيهم لتصفيته أو اقصائه بأى وسيلة مهما تدنت!! بل من هو الآخر؟؟ فليس هناك آخر فى أدبياتهم منذ "مانفستو" الإمام حسن البنا، وحتى أيام ياسر عثمان جادالله وأبونارو!! ولعل أطرف ما يمكن أن يقال فى هذا الأمر يتمثل فى ارسالهم لبعض فتياتهم "الشماليات" للمشاركة فى مهرجان للفنون الشعبية فى باريس برقصة الدينكا وبضعة مليون جنوبية يسكنّ الخرطوم!! حتى سخر منهم الفنان التشيكلى حسن موسى فى اصدارته "جهنم" وأسماهم "دينكا عالياب"!!
الآخر، عندهم، ليس أكثر من مغانم وأسلاب، ألم تقترح الأستاذة لبابة الفضل – عضو المجلس الوطنى- حلا لمشكلة الجنوب، ان يتزوج كل من الشماليين ثلاثا من "الجنوبيات"؟؟!! وهى على استعداد أن يأتى لها زوجها بثلاث "منهن"!! هل هذه أكثر من أسلاب!! ولعل طرفة أخرى جديرة بالتسجيل هنا، فلعل طلاب جامعة يتذكرون مسيرة "التطبيع" التى فرقتها شرطة الأحتياطى المركزى عند صينية "الاتحاد الاشتراكى"، فلما عادوا، أخذ طلاب الاتجاه الاسلامى يعددون مكاسبهم من تلك "الغزوة" فكان مما عددوه أنهم غنموا "ميكرفونا أحمرا" تركه الشيوعيون!! أى جيش هذا الذى "يغنم" من حلفائه؟!! فالإجابة هى أن "الحليف" ليس هناك!!
ألا إأن منظر الظلم شنيع!! ألا إن منظر الظلم فظيع!!
فى خطبة للأستاذ محمود محمد طه فى جامع رفاعة فى سبتمبر 1946، فى حادثة الخفاض الفرعونى الشهيرة التى قادت الأستاذ محمود لكوبر كأول سجين سياسى، جاء قوله:
((أيها الناس من رأى منكم المظلوم ولم ينصفه فلن ينصفه الله من عدو . ومن رأى منكم الذليل فلم ينصره فلن ينصره الله من عدو. ألا ان منظر الظلم شنيع ، الا ان منظر الظلم فظيع فمن رأى مظلوماً لا ينتصف من ظالمه ومن رأى ذليلاً لا ينتصر على مذله فلم تتحرك فيه نخوة الاسلام وشهامة الاسلام الى النصرة والمدافعة فليس له من الايمان ولا قلامة ظفر))
وفى النذارة النبوية أن غضب الله ينزل على قوم رأوا الضعيف لا يقتصون له من القوى!! هذه القيم الانسانية نحن أولى بها من غيرنا، ألا تقرأوا معى ما قاله السيد سيريل ثاومند نائب البرلمان الممثل لحزب المحافظين ورئيس جمعية عزيز للتفاهم العربي ـ البريطاني فى جلسة مجلس العموم البريطاني فى الاجتماع الذي نظمته الأحزاب البريطانية في الثلاثين من شهر يناير 1985، وذلك للتنديد بالجريمة البشعة التي ارتكبها النظام السوداني بتنفيذ حكم الإعدام بالشهيد محمود محمد طه، حيث قال: "والجريمة التي تمثلت في شنق هذا الرجل المسن بهذه الطريقة البشعة ودون أن يحظى بمحاكمة عادلة هي جريمة تقلص من قيمتنا، نحن المجتمعين في هذه القاعة ومن قيمة كل إنسان يوجد على وجه البسيطة"!! (الخطوط من عندى) فإذا عجز الأستاذ الدكتور عبدالله على ابراهيم عن أن يقف مثل هذا الموقف، فلماذا اذن يريد ليطفف الأمر، ويدعونا ألا نستغل هذه "الحولية" لتحميل الإسلاميين وزر ذلك، أليس هو القائل فى الصحافة 26/10/1999 ((وتكأكأ خصوم الحركة الجمهورية عليها من باب هذا الشطح وحصروها سادين المنافذ عليها إلى العامة من الناس، حتى قتلوا الأستاذ وسموه "الذبح العظيم"))
أعجب لأمر الأستاذ الدكتور عبد الله على ابراهيم يدعونا لذلك، ودكتور الترابى نفسه يعبر عن تأيدهم لاغتيال الأستاذ محمود في إجاباته على جريدة (الهدى) بتاريخ 9 جمادي الآخر 1405 فقال عن الأستاذ محمود "محمود محمد طه لا يعرفه أهل السودان سياسياً" !! ، "لأن دعوته دينية ، لأنه رجل له قضية ، وقضيته ضد الدين الذي تعرفونه من الإسلام في الضرورة)) أبعد هذا، مزيد لمستزيد!! أملكيون أكثر من الملك؟؟؟ حضرة الأستاذ الفاضل!! ثم أى شطح هذا الذى يتحدث عنه الأستاذ الدكتور؟! فالأستاذ محمود لم يزد على أن دعا الى الانتقال من نص فرعى فى القرآن فى القرن السابع، خدم غرضه حتى استنفده ، لنص أصلى مدخر فى القرآن حين تستشرف البشرية عهد رشدها!! أهذا شطح أم أن الناس يريدون أن "يستبدلوا الذى هو أدنى بالذى هو خير" لم يزد الأستاذ على ما قلت ولكن مثل الأستاذ الدكتور وغيره من الناس استنكروا عليه ذلك، وعدوه شطحا فحقت فيهم الآية: ((((واذا بدلنا آية مكان آية، والله أعلم بما ينزل، قالوا: انما أنت مفتر!! بل أكثرهم لا يعلمون!!* قل نزله روح القدس من ربك بالحق، ليثبت الذين آمنوا، وهدى، وبشرى، للمسلمين..)) ليس فى الأمر شطح يا حضرة الدكتور، فكل ما فى الأمر أن الاسلاميين بعدما حلوا الحزب الشيوعى السودانى وحقروا القضاء بجعل حكمه تقريريا، تلفتوا لمن هو ليس فى البرلمان كيف يسكتونه؟؟ وهو يسمى وريقتهم "الدستور الاسلامي المزيف"!! فأقاموا له محكمة الردة!! ليس أكثر من ذلك، فهو رجل يدعو لتحرير الانسان من حيث هو انسان، وهم يسعون لتكبيله بل ولاستعباده خدمة لمصالحهم "الاقطاعية" الضيقة!! ألم يحدثك صديقك الدكتور حسن أحمد ابراهيم عن مذكرة السيد عبدالرحمن المهدى والسيد على الميرغنى والسيد الشريف يوسف الهندى عن مذكرة احتجاجهم للإدارة البريطانية ضد قانون "تحرير العبيد"!! أم أن الناس لا تزال تدرس التاريخ انتقائيا؟؟!!
ثم نعود لأمر سعى الأستاذ الدكتور عبدالله وهو يدعونا غريب دعوته تلك، والبرفيسور حسن مكي يقول فى الوفاق 5/12/1998
(( قتل محمود محمد طه جريمة شاركنا فيها جميعاً سواء بالتواطؤ أو السكوت.)) ويقول عن الترابى بالذات: ((أنا اعتقد انو كان خائف على أنو نميري ينكص عن اعدام محمود محمد طه.. ويدعو الله ألا يحدث ذلك...))
ويسأله المحرر
س: ولكن الترابي يعلن دائماً ان المرتد فكرياً لا يقتل؟
فيجيب
ج: انت تريد ان تخرج لموقف الترابي!! وأنا اوثق للتاريخ..
س: هنالك رأي يقول ان د. الترابي كان حريصاً على اعدام محمود. وأن محمود كان يمثل منافساً شخصياً له على مستوى الطرح الاسلامي.؟

كيف يدعونا لذلك، وكاتبهم محمد طه محمد أحمد يقول فى جريدة الوفاق 26/1/2002
((ولابد ان يقف كل الناس طويلاً امام موقف الدكتور النعيم الذي تدمغ بعض الجماعات الاسلامية حزبه بالكفر وتدعم الحكم بالاعدام على من يعتنقون هذا الكفر ان فكر الدكتور النعيم يريد الحياة الكريمة للسلفيين من تنظيم قاعدة الجهاد وحركة طالبان ورفض ان يصمت والكلام يكلفه غالياً وواشنطن تتربص اجهزتها الاستخبارية بكل صوت يبدو متعاطفاً مع طالبان وقاعدة الجهاد. رفض الدكتور عبدالله النعيم ان يعمل باضعف الايمان وكان في امكانه ان يلجأ لفقه تغيير المنكر بالقلب فقط فيحافظ على مصالحه في امريكا ولكنه اختار ان يصدع بكلمة الحق. ان سلوك الدكتور النعيم هو اعظم هدية للجماعات الاسلامية في السودان التي تقول (لابد من ابادة التنظيم الجمهوري بعد اعدام زعيمه المهندس محمود عام 1985)
كيف يبرؤهم وهتاف عمار محمد آدم الذى وثق له الصحافى محمد لطيف "سقط هبل"!! بل وهتاف محمد آدم عيسى والمحبوب عبد السلام وحسين خوجلى يدمغهم بما أراد الأستاذ الدكتور أن يبرئهم منه!! من هم الاسلاميين ان لم يكن هؤلاء وأحمد محجوب نور؟؟!!
أليس الأستاذ الدكتورعبد الله علي ابراهيم هو القائل فى الرأي العام 29/4/2003 ((وقد كتبت مرة في جريدة الميدان السريّة في منتصف السبعينات التمس من الجمهوريين أن يلطفوا عباراتهم في نقد القضاة مع علمي بمحنة الجمهوريين وما نالهم من القضاة والوعاظ في المساجد من أذى وترويع. ومغاضبة الجمهوريين لم تقع من جهة احسان ذلك التقليد الشرعي أو إساءته بل من إرث مواجهة سياسية راجعة الى ايام الحركة الوطنية . فقد صنف من ظنوا في انفسهم مجاهدة الاستعمار من امثال المرحوم محمود القضاة الشرعيين والاعيان وزعماء القبائل والطوائف بانهم من اعوان الاستعمار. وهذا كلام جاز طويلاً غير انه خاضع للنظر والمراجعة الآن . ويكفي ان تقرأ ما كتبه الدكتور حسن احمد ابراهيم عن السيد عبد الرحمن المهدي لكي تشكك في صواب هذه الزائعة عن اؤلئك الرجال. وقد دق حكم المحكمة الشرعية بردة المرحوم محمود محمد طه عليه الرحمة في 1968 اسفين الخصومة بين القضاة والمرحوم واختلط حابل تطوير الشريعة بعاديات السياسة واطوارها وبمنطويات النفوس). فانى لأتساءل مع الدكتور عمر القراى (سودانايل 2003) كيف يطلب الأستاذ الدكتور من الجمهوريين ان يلطفوا عباراتهم في نقد القضاة ، ولم يكن له اي موقف، حين اساءوا للجمهوريين وآذوهم وكفروهم؟ ألأنه يحترم الفقهاء والوعاظ ولا يعبأ بما جرى للجمهوريين حين اهدرت دماؤهم؟!
ثم لعل ثالثة الأثافى قول الأستاذ الدكتور فى جريدة الصحافة: ((وربما سعد شيعة محمود بمحنة أبي قرون لاتهامهم له بأنه المدبر الخفي وراء مصائر محمود وأحبابه)) من قال لك أننا نشمت بخصومنا؟! إننا لا نشمت بهم!! بل نأسى عليهم ونعلم أنهم ضحايا مناهج قاصرة آن لها أن تصحح، ولا تصحيح لها الا بما جاء به الأستاذ محمود، فمن الأجدر للناس أن يأخذوا به "قبل ضحى الغد"!! ومما يجدر ذكره هنا، انه كانت قد صدرت لنا عدة كتب عن أحد الرموز السياسية البارزة، وأثارت جدلا واسعا، فجاء أحد الناس ليحدث الأستاذ عن ذلك "الرمز" بحديث ساقط، فما كان من الأستاذ الا أن قال له بالحرف الواحد "نحن مجالسنا دى ما بنسمح فيها بكلام زى ده"!! فكيف بمن كانت هذه أخلاقهم أن يشمتوا على أحد؟!! هل سمع الناس بقراءة الأستاذ والجمهوريين للإخلاص "باخلاص" – كما دعا الأستاذ تلاميذه- على روح الدكتور الأمين داوؤد محمد وما ذكرت عاليه من أمر سيد قطب!! نحن لا نشمت ولكننا نأسى مشفقين عليهم وعلى كثيرين غيرهم، والأستاذ الدكتور عبدالله على ابراهيم واحدا منهم!! ولعل أقل ما يدعونا لأن نأسى عليه مثل هذا القول الذى يخلو من تثبت العلماء!! "وكثيرا"!!!

Post: #612
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-20-2008, 11:57 PM
Parent: #611


في الـــرد علــى الأفنــدي «2»

الأصل في المرأة هو الحياء. ولما كان الدين دين فطرة، فإن الفطرة السوية تتجه الى الحياء في مقابل اتجاه فطري آخر هو الغيرة عند الرجال. وما بين الحياء والغيرة يحدث التوازن المطلوب ما بين الحجب والتعري. ومصطلح (الحجاب) المتداول يعني الحشمة والتي هي جزء من جمال المرأة حتى في الجنة (حور مقصورات في الخيام)، ذلك لأن الدرة النفيسة يحتويها الصدف وتوجد في داخل القوقعة (المحارة) (كأنهن بيض مكنون). ذلك لأن الجمال لا يصلح ان يكون (تحت الأضواء الكاشفة)، وقيمة الرمز ان يظل رمزا، وهذا هو الفهم المتقدم الذي لم يصل اليه الترابي حين يعرضه تلميذه النجيب الأفندي كأنه مفكر حداثي.. والأغنية الحقيقية في السودان قد تقدمت على فكر الترابي حين غنت (حجبوه عن عيني). وقد تفتقت عبقرية الشعراء عن معانٍ رمزية تحدثت عن المرأة المعنى والروح.. واسألوا في ذلك اللواء المبدع عوض احمد خليفة.


الترابي لا يعي المعنى الجمالي الشفيف في قوله تعالى: (وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن الا ما ظهر منها). انه نداء ابوي لطيف لا يتعامل بالعقلية القانونية الجافة التي يستخدمها الترابي.. من منطلق علاقة حب، من رب لطيف، كان يقول الرجل الكبير للبنت في القرية (يا بت غتي راسك).. هكذا يأتي المعنى يا افندي.. يا ترابي.. والمستنسخون من الترابي الذين يستترون الآن بالمواقع الرسمية وبرنامج (المنتدي الفقهي) الذي كان يقدمه أمين حسن عمر الأسير في ذات الاتجاه لكن بطريقة مختلفة... اذن أفما يحق لنا ان نقول (ذهب الترابي وبقي الترابيون)؟.

لقد استهدف الترابي خروج المرأة منذ وقت طويل وظل يأتي ببعض الشواهد والحالات الاستثنائية والشاذة ليصنع منها حكما. وكانت النتيجة ان خرجت النساء (مشلهتات) في الطرق والمركبات من بعد ان حالت الظروف القاهرة التي وضعها الواقع السياسي والاقتصادي دون ان تكون للرجل القدرة على القيام بمسؤوليات الأسرة..

ليت الترابي قد اتخذ من الخطوات الاقتصادية والسياسية التي تكرم المرأة حينما توفر لها السكن المريح والتعليم السهل والحياة الكريمة. وإذا كان الترابي يعتمد الأسلوب العلمي حين يرى ان الذباب ناقل للأمراض فما باله لا يغطي رأس المرأة خوفا عليها من التأثيرات الجوية وأشعة الشمس والغبار.. ويدعوها لكي تسقط الخمار عن رأسها وعنقها ليتدلى على صدرها؟.

وهل يصل بنا الترابي الى ما وصل اليه الأستاذ محمود محمد طه في معنى (قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سواءتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير)؟!!.

ما معنى ان يفجر الترابي قضايا انصرافية تستفز المفاهيم العامة ولا تضع بديلا؟ وهل ادرك شيخك يا افندي ان المرأة معراج روحي من نوع خاص؟ وماقصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيز حين طغت الحالة الروحية على الجسد فتقطع اللحم وسال الدم ولم يكن هنالك احساس بسبب الفيض الروحي الذي افاء به يوسف على تلك النسوة فقلن (ما هذا بشراً إن هذا إلا ملك كريم).. وقد وصفنه بالملائكية ونفين عنه البشرية. وليت الترابي قد وجد بديلا لنون النسوة في اللغة بدلا من بحثه المضني عن بديل (الحجاب المصطلح).

مجرد الحديث عن قضايا المرأة من قبل الرجال، وتنصيب الرجل من نفسه مدافعا عن قضية المرأة، مجرد ذلك هو ممارسة استعلائية وعقلية متخلفة تفترض عدم قدرة النساء على التعبير عن قضاياهن.. الم تسمع قولهن (نحن ستات بنعرف بعض)؟؟!!..


http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147504358&bk=1

Post: #613
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 00:00 AM
Parent: #612


الترابي/في إفادات ساخنة لـ «الســــــــــــوداني» «2»حكاية قطارات مابعد منتصف الليل ذات الحراسة المشددة!!

الاستاذ عوض بابكر مدير مكتب الدكتور الترابي اخطرني وأنا اتأهب لدخول مكتبه بمقر حزب المؤتمر الشعبي انه قد تم منحي نصف ساعة إضافية على الزمن المقرر اصلاً للحوار الذي انا بصدده..

نصف الساعة هذه مضى اكثر من نصفها في حديث جانبي مع الترابي .. والحديث ذو شجون.. وذلك بعد أن اصر على ترك مكتبه الفخيم ليجلس إلى جانبي في تواضع ليس فيه تكلف اوتصنع .. ثم دخل علينا خلال الحوار الاستاذ موسى المك كور احد قيادات المؤتمر الشعبي وجلس صامتاً يؤثر الإستماع إلى ان اثيرت القضايا الفقهية التي الهبت الساحة مؤخراً فبدا حريصاً على استجلاء بعض الحقائق من شيخه وزعيم حزبه كمن يسعى إلى ان (يطمئن قلبه) سيما مايتعلق بقضية الدابة وعذاب القبر ويأجوج ومأجوج.

كان الترابي ـ وطوال فترة الحوار ـ يبدو نشطاً .. ومستقر الذهن .. ومرتب الحديث إلى درجة جعلتني ابحث من بين ثنايا ذلك كله عن (بوصلته المفقودة) حسبما وصفه بعض أهل المؤتمر الوطني خلال المرحلة الفائتة.

بل واستطيع ان اقول دون أية مبالغة انه كان اكثر حضوراً ذهنياً مما كان عليه حين اجريت معه آخر حوار صحفي قبل فترة من الزمن ليست بالقليلة..

صراع القصر .. حقائق النفط ..ذهب العراق.. اسلحة الصين.. مفاوضات ابوجا.. ثورة الاطراف . الإجتهادات الفقهية.. هذه بعض قضايا فرضت نفسها على اجواء الحوار منها ما أدلى حوله الترابي بإفادات تقال لأول مرة..

فما الذي قاله ياترى؟!!

كنت ضد إعدام محمود محمد طه وضد إعدام مجدي وجرجس والطالب الجنوبي!
اعترضت على فكرة إنزال الشريعة بتلك الطريقة الهوجاء في عهد نميري!

هناك أسلحة دخلت بلادنا لتعبر شمالاً وشرقاً وأخرى استقرت.

ما حدث في محكمة انقلاب رمضان هو «ابادة» وما زلت حزيناً الى اليوم

أتتنا مكاييل من الذهب من العراق ولا تسألني لمن هي

التصنيع الحربي ليس في الميزانية وهو ممول بالكامل من الخارج

ـ طيب ننتقل نقلة أخرى .. يقال أنك شخصياً كنت تسعى إبان سنوات الانقاذ الاولى إلى ان تمتلك الانقاذ بعض أسلحة غير تقليدية.. هل هذا صحيح.؟

ماكان يعنيني في ذلك الوقت هو بسط التعليم.. بسط الإتصال.. بسط الحريات.. كل هذه كانت خططاً وليست ضمن تمنيات أن تبدأ الصحافة .. ثم تبدأ الأحزاب.. وكانت لنا خطط كذلك حول النهضة العلمية .. ان ينتشر التعليم العام.. وان ينتشر التعليم العالي.. وان يبدأ التصنيع الحربي ..وكسبنا كسوباً في كل ذلك ..ولكنا كنا نعلم أن مثل هذه المسائل لاتأتي بالقفز ..لابد ان تصعد إليها درجاً..

ـ ما قصة قطارات مابعد منتصف الليل التي يقال أنها كانت تدخل بحراسة شديدة وتستقبل بحراسة شديدة؟

لعلك تعني التصنيع الحربي .. التصنيع الحربي أولاً لم يكن ممولاً من السودان.. لم يكن ممولاً من الميزانية .. لو راجعت الميزانية ستجد أنها لم تقدم ولا ديناراً واحداً.. ثانياً كنا نعلم ان العالم الخارجي دائماً يريد ان يحفظ لهذه القوى سقفاً عالياً.. فاذا نحن كنا دولة مسكينة فلابد ان يكون السقف (واطئاً) جداً .. ونعلم ان دولاً قربنا لم ترق إلى معالي العلوم والبحوث.. التي إرتفعت مثل العراق مثلاً انا كنت مطمئناً إلى انها ستهاجم لأنها أوشكت أن تهدد إسرائيل وتهدد كذلك موازين القوى الإستراتيجية .. ولذلك..

ـ (مقاطعة).. طيب العراق هذه تحديداً الم يتم استجلاب اسلحة منها إلى بلادنا؟

نعم .. نعم.. صدام كانت له روح عزة عربية وقال إن السودان مادام يقاتل من أجل نشر اللغة العربية .. ومن أجل عروبته ودينه . عموماً هو لم يكن متديناً جداً.. بسط لنا سلاحاً كثيراً وقال لنا عدوَه بيعاً بأجل وانسوا هذا حتى لا تقولوا إننا تلقينا عطاءً امام السائلين.. هو كان يجود جداً .. الاسلحة كانت تأتي من تلقائه واحياناً كانت تأتي من بلد في شرق آسيا لبلد آخر .. شمالنا أو في الشرق.. لاتجرؤ ان تصل إلى ذلك البلد مباشرة ولكن تدخل علينا لتعبر إليها..

ـ كما خفيت عليك محاولة إغتيال حسنى مبارك حسب قولك .. هل هنالك احتمال ان يكون قد خفى عليك ايضاً هذا الجانب ايضاً .. اعني الاسلحة غير التقليدية؟

طبعاً لا أستبعد .. لأنه قد خفيت على اشياء كثيرة جداً .. حتى هذه الأسلحة العراقية .. والأسلحة الصينية .. واكون صريحاً معك .. انا ماعلمت بها مباشرة أو في دائرة الشورى قبل ان تقع .. ولكن بعد حين تتسرب الأخبار في الدوائر الداخلية فتبلغك .. ويبلغوننا ايضاً انه من العراق أتوا إلينا بمكاييل هائلة من الذهب .. من أين أتى به العراقيون ..يستحسن الا أقول لك الآن .. ولكن لك ان تفكر وتقدر.. فالعراق ليس البلد الذي ينتج الذهب مثل السودان..

ا ـ ولكن كيف لنا ان نفهم ذلك؟! ..فربما من الصعب تصديق ان الدكتور الترابي الذي كان ما كان في الإنقاذ تحدث أشياء كثيرة من وراء ظهره .. اذا صدق هذا فكيف نفهم حكاية انك كنت مهيمناً على نظام الانقاذ وكنت الرجل الاول فيها من حيث الابوة الروحية؟

هذا وهم عام أصلاً.. فالغربيون عندهم الدين هكذا .. البابا ..مثلاً يعلم كل شئ وهو معصوم من الخطأ ومن الجهالة ..ويعلم الغيب .. واذا كان الناس متدينين تبعوا له كما يحدث في الجيش مثلاً ولكن هنا انا كانت تهمني الخطط .. كيف يتطور نظام الحكم.. كيف يتطور الاقتصاد.. كيف ينتشر التعليم.. هكذا كنت اصلاً يعني .. احياناً يؤتي بي ويقال لي نحن نستحي من فلان فاذهب له انت وقل له انه قد تم إعفاؤك .. فاذهب انا واحتمل منهم.. احتمل منهم..

ـ يعني تشيل وش القباحة؟

نعم .. نعم.

ـ طيب يادكتور من عباراتك التي استوقفتني قولك انك كنت ترفض قتل النفس وذلك في معرض حديثك عن محاولة إغتيال حسني مبارك وماقلته من ان هناك تخطيطاً كان يقضي بتصفية بعض من وقفوا على المحاولة تلك او لديهم علم بها.. طيب .. ماذا عن الانفس التي قتلت في بدايات عهد الانقاذ مثل مجدي وجرجس والطالب الجنوبي الذي لا اذكر اسمه الآن بسبب حيازتهم على عملات تخصهم؟

يا أخي الناس دائماً يحسبونها كذا يعني .. انا كنت مع نميري .. كنت نائباً عاماً ولدي سلطة الاعتقال ولم اعتقل احداً.. وكنت أصلاً ضد فكرة انزال الشريعة بتلك الطريقة الهوجاء .. كان لنا برنامج آخر .. بإنزالها بالتدرج وبطريقة لطيفة ولكن نميري اراد ان ينزلها هكذا ومحمود محمد طه كنت اعرفه منذ ان كنت طالباً..

ـ (مقاطعاً).. انا كنت جاييك لموضوع محمود محمد طه .. ولكن مادمت ذكرته فإن الناس ينسبون ماحدث للاستاذ محمود لك انت شخصياً؟

كما قلت لك منذ ان كنت طالباً صغيراً .. كنت قريباً من الديم .. اخوه ساق استاذنا.. من الخير ألا اذكر الاسماء . . وزوجه .. بنته الصغيرة وغير له لبسه وكتبه .. وهو اخذنا من الصلاة إلى السجن فأخرجنا الداية التي اقامت الختان الفرعوني..ثم اخذنا الصباح لما اخذت الداية إلى المديرية بمدني حتى حطمنا كل السجن وهددنا المفتش.. ولذلك فانا ماجادلت محمود .. اصلاً في حياتي .. ولكن كل قوانين الطوارئ والقوانين الجنائية معروف انني كنت ضدها..

ـ ماذا كنت تفعل في القصر اذاً؟

نميري قال لهم لا تعطوه ولا ورقة (يضحك).. كنت اتمتع بلقاء الاجانب .. ولقاء الاصدقاء.. كل ذلك بعيداً من مركز القصر .. فانا آرائي في القتل معروفة منذ زمان بعيد.. انا ضده.. وبعشرات الآيات .. فلايمكن ان يغلبها قطعة من حديث .. وهكذا كانوا أحياناً يغلبون الحديث على الآيات..

ـ انت قلت ان اعدام محمود محمد طه كان اعداماً سياسياً؟

طبعاً كان إعداماً سياسياً .. هو أيد ضرب الجزيرة أبا .. وأيد .. ولكن حين بدأ نميري يطبق الشريعة هو إعترض.. هو كان يريد شريعة اخرى .. هذه قضية أخرى لا اريد ان اتكلم فيها..

ـ اذن انت كنت ضد اعدام هؤلاء الذين ذكرتهم لك قبل قليل؟

والله اشد الحرج كان لي مع الاخ القبطي .. الاخ .. فيلوساوث .. كان ياتيني وانا الحرج يكاد يقتلني لان في تلك المرحلة ماكان من الممكن اخراج الخلافات إلى العلن .. وماكنت ادري ماذا اقول له .. ماكنت مقتنعاً أصلاً بهذه القضية .. اما بالنسبة للإغتيال السياسي ،فانا تحدثت في ذلك كثيراً.. كنت أقول لهم لا تصبوا غضبكم على واحد لأنه يرمز لعدوكم.. كنت أقول لهم لن يجديكم ذلكم شيئاً .. ان قتل عثمان بن عفان وعلى بن أبي طالب أفسد كل تاريخ الإسلام .. ان قتل الرؤساء ماقدم قضية القاتلين شبراً واحداً ..

- في ذات الإطار.. ـ (مقاطعاً)..

في ذات الإطار انا تحدثت في قضية حسني مبارك ان بعض الاشخاص من بلد آخر جاءوا يستهدفون رئيسهم..

ـ ايضاً هنالك تساؤل حول السرعة التي تم بها إعدام منفذي محاولة رمضان الإنقلابية رغم استجابتهم ـ حسبما يقول البعض ـ للنداء وعدم اراقتهم لاي دماء؟

يا أخي الكريم .. والله ماسمعت بهذا الإنقلاب إلى ان جاءوني في الصباح الباكر وقالوا لي اخرج من البيت ..لماذا ؟! قالوا هنالك انقلاب ..هذا المساء ام الصباح الذي مضى؟!.. قالوا الصباح الذي مضى .. اذاً لماذا اخرج؟! .. وانتظرت لأتبين

ماهو هذا الإنقلاب .. القضايا العسكرية دائماً العسكريون يؤثرون ان يستأثروا بها .. سمعت بعد ذلك مباشرة انهم قد ابيدوا .. ابيدوا والله لانه اطلقت تعليقات على هذا العمل. على هذا العمل .. بهذا النهج يعني .. حتى الذين قاموا على تلك المحكمة إلى يومنا هذا بيني وبينهم شئ من التوتر .. الذين قاموا بالقضاء العسكري فضلاً عن الآخرين..

الجزء الثالث والأخير من حوار (السوداني ) مع الدكتور الترابي هو حول قضية الاجتهادات الفقهية وردود العلماء عليه ورأيه في هؤلاء العلماء ورأيه في جعفر شيخ إدريس.

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147504224&bk=1

Post: #614
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 00:08 AM
Parent: #1


حسب الظروف)حقوق الإنسان والتنمية والسلام
د. كامل ابراهيم
لعله من المفارقات القليلة السارة أن يسيطر النقاش في ندوة حول ثقافة حقوق الإنسان وكيفية نشرها وتعليمها في بلد لا يزال حكمه شمولياً لا حقوق لإنسانه ... يشرب مواطنه ماء الخز مع الهوان ويأكل في الغالب الأعم وجبة واحدة في اليوم كله مع الخزى وفمه ملجم .. تقتله الملاريا والغبن مع الإهمال المتعمد ... فمرحباً بالسلام وتوابعه من ديموقراطية وحرية ... فقبل أن يبلل طله أرواحنا المتعطشة إليه ها هو ذا دعاشه فقط يرطب أجواء القهر والتسلط ويجبر الأخشيديين - كما يصفهم محمد المكي إبراهيم - علي الإعتراف بحقيقة هبوب رياح التغيير فلا بد لشجرة الإعتساف إذاً أن تنحني أمامها وإلا أقتلعتها من جذورها . هذه المقدمة سقتها بمناسبة تنظيم مركز (دراسات حقوق الإنسان المقارنة) بمكتبة البشير الريح يوم الخميس الموافق 22 ديسمبر تحت العنوان أعلاه ندوة كان المتحدث فيها البروفسير عبد الله النعيم ... والأستاذ عبد الله باحث مدقق حاسم في آرائه لا يحيد عن مبدأه مهما كانت المعارضة لما يقول قوية وسلاحه الوحيد هو المنطق ... لذلك تجد نفسك تحترم الرجل سيان إتفقت معه أو إختلفت كما يجبرك الأستاذ ويستفزك على التفكير والتعمق في ما يقول فالبروفسير عدو للسطحية ولذلك يقسرك قسراً على التفكير ولا يترك عقلك يركن للكسل ... هنا لا أريد أن ألخص المحاضرة القيمة ... كل ما أوده هو أن أسلط الضوء على بعض النقاط التي أعتبرها تحتاج النقاش لما فيها من جدة .

إستهل البروفسير محاضرته بتأكيد أمرين : أولاً أنه من تلاميذ الأستاذ محمود محمد طه وهو يفتخر بهذا الإنتماء ... وثانياً إنه لا يحمّل الأستاذ ولا أية مجموعة أخرى عواقب ما يطرح من آراء فهو لا يمثل غير نفسه ... وفي بداية المحاضرة يقول الأستاذ عبد الله أن العنوان كان موفقاً إذ أن حقوق الإنسان والتنمية وكذلك السلام كلها المقصود بها الإنسان من حيث هو إنسان ولا ينفذها إلا الإنسان لذلك فالإنسان من حيث هو إنسان هو الهدف والوسيلة في آنٍ معاً .

وعن حقوق الإنسان يقول : إن ربط أي حديث عن حقوق الإنسان في معناها الحديث الى ما قبل منتصف العقد الخامس من القرن العشرين هو حديث لا يمت للواقع بصلة إذ أنه ورغم المرجعيات المختلفة (الأسلاميون ومرجعيتهم الإسلامية والمسيحيون ومرجعيتهم المسيحية والماركسيون ومرجعيتهم الماركسية الخ) فإن ما يهمنا هنا هو الإعتراف بحقوق الإنسان من حيث هو إنسان وأن إرجاع حقوق الإنسان في فهمها الصحيح لأية مرجعية واحدة بعينها هو تناقض وإنقاص لحقوق الإنسان .... وحتي الرجوع الى الشريعة الإسلامية كمرجع وحيد لحقوق الإنسان فيه إعتداء على حقوق الإنسان وذلك لتميز المسلم في الشريعة الإسلامية على غير المسلم في بعض النواحي وفي هذا إنتقاص من حقوق الآخرين ... نفس الشىء نقوله عند إرجاع حقوق الإنسان ألى أي دين أو أيديولجيا إذ أن حقوق الإنسان ليست بالشىء المكتسب لإعتناقه لدين ما أو فكر ما أو هدية من أحد ولذلك لا يمكن أن تُسلب ... وهنا يجب أن نفرق بين النصوص الدستورية التي تنص بهذا الحق أو ذاك لمواطني البلد المعين وبين حق الإنسان من حيث هو إنسان فالحق الدستوري يعطيه الدستور للمواطن لذلك يمكن أن يُجمد ويصبح حبراً علي ورق فقط أو حتي يمكن أن يُغير الدستور إذا تم تغير أساسي في طبيعة الدولة (مثال ذلك النظم الشمولية) . .. وحتي عندما إستشهد الدكتور محمود الشعراني بقصة النبي الذي لا يأكل وحده وهكذا إستمر ثلاثة أيام دون طعام لأنه لم يجد من يشاركه فيه عندها خرج الي البرية وهنالك قابل شيخاً تعدى السبعين من عمره وعندما عرف النبي أن الشيخ مجوسي قال له : لو كنتَ مسلماً لأطعمناك .س فلامه الله في ذلك وقال له ما معناه : أنا أطعمته سبعين سنة وأعلم أنه مجوسي وأنت لا تطعمه وجبة واحدة لأنه على غير دينك ؟.س ليؤكد على حقوق الإنسان من منطلق ديني ... ويضيف الدكتور محمود إن الله ربط عبادته لأنه وفر لعبده الأمن الغذائي (أطعمه من جوع) ووفر له الحياة الآمنة .... رفض البروفسير النعيم هذا الإستشهاد لأنه يعتقد أن حق الحياة حق أساسي لا يحق ربطه بدين أو تصرف وكرم إنسان ما كان من كان كما لا يشترط أن يعبد الإنسان أو حتي يعترف بوجود الله ليستحق هذا الحق .

وعن التنمية يقول النعيم : إن التنمية تعني الخير للإنسان والإنسان فيها - كما أسلفنا - هو الوسيلة والغاية وبالتالي لا يمكن تحققها دون مشاركته ... وكيف يمكن للإنسان أن يشارك في نشاط ما لم تتوفر له الفرصة في الإشتراك في إتخاذ القرار مما يعني بالضرورة حرية الرأي والتنظيم والمحاسبة ... لذلك يجب ألا نستغرب عندما تشترط بعض النظريات في مجال التنمية توفر الديموقراطية وحقوق الإنسان كشرط أساسي إن أردنا تنمية مستدامة . والتنمية لا تعني توفر الطعام وحده بل توفر كل إحتياجات الإنسان الإجتماعية والثقافية والإقتصادية في مستوى يوفر له حياة إنسانية لائقة .

وعن السلام قال بروفسير النعيم : إن السلام معناه أن تنعم بالأمان لنفسك وممتلكاتك كما يعني حرية الإعتقاد والتعبير والحق في التنظيم دون أن يهددك مهدد وأنت تمارس كل هذه الحقوق ... وقبل كل هذا فالسلام يعني حقك في الحياة بتوفير العيش الإنساني الكريم مع توفير العلاج والرعاية الصحية ويجب ألا يفهم بمعني ألا يتعدي على حياتك أحد في المعنى الضيق ... وحسب هذا التعريف فمن حق المواطن أن يقاضي حكومته إن هي لم توفر له العمل المناسب الذي يستطيع عن طريقه أن يوفر اللقمة الشريفة أو أن تعطيه الحكومة ما يوفر ذلك إن هي فشلت في إيجاد العمل له .

وفي الختام وضح النعيم ترابط العناصر الثلاثة وكيف لا يمكن تحقيق أي منها دون تحقيق الآخرين فلا سلام بدون توفير حقوق الإنسان وهل يمكن أن يوجد سلام أو تراعي حقوقه بدون غذائه وبالتالي إمكانية حياته مما يعني ضرورة التنمية ... وهنا لابد من شكر البروفسير عبد النعيم علي الماحضرة المفيدة .


http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147504162&bk=1

Post: #615
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 00:19 AM
Parent: #614


الترابي ينفض يده من إعدام محمود محمد طه
جدد الدكتور حسن الترابي اتهامه للمؤتمر الوطني بعدم انتهاج الشفافية في ما يتعلق بإنتاجية النفط، وقال إن المؤتمن على هذا القطاع عُرف من قبل قيام الانقاذ بالحرص على ما كُلف به، وعزا زعيم حزب المؤتمر الشعبي كف الشريك الثاني عن المطالبة بإظهار الحقائق حول انتاجية النفط الى ما سماه بأمور تحدث في عهد الانقاذ تجعل البعض يكف عما كان يطالب به، لافتاً الى ان صمت الحركة الشعبية إزاء هذه القضية لا يعني اقتناعها بما يقوله المؤتمر الوطني.

وكشف الدكتور الترابي النقاب عن اسلحة عراقية وصينية دخلت البلاد رسمياً، وقال انها دخلت البلاد خلسة دون علمه، رغم انه كان جزءاً من سلطة الانقاذ في ذلك الوقت، مشيراً الى ان كثيراً من الاحداث والقرارات والاجراءات كانت تتم دون علمه، منها اعدام مجدي وجرجس والطالب الجنوبي بسبب حيازتهم

لعملات اجنبية. وجدد رفضه لما سماه بإزهاق الارواح دونما مسوغ شرعي وقانوني، كما نفى الترابي ¬n-في سياق حوار شامل اجرته معه (السوداني)- موافقته على اعدام زعيم الجمهوريين محمود محمد طه من قبل، وقال ان نميري قصد تهميشه إبان مشاركة الإسلاميين في السلطة حتى في ما يتعلق بالقوانين الاسلامية.

وتوقع الامين العام للمؤتمر الشعبي تفكك سلطة المركز عبر ثورات تقع في الاطراف هذه المرة، بخلاف ما كان عليه الامر في اكتوبر وابريل، وقال إن هذا التفكيك يأتي كرهاً بعد ان ابت الانقاذ له ان يأتي طوعاً استجابة لرغبات الداخل.

من جهة اخرى، اشار الترابي الى وجود صراع خفي داخل مؤسسة الرئاسة معدداً ا-في الحوار المذكور- الاسباب التي قال إنها أفضت الى هذه الخلافات.


http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147504087&bk=1

Post: #616
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 00:23 AM
Parent: #615


في الــــرد علــــى الأفنـــــدي
عمار محمد آدم
لعل صاحب كتاب (الثورة الترابية) يواجه اليوم قبل اي وقت مضى محنة شخصية تتمثل في ازمة النموذج والفكرة معاً ومافتئ الاستاذ الافندي ينتقد نموذج المشروع الحضاري المتمثل في حكومة الانقاذ ويجد الكثير من التبريرات الموضوعية لفشل المشروع، مع احتمالات بقاء الفكرة على طريقة الشيوعيين الذين اعتبروا انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي على يد غرباتشوف بانه مجرد سقوط للنموذج الاشتراكي وتظل الماركسية من بعد فكرة قد تتجلى في مستويات اخرى. وددت لو ان الاخ الافندي جثا على ركبتيه ولعن حظه العاثر الذي ألقى به في هذه المتاهة الفكرية والعملية ولكننا كثيراً ما نحاول ان نجد التبريرات لأنفسنا بحثاً عن التوازن النفسي. ولربما من منطلقات عاطفية وما يقوم به الترابي اليوم هو مجرد غوغائية فكرية تفتقد الى المنهج العلمي ولا تستند الى اي مرجعية فكرية ودينية وهي لا تعدو ان تكون محاولات تشكيل وهدم لمسلمات ومعتقدات راسخة، اذ ان حقيقة الدين هي الاتباع وأصل العلم التجريب العقلي او العملي في شكل التجارب العلمية او النظريات الفلسفية، وليت الاخ الافندي استطاع ان يبين لنا اي منهج يتبعه الترابي، خاصة وانه قد استعبد البعد الغيبي والباطني.

لعل جدار صالون الترابي قطعة من كسوة الكعبة المشرفة ولا أعتقد ان قيمتها الفنية تؤهلها لاتخاذ هذا الموقع ولكن قيمتها الدينية ومعنى (البركة) هو وحده العامل الوحيد في بقائها، خاصة وان الترابي قد ادى مناسك الحج قبل عامين ورمى الجمرات السبع وليس قطعتين من القماش وما الى ذلك من الشعائر، ولا أعتقد ان ما جاء في الاثر النبوي في حديث الذبابة يخرج من دائرة الالتزام والاتباع على طريقة المنهج الديني الذي ادى به الترابي مناسك الحج ويطلق به لحيته ويضع عمامته، ولو كان الترابي مجرد استاذ جامعي او مثقف حداثي لما اثارت احاديثه مثل تلك الضجة، ولكن كونه يستند الى قاعدة اسلامية تقليدية ويقودها ويتحدث باسمها هو الذي اعطى حديثه كل هذا الزخم، ولعل ذلك ما ذكره الافندي ولكنه لم يتعرض الى البعد الاخلاقي في ذلك والنزاهة الفكرية والصدق الايدولوجي، خاصة وان الترابي قد سكت عن هذه الافكار وانكرها وجعل موضوع زواج الكتابي من مسلمة مجرد فتوى تتعلق بحادثة محددة، وصار الحديث عن حديث الذبابة يصدر عن اعدائه الذين حصلوا على تسجيل واحد لم يكن واضحا وصار رأي الترابي حول حديث الذبابة والعصمة عند الاسلاميين مجرد تهمة وفرية من اعدائه، وقد حاول الترابي من بعد ان يصر على افكاره من خلال الحلقة الضيقة التي اشار اليها الاستاذ الافندي وبعد وصوله الى السلطة عبر عن هذه الافكار عمليا من خلال سياسات وتوجهات عامة شملت الاعلام والنظام التعليمي والاقتصاد وما الى ذلك، وبعد خروجه من السلطة واستفتائه عن القاعدة الاسلامية التي كانت تحافظ على رمزيته التاريخية بعد ذلك أعلن عن أفكاره التي كان يضمرها لمدى اكثر من اربعين عاما وقد ضحى بالفكر من اجل السياسة، لذلك فان الحديث عن أن الحركة الإسلامية كانت لديها محاولات في الاجتهاد حتى لا تتعارض مع الرؤى العلمية الحديثة حديث ليس صحيحا فان اصل الحركة الاسلامية التي كان يتزعمها الترابي انها حركة اسلامية هي امتداد لحركة الاخوان المسلمين في مصر ودعوة الامام حسن البنا وافكار سيد قطب وابو الحسن الندوي وابو الاعلى المودودي ثم انها قد قد تأثرت من بعد بافكار الثورة الايرانية على مستوى الجامعات وبعد الانقاذ ظهرت مجموعات صوفية جهادية على طريقة الطرق الصوفية في انشادها وملابسها وشيوخها، اما مجموعة التجديد المحدودة فقد وصلت الى مواقع الاعلام وكان هدفها هو التشكيك المستمر في القناعات الاساسية لعامة المسلمين ليس على طريقة تضعيف الاحاديث ورفض مقاييس الضبط في علم الحديث ولكن بالاتجاه الى الحديث بالرأي في قضايا لا تصلح بطبيعتها لاعمال الرأي فيها لكونها اوامر مقدسة صادرة من رسول معصوم لا ينطق عن الهوى.

اعتبار آراء وفتاوي الترابي الاخيرة هو نوع من الافكار الحداثية هو نوع من الابتزال الحداثي لكون الترابي ينطلق من هدم لما مارسه المسلمون لمدى اكثر من الف واربعمائة عام من غير ان يقدم بديلا يمكن اعتماده كمرجعية في اي حوار معه، ولكن اعتماد اسلوب السخرية والتهكم من المعتقدات العامة لا يعتبر نوعا من الحداثة، لكن الحداثة تعني القدرة على تقديم التعاليم الدينية في قوالب حديثة وبطريقة يسهل هضمها من غير تغيير جوهري في اصل الفكرة والمعتقد، ولربما كان اتخاذ مداخل جيدة وجديدة باستيعاب تحولات العصر والحفاظ على الاصل، وقد وجد موسي عليه السلام امة يعنون بالسحر فجاءهم بعصا تنقلب حية وبيد بيضاء، ووجد عيسى عليه السلام الناس منشغلين بالطب فجاءت معجزته مدخله اليهم من ذات النوع، اما النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقد اعجز القرآن فصحاء العرب وليت الترابي قد قدم مشروعا جماليا يجعل من الجمال مدخلا الى قلوب الناس في هذا العصر حين يقول النبي صلى الله عليه وسلم (ان الله جميل يحب الجمال)، فما بال الترابي كثير الحديث عن الذباب!!

ان هذه الترهات الفكرية التي يطلقها الترابي الان لا تدخل في دائرة الفعل الحداثي لكونها ما زالت اسيرة النص بظاهره دون باطنه وبمظهره دون مخبره، وليت ذبابة الترابي لم تقع على الطعام ولكن الغرض وحده هو الذي يجعل الترابي يتوقف عند هذه النقطة ولا يغادرنا الى ماسواها، فوالله لو ان محمدا قد قال كلوا تلك الذبابة لاكلتها نبتغي فيها ومنها البركة، فما بال الترابي يتطاول على الجناب الطاهر ويدع الناس في فتنة وفي ريبة من امرهم تحت دعاوي الفكر والتجديد والتحديث؟ ولعمري فان ما يدعو الترابي اليه لا يعدو كونه هزيمة نفسية تجاه الغرب ودعوات الاصلاح الديني التي قد تجوز في حق الكنيسة ولا تجوز في حق الاسلام لطبيعته القابلة للتجديد الذاتي والتلقائي من واقع المراحل التاريخية التي مر بها الاسلام والمتأثرة بالزمان والمكان، والهوى وحده هو الذي يجعل من قضية المرأة والفن نقطتين محوريتين في اختراق الترابي للفكر الديني الذي تتبناه قطاعات الاسلاميين التي يتزعمها الترابي لمدى طويل ولا يؤمن بفكرها الذي دفع الشباب في الجزيرة ابا وفي يوليو1976 وفي حرب الجنوب والشرق والغرب لأن يقدموا ارواحهم فداء لفكرة يهزأ الترابي الآن من منابعها واصولها. ولعمري فان ما فعله الترابي بمشروع الاسلاميين الحضاري هو عن ما فعله غورباتشوف بالشيوعية وفي هذا الوقت التاريخي الحساس والاستعمار يطرق بعنف الابواب.

يحاول الافندي مضاهاة الترابي بمحمود محمد طه وكلاهما من النخب السودانية التي ادمنت الفشل، وعلقت آمالها على محاولات تطويع الواقع الديني ولي عنق النصوص من اجل تقديم طرح ترضى عنه اليهود والنصار (ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم). واني لأجد نفسي مجبرا على احترام الاستاذ محمد ابراهيم نقد الذي رفض محاولات الربط ما بين الاشتراكية والتجربة الاسلامية التي يقوم بها المفكر السوري الطبيب تزييني او تلك الاخرى التي يقوم بها الياس مرقص ويظل يبحث عن علاقة حقيقية علها تكون او لا تكون او على الاقل اعتماد الديالتيك في تفسير الظواهر الاسلامية، ولكن مضاهاة الافندي بين الجمهوريين والاسلاميين تجعل من الممكن اضفاء صفة التقديس لفكر الترابي مما يدخله في دائرة الغيب بمنهج اهل الباطن ونفسية الاسلاميين مهيأة اصلا لذلك. وخطبة الترابي بعد نجاته من حادثة كندا الشهيرة في قريته ود الترابي فيها الكثير من الدلالات وودت لو انني اعثر على الكلمة التي القاها الاستاذ علي عثمان محمد طه في ذلك اليوم.

يحاول الافندي صاحب كتاب (الثورة الترابية) ان يقنعنا ان الصفوة المحيطة بالترابي هي التي شوهت التجربة الاسلامية في عهد الانقاذ نتيجة استعلائها الفكري من غير ان يورد اي ربط موضوعي بين ربط هذه الصفوة للديمقراطية وقيامها بالتجاوزات في مجال حقوق الانسان وهو يدعي تبنيها لفكر الترابي ودعواه ويحاول الافندي ان يخلص الترابي من الادانة الاخلاقية والسياسية امعانا في عرضه لمفكر حداثي ورائد للاصلاح الديني الجديد ولقب (الشيخ) الذي يطلق على الترابي قد قصد به تقديمه كقيادة دينية وروحية ومرجعية اسلامية، واذكر انني عند عودتي من ارض العمليات في عام1991م لتفقد احوال اطفالي من بعد ان تأخرت اشارة التحرك نتيجة اندلاع حرب الخليج الثانية، اذكر انني قد تقاعست عن العودة مرة اخرى بينما كنت اشاهد مسلسلا دينيا في التلفزيون عن الامام مالك ابن انس رضي الله عنه جاء مشهد يحث فيه الامام مالك احد الشباب على الجهاد في سبيل الله وقد تأثر ذلك الفتى بحديث الامام مالك وعاد الى الامام مالك بعد قليل وهو بكامل ملابس الحرب متوجها الى الجهاد وقد دعا له الامام مالك وودعه عند هذه اللحظة انتفضت كالملدوغ من سريري واتجهت الى منزل الترابي وجلست اليه كجلوس ذلك الشاب الى الامام مالك!! وقد رمقني الترابي بنظرة استهزاء وقال لي متهكماً: (انت مش عمار محمد احمد؟) فقلت له: نعم، فقال لي: (مش عمار بتاع الجهاد والاستشهاد؟)، فقلت :بلي ياشيخ، فقال لي: (الناس كلهم ما مشوا الجهاد انت قاعد تسوي شنو؟)، فاجبته بانني عائد لتوي من ارض العمليات، فقال لي: (جيت ليه؟)، فاخبرته بسبب عودتي لتفقد اوضاع اولادي وهنا قال لي: (ما تعتبر نفسك استشهدت؟) ومن نظرته الاخيرة التي قال بها هذا الحديث فهمت كل شئ واصبحت من رواد بيوت الاشباح تلهب ظهري السياط وبخرطوم المياه الاسود الذي يتجاوز اللحم الى العظم والماء البارد الذي يغمر زنزانتي في ذلك الشتاء القارس والسهر والتجويع والتعذيب النفسي والجسدي والملاحقة المستمرة في الحياة....هكذا تحدثنا يا افندي ان الترابي مفكر حداثي وتربطه بابن رشد والغزالي.

اما وانك يا صاحب الثورة الترابية تعيش في ارض الضباب وتقتات من ذكريات الماضي فاننا نجد لك بعض العذر في ما تقول، اما وأنك ليس بيننا نحن فحقك علينا ان نبصرك بما لم تبصر به ونأتيك بالنبأ اليقين.


http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147504021&bk=1

Post: #617
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 00:25 AM
Parent: #616


بسم الله المبتدأ
الأخ الدكتور زهير
ناصر عثمان

لشدّ ما أدهشني وزادني ثقة في سودانيتي بل وفخراً بها ما قرأته وأقرأه عن أشخاص مثل الأستاذ محمود محمد طه، الأستاذ مصطفى سيد أحمد ، د. جون قرنق ولعلي أذكر الأسماء لقربها من الذاكرة وما أعايشه يومياً . ذلك هو مفارقة الواقع المعاش للافتراضي في حياتنا كسودانيين يقال عنّا التميّز والتفرّد.


هل نحن فعلاً متميزون ؟ أيكون هذا التميّز هو آفتنا التي دعت كل الديكتاتوريين ( أفراداً وجماعات ) للطمع في حكمنا وقيادتنا لأسباب موضوعية أو ذاتية ؟ هل يحلم الأصوليون الإسلاميون بأننا سننشئ لهم دولة الإسلام الكبرى في إفريقيا ؟ ونكوّن الولايات المتحدة الإفريقية كما يقال ؟ لعلها أسئلة دارت بأذهان الكثيرين وأنهكتهم الإجابات وآلة الديكتاتورية تعمل على رؤوسهم لاستلابهم ودفنهم في هم اليومي المعاش . لكننا فعلاً متميّزون ، وكما يروي التاريخ لنا أنبياؤنا السودانيون الذين يلهموننا دائماً ويدهشوننا والعالم من حولنا.

الدهشة تأتي من أن كل واحد من هؤلاء مثّل إضافة حقيقية في مجاله تجاوزت الوطن الى ما هو كوني عبر الفرد ؛ فمحمود دفع حياته ثمناً لفهمه أن الفرد هو الهدف والتربية هي الأساس لبنائه بناءاً سليماً معافى ليكون عنصراً فاعلاً يساهم في تأسيس مجتمع معافى تقوم مؤسساته سليمة وأهمها بالضرورة الدولة .

ومصطفى غنى غناءاً جنينياً ، كما يقال ، وعداً بكائنات بشرية لم تأتي بعد لكن ظهر منها أنبياؤها ليطمئنونا ويلهمونا ، ودخل بين المحبين ليدوزن لهم عواطفهم بل دخل إلى دواخل كل فرد منا ليعيد صياغتنا بشراً جديد ( أو كما يسمي محمود يعطينا المنفستو حتى نرتقي ببشريتنا إلى مصاف الإنسانية) .

أما د. جون فقد قدّم لنا الوصفة لنزيل العقبة ( وكنّا نظنها كأداء ) التي تقف حائلاً دون كل أحلامنا السودانوية الأصيلة. لم أحس يوماً بتقصيري تجاه برنامج التجمّع الديمقراطي بقدر ما أحسست ذلك وأنا أقرأ مناشدة د. جون وفي جزئيتها ... لامن تقولو ناس بتاع التجمّع ديل ما شغالين ، فديل انتو ذاتكم ، انتو ما شغالين ...

أتمنى وأسعى أن تجد أفكار الدكتور طريقها إلى عقل وقلب كل سوداني ...

وأفكار الأستاذ محمود طريقها إلى عقل وقلب كل مسلم .. وكل إنسان ...

وعندها ينتشر الغُنا المعلوم ، كما يسميه الشاعر السوداني الأصيل ( حمّيد ) ، الذي أنهك حنجرة الأستاذ مصطفى سيد أحمد ...

وليسلم الأنبياء السودانيين ...

من منكم يشارك .

ناصر عثمان

عطبرة

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147504024&bk=1

Post: #618
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 00:26 AM
Parent: #617


تكفيريون ومعارضون لهم يختلفون حول آراء الترابي
تتسارع الخطى لكسب الرأي العام وجر مؤسسة الرئاسة الي صفها بين دعاة تكفير الدكتور حسن عبدالله الترابي والرافضين لمحاكمة اي شخص بسبب آرائه.


وتجمع عدد مقدر من رموز المجتمع المدني ظهر امس بمركز الخرطوم لاعداد مذكرة ترفع لرئيس الجمهورية تطالب برفض الآراء التي تطالب بمحاكمة الترابي وتدعو لإلغاء المادة (126) من القانون الجنائي. بينما التأم مؤتمر صحفي بقاعة الشارقة نظمته الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان كفرت خلاله الترابي وطالبت رئيس الجمهورية بتشكيل محكمة لمحاكمته أسوة بمحمود محمد طه.

وقالت الرابطة في بيان لها أمس ان (الترابي كافر مرتد يجب ان يتوب عن جميع تلك الأقوال ويعلن توبته على الملأ مفصلة، ويتبرأ عن كل ما صدر منه أمام طائفة من أهل العلم بحكم قوله تعالى: إلا الذين تابوا واصلحوا وبينوا). وطالبت الرابطة في مؤتمر صحفي أمس بقاعة الشارقة الرئيس البشير بتشكيل محكمة شرعية خاصة من علماء وقضاة لمحاكمة الترابي مثلما فعل نميري عند محاكمة محمود محمد طه. وقالت: ان الاسباب التي اوجبت صدور هذه الفتوى انكاره للعديد من ما هو معلوم من الدين ضرورة بنفي ما اثبته الله ورسوله واجمعت عليه الأمة. وحددت الرابطة أسباب ارتداده في (اباحته للردة، رفعه الكفر عن اليهود والنصارى، انكاره لعصمة النبي، انتقاصه للرسل والانبياء والنيل منهم، ان اصل الانسان قرد، إنكار نزول عيسى ، رده لكثير من الأحاديث، إنكاره فضل الذكر علي الانثى، إباحته للمرأة أن تلي الإمامة الكبرى، إباحته للمرأة أن تؤم الرجال، وصفه للحجاب بأنه عادة عربية، إجازته للكافر ان يتزوج المسلمة، انتقاصه للعلماء). وقال بيان الرابطة: ينبغي لولاة الامر ان يستتيبوه فان تاب، والا نفذوا فيه حد الشرع حماية لجناب الدين وان يحجروا عليه وعلى كتبه وان يمنع من المقابلات،

فهذا اوجب واجبات الحاكم المسلم ولايحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر ان يواليه والا فقد باء بغضب من الله ورسوله.

وأعدت مجموعة من الأكاديميين والسياسيين في لقاء ظهيرة أمس مذكرة لرئيس الجمهورية المشير عمر البشير اعتبرت الغاء المادة (126) من القانون الجنائي معبرا لايقاف دعاوي التكفير والغاء القوانين المقيدة للحريات وطالبت المذكرة بشطب المادة فيما تضمنت قرارات اللقاء تقديم طعن دستوري ضدها غير ان مجموعة من القانونيين استطلعتهم (السوداني) اكدوا عدم وجود علاقة تربط بين ما اثاره الترابي ونصوص المادة (126) التي تخص المروجين للردة.

وكان عدد لافت من السياسيين والاكاديميين من بينهم مجموعة من عناصر المؤتمر الشعبي احتشدوا لشجب الفتاوي التي تصدر عن مجمع الفقه الاسلامي وتكفر أشخاصاً بعينهم بالاشارة الى فتوتها الأخيرة التي كفرت د.حسن الترابي في اعقاب اذاعة آرائه التي جوزت زواج المسلمة من الكتابي وساوت بين شهادة الرجل والمرأة وانكار نزول المسيح عليه السلام وتوج اللقاء بتكوين جسم دائم للدفاع عن حرية التفكير وحرية الضمير وانتخبت لجنة من21 شخصاً لمتابعة تأسيس الجسم ابرزهم علي محمود حسنين ، كمال الجزولي. وقرر اللقاء رفع مذكرة أمس لرئاسة الجمهورية ونائبه ورئيسي البرلمان والقضاة ترفض محاكمة الفكر وتناسي ظاهرة التكفير.

وأكد ان الترابي لم يتبن أفكاراً جديدة ولكنه سعى لتجديد عرضها مرة اخرى وقال ان الرجل استند على القرآن بحسبانه مصدراً من مصادر التشريع.

ودعا لتقديم طعن دستوري في المادة (126) من القانون الجنائي وقال انها تتعارض مع حرية التفكير ومع اصول القرآن ومع ميثاق حقوق الانسان ومع دستور البلاد لعام 2005م وهددت المجموعة حسب قراراتها باتخاذ موقف اجماعي رافض حال تقديم د.الترابي للمحاكمة بالتنسيق مع القوى السياسية والمجتمع المدني.

وعلى ذات السياق شجبت المذكرة التي تحصلت (السوداني) على نسخة منها دعاوي التكفير التي لاتمثل في حقيقتها مرجعية دينية ملزمة للدولة او المجتمع والتي لا تورث سوى الفتن وتهدد وحدة الشعب واكدت المذكرة ان آلية التكفير تسوق نشاطاً مدمراً وحذرت من مآلات التكفير الظلامية التي من شأنها ان تهوي ببلادنا الى قاع من الانحطاط وطالبت بالغاء المادة (126) من القانون الجنائي التي تتناقض مع حرية الفكر والتعبير ومع اصول القرآن (لا إكراه في الدين) (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر).

وتشير السوداني الى ان نص المادة (126) من القانون الجنائي تقول: (1) يعد مرتكباً جريمة الردة كل مسلم يروج للخروج من ملة الاسلام او يجاهر بالخروج عنها بقول صريح او بفعل قاطع الدلالة (2) من يرتكب جريمة الردة مرة ويصر على ردته ولم يكن حديث عهد بالاسلام يعاقب بالاعدام (3) تسقط عقوبة الردة متي ماعدل قبل التنفيذ).

غير ان مجموعة من القانونيين اكدت عدم وجود علاقة بين ما أثاره د. حسن الترابي والمادة (126) من القانون الجنائي.

واكد القانوني علي محمود حسنين نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي ان ماذهب اليه الترابي ليس حدا يندرج ضمنياً في المادة (126) من القانون الجنائي الذي اعده الترابي نفسه عام 1998م وقال ان الترويج للخروج عن الاسلام ليس جزءاً من حرية التعبير ولكنه عاد لينتقد دعاوى التفكير مؤكدا انها تبرز مواقف متشددة تهدم الشريعة الاسلامية.

ونبه القانوني علي السيد الناشط في التجمع الوطني الديمقراطي إلى أهمية الفصل بين ما اثاره د. الترابي وما تضمتنه المادة (126) من القانون الجنائي مؤكدا ان تجويز زواج الكتابي من المسلمة او غير المسلمة او غيرها من آراء لا تعد ترويجا للخروج عن الاسلام وقال ان المادة لاتتحدث عن مرتكب جريمة الردة انما الترويج بالردة.

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147503785&bk=1

Post: #619
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 01:59 AM
Parent: #1


قبل المطالبة بإعدامه : فتاوي الترابي تثير الذعر
*قبل أن تهدأ عاصفة تصريحات الشيخ الترابي النارية حول الاتهامات المباشرة للقائمين على السلطة بمحاولة إغتيال الرئيس مبارك، إذا بقناة العربية مرة أخري تضع الرجل في دائرة الضوء التي يبدو أنه لايريد الابتعاد عنها، واذا كانت تصريحاته السابقة سياسية بحتة وقد لاتؤجج عليه كل السياسيين إلا انه في هذه المرة يدخل لدائرة الفقه والدين والتفسير، حيث تصدي له كثير من العلماء من داخل البلاد وخارجها مطالبين بمحاكمته جهراً وليس مجادلته بالحسني، واذا كان الترابي قد عرف عنه تميزه وعلمه وعبقريته التي شهد بها الأعداء قبل الأصدقاء، فهو يضرب على هذا الوتر ليحرك(ربما) الخمول والجمود في الافكار والآراء ومن المستغرب حقاً ان تأتي تأويلاته مخالفة لرأي اغلب العلماء الذين وصفوا بالحكمة والعلم والتفقه، بل حتي الشيخ القرضاوي الذي يعتبر من أكثر العلماء اعتدالاً في آرائه واجتهاداته لم يوافق الشيخ على ماوصل اليه من السماح للمرأة بان تؤم المصلين وربما استفاد الترابي من المعركة التي حدثت مؤخراً بامريكا إبان إمامة إحدي النساء لمجموعة مصلين في إحدي الكنائس بعدما منعت المسجد مما اثار حفيظة العلماء الذين إستنكروا هذا الأمر ولم يكتف الترابي بجواز إمامة المرأة بل تعداها لزواجها من كتابي مسيحي كان أم يهودي خلاف ما جاء في القرآن من جواز زواج المسلم من كتابية املا في قدرته على اقناعها بالاسلام، وزاد الترابي في حديثه حول الحجاب والخمار وحد الخمر والمهدي المنتظر ونزول عيسي عليه السلام آخر علامات الساعة فهل يشكك الترابي في الاحاديث النبوية أم انه يفسر تفسيراً آخر خلاف ما اجمع عليه علماء الأمة، ومن المعروف ان فتاوي الشيخ الترابي قوبلت بما يشبه الاستهجان والاستنكار خاصة من علماء لهم مكانتهم الدينية داخل السودان مثل الشيخ محمد عبدالكريم وغيره الذي طالب باعدام الترابي كما اعدم من قبل محمود محمد طه جراء افكاره المخالفة للشرع بعد ان تمت استتابته فرفض ولعل المطالبة باعدام الشيخ السبعيني تقودنا للتساؤل حول مدى الحرية المسموح بها لتناول مثل هذه الامور الدينية وماهي حدود الخطوط الحمراء التي لايمكن تجاوزها فمن قبل طالبت مجموعة عبدالحي يوسف بإعدام محمد طه محمد احمد إثر المقال المأخوذ من الأنترنت حول الرسول(ص) والذي اثار حفيظة الكثيرين واصبحت محاكمة محمد طه تجمعاً وتجمهراً للكثيرين من حاملي الافكار المتشددة واذا كان الترابي قد صرح بآرائه تلك وهو واثق من صحتها فهو إذاً يضرب عرض الحائط بكل مطالب من سبقوه وتصريحات الترابي رغم غرابتها الا انها قد تفتح ولو كوة صغيرة بصور آراء مشابهة او مخالفة تحرك الساحة الفقهية الساكنة وتخفف الهجوم على الشيخ بتناثر الاتهامات لمجموعات اخرى، وتفتح باب الاجتهاد والمراجعات على مصراعيه للجلوس مرة اخري لاعادة الكتب الفقهية القديمة ومحاولة دراستها بعيون اكثر بريقاً ووعي اكثر نضجاً ووضوحاً وحتي لانظلم الشيخ فهو قد اجتهد وجاء بتفسيرات قد تلائم العصر كما فعل من قبله سيد قطب الذي فسر القراءات تفسيراً مغايراً للجلالين وابن كثير وغيرها من التفاسير وجاء بظلال القراءات الذي اعتبره البعض خروجاً على قانون الدين والتفقه، لكن سرعان ما اصبح ظلال القراءات يمثل مكانة بين الكتب الدينية الرائجة ولتكن اجتهادات شيخ الترابي قابلة للدراسة فمن جاء بالدليل من الكتاب والسنة نقيض تفسيره وما ذهب اليه فليقارعه الحجة بالحجة ولنترك الضجيج والصراخ وتأليب العامة على الرجل الذي اجتهد وخرج بنتائج إجتهاده والباب مفتوح على مصراعيه لكل من يريد ان يكذبه او يقارعه الحجة بالحجة وليكن المنطق والعقل اساس كل شئ ولو راجع كل شخص ما قاله الترابي سيسلم حتما بما آلت اليه اجتهاداته، وهذا لايعني تأييدي القاطع لآراء الشيخ المثيرة للجدل لكنها دعوة للقراءة المتأنية.


http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147503623&bk=1

Post: #620
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 02:00 AM
Parent: #619


كيف يقرر مسؤول مستشارية السلام بأن الفصيل المدني للبجا غير مؤثر؟!


كيف يقرر مسؤول مستشارية السلام بأن الفصيل المدني للبجا غير مؤثر؟!

دبايــــــوا سلام

أبو علي أكلاب

المخرج من المأزق السياسي الحالي توحد الإسلاميين وعقد المؤتمر الجامع


قبل بضعة أعوام خلون كتب الأستاذ مكي بلايل مقالاً في صحيفة (الصحافة) انتقد فيه تناقضات الحكومة وتضارب قراراتها وتخبطات القادة وهم يتعاملون مع قضايا الوطن والأحداث التي تعج بها الساحة السياسية في تلك الأيام.. واتهم بلايل مستشارية السلام بأنها لا تريد تحقيق السلام وأن العاملين بها يعرقلون مسيرة السلام، واستشهد على عدم جدية أجهزة السلام بأن أفرادها لا يريدون تحقيق السلام (بواقعة) المحافظ الذي عينته الحكومة ليدير دفة الأمور بجبال النوبة وكان عميداً للقوات المسلحة ومن أبناء جبال النوبة. هذا المحافظ ما أن وصل إلى أرض جبال النوبة حتى طفق يتحرك كالنحلة، ودأب يعقد الاجتماعات تلو الاجتماعات مع حاملي السلاح فوق سفوح الجبال وبين الأحراش وهو يدير الاجتماعات الساخنة حتى استطاع إقناع المسلحين للجلوس مع أجهزة الدولة.

وبعدها (لملم) أوراقه وطار فرحاً إلى الخرطوم لإبلاغ الحكومة الاتحادية ببشريات السلام وقبول إخوته بالجلوس مع إخوتهم في الخرطوم لإنهاء الحرب. ولكن المدهش أن الحكومة بعد أن اطلعت على أطروحات المحافظ وسعيه لما يعتقد أنه المخرج لأزمة المنطقة حتى كان الجزاء إعفاءه من المنصب. والأستاذ بلائل - صاحب الرواية - من قيادات الإسلاميين المتنفذه والتي أسهمت بقدر وفير في انخراط الكوادر الشابة من أبناء غرب السودان وانضمامها لصفوف الحركة الإسلامية، ثم كان وزيراً بمستشارية السلام.

ذكرتني أحاديث الأستاذ بلايل هذه (بمهام) كلفني بها الأستاذ حسن موسى شيخ الصافي قبل أعوام، حيث كان مشرفاً سياسياً على كسلا ووزيراً للنقل. فلقد ابتعثني بالاتفاق مع مستشارية السلام للسفر للخارج للالتقاء بالإخوة المعارضين من أبناء البجا (الفصيل المدني) وهم مجموعة من الكوادر السياسية والأطباء والمهندسين المبعثرين في أوروبا وأمريكا.. وبعد اتصالات هاتفية مكثفة شددت الرحال إلى القاهرة حيث يقيم أمين عام مؤتمر البجة الأخ محمد طاهر أبوبكر والسعادة تغمر شغاف قلبي لهذه السانحة التاريخية لأسهم في رتق النسيج الاجتماعي لهذه الأمة التي هددها الإاصطراع. وفي صالة مطار القاهرة الدولي تلقاني الأخ محمد طاهر أبوبكر، وهو من قيادات شرق السودان المخضرمة والتي وضعت اللبنات الأولى لجمعية الشحن والتفريغ ببورتسودان، وهو شخصية محبوبة دفعت به جماهير بورتسودان ليكون قائدهم وممثلهم في المجلس القومي في عهد ثورة مايو، وعقدنا الجلسات والحوارات بعد أن شرحت له المهام التي من أجلها حضرت، وكان معنا الدكتور محمد شريف، والذي جاء من لندن خصيصاً ليشارك معنا في هذه المناقشات والتفاكر حول الجلوس مع الحكومة بغية العودة إلى الوطن والإسهام في إجراء الحوارات مع حملة السلاح.

اتفقنا على مبدأ التفاوض مع الحكومة وفي قطر (محايد). لقد سعدت لهذا النجاح الباهر الذي أحرزته وكتبت تقريراً يحمل بين طياته هذه المعاني الداعية للتشاور والتوحد، وعرضت التقرير على قادة مؤتمر البجا فوافقوا على ما ورد في ثناياه، وعدت مسرعاً إلى الخرطوم والحبور ينتاب قلبي لهذا الإنجاز والخبطة السياسية التي حققتها من أجل الوطن. وما أن هبطت الطائرة بمطار الخرطوم حتى خرجت من (جوفها) منطلقاً إلى مستشارية السلام لأبلغهم ببشائر النجاح، ولكن يؤسفني أن أقول إنني أصبت بالإحباط حينما قابلت المسؤول عن مستشارية السلام. قابلني بكل برود وقال لي وهو يتصفح التقرير: إن الفصيل المدني والذي عقدت معه الاجتماع (غير مؤثر)، ولا يشكل إزعاجاً للحكومة.. ثم استدرك قائلاً: لماذا لم تحضر معك (محمد طاهر أبوبكر) الأمين العام لمؤتمر البجا؟ وتتقافز من داخلي التساؤلات: كيف يقرر هذا المسؤول بمفرده أن الفصيل المدني غير مؤثر، وهم جماعة من الأطباء والمهندسين والكوادر السياسية والذين طوعوا لغات أوروبا فأسلمت لهم القياد؟ أو هكذا تدار البلاد؟ أو هكذا يقرر الأفراد في مصائر وطن التنوع العرقي والثقافي؟.. قلت لوزير المستشارية إنني لم أذهب إلى القاهرة لإحضار فرد بعينه بقدر ما كان مسعاي هو وضع (حل) لقضية قد تنسف وحدة التراب السوداني. كان مقصدي هو إحضار (الفصيل المدني بعد إقناعهم لحسم الأمر من جذوره، لأن إحضار الأفراد ليس حلاً لهذه القضية، وقلت للسيد المستشار: أو لم يكن خيراً لهذا الوطن أن يعود إلى ربوعه بعض من أبنائه الذين ناصبوا الحكومة العداء؟ ولماذا عدم الاهتمام والاعتبار لأبناء الوطن والتقليل من شأنهم؟..

وخرجت من المستشارية والحزن يدمي القلب: الحزن على وطن تتمزق أطرافه بأيدي أبنائه، وحينها استوعبت ما ظل يردده ويكتبه الأستاذ (بلايل) على صفحات الصحف بأن مستشارية السلام فشلت في تحقيق السلام في ربوع الوطن. وتعتبر الجبهة الإسلامية من أكثر أحزاب السودان تنظيماً واحتشاداً بكوادر ذات كفاءة عالية قادرة على رسم الخطط وإدارة مؤسساتها، فضلاً عن أن (المطروح) من شعاراتها يجد القبول والرضا من أغلب جماهير الشعب السوداني المسلم، مما مكنها أن تفوز في دوائر جغرافية كانت تعتبر مقفولة للأحزاب التقليدية والطائفية. لقد كانت فترة تصالح الجبهة الإسلامية مع ثورة مايو من أكثر الفترات السياسية ثراءً بالإنجازات، حيث وطدت أركان بنائها ومكنت كوادرها لتنتشر وسط المجتمع السوداني تبث فكرها وبرنامجها واستقطبت الآلاف من الشباب بعد أن هيأت لهم الظروف الملائمة وتم توظيفهم في مؤسسات الدولة المختلفة عسكرية كانت أم مدنية.. وقد ساعدها خلو الشارع السياسي من الكوادر المناهضة لها ما عدا (الجمهوريين) والذين زج بهم في غياهب السجون بعد إعدام زعيمهم (الشيخ محمود محمد طه).. أما تنظيم الاتحاد الاشتراكي فإن حاله كان أشبه بحال المؤتمر الوطني الآن؛ قيادات بلا قواعد تتفاعل معها، وإن كان الاتحاد الاشتراكي أحسن حالاً من المؤتمر الوطني أو الحزب الحاكم، كما يسمونه.

وإذا كانت ثورة أكتوبر هي يوم ميلاد الآلاف من الكوادر الإسلامية تحت رعاية الشيخ الترابي - عميد كلية الحقوق حينئذٍ- فإن ثورة مايو هي التي نما وترعرع في ظلالها الإسلاميون، وقوي عودهم تحت عناية وإشراف الشيخ الترابي مستشار نميري آنذاك. وحينما أعلنت الجبهة الإسلامية (البيان) الأول تسلمها للسلطة اعتقد بعض المحللين السياسيين أن البلاد سوف تشهد استقراراً وتطوراً وذلك لما للجبهة الإسلامية من كوادر عددية وخطط مدروسة تمكنها من بناء مؤسسات تدير بها دفة السودان المتنوع الأعراف والثقافات والجسر الرابط بين العرب والأفارقة. ولكن لأن السلطة فتنة فلقد تفرق الأشقاء والأحباب.. لقد دانت البلاد لقادة الجبهة الإسلامية وتدفقت ينابيع الموارد الطبيعية من كل عين ذهباً وبترولاً. فانتفخت الجيوب بالدولار، والدولار شيطان (خناس) يوسوس في صدور الناس ليوقع بينهم الفرقة والشتات.

كان المحللون يعتقدون أن للجبهة غرف عمليات تعصمها من التخبط، ولكن يبدو أن السلطة ببريقها قد أعمت البصيرة ومزقت أواصل تماسكها وأحالتها إلى شيع وأحزاب وفرق متناحرة تحيك المؤامرات لتصفية بعضها حتى ضعفت قدرة (الحاكمين) على اتخاذ القرار، وأصبح القرار في أيدي أفراد ونشط سماسرة الاصطياد في الماء العكر لتتوسع شقة الخلافات، ولتعبث تلك الفئات بمقدرات الأمة. لقد كانت خلافات الإسلاميين - الحكام- مدخلاً وباباً واسعا تدخل عبره الدوائر الأجنبية لتفتيت وحدة الوطن والذي يحاصر هذه الأيام بغية نهب موارده الطبيعية.

إن المخرج من المأزق يكمن في أمرين:

1- أن تتوحد صفوف الإسلاميين وتجمع على برنامج علمي وواقعي يضع أمامه (صورة) السودان المتنوع الثقافات والأديان والأعراق تحت شعار (السودان أولاً أرضاً وشعباً، والسودان ثانياً وثالثاً).

2- أن تتم دعوة لعقد المؤتمر الجامع، والذي طالما نادت به كل الأحزاب، وأن تدعى له كل الفعاليات السودانية وروابطها ليقرر الشعب ويكتب الصيغة المثلى والتي تتناسب وتركيبته الإثنية والجغرافية.

ولعل خير حديث نختم به مقالنا هذا العبارات المهمة التي خاطب بها الأستاذ علي عثمان محمد طه، نائب رئيس الجمهورية، المؤتمر الحاشد بدارفور حيث قال: إن قوة المؤتمر الوطني تكمن في نجاحه لحل قضية دارفور. ثم أردف قائلاً: يجب أن نرد على طلقات المعارضين (النارية) بالمزيد من الخدمات والمزيد من الحوارات..

هنا أدركت السر الكامن وراء مطالبة الناس في دارفور ليكون علي عثمان على رأس المفاوضين. إن الزعيم أو الحاكم يجب أن لا يحقد ويترفع عن الانتقام، والعفو عند المقدرة من صفات المؤمنين، ولنتأسى بمواقف هذا الرجل الصامت وأن نرد على هجمات الخارجين على القانون ببناء المزيد من المستشفيات والمدارس، لأن العنف لايولد إلا العنف.

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147503504&bk=1

Post: #621
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 02:03 AM
Parent: #620


معذرة د. كامل: وأنا كالهاشمي لم أفهم ما قاله د. جمال البنا
بقلم: البروفيسور -عبد الله عووضة حمور
بدءاً أقول للصلة الوثيقة لما أقول بما سأقول بالمقال فيما بعد: كان خريج الأزهر الشريف في عهد محمد علي باشا وقبله يحفظ الألفية في النحو، فإذا طلب منه أن يكتب اسطراً يعبر فيها عن المطلوب عجز، لأن المنهج كان يعتمد على الدراسة النظرية لا العملية التطبيقية.
كان محمد علي باشا ذا بصر وبصيرة، فأرسل نوابغ الأزهر في بعثات إلى فرنسا ليتلافي هذا العجز فلما عادوا كان الدكتور طه حسين وأمثاله مشاعل طريق، بعده رأى ابنه الخديوي إسماعيل باشا أن يؤقلم التعليم فأنشأ عدة مدارس منها مدرسة دار العلوم عام 1873 (كلية دار العلوم جامعة فؤاد فيما بعد القاهرة الآن) يأخذ لها النوابغ من المعاهد الأزهرية تاركاً الأزهر على ما كان عليه، نجحت الفكرة، فكان منها على الجارم العالم الأديب والشاعر واضرابه في اللغة والأدب، وكان منها الأستاذ حسن البنا مرشد الاخوان المسلمين، والشهيد الأستاذ سيد قطب مؤلف تفسير (في ظلال القرآن) وابن حسن البنا كان معاصراً لنا في منتصف الخمسينيات، لا أذكر اسمه لعله يكون د. جمال البنا الآن حذف اسم ابيه اختصاراً، إذ لا يعقل أن يكون أخاً لحسن البنا إلا أن يكون اخاً لأب انجبه أبوه من أخرى على كبر.
على كل الغاية من هذا المدخل توضيح أن الذهن العربي المسلم على ذكائه كان محدوداً فلما تلاقح وفتق بالمنهج الحديث انتج رجالاً جمعوا بين القديم والحديث والأصل والعصر، أذكر جيداً في عام 1973 في العيد المئوي لدار العلوم قرأت بزجاج باب حجرة الأساتذة (مدرسة دار العلوم)، الشاهد لا في الاسم لكن في استقرار الحياة الذي يبقي الزجاج لمائة عام؟! أين نحن من انهيار العمارات قبل الاستلام وحرق الطلبة لجامعاتهم ووزاراتهم لا جامعات ولا مؤسسات الحكومات، أين؟! الأقرب أن المندسين هم الذين يفعلون هذا وبعد:
قرأت بجريدة (السوداني) بتاريخ الأربعاء 5/4/2006 ص9 كلمة للدكتور كامل إبراهيم حسن بعنوان (تعقيب على تعليق الأستاذ أحمد هلال الهاشمي) تحت عنوانه الدائم (البصلة وقشرتها) بخط صغير جاء بالتعقيب في عدد (السوداني) بتاريخ 21/3/2006 كتب الأستاذ أحمد هلال الهاشمي مقالاً تحت عنوان (الدكتور جمال البنا علماني أم إسلامي؟!) رؤية منهجية لمصطلحي الدين والدولة، وفيه قال الهاشمي: (كثر الجدل في الآونة الأخيرة حول المحاضرة التي قدمها الدكتور جمال البنا)، وقال أيضاً: (الجدل القائم الآن حول الإسلام وعلاقته بالدولة يرجع إلى عدم تحديد مصطلح الدين والدولة وعليه علينا أن نعرف مصطلحي الدين والدولة لنصل إلى النتيجة التي نرجوها) أ.هـ ما نقل عنه.
فصل بين الدين والدولة
من هذا يتضح (الحديث لي) أن الدكتور البنا يفصل بين الدين والدولة كما هي الحال بالمسيحية بأوروبا والأستاذ الهاشمي يرى أن الدين والدولة وجهان لعملة واحدة، كما كانت الحال في التاريخ الإسلامي حتى عهد المماليك بمصر، بغض النظر عن مستوى الفهم والتطبيق في كل عصر.
ورأى الدكتور كامل إبراهيم حسن بتعقيبه نقلاً عن الامام القرافي: (ما وصل لنا من الرسول بصفته رسولاً فهو شرع ملزم لنا إلى يوم القيامة، وما صدر عنه بصفته رجل دولة غير ملزم لنا)، وكل ما قاله بعد هذا حتى نهاية المقال ما خرج عن هذا المنحى، وهذا يعني موافقة د. البنا على فصل الدين عن الدولة، إذا لم يخني الفهم في ما قال ولم يخنه التعبير في ما أراد.
ورأيي أن علاقة الإنسان بالله من ناحية والحياة من ناحية أخرى دقيقة ومتداخلة، فالمسيحيون مثلاً ابتدعوا الرهبانية فكان تحريم الزواج على الرهبان والراهبات، وكان ما كان من تجاوزات زكمت الأنوف، وكان تحبيب الفقر للعامة، والثراء وصكوك الغفران للخاصة، وأخيراً كان فصل الدين عن الدولة لتحرير الناس من تسلط الكنيسة. وكان قول لينين (الدين أفيون الشعوب) هذا جانب، الجانب الآخر في الموضوع أن الفقة الإسلامي ينقسم إلى عبادات ومعاملات، العبادات من صوم وصلاة لا خلاف فيها إلا عند الاستاذ محمود محمد طه الذي تجاوز فصل الدين عن الدولة إلى مراجعة العبادات من صوم وصلاة وهذا يخالف رأي دكتور كامل المنقول عن الامام قرافي آنف الذكر لا خلاف.
الخلاف في المعاملات التي تمثل الدولة، البعض يخالف عن جهل والبعض عن جهل مركب، لا يدري ولا يعترف بأنه لا يدري، وهذا أسوأ منه الذي يعلم إلا أنه يخالف لحاجة في نفس يعقوب (تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة).
وهو بهذا أعني قسم المعاملات أكثر دقة وتداخلاً من قسم العبادات، ولكي نحسم أمره علينا أن نوضح أن مصادر تشريعه لا تقف عند حد القرآن والسنة بل تتعدى ذلك إلى العرف، وأن فهم نصوص تشريعه شيء وتطبيقه شيء آخر، وأن العلم والعلماء شيء والفقه والراسخون في العلم شيء آخر، قال تعالى في هذا المعنى (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأُخر متشابهات، فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) (7) آل عمران.
الفارق بين الفقه والعلم
وليزداد الفارق أكثر بين الفقه والعلم نذكر سابقتين من التراث إحداهما دستورية والأخرى قانونية، الدستورية عندما فتح المسلمون العراق رأى الصحابة تقسيم سواد العراق على الفاتحين بعد اخرج الخمس لله، لم يأخذ سيدنا عمر بهذا الرأي مخالفاً بذلك القرآن (وأعلموا انما غنمتم من شيء فإن لله خمسه) (المادة41 الانفال)، والسنة وإجماع الصحابة لأن حدسه الإسلامي قال له: إن جوهر الإسلام لا يمكن أن يتعارض والمصلحة العامة للمسلمين، لم يفرض رأيه ولكن أخذ يستعرض القرآن ليجد فيه ما يدعم حدسه، وبعد ثلاثة أيام وجد الآية (كي لا يكون دولة بين الإغنياء منكم) (المادة7 الحشر)، فخرج يهتف: لقد وجدتها لقد وجدتها!!.
فسأله الصحابة: ماذا وجدت؟! فتلى عليهم الآية، فقدر الصحابة فرحته وفرحوا معه وبذا أصبح السواد قطاعاً عاماً للدولة الناشئة، سمى سواداً لخضرته الداكنة كالبطيخ كان كأرض الجزيرة عندنا التي مثلت أيام الإنجليز بالمصدر الأساسي لميزانية الدولة، ولو لا هذا الفقه لأصبح اقطاعاً خاصاً لا قطاعاً يتوارثه الأبناء جيلاً بعد جيل، كما كانت الحال بأوروبا إلا إن الإسلام سبق وأمم قبل الاقطاع، وأوروبا بعد مأسي الاقطاع الاقتصادية والاجتماعية، من الاجتماعية كان من حق السيد أن تزف إليه أي عروس بمزرعته قبل أن يفضي حليلها لها وتفضي له، وبذا كان سبق الإسلام لأوروبا بقرون.
أما السابقة القانونية فإنا قصة أخرى هي: وجد رجل امرأة بالصحراء كادت أن تموت عطشاً فطلبت السقيا، فأبى إلا أن تمكنه من نفسها ففعلت، فلما بلغت المدينة أخبرت سيدنا عمر بذلك فقال: أرجموها فقد أقرت بالزنا، فقال سيدنا علي: لا تفعل يا أمير المؤمنين فقد كانت مضطرة فأخذ برأيه وبذا تعدل الحكم من الإعدام إلى البراءة.
وأبلغ من هذا أخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأي الحباب بن المنذر في يوم بدر وخيبر فعدل موقع جيش المسلمين، وصراحة قال سيدنا عمر لأبي موسى الأشعري برسالته القضائية له: (لا يمنعك قضاء قضيته اليوم وراجعت فيه نفسك أن ترجع إلى الحق، فالحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل)، وما لنا نذهب بعيداً، اليوم حق الاستئناف مكفول حتى المحكمة الدستورية لتدارك احتمال الخطأ في فهم القانون وتطبيقه.
ليس هنالك فرق
من هذا يتضح أن لا فارق بين الدين والدولة في الإسلام إلا أن العبادات ثابتة فالصلاة هي الصلاة والصوم هو الصوم، وإلا أن المعاملات الدستورية والقانونية قابلة للحذف والإضافة والتعديل عن طريق الفقهاء لا العلماء والاجماع لا الافراد.
وعلى هذا لسنا ملزمين اليوم بما كان من أحكام الأمس لأن لكل حكماً ظرفه الخاص داخل العصر الواحد فما بالك بالعصور، ولكن ملزمين بروح الإسلام التي تحكم الجميع، وبذا يكون صالحاً لكل زمان ومكان، وللتوضيح مع الفارق انجلترا اليوم تحكم بدستور غير مدون حتى اليوم، وأي سابقة في القضاء ملزمة لأي قاض، لذا الحياة عندهم يحكمها الحس العام الذي يمثل الدستور والعادات والتقاليد التي تمثل القانون كما هي الحال بالمجتمعات القبلية وما حزب المحافظين عندهم إلا تعبير بوعي عن هذا الفهم، والحزب المسيحي بألمانيا تعبير آخر لشخصية أخرى.
من أوضح الأمثلة لما اعنيه في هذا المقام اليابان وتركيا، في عام 1868 واجهت اليابان المشكلة نفسها فسألت نفسها (هل يمكن الجمع بين الأصل والعصر؟!) كانت الاجابة وقت ذاك (أجل) ورفعوا شعار (التقنية الغربية والروح اليابانية)، وفي تركيا قال أتاتورك (كلا) فكتب اللغة التركية بالحروف اللاتينية، وكانت تكتب بالحروف العربية كالأردية في باكستان والفارسية في إيران، وساوى بين الذكر والأنثى في الميراث، وأجلس المسلمين على الكراسي بالمساجد كالكنائس، والنتيجة تفوق اليابان على الغرب، وتخلف تركيا عن الغرب، فخسر الدنيا والآخرة، وقس على اليابان ماليزيا في آسيا، وزمبابوي برئاسة موغابي (انظر ما قال د. زهير السراج عن هراري عاصمة زمبابوي) قول مشاهد بجريدة السوداني الجمعة 17/2/2006 (حقاً موغابي ليس غبياً) وعلى تركيا قس معظم حكومات ودول العالم الثالث، أكرر حكومات لا شعوب.
اليابان والصين نموذج
إن مثال اليابان والصين بعدها المحرمة للزنا، والراجمة للزاني كالإسلام يوضح بوضوح للدكتور جمال البنا ومن يرى رأيه ألا تعارض بين الأصالة والحداثة إن صح الفهم وخلصت النيات ولو جمع أتاتورك بين الحسنيين كاليابان (1868) والصين (1947) لملكت تركيا السلاح الذري قبل الصين، أتاتورك اسقط الخلافة الإسلامية بعد الحرب العالمية الثانية سنة 1914 أذكر بهذه المناسبة للتوضيح لا للتعريض مقولة لعم د. حسن الترابي قالها في جمع من الناس بـ(ود الترابي) نصها (لو كان ولدنا حسن الكلام الـ/في لسانه في قلبه لملك الـ/اديرة). وفي الرأي العام السبت 11/3/2006 الصفحة الأولى بالخط الأحمر (الترابي يبيح الخمر ويحرم السُكر)، وفي الرأي العام الأحد 9/4/2006 ص3 (الترابي يجيز زواج الكافر للمسلمة وامامة المرأة المصلين) مخالفاً بذلك ما جاء في القرآن الكريم وهو الداعي للإسلام، هذا التباين هو الذي جعل الصين تمتلك الذرة ونحن نعاني التمزق، والحال أن عددهم مليار ونحن 30 مليوناً والفارق بين استقلالهم واستقلالنا 9 سنوات لا غير، الصين في 1947 ونحن في أول .1956
كما أن العلم من غير نية لا يجدي (وشر المخلوقات العلماء إذا فسدوا) مقولة معلومة (وأعوذ بالله من علم لا ينفع وقلب لا يخشع) حديث صحيح، كذلك النية بغير علم انتحار وتبديد لطاقات الشعوب أو (رومانتيكية) تريد أن تطبق أحكام المعاملات السابقة على الحاضر على الرغم من اختلاف المعطيات كالذي يقول: (وإذا مرضت فهو يشفين) وينسى الآية (وهزي إليك بجزع النخلة..) وقول الرسول: (لكل داء دواء) وقوله: (اعقلها وتوكل)، فهذا مسلم ينقصه فقه التشريع كمهران بطل رواية (اللص والكلاب) لنجيب محفوظ الذي قال عنه رؤوف علوان: (ثائر ينقصه التنظيم)، من أوضح الأمثلة لهذا النمط بن لادن الذي اضر بالإسلام والمسلمين على غير قصد، فأفغانستان بعد الملكية أفضل مما آلت إليه الآن، حقاً (الجاهل عدو نفسه)، وعلى هذا لا بد من اجتماع خلوص النية والعلم كما فعلت اليابان بل كما فعل مهاتير المسلم بالإسلام بعدها بكثير بماليزيا المسلمة.
وبالمثل لم تفهم وفاء ما قاله د. شعراني
لعل من المفيد أن اشير إلى تعقيب آخر بعنوان (اس العلة عدم اقتدائنا بالسلف الصالح) لمعالجته ذات الموضوع بقلم وفاء محجوب عروة وقد نشر بجريدة (السوداني) بتاريخ الأحد 26/2/2006م عقبت فيه على مقال (حول مستقبل الدولة الإسلامية) للدكتور محمود شعراني (السوداني) عدد الاثنين 20/2/2006 وهو من أفضل ما قرأت في هذا الموضوع إن لم يكن من أفضل الجميع، على الرغم من حداثة سن الكاتبة حقاً (فما الحداثة عن حلم بمانعة) (قد يوجد الحلم في الشبان والشيب) كما قال المتنبي خلاصته:
(اخالف الدكتور الرأي في بعض ما ذكر في مقاله أو لأقواله إن حركة طالبان لم تستطع المضي قدماً وسقطت في أول الطريق لا بسبب الغزو الأجنبي إنما بسبب الضعف الفكري المتمثل في اجترار القديم وتطبيقه بكل حذافيره على الحاضر.. أدرك تماماً أن الدكتور لا يقصد أن الماضي متخلف لكن حركة طالبان متخلفة لذا سقطت لكن ليس بسبب تطبيق الماضي بكل حذافيره، ولكن بسبب سوء فهمنا له، فهل كان السلف يحرمون عمل المرأة؟! أو يحرمون الغناء الهادف؟! ألم يقابل الرسول بالمدينة بالأهازيج؟! لست أدري لم تختلط هذه المفاهيم لدينا؟! ألجهلنا بتراثنا؟! أم لسوء فهمنا له؟! وتطبيقه بصورة تتفق ومتطلبات عصرنا الحاضر؟! أم أن هنالك أسباباً أخرى؟!
الجهل مشكلة
إذن المشكلة ليست في العودة إلى الأصالة ولكن في الجهل وعدم الاقتداء بابن الخطاب وحفيده عمر بن عبدالعزيز، والسلاجقة، وصلاح الدين الأيوبي في التراث.
ثانياً: (كذلك اعترض على استدلال الدكتور بالآية (واتبعوا أحسن ما أنزلنا إليكم من ربكم) بأن في هذه الآية اشارة إلى أن للأفكار القرآنية دورة حياتية وهي خاضعة لمظاهر الموت والاندثار.
أولاً لا يصح أن نقول (أفكار قرآنية) فالله لا يغيب عن علمه شيء حتى يفكر فيه، المعنى المقصود في الآية القرآن كله هو أحسن ما انزل إلينا من ربنا لذا قال تعالى (ذلك الكتاب لا ريب فيه) (ذلك الكتاب هدى للناس) وقال (يحرفون الكلم عن مواضعه) وقال (أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض) أ.هـ. ما قالت بتصرف يسير في الصياغة لا المعنى.
هذا المستوى من الفهم إلى درجة التماثل بين التطابق لما قلت آنفا هو الذي جعلني اسعد به وأكتب فور فراغي من قراءة التعقيب بهامش الجريدة تحت التعقيب (شكراً وفاء أحسنت فهماً وعرضاً وعقلاً وقلباً)، وعندما حضر الأخ محمد سعيد حمور وابنه هيثم وامها انتصار وخالتها اقبال لمنزلنا في زيارة اسرية اشدت بمقالها وكل هذا سابق لكتابة مقالي هذا بكثير، أقول هذا لئلا يظن البعض سامحهم الله أنني أذكرها (لعلة) أو (لصفقة) كما يقول الامريكان دائماً لتحكم المادة فيهم فيظلمونها قبل أن يظلموا انصافي لها، والآن اضيف لو سارت وفاء على هذا المستوى قلباً وقالباً سيكون للسودان احسان عبدالقدوس آخر لتماثل الظرفين، فإحسان امه فاطمة اليوسف اسست روز اليوسف فوفرت لابنها الأمن فنما بحرية وكتب بحرية لا لعلة، فكان احسان عبدالقدوس ووفاء أبوها محجوب عروة مؤسس (السوداني) سيوفر لها الأمن فتنمو قدراتها في التفكير والتعبير بحرية فيكون للسودان منها احسان عبدالقدوس آخر، بل والدها أجدر وأحق بحكم الابوة وأصالة كسلا، أعني أحق بتوفير الأمن لها.
ختاماً أشكر الأخ الدكتور كامل إبراهيم حسن لاتاحته لي هذه الفرصة لتبادل الرأي، ومن يدري لعل هذا التبادل يكون المفتاح لتصحيح الفهم لهذه القضية المزمنة، ومن ثم تحقن الدماء المهدرة والطاقات المبددة، وليس هذا على السودان بكثير ولا على الله بعزيز إن صح الفهم وخلصت النيات. وقديماً قيل: (الرأي في بعض المواضع يغني عن جيش كثيف) وقيل: (المعونة من الله على قدر النية).
والله من وراء القصد.

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147503453&bk=1

Post: #622
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 02:04 AM


الفريق يوسف حسين لـ ( السوداني ) (2 -2):
فشل (التجمع) في وضع تصور لكيفية إشراك القوى الحديثة بالانتخابات
الحركة الإسلامية وظفت المناخ الديني لصالح السياسي بعد تطبيق الشريعة!
استعرض الجزء الأول من حوار (السوداني) مع الفريق يوسف حسين عضو المجلس العسكري الانتقالي بعد انتفاضة أبريل عام 1985 والناطق الرسمي للمجلس الأوضاع السياسية بالسودان منذ مطلع الثمانينيات وحتى اندلاع الانتفاضة.
ويتصل حوارنا مع الفريق يوسف ليتحدث عن دور الحركة الإسلامية داخل المؤسسات العسكرية.. وهل لإنسان الشرق قضية أم ماذا؟!.
وأخيراً.. هل حكومة الانتفاضة الانتقالية انجزت ما عاهدت الشعب عليه؟!، إجابات الفريق تجيب على كل تلك التساؤلات..
حوار: الفاتح عباس
× في نشرة (الرأي العام العسكري) التي تصدر عن فرع الاستخبات العسكرية.. هل تم رصد اختراق للقوات المسلحة من الحركة الإسلامية؟!
أبداً.. لم تشر نشرة الرأي العام العسكري لمثل هذا الاختراق.. الغريب قد يربط البعض بين هذا الاختراق وما حققته الجبهة الإسلامية القومية من نتائج في الانتخابات خاصة في دوائر الخريجين، الجبهة الإسلامية القومية في اجتماعاتها مع اللجنة السياسية للمجلس العسكري والتي كان يرأسها الفريق محمد ميرغني بمعاونة عبدالعزيز محمد الأمين، الجبهة الإسلامية القومية وللتاريخ رفضت تخصيص دوائر للخريجين وأصرت على مبدأ (one man one vote) مقابل إصرار أحزاب التجمع على تمثيل القوى الحديثة، وعندما طلبنا من أحزاب التجمع وضع تصور لكيفية اشراك القوى الحديثة في الانتخابات فشلوا!!، وأخيراً اقترحنا نحن دوائر الخريجين مع ملاحظة أن الجبهة الإسلامية اكتسحت كل دوائر الخريجين التي كانت تعارضها بشدة.
الإسلاميون كانوا (منظمين) جداً.. استفادوا لأقصى حد من مصالحة نظام مايو.. و(اشتغلوا!! شغل صاح) تنظيم (ما تخرش ميه منو!!).
× في مقابلة مع الرئيس البشير قال إن الضباط الوطنيين الذراع الإسلامي بدأوا يعملون وسط الجيش منذ انقلاب يوليو ..1971 هل هذا صحيح؟!.
للأمانة والتاريخ أنا شخصياً لا علم لي بذلك خاصة وأنني كنت خارج العاصمة، والتحقت بالقيادة العامة مؤخراً في منصب رئيس هيئة الإدارة، فلم تشر أي تقارير الى نشاط للأخوان المسلمين وسط الجيش، والتقارير التي اقصدها هي التقارير التي ترد في (نشرة الرأي العام العسكري)، أبداً لم تكن هناك أي اشارة لعمل من قبل التيار الإسلامي.
× ألهذا وصلت قوة تنظيم التيار الإسلامي داخل الجيش لدرجة تمكنهم من اخفاء المعلومات عن قيادة القوات المسلحة؟!
جائز..!! لكن الواضح بعد عام 1983 هناك نزعة دينية إسلامية سادت القوات المسلحة وبدأت كورسات لتحفيظ القرآن الكريم لضباط الجيش بالمركز الإسلامي الإفريقي، ولم يشعر أحد بأن هذا النشاط الديني كان مسيساً، بدأنا نشعر بهذا بعد الانقاذ واكشتفنا بأن كل من نال كورساً تدريبياً بالمركز الإسلامي أو انتظم في حلقة لحفظ القرآن الكريم كان أحد اذرع الاخوان المسلمين!!.
(ما عارف هل هذه مهارة!!) و(بعدين) المناخ العام غطى على الهدف السياسي إن وجد، واقصد بالمناخ العام المد الإسلامي بعد تطبيق الشريعة الإسلامية وتصدى كل كادر في الحركة الإسلامية لتطبيقها.
× أكبر الأحداث إثارة للجدل في عهد مايو ترحيل الفلاشا وإعدام الشهيد محمود محمد طه.. ما هو موقف قادة الجيش من تلك الأحداث؟!.
القوات المسلحة لم تكن تعلم أي شيء عن ترحيل يهود الفلاشا اطلاقاً لم يكن لنا علم بها، وطبعاً العملية كانت منظمة جداً، ولم نعلم بها إلا بعد أن تناقلتها وسائل الإعلام الأجنبية ولاحقاً في سير المحاكمات للواء عمر محمد الطيب، لكن الجيش لم يكن له أدنى دور في تلك العملية.
إعدام محمود محمد طه أثار موجة سخط عارمة وسط كل أفراد القوات المسلحة بمختلف الرتب العسكرية والرئيس نميري بعد موافقته على حكم الاعدام، انتابه نوع من الحساسية المفرطة تجاه الحديث حول ذاك الحكم.
وكل من حاول الاتصال به - اي نميري- من قيادات الجيش عده شخصياً ضده، لقد بذلنا محاولات عديدة لاقناع (نميري) بالغاء حكم الاعدام خاصة محاولة المشير عبدالرحمن سوار الذهب، وجميع أعضاء هيئة القيادة، رفض (نميري) مقابلة أي شخص ودخل في عزلة وكأنه يريد أن يقول لن أخرج منها إلا بعد تنفيذ حكم الاعدام بحق الشهيد محمود محمد طه.
× سعادة الفريق لنعرج على سلاح البحرية.. بصفتك القائد السابق للبحرية ما رؤيتك لهذا السلاح الحيوي المهم؟!
القوات المسلحة تمتلك القوات الجوية أو البحرية حسب الحوجة إليها، وحسب المهام التي سوف توكل إليها، السودان له ساحل بحري طويل جداً غير مأهول، ليس لدينا (عداوات) مع أي دولة ساحلية أخرى، إذن القوات البحرية تعني للسودان حراسة وحماية سواحلنا مع ضمان وصول وخروج السفن البحرية من الموانئ السودانية بسلام، على هذا الأساس تم تأسيس القوات البحرية السودانية مطلع الستينيات وكانت الوحدات الأساسية لسلاحنا هي (سفن الدوريات) (patrol ships) مع بعض القطع البحرية الصغيرة التي تقوم بأعمال (لوجستية)، مثل نقل مياه الشرب.. الخ، عندما رسم الإنجليز خرط سواحلنا لم يهتموا بهذا الشأن فكان همهم كيفية دخول وخروج السفن من وإلى ميناء بورتسودان، الساحل السوداني كان مليئاً بالشعب المرجانية فكانت الخرط الملاحية مليئة بعبارة (منطقة غير ممسوحة) لهذا استغل أصحاب السفن هذا الوضع فكانوا يدفعون بسفنهم نحو هذه الشعب المرجانية لتتكسر حتى يقبضوا مال التأمين، المهم قواتنا البحرية يومها كانت كافية للقيام بالمهام الموكلة إليها، ولكن اليوم وبعد أن أصبح السودان مصدراً للبترول..
× قبل إنتاج وتصدير السودان للبترول ساد لفترة زمنية أيام الحرب الباردة مشروع أمن البحر الأحمر.. أين السودان من هذا المشروع؟!
السودان بوضعه الاستراتيجي يفترض أن يكون لنا دور كبير في مشروع أمن البحر الأحمر، ولكن تنقصنا الامكانات وأكثر أفرع القوات المسلحة تكلفة تجهيز القوات البحرية.
× لكن مشروع أمن البحر الأحمر لم يكن مشروعاً سودانياً.. بل كان مشروعاً أمريكياً في مواجهة الاتحاد السوفيتي باليمن الجنوبي وإثيوبيا يومها؟!
التخوف الأمريكي كان منصباً من الوجود السوفيتي بمصر واليمن الجنوبي وإثيوبيا، فالولايات المتحدة كانت تهدف من مشروع أمن البحر الأحمر إلى قطع توغل الاسطول السوفيتي بالبحر الأحمر ومن ثم البحر الأبيض المتوسط، المشروع انتهى بعد سقوط نظام الشاه بإيران.
× لكن يمكن للسودان الاستفادة من الأوضاع العالمية بما يسمى بالحرب على الارهاب.. فالسودان مدخل للقرن الإفريقي؟!.
السودان لم يستفد من موقعه الجغرافي على الاطلاق والأهم أصبح الهم شأناً داخلياً بعد انتاج وتصدير البترول السوداني، وعليه لا بد من تعزيز وتقوية القوات البحرية.
× بقراءتك للوضع في أواخر أيام مايو.. كيف تقرأ الوضع السياسي الراهن؟!
قد لا أكون متشائماً كثيراً.. فالوضع السياسي الراهن يحتاج إلى مرونة (عملية تنازلات من الحكومة ومن الأطراف المتصارعة)، فالسودان لا يحتمل أكثر من هذا.. فالأوضاع بدارفور لا تحتمل فوق ما تحتمله الآن.. والرأي العام العالمي لا يحتمل أكثر مما تحمله في السابق، الأوضاع في السودان اليوم وصلت حد ومرحلة الغليان، أشعر ببعض التنازلات، لذا فأنا متفائل، خاصة بعد تولي علي عثمان ملف دارفور ومقابلته الأخيرة للنائب الأول سلفاكير بجوبا، فلا يمكن للمؤتمر الوطني التشبث بالأغلبية التي منحتها له اتفاقية السلام بنيفاشا، فنسبة 100% لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تصبح 110% وربنا يصلح الحال!.. فالحال حقيقة أصبح صعباً.
× سعادة الفريق انعقدت مؤخراً ندوة بعنوان (إنسان الشرق صاحب قضية أم متمرد؟!) فأين تضعه أنت؟!
إنسان الشرق صاحب قضية.. فقير.. جاهل.. مريض.. مهمش كلمة بسيطة جداً بالنسبة لحال إنسان الشرق.
إنسان الشرق لم تكن لديه طموحات، لكن بعد تمدد الوعي السياسي شعر إنسان الشرق بحاله ومأساته وأعتقد جازماً أنه علينا تدارك قضية شرق السودان.
× بحكم وجودك بشرق السودان.. هل أهل الشرق مقاتلون؟!.
نعم مقاتلون اشداء.. ولكنهم عازفون عن العمل العسكري أو الالتحاق بالقوات المسلحة ولا اذيع سراً إن قلت حتى تركي قيادة القوات البحرية لم ينضو تحت لوائها من أبناء الشرق سوى اثنين أو ثلاثة!!، فتركيبتهم تمنعهم من العمل العسكري المنظم.. ولكنهم مقاتلون شرسون فكل واحد يمتلك سيفاً، إضافة إلى الطبيعة البيئية القاحلة الجرداء التي اكسبتهم صرامة، وما أهون مطالب أهل الشرق إنهم يريدون جرعة ماء وحبة دواء ومدرسة!! فمطالبهم أقل بكثير من مطالب الجنوبيين.
حتى الجنوبيون كانت مطالبهم معقولة عند توقيع اتفاقية السلام بين الميرغني وقرنق عام 1988، وما كنا لنصل الحال الى الذي نحن فيه لو تم تنفيذ تلك الاتفاقية.
× سؤال أخير.. كمراقب عسكري هل حدث تسييس للقوات المسلحة؟!.
فعلاً حدث تسييس للقوات المسلحة، ولكن على الرغم من ذلك انا مطمئن على مستقبل القوات المسلحة، لأن من ينتمي للقوات مهما كان مسيساً فإن انتماءه للقوات المسلحة دائماً هو الأقوى والأعلى، فالهدف سامٍ والمهمة صعبة، فإذا اختلفت الرؤى السياسية بين أفراد القوات المسلحة فسيكون الحال مخيفاً ومريعاً، فالجندي عندما يقاتل يجب أن يكون ظهره مؤمناً فما بالك عندما يحس بأن الجندي الذي يقاتل بجانبه على خلاف سياسي وفكري معه!!.
رئيس هيئة الاركان الصيني يتوسط المشير سوار الذهب والفريق يوسف
(في عهد مايو)
اتصل الفريق يوسف حسين بعد نشر الحلقة الاولي من الحوار موضحا : (لقد فاتني ذكر حقيقة مهمة ، وهي بأن المجلس العسكري الانتقالي اتصل عبر لجنته السياسية والتي كان يرأسها الفريق محمد ميرغني بكل الأحزاب السياسية لتشكيل حكومة قومية تشمل كل الأحزاب وفعلاً بدأ الاتصال بزعماء الأحزاب الصادق المهدي ، محمد عثمان الميرغني ، ولكن لم تر الحكومة الوطنية النور كما كان يريد المجلس العسكري الانتقالي بعد ان اكد الحزبان بانهما سينالان اغلبية مطلقة في الانتخابات .)
وأبدى الفريق يوسف تصحيحاً لما ورد بالحوار وهو بأن د. أمين مكي مدني كان نشطاً في لقاءات مع القوى النقابية والسياسية خارج القوات المسلحة .

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147503200&bk=1

Post: #623
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 02:06 AM
Parent: #622


البصلــــة وقشرتهــــا
د. كامل ابراهيم حسن
الحركــــة الشعبيــــة في حالــــة انكفـــاء
يقول عمر العمر في تقرير له تحت عنوان (الشريكان الحاكمان يراوغان عمداً المفاصل الساخنة في اتفاقات السلام - تواطؤ سوداني ضد المرحلة الانتقالية تمهيداً للتمديد): (صحيح أن نائب الرئيس علي عثمان طه كان شريكاً للدكتور قرنق في نيفاشا، وكان الشريك الوحيد الذي قاسم قرنق تلك المفاوضات الماراثونية. لكنه صحيح كذلك الاتفاقات في مجملها ليست سوى تعبير عن طموحات ورؤى قرنق، ودأب طه على قطع المحادثات والعودة إلى الخرطوم للتشاور، وربما الإقناع، لكن قرنق كان هو المحاور ومصدر المبادرة والمرجعية والحسم على الجانب الآخر.
وبرحيل رئيس الحركة الشعبية على ذلك النحو المباغت، فقد المشروع برمته عقله وصاحبه وحاديه. من ثم يصبح الارتباك على طريق التنفيذ افرازاً تلقائياً).. وسؤالنا: هل مات مشروع الحركة الشعبية بموت الدكتور قرنق؟
قبل الإجابة على السؤال نحب أن نلفت النظر لحقيقة تعاني منها سياسة بعض الدول الأوروبية الشرقية (سابقاً) وأغلبية الدول النامية ألا وهي: أن الشخص الأول في أي حركة سياسية غالباً ما تكون شخصيته هي الطاغية، ويكون البون شاسعاً بينه وبين الشخص الذي يليه... أو كما وصفها صديق بمثابة تلميذين في فصل واحد، (قفّل) الأول الاختبار بينما حصل الذي يليه على 50% فقط، ولكن ورغم ذلك سيكون ترتيبه الثاني... وهذا الوضع لا ينعكس على الحركة الشعبية ولا الزعيم الغائب وحدهما، لأنها تعني في ما تعني سيطرة الزعيم على مفاتيح التنظيم.. نرى ذلك بالنسبة لحركة الناصريين، فقد تفككت أوصالها بعد غياب عبد الناصر، كما تفرق القوم أيدى سبأ في يوغسلافيا السابقة بعد رحيل تيتو.. وفي السودان تضعضع حال الإخوان الجمهوريين بعد استشهاد الأستاذ محمود محمد طه... وشىء مشابه قد طرأ على كل التنظيمات السياسية السودانية من أقصى اليمين الى أقصى اليسار، ولكن بدرجات متفاوتة.. فهل السبب يكمن في مقدرات المؤسسين؟ أم في غياب المؤسسية في تلك التنظيمات؟.
أعتقد أن السبب الثاني هو الأساس مع عدم تجاهلنا (للبطل) - أى دور ومقدرات بعض الأفراد... وربما هنالك نوع من الحنين الى الماضي (النوستولوجي)، وعدم مقدرة تجاوز ما ارتبط في أذهان الناس عن الزعيم الغائب.. ما قلنا به لا ينطبق بصورة ميكانيكية على كل التنظيمات السياسية، إذ أعتقد أن الأستاذ محمد إبراهيم نقد استطاع أن ينفذ من هذا القبو ويقدم نفسه بصورة مقنعة، دون أن ينقص ذلك من كاريزما سلفه؛ القائد الفذ الشهيد عبد الخالق محجوب...
ويختم عمر تحليله بقوله: (تشكيلة الفريق التنفيذي للحركة في الشمال والجنوب لم تعكس فقط وجود انشقاق داخل الحركة، بل كذلك انقضاض تيار من خارج التنظيم على مفاصل صنع القرار فيه. ولا بد أن يترك الانشقاق والانقضاض تداعياتهما على أداء الحركة.
يضاف إلى ذلك تزامن التطور غير الإيجابي مع تحول الحركة من تنظيم عسكري يخوض حرب عصابات إلى حزب سياسي، وهي مهمة شاقة تتخذ جوهر ومظهر المخاض. وفي كل الأحوال فإن الحركة في غياب زعيمها التاريخي لا تملك رصيداً من الخبرة في الأداء السياسي، إذ كان هو منفرداً يشكل الصف الأول لقيادة الحركة السياسية).
من التداعيات السلبية لذلك المخاض أن الحركة أمست بجناحيها تجنح للانكفاء الإقليمي على الجنوب، فالتيار الذي يحمل شعارات زعيمها الراحل (أولاد جون) وجدوا أنفسهم بعد إعلان الفريق الحكومي مجبرين على الهروب إلى الجنوب، للاحتماء بأطرهم التقليدية هناك، سواء كانت تنظيمية طرية أو قبلية عتيقة.
هذا الهروب القسري لم يخرج ذلك الفريق من حلبة الصراع في الشمال فقط، بل أكثر من ذلك أبعدهم عن بؤرة الضوء فأصبح المسرح في الخرطوم مفتوحاً أمام التيار الثاني، وهو انكفائي بطبيعته غير مكترث لمسار سنوات المرحلة الانتقالية غير المرتبط بتحقيق أهدافه الإقليمية، هذا التماوج داخل الحركة الشعبية لا يعيبها، إذ أنها إطار تتفاعل داخله تيارات متباينة.

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147502277&bk=1

Post: #624
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 02:07 AM
Parent: #623


الحركيون الإسلاميون بين مجتر للقديم أو متهافت على الحداثة
أشرت في مقالي السابق حول مستقبل الدولة الإسلامية إلى أن دعاة الإسلام اليوم لا يملكون مشروعاً نهضوياً ولا منهجية ينطلقون منها ليقدموا حلولاً تفصيلية لمشكلات السياسة والاقتصاد والاجتماع في عالمنا الحاضر فهم بين مجتر للقديم أو متهافت على الحداثة ويلجأ أكثرهم إلى تقديم تفسير انتقائي للنصوص معتقداً أن المنهجية إنما تعني تقديم تفسير لآيات القرآن الكريم متجاهلين حقيقة أن القرآن نفسه يفسر نفسه (ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا) . فالقضية إذاً هي ليست قضية تفسير النصوص بقدر ما هي إيجاد المنهج الذي يتعامل مع النصوص باعتبارها قوانين تنظم كل مناحي الحياة الفردية والاجتماعية وليس باعتبارها آيات تتلى لمجرد التبرك بها لأنها سنن كونية أو إن شئت قوانين طبيعية تنظم الوجود البشري في كل أحواله كما تحكم علاقة الفرد بربه وبالعالم من حوله .. ولكن اكتشاف هذه القوانين إنما يتطلب إعمال الفكر في النصوص مع الوضع في الاعتبار للصلة بين الأصالة والمعاصرة ومحاولة الجمع بينهما بصورة لا تجعل من القرآن الكريم مجرد وثيقة تاريخية مرحلية تتعلق بزمن معين ولا تحوي تشريعاً للمستقبل كما ذهب إلى ذلك الدكتور الترابي الذي رأى أن تطوير الشريعة إنما يتم عن طريق تجديد أصول الفقه ويكون ذلك على حد رأي الترابي عن طريق إيجاد أصول واسعة لفقه اجتهادي يتجاوز النصوص المحدودة والقليلة التي لا تفي بالحاجة .. فالترابي يصف النصوص القرآنية بأنها محدودة وقليلة ويرى أن نزول القرآن قد جاء منجماً على الحادثات في أسلوب متحرك يحيط بالحدث ويبين عبرته ومغزى المواقف من حوله ولم يجئ كتاب ينظم المستقبل بدستور من الأفكار المجردة هذا قول الدكتور الترابي وفيه مصادمة صريحة لآيات القرآن الكريم التي تنفي بصورة واضحة صفة المحدودية عند النصوص القرآنية التي يقول عنها الله تعالى (ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) والله تعالى يقول أيضاً (وما فرطنا في الكتاب من شيء) وهذه الآيات جاءت على سبيل الاستقصاء وهو استقصاء من : (لا يغرب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين) وعندما يتحدث الترابي فيقول إن القرآن لم يجئ لينظم المستقبل فهذا إنما يعني بالضرورة التعامل مع القرآن كوثيقة تاريخية تتعلق بزمن معين ولا تحوي تشريعاً للمستقبل وهذا يعني أيضاً بالضرورة تطوير التشريع عن طريق إخضاعه للتقدير العقلي الفج وهذا للأسف هو أسلوب بعض المستشرقين الذين يشجعون المسلمين على التوسع في مبادئ أصول الفقه المتضمنة لمصادر كالمصالح المرسلة بحجة أن الشريعة ينبغي أن تكون منفتحة على العصر وهذه كلمة حق أريد بها الباطل . وأنا أزعم أن الأستاذ محمود محمد طه هو الوحيد الذي استطاع أن يجمع بين الأصالة والمعاصرة بمعنى أنه حينما إلى رمى الى التطوير لم يفقد هويته التاريخية ولذلك وصف جهده الفذ بأنه فهم جديد للنصوص القديمة والتطوير عند الأستاذ محمود إنما يلتمس من داخل القرآن الذي وصفه هو بأنه جسم نامٍ وحي ومتطور ، ومتوائم دوماً مع البيئة الحياتية في رقيها وانحطاطها اتساقاً مع حركة المداولة التاريخية التي لا ثبات فيها ولا قرار إذ الحضارات تتداول والمجتمعات البشرية تتبدل وتتغير في نطاق دورة حياتية تبدأ بالميلاد وتنتهي بالموت لتبدأ بالميلاد من جديد (وتلك الأيام نداولها بين الناس) . ولقد رأى الأستاذ محمود محمد طه أن المجتمع البشري في تطوره كالفرد البشري يمر بمرحلتي القصور والرشاد والتشريع لكل من المرحلتين موجود بين دفتي المصحف وهذا يعني بالضرورة أن تدخل الإرادة الإلهية في مسيرة التطور البشري لم ولن تنقطع لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل بعكس ظن الدكتور الترابي الذي ينفي (حينما زعم أن القرآن لم يجئ لينظم المستقبل) اتساق النصوص القرآنية مع حركة المداولة التاريخية ولذلك زعم أن الآيات المكية والتي نسختها (تاريخياً) الآيات المدنية لا سبيل لأحكامها الآن لأن القانون اللاحق - أي تشريع المدينة الذي بنيت عليه دولة المدينة هو الذي ينسخ ويلغي القانون السابق وإذا كان الأمر هكذا ، بالنسبة للقرآن عند الشيخ الترابي .. فلماذا إذن يزعم المسلمون جميعهم ومن بينهم الترابي نفسه أن القرآن كله صالح لكل زمان ومكان .. لماذا كل هذا التناقض الذي يوحي بأن الإنسان المسلم يستطيع أن يحيا تحت ظل منظومتين قيميتين في وقت واحد !! ولعل الشيء بالشيء يذكر فلقد انبرى المسلمون بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر يدافعون دفاعاً باهتاً عن الإسلام بإطلاق العموميات الساذجة فيرددون على مسامع الأميركان وأهل الغرب بأن الإسلام هو دين التسامح والمحبة والسلام فكان رجال الدين المسيحي وغيرهم في الغرب يرفعون في وجوههم آيات الجهاد وقتال المشركين وآيات الجزية وكأنهم يقولون لهم مع أي منظومة قيمية أنتم ؟ وهل أنتم مع آيات الجهاد أم أنتم مع آيات الدعوة بالحكمة والسلام والموعظة الحسنة ؟ هذه هي أم المشاكل بالنسبة للفكر الإسلامي المطالب بفك هذا التعارض البادي بين النصوص ؟ وهذا ما فعله الأستاذ محمود بجهده التجديدي المتسق مع روح وطبيعة القرآن والمدرك للحكمة من وراء النصوص وهذا هو صنيع من يعبد الله لا من يعبد النصوص لأن النصوص إنما هي وسيلة وليست غاية لقوله تعالي : (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) و(التي هي أقوم) هنا هي الغاية وما القرآن إلا الوسيلة للوصول لتلك الغاية لأن نصوص القرآن تتقلب مع تقلبات الزمان فتصنع لكل زمن وحال تشريعه ولذلك وصف الإمام علي القرآن بأنه (حمال أوجه) .. وكلمة أوجه الواردة في هذه العبارة تعني بالضرورة أوجهاً من التفسير والتأويل وبمعنى أدق (أفكار) .. ولكن الأفكار كما أشرت في المقال السابق شأنها شأن بقية الظواهر الكونية والمخلوقات وهي تخضع لسنة الله الكونية (الموت والحياة) .. والموت ظاهرة أو سنة كونية تطرأ على المجتمعات والأفراد والأشياء كما تطرأ على الأفكار وقد أبان ذلك القرآن في قوله تعالى (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون) . بمعنى خذوا من القرآن أحسنه مما يتضمن أفكاراً وتشريعات هي الأحكم والأنسب لمقتضى حكم وقتكم .. ودعوا الباقي من القرآن وهو (الحسن) حتى يحين عليكم حينه فيصبح هو الأنسب والأحكم بمقتضى حكم الوقت أيضاً . لقد رأى الأستاذ محمود إن في الوجود أصلين هما القاصر والرشيد سواء كان ذلك على مستوى الأفراد أم المجتمعات وهذا قانون طبيعي وضعه خالق البشر ولم يخترعه الأستاذ محمود وتطبيقه أمر محتوم لا فكاك منه حتى تقوم الساعة ولقد حوى القرآن تشريعاً للقاصر وتشريعاً للرشيد والأمر في الآية الكريمة السابقة الذكر باتباع الأحسن من قبل أن يأتي العذاب ، فيه إشارة لطيفة إلى النتائج والآثار الخطيرة التي تأتي كثمرة لاختلال موازين القيم واختلاط المعايير وذلك عندما يطبق تشريع الرشيد ليساس به القاصر .. بينما الحكمة تقتضي أن توضع الأشياء في مواضعها . يقول (لوي غارديه) : (إن الحضارات الإسلامية إن عرفت كيف تظل وفية مخلصة لأفضل ما عندها من إيحاء فستبقى مؤهلة جداً لأن تقدم الكثير للثقافة الكونية في أيامنا) .
وفي الآية السابقة فإن الأمر باتباع أحسن ما أنزل في القرآن هو أمر لجميع المسلمين وأحسن ما أنزل في القرآن إنما هو عمل النبي صلى الله عليه وسلم في خاصة نفسه وهو أمر يقع على جهة الإلزام بالنسبة للنبي ولأمته كافة ثم إن قرآن مكة الذي يزعم الدكتور الترابي أن قرآن المدينة قد نسخه في معنى الإلغاء إنما هو في الحقيقة سنة النبي أي عمله في خاصة نفسه وتلك سنة عاشها النبي وطبقها إلى أن التحق بالرفيق الأعلى .
إن دعوة الأستاذ محمود التجديدية ترمي إلى جعل المنهاج النبوي منهاجاً عاماً للأمة بعد أن كان في حقها على سبيل الندب باتفاق السلف والخلف الذين رأوا أن عمل النبي صلى الله عليه وسلم في خاصة نفسه لا يلزم إلا من التزم به تطوعاً .. وإذا كان الحال هكذا فإنه يصبح من الطبيعي أن يقال أن تحويل الندب إلى واجب يصبح في هذه الحالة أمراً هو أدخل في الدين وأكثر ولوجاً فيه وذلك اتباعاً للأمر القرآني : (وأتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم) . والقاعدة التي تقول : (ولكم في رسول الله أسوة حسنة) .
ولم يكتفِ الأستاذ محمود بتوضيح خصائص هذا المنهج بل أوضح السبيل لجعله سلوكاً حياً وتطبيقاً عملياً يعطي فكرة التجديد مزية التوحيد لكل تصورات واتجاهات المدارس الفكرية الإسلامية المختلفة بجعلها تنهل من منهل واحد هو سنة النبي عليه السلام في خاصة نفسه أي طريقته الخاصة به في العادة والعبادة ، وهذا يعني أن التعريف المتعارف عليه للسنة النبوية في أوساط الفقهاء ليس جامعاً في معنى أنه سنة أو طريقة خاصة بالنبي وحده إذ أن تعريف الفقهاء للسنة يشمل إقرار النبي وإقراره ليس من سنته الخاصة به ولكنه تنزل من مستوى عمله في خاصة نفسه إلى مستوى عمل أمته ليعلمها فيما تطبق وليكلفها فيما تستطيع ..
ولكنه مع هذا ادخر لها أحسن ما أنزل إليه من ربه وهو شريعته الخاصة به والتي تتسع لطاقة وإنسانية عصرنا هذا التي فشلت في استيعابها كل تنظيرات الفكر السلفي التي عجت البلاد الإسلامية بمختلف مدارسها ومذاهبها التي لا تملك منهجية فكرية موحدة ولا تملك إلا اللجوء إلى التعميمات فتشظت وتشرذمت وصار المسلمون شيعاً وأحزاباً .. و(كل حزب ما لديهم فرحون) .. فوقع المسلم البسيط في حيرة من أمره ولم يعد يدري أين هي الفرقة الناجية وسط هذا الخضم من الفرق والمذاهب ، وكيف لا تتملكه الحيرة وهو يسمع القرآن الكريم يقول : (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا) .. ثم هو لا يرى غير الفرقة والشتات !!
ما الذي يمنع الناس من أن يجتمعوا على تقليد رجل واحد هو محمد بن عبد اله عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم .. لا سيما وجميعهم يعلمون تفاصيل شريعته الخاصة به .. وبتقليده يستنقذ المسلمون جميعاً أنفسهم فيصبحوا كلهم الفرقة الناجية !! وهكذا وبتقليد محمد صلى الله عليه وسلم تتوحد الأمة ويتجدد دينها .
× رئيس المركز السوداني لدراسات حقوق الإنسان المقارنة

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147501757&bk=1

Post: #625
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 02:09 AM
Parent: #624


حول مستقبل الدولة الاسلامية
لم يسعدني الحظ بالمشاركة في النقاش حول ما طرحه المفكر المصري الحر جمال البنا، بقاعة الشارقة يوم 13 فبراير الجاري حول مستقبل الدولة الإسلامية، ولقد كان ذلك طرحاً قيماً وشجاعاً تصدى فيه المحاضر لمسلمات الموروث في محاولة للانعتاق من قيود الانشداد إلى الماضي، وهي حالة نفسية استرجاعية تشبه - إن لم تطابق - الحالة المعروفة في دوائر الطب النفسي بحالة النكوص إلى الطفولة (Regression to Infancy)، وهي حالة استدعاء القديم لدى استعداء الجديد الذي يحمل في طياته كل مهددات الموروث. ومن هنا جاء رفض الأستاذ جمال البنا الصريح لما يسمى بالدولة الدينية، وهي المقولة التي يعبر عنها المفكرون الإسلاميون المعاصرون بقولهم إن الإسلام (دين ودولة)، وتلك مقولة حق أريد بها باطل. فهي مقولة حق؛ لأن كل المجتمعات البشرية، ولا أقول الجماعات، تحتاج إلى ما يسمى بجهاز الدولة لإدارة شؤونها والقيام بمصالحها. وهكذا يصبح القول إن الإسلام دين ودولة هو مجرد تحصيل حاصل. وعندي أن مثل هؤلاء إنما يخلطون خلطاً بيّناً بين مفهوم الدولة الدينية - أي النظام الثيوقراطي- الذي يرى أن السلطة الدنيوية يجب أن تتبع السلطة الدينية، وبين قيم الدين الأخلاقية السمحة التي يجب أن تدخل روحها في العمل السياسي. ومن هنا فليس الإسلام دينا ودولة، ولكنه دين وسياسة.. بمعنى أن الإسلام لا يفصل بين الدين والسياسة، ولكنه يفصل بين الدين والدولة. ذلك أن الدولة هي مجرد جهاز لا دين له، فليست هنالك وزارة طيران إسلامية، أو وزارة أشغال إسلامية، كما ليست هناك مخابز إسلامية وأخرى مسيحية أو يهودية.. وهذه الأجهزة الرسمية عبر التاريخ الإسلامي عمل فيها المسيحي واليهودي والمسلم. وقد اقتبس الصحابة النظم الإدارية ونظم الدواوين والبريد والمالية من الفرس والروم وغيرهما. أما كون الإسلام لا يفصل بين الدين والسياسة، فهذا حق، لأن الإسلام يطالبنا - وكذا الأديان - بإدخال روح الدين في العمل السياسي بمعنى الالتزام في الممارسة السياسية والعمل التنفيذي بكل القيم النبيلة في الدين إسلامياً كان أم مسيحياً أم يهودياً. ذلك أن المواطن الصالح قد يكون مسلماً، وقد يكون نصرانياً، وقد يكون يهودياً، أو من الصابئة، والله تعالى يقول: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) البقرة: .62 ذلك أن الإسلام إنما هو دين الفطرة، وما الفطرة إلا العقل الواعي والقلب السليم، وهذا متوافر يجمع كل البشر من لدن آدم إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام.. وعليه فإن المتصدر للدعوة لإدخال روح الإسلام في السياسة عليه أن يدعو في هذا المستوى؛ أي مستوى دين الفطرة الذي يجمع كل البشر، وليس له أن يدعو للدولة الدينية لأنها دينياً خطأ، وعملياً لا يمكن تنفيذها. ولقد رأينا فشل المسلمين في الدولة الدينية بالتجارب العملية في الزمان السابق والحاضر، تماماً كما فشل المسيحيون في إقامة دولة دينية، أو حتى تقديم برنامج سياسي يقوم على المبادئ الدينية، مروراً بجون كالفن ومارتن لوثر. أما أهل الإسلام فقد أقاموا إمبراطوريات وظف فيها الدين توظيفاً خاطئاً لأغراض السياسة، فكانت إرثاً وملكاً عضوضاً. واليوم يريد لنا البعض إعادة إنتاج الأزمة عن طريق توظيف آلية الدولة الدينية وصولاً للمصالح الدنيوية. والذين يحتجون بأنموذج دولة المدينة إنما يريدون ودون وعي سحب الماضي على المستقبل، وقد فعلتها دولة (طالبان) ولم تستطع المضيّ قدماً وسقطت في أول الطريق، لا بسبب الغزو الأجنبي، إنما بسبب الضعف الفكري المتمثل في اجترار القديم وتطبيقه بكل حذافيره على الحاضر، دون إجراء غربلة للتراث.. والمثال الطالباني يعتبر تجسيداً لمعاني الهوس الديني والذي - كما أشرت سابقاً - تظهر صورته السريرية (Clinical picture) في حالة النكوص تعويضاً عن فقد القيمة العزيزة والأنموذج التاريخي المثالي المجسد لقيم الدين السمحاء. وتاريخياً فقد اختفى هذا الأنموذج باختفاء الخلافة الراشدة، ولكن الإصرار على إنتاجه في صورة طبق الأصل من الماضي هو ما يعد حالة ارتدادية شبه مرضية لا تراعي حكم الواقع، بل تسعى لنقل القديم بكل تفاصيله، وهذا ما فعلته تماماً حركة طالبان التي كانت تنادى رأس الدولة بأمير المؤمنين، وتحرم عمل المرأة وتحجر عليها، وتعاقب من الرجال من لا يرسل لحيته، وتحرم الغناء وتعطل التلفزة، ثم تخرج بمعاولها الصدئة لتحطم التماثيل وكأنها الجيوش التي خرجت من المدينة لفتح مكة وهدم أوثانها.. ثم هي تمتشق سيوفها في وجه كل الفنون من رسم وموسيقى وغناء ونحت، وكأنها جيش الفتح الأول ليدك مواخير مكة وكل ما فيها من لهو وخمر وقيان. ولا يظنن أحد أن الهوس الديني هو ظاهرة أفغانية، ولكنه ظاهرة موجودة في كل قطر إسلامي، وعلى سبيل المثال وليس الحصر لو أن دوائر الهوس الديني في مصر تمكنت من السلطة لخرج قادتها لنسف وتدمير كل تماثيل ونصب الفراعنة، ولا يعوزهم في ذلك الاستدلال بالقرآن والحديث وعمل السلف، هذا على الرغم من أن المولى عز وجل قد أبقى على آثار فرعون وحفظها لآلاف السنين لنأخذ منها العبرة ولنتعظ. ومن هنا فإنني على اتفاق تام مع الأستاذ جمال البنا في طرحه الخاص بتعذر قيام دولة إسلامية على غرار أنموذج المدينة، وذلك لأن الإسلام في الأصل لم يأت لقيام دولة، وإنما جاء لإصلاح العالمين. ولو أخذنا الخطاب الديني لدولة المدينة لرأيناه يخاطب فئة معينة هي (الذين آمنوا)، بينما الخطاب في مكة بـ (يا أيها الناس) و(يا بني آدم). والذي يريد أن يغلّب خطاب المدينة على خطاب مكة إنما ينزع صفة الخطاب العالمي للدين الذي يتسق مع التكريم الإلهي لبني آدم جميعاً. ثم إن دولة المدينة كانت تقوم على الشورى وهي حكم وصاية الرشيد على القاصر، حيث يملك المشاور أن يخالف من شاوره (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله). وهكذا فإن الشورى هي خطوة نحو الديموقراطية، وقد كانت ممكنة في القرن السابع لقلة عددية المسلمين، ولكنها لا يمكن أن تكون آلية فاعلة في دولة يبلغ تعداد سكانها عشرات الملايين، كما هو الحال في عصرنا هذا. أضف إلى ذلك أن الديموقراطية هي في حقيقتها آلية لممارسة الحرية، وهي ليست أيديولوجيا تماماً كالاشتراكية التي هي آلية للوصول إلى العدالة الاجتماعية، وليس في هاتين الوسيلتين ما يخالف الدين. كذلك فإن اختيار رأس الدولة في أنموذج المدينة كان يقوم على البيعة، والبيعة لا يمكن أن تناسب هذا العصر، بل إن المسلمين الأوائل قد اختلفوا حتى في بيعة أبي بكر الصديق، حتى قال عنها عمر بن الخطاب (كانت بيعة أبي بكر فلتة). وليس في هذا قدح في شريعة الإسلام، فقد كانت الأحكام في عصر دولة المدينة متسقة مع ذلك العصر، ولم يكن لها من بديل، لأنها المناسبة لذلك العصر. وكانت الأحكام مفصلة ومحددة حسب حاجات وظروف عصرهم ومستوى إنسان ذلك الزمان، ولذلك كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: (نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم).. هذا كان على المستوى التشريعي الواجب الالتزام به في القرن السابع، بينما ظل الالتزام الأخلاقي متطوراً ومنفتحاً نحو المستوى الثاني القانوني الذي كان يعيشه الرسول الكريم وحده، ولكنه ندب إليه أصحابه. وهذا يعني بالضرورة وجود مستويين من التشريع في القرآن وفقاً للقاعدة القرآنية (ومن كل خلقنا زوجين)، ولقوله (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم)، بمعنى أن القرآن قد حوى التشريع الحسن والتشريع الأحسن؛ بمقتضى حكم الوقت، ثم إن القرآن الكريم يقول: (الله نزل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني)، وكلمة (مثاني) تعني أيضاً ثنائية المعنى، وبالضرورة ثنائية التشريع. ولعل هذا قد جاء لعدة أسباب منها أن القرآن الكريم هو الوحي النهائي، وهو بهذه الصفة يحوي كمال الرسالة السماوية للإنسان الذي لا يقف تطوره الإنساني عند حد. وقد جاء القرآن لترقيته على مراحل حتى يصبح مؤهلاً للمستويات الأرقى، حيث كلما ارتفع مستواه الأخلاقي في السلوك ارتفع التزامه القانوني. ولعل في المسيرة السياسية الإسلامية ما يعطينا نماذج لطلائع ارتقعت أخلاقاً وارتفع التزامها قانونياً.. ويتجلى ذلك في خطبة أبي بكر الصديق، الخليفة الأول، الذي رفض أن يناديه البعض بلقب (خليفة الله)، وقال لهم (إنما أنا خليفة رسول الله) نازعاً بذلك الصفة الكهنوتية عن الدين درءً للشبهة الربوبية على الناس. بل إنه يعطي الأمر بعداً آخر حينما يعلن في خطبته وكأني به يقول للناس، بلغة عصرنا: إنما الأمر للناس أي للشعب. فكانت مقولته الشهيرة (أيها الناس، لقد وليت عليكم ولست بخيركم. فإن رأيتم في خيراً فأعينوني، وإن رأيتم في اعوجاجاً فقوموني). لقد رفع الخليفة الأول بهذا الصنيع التزامه الأخلاقي إلى التزام قانوني، فهو حينما رفض أن يسمى (خليفة الله) إنما كان يقرر ضمناً بأن النص إلهي ولكن التفسير يبقى بشرياً يحدده الناس وفقاً لطاقات عصرهم ومقتضياته وحاجتهم ومستويات عقولهم، وتلك هي الخطوط العريضة الواردة في خطبة الخليفة الأول التي أشار إليها المفكر جمال البنا في محاضرته آنفة الذكر.. ولقد عجزنا نحن في القرن الحادي والعشرين عن تطبيقها، وأصبح دعاة الإسلام اليوم بين مجتر للقديم أو متهافت على الحداثة، وكل هذا بسبب الخمول الفكري وانعدام المنهجية العلمية القائمة على قواعد وأطر تجعل من المفكر صاحب منهجية ذات أصول ينطلق منها ليحلل بها أحوال السياسة والاجتماع والاقتصاد، ليقدم في النهاية حلولاً تفصيلية للقضايا المعاصرة. ولقد أشار الأستاذ جمال البنا إلى الصورة التي أجملها القرآن للدولة، ولكن تفصيل هذا الإجمال يبقى هو المشكلة. وأنا اتفق مع الأستاذ جمال البنا في تشخيصه لأسباب تخلف المسلمين التي تكمن في انعدام المشروع النهضوي (المجمل في القرآن) الذي يحتاج إلى إعمال فكر، بحيث تتولد عن ذلك منهجية تطويرية كتلك التي اختطها الأستاذ المفكر محمود محمد طه. ولا أدري إن كان الأستاذ جمال البنا على اطلاع على فكر الأستاذ محمود ومنهجيته التي ترمي لتطوير التشريع عن طريق منهجية الانتقال من نص في القرآن خدم غرضه حتى استنفده إلى نص في القرآن نفسه ظل مدخراً لوقت تحتاجه البشرية، وهذه منهجية من داخل القرآن نفسه فهي لا تمثل قولاً بالرأي الفج، أو قفزاً عبر الفضاء كما يعبر الأستاذ محمود.. وهي بهذا أيضاً تقع خارج نطاق المعنى الاصطلاحي للاجتهاد الذي يقرر أن الاجتهاد إنما يكون حيث لا نص، وتلك خطيئة فكرية لأن النص موجود دائماً (ما فرطنا في الكتاب من شئ)، ولقوله تعالى أن فيه (تفصيلاً لكل شئ)، وهذه المنهجية إنما تقتضي إجراء غربلة للتراث في سبيل إيجاد المشروع النهضوي، وكما يقول المفكر الجزائري مالك بن نبي: (إن غربلة الأفكار الميتة عمل أساسي في كل نهضة صحيحة). وما يرمي إليه مالك بن نبي هو أن الأفكار شأنها شأن بقية الظواهر الكونية والمخلوقات فهي خاضعة لسنة الله الكونية (الموت والحياة)، وقد أبان ذلك القرآن بقوله تعالى: (واتبعوا أحسن ما أُنزل إليكم من ربكم)، وفي هذا إشارة إلى أن للأفكار القرآنية دورة حياتية، وهي خاضعة لظاهرة الموت والاندثار تماماً كخضوعها لظاهرة الحياة والانتشار. وقد عبر النبي الكريم أبلغ تعبير عن ظاهرة موت الأفكار وذلك حينما تنبأ باندثار سنته التي قامت على أصول القرآن فقال عليه السلام: (الذين يحيون سنتي بعد اندثارها). وماذا يعني اندثار السنة غير موتها وخمود جذوتها في النفوس؟! ثم ماذا يعني إحياؤها غير أنها ماتت بالفعل بعد حياة. إن الحديث عن مستقبل الدولة الإسلامية حديث لا ينتهي إلى هذا الحد، ولكنني آمل أن أواصل مع القراء، بإذن الله.
رئيس المركز السوداني لدراسات حقوق الإنسان المقارنة

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147501574&bk=1

Post: #626
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 02:10 AM
Parent: #625


بالمنطق
الضحك في زمان المآسي!!
صلاح الدين عووضه
كُتب في: 2006-04-13
[email protected]



خبران يُضحكان الواحد حتى يكاد ينسى أنه مواطن في بلد لم يترك له النظام الحاكم فيه جنبة يرقد عليها.. فجنبته الجنوبية مهددة بالانفصال عن جتته بعد نزف استمر لأكثر من عشرين عاماً.. وفي اقوال أخرى خمسين.. أي منذ الاستقلال .. ولكن الجديد الآن هو حكاية الانفصال هذه بسبب سوء تقديرات النظام الحالي، سواء أكان على صعيد الحرب أم على صعيد السلم.. وجنبته الغربية تكاد تنفتح من شدة المعافرة والمدافرة لتلج عبرها قوات دولية تشير كل الدلائل على أن من مهامها المساعدة في القبض على المطلوبين لدى محكمة الجنايات الدولية.. وجنبته الشرقية هاهي تشتعل من جديد اعتباراً من الأمس.. وجنبته الشمالية تحول فيها سد مروي إلى نقمة بدلاً من أن يكون نعمة بسبب تزويد الحكومة لعيار طمعها حبتين لما في أيدي المواطنين ليشمل الأراضي الزراعية هذه المرة.
في واقع مأساوي مثل هذا - إضافة إلى البلاوي المعيشية الأخرى- تجئ أخبار لا يملك المرء ازاءها إلا أن يضحك مما يعد من نعم الله على عباده في السودان حتى لا يطق للواحد فيهم عرق أو يبحث عن أقرب (صينية!!) له من بيته فيستعوض فيه أهله الله.
الخبر الأول عن الترابي.. فالترابي هذا سبق لكثير من رموز الانقاذ أن (شككوا) في قواه العقلية عقب حادثة كندا واعتبروه (خارج الشبكة).. وكان آخر من ضرب على هذا الوتر من هؤلاء الرموز الدكتور نافع علي نافع حين وصفه قبل أيام بأنه (فاقد للبوصلة السياسية).. ومما هو معلوم من الدين بالضرورة أن الشخص الذي هو على هذه الشاكلة (مرفوع عنه القلم).. والشيء نفسه تقوله القوانين الوضعية.. أي أن مثل هذا الشخص لا يؤاخذ ولا يحاسب على ما يقول .. أو على ما يفعل..
لحد هنا كويسين؟!..
طيب.. متى إذاً عاد للترابي (عقله) حتى يطالب علماء الدين المحسوبون على الحكومة نفسها التي اتهمته بـ(زوغان!!) البوصلة.. حتى يطالب العلماء هؤلاء بمعاقبة الترابي بتهم الزندقة والردة والخروج عن الملة؟!.. من وين هو (خارج الشبكة)، ومن وين عاوزين نستدرجه لـ(شباك) التلبس بالجرم مثل تلك التي القيت على محمود محمد طه من قبل؟!!.
لابد للحكومة وعلمائها أن يرسّونا على بر.. إذا كان الترابي فاقداً للبوصلة كما يقولون فليدعونه وشأنه.. أما إذا كان (واعياً) لما يقول فنحن في هذه الحالة نؤيد علماء الدين هؤلاء في ضرورة محاسبته ومعاقبته واستتابته بل و(شنقه) اسوة بمحمود محمد طه.. ولكن قبل هذا لابد من فتح ملف محاولة اغتيال حسني مبارك قضائياً ما دام الترابي قد أدلى بشهادته تلك لقناة العربية الفضائية، وهو بكامل (عقله) و(وعيه)..
والآن ما رأيكم يا حكومة ويا علماء دام فضلكم، اللهم إلا إذا كنتم ترون أن الترابي فاقد للبوصلة السياسية.. نعم ولكن بوصلته الدينية (تمام التمام!!)..
نجي للخبر الثاني المضحك..
فالبرنامج القومي لمكافحة الايدز (دشن) بالأمس حملته لتوسيع خدمات الوقاية من الايدز.. ويوم الافتتاح الرئيسي للبرنامج شهد حضوراً نسوياً مميزاً على رأسه حرم رئيس الجمهورية ووزيرة الصحة الاتحادية.. والأوراق التي قدمت في اليوم هذا اشارت إلى أن عدد النساء المصابات بمرض نقص المناعة يفوق عدد المصابين من الرجال.. كيف؟!.. ولماذا؟!.. لست أدري .. وحين اجتهد الحضور النسوي في أن يدري لم يجد سوى شعارات المساواة القديمة المستهلكة، والمتهالكة.. ولكن كيف تُوظف هذه الشعارات في مثل حالتنا هذى والـ(تفوق!!) العددي هذه المرة للنساء وليس للرجال؟!!.
هنا تكمن أسباب الضحك.. فالحضور النسوي (كوجن!!) الشعارات هذه ثم (عاسها!!) لتصبح صالحة لوجبة دعائية اسمها المساواة في (وظائف!!) الإصابة بالايدز.. أي بعبارة أخرى أراد الحضور النسوي لبرنامج مكافحة الايدز هذا أن يقول إن الرجال هم -كالعادة- السبب في عدم المساواة هذه لتكون الحظوظ العاثرة للنساء في الإصابة بهذا المرض أكبر من حظوظهن.. أي بصراحة كدا.. الحضور النسوي لم يجد ما يقوله!!.
اللهم لك الحمد والشكر على ما تتيح لنا من فرص للضحك في غمرة مآسينا هذه حتى ولو كانت من شاكلة (شر البلية ما يضحك).

http://www.alsudani.info/index.php?type=6&col_id=72&issue_id=922&bk=1

Post: #627
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 03:41 AM
Parent: #1


شهيد الفكر محمود محمد طه
بقلم: الدكتور عبدالعظيم الحسن
جريدة الصحافة: الأحد 29/9/ 1985

كان يوم الجمعة الثامن عشر من يناير 1985م يوماً أسود حالك السواد جثمت ظلمته على الصدور حتى كتمت الأنفاس. وكان الأحرارعلى إمتداد الوطن يتلفتون مذعورين، في حلوقهم غصة وفي مآقيهم الدموع. يديرون مؤشر المذياع بأياد مرتجفة إلى لندن ومونت كارلو والقاهرة وصوت أمريكا وهم كالغريق الذي يتشبث بقشة. وكانت ليلة الجمعة تلك، أطول ليلة في حياة الكثيرين قضوها على أسرة فرشت بالجمر والأحباط وقلة الحيلة. ومنهم من كان كلما أغمض جفنيه رأى الشهيد يتدلى من حبل المشنقة فيفتحهما في ذعر وهلع.

قالت لي ابنتي هل ستجلسون هكذا وتتركونه يمشي وحيداً إلى حبل المشنقة؟ أنتم الذين قرأتم كتاباته بحب وإعجاب؟! أنتم الذين استمعتم الى محاضراته بحب وإعجاب؟! أنتم الذين وصفتموه مفكراً حراً أصيلاً من أبناء هذا الوطن؟! كيف تتخلون عنه في اللحظات التي هو أكثر مايكون فيها احتياجاً إليكم وأنتم احتياجاً إليه؟!

ولكنّا جلسنا جميعاً كالأرانب المذعورة وتركناهم يقتلونه، وقد كان أجمل مافينا وأنبل وأسمى وأنقي وأطهر مافينا، وكان قطعاً أشجعنا جميعاً. لقد مشى إلى المشنقة مبتسماً، مشى إليها كبيراً سامقاً يكاد رأسه يلامس عنان السماء. ملء برديه التقوى والورع والعطاء بلاحدود. مشى إليها وكان في إمكانه أن لا يمشي إليها لو أراد.
وقد كان فوت الموت سهل فرده إليه الحفاظ المرّ والخلق الوعر

هل تصدقون أيها الناس إن مجلس الشعب كان في إحدي دورات انعقاده حينذاك؟! جدرانه يلفها الصمت الجبان والجريمة تقع تحت سمعهم وأبصارهم. هل كان يخلو من فتي واحد حر جرئ يرفع سبابته ليقول لا؟ أو يسأل أو يستفسر؟ هؤلاء هم أهلنا؟! أهلنا الذين يجيرون الخائف ويفزعون المظلوم؟!.

لقد قتلته عناصر الشر والبغي والتعصب. كانوا للأحرار بالمرصاد عبر التاريخ حبساً وقتلاً وحرقأً وجلدا.ً هم الذين قتلوا سقراط هم الذين حزوا راس الحسين بن علي وسبوا علياً وبنيه في المنابر، هم الذين قتلوا سعيداً بن جبير، هم الذين قتلوا جان دارك هم الذين أقاموا محاكم التفتيش وهم الذين قتلوا أطفال مدرسة بحر البقر. القائمة طويلة، والقتلة هم أنفسهم، نفس الوجوه، نفس التقاطيع والسحنات نفس اللحي ونفس الألفاظ ومازلوا يَلغون في الدماء ويغتالون الفكر قرناً بعد قرن وجيلاً بعد جيل مخلفين وراءهم جثث الشهداء والأبرار على مدار التاريخ.

إن ذكرى محمود محمد طه في حدقات العيون، في خفقات الأفئده وفي همسات الضمائر. في طهر الصبايا في نقاء الشيوخ وفي عفة الفتيان. في نسمات السحر في قيام الليل، في شذى الأزهار وفي أهازيج الحرية في كل مكان. إنها ذخرنا وزادنا في رحلتنا الطويلة الشاقة، وفي نضالنا من أجل حرية الفكر وحقوق الإنسان. سيتحدث أحفادنا عن أيات الأصول وأيات الفروع، عن حبه الشديد للمعصوم، وعن دعوته للمحبة والسلام.

وسيبقى الثامن عشر من يناير 1985م يوماً حياً في ذاكرة الزمان وفي وجدان شعوب هذا الكوكب ومنارة تبرق في ظلمات التاريخ عبر القرون تستلهم منها الأجيال القادمة عزماً ومضاء في نضالها ضد كلّ ماهو بشع وقبيح.

ماأقل الذين أنجبتهم بلادنا السمحة المعطاءة وهم في قامة الأستاذ محمود طه، علماً، وفكراً، وجسارةً. لقد كان ضمير أمة وروح شعب. إن مثله لايحتاج إلى شارع يسمى باسمه أو تمثال ينصب له في مكان عام. ولكن نحتاج نحن أن نجعله آخر شهداء الفكر في بلادنا.

Post: #628
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 03:43 AM
Parent: #627



إستراحة
يكتبها اليوم عبدالله الحسن المحامى
18 يناير مأتم الفكر الحر
فى تاريخ البشرية أيام خالدات ذات شأن عظيم يتوّجب على الإنسان أن يقف عندها وقفة الإطراق والتأمل ليستمّد منها البهجة والمسرة أو ليأخذ منها العظة والعبرة وليتزوّد مسيرته نحو حياة أفضل. بعض هذه الأيام يكون أبيض مشرقا لإقترانه بإنتصار عظيم وبعضها يكون أسود كالح لإرتباطه بهزيمة نكراء فاليوم الأول من يناير هو منارة مشرقة فى تاريخ شعبنا يهل علينا كل عام فيبعث فى نفوسنا العزة والأمل، ويوم كررى كان يوما أسودا فى تاريخ حياتنا كلنا نذكره مقرونا بالحزن والأسى ونستلهم من سواد لونه ضوء الفجر الذى إنبثق فى الأول من يناير عام 56 ومن المرارة التى تجّرعها أباؤنا وأجدادنا فى ذلك اليوم الأغبر والتى ظللنا نجترها لنصف قرن من الزمان أو يزيد استطعنا أن نتذّوق طعم الشهد الذى إرتوينا منه فى ضحى الأول من يناير السعيد.
ومن الأيام السوداء فى تاريخ شعبنا المعاصر يوم الثامن عشر من يناير الماضى فهو يوم تم فيه إغتيال حرية الفكر والتأمل عندما قام النظام المباد بصلب المفكر الحر محمود محمد طه وطمر جثمانه فى الصحراء أو إلقاه فى البحر طعاما للحيتان.
إن شخص محمود محمد طه ليس هو الأهم فى سلسلة المأسأة، فمحمود كبشر إنما هو هالك وأبن هالك فهو فى الفناء سواء أكان ذلك على فراش متواضع فى بيت من الجالوص بالحارة العاشرة فى مدينة الثورة أم درمان أو متدليا من حبل مشنقة علنية منصوبة فى سجن كوبر العتيد.
ولكن الشىء الأهم والذى يستوّجب الوقوف والتفكير بل ويستوجب اقامة المأتم كل عام هو إغتيال حرية الفكر على يد الرجعيين والمتحجرين من السلفيين أعداء الإنسان الذين يستخدمون الدين لقهر البشر ويلبسونه مسوحا معطرة فيمتطون به ظهر السلطة والنفوذ ويجمعون بأسمه المال الوفير والثراء العريض.
والذى أغتال (الفكر الحر) فى 18 يناير لم يكن هو وحده جعفر نميرى الذى إتخذه الجميع (شماعة) يعلقون عليها آثامهم وجرائمهم المنكرة، الذى إغتال حرية الفكر فى شخص الأستاذ محمود هم الجناة الذين شرّعوا فأفسدوا التشريع وهم القضاة الذين طبقوا فأسأءوا التطبيق وهم القادة الذين نفذوا ووقفوا يتلذذون (بالفرجة) على الجثمان المصلوب وقد إرتسمت على وجهه إبتسامة السخرية من ضلال الإنسان وظلم الإنسان لأخيه الإنسان. لم يكن شخص محمود هو الهدف ولكن الهدف كان (حرية الفكر) التى ظل محمود محمد طه يقدح فى زنادها أربعين عاما من الزمان لذلك لم يكتفوا بقتله وصلبه وتغريب جثمانه ولكنهم إنقضوا على كتبه، وأفكاره وقاموا بحرقها وتمزيقها تماما كما فعل (التتار) فى بغداد قبل مئات السنين ورغم ذلك ظلوا خائفين يرتجفون أمام غصن الزيتون الذى سقط من يد محمود فى يوم 18 يناير 1985.
لقد شهدت فى حياتى العملية مئات المحاكم وكنت أرى القاضى هو قمة الإحترام والمهابة لأنه يستمد قوته من إمساكه بميزان العدالة ولكن فى محاكمة محمود ورفاقه كنت أرى الخوف والهلع يرتسم فى وجه (السلطان) لأنه يعلم بأنه كان يدخل معركة خاسرة، فلقد كان السفاح جبانا خاف من (ذات الشوكة) فأطلق سراح غبوش وأفتعل معه تمثيلية الإستتابة على حمائم السلام فشنق محمودا الذى لم يكن يحمل سلاحا ولم يكن يدعو الى إنقلاب بقوة السلاح.
ليست هذه الكلمات برثاء لمحمود محمد طه فيكفيه أنه رثاه عميد الأدب واللغة العربية ذرب اللسان وفصيح البيان الدكتور عبدالله الطيب وليس هذا بنعى لمحمود فحسبه أنه نعاه المفكر العظيم أحمد بهاء الدين وليس هذا بكاء فالبكاء لا يكون على الخالدين.
ولكن هذه الإستراحة وقفة عند يوم مشئوم إعتدى فيه الجهل على العلم وتغّلّب فيه الجبن على الشجاعة.
هذه الإستراحة شمعة تضاء فى السرداب المظلم الذى إعتدى فيه السفاح ومشايعوه من دراويش على حرمة الفكر وحرية الرأى والعقيدة ولكن جآءت أبريل إنتصارا للإنسان فيجب علينا أن ندرك بأن المتربصين [ما زالوا] يشتمون ويهددون على إحتواء إبريل ليحولوا الإنتصار الى هزيمة، ها هى أموالهم تتدفق وها هى أصواتهم تعلوا وترتفع يشتمون ويهددون ويتوعدون .. فكل معارض لهم ملحد وكل مخالف لهم كافر أو شيوعى هّدام.
لا يكفى أن نتخذ من يوم إغتيال حرية الفكر مأتما نعدد فيه مآثر الفقيد ولكن علينا أن نتخذ منه منطلقا لمنازلة الرجعية وليكن شعارنا (لا صوت لرجعى) ولا إنتصار لأعداء الإنسان ولا بقاء لقوانين سبتمبر الغبراء والتحية لذكرى رائد الفكر الحر محمود محمد طه


_________________

Post: #629
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 03:46 AM
Parent: #628


قوامة الرجل على المرأة .. هل مازالت قائمة؟ (1 - 2)
خلف الله عبود الشريف
طالعت مقال الأخت الفاضلة، أمينة محمد الفضل عن إنتفاء قوامة المرأة على الرجل، والمقال فى جملته ثورة على قوامة الرجل، سررت لها كثيرا، فهذه الثورة لها مايبررها بسبب أنها ثورة ضد وضع إجتماعى تجاوزه الزمن، فيه كثير من الظلم الواقع على المرأة، بسبب قوامة حسبها الرجال دائمة أبد الدهر، ومادروا أن هذه القوامة قد فرضتها ضرورة دينية وإجتماعية معينة، فى فجر الإسلام حيث كانت الفضيلة للقوة الجسدية والكسب الذى كان من حظ الرجل وحده، لإرتباط العمل بالقوة الجسدية فى ذلك الوقت وفى مجتمع خارج لتوه من جاهلية غليظة كانت المرأة فيها تسبى ويتزوج الرجل العشرات من مثيلاتها ... وهى شريعة مقبولة بحكم ذلك الوقت إلا أنه ليس لعاقل أن يقول أنها كلمة الدين الأخيرة فى أمر المرأة، فإن للدين كلمة تحفظ للمرأة من الكرامة والمساواة ما تعجز عنها الفلسفات المادية المعاصرة، ومع ذلك نجد اليوم وفى زمن إكتسحت فيه المرأة أرقى مجالات العمل ونجحت فيه نجاحا مذهلا، من ينادى بقوامة الرجل، بل والتسلط عليها، مما برر عندى ثورة الكاتبة على هذه القوامة ومناداتها بإنتفائها. وسوف أتناول بعض النقاط التى ذكرتها الكاتبة لتبرير إنتفاء قوامة الرجل على المرأة والتى تفتقر إلى وضوح الرؤية، برغم حسن النية وصحة الإتجاه الذى ذهبت إليه.

تقول الكاتبة الفاضلة : (رغم ان الإسلام لم يترك الأمر على عواهنه إذ انه اعطى المرأة حقها كاملاً لكنها لم تستطع هي أخذه ربما بسبب السلطة الذكورية على مجتمعنا الشرقي الذي يرى سلطة الرجل وسيطرته على المرأة امراً طبيعياً لاغبار عليه أو بسبب حيائها من المطالبة بحقها) ...
أتفق مع الكاتبة فى دور السلطة الذكورية ونكوص المرأة عن المطالبة بحقها لأسباب كثيرة من ضمنها ماتقول به، ولكن الأهم من ذلك هو جهل معظم النساء بحقوقهن التى إدخرها لهن الدين، وهو جهل يظهر فى الخلط بين الشريعة والدين وهى مصطلحات يستعملها عامة الناس بنفس المعنى . والحق أن الشريعة غير الدين بمعنى أنها طرف الدين القريب من أرض الناس وهى تعنى التشريع حسب طاقة البشر فى فترة محددة من عمر المجتمع ودليل ذلك ماقالة النبى الكريم، صلى الله عليه وسلم: (نحن معاشر الانبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم) وهذا الحديث يفسر ماشرعه الإسلام فى العهد الأول فكان تشريع المعاملات يتلخص فى الوصاية، وصاية الحاكم على الأمة، ووصاية الرجل على المرأة وهو تشريع حكيم توخى طبيعة المجتمع الخارج من الجاهلية الأولى فلم يكن من الحكمة أن يشرع للديمقراطية مثلا، وإنما لوصاية الحاكم، ويخطىء كثير من الناس فى فهم الشورى ويعتبرونها ديمقراطية، فى حين أن الشورى هى أن يشاور الحاكم أهل الحل والعقد فقط، ثم له أن يعمل بغير مايرونه (وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل ...) وكذلك الحال بالنسبة للتشريع الخاص بالمرأة، فقد نزل الإسلام، أول مانزل، على مجتمع لم تكن للمرأة فيه كبير كرامة وإنما كانت تعامل معاملة الرقيق، تباع وتشترى، فكان تشريع الإسلام آنذاك أن أمر بحسن معاملتها و حدد الزواج بأربع، بدلا عن العشرين والثلاثين، كخطوة فى مستوى الشريعة الأولى وعلى قدر طاقة المجتمع . والكلمة الأخيرة فى أمر التشريع الخاص بالمرأة نجده فى ماقدمه الأستاذ محمود محمد طه، فى طرحه لمرحلتى الشريعة، الرسالة الأولى والرسالة الثانية من الإسلام وقد بين أن الرسالة الأولى من الإسلام ماهى إلا تنزل من الدين، يطيقه مجتمع المسلمين الأول، أما الرسالة الثانية فهى شريعة الحرية والمساواة وهى التى تطالب بمظهرها فى وقت تطور فيه فهم إنسان القرن العشرين للدرجة التى يطيق فيها تطبيق المساواة السياسية (الديمقراطية) والمساواة الإقتصادية ( الإشتراكية ) والمساواة الإجتماعية ( وأكبر مظاهرها، المساواة بين الرجل والمرأة ) ... يقول الاستاذ محمود فى كتابه، تطوير شريعة الأحوال الشخصية: (ثم ان الإسلام ورث هذه الأوضاع البشعة التي كانت تجري في مجتمع الجاهلية.. فحسم المشتط منها حسما.. ولكنه لم يكن ليتخلص من سائرها، فينهض بالمرأة إلى المستوى الذي يريده لها في أصوله، وما ينبغي له أن يتخلص، وما يستطيع.. ذلك بأن حكمة التشريع تقتضي التـدريج.. فإن الناس لا يعيشون في الفراغ.. والمجتمعات لا تقفز عبر الفضاء، وإنما هي تتطور تطورا وئيدا، وعلى مكث.. فوجب على التشريع إذن أن يأخذ في اعتباره طاقة المجتمع على التطور، وحاجته الراهنة فيجدد قديمه، ويـرسـم خط تطـوره، ويحفـزه على السير في المراقي.. وهذا ما فعله التشريع الإسلامي.. فإنه قد احتفظ بتعدد الزوجات، ولكنه حصره في أربـع، مراعيا، في ذلك، أمرين حكيمين. هما إعزاز المرأة، وحكم الوقت.. فأما حكم الوقت فإنه قد كانت المرأة تعيش في المستوى الذي أسلفنا ذكره، وما كانت إذن لتستطيع أن تمارس حقها في المساواة، بين عشية وضحاها.. وإنما كانت لا بد لها من فترة إنتقال، تتهيأ خلالها لتنزل منزلة عزتها، وكرامتها، كاملة، غير منقوصة).
إن المساواة بين المرأة والرجل صارت أمرا بديهيا فى عالمنا المعاصر، ولكنها مازالت أمرا منكرا فى عقول كثير من الرجال، وحتى النساء ... وقد أشارت لهؤلاء، الكاتبة الفاضلة ... فهم قد ظنوا بسبب جهلهم بحكمة التشريع فى الإسلام، أن القوامة، هى قوامة دائمة أبد الدهر، فى حين أن دواعيها قد إنتفت تماما .إقرأ قوله تعالى : ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم ) ... وقد ذكرت الكاتبة هذه الآية للتدليل على إنتفاء القوامة وهو أمر حق ... فإن المرأة بإقتحامها ميدان العمل وثبوت كفاءتها فى مجالاته المعقدة والصعبة، وبكسبها الأموال قد اثبتت أن القوامة المستمدة من إحتكار الرجل للعمل، لامعنى لها الآن ... ولكن لابد من وقفة هنا للحديث عن معنى : (بما فضل الله بعضهم على بعض) وقد أشارت لذلك الكاتبة حيث قالت: (وهنا يكون السؤال ما المقصود بمعنى (بما فضل الله بعضهم على بعض)؟.
نواصل

Post: #630
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 03:48 AM
Parent: #629


قوامة الرجل على المرأة .. هل مازالت قائمة؟ (2 - 2)
خلف الله عبود الشريف
يقول الأستاذ محمود محمد طه فى نفس الكتاب: (بينا أن الشريعة الإسلامية، حيث قامت على آيات الفروع، فقد قامت على عهد الوصاية وهو عهد لا بد أن يكون مرحلياً فإنه، إلا يكن كذلك، تكن آيات الأصول، وهي قمة ديننا منسوخة، وإلى الأبد بآيات الفروع، وهي دونها بما لا يقاس.. ومعنى هذا أن يقدم المفضول على الفاضل، وهذا ما لا يكون لأنه يتنافى مع الحكمة.. فلم يبق إلا أن نسخ الفاضل بالمفضول هو نسخ مؤقت.. والحكمة وراءه إنما هي نقل المجتمع المتخلف، في المراقي، ليستعد ليستأهل آيات الأصول.. وحيث كانت الأمة قاصرة، وكان النبي وصياً حتى على الرجال، فإن الرجال، بدورهم، وعلى قصورهم قد جعلوا أوصياء على النساء.. وذلك لمكان قصورهن الكبير، الذي ورثنه من العهد الجاهلي.. والآية التي تقوم عليها وصاية النبي على الرجال، هي آية الشورى وقد أوردناها من قبل ونصها (فبما رحمة من الله لنت لهم، ولو كنت فظا، غليظ القلب، لانفضوا من حولك.. فاعف عنهم، واستغفر لهم، وشاورهم في الأمر.. فإذا عزمت فتوكل على الله.. إن الله يحب المتوكلين) إلى أن يقول : ( والآية التي تقوم عليها وصاية الرجال على النساء، هي آية: "الرجال قوامون على النساء، بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم، فالصالحات قانتات، حافظات للغيب، بما حفظ الله، واللاتي تخافون نشوزهن، فعظوهن، واهجروهن في المضاجع، واضربوهن.. فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا.. إن الله كان عليا كبيرا) .. قوله(الرجال قوامون على النساء).. يعني أوصياء عليهن، لهم عليهن حق الطاعة.. السبب؟؟ (بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم..).. والفضيلة، ههنا، هي، في المكان الأول، فضيلة جسدية.. هي قوة الساعد، وقوة الاحتمال، والمقدرة على الانتصار في مآزق الحروب، أو مضانك كسب العيش.. فإن الفضائل تختلف اختلافا كبيرا من مجتمع لآخر) وهذا ماعنيته من أن قوامة الرجل على المرأة ليست أبدية وليست هى كلمة الدين الأخيرة فى هذا الأمر، طالما أن التشريع الإسلامى يتطور مستوعبا كل حاجات المجتمع مهما بلغ تطوره، وهو تطور لايخرجه عن الدين، كما يظن بعض رجال الدين من السلفيين وكثير من الناس ، وإنما هذا التشريع ينتقل من نص خدم غرضه فى مجتمع، إلى نص آخر أوسع وعاءً، وهذا ما عناه الأستاذ محمود بشريعة فروع القرآن وشريعة أصول القرآن، بإعتبار أن شريعة الفروع هى ماطبق فى القرن السابع وشريعة الأصول هى سنة النبى وهى المدخرة لمجتمع تطور بفض الله ثم بفضل العلم، فاستحق بذلك أن تطبق عليه شريعة الحر وليس القاصر ... وقد جاء تفصيل ذلك فى مؤلفات الأستاذ محمود وأخص بالذكر المصدر المشار إليه ( تطوير شريعة الأحوال الشخصية ) و(الرسالة الثانية من الإسلام) ومن الخير للقارىء أن يراجع هذه المصادر.

أما ماجاء فى الآية الكريمة : ( ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف) فيقول عنها الأستاذ محمود أنها ( آية عتيدة، هى أس الرجاء لمستقبل المرأة) وقد وضح ذلك بقوله: (أن قانون الإنسان كلما أديل من قانون الغابة، تصبح المرأة مستغنية عن حماية الرجل.. فلا تكون مضطرة، من أجل الحماية، أن تنزل عن قسط كبير جداً من حريتها كثمن لها.. ذلك بأن الحماية - حماية الرجل، وحماية المرأة - ستحال على القانون، كما رأينا في المثل الذي ضربناه.. ويومئذ تنتقل الفضيلة، من قوة العضل، إلى قوة العقل، وقوة الخلق، ولن يكون حظ المرأة، في هذا الميدان، حظا منقوصا، وإنما هي فيه مؤهلـة لتبز كثيراً من الرجال.. وما يقال عن الحماية يقال عن النفقة التي هي سبب القوامة الثاني: (وبما أنفقوا من أموالهم) فإنه، في المجتمع الذي تكون فيه الفضيلة لقوة العقل، وقـوة الخلق، تتيسر المكاسب للضعاف، كما تتيسر للأقوياءـ، أو تكاد..)
أما المعنى المقصود بـ (وللرجال عليهن درجة) فيشرحه الأستاذ محمود فى المصدر السابق بـ (وأما قوله (وللرجال عليهن درجة) فهو لا يعني في هذا المستوى، درجة التفضيل في المساواة أمام القانون، وإن وقع التفضيل بالدرجة في منطقة الأخلاق.. ومهما يكن من الأمر، فليس مطلق رجل أفضل من مطلق امرأة.. هذا ما لا ينبغي، ولا يكون، والواقع المعاش يرفضه) ويؤيد هذا المعنى تلك النجاحات الفريدة للمرأة فى مجتمعنا من تقلدها لأعلى الوظائف التى تعتمد على الفكر وإصدار القرار ... وظائف لا يحصيها العد ومن أبرزها وظيفة القضاء ... ويشرفنى أن قسيمة زواجى قد صدرت ممهورة بتوقيع قاضية سودانية فى محكمة سودانية، وأنا بذلك فخور كل الفخر . ويحضرنى أيضا فيلما سينمائيا رأيته فى الستينيات يحكى عن إمرأة أمريكية رشحت نفسها لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية .. وكان الأمر غريبا فى ذلك الوقت ويحكي الفيلم كثيراً من المفارقات والإستنكار الذى لقيه هذا الترشيح ... ولكن .. ماذا حدث بعد مرور هذه السنوات القليلة ؟ كم من النساء قد تبوأن رئاسة الدول بكفاءة يعجز عنها كثير من الرجال ... هل يحق لنا، بعد ذلك، أن نقول إن المرأة مازالت قاصرة و تستحق القوامة عليها ؟.
وأخيراً أهدى للكاتبة الفاضلة وللنساء من القارئات هذه الكلمات مما قاله الاستاذ محمود محمد طه من نفس المصدر السابق: (لعمري!! إن الخلل ليس في الدين، ولكنه إنما هو في العقول التي لا يحركها مثل هذا التناقض لتدرك أن في الأمر سرا.. هذا السر هو ببساطة شديدة، أن شريعتنا السلفية مرحلية.. وأنها لا تستقيم مع قامة الحياة المعاصرة.. وأنها، لتستطيع استيعاب هذه الحياة، وتوجيه طاقتها الكبيرة، لا بد لها من أن تتفتق، وتتطور، وترتفع من فروع القرآن إلى أصوله.. هذا ما تعطيه بدائه العقول، بله حكمة الدين.. فإنه، إلا يكن هذا الأمر الذي نزعمه صحيحا، يكن الدين قد استنفد أغراضه، وأصبح عاجزا عن التصدي لتحديات الحياة المعاصرة.. وهذا ما لا يقول به رجل أوتي أبسط الإلمام بأصول الدين.. )
مع تحياتى لكاتبة المقال. .

Post: #631
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 03:51 AM
Parent: #630


السجن والليل والسرى


أهداء:
ترنيمة حب للمجدليه على صليب الطهر والنقاء
بمناسبة الاعتقالات الأخيره للجمهوريين...


محمود يازين الرجال وزينة الوطن المفدى
نورت ليل السجن زنت شبابه وجعلت للأيام نبضا
بالأمس كان دخولكم فيه تحنث عابد جادت به الآيات فردا
قد اعطى للاسلام كل شبابه ماخان للسودان عهدا
فيوم تقاعست همم الرجال ونكسوا سيفا وزندا
واستاسد الباغى الدخيل جسارة بطشا وحقدا
وتوهموا بالظن ان الشعب سوف يعيش عبدا
أنت اشعلت الحناجر بالهتاف قصفت رعدا
وفجرت المواسم فى الموات نفثت فيها الروح اصراروعندا
ونفخت فى صور الحياة به فجاء اليك يركض مستعدا
لملمت شعث الشعب سقت جموعه للنصر ابطالا وجندا
سفهت احلام الدخيل صرعته وحفرت للاوهام لحدا
اذللتم الباغى الذى ظن غير الظن وهما واستبدا
ورفعتموا هام الرجال بسالة نبلا واخلاص ورفدا
فاليوم ياتاريخ اكتب: مانرى مرا واكدى
فالسجن يفتح للذى اعطى واسدى
محمود ما يوما تخاذل او تراجع اوتعدى
اذا ماجئته يوما" وجدت البحر اعطاءا واندى
واذا ما ادلهم اليل وانكسر الحجى وحار الناس احصاءا وعدا
وصار اليل من فرط التحير و الاسى ليلا "بليدا " مستبدا
وظن الشعب ان الليل مضروب على اماله جزرا ومدا
وحارت حكمة الحكماء وصار سكوتهم ابقى واجدى
يخف اليه محمود سديد القول موفور الحجى صلدا
ان الشعوب وان تغيب وعيها يوما وطال الليل وامتدا
وصال البغى تيها وفى صلف لايرتجى من غيه رشدا
فلابد من فجر تطل به بشائره ويسفر صحبه مددا
ولابد للشمس التى من كفه انبثقت من ان تنير وهاد الارض والنجدا
ولابد للوعى المغيب من ان يؤوب وتشرق شمسه رادا
ولابد للذى لابد منه وان استطال الشر او صعدا
حتى يثمر الطلق المعافى فرحة الرحم النقى ورعشة الميلاد والولدا
فيا نار ابراهيم صوغى النضار به نضارا زان السلم البردا
ويامرحى به قمر الزمان يضئ الكون والانسان والبلدا
قد شلت يا محمود هذا الشعب فى عينيك انسانا وارضا
ووفيته بالحب لم تبخل عليه بخله يبقى بها اعتى وامضى
بالدين للدين الصراح دعوت حقا ورفعت للاسلام بندا
بالحق كان نهوضكم للحق ايمانا وايقانا وقصدا
كل المحاريب التى شيدتها شهدت لكم صدقا ووعدا
وهي الشهادة بالذي قد جاءكم حقا ورشدا
والناهضات من الصبايا القائمات الليل تسبيحا وحمدا
والعالمون العابدون نميتهم وعيا وأخلاقا وذهدا
أقمت للدين الحنيف منابرا كانت على الأيام مجدا
بالحجة البيضاء والفكر الذي أغنى وأهدى
الفكر يعلو فوق وهم السيف يمحو ضلاله والحق أبدى
لا قهر لا استعلاء بل حق من الحق استمد
السنة السمحاء مجد محمد من غيره اعطى وأندى
وهي البشارة يا شوق النبي وان الحبل قد مدا
فيا مرحى لمن للسرى شدت ركائبه ومن للسعي قد جدا
فطوبى لسجن قد حوى شرف الرجال ومن لنوازل الدهر استعدا
فاهنأ بها ياسجن صحبة ماجد عاش الزمان وما تردى
وليهنأ الليل الذي سيحيله بالذكر أنوارا وأنهارا ووردا
واهنأ بها ياسيدي من خلوة نهنأ بها فرد وفردا

عمر علي أحمد
أم درمان 1983

Post: #632
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 03:53 AM
Parent: #631


في حوارية المثقف والسلطة أو جدلية الفكر والواقع
الجمهوريون ومايو: جرد حساب (1)

عيسى إبراهيم*

* نهدي هذه الكتابات إلى الصحفيين النابهين محمد غلامابي ومأمون التلب - لدورهما في أن تكون هذه الكتابات ممكنة - وجيلهما: إن كان عليهم أن يبحثوا عن الحقيقة فعلينا بجهد المقل أن نسهم - ونحن شهود عيان - في رِفدها بالمعلومات..

دوافع الكتابة
قدَّم أخي وصديقي وابن (دفعتي) في "الميري" البروفسير محمد المهدي بشرى ورقة بعنوان "المثقف والسلطة: مصائر فاجعة" في المؤتمر العام الثاني لاتحاد الكتاب السودانيين تناول فيها ضمن من تناول علاقة الاستاذ محمود محمد طه "اقرأ الجمهوريين" بسلطة مايو وهي علاقة كثيراًً ما يعتورها سوء التفسير ومجانبة الفهم للواقع المعاش والقراءة الظاهرية المتعجلة وعدم الانصاف عند الكثيرين مِنْ مَنْ نعدهم علماء ومفكرين وكتاباً وحتى باحثين، لا نريد أن نسوق الأعذار أو نلتمس المبررات خاصة وأن الفترة المعنية والتي حملت شهادتها ومضت لم يمض عليها كثير زمن ولم تدخل في ذمة التاريخ بصورة لا يمكن استدعاؤها والكثيرون مِنْ مَنْ عنيناهم بالذكر هم شهود عيان ومعاصرون لفترة العقدين من "65 إلى 85 " ومن ضمنهم أخي دكتور البشرى!!.
نعت محمد المهدي الأستاذ محمود بـ "تعجل النظر في الحكم على سلطة مايو الاستبدادية" وقال إن محموداً: "وقف إلى جانب سلطة النميري وناصره بقوة" وواصل ليقول: "وحتى عندما بالغ النظام في العداء للشعب السوداني كان محمود وجماعته يدافعون عن سياسات النظام ويسوغون (هكذا في الأصل واعتقد أن الدكتور بشرى يقصد يسوقون) له المبررات" إلى أن يقول: "فالفكر الجمهوري لم ير في الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي جرت البلاد إليها سياسات نميري، لم ير فيها سوى "أزمة أخلاق" فنجدهم يكتبون في مطبوعاتهم "إن أزمة أمتنا الراهنة هي أزمة أخلاق فنحن لا ينقصنا التخطيط العلمي ولا الخبرة الفنية ولا الكوادر المؤهلة بقدر ما تنقصنا الأخلاق" ما يستغرب له أن الدكتور يتبع أسلوباً غير محكم في الاشارة إلى المراجع التي استقى منها المعلومات فنجده يكتب (الأخوان الجمهوريون: 1982) وهي اشارة لا تفي بالغرض فالجمهوريون كتبوا عشرات الكتب في العام المشار إليه .
ولكن هل حقاً كان الجمهوريون يرون في نظام مايو المنقذ للبلاد من تخلفها السياسي والاجتماعي ؟! أنظره يقول: "وقد ظل هذا الفكر يركز على مفهوم أزمة الأخلاق ويوظفها كمنظور في رؤية الواقع السياسي في البلاد ولعل هذا مما قاد الفكر الجمهوري وقادته ليروا في نظام مايو بكل دكتاتوريته واستبداده المنقذ للبلاد من تخلفها السياسي والاجتماعي".
تساءل محمد البشرى في ورقته عن أسباب الكيل بمكيالين من الجمهوريين تجاه نميري والسادات من جانب وتجاه عبد الناصر من جانب آخر، إذ – في وجهة نظر بشرى – أن الجمهوريين يعتبرون عبد الناصر هو المسؤول عن الهزيمة التي لحقت بالعرب في يونيو حزيران"!.
يقول الدكتور: "حاولنا تلمس التأييد المطلق الذي حظي به نميري ونظامه من قبل الفكر الجمهوري" فهل حقاً كان تأييد الجمهوريين لنميري ونظامه تأييداً مطلقاً من غير قيد أم كان مقيداً؟!.
أبدى دكتور محمد حيرته "من اهمال أو تجاهل أغلب الكتاب الذين عالجوا أمر الفكر الجمهوري لموقف الفكر من نظام جعفر نميري الاستبدادي" وقال أيضاً: "نادرة جداً المرات التي يقف فيها باحث أو كاتب أمام علاقة الفكر الجمهوري بنظام جعفر نميري القمعي، فهذه العلاقة تطرح الكثير من التساؤلات وأهمها مبررات وقوف مفكر في استنارة محمود مع حاكم مستبد"، والغريب أن كل هذه الحوافز و" المشهيات" المطروحة من قبل أخي وصديقي الدكتور الباحث والبروفسير بشرى لم تنهضه للتصدي لهذه المعضلة ليفك شفرتها ويذلل صعابها للمتسائلين والمحتارين، وهو على رأسهم!!.
بالرغم من قول البشرى "وإذا كان من الممكن النظر لسلوك المهدي وخليفته في سياق عصرهم وفي ظل الظروف الدولية التي فُرضت على المهدية دولة وثورة، والبحث عن مبررات للسلوك الاستبدادي للحاكم" لكنه يتجاوز معايير الحكم هذه ولا يستدعيها لمحاكمة الجمهوريين وفق منظورها!!.
هذه باختصار - أرجو ألا يكون مخلاً - الدوافع التي قادتنا للكتابة، وإثارة الموضوع، ومحاولة رفد القارىء العزيز بالمعلومات التي تجلي غامض الموقف، وتقرب إلى الأفهام ما بعُد من تفسيرات ومبررات.

البحث عن "فولتير" سوداني
الحاجة إلى "فولتير" سوداني حاجة ملحة وعاجلة، يقول فولتير: "قد لا أتفق مع رأيك ولكنني على استعداد لأن أدفع حياتي رخيصة في سبيل أن تقول رأيك" ولقد عانى الجمهوريون ولا يزالون في سبيل توصيل فهمهم إلى الناس، ولقد تضافرت جهود كثيرة لحجب وتشويه رأيهم، ليست بغائبة على المراقبين والدارسين، ولقد سعى الجمهوريون طوال حركتهم لبناء رأي ثالث يسعى للحوار وتكون مصلحته الحقيقية في تقويم أركانه وتثبيت أقدامه فلم لا تكون - عزيزي القارىء - فولتيراً سودانياً؟!.

مرافعة أولى
المناخ السياسي قبيل مجىء مايو (65 – مايو 69)
أولاً الأوزان السياسية للأحزاب السودانية
في أول انتخابات بعد ثورة اكتوبر (انتخابات مايو 65) نال حزب الأمة 75 مقعداً والوطني الاتحادي 52 مقعداً والمستقلون 15 مقعداً (من ضمنهم أحد عشر مقعداً يمثلون الحزب الشيوعي السوداني) ومؤتمر البجا 10 مقاعد وجبهة الميثاق الاسلامي 3 مقاعد وحزب الشعب الديمقراطي (رغم مقاطعته المعلنة للانتخابات) 3 مقاعد و3 مقاعد فاز بها من ليس لهم انتماء معلن للأحزاب السياسية، وكان العدد الكلي للمقاعد 158 مقعداً من غير دوائر الجنوب(1).
في الانتخابات التالية (مايو 68) كان الوزن الحزبي كالآتي: الاتحادي الديمقراطي 101 مقعد، جبهة الجنوب 10 مقاعد، الأمة جناح الصادق 36 مقعداً، الأمة جناح الإمام 30 مقعداً، مستقلون 9 مقاعد، إشتراكيون مقعدان، جبهة الميثاق الاسلامي 3 مقاعد، حزب أمة 5 مقاعد، مؤتمر البجا 3 مقاعد، حزب سانو 15 مقعداً (2).

ثانياً عظم نزاع الفترة
اتسمت الفترة المشار إليها، بالنزاع الساخن بين دعاة تطبيق ما يسمى بالدستور الإسلامي وقوى المجتمع المستنيرة المقاومة لهذه النزعة المتسارعة، والمستغلة للقوى ذات الغلبة العددية في برلمانات تلك الفترة، وتمثلت قوى المقاومة في حركة الأخوان الجمهوريين تحت قيادة الأستاذ محمود محمد طه وقوى اليسار عموماً.

البداية
تم تشكيل لجنة فنية للدراسات الدستورية في يوم 26 يناير 1966 برئاسة محمد ابراهيم خليل وزير العدل حينذاك وعضوية السادة جلال علي لطفي، د. حسن الترابي، د. مدثر عبد الرحيم، مامون سنادة، أحمد متولي العتباني، إبراهيم المفتي، اسحق محمد الخليفة شريف، حسن عمر، نتالي الواك، د. سيد أمين، وقد اعتذر ابراهيم المفتي عن قبول عضوية اللجنة نسبة لأعبائه الوزارية، وفي 11 ديسمبر 1966 أعاد مامون سنادة وزير العدل آنذاك تشكيل اللجنة بإضافة السادة: عبد الماجد أبو حسبو، كمال الدين عباس، اميل قرنفلي، أحمد زين العابدين، د. عقيل أحمد عقيل، في 19 فبراير 1967 تم انتخاب د. المبارك الفاضل شداد رئيساً لها.
أخذت اللجنة الفنية توالي تقديم مذكراتها الفنية فجاءت بالمذكرة رقم (2) عن "الدولة الاسلامية والعلمانية" وبعد مداولات ومباحثات في أربع جلسات متتالية اتخذت القرار الآتي: "أن يكون دستور السودان مستمداً من مبادىء الإسلام وروحه".
في 27 يونيو 1967 بعث عبد الماجد أبو حسبو وزير العدل في تلك الفترة بخطاب لأعضاء اللجنة الفنية شاكراً ومقدراً لما بذلوه من جهد وضمن خطابه قرار مجلس الوزراء الذي يوكل مهمة صياغة قرارات اللجنة القومية لعدد محدود من الأعضاء وذلك نسبة لاقتراب الموعد المحدد لتقديم مشروع الدستور للجمعية التأسيسية وكانوا هم: مامون سنادة، أحمد متولي العتباني، د. عقيل أحمد عقيل، نتالي الواك، محمد ابراهيم خليل، د. حسن الترابي، حسن عمر أحمد، وهاشم محمد السيد.
فرغت اللجنة من اجازة أبواب الدستور في جلستها الختامية رقم (75) بتاريخ 10 يناير 1968 حيث أكملت مشروع الدستور وقدم للجمعية التأسيسية في 15 يناير 1968 .
قدمت اللجنة الفنية احدى عشرة مذكرة حوت هيكل مشروع الدستور، والدستور الاسلامي والدستور غير الديني الذي حوى الجزء الاول اعتبارات ترجح الدستور غير الديني والجزء الثاني اعتبارات ترجح الدستور الاسلامي والجزء الثالث نبذة حول الدستور الاسلامي، والجمهورية البرلمانية والجمهورية الرئاسية، والحكم الاقليمي، والمبادىء الموجهة، والحريات والحقوق الأساسية، والهيئة القضائية، والهيئة التشريعية، ولجنة الانتخابات، وتعديل الدستور، وأخيراً الخدمة المدنية والرقابة الإدارية (3).
نواصل
[email protected]*
=-=-=-
المصادر
(1)، (2) المصدر تاريخ الانتخابات البرلمانية في السودان سبتمبر 86 بنك المعلومات السوداني رقم الايداع (5730/ 86).
(3) مشروع دستور جمهورية السودان "مذكرات اللجنة الفنية للدراسات الدستورية" 1968 – مطبعة جامعة الخرطوم .
=\=\=\

Post: #633
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 03:54 AM
Parent: #632


في حوارية المثقف والسلطة أو جدلية الفكر والواقع
الجمهوريون ومايو: جرد حساب (2)

عيسى إبراهيم*

* نهدي هذه الكتابات إلى الصحفيين النابهين محمد غلامابي ومأمون التلب - لدورهما في أن تكون هذه الكتابات ممكنة - وجيلهما: إن كان عليهم أن يبحثوا عن الحقيقة فعلينا بجهد المقل أن نُسهم - ونحن شهود عيان - في رِفدها بالمعلومات..

مرافعة ثانية
الغلبة لحزبي الأمة والاتحادي
حاز الحزبان الكبيران "الاتحادي والأمة" على الأغلبية البرلمانية المطلقة، إذ حصلا مجتمعين على 127 مقعداً في انتخابات (مايو 65) فاذا أضفنا إليهما مقاعد جبهة الميثاق الإسلامي الرصيد السلفي الجاهز، تصبح المقاعد 130 مقعداً من أصل 158 مقعداً، باستثناء مقاعد الجنوب، مما شكل نسبة 82% من قوى البرلمان.
في انتخابات (مايو 68) حازت مجموعة الأحزاب التقليدية الاتحادي الديمقراطي وحزب الأمة بجناحيه (الصادق والإمام) وجبهة الميثاق ما مجموعه 175 مقعدا من أصل 211 مقعداً، وهي أغلبية مطلقة شكلت أيضاً آنذاك نسبة 82% من قوى الجمعية التأسيسية.
هذه الأغلبية الميكانيكية المرعبة هي التي دارت تحت مظلتها معارك غير متكافئة بين دعاة ما يسمى بالدستور الإسلامي والقوى المعارضة له، وتم بتدبير منها وتحت رايتها حل الحزب الشيوعي السوداني إثر تداعيات ما عرف بقضية معهد المعلمين العالي، وعقدت محاكمة صورية من محكمة شرعية غير مختصة للأستاذ محمود محمد طه والجمهوريين قضت بردة الأستاذ وهو أمر سنتعرض له لاحقاً.

أولاً حل الحزب الشيوعي السوداني
استغلت جماعة الأخوان المسلمين حادثة ندوة معهد المعلمين العالي (كلية التربية جامعة الخرطوم حالياً) المختلف حول حدوثها بالكيفية المثارة بها (1) فحركت مجاميع الطلاب وجماهير المساجد في مظاهرات وحشود وكان لها دور مفصلي - بجانب جماهير الأحزاب الطائفيية المحشودة حول مايسمى بالدستور الإسلامي – في حل الحزب الشيوعي السوداني وتعديل الدستور.
تمت مناقشة أمر تعديل الدستور داخل الجمعية التأسيسية واجيز قرار التعديل في 24 نوفمبر 1965 (2) وأدخلت عليه مادة تحرم الترويج والعمل لنشر الأفكار الشيوعية وكذلك تقرر طرد نواب الحزب الشيوعي السوداني وكان عددهم، احد عشر نائباً.
وصرح المرحوم عبد الخالق محجوب سكرتير الحزب لوكالة انباء الخرطوم بأن الأحداث التى اعقبت الندوه تمثل قمة التحضير لضرب الديمقراطيه عن طريق تصوير المشكله كصراع بين الإسلام والإلحاد وان قرار حل الحزب الشيوعى يمثل خوف الاحزاب الرجعيه من نمو حركة المعارضة.
وعند مرحلة الاستئناف اصدر القاضي صلاح حسن عضو المحكمة العليا حكماً ببطلان قرار حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من الجمعية التأسيسية.
علق السيد الصادق المهدي رئيس مجلس الوزراء آنذاك بقوله: إن حكم المحكمة حكم تقريري غير ملزم للحكومة، مما شكل وقتها أكبر اهانة للجهاز القضائي، وهذا ما يفسر قدوم بابكر عوض الله رئيس القضاء في ذلك الحين في ركب مايو، وهو صاحب الدور المشهود في انجاح ثورة أكتوبر 64 .
أصدر دكتور حسن الترابي الأمين العام لجبهة الميثاق الإسلامي كتاباً بعنوان "أضواء على المشكلة الدستورية" يوافق ويبرر لتعديل الدستور وحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه، وقد تصدى له الأستاذ محمود محمد طه في كتاب ذائع الصيت هو "زعيم جبهة الميثاق الاسلامي في ميزان 1-الثقافة الغربية 2- الاسلام من كتابه أضواء على المشكلة الدستورية" مفنداً ومدافعاً عن الديمقراطية، باعتبار أن المادة التي تم تعديلها هي روح الدستور ولا يمكن تعديلها، إذ في تعديلها تزييف للديمقراطية.
ونحن الآن لسنا بصدد استعراض الكتابين أو التعرض للأزمة الدستورية الناتجة عن التعديل الدستوري المشار إليه، وإنما نحن حقيقة بصدد استعراض ارهاصات ظهور مايو باستعراض السياق الذي أنتجها، ولمن شاء الاستزادة الاطلاع بتوسع في الكتابين ويمكن قراءة كتاب الأستاذ محمود في موقع الفكرة الجمهورية www.alfikra.org .
ولقد وقف الجمهوريون ضد تعديل الدستور وضد طرد النواب دفاعاً عن حق الحرية للجميع الذي بدونه لا يكون دستور، مبينين أن الطائفية، تحت ستار محاربة الشيوعية، تريد أن تُحكم قبضتها على الشعب وتكبت كل صوت حر، مستغلة في ذلك دعوة "الدستور الاسلامي" المزيف.

ثانياً محكمة الردة المكيدة السياسية
قاوم الجمهوريون بكل سبيل متاح دعوة ما يسمى بالدستور الاسلامي وأطلقوا عليه مسمى "الدستور الاسلامي المزيف" فعقدوا المحاضرات والندوات وأركان النقاش وأقاموا المعارض وأصدروا ووزعوا الكتب بطريقتهم المعهودة في كل مكان، ونظموا الأسابيع لتوعية المواطنين بالحقوق الأساسية، الأمر الذي أزعج الطائفية وربائبها من الأخوان المسلمين.
نعى الجمهوريون على الأحزاب السودانية افتقارها لفلسفة حكم، منذ فجرها الباكر، تعصمها من الخطأ، وبرامج تخول لها حكم البلاد، وهي أحزاب طائفية، تكاتفت بُعيد ثورة اكتوبر وسعت بكل سبيل، وعن طريق الترهيب بواسطة جماهير الأنصار حتى أسقطت حكومة أكتوبر الأولى بقيادة المرحوم سر الختم الخليفة الذي استجاب لضغوطات الطائفية وتقدم باستقالته.

تآمر جنائي!!
ضاق السياسيون والسلفيون ذرعاً بالنقد الموضوعي الذي تولاه الجمهوريون وكشفهم زيف الأحزاب السلفية، وهاهو المدعي الأول في محكمة الردة الأمين داؤود ينقل لنا خطاباً من أحد أعضاء مجلس السيادة الفاضل بشرى المهدي بتاريخ 3/11/1968 أي قبل أسبوعين من المحكمة يقول فيه في دعوة صريحة لإيقاف محاضرات الأستاذ محمود: "وأرجو أن يتخذ الاجراء الرادع ضده"، وتحدثنا أيضاً جريدة الرأي العام الصادرة بتاريخ 14/11/1968 أي قبل أربعة أيام من انعقاد محكمة الردة بالآتي: "وبنفس الوقت جاءنا من وزارة التربية والتعليم أن السيد رئيس مجلس السيادة لم يصدر أية تعليمات لمنع المحاضرة المذكورة، وكل الذي حدث هو أن فضيلة مولانا قاضي قضاة السودان بعث بخطاب إلى السيد رئيس وأعضاء مجلس السيادة، بصورة لوزارة التربية وسلطات الأمن، ينصح فيها بعدم تقديم المحاضرة خشية أن يكون فيها ما يثير المسلمين، وتقول الوزارة إنها اتصلت من جانبها دون ايعاز من مجلس السيادة الموقر بالسيد عميد معهد المعلمين العالي لابلاغ الطلاب مقدمي الندوة، باحتمال إثارة الأمن – وتمضي الرأي العام لتقول بعد هذا: "ونود أن نؤكد أن العميد بالانابة قد اجتمع بالطلاب وأبلغهم اعتراض الرئيس الأزهري على المحاضرة، وطلب منهم الغاءها، وانهم أصروا على تقديمها، وقدموها بالفعل"، في مثل هذا المناخ كانت الدعوة للدستور الاسلامي على أشدها، وكان الامام الهادي يتحدث في الصحف اليومية عن فرض الدستور الاسلامي بالقوة وكان الأزهري يتحدث عن جعل القضاء الشرعي فوق القضاء المدني.
في مثل هذا المناخ من الهوس والتهريج السياسي اتصل الامين داؤود مدعي محكمة الردة الأول بقاضي القضاة وبقاضي المحكمة العليا توفيق احمد صديق الذي سينظر الدعوى ووجد منهم قبولاً وموافقة على رفع الدعوى حسبة ..ولقد تحدث الامين داؤود عن هذه الاتصالات في كتابه "نقض مفتريات..." صفحة 45 الطبعة الثانية.

المحكمة المهزلة
في يوم الاثنين 18 نوفمبر 1968 انعقدت ما سميت بالمحكمة الشرعية العليا لتنظر في دعوى الردة المرفوعة ضد الأستاذ محمود محمد طه، رئيس الحزب الجمهوري، من الشيخين: الامين داؤد محمد، وحسين محمد زكي..حيث حكمت بالردة على الاستاذ محمود.
إن الاخطاء القانونية التي ارتكبتها هذه المحكمة يكاد يخطئها العد ونورد فيما يلي طائفة منها:
1- لا توجد محكمة على الاطلاق تملك صلاحية سلب المواطن حقه في الرأي، لا ولا المحكمة العليا نفسها، بل إن المحكمة العليا من اوجب واجباتها حماية هذا الحق، وذلك وفاء للواجب الدستوري الذي ينصص على أن المحكمة العليا هي حامية الدستور.
2- قاضي محكمة الردة استشاره المدعي في رفع الدعوى ووثق المدعي من وقوف القاضي معه ثم رفع الدعوى بعد ذلك.
3- قاضي القضاة يؤيد في الصحف اليومية حكماً قد يرفع له في استئناف غداً.
4- رفعت الجلسة لمدة ثلث ساعة صدر بعدها اخطر حكم اصدرته محكمة سودانية وثلث الساعة لا يكفي لمجرد قراءة اقوال المدعيين وأقوال شهودهما فضلاً عن فحصها وتقييمها ووزن البينات مع مراجعة نصوص القانون مما يقف حجة قاطعة على أن هذا الحكم قد كان معداً وجاهزاً قبل انعقاد المحكمة.
5- قبلت المحكمة بينات سماعية من الشهود وقد كانت كلها ادعاءات باطلة من خصوم سياسيين.
6- أورد بعض الشهود نصوصاً من كتب لم ترجع المحكمة للأصل حتى تستوثق من صحة ما عرض لها وجميع النصوص التي عرضت للمحكمة كانت مبتورة.
7- صرفت محكمة الردة النظر عن البنود من (ألف إلى زاي)، وهي بنود الآثار المترتبة على حكم الردة، وأن صرف المحكمة النظر عن هذه البنود ينهض دليلاً عملياً على أن المحكمة قد واجهها العجز الحقيقي عن تنفيذ آثار الحكم فكأنها ادركت بلسان حالها أنها غير صاحبة اختصاص (3).

وزير عدل سابق: المحكمة غير مختصة
الاستاذ محمد إبراهيم خليل من القانونيين السودانيين الذين تقلدوا أرفع المناصب القانونية في البلاد قال في خطاب للسيد رئيس تحرير صحيفة الأيام بتاريخ 21/11/1968 قال بعد أن ناقش قانون تأسيس المحاكم الشرعية لعام 1902 "لذلك ترى يا سيدي أنه ليس من اختصاص المحاكم الشرعية في السودان أن تحكم بكفر أحد أو زندقة أحد أو ردته".
نواصل
[email protected]*
المصادر
(1) أنظر صديق البادي قصة حل الحزب الشيوعى أسرار وخفايا - سودانيز اون لاين مكتبة عمر ادريس محمد.
(2) أنظر مجموعة وثائق الحزب الشيوعي السوداني (1961-) 1969 – 1999 - المعهد الدولي للتاريخ
الاجتماعي أمستردام – هولندا.
(3) الأخوان الجمهوريون – مهزلة محكمة الردة مكيدة سياسية الطبعة الثانية – مايو 75 .

Post: #634
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 03:55 AM
Parent: #633


في حوارية المثقف والسلطة أو جدلية الفكر والواقع
الجمهوريون ومايو: جرد حساب (3)

عيسى إبراهيم*

نهدي هذه الكتابات إلى الصحفيين النابهين محمد غلامابي ومأمون التلب - لدورهما في أن تكون هذه الكتابات ممكنة - وجيلهما: إن كان عليهم أن يبحثوا عن الحقيقة فعلينا بجهد المقل أن نُسهم - ونحن شهود عيان - في رِفدها بالمعلومات..

مرافعة الأساس
مايو التوقيت والدلالة
جاءت مايو كما قلنا ونقول دائماً في ساعة الصفر، وكان الدستور الإسلامي المزيف في طور القراءة الثانية، تمهيداً لاجازته بالأغلبية الميكانيكية (82% من حجم الجمعية التأسيسية) التي تتمتع بها قوى الطائفية وقوى الهوس الديني.
للجمهوريين رأي سلبي عتيد في الحركة السياسية السودانية منذ بواكير فجر الاستقلال وإلى يوم الناس هذا، لانعدام المذهبية لديها وفلسفة الحكم والبرنامج المصاحب ، والاعتماد على الحشد الطائفي، وتجميد وعي الأتباع، ثم سعيها الحثيث ممثلة في الحزبين الكبيرين وحركة الأخوان المسلمين إلى محاولة الجمع بين السلطتين الزمنية والروحية باجازة دستور اسلامي يلتحف قداسة الدين ويهزم حركة الوعي بالكبت والارهاب معتمدة على سلطة روحية زائفة يوفرها لها ما يسمى بالدستور الإسلامي، وكان الجمهوريون لهم بالمرصاد كما رأينا في الحلقة الماضية من هذه السلسلة.
ولعل مجىء مايو في تلك اللحظة التاريخية الفارقة، هو في حد ذاته، أكبر دليل على صدقية ما ذهبنا إليه، وشاهد حقيقي على صحة تحليلنا لتلك الفترة العصيبة (65 – 69) التي كانت تمر بها البلاد، جاءت مايو بمثابة إنقاذ للبلاد وخروجاً على الواقع وسلبياته، مدعومة بالشيوعيين، أو على أقل تقدير ملبية لأشواقهم فالتحقوا بها، شاهد آخر هو ظهور بابكر عوض الله رئيس القضاء السابق في ركب مايو، انتصاراً لما لحق بالهيئة القضائية من ازدراء وتهوين في الفترة المشار إليها إبان تعديل الدستور وحل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من البرلمان وعدم الانصياع لقرار المحكمة الدستورية الملزم للحكومة.

لماذا أيد الجمهوريون مايو
جاء في خاتمة كتاب "زعيم جبهة الميثاق الاسلامي في ميزان..." الذي صدر في أعقاب الأزمة الدستورية قبيل ظهور مايو قول الأستاذ محمود: "ولكن الله لن يخلي بين هذا البلد وبين مضلليه ، فقد عوده الخير وسيصل عادته إن شاء الله" وكانت الاستجابة سريعة وحيل بين الطائفية وكراسي الحكم .
كتبت مجلة اتحاد طلاب جامعة الخرطوم تحت عنوان "محمود: كنا أمام خيارين مايو أو الطائفية والهوس الديني .. فارتضينا أخف الضررين" وجاء سؤال الطلاب للأستاذ: تأييدكم لهذا النظام علي أي أساس كان؟ فأجاب الأستاذ محمود: نحن ما عندنا فرصة لنجد المستوى اللي نحن عايزنو للدعوة للفكرة وكان علينا إختيار أخف الضررين: الطائفيــة أو مــايو.
أيد الجمهوريون مايو لسبب بديهي، وهي إيقافها للمد الطائفي الذي كاد أن يعزز سلطته الدينية المستولية بالسلطة الزمنية الشاملة، ولذا كان تأييدهم لمايو مبدئياً ثابتاً، لا تمليه رغبة في كسب سياسي، ولا تحركه نزعة للاحتواء والوصاية.

الجمهوريون سذاجة أم حصافة؟!
الجمهوريون على عكس جميع الذين أيدوا مايو عفُّوا ولم يشتركوا في أجهزة النظام تشريعية كانت أو سياسية أو تنفيذية، مما قاد مراقبيهم لوصفهم بأنهم "مايويون من منازلهم أو مايويون بالمجاني" ، كما هو عند الشاعر المرحوم صلاح أحمد إبراهيم لأن في عرف هؤلاء المراقبين لابد من جني ثمار التأييد مالاً أو وظيفة أو جاهاً وسلطة.
وطالما أن السياسة هي فن الممكن فلا يمكن وصف الأستاذ أو الجمهوريين بالسذاجة السياسية لأنهم كما يقول صلاح فيما أورده عنه محمد المهدي بشرى؛ لمساندتهم نظاماً "بانت سوأته وانكشفت عورته واتضح للغاشي والماشي فساده" إذ في مساندتهم لهذا النظام استقراء حصيف للواقع الذي لا يملكون تغييره، والذي لا يمكن أن ينتج بديلاً أفضل، والبديل الجاهز هو الطائفية التي تراهن على تجميد وعي المواطنين، والهوس الديني الذي نعيش نحن اليوم في براثن احباطاته، وهو المروض بفعل الزمن.

هل هناك شبهة عجلة في الحكم على مايو
مجىء مايو كما قلنا كان استجابة لدعاء الجمهوريين الذي أوردناه قبل قليل، ونزيد القارىء علماً بما حدث في جلسة الجمهوريين لتقييم مايو بُعيد حلولها بيومين فقط قال الأستاذ محمود: "أنا كنت متأكد أن الله لن يخلي بين الشعب السوداني ومؤامرة الطائفية لتمرير الدستور الاسلامي المزيف، في سعيها للاستيلاء على السلطة الزمنية والسلطة الدينية، لكن ما كنت عارف الوسيلة اللي راح يستعملها الله في حماية الشعب من المؤامرة دي، حتى جا نميري ورفاقه من خور عمر فشعرت أن الله استخدمهم في ساعة الصفر" ويواصل فيقول: "لكن ثورة مايو ماها البديل الصحيح عن الطائفية، نحنا البديل الصحيح لو كنا جاهزين..ولذلك لن نؤيد مايو تأييد ايجابي، بل نؤيد تأييد سلبي بمعنى أننا لن نعارضها، لأن معارضتنا ليها ستذهب في ترجيح كفة الطائفية..وعليه سيكون موقفنا من مايو التأييد السلبي إلا إذا تعرضت لمؤامرة الطائفية في الوقت داك نأيدها تأييد ايجابي..مايو جات لتكسر شوكة الطائفية وتقلم أظافر الشيوعية وبعد أن تؤدي دورها راح تفسد وتكون أخطاها واضحة بصورة كبيرة في أخريات أيامها وراح نتصدى ليها بقوة فتذهب على أيدينا.."(1).
هل يمكن – عزيزي القارىء – بعد هذا التوافق الواضح بين الفكرة والحدث أن تكون هناك شبهة عجلة في الحكم على مايو لرجل نذر نفسه لايقاظ الفكر في نفسه وفيمن حوله؟!.

الاستبداد بين (الملساء) و(الكوكابا)
الطرفة تقول: إن درويش المهدية حينما أدرك طريدته المستيقنة من الموت التفتت إليه مستحلفة له: عليك الله بالملساء..وللذين لا يعلمون (الملساء) و(الكوكابا) هي حربة ذات رأسين أحدهما "أملس" والآخر "مشرشر".
"دَحين" نقول لصديقي دكتور محمد الذي وصف مايو بالاستبداد: الفرق بين استبداد مايو واستبداد الطائفية هو الفرق بين "الملساء والكوكابا" فاستبداد مايو علماني ومقدور عليه من حيث امكانية كشفه بسهولة أما استبداد الطائفية فيلتحف الدين وكشفه "عويص" في حين أن كلاهما استبداد فانظر هداك الله..
نواصل
المصادر
(1) عمر هواري نقلاً عن د. القراي سودانيزأونلاين بوست بعنوان "الجمهوريون"..
=\=\=\=

Post: #635
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 03:56 AM
Parent: #634


في حوارية المثقف والسلطة أو جدلية الفكر والواقع
الجمهوريون ومايو: جرد حساب (الأخيرة)

عيسى إبراهيم*

نهدي هذه الكتابات إلى الصحفيين النابهين محمد غلامابي ومأمون التلب - لدورهما في أن تكون هذه الكتابات ممكنة - وجيلهما: إن كان عليهم أن يبحثوا عن الحقيقة فعلينا بجهد المقل أن نُسهم - ونحن شهود عيان - في رِفدها بالمعلومات..

بين مايو ومعارضيها
أورد د. محمد المهدي بشرى نقلاً عن دكتور حيدر ابراهيم علي قوله: "كان الأستاذ محمود ديمقراطياً حقيقياً ينبذ العنف ويسلك سلوكاً إنسانياً راقياً ولذلك استحق عن جدارة لقب (غاندي السودان) وكان ضد العنف سواء بالفعل أو بالقول"..ونتوكأ على هذه الشهادة في الولوج لمعالجة هذه الفقرة من الكتابة.
مايو كما هو واضح نظام عسكري استولى على السلطة عن طريق القوة، وجابهته قوى معارضة عن طريق القوة المادية العسكرية، والبداهة تقول أن الغلبة ستكون للأكثر استعداداً للمجابهة.
ومايو تصدت لمعارضيها الذين رفعوا في وجهها السلاح، وكل مبررات الجمهوريين التي كانوا يسوقونها لبقاء النظام هو أن البديل الجاهز لمايو هي الطائفية وقوى الهوس الديني، والبديل الغائب هو الوعي الشعبي، الذي اشترى الجمهوريون الزمن لاحداثه.

الاقتصاد وأزمة الأخلاق
قدم الجمهوريون الحل الجذري للمشكلة الاقتصادية على المستوى النظري حين دعوا لتطوير التشريع من مستوى آية الزكاة الصغرى "خذ من أموالهم صدقة..." إلى مستوى آية الزكاة الكبرى "ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو" التي تحت مظلتها يمكن أن يقوم التطبيق الاشتراكي، لتدار موارد الدولة لصالح الكافة، وعلى المستوى العملي قدموا كتابهم ساووا السودانيين في الفقر إلى أن يتساووا في الغنى.
أما الحديث عن الاخلاق فهو الوجه الذي كان يطالعنا آنذاك فنحن حقاً "لا ينقصنا التخطيط العلمي ولا الخبرة الفنية ولا الكوادر المؤهلة بقدر ما تنقصنا الأخلاق"، والجمهوريون لم يغب عن بالهم " الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي جرَّت البلاد إليها سياسات نميري" فقد نقدوا نظام نميري في حركته الاقتصادية وقدموا له النصح حين قالوا:" وبالطبع هناك الأخطاء التي يتحمل النظام وحده المسؤولية عنها، سواء في التخطيط، أو في التنفيذ، أو في المتابعة.. ومن تلك الأخطاء عدم الترشيد الكافي للصرف على التنمية، وللصرف الجاري، ومنها الصرف على مشروعات عمرانية، ليست تنموية بحتة، أو الصرف على أوجه غير إنتاجية وغير خدمية إطلاقاً"(1).

الجمهوريون: بين عبد الناصر والسادات
قدم الاستاذ محمود في كتابه "مشكلة الشرق الأوسط" حلين لمشكلة العرب مع اسرائيل أحدهما عاجل والآخر آجل، ودعا العرب في الحل العاجل للاعتراف باسرائيل ومباشرة تفاوضهم معها واستبعاد الوسطاء، وخلاصة الحل الآجل تكمن في نهوض العرب لحمل رسالتهم الاساسية "الاسلام" والعودة إلى "لا إله إلا الله"، ومفارقة الدعوة للقومية العربية، هذا باختصار يكاد يكون مخلاًً لضيق الحيز المتاح، ولمن أراد الشرح والتطويل الرجوع إلى الكتاب المشار إليه في موقع الفكرة الجمهورية: www.alfikra.org.
تساءل محمد المهدي في ورقته عن الموقف المغاير للجمهورين تجاه عبد الناصر من جهة والسادات من جهة أخرى واعتبره كيلاً بمكيالين، وهو في حقيقته يتسق مع موقف الجمهوريين المبدئي من مشكلة الشرق الأوسط، فالسادات كان شجاعاً ومتسقاً مع ما طرحه الجمهوريون في الحل العاجل لذا أيدوه وناصروه، أما عبد الناصر (يرحمه الله) فقد تنحى عن السلطة متحملاً آثام الهزيمة فما هو الغريب في ذلك؟!.

تأييد الجمهوريين بين الاطلاق والقيد
لم يكن تأييد الجمهوريين مطلقاً - كما ادعى صديقي بشرى - وانما كان مقيداً بحيلولتها بين الطائفية وكراسي السلطة وهو ما نجحت فيه، ثم بسيرها في اتاحة نشر الوعي بين المواطنين وهو أمر أخفقت فيه ولم تفلح.

مايو مرحلية
ولكن هل حقاً كان الجمهوريون يرون في نظام مايو المنقذ للبلاد من تخلفها السياسي والاجتماعي ؟! أنظره يقول: "وقد ظل هذا الفكر يركز على مفهوم أزمة الأخلاق ويوظفها كمنظور في رؤية الواقع السياسي في البلاد ولعل هذا مما قاد الفكر الجمهوري وقادته ليروا في نظام مايو بكل دكتاتوريته واستبداده المنقذ للبلاد من تخلفها السياسي والاجتماعي"، لقد أيد الجمهوريون نظام مايو كنظام مرحلي، للإعتبارات التي ذكرناها .. ومايو بالطبع لا تمثل رأيهم فرأيهم معروف، قال الجمهوريون لنظام مايو، كتابة، في كتاب وزع على الشعب أنه نظام مرحلي، ومما جاء في ذلك "اننا نرى أن "ثورة مايو" مهما قيل عن حسناتها، ومهما عددنا من انجازاتها، فهي حركة مرحلية، نرجو أن يخرج الشعب، بفضل الله، ثم بفضل انجازاتها في محاربة الطائفية، وفساد الإدارة الأهلية، وما تبعها من انجازات الوحدة الوطنية بالجنوب، وتعمير البلاد بحركة التنمية، نرجو أن يخرج الشعب بعد كل اولئك الى رحاب الديمقراطية الواسعة فينخرط "رجال مايو" مع الشعب في وحدة وطنية شاملة، بعد ان أدوا دورهم في المرحلة" ..

تساؤل
قد يتبادر إلى الذهن سؤال، بل لا بد أن يتبادر؛ ما هو حصاد الجمهوريين في مجال التغيير، بعد الفداء العظيم، هل ذهب الفداء سُدًى؟!، خاصة والجمهوريون يقولون إن الله استجاب لدعائهم؛ "ولكن الله لن يخلي بين هذا البلد وبين مضلليه ، فقد عوده الخير وسيصل عادته إن شاء الله"، ونحن نرى الحركة الاسلامية وهي تقبض على مفاصل السلطة الآن؟!.
والاجابة تقرب أن تكون بديهية، فقد راهن الجمهوريون على الزمن الذي يغير كل شىء، وهاهي الحركة الاسلامية تفرض دستورها لعام 98 وقد خالفت فيه صريح الشريعة الاسلامية، حيث رفعت الحرج عن الدستور باسقاط شرطي الاسلام والذكورة عن المرشحين لرئاسة الجمهورية، واعتماد المواطنة معياراً للحقوق والواجبات رغم اعتراض اللجنة القومية للدستور بقيادة خلف الله الرشيد رئيس القضاء السابق على النص المجاز من قبل المجلس الوطني والذي استخدم كلمة "فقط" في النص ويعتقدون أن المجلس يعني كلمة "قط"، وكلا النصين يوافق رأي الجمهوريين في تطوير التشريع الاسلامي!..
وأخيراً
نضع القلم وفي النفس شىءٌ من حتى، لاتساع الموضوع وتشعبه من جهة، ثم لغزارة المعلومات المتوافرة من جهة أخرى، ولضيق الحيز المتاح، ولاعتقادنا أن ما قيل فيه غنى للقانع، وفيه للمستزيد وقود للتفكير، والله المستعان وعليه التكلان..
[email protected]*
المصادر
(1) الأخوان الجمهوريون - ما هو البديل عن مايو - الطبعة الأولى أكتوبر 1980 صفحة 35..
=\=\=\

Post: #636
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 03:59 AM
Parent: #635


سيدي الفاضل الأستاذ الدكتور محمد سعيد القدال

تحية المودة والتقدير

أنا، مثل آلاف السودانيين، معجب أشد الإعجاب بكتاباتك الشجاعة والتوثيقية، وأملك جميع كتبتك تقريبا، وأتخذ كثيرا مما يجيء فيها مراجع لما أقوم بكتابته..

قرأت لك مقالة هي الثالثة من أربع مقالات في جريدة الصحافة السودانية هنا:
http://www.alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147500235
وقد وجدت أن فيها معلومة غير دقيقة بخصوص تاريخ اعتقال الأستاذ محمود حيث ذكرت أنها تمت بعد إصدار قوانين سبتمبر.. حيث جرى النص هكذا:
[color=red]واعترض الأستاذ محمود محمد طه على تلك القوانين، واعتقل وأطلق سراحه نهاية العام 1984م،
وكنت أيضا قد قرأت هذه المعلومة في كتابك القيم "الإسلام والسياسة في السودان" في صفحة 226 من الطبعة الأولى ـ دار الجيل بيروت ـ عام 1992.. وقد جرى فيها النص هكذا:

أما محاكمة محمود محمد طه فكانت أكثر مأساوية. اعتقل الأستاذ محمود محمد طه بعد إعلان قوانين سبتمبر لمعارضته لها. ثم أطلق سراحه في نهاية عام 1984. فأصدر حزبه ـ الإخوان الجمهوريون ـ منشوراً عاما وزعوه على الناس، قالوا فيه: إن قوانين سبتمبر أذلت الشعب السوداني إلخ...

المعلومة الصحيحة هي أن الأستاذ محمود اعتقل قبل إصدار نميري لقوانين سبتمبر طبعا.. ولكن سبب اعتقال الأستاذ والجمهوريين كان هو كتاب "الهوس الديني يثير الفتنة ليصل إلى السلطة" وقد خرج في 11 مايو 1983، وجرى اعتقال أول جمهوري في يوم 13 مايو، ثم حدثت مداهمة لبيوت الجمهورية وتمت مصادرة الماكينة الرونيو التي تستخدم في إخراج الكتب.. فتحول الجمهوريون إلى وسيلة تسجيل الأشرطة التي يقدمها مختلف الأشخاص، رجالا ونساء، ويتم توزيعها على الجمهور من غير أن يكون معروفا من الذي يتحدث في الشريط.. فتوالت اعتقالات الجمهوريين والجمهوريات الذين كانوا يقدمون الأركان في جامعة الخرطوم وغيرها من الجامعات والمعاهد العليا.. ويهمني هنا أن أذكر أسماء الأربعة جمهوريات اللائي اعتقلن في سجن أمدرمان وهن بتول مختار محمد طه، أسماء محمود محمد طه، هدى عثمان سليمان وسمية محمود محمد طه.. ثم بعد هذه الاعتقالات جرى اعتقال الأستاذ محمود في يوم الخميس 9 يونيو 1983..
أما قوانين سبتمبر فقد صدرت في الثامن من شهر سبتمبر عام 1983، كما قلت أنت في صفحة 209 من نفس الكتاب، يعني بعد ثلاثة أشهر من اعتقال الأستاذ محمود وبعد حوالي أربعة أشهر من اعتقال أول جمهوري..

أرجو أن أذكر حقيقة تاريخية هامة وهي أن الجمهوريين كانوا قد أخرجوا كتابا بعنوان "بنك فيصل الإسلامي" وذلك في مارس عام 1983.. في تقديري أن هذا الكتاب كان هو السبب الحقيقي في انزعاج قوى الهوس الديني والإسلام السياسي الذي كان يحاول أن يحتوي نظام مايو ويجد في ذلك دعما خارجيا خاصة من جماعات الهوس الديني في مصر ومن السعودية.. فقد كشف كتاب "بنك فيصل الإسلامي" مخطط الهوس الديني الرامي إلى السيطرة على مفاصل الاقتصاد السوداني..

أرجو المتابعة وسأواصل في الحلقة القادمة بإيراد مقاطع من كتاب "بنك فيصل الإسلامي" توضح ما أرمي إليه..
ودمت يا سيدي..
المخلص/ ياسر الشريف
ألمانيا في يوم الثلاثاء 29 نوفمبر 2005

Post: #637
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 04:03 AM
Parent: #636


في ذكرى استشهاد محمود محمد طه: حرية الضمير أم الحريات؟
رشا عوض
امس الثامن عشر من يناير الجاري حلت الذكرى الثالثة والعشرين لاستشهاد المفكر العظيم الأستاذ محمود محمد طه، الذي كان إعدامه آخر دركة من دركات الحضيض انحدر إليها النظام المايوي بقيادة إمام ذلك الزمان! جعفر نميري الذي بايعه ضعاف العقول والنفوس إماما للمسلمين وحاكما بأمر الله، فيا بئس ما فعلوا!
إن اغتيال محمود محمد طه لم يكن الجريمة الأولى أو الوحيدة للنظام المايوي، ولكنها الجريمة الأجدر بوقفات التأمل والتفكر واستلهام الدروس والعبر في سياق بحثنا النبيل وكدحنا المضني في دروب الحرية والسلام والتقدم. فالأستاذ محمود محمد طه لم يرفع سلاحا ولم يسفك دما في معارك الصراع على السلطة والثروة، فهو العابد الزاهد القانع من كل زينة الدنيا وزخرفها ببيت (الجالوص) و(عنقريب الحبل) و(الكسرة بالويكة) و(موية الزير)، والذي قاده إلى حبل المشنقة هو مجاهرته بأفكاره التي توصل إليها بأدائه لفريضة التفكير الحر المستقل عن المسلمات الموروثة، أي أداؤه لتلك الفريضة الغائبة التي يسعى أهل الكهوف إلى تغييبها إلى الأبد عن مجتمعاتنا مع سبق الإصرار والترصد، مستغلين في سعيهم الهدام هذا الطغاة والمستبدين.. وهذا التغييب لفريضة التفكير الحر هو جذر أزمتنا الحضارية وهو سبب تخلفنا وهواننا على العالمين! وبدون بعث هذه الفريضة وبدون إقامة النظم السياسية والاجتماعية التي تكفل ممارستها في حرية وطمأنينة دونما خوف من محاكم التفتيش وسيوف الهوس والجهل لا أمل في نهضتنا وتقدمنا.
ولكن السنن المتواترة في التاريخ والاجتماع البشري تشهد بأن درب الحرية هو درب التضحية؛ درب الإقدام القتال، وأيما شعب أراد الحرية لا يكفيه أن يكون من بين أبنائه علماء ومفكرون فحسب بل لا بد أن يكون لهؤلاء من الصلابة وقوة العزيمة والجسارة ما يجعلهم يدفعون حياتهم ثمنا لحياة أفكارهم! ما يجعلهم لا يساومون ولا يداهنون ولا يتحايلون على حساب أفكارهم من أجل أن يدرأوا الموت عنهم، فبمثل هؤلاء تخلد الأمم، وبمثلهم يتجلى سمو الإنسان وتفرده بين الكائنات. فحب الحياة وحب البقاء والخوف من الموت هو غريزة إنسانية ولكن العظماء هم من يترفعون على هذه الغريزة وغيرها من أجل القيم والمثل العليا، من أجل الكرامة والحرية من أجل الانتصار للفكرة والموقف الأخلاقي وبهذا فقط يكون الترقي في مراقي الكمالات الإنسانية والانعتاق من أسر قبضة الطين!.
أهمية التفكير المتأني في فاجعة إعدام الأستاذ، تنبع من أن الذين تآمروا عليه لم يحصروا فعلتهم في إطار سياسي، بل استغلوا الدين في تبرير جريمتهم، فاكتسبت الجريمة مشروعية دينية وتحولت إلى فتح إسلامي مبين، حيث قتل المرتد الأثيم الذي أراد أن يفتن المسلمين عن دينهم! ومكمن الخطورة هو أن منهج التفكير السائد في المجتمع في الغالب الأعم يقر بأن قتل المرتد واجب ديني! ولن يتم تجاوز ذلك إلا بتجديد فكري عميق وفق منهج منضبط ومتسق من الناحية النظرية يؤسس بشكل حاسم لحرية الضمير في الفكر الإسلامي، فهي أم الحريات عندها تبدأ كل حرية وبمصادرتها تنتفي كل حرية!
فمخطئ من ظن أن المسؤول الوحيد عن اغتيال محمود هو النظام المايوي، مع كامل إدانتنا لذلك النظام، ولكن لا بد أن نتذكر جيدا أن هناك محكمة ردة انعقدت للجمهوريين في عام 1968م أي في عز العهد الـ(ديمقراطي) الأكتوبري!! وفي ذات العهد في عام 1965م تم حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه المنتخبون من البرلمان على أساس ديني!! وذلك يستوجب الاعتراف بأن الديمقراطية في بلادنا يقوضها في المقام الأول غياب فلسفة وثقافة الاختلاف، قبل أن تقوضها الانقلابات العسكرية!.
ولكي نبني ديمقراطية حقيقية لا بد من إعمال النقد الصارم في كل تجاربنا وممارساتنا، ويجب أن تشمل المراجعة النقدية الجميع ولا تستثني أيا من التيارات الفكرية والسياسية بمن في ذلك الجمهوريين أنفسهم، فقد وقعوا في خطأ تاريخي عندما أيدوا (ثورة مايو) في بداية عهدها، وهو خطأ لا يحتمل التبرير! فثورة مايو التي اعتقد الجمهوريون -وعلى رأسهم الأستاذ- أنها خطوة إلى الأمام، فأثبتت التجربة العملية أن أخصب أرضية لازدهار الهوس هي أرضية الاستبداد، وهذا النقد لا ينتقص من قدر الأستاذ وجماعته، فلا وجود في هذه الدنيا لتجربة إنسانية كاملة ومبرأة من كل عيب.
ولذلك فإن خطأ الجمهوريين لا يقلل من عظمة ما فعله الأستاذ في مواجهة المحاكمة المهزلة فقد رفض الاستتابة، ورفض أي شكل من أشكال التعاون مع تلك المحكمة المهزلة، واكتفى بأن سجل كلماته الخالدة: "أنا أعلنت رأيي مرارا في قوانين سبتمبر1983م، من أنها مخالفة للشريعة وللإسلام، وأكثر من ذلك فإنها شوهت الشريعة، وشوهت الإسلام، ونفرت عنه، يضاف إلى ذلك أنها وضعت واستغلت لإرهاب الشعب، وسوقه إلى الاستكانة عن طريق إذلاله، ثم إنها هددت وحدة البلاد..هذا من حيث التنظير أما من حيث التطبيق، فإن القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنيا، وضعفوا أخلاقيا عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية تستعملهم لإضاعة الحقوق وإذلال الشعب وتشويه الإسلام وإهانة الفكر والمفكرين وإذلال المعارضين السياسيين، ومن أجل ذلك فإني غير مستعد للتعاون مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل ورضيت أن تكون أداة من أدوات إذلال الشعب وإهانة الفكر الحر والتنكيل بالمعارضين السياسيين".
بهذا الموقف الشجاع وبابتسامته المهيبة على منصة الخلود (وليس الإعدام) اختتم محمود حياته.. وهنا أود أن أكرر ما سطره الأستاذ خالد عويس في عدد الخميس العاشر من يناير الجاري في صحيفة (صوت الأمة): "محمود وهو معلق على المشنقة كان حذاؤه يعلوهم جميعا بمن فيهم إمامهم (المزعوم)، وكأني به يتمثل أبيات الشاعر المصري أمل دنقل:
معلّق أنا على مشانق الصباح
وجبهتي بالموت محنية
لأنني لم أحنها حية!
يا إخوتي الذين يعبرون في الميدان مطرقين
منحدرين في المساء
في شارع الإسكندر الأكبر
لا تخجلوا ولترفعوا عيونكم إليّ
لأنكم معلّقون جانبي
على مشانق القيصر
فلترفعوا عيونكم إليّ
لربما إذا التقت عيونكم بالموت في عينيّ
يبتسم الفناء داخلي.. لأنكم رفعتم رأسكم مرة!!".

Post: #638
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 04:06 AM
Parent: #637



--------------------------------------------------------------------------------

في ذكري الأسـتاذ الشـهيد .......... رسـالة طويــلة الي إبني عَـلِي

في ذكري الأسـتاذ الشـهيد .......... رسـالة طويــلة الي إبني عَـلِي

رسالة طويلة إلي إبـني عـَـلِـي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فيا برق ليس الكرخ داري وإنـّما ::: رمـاني الـيه الدهــر منذ ليـال ِ
فهل فيك من ماء المعـّرةِ قطـرة ٌ ::: تغيـثُ بها ولهــانَ ليس بسـال ِ

تـَمثلتُ قول الحكـيم الفيلسوف قبل اسابيع وأنا وإبني علي، أو إبني علي وأنا، نعــافـر الـ Snow لتخليص عربتي من الثلج الذي إرتفع لعدة سنتيمترات عن الأرض، قـال Snow shovel قـال، مالي أنا وما للإسنو، مالي انا وما للشفل، مالي وما لهذا الصقيع أصلاً، مالي وما لهذه الشقاوة، كنت هناك مرتاحاً، هناك في بدين، جزيرة في شمال السودان، هناك ولدت ونشأت، طفولتي وصباي وبداية شبابي، هناك في ذلك القطس الدافئ الحميم، جزيرة في منتصف النيل، يحيط بها الماء من كل جانب، Swimming pool طبيعي يا إبني، تنزل وتسبح مع الأسمـاك والتماسيح والسلحفاء، تشرب من نفس الماء ولا يصيبك ضرر، لا برد هناك ولا ثلج ولا جليد، جزيرة ( مهمشة) إذا قسناها بالمعطيات العصرية، ولكنها جزيرة منعشة جداً في (العصرية)، تخرج من البيت فيتلقاك الهواء رقيقاً نظيفاً منعشاً، هواء نقي، مشبع برائحة الجروف، لم يتلوث بسموم العربات ولا الموترات، ولا المصـانع ولا الـ Green House ، فلا قرين هاوس هناك ولا وايت هاوس، هناك طين هاوس، بيت من الطين، مسقوف بمروق السيسبان وجريد النخل، دافئ حميم شتاءٍ، بارد لطيف صيفاً، هناك يا إبني تسير الحياة بهدوء، علي فطرتها، دون عجلة، تخرج من البيت فتجد الناس هاشين باشبن، ضاحكين مبتسمين ، :ـ
وعم عبدالرحيم ما بيخبر زعـل
كل الناس هناك ما تخبر زعـل
يزعلوا لشنو، يزعلوا من منو
كل الناس هناك، كل الناس صحاب
كل النـــــــاس أهـــل ،

نعم، كل الناس صحاب، كل الناس أهل، ولكنك لن تعرف عم عبدالرحيم، ولن تعرف الحاج ود عجبنا، ولا حميد ولا الفرجوني ولا مصطفي سيداحمد: ـ

الحاج ود عجبنا في الفريق يا هو الركيزة
هو البشيل حمل الرضاعة، وعندو كلمة علي الجماعة
في الطريق باقيلنا .. تاية، وكل طيب ليه غاية
للضعيف تلقاه ساند، ويقهر الكعب المعاند
وللضيوف ديوانو فاتح، ديل يهلو، وديل يقومو
عمنا الحاج ودعجبنا، من سنين ايام جهلتو
يسأل المولي السلامة، وسترة الحال والكرامة

نعم يا بـُـنيّ، عندنا عم عبدالرحيم، وعندنا الحاج ود عجبنا، في كل بيت، في كل حي وكل حلة، كبار المقام، محترمون مبجلون، اصحاب كلمة علي الصغير والكبير، بسطاء انقياء، عفيفو القلب واليد واللسان، ما كانوا ليهانوا، ولكن جاءهم زمان تعيس اهينوا فيه، و لن يرحم اللهُ ولا التاريخُ من اهانوهم، وتلك قضية اخري، وما أكثر القضايا الأخري، هناك يا إبني يعيش الناس في امان، يقضون أغراضهم بتأني وهدوء، والوقت هناك غير محسوب، واليوم طويل طويل، وليست كأيام هذا البلد المستعجـلة. Shovel يا ابني Shovel، فأنت مستمتع بهذا البرد وهذا الإسنو، أما أنا فقد تجمدت أطرافي، واصتكت اضراسي، وتوقف الدم في عروقي، أما أنا فليست لي في هذه متعة، أنا لا أنتمي الي هنا، لا أنتمي إلي هذا الطقس، إنما أنتمي الي هناك ، الي بدين، حيث لم تكن فيها عربات، فلم نكن نحتاج إليها، ماذا نفعل بها؟، المشاوير تـُقضي علي الأرجل، مشياً علي الأقدام، او علي ظهور الدواب، هناك الحمار يعتبر The man's best friend وليست الكلاب كما هنا، لم يكن في الجزيرة بوليس، فالناس لا يخالفون القانون أصلاً ، لم يكن في الجزيرة مستشفي ولا Family Doctor ، ولا اسعاف ولا مطافئ ولا 911 ، لم نكن نعرف الحكومة، ولا الحكومة تعـرفنا، تركتنا الحكومة في حالنا، وتركناها في حالها، رغم كل هذا التهميش، كانت الحياة سهلة ويسيرة، لا عناء فيها ولا شقاء. فيا برق ليس الكرخ داري وإنما .... ، أقرأ أبيات المعري علي إبني، ذو الثلاث عشرة عـاماً ، وهو يقول لي Dad, what you talking about? ، فاقـــول له never mind, never mind ، فأنت لن تفهم، وأنا ماذا فعلت ؟، ماذا صنعت بك ؟، أتيت بك الي هنا ولما تكمل عــامك الأول، ويبدو انني سوف أتركك هنا وارحل عن الدنيا، ولا ادري انفعتك ام أصبتك بضرر، هل أذنبت في حقك؟، هل كان يجدر بي ان اربيك هناك؟، ام ان هـذا افضل، لست ادري، ولكني ادري انني سعيت للأفضل، للحياة الكريمة، من هناك، من بدين سافرت الي الخرطوم، بحثا عن حياة أخري، تخيلناها افضل، ولمـّا ( غـرّبْ حامد وشـرّقْ بلّـة)، تركنا الوطن بأكمله وإغتربنا، وطاب لنا المقام في الخليج سنوات طوال، صعدت بنا الحياة ونزلت، واستوت وتعرجت، أفرحت وأحزنت، ثم رمتنا الأقدار في ضواحي الإسكيمو، وها انا الآن، اقف معك هنا، ألبس الكوت والبوت والهات والقلفز والإسكارف، وأعافر معك الإسنو، هناك يا ابني، هناك في بلدي يا حبوب، نلبس الجلابية والتوب، ولكن أين هناك من هنا ، وأنت، ماذا تعرف عني، ماذا تعرف عن ماضييّ، ماذا تعرف عن ابي وامي، ماذا تعرف عن أهلي وعشيرتي، ماذا تعرف عن وطني، أنت لن تعرف شيئاً عن حلفا، ولا عن نمولي، ولا عن الجنينة، ولا عن الكرمك، وتلك أركان الوطن الأربعة، أنت لن تعرف وردي، ولا مسونكيل، ولا فقن ونجي، ولا صواردن شو، وكما أنك لن تعرف وردي فإنك لن تعرف أبوآمنة، أبوآمنة حامد، ولن تعرف أنهم غنوا، وما أحلي ما غنوا، حينما إلتقوا في حلفا بأم الضفائر، النافرة الأليفة، وفي كريمي شايقية بشلوخا، وفي شندي بنات جعل، نايرات خدودن زي فجرا اطل، وفي سنكات سمرا أبية، حلوة هدندوية، وفي قلب الجزيرة الحلوة النضيرة، وفي الغرب اغيد، تراقص المشاعر مع دقة النقارة، وفي الجنوب ساحرات سارحات في السهل والغابة، أنت لن تعرف عبدالقادر سالم، ولن تغني معه لكردفان، انت لن تعرف محجوب شريف، ولن تجلس معه في حضرة الوطن حيث يطيب الجلوس، وأنت لن تعرف المكي، محمد ابراهيم المكي، ولن تشعل معه الحقول قمحاً ووعداً وتمني، أنت لن تعرف ودالأمين، ولن تشدو معه لأكتوبر، ولن تتعلم معه من الأيام، أنت لن تعرف عثمان حسين، ولن تعشق معه الجمال، أنت لن تستمتع بذلك اللحن الشجي الذي ينبعث من زمان الناس، وضنين الوعد، وتفشي الخبر، لن يطربك صوت الطنبور في (بت البلد عرفت تحب) او(حتي الطيف رحل خلاّني)، لن يثملك ذلك الصوت الأسطـورة، صوت أبو داؤود، في زهـرة الـروض الظـليل او انـّة المجروح او هات لينا صباح، لن تعرف ابراهيم عوض، ولن (تججن) الناس معه طرباً، أنت لن تعرف الصوفي المعـذب، ولن تستمع له وهو يحدثك عن النيل، سليل الفراديس، لن تعرف جماع، إدريس جماع، لن تمشي معه في مواكب الليل، حاسر الرأس، تستشف معه من كل شئٍ جمالا،أنت لن تعرف عنـّا شيئاً، لن تعرف الفـركة والقـرمصيص، لن تعرف قطع الرحط ، لن تعرف الخُمرة والدلكة، والطلح والدخان، انت لن تعرف المجذوب، محمد المهدي المجذوب، ولن تقرأ غـمائم الطلح، ولاكـنِيّ اروي لك منه:ـــ

وحفرة بدخان ِ الطلح ِ فاغـمة ٍ::: تندي الرَوادِفِ تلويناً وتعطيرا
لمحت فيه وما امعنت.....::: ...........................مذعورا
مدت بناناً به الحِناءُ يانعة ً::: ترد ثوباً الي النهدين مَحْسورا
قد لفها العطرُ لف الغيمِ منتشراً:: بدر الدجي وروي عن نورها نورا
يزيد صُفرتها لمعاً وجدتها::: صقلاً وناهدها المشدودَ تدويرا
أرخي الدخان لها سِتراً فبعّدها ::: كدرةٍ في ضمير البحر مَسْجورا
حتي اذا ضاق كِـنّ عنه أنفذه ::: هين الصعودِ خصاصُ الباب مكسورا

أنت لن ترافق عمنا صالح جبريل الي كسلا، ولن تزور معه حديقة العـشاق، بين صب في حبه متلاشٍ وحبيب مستغرق في عناق، أنت لن تعرف الهادي آدم، ولن تكتب معه الشعر علي ضوء ثقاب .
انت لن تعرف نوباتيا ولا المقرة ولا علوة، لن تعرف تهراقا وبعانخي، لن تعرف السلطنة الزرقاء ولا سلطنة دارفور، لن تعرف تقلي ولا المسبعات، لن تعرف معركة القلابات ولا كرري ولا ام دبيكرات، لن تعرف عَـلِي عبداللطيف، لن تعرف حريق المك في قلب الدخيل، لن تعرف الجسارة، حينما أستشهد في مدفعه عبدالفضيل، لن تعرف مهيرة، ملهمة الفـرسان جيلاً بعد جيل، لن تعرف الإمام المهدي، لن تعرف القرشي ولا التاية . انت لن تعرف عبدالخالق محجوب، نجم نجوم الوطن، ولن تسمعه وهو ينادي بلسان الفيتوري :ـــ

لا تحفروا لي قبـراً
سأرقد في كل شبر من الأرض
أرقد كـالماء في جسد النيـل
أرقد كالشمس فوق حقول بلادي
مثــلي أنا لا يسكن قبـرا
لا تحفروا لي قبرا
سأصعد مشنقتي
وأغسل بالدم رأسـي
وأقطع كفي
وأطبعها نجمة فوق واجهة العصر
فوق حوائط تاريخه المائلة
وأبذر قمحي للطير والسابلة

نعم، مثله لا يسكن قبرا، فالقبر يسع المقبورين، وهو ليس مقبورا، هو راية فوق هامات الوطن، فوق رؤوس الجبال وجريد النخل، هو في صوت العاصفة وصرير الريح، هو في رمل الصحراء وثمـار الغابة هو( في كل عين وفؤاد، وسيبقي رغم سجن الموت، غير محدود الإقـامة).
أنت لن تعرف العباسي، محمد سعيد العباسي، ذاك شاعر يا بني مجيد، وما أكثر الشعـراء المجيدين في بلادي، لا احصيهم، ولكني اقتطف لك من عهد جــــيرون :ــ

ارقتُ من طول هم باتَ يعروني ::: يثير من لاعج الذكري ويشجوني
منيت نفــسي آمالاً يماطــلني ::: بها زماني من حين الي حين
ألقي بصبري جسام الحادثات ولي ::: عزم أصد به ما قد يلاقيني
ولست أرضي من الدنيا وإن عظمت::: الا الذي بجميل الذكر يرضيني
وقد سلا القلب عن سلمي وجارتها::: وربما كنت ادعوه فيعصيني
يا بنت عشرين والأيام مقبلة ::: ماذا تريدين من موعود خمسين
قد كان لي قبل هذا اليوم فيك هوي::: اطيعه وحديث ذو افــانين
ازمان امرح في برد الشباب علي ::: مسارح اللهو بين الخرد العـين
والعود أخضر والأيام مشرقة ::: وحالة الأنس تغري بي وتغريني
في ذمة الله محبوب كفلت به ::: كالريم جيداً وكالخيروز في اللين

وأنت لن تعرف الأزهـري ولا المحجوب، لن تعرف قادة الإستقلال في وطني ولا في القارة السمراء، لن تعرف جمال عبدالناصر، ولانكروما ولا نايريري ولا سنقور ولا لوممبا، انت لن تعرف ماندلا، نلسون مانديلا، ذلك الرجل القارة، جدير بك ان تعرفه، وسوف احدثك عنه، كما انني سوف احدثك عن الأستاذ، ذلك الجسور، الفيلسوف الشهيد، تمر علينا ذكراه هذه الأيام، ذكري اشتشهاده الباسل،
عملاق شنقه أقـزام، إغتالوا فيه علماً غزيراً ومعـرفة حقة، راح ضحية الهوس الجبان، ضحية التخبط والإستهتار، عندما إتخذوا الدين سلعة رخيصة، تباع وتشتري في أسواق النخاسة السياسية الكاسدة، سلعة رخيصة فرشوها في شوارع الخرطوم المنكوبة، أخذوا بالشبهة، وتعاملوا مع الظنة، أقاموا المحاكم تحت الأشجار وفي ظل البرندات، أبتدعوا ما ليس في الدين، تخبطوا يميناً وشمالاً شأن المسعورين الخائفين، فوزعـوا التهم وأحضروا شهود الزور، وأتوا بقضاة وصفهم الأستاذ فما ظلم ( أنا أعلنت رأي مرارا ، في قوانين سبتمبر 1983م ، من أنها مخالفة للشريعة وللإسلام .. أكثر من ذلك ، فإنها شوهت الشريعة ، وشوهت الإسلام ، ونفرت عنه .. يضاف إلي ذلك أنها وضعت ، واستغلت ، لإرهاب الشعب ، وسوقه إلي الاستكانة ، عن طريق إذلاله .. ثم إنها هددت وحدة البلاد .. هذا من حيث التنظير ..
و أما من حيث التطبيق ، فإن القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها ، غير مؤهلين فنيا ، وضعفوا أخلاقيا ، عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية ، تستعملهم لإضاعة الحقوق وإذلال الشعب ، وتشويه الإسلام ، وإهانة الفكر والمفكرين ، وإذلال المعارضين السياسيين .. ومن أجل ذلك ، فإني غير مستعد للتعاون ، مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل ، ورضيت أن تكون أداة من أدوات إذلال الشعب وإهانة الفكر الحر ، والتنكيل بالمعارضين السياسيين ) هكذا تكلم الأستاذ في شجاعة لم تكن لتنقصه، ألم يكن اول سجين سياسي في البلاد؟، هكذا حكم عليهم قبل ان يحاكموه، مهلاويٌ أفل نجمه ولم يهل، ومكاشفيٌ لو كشف الله له جزءاً يسيراً مما كشفه للأستاذ، لما فعل ما فعل، وابو قرنين مسدلين، ولم نر القرون الاّ واقـفة منتصبة، اراد ان يأخذ التاريخ من قرنيه، (كناطح صخرة يوماً ليوهنها :: فلم يضرها وأوهي قرنه الـوعلُُ ) أنهم إتخذوا الدين سلعة رخيصة اشتروا بها بعض الوقت في كراسي السلطة، فما نفعتهم، أخذهم الطوفان الذي ثحدث عنه الأستاذ، ذهبوا غثاءً كـغثاءِ السيل، وبقي في الأرض ما ينفع الناس‘ بقي الشهيد بإنتاجه الفكري الثر‘ أقوال مأثورة وكتب منشورة، بقي العالـِمُ الجليل، ينتفع الناس بعلمه الصادق النبيل، بقي، وما غاب ابداً، فمثله لا يغيب، ، ساقوه الي المشنقة بامر مشيرهم الجاهل ، فجاء شامخاً يبتسم، ملؤه الشفقة علي جلاديه، جاء وئيداً ولسان حــاله يقـول، اللهم أغفر لهم فإنهم لا يعـلمون:ـ

ويخلع النعلين عند سفح المشنقة
كأنها المصلى ، وهو يصعد الخطى الواثقة الموثقة
كأنه المحب فى لقاء محبوب مهاجر يرنو لأن يعانقه
ويكشف الغطاء عن بوارق ابتسامة
عن أنضر ابتسامــة
عن أجسر ابتسامــة
كالشمس لم تخامرها غمامة
برهانه على اليقين والصمامة
رسالة الى الأحرار بالخلاص المرتجى
حرب على الفجار فهى فى حلوقهم شجى
وفى عيونهم قذى وفى صدورهم لظى
فقد أبى أن يعطى الدنية فى دينه من نفسه الأبية
لله وحده أعطى زمامه
أقام دينه أوفى تمامه
تبت يداهم يقتلون فى الضحى السلام
والغصن والحمامة
وحوله هتافهم كجوفهم مباءة المساءة
قاماتهم قماءة ، وجوههم دمامة
أليسوا الساقطين فى شر الفتن ؟
البائعين الدين ، والمبايعين التالف المتلاف
بيعة الإمـامــة

هكذا قال عوض الكريم موسي، وهذا نذر يسير مما قيل في الشهيد، في ذلك اليوم الكئيب جاؤوا به الي المشنقة في مـأسـاة كمأسـاة الحلاج، توضأ شيخنا فاسبغ الوضوء، وجاء يصلي صلاة العشق، تماماً كما فعل الحلاج، ألم يقطعوا كف الحلاج فرفع يده المقطوعة، ومسح بها وجهه وهو يقول( ركعتان في العشق لا يصح وضوؤهما الاّ بالدم ) ، لا بد ان الأستاذ في ذلك الموقف المهيب تمثل بقول الحلاج في مثل ذلك الموقف ( اللهم إنك المتجلي عن كل جهة، المتخلي عن كل جهة، بحق قدمِكَ علي حدثي، وحدثي تحت الملابس قدمك، أن ترزقني شكر هذه النعـمة التي أنعمت بها عليّ، حيث غيبت أغياري كما كشفت لي من مطالع وجهك، وحرمت بها غيري ما ابحت لي من النظر من مكنونات سرك، هؤلاء عبادك قد إجتمعـوا لقتلي، تعصباً لدينك، وتقرباً إليك، فأغفر لهم، فإنك لو كشفت لهم ما كشفت لي لما فعلوا ما فعلوا، ولو سترت عني ما سترت عنهم لما إبتليت، فلك الحمد فيما تفعل، ولك الحمد فيما تريد . ) نعم يا بُنيّ، هكذا ناجي الحلاج ربه وهو يـُقطـّع قطعاً علي حبل المشنقة، وهكذا قال الأستاذ الشهيد، محمود المحمود، وبعد شنقه لم يعرف الأقزام ما يفعلون، فرفعوه الي أعلي، الي السماء، طاروا به في الفضاء، إعتلي بهم حين ارادوا ان يخفضوه، ذلك ما يفعله أصحاب العـُلي والسمو، إنها مواقف منحوتة في ذاكرة التاريخ، وذاكرة التاريخ لا تَـنسي، وأنت كما انك لن تعرف صاحب الطواسين ولا صاحب الرســالة الثانية، فإنك لن تعرف صاحب الفتوحات المكية، أنت لن تعرفه، ولكنه قال:ــ

نَعْـتُ المهيمن بالأطلاق تقييد ::: وكل ما قيل فيه فهو تحديدُ
وإن سكتُ علي عجز أفوز به ::: فذلك العجز أيضاً فيه تقييدُ
فليس يخرج في ظني ومعرفتي ::: شئٌ عن القيد لاشرك وتوحيدُ
تنزيهك الحق حدٌ انت تعــلمُهُ ::: إن النزيهَ بنفي الحد محدودُ
إن قلت ليس كذا،اثبتـّهُ بكذا ::: وذا لباسُ نزيه فيه تجريدُ
سَـلْبُ التحير عنه لا يشرفهُ ::: وكيف يَشرُفُ بالتنزيه معبودُ
لو لم يكن في كذا لزال عنه كذا ::: وزال عنه به حمدٌ وتمجيدُ
أسماؤه تطلب الأكوان أجمعها ::: فنعتها بالغني المعلوم مفقودُ
لولا القبول الذي منا لما ظهرت ::: آتارها فلنا من ذلك الجودُ
إن الوجود الذي أثبته نسبٌ ::: فلا وجودَ فما في العين موجودُ
بذا المحال الذي ترمي به فطرٌ ::: وكيف يقبـلـُه والكونُ مشهودُ
أثبتّ عينك عند النفي نافية ::: فمن نفيتَ وباب النفي مسدودُ
وكيف تنفي وجوداً أنت تثبته ::: عقلاً وعيناً، وحوض العقل مورودُ

ذلك ابن عربي، وذلك قول كبير، ولذلك سمي قائله بالشيخ الأكبر، ذلك قول كبير كالكون واكبر، قول عميق كالبحر وأعمق، لا بد ان تتكبد المشاق، وتعاني الصعاب حتي تفهم، لا بد ان تسبح في فضاء الكون، وتغوص في قاع البحر حتي تفهم، لابد ان توقد ذهنك حتي تفهم، وإن فعلت، فلك مني ضمان المتعة، ضمان المتعة الفكرية، وتلك متعة لن تشبع منها، فأفعـل .
فيا برق ليس الكرخ....Dad, what you?? Never mind ، فانت لا تفهم ما أقول، فأنت لن تعرف أبوالعلاء، حكيم المعرة، رهين المحبسين، فيلسوف الشعراء، وشاعر الفلاسفة، أنت لن تعـرفه، ولكـنه قــال: ــ

إذا لم تكن دنياكَ دارَ إقامة ::: فما لك تبنيها بناءَ مُـقـيم ِ
أري النسلَ ذنباً للفتي لا يُقاله ::: فلا تنكحنّ َ الدهـرَ غير عقيم ِ
وأعجبُ من جهل الذين تكاثروا ::: بمجد لهم من حادثٍ وقديم ِ
وأحلفُ ما الدنيا بدار كرامة ::: ولا عَمَـرتْ من أهلها بكريم ِ
سـأرحل عنها لا أُؤّمل أُوْبـَـة ::: ذميماً توَلي عن جوارِ ذمـيم ِ
وما صحّ وُدّ ُ الخِلِ فيها وإنما ::: تغـُرّ ُ بودّ ٍ في الحياة سقيم ِ
فلا تتعلل بـالـمُدام وإن تجـُزْ ::: إليها الدنايا فاخش كل نديـم ِ
وجدت بني الدنيا لدي كل موطنٍ ::: يعـدون فيها شـقـوة كنــعيم ِ
يزيدك فقـراً كلما ازددتَ ثروة ً ::: فتلقي غنياً في ثياب عـديم ِ
فسـادٌ وكـونٌ حادثان كلاهما ::: شهيدٌ بأن الخلقَ صنعُ حكيم ِ

هـكذا قـال حكيم المعرة في اللزوميات، ولكن ما لي أحكي لك؟، أنت لن تعرف كعب ابن زهير ولا إمرؤالقيس، انت لن تعرف البحتري ولا ابوتمام، لن تعرف التوحيدي ولا ابن المقـفع، لن تعرف جعد بن درهم ولا معبد الجهني، لن تعرف النظام، ابراهيم النظام، ولا الجاحظ ، ولا ابن سيناء ولا ابن رشد، لن تعرف ابونواس ولا بشار بن برد ولا ابن الرومي، لن تعرف السيوطي ولن تقرأ تاريخ الخلفاء لتعرف الحقائق، لا جرير ولا الفـرزدق، لن تعرف امل دنقل ولا محمود درويش، لا طه حسين ولا العقاد ، لانجيب محفوظ ولا يوسف إدريس، أنت من ستعرف؟، الي اي الحضارت تنتمي؟، الي اي مستقبل؟، أنت لن تعرف حتي المتنبي، أستاذ الشعراء، ولكنه قال : ــ

مالَنا كُلُّنا جَواٍ يا رَسولُ ::: أَنا أَهوى وَقَلبُكَ المَتبولُ
كُلَّما عادَ مَن بَعَثتُ إِلَيها ::: غارَ مِنّي وَخانَ فيما يَقولُ
أَفسَدَت بَينَنا الأَماناتِ عَيناها ::: وَخانَت قُلوبَهُنَّ العُقولُ
تَشتَكي ما اشتَكَيتُ مِن أَلَمِ الشَوق ::: إِلَيها وَالشَوقُ حَيثُ النُحولُ
وَإِذا خامَرَ الهَوى قَلبَ صَبٍّ ::: فَعَلَيهِ لِكُلِّ عَينٍ دَليلُ
زَوِّدينا مِن حُسنِ وَجهَكِ مادام ::: فَحُسنُ الوُجوهِ حالٌ تَحولُ
وَصِلينا نَصِلكِ في هَذِهِ الدُنـيا ::: فَإِنَّ المُقامَ فيها قَليلُ
مَن رَآها بِعَينِها شاقَهُ القُطـطانُ ::: فيها كَما تَشوقُ الحُمولُ
إِن تَريني أَدِمتُ بَعدَ بَياضٍ ::: فَحَميدٌ مِنَ القَناةِ الذُبولُ
صَحِبَتني عَلى الفَلاةِ فَتاةٌ ::: عادَةُ اللَونِ عِندَها التَبديلُ
سَتَرَتكِ الحِجالُ عَنها وَلَكِن ::: بِكِ مِنها مِنَ اللَمى تَقبيلُ
مِثلُها أَنتِ لَوَّحَتني وَأَسقَمـ ::: ـتِ وَزادَت أَبهاكُما العُطبولُ
نَحنُ أَدرى وَقَد سَأَلنا بِنَجدٍ ::: أَقَصيرٌ طَريقُنا أَم يَطولُ
وَكَثيرٌ مِنَ السُؤالِ اِشتِياقٌ ::: وَكَثيرٌ مِن رَدِّهِ تَعليلُ
لا أَقَمنا عَلى مَكانٍ وَإِن طاب ::: وَلا يُمكِنُ المَكانَ الرَحيلُ
كُلَّما رَحَّبَت بِنا الرَوضُ قُلنا ::: حَلَبٌ قَصدُنا وَأَنتِ السَبيلُ
فيكِ مَرعى جِيادِنا وَالمَطايا ::: وَإِلَيها وَجيفُنا وَالذَميلُ
وَالمُسَمَّونَ بِالأَميرِ كَثيرٌ ::: وَالأَميرُ الَّذي بِها المَأمولُ
الَّذي زُلتَ عَنهُ شَرقًا وَغَربًا ::: وَنَداهُ مُقابِلي ما يَزولُ
وَمَعي أَينَما سَلَكتُ كَأَنّي ::: كُلُّ وَجهٍ لَهُ بِوَجهي كَفيلُ
وَإِذا العَذلُ في النَدا زارَ سَمعًا ::: فَفِداهُ العَذولُ وَالمَعذولُ
وَمَوالٍ تُحيِيهِمِ مِن يَدَيهِ ::: نِعَمٌ غَيرُهُم بِها مَقتولُ
فَرَسٌ سابِقٌ وَرُمحٌ طَويلٌ ::: وَدِلاصٌ زَغْفٌ وَسَيفٌ صَقيلُ
كُلَّما صَبَّحَت دِيارَ عَدُوٍّ ::: قالَ تِلكَ الغُيوثُ هَذي السُيولُ
دَهِمَتهُ تَطايِرُ الزَرَدَ المُحـ ::: ـكَمَ عَنهُ كَما يَطيرُ النَسيلُ
تَقنِصُ الخَيلَ خَيلَهُ قَنَصَ الوَحـ ::: ـشِ وَيَستَأسِرُ الخَميسَ الرَعيلُ
وَإِذا الحَربُ أَعرَضَت زَعَمَ الهَو ::: لُ لِعَينَيهِ أَنَّهُ تَهويلُ
وَإِذا صَحَّ فَالزَمانُ صَحيحٌ ::: وَإِذا اِعتَلَّ فَالزَمانُ عَليلُ
وَإِذا غابَ وَجهُهُ عَن مَكانٍ ::: فَبِهِ مِن ثَناهُ وَجهٌ جَميلُ
لَيسَ إِلاكَ يا عَلِيُّ هُمامٌ ::: سَيفُهُ دونَ عِرضِهِ مَسلولُ
لَستُ أَرضى بِأَن تَكونَ جَوادًا ::: وَزَماني بِأَن أَراكَ بَخيلُ
نَغَّصَ البُعدُ عَنكَ قُربَ العَطايا ::: مَرتَعي مُخصِبٌ وَجِسمي هَزيلُ
إِن تَبَوَّأتُ غَيرَ دُنيايَ دارًا ::: وَأَتاني نَيلٌ فَأَنتَ المُنيلُ
ما أُبالي إِذا اتَّقَتكَ الرَزايا ::: مَن دَهَتهُ حُبولُها وَالخُبولُ

ذلك هو المتنبي، مالئُ الدنيا وشاغل الناس، ما كان الدهر بالنسبة له الا من رواة قصائده، اذا قال شعـرا أصبح الدهـر منشدا، ذلك الذي نظر الأعمي الي أدبه، وأسمع كلماته من به صممُ، ذلك الذي عرفه الخيل والليل والبيداء، والسيف والرمح والقرطاس والقلم، ذلك هو المتنبي، قال ما قال ونام قرير العين هانيها،
وسهر الخلق جراها واختصموا. أنت لن تعرف عبدالرحمن منيف ولا ابراهيم الكوني، لن تعرف حسين مروة ولا نصر حامد أبوزيد، لن تعرف فرانسيس دينق ولن تقـرأ طائر الشؤم، لن تعرف محمد ابوالقاسم حاج سعيد ولن تفهم جدلية التركيب، والمـأزق التاريخي في السودان، لن تعرف الشهيد جون قرنق، نجم سياسي آخر، رفع لواء المسـاواة في الوطن الواحد، حارب التمييز والإستعلاء العرقي السخيف، حارب الإستعلاء الديني الخاطئ، ولكنه مات، ليلاً فوق الجبال، من يدري كيف مات، لن تعرف أبيل ألير، حكيم عملاق، لو تركوا له ولأمثـاله الحكم في السودان لكنا الآن في وضع آخر، أنت لن تعرف شنوا اشيبي ولا وول سوينكا ولا سنغور ليوبولد، لن تعرف منابع النيل ولا مصبه، لن تعرف الهلال ولا المريخ، لن تعرف الزين ولا ضو البيت ولا الطاهر ودالرواس ولا سعيد عشا البايتات، لن تعرف حسنة بت محمود ولا ودالريس ولا بت مجذوب، واذا لم تقل لك بت مجذوب كل شئ فلن يقل لك احد شيئا، ربما اخذك القطار يوماً الي محطة فكتوريا، وعــالم جين موريس وايزابلا سيمور وآن همند، ربما زرت قاعة البرت، ومسرح البرنس اوف ويلز،ولكنك لن تذهب الي هناك برفقة مصطفي سعيد، لأنك لن تقرأ موسم الهجرة الي الشمال، رواية ولا كل الروايات، تحفة نادرة، ولوحة بديعة، معين لا ينضب، عمل عبقري، عمل كتبه ذلك الساحر، وحقن به عروق الثقافة والأدب، واجراه في شرايين الإبداع، إستودعه رفوف المكتبات فلم تقعد، فطبع ثم طبع، وترجم وترجم، إنه عمل خالد، والخوالد قليل. انت لن تعرف الحردلو، ابوسـن، ولكـنه قــــال: ــــ
الشم خوخت بردن ليالي الحرة
والبراق برق من منا جاب القرة
شوف عيني الصقير بي جناحو كفت الفرة
تلقاها أم خدود الليلة مرقت برة
******
البارح أنا وقصبة مدالق السيل
في ونسة وضحك لمن قسمنا الليل
وكتين النعام إتشقلببوا الخيل
لا بخلت ولا جادت على بلحيل.

وانت لن تعرف المديح، ولن تعرف البرعي، ولا حاج الماحي، ذلك المتبتل في محراب الحب النبوي، ذاب وجداً حين إهتدي، انت لن تعرفه ولكنه قال:ــــ

عــيب شــبابي الْ سـرَحْ ::: والله لأبْ شوقاً جرحْ
قام العبيدْ من نومه صحْ ::: لقي جنبه لبناً في قدحْ
سمي وشربْ زين إتنتَحْ ::: حمد الإله حالُه انصلحْ
جدْ في السؤال لربّه لحْ ::: قال يا كريم بابه إنفتحْ
اعطوه تـُفاحات بلحْ ::: حين ذاقها قال دماعُه تحْ
راد الجليل قلبُه إنشرحْ ::: طابْ عقلُه مسرور بالفرحْ
جابْ لي شفيع الناسْ مَدحْ::: شَتمُه الهبيس دقّ ونـَبحْ
السمعُه في جوفُه إنجرحْ ::: من شوف حبيبُه يسوي أحْ.


وأنت من قبل ومن بعد، لن تعرف الخليل، خليل فرح، قيثارة الوطن، ذلك الشرف الباذخ، والصباح الفـالق، والنجم الآلق، خليل، قامة الوطن السامقة، انت لن تذهب معه الي الضواحي، وطرف المدائن، لن تنظر معه شفق الصباح:ـــ

شوف صباح الوادي وجماله
شوف خدارو وصيده ورماله
شوف يمينو وعاين شماله
شوف نسيم الليل صاحي ماله
شوف فريع الشاو مين أماله
القمر خجلان من كـمـاله
والصباح لاح بهل الوشاح

جاء الي الخرطوم صبياً، لايعرف العربية، ولكنه جاء بعبقرية لا تضاهي، وتحدث بالعربية وكتب بها وكأنه من ارض البطانة او بادية الشكرية:ـــــ

وقت الليل برد طلع البدر بكواكبو
ولحقت الإبل وادي الأراك برواكبو
جادت وأسبلت عين المحب بسواكبو
وإحتل الفؤاد ملك الغرام بمواكبو

من أين له سليقة البادية، وقريحة الدوبيت والمسدار، وهو الأعجمي، نوبي هو، سقط رأسه في حلفا، عاش طفولته في بلدته جزيرة صاي، حيث اللغة (رطانة)، وان كانت احدي اقدم اللغات، وإن حملت إحدي اقدم الحضارات، إلا أنها رطانة، بعيدة عن اللسان للعربي، إذاً كيف أجاد الخليل تلك اللغة التي كتب بها تلك الدرر، إنه النبوغ:ــــ

نجومك يا ليل ولاّ جيش معبي وغاير
ومشتاق مثلي يا ليل ولاّ ساكت غاير
طويل مسيخ ومعتم لاك مريح لا غاير
أضاير في همومك ويمشي جرحك غاير

او ان شئت فأســمع هـذه :ـــــ
ياليل صباحك مالو
اصحابك جفوني ومالو
شوف صحبك فقد راس مالو
لا يعرف يمين لا شمالو
يا ليل بدري شاغلك مالو
نايم وصاحي مالك ومالو
لاتقول لي هواه امالو
ايه ضيعني غير إهمالو

هكذا يتلاعب بالكلمة الواحدة، ويستخرج معانيها المتعددة، اجاد الخليل فنون الشعر، وفي شعره واقعية ورمزية كأجود ما تكون، قال يرثي صديقاً له من حلفا دغيم اسمه سـري:ــــ
آه وا حسرتاه يا سـري
يا اخوي ورفيقي وسـري
أحداثك جسام يادنيا ما بتسـري
ونادر نلقي فيك اللي همومنا يسـري

وأنظر إليه كيف يفخر بقومه بأحسن مما فعل الحردلو او ودشوراني او ودضحوية:ــ
أنحنا المحس يحسن وليدنا حتوفو
متحمل جبال الواقعة ساندة كتوفو
ناره بتوقد الغيرة وتناجي ضيوفو
فرة سنو في داره تحاكي سيوفو

هذا غير درره المغناة، في الحقيبة والوطنيات، انت يا بني لا تعرف ذلك، ولكنني اهديك هذا اللحن الخالد::ــــــ

عـازة في هواك عازة نحن الجـبال
وللبخوض صفاك عازة نحن النبال
:::::::::::::
عازة ما سليت وطن الجمال
ولا ابتغيت بديل غير الكمال
وقلبي لسواك ما شفتو مال
خذيني باليمين وانا راقد شمال
::::::::::::
عازة ما نسيت جنات بلال
وملعب الشباب تحت الظلال
ونحن كالزهور فوق التلال
نتشابي للنجوم وانا ضافر الهلال
::::::::::::
عازة في الفؤاد دوا يشفي الوبال
عازة في الفؤاد سحرك حلال
ونار هواك شفي وتيهك دلال
ودمعي في هواك حلو كالزلال
تزيدي كل يوم عظمة وازداد جلال

http://www.sudanny.com/index.php?option=com_content&tas...=view&id=22&Itemid=6

واخيراً تعال نشرب هذه (الكاسات) علي نخب الجمال الطروب والطرب الجميل:ـــ
الحبايب لفتوا الخلايق
بيني بينهم قطعوا العلايق
إن دلال غن تيه كلو لايق
نحن ما مجينا الخصام
::::::::::::::::::
ياجميل يا نور الشقايق
املأ كاسك وأصبر دقايق
مجلسك مفهوم شوفو رايق
عقده ناقص زول ولاّ تام
::::::::::::::::::
من فتيح الخور للمغــالق
من علايل ابروف للمزالق
قدلة يا مولاي حافي حالق
بالطريق الشــاقه الترام
:::::::::::::::::
ما يئسنا الخير عوده سايق
الحي يعود إن أتي دونه عايق
الي يوم اللقا وإنت رايق
السلام يا وطني السلام

Post: #639
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 04:08 AM
Parent: #638


محمود محمد طه ـ"شهيد الفكر وجاليليو العالم الإسلامى"

مسعد حجازي




" الحرب على الإرهاب " التى شنها الرئيس الأمريكى جورج دبليو بوش فى أعقاب أحداث الحادى عشر من سبتمير عام 2001 هى حرب لن يكسبها بوش، ولن تكسبها الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ليس كلامى بل هو كلام الرئيس بوش الإبن نفسه، ففى أحد أيام شهر أكتوبر 2004 وأثناء حملات إنتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة، أدلى الرئيس بوش بحديث لــ " ماثيو لاو" مقدم برنامج " توداى شو " ـ شبكة إن . بى . سى. التليفزيونية الإخبارية قال فيه بالحرف : " إننى لا أعتقد أننا يمكن أن نكسب الحرب على الإرهاب "!!

لم تكد تمضى ساعات قليلة على هذا التصريح الخطير لبوش حتى سارع البيت الأبيض ومستشارو الرئيس الأمريكى ومدراء حملته الإنتخابية الى نفى ما قاله بوش، وأنه لم يكن يقصد ذلك، فقد خشى هؤلاء المستشارون أن يصبح تصريح بوش هو " المانشيت " الرئيسى لكبريات الصحف الأمريكية فى صباح اليوم التالى، خاصة وأن منافس بوش مرشح الحزب الديمقراطى المعارض جون كيرى كان قد نجح فى فرض قضية الحرب فى العراق والحرب على الإرهاب على حملات الدعاية الإنتخابية.

التصريح الذى أدلى به بوش لم يكن زلة لسان، بل كان ردا طبيعيا وبطريقة تلقائية على سؤال، إذ تصادف أن شاهدت هذا الحديث التليفزيونى الذى كان قد أذيع على الهواء مباشرة وكان بوش يتحدث مع " مات لاو " فى الباص الذى كان يستخدمه الرئيس الأمريكى ويجوب به جميع أرجاء الولايات الأمريكية فى حملته الإنتخابية.

فى الواقع أن التصريح الخطير الذى أدلى به بوش كان محصلة آراء وتوصيات العديد من الخبراء والمستشارين ومراكز الأبحاث الأمريكية المتخصصة ، ومؤداها أن التصدى لخطر ما يسمى بـ " الإسلام المتشدد " أو المتطرف Radical Islam يكون بتشجيع الإسلام المعتدل، وطرحت فى هذا السياق اسماء عديدة لمفكرين إسلاميين معتدلين من عدة بلدان عربية واسلامية، كان من بينهم اسم محمود محمد طه، وهذا الإسم يحظى باحترام وإعجاب كبيرين فى أوساط الجامعات ومراكز الأبحاث المتخصصة فى الولايات المتحدة وكندا وأوروبا طوال العقدين الأخيرين، وللأسف فإن الجيل الحالى من الشباب فى العالم العربى لا يعرف شيئا عن هذا المفكر السودانى الكبير، وأعتقد أن الوقت قد حان لتعريف القارىء العربى والمسلم بقصة هذا الرجل الذى كان بحق شهيدا للفكر، يستحق لقب " جاليليو العالم الإسلامى "، كما أعتقد أن القائمين على هذه الصحيفة الإلكترونية الغراء يشاركوننى الرأى فى أن المفهوم العصرى للحرية، وحرية الصحافة هو حرية المواطن فى الحصول على المعلومات، وهذا المفهوم الجديد أو المتطور أصبحت تكفله قوانين خاصة صدرت فى كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا خلال الربع قرن الأخير.

إن قصة المفكر الإسلامى محمود محمد طه وهى فى الواقع مأساة ، وعلى الرغم من أنها وقعت منذ أكثر من عقدين من الزمان إلا أنها تكتسب مغزى وأبعادا جديدة فى ظل الأوضاع المأساوية الراهنة التى يمر بها العالمين العربى والإسلامى.

فى الثامن عشر من يناير الجارى سوف تحل الذكرى الـ 21 لإعدام المفكر الإسلامى الأستاذ محمود محمد طه، رئيس الحزب الجمهوري السودانى ، وأحد كبار المهتمين بشئون الدين الإسلامي، ومن أقطابه المجتهدين في تطوره، وتمشيه مع روح العصر الحديث.. وله فيه الكثير من النظريات، والتفاسير والأراء التى طالما إحتدم الجدل والنقاش حولها سواء طوال حياته التى امتدت إلى نحو ستة وسبعين عاما وحتى بعد إعدامه فى صباح الثامن عشر من يناير عام 1985 .

جاء إعدام المفكر الإسلامى محمود محمد طه إثر محاكمة هزلية وباطلة من الناحيتين القانونية والشرعية بعد اتهامه بتهمة الردة كما جاء في حيثيات الحكم الهزيل، والتي وصف الاستاذ محمود قضاتها بانهم غير مؤهلين فنياً، وضعفوا اخلاقياً عن أن يمتنعوا عن ان يضعوا انفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية تستعملهم لاضاعة الحقوق واذلال الشعب وتشويه الاسلام واهانة الفكر والمفكرين واذلال المعارضين السياسين.

لقد عارض الأستاذ محمود قوانين سبتمبر 1983 الخاصة بتطبيق الشريعة الإسلامية فى السودان والتى أصدرها نظام مايو بقيادة الرئيس جعفر النميرى ، أو بمعنى أدق عارض الفهم الخاطئ والتطبيق الخاطئ للشريعة الإسلامية فى وقت كان السودان الشقيق يعانى من وطأة الفقر وانتشار المجاعة ، وسادت البلاد حالة من التذمر والإستياء نتيجة لتدهور الأوضاع وانتشار المظالم والممارسات القمعية لنظام الرئيس نميرى الذى ارتأى فى قوانين سبتمبر طوق النجاة له ولنظامه الإستبدادى الفاسد ـ أو بعبارة أخرى محاولة استغلال الدين لتحقيق أغراض ومآرب سياسية وللحفاظ على السلطة والسلطان والثروة والرشوة ـ نعم الرشوة ... ثمن تواطئ النميرى ومساعداته الثمينة للمخابرات المركزية الأمريكية السى آى إيه فى عملية تهريب يهود " الفلاشا " من اثيوبيا إلى إسرائيل عبر الأراضى السودانية .

فى عام 1983 كان قد مضى على الرئيس نميرى فى الحكم قرابة أربعة عشر عاما فلماذا لم يحاول خلالها أن يطبق قوانين الشريعة الإسلامية بحذافيرها ؟!!

لقد أعلن محمود محمد طه رأيه جهارا نهارا فى قوانين سبتمبر عقب صدورها ، وكرره أيضا فى محكمة الردة فى السابع من يناير عام 1985 حيث قال :

(أنا اعلنت رأيي مراراً في قوانين سبتمبر 1983 من أنها مخالفة للشريعة وللإسلام. أكثر من ذلك فإنها شوهت الشريعة وشوهت الاسلام، ونفرّت عنه.. يضاف الى ذلك أنها وضعت واستغلت لإرهاب الشعب وسوقه الى الاستكانة عن طريق اذلاله، ثم إنها هددت وحدة البلاد.. هذا من حيث التنظير، وأما من ناحية التطبيق فان القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنياً، وضعفوا أخلاقياً عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا انفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية تستعملهم لاضاعة الحقوق واذلال الشعب وتشويه الاسلام واهانة الفكر والمفكرين واذلال المعارضين السياسين ومن اجل ذلك فإني غير مستعد للتعاون مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل، ورضيت أن تكون اداة من ادوات اذلال الشعب وإهانة الفكر الحر والتنكيل بالمعارضين السياسين )... "انتهى"
كان ما قاله محمود محمد طه هو كلمة حق فى محكمة سلطان جائر وحاكم مستبد ، وترجمة وتطبيقا عمليا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " خير الجهاد كلمة حق أمام سلطان جائر " .
" ان الثامن عشر من يناير 1985 قد أعاد الى الأذهان احلك صفحات التاريخ الإسلامى والانساني سواداً . واخزى ايامها عاراً حينما كان القتل هو ترياق الافكار وجزاء المفكرين . في 18 يناير من عام 1985 روع العالم ، و إهتز الضمير الإنساني ، في جميع أقطار هذا الكوكب ، من جراء المؤامرة السوداء ، و الجريمة البشعة التي أرتكبت في الخرطوم حيث أغتيل الأستاذ محمود محمد طه ، على يد رئيس جمهورية السودان آنذاك جعفر نميري و بطانته المتدثرة بدثار الشريعة و التصوف .. ولقد كان لوقفة الأستاذ الفريدة وابتسامته في وجه الموت انتصارا للحق وهزيمة لخفافيش الظلام ودعاة الهوس الديني في ذلك اليوم المشهود فاستنكر العالم الجريمة النكراء وأدان مرتكبيها ومجد الشعراء والكتاب موقف الأستاذ وبطولته الأسطورية" . ( موقع الفكرة الجمهورية على الشبكة العنكبوتية )

ويقول الدكتور نور حمد ـ الأستاذ فى جامعة واشنطن الغربية:

(( " إعدام المفكرين التجديديين، في التاريخ الإسلامي، ليس أمرا جديدا. فلقد ظلت تهمة الزندقة، والخروج على إجماع المسلمين، هي التهمة المفضلة لدى القابضين على أزمة السلطة، والثروة، للقضاء على كل مفكر، وكل فكرة تعمل على تحريك الراكد، وعلى تنوير الناس بإنسانيتهم، وبحقوقهم المسلوبة. جرى ذلك، للحسين بن المنصور، المعروف بالحلاج، في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي). ولقد كان الحلاج، من المتصوفة الذين لم يكتفوا بالصلاة، وبالتسبيح، وبتشقيق المعاني، وحسب، وإنما اتجه للحديث عن تفشي المظالم، وعن غرق الحكام في الترف، وإهمالهم شؤون العامة. حاول الحلاج نصرة المظلومين، من غمار الناس، فأزعج ذلك أهل السلطة، والثروة، في تلك الحقبة، فدبروا له تلك المحاكمة التي قضت بصلبه. ومع ذلك، نجحت السلطات، في تاليب العامة، وفي حشدهم، واستخدامهم ضده، رغم أنه لم يصدع بآرائه، إلا لنصرة أولئك العامة، هادفا إلى استرداد حقوقهم، وكرامتهم الإنسانية المضيعة )).(إنتهى)

لقد شهد التاريخ البشرى على مر العصور تحالفا أو تفاهما ضمنيا بين سلطة الحكم أو الدولة والسلطة الدينية على إضطهاد الفكر الحر والتنكيل به ويكمن الخلاف فقط فى الأساليب المتبعة فتجد سلطة الدولة خاصة فيما يعرف باسم الدول البوليسية الفاشية تضطهد الفكر المتجدد بوسائلها المختلفة من سجن وتعذيب وسحل وهتك عرض وخطف وقتل دون محاكمة أو بإجراء محاكمات صورية هزلية لا تتوافر فيها أبسط الحقوق والضمانات للمتهم ...الخ ، كما أن السلطة الدينية أيضا مارست الإضطهاد للفكر وتمارسه بوسائلها المتنوعة من طرد من الهيكل أو الكنيسة أو من هيئة العلماء أو الحرمان من البركة والتخويف من النار أو الحرق حتى الموت أو بالتفتيش عما فى الصدور والقلوب أوالتكفير والذندقة أو بإطلاق تهم العمالة والخيانة والتجسس... الخ
هذا التحالف المشبوه بين السلطتين فى إضطهاد الفكر هو فى الواقع إرهاب فكرى وهو أخطر صنوف وأنواع الإرهاب وأخطر من الإرهاب الجسدى لأنه فى حقيقة الأمر إرهاب لضمير الإنسان ولوجوده الحقيقى ، كما أنه إرهاب يرتكب باسم الأديان والأديان منه براء ، وإن كان من يرتكبه ماهم إلا ذئاب بشرية جائعة ومتعطشة للسلطة والمكاسب الدنيوية.

من المعروف للخاصة والعامة أنه لا كهنوت ولا رهبانية فى الإسلام .، وبالرغم من ذلك قام بعض كبار رجال الدين وليس كلهم على مر عصور التاريخ الإسلامى وخاصة منذ العصر الأموى بتبرير الكثير من المظالم والتجاوزات والسياسات الخاطئة إما خوفا وهلعا أو نفاقا وتقربا للحكام وطمعا فى تحقيق مغانم ومكاسب دنيوية _ هى إذن سلطة غير أنها تابعة لسلطة الحكم أو الدولة على عكس حال سلطة الكنيسة الكاثوليكية فى أوروبا العصر الوسطى حيث كانت للكنيسة السلطة والسيادة المطلقة ، وللبابا سلطة وسطوة على الأمراء والملوك والأباطرة يمنحهم بموجبها البركة أو اللعنة.

يوم الإعدام:

فى الذكرى التاسعة عشر لإعدام المفكر المجتهد الإسلامى محمود محمد طه كتب الدكتور نور حمد مقالا قيما قال فيه:
(( جاء في مسرحية الحلاج، للشاعر الراحل، صلاح عبد الصبور :
صفونا صفا صفاً
الأجهر صوتا، والأطول،
وضعوه في الصف الأول
ذو الصوت الخافت والمتواني،
وضعوه في الصف الثاني،
أعطوا كلا منا دينارا من ذهبٍ قاني
براقاً لم تمسسه كفْ
قالوا صيحوا: زنديقٌ كافرْ
صحنا: زنديقٌ كافرْ
قالوا صيحوا: فليقتل، إنا نحمل دمه في رقبتنا
صحنا: فليقتل، إنا نحمل دمه في رقبتنا
نفس هذا المشهد، وأعني مشهد هتاف العامة، في وجه مفكر محكوم عليه بالإعدام، تكرر بعد قرابة الألف، ومائة عام، تقريبا، في سجن كوبر بالخرطوم، في يوم 18 يناير 1985! وقد وثقت بالقلم، لمشهد تنفيذ الحكم على الأستاذ محمود محمد طه، الصحفية الأمريكية، جوديث ميللر، وأشارت إلى صدمتها عند سماع من هتفوا (تحيا العدالة)، أو (أخذت العدالة مجراها)، في ذلك اليوم الأسود، من تاريخ السودان المعاصر. كانت ميللر، وقتها، مسؤولة عن مكتب صحيفة نيويورك تايمز بالقاهرة. وقد جاءت إلى الخرطوم بقصد تغطية الحدث. وبالفعل، فقد أرسلت ميللر، تقريرها الذي أعدته عن حادثة التفيذ، إلى صحيفتها في نيويورك، وتم نشره في صبيحة يوم 19 يناير، 1985.
وفي عام 1996 أخرجت جوديث ميللر كتابا، أسمته (لله تسعة وتسعون إسما) God has Ninety Nine Names ناقشت فيه الحركات الإسلامية، في العالم العربي، والإسلامي. وقد كرست الجزء الأول من الكتاب، لحادثة التنفيذ التي جرت في حق الأستاذ محمود محمد طه، في سجن كوبر، في العاشرة من صبيحة يوم الجمعة، 1985، والتي كانت أحد شهود العيان لها.
جاء في وصف ميللر، للحادثة، في كتابها (لله تسعة وتسعون إسماً)، ما نصه:
(كان صباحا مثاليا. بعد سويعات، تصبح الخرطوم خانقة. ولكن عند السادسة من صباح 18 يناير من عام 1985 كان الهواء صافيا. وكانت السماء قد لبست بالفعل زرقة حمام السباحة.
في غرفتي بفندق الهيلتون، كان الصوت الوحيد، هو صوت مكيف الهواء، ذي العشرين سنة، وهو يضخ هواء محتمل السخونة. شربت قهوتي، وقرأت جريدة الصباح، محاولة ألا أفكر فيما سيحدث. لقد رأيت وقمت بأشياء كثيرة، بوصفي رئيسة مكتب صحيفة نيويورك "تايمز" بالقاهرة. كما شهدت أحداثا مروعة عديدة منذ رحلتي الأولى إلى الإقليم في عام 1971، وأنا لم أزل طالبة حديثة السن. غير أني، لم أغطي حادثة تنفيذ حكم بالإعدام.
بعد ساعة خرجت في طريقي إلى سجن كوبر. ساحة سجن كوبر مستطيلة الشكل، وبحجم ميدان لكرة القدم. عندما وصلت برفقة جمال محي الدين، مدير مكتب مجلة "تايمز" بمصر، كانت ثلاثة أرباع تلك الساحة ممتلئة بالناس. كنت ألبس جلبابا أبيضا فضفاضا، وغطاء للرأس، لئلا يكتشف حراس السجن أنني شخص أجنبي. لوح لنا الشرطي بيده إيذانا لنا بدخول موقف السيارات. فعل ذلك، من غير أن يلقي حتى بنظرة ثانية نحوي في المقعد الخلفي. علما بأن المقعد الخلفي هو المكان الطبيعي، لوجود امرأة في سيارة، في الشرق الأوسط. خفضت رأسي بينما سرنا أنا وجمال ببطء، وسط الحشد، نحو قلب ساحة السجن، لنجد مكانا للجلوس على الأرض الرملية.
كانت المشنقة في الجانب البعيد من الساحة. مرتفعة نوعا ما، غير أنها أقل في الارتفاع من حوائط السجن المبنية من الحجر الرملي. كان المشهد في كوبر مرحا. لا شئ هناك يشبه الصور المتجهمة التي رأيتها للسجون الأمريكية حيث يحتشد أصدقاء وأقارب المحكوم عليهم بالإعدام، خارج الأسوار، وسط المتظاهرين المعترضين الذين يحملون الشموع في الليل.
يبدو أنني كنت المرأة الوحيدة في الساحة. وبدا أن كثيرا من الحاضرين، الذين يقدرون ببضع مئات، يعرفون بعضهم البعض. ظلوا يحيون بعضهم البعض، بتحية الإسلام التقليدية " السلام عليكم" ويجيء الرد مرات ومرات "وعليكم السلام". الرجال ذوو البشرات الداكنة، في عمائمهم التي يبلغ ارتفاعها القدم، وجلابيبهم البيضاء الفضفاضة، يتضاحكون ويتجاذبون أطراف الحديث، حول حالة الطقس، بشائر محصول تلك السنة، والحرب التي لا تنتهي في جنوب السودان. ورويدا رويدا، جلس كل واحد على الرمل، تحت وهج الشمس، التي بدأت حرارتها تزداد قسوة مع كل دقيقة تمر. كان الموعد المعلن لتنفيذ الحكم هو الساعة العاشرة.
قبل الزمن المحدد بقليل، قيد محمود محمد طه إلى الساحة. الرجل المحكوم عليه والذي كانت يداه مربوطتان خلف ظهره، بدأ لي أقل حجما مما كنت أتوقع. ومن المكان الذي كنت أجلس فيه، وبينما كان الحراس يسرعون به إلى الساحة، بدا لي أصغر من عمره البالغ ستة وسبعين عاما. سار مرفوع الرأس، وألقى نظرة سريعة على الحشد. عندما رآه الحاضرون، انتصب كثيرون منهم واقفين على أقدامهم، وطفقوا يومئون ويلوحون بقبضات أيديهم نحوه. ولوح قليلون منهم بالمصاحف في الهواء.
تمكنت فقط من التقاط لمحة خاطفة من وجه طه، قبل أن يضع الحارس الذي قام بالتنفيذ، كيسا ملونا على رأسه وجسده. ولن أنسي ما حييت، التعبير المرتسم على وجهه. كانت عيونه متحدية، وفمه صارما، ولم تبد عليه مطلقا، أية علامة من علامات الخوف. بدأ الحشد في الهتاف، بينما كان مجندان سودانيان يلبسان زيا رملي اللون، يضعان عقدة الحبل على المكان المفترض أن تكون فيه رقبة محمود طه. ورغم أن ضجيج الحشد قد ابتلع أصوات الجنديين، إلا أنه بدا وكأنهما كانا يصيحان ضده. فجأة تراجع الحراس للوراء، ثم سُحبت أرضية المنصة. فاشتد الحبل، واهتز الغطاء الموضوع على جسد طه في الهواء. اشتعل الهدير في الساحة "الله أكبر". وتكثف الهتاف عندما بدأ الحشد في تكرار الهتاف بشكل جماعي، "الإسلام هو الحل". الرجال الذين امتلأوا حماسة، عانقوا وقبَّلوا بعضهم البعض. أحد الرجال الذين كانوا بجانبي صرخ، "أخذت العدالة مجراها"، ثم جثا على ركبتيه، ووضع جبهته على الرمل وتمتم بصلاة إسلامية. الحالة الاحتفالية التي جرت من حولي، صعقتني، وأصابتني بالغثيان. جذبت جمال من كم قميصه، محاولة أن أشعره بأنه يتعين علينا مغادرة المكان، فقد كنت بالفعل، عاجزة عن النطق. في حالة التوتر العصبي التي اعترتني لابد أنني قد قمت لا شعوريا بسحب الغطاء الذي كان يغطي رأسي، فانحرف عن موضعه. استشعر جمال الخطر، وجذب الغطاء على ناصيتيْ شعري اللتين انكشفتا، ودفعني بحزم صوب المخرج. وبينما كنا نشق طريقنا صوب البوابة الحديدية الثقيلة، بدأت الرمال في الثوران والارتفاع في شكل سحابة برتقالية نتيجة لجرجرة الحشد لأقدامهم على الأرض الترابية. عند وصولي للمدخل، لويت عنقي لألقي نظرة أخيرة على المشنقة. كان الكيس، وجسد طه لا يزالان متدليان على الحبل. فتساءلت في نفسي، متى سينزلونه؟.
لدى كثير من السودانيين الذين هللوا لإعدامه في ذلك اليوم، فإن طه قد اقترف أسوأ جريمة يمكن أن ترتكب. لقد أدين بتهمة الردة عن الإسلام. وهي تهمة نفاها طه، الذي أصر حتى النهاية، أنه ليس مهرطقا، أو مرتدا عن الإسلام، وإنما مصلح ديني، ومؤمن وقف في وجه التطبيق الوحشي للشريعة الإسلامية، "قانون المسلمين المقدس" والطريقة التي فهمها ونفذها بها الرئيس جعفر نميري. من وحي الموقف، أحسست، أنا أيضا، أن طه لم يقتل بسبب يتعلق بنقص في قناعته الدينية، وإنما بسبب من نقصهم هم)) .. إنتهى نص ميللر. (ص. ص.11 –12).
التهليل لإعدام أي إنسان، بغض النظر عن جريرته، سلوك قوي الدلالة، على سيطرة الروح الهمجية والبربرية، على وعي من يتحمس له، ويقوم به. وقد مر الغرب بتجارب مماثلة لهذه التجارب، في مسار تطوره الوئيد، نحو الديمقراطية، وترسيخ حكم القانون، ودولة الحقوق، والمواطنة. فمشهد العامة الذين تحشدهم السلطات، وتعبئهم ضد المفكرين، والعلماء، فيتوافدون على ساحات التنفيذ، مستمتعين بإعدام الأبرياء، مهللين له، مشهد قد كان شائعا، في أوروبا القرون الوسطى. ولقد عرفت المناطق الوسطى من أوروبا، حتى بداية القرن السابع عشر، محاكم الساحرات، وإدانتهن بتهمة ممارسة السحر، بل وحرقهن في أتون المحارق، وهن حيات. كما ظلت أنجلترا، تمارس محاكمة المخالفين للعقيدة الدينية السائدة، حتى القرن السابع عشر. وقد تعرض وليام بن، الذي هاجر في عام 1682 ، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبح الأب المؤسس لولاية بنسلفانيا، إلى المحاكمات، والسجن، بسبب إنتمائه إلى طائفة الكويكرز. وطائفة الكويكرز، طائفة دينية، مسالمة، لا يؤمن أتباعها بالعنف، وبالحرب. وهي طائفة تدعو إلى الإخاء، والمساواة، وكفالة الحريات. غير أن الكويكرز تعرضوا لمحاكمات مستمرة من جانب السلطات الكنسية الإنجليزية، حتى إضطروا إلى الهجرة، إلى الولايات المتحدة الأمريكية، بسبب المضايقات. ولعل أكثر ما اثار حفيظة رجال الدين الإنجليز على الكويكرز، قولهم بضرورة خروج رجال الدين من بين الله، وبين الناس. ومعروف أن الكويكرز ليس لهم قساوسة مثل بقية الطوائف المسيحية.
لاحقت الكويكرز المحاكمات، في أمريكا التي هربوا إليها. فقد حوكموا في أمريكا، وعذبوا، وسجنوا. وتم منعهم من الدخول إلى الأراضي الأمريكية. وقد وصل الأمر بسلطات نيو إنجلند، حد محاكمة قبطان أي سفينة تأتي إلى السواحل الأمريكية، بواحد من طائفة الكويكرز. والطريف أن أمريكا التي منعتهم من دخول أراضيها، بادئ الأمر، بل وقامت بشنق بعضهم، أسست فيما بعد، أهم سمات دستورها، وقوانينها على فكر الكويكرز. ويعتبر ويليام بن، الذي ورد ذكره قبل قليل، أحد الآباء المؤسسين للحريات الدينية في التاريخ الأمريكي. وقد أعتبرت الوثيقة التي كتبها ويليام بن، وحملت عبارة: ((ليس هناك رجال يملكون التخويل، أو السلطة، حتى يتحكموا في ضمائر الناس، في الأمور الدينية))، أول تأكيد واضح، في التاريخ الأمريكي، على هيمنة (القانون الأساس)، على كل قانون آخر، يمكن أن تتم إجازته.
كان الشعار الملازم للأستاذ محمود محمد طه، طوال حركته الفكرية، هو شعار: ((الحرية لنا، ولسوانا)). وقد قال الأستاذ محمود أيضا، في هذا المنحى، :
(( ليس هناك رجل من الكمال بحيث يؤتمن على حريات الآخرين، فضمان الحرية، هو دوام سهر كل فرد عليها)).
وقد انصبت كثير من كتابات الأستاذ محمود على نقد ظاهرة رجال الدين، وأنها ظاهرة دخيلة على الفضاء الإسلامي. فهي، كما يرى الأستاذ محمود، ظاهرة ذات جذور يهودية مسيحية. وقد انتقلت إلى الفضاء الإسلامي، حين تحولت الدولة الإسلامية إلى مملكة، وأصبحت لرجال الدين وظائف في بلاط الملوك، الغرض منها الحفاظ على الأوضاع السائدة، وإعطاء تلك الأوضاع سندا دينيا. وما من شك، أن تهديد افكار الأستاذ محمود لهذا الكهنوت الدخيل الذي ظل مستمرا منذ العصر الأموي، هو الذي قاد رجال الدين عندنا، إلى السعي الدؤوب لإعدامه.
أردت أن أشير، بكل ما تقدم، في قصة الكويكرز، ومحاكماتهم، إلى أن التاريخ الإنساني، متشابه. ونحن لا نزال نعيش، بهذا المعنى، في المرحلة الأدني في مسار حركة نمو الوعي. خاصة، فيما يتعلق بكيفية إدارة الصراع في قضايا الخلاف الديني، وقضايا الحرية، والدستور، والحقوق. نحن لا نزال في المنطقة التي خرجت منها أوروبا، وخرجت منها أمريكا، قبل ثلاثة قرون تقريبا. ولابد أن ترسى بنا السفينة، في مجال كيفية التعامل مع قضايا الخلاف الديني، وكيفية إدارة الخلاف الفكري، في نفس المرسى الذي رسوا فيه هم قبلنا، بنحو قرنين، أو ثلاثة. ولا يعني هذا أنه لا فكاك لنا من أن يكون الغرب، مرجعيتنا في كل شيء. وإنما يعني فقط، أن قضية الحقوق الأساسية، قضية عالمية، ولابد من أخذ المرجعية الغربية فيها، بعين الإعتبار. والمرجعية الغربية نفسها لم تأت من العدم. وإنما تعود إلى مرجعيات سبقتها، في الفكر الإسلامي، وفي الفكر الإغريقي.
مشكلتنا أننا نسينا سمة التركيب في تراثنا. وأصبحنا ننظر إلى ثقافة الغير، بعين الريبة. حتى بلغنا درجة العجز عن رؤية عناصر، ومكونات ثقافتنا التي حدث أن تبناها الآخرون، وطوروها.
هناك إتجاه، وسط بعض الناشطين الإسلامويين لكي يجعلوا من قضية الحقوق، قضية نسبية، تأخذ مرجعيتها، من المحيط الثقافي الخاص بالجماعة البشرية المعينة. وكأنهم يريدون بذلك أن يقولوا: ليس هناك مقياس عالمي موحد لحقوق الإنسان. ولذلك، لا يحق لبقية العالم أن يحشر أنفه في شؤوننا، فيما يتعلق بقضايا الحقوق. وكل هذه الإلتواءات التي يمارسها الناشطون الإسلامويون، القصد، الأول، والأخير منها، هو تكريس حالة مصادرة الحقوق القائمة في الفضاء العربسلامي. وهذه النسبية، التي تبدو مثل،(نسبية بلا ضفاف)، يمكن أن تجعل ـ على سبيل المثال ـ من استخدام القانون لمنع النساء، من قيادة السيارات، في بلد مثل السعودية، عملا مبررا، دستوريا، وقانونيا. كما يمكن، أيضا، أن تجعل من قتل الناس، بسبب أرائهم عملاً مبرراً أيضا!.
نعم، هناك اختلافات فيما يتعلق ببعض الحقوق، بين ثقافة وأخرى. فقضايا مثل الإجهاض، والمثلية الجنسية، والزواج من نفس الجنس، (الجندر) على سبيل المثال، ستظل قضايا خلافية. وهي محل خلاف شديد، حتى في داخل الفضاء الغربي نفسه. غير أن الحقوق الأساسية، التي لا يكون الدستور دستوراً، إلا إذا تضمنها، تبقى أمرا عالميا، لا خلاف عليه. وحقيقة الأمر، فإن الإعتراضات على (عالمية) حقوق الإنسان، لا تاتي عادة، إلا من جانب البلدان العربية، والإسلامية، التي هي صاحبة أسوأ سجل في حقوق الإنسان!
من الحقوق الأساسية التي لا خلاف عليها، (عالميا) حرية الإعتقاد، وحق التعبير عن الرأي، والدعوة للمعتقد، وحق التنظيم، وحق اختيار الحاكم، وحق عزله. قال أبو العلاء المعري، قبل قرون، وقرون:
مُلَّ المقام، فكم أعاشر أمةًً، أمرت بغير صلاحها، أمراؤها
ظلموا الرعيةَ، واستباحوا كيدَها، وعدوا مصالحَها، وهم أجراؤها
فضرورة أن يكون للناس الحق، في انتخاب من يلي أمورهم، وحقهم في عزله، متى ما حاد عن خدمة مصالحهم، ليست مسألة غربية بحتة. كما أن حرية الضمير، والمعتقد، أمور كفلها القرآن أصلا، ولم يتركها لأهواء القابضين، على أزمَّة السلطة، والثروة. فقد جاء في القرآن الكريم: ((فذكر إنما انت مذكر، لست عليهم بمسيطر)). وجاء أيضا: ((لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد، من الغي)). وقبل هذا وذاك فالبداهة تقول، ليس من حق كائن من كان، أن يدعي أن الله قد منحه، تخويلاً بأن يقرر في صحة وبطلان عقائد الناس، إلى الحد الذي يمكنه به إهدار دمهم، وتجويز قتلهم. نعم، لم يجر تطبيق عملي للآيات التي سبق ذكرها، في الحيز العملي، عبر التاريخ الإسلامي. فالتاريخ الإسلامي، على سبيل المثال، قد أقر الرق، الذي وجده ممارسا، كما أمر بقتل المرتد، بل وقتل تارك الصلاة. غير أن التاريخ الإسلامي، مشابه لتاريخ بقية الأديان الأخرى، على ظهر الكوكب. فالغرب المسيحي، لم يعرف كفالة الحقوق، إلا قبل قرنين، أو ثلاثة، فقط، كما تقدم. غير أن الغرب، تجاوز تلك المرحلة. وبقينا نحن فيها. وأسوأ من ذلك، أننا بدل أن نفهم الإطار التاريخي للحقوق، ونفهم من ثم ضرورة التطوير، أصبحنا ندافع عن قيم القرون الوسطى، وما قبلها.
من أميز ما جاء به الأستاذ محمود محمد طه، هو التفريق بين أصول القرآن، التي تكفل الحقوق الأساسية، ولكن لم يتم تطبيقها في الماضي، وبين فروع القرآن التي لم تكفل كل الحقوق، وتم تطبيقها في الماضي كمرحلة إعداد نحو الأصول. ودعوة الأستاذ محمود، التي سوف لن يجد المسلمون منصرفا عنها، فيما أرى، إنما تؤكد على ضرورة نسخ الفروع، التي كانت محكمة منذ القرن السابع، وإحكام الأصول التي كانت منسوخة منذ القرن السابع.
وقد يحاجج هنا بعض المغالين من دعاة العلمانية، بأن فكر الأستاذ محمود، فكر جيد، في حالة أنه لا خيار لنا، إلا في إقامة دولة دينية. غير أن الدولة الدينية، مرفوضة، من الأساس، لدى العلمانيين. ومشكلة هذا الإعتراض، تكمن في كونه اعتراض صفوي محض. فهو اعتراض يفترض أن الجماهير، مؤمنة بإشكاليات الدولة الدينية، تماما كما تؤمن بها الصفوة، ذات التوجه الغربي. وظن الصفوة والنخب السياسية التي تستلهم النموذج الغربي، ظن لا سند له في الواقع العملي. وقد أثبتت التجربة العملية، التفاؤل، غير المؤسس، لدعاة هذا النهج. فالدين ظل وسوف يبقى عاملا شديد التاثير في مجريات الأمور، وفي تشكيل رؤى الناس. ولا بد من تاسيس اتجاهات التحديث من داخله، لا من خارجه. وهذا ما وقف له الأستاذ محمود عمره، ولم تستجب له عبر أربعين عاما سوى قلة قليلة من المتعلمين. ولعل الوقت قد أزف، ليدرك المثقفون، نفاذ رؤية هذا المفكر العظيم.
الإتجاه للتحديث، من غير التاسيس له من مصادر ثقافتنا، يفقد حركة التحديث كثيرا من حجيتها، وشرعيتها، خاصة في نظر السواد الأعظم من الجماهير. ومن ثم يصبح التحرك في وجهة التحديث، مثار شك لدى الجماهير العريضة. وفي الناحية الأخرى، فإنه ولو بقي الناس على قديمهم، فيما يتعلق بالمفاهيم الدينية، وظلوا يلوكون ذلك القديم البالي، ويعيدون تدويره، فإن فرص الرقي، والتمدن، والإنسجام مع المحيط الكوكبي المشرئب، كل صبح جديد، إلى التقارب، والتشابك، سوف تصبح ضعيفة جدأ. هذا إن لم نقل باحتمال أن نرتد إلى أوضاع أسوأ من أوضاعنا الراهنة، من حيث الإنغلاق، والعزلة. ومن يقرأ ما جرى لنا في العقود الثلاث الأخيرة، لابد أن يلحظ مستوى تراجع الفهوم، وتراجع الممارسة عن مكتسبات التحديث، في كثير من بقاع منطقة الشرق الأوسط. وحادثة إعدام الأستاذ محمود، نفسها، لأبلغ دليل على هذا التراجع المخيف. ))

انتهى كلام دكتور حمد وقد آثرت أن أعرض الجزء الأكبر من مقاله بنصه ودون تعليق منى لأننى أكاد أتفق معه فى معظم ما قاله .

لقد نجحت المجتمعات الأوروبية والغربية فى التخلص من محاكم التفتيش وبقيت المشكلة فى مجتمعاتنا العربية الإسلامية ،

والسؤال هو كيف نتخلص نحن من أصحاب محاكم التفتيش عندنا ؟!! من أولئك الذين ينصبون أنفسهم أوصياء وقضاة يفتشون عما فى القلوب والصدور مع أن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قد وضع نهاية للوصاية على العقل البشرى والضمير الإنسانى حينما قال" أنتم أعلم بشئون دنياكم " ، وأيضا عندما قال لأحد الصحابه : " هلا شققت عن قلبه؟ " وكأن هذه العبارة الوجيزة البسيطة الواضحة لم تكن كافية فيجادل الرجل رسول الله قائلا:
ـ يارسول الله ، إنه يخفى فى نفسه غير ما يعلن. ويجيبه رسول الله وخاتم النبيين:
" إن الله لم يأمرنى أن أشق صدور الناس لأرى ما فيها".

وكلمات الرسول صلى الله عليه وسلم هذه رغم يسرها وبساطتها إلا أنها تنطوى على مضمون ومعان تشكل فى جوهرها دستورا هائلا يحمى الضمير الإنسانى ويصون حريته فى الفكر وإعمال العقل ، وهذا التقدير لحرمة الفكر ورعايته من جانب رسولنا الكريم هو بحق نقطة إنطلاق الضمير فى شريعة محمد بن عبد الله ودينه الحنيف ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

ويقول الله تعالى فى كتابه العزيز:

إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ( الزمر ـ آية 7 )

ثم اقرأ قوله تعالى لنبيه الكريم: ((اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ)) ( الأنعام ـ آية 106 ، 107 )

لقد أصدرت المحكمة الهزلية حكمها بالإعدام على المهندس الأستاذ محمود محمد طه ... على مناضل كافح الإحتلال الإنجليزى للسودان وزج به فى سجون الإحتلال قرابة ثلاثة سنوات ، على رجل مسالم لقبه معارفه وإخوانه بغاندى السودان، على شيخ كبير طاعن فى السن لم يملك من حطام الدنيا شيئا ـ ولا حتى عصا يتكأ عليها فى شيخوخته ـ إلا إيمانا عميقا وعقلا راجحا وبصيرة نافذة . ، ورفض المتصوف الزاهد الأستاذ محمود محمد طه أن يتراجع عن أراءه ويقدم إلتماسا بالعفو عنه إلى الرئيس نميرى الذى أخذته العزة بالإثم فتكبر واستكبر ورفض جميع النداءات والتوسلات من جميع دول العالم بأن يرفض التصديق على حكم الإعدام الذى نفذ فى صباح الثامن عشر من يناير عام 1985 . قتل الأستاذ محمود حتى يكون عبرة لغيره من المعارضين كما جاء فى حيثيات الحكم الهزلى لمحكمة المهداوى الهزلية . الشيخ المتصوف المسلم المسالم قتلته السياسة .

وأحدث خبر إعدام الأستاذ محمود محمد طه البالغ من العمر ستة وسبعين عاما صدمة وردود فعل مدوية فى جميع أرجاء العالم ، ولأن ربك بالمرصاد لكل طاغية جبار فهو يمهل ولا يهمل تشاء الحكمة والإرادة الإلهية أن يهب الشعب السودانى بعد مرور ستة وسبعين يوما بالتمام على إغتيال الشهيد محمود فى انتفاضة عارمة أطاحت بالرئيس السودانى جعفر النميرى ونظامه الذى استمر فى حكم السودان نحو ستة عشر عاما ويفر النميرى خارج البلاد ... إلى أين؟ إلى مصر ليعيش فيها كلاجئ سياسى ينعم بالأمن والأمان!!! ... مصر التى رفض النميرى طلب رئيسها حسنى مبارك ونداءات ومناشدات أحزابها السياسية بالإبقاء على حياة الشهيد الأستاذ محمود محمد طه .

وفى عام 1986 ترفع إبنة الأستاذ محمود محمد طه دعوة قضائية لإبطال وإلغاء حكم الردة الصادر ضد أبيها ، وتصدر المحكمة العليا فى السودان حكمها ببطلان محكمة المهداوى من أساسها ، ولكن جاء الحكم متأخرا وبعد فوات الأوان!!

ويرحم الله الشاعر الكبير صلاح عبدالصبور حين قال في "مأساة الحلاج":

ليس الفقر هو الجوع إلي اللقمة
والعُري إلي الكسوة
الفقر هو القهر.
نعم الفقر هو القهر . . وظلم الإنسان لأخيه الإنسان

فلينكسر السيف الأموى الباطش المسلط على رقاب العرب والمسلمين . نحن ياسادة فى القرن الحادى والعشرين. *

_________________

Post: #640
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 04:18 AM
Parent: #639



http://rufaaforall.com/board/showthread.php?t=4710&page=2


سكران سكر هوى وسكر مدامة *** فمتى إفاقة من به سكران ؟!

حاولت أن امتنع من الكتابة خصوصا هذه الأيام ... أيام نزيف مطر الحزن ! غير أن عواصف عنيفة تنطلق بسرعة التضاعف الأسى , ثم تدور دورتها الكاملة ذات الشكل الحلزوني حول القلب محدثة الصفير الشبيه بنعيق البوم ,البوم المتنازع عليه بين طائر الشؤم وشعار الحكمة .. كيف لا والذكري الـ 21 لشهيد الفكر تمر هذه الأيام والوجود يحن حنينا لتلك الإلمامة التي أنتصب فيها (محمود ) واحدا فردا صحيحا مستقيما غير قابل للانقسام مفارقا الثنائية خارجا من الزمن خروج العصفور من بيضته بغير رجعة .. وإن كان من صورة لهذا المشهد فتلك الابتسامة التي مزقت عرش الطاغوت وأزالت غشاء الانقسام بين لسان الحال والمقال , وأخبرت الناس عن " طلعة الحر " كما قال قائلهم :
(( تمنيت علي الزمان محالا *** أن تري مقلتاي طلعة حر ))
أخي عاطف الحاج والغريب في الأمر ونحن نتأمل في قصيدة " الحزن النبيل " ـ في الوقت الذي كادت أيامنا أن تكون خالصة لهذا الحزن النبيل ــ يطلب مني صديقي الأديب جبير بولاد قصيدة له بعنوان " ثورة الطين " قد افتقدها في إحدى الخرائب التي مر بها عبر مسيرة ( التيه ) والتشريد التي تعيشها المفردة السودانية ... واستعنت بـ " لا إله إلا الله " وهو معي منذ زمن طويل لإيجاد ثورة الطين بعد أن نفخت في مواعيني فبدأت الأحزان وبدأ جبير بولاد في الغليان ..

حاول أن تنسي
كل الخرائب التي مررت بها
ووضعت فيك شيئا من سرها
.....
....
...
..
فقدم قرباناً بقامة الشمس
على منصة الوطن الباقي بداخلك
دهوراً من النحاس
وحرر صوتك المبحوح والمشنوق
برماد الرصاص
لتخرج المفردات من هودجها
ولتعلن سفورها الرموز
وتضج المحاريب والمقاهي البهية
وتعود روحك من دهاليزها اللولبية
.
وكما قلت سابقاً الشعر يهبط مثل الوحي ولعله مبني على حضور الشاعر وحالته الوجدانية ... لذلك تجدني أقول في ثورة الطين مثل قولي في الحزن النبيل . فحروفهما في تصوري دائما ما تعبر عن الحالة العدمية أو العبثية أو ان شئت قلت الحالة التي يكاد يتوقف عندها الزمن ...! بمعنى رؤية الطريق واضحا بغير ضبابية من بدايته إلى نهايته , وهنا تكمن المشكلة حيث تنعدم الاحتمالات التي يمكن لها أن تفضي لغير العبثية ولغير تلك العدمية !
وهذا هو الذي يجعل ...
( عقلك واقف كحذاء قديم
يئن من عطش التساؤلات ؟! )
وكما أورد الأخ أمير الملاحظة الذكية للشاعر أزهري من حيث أن القصيدة ابتدأت من نهايتها حيث لا فرق فالنهاية هي البداية , فالأمر يتكرر نفسه في ثورة الطين من البداية إلى النهاية هكذا :
( حاول أن تنسي ..........
لتخرج المفردات من هودجها
ولتعلن سفورها الرموز
وتضج المحاريب والمقاهي البهية
وتعود روحك من دهاليزها اللولبية )
وتجدني في حاجة لكي أكرر قولي عن مصداقية كل من صلاح حاج سعيد في " الحزن النبيل" , وجبير بولاد في " ثورة الطين " فالشاعرين في الحالتين ساقتهما تلك المصداقية إلى ( الحزن المقيم ) على مداخل وادي الصمت الأكبر المطل على بوابة العدمية المزركشة بالعبثية القحة للوجود .
وهنا تتداخل عندي المعاني ...
( وتسقط كورقة جافة
تتسلل عبر مسام الغرفة
تخترق صمت الدواخل
تتهادى في الهواء
تتمدد منتحرة
ووجه الأرض مأخوذ باللا معني )
ثم تمتزج مع ..
( أهوه نحن في الآخر سوى ..
باعنا الهوى...
ماشين على سكة عدم !! )
لن أسمح لنفسي بالمزيد فحديثنا مع صديقنا الأديب جبير بولاد صاحب " ثورة الطين " لم يجف بعد !
وإن كان من ختام فلا بد من التطهر من السكر الذي كان ؟!
على الرغم من أن السكر هنا درجة رفيعة غير أن أعظم من تلك الدرجة هو قول شيخ الطريق أبو القاسم الجنيد :
تطهر بماء الغيب إن كنت ذا سر وإلا تيمم بالصعيد , وبالصخر

مع جزيل شكري لصاحب البوست والأخت غزلان وبقية أهل الإبداع ,,,

المحترق

Post: #641
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 04:29 AM
Parent: #1


أكد أنه لم يفت باهدار دم محمود طه وأنه ضد الاغتيالات وقتل المرتدين
حسن الترابي: لم نجن سوى المرارة من انتصار مجاهدي افغانستان

جولة وتصوير: بدر الغانمي (10)
نفى الدكتور حسن الترابي رئيس حزب المؤتمر الشعبي علاقته بمحاولة اغتيال الرئيس المصري حسني مبارك عام 95م او ان يكون قد اهدر دم محمود طه الذي أعدمه الرئيس جعفر نميري بسجن كوبر عام 1985م.واوضح في الجزء الثاني من الحوار أن شباب الدفاع الشعبي علموا الجنوبيين ان الجهاد ليس قتل الاخر منكرا ان يكون قد افتى بعدم شهادة قتلى الدفاع الشعبي متسائلا كيف افتي بذلك وأخي معهم شهيد؟وابدى تخوفه من الانتخابات المقبلة وقال ان الاجتهاد مفتوح لجميع ابناء الامة رادا على الذين قالوا ان عودته للسياسة اشبه بدخول الجمل سم الخياط بأنه «زول موحد».سألت الدكتور حسن الترابي عن فتاواه التي لامست الخطوط الحمراء فقال «أنا لا أصدر فتوى وانما اعبر عن رأيي فقط، واشار الى انه لم يخالف النصوص القرآنية، وان نص القرآن الذي حرم زواج المسلم من المرأة المشركة، كما حرم القرآن زواج المرأة المسلمة من مشرك اما الاية التي تتحدث عن زواج المسلم من كتابية فقد اباح القرآن للمسلم الزواج من كتابية وقال «ان الاية القرآنية لم تذكر شيئا عن زواج المسلمة من اهل الكتاب. وما عدا ذلك فهو تأويل»

حول شهادة المرأة قال الترابي ان الآية التي وردت في هذا الشأن تتحدث عن تحميل وتحرير وتوثيق الشهادة عندما يكتب العقد «رجل وامرأتان» مشيرا الى ان وزن الشهادة عند القاضي لاتعتمد على ان الشاهد رجل ام امرأة لانه اذا كان الشاهد رجلا اشتهر بالكذب اسقط القاضي شهادته واذا كانت المرأة عالمة وخبيرة بموضع الشهادة واعطى القاضي وزنا اكبر لشهاداتها من شهادة الرجل الكاذب وقال الترابي ان القاضي يزن الشهادة حسب عين الشاهد بغض النظر عن جنسه امرأة كانت او رجلا وفيما يلي استكمال نص الحوار:
اخي شهيد
يؤخذ عليك يادكتور منذ المفاصلة الشهيرة عام 99م اتجاهك نحو التضاد مع الحكومة لدرجة توقفك امام اخفاء وصف الشهداء على قتلى الجيش والدفاع الشعبي؟
- هذا ليس صحيحا وما قلته ان بعض الحكام منذ قدم الاسلام يبعثون الناس بشعار الجهاد وهم لايقصدون الجهاد بل يصرفونهم لانهم يحاذرون منهم على سلطانهم فمثل هؤلاء المجاهدين يشعل حماسهم في قواتنا المسلحة بأنهم يحبون الموت وانهم شهداء ولهم الحور العين ولكن المرء يموت بنيته ولايموت بنية من ارسله وهؤلاء الشباب الذين قتلوا واستشهدوا في الجنوب متعلمون وكانوا لايقاتلون قتالا شرسا فقط بل كانوا يعلمون الجنوبيين وكان الجنوبيون يقولون لنا ان هؤلاء الشباب اذا انتصروا علينا لا يزنون بنسائنا ولا يأخذون سلعنا ويرعون اطفالنا واعراضنا واذا وجدوا عندنا قليلا من متاع لايأخذونه اصلا بل على العكس فقد كانوا يقتسمون معنا طعامهم بعد ذلك ونحن اسرى عندهم ومهزومون فهؤلاء علموا الناس ان الجهاد ليس قتل الاخر كما فعلت الجيوش في العراق وفي اوروبا حيث كانت تحرق النساء وتباد المدن الكاملة.. فالمجاهدون كانوا من افضل الشباب وكيف اقول هذا واخي شهيد معهم ولكنني كنت اقول ان ايات الشورى توجد في قلب ايات الجهاد ونحن نجاهد لنقيم الشورى لا الطغيان ونجاهد لمنع الربا والغرب لايريد لنا ذلك وفي ظل الاندفاع بهذه القوة ما هو المنهج الذي نقاتل لنقيمه مكان المنهج الفاسد.. لماذا نريد ان نقاتل.. ماذا سنبني.. ما هو البديل؟ هذا ليس للمجاهدين في السودان فقط بل لكل مجاهد في العراق وافغانستان ولدينا الان مجاهدون في كل اصقاع الارض وانا لا اتهم نياتهم وصدقها، ولكن تبين لنا في افغانستان بعدما انتصروا أن النتائج المريرة.
الفقه غائب
لقد قالوا انهم ركزوا على اقامة الخلافة الاسلامية ففشلوا؟
- لا.. لانهم لايملكون الفقه في كيفية ان نسوس حكمنا.. وكيف ندير حياتنا العامة فهم لايعلمون ما هي البطالة والعملة والتضخم والتجارة العالمية والعلاقات مع العالم.. القضية ليست ان هذا كافر فأقتله او يقتلني فأستشهد.. الان هناك كرة قدم العالم مفتون فيها.. هناك موسيقى وسياحة وأمم متحدة ومنظمات عالمية ودول تتقارب وسوق مشتركة.. مشكلة شيوخنا وكتبنا كلها السبت المقبل:
المرشح الشيوعي يتمنى زيارة مكة والحزب يتخفى وراء الاسماء الحركية انها لاتعلمنا الا الحفظ وسماع الكلام.. عندما كنت اذهب للحج اسأل الكثير من الحجاج.. ماذا تعني كلمة صفا ومروة فيقولون: لاندري، كيف نفعل اشياء لانعرفها ونريد ان نرجع كيوم ولدتنا أمهاتنا؟
يا أخي الكريم ثقافتنا الدينية متخلفة ولذلك انتجت أمة متخلفة ولما نهض العرب بدينهم اثمر ذلك ثقافة دينية شهدتها اوروبا واستفادت منها ولكن اين نحن منها الان.
الاجتهاد للجميع
هل هذا هو دور العلماء الغائب أم دور المؤسسات التعليمية؟
- لا هو دورنا جميعا يجب ان نجتهد بعقولنا ونتبين وانت قد تعطي قليلا والاخر ضعفا ولكن النتاج النهائي يكون مثل اسهم الشركة الكل يتقوى بالاخر وعلينا ان نعترف بعللنا وعقدنا ونواجهها كأمة لا ان نتركها لبضعة افراد ونحن بحاجة لنموذج اسلامي متعاف ووقتها سنقبل عليه راغبين وسيأتيه الغرب كارهيا وخائفا ولكن لما فشلنا في تطبيق الحكم والاقتصاد والعلاقة مع الاخرين فشل النموذج ولا اقول انني لست مسؤولا عن ذلك فكل واحد مسؤول ولكن بعض الناس يحملون أثقالهم واثقال الذين يضلونهم.
السؤال الاهم.. هل استفدنا من التجارب الفاشلة لبناء نموذج ناجح؟
- بدون شك وكل تجربة ستأتي ستتلافى اخطاء الذين سبقوهم ونحن ان اخطأنا فسيبدل الله سيئاتنا حسنات لاننا بذلك سنصبح هادين لمن يأتي بعدنا فلا يرتكب اخطاءنا ويتقيها
الانتخابات الرئاسية قادمة.. فهل ستدخلون فيها؟
- اهل السودان يرتابون من هذه الانتخابات فالجنوب الان مضطرب جدا ومازال عدد كبير من النازحين عن قراهم ومدنهم لم يعودوا اليها والانتخابات تشترط ان تنتخب في موقعك الذي تسكنه وليس هناك ادارة مدنية لهذه الانتخابات من قضاة وشرطة لادارة هذه الانتخابات اضف الى ذلك ان دارفور لم تستقر بعد وفيها مشاكل أمنية كثيرة والناس مازالت في معسكرات وهذه مشاكل علمية.
والامر الآخر الناس يقولون ان هذه ليست سلطة عادلة ونحن نعلم ان انتخابات العالم العربي تديرها السلطات واجهزة الامن ويمكن ان تعتقل من يخالف وقد يمنعونك من حضور ندوة لاحد الاحزاب وقد يضلونك عن طريق لمدة ساعتين كما فعلوا بنا في كردفان فالمساواة في الفرص غير موجودة والعدالة في الادارة غير مطمئنة ولا اقول لك من الان اننا لن نشترك فالنية موجودة ولكن الحكومة عندها اغلبية تلقائية حتى في طرح قانون الانتخابات بنسبة 52% واظنك فهمت قصدي.
تدوير الانتخابات
ولماذا طرحت فكرة تقليص الاحزاب؟
- لان السودان كله يصوت للاحزاب في كثير من دوائره فأنا عرضت فكرة ان تكون بعض الدوائر للمرشحين وبعضها للاحزاب واردنا ان نخلط بين الاثنين لنعيد السودان لما كان عليه من تجمع.
هناك من قال أن حلمك في العودة الى السياسة مرة اخرى اشبه بدخول الجمل من سم الخياط؟
- يا اخي اولا انا «زول» موحد لله وتوحيدي ليس الاب والابن والروح القدسي وانما التوحيد ان الحياة كلها منهج واحد وسور القرآن كلها موصولة والمؤمن يصلي ويصوم ويذهب ليقاتل ويشارك في الانتخابات، وانا لن اميز ما فعله المسلمون عندما ادخلوا علينا الاتراك فهذا لله وهذا ليس لله وهذا معهد ديني وهذا مدرسة وانا لا اتكلم عن رغبة في مناصب بالدولة.. والناس احيانا يقولون عني بأنني رجعت للافتاء عندما اطرح اراء اجتهادية بشأن المرأة ومنذ ان كتبت في شؤون الصلاة والحج والسياسة وغيرها فانني اتكلم بلغة دينية
النميري قتل طه
دكتور حسن الترابي الذي اهدر دم محمود طه واتهم بأنه كان وراء محاولة اغتيال الرئيس مبارك يواجه الان موجة من التكفير والتسفيه لارائه من قبل الثائرين عليه وقد يحاكم.. كيف ترى نفسك في هذا الواقع؟
- الكلمة الاولى التي بلغتك كاذبة ولا اساس لها من الصحة.. فأنا اعرف الرجل منذ نشأته واسرته ولم ارد عليه طيلة حياته ولم افت بقتله بل ان الذي قتله هو الرئيس جعفر نميري عندما خرج من السجن وادعى انه المسيح عيسي عليه السلام وعندما انكر عليه المنكرون قال ان الاسلام هو الرسالة الثانية وفي اخر ايامه انكر وحدة الوجود فأقيمت له محكمة استثنائية وانا ضد المحاكم الاستثنائية وضد مبدأ قتل المرتد منذ اكثر من اربعين عاما فالقرآن يكلمنا في عشرات الايات «الذين امنوا ثم كفروا ثم امنوا ثم كفروا» وهذا حديث خطير أشرحه للناس دائما فكل يعمل على شاكلته فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر واذا ضغطت بالخوف لانه ارتد فأنك تحدث نفاقا والنفاق في الدرك الاسفل من النار وهذا لايجوز دينا.
ولكنك وصفت المشروع الاسلامي في السودان بأنه مرتد؟
- اتكلم هنا عن لغة عربية ارتد يا أخي اي ذهبت الى الباب فارتددت حتى كلمة كفر يعني غطى والكفر درجات بل حتى استخدام كلمة «زنديق» وهي كلمة فارسية ليست بالعربية لا يتناسب مع الكفر ودرجاته.
انا ضد الاغتيالات
لم تجبني بما ينفي تهمة محاولة اغتيال الرئيس مبارك؟
- لو وضعت امام محكمة فلابد ان اتحدث في الحقائق واقول الشهادة ولكن كظواهر لايجوز قتل الاشخاص بهذا النهج حتى للاسلامي المخلص فأقول له لن تخدم قضية الاسلام بأن تقتل واحدا ليأتي خلف له ويثأره وبدمه يقتل منك الالاف ويعيث في الارض فسادا.. وانا ضد الاغتيالات عملا وشرعا وواقعا.
لاتمييز ولا تعطيل للعقل
الكثيرون يرون أنك تخلط الشيء وضده في احاديثك وفتاواك؟
- أنا الى يوم القيامة لن أميز بين سياسة وفن ورياضة وصلاة وبين اي شيء في الكون لانها كلها عبادة لله سبحانه وتعالى.
وعندما قال ربنا لمزامير داود «يا جبال اوبي معه؛ يعني اصداء اناشيده تأتي من الجبال فتؤوب اليه والاحباش عندما لعبوا فلكلورهم في المسجد لم يأت من يقول هذا صوت الشيطان والرسول صلى الله عليه وسلم يحمل السيدة عائشة لتشاهد ذلك فما يقال هذه الايام كلام فارغ.. والرسول صلى الله عليه وسلم كان امينا وصادقا ولكن عندما جاءهم بفكر غريب عليهم قالوا ساحر فنفعته هذه الرعاية امام العالم «يريدون ليطفئوا نور الله بأفواهم والله متم نوره ولو كره الكافرون».. واذا اراد الله نشر فضيلة طويت اتاح لها لسان حسود.
هل ترفض مناقشتك في فتاواك وارائك في بعض الاحيان؟
- لابدون شك وعندما يتكلم الانسان الان في الاعلام يمكن لأي شخص ان يضرب لي بالتليفون فيسألني هل صحيح انك انكرت الحجاب مثلا فأساله هل تقصد بها الستارة الموجودة بغرفة النوم ام الحجاب الذي تلبسه المرأة ام هو الخمار الذي تضعه على رأسها لكنهم لايتصلون انما اسهل شيء يفعلونه ان يقولوا هذا زنديق ولكن لو قلت هذا الكلام وكنت سلطانا عليهم وفعلت بهم الافاعيل فلا يجرؤ احد على مجادلتك او الحديث معك والحقيقة ان هؤلاء لايشغلونني ولايؤثرون على فتواي والحقيقة ان الذي يصنع تاريخ الشعوب فسادا او اصلاحا والذين يهمونني كمخاطبين هم هذا العدد الضخم من الناشئين والشباب والكهول الممتدين في عالمنا الاسلامي المستجدين في دينهم وعرضة للغزو الثقافي واللغوي والتلفزيوني فأنا اتحدث مع القوى الفاعلة وقبل 30 سنة قالوا عني زنديقا ولكن بعد 25 سنة من ذلك اكتشفوا في كتاب ما لابن القيم ان فيه نفس القول الذي قلته فقالوا هذا يجوز لاننا وجدنا لابن القيم كتابا وبعض الناس هنا يقولون نتخاطب مع بعض هؤلاء فنقول لهم قال ابو امامة وأمامة ابنتي. الحسن بن عبدالله رضي الله عنه كذا فيمضي الكلام لانهم يحسبون انه قديم ولكن لو قيل لهم انه الحسن بن عبدالله الترابي لقالوا كلام زنديق ومنكر وللاسف ان الكثير في عالمنا الاسلامي ضيقوا مساحة العقل ولو خير الانسان بين يديه ورجليه او عقله فانه يختار عقله لانه يستطيع ان يعبد الله به فكيف يأتي من يقول ان العقل معطل امام النصوص
البضع ليس الكل
اتهمت جل من في السلطة انهم فاسدون الا قليلا.. من هم هؤلاء القليلون؟
- انا اقصد السلطة السياسية طبعا وانا عادة لا احب ان اتحدث عن اشخاص بل عن ظواهر فأقول ان هناك بضعا في المائة فساد في الخدمة السياسية فغضب الكثيرون غضبا شديدا فأوضحت لهم ان البضع بين الثلاثة والتسعة ولكن بعض الناس قال ان الترابي يقصد العكس وانها 90% فماذا افعل لهؤلاء.

http://www.okaz.com.sa/okaz/osf/20070606/Con20070606116099.htm

Post: #642
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 04:34 AM
Parent: #641


بمناسبة انتخابات اتحاد طلاب جامعة الخرطوم
من تاريخ الاتحاد: الصراع بين دستوري التمثيل النسبي والحر والمباشر
خطاب الأستاذ محمود محمد طه إلي السكرتير الثقافي للاتحاد دورة (1979م)
د. محمد محمد الامين عبد الرازق
تمهيد:
الدستور كلمة فارسية تعني القاعدة التي يجب أن يسير عليها الناس.. والاساس الذي ينبني عليه الدستور هو كفالة الحقوق الأساسية لجميع المواطنين دون تفريق بينهم بسبب العقيدة أو اللون أو الجنس.. والحقوق الأساسية هي حق الحياة وحق الحرية.. وهي حقوق يهبها الله للانسان منذ أن يولد ولذلك لا يحق لاحد أن يسلب اخر هذه الحقوق في شرعة العدل، فهي كالهواء منحة معطاة كحق أساسي مقدس.. واي دستور لا ينص علي هذه الحقوق في مواده بصورة واضحة لا لبس فيها ولا غموض ليس بدستور علي الاطلاق وانما هو تزييف للدستور وتسويغ لنزوات الأفراد في الحكم المطلق والتسلط علي الاخرين.. والقانون المنسجم مع الدستور هو القانون الذي يحمي الحقوق الأساسية للافراد ويحفظ الأمن للمجتمع في أن واحد.. فالقانون الدستوري يصادر حرية من يتعدى علي حريات الاخرين.
السند لهذا المفهوم للدستور انما يلتمس في اصل اصول القران في اقرار مبدا المسئولية الفردية امام الله.. قال تعالى (ونرثه ما يقول وياتينا فردا) وقال (ولا تزر وازرة وزر أخرى).. ولما كان الإنسان مسئول ومحاسب بصورة فردية بهذه الدقة فقد اعطى القران في اصوله الحرية كاملة للانسان لكي يتصرف ويتحمل مسئولية تصرفه امام القانون، ثم دعم الفرد بالمنهاج التربوي ليستخدمه بعقله ويستعين به من اجل زيادة حسن التصرف.. والآيات التي اسست مبدأ الحرية نزلت في مكة (وقل الحق من ربكم ممن شاء فليؤمن ومن شاء فيلكفر) (فذكر انما انت مذكر لست عليهم بمسيطر)..الخ. ذلك هو المفهوم الحديث للدستور وهذا هو السند من الاسلام، اصول القران.. وهذه الاصول لم يتحملها المجتمع الجاهلي فتأمر المشركون علي حياة النبي الكريم وقرروا أن يقتلوه وبالتالي انتهكوا الدستور وتعدوا علي حقوقه الأساسية.. ومن ثم نسخ الدستور ونسخت الايات المؤسسة له واستبدلت بايات الوصاية المدنية (فاذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم) وقامت الشريعة الإسلامية علي الجهاد لاخضاع الخارجين علي الدستور والقانون من المشركين بالسيف.
اذن الاسلام أسس مفاهيم الحقوق الأساسية من قبل أن يعرف الناس شيئا عن هذه الحقوق.. ولكي نكون واضحين فان الشريعة الإسلامية التي طبقت في القرن السابع في المجتمع الجاهلي تتعارض مع الدستور الإسلامي الذي ارست مبادئه ايات الاصول الملكية، وذلك لان الشريعة قامت كما اسلفنا علي ايات الفروع المدنية لان البيئة الاجتماعية المتخلفة حينها رفضت مبادئ الدستور الذي يريده الاسلام في اصوله..
تاريخ الاتحاد:
الصراع بين الطلاب حول مقاعد اتحاد الجامعة كان محصورا أو يكاد بين الاتجاه الإسلامي (الاخوان المسلمون) والجبهة الديمقراطية (الشيوعيون) وكانت الانتخابات في الستينات تحكم بدستور 1957م وهو دستور تمثيل نسبي لا يسمح للتنظيم الواحد باكثر من نصف مقاعد المجلس الاربعيني الاتحاد.. وكانت التنظيمات تحرس حقوقها من بعضها بوجودها الممثل حسب النسبة التي تحرزها.. واستمر الحال هكذا إلي أن قامت مايو 1969م بدعم من اليسار السوداني.. فحلوا الاتحاد واقاموا سكرتارية الجبهات التقدمية بدلاً عنه، وكانوا يرددون عبارة (لن تكون الجامعة جزيرة رجعية في محيط ثوري هادر).. وبذلك انتهك الدستور وصودرت حقوق الطلاب بغير حق من جانب الشيوعيين.. بعيد ذلك ضربت مايو الشيوعيين وابعدتهم عن الساحة السياسية، واشتعلت الحركة الطلابية تبحث عن اتحادها الضائع، فاستغل الاخوان المسلمون هذا الوضع فاستبدلوا دستور 1957م (التمثيل النسبي) بدستور 1973م (الحر المباشر) ودستور الحر المباشر يختلف عن دستور النسبي في انه يعطي جميع مقاعد الاتحاد للقائمة الفائزة وليس هناك أي فرصة للتنظيم الذي ياتي في المرتبة الثانية.. وبالرغم من أن هذا الوضع يبدو اكثر ديمقراطية من التمثيل النسبي إلا أن الاخوان المسلمين اسستغلوا فوزهم بجميع المقاعد وحرموا بقية التنظيمات من حقوقها الدستورية التي يكفلها دستور 1973م نفسه، فهم لم يعترفوا بالتنظيمات السياسية واستغلوا اموال الطلاب لمصلحة تنظيمهم فقط ووظفوا الندوات والمواسم الثقافية لقياداتهم داخل وخارج السودان لطرح برامجهم وافكارهم هم فقط في انتهاك صارخ لحقوق الطلاب الذين لا ينتمون اليهم.. واوضح مثال لذلك مجلة الجامعة التي تصدر بتمويل من الاتحاد، فانت لا يمكن أن تجد فيها قط أي رأي لكاتب يخالف افكار واراء جماعة الاخوان المسلمين واذيالهم من السلفيين.. الم ينقلوا هذا الوضع السيئ إلي الساحة العامة بعد استلامهم السلطة في التسعينات؟
التمثيل النسبي:
من عمق هذه الاوضاع المأسوية التي تبادل في افرازها علي الساحة الطلابية تنظيمي الاخوان المسلمين والشيوعين، برزت فكرة تعديل دستور الحر المباشر إلي التمثيل النسبي.. وذلك لضمان الحقوق بحصر القائمة الفائزة في نصف مقاعد مجلس الاتحاد كما كان الحال في الستينيات.. تصدرت رابطة الفكرة الجمهوري الدعوة، واستطاعت اقناع التنظيمات واقناع القاعدة الطلابية بالفكرة، تم ذلك بعمل مكثف في اركان النقاش اليومية صباحاً ومساءا، بالمركز والاطراف بقيادة الأخ احمد المصطفى دالي ومن خلفه قيادات الجمهوريين بالجامعة اسماء محمود وعمر القراي وغيرهم.. تجمعت التنظيمات الآتية في قائمة واحدة حول الفكرة: (الجبهة الوطنية، جمعية كفاح الطلبة، الجبهة الوطنية الافريقية، الجبهة الديمقراطية، الطلاب الاتحاديون الديمقراطيون، التنظيم الناصري، مؤتمر الطلاب المستقلين ورابطة الفكر الجمهوري).. النسبة المطلوب احرازها للتعديل هي ثلثي مقاعد المجلس الاربعين.. ثم كثفت الدعاية الانتخابية، واخرج الجمهوريون لوحات علقت في جميع أنحاء الجامعة تقول: (اسقطوا الاخوان المسلمين لانهم: 1/ خرقوا الدستور وزوروه 2/ استغلوا اموال الطلاب لمصلحة التنظيم 3/ لم يعترفوا بالتنظيمات السياسية).. ونتيجة لهذا المنطق القوي والعمل المكثف تحققت نسبة تصويت هي الاعلى في تاريخ الاتحاد.. وفازت قائمة قوى تمثيل النسبي بالنسبة المطلوبة لتعديل الدستور وهي 28 مقعداً.. وكان المفترض أن يعدل الدستور ويعرض للقاعدة للاستفتاء، ومن ثم يصبح نافذاً.. هذا حسب البرنامج الانتخابي وعندما تمت المدة المتفق عليها للتعديل وهي شهران، خرج الطلاب الجمهوريون من الاتحاد بتقديم الاستقالة حسب البرنامج الانتخابي المتفق عليه، إلا أن بقية التنظيمات رفضت الخروج وتنصلت عن برنامجها الذي فازت علي اساسه، واتت بحجة جديدة وهي أن دستور 1973م اصلاً غير شرعي ويجب العمل مباشرة بدستور 1957م دون استفتاء.. فاحتل الاخوان المسلمون مكاتب الاتحاد بعد ذلك متمسكين بشرعية دستورهم المفضل 1973م.. هذا ودعم كل فريق موقفه بفتوى قانونية من مجموعة من المحامين الموالين له.. حدثت بعد ذلك فوضى اغلقت علي اثرها الجامعة ومن ثم اجهضت الفكرة واستمر دستور الحر المباشر قائماً إلي يومنا هذا..
يجدر بنا أن نقف هنا عند حادثة مؤسفة، وهي الاعتداء الجسدي الذي تعرض له احمد المصطفى دالي من مجموعة من الاخوان المسلمين غداة سقوطهم الشنيع في الانتخابات.. فقد اعتدى عليه من تدربوا علي الكارتيه بالأيدي والاحذية العسكرية الثقيلة وسببوا له الاذى الجسيم بطريقة همجية غادرة لا تمت للخلق الديني بصلة.. وكانوا لا يتعرضون لمن يصدهم من الجمهوريين ويمضون في تكثيف الضرب على الأخ دالي، فكأنهم تعمدوا التصفية الجدسية مع سبق الاصرار.. هذا وقد علق الأستاذ محمود علي هذه الحادثة بقوله: (الحصل لدالي في الجامعة دا هو اقصى ما وصلنا ليهو في دعوتنا).. والحقيقة أن الأخ دالي هو اقوى من صوب سهام الفكر المسدد تجاه قائمة الاتجاه الإسلامي فألحق بها الهزيمة الساحقة، وهو أيضا أول من تلقى الغدر والعنف الجسدي من جراء ذلك.. وعلى هذا يمكن القول أن الأخ دالي حقق المشروع علي الواقع ثم فدى جموع قائمة التمثيل النسبي من اثاره غير المحتملة، ولم يستكين وإنما عاد في اليوم التالي والجبيرة علي وجهه، ليدير الحوار الموضوعي الهادف..
خطاب الأستاذ:
عندما شعر الاخوان المسلمون بقوة منطق الجمهوريين في ادانتهم بعدم إحترام التنظيمات الفكرية، والاعتراف بها، دبروا خطة لاضعاف ذلك المنطق، فوجهوا الدعوة للأستاذ محمود محمد طه للاشتراك في الموسم الثقافي الذي اقاموه قبيل الانتخابات كدعاية انتخابية، واحضروا له قادتهم من خارج السودان مثل راشد القنوشي من تونس.. وهم لم يفعلوا ذلك طيلة الست سنوات التي سيطروا فيها علي الاتحاد منذ عام 1973م.. وصلت الدعوة للأستاذ محمود بخطاب من السكرتير الثقافي فرد عليه الأستاذ بالخطاب التالي الذي اطاح جملة وتفصيلاً بأمانيهم وكان (قاصمة الظهر) لاحلامهم، وفعل الخطاب فعل السحر في نفوس الطلاب فصوتوا بهدوء واطمئنان لقائمة التمثيل النسبي فكان الفوز.. فالي الخطاب:-
ام درمان في 17/9/1979م
حضرة السكرتير الثقافي لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم
المحترم.. تحية طيبة
أما بعد،،
فقد وصلتني دعوتكم للمشاركة في موسمكم الثقافي، وعليها اشكركم.. فالفكرة الجمهورية فكرة سودانية المواطن، وهي فكرة اصيلة، لا ضريب لها في الفكر الإسلامي عبر تاريخ الاسلام الطويل، ولها إلي ذلك تاريخها وانجازها في تربية شبان وشابات، ويجري الآن علي ايديهم دور عظيم وفريد في تاريخنا المعاصر.. دور نشر الوعي الإسلامي بين جماهير شعبنا عن طريق الحوار المفتوح، والموضوعي والامين والشجاع في المنابر الحرة التي تقام في الميادين العامة، في المدن المختلفة، وفي الجامعة.. هذه الفكرة، أو هذه الظاهرة -ظاهرة المنابر الحرة- جديدة كل الجدة، وبخاصة عندما نعتبر أن الحوار في الدين تجريه الفتاة السودانية في هذه المنابر الحرة.
وقد لفتت الفكرة، وظاهرة الفتاة السودانية التي تظهر بهذه الشخصية، وهذا العلم العظيم نظر كثير من الرواد الاجانب، واكتسبت احترامهم، وتقديرهم.. ومع ذلك فان الفكرة لا تجد في الجامعة تحت قيادة تنظيمهم إلا كل تشويش وتشويه وتشهير، ومهاترة، وعداوة تتنافى مع روح العلم، والبحث الحر المخلص.. ثم انكم تمضون في البعد عن روح العلم، والبحث المخلص فتدعون اعداء هذه الفكرة ليزيدوكم لها عداوة، وعنها تضليلاً.. وتودون في دخيلة انفسكم أن تكون هذه الدعوة باطلة، وهذه الدعوى زائفة، ومخطئة..
وقبل اسبوع كان أحد مرشديكم يحاضركم ويصر في غير موضوعية ولا علمية علي دمغى بالكفر، وكنتم انتم تهللون وتصفقون وتتضاحكون..
لقد مارست الحديث في الجامعة مرات عديدات، فلم استطع أن اشعر بالاحترام لها.. بل شعرت إنها تحت قيادتكم تنخفض عن المستوى المرجو لها من حيث الجدية، والعلمية، وحرية الفكر والبحث وتتورط في غوغائية مؤسفة..
انني استغرب: ما الموجب لدعوتكم هذه اياي لاتحدث إليكم ولضيوفكم؟.؟ أما كان الاجدر بكم أن تدعوني، ومنذ زمن بعيد، كنتم خلاله تدعون معارضي، والمشوهين لدعوتي، لاحدثكم عن الفكرة الجمهورية، فتسمعونها من داعيها بدلا من أن تسمعوها من معارضيها ومشوهيها؟؟
أن امركم هذا لامر عجب!!

المخلص:
محمود محمد طه..

Post: #643
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 04:37 AM
Parent: #642


ذكرى المولد النبوي الشريف في مجالس الأستاذ محمود محمد طه
النبي الكريم في حقيقته أول الخلق وهو الإنسان الكامل قمة المخلوقات

الاحتفال بالمناسبات الدينية في مجالس الأستاذ محمود محمد طه يختلف كثيراً عن ما يحدث في ساحات المولد في خيم الطرق الصوفية وغيرها والذي يشاهده الناس سنوياً ، مكرراً بصورة تقليدية لا جديد فيها ..فالاحتفال عند الجمهوريين إحياء للسنة النبوية بالقول والعمل ، والتعرف على قدر النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، والدعوة إلى توضيح منهاجه في العبادات والمعاملات .. باختصار ليالي الاحتفال كلها أوراق بحث علمي حول كيفية عودة الإسلام من جديد إلى حياة الناس واقعاً عملياً في السياسة والاقتصاد والاجتماع بوسيلة تربية الفرد في المقام الأول.
جاء في حديث جابر الأنصاري: (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر) .. نور النبي هذا هو المعبر عنه بالحقيقة المحمدية .. والحقيقة المحمدية هي أول قابل لتجلي الذات الإلهية المطلقة ، ومقامها هو مقام (الوسيلة) الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لأحد من عباده ، فاسألوا الله أن أكون هو) وقال: (من سأل لي الوسيلة حلت له شفاعتي) .. ومقام الوسيلة هو المقام المحمود: (ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً عموداً) ولذلك فإننا عندما نسمع الأذان نقول: (اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت سيدنا محمداً (الوسيلة) والفضيلة والدرجة العالية الرفيعة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد). وعندما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ). فإن المقصود بالوسيلة النبي الكريم. فهو قمة الخلائق الذي يقف بيننا وبين الذات الإلهية المطلقة ، ويقيد لنا من العلم بالذات ما تطبقه عقولنا ..
الإنسان الكامل الذي ورد كثيراً في كتب الجمهوريين هو النبي الكريم في حقيقته المحمدية ، ولا أحد غيره .. وعندما يقول القرآن : (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ). وكانت يد النبي هي التي فوق أيديهم ، إنما أراد أن يشير إلى أن النبي الكريم هو أكبر من يمثل الله في كمالاته على الأرض .. ولذلك فمن آمن به فقد آمن بالله (ومن يطع الرسول فقد أطاع الله). ومن أحبه فقد أحب الله ، جاء في الحديث: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده ووالده والناس أجمعين) .. والسبب في ذلك لأن مراد الإيمان أن ينقل السالك إلى المعرفة بهذه الحقيقة .. إذن حركة التطور في المجتمع البشري ، موجهة في مسيرتها الطويلة بالحقيقة المحمدية نحو إنزال هذه الحقيقة على الأرض ، ولن يحققها أحد غير النبي الكريم ، وهو أكبر من عمل ولا يزال يعمل على إنزالها من عالم الأرواح ، إلى عالم الأجساد ، لذلك قال عنه الأصحاب: (كان محمد كأنما نصب له علم فشمر بطلبه) .. يقول الأستاذ محمود محمد طه في كتابه (رسائل ومقالات – الثاني) .. يقول (فصلاة الله رحمة ، برفع الحب .. وصلاة الملائكة استغفار بالتفدية .. وصلاة المؤمنين عبارة بالتوقير .. والمؤمن منتفع بالصلاة .. والنبي منتفع بها لأن أجر النبي يزيد بزيادة المهتدين من أمته كماً وكيفاً .. والمؤمن يزيد هدى كلما وقر في صدره حب النبي ، وتوقير النبي ، وذلك ما تفعله الصلاة عليه كلما ذكر اسمه .. فإذا قال قائل في مجلسك: محمد أو قال: النبي فقد وجب أن تقول: (صلى الله عليه وسلم).. أو أن تقول (اللهم صلى وسلم على حبيبك) إلى آخر هذه العبارات ، الطيبات التي تقرب النبي إلى قلبك وترقق قلبك ، وتحفظه من آفة الغلظة ، وآفة الجفاء ، وصلاة المؤمن على النبي هذه عي أدنى مراتب الصلاة عليه ، وهي توقير وتقديس عن جهل .. والتقديس بديل عن المعرفة ، ما دونه بديل .. ويجب أن يكون مقدمة للمعرفة ، ومرحلة انتقال إليها ، وإلا يظل لازمة ثابتة لا تتطور .. وإنما تطوره بأن يصير توقيراً عن علم .. هذه صلاة المؤمن على النبي ، فإذا ارتفع المؤمن ، فأصبح مسلماً ، ارتفعت صلاته على النبي ، فأصبحت معرفة بالمقام .. وأصبح لها حظ يتفاوت من صلاة الله على النبي .. وهي أعلى الصلاة عليه وهي ليست لفظية) انتهى. .. وصلاة الله رحمة كما ورد في صدر هذه الكلمة.
الشاهد في الأمر أن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم عندما قال: (من سأل الله لي الوسيلة حلت له شفاعتي) يعني من اهتدى بالهدى النبوي وليس المقصود مجرد رفع الأيدي إلى السماء من غير تطبيق للسنة النبوية .. وذلك لأنه وكما ورد في كلمة الأستاذ محمود التي اقتطفناها من كتابه رسائل ومقالات (أجر النبي يزيد بزيادة المهتدين من أمته) إذن المطلوب أن تتطور الدعوة من لسان المقال لأن تكون دعوة بلسان الحال..
إذا وقع في ذهن القارئ حجم المعرفة بالنبي الكريم وسنته التي هي عمله في خاصة نفسه لدى الدقة ، يتضح التصور الجاهل الخاطئ الذي ظنه البعض من أن هناك أحد غير النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم سيحقق مقام الإنسان الكامل مقام (الوسيلة) أو(المقام المحمود) .. هذا التصور الخاطئ أشاعه البعض عن الفكر الجمهوري عن سوء نية وقصد مبيت ، والبعض الآخر عن سوء فهم .. ونحن إنما كتبنا هذا المقال من أجل تصحيح الفهم لمن عندهم (سوء الفهم) أما الذين هم سيئي النية فالله وحده المسئول عن تصحيح نواياهم.
الطرق الصوفية:
يعتمد الفكر الجمهوري السنة النبوية وحدها السبيل لإخراج الأفراد والمجتمعات مما هم فيه من تيه وضلال ، والسنة هي عمل النبي خاصة في نفسه ، أما أقواله فقسمان: القسم الذي يبين عمله هو في خاصة نفسه فهو سنة ، أما القسم الذي يوضح للأمة تفاصيل شريعتها ، ولم يمارسه هو فهو شريعة وليس سنة ، هذا على خلاف الفهم الشائع عند الفقهاء وهو أن السنة هي عمل النبي وقوله وإقراره .. الصحيح أن عمله سنة وإقراره شريعة أما قوله فقسمان وقد أسلفنا الشرح في ذلك.
لقد دعا الأستاذ محمود جميع الطرق الصوفية إلى ترك ما هي عليه واتباع طريق محمد ، وقد جاءت تلك الدعوة كأبصر وأقوى ما تكون في منشور صدر يوم 27/4/1965م حيث قال: (إلى الراغبين في الله ، السالكين إليه من جميع الطرق ، ومن جميع الملل!!! – السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. أما بعد ، فإن الزمان قد استدار كهيئته يوم بعث الله محمداً ، داعياً إليه ، ومرشداً ، ومسلكاً في طريقه .. وقد انغلقت اليوم بتلك الاستدارة الزمانية جميع الطرق التي كانت فيما مضى واسلة إلى الله ، وموصلة إليه ، إلا طريق محمد .. فلم تعد الطرق ، الطرق ، ولا الملل الملل ، منذ اليوم) ثم يواصل (إن على مشايخ الطرق أن يخرجوا أنفسهم من بين الناس ، ومحمد ، وأن يكون عملهم إرشاد الناس إلى حياة محمد بالعمل ، وبالقول .. فإن حياة محمد هي مفتاح الدين ، وهي مفتاح القرآن ، وهي مفتاح (لا إله إلا الله) التي هي غاية القرآن ، وهذا هو السر في القرن في الشهادة بين الله ومحمد (لا إله إلا الله محمد رسول الله))..
وجاء في هذا المعنى في كتاب (طريق محمد – محمود محمد طه) ما نصه: (وقد أنى للمسلمين أن يكرموا أنفسهم ، ويحترموا عقولهم ، ويتحرروا من رق الطائفية ، ومن الوسائل القواصر ، بالرجوع إلى الوسيلة الواسلة .. الرؤوف الرحيم .. فيلزموا سيرته ، وعبادته ، التي هي الصلاة بالقرآن ، في المكتوبة وفي الثلث الأخير من الليل .. وهي أمثل طريقة تغني عما يسمى بالبدع السنية ، وعن المبالغات في مقادير العبادة ، وعن استعمال السبح ، وعن كل ما لم يفعله النبي).
هذا ، ولقد ظل الأستاذ محمود يدعو بهذه الدعوة وقتاً ليس بالقصير ، في مؤلفاته ومحاضراته وندواته ، ويستمع إلى المؤيدين والمعترضين ويحاورهم بالشرح المستفيض المسنود بالقرآن والحديث النبوي ، كما أعطى اعتباراً خاصاً في عرضها على مشايخ الطرق ، وزارهم في مواقعهم ، وظل وحيداً في ميدانها إلا من تلاميذه الذين التفتوا إليها من خلال سطوتها وقوة منطقها وصدق داعيها وسيرته التي ما هي إلا تجسيداً للسيرة النبوية في عصرنا الحالي .. والأستاذ محمود يعرف للطرق الصوفية قدرها ويثمن دورها الذي قامت به في الماضي فيقول في كتابه (طريق محمد) ، (إن غدنا هذا المأمول – غد البشرية جميعها – لا يعدنا له ، ولا يرقينا فيه مرشد أقل من محمد المعصوم ، ولقد خدمت الطرق الصوفية غرضاً نبيلاً ، وقامت بدور عظيم في حفظ الدين ، وأرشاد الناس ، ولكنها أقل من أن تنهض بأعباء هذا الغد ، ولا بد إذن من الأخذ بالطريقة الجامعة للطرق كلها (طريق محمد)) فإنه قد قال: (قولي شريعة وعملي طريقة وحالي حقيقة) ... ثم يقول في نفس المصدر: ( وعن أزلية نبوته قال المعصوم: (كنت نبياً وآدم بين الماء والطين) ومعنى هذه العبارة أنه كان نبياً عالماً بنبوته في الأزل: وقد ظهر مصداق ذلك عندما برز إلى عالم الأجساد ، فإنه وهو جنين في رحم أمه كان يختلف عن الأجنة في الأرحام ، فقد برئ وحام أمه به مما تتعرض
له وحامى النساء من الغثيان وخبث النفس واستيفاز الشعور.. وكان حمله على أمه خفيفاً ، تجد بركته ، في يقظتها بالصحة وبهجة النفس ، والمسرة المتصلة .. وتجد بركته في نومها بالرؤى المفرحة.. وبمثل ذلك اختلفت طفولته واختلفت يفاعته ، واختلف شبابه حتى لقد أيقن أنه خلق لغير ما خلق له أترابه من الشباب ، ثم لم يلبث أن ألح عليه هذا الإيقان حتى اعتزل المجتمع ، وآوى إلى الغار) .. وتحت عنوان (دقائق التمييز) نشرت الصحف عام 1954م ما يلي (أمران مقترحان ، ليس وراءهما مبتغي لمبتغ وليس دونهما بلاغ لطالب: القرآن وحياة محمد ، أما القرآن فهو مفتاح الخلود .. وأما حياة محمد فهي مفتاح القرآن .. فمن قلد محمداً تقليداً واعياً فهم مغاليق القرآن .. ومن فهم مغاليق القرآن حرر عقله ، وقلبه من أسر الأوهام) ثم يواصل: (وما قام من تشريع حول حديث محمد ، الذي أراد به إلى تنظيم حياة الجماعة ، فهو الشريعة الإسلامية ، وهو خاضع لسنة التطور – سنة الدثور والتجديد – لأن المجموعة البشرية قد ترقت أكثر مما ترقت النفس البشرية ، وقد استجدت لها أمور تحتاج إلى تشريع جديد يستوعبها ، ويحيط بها جميعاً .. هذا التشريع موجود في القرآن ، ولكنه مكنون ، مصون ، مضنون به على غير أهله ، فمن سره أن يكون من أهله ، فليقلد محمداً في منهاج حياته تقليداً واعياً ، مع الثقة التامة بأنه قد اسلم نفسه إلى إرادة هادية ، تجعل حياته مطابقة لروح القرآن ، وشخصيته متأثرة بشخصية أعظم رجل ، وتعيد وحدة الفكر ، والعمل في وجوده ووعيه كليهما ، وتخلق من ذاته المادية ، وذاته الروحية ، كلاً واحداً ، متسقاً ، قادراً على التوحيد بين المظاهر المختلفة في الحياة ..
أمران مقترنان : القرآن وحياة محمد ، هما السر في أمرين مقترنين: (لا إله إلا الله محمد رسول الله) .. لا يستقيم الأخيران إلا بالأولين).
هذا وعلى الله قصد السبيل .. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين.

د. محمد محمد الأمين عبد الرازق

Post: #644
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 04:40 AM
Parent: #643


معنى الحياة ؟!

تعليق على كتاب عالم الوراثة ثيودوثيس دوبجانسكي[1]



(1)
الفصل الاول
الانسية والإنسانية


لا بدَّ في البداية، من الاشادة بالجهد الكبير، الذى بذله د. فاروق محمد ابراهيم، في ترجمة هذا الكتاب، الى اللغة العربية. ذلك انه رغم صغر حجمه، كتاب مهم، لانه يناقش أصول الأشياء، وأمهات القضايا، التى اذا اتضحت يمكن لمختلف المشاكل السياسية، والاجتماعية، ان تأتي في إطار معرفي متسق، يفضي بنا الى رؤية متكاملة للحياة، ودورنا فيها، أفراداً وجماعةً، تقطن بيتاً واحداً، هو هذا الكوكب الصغير المسمى الأرض. كما يشكر لمجلة أركماني، نشرها لهذه الترجمة، ودعوة المهتمين لمناقشة مثل هذه المواضيع العلمية العميقة.

لقد ترجم د. فاروق اسم الكتاب الى (علم الأحياء ومعنى الحياة)، ولعل هذا اسم طموح، قد يوهم القارئ بانه سيعرف معنى الحياة، بعد قراءة هذا الكتيب الصغير.. والحق ان الكتاب وان قرر بعض الحقائق العلمية، وتبنى بعض الرؤى الفلسفية، الا انه لم يدع لنفسه، انه يعرف معنى الحياة.. فاسم الكتاب هو: The Biology of Ultimate Concern وهو اسم يمكن ان يترجم الى (علم أحياء الهم النهائي) أو (علم أحياء الاهتمام المطلق).. والاسم بهذا المعنى يشير الى انه مفهوم لعلم الأحياء، يجعله يسهم في الهم الأساسي، أو القضية الجوهرية، التى يفترض الكتيب انها حياة الإنسان.. ولعلَّ هذا ما حدا بالدكتور الفاضل، ان يورد في ترجمته عبارته الطموحة، التى أشرنا لها. كما ان د. فاروق، قد ترجم عنوان الفصل الأول الى (الحركة الإنسانية والجنس البشري)، وهي ترجمة قريبة للعنوان وهو: Humanism and Humanity وفيه يشير الكاتب الى طبيعة الإنسان، في البحث عن المجهول، وكيف انه استخدم كل طاقته، في سبيل تحقيق هذه الغاية العظمى. فأول ما يبدأ به الكتاب، هو التركيز على الشعور الإنساني الدفين، للتطلع للمجهول، ومحاولة البحث عن اجابات للأسئلة الكونية الكبرى. وهو يرجع هذا الشعور، الذى هو الدافع، وراء كافة الاكتشافات العلمية، التى تنعم البشرية، اليوم، بخيراتها الى حقيقة ان الإنسان، هو الكائن الوحيد، الذى يشعر بالحرية، ويتطلع دوماً لسبر أغوارها..

يقول الكاتب "الحكمة الإنسانية ثمرة الوعي بالذات : الإنسان يستطيع ان يتجاوز نفسه وان يراها موضوعاً من الموضوعات الأخرى، لقد وصل الى مرتبة الإنسان الوجودي، وصارت لدية تجربة واحساس غامر بالحرية، بالقدرة على تدبير الأفعال وتخطيطها، وعلى تنفيذ خططه أو تعليقها، ان اراد، واكتسب الإنسان بالحرية معرفة الخير والشر. هذه المعرفة عبء ثقيل، أمانة برأت منها الكائنات الأخرى. وتقود الحرية الإنسان لأن يسأل ما أشار إليه برنتون (1953) بالأسئلة الكبرى التى لا يقدر أي حيوان آخر ان يسألها : هل لحياتي، وحياة الناس الآخرين معنى؟ هل للكون الذى رميت فيه بغير اختياري أي معنى؟ ليست هناك اجابات نهائية على هذه الاسئلة الكبرى، وربما لن تكون لها إجابات ابداً، لو كنا نبحث عن قناعات موضوعية دقيقة ومؤكدة. مع ذلك فنحن ملزمون بالبحث عن اجابة ما، لان قدرة الإنسان على البحث عن معنى وجوده عن معنى الكون هى أعظم أمجاد إنسانية الجنس البشري)*.

أول ما تجدر الاشارة اليه، هو ان الاجابة على التساؤلات الكبرى، ممكنة، بل هى حتمية، ما دامت الحرية هى قدر الإنسان.. ذلك ان الجاهل مضيق عليه بجهله، والحر موسع عليه بعلمه، ومجرد ان تخطر الأسئلة على العقل البشري، فان هذه اشارة لامكانية الاجابة عليها، ذلك ان الوعي بهذه الأسئلة، هو نفسه، طرف من الوعي بالذات، الذى بتحققه تتحقق الحرية.. ولكن ما هي الحرية؟! وكيف تتحقق؟! وهل العقل وحده هو وسيلتنا لتحقيق الحرية؟ وكيف يكون ذلك والعقل نفسه محدود؟! انني ارجو ان اخلص من متابعة هذا الكتاب، الى تقديم اجابات شافية، على هذه التساؤلات، التى هى موضوعه.

ان غاياتي من التعليق على هذا الكتاب، هى القاء الضوء من خلال الفكرة الجمهورية، التى فصلها الاستاذ محمود محمد طه (1909-1985)، على هذه القضايا الجوهرية، علني بذلك، استطيع ان اسهم باجابات، يمكن ان تعيننا على فهم القضية الأساسية، أو الهم الأساسي كما عبر عنه دوبجانسكي.

يعتقد دوبجانسكي ان العلم المادي، وحده، لا يستطيع الاجابة على التساؤلات الكبرى، ولا يمكن ان يقدم رؤية كونية شاملة.. فيقول "انه من السذاجة بمكان الاعتقاد بامكانية اشتقاق رؤية كونية متماسكة من العلم وحده، أو بان ما يمكن ان نتعلمه عن التطور يمنحنا القدرة على تقديم اجابات قاطعة لتلك الأسئلة الكبرى"** على ان الكاتب، في نفس السياق، استطاع ان يقرر خطأ الأفكار الدينية، أو التقليدية عموماً، التى كانت سائدة قبل الكشوف العلمية، ولهذا قال "لم يمض وقت طويل على ذلك الزمن الذى كان كل فرد فيه تقريباً يعتقد بان الأرض مسطحة، وان الأمراض تسببها الأرواح الشريرة، الآن فان الأفكار التى تجد قبولاً عاماً تختلف تماماً. الأرض كرة تدور في محورها حول نفسها وحول الشمس، والأمراض تسببها الطفيليات المتنوعة والأسباب البيولوجية الأخرى".. الى ان يقول "ثم صار العالم الفسيح الذى اكتشفه كوبرنيق، وكلبر، وجاليليو، ونيوتن نفسه مختلفاً تماماً عن عالم القدماء والمفكرين القروسطيين المريح. لقد أنزل الإنسان والأرض من مركز الكون الى ذرة تافهه من الغبار الضائع في الفضاء الكوني"***.

لا شك في ان تطور المفاهيم، والكشوف العلمية، قد صحح كثيراً، من رؤية الإنسان البدائي للحياة، وزاد من معرفته بها. على ان ذلك لا يعني ان الأفكار القديمة، قد كانت بلا أساس من الصحة، كما يظن الكاتب. فانه لحق ان الجراثيم، والطفيليات، التى لم يكن الإنسان القديم يراها، هى السبب في كثير من الأمراض، التى عانى منها.. ولكنه أيضاًُ حق، ان بعض أسباب الأمراض، لا علاقة له بهذه الأجسام الدقيقة.. وانما يتعلق بالحالة النفسية، أو قل بالروح. ومع تطور العلم المادي، أصبحنا نعطي بعض العلاج المادي، لهذه الأمراض النفسية، التى تؤثر حسياً ومعنوياً على الإنسان. ولكن يبقى بعض العلاج، أيضاً، غير مادي، كأن يكون الهدوء، أو الموسيقى، أو الترانيم الدينية، أو الصلاة، أو الشعور الغامر بالطمانينة، الذى يمكن ان ينقله إليك شخص آخر، حقق هذه الطمأنينة في نفسه.. وما دام العلم المادي، لا يستطيع ان ينكر المسائل النفسية، ولا أساليب علاجها، غير المادية، فانه يتفق مع الإنسان البدائي، في ان بعض الأمراض غير مادية، وهذا ما يعني الإنسان البدائي حين يتحدث عن الأرواح.. ورغم ان العلم قد اثبت اليوم، ان الأرض كروية، الا ان رؤية البصر، لا تزال تعطي انها مسطحة.. ولقد كانت الأديان حكيمة كل الحكمة، حين جارت وهم الحواس، التى تعطي هذه الرؤية، ولم تضف الى صعوبة التعاليم الجديدة، حقيقة كروية الأرض.. وعندنا، في الإسلام، فان هذه الصورة واضحة.. قال تعالى (والسماء بنيناها بايد وانا لموسعون) (والأرض فرشناها فنعم الماهدون) وقال أيضاً (والى الأرض كيف سطحت)..

ولما شعر الإنسان الأول، انه متطور على بقية الحيوانات، التى يعيش معها، أعتقد ان الأرض التى يقطنها، هى مركز الكون.. وجاءت الأديان، تؤيد ذلك، باعتبار ان الأرض محط الأديان، وموضع نظر الله.. وحين أثبت العلم ان الشمس هى مركز الكون، فان هذا لا يعني ان الإنسان البدائي، قد كان مخطئاً تماماً.. ذلك ان الأرض، هى مركز الكون، من الناحية الروحية، وإن لم تكن مركزه من الناحية المادية.. يقول الأستاذ محمود : "ومن الناحية المادية فان مركز الكون الداخلي الشمس، ولكن من الناحية الروحية فان مركزه الأرض، لأن الأرض هي موطن الإنسان.. والإنسان سيد الأكوان. وكان القدامى، السذج، البسطاء، الطيبون يظنون هذا الظن.. فلما تقدم العلم المادي، وجاء الفلكيون، المحدثون اكتشفوا ان مركز الكون الداخلي انما هو الشمس، وما الأرض إلا كوكب سيار، لا نور له من ذاته، وإنما هو يستمد نوره من الشمس.. وهذا صحيح في المرحلة. وعندما يجئ الوقت المعلوم – عندما تتحد المادة والروح – فستظهر الأرض الكبرى، من الشمس وبناتها، ومنها، وأهمها الأرض.. ويومها تنطفئ الشمس، وتبرد، وتنشأ فيها الحياة الأخرى.. وتصبح هذه الأرض الكبرى هى الكون الداخلي، وحولها يدور الكون الخارجي، والجميع يدور حول المطلق حيث لا حول. يومها يتحقق حلم القدامى، السذج، البسطاء، الطيبين، الذين ضحك، من سذاجتهم، الفلكيون، الماديون، المتحذلقون اليوم"+.

يقرر الكاتب، دون مواربة، بان الشئ المؤكد، هو ان الكون قد مر، ويمر الآن، بمراحل من التطور: "فالكون ليس ثابتاً وليس مكتملاً، وهو قابل للتغيير. ان كل ما في الكون منغمس في سريان التطور وجريان التغيير. ولقد نشأ المجتمع الإنساني والثقافة كما نشأ العالم الحي والكرة الأرضية والمجموعة الشمسية حتى الذرات التى لا تتجزأ من حالات سالفة مختلفة تمام الاختلاف عن حالتها الراهنة، علاوة على ذلك فهذه التغييرات ليست كلها تاريخاً وأحداثاً ماضوية فالعالم لم يتطور في الماضي فحسب وإنما هو في حالة تطور الآن"++..

وحين يرى دوبجانسكي، ان العلم وحده، غير مؤهل للإجابة، على التساؤلات الكبرى، يظن ان التعاون بين الفلسفة والعلم، يمكن ان يحقق ذلك الدور، أو يقرب منه.. فهو يقول بأن "بناء رؤية كونية وفحصها فحصاً نقدياً يقع تقليدياً في مجال الفلسفة" وهو يتفق مع برتراند رسل في تعريفه للفلسفة فيقول أن من بين التعريفات الكثيرة يثير تعريف برتراند رسل (1945) الانتباه "هنالك أرض غير مملوكة تقع بين الدين والعلم تتعرض للهجوم من الجانبين وهذه الأرض غير المملوكة هى الفلسفة"..

الفلسفة في أبسط صورها، هى إثارة التساؤلات حول المسلمات.. وهى بهذه الصورة، ليست نسقاً معرفياً متصلاً، ومنسجماً، مثل بقية العلوم.. ولهذا، فإن الذين يدرسون الفلسفة، إنما يدرسون تاريخ النظريات، والاشكاليات الفلسفية.. وبهذا المعنى، بمعنى إثارة التساؤل والبحث عن تفسير للظواهر، فإن الفلسفة قديمة قدم الإنسان. ولقد كانت التساؤلات، التى تزخر بها الروح البشرية الوثابة، هى المحرك الأساسي، الذى يقف وراء معظم الاكتشافات، والاختراعات، التى طورت حياة الكائن الحي، على هذا الكوكب.. فالفلسفة، إذن، ليست أرض تقع بين الدين والعلم، كما قرر رسل، وإنما هى موجودة داخل العلم، وداخل الدين.. على أن بروز الفلسفة، في اطار العلم، قد كان أوضح من بروزها، في اطار الأفكار الدينية، وذلك لأن الأديان درجت على تركيز العقيدة، وحدت من ثم، من تفكير أتباعها، بخلاف العلم، الذى شجع النعرة الفلسفية، وغذاها بالمعلومات الضرورية. ومع ذلك، وجدت الاتجاهات الدينية، التى اعتمدت الفلسفة، وأثارت التساؤلات، داخل الكيانات الدينية، وعانت، لذلك، من عنت المتعصبين..

لقد نشأ الدين في الأرض، وتطور مع تطور الإنسان، حتى بلغ آخرمراحله، في الأديان التوحيدية الكبرى.. وفي عبارة الأستاذ محمود "الدين نشأ من الأرض وألمت به أسباب السماء فهذبته".. فالإنسان البدائي الأول، وجد نفسه في هذه الأرض، محاطاً بالعداوة، من كل جانب، وشعر بأنه مختلف من بقية الحيوانات، وانها تسعى لافتراسه. وكان عليه أن يصارع، ويقاتل، حتى يحفظ حياته.. فاحتال شتى الحيل، وصنع ما يمكن من سلاح، ليمدد به قدرته على العراك. وبنى بيته في قمم الجبال، وفي قعر الكهوف، حتى لا تلتهمه الحيوانات المفترسه، وهو نائم. على ان أكبر الأخطار التى كانت تواجهه، ليست الحيوانات المفترسة، وليس بني البشر الآخرين، الذين يتنافسون معه على ما تجود به البيئة من الصيد والثمر، وإنما كانت قوى الطبيعة الصماء، التى كانت وكأنها لا تحفل بموته أو حياته. فالحرائق التى تشب في الليل البهيم، فتحرق الشجر، وتقضي على الناس دون رحمة. والفيضانات العاتية، التى تجرف المأوى، وتغرق سكانه.. والرياح، والزلازل، والبراكين، التى تقضي على الآلاف من بني البشر، دون اكتراث.. كل هذه القوى، عجز الإنسان البدائي، عن مواجهتها، ولم تطالها حيلته، أو قوته.. فشعر بانها آلهة جبارة، لا يمكنه مقاومتها.. فاخذ يتملقها، ويحاول ان يكسب رضاها، ويتقرب اليها بالقرابين.. ومن هنا نشأ الدين في صورته البدائية، في أديان التعدد.

أما الحيوانات، التى كان يستطيع منازلتها، فقد بدأ يتطور سلاحه كل حين، ليكون أقدر على مواجهتها.. ومن هنا نشأ العلم المادي التجريبي، الذى كان غرضه، في كل لحظة، ان يسهل، ويؤمن حياة الإنسان، ويزيد من استمتاعه، ويباعد بينه وبين الموت.. في نفس الوقت، الذى نشأ فيه العلم، نشأ الدين.. وعن تطور الدين من التعدديات الى التوحيد، يحدثنا الأستاذ محمود فيقول "والآن فانا نقرر : ان دين التوحيد قد كان ظاهراً في دين التعدد، منذ نشأة الدين، عند الفرد البشري قبل نشأة المجتمع.. فقد كان لكل فرد في الأسرة إلهه – للأب وللأم وللأبناء البالغين، ولغير البالغين – ولكن آلهتهم جميعاً تخضع لإله الأب، كما يخضعون هم جميعاً له.. ثم ان الأسرة الواحدة قد نشأت منها أسر جماعة، ترجع الى رجل واحد، هو جدها.. ولهذه الأسر العديدة رجل حكيم، يأتمرون بأمره ويذعنون لحكمته، ولإلهه تزعن آلهتهم، كما يذعنون هم له.. وهكذا سار التوحيد.. رجل حكيم، ذكي، يذعن له رجال قبيلته، ونساؤها، ولإلهه تذعن آلهة رجال قبيلته، ونسائها.. ثم ان القبائل تحترب، فيما بينها، فتغلب قبيلة قبيلة، فتذعن القبيلة المغلوبة للقبيلة الغالبة.. وهكذا سار التوحيد.. ثم جاء عهد الملوك فتوجت القبائل شيوخها ملوكاً عليها، ليحموها وليقودوها الى النصر على أعدائها، الذين ينازعونها المرعى، وينازعونها الماء، ويشنون عليها الغارات.. فاذا انتصرت قبيلة بقيادة ملكها، على قبيلة أخرى، بقيادة ملكها، فإن الملك المغلوب يذعن للملك الغالب، وتذعن قبيلته معه، وتذعن آلهته للآلهه الجديدة، ويتوحد الملك بين القبيلتين ويتوحد الدين.. وهكذا يسير التوحيد.. ثم تطور عهد الملوك : من ملوك القبائل، الرحل، الى ملوك المدن المسورة، المحصنة بالقلاع، وتطورت مع تطور الملوك الآلهه.. وتطورت الممالك، من ممالك المدن، الى ممالك الدول الكبيرة.. وتطورت الآلهه أيضاً حتى جاء عهد الملوك الذين كانوا يرون أنفسهم آلهه، والملوك الذين كانوا يرون أنفسهم أبناء الآلهه، والملوك الذين كانوا يرون أنفسهم ظلالاً للآلهه، والملوك الذين كانوا يرون أنفسهم ظلالاً لإله واحد.. وهكذا يسير التوحيد.. ولقد جاء دين التوحيد من السماء، باتصال الملك جبريل، بالبشر المرسلين، لتعليم الناس التوحيد، منذ آدم أبو البشر الحاضرين"+++.

على الرغم من أن عنوان الفصل (الانسية والإنسانية)، فإن الكاتب لم يفصل في الفرق بينهما، وإن تعرض قليلاً الى تطور الإنسان، بصورة عامة. الانسية من الاستئناس، وهى ضد الوحشية.. ولأن الإنسان قد جاء من الحيوان، فانه استأنس عبر طور وئيد، خرج به من الغابة الى المدينة. ولا يتم الاستئناس، تماماً، إلا إذا تخلص الفرد من الشر، ومن العنف، كنتيجة حتمية لخلاصه من الخوف، الذى رسخته البيئة، في اهابنا، كما شرحنا آنفاً. والإنسان هو الفرد البشري، المستأنس، وهذا لم يجئ حتى الآن.. وانما أخذنا نحن اسم الإنسانية، مما سيؤول إليه حالنا، وإلا فان البشر الحاضرين، يحتاجون الى قفزة كبيرة، ليدخلوا مداخل الإنسانية، أكبر من تلك التى قفزها الحيوان، ليدخل الى مرحلة البشر الحاضرين.

يختم دوبجانسكي حديثه، في هذا الفصل، بما يشبه الاعتذار، عن خوضه في قضايا هي بالأساس فلسفية، رغم انه متخصص في علم الأحياء.. فيقول "وحيث انني متخصص في علم الأحياء لا في الفلسفة أو علم الإنسان فإن المهمة التى نصبت نفسي للاضطلاع بها تبدو طموحة جداً. انني أود فحص بعض المدلولات الفلسفية لبعض النتائج والنظريات البيولوجية والأنثروبولوجية. ان هذا الكتاب الصغير لا يقصد منه ان يكون بحثاً في الفلسفة البيولوجية أو البيولوجيا الفلسفية. انه يتكون من مقالات عن بعض جوانب العلم التى كانت مؤثرة في صياغة رؤيتي الكونية الخاصة. ليس هذا القول استباقاً واسترضاءً للنقاد المحللين لهذه االمقالات، وإنما هو فقط تفسير لما قد يبدو تناولاً عشوائياً للموضوعات التى تشملها الصفحات التالية".

ان عبارات التواضع، التى ختم بها الكاتب هذا الفصل، تقف شاهداً على عمق تفكيره، وتصوره لمبلغ صعوبة المهة، التى هو مقبل عليها.. وهى أيضاً تدل على انه عالم حقيقي، ينأى بنفسه عن الغرور، والزيف، ويتطلع الى ما هو أفضل مما حقق في مجال البحث.

( نواصل)
د. عمر القراي

[1] http://arkamani.org/sceince-fundamentalism/dobzhanski/f...mentalism_debate.htm
* ترجمة الكتاب : أركاماني مجلة الآثار والانثروبولوجيا السودانية على الشبكة العالمية ص3-4.
** المصدر السابق ص 3.
*** المصدر السابق ص 5-6.
+ محمود محمد طه (1984) الديباجة. الأخوان الجمهوريون. الخرطوم ص 52-53
++ المصدر السابق
+++ محمود محمد طه (1984) الديباجة. الأخوان الجمهوريون الخرطوم ص 35-36

Post: #645
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 04:42 AM
Parent: #644


معنى الحياة ؟!

تعليق على كتاب الكاتب الروسي ثيودوثيس دوبجانسكي
(2)

الفصل الثاني
د. عمر القراي

http://arkamani.org/sceince-fundamentalism/contributions/omargarai-1.htm


آلهة الفجوات

يعتقد دوبجانسكي، ان الكثيرين من المتدينيين، لا يفرحون لاكتشافات العلم، في مختلف المجالات، خاصة حين يشرح ما كان يعتبر من أسرار الطبيعة، التي لا يعلمها إلا الله ... وهم يرون في انحسار هذه الأسرار، تهديداً لأمان معتقداتهم الدينية. ولهذا لا بدَّ ان يجدوا فجوات في المعرفة العلمية، حتى يدخلوا منها الفعل الإلهي، ويبررون بذلك كافة معتقداتهم، التى لا تقوم إلا على أساس القدرة المطلقة للإله، والعجز الإنساني... من هنا، سمى هذا الفصل : آلهة الفجوات !!

ولقد ميّز الكاتب، بين مجموعتين : المتدينون الذين يبحثون عن آلهة الفجوات، والعلماء الذين يظنون ان العلم المادي احصى كل شئ، وقام بتفسير كل شئ، ومن ثم، لم يعد هناك مجال للتدخل الإلهي، أو حتى الوجود الإلهي، الذى لايرون فيه إلا (مرتعاَ للغموض والمعجزات) ... وبين هؤلاء، وأولئك، قلة من العلماء، يرون رغم علمهم المادي الغزير، ضرورة اعتبار الجانب الإلهي، الذى بغيره لا تكتمل الصورة... وكمثال للعلماء المؤمنين، يتحدث دوبجانسكي، عن نيوتن، فيقول : "لقد تمكن نيوتن من تفسير حركة الكواكب حول الشمس بقوانين فيزيائية لكنه كان مع ذلك يعتقد بأن الدوران اليومي للكواكب لا يمكن اشتقاقه من الجاذبية وانما يحتاج لقوة إلهية لإحداثه" ... أما العلماء غير المؤمنين، فيضرب لهم المثل بـ لاباس، فيقول "سأل الإمبراطور نابليون الكوزمولوجي والرياضي لاباس عن سبب غياب اسم الله من مؤلفه الشهير عن ميكانيكا الأجرام السماوية. وربما قصد الإمبراطور المزاح بذلك السؤال ولكن لاباس أجاب بكل جدية بأنه لم يكن محتاجاً لفرضية الله في عمله". وبناء على ذلك، كما يؤكد الكاتب، إعتقد الكثيرون، انه اذا لم تكن هنالك حاجة لله في شئون السماء، فالحاجة إليه، في شئون الأرض، تكون أقل. وكتبت مؤلفات عديدة، عن أفول فرضية الله، وعن موت الإله، وعن عدم الحاجة الى الله، في كافة المجالات العلمية، والواقعية الحياتية.

لقد فسر العلماء، الذين رفضوا الدين - فيما يحدثنا الكاتب - نشأته بالبدائية، وطفولة البشرية، حيث كان الإنسان يعتقد ان لكل شئ روح، فنشأت عبادة الأرواح والطوطم ... ولقد ضرب المثل بعالم الأنثروبولوجيا تايلور، كما لخص هذا الاتجاه، بعبارات لـ مالينونسكي (1931) "بمجرد ان أحكّم الإنسان قبضته على البيئة باستخدام الأدوات وبمجرد ان ظهرت اللغة فقد صارت هنالك معرفة ذات طبيعة علمية ولا يمكن لأي ثقافة ان تبقى لو كانت فنونها وحرفها وأسلحتها واقتصادها مؤسسة على مفاهيم ومذاهب خفية وغير تجريبية"

إن أهم ما تحدث عنه الكاتب، في هذا الفصل، هو الاشكالية التى صاحبت التفسير العلمي، لظاهرة نمو الكائن الحي، وتخلقه، وهل هو تعاقبي أم خلقي ... ومع ان الموضوع، يتعلق بالكائن الحي عموماً، إلا ان التعقيد البالغ، قد ظهر في تناول هؤلاء العلماء والفلاسفة للإنسان بصفة خاصة ... في هذا الصدد، يتعرض الكاتب، الى ثلاثة تيارات أساسية :

1- التيار الذى يعتبر الإنسان مثل الآلة، ويعزي التغيرات فيه الى علاقات رياضية ميكانيكية، ويمثله - فيما نقل لنا الكاتب - الفيلسوف ديكارت.
2- التيار الحيوي، وهو يعزي التغيرات الى طاقة حيوية، سماها بعض العلماء "التيلوس"، تدفع بالجسد في مراحل النمو والتغيير.
3- التيار التطوري، ويمثله دارون، ومن وافقه من العلماء. ثم ما حدث فيما بعد، من تعمق في هذا الاتجاه، نتيجة ابحاث علوم الوراثة.

يرى الكاتب، ان ديكارت رغم اختزاله لتكون الإنسان، وتطوره، في عمليات هندسية، ورياضية، لا يرى ان الإنسان آلة فقط، بل يصر على انه آلة لديها روح !! وينقل عن ديكارت قوله "لا أقبل ولا أرغب مبدأ آخر في الطبيعة سوى الهندسة والرياضيات المجردة لأن كل ظواهر الحياة يمكن ان تُفسر عن طريقها ويتم إثباتها بها. الأجسام الحية آلات وكذلك جسم الإنسان لكن الإنسان ليس آلة وحسب ان له روح ليست آلية" ... انما ما دفع ديكارت للتنازل عن هذه المادية، وقبول الثنائية، هو حسب رأي الكاتب، تعبير الإنسان عن رأيه بالكلام، والذى يقتضي صورة من التفكير المعقد الذى لا تستطيعه الآلة. فقد ذكر الكاتب، ان ديكارت (1637) قد تخيل آلة تنطق بالكلمات، ثم ذكر ان هذه الآلة لا يمكن ان "تنظم كلماتها بطرق مختلفة بحيث ترد رداً مناسباً على كل ما يقال في وجودها بالطريقة التى يستطيعها أدنى البشر". بعد قرن من ديكارت، جاء علماء مثل لا متري (1748)، ودوهولباخ (1770)، هلفيتيس (1772)، لا يرون أي ضرورة لاقحام موضوع الروح، ويؤكدون ان الإنسان آلة معقدة، وليس شيئاً سوى ذلك.

على ان اتجاه الآلية بشقيه، أخذ يواجه بتحد، منذ ان اكتشف أحد تلاميذ العالم لـ يوونهوك، ويدعى هام، الحيوانات المنوية في 1677، وصحب ذلك الرأي بالتخليق المسبق ... اذ ساد الاعتقاد وسط العلماء، بان الإنسان موجود بصورة مصغرة، في الحيوان المنوي !! إلا ان وولف أوضح عامي 1759 و1786 الغياب التام، لما يشبه أجزاء الجسد البالغ، في الأجنة المبكرة للحيوانات، أو بذور النباتات. وحين سئل عن سبب النمو، أجاب بأنه توجد قوة حيوية، هى التى توجه التنامي المتعاقب للجنين، وتصون البدن البالغ فيما بعد. وهكذا حلت النظرية الحيوية، محل النظرية الآلية، وأيدها معظم علماء القرن الثامن عشر، أمثال هنتر، وستاهل، وبيشات. ولقد تطورت النظرية الحيوية، نتيجة بحوث كثيرة، فقد قام فونبيير 1837 بتطوير نظرية الطبقات الجرثومية، في الحيوانات. وبفضل أصحاب مبدأ الخلية، شيلدن 1838، وشوان 1839، فقد أصبح وصف عملية النمو دقيقاً ... وصاغ هيكال 1866، قانون النشؤ الاحيائي، الذى يقول بأن تنامي الفرد، هو استعادة قصيرة للتنامي التطوري، أي للتاريخ النوعي للمجموعة، التى ينتمي إليها ذلك الفرد. وقام هارتويق 1879، وفول 1879، بوصف ولوج الحيوان المنوي للبويضة، والتحام نواتيهما. ثم قامت مجموعة من العلماء، في نهاية القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، بتحليل سلوك الكروموسومات، ودورها في انقسام الخلية، وفي نضج الخلايا الجنسية، وفي عمليتي التخصيب، وانقسام البويضة المخصبة.

وبينما كانت البحوث جارية في الخلية، كانت أيضاً نظريات تفسير سلوك الحيوان، وتطوره، وأثر البيئة عليه، مستمرة ... وظهرت نظرية دارون، كأوضح تفسير لتنامي الحيوان وتطوره، ولكن الكاتب لا يناقش النظرية في هذا الفصل، ولهذا نؤخر تعليقنا عليه. المهم هو ان تطور علم الوراثة، باكتشاف قوانين مندل 1865، وبداية اهتمام العلماء بها عام 1900، مثل قفزة كبيرة، دفعت لتطور مذهل في علم الأجنة، اختفى معه التركيز على النظرية الحيوية أو النظرية الآلية وحلت محلهما نظرية الوراثة.

لقد كشف علم الوراثة، ان هناك طواقم من الجينات، تضم معلومات أو أوامر، تحدد مسار النمو ... وهى موضوعة في الجينات على صورة شفرة. ولقد وضع واطسون - كريك، فرضية، اثبتتها الحقائق التى اكتشفت، بعد بحثهما، فالجينات المختلفة، تماثل الكلمات أو الفقرات DNA وهى ان الوراثة شفرة منقوشة في سلسلة جزئي الحمض النووي منقوص الأكسجين في كتاب يحوي السيرة الكاملة، للكائن الحي، والتى يمكن قراءاتها بمجرد اكتشاف الشفرة التي كتبت بها سطورها DNA "انها تعاقبات مختلفة لأربع نويات، هي الحروف الوراثية الأربعة، ويتم نسخ الرسائل الوراثية، في الكروموسوم حيث تتم ترجمتها الى تعاقب الأحماض الأمينية التى تتشكل منها جزئيات البروتينات. والبروتينات منها لبنات بناء الجسم ومنها الأنزيمات وهى المحفزات التى تقوم بعمليتي الهدم والبناء"

إن اختصار الكشوفات الحديثة لعلم الوراثة، للموضوع، في شفرات كيمائية، يرجعنا - حسب رأي الكاتب- الى فرضية الآلية، التى دعا لها ديكارت، مرة أخرى ... وذلك لأن هذه التفاعلات الكيمائية، إنما هى عمليات ميكانيكية تتم في مادة غير عضوية، لا علاقة لها بفرضية الحيوية، التى يرى الكاتب انها لم تثبت مطلقاً، في كل الكشوف العلمية. على ان هنالك علماء حيويون، لا يذكرون كلمة الحيوية، وان تبنوا نظرتها العامة، ويرى الكاتب انه لا بدً من الاستماع لبعض حججهم، ومن هؤلاء سينوت 1955 فقد قال أن "النسق المنظم الذى تضبطه رقابة أنشطته يوحي بوجود شئ بداخله تنحو هذه الأنشطة للتوافق معه، معيار، مستوى، هدف أو غاية ما يمكن ان يسميه الفيلسوف تيلوس كامن في مجمل الكتلة الحية".

يخلص الكاتب، الى ان هناك طريقتين، لدراسة العالم الحي، بما فيه الإنسان "الطريقة الأولى هى المنهج الاختزالي أي الديكارتي. يتم في هذه الطريقة فحص مكونات الجسم الحي وتحليلها، وهى في النهاية المواد الكيماوية التى تبنى منها الأجسام بشكل عام، فاننا نحصل من هذا المنهج على تفسيرات من نوع الكائن – الآلة ... المنهج الثاني هو الدارويني انه ينطبق الى حد كبير على علم الأحياء، ولكنه ليس مقصوراً عليه. اننا نسأل كيف بنيت الكائنات الحية وصارت بالطريقة التى هى عليها، وبهذا المنهج فان الحياة والكائنات الحية يمكن ان تصبح مفهومة على ضوء أصولها، وتناميها التطوري أي في ضوء التطور" ... على ان الكاتب لا يرى تناقضاً بين هذين المنهجين، بل هو يراهما مكملان لبعضهما، كل ما هناك ان الباحث يحتاج للتفسير الديكارتي، كلما اقترب من المستوى الكيمائي، ويحتاج الى التفسير الدارويني، كلما اقترب من المستوى الكلي، للكائن الحي، وتفاعله مع البيئة.

غير ان ايماننا بالتطور الكلي للكائن الحي، أو بالعمليات الكيمائية التى تحدث داخل الخلية، لا يكفي ليفسر لنا من أين تجئ مادة النمو، ولماذا يتم بهذه الصورة بالذات، في مختلف الكائنات الحيّة، وأنواعها. يقول الكاتب "لننظر الى هذه المعجزة اليومية التى لا تدهش أحداً مجئ حياة إنسانية جديدة. تزن البويضة الإنسانية جزءاً واحداً من عشرين مليون جزء من الأوقية. الشخص البالغ يزن خمسين مليون ضعف وزن البويضة. من أين تجئ مادة هذا النمو؟ من الواضح انها تستمد من البيئة من الطعام الذى يستهلك ويستوعب. الإنسان حرفياً خليط من البقالات المحولة. لكن هذا الخليط حي، يحس البهجة والمعاناة، ويمتلك الوعي بالذات ويقدر على أفعال تتراوح من الحنان الى الفروسية ومن البطولة الى الأنانية. إن الفكرة بأن خليط البقالات - مهما تحول - يمكن أن يأتي بهذه الأفعال صدمت البعض بحسباها محض هراء"*.

يقترح الكاتب، كمخرج يوفق بين كون الإنسان مجموعة بقول، وان له في نفس الوقت مشاعر "ان وصف الإنسان بكونه خليطاً من البقالات المحولة صحيح وواقعي، لحدود معينة. ان حدود هذا الوصف تضعها طبيعته الاختزالية. ما نحتاج إليه هو النظير التركيبي. الإنسان يتكون بالتاكيد من جزيئيات وذرات لكنه لا ينشأ بالالتقاء لتلك الجزيئات والذرات. الحقيقة التى ينبغي ألا تغيب عن أعيننا أبداً هي ان كل كائن حي من أي نوع من الأنواع الموجودة الآن قد تحدر سلالياً مباشرة من أحد أشكال الحياة الابتدائية التى يقدر انها نشات قبل أكثر من بليوني عام".. واضح للكاتب ان التقاء الجزئيات، والذرات بصورة عشوائية، لا يمكن ان ينتج عنه تلقائياً إنسان، مما يجعل الجمع بين نظرية التطور، والنظرية الآلية، لا يكفي وحده، لتفسير لغز الحياة.

يقول الكاتب "يبدو ان هناك مخرجاً واحداً من أزمتنا. لو أننا نستطيع إدخال الله في نهاية العلم، فلا بدَّ وان يكون موجوداً هناك من البداية وعلى طول الطريق". وكما لا يرى الكاتب كيف سندخل الله في هذه المعادلة، فانه يصر في الوقت نفسه، على رفض الفكرة الحيوية، ويعتبر التيلوس حلاً زائفاً، خاصة مع اصرار العلماء الحيويين، بأنه ليس مادة خاصة، ولا هو نوع من الطاقة !! ولكنه يفترض ان التيلوس، مهما كان، فانه لن يؤثر على الكائن الحي، الا اذا تدنى للمستويات المادية والطبيعية. حتى يؤكد الكاتب هذا المعنى، ضرب مثل بظاهرة التخاطب من البعد، أو التوسط بين الأرواح، وهى ظواهر يعدها الناس غير مادية، ولكنه يرى انه مهما كانت القوة غير المعروفه، المسؤولة عن التخاطر، فلا بدَّ من ان تكون قادرة على التاثير في خلايا الملتقي العصبية، حتى يظهر تاثيرها عليه. لا بدَّ لهذا الشكل الجديد، من الطاقة، أو القوى، من إحداث تاثير فسيولوجي، أو كيموحيوي، في هذه الخلايا، تتم ترجمته فسيولوجياً، آخر الأمر، الى تلفظات، ورسائل منطوقة، أو مكتوبة، أو مرئية، أو متخيلة.

إن التساؤل عن أثر ما هو ليس مادي، على المادة، لا ينطلق من مسائل غامضة، مثل تحضير الأرواح، فحسب، وإنما يطرحه العلم أيضاً ... أذ يحدثنا الكاتب، بأن العالم الفسيولوجي الكبير، اكلز 1953 قد أكد على الصغر المتناهي لبعض البنيات البيولوجية، التى يتم فيها الاتصال بين العقل والمادة. وهى تمثل المشابك، التى تلتقي فيها أفرع الخلايا العصبية المختلفة، والتى يقدر وزنها من 12 الى 13 جرام. ورغم صغر حجمها، يمكن ان تؤدي الاثارة عبرها، الى اطلاق مئات الآلاف من العصبونات، في أقل من جزء من الألف من الثانية. وبعد ايراد هذه المعلومات يتساءل الكاتب "هل تخول لنا كفاءة هذه الآلية التضخمية الافتراض بأن قوة لا مادية يمكن ان تحدث تاثيراً قوياً في عمليات الجسم العيانية وحركاته؟

وفي النظر الى القضية من زاوية أخرى، يطرح الكاتب، اقتراح النظر في الافتراض القائل، بأن المادة تكمن فيها بدايات الحياة، والاحساس، والإرادة. ويحدثنا عن ان هذه الأفكار، التى يقول انها سميت أحياناً، وحدة الوجود، أو الحلولية، في الفلسفة القديمة والأديان، والتى تبناها فلاسفة محدثون، أمثال هوايتهيد، وهارتشون، وعلماء أحياء أمثال رنش، وتيلار، ديشاردن، وبيرش، ورايت، وغيرهم. يلخص لنا الكاتب رأي رنش 1960، على النحو التالي : "ليست هناك فجوات في الصعود التطوري للإنسان والحيوانات العليا من الدنيا لذلك ليس هناك أساس لانكار ان لكل الحيوانات بما في ذلك وحيدة الخلية أحاسيس ومشاعر نابعة منها ولا أساس لانكار الاحساس لدى النباتات. أما رايت 1964 فانه يقول "لا يستطيع عالم الأحياء الفيلسوف ان يتفادى مسألة علاقة العقل بالمادة" وذلك لأنه "لو كان العالم غير الحي خالياً من العقل تماماً، ولو انه مضى وقت لم يكن وجود الحياة فيه ممكناً كما هو واضح، فكيف ظهر العقل اذن ؟... ان انبثاق العقل من لا عقل بتاتاً ليس الا محض سحر ... يبدو ان المخرج المقنع الوحيد، ان يكون العقل عالمياً موجوداً لا في كل الكائنات الحية وخلاياها وحسب، وإنما في الجزيئات والذرات حتى في الجسيمات الأولية.

يتفق دوبجانسكي مع هؤلاء العلماء، في ان إمكانية الحياة، كانت موجودة في العالم اللاعضوي. والدليل على ذلك انها ظهرت فيما بعد. وبالقدر نفسه، لا بدَّ ان إمكانية العقل، قد كانت موجودة، في مادة الخلايا الأولية الحية، لأننا نعرف ان كائنات عاقلة، نشأت فيما بعد ... وهو يوافق رايت في قوله "لو اننا لا نريد للعقل الإنساني ان يظهر بطريقة سحرية فلا بدَّ من ان يكون قد تنامى من عقل البويضة. وظاهرياً قبل ذلك، من جزيئات الحمض النووي دنا في نواتي البويضة والسائل المنوي اللذان يشكلان طاقمها الوراثي. لكنه أيضاً، يختلف مع هؤلاء العلماء، فكون إمكانية العقل، موجودة في البويضة، والسائل المنوي، لا يتبع منه بالضرورة، ان البويضة والسائل المنوي لها عقول. يقول دوبجانسكي "ان للحجر إمكانية ان يصبح تمثالاً لكن لا يتبع من ذلك ان هناك تمثالاً خبيئاً داخل كل حجر. لا بدَّ من التسليم بأن إمكانية الطفل موجودة، أو كانت موجودة، في والديه. لكن لنلاحظ انه حتى الطقم الوراثي لهذا الطفل المعين لم يتحقق إلا بعد ان توحدت هاتان الخليتان الجنسيتان. وحيث انه كانت للأبوين مئات البويضات وبلايين السبيرمات المنويات فقد كانت لهما أيضاً إمكانية انجاب أعداد لا حصر لها من الأطفال الآخرين. ولم تتقرر إمكانية الطواقم الوراثية التى تفوق الحصر إلا عند التخصيب... حتى بعد التخصيب فقد صار الجنين وليداً، وأصبح الوليد شخصاً، بالتدرج المنتظم، وبلا انقطاع في التنامي المتواصل الذى لا يتيح لنا مجالاً لتخيل ولوج عقل أو روح فيه. ولا أرى هنالك جدوى من افتراض وجود عقول في البويضات والسبيرمات "المنويات"، مهما تناهت درجة تخفيف تلك العقول. كما وليس هنالك معنى للقول بان لفافات الطعام الموجودة في أرفف البقالات حية وانها تحتوي على جرثومة شخصي، على الرغم من ان بعض محتوياتها قد تصبح كذلك بعد ان يتم استيعابها في جسدي".

يذكر الكاتب، ان فكرة خلود الروح والعقل، مغرية لبعض المتصوفة، والمؤمنين بتناسخ الأرواح، ولكن لا مجال لها في العلم !! وفي تأكيد لذلك، يقول "ان المظاهر الخارجية على الأقل توحي بان العقول تنشأ وتتنامى ثم تختفي. فقد نشأ العقل الذى هو أنا على درجات، بدأ قبل حوالي ستة وستين عاماً، بوضوح من لا عقل بتاتاً، وإنما فقط من كروموسومات وسيتوبلازم ومواد غذائية لا عقل لها. قبل ذلك بسبعين سنة مثلاً لم يكن لهذا العقل أي وجود. ولو ان هذا محض سحر فهو سحر يملأ الدنيا. ومما لا شك فيه ان عقلي هذا سيختفي من الوجود بعد بضعة سنوات. البديل هو اقتفاء أثر أولئك الناس الذين يعتقدون بأن العقول لا تختفي وإنما يتم تخزينها في أماكن للنعيم المقيم أو اللعنة الأبدية المحتومة. غير أن هذا يصعب تصديقه وأصعب منه ان أصدق ان عقلي كان متربصاً في مكان ما خارج المسرح قبل سبعين سنة منتظراً دوره للولوج في الكروموسومة أو الخلية التى تناسبه.

يخلص المؤلف في هذا الفصل، الى ان أصل الإنسان، ونموه، نتج عن لحظات تغيير ابداعية جذرية، وليس مجرد تراكم، أو نمو لما كان أصلاً موجوداً، فيقول "لقد كان أصل الحياة وأصل الإنسان نتاجاً لأزمات تطورية لحظات تغيير بلا عودة لحظات تحقق أشكال إبداعية للوجود. يمكن ان توصف هذه الابداعات الجذرية بأنها انبثاقات أو تجاوزات في السيرورة التطورية. ولا تخلو أي من هذه التعابير من دلالات ليست مرغوبة لكن التجاوز يبدو تعبيراً أفضل، لذلك نواصل استخدامه في الفصول القادمة. لم ينشا العقل الإنساني من شكل ما لبداءات عقول الجزئيات والذرات. وليس التطور ببساطة عملية إفراغ لما كان في حالة مختبئة منذ البداية. انه مصدر إبداع لأشكال من الوجود لم تطرأ أبداً من قبل على الحالات السالفة".

أرجو ان أكون قد لخصت الأفكار التى طرحها الكاتب، في هذا الفصل، بصورة منصفة، تمكن من التعليق عليها دون اجحاف. أن التساؤل الأساسي، الذى يطرحه هذا الفصل، وربما الكتاب كله هو : ما هى المادة؟ وما هى الروح؟ العالم الذى نعيش فيه، هل هو عالم في الأساس مادي أم روحي؟ ذلك ان معرفتنا لمعنى حياتنا، ووجودنا، إنما تتحدد على ضوء الاجابة، عن هذه التساؤلات، وكذلك تصورنا لنشأة الحياة، وتطورها، وغايتها.

ولا يختلف العلماء والفلاسفة، الذين طرح علينا دوبجانسكي آراءهم، بشأن تطور الجنين، داخل رحم الأم، من نطفة، هى خليط بين بويضة الأنثى، والحيوان المنوي للرجل، حتى يصبح بشراً سوياً ... ولكنهم يختلفون حول تفسير عملية التطور، قبل ذلك وبعده، وكيفية الانتقال من مرحلة الى أخرى، وعلاقتها بما سوى الإنسان، من الأحياء المعايشة له، أو الأشياء السابقة لوجوده، في البيئة التى يعيش فيها.

رفض الكاتب، آراء الذين حين لا يجدون تفسيراً علمياً، لظاهرة من الظواهر، ينسبون الأمر الى الله ... وسمى هذه الظاهرة آلهة الفجوات، وأدان هذا الاتجاه بشدة، مع انه اتجاه طبيعي، ناتج من الاعتقاد بأن الله، يقدر على كل ما يعجز عنه الإنسان ... ولعل الايمان نفسه، ما هو الا معرفتنا بمبلغ حاجتنا لله، وعجزنا بازاء قدرته ... والبديل الذى يقدمه العلماء، ومنهم دوبجانسكي، لهؤلاء المؤمنين، ليس أفضل حالاً، لأنهم حين يرون فجوة، لم يستطع العلم سدها، يحتارون مثلما يحتار المؤمنين، ويقولون اننا لا نعرف الآن، ولكن العلم متطور، وسيفسر هذه الظاهرة في المستقبل !! فهل هذا الجهل الحاضر، وان شفع بالأمل في المستقبل، يعطي العلماء العذر للزراية بآراء البسطاء، الذين يعلقون كل همومهم، وعجزهم، على من يعتقدون انه أعظم منهم؟ إنني ألوم المؤمنين، اذا رفضوا الأشياء التى أثبتها العلم، وتعلقوا بمعتقداتهم، التى أوضح العلم بالعقل والمنطق خطأها، ولكنني لا ألومهم اذا أسندوا كل ما هو فوق طاقتهم الى الله، ما دام العلم المادي التجريبي، استوى معهم في جهلهم، ولم يعطهم بديلاً مقنعاً يفسر لهم ما اشكل عليهم.. وسيستمر تعلق الإنسان دوماً، بماهو أعظم منه، حين تعجز حياته، ولا يستطيع تفسير ظاهرة ما، وسيستمر قصور العلم المادي التجريبي، عن تفسير بعض الظواهر، مما يستدعي باستمرارآلهة الفجوات... حتى العلم الروحي، لن يفسر كل شئ، مما يجعل السير السرمدي، نحو الكمال المطلق، هو حظ الإنسان النهائي، ولا نهاية !! على ان الكسل الذهني، وعدم وجود روح التساؤل، والشك، والبحث، امراً غير مرغوب، وهو عامة، ما يوجد وسط المتشددين، من المتدينين، الذين يهرعون لنسبة أية ظاهر، للفعل الآلهي المباشر، دون النظر للأسباب الموضوعية، أو الآراء العلمية، التى توصل إليها العلماء، نتيجة عمل دوؤب مثابر ... هؤلاء هم من يستحقون ادانة العالم دوبجانسكي.

ان المنطق، الذى رفض به دوبجانسكي النظرية الحيوية، التى ترجع التطور الى قوى حيوية، في الكائن الحي، لم يعثر عليها العلماء في المعمل، منطق مادي، لا ينهض وحده، لتحليل ظاهرة معقدة مثل الحياة، سيما حياة الإنسان ... ولعلّ هذا، ما حدا بـ ديكارت، ان يقرر ان الإنسان، يختلف من الآلة بالروح، وان الروح، ليست شيئاً مادياً ... وعلماء النظرية الحيوية، أنفسهم، لم يستطيعوا ان يحددوا، ما اذا كانت الحيوية طاقة، أم شئ آخر، ولكنهم يقررون انه العمليات الحيوية، تتم بتنظيم دقيق، يستهدف المحافظة على حياة الحي، واستمرار النوع. وفي عبارة سينوت "النسق المنظم الذى تضبطه رقابة أنشطته يوحي بوجود شئ بداخله تنحو هذه الأنشطة للتوافق معه، معيار، مستوى، هدف أو غاية ما يمكن ان يسميه الفيلسوف تيلوس كامن في مجمل الكتلة الحية".

في تعريف الاستاذ محمود محمد طه "الروح مادة في حالة من الاهتزاز لا تتاثر بها حواسنا والمادة روح في حالة من الاهتزاز تتأثر بها حواسنا" ** ويقول أيضاً "لقد أظهر العلم المادي العلم التجريبي، بانفلاق الذرّة، أن المادة، بصورها المتعددة، كلها وحدة.. بل ظهر ان المادة التى نعرفها فيما مضى، ونلمسها، ونحسها بحواسنا، أو ندركها بعقولنا، ليست هناك، وإنما هى طاقة، تدفع، وتجذب، في الفضاء... ويعرف العلم المادي التجريبي خواص هذه الطاقة، ولكنه يجهل كنهها ... بل ان كننهها لا يدخل في نطاق تجاربه ... ولا هو يدعي انه سيدخل، يوماً ما، في نطاق تجاربه ... وحين تطور العلم التجريبي المادي، حتى رد المادة في جميع صورها، الى أصلها الأصيل، في الوحدة – في الطاقة - تطور توأمه الدين، حتى لقد وصل بتصعيد التوحيد، الى رد كل المناشط البشرية، والطبيعية، في العوالم المنظورة، وغير المنظورة، الى أصل واحد ... إن العالم جميعه، ماديه وروحيه، إنما هو مظهر الله الذى خلقه، وقدره، وسيره ... على ذلك اتفق انجاز العلم المادي التجريبي، والعلم الروحي التوحيدي.. بايجاز فإن البيئة التى نعيش فيها اليوم، وظللنا نعيش فيها عهودنا السحيقة، ونحاول التعرف عليها، بكل وسائل البحث، والتقصي، قد انكشفت اليوم، بفضل الله علينا وعلى الناس ... انها ليست بيئة مادية كما توهمنا – بمعنى المادة التى نالفها – وإنما هى في الأصل بيئة روحية ذات مظهر مادي ... هى ذات الله متنزلة الى حياته، ثم متنزلة الى علمه، ثم متنزلة الى إرادته، ثم متنزلة الى قدرته ... فبعلمه الإحاطة، وبإرادته التخصيص، وبقدرته التجسيد ... وبالتجسيد جاء المظهر المادي، بمعنى ما اصطلحنا عليه من معنى المادة ... فلما فتت العلم المادي، التجريبي، المادة، فردها الى طاقة معروفة الخصائص، مجهولة الكنه، وصلنا الى الإرادة الإلهية التى قهرت الوجود وسيرته الى الله ... إن العلم المادي التجريبي، والعلم الروحي التجريبي – التوحيدي - اتحدا اليوم في الدلالة على وحدة الوجود ... لقد انفلقت نواة المادة فاحدثت دوياً عظيماً وتوشك ان تنفلق نواة الدين، وسيسمع لها دوياً أعتى، وأعظم، من ذلك الذى أحدثته الذرّة حين انفلقت ... إن البيئة التى نعيش فيها إذن إنما هى بيئة روحية، ذات مظهر مادي ... وهذه الحقيقة ستحدث ثورة في مناهج التعليم الحاضرة، التى ظهر قصورها، وإليها يرجع فساد الحكم، وقصور الحكام والمحكومين***

أرجح النظريات العلمية عن نشأة الكون، هي نظرية الانفجار الكبير، وهى تقرر، ان الكون قد نشأ من انفجار ذري ضخم، وان البداية كانت الطاقة النووية، الناتجة عن ذلك الانفجار، والتى حين تحركت بتركيز معين، برزت منها المادة. ففي كتاب مارتن رييس:



In 1965, about 13 billion years after the event, evidence of the hot, dense beginning of the Universe was detected - the Big Bang. The afterglow of creation still exists as background microwave radiation which gives rise to about 1% of the interference on a television set.

Rees makes the surprising claim that we are 99% sure of what occurred one millisecond after the Big Bang, but events before that remain unexplained. There followed the formation of stars and so-called dark matter, the dominant stuff of our Universe. The properties of this common material are still largely unknown to Science.****



فالوجود بدأ إذن بالطاقة، ولم يبدأ بالمادة، بل ان القدر الذى تجسد بصورة تدركها حواسنا، من الطاقة، محدود بمحدودية الحواس، ثم في مستوى أفضل، بمحدودية الأجهزة المتقدمة، التى تمدد من إمكانيات هذه الحواس، ثم هي لا تزال عاجزة، عن الاحاطة ببعض صور الطاقة من حولنا ... هذا رأي العلم المادي أما الدين - ونعني به هنا الإسلام - فإنه أيضاً يقرر ان البداية، كانت من الغازات، التى نتجت من الانفجار ... قال تعالى ]ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض آتيا طوعاً أو كرهاً قالتا اتينا طائعين[ والاشارة الى ان البداية، كانت انفجار، ترد في الصور التى تحكي ما يتم من دمار، في قيام الساعة، وذلك لقوله تعالى ]كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا انا كنا فاعلين[ !!

وحين لا يعرف العلم المادي، أي شئ وراء الانفجار، أو قل وراء الطاقة، فإن الدين يقرر، ان الطاقة التى نرى مظهرها، ونجهل كنهها، هي الإرادة الإلهية !! وهى التى تنفعل لها الأشياء، على وجه لا نرى إلا آثاره، قال تعالى ]إنما أمره إذا أراد شيئاً ان يقول له كن فيكون[ ... والإرادة صفة وسيطة، بين صفتين، فمن أعلاها العلم، ومن أدناها القدرة ... فالله تبارك وتعالى، أحاط بمخلوقاته علماً، قبل ان يبرزها الى حيز الوجود، ثم تنزل من العلم الى الإرادة، فخصص الصورة التى سيبرزها بها، ثم أبرزها بقدرته، وفق احاطة العلم وتخصيص الإرادة ... وبحسبانها وسط بين طرفين، فإن الإرادة تحوي العلم وتحوي القدرة ... فالإرادة تنزل عن العلم، وهى أيضاً تنزل عن الأمر، في قوله ]إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون[ ... ولهذا فهى هى الروح، لأن الروح تنزل من الأمر، وهذا هو المشار إليه، في قوله تعالى ]ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما اوتيتم من العلم إلا قليلاً[!! وعن ان صدور الروح، من الأمر، يعتبر تنزل قال تعالى ]ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده ان انذروا انه لا اله الا انا فاتقون[ ... فاذا كانت الإرادة في عمومها روح، بمعنى الطاقة العامة، التى تكونت منها المادة، فإن للروح معاني أدق من هذه، تُعد مستويات منها، لا تختلف في الأصل، وان اختلفت في الدرجة، لقربها أو بعدها عن الروح المطلق، الذى صدر عنه الوجود.

فلقد سمى الله القرآن، وهو كلامه، الروح، فقال تعالى ]وكذلك اوحينا اليك روحاً من امرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان[ ... وسمى العلم الرفيع، الذى يكتمل به الدين، الروح أيضاُ، فقال ]رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من امره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق[. وسمى جبريل الملك، الموكل بالوحي، الروح، فقال ]نزل به الروح الأمين * على قلبك لتكون من المنذرين * بلسان عربي مبين[ ... وسماه روح القدس فقال ]قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين[ ... وقال ]وآتينا عيسى ابن مريم البينات وايدناه بروح القدس[ ... وعن الروح الإنساني، الذى في الجسد، وكونه تنزل عن الروح الإلهي، قال تعالى ]فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين[ !! وقال ]ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والافئدة قليلاً ما تشكرون[ ... وفي الاشارة الى ان كل الناس، إنما جاءوا من هذه الروح الإلهيه، جاء قوله تعالى ]ياأيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة[ !! ولقد ذكر المفسرون الأوائل، ان النفس الواحدة، هى نفس آدم عليه السلام، وهذا بطبيعة الحال، يصح في المعنى القريب، ولكن آدم نفسه، من الناس، وهو مخاطب بهذا الخطاب القرآني مثلهم، وهو قد خلق من النفس الواحدة مثلهم، ثم ان نفس آدم ليست واحدة، لأنه منقسم، وموزع بالمخاوف، وإنما النفس الواحدة هى نفس الله الواحد تبارك وتعالى.

وكما ان العلم المادي قد قرر ان المادة العضوية (الحيّة) قد جاءت من المادة غير العضوية، فإن الدين قد قرر ذلك منذ أمد بعيد ... قال عز من قائل ]ومن آياته ان خلقكم من تراب ثم اذا انتم بشر تنتشرون[ وقال ]هو الذى خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقةً ثم يخرجكم طفلاً ثم لتبلغوا اشدكم ثم لتكونوا شيوخاً، ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلاً مسمى ولعلكم تعقلون[ ... وقال ]أولم ير الذين كفروا ان السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون[.

فإذا وضح ان هذه الطاقة – الروح – الإرادة الإلهية – موجودة في نواة الذرة، فإن التفاعلات الكيمائية، التى عدّها دعاة النظرية الميكانيكية، عمل آلي، وحسبها دعاة النظرية الحيوية، ناتجة عن قوى حيوية، تسمى التيلوس، وعدّها علماء الوراثة، مجرد شفرات في الـ (دنا)، إنما هى جميعاً، إشارات للحقيقة الكامنة وراءها، وهى ان النمو، إنما يرتفق بجميع هذه الأشياء، ولكنه لا يحدث بها، وحدها، وإنما يتم بالأمر الإلهي، الذى قيدته الحكمة، بسنة التطور.

يتفق دوبجانسكي، مع العلماء في ان المادة العضوية، جاءت من المادة غير العضوية ... وان العقل جاء من المادة، ولكنه لا يوافقهم، بأن صور المادة المختلفة، بها عقل، فيقول "ان المظاهر الخارجية على الأقل توحي بأن العقول تنشأ وتتنامى ثم تختفي. فقد نشأ العقل الذى هو أنا على درجات، بدأ قبل حوالي ستة وستين عاماً، بوضوح من لا عقل بتاتاً، وإنما فقط من كروموسومات وسيتوبلازم ومواد غذائية لا عقل لها. قبل ذلك بسبعين سنة مثلاً لم يكن لهذا العقل أي وجود. ولو ان هذا محض سحر فهو سحر يملأ الدنيا. ومما لا شك فيه ان عقلي هذا سيختفي من الوجود بعد بضعة سنوات. البديل هو اقتفاء أثر أولئك الناس الذين يعتقدون بأن العقول لا تختفي، وإنما يتم تخزينها في أماكن للنعيم المقيم أو اللعنة الأبدية المحتومة. غير ان هذا يصعب تصديقه، وأصعب منه ان أصدق ان عقلي كان متربصاً في مكان ما، خارج المسرح قبل سبعين سنة، منتظراً دوره للولوج في الكروموسومة، أو الخلية التى تناسبه".

إن الموافقة على ان المادة العضوية، جاءت من غير العضوية، يعني بالضرورة، انها كانت كامنة فيها، على نحو ما ... وهذا ينطبق على العقل، فإنه قد أٌستل من الجسد، في تطور وئيد، بدأ ببروز الحواس، الواحدة تلو الأخرى، حسب الحاجة إليها، في صراع الحي في البيئة، فإنه لم يجئ من خارج المادة، لأنه ليس هناك شئ خارج المادة !! وإذا سلمنا بأن العقل ليس مادة، فلا بدَّ ان يكون المادة، التى جاء منها، على الأقل، تحمل بعض الخصائص اللامادية التى نراها فيه الآن، لأنها لا يمكن ان تجئ من العدم ... من هنا، فإن العلماء الذين نقدهم دوبجانسكي، قد كانوا أقرب منه الى الصواب، خاصة رايت الذى قال "لا يستطيع عالم الأحياء الفيلسوف ان يتفادى مسألة علاقة العقل بالمادة" وذلك لأنه "لو كان العالم غير الحي خالياً من العقل تماماً ولو انه مضى وقت لم يكن وجود الحياة فيه ممكناً كما هو واضح فكيف ظهر العقل اذن؟ ... إن انبثاق العقل من لا عقل بتاتاً ليس إلا محض سحر ... يبدو ان المخرج المقنع الوحيد ان يكون العقل عالمياً موجوداً لا في كل الكائنات الحية وخلاياها وحسب وإنما في الجزيئات والذرات حتى في الجسيمات الأولية".

إن العقل في الإنسان، هو ملكة الادراك، التى تمثلها الإرادة البشرية، وهو الروح الإنساني، المنفوخ في الجسد. فاذا وضح لنا، ان في الذرّة تكمن الطاقة، وان الطاقة هى الإرادة الإلهية، التى منها صدرت الإرادة البشرية، وضح ان العقل، قد كان موجوداً منذ البداية، وإن كان وجوده قد دق عن ادراك الحواس... ولهذا سمى الله الإنسان إنساناً، قبل بروز العقل، فقال ]هل اتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً * انا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً[ فهو لم يكن مذكوراً، لأنه لم يكن له عقل، ولم يكن مكلف ... وعبارة نبتليه، إنما تشير للصراع في البيئة، الذى نتجت عنه الحواس ]فجعلناه سميعاً بصيراً[ ... والاشارة الى الحواس، هى اشارة أيضاً الى بروز العقل، لأن العقل إنما هو تمديد للحواس، بدخول الخيال في المسرح ... فإذا صح ما قررنا، فإن عبارة دوبجانسكي "فقد نشأ العقل الذى هو أنا على درجات، بدأ قبل حوالي ستة وستين عاماً، بوضوح من لا عقل بتاتاً" تحتاج الى مراجعة ... أما عبارة "ومما لا شك فيه ان عقلي هذا سيختفي من الوجود بعد بضعة سنوات" فهى أبلغ خطأ، من سابقتها، لأن العقل لو كان مادة أو طاقة، فإنه لا يختفي من الوجود، وإن تغير الى صورة أخرى !! فمعلوم ان المادة لا تفنى، ولا تستحدث، ولا تخلق من العدم ... وليس هناك عبرة، بعبارة دوبجانسكي، "البديل هو اقتفاء أثر أولئك الناس الذين يعتقدون بأن العقول لا تختفي وإنما يتم تخزينها في أماكن للنعيم المقيم أو اللعنة الأبدية المحتومة. غير ان هذا يصعب تصديقه وأصعب منه ان أصدق ان عقلي كان متربصاً في مكان ما خارج المسرح قبل سبعين سنة منتظراً دوره للولوج في الكروموسومة أو الخلية التي تناسبه" ... لأنه لا يرفض اعتقاد المتدينين بعلم، وإنما بعقيدة أخرى، مفادها عدم التصديق، بما يعتقد فيه المؤمنين !!

لقد وقف الكاتب، عند موضوع الوراثة، واعتبرها النظرة المتقدمة لدعم التطور ... وحدثنا ان الوراثة، رغم ما فيها من توكيد، ولو جزئي، للنظرية الآلية، فقد كشف علم الوراثة، ان هناك طواقم من الجينات، تضم معلومات أو أوامر، تحدد مسار النمو ... وهى موضوعة في الجينات على صورة شفرة. ولقد وضع واطسون - كريك، فرضية، أثبتتها الحقائق التى أٌكتشفت، بعد بحثهما، فالجينات المختلفة تماثل الكلمات أو الفقرات DNA وهى ان الوراثة شفرة منقوشة في سلسلة جزئي الحمض النووي.

على ان بحوث الوراثة تطورت بصورة مذهلة، منذ ان كتب دوبجانسكي كتابه، وأصبح علم الجينوم+ من أحظى العلوم الحديثة، بالأبحاث والمعاهد ... وحين تخصص العلماء في دراسة هذه الشفرات، ظهر علم الترانسكربتوم، الذى يعنى بقراءة هذه الكتب، المنشورة في الخلايا، والتى حوت المعلومات، عن كل الجنس. ففي التعريف بهذا العلم يرد :



A transcriptome is a collection of all the gene transcripts present in a given cell. Genes are made up of helical molecules of deoxyribonucleic acid (DNA) that contain the blueprints for making proteins. In order to actually produce proteins, these DNA blueprints must be transcribed into corresponding molecules ribonucleic acid (RNA) referred to as messenger RNA (mRNA) or gene transcripts.

The mRNA molecules then deliver the instructions for making proteins to ribosomes , which are tiny molecular “machines” found in the cytoplasm of the cell. In a process called translation, ribosomes “read” the mRNA’s sequence and produce a protein order specified by the genetic code.++




وعن كون هذه الكشوف الحديثة يتوقع ان تصل الى اجابات شافية لبعض المسائل المعقدة يرد :



The Human Genome Project (HGP) successful sequencing of the human genome has provided scientists with a virtual blueprint of the human being. However, this accomplishment should be viewed not as an end in itself, but rather as a starting point for even more exciting research. Armed with the human genome sequence, researchers are now trying to unravel some biology’s most complicated processes: how a baby develops from a single cell, how genes coordinate the functions of tissues and organs, how disease predisposition occurs and how the human brain works.(Ibid.



لقد كنا نعتقد، إنما يمكن معرفته من تاريخ الإنسان، هو ما دُون بعد بداية عهد الكتابة، ولكننا الآن، بفضل الله، ثم بفضل علم الوراثة، وكشوفه العظيمة، عرفنا ان تاريخ الجنس، مسطر في خلايا الجلد !! والى هذا المعنى، أشار الله تعالى بقوله ]والطور * وكتاب مسطور * في رق منشور[ ... فمادة الجلد، والأحماض التى تحمل الشفرات، وتلك التى تترجمها، والإرادة التى توجهها، لتفاعل معين، ينتج عنه مواد معينة، كلها من أصل واحد، ولا تختلف إلا اختلاف مقدار، وهذه هى وحدة الوجود.

لقد ذهب دوبجانسكي، في هذا الفصل، الى تخطئة النظرية الآلية، والنظرية الحيوية، وخطأ قول القائلين، بأن الصور المتقدمة من الحياة، موجودة في الذرات، فما هى خلاصة رأيه، في الكيفية التى تم بها التطور؟ اسمعه يقول "لقد كان أصل الحياة وأصل الإنسان نتاجاً لأزمات تطورية لحظات تغيير بلا عودة لحظات تحقق أشكال إبداعية للوجود. يمكن ان توصف هذه الابداعات الجذرية بأنها انبثاقات أو تجاوزات في السيرورة التطورية. ولا تخلو أي من هذه التعابير من دلالات ليست مرغوبة لكن التجاوز يبدو تعبيراً أفضل، لذلك نواصل استخدامه في الفصول القادمة. لم ينشأ العقل الإنساني من شكل ما لبداءات عقول الجزئيات والذرات. وليس التطور ببساطة عملية إفراغ لما كان في حالة مختبئة منذ البداية. انه مصدر إبداع لأشكال من الوجود لم تطرأ أبداً من قبل على الحالات السالفة".

لا شك ان دوبجانسكي، نفسه، يلاحظ ان حديثه هذا، عن الابداعات والانبثاقات، إنما هو حديث انشائي، أدبي، لا علاقة له بالعلم. وهو إن دل على شئ، إنما يدل على ان الكاتب، لا يستطيع ان يفسر، لماذا يطرأ على السير المحدد طارئ، فيغير مسار التطور، ويأتي بشكل جديد تماماً. ولقد واجهت دارون هذه القفزات، التى اعتمد عليها، كثير من نقاده، مما سوف نتعرض له عند مراجعة الفصول القادمة. على ان الدخول من مرحلة لأخرى، يقتضي تجميع خصائص المراحل السابقة، بصورة تتسامى، فتدفع الى هذه القفزة، التى تمثل مستوى جديداً، من بروز الحياة ... وكما ان التطور الوئيد، لا يتم إلا بتوجيه الإرادة الإلهية، فكذلك القفزة. على ان في القفزة، توجيه مباشر، لا يلقي بالاً، إلا القوانين السابقة، ليؤكد ان الأسباب، انما هى مجرد أعداد للمكان، لتلقي الإذن الإلهي ... والى هذه القفزة أشار تبارك وتعالى، في قوله ]ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة، فخلقنا العلقة مضغة، فخلقنا المضغة عظاماً، فكسونا العظام لحماً، ثم انشأناه خلقاً آخراً، فتبارك الله أحسن الخالقين[ ... وإنما أشار بالخلق الآخر، الى بروز الإنسان، واختلافه عن أسلافه، من الحيوانات العليا، بالعقل ... وذلك لأنه بهذه اللطيفة الروحانية، يعرف الله، دون سائر الحيوانات الأخرى ... وهذا ما سوف نركز عليه، حين نتحدث في الحلقات القادمة، عن المعنى الحقيقي لحياتنا.

يطيب لي، ان اختم مناقشتي لهذا الفصل، بعبارة دوبجانسكي "يبدو ان هناك مخرجاً واحداً من أزمتنا. لو اننا نستطيع إدخال الله في نهاية العلم، فلا بدًّ وان يكون موجوداً هناك من البداية وعلى طول الطريق".

-نواصل-


* Dobzhansky (1967) The Biology of Ultimate Concern. Chicago : First Meridian Printing. P.23. ( my translation)

** محمود محمد طه (1970) أسئلة وأجوبة . أمدرمان : السودان ص 53

*** محمود محمد طه (1984) الديباجة. الخرطوم : السودان. مذكرة غير منشورة ص 15-16


****Martin Rees (2001) Our Cosmic Habitat. New Jersey, Princeton University Press. Reviewed by R. Andrew.

+Genome is the total genetic information of a particular organism. The normal genome consist of 3 billion base pair of DNA in each of the 23 chromosomes from one parent. See: www.hhmi.org/genetictrail/glossary.html.

++ http:// genome.gov/10001177

Post: #646
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 04:44 AM
Parent: #645


معنى الحياة ؟!

تعليق على كتاب الكاتب الروسي ثيودوثيس دوبزانسكي

الفصل الثالث
التطور والتجاوز

http://www.arkamani.org/sceince-fundamentalism/contribu...ions/omargharai3.htm


بدأ الكاتب، هذا الفصل ، بالحديث عن كلمة التطور، ومدلولاتها.. وكيف انها اصبحت شائعة ، واستشهد بعبارة سوروكين 1937 الذي أكد ان التطور قد اصبح " المقولة السائدة للادراك العقلي " اذ ان " النظرة الى الاشياء من منطلق اصولها وتناميها وتطورها هي رؤيتنا لكل شئ من الدين الى البورصة . لقد تجذر هذا المنظور في عقولنا وأضحى على درجة من العمق بحيث لا يستطيع الكثيرون منا ان يتصوروا أي مدخل لا تاريخي أو لا تطوري او لا تناموي لدراسة أية ظاهرة " [1] .. وبالرغم من شيوع الكلمة ، وكثرة استعمالها ، الا ان الكاتب يرى انه ( ليس هناك تعريف عام مقبول لكلمة التطور) !! [2] .. ولكنه يعدل قليلاً ، في التعريف الشائع ، الذي يقول ان التطور هو " التغير المتواصل أي المستدام) ، ليصبح في حالة التطور البيولوجي ( التغير المتواصل عبر اجيال متعاقبة ) [3] .. ينقل لنا الكاتب تعريف هكسلي 1955 الذي يقول "التطور عملية ذاتية الدفع وذاتية التحول وذاتية التجاوز ، محددة الاتجاه زمنياً ولذلك فهو غير قابل للالغاء ، ويولد في مساره ابداعاً متجدداً وتنوعاً متزايداً وتنظيماً معقداً ومستوى أعلى للوعي وفاعلية عقلية واعية متصاعدة" .. ولكنه لا يوافق على هذا التعريف ، وذلك لأن حالات ( الركود التطوري تبين ان التطور ليس ذاتي الدفع ، التطور اساساً صيرورة تلمس ، وهو صيرورة توجيهية في المرتبة الثانية فقط ، واحياناً يكون التطور تقهقرياً بدلاً من ان يكون تقدمياً ، الانشطار التطوري "زيادة التنوع" يتكرر بدرجة التركيز التطوري نفسها " التغيير داخل المجموعة نفسها" وقد نشا الوعي والوعي بالذات ، حسبما نعلم ، في خط تطوري واحد هو الذي يقود الى الانسان) [4]..

حدثنا الكاتب بعد ذلك ، عن ان قصة الخلق ، التي جاءت في سفر التكوين ، في الكتاب المقدس . وذكر انها لو اخذت وحدها ، يمكن ان تفسر، وقد فسرت بالفعل، على اساس غير تطوري للطبيعة وللكون وللانسان .. وقد سادت هذه الرؤية ، غير التطورية ، حتى تحطمت تحت تأثير الاكتشافات العلمية ، في عصر ما بعد النهضة . ومع ان الكتاب المقدس- في رأي دوبزانسكي- لم ينكر كل تغيير، الا انه يرى ان تقرير الاسقف أوشر، بان الكون قد بدأ سنة 4004 ق.م، أوحى بانه لم يكن من الممكن للكون أن يتغير منذ بدأ الخليقة . على انه يبدو ان الكاتب ، يعتبر رفض التطور من تفسيرات الكتاب المقدس ، وليس من اصله ، ولذلك يقول ( تعد المسيحية من اكثر الاديان العظمى وعياً بالتاريخ ، وهي بهذا المعنى تطورية . إنها تؤكد أن تاريخ البشرية والعالم ليس مجرد وهم وليس شراً لا خلاص منه . فالتاريخ هو مركبة الخلق . لقد كانت للعالم بداية وستكون له نهاية. وقد وقع حدث محوري في لحظة معينة من التاريخ إذ اتخذ الله هيئة انسانية وعاش بين الناس . لذا فان الانسان يتموضع في مركز المعنى في التاريخ . وبكلمات تيليش 1963 فان التاريخ يتأكد في نداء الوعي الباطني المسيحي بطريقة تجعل الاجابة عن الاسئلة التي توحيها التباسات الحياة في بعدها التاريخي تكمن في رمز "مملكة الله" ولا يعني هذا بالضرورة عقيدة التطور التقدمي صوب حالة من الكمال ، وفي الواقع فإن المسيحية ورثت عن اليهودية مبدأ السقوط المأساوي للإنسان من حالة كمال بدئي) [5] ..

يذكر دوبزانسكي ، ان نظريات التطور الكوني اللاعضوي ، ظهرت قبل نظريات التطور العضوي الحيوي . ويقف عند بدايات كتابة كانط 1755 في نظرية السديم الاولى ، وما كتبه لابلاس 1796و1808 عن ان الشمس الاولية ، كانت كرة من الغاز الملتهب ، وقد انفصلت اجزاء من هذه الكرة بفعل قوى الطرد المركزي ، فشكلت الكواكب والأقمار.. وخلص الى ان النظريات الحديثة ، يمكن ان تلخص في نظريتين : نظرية الثبات ، وروادها بوندي وقولد وهويل ونظرية الانفجار الكبير التي ارتبطت لحد كبير بقاماو . أما فحوى نظرية الثبات ، فهو ان الكون في حالة اتساع ، وتمدد ، وخلق مادة جديدة ، يهدف لجعل كثافة المادة في الكون في حالة ثبات تقريباً كل الوقت . ولهذا فان مجرات عديدة ، تتكون كل يوم ، كلما نفدت طاقة نجوم قديمة ، حتى يستمر هذا الثبات للكثافة الكونية . أما نظرية الانفجار الكبير، فانها تفترض ان الكون نشأ قبل حوالي عشرة الى خمسةعشر بليون سنة ، وكانت البداية انفجار كبير بلغت حرارته بليون درجة مئوية . ومع ان مركز الانفجار ظل ملتهباً ، وتكونت منه الشمس ، الا ان الاطراف بردت وتكونت من ذلك الكواكب والاقمار .

بعد هذا الايجاز، ينتقل الكاتب الى التطور البيولوجي ، ويعتبره التطور الوسيط ، في ثلاثي التطور، وهو: الكوني البيولوجي ، الانساني . ويعتبر دارون- رغم انه مسبوق بآخرين - المكتشف الحقيقي للتطور، لثبات نظريته في وجه الزمن. على انه يخبرنا بان النظرية الحديثة للتطور، لا تتطابق مع نظرية دارون ، وان اتفقت معها فكرياً .. وذلك لانها استفادت من اكتشافات العلم الحديث ، خاصة علوم الوراثة ، والاجنة ، وغيرها.. فاصبحت اكفأ من نظرية دارون ، في الدلالة على التطور، والمقدرة على وصفه ، وربطه بشتى العلوم التي تؤثر على حياة الكائن الحي .

يلخص لنا الكاتب نظرية التطور، بصورة هو يسميها مقتضبة، على وعد ان يعود اليها ، في اطار مختلف ، في الفصل السادس . يرى الكاتب ان الفرضية الاساسية في النظرية ، هي ان التطور يحدث بشكل رئيسي ، من استجابة النوع البيولوجي لتحديات بيئته . وفي هذا الإطار، تمثل البيئات المتغيرة ، أقصى التحديات ، لان الطاقم الوراثي الذي تشكل استجابة لتحديات البيئة القديمة ، ليس متوقع ان ينسجم تلقائياً، مع البيئة الجديدة . لقد تصور دارون ان الاصطفاء (الاختيار) الطبيعي ، هو الطريقة التي تستجيب بها الكائنات الحيّة ، لتحديات البيئة . لكن الفهم الجديد الناتج عن علم البيولوجي الجديد، يقرر ان المادة الخام للتطور، هي الجينات المغايرة ، التي تنتج عن الطفرات الوراثية . ان الخاصية المذهلة للطفر الوراثي ، هي غموض عملية تواؤمه. الطفرات تظهر، بغض النظر عن كونها او انها يمكن ان تكون مفيدة ، في مقابل ظهور الطفرة المناسبة ، في وقت ومكان الحاجة لها. في الحقيقة معظم الطفرات ضارة . ان الطفور وحده ، دون ان يضبط بالاصطفاء الطبيعي ، لا يقود الا الى التدهور، والاضمحلال والانقراض . وحتى يشرح لنا الكاتب العلاقة بين الاصطفاء ( الاختيار) الطبيعي ، والطفرات الوراثية ، يشبه الاصطفاء (الاختيار) الطبيعي بالمنخل ، لانه يحجز الطفرات القليلة المفيدة ، ويدع الضارة الكثيرة تمر. لكنه يعتقد ان هذا التشبيه مضلل، لانه يغفل الجنس وتفاعل الجينات . وذلك لأن الممارسة الجنسية ، ينتج عنها توالد توليفات ، من الاطقم الوراثية ، المتغايرة ، المتجددة ، التي تنشأ اصلاً كطفرات . هذا التوليف ، اهم بكثير من مجرد دمج الوحدات المستقلة ، واعادة دمجها .. اذ ان التواءم ، غالباً ما يعتمد، لا على الطفرة في حد ذاتها ، وانما على النسق الوراثي ، الذي توجد فيه . فالطفرة التي تكون مفيدة ، في توليفة جينية معينة ، قد تكون ضارة في سواها . بناء على هذا ، يعتبر الكاتب ، ان مثال المنخل ، ليكون صحيحاً ، يجب ان يكون منخلنا غير عادي ، يبقي الحبيبات او يلفظها، لا على اساس حجمها فقط ، بل ياخذ في الاعتبار، خصائص كل الحبيبات الاخرى الموجودة . نحن ، اذن ، لا نحتاج الى منخل ، وانما جهاز اتصال الكتروني دقيق (سبراني) [6] ، ينقل للكائن الحي ، معلومات عن حالة البيئة. هذا الجهاز، ايضاً، يجعل التغيرات التطورية الآتية ، متسقة مع السابقة ( لذلك يحتوي الطاقم الوراثي للنوع الحي على سجل لبيئاته السابقة وعلى بصمة بيئته الراهنة . اذن فالهبة الوراثية التي تنتج ليست "موزايكو" من الجينات التي تحتفظ كل منها بتاثيرها المستقل ، بل هي نسق متكامل ، لا يتأهل للبقاء ان لم تتوافق اجزاؤه مع بعضها البعض) [7]

يطرح الكاتب، السؤال التالي : هل التطورات الكونية والبيولوجية والانسانية صيرورات منفصلة أم انها اجزاء وفصول أو مراحل لتطور كوني واحد ؟ وفي الاجابة على السؤال ، يقول (ببساطة شديدة فان الظواهر في المستويات غير العضوية ، والعضوية ، والانسانية ، تخضع لقوانين مختلفة خاصة بتلك المستويات. ليس ضرورياً ان نفترض عدم قابلية هذه القوانين للتعميم الاختزالي ، لكنه ليس مجدياً ان نصف ظواهر المستوى الاعلى ، بقوانين المستويات الادنى ) [8] ولكن مع ذلك يرى الكاتب انه ( من المؤكد ان هذه الابعاد أو المستويات ليست منفصلة تماماً عن بعضها البعض، بل هناك على النقيض من ذلك علاقات تغذية استرجاعية بين الحي وغير الحي وبين الانساني والحيواني. ومع ذلك فالابعاد المختلفة تتميز بقوانينها ووتائرها المختلفة التي يستحسن فهمها وفحصها في الاطارالذي ينتمي اليه كل منها ) [9] .. يستأنس الكاتب برأي أحد الماركسيين هو بريزنت 1963 الذي يقول "حيثما نشأ ، فلا بد ان المجتمع الانساني جاء من العالم الحيواني ، وقد كان العمل ، صيرورة الانتاج ، هي التي جعلت من الحيوان البشري إنساناً "[10]

بعد ذلك ، يحدثنا الكاتب ، عن كيف ان ظهور نوع جديد تماماً ، يعتبر تجاوز في التطور، يختلف عن الصورة المألوفة .. ويفسر كلمة (التجاوز) ، بانها تعني الذهاب الى ابعد من حدود الامكانية التي كانت مستخدمة ، ولا تعني التجاوز بالمعنى الفلسفي ، والذي يعني التعالي أو السمو . ولشرح التجاوز يقول ( لقد تجاوز التطور الكوني ذاته حينما انتج الحياة . ومع ان العمليات الفيزيائية والكيمائية التي تجري في الاجسام الحية لا تختلف اختلافاً جوهرياً عن تلك التي تجري في الطبيعة العضوية ، فان انماط هذه العمليات تختلف في الطبيعة العضوية عن غير العضوية . لقد تجاوز التطور غير العضوي حدود الانماط الفيزيائية والكيمائية السابقة حين انبثقت عنه الحياة . بالمعنى نفسه فقد تجاوز التطور البيولوجي نفسه حين انبثق عنه الانسان ) [11] ..

وعن نشاة الحياة ، يقول دوبزانسكي ( يقدر عمر الارض بحوالي بليوني سنة أو اكثر . لقد نشات الحياة أول مرة في ظروف بيئية مختلفة تماماً عن تلك القائمة الآن ، ولا يمكن استعادة تركيب هذه الظروف صناعياً الآن الا بصعوبة بالغة . لقد تكون الغلاف الجوي حينما بردت الأرض بروداً يكفي لتكثف بخار الماء وتكوين المحيطات ، من غازات مثل الهايدروجين والميثان والامونيا وثاني اكسيد الكربون مع كميات اقل من النتروجين والقليل من الاوكسجين السائب . وقد تمت دراسة التفاعلات التي يمكن حدوثها في مثل هذه الخلائط دراسة واسعة في المختبرات ، دلت على احتمال تكوين الفورمالدهايد وحامض الخليك وحامض السكسنك وحوالي عشرة حوامض امينية . هذه ومواد اخرى اشد تعقيداً ولا يتم تكوينها اساساً أو قطعياً الآن الا في الكائنات الحيّة ، نشات وتراكمت في محلول مياه المحيطات الخالية تماماً من الحياة ، جاعلة منها نوعاً من "حساء" المركبات العضوية . وكان ممكناً لهذه المركبات وفقاً لبونامبيروما 1965 ان تشمل البيورينات أدنين وقوانين والسكر الريبوزي والسكر الريبوزي الناقص الاوكسجين والنيوكلوسيدادينوسين . وهذه المركبات بالذات هامة على وجه خاص لانها من بين مكونات الحمضين النوويين دنا .) [12] DNA RNAورنا

يرى العلماء ، الذين نقل لنا الكاتب آراءهم ، ان هذه المكونات الصغيرة ، تجمعت في جزئيات كبيرة ، تستطيع استنساخ ذاتها ، مثل "الدنا" . على ان الاستنساخ الذاتي ، وحده ، لا يعتبر دليلاً، على ان النسق الذي قام به، حياً . ولكنه مع ذلك ، يعتبر من الشروط الضرورية للحياة . والسبب في ذلك ، كما يحدثنا دوبزانسكي ، (لا يعني الاستنساخ الذاتي فقط ان النسق يبتلع مادة معينة من بيئته "طعام" ويحولها الى شبيهه " توالد" وانما يعني ايضاً ان أي تغيرات يمكن ان تحدث عملية الاستنساخ الذاتي طفرات ، يمكن ان تنعكس بمرور الوقت في الوتائر النسبية لتردد الانساق التي تغيرت والتي لم تتغير " اصطفاء طبيعي " . بكلمات أخرى فان بداية الاستنساخ الذاتي تفسح المجال للتطور البيولوجي . يمكن لهذا التطور ان يكون متصاعداً رغم انه ليس بالضرورة ان يكون كذلك . فتطور هذا النسق يمكن ان يتوقف بسبب انهاك البيئة أو لحدوث تغيرات تقلل من كفاءته "الانقراض" . ويمكن لو ظهرت انساق الاستنساخ الذاتي مراراً ، يكون معظمها قد ضاع دون ان يترك خلفاً . الذي يهم هو ان نسقاً واحداً على الاقل بقى و "ورث الارض" بان اصبح نقطة بدء التطور البيولوجي ) [13] ..

وبينما ارخ ظهور الحياة حدثاً ضارباً في القدم ، نجد ان ظهور الانسان يعتبر امراً حديثاً ، وعن ذلك يحدثنا الكاتب فيقول ( عاش في شرق وسط افريقيا والاجزاء الجنوبية منهاخلال عصر البلايستوسين قبل مليون الى مليوني عام على الاقل نوعان من الاسترالبيتكوس " الانسان القردي الجنوبي" وهو جنس بشري "هومنيد" من عائلة الانسان ... وقد عاش في وقت لاحق في البليستوسين الاوسط عدة سلالات من الجنس هومو إراكتوس " الانسان منتصب القامة" المتفق على انه سلف الانسان الحديث ، الانسان العاقل " هومو سابينز" . وقد وجدت بقايا الانسان منتصب القامة في جاوة والصين وافريقيا وربما اوربا ايضاً. وقد عاشت في عصر الثلج الاخير قبل حوالي مائة الف سنة تقريباً فصائل انسان نياندرثال الذي ينتمي الى نوع الهومو سباينز واحتل المساحة الممتدة من غرب أوربا الى تركستان والعراق وفلسطين) [] وعن مدى تطور هذا الانسان البدائي يحدثنا الكاتب قائلاً (وجدت أدوات حجرية خشنة مرتبطة ببقايا الاسترالبيتكوس في كل من شرق ووسط وجنوب افريقيا . ويعد الكائن منتصب القامة الذي وجد في الصين أول من استخدم النار، كما دفن النياندرثاليون موتاهم ) [15] .

ولما كان بروز الانسان من الحيوان ، أمراً عظيماً ، فقد راى بعض العلماء فيه ، تدخلاً إلهياً.. فقد ذكر الكاتب ان والاس ، الذي شارك داروين في اكتشاف دور الاصطفاء الطبيعي في التطور، اعتقد ان عقل الانسان بثته فيه قوى غيبية . واعتقد لاك1975 الشئ نفسه ، فقال " على المسيحي الذي يقبل مبدأ اصل الانسان التطوري عن طريق الاصطفاء الطبيعي ان يتحفظ بشان خصائص الانسان الروحية ونوازع الخيروالشر فيه التي لم تنتج عن هذا التطور وانما هي ذات اصل غيبي"[16] .. ومن النماذج البارزة في هذا الاتجاه ، برونر1952، والذي ينقل لنا الكاتب رأيه ، في العبارة التالية " يتميز الهيومانوم –الانسان- بشئ ما تفقده الحيوانات الأخرى تماماً ، يعبر عن نفسه ذاتياً بالروح وموضوعياً بخلق الثقافة . انه بعد لا وجود له في البيولوجيا ، قانون المعايير ، القدرة على إدراك المعنى والحرية والمسؤولية "[17]

واذا تجاوزنا التطور البيولوجي ، فان التطور الفكري ، يثير تساؤلات اكثر تعقيداً. يخبرنا الكاتب ، ان العلماء قد لاحظوا ان الانسان حيوان منتصب القامة ، يسير على قدمين ، ودماغه كبير، اذا ما قيس بنسبة جسده . ولاحظوا انه قادر على اللعب ، وعلى التفكير المجرد ، وعلى الضحك ، وتاليف الرموز، واستخدامها ، وتعلم اللغة ، والتمييز بين الخير والشر، والشعور بالتقديس والتقوى . ولكن كيف ، ومتى نشات هذه القدرات ، اثناء انحداره من اسلافه الحيوانيين ؟ يعتقد الكاتب انه يستحيل علينا ان نقرر في ذلك. ثم يشير الى جدل العلماء ، حول ما اذا كان اكتساب القامة المنتصبة ، والمهارة اليدوية ، سابقاً او لا حقاً لاستخدام الآلات وصنعها. وكذلك يمكن ان تثار نفس الاسئلة ، حول القدرة على التفكير الرمزي ، وتاليف الرموز، والتوارث الثقافي . ورغم اعترافه بصعوبة هذه الاسئلة ، الا ان الكاتب يقرر ان الناتج ينمو مع الاداة ، والاداة تنمو مع الناتج . فالايدي ، التي تحررها القامة المنتصبة من المشي ، تكون أقدر على تنمية براعة معالجة الادوات . لكنه يرى في نفس الوقت ، ان القامة المنتصبة ، ليست ضماناً لان تستخدم الاطراف الامامية في معالجة الادوات . وضرب مثلاً بالكنجارو، الذي رغم انتصاب قامته ، لا يستخدم اطرافه الامامية التي لا يستخدمها للمشي ، في لمعالجة الادوات . وفي المقابل ، هناك بعض القرود تستخدم ايديها في معالجة الادوات ، رغم عدم انتصاب قامتها. على ان الخلاصة ، في كل الاحوال حسب راي الكاتب ، هي ان اضطراد استخدام الادوات ، يمنح ميزة اصطفائية ، لتطور المشي على قدمين، والعكس صحيح .

وفي مضمار التطور الفكري ، يتعرض الكاتب للغة . ويقرر ان لغة الحيوان ، تختلف من لغة الانسان ، رغم ان كليهما يخدمان وظيفة الاتصال . وفي توضيح الفرق، يعتمد على دراسات هوكيت 1959 وآشر 1964 ، وما قدماه من شرح ، بان نداءات الحيوان ، أو اشاراته تقصي بعضها البعض تبادلياً. بمعنى ان الحيوان قد يستجيب لاحد المواقف ، بواحدة او اخرى من زخيرة نداءاته ، او قد يبقى صامتاً ، بينما اللغة الانسانية منتجة ، بمعنى ان الانسان يصدر الفاظاً ، لم يحدث ان صدرت عنه او عن غيره ، وهي مع ذلك مفهومة لمن يعرف تلك اللغة . والانسان يستطيع ان يتحدث عن اشياء ليست في نطاق رؤيته ، وعن الماضي ، والمستقبل، وعن الاشياء المتخيلة. يرى الكاتب ان للغة الانسانية ، ايضاً ، خاصية ثنائية التنميط . فهي تتكون من وحدات " فونيمات" ليست ذات معنى اذا اخذت بمفردها ، ولكنها تستخدم لتكوين ألفاظ ذات معنى . ان تعلم الانسان اللغة خاصية متوارثة بيولوجياً ، ولا يستطيع الشمبانزي ان يفعل ذلك، رغم مقدرة حنجرته، على اصدار كل الاصوات الضرورية . هذا العجز سببه -حسب رأي دوبزانسكي- غياب بعض الآليات الذهنية اللازمة . وأيضاً اللغات الانسانية تتالف من ألفاظ ، يبنى معناها اجتماعياً بالاتفاق .

يرى الكاتب ، ان ان التطور البيولوجي ، قد تجاوز نفسه في الثورة الانسانية ، التي برز بها الهيومانوم "الانسان العاقل" . ولكن كان هذا محل جدل ، وريبة . فالذين يرون وجود فجوة لا تسد، بين الهيومانوم ، وحالة ما قبل الانسانية ، يرتابون حتى في وجود البداءات ، التي يمكن ان ينشأ منها الهيومانيوم ، في الحيوان . والذي يفوت على هؤلاء الذين يعتقدون في الفجوات التي لا يمكن عبورها، هو ان الجدة النوعية ، للحالة الانسانية ، هي جدة النمط وليست جدة مكوناته . ولهذا ، فان التجاوز لا يعني ان قوة او طاقة جديدة ، هبطت من لا مكان ، وانما يعني ان شكلاً جديداً من الوحدة ، والانسجام قد برز للوجود. ومع ان انكار وجود مكونات الهيومانوم في الحيوانات لم يعد ممكناً ، الا ان انكار وجود التركيبة الكاملة ، لتلك المكونات ما زال ممكناً . ومع ذلك ، يرى الكاتب الا يسقط هذا الاعتبار، ويحدثنا عن دراسات ، اثبتت قدرة بعض الطيور والثدييات، على تشكيل مفاهيم غير لفظية مجردة مثل العدد . فقد استطاع غراب ، ان يختار الصحن الذي وضع عليه الطعام ، من بين خمسة صحون ، ميزت بينها نقاط ملونة من نقطتين الى ستة نقاط بالترتيب. فبعد تدريب ، استطاع الغراب ان يلتقط الصحن الصحيح ، بعد ان عرضت عليه اللافتة التي تحوي ذلك العدد، من بين لافتات اخرى . يلاحظ الكاتب، أيضاً، ان للنحل رقصات رمزية ، يشير بها الى مكان الطعام .. ولكنه يقول بانها بالطبع لا تملك أية خاصة ، من خواص اللغات الانسانية . كما يعرض الكاتب الى ان الحيوان يقوم باللعب مع صغاره ، في عملية تاهيل لهم ، للاضطلاع بدور في المستقبل . وهذا يشبه لحد كبير، ما يقوم به الانسان . أكثر من ذلك، ان بعض القردة والنسانيس ، يمكن تدريبها على الزخرفة بالالوان ، وانتاج جماليات تضاهي لوحات كبار الفنانين. يذكر الكاتب في هذا الصدد، كيف ان كثير من علماء السلوك الحيواني ، تحدثوا كثيراً عن وجود بوادر سلوكية ، اخلاقية ، لدى الحيوانات ، مثل التعاون ، والايثار، والتضحية ، وغيرها.. ولكن الكاتب يرى ان هذه يصعب اثباتها بصورة لا تقبل للجدل .

الاشكالية التي يتعرض اليها الكاتب في خاتمة هذا الفصل ، هي قضية الصدفة . يتساءل الكاتب : هل يمكن الاعتقاد بان الهيومانوم، نشأ عن طريق تراكم سلسلة من المصادفات؟ يورد الكاتب ، اعتراض كايكوس 1958، الذي يقول فيه " الاصطفاء اللوتري لا يفي بالغرض . الطفورية فشل مزدوج . ان أصل الانواع لا يمكن ان يعزى للصدفة وحدها ، حتى بعد ان يصححها الاصطفاء الطبيعي "[18] ويذكر ان غيره من العلماء ،اعترضوا اعتراضات بليغة مماثلة .. ولكنه يرى ان كثير منها، يعزى الى سوء فهم كلمة "الصدفة" او "العشوائية ". فمع ان الطفرات الوراثية ، لا تنشأ حيثما وحينما تكون هناك حاجة لها ، ولا تحدث الطفرات المفيدة فقط ، الا ان الطفرات ليست عشوائية . وهو يرى انها ليست عشوائية ، لان ماهية الطفرة التي تحدث في جينة معينة ، تحددها بنية تلك الجينة . ثم ان الطفرات ليست التطور، وانما هي المادة الخام ، التي يوجهها الاصطفاء الطبيعي ، لتحقق التطور. أن دوبزانسكي يرى ان الاصطفاء الطبيعي ليس صدفة ، الا بمعنى ان معظم الطواقم الوراثية في عشيرة ما ، لا تملك تمييزاً مطلقاً بالنسبة للطواقم الوراثية الاخرى، وانما تتميز عليها تمييزاً نسبياً فقط ، بالرغم من عبارة " الاصلح" في العبارة "البقاء للاصلح". فالاصطفاء الطبيعي ، يعتبر محققاً لو ان انجب طاقم وراثي مائة فرد ، مقابل تسعة وتسعون ينجبها حاملو طقم آخر، يختلف في وجود جينة طافرة بعينها. فيما عدا ذلك ، فالاصطفاء الطبيعي، عامل مضاد للصدفة . ويرى دوبزانسكي ان الاصطفاء الطبيعي (يمنح معنى تكيفياً للفوضى النسبية لتوليفات الجينات الطافرة التي لا حصر لها . وهو يفعل ذلك دون ان تكون له ارادة أو قصد او بصيرة[19] "ادراك للمستقبل").

القضية الاخيرة ، التي تعرض لها الكاتب باقتضاب شديد ، ووعد أيضاً ان يبحثها في الفصل السادس، هي اشكالية الحتمية . ففي سؤال طرحه أتكن 1964 وهو : ماهو الشئ الذي امتلكه اسلاف الانسان دون سائر الحيوانات الاخرى فمنحه القدرة على حل ضائقته التطورية ؟ يجيب دوبزانسكي بان نمط التكييف الانساني ، كان احتمالاًً من عدة احتمالات توفرت لاسلافنا البعيدين .. والنمط الذي يتبعه أي من الخطوط التطورية المختلفة للثديات العليا، ليس مقرراً سلفاً . لقد كان اختراعاً تطورياً ، ولم يكن حتمي الحدوث . يقرر الكاتب ان هناك تفسيران للتطور: يرى احدهما ان كل التغيرات التطورية التي حدثت ، كان حدوثها مقدراً حتماً بالصورة التي حدثت بها . ويرى الرأي الآخر انه ربما كان هناك عدة طرق مختلفة ، لحل مشكلة التواؤم في نفس البيئة . وان أي طريقة من هذه الطرق ، استعملت في التطور، استطاعت ان تهرب من الحتمية . وانما بسبب عدم الحتمية هذا، يجد الكاتب نفسه متشككاً في الاعتقاد، بانه على افتراض وجود حياة في اجزاء اخرى من الكون ، انها ستكون مثل صورة الانسان ، او السوبرمان الذي يشبه الانسان العاقل . وهو لهذا يشارك العالمان سمبسون 1964 وبلوم 1965 الراي بان هذا الامر ليس فقط موضع شك ، وانما هو غير محتمل ، للدرجة التي تعني الرفض بالنسبة لاي نظرية علمية . هذا موجز للفصل الثالث ارجو ان يكون وافياً .

أول ما تجدر الاشارة اليه ، هو ان التطور هو الحركة الحسية ، والمعنوية ، أوقل الجسدية ، والفكرية ، لتحقيق الكمال المطلق .. ومن هنا كان عملاً سرمدياً لا ينتهي !! وهوهوسنة الله ، التي قال عنها جل من قائل ( سنة الله التي خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلاً ) ..هو سنة الله ، بمعنى انه هوالموجه للقانون الطبيعي ، الذي سير الوجود ، ثم سير الحياة . والى هذا المعنى ، ترد الاشارة بقوله تعالى ( كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ) !! وفان يعني متقلب في الصور، متغير، والا فان الفناء بمعنى النهاية ليس هناك !! ونحن حين نفنى ، لا ننتهي ، وانما تبدأ حياتنا ، في حيز جديد ، نكون فيه أكثر تطوراً ، لزيادة وعينا ، بواقع حالنا .. قال تعالى عن ذلك ( وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد * ونفخ في الصور ذلك يوم الوعيد * وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد * لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد ) .. وانما بالبصر الحديد ، ترى المشاكل بوضوح ، وتواجه على وجه أفضل .. والى كون التطور انما يسيرنا الى الله في إطلاقه ، أشار تبارك وتعالى بقوله ( وان الى ربك الرجعى) وقال أيضاً (وان الى ربك المنتهى)!!

ومع ان التطور في جملة الحال تقدم ، الا انه ليس تقدماً في خط مستقيم .. وانما هوحركة موجة بين سفح وقمة . ففي السفح هبوط من القمة ، ولكن ريثما تحتشد الموجة لقمة جديدة . فالامم قد تتقدم ، وتشيد الحضارات ، ثم تنحدر، ويجئ من هم اقل تقدماً ، ولو كانوا لاحقين في الزمن .. والى هذا المعنى، اشار تبارك وتعالى بقوله (أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ؟! كانوا اشد منهم قوة واثاروا الأرض وعمروها اكثر مما عمروها وجاءتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون ) !! وكما ان الامم قد تتقهقر في التطور، فكذلك الافراد قد يرتدوا في سلم التطور، معنوياً وحسياً .. والى الردة المعنوية ، اشار تبارك وتعالى بقوله ( أؤلئك كالانعام بل هم أضل سبيلاً) !! والى الردة الحسية اشار تعالى بقوله (يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما نزّلنا مصدقاً لما معكم من قبل ان نطمس وجوهاً فنردها على أدبارها أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت وكان أمر الله مفعولاً) وهذا النكوص هو ما يتفق مع عبارة دوبزانسكي (واحياناً يكون التطور تقهقرياً بدلاً من ان يكون تقدمياً...) [20]

حين تحدث دوبزانسكي عن بداية الحياة كما جاءت في الكتاب المقدس ، قال انها فسرت تفسيرات تتعارض مع التطور، ولكن ذلك لم يمنعه من ان يعتبر المسيحية تطورية ، فيقول (تعد المسيحية من اكثر الاديان العظمى وعياً بالتاريخ ، وهي بهذا المعنى تطورية ....) !! [21] والحق ان المسيحية تحدثت عن الخلق المكتمل ، ولم تتحدث عن التطور ، وهذا ما جعل رجال الدين المسيحي ، والمسحيين المحافظين ، يعتقدون بان الايمان بنظرية الخلق الإلهي ، يتعارض مع نظرية التطور، حتى بلغ هذا الصراع ، في دولة مثل الولايات المتحدة الامريكية ، ان يمنع تدريس نظرية التطور، في مختلف مراحل التعليم في بعض الولايات !!

لقد تحدثت المسيحية ، عن ان الخلق تم في ستة أيام ، وفي هذا اشارة الى التطور.. ولكنها اشارة بعيدة ، لا تضاهي ما قررته من الخلق المباشر .. جاء في سفر التكوين (في البدء خلق الله السموات والأرض. وكانت الارض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه. وقال الله ليكن نور فكان نور . وراى الله النور انه حسن . وفصل الله بين النور والظلمة . ودعا الله النور نهاراً والظلمة دعاها ليلاً . وكان مساء وكان صباح يوماً واحداً . وقال الله ليكن جلد في وسط المياه . وليكن فاصلاً بين مياه ومياه . فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد. وكان كذلك ودعا الله الجلد سماء . وكان مساء وكان صباح يوماً ثانياً. وقال الله لتجتمع المياه تحت السماء الى مكان واحد ولتظهر اليابسة . وكان كذلك . ودعا الله اليابسة أرضاً . ومجمع المياه دعاه بحاراً. وراى الله ذلك انه حسن. وقال الله لتنبت الارض عشباً وبقلاً يبزر بزراً وشجراً ذا ثمر يعمل ثمراً كجنسه بزره فيه على الأرض. وكان كذلك . فأخرجت الأرض عشباً وبقلاً يبزر بزراً كجنسه وشجراً يعمل ثمراً بزره فيه كجنسه. ورأى الله ذلك انه حسن . وكان مساء وكان صباح يوماً ثالثاً . وقال الله لتكن انوار في جلد السماء لتفصل بين النهار والليل . وتكون لآيات واوقات وايام وسنين . وتكون انوار في جلد السماء لتنير الارض . وكان كذلك . فعمل الله النورين العظيمين . النور الاكبر لحكم النهار والنور الاصغر لحكم الليل . والنجوم . وجعلها الله في جلد السماء لتنير الارض ولتحكم على النهار والليل ولتفصل بين النور والظلمة . ورأى الله ذلك أنه حسن . وكان مساء وكان صباح يوماً رابعاً . وقال الله لتفض المياه زحّافات ذات نفس حيّة وليطر طير فوق الارض على وجه جلد السماء . فخلق الله التنانين العظام وكل ذوات الانفس الحيّة الدبّابة التي فاضت بها المياه كاجناسها وكل طائر ذي جناح كجنسه . ورأى الله ذلك انه حسن . وباركها الله قائلاً اثمري واكثري واملأي المياه في البحار . وليكثر الطير على الأرض وكان مساء وكان صباح يوماً خامساً . وقال الله لتخرج الأرض ذوات أنفس حيّة كجنسها بهائم ودبّابات ووحوش أرض كاجناسها . وكان كذلك . فعمل الله وحوش الارض كاجناسها والبهائم كاجناسها وجميع دبّابات الارض كاجناسها . ورأى الله ذلك انه حسن . وقال الله نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا . فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى كل الارض وعلى جميع الدبّابات التي تدب على الأرض . فخلق الله الانسان على صورته . على صورة الله خلقه . ذكر وأنثى خلقهم . وباركهم الله وقال لهم اثمروا واكثروا واملأوا الارض واخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وكل حيوان يدب على الأرض . وقال الله اني قد أعطيتكم كل بقل يبزر بزراً على وجه كل الارض وكل شجر فيه ثمر يبزر بزراً . لكم يكون طعاماً . ولكل حيوان الارض وكل طير السماءوكل دبّابة على الارض فيها نفس حيّة أعطيت كل عشب أخضر طعاماً . وكان كذلك . ورأى الله كل ما عمله فاذا هو حسن جداً . وكان مساء وكان صباح يوماً سادساً . فأكملت السموات والارض وكل جندها . وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل . فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل . وبارك الله اليوم السابع وقدسه . لأنه فيه استراح من جميع عمله الذي عمل الله خالقاً ...) [22]

ولم يكتف الكتاب المقدس ، بعدم ذكر التطور، بل ذكر تواريخ تؤكد ، واعمار للانبياء يفهم منها ، ان بداية خلق الانسان كانت قريبة .. ومع انه ليس هناك تحديد ، في الكتاب المقدس ، للوقت الذي بدأ فيه خلق الانسان ، أو خلق آدم ابو البشر، الا انه قياساً للاحداث المفصلة في العهد القديم ، وبعض التواريخ ، واعمار الانبياء ، يمكن تجميع هذه المعلومات لتقدير وقت بدء الانسان . على ان هذه التقديرات ، ادت الى اختلافات في التفسير ، ففي (التفسير الحرفي والذي كان آشر رئيس الاساقفة أفضل دعاته " توفى عام 1656 م " وعلى اساس حساباته وضعت التواريخ التي حددها في حاشية بعض ترجمات الكتاب المقدس . وهذه النظرية تاخذ التواريخ المذكورة لمولد وممات الآباء كما هي بالاضافة للفارق الزمني بين مولد كل واحد من الآباء ومولد الذي يليه ، مجموعاً الى عمر آدم عند مولد شيث يكون المجموع الكلي 1656 عاماً من الخليقة الى الطوفان ، 290 عاماً من الطوفان الى مولد ابراهيم وذلك بناء على ما جاء في التوراة العبرية "الماسورية".... نظرية الاسرات : وتزعم ان الارقام الكبيرة لأعمار الآباء الاولين أنما تشير الى المدد التي سادت فيها أسرة كل منهم ، فمثلاً رقم 930 عاماً لآدم ، أعقبه 912 عاماً لشيث وهكذا تتجمع هذه الارقام لتغطي آلاف السنين .... يزعم البعض ان وحدات الزمن في العصور القديمة للانسان كانت تختلف عنها الآن ، وان وحدة الزمن كانت اصلاً دورة القمر ، وبذلك تكون حياة متوشالح 969 دورة قمرية ، اي 969 شهراً ، او ما يزيد قليلاً عن ثمانين عاماً بحسابنا الآن) [23] وبناء على هذه التقديرات التي جاءت في الجدول الزمني لدائرة معارف الكتاب المقدس فان آدم قد خلق عام 3901 ق.م وان نوح قد ولد عام 2845 ق.م وابراهيم ولد عام 1955 ق.م ويعقوب 1795 ق.م ويوسف ولد عام 1704 ق.م وموسى 1528 ق.م وداوود 1041 ق.م[24]

فاذا كان آدم ، الذي ورد في الكتاب المقدس ، هو أول انسان ، كما يظن سائر المسيحيين وسائر المسلمين ، فان علماء الكتاب المقدس انفسهم ، يشعرون بالمفارقة في هذه التواريخ ، لانه ( بناء على أكثر التقديرات والاعتبارات الجيولوجية و الانثروبولجية تحفظاً ان هذا الحساب لا يتسع للحقائق المعروفة عن عمر الارض ولا عن عمر الانسان على الارض ولا عن التواريخ الثابتة . بل ان المنهج المتحفظ في تحديد الأزمنة للبروفسير بريستيد يجعل اول تاريخ ثابت في تاريخ مصر هو بالتحديد بداية التقويم الشعراني " على اساس ظهور نجم الشعرى اليمانية " هو 4241 ق.م أي انه يسبق التاريخ الذي حدده آشر لخلق العالم بمائتي عام . بالاضافة الى انه في ذلك العهد كان هناك اساس فلكي لحساب الزمن ، مما يعني ان عصراً من الثقافة كان قد مضى بالفعل ... ومن الملاحظات المثيرة على الطريقة الحرفية في حساب الأزمنة ، انها تجعل نوحاً يعيش الى ان بلغ ابراهيم سن السبعين ، كما تمد عمر سام حتى تجعله معاصراً ليعقوب ) !! [25]

المسيحية اذن -على اتفاق يكاد يكون تاماً بين جميع فرقها- تتعارض مع المفهوم السائد لنظرية التطور، فما هو موقف الاسلام ؟! الاسلام يقع على مستويين : المستوى العقيدي ، وعمدته التفسير، وهويمثل عموم الفهم السائد حتى الآن، وهذا لا يختلف كثيراً من المسيحية ، في هذه القضية .. والمستوى العلمي من الاسلام ، وعمدته التأويل ، وهذا يتفق مع التطور، ويمثله الفهم الذي طرحه الاستاذ محمود محمد طه . أما الفهم التقليدي ، فقد جاء فيه (روي عن ابن عباس وغيره ان أول ما خلق الله عز وجل الماء وكان عرشه عليه . فلما أراد ان يخلق أخرج من الماء دخاناً فوق الماء سماه سماء. ثم أيبس الماء فجعله ارضاً واحدة ثم فتقها فجعلها سبع أرضين في يومي الاحد والاثنين. وخلق الأرض على حوت والحوت هو الذي ذكره الله سبحانه في القرآن في قوله " ن . والقلم وما يسطرون" والحوت في الماء والماء على الصف والصف على ظهر ملك والملك على صخرة والصخرة على الريح ... فاضطرب الحوت فتزلزلت الارض فأرسى الله عليها الجبال فقرت الأرض ... وخلق الجبال فيها وخلق أقوات أهلها وشجرها وما ينبغي لها في يومي الثلاثاء والاربعاء ...فكان ذلك الدخان من نفس الماء حين تنفس فجعلها سماء واحدة ثم فتقها فجعلها سبعاً في يومي الخميس والجمعة ... ثم بعث الله جبريل ليأتيه بطين منها فقالت : أعوذ بالله منك ان تنقصني. فرجع فلم يأخذ شيئاً، وقال : يا رب انها عاذت بك . ثم بعث الله ميكائيل فقالت له مثل ذلك فرجع ولم ياخذ شيئاً . فبعث الله ملك الموت فعاذت بالله منه . فقال : وانا أعوذ بالله ان ارجع ولم انفذ أمره . فاخذ منها تربة سوداء وحمراء وبيضاء. فلذلك خرج بنو آدم مختلفين في الالوان وسمي آدم لأنه اخذ من أديم الارض... وتركه حتى صار طيناً لازباً يلزق بعضه ببعض أربعين سنة ثم تركه حتى انتن وتغير أربعين سنه.. ثم صوره وتركه بلا روح من صلصال كالفخار حتى أتى عليه مائة وعشرون سنة ... قال المسعودي : وما ذكرناه من الاخبار في مبدأ الخليقة هو ما جاءت به الشريعة ونقله الخلف عن السلف والباقي من الماضي . فعبرنا عنهم على حسب ما نقل الينا من الفاظهم ووجدناه في كتبهم ...) [26]

وهكذا نرى ان الشبه ، بين بدأ الخليقة في المسيحية وفي الاسلام ، بفهمه التقليدي السلفي ، كبير. وتبقى بعض الفروق سببها اختلاف الزمن ، وتطور العقل البشري ، مما جعل رسالة الاسلام أكثر منطقية ودقة في التعبير، ومن تلك الفروق ان المسيحية ، اعتبرت قصتها جزء من الكتاب المقدس ، بينما اعتبرها الاسلام شروح للكتاب ، وآراء تقبل الجدل .. ولقد اتفقت المسيحية والاسلام ، علىان الخلق تم في ستة ايام ، وذكرت التوراة ان الله استراح من عمله في اليوم السابع !! أما في القرآن فقد قال تعالى ( ولقد خلقنا السموات والارض ومابينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب) أي لم يصيبنا تعب . وهذا تصور لله ، أرقى من تصور التوراة ، الذي جعله تعالى يتعب من العمل ، كما يتعب أحدنا ، ويحتاج للراحة !! ومن تميز الاسلام على المسيحية ، انه ذكر التطور بالنص فقال تعالى ( مالكم لا ترجون لله وقاراً * وقد خلقكم اطواراً ) .. وفيما عدا ذلك ، فان الصورة في المسيحية وفي الاسلام التقليدي ، قريب من قريب .. ولقد ورد في المسيحية وفي الاسلام ، ان آدم خلق في مقام رفيع في الجنة ، ثم رد عنه بسبب الخطيئة .. والى ذلك اشار دوبزانسكي بقوله (وفي الواقع فإن المسيحية ورثت عن اليهودية مبدأ السقوط المأساوي للإنسان من حالة كمال بدئي) [27] ..

أما في الفهم العلمي للاسلام ، فان قصة الخلق هي القصة التي يدور حولها القرآن ، في مجمله ، وفي تفاصيله ، واليها الاشارة بقوله تعالى ( نحن نقص عليك أحسن القصص بما اوحينا اليك هذا القرآن...) . وانما كانت أحسن القصص، لأنها قصة الانسان ، وليس في الوجود الحادث غير الانسان ، في طور من اطوار تطوره .. ولأنها سيرة الانسان نالت هذه المكانة ، وبها اصبحت أكمل القصص ، فكل قصة سواها، هي دون مداها ، لأنها جزء منها..

لقد صدر الوجود ، عن الله سبحانه ( هو الاول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شئ عليم) . وكونه الاول ، فان الشئ الثاني ، لا بد ان يكون قد جاء منه، فان الله لم يخلقنا من العدم ، لأنه ليس هناك شئ اسمه العدم ، قبل الله ولم يكن هناك شئ اسمه العدم ، بجانب الله ، ليخلق منه !! فلم يبق الا ان الله تبارك وتعالى، خلقنا من نفسه ، ما دامت البداية هي وجوده سبحانه وتعالى .. ولقد نعى الله على المشركين ، ظنهم بانهم خلقوا من العدم – من لاشئ - فقال تعالى ( أم خلقوا من غير شئ ؟! أم هم الخالقون؟! ) والى كوننا خلقنا منه تبارك وتعالى ، الاشارة في قوله ( ياايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ) !! ولقد ذكرت في الحلقة الماضية ، لماذا لم نعد نقبل تفسير المفسرين ، بان النفس الواحدة هي نفس آدم !!

وانما جرى الخلق بالتنزل ، فتنزلت الذات العليّة من الاطلاق الى القيد ، في مرتبة العلم ، ثم تنزل العلم للإرادة ، ثم تنزلت الإرادة للقدرة ، وبالقدرة برزت المخلوقات في عالم الملك (عالم التجسيد ) ، بعد ان كانت في مستوى العلم ، في عالم الملكوت (عالم الارواح) .. في قمة الملكوت برز الانسان في اكمل صورة ، والى ذلك ، الاشارة بقوله تعالى ( ولقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم ) أي في اقرب صورة للكمال .. ولكن الانسان الكامل ، رد من أعلى عالم الملكوت ، الى اسفل عالم الملك ، وعن ذلك قال تعالى ( ثم رددناه اسفل سافلين) .. ولقد ذكر بعض المفسرين ، ان أسفل سافلين هي قاع الارض السابعة ، ولكنها تعني أحقر صور المادة ، وهي ذرة غاز الهايدروجين ، فانها هي التي احدثت الانفجار الذري الذي ظهرت به الاكوان . ولقد كان مركز الانفجار ملتهباً ، ثم بدأت اطرافه البعيدة تبرد، وتتشكل في مادة ، والى هذه المرحلة ، الاشارة في حديث دوبزانسكي حين قال ( لقد تكون الغلاف الجوي حينما بردت الأرض بروداً يكفي لتكثف بخار الماء وتكوين المحيطات ، من غازات مثل الهايدروجين والميثان والامونيا وثاني اكسيد الكربون مع كميات اقل من النتروجين والقليل من الاوكسجين السائب ). والى بخار الماء هذا الاشارة بقوله تعالى (ثم استوى الى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض اتيا طوعاً او كرهاً قالتا اتينا طائعين) وفي الماء الذي تكثف برزت الحياة ( وجعلنا من الماء كل شئ حي) ، وهي انما برزت في الماء المخلوط ، بكل هذه الغازات وبالتراب ، حتى تحول الى طين مختمر، ظهرت فيه جرثومة الحياه .. والى ذلك الاشارة بقوله تعالى ( هل أتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً * انا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً ) فالنطفة الامشاج هنا ، هي قطرة الماء المخلوطة بالتراب ، وبالغازات المختلفة ، والتي فيها تكونت الخلية النباتية ، ثم الخلية الحيوانية ، والى كوننا نحن البشر، كنا في تلك المرحلة الاشارة ، بقوله تعالى (والله أنبتكم من الأرض نباتاً) !! أو يقول( سبحان الذي خلق الازواج كلها مما تنبت الارض ومن انفسهم ومما لا يعلمون) !! ثم في مرحلة متقدمة، من التطور ، نجد النطفة الامشاج تعني ماء الرجل المخلوط ببويضة الانثى، فان الانسان يحكي في رحم الام ، رحلته كلها في التطور، مختصرة في تسعة اشهر!! وهو لم يصل الى هذه المرحلة ، الا بعد ان تقلب عبر سلالات كثيرة ، من الأحياء ، التي عج بها الماء والطين .. والى ذلك الاشارة بقوله تعالى ( ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ) !! ومن مستوى النبات ، تطور الانسان الى أدنى الحيوانات المائية ، ثم الزاحفة ، ثم الثديات ذوات الاربعة ارجل ، ومن هذه جاء الانسان يمشي على رجلين ، بعد تطور وئيد وطويل . ولقد حكى الله تعالى كل هذه المراحل ، في آية واحدة، وذلك قوله (والله خلق كل دابة من ماء فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع يخلق الله ما يشاء إن الله على كل شئ قدير) !! والاشارة الى التطور في الآية ، انما تلتمس في انهم جميعاً ، من أصل واحد هو الماء .. ولقد تقلبت الحياة ، زمناً طويلاً في الصور، قبل ان يجئ الانسان ، العاقل، المكلف.. والى ذلك الاشارة بقوله تعالى ( هل أتى على الانسان حيناً من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً؟! ) ..(وهذه الحياة البدائية ، التي سبقت حياة الانسان علىالأرض ، او قل هذه الحياة ، التي لم تبلغ طور التكليف ، فتكون حياة انسانية ، هي حياة الحيوان ، في مختلف صورها ، سواء كانت في الماء ، أو في اليابس ، او في الجو ، وهي حياة تسير على قانون واحد ، هو قانون الغابة " القوي ياكل الضعيف" ، وهو ما اسماه دارون قانون تنازع البقاء، وهو قانون يعيش الحي فيه احمر الناب والمخلب او يموت ، والى ذلك الاشارة ، بقول الملائكة في الآية " واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماءونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟! قال اني أعلم ما لا تعلمون " فقول الملائكة " اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " مبني على ما الفوا من صنيع سكان الأرض ،على ذلك العهد، وقول الله " اني أعلم ما لا تعلمون" مبني على علمه تعالى ان الكتاب قد بلغ أجله ، وان التنازع بين أحياء الارض قد آتى اكله ، وان الحيوان، السوي، الذي يكون النقطة الفاصلة بين الحيوانية والانسانية ، قد اكتمل، وان موعود الله بنفخ روحه في هذا الحيوان السوي قد وجب . ولذلك قال تعالى في المعنى المتقدم من الآية السابقة " واذ قال ربك للملائكة اني خالق بشراً من صلصال من حمأ مسنون * فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " !! والنفخ من روح الله هنا ، معناه الذكاء اللماح ، الذي انماز به الانسان عن الحيوان، وعليه انبنى التكليف ، وبه وجب التشريف ، وهذا نتيجة مباشرة للصراع بين الحي وبيئته ، وهو ما اسماه دارون بتنازع البقاء ، وهو بعينه ما اسماه الله تعالى " بالابتلاء" في الآية الكريمة " انا خلقنا الانسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً " ... ونطفة أمشاج لها معنيان يستقيمان مع ما اسلفت القول فيه ، من ان هناك خلقتين للانسان : خلقة بدأت من الطين بحيوان الخلية الواحدة ، ثم تطورت في المراقي المختلفة ، حتى بلغت طور الانسان .. وخلقة تحدث كل يوم ، حيث ينسل الناس اناساً كاملين .. فنطفة أمشاج معناها في الخلقة الاولى ماء مختلط بطين .. فان النطفة في الاصل الماء النظيف ، والمشج والمشيج ، الشئ المختلط بعضه في بعض ، ولذلك قلت ان نطفة امشاج ، معناها ماء مختلط بالطين ، وهو ما نشأت منه حياة الحيوان ، ذي الخلية الواحدة ، وفي الخلقة الثانية فان معنى نطفة امشاج ماء الرجل وماء المرأة ) [28]

فالانسان قد ظهر قبل حوالي مليوني عام ، كما نقل لنا دوبزانسكي ، وفي تقديرات احدث من ذلك ، ورد انه ظهر قبل ستة ملايين سنة ، فقد جاء :


A team of scientists led by an anthropologist at University of California – Berkeley has discovered the fossilized remains of what they believe is humanity’s earliest known ancestor, a creature that walked the wooded highlands of East Africa nearly 6 million years ago. [29]


هذا الانسان البدائي ،الذي اكتشف النار، وعاش في الكهوف ، سبق آدم ابو البشر بزمن طويل .. وقد جاء آدم أبو البشر، عالماً، ونبياً، وصاحب رسالة لذريته من بعده . واذا تجاوز تقدير وقته ، ما ورد في الكتاب المقدس ، وهو حوالي ستة ألف سنة ، فانه لن يتجاوز ذلك بكثير .. ولعل ما أدى لهذا اللبس ، حتى في تفسير الاديان، هو ان هناك الانسان الاول ، الذي خلق كاملاً او يكاد في الملكوت ، و هو أبو الخليقة كلها، لانه حين رد الى أسفل سافلين ، برزت عنه جميع الخلائق بالتطور.. وهذا لم يكن آدم ابو البشر الحاضرين ، وانما آدم مرحلة متقدمة منه ، في طريق الرجعى .. والرجعى إنما تكون الى الله ( وان الى ربك الرجعى ) حيث سقط الانسان من مستوى الكمال . وهذا ما يجعل التطور يطرد ،ولا يقف حتى عند مستوى البشر الحاضرين. [30]

وعن بداية الكون ، يشرح لنا دوبزانسكي النظريتين الشهيرتين : نظرية الانفجارالعظيم ، ونظرية التمدد، من غير ان يرجح واحدة على الاخرى .. ولقد كان الانفجار الذري هو البداية ، وتبعه التمدد ، الذي نتج عن ما اشار اليه دوبزانسكي من قوة الطرد المركزي . والعلماء لا يعرفون شيئاً قبل الانفجار الكبير فهو عندهم البداية .


In the beginning, there was nothing at all. This is a very difficult concept, and one which causes a great deal of misunderstanding among many people who have heard of the idea of the ‘Big Bang’ the creation of the Universe as we know it in some vast explosion of matter and energy. From our everyday experience, we know what a big bang is like- a concentration of matter, triggered by some energetic process, blasting outward into space. Even many astronomers, I suspect, have as their own personal image of the Big Bang the explosion of a star “a supernova” magnified by as great a degree as their imaginations will allow.
But before the Big Bang of creation, there wasn’t even any empty space. Space and time, as well as matter and energy, were created in that ‘explosion’ and there was no ‘outside’ for the exploding Universe to explode into, since even when it was only just born and beginning its great expansion, the Universe contained everything including all empty space…And not just space but its counterpart, time, the other facet of the space-time fabric. The flow of time as we know it also began with the Big Bang so that it may be literally meaningless to ask what happened ‘before’ the Big Bang-perhaps there was no ‘before’! [31]


وعن نشأة الكون وتمدده يحدثنا الاستاذ محمود محمد طه ، في وقت سابق للدراسات الفلكية الحديثة ، بعد ان ذكر الانفجار الكبير قائلاً ( ثم أخذ هذا الغاز يتكاثف ، ويتراكم ، مكوناً بذلك بلايين المجرات ، التي تحوي كل مجرة منها بلايين الشموس ، ومن كل اؤلئك يتكون عالمنا الحاضر.. ونحن لا نكاد نرى بعيننا المجردة ، الا مجرة واحدة ، هي ما نسميه " بمجر الكبس" ، وهي وشاح يلف نظامنا الشمسي لفاً، نرى بعضه ، ويغيب عنا في الجانب الآخر من الارض بعضه . ويقع اقرب شموس هذه المجرة الينا ، على بعد 20 الف سنة ضوئية . والسنة الضوئية مسافة مقدارها 6 مليون مليون ميل . ونحن بواسطة المنظار الفلكي ، نرى مجرات على بعد بليوني سنة ضوئية ، وبعبارة أخرى ، انا نرى هذه المجرات بالضوء الذي غادرها الينا قبل بليوني سنة !! ومعلوم ان الضوء يسير بسرعة 186 ألف ميل في الثانية الواحدة ، ومع ان هذا المنظار الفلكي ، الذي يرينا الشموس على بعد بليوني سنة ، هو أقوى منظار يعين العين البشرية على الرؤية البعيدة ، الا ان الفلكيين المعاصريين لا يرونه كافياً لسبر اغوار الفضاء ، وينتظرون من المنظار اللاسلكي " منظار الراديو" ، الذي يسجل الموجات الصوتيه المنبعثة من المجرات ، التي قد تبعد منا نحو خمسة او ستة بلايين سنة ، ان يحل محل المنظار الحاضر، ليعطي فكرة ادق عن العوالم ، التي تحيط بنا.. وحتى هذا لا يحسب شيئاً ذا بال ، في هذه الاكوان الرهيبة ، التي تكون عالمنا العجيب !! وهذا العالم العجيب ، ما نشهده منه وما يغيب عن شهودنا ، ولا يشهده الا الله " ذلك عالم الغيب والشهادة العزيز الرحيم" ، يؤثر في حياتنا اليومية تاثيراً مباشراً..

وهذه الذرّة البدائية الاولية ، التي بتفتتها، ثم تجمعها وتكاثفها ، كونت العوالم المرئية وغير المرئية ، لا تزال تتفتت ، وتتناثر، وتنشأ منها النجوم ، وترسل في الكون الضياء .. فان دراري السماء ، تتناسل كما تتناسل ذراري الأرض، ويتسع الفضاء لنسلها ، كما تتسع الأرض لنسل احيائها ..واستمرار تفتت هذه الذرّة البدائية ، يعلل الملاحظة التي توصل اليها الفلكيون المعاصرون ، وهي ان الكون لا يزال يتسع الى اليوم وتتباعد نجومه ... وداخل هذا النطاق المشرق المضروب حولنا ، يوجد عالمنا الصغير الذي نسميه النظام الشمسي . وهو يتكون من اسرة صغيرة ، قليلة ، ضئيلة ، هي أسرة الشمس من الكواكب السيارة ، وهي عطارد ، والزهرة ، والارض ، والمريخ ، والمشتري ، وزحل ، واورانس ، ونبتون ، وبلوتو.. ويبعد اقصاها ، وهو بلوتو، عن الشمس مسافة 3670 مليون ميل . بينما أقرب نجوم النطاق المشرق ، المضروب حولنا ، الى الشمس يبعد بمسافة 26 مليون مليون ميل !! وتطور حياتنا في هذا النطاق ، تحكيها الآية التي ذكرتها آنفاً ، بنفس القدر الذي تحكي به هذه الآية ، خلق الاكوان جميعها، وتلك الآية هي قوله تعالى " أولم ير الذين كفروا ان السموات والارض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلايؤمنون * وجعلنا في الأرض رواسي ان تميد بهم وجعلنا فيها فجاجاً سبلاً لعلهم يهتدون * وجعلنا السماء سقفاً محفوظاً وهم عن آياتنا معرضون * وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون)...

ولقد أجمع الفلكيون ، في الوقت الحاضر، ان الاسرة الشمسية من الكواكب السيارة ، كانت جميعها كتلة واحدة مع الشمس ، ثم حصل ان نسلت عنها ، واخذت مداراتها حولها ، وبردت على اقدار متفاوته ، وفقدت نورها ، أو القدر الذي كانت تملكه ، عندما كانت جزءاً من أمها الشمس ، واصبحت لا نور لها ، الا ما تعكسه على صفحتها ، من نور الشمس .. ويكاد يجمع الفلكيون ، على ان انفصال الارض عن الشمس ، حصل قبل حوالي خمسة بلايين سنة . ومن وقتها، أخذت تبرد، وتتهيا للحياة ، ببروز تربتها ، ومياهها ، ومناخها ، الذي كان يغلب عليه ، مركبات غاز الهيدروجين ، كبخار الماء مثلاً ، وقد ظهرت الحياة بين الماء والطين ...) [32]

لخص لنا الكاتب نظرية دارون باختصار شديد في انها تعتمد على ان تقرير دارون ان التطور يحدث بسبب استجابة الكائن الحي لتحديات البيئة . ولقد كان دارون يعتقد ان الاصطفاء (الاختيار) الطبيعي هو الطريقة التي تستجيب بها الكائنات الحيّة لتحديات البيئة . على ان الفهم الجديد القائم على علم الوراثة الحديث يرى كما يحدثنا دوبزانسكي ان المادة الخام للتطور هي الجينات المغايرة التي تنتج عن الطفرات الوراثية . إن مهمة الاختيار الطبيعي حسب رأي الكاتب هي ان يضبط الطفور بحجز الطفرات القليلة المفيدة وترك الطفرات العديدة الضارة تمر. لاشك في ان محاولة الكائن الحي في سعيه للتواءم مع البيئة ذات اثر على تطوره العضوي . كما ان قانون الاختيار الطبيعي القائم على قاعدة البقاء للأصلح امر محسوس لا يمكن انكاره والى الصراع في البيئة وكونه السبب في ابراز الحواس جاء قوله تعالى ( أنا خلقنا الانسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً) .. فكلمة "نبتليه " تشير الى الصراع ، في البيئة ، و"سميعاً بصيراً" تشير الى الحواس ، التي برزت الواحدة تلو الاخرى ، بحسب الحاجة اليها .. على ان الصراع في البيئة ، والطفرات الوراثية في الجينات ، ليست أمراً تلقائياً عشوائياً . وانما هو موضوع مخطط ، ومدبر، بدقة شديدة ، على نحو تدبير المجرات، وسرعتها ، ومقدار الجاذبية التي تشدها لبعضها البعض ، والغازات التي تتفاعل في سطحها ، وما يمكن ان تنتجه من نجوم جديدة . ولعل اكبر سلبيات نظرية دارون ، انها لم تر وراء الاختيار الطبيعي ، القوة المدبرة له . وهو ما سنعرض له بتفصيل،عندما يناقش الكاتب تفاصيل النظرية ، في الفصول اللاحقة .

لقد أثار دوبزانسكي سؤالاً جوهرياً هو: هل هناك قانون واحد للتطور، في المرحلة غير العضوية ، والمرحلة العضوية ، أم ان لكل مرحلة قانونها ، يقول (ببساطة شديدة فان الظواهر في المستويات غير العضوية ، والعضوية ، والانسانية ، تخضع لقوانين مختلفة خاصة بتلك المستويات. ليس ضرورياً ان نفترض عدم قابلية هذه القوانين للتعميم الاختزالي ، لكنه ليس مجدياً ان نصف ظواهر المستوى الاعلى ، بقوانين المستويات الادنى ) [33] .. والحق ان القانون واحد ، لأن العقل الكلي الذي يقوم فيه ذلك القانون واحد . ولكن في كل مرحلة من مراحل التطور، يعبرالقانون عن نفسه بطريقة مختلفة . يقول الاستاذ محمود (لقد حدثنا عن المراحل الأربع من نشأة الانسان .. تحدثنا عن المرحلة الاولى ، فقلنا : ان بدايتها في الأزل ، حيث برز الانسان في الجسد ، في المادة غير العضوية – تلك التي نسميها اصطلاحاً ميتة – ونهايتها عند دخول المادة العضوية في المسرح .. وتحدثنا عن المرحلة الثانية ، وقلنا : ان بدايتها عند ظهور المادة العضوية – تلك التي نسميها ، اصطلاحاً حيّة -ونهايتها عند ظهور العقل .. ويتضح لنا ، من هذا ، ان الشبه كبير بين المرحلتين : الاولى والثانية ، فهما معاً مرحلة الجسد الصرف ، على اختلاف مستوياته ، من ذرة بخار الماء ، والى اعلى الحيوانات الثدية ، ما خلا الانسان .. وأما المرحلة الثالثة فهي تتميز عن المرحلة الثانية ببروز العقل من الجسد ، وهو عنصر جديد وخطير .. وأما المرحلة الرابعة فهي تتميز من المرحلة الثالثة بدخول الحاسة السادسة ، والحاسة السابعة في المسرح ، وتلك درجة جديدة ، من درجات الترقي ، تصبح بها الحياة البشرية شيئاً جديداً ، مختلفاً عما الفنا من قبل .. ولذلك فاننا نستطيع ان نقول : ان لدينا ثلاث مراحل لنشأة الانسان : مرحلة الجسد الصرف ، ومرحلة الجسد والعقل المتنازعين ، واخيراً مرحلة الجسد والعقل المتسقين .. ولقد تطورت ، الى الآن ، الحياة على هذا الكوكب في مضمار المرحلتين الاولى والثانية فهي قد كان تطورها الاول تطوراً عضوياً صرفاً، ثم لما بدأ بروز العقل، بفضل الله ، ثم بفضل التطور العضوي الصرف ، أخذت في تطورها الثاني وهو تطور عضوي-عقلي .. وهذا الطور هو الذي نعيشه نحن الآن ، واني لارجو ان نكون انما نعيش في اخريات أيامه .. وسيجئ يوم قريباً ، يصبح التطور فيه عقلياً صرفاً ، في مقابل البداية بالتطور العضوي الصرف، الذي كانت به بداية الحياة ..) [34] . فالارادة الإلهية هي القانون الاساسي ، المسير للوجود ، والذي بالقرب منه ، ودقة محكاته ، تجئ القوانين الرفيعة التي تحكم حياة الناس . على ان دويزانسكي نفسه يقول (ومع ان العمليات الفيزيائية والكيمائية التي تجري في الاجسام الحية لا تختلف اختلافاً جوهرياً عن تلك التي تجري في الطبيعة العضوية ..... ) [35] ولكنه لا يقف عند مقولته هذه . فلو تدبر ما قال ، لعلم انما كان ذلك كذلك ، لأن القانون في طبيعته واحد كما قررنا.

وعن كيفية تطور الانسان من الحيوان ، يستأنس الكاتب برأي بريزنت الماركسي الذي يقول (حيثما نشأ ، فلا بد ان المجتمع الانساني جاء من العالم الحيواني ، وقد كان العمل ، صيرورة الانتاج ، هي التي جعلت من الحيوان البشري إنساناً " [36] وهذا الرأي فصله أنجلز، وتبناه الماركسيون من بعده ، وخلاصته ان الانتاج وتقسيم العمل ، والصراع الطبقي ، هو الذي طور المجتمع البشري ، وخلق الفكر الانساني ، وميز الانسان عن الحيوان . يقول إنجلز :


According to the materialistic conception, the determining factor in history is, in the final instance, the production and reproduction of the immediate essentials of life. This, again, is of twofold character. On the one side, the production of the means of existence, of articles of food and clothing, dwellings, and of the tools necessary for that production; on the other side, the production of human beings themselves, the propagation of the species. The social organization under which the people of a particular historical epoch and particular country live I determined by both kinds of production: by the stage of development of labor on one hand and of the family on the other ….In the collision of the newly-developed social classes, the old society founded on kinship groups is broken up ; in its place appears a new society, with its control centered in the state, the subordinate units of which are no longer kinship associations, but local associations; a society in which the system of the family is completely dominated by the system of property, and in which there now freely developed those class antagonisms and class struggle that have hitherto formed the content of all written history. [37]


ومع صحة القول بالتداخل ، بين تطور الاسرة وتطور الانتاج ، واثر ذلك على تطور عقل الانسان ، وصنع الحضارة إلا ان التاثيرالاعمق والآصل ، هو ما حدث في النفس البشرية ، ثم انعكس على المجتمع .. فلقد اثرت البيئة على نفس الانسان ، ودفعته دفعاً ليخلق المجتمع ويطوره. لقد وجد الانسان البدائي نفسه في بيئة تكتنفه بالعداوة . فقوى الطبيعة تتصرف وكأنها لا تحفل بموته أو بحياته . فالنيران تندلع في الغابات فتقضي عليه دون رحمة . والزلازل ، والاعاصير، والفيضانات ، تحطم كهفه ومسكنه . والحيوانات المفترسه تطارده لتاكله ، وهو في فراره بحياته ، لا يملك الا ان يطارد حيوانات أخرى ، يعتمد على لحمها كغذاء وجلدها ككساء. وهذا الصراع المرير، دفع الانسان ان يسعى لحماية نفسه ، بكل سبيل ، ويحتال لذلك شتى الحيل . فاتخذ الكهوف يختبئ بها ، واعالي الجبال يحتمي فيها ، واتخذ السلاح من الحجر، وصنع الحبال من لحاء الاشجار، والعصي من فروعها . ورغم ان هذا ساقه الى الادوات والعمل ، وطور من عقله ، الا ان اكبر اختراع للانسان البدائي ، انما هو المجتمع .. وهو من اجل ان ينشئ المجتمع ، ويتعايش افراده ، ويتحدوا على عدوهم ، أنشأ القوانين البدائية ، التي قيدت شهوة الجنس ورغبة التملك . فأوقعت تلك القوانين، أقصى العقوبة على من يعتدي على نساء رجل آخر، أو من يسرق فأس أو سكين جاره . ومن هنا بدأ الكبت يقع على نفس الانسان ، وتوسع بذلك خياله ، وزاد ذكاؤه حتى يتجنب تلك العقوبات الرهيبة . وبالاضافة للخوف من المجتمع ، نشأ الدين في الاساس كخوف من قوى الطبيعة ، التي عجز الانسان من مقاومتها ، ورسخت في نفسه رهبة دفعته للتذلل اليها ، والتقرب لها ، فقرب لها القرابين ، وعبدها ، ومن هنا نشأ الدين البدائي التعددي في الأرض، وفي مرحلة متأخرة من حيث الزمن ، ألمت به اسباب السماء ، فهذبته باديان التوحيد . لقد ربط الانسان البدائي ، بين رضا الآلهه ورضا الجماعة ، فتعمق الكبت على الغريزة ، لانه علم ان الآلهه لا تغفل عنه ، اذا غفل رقيب الجماعة. فالتزم بقانون الجماعة خوف الآلهه ، ومن هنا نشأ الضمير، كرقيب على الفرد من داخله ، أقوى من الرقيب الجمعي ، الذي تمثله قوانين المجتمعات البدائية القاسية .هذا الكبت ، الذي ضبط الغريزة ، ووجه الشهوة ، وبه بدأ الفرد يمارس حسن التصرف في الحرية ، ويحتاط من الخطأ ، هو الذي انجب الذكاء البشري ، وهو الذي ابرز الانسان من الحيوان ، في تطور وئيد. فالانسان ارتفع من الحيوان وتميز عليه بهذه القيمة الخلقية ، وليس بمجرد العمل ، كما ظن الماركسيون.

لقد تحدث دوبزانسكي ، عن اشكالية قبول ظهور الانسان من الحيوان ، لدى البعض ، بسبب ما يرونه من اختلاف بين الانسان والحيوان . فملكة التصور المجرد ، والتفكير، والمقدرة على استيعاب الرمزية ، جعلت هؤلاء يشككون حتى في وجود صفات الانسان في الحيوان ، ولو جزئياً . وكنموذج للاختلاف الفكري طرح الكاتب موضوع اللغة واعتمد على دراسات هوكيت 1959 وآشر 1964 ، وما قدماه من شرح ، بان نداءات الحيوان ، أو اشاراته تقصي بعضها البعض تبادلياً. بمعنى ان الحيوان قد يستجيب لاحد المواقف ، بواحدة او اخرى من زخيرة نداءاته ، او قد يبقى صامتاً ، بينما اللغة الانسانية منتجة ، بمعنى ان الانسان يصدر الفاظاً ، لم يحدث ان صدرت عنه او عن غيره ، وهي مع ذلك مفهومة لمن يعرف تلك اللغة . والانسان يستطيع ان يتحدث عن اشياء ، ليست في نطاق رؤيته ، وعن الماضي ، والمستقبل، وعن الاشياء المتخيلة.

ومع ان القول بان الانسان أرقى ، واكثر تعقيداً ، من حيث فكره ، ومن ثم لغته ، حق ، الا انه لا يعني ان الحيوان ليس لديه لغة . ولقد بدا الانسان بمحاكاة اصوات الحيوان ، او قوى الطبيعة ، ثم من اجل الاتصال ، الذي يعمق روابط الجماعة ، قيد بعض الاصوات ، في مفاهيم تعارف عليها المجتمع ، استطاع في مرحلة متأخرة ، ان يقيدها بالرسم فجاءت الكتابة . فاذا كانت الحيوانات تطلق اصوات ، ذات دلالات تعين على الاتصال ، بين افراد القطيع ، كما قرر هؤلاء العلماء ، فان هذه لغة ، وان قصرت عن لغة الانسان ، وقصر الانسان عن فهم دلالاتها. أما سليمان الحكيم عليه السلام ، فقد كان يفهم لغة الحيوانات . ولقد قص علينا القرآن من نبأه ، في قوله تعالى ( وورث سليمان داؤود وقال يا ايها الناس علمنا منطق الطير واتينا من كل شئ إن هذا لهو الفضل المبين * وحشر لسليمان جنوده من الجن والانس والطير فهم يوزعون * حتى اذا اتوا على واد النمل قالت نملة يا ايها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون * فتبسم ضاحكاً من قولها وقال رب أوزعني أن اشكر نعمتك التي انعمت عليّ وعلى والدي وأن اعمل صالحاً ترضاه وادخلني برحمتك في عبادك الصالحين ) .. ولا يعني هذا ان النملة تكلمت باللغة العبرانية ، وانما اتت من الحركة والصوت ، ما ألهم سليمان فهمه. ومهما يكن من أمر اللغة ، وانتاجها ، والحاجة الى الى التصور المجرد ، والرمزية ، لتفعيل مدلولاتها ، فانها نتاج تطور اجتماعي . وكلما ترقى المجتمع ، وتعقدت اساليب حياته ، تعمقت مدلولات اللغة ، التي تعبر عن ذلك الواقع . ولما كانت حياة الحيوان ، أبسط من حياة الانسان ، كانت لغته اكثر محدودية ومباشرة .

يطرح الكاتب ، الجدل القديم ، عن هل خلق الكون بالصدفة أم بتخطيط مسبق ؟ ولكنه لا يقف طويلاً عند هذا الموضوع ، ويعد بانه سيتطرق اليه بتفصيل في الفصول القادمة. وهو على العموم ، لا يوافق على الصدفة المحضة ، او العشوائية التامة . وانما يقبل العشوائية بتفسيره هو لها ، ويعتقد ان كثير ممن رفضها ، انما رفضها بسبب فهم غير دقيق لمعناها . فالكاتب يرى انه مع ان الطفرات الوراثية ، لا تنشأ حيثما وحينما تكون هناك حاجة لها ، ولا تحدث الطفرات المفيدة فقط ، الا ان الطفرات مع ذلك ليست عشوائية . وهو يرى انها ليست عشوائية ، لان ماهية الطفرة التي تحدث في جينة معينة ، تحددها بنية تلك الجينة . ثم ان الطفرات ليست التطور، وانما هي المادة الخام ، التي يوجهها الاصطفاء الطبيعي ، لتحقق التطور. أنه يرى ان الاصطفاء الطبيعي ليس صدفة ، الا بمعنى ان معظم الطواقم الوراثية في عشيرة ما ، لا تملك تمييزاً مطلقاً بالنسبة للطواقم الوراثية الاخرى. ويرى ايضاً ان الاصطفاء الطبيعي (يمنح معنى تكيفياً للفوضى النسبية لتوليفات الجينات الطافرة التي لا حصر لها . وهو يفعل ذلك دون ان تكون له ارادة أو قصد او بصيرة[38] "ادراك للمستقبل"). هذا ما قاله الكاتب ، الا ان القائلين بالعشوائية ، يرون ان بنية الجينة نفسها ، تتشكل عشوائياً، وما دام هي التي توجه الطفرة فالطفرة اذن عشوائية . ولعل دوبزانسكي يوافق على العشوائية ، من حيث لا يدري، وذلك حين يقرر في ثقة ، بان الاصطفاء الطبيعي حين يمنح التكييف ، لفوضى الجينات الطافرة ، انما يفعل ذلك دون ارادة ، او قصد ، او ادراك للمستقبل، أي يفعل ذلك عشوائياً . والحق ان الدقة التي تنتظم الكون ، من الدراري الى الذراري ، لا تدع مجالاً للصدفة أو لعدم القصد ودقة التخطيط والتنظيم . ويمكن ان نسوق الأمثلة على ذلك ، حين يتطرق الكاتب للموضوع بتفصيل.

واذا انتفت الصدفة ، فان ذلك يعني الحتمية ، لانه يعني القصد المبيت ، والقانون المحكم ، الذي قام قبل وجود التطور، وكان الموجه له عبر المراحل المختلفة . يقرر الكاتب ان هناك تفسيران للتطور: يرى احدهما ان كل التغيرات التطورية التي حدثت ، كان حدوثها مقدراً حتماً بالصورة التي حدثت بها . ويرى الرأي الآخر انه ربما كان هناك عدة طرق مختلفة ، لحل مشكلة التواؤم في نفس البيئة . وان أي طريقة من هذه الطرق ، استعملت في التطور، استطاعت ان تهرب من الحتمية . وبطبيعة الحال ، فان وجود عدة خيارات لمسار التطور، لا ينفي الحتمية لأن الارادة التي فرضت الحتمية ، تطرح الخيارات كوسيلة من وسائل التربية وتعلم التواءم مع البيئة . ولكن الخيار الذي يسير فيه التطور، هو المقدر سلفاً للنوع المعين ، الذي ظن انه اختاره بمحض ارادته او بمحض الصدفة .

إن ما يدل على الحتمية ، هو معرفتنا بان للتطور غاية هي تحقيق الكمال. ولهذا ارتفع الوجود من مرحلة الغازات الى مرحلة السوائل ، الى مرحلة الجمادات ، ثم الخلية النباتية ، فالخلية الحيوانية ، فالزواحف والطيور والثديات ثم الانسان . والانسان نفسه يتطور من جهل الى علم ، غايته تحقيق الكمال المطلق ، وهذا هو السير السرمدي . والى هذا السير العظيم ، وغايته المجيدة ، اشار تبارك وتعالى بقوله ( يا ايها الانسان انك كادح الى ربك كدحاً فملاقيه ) .. ومعلوم ان ملاقاة الله ، انما تكون بتخلضنا من نقائص صفاتنا ، وتحقيقنا لكمالات صفاته .. وهذا لا يتأتى الا بمنهاج في التعامل مع الله ، وانشاء علائق المحبة معه ، والتعامل مع الناس بالخلق الرفيع . من اجل ذلك ذكرنا ان أهمية التطور، تكمن في استفادتنا من معرفة معنى حياتنا ، وربطها بمصدرها ، الذي عنه صدرت في سحيق الآماد.

د. عمر القراي

[1] ف3ص1
[2]المصدر السابق
[3]المصدر السابق
[4]المصدر السابق
[5]ف3 ص2-3
[6] Cybernetic
[7]- ف3 ص5
[8]ف3 ص6
[9]-ف3 ص7
[10]ف3 ص6
[11]ف3 ص7
[12]ف3ص8
[13]ف3 ص9
[14]ف3 ص11
[15]ف3 ص 12
[16]المصدر السابق
[17]ف3ص13
[18]ف3ص17
هي الكلمة في النص foresight[19]
[20]ف3ص1
[21]ف3 ص 5
[22] الكتاب المقدس . دار الكتاب المقدس في الشرق الاوسط . ص2-3
[23] وليم وهبة (محرر) : دائرة المعارف الكتابية . القاهرة : دار الثقافة . المجلد الرابع ص270
[24] المصدر السابق ص270-280
[25] المصدر السابق ص270
[26] المسعودي : مروج الذهب الجزء الأول ص 23-26
[27]ف3 ص2-3
[28]محمود محمد طه : مسودة لم تنشر 21 أكتوبر 1958
- David Perlman: San Francisco Chronicle July 12, 2001[29]
[30] للمزيد من التفصيل عن موضوع التطور يمكن الرجوع الى كتاب رسالة الصلاة للاستاذ محمود . الكتاب يوجد على العنوان الالكتروني www.alfikra.org
[31]John Gribbin (1981) Genesis: The Origin of Man and the Universe. New York: Delacorte Press. P. 5-6
[32]محمود محمد طه : مسودة لم تنشر 21 أكتوبر 1958
[33] ف3 ص6
[34]محمود محمد طه (1970) رسالة الصلاة –الطبعة الخامسة . أمدرمان ص27-28
[35]ف3 ص7
[36]-ف3 ص6
[37] Frederick Engels, The Origin of the Family, private property, and the State. New York : international Publishers, 13thedition 1971. P5-6
[38] foresight هي الكلمة في النص

Post: #647
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 04:45 AM
Parent: #646


معنى الحياة ؟!

تعليق على كتاب الكاتب ثيودوثيس دوبجانسكي

(4)

الفصل الرابع

الوعي بالذات والوعي بالموت

د.عمر القراي

http://arkamani.org/sceince-fundamentalism/contributions/garai4.htm


هذا الفصل، من أقصر فصول الكتاب، لأنه يركز فقط، على قضية الوعي بالذات، والوعي بالموت. ولعلّ الكاتب يمهد به للفصل اللاحق، الذى يطرح فكرة الكاتب عن الحياة..



يركز الكاتب على ان الإنسان يختلف من الحيوان، في انه يتوق دوماُ الى معرفة اللانهائي. على ان الغريب في هذا الأمر، حسب رأي الكاتب، هو ان التطور منفعي، وان التغيرات التطورية تجئ استجابة لتحديات البيئة، ويوظفها الاصطفاء الطبيعي، لصالح استمرارية النوع. وتعمل التغيرات التى يتم اصطفاءها، للمحافظة على تكييف الكائن، وترقيته، وزيادة إمكانية توآؤمه مع البيئة، أي زيادة قدرته على التوالد، والبقاء في تلك البيئات. الاشكالية التى يراها الكاتب هنا، ان هذا التوق للمطلق، لا يبدو انه يؤدي الى ترقية التكييف، بل انه في واقع الأمر، يحد من فرص بقاء حامليه، خصوصاً، أولئك الذين يكون التعبير عنه، لديهم أشد.



على ان الكاتب يرى ان تفسير ووصف الإنسان، ومشاعره، التى تولاها علم النفس، لم تخرج على نطاق العبارات الفضفاضة، عديمة المعنى.. وهو لهذا يرى ان عالم الأحياء، يدهش لما يجد علم النفس من اهتمام، رغم ان نتائجه، في معرفة الفرق بين الإنسان والحيوان، لا تزال بائسة. ويصف الكاتب، عبارات علماء النفس، في تعريف الإنسان، بقوله : "اذ يقال ان الإنسان كائن يتميز بالعيش بالمنطق عوضاً عن الغريزة، الإنسان مدرك لنفسه واع بذاته، له عقل، له ذات ايقو وضمير سيوبر ايقو قادر على التبصر والتجريد وتأليف الرموز، والتفكير الرمزي، واستخدام اللغة الرمزية"، يعلق الكاتب على هذه التعريفات، بقوله "تلك الكلمات محكوم عليها بان تكون مبهمة بأكثر مما يلزم وغير دقيقة وغير مجدية كمفاهيم اجرائية للبحث في علم النفس".



وحين يرى الكاتب ان علماء النفس قد عجزوا عن تعريف الإنسان، يقبل محاولات العلماء الطبيعيين، ويقف باعجاب، عند هريك (1956) الذى ساوى العقل بالوعي، وقال بأننا لا يمكن ان نختزل العقل الى مجرد كيمياء، وقرر ان "الوعي هو الوعي بالذات"، ولا يستطيع ان يدرك ذلك، الا ذات الشخص المعني، الذى لا يقدر على تمييزه الا الاستبطان. وهو يرى ان الوعي ليس طرازاً من القوى الحيوية، وإنما هو ظاهرة، تتعلق بالكائن الحي. فالجسد يصنع العقل، ولكن العقل ليس ناتجاً يصنعه الجسد، كما تصنع المعدة العصارة المعدية. انه الجسد فاعلاً، نمط عمل مميز، بجهاز جسماني من نوع خاص. هكذا يؤكد هريك.



يعزز الكاتب، نظرة هريك، بنظرة عالمين فسيولوجيين آخرين، هما بنفيلد وروبرتس (1959) اللذين قالا بأن "تقديم تعريف وافي للعقل يصعب اليوم تماماً كما في أي وقت مضى. الوعي هو إدراك، تفكير، تركيز انتباه، تخطيط فعل، تفسير تجربة حاضرة، إدراك حسي". على ان هذه العبارات، لم تأت بجديد، في نظر الكاتب، رغم إيراده لها!! فهو يقول بأن "هذه الكلمات وصفية، لكنها بالكاد تشكل تعريفاً مقنعاً". على ان الكاتب يتفق مع هؤلاء العلماء، في ان تفرد الذات، لا يمكن ان يستمد كلياً، من الطاقم الوراثي للفرد، لأن كل من التوائم المتطابقة، المتشاركة في الطواقم الوراثية الابتدائية، يختبر ذاته الواعية، بصورة متميزة عن توأمه.



يحدثنا الكاتب، بعد ذلك، عن رؤية الوجوديين، الذين يرون ان الإنسان، هو وحده، الذى يوجد حقاً. وهذا الوجود هو الذى يميز الإنسان، عن كافة أشكال الحياة الأخرى. على ان الكاتب يفضل رأي فروم (1964) الذى يقول بأن الإنسان "يمتلك ذكاءً مثل الحيوانات الأخرى يتيح له استخدام العمليات العقلية بطريقة تمكنه من تحقيق أهداف عملية مباشرة لكنه يمتلك إضافة لذلك خاصة عقلية أخرى يفقدها الحيوان. انه مدرك لذاته، واع بتاريخه وبمستقبله الذى هو الموت. انه عليم بضآلته وبعجزه، وهو يدرك الآخرين كآخرين كأصدقاء أو أعداء أو قرباء. يتجاوز الإنسان كل الحياة الأخرى لأن حياته تدرك ذاتها للمرة الأولى في تاريخها. الإنسان كائن في الطبيعة يخضع لاملاءاتها وصدفها لكنه يتجاوزها لأنه يفقد تلك الغفلة التى يكون الحيوان بسببها جزءاً مندمجاً في الطبيعة - واحداً منها". يخلص دوبجانسكي من ذلك الى ان "الوعي بالذات هو احد أهم خصائص النوع الإنساني الجوهرية، وربما كان أهمها. وهو ابداع تطوري فلم يكن النوع البيولوجي الذى انحدر منه الإنسان يملك سوى بدايات الوعي بالذات أو ربما كان يفقدها تماماً".. على انه يرى، ان الوعي بالذات، لم يكن دائماً، أمراً مفرحاً، فقد جلب معه الخوف والقلق. يعتمد الكاتب في هذه الرؤية، على ما ذكره مناكر ومناكر (1965) "كان القلق - أو فلنقل الخوف - في العالم الحيواني الذى جئنا منه يخدم وظيفة البقاء على قيد الحياة، ويمثل انذاراً بالخطر المحدق الذى يتم التفاعل معه بكامل معدات البقاء الاتوماتية الغريزية المتوفرة للفرد. يطرح التطور الإنساني مسألة جديدة هنا، وان كانت مدفوعة بالحاجة نفسها للبقاء. اذ من الواضح انه لا بد لهذا الانجاز التطوري العظيم، الإدراك، من ان يضيف بعداً خاصاً للخوف".



يرى الكاتب، ان الوعي بالذات صاحبه أيضاً الوعي بالموت. ومن ناحية التطور، فان الوعي بالذات أولي، والوعي بالموت ثانوي، وهو ثمرة لتزايد الوعي بالذات. ويعتقد الكاتب ان الأهمية التطورية، التكييفية، للوعي بالذات، إنما تجئ من تنظيم، وتوحيد، قدرات الإنسان البدنية، والعقلية، التى يقوم عن طريقها بالتحكم في بيئته. يستانس الكاتب هنا، برأي هالويل (1961) الذى كتب. "كان أهم ما حدث في البعد النفسي لتطور عائلة الإنسان تنامي بنيته الشخصية الإنسانية التى صار للوعي بالذات المستند الى الأنا الايقو أهمية محورية بها"؛ والى رو (1963) الذى قال ان هذه البيئة، تشكل مركباً يضم التفكير الرمزي والاتصال، واللغة الرمزية، والذكاء، والتفكير المنطقي، كما يضم بطريقة غير مباشرة، استخدام الآلات وصنعها والثقافة.



بعد ذلك، يحدثنا الكاتب، عن كيف ان الوعي بالموت، قد عرف لدى الإنسان البدائي الأول، بدليل دفن الموتى، الذى وجدت آثاره، عند إنسان نياندرثال، وفي مدافن العصور الحجرية، والآثار القديمة، التى تزخر بالحديث عن الموت، ومدى تباين التعامل مع جثمان الموتى، بين الحرق، والدفن، والطقوس المختلفة، التى تصاحب هذه الأعمال، بوصفها مشاهد دينية، بالغة الأهمية في معتقدات مختلف الشعوب.



ورغم ان الكاتب يرى بأن الوعي بالذات، والوعي بالموت، مكيفان وراثياً، لكن هذا لا يعني انهما خصلتان وراثيتان بسيطتان. فليس هنالك شئ اسمه جينة للوعي بالذات، أو للوعي، أو الأنا الايقو أو العقل. هذه القدرات الإنسانية الأساسية، مستمدة في رأيه من الهبة الوراثية بكاملها، لا من نوع معين من الجينات الخاصة. يطرح الكاتب سؤالاً مهماً هو : هل القول بأن الوعي بالذات وبالموت، مكيفان وراثياً، يعني ان نشأتهما، أو تناميهما، عملية بيولوجية، خضعت لفعل الاصطفاء الطبيعي، بحسبانها عناصر مساعدة لما يسمى غريزة حفظ الذات؟ هل يمكن ان يكون اكتساب الوعي بحتمية الموت، حدثاً مستقلاً، ومعقداً بالمعنى البيولوجي؟ يرى الكاتب ان الإجابة عن السؤال الأخير بالنفي. وذلك لأن الوعي بالموت، يكون مواتياً، لو انه يمد الأب، بالحافز لتوفير متطلبات الحفاظ على نسله، وبقائه توقياً لوفاته. لكن هذا يفترض قدراً من السعة العقلية، ويتعذر تصور التنامي الثقافي، خارج إطار ما يقارب العقلية الإنسانية، كما هي موجودة الآن.



يرى الكاتب، ان مفهوم غريزة حفظ الذات، مفهوم مربك، وغير واضح. وهو يعتقد بأننا ينبغي ألا نتصور ان الكائن "يعرف" ما يلزم ان يفعله، ليبقى على قيد الحياة، عن طريق إدراك غريب ومفارق للطبيعة. بدلاً من هذا، يقدم الكاتب هنا رأيه بأنه من الـ "صحيح تماماً ان الكائنات من الأدنى الى الأعلى تتفاعل مع المؤثرات التى تتوفر عادة في بيئتها المعتادة بأساليب تتوخى الاحتمال الأقصى لبقائها. الكلمات المفتاحية في العبارة السابقة هى تتوفر عادة وبيئتها المعتادة. ذلك ان افراد النوع اذا وضعوا في بيئات مختلفة فانهم يفقدون حكمتهم وغالباً ما يتبلدون بصورة مذهلة".



يخبرنا الكاتب عن اعتقاد فرويد، بأن هناك أيضاً غريزة للموت، مثلما ان هناك غريزة الحياة، وهو يرى ان هذا الوصف، يمكن ان يكون مجازياً رفيعاً، يصف بعض جوانب النفس البشرية، ولكنه لا يستقيم، اذا قصد منه، ان يكون نظرية علمية بيولوجية.



هناك علاقة في رأي دوبجانسكي بين نشأة الدين والوعي بالموت. وهو يخبرنا انه ليس هناك اتفاق بين العلماء، عن كيف نشأ الدين، ويذكر رأي تايلور، العالم الأنثروبولوجي المعروف، الذى ذكر بأن نشأة الدين، بدأت بعبادة الأرواح، المشخصنة في الطبيعة الحية، وغير الحية. ولكنه أميل الى رأي مالينونسكي (1931) الذى يقول بأنه "يمكن توضيح الارتباط الجوهري للدين ان لم يكن المباشر باحتياجات الإنسان الأولية أي البيولوجية. ان الدين يجئ مثل السحر من لعنة التروي والخيال التى تصيب الإنسان حال بزوغه فوق مستوى الطبيعة الحيوانية البهيمية". يرى الكاتب ان أهم الأشياء التى يركز عليها الخيال، هو وقت زوال الإنسان، وذلك لأن حقيقة الموت، من أكثر الحقائق زعزعةً، واحباطاً، لخطط الإنسان. وهذه في رأي الكاتب، أهم أسباب نشأة الدين. ان الإنسان يتوق الى اثبات ان الموت ليس حقيقياً، وان للإنسان روحاً خالدة، تظل باقية دوماً. هذا الشعور، ينشأ من حاجة عميقة، ولا ينبع من غريزة سيكولوجية. وهو إنما تحدده الثقافة، والتعاون، ونمو العاطفة الإنسانية. يرجح الكاتب رأي فيبلمان (1963) الذى يقول بأن "الأديان اتساق استجابة نوعية تعد بالبقاء. وبغض النظر عن صدقها أو زيفها فان الاحصاءات الغامرة بانتشارها تدل على ضرورتها لاختزال حاجة ضرورية لدى الإنسان. هذه بالطبع هى الحاجة للبقاء، للأمن الأولي، ولتجاوز أسى الموت. الفرد الإنساني يعرف انه سيموت لكن أفكاره أكبر من مصيره. الدين مسعى للانخراط في مجال أوسع وأكثر ثباتاً من الوجود المجرد".



يطرح الكاتب ان قصة الحياة والموت، كانت أهم مباحث الفلسفة الإغريقية القديمة. ويستدل على ذلك بمقولة سقراط بأن "الفلاسفة الحقيقيون يدرسون الموت أبداً" كما يثمن من مقولة شوبنهور بأن "كل الانساق الدينية والفلسفية موجهة بصفة رئيسة لهذه الغاية وهى أساساً الترياق المضاد لحتمية الموت التى يصل إليها العقل التأملي بطبعه".



يختم الكاتب الفصل، برؤيته التى يتفق فيها، مع من يقررون ان الموت ليس نهاية المطاف، وإنما هو بداية لحياة أخرى. ويعتقد انه بدون هذا الاعتقاد، تصبح الحياة بلا جدوى، رغم ان الاهتمام بالموت يشمل أيضاً، الذين لا يعتقدون في وجود حياة أخرى، ويعتبرون الموت هو النهاية. يقول دوبجانسكي بأن "الوجود الزمني ليس الا مجرد تهيئة للحياة القادمة بالنسبة للذين يؤمنون بالبعث والخلود، أما بالنسبة للذين يعتقدون ان الموت هو الفناء والتحلل النهائي فان معنى الحياة يكرسه ما يحدث بين الميلاد والموت وألا يكون هنالك أي معنى. يمكن للذى يعتقد في الخلود اذن ان يعد خلاصه الشخصي همه الشاغل، والهدف من حياته. ولو لم يكن هنالك خلود فان المسألة تكون معقدة وصعبة لأبعد مدى. فلا يمكن العثور على معنى للحياة إلا في شئ أكبر من الوجود الشخصي لكنه يتضمنه في الوقت نفسه".



من حسن التوفيق، ان يفتتح دوبجانسكي حديثه عن الوعي بالذات، بتعلق الإنسان، وتوقه للمطلق!! على انه كعالم طبيعي، استغرب هذا الأمر، لأن التطور منفعي، وان التغيرات التطورية تجئ استجابة لتحديات البيئة، ويوظفها الاصطفاء الطبيعي، لصالح استمرارية النوع. وتعمل التغيرات التى يتم اصطفاءها، للمحافظة على تكييف الكائن، وترقيته، وزيادة إمكانية توآؤمه مع البيئة، أي زيادة قدرته على التوالد والبقاء، في تلك البيئات. وهو لا يرى ان هنالك علاقة بين التطلع الى المطلق، والتطور الذى يتم في الطبيعة، بالصورة التى وصفها. والحق غير ذلك!! فان تطلع الإنسان للمطلق، وولعه باللانهائي، هو الذى وسع خياله، وجعله يحلم بغير واقعه، ومن ثم حفزه لتغيير الواقع، حتى يطابق الحلم!! ولئن لم يحدث هذا التطابق تماماً، الا ان هذا الشعور الدافق، هو الذى حفز التطور. ان الفكر نفسه، هو حركة الوعي بين الذاكرة والخيال. والذاكرة هي خزينة تجاربنا السالفة، والخيال هو تصورنا لما لم يحدث، وهو يمكن ان ينسرح بلا حدود، وهذا هو التطلع الى المطلق. وإنما من هذا الاطلاق، الذى يفوق قدرة الإنسان العادية، جاءت أمهات الأفكار، التى غيرت العالم. والفكرة التى تهبط على الإنسان، قد تفاجئه، فلا يدري من أين أتت، ولعلّ من أبلغ ما بلغنا، في تصوير ذلك قول الشاعر :

رب فكر لاح في لوحة نفسي وتجلى

خلته مني ولكن لم يقم حتى تولى

مثل طيف لاح في بئر قليلاً واضمحلا

كيف وافى؟! ولماذا فر مني؟!

لست أدري!!(1)



وانه لحق، ان التغيرات التطورية، تجئ استجابة لتحديات البيئة، وبغرض الحفاظ على النوع، واستمراره، ولكن مبلغ القدرة على تحدي البيئة، وتسخيرها لخدمة حياة الإنسان، إنما يعتمد على الذكاء البشري، الذى يطرد بتوسع الخيال، وقدرته في خلق تعدد الخيارات، في التعامل مع البيئة. لقد رفع الإنسان بصره الى السماء، فاهتدى الى المطلق، بينما نظرت الحيوانات الأخرى، الى الأرض، في دلالة واضحة، الى تقيدها ومحدوديتها!! والى ذلك الإشارة بقوله تعالى ﴿أفمن يمشي مكباً على وجهه أهدى أم من يمشي سوياً على سراط مستقيم﴾؟!.. فالمطلق اذن، لا يسير التطور بالقوانين التى تحكم المادة فقط، وإنما أيضاً، من خلال إلهامه للإنسان، الذى صار بهذا الإلهام طليعة الحياة، ومحسنها في كل وقت.



ومن ناحية أخرى، وهي الأهم، فان الإنسان لم يأت من العدم، وإنما أتى من المطلق!! قال تعالى في ذلك ﴿يا أيها الناس اتقوا ربكم الذى خلقكم من نفس واحدة﴾!! وهى نفسه تبارك وتعالى، ولهذا فهو يحن الى الوطن القديم، الذى ركز في كيانه، فلم يستطع نسيانه تماماً، وظل متعلقاً به، رغم تقلبه في مختلف الصور. وحين جاءت مصاعب الحياة، التى حفزت تطوره، كانت في كل تجربة معاناة، تذكره بالحياة الخالدة، التى لم تكن تؤوفها آفة، والتى كان يعيشها بعيداً، عن العنت، في كنف الرحيم. وكان يعتقد انه يكتشف الاشياء، وهو إنما يتذكرها فقط، لأنها كانت، جميعاً، منطوية في العلم المطلق، الذى عنه صدر في سحيق الآماد. قال تعالى ﴿وعلم آدم الأسماء كلها﴾ فالخوف الشديد، الذى يخافه أحدنا من الموت، لم يكن ليحدث، لو لا انه مات من قبل، في حيواته السابقة!! وهو حين نسى كثيراً من تجارب حياته، في عمر الجنس البشري، لم يستطع ان ينسى تماماً التجارب بالغة القسوة، وفي قمتها الموت.. فالإنسان إذن، حمل الخوف في اهابه، من مراحل بعيدة، قبل ان يدخل البشر في مسرح الحياة.



لقد رفض دوبجانسكي، تعريف علماء النفس، للإنسان وحسب عباراتهم انشائية، ومبهمة!! وقبل الى حد ما، بعض تعريفات علماء الطبيعة، ثم عاد، وقال انها بالكاد يمكن ان تشكل تعريفاً. ولعلّ الاشكال، إنما هو في تعريف العقل، وذلك لأن الجسد معلوم لعلماء الطبيعة، وهو لا يميز الإنسان عن الحيوان. يقول الأستاذ محمود محمد طه "العقل هو القوة الدرّاكة فينا. وهو لا يختلف عن الجسد اختلاف نوع، وانما يختلف عنه اختلاف مقدار. فالعقل هو الطرف اللطيف من الحواس. والحواس هى الطرف اللطيف من الجسد. وإنما بصهر كثائف الجسد تحت قهر الإرادة الإلهية، ظهرت لطائف الحواس ثم لطائف العقول. وعن حركة بروز العقل، ووسيلة بروزه، يخبرنا الله تبارك وتعالى، فيقول ﴿انا خلقنا الإنسان من نطفة، أمشاج، نبتليه، فجعلناه سميعاً بصيراً* انا هديناه السبيل اما شاكراً واما كفوراً﴾. فالنطفة الأمشاج تعني الماء المخلوط بالطين، وذلك عند ظهور الحياة بالمعنى الذى نعرفه. ثم أخذت الحياة، تلد الحياة، بطريقة، أو بأخرى، وذلك في مراحلها الدنيا، وقبل ان تتطور، وتتعقد، وتبرز الوظائف المختلفة، للأعضاء، وللأنواع. وقبل ان تبرز الأنثى بشكل مستقل عن الذكر. وتمثل هذه الحقبة طرفاً من المرحلة الثانية من مراحل نشأة الإنسان. ثم عندما ارتقت الحياة، وتوظفت الوظائف، أصبحت الحياة تجئ من التقاء الذكر بالأنثى، وأصبحت النطفة الأمشاج تعني ماء الفحل، المختلط ببويضة الأنثى. وكل السر في عبارة نبتليه لأنها تشير الى صهر العناصر في الفترة التى سبقت ظهور المادة العضوية. وتشير الى صراع الحي مع بيئته الطبيعية، بعد ظهور أول الأحياء، والى يوم الناس هذا.. فجعلناه نتيجة لهذا الابتلاء، والبلاء، سميعاً بصيراً اشارة الى بروز الحواس في الحي، الواحدة تلو الأخرى. وبعد ان اكتملت الحواس الخمس، وأصبح الحي حيواناً سوياً انختمت المرحلة الثانية من مراحل النشأة البشرية، وبدأت المرحلة الثالثة، وذلك ببروز لطيفة اللطائف - العقل - والى ذلك الاشارة بالآية السابقة ﴿انا هديناه السبيل اما شاكراً واما كفوراً﴾.. وإليه أيضاً الاشارة بقوله تعالى ﴿ألم نجعل له عينين* ولساناً وشفتين* وهديناه النجدين﴾.. قوله ألم نجعل له عينين؟ اشارة الى الحواس جميعها.. قوله ولساناً وشفتين اشارة الى العقل.. فانه هنا لم يعن باللسان مجرد الشريحة المقدودة من اللحم، والتى يشارك الإنسان فيها الحيوان، وإنما أشار باللسان الى النطق باللغة، ولذلك ذكر الشفتين لمكانهما في تكوين الأصوات، المعقدة، المختلفة، التى تقتضيها اللغة. واللغة ترجمان العقل، ودليله"(2).



لقد ذكر دوبجانسكي، معتمداً على آراء علماء الطبيعة، ان الإنسان هو الحيوان الوحيد، الذى يملك خاصة الوعي بالذات، والوعي بالموت، وان هذه الخاصة، لم تكن في أسلافه الحيوانات، وإنما هى من صنع التطور، ولكنه لم يسق دليلاً على ذلك الزعم!! ان الوعي بالذات، طرف من الشعور بالحياة، وهو لهذا ملازم للكائن الحي، ومن أدلة حياته.. ولكن التعبير عن هذا الشعور، هو الذى يعكس مقدار الوعي، وهو مقدار يزيد في الإنسان، عن الحيوان، دون ريب، ولكنه لا ينعدم في الحيوان. ان كل مخلوق يشعر بوجوده، ويخاف من الموت، ويسعى لتجنبه. وهو أيضاَ، يشعر بخالقه، فان لم يقع هذا الشعور في عقله الواعي، كان في اللاوعي. ذلك ان القيوم، هو الذى قامت به الأحياء، والأشياء، فلولاه ما وجدت، في المكان الأول، ثم لم يتماسك لها كيان، في المكان الثاني. حتى الذى ينكر وجود الله، من البشر بلسانه، وبعقله، يحس به، حين تعجز حيلته، وتشل قدرته، فلا يقدر على شئ، مما كان يفعل من قبل. ان التطور قد حسّن في النوع الحيواني، حتى انجب البشر. وفي هذا المضمار، زاد وعي الإنسان بالحياة، وبنفسه، وبالبيئة التى يعيش فيها، وزادت، تبعاً لذلك، قدرته على التعبير عن الحياة. وفي هذا المضمار، صنع جميع أنواع الفنون، كوسائل لرصد تجاربه، في التعبير عن الحياة. والحيوان أيضاً يشعر بذاته، ويسعى لحمايتها بكل سبيل، ولكن وعيه بذاته في مستوى إرادة الحياة، فهى التى تحركه، وتوجه تعبيره عن حياته تلقاء شهوته، وتكاد تحصره، في السعي لتحصيل اللذة، والفرار من الالم.



أما الإنسان، فان إرادة الحرية، بالإضافة الى إرادة الحياة، تحفزان سيره. وإنما من إرادة الحرية، جاء تساؤله عن مصيره، واهتمامه بمستقبله، وتطلعه للكمال المستقبلي. يقول الاستاذ محمود محمد طه "ولكن الله تعالى سير الجمادات، والغازات، والسوائل، تسييراً قاهراً مباشراً، ثم خلق الحياة في مراتب النبات، والحيوان، فسيرها بإرادة الحياة وهى إرادة تعمل بدوافع البقاء للاحتفاظ بالحياة .. وقانونها اجتلاب اللذة، ودفع الألم، وأصبح تسيير الله تعالى للمخلوقات في هذا المستوى من وراء حجاب إرادة الحياة التى تتمتع بما يسمى الحركة التلقائية، لأن دوافع حركتها، وقوى حركتها كالمودعة فيها. ثم لما ارتقى الله تعالى بالحياة الى مرتبة الإنسان زاد عنصر جديد على إرادة الحياة هذا العنصر هو إرادة الحرية وهو عنصر يختلف عن إرادة الحياة اختلاف مقدار، لا اختلاف نوع. سير الله البشر بإرادة الحياة وإرادة الحرية معاً وأصبح بذلك تسييره لنا غير مباشر. فالإرادة البشرية هي إرادة الحرية هذه، وبها تميز الإنسان عن الحيوان، وهى الإرادة التى بممارستها عصى آدم ربه، إذ نهاه عن أكل الشجرة. والإرادة البشرية أو إرادة الحرية قبس من الله العظيم، وإليها الاشارة بقوله تعالى ﴿اذ قال ربك للملائكة اني خالق بشراً من طين، فاذا سويته ونفخت فيه من روحي، فقعوا له ساجدين﴾ فكلمة سويته اشارة الى إرادة الحياة" وعبارة ونفخت فيه من روحي اشارة الى إرادة الحرية"(3).



والوعي بالموت، ليس شيئاً آخراً، غير الوعي بالذات، وغريزة حفظ الحياة، لأنه الوجه الآخر، لهما ذلك ان الإنسان والحيوان، إنما يحفظان حياتهما من الموت، ومما يمكن ان يؤدي إليه. أما قول دوبجانسكي بأن الوعي بالموت، قد عرف لدى الإنسان البدائي الأول، بدليل دفن الموتى الذى وجدت آثاره عند إنسان نياندرثال، وفي مدافن العصور الحجرية والآثار القديمة الخ.. فيحتاج الى مراجعة.. فان الوعي بالموت، تم بمجرد حدوثه!! وقبل ان يتعلم الإنسان دفن الموتى، أما الدفن فانه نتيجة الوعي بالحياة الأخرى، التى بعد الموت، وذلك من أول المفاهيم التى نشأت عليها الأديان، ولقد ساقت الأحلام الى تصور الحياة الأخرى.. فالإنسان كان يرى أخاه الذى مات، في منامه، وهو يصيد كما كان يفعل عندما كان حياً، فقام في باله بانه في حياة أخرى، يمارس حياته نفسها، ولهذا حرص على دفن الجثمان، ووضع أدوات الصيد معه.



يرى دوبجانسكي، ان مفهوم غريزة حفظ الذات، مفهوم وغير واضح، وهو يعتقد باننا ينبغي ألا نتصور ان الكائن "يعرف" ما يلزم ان يفعله، ليبقى على قيد الحياة، عن طريق إدراك غريب ومفارق للطبيعة. بدلاً من هذا يقدم الكاتب هنا رأيه بأنه "صحيح تماماً ان الكائنات من الأدنى الى الأعلى تتفاعل مع المؤثرات التى تتوفر عادة في بيئتها المعتادة بأساليب تتوخى الاحتمال الأقصى لبقائها. الكلمات المفتاحية في العبارة السابقة هي تتوفر عادة وبيئتها المعتادة. ذلك ان أفراد النوع اذا وضعوا في بيئات مختلفة فانهم يفقدون حكمتهم وغالباً ما يتبلدون بصورة مذهلة". والحق ان غريزة حفظ الحياة، تدفع نحو تصرف تلقائي، مركوز في بنية الحيوان، من وراء وعيه، عند استشعار الخطر.. ولا يعني هذا بالضرورة، ان ينجح دائماً في الابقاء على حياته، ولكنه يسعى لذلك بكل سبيل، وقد يكون سبب اخفاقه، هو ان البيئة لم تك مواتيه، لأنه لم يعتد عليها، كما ذكر الكاتب ولكنه على كل حال، يتواءم مع البيئة، ويقلل بذلك فرص فشله، في حفظ حياته.



يطرح الكاتب، رأي فرويد في وجود غريزة للموت، مثلما ان هناك غريزة للحياة، وهو لا يوافقه على ذلك، من الناحية العلمية. ولقد ذكر فرويد رأيه حول غريزة الموت، في دراسات عديدة، وفي كتابات خاصة وعامة. فحين كلفت عصبة الأمم، اينشتين، بالبحث مع عدد من الخبراء، عن طريقة تحول دون تكرار الحروب، قام بمخاطبة فرويد، بسؤال، عن ما هى الدوافع النفسية وراء الحروب. وبعد حديث طويل قال فرويد "ان الافعال البشرية على قدر من التشعب نادراً ما يكون الفعل المعني الذى يصدر عن الإنسان نتاج دافع غريزي واحد. فالدوافع مزيج مركب من طاقة شبقية وأخرى تهديمية وحسب ما تنص عليه القاعدة العامة لا بد من التقاء عدة دوافع متساوية التركيب من حيث عناصرها التكوينية لكي يحدث الفعل... حقاً مثل هذا النزوع يستحق تسمية غريزة الموت في حين ان الحوافز الشبقية تمثل الجهد الذى يبذل في اتجاه الحياة".. الى ان يقول "فان كان النزوع الطبيعي الى الحروب ناتجاً عن الدافع التهديمي يستنتج من ذلك انه يترتب علينا ان نستنجد بالخصم النقيض الذى يقف في وجه تلك النزعة الحربية اي دوافع الشبق فكل ما يتولد من علاقات عطف بين البشر لا بد ان يقوم برد فعل ضد الحرب"(4).. ان عبارة فرويد السابقة، عبارة سطحية، ومعممة، في حين ان المقام يحتاج الى الدقة، والتحديد.. فليس كل تعبير عن الغريزة الشبقية، ينتج عنه بالضرورة، اتساع لنطاق الحب والوئام بين البشر.. وإنما الممارسة الجنسية، التى تسوق الى الحب، لا بد ان تتم عن وعي، ورضا الطرفين، وتحت سمع وبصر وموافقة المجتمع، وأعرافه وتقاليده، حتى تعتبر العلاقة شرعية، ولا يعاني أطرافها بسببها أي ضيق.. وإلا فان الزنا، والاغتصاب، والتعدي، والجرائم الجنسية لا ينتج عنها سوى الحقد والكراهية والاحتقار.. وقد تؤدي الى اشعال الحروب، بل ان بعض أسباب قيام الحروب، هو الرغبة في اغتصاب النساء، وارغامهن على الجنس عنوة، وما يصاحب ذلك من عنف، وشعور بالغلبة والامتلاك، يكون مبعث اثارة ولذة للرجل.. ان القضاء على العنف والحرب، يتم في الوقت نفسه الذى يقضي فيه الإنسان على جهله بالبيئة التى يعيش فيها، وجهله بأخيه الإنسان، وهو الوقت الذى يحل فيه الحب محل الكراهية، بعد ان يقبر الظلم الى غير رجعة.. هنا فقط تنشط غرائز الحب بعد ان تكون قد اطلقت من عقالها، بزوال الخوف، الذى كان فيما مضى، يكبلها، فيتسامى الحب ويطرد كل يوم جديد"(5).



ورغم ان الكاتب أخبرنا، عن عدة آراء حول نشأة الدين، إلا انه يرجح ان الوعي بالموت، هو الذى دفع الإنسان لاختراع الدين!! وذلك لأن الموت، من أكبر الحقائق التى تصدم الإنسان، وهو لا يملك الغائه، ولهذا فكر في حياة أخرى، بعد الموت، ومن الايمان بهذه الحياة، وبالأرواح، نشأ الدين.. ولهذا يرجح الكاتب رأي فيبلمان (1963) بأن "الأديان اتساق استجابة نوعية تعد بالبقاء. وبغض النظر عن صدقها أو زيفها فان الاحصاءات الغامرة بانتشارها تدل على ضرورتها لاختزال حاجة ضرورية لدى الإنسان. هذه بالطبع هى الحاجة للبقاء، للأمن الأولي، ولتجاوز أسى الموت. الفرد الإنساني يعرف انه سيموت، لكن أفكاره أكبر من مصيره.. الدين مسعى للانخراط في مجال أوسع وأكثر ثباتاً من الوجود المجرد".. وبالرغم من ان في التعلق بالحياة الأخرى، عزاء للإنسان الشقي في هذه الحياة، وان الايمان بها مبعث طمأنينة للإنسان، الا ان الدين نشأ قبل هذا، من عجز الإنسان من مناجزة قوى الطبيعة، التى تدمر حياته بلا مبالاة، مثل العواصف والفيضانات، والزلازل والبراكين، فقد ظن انها آلهه جبارة، فتزلف إليها، وقرب لها القرابين، وأقام الطقوس لعبادتها، ومن هنا نشأ الدين، بمعنى الايمان بقوة أكبر من الإنسان، والشعائر في التعامل معها.. أما فكرة الايمان بالآخرة، فانها جاءت بعد فكرة وجود الآلهه، ولم يدل عليها مجرد الموت، وإنما ساقت إليها الأحلام.. فقد رأى الإنسان البدائي الأول، أباه أو أمه أو أخاه الذى مات في نومه، وهو يمارس حياته نفسها، التى كان يمارسها، فلم يهده تفكيره، الى تفسير لهذه الظاهرة أقرب من ان هذا الشخص، يعيش في عالم آخر، بعيداً عن الأرض، وأقرب الى الآلهه، ولهذا لا يمكن التواصل معه. ولقد كانت الأديان، التعددية، كثيرة الآلهة، ولكن كان عدد الآلهة، يقل كلما الف الإنسان احدى الظواهر، واستطاع ان يقلل من خطرها عليه.. أو كلما هزمت قبيلة أخرى، فان إله القبيلة المهزومة، يتبع لإله القبيلة المنتصرة، ثم تتلاشى عبادته، وتحل محلها عبادة الإله الجديد.



يختم دوبجانسكي هذا الفصل بقوله بأن "الوجود الزمني ليس إلا مجرد تهيئة للحياة القادمة بالنسبة للذين يؤمنون بالبعث والخلود، أما بالنسبة للذين يعتقدون ان الموت هو الفناء والتحلل النهائي فان معنى الحياة يكرسه ما يحدث بين الميلاد والموت وألا يكون هنالك أي معنى. يمكن للذى يعتقد في الخلود إذن ان يعد خلاصه الشخصي همه الشاغل، والهدف من حياته. ولو لم يكن هنالك خلود فان المسألة تكون معقدة وصعبة لأبعد مدى. فلا يمكن العثور على معنى للحياة الا في شئ أكبر من الوجود الشخصي لكنه يتضمنه في الوقت نفسه".. ان تصوير الموت باعتباره نهاية، هو الذى رسخ في اهابنا الخوف الشديد منه، وذلك مرده الى جهلنا بحقيقة الموت، وانه ميلاد جديد في مكان مختلف، تكون حياتنا فيه، أفضل من حياتنا في الدنيا.. و "لن نخاف الموت" يقول الدكتور، ثم يردف: "وكيف يخاف ميت، من الموت؟؟" فهل رأيت كيف يرى الدكتور انتصارنا على الخوف من الموت؟؟ هو يراه في اليأس من الحياة، وفي اليأس من القدرة على الفرار من الموت.. والحق غير ذلك.. فان انتصارنا على الخوف من الموت إنما يجئ من اطلاعنا على حقيقة الموت، ومن استيقاننا ان الموت، في الحقيقة، إنما هو ميلاد في حيز جديد، تكون فيه حياتنا أكمل، وأتم، وذلك لقربنا من ربنا.. وبالموت تكون فرحتنا، حين نعلم ان به نهاية كربنا، وشرنا، وألمنا.. قال تعالى عنه ﴿لقد كنت في غفلة من هذا، فكشفنا عنك غطائك، فبصرك اليوم حديد﴾ .. وإنما بالبصر الجديد ترى المشاكل بوضوح، وتواجه بتصميم.. وعندما اشتدت بالنبي غصة الاحتضار، وقالت السيدة فاطمة البتول "واكرباه لكربك يا أبي!!"، أجابها المعصوم "لا كرب على ابيك بعد اليوم".. وقد سمى الله، تبارك وتعالى، الموت اليقين فقال ﴿واعبد ربك حتى يأتيك اليقين﴾ واليقين أيضاً، العلم الذى لا يكاد يكون فيه شك، والذى به تتكشف الحقائق المستورة وراء الظواهر.. وإنما سمي الموت اليقين لأن به اليقين، ولأن به يتم اليقين الذى يكون قد بدأ هنا عند العارفين، وإنما يكون بدأه بالموت المعنوي الذى هو نتيجة العبادة المجودة.. وعن هذا الموت المعنوي قال المعصوم "موتوا قبل ان تموتوا" وقال عن أبي بكر الصديق: "من سره ان ينظر الى ميت يمشي في الناس فلينظر الى أبي بكر" هذا هو اليقين الذى باطلاعنا عليه، لا نتحرر من خوف الموت فحسب، وإنما به قد يكون الموت أحب غائب الينا"(6).



[1] ايليا ابو ماضي : الجداول بيروت : كاتب وكتاب ص 139

[2] محمود محمد طه (1970) رسالة الصلاة أمدرمان السودان ص20-22

[3] محمود محمد طه (1968) الاسلام . امدرمان السودان الطبعة الثانية ص 17-19

[4] أينشتين وفرويد : لماذا الحرب ؟ - مجلة الفرسان العدد 683 - 11 مارس 1991 م

[5] عمر القراي : تعليق حول موضوع : اينشتين وفرويد لماذا الحرب؟ - مقال لم ينشر مارس 1992

[6] محمود محمد طه (1971) القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري – أمدرمان السودان ص 28-30

Post: #648
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 04:47 AM
Parent: #647


معنى الحياة؟!

تعليق على كتاب الكاتب الروسي ثيودوثيس دوبزانسكي

الفصل الخامس

البحث عن معنى

يطرح الكاتب، في هذا الفصل، آراء عديدة، لفلاسفة ومفكرين، حاولوا في صور نقدية، مختلفة، تتفاوت من النقد الجاد، الى السخرية، الى الاحباط، تقديم آراء عن ماهية الحياة وغايتها، ووضع الإنسان فيها.. ولقد بدأ الكاتب بحثه، بالنظر في مدى التشابه بين الإنسان والقردة العليا، في انشاء الأسرة، والمجتمع..

فعلى الرغم من الشبه بين الإنسان والقرود العليا، في تكوين المجموعات، والقيام بأعباء متفاوتة، للحفاظ على الاسرة، الا أن الدور الإنساني، يختلف من أوجه عدة، عن دور القرود العليا.. يقول دوبزانسكي (هنالك اختلاف في وجهات النظر حول مدى الاقتتال الذي يتم بين افراد الزمرة. فقد يكون هنالك قتال شرس بين ذكور القرد الأفريقي المحبوسين الذين يذودون عن الإناث اللائي يستميلونهم في حديقة الحيوان. أما على الطبيعة فإن المشاهدات تكشف عن وضع مختلف تماماً. فهنالك نظام صارم بعض الشئ للسيطرة والطاعة بين أعضاء الفرقة، وهذا النظام يتم تاسيسه والحفاظ عليه عادة بالتهديد والطقوس لا بالاقتتال الفعلي. ويتم في بعض الأنواع استبعاد الأفراد الضعفاء من الذكور البالغين الذين يشكلون فرقاً من "العزاب" يتسكعون قرب الزمرة انتظاراً لفرصهم.... الفرق الأهم في السلوك الجنسي بين الإنسان واقاربه يقع في مضمار آخر. فالأنثى في كل الرئيسيات عدا الإنسان تكون مستقبله جنسياً خلال فترات محددة من الدورة النزوية فقط. أما أنثى الإنسان البالغ جنسياً فهي دائمة الاستقبال). ولعل كون أنثى الإنسان تكون قادرة على استقبال الذكور دائماً هو ما ادى حسب رأي الكاتب الى امكانية احادية الارتباط وابوية الرعاية عند الإنسان دون الحيوان.

يتحدث الكاتب عن طول طفولة الإنسان، اذا ما قورن بالحيوانات الأخرى، وما يلقي ذلك من مسؤولية على الأم وعلى الاب. ولعل طول الطفولة، أهل الإنسان، الى ما ذكره وادنجتون (1960) من سعة العقل سعة وراثية تجعله (متلقياً للسلطة وليكون كائناً أخلاقياً). وهو يرى ان العملية التطورية، لم تزود الإنسان بمبادئ وقيم أخلاقية محددة، ولكنها هيأته ليأخذ ذلك عبر الزمن، من الابوين، والاقارب، والمجتمع.. ثم يحدثنا الكاتب عن العائلة باعتبارها أقدم المؤسسات الاجتماعية الإنسانية، وأكثرها دواماً.. وكيف أنها تختلف في تركيبها، من مجتمع لآخر. ويشير الكاتب الى الجدل الدائر، حول الأهمية النسبية، لكل المحددات الوراثية، والثقافية، للدافع الجنسي، والتنظيم الأسري للإنسان. وهو يرى أن الدافع الجنسي، نتاج آليات ترسخت وراثياً، لكن مظاهر هذا الدافع يكيفها الاطار الثقافي. فلقد نمّت المجتمعات، صرحاً هائلاً من القواعد السلوكية، والمحظورات، صار مفروضاً على الدوافع الفسيولوجية المكيفة وراثياً. ويقرر الكاتب، أن بعض المجتمعات، أكثر اباحية وبعضها أكثر تزمتاُ. ولكن ليس هناك مجتمع في الماضي أو الحاضر، على الاطلاق، ترك هذه الامور لهوى الافراد، وتقديراتهم.

يطرح الكاتب، فكرة بعض علماء الاحياء، بان الأخلاق تم تشكيلها، وتثبيتها، بحسبانها دوافع غريزية وراثية، عن طريق الاصطفاء الطبيعي. ولكنه يرى ان ما يتم بالتكييف البيولوجي، ليس طبيعة المبادئ الأخلاقية، ومحتواها، وانما القدرة على الصيرورة الأخلاقية. أما طبيعة المبادئ الأخلاقية، ومحتواها، فتجئ من التطور الثقافي. ولهذا فاننا –حسب رأي الكاتب – يمكن أن نقول بتعبير فرويد، أن الذي يورث، هو القدرة على تكوين ذات عليا (سيوبر إقو)، لا نوع الذات العليا التي تتكون. كما يرى ان فكرة الأبوة الأخلاقية، بالنسبة للإنسان، جاءت من اكتسابه الوعي بالذات وبالموت. فالأب كان يعي بانه سوف يموت في وقت ما، ولهذا كان يريد ان يبقى امله في ابنائه من بعده، ذلك ان تكريس حياته لذريته، يحقق له جزء يسير من ذلك الخلود، الذي يصبو اليه، ولا يستطيع تحقيقه منفرداً.

ينتقل الكاتب بعد ذلك، الى فكرة الخصوبة، وارتباطها بتماسك المجتمع البدائي، وبالدين في العصر الحجري، ويعتمد في ذلك على رأي هوكس و ولي (1963) (استمدت الدوافع الدينية للعصر الحجري قديمه وحديثه أقوى عناصر تماسكها وأكثرها تحديداً من الرغبة المشتركة في الخصب. وقد لوحظ انه على الرغم من التداخل والارتباط الشديد للدين في العصر الحجري القديم مع الطقوس الطوطمية للأرواحية وسحر الصيد فان أكثر مواضيع تلك الطقوس تطويراً واشدها وضوحاً تماثيل الأم-الآلهة وأعضاء الذكورة المنقوشة. ولا تزال لهذين الرمزين السيادة المطلقة في الآثار الثقافية الاولية للعصر الحجري الحديث).. ولتأكيد هذه الفكرة يحدثنا الكاتب بانه لا تزال الرموز المتعلقة بعضو الذكورة، بارزة في أدياننا، البدائي منها، والمتقدم، ويستانس في ذلك، برأي الفيلسوف الروسي رازانوف، الذي فسر النكاح، والتناسل البشري، بحسبانهما طقوساً شبه دينية، كما طرق فيلسوف آخر هو قودينف (1965) أفكاراً مشابهه.

طرح الكاتب السؤال المزمن : هل يمكن اذاً، ان يعيش الإنسان ليحيا، لينجب مزيداً من الحياة، وتتواصل السلسلة الى الابد؟ ثم قرر ان سلسلة الحياة الابدية، هي الجواب المعقول للسؤال عن معنى الحياة. ولكنه مع ذلك، يتساءل هل يكفي هذا الجواب بالنسبة للإنسان؟ ويرى ان كامو قد رأى طرفاُ من الحقيقة، حين قال (انني أعرف ان لشئ ما في هذا العالم معنى هو الإنسان لأنه الكائن الوحيد الذي يطلب ان يكون له معنى) هنا يرى الكاتب ان قوة الفكرة الأزلية وضعفها تكمنان في قول (ان الحياة غاية في ذاتها. هذه الفكرة تبقى على الحياة فهل يمكنها ان تشبع عقلاً اسبغت عليه نعمة او نقمة الوعي بالذات وبالموت).. وهو يرى ان الاجابة على هذا السؤال بان الحياة غاية في ذاتها ليس كافياً، خاصة للذين وصلوا الى مستوى الوعي بالذات، جعلهم يبحثون عن معنى للحياة الإنسانية، يتسامى على مجرد الحياة، ويعلو عليها..

يطرح الكاتب، رأي تايلور وفريزر، عن ان الإنسان اخترع السحر، خلال نضاله للحفاظ على الحياة.. وان الدين نشأ من السحر. كما يطرح آراء آخرين، لا يوافقون تايلور، ويقررون ان الدين نشا مستقلاً عن السحر. ويفرقون بين الدين والسحر، بان السحر منفعي، أما الدين فهو اهتمام بمصير الشخص، ومستقبله في حياة أبدية. لكن الكاتب، يرى ان عجز الإنسان، عن فهم قوى الطبيعة، وتطويعها لمصلحته، جعله يسبغ عليها كل اعتقاداته، وتصوراته، بما فيها السحر، والأراوح، والدين.. على ان الكاتب يرى ان السحر، ولو كان مفيداً أحياناً، لا يمنح الفرد تبصرا عن معنى الحياة. وانما الأديان، هي التي توفر الاجوبة، على مثل هذه التساؤلات. أما كون هذه الاجوبة هي الحقيقة أم لا، فان هذا امر آخر.. يقول دوبزانسكي (لقد وجد الإنسان في العالم بمشيئة الله، ومعنى وجوده هو ان يكون خادماً لله. الله او الآلهة مهما كان تصورها في الأديان المختلفة أزلية لا تموت. اما الإنسان فانه واع بمرحليته وتمزقه. يصف هارتشون الدين بانه "قبول الإنسان لتمزقه" ويتغلب الإنسان على تمزقه ومرحليته بان يكون على الاقل ولو في خياله جزءاً من الحياة المطلقة العلية)[1] .. ثم يحدثنا الكاتب، عن ان الحياة الأزلية وتصورها، يختلف باختلاف الأديان. وان التوراة القديمة، لم يكن فيها، وعد اوعيد، بالجنة او النار.. ولكن عقيدة بعث الموتى، ترسخت فيما بعد، في اليهودية، بعد الحقب التالية للإنجيل، وهي أوضح في المسيحية والإسلام. كما يرى ان المفهوم الاصولي للنار، والعذاب الحسي فيها، والذي تعكسه لوحات الكنائس، انما يتفق مع التصور الفظيع، الذي صوره دانتي في ملحمته الكلاسيكية الشهيرة. في هذا التصور، يمثل الموت، مجرد وقفة عابرة، على مدرج الروح الابدي، ويحل البعث محل الموت. ويقصد به بعث الاجساد، لان الأرواح لا تموت. ولعل الصورة التي يعتبرها الكاتب فظيعة، هي ثنائية الابدية، بين النعيم المقيم والعذاب الدائم. يرى الكاتب ان أديان اخرى، مثل البوذية والهندوسية، ترفض فكرة الخلود، من هذا النوع، لانها تؤمن بتناسخ الأرواح. وهي ترى، ان تجول الروح، ليس هو المطلوب، بل انهاء غربتها بالتحامها مع الذات الالهية.

يحدثنا دوبزانسكي عن ان الفكر المسيحي الخلاق، يتجه للتوفيق بين الرؤى المختلفة، لموضوع الخلود. ان الإنسان المعاصر، يثور ضد عدم عدالة ثنائية الجنة والنعيم، والهالكين والناجين. ان صلاح او فساد حياة الإنسان، انما يقع في صيرورة لا تحدها هذه الثنائية. ويستشهد بتليش (1963) لحل هذا الاشكال حيث يرى تليش (على المسيحية ان ترفض إنزال رمز الخلود واستخدامه للتعبير عن هذه الخرافة رفضاً تاماً. وذلك لان المشاركة في الاطلاق ليست هي الحياة القادمة وليست هي حالة طبيعية للروح الإنسانية وانما المشاركة في الاطلاق فعل خلاق للاله الذي سمح للمرحلي ان يفصل نفسه من ثم يعود للمطلق) ويواصل تليش (كثيراً ما يستعمل رمز البعث بصورة عامة ليعبر عن ان الحياة المطلقة تنهض من موت الحياة المحدودة. انه بهذه الطريقة رمزية للتعبير عن المفهوم اللاهوتي الاساسي للوجود الجديد عندما يكون الوجود الجديد ليس وجوداً أخر وانما هو تحول الوجود القديم. فالبعث اذاً ليس خلقاً لحقيقة اخرى فوق الحقيقة القديمة وانما هو تحول الحقيقة القديمة ناهضة من موتها)[2]

الدين في نظر دوبزانسكي، يخدم مهمة كبيرة، في التماسك الاجتماعي.. وذلك لان الناس في كل مجتمع، وصلوا الى مفاهيم متسقة، من الافكار الدينية، تتعلق بحياتهم والطريقة المناسبة لتوجيهها، مما يساعدهم على تحقيق السلام مع انفسهم، والتصالح مع العالم الرهيب الغامض، الذي اوجدتهم فيه، قوى أكبر منهم.. ولقد كان الدين، منذ اقدم العصور، ثقافة شاملة، تجيب بالرموز، والاساطير، والخوارق، على تساؤلات المجموعة، مما جعله اداة للتماسك العاطفي والاجتماعي. بالاضاقة الى ذلك، يؤكد الكاتب، على الدور الاجتماعي للدين، باعتباره يمنح اقراراً غيبياً للأخلاق، فيقول (لكن الدين لم يتمكن من توفير هذا الاقرار الا لكونه منح معنى لافعال الإنسان بان اعطاها مرجعية في مصيره. فحياة الافراد وربما المجتمعات التي ينتمون اليها ينظر اليها بحسبانها جزءاً من مخطط جليل فرضته سلطة الأهمية).. على انه يرى ان هذه الفكرة تمت المبالغة فيها، اذ ان الأديان، ربما كانت مدعاة للحروب الزائفة، والاضطهاد الديني. بالمقابل، هو يرى ايضاً، نماذج للكثيرين، الذين كرسوا حياتهم لخدمة بني جنسهم في احسان، وتواضع، ومحبة، مطمئنين بانهم بذلك يخدمون الرب.. وهو لذلك، يرى انه (هكذا مكن الدين الفرد من اكتساب هوية تماثله مع مجموعات أخرى أكثر ثباتاً من ذريته وعائلته النووية).. فالدين اذن كما يرى الكاتب، جزء من الثقافة، لا يستطيع حتى اللاديني نكران اثره على المجتمع. ولذا فهو يتفق تماماً، مع توينبي (1961)، في قوله "الحضارات العظيمة في العالم تنتج عن الأديان العظيمة بحسبانها افرازاً ثقافياً ثانوياً، الأديان العظيمة هي الاساس الذي تبنى عليه الثقافات العظيمة"..

أما الحضارة الغربية الضخمة، فان الكاتب يرى انها نشأت على اساس يهودي- مسيحي. ولكن تاثير الدين بدأ ينصل عن الحياة، منذ عهد التنوير، حين نشأ الصراع بين الكنيسة والعلماء.. وذلك حين قرر كوبرنيكس (1543) ان الشمس هي مركز الكون. ثم تبع ذلك تاييد كلبر (1606)، وجاليليو (1610) والذي اجبرته محاكم التفتيش، على التنازل عن آرائه، التي اعتبرتها الكنيسة ضرباً من الهرطقة. ولكن الثورة لم تتوقف، فجاء كتاب "خطاب في المنهج" لديكارت (1637)، وكتاب "المبادئ الرياضية" لنيوتن (1682)، وكتاب "مقال بخصوص الفهم الإنساني" للوك (1690)، في هذا الاتجاه الذي يواجه المعتقدات القديمة. ورغم ان الكنيسة قد قل سلطانها، الا انها رفضت بقوة نظرية دارون (1859).

يشعر الكاتب، بان هناك نزاع لا شك فيه، بين الدين والعلم.. ولكنه يعتقد ان هذا النزاع، لا داعي له، لان (العلم والدين يتناولان جانبين مختلفين للوجود يمكن مراعاة للتبسيط ان نقول انهما جانبي الحقيقة والمعنى. فمن الممكن للمرء ان يدرس الحقائق دون ان يكترث لمعناها) ولكنه يشعر بان هذا الفهم، ليس دقيقاً، فيقول (لا يعني ذلك ان على الإنسان ان يفصل افكاره العلمية والدينية عن بعضهما البعض ويضعهما في حاويتين محكمتي الاقفال).. على انه يوافق على ان العلم لا يملك الاجابة على كل التساؤلات، وان بعض الظواهر الطبيعية، مفهومة للعلم وبعضها غير مفهومه له. ولكن ما لا يقبله، هو ان بعض المتدينين، أو حتى العلماء، يحاولون ان يسدوا هذه الفجوات، بالقدرة الالهية!! وهو ما اسماه في الفصل الثاني آلهة الفجوات، وعلقنا عليه في ذلك المقام. ان النزاع بين العلم والدين، سببه عند الكاتب، محاولة حماية التراث الديني، من تشكك المتشككين، لانه لو تم طرح أي جزء من التراث الديني، فلن يكون هناك حد للتنازلات. ولعل انشغال الزعماء الدينيين، بهذا الدفاع المتوهم عن الدين، هو الذي (قاد الى عجز القادة الدينيين عن اداء واجبهم الرئيسي، وهو التمييز بين الابدي من معتقداتهم والمكونات الوقتية، التي جاءت اعتباراً لمستوى معين من الفهم العام او الوضع الاجتماعي السياسي، الذي وجد الدين نفسه فيه خلال تاريخه. وقد ادى ذلك التضاد الحرون الى التراجع المستمر للدين الاصولي)..

يحدثنا الكاتب عن تراجع الدين الاصولي، وظهور نظريات مادية بديلة، انكر بعضها وجود الله، وبعضها أقر بوجوده، ولكنه انكر تدخله في حياتنا، فصوره كمن صنع آلة ضخمة، ثم تركها تسير دون تدخل فيها. مثل هذا الاله الغائب عن خلقه، ليس جديراً بالعبادة. وهكذا نشأت مجتمعات جديدة في الغرب، وفي اليابان، لا تؤمن باي دين، وان ذكرت عبارات الدين شفوياً فقط. مع كل هذا الجنوح عن الدين، فان الإنسان الحديث حسب رأي الكاتب، لا يستطيع ان يمنع نفسه من التساؤلات القديمة : هل لحياتي معنى، ابعد، واسمى، من مجرد المحافظة على حياتي؟! هل للكون أي غاية واي معنى؟! هذه الاسئلة، ومثيلاتها، صارت مؤخراً، سائدة ليس بين اوساط الفلاسفة والمفكرين، فحسب، وانما لدى العامة أيضاً.

يذكر الكاتب ان أدياناً بديلة نشأت، وهي تدعي انها قادرة على الاجابة على هذه الاسئلة، بطريقة علمية.. كما انها تملك مقدرة تغيير حياة الناس الى الافضل، وايقاف ظلمهم، واستغلالهم، وأكبر هذه الأديان الماركسية، وأكبر انبياؤها ماركس ولينين. وكل ما وعدت به المسيحية من خير وسلام، ادعت الشيوعية انها ستحققه.. ووجدت دعوتها، صدى واسعاً بين الشعوب المضطهدة، في جميع انحاء العالم. ولكن الشيوعية، كما يرى الكاتب، صحبتها شدة، وعنف، ودماء، رغم انها لم تتحقق بعد!! ويستدل براي باسترناك عن ان النموذج الشيوعي "لا يزال بعيدأً عن التحقيق لكن الأنهر من الدماء التي أسالها مجرد الحديث عنه لا تجعل الغاية تبرر الوسيلة". على ان مشكلة الشيوعية، في راي الكاتب، انها لا تحوي سوى ملاحظات عابرة، لاقناع الشخص الامين المرتاب، بان الحياة التي تكرس لخدمة الآخرين، والتضحية من اجلهم، افضل من تلك التي تكرس للمنفعة الذاتية المباشرة. وليس بديهياً، ان مستقبل الإنسانية عزيز لدينا، للدرجة التي تجعل كل واحد منا، يضحي بحياته، لأولئك القوم الذين سيجيئون في المستقبل. يرى الكاتب، ان حياة الإنسان بصورة محتشمة، ومساعدته للاخرين في حدود، وعمله من اجل اسرته، واسعاده لاسرته وجيرانه، مبادئ أخلاقية عامة، تجد سندها في التراث الديني اليهودي المسيحي، وان تحررت مؤخراً من هذا التراث، لكنها مع ذلك، لا تمثل اشباعاً لتوق الإنسان لحياة ذات معنى.

يطرح الكاتب افكاراً غربية اخرى، غير الماركسية، في مقاربة لتصوراتها عن الحياة، ويقف عند الوجودية، وينظر لها من خلال مسرحية الذباب لسارتر، خاصة الحوار القديم المتجدد في تحدي الإنسان للإله، ثم ما يصيب هذا الإنسان في النهاية، من شعور بالقرف، والغثيان، وهو يقرر "ليس هنالك إله وليس هنالك معنى في الكون. وليس للإنسان معنى في كون بلا معنى".. يؤكد الكاتب ان الفنانين المرهفين، هم الذين اصيبوا بهذه المشاعر السلبية، تجاه الحضارة المادية الحاضرة. ويوافق بارزون (1964) الذي نسب للفنانين فضل اكتشاف "عفن الروح الجاف"، في العالم الحديث، وهو يشير للتكنولوجيا والعلم المادي. ان الشعور بالقرف والغثيان والعفن، لم يعد حسب راي الكاتب، خاص بالفنانين والفلاسفة والصفوة، من امثال سارتر وبارزون، وانما اصبح حظ العوام، في كل المجتمعات. وليس السبب في رايه ان الناس اصبحوا يقرأون لهؤلاء الفلاسفة والمفكرين، ويتاثروا بهم، وانما لأن البشرية عانت من ويلات الحرب العالمية، وذاقت مرارات التعذيب، في معسكرات وسجون النازية، والفاشية، والشيوعية.

ومع انه في كل مكان يوجد من يشعرون بالظلم، وبسوء حياتهم، الا ان تعبير "الاستلاب" (الاغتراب) نشأ مؤخراً، وعبر بصدق، عن ازمة الإنسان المعاصر. كنموذج بارز لموضوع الاغتراب، يركز الكاتب على الولايات المتحدة الامريكية، وينظر اليها من خلال جولس هنري في كتابه "الحضارة ضد الإنسان" (1963) حيث قال "حضارتنا منقادة. انها مساقة بدوافع انجازها ودوافع المنافسة والربح والتعبئة بدوافع الامن والمستوى الاعلى للحياة" كما يرى هنري انه "فيما عدا المهنيين والتنفيذيين فان معظم الأمريكيين لا يشتركون بعواطفهم لا في حرفهم (ما يفعلونه) ولا في عملهم (المكان الذي يؤدونه فيه). في النهاية فان ما ينسب الامريكي المتوسط للحياة، والمكان، والناس، هو اقتصاده الشخصي الخاص - أسرته وبيته وسيارته..." أكثر ما يقلق هنري، هو ظاهر عدم الاهتمام بكبار السن، وحرمانهم من الحنان الاسري.

في ختام الفصل، يؤكد الكاتب، بان الشعور بالعدمية والقرف من الحياة، وعدم الاحساس باي معنى لها، والشعور بان العالم لا يتجه الى غاية، وان الإنسان ليس الا جزء تافه من الاشياء، وان التاريخ البشري يمكن ان ينتهي فجأة بمجزرة، وان هذه النهاية لا معنى لها، لأن كل الناس سيموتون، هذا الشعور ينتابنا جميعاً في اوقات مختلفة. يلجأ البعض للأديان، ليتجنب هذا الشعور، او ينشغل عنه، وآخرون ينغمسون في الملذات، حتى لا يفكروا في هذه الاشياء. اما الحياة العادية، التي تقوم على اداء عملك، وبناء مسكنك، ورعاية اطفالك، لم تعد تناسب الإنسان الحديث.

ان الاعتراف بانك تعيش من اجل ابنائك، وهم يعيشون من اجل ابنائهم، وهكذا الى ما لانهاية، في رأي الكاتب، يجعل للحياة معنى، ولكنه معنى بيولوجي وهو يتكرر بلا معنى. ان ما يرغب فيه الإنسان، ليس وضع جديد، وانما وضع افضل. ولقد كان الإنسان في القرن التاسع عشر يثق بان التقدم يسير بانتظام. ولكننا لم نعد نملك الثقة بالمستقبل بالقدر نفسه. ومع كل ذلك يرى الكاتب ان هناك بارقة أمل في تمثيل جديد. هذا ملخص للفصل أرجو ان لا يكون مخلاً.

ان الحديث عن التشابه، والاختلاف، بين الإنسان والقردة العليا، الذي افترع به الكاتب هذا الفصل، يدورحول معنى هام، في تكوين المجتمع البشري، لم يقف عنده الكاتب، بالقدر المطلوب.. فالصراع بين الذكور، للاستيلاء على الاناث، في مجتمع الحيوان، انما تغذية الغيرة الجنسية، فهي قد جاءت للإنسان من الحيوان، وكان لها القدح المعلى في نشأة المجتمع الإنساني.. ولقد كانت الغيرة في البدايات، وعلى عهد القرب من الحيوان، مجرد رغبة في الامتلاك والاستحواذ، على أكبر عدد من الاناث.. ولكن المهزومين من الذكور، حين اضطروا الى الخنوع، انما بدأوا بكبت الرغبة الجنسية العارمة في نفوسهم.. ولقد اثمر هذا الكبت قوة السيطرة على الرغبة، مما قوى من ابراز العقول، لدى الافراد من ناحية، وارساء الاعراف الاولى التي نشأ عليها المجتمع من الناحية الاخرى.. ومع قوة العقول، وشدة رعاية المجتمع للاعراف المتعلقة بتوجيه الطاقة الجنسية فيما تسمح به الجماعة، برزت من العاطفة الجنسية عواطف اخرى من الحب، غير الحب الجنسي. ولقد دعم هذه المشاعر، تقييد المجتمع للغريزة الجنسية، فحرمت هذه العلاقة مع الاقارب الاقربين، على مكث وتطور وئيد، حتى برزت الاسرة، التي يميز فيها الرجل بين حبه لأمه، وحبه لزوجته.. (إن مجتمع الحيوان لا ينمو في عدد ذكوره، وان نما في عدد اناثه، ذلك ان الغيرة الجنسية تحمل الفحول على ان يقتتلوا في سبيل الاناث، حتى لا يكون في المراح الواحد الا فحل واحد.. فاذا كان هناك ذكور، الى جانب الفحل، في المراح، فانما هم ذكور لا أربة لهم في الاناث، فان كانت لهم أربة في الاناث فانهم سيدخلون في حلبة الصراع مع الفحل الأب، فاما ان يطردوه من المراح، واما ان يقتلوه، واما ان يطردهم، أو ان يقتلهم هو.. وهذا هو الشأن بينهم فيما بينهم.. ولقد جعل الله طفولة البشر أضعف، واطول من طفولة الحيوان، ليؤكد له ضرورة المجتمع، لطفولته، ولشيخوخته. وكذلك نشأ المجتمع البشري.. ولكنه لم ينشأ الا بعد ان نشأ العرف الذي نظم الغريزة الجنسية، وأمن الملكية الفردية، فحرمت الاخت على أخيها، وحرمت الأم على ولدها، وحرمت البنت على ابيها، وكذلك استطاع الأبن ان يعيش مع ابيه، وامه، بعد ان بلغ سن الرشد.. وكذلك استطاع ان يعيش الصهر، مع صهره، وهو آمن على زوجته، من ابيها، ومن أخيها.. ومن ناحية الملكية الفردية للسلاح الذي يتخذ من الحجر الجيد، وللكهف ينحت في الجبل مثلاً، فقد قام العرف بالاعتراف بها لأصحابها، ومنع السطو عليها، وكذلك استطاع افراد المجتمع ان يعيشوا في سلام، يحتكمون الى شيوخهم، عند التنازع على أمر من أمورهم)[3].

ولقد كان هذا الكبت البدائي للغريزة، على قسوته، وعنفه، بداية الأخلاق.. ذلك ان خوف الآلهة وخوف الجماعة، حين جعل الفرد يحد من شهوته، ليوافق أعراف المجتمعات، صاغ على تطور من تلك الأعراف، انموذجاً أعلى، جعل الاتساق معه، محمدة يكافئ عليها المجتمع في الدنيا، والآلهة في الحياة القادمة.. من هنا جاءت القوانين، وهي الحد الادنى للأخلاق، اذ التصرف فيما لا يقع تحت طائلة القانون، هو السلوك الأخلاقي، أو قل ان الأخلاق هي حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة.. وهذا يعني ان يكون الفرد، موكل بعمل الخير والاحسان ولو لم يكن هنالك رقيب عليه ولم تكن هنالك قوانين.

لكن الكاتب يطرح فكرة بعض علماء الاحياء، بان الأخلاق، تم تشكيلها، وتثبيتها، بحسبانها دوافع غريزية وراثية، عن طريق الاصطفاء الطبيعي. ويرى ان ما يتم بالتكييف البيولوجي، ليس طبيعة المبادئ الأخلاقية، ومحتواها، وانما القدرة على الصيرورة الأخلاقية.. والحق ان الذي يورث، ليس الممارسة الأخلاقية المعينة، وانما المقدرة على الكبت، التي منها ينشأ الذكاء الذي يعين على حسن التصرف في المواقف المختلفة.. والأخلاق ليست الصفات الايجابية، كالكرم، والمروءة، والشجاعة، والصدق..الخ وإنما هذه ثمرة الأخلاق. أما الأخلاق فهي مقدرة العقل، على سوق النفس، ضد رغائبها، وتجاه الواجب المباشر، مما ينتج عنه هذه الصفات التي اشرنا إليها.. والعقل لا يحقق هذه المقدرة تلقائياً، أو بمجرد هضم المعارف نظرياً، وإنما يحتاج لمنهج لترويضه وتدريبه. وحتى يقوى العقل ويستحصد، لا بد للمنهج أن يعالج آفتي التفكير الأساسيتين وهما: قلة الفكر والتوائه. ولزيادة التفكير، يحرص الإنسان على ألا يفعل شيء، ولا يترك شيء، إلا بعد أن يفكر فيه. ومن اجل تجنب التواء التفكير، يجب على الإنسان أن ينشغل بالتفكير في عيوبه، عن عيوب الآخرين. حتى إذا اكتسب القدرة الفائقة على اكتشاف دسائس نفسه وخباياها وعرفها أكثر، استطاع أن يكون محايداً، غير منحاز لها، حينما يفكر في إنصاف الآخرين منها. فالتفكير الحقيقي، ليس تأمل في الفراغ، ولا انشغال بمعضلات فلسفية وجودية.. وإنما هو عمل يومي، بل لحظي، يتجه إلى الغور في طوايا الذات المفكرة نفسها، واستكشاف خباياها. وإنما من أهمية المنهج، لإحراز الفكر القوي المستقيم، الذي لا تسير الحياة في الطريق الصاعد إلا على هداه، تجيء أهمية الدين للإنسان. لأن الدين وحده هو الذي يملك هذا المنهج، وهذا ما سنتحدث عنه، عندما نصل إلى تعليق الكاتب في هذا الفصل عن أهمية الدين.

يرى الكاتب ان من اهم الافكار، في المجتمع البدائي، في العصر الحجري، فكرة الخصوبة، واتباطها بالدين، وبالمجتمع.. وينقل لنا رأي هوكس و ولي (1963)، اللذان يعتقدان ان الرغبة المشتركة في الخصب، هي السبب وراء تماسك الدوافع الدينية في العصر الحجري. وقد لوحظ انه على الرغم من التداخل، والارتباط الشديد للدين في العصر الحجري القديم، مع الطقوس الطوطمية للأرواحية وسحر الصيد، فان أكثر مواضيع تلك الطقوس تطويراً واشدها وضوحاً تماثيل الأم-الآلهة وأعضاء الأنوثة والذكورة المنقوشة. ولتأكيد هذه الفكرة، يحدثنا الكاتب بانه لا تزال الرموز المتعلقة، بعضو الذكورة بارزة في أدياننا، البدائي منها والمتقدم.. ويستأنس في ذلك برأي الفيلسوف الروسي رازانوف، الذي فسر النكاح والتناسل البشري بحسبانهما طقوساً شبه دينية، كما طرق فيلسوف آخر هو قودينف (1965) أفكاراً مشابهه.

والحق ان الأديان القديمة والحديثة، ركزت على الخصوبة، ودعت الى الزواج والتناسل، وامتدحت الممارسة الجنسية الرشيدة، التي تتم وفقاً لشروط المجتمع، واعترافه بهذه العلاقة.. على ان الامر أعمق من ذلك، فالعلاقة الجنسية، وان كانت الذرية من اهم ثمارها، الا ان الغرض الاساسي من ممارسة الجنس، ليس الانجاب، وانما تسامي الحب وزيادته واطراده.. ولكن الحب مؤوف بالخوف، الذي ينقصه، فاذا استطاع الفرد ان يتحرر من الخوف، بتحقيق العلم بالله، وبالبيئة التي يعيش فيها، فانه يستطيع لكمال معرفته، ان يختار شريكه الذي هو صنو نفسه.. وحين تتم العلاقة الجنسية بين هؤلاء العارفين الاحرار، فان تسامي الحب يربطها بالله، وانما في هذه المستوى الرفيع، يصبح الجنس ممارسة دينية، رفيعة، تكتمل بها حياة الشعور، وتترقى بها حياة الفكر. وانما من اجل هذه القيمة، التي تتأتى في زواج الحقيقة، جاء تكريم الزواج في الشريعة، ودعا له الدين.. يقول الاستاذ محمود (هناك زواج في الحقيقة... وهناك زواج في الشريعة.. فاما في "الحقيقة" فان زوجتك هي صنو نفسك.. هي شقيقة نفسك.. هي انبثاق نفسك عنك خارجك وهي بذلك جماع آيات الافاق لك.. والى ذلك الاشارة بقوله تعالى "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق أولم يكفي بربك انه على كل شي شهيد".. وما يقال في هذا المستوى، عن موضع الزوجة من الزوج، يقال عن موضع الزوج من الله.. فالزوجة هي اول تنزل عن الوحدانية الحادثة الى الثنائية.. هذه هي الزوجة في الحقيقة "يا ايها الناس اتقوار ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والرحام ان الله كان عليكم رقيباً". وهذه النفس الواحدة هي، في اول الامر، في بدء التنزل نفس الله تبارك وتعالى، وهي الذات القديمة التي منها تنزلت الذات الحادثة- وتلك هي الإنسان الكامل "الحقيقة المحمدية".. والإنسان الكامل هو اول قابل لتجليات انوار الذات القديمة- الذات الالهية، وهو من ثم زوجها، وانما كان الإنسان الكامل زوج الله لانه انما هو في مقام العبودية.. ومقام العبودية مقام انفعال، في حين ان مقام الربوبية مقام فعل، فالرب فاعل والعبد منفعل.. ثم تنزلت من الإنسان الكامل زوجته.. فكان مقامها منه، مقامه هو من الذات.. فهي منفعلة وهو فاعل.. وهذا هو في الحقيقة، مستوى العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة.. وقد خلق الله تبارك وتعالى من كل شئ زوجين اثنين.... وحين يكون انجاب الذرية هو نتيجة العلاقة الجنسية بيننا وبين نسائنا "وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء" تكون ثمرة العلاقة بين الذات القديمة وزوجها الإنسان الكامل – المعارف اللدنية.. فان انفعال العبودية بالربوبية يرفع الحجب التي أنستنا النفس التي هي أصلنا – نفس الله تبارك وتعالى " ياايها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة".. وحين يتم اللقاء بين هذين الزوجين – الذات الالهية والإنسان الكامل- ينبث العلم اللدني في فيض يغمر العبد العالم من جميع اقطاره، فهذا الوضع بين الذات الالهية والإنسان الكامل- انفعال العبودية بالربوبية – هو الذي جاء الوضع منه بين الرجال والنساء انفعال الانوثة بالذكورة.. وهو ما يسمى عندنا بالعلاقة الجنسية، وهي علاقة عظيمة الشرف، لانها حين تقع بشريعتها، بين الاطهار الرفعاء العارفين بالله تكون ثمرتها المباشرة تعميق الحياة واخصابها، ووصلها بالله بغير حجاب.. وهذه ذروة اللذة، وتكون ثمرتها شبه المباشرة، المعارف اللدنية التي تفاض وتغمر الذكر والأنثى اللذين تقع بينهما هذه المشاركة النظيفة الرفيعة.. ثم تكون ثمرتها غير المباشرة الذرية الصالحة من بنين وبنات "وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء")[4].

يطرح الكاتب رؤية تايلور وفريزر، في ان الدين نشأ من السحر، وان الإنسان اخترع السحر خلال نضاله ليبقى على قيد الحياة. ولكنه يميز بين الدين، والسحر، على اساس ان السحر نفعي والدين يقوم على هم الإنسان بمصيره.. وفي الحق ان السحر، وان قام على علم، يجعل الساحر يؤثر على الوجود المادي، من خارج قوانينه، او بتضليل نظر المتلقي له، بما يخرق قوانينه، الا انه علم ناقص يعتمد، على غفلة المشاهدين، أكثر من القدرة على التأثير القسري عليهم. ومع ذلك، قد يرتبط السحر، بطقوس وممارسات، وخضوع للأرواح، يجعله يشبه لحد كبير، الدين البدائي الوثني. ولكنني اتفق مع دوبزانسكي، في ان السحر لا يمنحنا اي تبصر، عن معنى الحياة وغايتها.. أكثر من ذلك!! فهو يصرفنا عن المعرفة الحقيقة، للقوانين المادية والروحية، والتعامل معها، وفق مناهجها، ويشوه اعتقادنا في الغيب. ومن هنا، ثم من اثره السئ على حياة الناس، وتضليلهم عن واجبهم، جاء التشديد على تحريم السحر، في الأديان الكتابية الكبرى.

لعل رأي دوبزانسكي، في ان هناك معنى للحياة، أكبر من مجرد معيشتها، بصورة بيولوجية، تسوق الى التوالد والتكاثر، جدير بالبحث. وانه لحق ايضاً، كما قرر، ان الأديان هي التي تصدت للاجابة على هذه التساؤلات الكبرى، سواءا اختلفنا او اتفقنا مع اجابتها.. ولما كانت الاجابة تتبعها خطوات جماعية للتعبير، عن ذلك الدين، فان دور الدين، في تماسك المجتمعات، اصبح واضحاً، عند دوبزانسكي.. أكثر من ذلك، فان الدين عنده، يمنح اقراراً غيبياً للأخلاق.. فهو يقول (لكن الدين لم يتمكن من توفير هذا الاقرار الا لكونه منح معنى لافعال الإنسان بان اعطاها مرجعية في مصيره. فحياة الافراد وربما المجتمعات التي ينتمون اليها ينظر اليها بحسبانها جزءاً من مخطط جليل فرضته سلطة الأهمية).. ولكننا نرى ان هذه وظيفة الدين، في المكان الثاني، اما وظيفته في المكان الاول، فهي ان يوثق الصلة بين الفرد وبين الله، وهذه هي الوسيلة النافذة، وان شئت قل الوحيدة، التي تجعل لحياة الفرد معنى، وتجيب على كافة تساؤلاته، وتحقق له السكينة والسلام الداخلي، الذي ينعكس منه على المجتمع، ثم الى البيئة من حوله.. فكل الحيوانات تمارس الجنس وتتناسل، وتسعى لتوفير رزقها، وتحمى نفسها، وتصنع مساكنها، وتحافظ على صغارها، فاذا كانت معرفة الإنسان، وتعليمه، لا تتعدى هذه الاشياء، فانه لم يخرج من مستوى الحيوانية بعد.. إن المعنى الزائد، في حياة الإنسان، هو انشاء العلاقة مع خالقه.. والعلم الحقيقي، هو العلم الذي يستطيع به ان يتعرف على كيفية التعامل معه، والتأدب اللائق في هذا التعامل.. فاذا استطاع الإنسان ذلك، صحت له العبودية، وبها انعقدت له الخلافة لله، على جميع الخلائق، ليدبر مملكة ربه، وفق مرضاته..

ولكن دوبزانسكي يرى ان هذه الفكرة- الفكرة الايجابية عن الدين- تمت المبالغة فيها، اذ ان الأديان، ربما كانت مدعاة للحروب الزائفة، والاضطهاد الديني. بهذا التصور يقع دوبزانسكي في نفس الخطأ، الذي وقع فيه كارل ماركس، من قبل، اذ حكم على الدين، بممارسة رجال الدين.. ولعل مسؤولية المتدينين، هي على الدوام، تصحيح تشويه دعاة الدين، من الادعياء الذين يعكسون عنه صورة منفرة، قد تضلل عن حقيقته الاذكياء.. ان ما تعيشه الشعوب التي تدعي الدين، ليس الا قشور الدين، وتسخيره ليخدم مصالح دنيوية للافراد والجماعات. وهو بذلك، وسيلة لاستغلال المؤمنين البسطاء، وتسخيرهم لخدمة دهاقنة السياسة، الذين يتخذون من الدين وسيلة من وسائل خداعهم.. وانه لحق ان الدين جزء من الثقافة، لا يستطيع حتى اللاديني نكران اثره على المجتمع، كما قرر الكاتب. ولكن هذا لا يكفي، لانه لن يعيننا على الاستفادة من الدين.. وانما يجب ان نقر بان الدين منهاج حياة، منظم، وغير عفوي، يستهدف معرفتها على حقيقتها، بالرجوع بنا الى اصلها، الذي عنه صدرت، ثم تتبع آثارنا قصصاً، حتى رؤية ورودها الى غايتها، وواجبنا المباشر، في مختلف حيواتنا، بين الصدور والورود!!

إن الناحية العلمية والعملية في الدين، هي ما يتعلق بدورنا كافراد وكمجتمع، واتساق هذين الدورين، لتؤديان الى نتيجة واحدة. فالدين يطلب من الفرد، ان يفعل ما يقول، أو قل ان ينفذ ما يعلم دون التواء (يا ايها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتاً عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون).. والغرض من ذلك، ان تتسق قواه الداخلية، ويسلم من التمزق، الذي يؤدي اليه النفاق. ثم ان ذلك يطرد، حتى تتحقق وحدة ذاته، وهذا هو التوحيد!! فالتوحيد هو صفة الموحِّد، وليس صفة الموحَّد!! هو يجب ان يكون صفة العبد، لأن الله قد وحد نفسه، فلا يحتاج منا نحن ان نوحده.. قال تعالى في ذلك (شهد الله انه لا اله الا هو والملائكة واولي العلم قائماً بالقسط لا اله الا هو العزيز الحكيم).. فاذا توحد الإنسان، توحد ادراكه للبيئة التي يعيش فيها، ولم يشغله تعدد شكولها، عن وحدة جوهرها.. فاذا تعرف الإنسان على اصل البيئة، تصالح معه، وعاش في سلام، وأوكل نفسه بزرع الجمال، فيما حوله.. هذا الفرد هو الذي يصنع المجتمع الصالح، الذي ينظم حياته، على القضاء على اسباب الصراع الاجتماعي، بالتنظيم الاقتصادي السياسي، الذي يقوم على العدل والمساواة. ثم هو قبل ذلك، وبعده، يقضي على الخوف، ويجفف منابعه في نفسه، مما يقضي على اسباب الصراع، ويبدل مشاعر الغضب، والتوجس، بمشاعر المحبة الخلاقة، التي تعمر الخراب، وتخصب اليباب..

إن رؤية الكاتب، بان الحضارة الغربية، نشأت على اساس يهودي- مسيحي، ولكن التحول الى العلمانية، كان نتيجة الصراع بين الدين والعلم، الذي بدأ منذ عهد التنوير، رؤية صحيحة، دون شك.. أما تصوره بالا يرى مبرر لهذا الصراع، لان مجال الدين مختلف من مجال العلم، فليس صحيحاً.. ولقد حاول هو نفسه، استدراكه، بقوله الإنسان ليس لديه، مناطق منفصلة في ذهنه للدين والعلم. والعلم والدين، في الحقيقة، مكملان لبعضهما البعض، وهما قد وجدا في وقت واحد، والبشرية تعتمد عليهما معاً، في حركتها، فهما رجلاها، وهي حين تقدم احدى هذه الارجل، يجب ان تقدم الاخرى، والا توقفت حركتها.. ومنذ عهد التنوير، فان البشرية قد قدمت رجل العلم المادي، وهي انما تتهيأ الآن لتقديم رجل الدين..

ولقد اشار دوبزانسكي، الى مبعث الطمأنينة، فيما يطرح الدين فكرة الخلود، فمع ان النفس تنفر من التقسيم الثنائي، لهذا الخلود بين الجنة والجحيم، الا انها على كل حال، تلحق الإنسان بالحياة الابدية الباقية، وبانه جزء منها، ولو كان ذلك في مجرد خياله.. يرى الكاتب ان فكرة الجحيم المخيفة، التي جاءت متأخرة في اليهودية، وبرزت بوضوح في المسيحية والإسلام، ترى الموت باعتباره عبوراً الى الحياة الابدية، المنقسمة بين عذاب ونعيم.. وفكرة البعث انما هي بعث الاجساد، لأن الروح لا تموت حتى تبعث. ثم يحدثنا عن ان البوذية والهندوسية، ترفضان هذا النوع من الخلود، وتؤمنان بان الاجساد التي تتحرر من البدن بالموت، تتناسخ هنا في الارض، مرة تلو الاخرى، في اجساد اخرى.. ويعتمد نصيب التجسيدات المتتابعة، من النبل او الانحطاط، على الحسنات والسيئات المكتسبة، في الحياة السابقة. على ان تجوال الروح، في العديد من الاجساد، لا يعد امر مرغوباً، وانما هو من غربة الروح، التي لا ترد الا بالوصول الى الحياة الكاملة، باندماجها في كمال الاله، او في براهما، او النيرفانا.

لم يقف الكاتب عند فكرة تناسخ الأرواح، رغم انها فكرة قوية، لا يمكن للعقل تجاوزها.. فنحن نرى الطفل، ينمو في مختلف مراحل حياته، وهو في كل مرة، يختلف في صورته الجسدية عن ما كان عليه، فهو في عمر ثلاثة اعوام، يختلف عنه في عمر عشرين عاماً، وعنه في عمر ثمانين عاماً، ومع ذلك، نصر نحن على انه نفس الشخص، وان اختلف جسده تماماً!! فحقيقة الشخص اذاً هي روحه، وليس جسده.. وان الروح في عمر الفرد البشري، تلبس اجساداً مختلفة، فما الذي يجعلها بعد التخلص من جسد الفرد، بما نسميه الموت، تترك هذه العادة، ولا تواصل لبس اجساد جديدة؟! ولعل كل واحد منا، تمر عليه لحظات من الصفاء، يذكر فيها انه راى هذا المكان او ذاك من قبل، أو يذكر حديثاً يسمعه اول مرة، وكأنه قد سمعه من قبل، وقد يكمل في سره، ما يود محدثه ان يقوله، قبل ان يقوله.. فهل حقاً عشنا حيوات سابقة، نتفاوت فقط في تذكرها، ولكنها تجاربنا جميعاً؟!

يقول تعالى (أولم ير الذين كفروا ان السموات والأرض كانت رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شئ حي أفلا يؤمنون) فان كانوا لم يروا ذلك، فان السؤال لا يصح.. ولكن الواقع يقول ان البشر جميعاً، خلقوا بعد خلق السموات والأرض، بزمن بعيد.. بل ان القرآن نفسه، يؤكد لنا اننا لم نشهد خلق السموات والأرض فيقول (ما اشهدتهم خلق السموات والارض ولا خلق انفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا).. والحق اننا شهدنا ولم نشهد!! لم نشهد في حياتنا اللاحقة، بعد ظهورنا في عالم الاجساد، التي تكونت في الأرض.. ولكننا شهدنا في عالم الأرواح، وقبل ان تنزل هذه الأرواح الى الاجساد!! وعن علمنا في عالم الأرواح، وشهادتنا لربنا بالربوبية، ثم نسياننا لهذه الشهادة، عندما برزنا في الاجساد، يقول تعالى (واذ اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم ألست بربكم؟! قالوا بلى شهدنا ان تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين* او تقولوا انما اشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون؟!* وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون).. ورغم ان الايات، خاطبتنا بالجمع، الا ان هذه تجربة فردية. وانما تكون الرجعى، المشار اليها في الاية الاخيرة، وفي غيرها من الآيات (وان الى ربك الرجعى)، بتذكر هذا العهد الذي نسيناه، وخضوعنا لمقتضياته من الطاعة.. ولقد جاء القرآن ليذكرنا، فيهدينا يذلك سبيل الرجعى (ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر).. وكما ان القرآن يذكرنا، فان الشيطان، ينسينا. فحين وسوس الشيطان لآدم، عليه السلام، واخرجه وزوجه من الجنة، قال تعالى في حقه (ولقد عهدنا الى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً).. وقال تعالى (وما إنسانية الا الشيطان ان اذكره) وقال (فانساه الشيطان ذكر ربه) وقال (وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين).. وانما ينسينا الشيطان ماضي تجاربنا، في حيواتنا السابقة - في معنى ما ينسينا ربنا - حتى لا نستفيد منها ونقع في نفس اخطائنا، فنظل مثله تسوقنا الخطيئة الى اخرى، حتى تحيط بنا خطيئتنا، فلا يبقى لنا خلاص الا بالنار، قال تعالى (بلى من كسب سيئة واحاطت به خطيئته فأولئك اصحاب النار هم فيها خالدون).. ونحن لا نتذكر بمجرد قراءة القرآن، او فهمه في مستوى ما تعطي اللغة من التفسير، وانما بالقدرة على تأويله، واستشراف المعاني العميقة، التي يرمي اليها.. فان الذكرى لا تتأتى للغافل، قال تعالى (رحمة من عندنا وذكرى للعابدين) وقال (ان في ذلك لذكرى لاولي الالباب) وقال (ان في ذلك لرحمة وذكرى لقوم يؤمنون) وقال (ان في ذلك لذكرى لمن كان له قلب او القى السمع وهو شهيد).. فان منهاج التقوى، الذي يحقق الحضور، هو الذي يؤدي الى تأهيلنا للتذكر الايجابي، الذي نطلع به على تجاربنا السابقة، ونستفيد من عبرها.. ان تجربة احدنا في الدنيا، قد لا تكتمل من مرة واحدة، فقد يموت الوليد الصغير، وهو لم يحصل من الدنيا شئ، وقد يموت الشيخ، وهو لم يستفد من حياته، فيحتاج كلاهما ليكرر التجربة، بان تنتقل روحه الى جسد آخر، وتجربة أخرى.. وقد يقع عليها من العذاب، في حياتها الجديدة، ما هو عقوبة على ما اقترفت في حياة سابقة.. يقول تعالى (تلك القرى نقص عليك من انبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين)!! ويقول (ثم بعثنا من بعده رسلاً الى قومهم فجاءوهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك نطبع على قلوب المعتدين)!! والحق انهم دعوا لأول مرة، ولكن الله تعالى، يخبرنا انهم كذبوا من قبل، وهذا لأنهم عاشوا حيوات سابقة، وقع منهم فيها التكذيب.. ولما دعوا لنفس الامر، وهو التوحيد، ما كان منهم الا ان كذبوه مرة اخرى!!

إن اهمية انتقال الأرواح، انما تجئ من انه الوجه الآخر للتطور، الذي يحدث في الجسد.. فكما تطور الجسد من اصغر الخلايا في الطبيعة، الى مختلف صور الكائنات الحية، حتى ابرز الإنسان، في اكمل صور الخلق.. فان الروح، انما تتطور من خلال التجارب العديدة، وهي ترتدي مختلف الاجساد، اقرأ ان شئت (بل هم في لبس من خلق جديد)، غايتها ان تحقق الروح الاسمى، الذي صدرت عنه، في سحيق الآماد.. وهذا الروح الاسمى، الذي بكماله تكمل كل النفوس، انما يحل في الجسد، الذي استعد له، منذ فجر الحياة بمختلف التجارب.. إن الاشارة الى الإنسان الكامل، الذي هو خلاصة التطور، وغايته، جاءت في قوله تعالى (ينزل الروح من أمر على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق).. ان الايمان بانتقال الأرواح، وتعدد تجاربها، انما يفسر كثير من الظواهر، التي تشكل على من لا يرى هذه الرؤية.. ومن ذلك مثلاً الكوارث، والضحايا، التي تبدو عليهم البراءة، وموت الاطفال، الى غير ذلك، من الصور التي يمكن ان تفهم في اطار ان كل هؤلاء، انما يمثلون حيوات عديدة، تؤثر في بعضها البعض، وتعكس نتائج تلك الحيوات، كعقوبات في حيوات لاحقة..

ورغم اعتراف الكاتب، بان العلم المادي التجريبي، يجهل مسائل كثيرة، الا انه يرفض اتجاه بعض المتدينين، وحتى العلماء، الذين يقترحون القدرة الالهيه، لسد هذه الفجوات، التي توجد في علم العلماء، وهو يرى ان رجال الدين، انشغلوا عن واجبهم الاساسي، وهو في نظره، التمييز بين جوهر الدين الخالد وتشريعاته الوقتية بمجرد الدفاع عن الفهم التقليدي للدين وذلك -حسب رأيه- هو الذي (قاد الى عجز القادة الدينيين عن اداء واجبهم الرئيسي وهو التمييز بين الابدي من معتقداتهم والمكونات الوقتية التي جاءت اعتباراً لمستوى معين من الفهم العام او الوضع الاجتماعي السياسي الذي وجد الدين نفسه فيه خلال تاريخه. وقد ادى ذلك التضاد الحرون الى التراجع المستمر للدين الاصولي).. لقد وقع الكاتب بهذه العبارة المشرقة، على اصل المشكلة، ذلك ان المفاهيم الدينية الجوهرية الخالدة، هي المتعلقة بالمعاني السامية، التي لا تتبدل، وهي تختلف من تشاريع الأديان، التي تنزلت الى مستوى حاجة وطاقة المجتمعات في الزمان والمكان المعينين.. والمطلوب هو تطوير التشاريع الدينية، بما يناسب العصر، استلهاماً للمعاني الرفيعة التي تمثلها الاصول الخالدة. من أجل هذا، جاءت الدعوة الى تطوير الشريعة الإسلامية، كأساس لفكر الاستاذ محمود محمد طه..

يرى الكاتب، ان فشل الفكر الديني الأصولي، أدى الى ظهور أديان بديلة، ادعت انها قادرة على الاجابة على تساؤلات الإنسان، عن مصيره، ومستقبل حياته، ومعناها، بطريقة علمية كما انها تملك مقدرة، تغيير حياة الناس الى الافضل، وايقاف ظلمهم واستغلالهم، وأكبر هذه الأديان الجديدة الماركسية.. ولكنه في نفس الوقت، يؤكد على ان الماركسية، صاحبها عنف عنيف، وقتل، وارهاب، وهي لما تطبق بعد.. والحق ان الماركسية، رغم انهيار الاتحاد السوفيتي، وتراجعها في شرق اوربا، وبقية انحاء العالم، أكبر الافكار البشرية، واشبهها بالدين، من حيث شمولها، شتى مناحي الحياة، ومن حيث اعتمادها على فكرة مركزية، مثل الديالكتيك، تبدأ في الطبيعة، ثم تنعكس بمستوى آخر في المجتمع. ولأن الماركسية تحدثت عن المستقبل، وبشرت بالمجتمع الشيوعي، واكدت حتمية حدوثه، فانها اشبهت بشارات الأديان بالعالم الخير القادم.. ثم ان الحديث عن المستقبل، ولو سيقت في دعمه اسباباً موضوعية، يحتاج الى قدر من العقيدة لتصديقه، والحماس له.. وهذه العقيدة، يحفزها اعتراض الاخرين لتقوى، وتتأصل، وتتحول الى تطرف، تنعدم فيه فرصة الاستماع للرأي الآخر، ويؤهل افراده الى قبول الاستبداد، والنأي عن الديمقراطية.. وهذا ما حدث في تجربة تطبيق الماركسية. على ان المعنى الذي افادته الماركسية، في تطوير تجربة الافكار الدينية، هو ان ملامسة الواقع والدعوة الى تغييره، والمعرفة العلمية بطرائق ذلك التغيير، هي المحك الذي بازائه، تظهر قامة الدعوات، وتنكشف دعاويها..

لقد اكتشف ماركس ان النظام الرأسمالي نظام جائر، وخال من الإنسانية، وانه يقوم في الاساس على سعر الفائدة، الذي به يتنامى رأس المال، ويستلب من فائض قيمة عمل العمال.. وهو حين دعا الى الغاء حافز الربح، استبدله بحوافز إنسانية، مثل تحقق النظام العادل، الذي ينتهي فيه الفقر والظلم.. فهو يطالب المنتجين، ان يتنازلوا عن فائض انتاجهم، الآن للمحتاجين، من العجزة والعاجزين عن الانتاج، أملاً في ان يتم تعويضهم، عن هذه التضحية، في المستقبل بتحقق حلم الشيوعية، الذي ينتهي فيه العذاب، ويفيض فيه المال، ويتفرغ الناس للاستمتاع بضروب الفنون والموسيقى!! على ان التضحية بالوضع الحاضر، ليست امراً مقبولاً للنفوس، خاصة وان الفلسفة الماركسية، تقوم على فكرة ان هذه الحياة الدنيا، هي نهاية المطاف، وان الفرد لن يعيش أي حياة اخرى، وان الموت هو نهاية كل فرد.. فما دمت ساعيش سبعين او ثمانين سنة، فلماذا اعيشها في شقاء، وتضحية، حتى يستمتع اناس قادمون في المستقبل؟! وهكذا لم تقدم الماركسية في الواقع، دوافع مقنعة، حتى لاتقان العمل، بجانب الخوف من قمع السلطة ورقابتها المشددة.. وبدأت روح التذمر، التي تسود بين الشغيلة، التي جاءت الثورة من اجلهم، تزيد في الخفاء، وتنعكس هبوطاً بالانتاج، رغم رقابة رجال الأمن المكثفة.. خاصة وان اجيالاً جديدة، ولدت في النظام الجديد، لم تر ظلم القيصر، ولم تعش الفقر المدقع، الذي عاشه اسلافها، فهي قد وجدت الخبز، كحق طبيعي، لا تريد ان تضحي بسببه بالحرية، وحين طالبت بالحرية، لم تقابل بغير البطش، والعنف العنيف، فتحولت الشبيبة، التي كان يظن الحزب الشيوعي انها حصيلة المستقبل، الى معارضة منظمة، تعمل في السر، بنفس اساليب الخلايا الشيوعية السرية، قبل اندلاع ثورة 1917 على تطوير لها في ذلك، ومساندة من حكومات الغرب واعلامه. لقد كانت حوافز الربح، التي ادخلها الاقتصادي الروسي ليبرمان، آخر مسمار دق في نعش الماركسية، لا لانها مخالفة للنظرية الماركسية، ومقوضة لاسس العقيدة فيها، فحسب، بل لانها كانت نتيجة لتدهور اقتصادي مريع، جعل الاتحاد السوفيتي العظيم، يخضع للضغوط الامريكية، ومنها ادخال حوافز الانتاج والربح. ولما كانت الماركسية في الاساس نظرية اقتصادية فان تدهور اقتصاد الدولة الكبيرة التي طبقتها قد كان صعقة لكل الدول الشيوعية وخيبة امل للدول النامية التي كانت تربط مصيرها بالكتلة الشرقية.. ولم تلبث الشيوعية ان انهارت في شرق اوربا، وتحطم حائط برلين، ولحقت ألمانيا، البلد الأم لماركس، بركب الرأسمالية، الذي ظن الكثيرون، انه قد فاز فوزاً نهائياً، وحسم الحرب الباردة، بالضربة القاضية..

ومن عجب ان كثيرا من الماركسيين ظنوا ان فشل تجربتهم في الاتحاد السوفيتي، يعني فشل الاشتراكية.. وذهلوا عن حقيقة ان الماركسية، مدرسة من مدارس الاشتراكية، وان الاشتراكية فكرة سابقة للماركسية، ولاحقة لها، وهي لن تموت بموت الماركسية.. فالاشتراكية معنى انساتي رفيع، يمكن ان يسترشد بالتنظير الاقتصادي الماركسي، ولكنه لا يقف عنده، ولا يحد بمحدودية الفكر المادي الماركسي، الذي قيد الحياة، ورهن تطورها بمعطيات العلم المادي التجريبي في القرن التاسع عشر.. ان الدين في مستواه العلمي، يوثق صلة الإنسان بالغيب ويرسم المنهاج، الذ يجعل هذه الصلة، واقعاً ملموساً ومعاشاً!! ومتى ما قامت هذه الصلة، اصبح رضا الله، هو الحافز، الذي يجعل الشخص يتنازل عن انتاجه للعجزة والعاجزين.. وهو راض عما فعل، والرضا ليس وعد بجنة في المستقبل – وان كانت هذه موجودة بطبيعة الحال- وانما هو ثمرة منهاج العبادة، والمعاملة، الذي يؤدي الى طمانينة النفس، وسلامها الداخلي من الخوف والتوزع والاضطراب.. هذا الشعور، هو من المتعة، بحيث لا يشعر المتنازل من حقه بأي ضيم، بل بفرح غامر، اذ تستمد سعادته من اسعاد الآخرين.. ولا يمكن للاشتراكية ان تقوم وحدها، بل لا بد لها من صنوها الديمقراطية، في جهاز حكومي واحد.. فالديمقراطية هي اشتراكية السلطة، والاشتراكية هي ديمقراطية الثروة، ان صح التعبير.. فكلاهما يشيعان وسائل الكرامة، من حق المشاركة في الحكم، وحق الحياة الكريمة وسط كل الناس.. وكثمرة تلقائية للاشتراكية والديمقراطية، تجئ العدالة الاجتماعية، وهي تعني محو الطبقات، والمساواة امام القانون، والغاء اي تمييز، يقوم على العنصر، او الجنس، او اللون، او الدين، او المكانة الاجتماعية.. وبتحقق العدالة الاجتماعية، يقوم المجتمع الصالح، الذي هو الوسيلة الوحيدة لانجاب الفرد الحر[5]..

يتطرق الكاتب الى فلسفات أخرى، ارتبطت بأزمة الإنسان المعاصر، وشعوره العميق، بتفاهة الحياة، وخوائها، مثل الوجودية.. ويركز فيها، على مسرحية الذباب، التي تعيد بصورة او اخرى، اطروحات الفلسفة الاغريقية القديمة، عن النزاع بين الإنسان والإله، وتمرد الإنسان طلباً للحرية من قدره الذي رسمه له الاله. ثم هي ايضاً، تعكس ضيق الإنسان، بقوانين الطبيعة، وما تلفه حوله من اغلال، لا يملك عنها فكاكاً.. والثورة التي تبدأ كاتجاه ايجابي، يقصد التغيير، تنتهي الى شعور بان الشر موجود، ومقاومته التامة مستحيلة، مما يجعل الحياة عبثا بلا معنى!! ومع ان الفنانين -حسب رأي الكاتب- هم الذي اكتشفوا "عفن الروح الجاف"، الا ان احاسيس القرف، والعفن، لم تعد حكراً عليهم، وانما تسربت كل هذه الاحاسيس للإنسان العادي.. ان المشكلة دائماً، هي العلم الناقص، فلو كنا نعلم من دقة مراقبتنا، بان الله انما يدبر لنا امورنا، بأفضل مما ندبر لأنفسنا، لم ننازعه.. ولعرفنا انه عندما يقدر لنا ما نكره، انما يسوقنا به، لما خفي علينا من مصلحتنا، قال تعالى (كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى ان تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون).. وصور الاحباط، التي تصور الحياة وكأنها بلا معنى، انما تنتج من كثرة فشل تخطيطنا، الذي لو لم نخططه، لنجحت مساعينا.. يقول الشاعر:
ما عاقه الا تكاثر زاده مما يباح ولا يباح
لو حط ثقل رحاله ومضى خلياً لاستراح

وليس هذه دعوة الى عدم التخطيط، وتجويد العمل، بل هي دعوة الى تجويد العمل، ثم الرضا بالنتيجة مهما كانت، لأن السخط لا يغير الواقع.. ولقد يسبب الاحباط، عجز الحضارة، عن ان توفر للافراد، الحياة الآمنة، التي يريدونها لانفسهم، رغم الوفرة المادية.. وهذا ما اشار اليه جولس هنري الكاتب الامريكي، حين عبر عن فشل المجتمع الامريكي، في كتابة "الحضارة ضد الإنسان".. فحتى العمل الجماعي، الذي كان اداة تقارب بين الافراد، اصبح في المجتمع الامريكي، لا يؤدي الى التواصل بينهم. بل ان كبار السن، لم يعودوا يجدوا، اي رعاية او اهتمام، من ذويهم الذين بذلوا من اجلهم، حينما كانوا صغاراً.. ان رجلا او امراة مسنة في مأوى لكبار السن، لا يزورهما ابناءهما، لا يشعران بمرارة العقوق فحسب، وانما يشعران أيضا بتفاهة الحياة وقسوة المجتمع.. لقد سقطت المعاملة، لسقوط التبادل المادي للمنفعة، في هذه العلاقة.. وانما يتخلص المجتمع من مثل هذا السلوك، حين تتغير موازين القيم فيه، ويحل التصور الروحي الإنساني، محل التصور المادي..

يختم الكاتب هذا الفصل، بتأكيد ان حياة الإنسان من اجل ابنائه، ومعيشة الابناء، من اجل ابنائهم، وهكذا، لها معنى بيولوجي، ولكنها في الحقيقة تكرار بلا معنى.. والحق ان كل إنسان اناني بطبيعته التكوينية.. ولكن هنالك انانية سفلى وانانية عليا. صاحب الانانية العليا، يرى ان خيره في خير الآخرين، ومصلحته انما تتحقق بسعيه لمصالح الاخرين. أما صاحب الانانية السفلى، فانه يرى ان مصلحته هي الأهم، ولو كانت على حساب مصالح الآخرين.. والإنسان حتى حينما يضحي من اجل ابنائه، انما يفعل ذلك اولاً للشعور العارم بالسعادة، الذي يحققه من تلك التضحية.. وليس كمال الإنسان، ان يتخلى تماماً عن الانانية، من حيث هي، وانما كماله في التخلي عن الانانية السفلى.. وحين جاء في الحديث (إن أعدى اعدائك نفسك التي بين جنبيك) قصد ان أعدى اعداء نفسك العليا، التي اشار اليها، بكاف الخطاب، نفسك السفلى التي اشار اليها بانها بين جنبيك.. ذلك ان النفس السفلى، هي التي تكون انانيتها سفلى، والنفس العليا هي التي تحقق الانانية العليا، التي ترى خيرها من خلال فعل الخير للآخرين.. ومع كل ذلك، فاني اتفق مع دوبزانسكي في عبارته الطيبة، التي ختم بها الفصل، وهي قوله (هناك بارقة أمل في تمثيل جديد)!!

د. عمر القراي

[1] تمت الترجمة بواسطة الكاتب مع الاختلاف قليلاً عن نص الدكتور فاروق
[2] كالسابق
[3] محمود محمد طه (1984) ديباجة الدستور
[4] محمود محمد طه (1972) تطوير شريعة الاحوال الشخصية الخرطوم السودان ص 59-61
[5] راجع محمود محمد طه : الإسلام – الرسالة الثانية – رسالة الصلاة

Post: #649
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 03:41 PM
Parent: #1


1
أبو كلابيش والرئيس المخلوع
الأخ صلاح عووضة
تحية لك ولقلمك الجريئ الذي يهز عرش الطغاة ويجعل (سدنتهم) يخرجون ويتجرأون على الشعب السوداني البطل الذي فجر إنتفاضة رجب/ابريل الباسلة ويطيح بالديكتاتور نميري وحكم الفرد ويدحر فلول النفاق فيما سمي يومها بموكب الردع فكان الردع الحقيقي من جحافل الشعب وامواجه المتلاطمة في ذلك اليوم الأغر الذي انحازت فيه القوات النظامية وعلى رأسها القوات المسلحة السودانية الباسلة والشرطة السودانية العظيمة التي ظن اولئك الذين اساءوا للشعب وشتموه بأنهم كالجرذان.. يومها قال الشعب الحر الأبي كلمته وخلع الرئيس وهو يردد في أمريكا (مافي واحد يقدر يشيلني). أعجب للسيد الوزير أبو كلابيش أن يتجرأ وهو يتحدث عن ضعف النميري وسنه المتقدمة وعيادة المريض كما امر الدين الإسلامي، وأقول له أين كان الدين الاسلامي عند النميرى عندما حنث قسم الجيش وتآمر على النظام الشرعي بانقلابه المشئوم وتحالف مع المعسكر الشيوعي الذي اباد المسلمين في جمهوريات الاتحاد السوفياتي ومع عملائه في الشرق الاوسط ينشرون الالحاد والديكتاتورية بل أين كان اسلامه حين امر بقتل امام الانصار الشهيد الهادي المهدي بدم بارد؟ أين الاسلام والمروءة والشهامة والاخلاق والأدب حين كان النميري واعضاء مجلس ثورته المزعومة وهم يطلقون عبارات العهر والهجاء والشتيمة على زعامات السودان التاريخية والوطنية.. بل وأين كانت الرجولة والمروءة والشهامة حينما سجن زعيم الامة الازهري في سجن كوبر وحرمه من العلاج حتى استشهد فكانت الطامة الكبرى حينما تبجح النميري واعلامه بأن قال في الاذاعة (مات اسماعيل الازهري المعلم في المدارس)!!؟؟ هل هذه هي الاخلاق التي تتحدث عنها..



النميري وابو القاسم وزبانيته قتلوا الشهيد والرجل الصالح محمد صالح عمر ودفنوا الانصار وهم احياء في الجزيرة ابا واطلقوا على ساكنيها قنابل الطائرات واستعانوا بغير القوات السودانية جاءوا بها من مصر وليبيا وادخلوا البلاد لأول مرة في تاريخها في دوامة التدخل الاجنبي (مصر الناصرية والبعث العراقي وروسيا الشيوعية) ومنذ ذلك التاريخ بدأ مسلسل دوامة التدخل الاجنبي الخبيث..



ثم أين الاخلاق السودانية والاسلامية وهو يعدم رجلاً وشيخاً عجوزاً وربما كان مريضاً مثل محمود محمد طه لا تجيز الشريعة قتله وهو لم يرفع السلاح بل كان يجتهد ويفكر ولم ينطق بكلمة الكفر والقرآن كله يحاور حتى الذين يشركون بالله..



وأين كانت الرجولة والشهامة وهو يعدم بدم بارد الاساتذة عبد الخالق محجوب والشفيع احمد الشيخ وجوزيف قرنق بعد أن قبض عليهم وحاكمهم دون مراعاة لأبسط قواعد العدالة..



هذا قليل مما فعله رئيسكم المزعوم الذي استلم السودان وكان الجنيه السودانى يساوي ثلاثة دولارات وليس مديناً لأية جهة وانتهى حكمه واصبح الدولار يساوي ستة جنيهات والسودان مدين بأكثر من 27 مليار دولار ذهب بعضها لجيوب الفاسدين والمفسدين الذين امتصوا دم الشعب فإن كان لا يدري فتلك مصيبة وأن كان يدري فالمصيبة اعظم.. تقول أنه الرئيس رضينا ام أبينا.. وهل كان يسمح لنا ألا نرضى وقد ظل يحكمنا ستة عشر عاماً بالحديد والنار والاجهزة الامنية والاعلام الكذوب والحزب الواحد الذي لم يصمد امام الجماهير التى كسرت القيود.. جماهير قوى الشعب العامل الحقيقية وليست بضعة قيادات وقواعد صغيرة العدد جثمت على صدور الشعب السوداني واستولت على النقابات والاتحادات ليس بالانتخابات النزيهة بل بالتزوير والرغبة والرهبة والامتيازات.. أخيراً ليس آخراً.. أن قولك أن نميري هو الرئيس والمشير فهي كما قال الاستاذ محجوب عروة في عمود له سابقا: (ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخاً صولة الاسد) فالرئيس زور وكذب على حلفائه الذين أتوا به للسلطة وتخلى عنهم منذ أن حل مجلس الثورة ونظم له المنافقون امثال بابكر عوض الله أول انتخابات مزورة قالت أنه فاز بنسبة 99.9%!!؟؟ وأين هذه النسبة حينما نافس الرئيس الحالي البشير ونال فقط 9%؟.. أما كونه المشير فهو الذي أعطى نفسه هذه الرتبة دون رضى القوات المسلحة والدليل أنها هي التي انحازت للشعب واطاحت به وهو يهذى حتى اليوم.. وأن عدتم عدنا.

عبد الله عبد الرحمن




http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147514092&bk=1
_________________

Post: #650
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 03:42 PM
Parent: #649


عاد إلى أرض الوطن البروفيسور النور حمد الترابي وحرمه اسماء محمود محمد طه بعد غياب عن الوطن امتد لما يقرب الثمانية عشر عاماً، وهما الآن محل حفاوة الأهل والأسرة والأصدقاء.. اسرة (السوداني) تهنئهما بالعودة، والتهنئة موصولة من الاستاذ مصطفى براوي رئيس جمعية الصداقة السودانية- جنوب أفريقية.


http://alsudani.info/index.php?type=3&id=2147516359&bk=1
_________________

Post: #651
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 03:43 PM
Parent: #650


شهادتي للتاريخ
الابن الأستاذ محجوب عروة
تحية طيبة
أرجو شاكراً السماح لي بالتعقيب على مقال الأستاذ الكبير عيسى إبراهيم الذي جاء على صحيفة (السوداني) التي مكانها القلب والعقل والفؤاد تحت عنوان (الطيب مصطفى حشف وسوء كيل) بتاريخ 20/1/2007 السبت والذي أشاره فيه إلى مقالي بصحيفة (الوفاق) بتاريخ 17/6/2001 بعنوان: (مائة خطوة كانت تفصلهم من منصة المشنقة، المشنقة التي حصدت رأس الشهيد محمود محمد طه).
وشكري وتقديري للأستاذ عيسى الذي عاد بي إلى تلك الذكرى الحزينة المؤلمة المشؤومة، ولو أن أحزاننا لن تنتهي في يوم من الأيام.
وشهادتي للتاريخ وأمانة الكلمة التي يمكن أن ندفع بأرواحنا قرباناً لها دون خوف وبلا وجل.. وهذا دائماً هو مصير الممسكين بالقلم والذين ينادون بكلمة الحق والعدل. لقد كنت شاهد إثبات لحظات تطبيق حكم الإعدام على الشيخ محمود محمد طه، وكنت اقف قرب من منصة الإعدم.. وقد أظهر الشيخ من الثبات والشجاعة والجرأة والبطولة.. ما أخجل جلاديه.. ولم يتذلل ولم تهتز شعرة واحدة من رأسه في سبيل إيمانه بفكره وعدالة قضيته. فأجبر الكثيرين على احترامه وتقديره والتغني بمآثره.. اللهم ارحم محمود محمد طه شهيداً في فردوسك الأعلى.. بين الحور العين في جمالهن الأخاذ الذي يخلب الألباب.
السر حسن جكسم
عضو اتحاد الصحفيين السودانيين



http://alsudani.info/index.php?type=3&id=2147516143&bk=1
_

Post: #652
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 09:43 PM
Parent: #1



العدد رقم: 491 2007-03-25

البعثيون ومحكمة الردة

* في المقالة السابقة اشرنا الى ان محاكمات الجمهوريين والبعثيين في بداية عام1985م كانت تشكل تدشيناً لمرحلة ظلامية في تاريخ تطور حركة الواقع السياسي السوداني، بشكل عام، وحركة النهضة والاستنارة والعقلانية، بشكل خاص-فالمحاكمتان تحولتا فجأة من محاكمة سياسية الى محاكمة للفكر الجمهوري والبعثي. واذا كانت المحاكمة الاولي قد انتهت باعدام محمود محمد طه في ميدان عام واستتابة المتهمين الآخرين، فقد اتخذت المحاكمة الثانية مجرى آخر-ففي24يناير1985 اعلن المكاشفي، قاضي المحكمة، اضافة مواد جديدة تتهم الفكر البعثي بالكفر والردة والزندقة, والمفارقة هنا انه اراد محاكمة فكر حزب سياسي، علماني في نظرته لعلاقة الدين والدولة وليس له موقف فلسفي محدد تجاه الدين، مثله في ذلك مثل كثير من احزاب الساحة السودانية والعربية. والمفارقة الاخرى ان البلاد كانت تحكم بدستور 1973م العلماني رغم صدور قوانين سبتمبر1983م وان النظام الحاكم كان يعيش تكفكاً داخلياً خطيراً وصراعات واسعة في داخله, ونسبة لطبيعة التهم الجديدة لجأ القاضي الى استدعاء شهود رأي بهدف اثبات كفر وردة الفكر البعثي فأعلن استدعاء عدد من اساتذة الجامعات، منهم د.الساعوري، د.طه بدوي ود.مدثر عبدالرحيم ويلاحظ انهم جميعهم من القيادات النشطة في حركة الاسلام السياسي في السودان (الاخوان المسلمين) وفي شهادته امام المحكمة اشار الساعوري الى (ان ميشيل عفلق يحوم حول الكفر ولايلجه) وهو بذلك يضع مؤسس البعث في منطقة وسطى بين الايمان والالحاد ويبدو انه لم يجد ما يسعفه من مصادر لاثبات التهم الموجهة للفكر البعثي وذلك بحكم ندرة مثل هذه المصادر في السودان، وايضا بحكم تعقيدات موقف ميشيل عفلق بشكل خاص وحزب البعث بشكل عام، من الاسلام فهو علماني في نظرته لعلاقة الدين والدولة ويرفض الدولة الدينية رفضاً حاسماً ويرى انها من مخلفات القرون الوسطي في اوروبا والمنطقة العربية, ولكنه في الوقت نفسه يتخذ موقفاً ايجابياً من الدين بشكل عام، وينظر للاسلام كمكون اساسي في الشخصية العربية.



ورغم انه مسيحي ارثوذكسي فهو ينظر للاسلام كثقافة وحضارة وتاريخ باعتباره (تراثاً قومياً لكل العرب بصرف النظر عن معتقداتهم الدينية...) اي انه تراث وثقافة قومية للمسلمين والمسيحيين العرب في نفس الوقت ولذلك جاءت عبارة الساعوري بتلك الطريقة واضطر المكاشفي للرجوع الى آراء خصوم حزب البعث لتأكيد كفره والحاده. وفي الوقت نفسه اصدر حزب البعث السوداني عدة بيانات يوضح فيها موقفه من تحولات المحاكمة واعتبرها محاكمة سياسية تستهدف قوى المعارضة في عمومها وليس حزب البعث وحده.



* بجانب ذلك قامت هيئة الدفاع، برئاسة مولانا الصادق شامي، بتحويل شهادة الساعوري الى محاكمة للنظام الحاكم ولفضح تناقضات المحكمة, فقد انتزعت منه شهادات مهمة، حيث اكد وجود نائب مسيحي لرئيس الجمهروية، ووجود اكثر من عضو مسيحي في المحكمة العليا واكد ايضاً ان الدستور الساري(1973م) دستور علماني وانه يتناقض مع (أسس الدولة الاسلامية) واكد ان قوانين السودان لاتتضمن مادة حول الردة(...)هذه الشهادات تفضح تناقضات المحكمة وتحول شعارات الشريعة الى تدجيل باسم الاسلام والاسلام منها براء. وأدى كل ذلك الى جذب اهتمام واسع بالمحاكمة وسط قوى المعارضة والمثقفين السودانيين وادى هذا الاهتمام، مع دوافع واسباب اخرى، الى تكوين التجمع النقابي في دار اساتذة جامعة الخرطوم في بداية فبراير1985م وامتد هذا الاهتمام الى خارج الحدود وسط المثقفين العرب وقوى حركة التحرر القومي العربية، حيث تطوع عدد كبير من المفكرين والناشطين للدفاع عن الفكر القومي والبعثي في مواجهة اتهامات الردة والتكفير, وكان من ضمنهم محمد احمد خلف الله، على المختار، محمد عمارة، ويحيي الجمل(مصر) وأمين شفير(الاردن) بشير بومعز(الجزائر)، وألياس فرح(سوريا) ومفكرون وناشطون لبنانيون وعراقيون وغيرهم. كل هؤلاء تطوعوا للدفاع عن الفكر القومي والبعثي، بشكل خاص، وحرية الفكر بشكل عام ووجدت المحاكمة ايضاً اهتماماً كبيراً من منظمات حقوق الانسان الدولية، مثل العفو الدولية وغيرها. وكان لكل ذلك دوره في ارباك المحكمة والنظام الحاكم ودوائره المتناقضة والمتصارعة.



* كانت حركة الاخوان المسلمين الاكثر حماساً واهتماماً بالمحاكمة ووقتها كانت تحتل مواقع اساسية في النظام الحاكم فزعيمها حسن الترابي كان مستشاراً في القصر، وعلى عثمان محمد طه كان زعيم مجلس الشعب، حيث قدم اقتراحات بتعديل دستور1973م تستهدف تحويله الى (دستور اسلامي ومبايعة نميري اماما للمسلمين) ولكن ذلك وجد معارضة قوية من الجنوبيين بقيادة مولانا ابيل ألير وجوزيف لاقو ومن المجموعات المايوية والمستنيرة وسط النخبة الحاكمة وانعكست هذه الخلافات والصراعات في الموقف من المحاكمة في طورها الجديد ففريق التحري (أمن الدولة) كان ينظر للقضية المطروحة كقضية سياسية لاعلاقة لها بالردة والكفر ومن خلال ذلك تحول جهاز الامن وبعض المايويين النافذين بهدف ايقاف اجراءات المحاكمة واعادتها الى وضعها السابق وقام النائب العام وقتها، المرحوم الرشيد الطاهر، بكتابة مذكرة لرئيس الجمهورية وضح فيها مخاطر استمرار المحاكمة بشكلها الجديد على النظام الحاكم وعلاقاته الداخلية والخارجية, واشار الى انها تسئ للنظام وتعمل لمصلحة قوي المعارضة(...) وفي مارس1985م نشرتها مجلة التضامن اللبنانية المعروفة بعلاقاتها الحميمية مع النخبة الحاكمة ونتيجة لكل ذلك اصدر نميري توجيهه للمكاشفي بالتراجع عن اتهاماته الجديدة والحكم في القضية على اساس الاتهامات الاولي وحدث ذلك في جلسة24/2/1985م حيث حكم على المتهمين بالسجن والجلد والغرامة بتهم الانتماء لحزب محظور والمشاركة في معارضة النظام الحاكم.



* المحاكمة اذن فضحت التدجيل باسم الاسلام واستخدام الدين كسلاح حاسم في مواجهة قوى المعارضة السياسية وساعدت في تحريك المعارضة لتنظيم صفوفها واسقاط النظام الحاكم واستعادة الديمقراطية وبدأ ذلك بتكوين التجمع النقابي في جامعة الخرطوم وتوجه القوى السياسية لتوحيد نفسها في جبهة موحدة. ومع كل ذلك يمكن القول ان تراجع المحكمة عن اتهاماتها الاضافية كان انتصاراً جزئياً وتراجعاً تكتيكياً مؤقتاً فرضته ظروف الصراعات داخل السلطة الحاكمة واتساع الضغوط المحلية والاقليمية والدولية. ومع ان تطورات الواقع ادت الى اسقاط النظام بانتفاضة مارس/ابريل1985م فان ذلك لم يؤد الى الغاء قوانين سبتمبر1983م ولا الى تغيير جذري في طبيعة الدولة وقوانينها ومؤسساتها ولذلك وجدت(بقايا مايو)، ممثلة في الجبهة القومية الاسلامية والفئات الطفيلية بشكل خاص، فرصاً واسعة للعمل بهدف المحافظة على ركائز النظام المايوي تمهيداً للقفز للسلطة بانقلاب30يونيو1989م. ومن هنا كان على قوى الديمقراطية والتقدم العمل على استكمال انتصارها على قوى الهوس الديني في ظروف جديدة وهذا مايشير اليه نشاطها في فترة الديمقراطية الثالثة وهو نشاط موثق وظل مستمراً في فترة حكم الانقاذ وحتى الان. والمهم ان الذكرى الثانية والعشرين لمحاكمات ردة الجمهوريين والبعثيين تؤكد ان حركة النهضة السودانية والعربية لاتزال تواجه نفس التحديات، تحديات مواجهة قوى التخلف والهوس الديني وفتح الطريق لنهضة وطنية وقومية شاملة ترتبط بجذورها الحضارية والثقافية وبالعصر الراهن في نفس الوقت. وفي هذا الاطار نناقش في فرصة قادمة التأثيرات الايجابية والسلبية لمحاكمة1985 على تطور حركة الجمهوريين وحزب البعث السوداني، فكرياً وسياسياً، خلال الفترة اللاحقة حتى الان ... هل مازالوا يشكلون جزءاً من حركة النهضة والعقلانية؟ أم أنهم تراجعوا الى مواقع متخلفة وظلامية؟؟
محمد علي جادين



http://alsudani.info/index.php?type=3&id=2147517266&bk=1
_________

Post: #653
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 09:44 PM
Parent: #652


العدد رقم: 491 2007-03-25

الجمهوريون والبعثيون أمام المقصلة

مع تصاعد العنف السياسي وسط طلاب الجامعات تحل علينا هذه الأيام الذكرى الثانية والعشرون لأخطر محاكمتين واجهتهما حركة النهضة السودانية الحديثة في تاريخها، محاكمة الفكر الجمهوري والبعثي باسم الدين والشريعة الإسلامية الغراء.. وإذا كانت ذكرى المحاكمة الأولى قد وجدت اهتماماً واسعاً في يناير الماضي في كتابات وندوات عديدة، فإن هذا المقال يهدف إلى اثارة الاهتمام بذكرى المحاكمة الثانية وربط المحاكمين بالتراجع العام الذي ظلت تشهده حركة الفكر والسياسة السودانية منذ سبعينيات القرن الماضي ووصل ذروته بانقلاب 30 يونيو 1989 وتداعيات سياساته المتواصلة والتي تتجسد الآن في المأزق السياسي والاجتماعي الراهن بكل ما يحمل من مخاطر داخلية وخارجية فالمحاكمتان كانتا تدشينا مدوياً لسيطرة سلاح الدين وسلاح العنف على حركة الفكر والسياسة السودانية ومن ثم تراجع حركة العقل والاستنارة والنهضة في كافة المجالات.



في 25/2/1984م أصدرت حركة الأخوان الجمهوريين بيانهم المعنون (هذا... أو.. الطوفان) في مواجهة قوانين سبتمبر 1983 المسماة إسلامية، وشددوا على انها (أذلت الشعب وشوهت الإسلام وهددت وحدة السودان) ونتيجة لذلك قامت سلطات الأمن بإعادة اعتقال محمود محمد طه وأربعة من أنصاره (عبد اللطيف عمر، محمد سالم بعشر، تاج الدين عبد الرازق، خالد بابكر) وبعد محاكمة لم تستغرق سوى دقائق رفعت المحكمة حكمها لمحكمة الاستئناف برئاسة المكاشفي طه الكباشي، الذي حول المحاكمة من محاكمة سياسية محددة إلى محاكمة للفكر الجمهوري واتهامه بالردة والكفر، استناداً إلى محاكمة عقدها خصومه السياسيون من الأخوان المسلمين والسلفيين في 1968، فحكم على الأستاذ محمود بالإعدام وحرق كتبه ومصادرة أملاكه واستتابة الأربعة الآخرين، وأيده في ذلك رئيس الجمهورية جعفر نميري وأضاف حيثيات جديدة لم ترد في محكمة الموضوع أو الاستئناف، وهكذا نفذ حكم الإعدام في 18 يناير 1985 في حوش الطوارئ بسجن كوبر العمومي، وكان ذلك لطمة عنيفة للإسلام والتراث العربي الإسلامي ولقيم التسامح الديني والثقافي في السودان وعلنية الشنق كانت، بكل المقاييس، تشكل بربرية لا حد لها وهي تطال شيخاً في السادسة والسبعين من عمره – هلل للإعدام الأخوان المسلمون وتجار الهوس الديني واعتبروه انتصاراً حاسماً على خصمهم العنيد ولكنه وجد معارضة من دوائر عديدة داخل الطبقة الحاكمة، وبعد انتهاء مسرحية الإعدام تساءل الناس: من يجزم بردة محمود محمد طه؟ أو بمخالفته للإسلام؟ هل ما حدث كان دفاعاً عن العقيدة؟ أم ارهاب وتخويف لقوى المعارضة الشعبية والعسكرية النامية وقتها؟ لذلك وجدت الحركة السياسية والفكرية السودانية نفسها أمام تطور خطير يحول نشاطها السياسي المعارض في مواجهة (سلطان جائر) إلى كفر وإلحاد وزندقة وخروج على الملة.



في نفس هذه الفترة وتحديداً في 14/5/1984 قامت سلطات الأمن باعتقال أربعة من شباب حزب البعث السوداني في منزل بالفتيحاب كانت تطبع فيه جريدة (الهدف) السرية، وهم: بشير حماد، عثمان الشيخ، حاتم عبد المنعم، الجيلي عبد الكريم.. جميعهم في عمر لا يتجاوز الخمسة والعشرين عاماً، والاعتقال جاء بعد إعلان نميري لحالة الطوارئ، في 29/4/1984 وهدد فيه قوى المعارضة بقوله (لن نطبق فيهم الإسلام السمح، بل سندخل البيوت ونتابع المعارضين ونعتقلهم ونحاكمهم) أي انه يفصح عن حقيقة أهداف القوانين المسماة إسلامية بوضوح كامل، وفي تلك الفترة تصاعد نشاط قوى المعارضة، وخاصة حزب البعث السوداني وتتابعت اضرابات الأطباء والمهنيين والعمال وحتى القضاة وبعد ان خضع هؤلاء الشباب الأربعة إلى تعذيب وحشي في حراسات الأمن قدموا للمحاكمة في 12/11/1984 برئاسة القاضي المكاشفي، الذي حاكم الشهيد محمود محمد طه والجمهوريين الآخرين، قد رفضوا مبدأ المحاكمة لأسباب حددها في عدم شرعيتها وفساد القضاء، فقد تعامل البعثيون معها كمعركة سياسية ووجدوا في ذلك تضامناً واسعاً من قوى المعارضة السياسية والنقابية وشارك في هيئة الدفاع كوكبة من خيرة القانونيين السودانيين، الصادق شامي، كمال الجزولي، عبد الله ادريس، أبو حريرة، مصطفى عبد القادر، اسحق شداد، أحمد أبو جبة وآخرين، وبدأت المحكمة بتهم سياسية محددة في معارضة النظام الحاكم واستطاعت هيئة الدفاع وصمود المتهمين تحويلها إلى محاكمة للنظام نفسه ولسياساته وإلى منبر لقوى المعارضة السياسية والنقابية في البلاد، ووجدت في ذلك تعاطفاً شعبياً واسعاً في الداخل والخارج، وفي جلسة النطق بالحكم النهائي في 24 يناير 1985، أي بعد أسبوع واحد من إعدام محمود محمد طه واستتابة الجمهوريين الأربعة، قام المكاشفي بإضافة مواد اتهام جديدة للمتهمين شملت اتهام الفكر البعثي بالردة والكفر والالحاد استناداً إلى نفس مواد محاكمة الجمهوريين: 96 ك و105 و27 (أ) من قانون العقوبات والمادة 20 من قانون أمن الدولة والمادة 3 من قانون أصول الأحكام القضائية، وهي كلها مواد وضعية لا علاقة لها بالفقه الإسلامي أو الشريعة السمحاء، وكان الهدف منها تكفير الفكر البعثي ومن ثم استتابة المتهمين أو تعريضهم لعقوبة الإعدام، وفي وقت لاحق استتابة كافة البعثيين وأعضاء الأحزاب السياسية الأخرى المرتبطة بأفكار يسارية وليبرالية مشابهة، وحقاً نلاحظ تشابه المحاكمتين في جوانب عديدة أهمها تحولها من محاكمة لتهم محددة إلى محاكمة للفكر في مرحلة الاستئناف في حالة الجمهوريين وفي مرحلة النطق بالحكم في حالة البعثيين.



هاتان المحاكمتان تستمدان أهميتهما التاريخية من ارتباطهما بأخطر مترتبات استغلال الدين في السياسة والدعوة لإقامة دولة دينية وهو تجريم الفكر استناداً إلى الإسلام بشكل خاص والأديان بشكل عام، وذلك بشكل يعيد الذاكرة إلى محاكم التفتيش في اوروبا القرون الوسطى وفترات الاستبداد السياسي في التاريخ العربي الإسلامي، ويستند ذلك بشكل اساسي إلى استغلال الدين والشعارات الدينية العامة لقمع الخصوم السياسيين وذلك ليس دفاعاً عن الدين والعقيدة وانما عن نظام ديكتاتوري يقوم على ركائز حكم الفرد والقوانين المقيدة للحريات والحزب الواحد والظلم الاقتصادي والاجتماعي وهذا التوجه شهدته فترات عديدة في تاريخ الدولة العربية الإسلامية خاصة في العهد الأموي والعهد العباسي إضافة إلى عهود أخرى. وفي بداية القرن الماضي شهدت مصر محاكمات مماثلة أبرزها محاكمة علي عبد الرازق (الإسلام وأصول الحكم) ومحاكمة طه حسين (في الشعر الجاهلي) وفي تاريخ السودان القريب يمكن الاشارة إلى حل الحزب الشيوعي السوداني في عام 1965 تحت شعارات دينية أيضاً وذلك في ظل نظام يدعى الديمقراطية وبقرار من البرلمان نفسه، رغم رفض القضاء لذلك القرار ويشير كل ذلك إلى تحول قوى الديكتاتورية والاستبداد إلى التركيز على استغلال الإسلام والدين عموماً كسلاح رئيسي في القضاء على حرية الفكر وتطور حركة النهضة الوطنية والقومية، كما تشير إلى ذلك ظواهر عديدة في السودان والمنطقة العربية في الوقت الحالي، ووصل هذا التوجه ذروته بوصول حركة الإسلام السياسي في السودان إلى الحكم بانقلاب عسكري وبالتالي وضع البلاد في مجرى تطور معادي لحركة النهضة والتطور الديمقراطي، وذلك في تناقض مفضوح مع جوهر الإسلام والتراث العربي الإسلامي الملئ بقيم العدل والحرية والشورى، فالإسلام لا يعرف الدولة الدينية ولا يعرف الكهنوت وسدنة الكنيسة، وانما يرتكز على الدولة المدنية وولاية الشعب المسلم على مصيره- المهم ان محاكمات الجمهوريين والبعثيين في بداية 1985 كانت تدشيناً لبداية مرحلة ظلامية في تطور حركة البعثيين الأربعة وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة في الواقع السياسي بشكل عام وفي حركة النهضة والاستنارة والعقلانية بشكل خاص.
محمد علي



http://alsudani.info/index.php?type=3&id=2147517058&bk=1
______________

Post: #654
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 09:45 PM
Parent: #653


العدد رقم: 491 2007-03-25

العنف السياسي الطلابي

د. السر دوليب: قسم الارشاد النفسي بجامعة الخرطوم درس مبكراً قضية العنف



العودة إلى مبدأ التمثيل النسبي هي الحل



د. جميلة الجميعابي: العنف ظاهرة اجتماعية متفشية في حياتنا اليومية



آن الأوان لتقبل الآخر.. وفتح باب الحوار الهادئ



إعداد: الفاتح عباس



* البعد النفسي للعنف السياسي الطلابي



تناول د. السر دوليب الأستاذ بجامعة الأحفاد الجانب النفسي لقضية العنف السياسي الطلابي وقال: بداية أقول ان مدخلي لتناول هذه القضية ليس مدخلاً سياسياً والحديث الذي أفاد به إبراهيم الشيخ والذي جاء مليئاً بالعواطف والتباكي على غياب النهج الديمقراطي بالجامعات.. جاء ذلك الحديث كذلك لأن (إبراهيم) كان يوماً رئيساً للمجلس الأربعيني لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم يوم كانت هناك ديمقراطية حقيقية والانتخاب تتم عن طريق التمثيل النسبي، لقد قضيت ربع قرن بجامعة الخرطوم في عمادة الطلاب (ما ذكره د. الكرسني بأن 15% فقط من الطلاب يتعاطون العمل السياسي أما البقية فإنهم جاءوا الجامعة بغرض التحصيل الأكاديمي هو حقيقة عندما انشأت قسم الارشاد النفسي بجامعة الخرطوم كنت اتعامل مع الغالبية المطلقة التي تشكل 85% من الطلاب، لذلك كانت علاقتي مع القوى السياسية متوترة لدرجة ان البعض طالب بإغلاق قسم الارشاد النفسي، إذن سوف اتناول وضعية الطلاب غير المسيسيين والذين يشكلون نسبة 85% من طلاب جامعة الخرطوم تحديداً، أولاً كافة أنواع العنف تمت ممارستها بجامعة الخرطوم، والعنف في التعريف العلمي هو سلوك.. أي ممارسة عنيفة غير قانونية تتخذ أشكالاً عديدة منها النظرة العنيفة... الكلام العنيف... وأخيراً العنف الجسدي، في جامعة الخرطوم تم استخدام كل طرق وأساليب العنف التي ذكرتها ولقد استخدمت المطاوي... السيخ.. الحجارة وأذكر هنا بأنه في بداية السبعينيات أصاب أحد الحجارة د. جعفر محمد علي بخيت عندما كان عميداً للطلاب ولكنه استمر في مخاطبة المظاهرة الطلابية التي كانت تحاصر مبنى العمادة.. أذكر كذلك بأنه قد تم احراق سيارة أحد عمداء الكليات وعندما شاهد عربته محروقة قال (هذه ليست عربتي وانما عربة الحكومة) الحدث الأعنف بجامعة الخرطوم كان في عام 1972 عندما تم حصار الجامعة بالدبابات من قبل نظام مايو.



* العنف لماذا؟



بداية يجب تعريف من هو الطالب الجامعي علم النفس ينظر إلى الطالب الجامعي بأنه الشخص الذي يمر بمرحلة نمو محددة والتحق بالجامعة لتحقيق مطالب، هذه المطالب واضحة المعالم تتمثل في تلقي العلم والاستعداد لمواجهة المستقبل مستخدماً ذلك العلم ليحظى بوظيفة محترمة، هذا هو المفهوم العلمي عند الباحث النفسي للطالب الجامعي، طبعاً بالإضافة إلى ضرورة نمو القدرة الفكرية والاجتماعية والثقافية والرياضية والسياسية هذه المقدرات يجب ان تنمو وتزدهر في مناخ ديمقراطي معافى، لقد كانت عمادة الطلاب تباشر عملية الاشراف على تلك المناشط حتى يتمكن الطالب من تلبية حاجاته الفكرية والثقافية والسياسية ليخرج إلى المجتمع عضواً فاعلاً ومؤثراً.



* سيادة السياسة بالحياة الجامعية



دور جامعة الخرطوم الرائد والفاعل بإمداد المجتمع بخيرة الكوادر المشبعة بالوطنية والتجرد بدأ يتلاشى منذ بداية السبعينيات عندما سادت مفاهيم وقيم السياسة في الحياة الجامعية وهكذا بدأت مظاهر العنف تلوح بالأفق وغاب المفهوم المثالي للجامعة المتمثل في تخريج طلاب متميزين في مجالات مختلفة، لا أنفي بأن جامعة الخرطوم تشكل منبراً سياسياً مهماً وكل الأحزاب السودانية استغلت هذا المنبر وحاولت تجنيد الطلاب واستقطابهم لقناعة كل الأحزاب بأن الطلاب سوف يشكلون قادة الغد وعجزت إدارة الجامعة في وقف هذا النشاط المحموم ولقد كتبت عدة مذكرات بهذا الخصوص، لكن السلطان السياسي كان أقوى وكل حزب يحاول قطف تلك الزهور – طبعاً اعني الطلاب-!! وهكذا بدأت كل الفعاليات والمناشط تتجه خارج أسوار الجامعة واستسلمت إدارة الجامعة كلياً لهذا التوجه مما أصبح من الصعوبة بمكان توفير الحماية للطالب الجامعي وبدأت مظاهر العنف بإحتلال مكتب مدير الجامعة... فكان الطلاب يدخلون مكتب المدير ويجلسون على – التربيزة- ويقومون بطرد الموظفين ويمكثون هناك لمدة ثلاثة أربعة أيام مطالبين بتنفيذ مطالبهم، وكنا كأساتذة ننظر إلى مثل هذه المشاهد بذهول شديد لأنه لا يمكن تصور حدوث مثل هذا الفعل بالجامعات الأجنبية التي درسنا فيها.



* غياب القانون



اللائحة الجامعية يومها لم تكن تطال الطلاب الذين يرتكبون مثل تلك الحماقات- إحتلال المكاتب وحرق العربات- فكانت غالباً ما تدخل إدارة الجامعة في حوار مع الطلاب حول مطالبهم ويقوم قسم الارشاد النفسي بمخاطبتهم بأن لا يميلوا إلى العنف لكن هذا الأسلوب كان ضعيفاً وهشاً للغاية أمام المد السياسي من خارج أسوار الجامعة.



* سقوط التمثيل النسبي



أمام الضغط السياسي الخارجي سقط مبدأ التمثيل النسبي في الانتخابات الطلابية وأهمية التمثيل النسبي تتمثل ببساطة شديدة جداً بأنه يعطي أي مجموعة نسبة ما في المجلس الأربعيني حسب وزنها الفعلي وسط الطلاب.. وعند اختيار مبدأ الانتخاب الحر في الانتخابات تسيست الحركة الطلابية بالكامل في جامعة الخرطوم، وكان من نتائج تلك العملية ان سيطرت كتلة طلابية معروفة باتجاهها السياسي على اتحاد طلاب جامعة الخرطوم لفترة طويلة من الزمن، هذه المسيرة التي بدأت منذ بداية السبعينيات أخذت تتطور نحو العنف المنظم ليس في جامعة الخرطوم وحدها بل إمتدت تلك الظاهرة إلى الجامعات الأخرى، جامعة أم درمان الأهلية وأنا أحد مؤسسيها دخلت عربات من خارج الجامعة وحطمت كل المكاتب وقام من كان يستغلها بضرب الطلاب... ثم خرجوا وكأن شيئاً لم يحدث اجتمعت إدارة جامعة أم درمان الأهلية وقالت ما حدث من خراب بالجامعة لا يمكن وصفه بالعنف الطلابي فهذا عمل سياسي منظم من خارج أسوار الجامعة، المهم في ذلك الاجتماع قررت إدارة الجامعة السماح بقيام اتحاد للطلاب وكنت رئيساً للجنة المشرفة على ذلك العمل واستعنت بزميلي د. الكرسني للاستفادة من تجربته في تكوين اتحاد بجامعة الخرطوم، وعندما باشرت عملي باجتماع موسع لكل طلاب الجامعة حدث شئ عجيب وهو ان يقف الطالب معرفاً بنفسه فلان الفلاني اتجاه إسلامي.. جبهة ديمقراطية فكنت اطلب منه تعريف شخصه بالاسم والكلية التي ينتمي إليها ولم يعجب هذا الطلاب وقلت لهم طالما أنا رئيس هذه اللجنة فسوف أستمر بهذه الطريقة... وقد قصدت بهذا المنهج ان أرسي مفهوم ان الطالب ينتمي إلى الكلية التي يدرس فيها ويعمل على ترقيتها وتطورها.



* النتائج المترتبة على أحداث العنف



بالتأكيد عند حدوث أي نوع من أنواع العنف الطلابي بأحد الجامعات فالنتيجة هي تعطيل (سيمستر) دراسي على الأقل إذا لم يضع العام الدراسي بكامله كما يحدث الآن بجامعة بخت الرضا بكلية الطب، بالإضافة إلى الخسائر الروحية التي أصبحت تلازم حوادث العنف الطلابي وكان آخرها ما حدث بجامعة النيلين حيث قتل أحد الطلاب.



* ماهو الحل؟



إذن نحن أمام قضية محورية وأساسية وقد تناول من سبقني بالحديث الأسباب التي قادت إلى هذه الظاهرة فذكر منهم بأن تجييش الطلاب هو من أهم أسباب انتشار ظاهرة العنف بالجامعات وأنا اضيف ليس فقط تجييش الطلاب وانما الأساتذة أيضاً في دورات الدفاع الشعبي وذهب أساتذة كثيرون إلى تلك الدورات ورفض البعض وأنا منهم إذ عللت رفضي بأنه لم يكن ضمن العقد الذي وقعته مع إدارة الجامعة تلقي دورة عسكرية، واتفق مع المطالبة بإغلاق مكاتب وحدات الجهاد بالجامعات مع التركيز على المناخ السائد حالياً بالجامعات المائل نحو الأحسن فعلى الطلاب الاستفادة من هذا المناخ باشاعة روح الديمقراطية والعودة إلى العمل بمبدأ التمثيل النسبي في الانتخابات الطلابية حتى تعطي كل القوى والفعاليات السياسية حظها في الاتحاد.



ما يسود الآن في انتخابات الجامعات هو التنافس بين الحكومة والمعارضة... طلاب معارضة مقابل طلاب حكومة هذا ليس بالمبدأ السليم، وأقولها بكل وضوح وصراحة بأن الحل لإجتثاث العنف السياسي الطلابي هو التمثيل النسبي والتمثيل النسبي لا يعني منع ممارسة النشاط السياسي للطلاب.. بل بالعكس فهو يوفر المناخ الديمقراطي الملائم لحدوث تفاعل سياسي راشد وواعي وسط الطلاب مما يحول دون اللجوء لاستخدام العنف، وأشير هنا إلى دور الصحافة في التبشير بهذا النهج السياسي الواعي.



* د. جميلة الجميعابي نائبة عميد الطلاب بجامعة النيلين للشؤون الاجتماعية والدراسات والبحوث



قبل الدخول في مداخلتي حول العنف السياسي الطلابي أقول إن جامعة النيلين تحتسب عند الله تعالى ابنها الطالب عبد المعز حسن نسأل الله ان يتقبله قبولاً حسناً ونسأل من الله تعالى لأبنائنا الطلاب الجرحى الشفاء العاجل. مداخلتي حول العنف السياسي الطلابي تأتي بحكم الواقع والتجربة والتي لا يمكن فصل هذه الظاهرة عن ما يدور في القضايا الاجتماعية في المجتمع.



فالعنف الآن يسود كل مؤسسات المجتمع، حتى داخل الأسرة فغالباً ما تغيب روح التسامح والتواصل الوجداني بين أفرادها. إذن التربية الأسرية قائمة على العنف حتى الابن الصغير عندما يحتك مع ابن الجيران غالباً ما يلجأ إلى العنف. ظاهرة العنف الطلابي إذا استصحبنا التربية داخل الأسرة والسلوك السائد بالمجتمع وميله نحو العنف فلا غرابة في ان يمارس الطلاب العنف لأنهم بصورة عامة يتأثرون ويتفاعلون بالمجتمع العريض الذي يعيشون وسطه.



الطلاب بالجامعات أصبحوا اليوم رافداً من روافد القوى السياسية السودانية بكل ما يحيط بهذه القوى من تناحر وصراعات. الإشكال حقيقة يكمن في المفاهيم، مفهوم الحوار ومفهوم العنف، فمفهوم الحوار كظاهرة اجتماعية حميدة، وعلينا ان نسأل أنفسنا: هل وصل طلابنا إلى هذا المفهوم؟ التمييز بين الأفكار والخلاف في الرؤى بين الطلاب هل بالضرورة يجب ان يقود إلى استخدام العنف؟ الحوار الذي يدور الآن بين الطلاب داخل الجامعات – ان حدث حوار- غالباً ما ينتهي إلى أعمال عنف، وأذكر هنا عندما كنت طالبة بجامعة النيلين دار حوار بين حسين خوجلي واحد الجمهوريين بحضور محمود محمد طه وعند نهاية الحوار طالب (محمود) بأن يوثق ذلك الحوار لأنه اتسم بالموضوعية والمسؤولية في طرح الرؤى والخلافات الفكرية أما مفهوم العنف فهو لا يحتاج مني إلى تعريف لكن أضيف ان كل من يلجأ إلى استخدام العنف يوصف بأنه إنسان عدواني، نأتي إلى قضية تفشي ظاهرة العنف السياسي وسط الطلاب... بكل أسف لقد تحولت جامعاتنا إلى ساحات صراع سياسي بين مختلف القوى السياسية مع غياب الآلية التي تشرف وتنظم هذا الصراع السياسي داخل الجامعات صحيح ان العبء يقع على عمادة الطلاب التي تشرف عموماً على كل المناشط المختلفة، ولكن في واقعنا المعاش اليوم نجد إتساع الهوة بين الاتحادات وعمادة الطلاب والقوى السياسية المختلفة، وكلما اتسعت هذه الهوة كان اللجوء إلى العنف هو الأقرب. بعد الأحداث المؤسفة التي حدثت بجامعة النيلين نحاول خلق آلية حوار بين العمادة والاتحاد والقوى السياسية، هذه الخطوة جاءت متأخرة جداً، ولكن حتى إذا نظرنا إلى واقع الوزارة التي تعنى بشؤون التعيلم العالي نجد أكثر الإدارات الأقل تفعيلاً هي إدارة شؤون الطلاب المهتمة برعاية وتنظيم النشاط الطلابي بكل أشكاله بما في ذلك النشاط السياسي، حتى ايجاد تلك الآلية التي تجمع بين العمادة والاتحاد والقوى السياسية علينا الاهتمام بتفعيل المناشط الثقافية لبث روح الحوار الهادف لأن العنف داخل الجامعات يهدد مسيرة السلام التي انتظمت بالبلاد وبالتالي نحن في حاجة إلى حوار فاعل... نحتاج إلى أساتذة جامعات وعمداء طلاب وكل وسائل الإعلام وكل المؤسسات التي تعنى بشؤون الطلاب ان يتعاملوا مع قضية العنف الطلابي برؤية مستقبلية لتنظيم العمل الطلابي داخل الجامعات والتي بدورها سوف تسهم في تفعيل العمل السياسي على أسس ديمقراطية، لقد آن الأوان لبث ثقافة تقبل الآخر وتفعيل مبدأ الحوار.
ونواصل
إعداد: الفاتح عباس



http://alsudani.info/index.php?type=3&id=2147517008&bk=1
_____

Post: #655
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 09:45 PM
Parent: #654



يوم حرية التعبير والفكر

تحتفل المنظمة العربية لحقوق الإنسان والناشطون في مجال حقوق الإنسان باليوم العربي لحرية التعبير والفكر.



المنظمة العربية لحقوق الانسان



تأسست عام 1983م كمنظمة غير حكومية تهدف لحماية حقوق الإنسان وتعزيزها في الوطن العربي طبقاً للمعايير الدولية التي استقر عليها اجماع الأمم المتحدة والمواثيق والعهود التي صادقت عليها البلدان العربية. تستخدم المنظمة في سبيل تحقيق اهدافها الوسائل القانونية ولاتنغمس في اي نشاطات سياسية معارضة وتنصب فقط على الانتهاكات التي تتعرض لها حقوق الانسان المخالفة للقوانين الدولية كما تناهض اعمال العنف سواء في جانب الحكومات او الجماعات الاهلية.



اليوم العربي لحقوق الإنسان



يصادف اليوم الذكرى الثانية والعشرين لاعدام المفكر محمود محمد طه.. وقد اتخذت المنظمة العربية لحقوق الإنسان من ذلك اليوم يوماً عربياً لـ(حرية الفكر والتعبير) وقد تم اعدام محمود محمد طه بعد ادانته بجريمة (الردة) عن الدين الإسلامي الحنيف وتقول وقائع تلك المحاكمة والظروف الملابسة لها انه اثر اصدار الحزب الجمهوري ـ الشهيد محمود زعيم ذلك الحزب ـ بياناً تحت عنوان (هذا او الطوفان) منتقداً فيه قوانين سبتمبر لعام 1983م . وقد اختلفت الآراء حول تطابق تلك القوانين والممارسات العدلية التي اتبعتها (محاكم العدالة الناجزة) وعمليات التشهير عبر وسائل الإعلام المختلفة للمدانين من قبل تلك المحاكم ويقول مولانا خلف الله الرشيد رئيس القضاء السابق في حوار معه اجرته جريدة الحرية في 9/2/2002م حول محاكمة الشهيد محمود محمد طه واعدامه ( ما آخذه على المحاكمة هو بعد ان وزع الجمهوريون بياناً ونشره بين الناس تم فتح بلاغ ضدهم في هذا البيان السياسي وعندما تمت المحاكمة آثر الجمهوريون الصمت ولم يتحدثوا وصدر حكم ضدهم بالسجن فاستأنفت النيابة هذا الحكم وفجأة وفي محكمة الاستئناف تغيرت التهمة إلى (الردة) وهذا هو الخطأ اذ انه كان يجب ان توجه تهمة الردة لـ(محمود محمد طه) ومن معه لان المسألة تغيرت في منشور إلى ردة ولم توجه التهمة ولم يسمع كلامهم والرسول (ص) قال لسيدنا علي عندما ارسله إلى اليمن ( اذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضي حتى تسمع للآخر كما سمعت للأول) وهذا يسموه حق السمع ويسموه في القوانين الوضعية ( حق طبيعي) .. وهذا لم يتم ولذلك اعتقد ان هذا الخطأ الذي وقعت فيه ومحمود محمد طه استمر ساكناً ورافضاً للحديث ولم يقل له انه موجه لك تهمة (الردة) ولم يعط الفرصة، وافتكر ان هذا هو الخطأ الاساسي ثانياً القانون الذي حوكم محمود محمد طه لم تكن ضمن حدوده الموجودة في القانون(الردة) لان هناك خلافاً بين الفقهاء انفسهم هل الحدود سبعة ام خمسة؟! وسحب من هذه الحدود(الردة) و(البغي) لانها يمكن ان تستغل سياسياً ولذلك لم يدخلوها).



ويقول عيسى إبراهيم الجمهوري الناشط



الأستاذ محمود محمد طه: قضاة قوانين سبتمبر غير مؤهلين فنياً!!



عندما وجهت تهمة المنشور للأستاذ محمود واجه المحكمة بقوله: (أنا أعلنت رأيي مراراً في قوانين سبتمبر 1983م من أنها مخالفة للشريعة وللإسلام، أكثر من ذلك فانها شوهت الشريعة وشوهت الإسلام، ونفَّرت عنه…) إلى أن يقول: (هذا من حيث التنظير، أما من حيث التطبيق فإن القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنياً) فماذا يعني الأستاذ محمود محمد طه بتعبير (غير مؤهلين فنياً)؟!.



المعلوم أن نميري بعد اضراب القضاة الشهير في ذلك الوقت، واقدامه على تطبيق قوانين سبتمبر، استعان برجالٍ لا علاقة لهم بالهيئة القضائية، ولم يمارسوا القضاء من قبلُ، ومن هنا جاء قول الأستاذ محمود آنف الذكر، فهل كان محقاً في قوله ذاك، أم أنه تجاوز حدوده؟!..هذا ما نحن بصدده في هذا المقال.



جاء قرار المحكمة العليا، الذي ابطل الحكم الجائر، وانتصر لمصداقية القضاء السوداني، بصورة مطولة، ودقيقة، نقتطف منه هنا ما يأتيان محكمة الاستئناف، وفيما نوهنا به، اشتطت في ممارسة سلطتها على نحو كان يستحيل معه الوصول الى حكم عادل تسنده الوقائع الثابته وفقاً لمقتضيات القانون. ويبين ذلك جلياً مما استهلت به المحكمة حكمها حين قالت:



(ثبت لدى محكمة الموضوع من اقوال المتهمين ومن المستند المعروض امامها وهو عبارة عن منشور صادر من الاخوان الجمهوريين ان المتهمين يدعون فهماً جديداً للاسلام غير الذي عليه المسلمون اليوم... الخ .وبمراجعة المستند المشار اليه واقوال المتهمين التي ادلوا بها امام المحكمة الجنائية لا نجد سنداً لهذه النتيجة الخطيرة التي نفذت اليها محكمة الاستئناف مما يكشف عن حقيقة واضحة هي ان المحكمة قد قررت منذ البداية ان تتصدى بحكمها لفكر المتهمين وليس لما طرح امامها من اجراءات قامت على مواد محددة في قانون العقوبات وامن الدولة وأدى الى تحريكها منشوراً محرراً في عبارات واضحة لا تقبل كثيراً من التأويل.



وسرعان ما انكشف امر المحكمة، حين وقعت عينها على ما ورد في حكم المحكمة الجنائية من اشارة الى (التوبة) فاعتبرت ذلك (اشكالاً) لا بد لها من ان توجد له حلاً لأن التوبة ليس منصوصاً عليها في العقوبة المذكورة (تعني عقوبة الاعدام التي اصدرتها المحكمة الجنائية) ولعل محكمة الموضوع جعلتها من قبيل المسكوت عنه الذي يجوز الحكم به وفق المادة (3) من قانون اصول الاحكام لما لاحظت في المنشورات (هكذا بالجمع) موضوع البلاغ من العبارات الموجبة للردّة فحكمت عليهم بالعقوبة الشاملة لحد الردّة مع إعطائهم فرصة التوبة والرجوع الى الصراط المستقيم .(واستطردت المحكمة تقول): ولكي نقوم هذا القرار التقويم الصحيح لا بد من الاجابة على سؤالين: الاول، هل الردّة معاقب عليها في القانون؟ والثاني، هل كان فعل محمود ومن معه يشكل ردّة وخروجاً على الدين؟(.



وفي السؤال الاول خلصت المحكمة الى ان المادة (3) من قانون اصول الاحكام "تعطي حق الحكم في الأمور المسكوت عنها" وان الردّة جريمة ثابته بالكتاب والسنة والاجتهاد، وان المادة 458 (3) من قانون العقوبات تبيح توقيع العقوبة الشرعية ولما كانت الردّة حداً شرعياً فانه يلزم توقيع عقوبتها.



أما بالنسبة للسؤال الثاني، فقد استهلت المحكمة الاجابة عليه بقرار جازم بان (المحكوم عليه محمود محمد طه (هكذا وحده) مرتداً بأقواله وأفعاله في يومية التحري التي اقر بها امام المحكمة واقواله المدونة المعروفة لدى الناس عامة وافعاله الكفرية الظاهرة فهو تارك للصلاة لا يركع ولا يسجد..الخ(.



ثم استشهدت المحكمة بحكم محكمة الاستئناف الشرعية بالخرطوم الذي صدر عام 1968 باعلان ردّة محمود محمد طه واستعرضت بعضاً مما جاء في كتب الجمهوريين وما صدر من المجلس التأسيسي لرابطة العالم الاسلامي من تأييد لحكم عام 1968 وما صدر من مجمع البحوث الاسلامية بجمهورية مصر العربية من وصف لفكر محمود محمد طه (بالفكر الملحد) وخلصت محكمة الاستئناف الجنائية من كل ذلك الى انه (مما تقدم يتضح ان محمود محمد طه مرتد عن الدين ليس فقط ردّة فكرية فردية وانما هو مرتد بالقول والفعل داعية الى الكفر معارض لتحكيم كتاب الله.(



ولعلنا لا نكون في حاجة الى الاستطراد كثيراً في وصف هذا الحكم فقد تجاوز كل قيم العدالة سواء ما كان منها موروثاً ومتعارفاً عليه، او ما حرصت قوانين الاجراءات الجنائية المتعاقبة على النص عليها صراحة، او انطوى عليه دستور 1973 الملغى رغم ما يحيط به من جدل.



ففي المقام الاول اخطأت محكمة الاستئناف فيما ذهبت اليه من ان المادة (3) من قانون اصول الاحكام لسنة 1983 كانت تبيح لها- اولأي محكمة أخرى - توجيه تهمة الردّة..... على ان محكمة الاستئناف لم تكن عابئة فيما يبدو بدستور او قانون اذ انها جعلت من اجراءات التأييد التي ظلت تمارسها المحاكم المختصة في سماحة واناة وبغرض مراجعة الاحكام مراجعة دقيقة وشاملة ، محاكمة جديدة قامت المحكمة فيها بدور الخصم والحكم مما حجبها عن واجبها حتى بفرض صحة توجيه تهمة جديدة في هذه المرحلة في ان تعيد الاجراءات مرة اخرى لمحكمة اول درجة لاعادة المحاكمة بموجب التهمة الجديدة وذلك فيما تقضي به المادة (238) (هـ) من القانون أو ان تتجه الى سماع المحكوم عليهم بنفسها وفاء بواجبها في ذلك بموجب المادة (242) من القانون ذاته، التي، وان كانت ترد في صيغة تقديرية، الا انها تأخذ شكل الالزام عندما يكون السماع ضرورياً. ولا نرى ضرورة توجب السماع اكثر من ان يكون الحكم الذي تقرر المحكمة اصداره بالردّة التي عقوبتها الاعدام.



وقد كان منهج محكمة الاستئناف اكثر غرابة، حين استندت في حكمها على مسائل ليس من شأنها ان تقوم مقام الادلة التي يجوز قبولها قانوناً. ومن ذلك ما اشارت اليه تلك المحكمة من الاقوال (المعروفة للناس عامة) والافعال (الكفرية الظاهرة في ترك الصلاة وعدم الركوع والسجود).. وما الى ذلك مما لا يتعدى في احسن حالاته الاقوال النقلية والعلم الشخصي وليس في أي منهما ما يرقى الى الدليل المقبول قانوناً (راجع المادتين 16 و35 من قانون الاثبات لسنة 1983.( (التشديد من وضعنا..الكاتب)



ولم تكتف المحكمة في مغالاتها بهذا القدر، وانما تعدته الى الاستدلال بقرارات وآراء جهات لا سند في القانون للحجية التي اضفتها المحكمة على اصداراتها، اما حكم محكمة الاستئناف الشرعية العليا التي عولت عليه محكمة الاستئناف الجنائية كثيراً، فانه يستوقفنا فيه انه حكم وطني يلزم استبيان حجيته نظراً الى ما يمكن ان تثيره طبيعته الوطنية من تساؤل حول تلك الحجية. والحكم المشار اليه صدر في 18/11/ 1968 في القضية 1035 /68 حيث قضت محكمة الاستئناف الشرعية العليا بالخرطوم باعلان محمود محمد طه مرتداً. وأول ما تجدر ملاحظته في شأن ذلك الحكم انه صدر حسبة كما وقع غيابياً، والسؤال الذي يفرض نفسه هو ما اذا كان في ذلك ما يقوم مقام الحكم الجنائي بالردّة؟.



وفي تقديرنا ان الاجابة القطعية ان ذلك الحكم لا يستحق هذه الصفة وذلك لان المحاكم الشرعية - ومنها محكمة الاستئناف الشرعية العليا في ذلك الوقت - لم تكن تختص باصدار احكام جنائية، بل كانت اختصاصاتها مقتصرة على مسائل الاحوال الشخصية للمسلمين من زواج وطلاق وميراث وما الى ذلك مما كانت تنص عليه المادة الخامسة من قانون المحاكم الشرعية لسنة 1967 الساري وقتئذ (وليست المادة 6 من قانون 1902 فيما تشير اليه هيئة الادعاء.(



وأبلغ دليل على عدم اختصاص المحكمة الشرعية فيما اصدرته من حكم ان ذلك الحكم جاء غيابياً فما نحسب ان محمود محمد طه كان حصيناً من سلطة الاجبار التي كانت تتمتع بها المحكمة فيما لو كانت محكمة ذات اختصاصات جنائية. كما يقف دليلاً على عدم الاختصاص ان المحكمة لم تجد سبيلاً لتنفيذ الحكم لا في ذلك الوقت ولا في أي وقت لاحق وهو ما لم يكن يحول دونه غياب المحكوم عليه خاصة وان للحكم عقوبة مقررة شرعاً هي أعلى مراتب العقوبات المدنية......، .... ولعلنا لا نتجنى على الحقيقة لو اننا قلنا ان تنفيذ الحكم ما كان ليتم لولا ان محكمة الاستئناف اضافت الادانة بالردّة، وهو ما لم يكن ليصدر اصلاً فيما لو كانت الاجراءات قد عرضت على المحكمة العليا بدلاً من ان تستقل محكمة الاستئناف باجراءات التأييد لتنتهي الى ذلك الحكم من خلال المخالفات القانونية والدستورية التي تناولناها فيما تقدم.......). وعلى هدى من ذلك تقرر هذه الدائرة ما يلي:



1- اعلان بطلان الحكم الصادر في حق المواطنين محمود محمد طه والمدعي الثاني في هذه الدعوى من المحكمة الجنائية ومحكمة الاستئناف).



اعداد/القسم السياسي




http://alsudani.info/index.php?type=3&id=2147515528&bk=1
_________________

Post: #656
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 09:46 PM
Parent: #655


مأزق الإنقاذ الفكري بعد انقسام الحركة الإسلامية!!

* قبل انقسام الحركة الإسلامية إلى (وطني وشعبي) في الرابع من رمضان الثاني عشر من ديسمبر 1999، استطاعت من حيث التنظير، أن ترفع الحرج عن قيام دولة ثيوقراطية الاتجاه، حيث استطاعت تفكيك الكثير من المعضلات الدينية المتأتية من التفريق بين المسلمين والكتابيين، أو بين الرجال والنساء على مستوى الشريعة، فلم تشترط في أهلية المترشح لنيل منصب رئيس الجمهورية الذكورة أو الإسلام، وفرضت على الذميين ومن شابههم ضريبة مساوية لقيمة الزكاة ووفق أسسها، تدفع كل عام، وفتحت الباب على مصراعيه للمرأة لتتسنم ذرى المناصب التشريعية والقضائية والتنفيذية، مثل صنوها الرجل، حذوك النعل بالنعل، بالرغم من مخالفة ذلك للشريعة، وفق نظر خاص واتجاه مغاير لما ألف الناس من صور الشريعة التي بين يدينا.



* بعد انقسام الحركة الإسلامية الأخير تبرز الكثير من الأسئلة الملحة والعاجلة، هل الأفكار التجديدية في الدين خاصة بالترابي وحده، أم أنها تخص كل الحركة الإسلامية، وبالأحرى بعد دمغ البعض للترابي بالزندقة والمروق على الدين؟!. فإذا كان ذلك كذلك، فما هي مرجعية (جناح القصر) في التجديد؟!، وما هي مستنداته لتجاوز الشريعة في بعض صورها؟!، ونحن في نفس الوقت نضع يدنا على مرجعية ومستندات الترابي في التجديد!!.



الترابي زعيم تيار تجديدي ليس إلا!!



* يعتقد أمين حسن عمر أن الترابي ماهو إلا زعيم لتيار تجديدي وسط الإسلاميين، وقد يعزز هذا الرأي قوله: (نحن لانتبنى كل مايقول دكتور الترابي، (أو): لسنا في مقام الدفاع عن أي رأي ارتآه دكتور الترابي ) ـ صحيفة السودان الحديث ـ 24/10/1995م، ص 3.



ويعززه أيضاً قوله في كتابه أصول فقه الحركة ـ سلسلة رسائل الحركة الإسلامية الطالبية ـ 3 ابريل 95: (تفردت الحركة الإسلامية ـ في السودان ـ بنهج جرئ ، و(الشورى) فيها ـ في الحركة ـ ملزمة، فهي ليست جماعة تابعة لمرشد متفوق يأتمرون بأمره فتطيع، وينهاها فتزدجر، بل نشأت ثلة من الشباب يأتمرون فيما بينهم بالمعروف، ولايرون لأحد منهم سلطة غير سلطة البرهان والدليل، وكانت فوق ذلك حركة تتميز بجماعية القيادة وذلك أن سلطة المكتب التنفيذي كانت دائماً فوق سلطة الأمين العام!).



* والحركات الإسلامية في العالم العربي (في رأي أمين حسن عمر) تأخذ على السودان (أخذه بخطة في الشورى لا يرون لها مستنداً فيما يقرأون ويعلمون).



ويواصل فيقول: (هذا النهج الشوري الذي يقلل من مكانة الزعيم الفرد أحد المؤاخذات على الحركة الإسلامية بالسودان) إذ إن (حركات الأخوان المسلمين في سائر الوطن العربي وبسبب تجربة البنا، (والكلام ما زال لأمين حسن عمر) قد اعتادت أن تضع قائدها في مرتبة الإمام المرشد الذي له أن يستشير أصحابه ومعاونيه ولكن ليس هناك واجب باتباع ما أشاروا به لو رأي – الإمام- خلاف ما يرون)!.



مرجعية ومستندات الترابي في التجديد



* أضاف الترابي إلى معيار التفريق بين السنة التشريعية والسنة غير التشريعية، التي لم يتفق عليها اتفاقاً تاماً الشيخان أبوزهرة وخلاف، أضاف معياراً أصولياً عاماً – كما يقول – في معرض اجابته على سؤال طرح عليه من مؤلف كتاب (التجديد) ونشر بصحيفة ألوان) كما ذكر وقيع الله، قال الترابي: (كانت قضية الذباب بالفعل واردة في سياق قضية كلية أصولية هي تحديد مدى حجية كسب الرسول (صلى الله عليه وسلم)، فقد غلا البعض حتى جعلوا كسب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من حيث قوة الحق ومداه، وذلك أمر قد يطعن في قضية التوحيد، وفصل آخرون بين السنة التشريعية الناشئة بحكم النبوة والرسالة، وبين السنة غير التشريعية الناشئة بحكم الجبلة البشرية، وجعلوا الأولى حقاً ملزماً قد يعتريه الخطأ اليسير ولكن يلزم ان يرد عليه التصويب القرآني حتى يكون الرسول معصوماً.



ولكن هؤلاء مثلوا بأعيان أفعال من السنة ولم يقيموا معياراً أصولياً عاما،ً فحاولت أن أجد ذلك المعيار الفقهي المنضبط في التمييز بين المسائل الخلافية في العلم والسلوك الانساني، وما بعث الرسل عليهم السلام إلا ليبينوا للناس ما اختلفوا فيه.. واما المسائل المتعلقة بأشياء الطبيعة فتركت من ثم لكسب البشر، ولم يبعث في الناس مرسلون يعلمونهم تلك العلوم الطبيعية).



عاب الترابي على من سبقوه (الشيخين أبوزهرة وخلاف) أنهم لم يقدموا معياراً أصولياً عاماً!! أما هو فقد حاول أن يجد ذلك المعيار الفقهي المنضبط في التمييز بين المسائل الخلافية، فما هو ذلك المعيار؟! اسمعه يقول: (وأما في عمل الرسول فكل رسول له من كسبه البشري، وقد تعتري المرسلين من حيث بشريتهم غواش في سياق تبليغهم للدعوة، ولكن الوحي يكتنفهم بالتصويب، وقد تعتريهم غواش في شؤون الحياة الأخرى فيرد عليهم التصويب من تلقاء الناس أو لا يرد).



وبتعبير آخر يرى الترابي أن النبي إذا غشيته غاشية في الأمور التشريعية فأخطأ فلا يقر على الخطأ، وانما يرد التصحيح من جانب الوحي، أما إذا غشيته غاشية في الأمور غير التشريعية فأخطأ فقد يصحح من تلقاء الناس وقد لا يصحح، هذا هو المعيار الفقهي المنضبط – حسب تعبير الترابي – الذي حاول ان يجده فوجده كما يقول، (وحسبت – يقول الترابي – أن مثل ذلك في حياة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في قضية تأبير النخل لا يشكل حادثة معزولة.. وظننت أن قضية الذباب من ذلك الباب وذكرتها على سبيل المثال لتوضيح قضية الأصول ذات المغزى). (المصدر: محمد وقيع الله أحمد ـ التجديد .. الرأي .. والرأي الآخر ـ الطبعة الأولى1989م)



هذا هو معيار الترابي ومرجعيته ومستنداته التي استخدمها في التجديد ـ بحجة نحن أعلم بشؤون دنيانا، وسوغت له تجاوز النصوص الشرعية الواردة على مستوى السياسة والاقتصاد والاجتماع، يقول الدكتور الترابي: (إن القضايا التي تجابهنا في مجتمع المسلمين اليوم إنما هي قضايا سياسية شرعية عامة، أكثر منها قضايا خاصة والذي عُطِّل من الدين – في رأي الترابي – أكثره يتصل بالقضايا العامة والواجبات الكفائية....)، (أما قضايا (الحكم ) والاقتصاد وقضايا العلاقات الخارجية مثلاً فهي معطلة لديهم ومغفول عنها، وإلى مثل تلك المشكلات ينبغي أن يتجه همنا الأكبر في تصور الأصول الفقهية واستنباط الأحكام الفرعية، ففي مجالها تواجهنا المشكلات والتحديات والأساليب المحرجة).



هذه هي مرجعية (تيار) الترابي في التجديد الديني، فما هي مرجعية التيار الآخر في القصر أو المؤتمر الوطني؟!.



وشهد شاهدٌ من أهلها



بالرغم من عزوف قيادة الحركة (كما يرى د. التجاني) من أن تلصق بها صورة رجال الدين التقليديين، وحرصها على أن تعرف بأنها حركة تجديد، وعدم سعيها لإعادة إنتاج رجال دين بدلاء؟!، إلا أن المتابع يلحظ وفي غير ما مشقة احاطة رجال الدين التقليديين وفقهاء السلطان بالمتنفذين من الحاكمين، ولعل أبلغ مثال لسيطرة عقلية رجال الدين التقليدية اليوم، ما ورد في الخط الرئيس لصحيفة ألوان يوم الخميس 30 نوفمبر (قانون جديد يمنع النساء من العمل بعد العاشرة مساء)، وهذا القانون إذا صح مخالف للدستور من أول وهلة، لأن الدستور انبنى على دولة المواطنة، التي ليس فيها تفرقة بسبب الجنس.



هل نحن على أعتاب طالبانية جديدة؟!



إذا لم يكن للانقاذ ومؤتمرها الوطني مشروع تجديدي مغاير (وكل الدلائل تشير إلى غياب مثل هذا المشروع) فنحن بالتأكيد على مشارف دولة طالبانية جديدة بقيادة سلفية قابضة.



إذا كان ذلك كذلك، فلماذا لا يعيد الاسلامويون قراءة الأستاذ محمود محمد طه بموضوعية، بدلاً من محاولة اختراع العجلة من جديد!!.



نزاع عقيم!



يقول التجاني: كان يمكن أن يكون النزاع نفسه (النزاع بين القصر والمنشية) محركاً للفكر، فتتولد عنه رؤية فكرية جديدة، كما حدث في حالات مشابهة أخرى، ولكن نزاع الإسلاميين في السودان لم يستطع، برغم تطاول فترته الزمنية، وبرغم الصخب والضجيج الذي صاحبه، أن يبرز رؤية جديدة، ولم يستطع أي من طرفي النزاع أن يبلور أطروحة متماسكة تصلح أن تكون إطاراً لنقض بنيان سابق، او لرفع بنيان جديد. (..د. التجاني الصحافة 11 نوفمبر 2006 ص 13).



إذن هل هناك مرجعية فكرية للمؤتمر الوطني مغايرة لما عرفنا من مرجعية خاصة بالترابي بعد إجراءات القسمة والمفاصلة بين القصر والمنشية، هل ننتظر إجابة؟!.

عيسى إبراهيم



http://alsudani.info/index.php?type=3&id=2147514787&bk=1
_________________

Post: #657
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 09:47 PM
Parent: #656



عصا الترحال
رداً على (أسمرا عاشقة الفن السوداني)

نسرين النمر
كُتب في: 2006-03-28

[email protected]


أتيح هذه المساحة للأخ الصحفي والقاص الإريتري الأستاذ جمال همّد إيماناً مني بأهمية الرأي الآخر، وهو قد كتب رادّاً على ما كتبته يوم الثلاثاء الماضي في (عصا الترحال) بعنوان (أسمرا عاشقة الفن السوداني). ورغم أن رسالته تطرق مجالات أخرى غير فنية ومتعلقة بالساحة السياسية وصراعاتها، إلا أن أمانة المهنة تقتضي نشرها..
الأستاذة نسرين،
التحية لك.
هي فعلا كذلك تحب الفن السوداني.. هي فعلا أخت الخرطوم، ولكن ليس على طريقة عبد الله جابر، وأبرها كاسا ويماني قبرآب. العلاقة الإريترية السودانية لا تمر عبر وفد يقوده يماني قبرآب وعبد الله جابر والمسؤول الأول الأمني ابرها كاسا المعروف بدمويته ولا يرسي دعائمها هؤلاء، بل ارسى دعائمها النقابي الكبير الراحل عبده دهب حسنين والفنان التشكيلي الراحل مجذوب رباح والرشيد الطاهر بكر وفاروق عثمان حمدنا الله والشيخ المرحوم عبد المحمود، صاحب مكتبة الجامع الكبير، والصادق عبد الله عبد الماجد والشهيد الأستاذ محمود محمد طه وعشرات الصحفيين والنقابيين وقادة احزاب وشخصيات وطنية ومجموع الشعب السوداني الذي حمى ثورة الشعب الإريتري في مختلف العهود. حضور (الإكسبو) في اسمرا لا يعيد للعلاقة الرسمية دفئها، ولا التصريحات الرسمية تبني، ولا الكلمات الجوفاء للصديق الشاعر بابكر عوض الكريم تقول ما يجري.
فما يجري في اريتريا عجيب، هل تدرين ان اكثر من 14 سودانياً يعيشون في معتقلات لا تعرف أماكنها ولا اسباب اعتقالهم ولا مدد سجنهم وهم من مختلف الشرائح؟؟ تجار.. ساسة.. عمال.. تربالة والعدد الكلي غير محصور، ويمكنك البحث عن ذلك ضمن تقرير مركز سويرا لحقوق الإنسان على الموقع(www. suera.com..
وللمزيد اسألي امير بابكر، المعتقل السابق - عنوانه بطرفنا - وعبد العزيز دفع الله والعميد عبد العزيز خالد، وهناك تقرير (امنستي انترناشونال) و(صحفيون بلاحدود) و(هيومان رايت ووتش) للأعوام 2004 و2005، وآخر اخبار هذا البلد المنكوب لجوء راعي الكنيسة الأرثوذكسية الإريترية في الخرطوم للمفوضية السامية لشؤون واللاجئين في الخرطوم، وهروب اربعة لاعبين من فريق البحر الأحمر في نيروبي.
في اريتريا اكثر من 10000 معتقل لا تعرف اماكن اعتقالهم ولا مدد محكومياتهم، ولا يسمح لهم بالزيارات، منهم محمود احمد شريفو وبطرس سلمون وهيلي ولد تنسائي والجنرال بت ودد ابرها، وهم جميعا من قيادات الصف الأول في الحزب الحاكم ومن مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير اريتريا.. ينضاف اليهم العشرات من زملائك الصحفيين ورجال دين ومعلمين.
جولة صغيرة في الجريف والديوم والصحافات والقوز تكفي لتعطيك صورة عن المشهد الإريتري الكئيب.
الأستاذة نسرين، ارجو ان لا اكون قد اثقلت عليك وبددت صورة مشرقة لأسمرا اخت الخرطوم.
جمال همد ( صحفي وقاص اريتري



http://www.alsudani.info/index.php?type=6&issue_id=902&col_id=80
_________________

Post: #658
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 09:48 PM
Parent: #657


مكى أبوقرجة
======
الفتى ضمير المدينة

(تحية لأصدقاء أبطال الملحمة



ليونس الدسوقي ـ الفتي ضمير المدينة ـ



يزأر الآن في منفاه،



كالأسد الحبيس بالقاهرة



ولأحمد ابراهيم ـ الذي فقد ساقه في المعمعة ـ



ما زال مرابطا يناصر المظلومين



يحرر العرضحالات امام المحكمة



للعبيد عامر وهو يجتر ذكرياته



بقريته ام هاني



يحلم باتحاد حقيقي للمزارعين



وصولة جديدة في سبيل الكادحين)



من قصيدة (زغاريد الغضب) لكاتب هذه السطور بمناسبة الذكرى الخمسين لانتفاضة جودة فبراير 2006م.



هؤلاء الرجال الثلاثة الذين وردت اسماؤهم في هذا المقطع من القصيدة هم اصدقائي حقا وليس مجازان كما يتبادر الى الذهن. نعمت بقربهم وبمودتهم وصدقهم وعظمتهم الإنسانية، وخبرتُ معادنهم في انبل المواقف واشرفها. شاركوا ثلاثتهم بشكل او بآخر مع من شاركوا في احداث جودة، لا يتحدثون عن انفسهم بما فعلوا، ظلوا يتحدثون عن تضحيات الآخرين وبطولاتهم. غيَّب الموت يونس الدسوقي في نوفمبر الماضي، فكان وقع ذلك علينا كسقوط جبال شنكيانج على الصدور؛ كما عبر الشاعر الصيني كوموجو عن صديق له عظيم اخترمه الردى. غاب يونس فانطوت صفحة مشرقة وعامرة بالمآثر الجليلة، وحياتنا بعده قفر يباب ولا عزاء لنا في فقده.



قال انه يتمنى ان يرانا قبل الرحيل، احس بأن ايامه آخذة في الزوال. ابلغ ابننا اشرف مأمون بذلك فنقل الينا تلك الرغبة، قررنا من فورنا وشددنا اليه الرحال. اسامة ابوقرجة من الخرطوم وأنا من ابوظبي، كان ذلك في صيف عام 2004م اخبرناه بميعاد وصولنا الى القاهرة فرتب شؤون اقامتنا بنفس الفندق الذي كان يقيم فيه. كانت قد مضت حوالي عشرين عاما منذ افتراقنا في منتصف الثمانينيات: توجهت انا للعمل بمنطقة الخليج، ثم لم يلبث هو ان اختار القاهرة منفىً له في اوائل التسعينيات حين حلت القارعة وتبدد شمل الجميع.



بعد ساعتين من وصولنا رن جرس الغرفة ففاجأنا شيخ قد كفَّ بصره وهدّه المرض يعتمد على عصا ويسعى بخطوات عاجزة بطيئة، ليس ذلك الرجل الذي عهدناه في عنفوان كهولته قويا متماسك البدن، الا انه ظل رابط الجأش مشتعل الفكر متقد الفؤاد قابضا على ازمة الأمور، متابعا، لم تفارقه روحه الوثابة ولا قدرته التي لا تجارى في صناعة الكلام وربط مفاصله بالحكمة ومأثور الحديث والشعر والمعنى الحصيف. قضينا اياما لا تنسى في ضيافته، اشرف على كل ما يتعلق بشؤوننا في الفندق رغم احواله الصحية غير المستقرة، يدعو اصدقاءه المثقفين لزيارتنا ويغمرنا بكرمه الفياض: محمود صالح جاء من اصيلة حيث حضر مع الطيب صالح المهرجان الثقافي السنوي، حيدر ابراهيم علي عاد من باريس، مصطفى عبادي من اثينا بعد نهاية دورة الأولمبياد، ثم فاروق محمد ابراهيم من الخرطوم، أسامة عبدالرحمن النور من ليبيا.. التقينا بالمرحوم مبارك محجوب لقمان الذي دعانا لمأدبة غداء سخية في داره بحدائق القبة حضرها لفيف من المثقفين في مقدمتهم المرحوم علي التوم ورحمة الله عبدالله وصلاح احمد محمد صالح ومحمود صالح عثمان صالح ومصطفى عبادي والسر وعمر احمد قدور.. كان يونس واسطة العقد رغم ضعف النظر والوهن الذي اعتراه، وقد دارت بين الحاضرين احاديث عذاب ما يزال صداها يتجاوب في النفس.



اقام يونس في فندق هابيتون حوالي خمسة عشر عاما زاده القراءة والتأمل حتى كف بصره وامتنع عنه الكتاب الذي ظل رفيق حياته الزاخرة الثرية، الا من نفر كريم من الأصدقاء يقرأون عليه من وقت لآخر ما يراه مهماً. غير انه لم يفتقد في لحظة من اللحظات لياقته الفكرية وقدرته على المتابعة. كان اصحاب الفندق من اهلنا الأقباط تفاءلوا بوجوده وأحاطوه بكثير من الرعاية والاهتمام، لم يفتهم ان لاحظوا اهمية الزوار الذين كانوا يترددون عليه ينفخون العاملين بعطاياهم الجزيلة، يفدون من مناطق الخليج في عطلاتهم الصيفية وفي مقدمتهم محجوب ابراهيم، ومن السودان على رأسهم الصادق شامي.. يقبل الفتية الجمهوريون من الولايات المتحدة وكندا وأوروبا والخرطوم يزورون القاهرة ويتفقدون احوال يونس، فقد كان صديقا حميما للأستاذ محمود محمد طه (وكل صميم لصميم بديل)، كما عبر إبراهيم العبادي.



كان واحة يستجير بها المثقفون عند احتدام الهاجرة وتفاقم العسف والاستبداد، يتحدث اليهم بصوته الصافي العميق، يبثهم احاديثه الشجية فيخفف عنهم كثيرا من غلواء الحزن والمكابدة.



ظل الكاتب الروائي الطيب صالح منذ سنوات يزور القاهرة من عام لآخر في عطلته الشتوية، الا انه بعد وصول يونس اليها بات يزورها سنويا بصورة منتظمة ليلقاه، وقد صرح بذلك مغتبطا بتلك الصحبة الفكرية التي لا يجود الزمان بمثلها كثيرا. كان العاملون والعاملات بفندق هابيتون يسعدون برؤية الطيب صالح ويشعرون بكثير من الفخر والاعتزاز لزيارته. اما هو فقد كان يغمر المكان بتعليقاته الذكية وأوصافه الساخرة يزجيها همسا ليونس الذي كان مولعا بكل ما هو طريف.



عاش يونس تجربة الحركة الوطنية في إبانها شابا منذ منتصف اربعينيات القرن الماضي، وانفعل بها وانغمس في خضمها وذلك بعد ان اعد نفسه بالقراءة الصادقة العميقة المستمرة، فقد كان عصاميا لم ينل من التعليم النظامي الا مراحله الأولى، ولكنه غدا موسوعيا جم المعارف، كان تشده الثقافة الرفيعة والأدب العظيم ويحتفي بالتاريخ يوظفه في تطورات الحاضر.



انتمى لليسار وعمل في اوساطه منذ بواكير الخمسينيات وحتى السبعينيات في ام درمان وكوستي، الا ان طبعه المتمرد ونفوره من الانضباط الحزبي جعله ينأى نوعا ما عن التنظيم، وإن لم يفارق الجماعة. وماكنت أعلم انه كان سكرتيرا للجبهة المعادية للاستعمار في مدينة كوستي حتى ذكر الدكتور خالد المبارك في عموده الأسبوعي عقب وفاته في الشهر الماضي.



قبل ان يتفتح وعينا في مدينة كوستي رأيناه زعيما جماهيريا قائدا يتقدم التظاهرات ويخطب بطلاقة، ما عهدناها في غيره ممن كانوا يعدون خطبهم ويقرأون على الناس ما يكتبون.. كان بحرارة صدقه وجرأته وسمته المهيب يحرك المشاعر فنركض خلف موكبه وهو يستقل سيارة جيب ممسكا بمكبر للصوت. لم يكن يعنينا ما يقول.. كنا نرى امامنا بطلا صارم القسمات يتطاير شعر رأسه بفعل الريح مما يضفي عليه مظهرا اخّاذا كأحد ابطال الاساطير الإغريقية، كما رسمهم هوميروس. كان خطيبا مفوها منقطع القرين، حين يخطب يستدعي خيالك مارتن لوثر او ميرابو او تروتسكي... اديبا متمكنا من القول، مؤثرا، صاحب قضية كونية ولا ريب، اركانها الحق والعدل والحرية وكرامة الإنسان. كان رجلا قوي الشكيمة، صعب المراس، سمحا، كريما، متلافا لا يحسب للأيام حسابا ولا يدخر مالاً لغده. يتعامل مع الحياة اليومية وكأنه مسافر ابدي. لم يكن يأبه كثيرا بالحديث النظري والنصوص. كان يطرح طرحه الخاص ثقافة مهضومة يعيد انتاجها بأسلوبه الساحر الفريد.



استخدمت احدى الشركات الزراعية تلاميذ المدرسة الصناعية بكوستي ـ بتوجيهات من السلطات الحاكمة ـ لجني القطن في احد مشاريعها الزراعية في العطلة الصيفية لأحد اعوام الستين، وقد وقع حادث مؤسف لإحدى العربات التي كانت تقلهم مما اسفر عن مصرع تلميذين صغيرين وإصابة آخرين بجراح. كنا صبية صغارا بالمدرسة الوسطى ولكنا شاركنا في تشييع الجثمانين، حيث خرجت المدينة بأسرها فقد هزها الحادث وأدمى قلبها فالتلاميذ كانوا غرباء عن المدينة يقيمون في السكن الداخلي. الحاكم العسكري بجبروته وما يحيط به من مظاهر القوة، كان في مقدمة الجميع ونظام عبود في اسوأ مراحل تسلطه واستبداده.



وبعد ان فرغ الناس من دفن جثماني الصغيرين برز يونس من بين المشيعين غاضبا محمر العينين ممسكا بمكبر للصوت.. اعتلى سيارة واقفة وبدأ يخطب في الناس ويندد بنظام الحكم جهرة غير هيّاب ولا وجل. خاف كثير من المشيعين من هول الموقف، استقلوا سياراتهم وتسللوا عائدين قبل ان يشهدوا عملية الاعتقال في نفس اللحظات، الأمر الذي كان يتوقعه يونس بطبيعة الحال. ذلك مشهد واحد من سلسلة مشاهد وقفنا عليها في حياة يونس في تلك المدينة التي بات ضميرا لها.



كان خبيرا عارفا بأقدار الرجال تهزه سيرهم وتشجيه، وكان يكنّ اعجابا خاصا للإمام محمد احمد المهدي.. اذكر مرة كنا نتحدث عنه وأشرت في سياق الكلام الى ان المهدي رحل وهو في الثانية والأربعين من عمره، فانتفض وتغير وجهه والتفت اليّ محتجا وكأني قد ارتكبت خطأ، اذ كيف يستطيع شاب في مثل هذا العمر ان يتقدم شعبا كشعب السودان ويقوده في اكثر المنعطفات حلكة في تاريخه فيوحد البلاد ويقيم دولتها الوطنية، وحينما راجعته واقتنع زفر زفرة عميقة وانتصب قائما وغادر مجلسنا.



غاب عنا اياما وعاد ليخبرني بأنه لم ينم ليلتها، وقتها كان يقترب من الستين. ما فاته ذلك، الا ان ما راعه حقا هو مضيّ العمر قبل ان يحرز نصرا رغم الآمال التي كانت تنطوي عليها نفسه المترعة بروح الزعامة.



تمتد علاقاتنا الى زمن بعيد كنت اراه في مأتم والدي ـ عليه رحمة الله ـ وأنا حدث يافع يحضر يوميا وينفق الساعات جالسا بين المعزين. كنت اعجب لذلك الزعيم اليساري بزيه الإفرنجي ويتوسط شيوخ الأنصار. زال العجب حين كبرت وعرفت منه الصداقة التي جمعت بين والدينا منذ بواكير الثلاثينيات، وكثيرا ما كان يروي قصة البندقية التي اهداها والدي لوالده ويردد ـ حتى آخر ايام حياته ـ انه سيعيدها اليّ بعد خمسة وسبعين عاما، تحفة اثرية تزين صالون منزلي، ولتلك البندقية قصة جديرة بأن تروى في يوم من الأيام.



في طفولتنا كانت (المكتبة الوطنية) لصاحبها مصطفى صالح هي الوحيدة في مدينة كوستي. تنقلت من مكان الى آخر حتى استقرت قرب مكتبة البريد. ثابرنا على التردد عليها لاقتناء مجلات (الصبيان) و(السندباد) ثم (سمير) والقصص التي كان يصدرها مكتب النشر، وتلك المجموعات التي كانت تفد من مصر، ثم لم يلبث الحال ان افتتح يونس مكتبة (الفكر الحديث) لا ادري في اي عام حدث ذلك. وجدنا فيها ضالتنا من الأدب الإنساني، فقد تجاوزنا مرحلة الطفولة في اول مدارج المرحلة الثانوية واتسعت اهتماماتنا بالقراءة وباتت اكثر عمقا وتنوعا. في ذلك الوقت توطدت علاقتنا به نحن مجموعة من طلاب الثانويات الباحثين عن المعارف والحقيقةن فوجدنا فيه اباً براً وأخا كريماً وصديقا مخلصاً، عاملنا كأنداد له، وسمح لنا بالاختلاف معه بكل سماحة وأريحية رغم طبعه الحاد في مواجهة السذج والمتنطعين.. وظلت كلما تقدمت السنون تزداد علاقاتنا توهجا وبريقا، يزينها حضوره المشبوب وتدفقه الفكري الذي لا يغيض.

قبل سنوات ونحن بدولة الإمارات اهدى اليّ صديق الطرفين الأستاذ مأمون محمد عيسى المحامي نسخة من رواية لعبدالرحمن منيف بعنوان (عروة الزمان الباهي)، تناول فيها سيرة صديق له من المناضلين الموريتانيين تنقل ما بين باريس وبيروت مدافعا عن قضايا المغرب الكبير وخاصة الجزائر، رأى فيه مأمون صورة من يونس لجرأته في اقتحامه للمحافل وشجاعته ومروءته وتعامله المختلف مع الناس والحياة ما احوجنا الآن لنجد فسحة من الوقت لنكتب عن هذا الفتى ضمير المدينة الذي كان يختزل الكون في حناياه ويمشي في شوارعها.



http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147514355&bk=1
_________________

Post: #659
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 09:49 PM
Parent: #658


قولوا حسنا
ذكريات وأسرار من انتفاضة أبريل

محجوب عروة
كُتب في: 2007-04-06

e:mail:[email protected]




كان شهرا فبراير ومارس من عام 1985م يؤذنان بأن شمس مايو تميل الى الغروب بعد عدة محاولات للبقاء جرت في الأعوام الثلاثة الأخيرة من عمر مايو، وتحديداً منذ العام 1982م لمحاولة إصلاح أخيرة للنظام، وذلك عقب التغيير الذي تم في الاتحاد الاشتراكي وإبعاد قيادة الجيش بقيادة الفريق عبد الماجد حامد خليل ورفاقه، ثم ذلك المؤتمر الشعبي الشهير الذي طالب بالتغيير، ولكن بدلاً من المضيّ قدماً في عملية تطوير وإصلاح سياسي شامل وإحداث عملية انفراج كامل ارتد الرئيس الأسبق نميري وأعاد الأمور الى وضعها الأول بإيعاز من بطانته التي كانت تحضه على (الكنكشة)، ولم تنصحه بالاستمرار في عملية التطور السياسي، الذي بدأ بالمصالحة الوطنية فيما سمي بصراع (القدامى) ضد (القادمين الجدد) عقب المصالحة عام 1978.. ولذا حدث نوع من الاحتقان السياسي انتهى بثلاثة احداث فاصلة هي:
* تطبيق مسيئ لقوانين الشريعة الإسلامية في عام 1983م.
* إعدام المرحوم محمود محمد طه.
* وأخيراً اعتقال قيادات الإخوان المسلمين بقيادة د.الترابي فجأة في نهاية فبراير 1985م.



http://www.alsudani.info/index.php?type=6&issue_id=1271&col_id=68&bk=1
____________

Post: #660
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 09:50 PM
Parent: #659


ذكرى إنتفاضة1985م
محمد على جادين

شهد عاما 1984م و1985م بروز عدة عوامل تدفع فى اتجاه الانتفاضة والاحتراب السياسى العام، تمثل أهمها فى تدهور الوضع الاقتصادى، اتساع الحرب الأهلية فى الجنوب، نهوض حركة الوضع الاقتصادى، اتساع الحرب الاهلية فى الجنوب، نهوض حركة الاضرابات وسط النقابات بما فى ذلك اضراب القضاة وتزايد عمليات العنف السلطوى ضد قوى المعارضة عموما وصل قمته بمحاكمات الجمهوريين والبعثيين بتهم الردة واعدام الشهيد محمود محمد طه فى بداية 1985م- وهكذا تجمعت كل هذه العوامل لتدفع الشارع باتجاه الانتفاضة والعصيان المدنى، واندلعت المظاهرات فى الخرطوم منذ صباح26مارس حتى السادس من ابريل1985م وامتدت الى مدن اقليمية عديدة ووقتها ظهر التجمع النقابى المكون من نقابات الاطباء واساتذة جامعة الخرطوم والمحامين وموظفى المصارف والمهندسين وبرز دوره فى موكب 3أبريل1985م الذى اكد نهاية النظام المايوى بشكل واضح وفى هذا الاطار ظلت قوى الاحزاب تلعب دورها فى دعم المظاهرات واستمرارها ولكنها لم تنجح فى توحيد نفسها فى منبر موحد



http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147518224&bk=1
_______

Post: #661
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 09:50 PM
Parent: #660


من المسؤول عن وأد الديمقراطية الثالثة؟!

إعداد: القسم السياسي

بدأت مايو في الإنهيار التدريجي منذ إعلانها قوانين سبتمبر الشهيرة، التي وصفت بقوانين الشريعة الإسلامية، كانت القوانين في 1983، ولكن في 1984 أعلن نظام مايو حالة الطوارئ وتشكلت محاكم العدالة الناجزة وجلد وزج بالعشرات في السجون واتهمت إحدى تلك المحاكم المناضلة فاطمة أحمد إبراهيم بـ (الجنون)، وتمادت في بطشها اللا إسلامي حتى اعدمت الشهيد محمود محمد طه بتهمة الردة، وكان ذلك في يناير 1985، وبدأت غضبة الشعب تتبلور بعد أن سبقها إضراب القضاة الشهير في 1983 والذي دام لأكثر من ثلاثة أشهر




http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147518196&bk=1
_________________

Post: #662
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 09:51 PM
Parent: #661


عوالم (جمال محجوب) السردية:
=====
أحمد صادق أحمد
========

مثلما أشرنا سابقاً التقط فيها لحظة العقدين الأخيرة من القرن التاسع عشر فترة المهدية وإعادة تفسيرها سردياً وإسقاط الحاضر على الماضي والعكس، يبدو أن تفسيره كان بوعياً كاملاً بالنصوص تماماً مثلما امتلك وعياً بوضع الفكر على مستوى العقل والممارسة. الشخوص هنا (صورة) محمود محمد طه وغردون باشا والمهدي – Minor إلا أن الشخوص الرئيسية هي مجموعات المزارعين والرعاة والجنود.



http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147518315&bk=1
___

Post: #663
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-21-2008, 09:52 PM
Parent: #662


حول التنبؤ بانهيار الشيوعية

نشرت صحيفة السوداني في العدد 492 بتاريخ 27/3/2007 الموضوع الذي اثار التساؤل حول الموضوع أعلاه، وعلى الرغم من أن مؤلف كتاب (نهاية التاريخ) يعلن أن انهيار الماركسية قد فاجأ كل المفكرين والمحللين في العالم، فإن الاستاذ محمود محمد طه له رأي مبكر في هذا الشأن أورده في كتابه (لا إله إلا الله) الصادرة طبعته الاولى في يوم 25 مايو 1969 وكان ذلك في معرض تقييم الأستاذ لثورة أكتور وما فتحت من طريق جديد للتغيير الأساسي بالقوة دون عنف، يقول الأستاذ: إن ثورة أكتورة ثورة فريدة في التاريخ وهي لم تجد تقويمها الصحيح إلى الآن.



وعندنا أن أكبر قيمة لثورة أكتوبر أن الشعب السوداني استطاع أن يدلل بها على خطأ أساسي في التفكير الماركسي مما ورد في عبارة من أهم عبارات كارل ماركس في فلسفته فيما عرف بـ(المادية التاريخية)، وتلك العبارة هي قولة (العنف والقوة هما الوسيلتان الوحيدتان لتحقيق أي تغيير أساسي في المجتمع)، فما برهنت عليه ثورة أكتوبر هو أن القوة ضرورية للتغيير ولكن العنف ليس ضرورياً، بل إن القوة المستحصدة التامة تلغي العنف تماماً، فصاحبها في غنًى عن استخدام العنف وخصمها مصروف عن استخدام العنف بما يظهر له من عدم جدواه، وحين تنفصل القوة عن العنف يفتح الباب للبشرية لتفهم معنًى جديداً من معاني القوة وتلك هي القوة التي تقوم على وحدة الفكر ووحدة الشعور بين الناس، بعد أن لبثت البشرية طيلة الحقب لا تعرف من القوة إلا ما يقوم على قوة الساعد وقوة البأس، ومفهوم القوة بهذا المعنى الأخير هو تراث البشرية من عهد الغابة عهد الأنياب الزرق والمخالب الحمر، وهذا المفهوم هو الذي ضلل كارل ماركس فاعتقد أن مستقبل البشرية سيكون صورة لامتداد ماضيها وغاب عنه أن العنف سيفارق القوة بالضرورة في مستقبل تطور الإنسان حين يصبح الحق هو القوة.



ويواصل الأستاذ عن مآلات الدورة الجديدة التي فتحتها ثورة أكتوبر في كتابه الثورة الثقافية طبعة 1972، ليقول: إن ماركس على الرغم من ذكاء ملاحظته عن ماضي تطور المجتمع ولكنه اخطأ حين ظن أن مستقبل البشرية يمكن التنبؤ به من رصد ماضيها واستقراء تطور هذا الماضي وذهل ماركس عن حقيقة كبرى تلك الحقيقة هي أن حاضر المجتمع البشري في أية لحظة من لحظات تطوره إنما يصنعه تفاعل وتلاقح بين قوى المستقبل وقوى الماضي هذه القوى التي تجئ من المستقبل هي التي تعين على تطوير الماضي وتحفز وتوجه خطوات التغيير فيه، هذه القوى توافر على تقريرها الدين ذلك الدين الذي رفضه كارل ماركس رفضاً تاماً ومن هنا تورطت أفكاره في الخطأ، وقد كان حكم الوقت في فترة ماركس يتطلب (القوة والعنف معاً)، (ولولا أن العنف ليس اصلاً في العلاقات الإنسانية وإنما هو مرحلة يتخلص منها الإنسان كلما بعد عهده من عهد الغابة، وكلما نزل منازل القرب من عهد المدنية ولولا هذا لكان ماركس محقاً كل الاحقاق ولقد أصبح تفكير ماركس بسبب هذا الخطأ الكبير تفكيراً مرحلياً، وهو اليوم على عهدنا يمثل حقبة ضرورية في مراحل تطور المجتمع البشري ولكنه قد أصبح منذ اليوم عقبة تتطلب أن تزاح عن طريق البشرية لكي تدخل عهدها الجديد..إن القوة أصل ولكن العنف ليس بأصل ولابد من اخراجه من معادلة التغيير) ويفصل الأستاذ كيف يفارق العنف للقوة ويقوم بدله السلام بل الحب حسب ديالكتيك (التوحيد).



ولما كان المتناقضان عند ماركس يقومان على اختلاف النوع أصبح العنف عنده أصلاً من الأصول وهذا بطبيعة الحال (أس الخطأ في تفكير ماركس مما جعل الماركسية مرحلية وإن كانت هذه المرحلة في غاية الأهمية في تاريخ تطور المجتمع فكرياً واجتماعياً وسياسياً في القرنين الأخيرين، الماركسية مرحلية لأنها حين قطعت الصلة بالغيب عجزت عن ادراك القوة التي تؤثر في تطور الإنسان من خارج المادة، لقد خدمت الماركسية غرضاً كبيراً ولكنها قد استنفدت غرضها هذا واخذت تدخل التاريخ وهي لن تكون لها في المستقبل غير قيمتها التاريخية هذه، وهي قيمة كبيرة من غير شك، إذ قد شكلت قنطرة تربط ربطاً عملياً في مجال الفكر ومجال التنفيذ بين المادة والروح فهي بذلك – أعني الماركسية- قد جعلت عودة الإسلام من جديد ممكنة وواجبة) انتهى.



فماذا قال الأستاذ محمود عن سبب تصفية أهداف أكتوبر وكيف السبيل لتعود الثورة أكمل وأتم؟!.



ثورة أكتوبر مرحلتان:



(وثورة أكتوبر ثورة لم تكتمل بعد إنما هي تقع في مرحلتين نفذت منها المرحلة الأولى، ولا تزال المرحلة الثانية تنتظر ميقاتها.. المرحلة الأولى من ثورة اكتوبر كانت مرحلة العاطفة المتسامية التي جمعت الشعب على ارادة التغيير وكراهية الفساد ولكنها لم تكن تملك مع إرادة التغيير فكرة التغيير حتى نستطيع أن نبني الصلاح بعد ازالة الفساد، ومن أجل ذلك انفرط عقد الوحدة بعد ازالة الفساد، وأمكن للأحزاب السلفية أن تفرق الشعب وأن تضلل سعيه حتى وأدت أهداف ثورة اكتوبر تحت ركام من الرماد مع مضي الزمن وما كان للأحزاب السلفية أن تبلغ ما أرادت لولا أن الثوار قد بدا لهم أن مهمتهم قد أنجزت بمجرد زوال الحكم العسكري وأن وحدة صفهم قد استنفدت أغراضها.



والمرحلة الثانية من ثورة أكتوبر هي مرحلة الفكر المستحصد العاصف الذي يتسامى بإرادة التغيير إلى المستوى الذي يملك معه المعرفة بطريقة التغيير.. وهذه تعني هدم الفساد القائم ثم بناء الصلاح مكان الفساد وهو ما نسميه بالثورة الفكرية فإن ثورة اكتوبر لم تمت ولا تزال نارها تتضرم ولكن غطى عليها ركام من الرماد فنحن نريد أن تتولى رياح الفكر العاصف بعثرة هذا الرماد حتى يتسعَّر ضرام أكتوبر من جديد فتحرق نارها الفساد ويهدي نورها خطوات الصلاح، وليس عندنا من سبيل إلى هذه الثورة الفكرية العاصفة غير بعث الكلمة (لا إله إلا الله) جديدة دافئة خلاقة في صدور النساء والرجال كما كانت أول العهد بها في القرن السابع الميلادي) انتهى.



ولتكن هذه تحية للاخوة الشيوعيين بين يدي مؤتمرهم المرتقب أما الإسلاميون بكل فرقهم فتحية لهم قول الأستاذ في الكتاب نفسه، إن ثورة الإسلام (الثانية) أنه دين تبشير ولا مكان للسيف فيه على الاطلاق والذين يتحدثون عن عودة الإسلام ويتحدثون عن السيف يخطئون حقيقة الإسلام ويخطئون حكم الوقت في آن معاً وهم يحسنون إلى أنفسهم ويحسنون إلى الإسلام إذا تركوا هذه الدعوة المعوقة).



كان الاستاذ قد نبه الدعاة الإسلاميين من وقت مبكر لضرورة التربية حتى لا يشوهوا الإسلام بسلبياتهم ولضرورة الفكر حتى لا يصموا الإسلام بقصورهم وجمودهم فكتب في صحيفة أنباء السودان 6/12/1958 تحت عنوان (تعالوا إلى كلمة سواء) فقال: (إن الإسلام بقدر ماهو قوة خلاقة خيرة إذا ما انبعث من معينه الصافي واتصل بالعقول الحرة واشعل فيها ثورته وانطلاقه، بقدر ماهو قوة هدامة إذا انبعث من كدورة النفوس الغثة واتصل بالعقول الجاهلة وأثار فيها سخائم التعصب والهوس، فإذا ما قدر لدعاة الفكرة الإسلامية الذين اعرفهم جيداً أن يطبقوا الدستور الإسلامي الذي يعرفونه هم ويظنونه إسلامياً لرجعوا بهذه البلاد خطوات عديدة إلى الوراء ولأفقدوها حتى هذا التقدم البسيط الذي حصلت عليه في عهود الاستعمار، ولبدا الإسلام على يديهم وكأنه حدود وعقوبات على نحو ما هو مطبق الآن في بعض البلاد الإسلامية ولكانوا بذلك نكبة على هذه البلاد وعلى الدعوة الإسلامية أيضاً).
إبراهيم يوسف فضل الله



http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147518413&bk=1
_________________

Post: #664
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 02:38 AM
Parent: #663


القضاة والانتفاضة
دوى هتاف القضاة (القضاه قضاة الشعب) كم كان وقع هذا الهتاف رائعاً فى ذلك اليوم التاريخى فى عمر الوطن ، وكم كان الذين رددوه بقوة وبصوت عال وطنيين حتى النخاع، …كان المكان امام دار القضاء بامدرمان وكان الزمان زمان الانتفاضه …تجمع القانونيون قضاة ومحامون امام تلك الدار المهيبة فى مدينة المهدى وبجوار ضريحه استجابة لقرار لجنة القضاة باعلان الاضراب السياسى حتى زوال نظام مايو وتسيير مسيرة من امام دار القضاء الخرطوم تتوجه للقصر الجمهورى.
كان القضاة فى ذلك الزمان الجميل يفوحون وطنية وتقودهم لجنه انتخبوها انتخاباً ديمقراطياً بقيادة الربان الماهر مولانا عمر صديق وحوله رجال صناديد ليس بينهم خوار، قادوا القضاه فى اضرابين مفتوحين اسهما كثيرا فى ضعضعة النظام حتى وهن عظمه .. هذا ودفعت هذه النخبه ثمن مواقفها فكان يتم القبض عليهم عقب كل اضراب وعندما يخرجون من السجن كانوا يزدادون صلابه على صلابتهم ويزيدهم السجن اصراراً على مواقفهم …كانوا دائما يأتون من السجن رأسا الى دار المحامين حيث يكون القضاة الصامدون هناك وكانوا يدلفون الى الدار وهم مبتسمون هاشون باشون يوزع عمر صديق بلهجته الشايقيه التى لاتخطئها الاذن النكات هنا وهناك وكأنهم قادمون للتو من فرح وليس سجناً.
تداعت لجنة القضاه لاجتماع فى تلك الايام الخوالد لتدارس الموقف بعد ان بدأت الململة الشعبية بعد مقتل الاستاذ محمود محمد طه وممارسات محاكم العداله الناجزة …وقد بدأت الجماهير تنظم نفسها لمواجهة نظام نميرى ….كان الاجتماع بمنزل احدهم بالثورة (وكان الجميع فى منافسة لنيل شرف هذه الاجتماعات) وتناقش الجمع حول حركة الجماهير وبداية تكوين تجمع للنقابات يطالب بالديمقراطية وحقوق الانسان فى ظل قضاء مستقل … وكان القرار باجماع المجتمعين وبصوره ترفع الرأس عالياً انه لامكان للقضاة الا وسط شعبهم وان انحيازهم للجماهير لانقاش حوله واستعدادهم للتضحيه من اجل الديمقراطيه للشعب السودانى. والقضاء المستقل لاتراجع عنه مهما كانت التضحيات (وما اعظم مواقف الرجال) ووصى الاجتماع بمتابعة الموقف وتشكيل لجان فرعية ولجان اقاليم تحسباً لاى طارىء وبتنوير القضاه الذين لم يكونوا يقلون حماساً عن لجنتهم ..وتم انتداب قاضيين منهم مولانا تاج السر بابكر للاتصال بالقوى الوطنيه التى تكونت حديثاً ورؤى ان يكون الاتصال عن طريق نقابة المحامين لحساسية موقف القضاة …وتم الاجتماع فى منزل المرحوم مولانا عبد المنعم محمود بشير (وعبد المنعم كان رجلاً يحب بلاده وشعب بلاده وهو دائما على استعداد لدفع مهر هذا الحب مهما غلا) وفعلا تم الاجتماع وقام المندوبون بتنوير القضاة بموقف النقابات واصرارها على اسقاط النظام واستبداله بنظام ديمقراطى ..ونقل مندوبو لجنة القضاة انحياز القضاة للشعب وتأييدهم الكامل لقيام نظام ديمقراطى حر يحترم حقوق الانسان فى ظل قضاء مستقل.
بعد ايام من هذا الاجتماع اعلن التجمع الوطنى الوليد عن موكب الاربعاء والقرار بالعصيان المدنى حتى سقوط النظام.
اجتمعت لجنة القضاة فى مكتب مولانا نادر السيد قاضى المديرية امدرمان علانية فالقاضى الذى يخشى قول الحق والوقوف معه لايستحق ان يجلس على كرسى العدالة ويمسك بميزانها …وتمت مناقشة الموقف واعلان التجمع للعصيان وموكب الاربعاء ولكن السؤال كان هل يعلن القضاة عن موقفهم واضرابهم فى موكب الاربعاء ام يكون هناك موكب آخر للقضاة؟ وكان لمولانا عمر صديق رأي طرحه فوجد استحساناً وهو ان موقف القضاة لابد ان يكون قاصمة الظهر للنظام مثله مثل موكب اكتوبر الشهير وان يكون مثله يتحرك من امام دار القضاء وهذا لان موكب الاربعاء سيعقبه الخميس وعطلة الجمعه وستبرد قليلاً سخونة الموقف خاصة ا ن نميرى سيعود بالسبت والحركة الجماهيرية فى حاجة لقوة دفع جديده فى بداية الاسبوع وليس هناك افضل من موكب للقضاة فى هذا اليو م للتصعيد ضد النظام حتى سقوطه وبزوغ فجر نظام ديمقراطى يستحقه الشعب، وانفض الاجتماع على ان يتم اجتماع اخير يوم الخميس 4 اكتوبر لتقييم موكب الخميس ولوضع اللمسات الاخيره لموكب السبت….خرج اعضاء اللجنه من هذا الاجتماع وكل منهم مرفوع الهامه وضاء الجبين بعد ان سطروا بموقفهم هذا صفحات بمداد من نور فى تاريخ الوطن وبعد ان اضافوا صفحات ناصعة للدور الوطنى للقضاة فى كتاب التاريخ .
فى يوم الاربعاء لم يفت القضاة المشاركه فى موكب التجمع فهذا شرف لابد من نيله, واعتلى حائط المحكمة المدنية بالخرطوم مولانا انور عز الدين (وهو من القضاة الذين يتدفقون حماساً وطنياً يفيض حتى يعم من حوله) ليعلن للجماهير باسم قضاة السودان تأييدهم للانتفاضة الشعبية ومساهمتهم فيها الذى سيتوجونه بموكب السبت الحاسم …وشق الهتاف عنان السماء يتردد صداه بين عمارات الســــــوق المحيطة …فوق فوق سودانا فوق…فوق فوق سودانا فوق..واتجهت المظاهرة هادرة وعلى راسها مولانا انور لتنضم للمظاهرة الام.
اجتمعت لجنة القضاة فى مكتب مولانا تيتا صباح يو م الخميس فى داخل الهيئه القضائيه وتم تقييم موكب الاربعاء وكان الحماس فى داخل الاجتماع طاغياً وشارك فيه ممثلون من الاقاليم نقلوا تأييد القضاة فى الاقاليم للموكب ومشاركتهم. وقرر المشاركون ان يتم طبع بيان يتم توزيعه على وسائل الاعلام والجماهير, وان يشرف على طباعة المنشور مولانا عبد الله الحسن ومولانا حيدر مصطفى وبمساعدة الوطنيين من موظفى الهيئه القضائيه وكانوا كثر. وانفض هذا الاجتماع الاخير للجنة وخرج القضاة منه وهم لايدرون ان كان جمعهم هذا سيلتقى مرة اخرى ام سيستشهد منهم من يستشهد ويقبض من يقبض ولكن كل منهم متاكد تماماً ان النصر سيكون حليف شعبهم ..وماقيمة الارواح فى سبيل الوطن
فى يوم السبت تحرك القضاة افراداً وجماعات نحو دار القضاء ولكن السلطه وفى حركة مذبوح قامت باغلاق الكبارى حتى تقطع الطريق على موكب القضاة واغلقت الشوارع حول دار القضاء ولكن قرر قضاة امدرمان ان يسيروا موكبهم من امام دار القضاء امدرمان وان يتجهوا فى موكبهم الى القصر الجمهورى وفعلاً احتشد القضاة رجالاً ونساءً ومعهم رفاقهم المحامين وتحركوا متجهين نحو الخرطوم وارتفع هتافهم (القضاه قضاة الشعب) (قسماً قسماً لن نتراجع) (الى القصر حتى النصر) وشق موكبهم شارع الموردة واستقبلتهم الموردة بزغاريد النساء وتصفيق الرجال ..وتصدت لهم الشرطة بالقنابل المسيلة ولكن لم يتراجع موكب يتقدمه القضاة …وعندما وصل الموكب سوق الموردة اعلن سوار الذهب انتصار الانتفاضة بانحياز الجيش للشعب.
جاءت حكومة الانتفاضة لتكرم القضاة لمواقفهم الوطنية فاوكلت لهم حق اختيار رئيس القضاء فى ديمقراطية وسعت كل شئ, فاجمع القضاه على اختيار مولانا محمد ميرغنى مبروك وهو احد القضاة الوطنيين. وارسل المجلس العسكري الانتقالي العالي مشروع قانون الهيئه القضائيه للجنة القضاة ليجروا عليه التعديل الذى يرضوه ومعه جدول مرتبات القضاة المرفق مع القانون ليحدد القضاة مرتباتهم ..وكان قضاة ذلك الزمان مسكونين بحب الوطن وفى حالة هيام دائم به بدون الطمع فى اى مكسب مادي او منفعة وعندما اجتمعت لجنتهم وعدلت ماعدلت من القانون تحقيقاً لاستقلال القضاء ومن ذلك اسم الهيئه القضائيه الذى تم تعديله ليصبح السلطه القضائيه مثله مثل السلطه التنفيذيه والسلطه التشريعيه
محمد الحسن محمد عثمان
قاضٍ سابق



http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147518409&bk=1
_________________

Post: #665
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 02:39 AM
Parent: #664


الترابي يحارب المؤتمر الوطني من ثنايا افكاره الفقهية!!
==
عادل عبده

ولم يكتف الترابي بهذا النمط بل استخدم العقلية الميكافيلية في اتجاه ازالة جميع المفاهيم والصور السالبة عنه عندما انكبت عليه الوسائط الاعلامية في سياق محاورته لتسليط الضوء على افكاره التجديدة حيث استغل تلك السانحة المواتية وراح يتبرأ من مسؤولية اعدام محمود محمد طه ومجدي وجرجس وازاح عن نفسه ما حدث في محكمة ضباط رمضان ووصف ذلك بالابادة الجماعية ولم ينس الترابي القول بانه اعترض على فكرة انزال الشريعة الإسلامية بتلك الطريقة الهوجاء في عهد النميري!!



http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147518704&bk=1
_________________

Post: #666
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 02:40 AM
Parent: #665


كوستي.. القصة والتاريخ

نصر الدين شلقامي



الأوائل.. قائمة الشرف



هذه محاولة لرصد الأوائل فى المجالات المختلفة.. اولئك الذين كان لهم السبق فى ارتياد آفاق جديدة فى كوستي... وهي محاولة قد لا تسلم من السهو، وإن كنت قد تحريت فيها الاستقصاء ومقارنة المعلومات والبحث عنها فى مظانها... وهي قائمة الشرف لشخصيات ورموز فى المدينة، ورصد لمنشآت قامت وسبقت غيرها.



· ونبدأ بأول ساكن للمدينة وهو الإغريقي كوستي موريكي.



· أولى القبائل التى سكنت كوستي.. الفلاتة، العراقاب، الكنوز، والشلالية.



· وأول الأحياء التي قامت حي فلاتة، حيث قام فى المنطقة الممتدة على النيل الأبيض فى شريط من الجنوب الى الشمال فى منطقة شمال استاد كوستي الحالي.



· اول عساكر الرديف هم عساكر سودانية (11) اورطة وذلك فى عام1924م.



· وأول مسجد تم بناؤه فى السكة الحديد 1911.



· وأول امام لمسجد كوستي الشريف الحبيب، وأول خلوة لتعليم القرآن هي خلوة الفكي آدم دحيش.



· وأول التجار فى كوستي: حميدة جامع، وكان سر تجار السوق- فضل الله بركة- عبدالكريم احمد- يعقوب سلمان، محمد علي حسن النور -يوسف بدري- الشيخ عبدالرحمن جميل- احمد كوكو -احمد عبدالقادر- الصديق علي- عبدالقادر علي- جعفر احمد- النور ابوقمزة- الخليفة مكاوي- احمد عباس- اسحق العباس- ابن عوف بشير الخير- محمد ود التوم (العمدة)- حسين يقاه -وحدو راجل- حسن عموري- محمد خير بشارة- عبدالقادر الشيخ- عثمان موسى- احمد تبيدي- ابو القاسم حماد- الشيخ المنصوري- عبدالرازق عثمان- الطيب علي طه- الفكي حسين حسن- الخير علي الخير- ابراهيم شلقامي- مصطفى مسند- بشير ابراهيم السيد- محمد الحسن العراقي- التجاني محمد خير.



** وفى الإدارة الأهلية:



· أول ناظر للقبائل فى المنطقة المكي عساكر.



· أول عمدة لكوستي العمدة محمد ود التوم.



** وفى السودنة والإدارة:



· اول من سودن وظيفة مفتش مركز كوستي هو السيد عبدالله سر الختم، وسودن الإنجليزي مستر ستبس.. وكان أول مفتش انجليزي فى كوستي اسمه مستر ريقن.



· السيد الرشيد ميرغني حمزة سودن وظيفة مفتش زراعة وذلك عام 1948م. والسيد ابو القاسم شطيطة سودن وظيفة مأمور ادارة القسم بالسكة الحديد عام 1953م وسودن الإنجليزي مستر مورقان.



ومن الأوائل فى الإدارة شرف الدين محمد مساعد مفتش- امير الصاوي مساعد مفتش- احمد مكي عبده ضابط مجلس -عبدالرحمن لطفي مأمور- يوسف عبدالله ضابط اداري- محمد عبده ضابط اداري..



ومن اشهر ضباط المجلس البلدي فى كوستي فى الستينيات:



محمود حسين عثمان مأمور- الفاضل الشفيع ضابط المجلس الريفي –عبدالله الحسن الخضر مساعد ضابط المجلس الريفي-عبدالله عثمان العريفي مأمور –الجمري مأمور- خالد الزبير حمد الملك نائب مأمور- ابراهيم الصابوني ضابط مجلس بلدي.



** فى السكة الحديد:



من الأوائل فى السكة الحديد فى الإدارة: عبدالله مسعود عبدالرحيم عربي- سيد احمد عمر –الطيب احمد مدني- محمد السيد عثمان، ابوبكر عللي رضا- احمد عبدالكريم ود راوه.. ومن اوئل نظار المحطة: يوسف احمد حامد مامور ادارة- وعبدالرحمن الماحي المدير الفني.



· المهندسون: يوسف سكر، محمد على نور، ابوبكر علي رضا، ومحمد علي السنجاوي، يوسف الديب وحسين الدود مهندس الوابورات.



· فى الأشغال: مبارك ضيف الله ولبيب رحمة الله.



· فى الصحة:



اول ضابط صحة التجاني عامر، يليه محمد على تاتاي.



· مفتشو مراكز كوستي بالترتيب: عبدالله سر الختم- عباس بابكر- محمد عبدالكريم- عباس وإدريس بخاري.



· الحكام العسكريون بالترتيب:



عبدالرحيم سعيد- عبدالبديع علي كرار -محمد الخضر عبادي.



* مهندسون في القطاع الخاص:



محمود محمد طه، علي سعيد صبره، عبدالرحيم الحسين الطيار، احمد مالك، عبدالله شداد، وهو المهندس الذي اشرف على بناء سينما كوستي ومسجد كوستي الكبير ومدرسة البنات الثانوية.



* التعليم:



الشيخ علي عبدالرحمن الأمين رئيس اول لجنة للتعليم الأهلي فى كوستي.



* اول مدرسة ابتدائية المدرسة نمرة واحد، وأول ناظر للمدرسة الشيخ صالح عوض الله.



· اول مدرسة متوسطة فى التعليم الأهلي مدرسة كوستي الأهلية الوسطي تأسست عام 1946م وأول ناظر لها السيد الطيب عبدالله يعقوب.



· يحيى حسين اول ناظر لمدرسة التجاني المتوسطة.



· المعلمون الأوائل:



الشيخ صالح عوض الله اول ناظر للمدرسة الابتدائية نمرة واحد- الطيب عبدالله اول ناظر للمدرسة المتوسطة الأهلية- يحيى حسين عثمان علي بشير اول ناظر لمدرسة تحت الدرجة 137 التى سميت فيما بعد بمدرسة جبورة- ابراهيم مرزوق من نظار المدرسة نمرة واحد- مصطفى جبور- الشيخ محمد الطيب قمر الدين (التعليم الديني)- الخليفة عرمان محمد (التعليم الديني)- الشيخ مصطفى الحسن صلاح (التعليم الديني)- هارون عبدالحليم، احمد الشاذلي الطاهر- الرشيد حمزة كوكو (تعليم التمريض)- شمس الدين عبدالله (التعليم الريفي)- الأمين الخضر الضرير- الخير ساتي، الشيخ عمر الحسن- عبدالجابر احمد- حامد محمد الماحي- سعيد الحسن محمد خير- محمد احمد خلف الله- عمر محمد ابراهيم- محمد العجب احمد- حسن محمد احمد- عبدالرحمن خلف الله ونور الدين عثمان وونجت برسوم وعلي صالح عملوا نظارا للمدرسة الثانوية بنين (القوز).



· المعلمات:



افندية منصور، حلوة احمد تبيدي، حليمة ابراهيم، زهراء الحاج، الرضية حسن وآمنة قرندة.



* الأطباء:



ومن الأطباء الأوائل فى كوستي الدكتور امان الله الهادي، عبدالرحمن فراج، محمد سعيد ابوعيسى، عبدالرحمن عتباني، جرجس عياد اسكندر، منصور عبدالحميد، الهادي النقر، حسن الحكيم، زين العابدين ابراهيم الشاعر، التوني، فاورق الختام، علي ابراهيم مصطفى، ابوحسن ابو صلاح، عبدالرحمن علي طه، عبدالله دسوقي وأحمد حسن آدم.



* التمريض: الرشيد ميرغني حمزة اول مدرسة للتمريض بكوستي، بدوي زكريا، محمد صديق، عثمان الفكي اشتهر بعمليات الختان، هاشم محمد صالح، الحاج محمد الحاج، عوض الله يوسف، النور عبدالتام، الطاهر احمد الناير، محمد بشير، احمد سعيد، السر عمر، عثمان فضايلو.. والمساعدون الطبيون: عبدالحميد كاب الرفيق، عمر محمد عثمان، محمد سعيد المنصوري.



* قابلات:



ستنا بت بشارة، نفيسة خير السيد، خديجة هارون، نورة سليم بت عبدالهادي، آمنة معتصم، فاطمة محمود.



* قانونيون:



القضاء: عبدالرحمن النور، ابورنات، مهدي عبدالقادر شريف، الفاتح عووضة، توفيق عبدالمجيد، الطيب محمد سعيد العباسي، عبدالمحمود صالح، عبدالعزيز شدو.



* المحامون: محمد عثمان العراقي، يحيى محمد ابراهيم وإبراهيم محمد الشيخ.



* سابقة



فى كوستي قضية سياسية شهيرة حوكم فيها معلمان بالمدرسة الأهلية الوسطي بالنفي خارج كوستي فى اول سابقة من نوعها وهما شاكر مرسال والطاهر عبدالباسط وذلك عام 1956م.



* اجتماعيات



البوستة



عن مكتب البوستة فى كوستي يقول موسى عبدالله موسى الموظف بالبوستة كوستي فى الفترة 55-1958م.. لقد كانت البوستة معلما من معالم المدينة وتعد من اهم المرافق، ولها دورها الاجتماعي والاقتصادي والثقافي الكبير، فهي حلقة وصل بين المدن وبقية القطر والعالم... وخدماتها كثيرة فى التلغراف، والتلفون (الكول بوكس) والأرصاد وصناديق البريد. وكانت عربة البوستة فى القطار ذات اهمية وشهرة حتى وقت قريب.. والصحف والكتب كانت تصل عبر البوستة وتحويلات العملة لخارج السودان والتوفير. وأذكر ان مدير البوستة كان السيد حسن بليلة، وهناك من الموظفين الذين عملوا فى بوستة كوستي: محمد عمر، محمد حسن النور، عبدالله ابوشنب، فضل الله الساعي، الطيب حسن كرم الله، فيصل سيد بشير، شيخ ادريس الجاك، حسن بابكر، احمد دفع الله، حسن مهدي وخضر سنجر.. وكنا 6 اشخاص ندير عملا كبيرا فى مجالات مختلفة فى الأرصاد والتلغراف وقياسات الأمطار وعمليات التحويل والبريد والتسجيل وصرف العملة.



وكانت هناك بوستة بالباخرة عن طريق النيل من كوستي والقطينة، وبوستة جوبا من كوستي بحيث تغطي كل جنوب السودان وذلك عن طريق النقل النهري.



الكثير من الأحداث المهمة عبرت عن طريق البوستة... وكثير من المناسبات الاجتماعية كانت تمر عبر صناديق البوستة والتلغرافات، وكان لموظفي البوستة علاقات واسعة بكافة قطاعات المجتمع؛ اذ يتعامل الجميع مع هذه المؤسسة المهمة التى تربطهم بها مصالح مختلفة اقتصادية واجتماعية وثقافية.



* الجاليات



فى كوستي عاشت العديد من الجاليات اندمج افرادها مع اهل المدينة وصاروا جزءا منها...



الجالية اليونانية فى الخرطوم امدتني بهذه الأسماء وأوردت الاسم الكامل لليوناني الساكن الأول فى كوستي وهو كونستا نتينوس موريكسي، وهو الذي اخذت المدينة اسمه (كوستي)... ويقول اليوناني الأصل بيتر، الذي ما يزال يعمل فى مدينة كوستي، ان اسم كوستي هو ما نسميه (باسم الدلع) للاسم الأصلي (كونستا نتينوس)... وأنطونيوس قونارو بولوسي، وأنطونا كيس سارانديس، وهو من التجار الأوائل فى كوستي، وأتاناسو بولس وديمترس، وكان يعمل فى مجال المقالات، والفازانسي خريستس وكان يعمل خبازا.. وهناك عدد من الأغاريق منهم: بنيوتي بنيوتي ماماكوس، سفيلوبورس، بنيوتي انتناكس.. وهناك مستر فيدو وهو قبرصي وأبونجمة قرقوري.. ومن الأقباط افلاديوس ومغاريوس والكبشين وجميعهم عملوا فى التجارة وأدخلوا بعض الصناعات فى كوستي.



ومن الهنود اشتهرت اسماء الهندي قلابشند لخمشند وقلبجي رايشند كوتيشا، ولقد كانت صلتهم قوية بكوستي حتى ان الهندي قلبجي طلب عندما يموت ان يدفن فى مدينة كوستي.



** منوعات:



· نساء علمن فى التجارة: بت المنا زايد والحاجة ام قصة وماقة بنت النور.



· آمنة بن نورين: كانت تقوم بعمليات الشلوخ.



· اول شيخ للرديف 1911م: شيخ فرح محمد جدع.



· اول طاحونة: البريقدار- وأسسها حمد البريقدار بالمشاركة مع الإغريقي طناش بدرس.



· اول معاصر للزيوت (العصارات بالجمال): جعفر احمد والنور ابو قمزة.



· اول مكتبة فى المدينة لأحمد مكي مدني اسماها مكتبة (الشعب).



· اول لوكاندة: الحاج مكاوي (لوكاندة كوستي)، وكانت ناديا للعمال.



· اول قهوة- للأستاذ عبدالرحمن قرندة.



· اول حلواني-عكاشة حسن.



· اول مصنع للثلج- للإغريقي بورس وإخوانه.



· اول مطبعة فى كوستي- اسسها وهبة بركات باسم مطبعة (النيل الأبيض).



· اول عيادة خاصة- اسسها الدكتور جرجس عياد اسكندر.



· اول مخازن للأدوية (صيدلية)- اسسها عيسى الطاهر ومحمد صديق.



· حسن وسليمان وعوض ابومرين- اول من عملوا فى تجارة الأدوات الرياضية، والأسلحة والعطور وصدروا الماشية الى مصر.



· كاتب الزريبة (البورصة)- عبدالحليم موسى.



· احمد قسم السيد- اول من ادخل صناعة الطوب والكمائن.



· وحدو راجل وأولاد داود اول من عمل مع الخواجة كوستي فى التجارة.. وكان واحدو راجل له ورش لصناعة الأحذية.



· الدكتور جرجس عياد اسكندر اول من انشأ مزرعة للأبقار ويوزع في كوستي انتاجها من الألبان المبسترة.. وكانت الألبان معبأة فى زجاجات انيقة، وكان ذلك فى الخمسينيات.



· اول من عمل فى تجارة الذهب الصاغة اولاد مصري- حاج تبيدي- يوسف وإسماعيل زكريا- عبدالله فضل الله والشريف حبيب الله.



· الفلاحون المصريون فى كوستي:



استقر فى كوستي عدد كبير من الفلاحين المصريين، ويرجع ذلك الى العم المرحوم مبارك جعفر، فهو الذي جلب هؤلاء الفلاحين من مصر وأدخلوا زراعة العديد من الخضروات مثل الجزر والبنجر والخيار والخس والبقندوس واللفت والشمار والكروم والقرنبيط.. ولم تكن تلك الخضروات معروفة للسودانيين فى ذلك الوقت وأصبحت مدينة كوستي منتجة لهذه الأنواع من الخضروات كأول مدينة فى السودان.



ولا بد من كلمة تقال حول هذا الجانب الذي اردنا من خلاله ان نوثق بعض الأسماء فى ريادتها لبعض المجالات، ونستطيع ان نجزم اننا لم نستقصِ كافة المجالات ولا كل الأسماء والشخصيات وإنما القيمة الحقيقية ان نستطيع فى كتاب يؤرخ لكوستي ان نسجل بعض الأسماء وبعض الرموز فى تاريخ المدينة، وهذا هو القصد.

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147521084&bk=1
____________

Post: #667
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 02:41 AM
Parent: #666


كَابُوسُ أَبيلْ!

كمال الجزولي



الثلاثاء:
قلنا قبل ذلك ، ولا نملُّ التكرار ، إن النخبة الحاكمة الآن ظلت ، لعشرات السنوات ، تتسمِّي بـ (الحركة الاسلاميَّة) .. هكذا (بالألف واللام)! والمعنى أنها (وحدها) على صحيح (الدِّين) في (السياسة) ، وما عداها (باطل) ، بل (كفرٌ) بواح! ومن بواعث ورم الأنوف لدى هذه النخبة وأتباعها أن يوصفوا بـ (الاسلامويِّين) ، حيث (الواو) لزعم نسبتهم لأنفسهم إلى (الاسلام)! ومع دقة هذه الصِّيغة في الميزان المعرفي ، وتواضعها إزاء (الدِّين) نفسه ، كون (الدِّين) هو كلمة الله في مطلق عليائه ، بينما الانتساب إليه هو (التديُّن) الذي أقصاه نسبيٌّ لا يكاد يتجاوز اجتهاد العبد في اكتساب مرضاة ربِّه ما وسعته بشريَّته على قصور حيلتها ، إلا أن هذه النخبة وأتباعها لا يرضون ، لأسباب سياسيَّة بحتة ، بأن يوصفوا بأقل من (كلِّ) التماهي في كلمة الحقِّ التامَّة ، و(منتهى) التطابق مع القيمة الدينيَّة المطلقة ، أي الصواب (الدِّيني) الكامل الذي لا يأتيه (الباطل) من بين يديه ولا من خلفه!
المفارقة الصارخة تتجلى هنا في اصطدام هذا الزعم بغلبة الطابع (التعدُّدى) على (الصَّفِّ) نفسه الذي يدَّعون (توحُّده) إزاء مفهوم (التديُّن بالسياسة) بمصطلح الترابي! يصدق هذا على (جماعتهم) ، مثلما يصدق ، بالضرورة ، على (جماعات) أخرى كثيرة تصف نفسها ، أيضاً ، بـهذه الصِّفة ، كصُنَّاع المتفجرات يخزِّنونها ليوم كريهة يستعجلونه ، زاعمين ، هم كذلك ، امتلاك الحقيقة الدينيَّة كاملة غير منقوصة!
ولولا شحَّ النفس لكان من الممكن لهذا (التعدُّد) أن يبدو منطقيَّاً تماماً ، بالنظر إلى غياب أيِّ نصٍّ قطعىِّ الورود والدلالة يفصِّل نظام حكم (اسلاميٍّ) محدَّد ، وبالنظر ، كذلك ، الى (تعدُّد) الفهوم المفضى إلى (التدافع) الذي هو في الاسلام بعض (سُنن) الكون في الطبيعة والاجتماع "ولن تجد لسنة الله تبديلا" (62 ؛ الأحزاب) ، "ولو شاء ربك لَجعل الناس أمَّة واحدة ولا يزالُون مختلفين" (118 ؛ هود). وفى تفسير ابن كثير: "ولا يزال الخلف بين الناس فى أديانهم واعتقادات مللهم ونحلهم ومذاهبهم وآرائهم". فقد اختلف الخوارج مع علىٍّ يوم صِفين. وقبله اختلف المسلمون يوم (السقيفة) فانقسموا إلى (أنصار) و(مهاجرين). وانقسم الأنصار إلى (أوس) و(خزرج). وانقسم المهاجرون إلى (مبايعين) و(مغاضبين) مع الكرار لا يبايعون. ووقع الخلاف لاحقاً بين علىٍّ وعائشة. ثم بينه وبين معاوية. وقبل ذلك بين عثمان وبعض الصحابة والجمهور مما أفضى إلى قتله. وتعدَّدت المذاهب الفقهيَّة والاتجاهات العامَّة للفرق ، كالسلفيَّة والصوفيَّة والمعتزلة والمحافظة والعصرانيَّة ..الخ ، ووقع الانقسام التاريخى إلى سُنة وشيعة ، وعموماً يكاد الصراع على السلطة يسِمُ مجمل تاريخ الدولة الاسلاميَّة منذ انقلاب الخلافة الراشدة إلى ملك عضود ، حتى قال الشهرستانى أن سيوف المسلمين ما سُلت كما سُلت حول الحكم!
وفى التاريخ الحديث توزع الاسلامويُّون إلى جماعات متناحرة ، حدِّ الدَّم أحياناً ، تدَّعي كلٌّ منها أنها وحدها (الناجية)! وفى السودان أفضى الخلاف لانقسام أوعيتهم بين جماعات يصعب حصرها. وذلك ، في حقيقته ، انعكاس لاختلاف زوايا النظر (المتعدِّد) إلى الاسلام (الواحد) ، وإلى القضايا الدنيويَّة التي تنطرح على صعيد السياسي. فتباينت رؤاهم بشأن الاقتصاد ، والتشريع ، والرسم ، والمرأة ، والدستور ، والتصوير ، والموسيقى ، والرقص ، والحجاب ، والغناء ، والنحت ، والاختلاط ، والمواطنة ، والحريات ، والديموقراطيَّة ، والشريعة ، والتعليم ، والقضاء ، والانقلابات ، والأحزاب ، والمعازف ، والدفوف ، والحرب والسلام ، والعلاقات الخارجيَّة ، وحقوق الانسان ، ومعاملة غير المسلمين .. الخ. ومع أن هذه (التعدديَّة) سُنة ثابتة ، إلا أن مشكلتهم هي عدم اعترافهم بها ، رغم أنها ما تنفك تفعل فعلها فى حركاتهم نفسها ، فتأمل!
ومع تزايد أسئلة الواقع المتناسلة ، أضحت مقاربة (التعدُّد) باتجاه تحمُّل (الرأي الآخر) احتياجاً ملحاً لهذه الحركات نفسها ، دَعْ غيريَّة (الآخر). (فالتعدُّد) مفهوم موضوعي قائم ، إعترفنا به أم لم نعترف ، وهو وثيق الصلة بمفهوم (التدافع) القرآنى عند المسلمين "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين" (251 ؛ البقرة) ، بل ولولا (التعدُّد) ، أصلاً ، لما أمكن تصور هذا (التدافع) عقلاً! على أن من فساد الرأي ، يقيناً ، تصوُّر هذا (التدافع) لا يكون إلا حرباً يشنها الجميع ضدَّ الجميع ، يصنِّعون لأجلها القنابل ويخزِّنون المتفجرات! ولئن كان الفكر السياسي الغربي قد عالج مفهومي (التعدُّد) و(التدافع) ضمن موضوعة (الديموقراطيَّة) ، فالكثير من المفكرين الاسلامويِّين المعاصرين يبدون تقديراً طليقاً لهذا الضرب الوضعي من المعالجات على قاعدة الحديثين الشريفين: "الحكمة ضالة المؤمن أنَّى وجدها فهو أحق الناس بها" ، و"ما أمرتكم بشئ من دينكم فخذوه أما ما كان من أمر دنياكم فأنتم أدرى به". هكذا يشدِّد محمد الغزالى على أن ".. النقل والاقتباس فى شئون الدنيا وفى المصالح المرسلة وفى الوسائل الحسنة ليس مباحا فقط ، بل قد يرتفع الآن الى مستوى الواجب" (دستور الوحدة الثقافيَّة بين المسلمين ، ص 182). ومرشد الجمهوريَّة الإسلاميَّة الإيرانيَّة يحرص أيضاً على الحثِّ على الانتخابات الديموقراطيَّة "كواجب دينى" (قنوات ووكالات ، 8/1/2000م). والصادق المهدى يؤكد أن "الاسلام يوافقها (أى الديموقراطيَّة) فى خاماتها المبدئيَّة ، ولكنه لا يفصِّل نظاماً ديموقراطياً محدَّداً ، ويترك ذلك لظروف الزمان والمكان" (أحاديث الغربة ، ص 3. وعبد الله النعيم ، أحد أنجب تلاميذ محمود محمد طه ، يرى ".. أن الحاجة لتحمُّل تعدُّد الرأى .. تجعل الليبراليَّة الاسلاميَّة مهمَّة .. للحيويَّة الدينيَّة للاسلام نفسه بالاضافة إلى التطور السياسي والاجتماعي .. أى أن المنطق الدينى للتحمُّل سوف يؤدى إلى تقدير أفضل للتعدديَّة كواقع حياة" (ضمن: الديموقراطيَّة فى السودان ، حيدر ابراهيم "ت" ، مركز الدراسات السودانيَّة ، القاهرة 1993م ، ص 242). بل لم يعد من النادر أن نقع على ذات المعنى حتى فى انتباهات بعض الرموز المنشقة عن النخبة الحاكمة نفسها ، حيث يؤكد عبد الوهاب الأفندي ، مثلاً ، أن "الديموقراطيَّة الحديثة .. نقلة نوعية فى ابتداع الوسائل العمليَّة لتحقيق الاهداف التى ظلت المجتمعات الانسانيَّة تسعى لتحقيقها .. لكن .. الحركات (الاسلامويَّة) لم تطوِّر فكرها لاستيعاب هذا التحوُّل ، و.. (قادتها) .. يتبعون سنة بعض الخلفاء الذين .. يقرِّرون نيابة عن الله تعالى ، وليس نيابة عن .. الشعب .. حتى يفاجأوا بثورة عارمة .. فالاستبداد .. لا يختلف فى نتائجه ، لكون المستبد يدَّعى أنه مفوَّض من السماء .. وإذا لم تنجح الحركات الاسلاميَّة فى حسم هذه المسألة ، فإنها .. قد تصبح .. وبالاً على الاسلام" (الوفاق ، 18/1/2000م).
أين يختبئ القنابليُّون التفجيريُّون؟! هذا سؤال الشرطة! أما من أين وكيف ولماذا جاءوا ، فتلك أسئلة الحراكات الفكريَّة والثقافيَّة والسياسيَّة التي يتوجَّب عليها تعقب جذور هذه الضلالات. وقد لا نحتاج لأن نذهب بعيداً ، فأدناها إلينا سنوات نظام (الانقاذ) التي شهدت صعود وانكسار مشروع النخبة الاسلامويَّة الحاكمة تحت عنوان (المشروع الحضارى). وليس أبلغ في إيجازه من قول أحد أبرز قادته آنذاك ، وكان تولى وزارة الثقافة والاعلام: "عندما أسمع كلمة تعدديَّة أو حزبيَّة فإننى أتقزز ، وأشعر بقشعريرة ، وأتحسس جنبتى بحثاً عن حجر أرميها به!" (العميد الطيب ابراهيم ؛ أخبار اليوم ، 5/4/1998م). وذاك نموذج حىٌّ لاشتغال العقل الباطن ، فوزير (الانقاذ) قد استبطن ، ولا بُد ، الاعجاب بقول سئ الذكر غوبلز ، وزير هتلر وساعده الأيمن: "كلما سمعت كلمة (ثقافة) تحسَّست مسدسى"!
أصل الخلل ، إذن ، ناشب في أصل هذا (المشروع) الذي انطلق ، ابتداءً ، من فوهات بنادق إسلامويِّي نظام (الانقاذ). ومحاربته ، الآن ، لا تكون بالشرطة وحدها ، وإنما ، في المقام الأوَّل ، بإطلاق طاقات المجتمع الحيَّة كافة صوب التحوُّل الديموقراطي الحقيقي .. لا الشكلاني!



الأربعاء:
في عموده البهي (قولوا حسناً) كتب صديقي محجوب عروة ، رئيس التحرير ، يُحيِّي الجيش في عيده ، ويُصَدِّر كلمته بما أثار شجناً قديماً لديَّ ، قائلاً: "لست عسكريَّاً ، ولكني عشت أجواء العسكريَّة أسريَّاً" (السوداني ، 15/8/07). أنا أيضاً ذلك الرجل ، فقد كان والدنا ، عليه الرَّحمة ، ضابطاً في الجيش بدأ حياته متطوِّعاً في قوة دفاع السودان ، وعاد من معارك الصحراء الغربيَّة بجراح غائرات في ساقيه ، مثلما في قلبه ، برغم النصر ، جبال من الخذلان والأسى جرَّاء تنكر بريطانيا لوعدها لشعوب المستعمرات بالاستقلال حال مؤازرتها الحلفاء في الحرب ، فتمَّ ، بدلاً من ذلك ، تسريحه في إطار تقليص قوة الدفاع نفسها ، لينخرط في العمل (الملكي) والنشاط (المدني) حتى جاء الاستقلال عام 1956م ، فأعيد استيعابه في الجيش ليبقى فيه حتى تقاعده عام 1979م. وهكذا اشتبكت حياتنا الأسريَّة ، نحن أيضاً ، بطقوس العسكريَّة ، وأعيادها ، واحتفالاتها ، وبأجواء القشلاقات ، في العاصمة كما في الأقاليم.
غير أن ما استوقفني في كلمة عروة بوجه مخصوص قوله: ".. حسب إفادة موثوقة ، إن ضباط القوَّات المسلحة وقيادتهم هي التي كانت العامل الحاسم في إعلان الاستقلال من داخل البرلمان .. لقد اشترط الضباط السودانيُّون أن تقبل بريطانيا باستقلال السودان مقابل اشتراكهم في حربها ضد قوَّات ألمانيا في شمال أفريقيا". ورغم أنني لا علم لي بالمصدر الذي لم يُفصح عنه الكاتب ، بل ولا أجد ، مع احترامي ، مسوِّغاً لعدم إفصاحه عنه ، إلا أنني أرى ، على كلٍّ ، أن ثمَّة ما يستوجب الضبط في هذا القول الذي يجحد الحركة الوطنيَّة المدنيَّة حقاً مستحقاً. وقد أكون مخطئاً ، فأدعو أهل العلم للافتاء ، حذر أن يُحسَب الأمر في حق الصديق الكاتب المرموق ، أو في حقي ، كمغالطة تاريخيَّة حول شأن شائع في كثير من المصادر المنشورة.
مبلغ علمي المتواضع ، أن وعد المستعمرات بالاستقلال بعد الحرب كان عامَّاً لم يُوجَّه للسودانيين خاصَّة ، وقد انطرح ، أصلاً ، كمبدأ سياسي ضمن (ميثاق الأطلنطي) الذي أبرمه تشيرشل وروزفلت في 14/8/1941م (أنظر مثلاً: عبد الرحمن الرافعي ؛ في أعقاب الثورة المصريَّة ، ج 3 ، ط 2 ، 1989م ، ص 166 ـ عثمان حسن احمد ؛ ابراهيم احمد (1900 ـ 1988م): حياة إنسان بين الأصالة والتحديث ، 1992م ، ص 31 ـ فيصل عبد الرحمن علي طه ؛ الحركة السياسيَّة السودانيَّة والصِّراع المصري البريطاني بشأن السودان (1936 ـ 1953م) ، ط 1 ، دار الأمين ، القاهرة 1998م ، ص 146 ـ محمد سعيد القدَّال ؛ تاريخ السودان الحديث (1820 ـ 1955م) ، ط 2 ، مركز عبد الكريم ميرغني 2002م ، ص 475).
ويذكر القدَّال أن (ميثاق الأطلنطي) فجَّر بذلك دعوة أمسكت بتلابيبها حركات التحرُّر في المستعمرات ، فتصاعد كفاح حزب المؤتمر الهندي ، مِمَّا أرغم بريطانيا على إرسال وزيرها سير كربس للتفاكر معه ، لكنه تمسَّك بالاستقلال الفوري ، فاندلعت الاضطرابات التي اعتقل في إثرها غاندي ونهرو وأبو الكلام أزاد. كما أن حزب الوفد المصري جاء للحكم في فبراير 1942م ورفع ، أيضاً ، مطلب الاستقلال. وفي ذلك المناخ تقدَّم ابراهيم احمد رئيس مؤتمر الخريجين بمذكرتهم الشهيرة في أبريل 1942م ، وفي أوَّل بنودها المطالبة بالتصريح المشترك من الحكومتين الانجليزيَّة والمصريَّة بمنح السودان حق تقرير المصير بعد الحرب ، وإحاطة ذلك الحق بضمانات تكفل التعبير عنه بحريَّة تامة. وفي طريق عودته مرَّ سير كربس بالسودان ، والتقى بالصحفيَّين أحمد يوسف هاشم واسماعيل العتباني ، ثمَّ التقى بالسكرتير الاداري نيوبولد ونصحه بالتفاهم مع مؤتمر الخريجين (ص 475 ـ 476).
ويورد فيصل طه أن سير كربس قال خلال لقائه بالصحفيَّين السودانيَّين إن ".. السودان يلعب دوره في المجهود الحربي جيِّداً ، وإن هذا سيكسبه مكاناً في العهد الجديد الذي نأمل أن نراه في العالم عندما نفرغ من قوى الشر". ووصف أحمد يوسف هاشم تصريح كريس بأنه "أوَّل تصريح عن الدور الذي لعبه السودان في الحرب ، وعمَّا سيجنيه من ورائه" (ص 148).
ويقول عثمان حسن احمد أن مبعوث تشيرشل كان متوقعاً أن يتوقف في الخرطوم في طريقه إلي الهند ".. فتقدَّم أحمد يوسف هاشم بفكرة المذكرة في جلسة اللجنة التنفيذيَّة .. يوم 17 أبريل 1942م" ، وفي مقدِّمة بنودها المطالبة بالتصريح المشترك "عن مصير السودان كما نريده والاشتراك في الحكم بالصورة التي نرضاها" (ص 31).
وحتى شيخ الدين البشيري (الجنيدي) ، ضابط الصَّف بقوَّة دفاع السودان ، أثبت في مذكراته أنه ، بعد ما استبانت التهديدات الايطاليَّة لشرق السودان ، فتحت مراكز التجنيد للشباب ، فهرع ملبِّياً نداء الوطنيَّة ، وبدأ التحرُّك لمناهضة الفاشيَّة ، كما شرع المثقفون في توعية الشعب بمصير السودان بعد الحرب ".. وكانت هذه الفكرة تمهيداً لمذكرة مؤتمر الخريجين الشهيرة التي رفعها .. ابراهيم احمد في 1942م" (مذكرات الجنيدي ، بدون تاريخ ، ص 51).
ونشير ، أخيراً ، إلى قصيدة صلاح احمد ابراهيم (الجندي المجهول) في ديوانه (غابة الأبنوس) الصادر عام 1957م ، حيث أبرز مسألة (الوعد العام) في (ميثاق الاطلنطي) ، بقوله:
"في تلك الأيَّام تطوَّعنا/ ورَضينا ذلَّ الجُنديَّة/ مَنْ أخلصَ للحُلفاءِ أوانَ الشِّدَّةِ سَوفَ ينالُ الحُرِّيَّة!/ ومَضَينا نحلمُ بالحُرِّيَّةِ للسُّودانْ/ في كفرَة .. في الصَّحْراءِ الغَرْبيَّةْ"!
ويفتح صلاح هامشاً يشرح فيه أنه: "من أجل هذا الوعد عبَّأ مؤتمر الخرِّيجين .. الشعب لخدمة المجهود الحربي للحلفاء ، وقد تنكر المستعمرون لوعدهم ، ولولا تفاقم حركة الشعب وعوامل أخرى لظلَّ السُّودان تحت سيطرتهم". ثم يختتم قصيدته قائلاً:
"وقضَى الحُلفاءُ على القوَّات النَّازيَّةْ/ وعلى وَعْدٍ في الشِّدَّة مَدُّوهُ في كُلِّ مكانْ/ مَنْ أخلصَ للحُلفاءِ أوانَ الشِّدَّة سَوفَ ينالُ الحُرِّيَّةْ/ لمْ يَبْقَ لدينا منه ومِن عُثمانْ/ لمْ يَبْقَ سِوى اللفظِ المَعْسُولْ/ ورخامٍ مُنتَصِبٍ مَصْقولْ/ أسْمَوْهُ: الجُّندي المَجْهُولْ"!
ويومئ بذلك إلى النصب الذي أقامته الادارة البريطانيَّة ، بعد الحرب ، تخليداً لشهداء العسكريَّة السودانيَّة ، وكان ، حتى إزالته غير المبرَّرة ، قائماً إلى الشمال من البوَّابة الرئيسة للسِّكة حديد بالخرطوم ، وإلى الجنوب الشرقي من كليَّة الطب.



الخميس:
عندما كتبت أستحث النقاد ، في رزنامة 17/7/07 ، أن يفتضوا لنا مغاليق التوافق بين إحالات عبد الحي في قصيدته (الشيخ اسماعيل في منازل الشمس والقمر) ودان براون في روايته (شفرة دافنشي) إلى (الكوكب) و(المرآة) و(الوردة الالهيَّة) و(الكأس المقدَّسة) ، قلت لنفسي: لو استجاب واحد فقط فسيكون ذاك صديقي الناقد الصَّيرفي والباحث المدقق عبد المنعم عجب الفيا. وبالفعل لم يخيِّب ظني ، فبعث إليَّ ، لا جاء يوم شكره ، بإضاءة رصينة من مقرِّه بالامارات ، يقول فيها:
(مصادر إلهام عبد الحي ، كما يبدو من عنوان القصيدة .. صوفيَّة. فالمعروف أن الشيخ اسماعيل صاحب الربابة من كبار المتصوفة في عهد السلطنة الزرقاء. وقول عبد الحي: "الجَّسدُ مِرآةُ الكَواكِبِ" فيه استدعاء لقول أحد الصوفيَّة مخاطباً الانسان: "وتزعُم أنك جُرمٌ صغيرٌ وفيكَ انطوَى العالمُ الأكبرُ". فالانسان مستودع الاسرار الإلهيَّة ، كأنما جَسَد الانسان هو المرآة التي تعكس أسرار الوجود. وفي الحديث القدسي: "كنتُ كنزاً مَخفياً ، فأحببتُ أنْ أعرَفَ ، فخلقتُ الخلقَ ، فبي عرفوني". كأنما الخليقة مرآة الخالق ، والكواكب مقامات في المعارف الصوفيَّة.
أما قول الشاعر: "الوَرْدَةُ الإلهيَّة تتفتحُ في رَحِم العَذرَاء" ، فالعذراء هنا ليست بالضرورة إشارة الى عذراء بعينها ، وإنما رمز عام إلى سرِّ الحياة الذي أودعه الله في المرأة/الأرض . ولكن الصورة لشاعريَّتها الغنيَّة تتسع وتشعُّ وتشِي بظلال لا تنتهي من الايحاءات والاستدعاءات. من ذلك أن الوردة الإلهيَّة التي تتفتح في رَحِم العذراء يمكن أن تكون هي كلمة الله التي ألقاها الروح القدس إلى مريم "التي أحْصَنَتْ فرجَها فنفخنا فيه من رُوحِنا". في هذا السياق الوردة الإلهيَّة هي كلمة الله: "يبشركِ بكلمةٍ مِنه اسمُه المسيح". الوردة هنا تشير إلى المسيح ، ولا تشير إلى نسل من المسيح نفسه كما تعتقد جميعة سيون السِّرِّيَّة. وهكذا يمكن قراءة القصيدة بعيداً عن عقائد تلك الجمعيَّة وافتراضات مؤلف رواية (شفرة دافنشي).
وعن رمزيَّة (الوردة) يقول عبد الحي في كتابه (الرؤيا والكلمات): "في الأدب الصوفي لم تزل قصة الوردة التي يسقيها البلبل ، عاشقها ، من دمه رمزاً من رموز الحُبِّ وقوة الجمال ، إنها قصة فناء الروح العندليب العاشق في وردة المحبوب ، كاحتراق فراشة الرُّوح في نار الجمال الجوهري". ويصور عبد الحي ذلك شعراً في قصيدة (في الحلم رأيت سعدى وحافظ) ، من ديوان (حديقة الورد): "النارُ وطنُ العُشَّاق يتفتحُ في قلبِ الظلمة/ في شُجَيْرَةِ الليل حيثُ السَّمَندَلُ والفراشَة شئٌ واحِد/ زهرَة ناريَّة في الليل الأبَدِيِّ"!
واحتراق السمندل ، أو فناء العندليب العاشق في نار الجمال الجوهري ، إشارة إلى فناء الروح ، أو الذات الشاعرة ، في عشق أصلها الإلهي الذي انفصلت عنه بالسقوط في الزمن بالتجربة ، وحلمها باستعادة الاتصال ، والاتحاد بعالمها الفردوسي الأوَّل. وفي إشارة إلى ذلك الحلم يقول عبد الحي في قصيدة (الفجر أو نار موسى ـ حديقة الورد):
"زرافة النار ترعَى النعنعَ القمريَّ بين الجِّبال/ وديكُ الفجر مقتولٌ/ صَحراؤك احترَقتْ ليلاً عنادِلها/ في حُلمِك البَشَري/ والوردُ مِن دَمِك المذبوح مَعلول"!
وهنا يتماهى السَّمندل مع (زرافة النار) و(ديك الفجر) و(العنادل) ـ جمع عندليب ـ المحترقة بنار موسى. والنار ترمز في الأدب الصوفي إلى تجلى الذات الإلهيَّة: "فلمَّا قضى موسى الأجَل وسارَ بأهله أنِسَ من جانبِ الطور ناراً قال لأهلِهِ امكثوا إنِّي أنِستُ ناراً لعلى آتيكم منها بخبر أو جذوةٍ مِن النار لعلكم تصطلون فلمَّا أتاها نودى مِن جانِبِ الوادي الأيمَن في البقعةِ المُبارَكةِ من الشجَرةِ المُبارَكةِ أن يا مُوسَى إنِّي أنا اللهُ رَبُّ العالمين" (القصص ، 29 – 30).
أما أسطورة الكأس المقدسة التي كان يعتقد أنها مسيحيَّة خالصة تمثل الكأس التي استعملها المسيح في العشاء الأخير ، واختفت بعد صلبه ، والعثور عليها يمثل العثور على سرِّ الحياة الأبديَّة ، فقد أثبت جيمس فريزر ، في مؤلفه فائق القيمة (الغصن الذهبي ، 1871م) ، أن جذور أسطورة الكأس المقدَّسة ترجع إلى الشعوب البدائيَّة الوثنيَّة ، وهي ترمز إلى طقوس الخصوبة التي كانت تمارسها تلك الشعوب ، ويقول إنها تدلل على علاقة الأديان بهذه الطقوس. وقد أوجد فريزر وشائج بين الكأس المقدسة وأساطير الاغريق والشرق الادني ، مثل افروديت وعشتار وتموز (أدونيس) وأوزيريس وإيزيس.
ومكوِّنات هذه الأسطورة ذات دلالات جنسيَّة تكاثريَّة لا تخفى. فالكأس إشارة إلى رحم المرأة ، والرمح الذي يحمله الفارس الذي يخرج بحثاً عن الكأس يشير إلى عضو الرجل. وقد ألهمت قصة البحث عن الكأس المقدَّسة كتاب قصص الرومانس البطوليَّة في العصور الوسطي بأوربا. وتوفرت جيسي وستن على دراسة هذه القصص ، استنادا إلى أسطورة الكأس المقدسة ودلالاتها الانثربولوجيَّة ، وذلك في كتابها (من الطقوس إلى أدب الرومانس ، 1921م).
وقد وظف الشاعر ت. س. إليوت دلالات الخصوبة في أسطورة الكأس المقدَّسة في قصيدته الشهيرة (الأرض الخراب ، 1922م) ، كما تأثر بها أدباء وشعراء آخرون مثل ييتس ، د. هـ. لورانس وجيمس جويس).



الجمعة:
كاتبني عصام الدين موسى الحاج يستبشع ما أسماه (مبالغتي) في موازاة (العنف) بـ (التسامح) في حياتنا السياسيَّة والاجتماعيَّة ، ويسهب في مدح خصال شعبنا وطيبته .. الخ ، تعقيباً على ما كنت كتبت حول هذا الأمر في رزنامتين سابقتين.
ولكم وددت لو شاطرته (تفاؤله الوطنيَّ) هذا ، وشطبت (التشاؤم) من حساباتي بالمرَّة ، لولا أن كلمته أعادتني لما كنت استصوبت ، ذات رزنامة في مطالع الألفيَّة ، من ملاحظات المرحوم محمد أبو القاسم السديدة (الصحافى الدولى ، 16/10/2000م) ، على خلفيَّة العنف الذى كان ضحيَّته ، أوان ذاك ، المرحوم عمر نور الدائم والمرحوم محمد طه الذي عاد ذات العنف ليودي بحياته العام الماضي. فمايو ، ومن قبلها نوفمبر ، ومن بعدهما الانقاذ ، جميعها أنظمة قتلت خصومها ، وسجنتهم ، وعذبتهم ، وشرَّدتهم ، في سياق عنف الدولة المشهود الذى لا تنتطح على حقيقة كونه أسَّ البلاء عنزان ، والذي لم تنجُ من الانزلاق إليه حتى الديموقراطيَّة في بعض عهودها ، وبخاصَّة كلما أوغلت في الشكلانيَّة ، ليستوى هذا العنف فى نتائجه النهائية ، وإن تفاوت بين الخشونة والنعومة! أبرز ذلك: فعل (الانقلاب) نفسه فى 1958م و1969م و1989م ، وحادث (جودة) في 1956م ، وإعدام مجموعة على حامد فى 1959م ، وحوادث المولد فى 1961م ، وتلويح وزير الداخليَّة بـ (جز الرءوس) في 1965م ، والاعتداء على الشيوعيِّين في 1965م ، والعنف ضد الأنصار فى الجزيرة أبا وود نوباوى فى 1970م ، وضد الشيوعيين فى الشجرة وكوبر فى 1971م ، وضد محمود محمد طه والجمهوريين فى 1985م ، والقتل الكثيف فى سبتمبر 1975م ، والدفن بلا هوية فى الحزام الأخضر فى يوليو 1976م ، وإعدامات رمضان في 1990م ، دَعْ العنف المقرر بالانتهاكات (التشريعيَّة) ، وبالصلاحيات (القانونيَّة) الممنوحة لأجهزة الأمن ، حيث الاعتقال الاداري في السجون (العلنيَّة) حيناً ، وفى (بيوت الأشباح) مجهولة الهويَّة أحياناً ، و(الطمر) فى القبور الضائعة ، و(التشريد المبرمج) من الخدمة ، حيث (قطع الأرزاق) لا يضاهيه غير (قطع الأعناق) ، و(التعذيب المنهجي) عبر الحِقب الشموليَّة ، دَعْ (العنف المضاد) ، المدفوع أغلبه بردِّ الفعل ، والمتمثل في نماذج الهبَّات العسكريَّة ضد الانظمة الانقلابيَّة ، والعنف الطلابي بالخناجر والسيخ والطوب ، وربما السلاح الناري ، وعنف الهامش المسلح ، كما في الجنوب فى 1955م ، و1962م ، وبين 1983 ـ 2005م ، وكذا دارفور التي ظلت النزاعات فيها محصورة بين (حاكورة) هنا و(مورد) هناك ، حتى تدخل النظام يخلخل النسيج الاجتماعي برمَّته ، ويحوِّل الاقليم كله إلى حريق شامل وعظمة نزاع دوليَّة!
مع ذلك فليس العنف هو وحده ما ذكرنا ، وإنما قد يكون ، أيضاً ، فى (القفازات الحريريَّة) ، وأغلبها بعض (عنف الدولة) الناعم: فتجهيل الشعب عنف ، وتزوير الانتخابات عنف ، وتطفيف ميزان العدل عنف ، وإهدار استقلال القضاء عنف ، واحتكار أجهزة الإعلام عنف ، والتضييق على النشاط المدني عنف ، والاعتداء على حرِّيَّة الصحافة عنف ، وإعفاء منتهكي الحقوق ولصوص المال العام من المساءلة عنف ، وإشاعة الفقر حتى تبلغ نسبة من يعيشون تحت خطه 96% عنف! فهل ، تراه ، ما يزال الأخ عصام الدين يعتقد أنني أبالغ؟!



السبت:
لعلَّ آخر (كابوس) كان يتوقعه مولانا المحامي العالِم أبيل ألير رئيس لجنة التحقيق في ملابسات وفاة الزعيم الراحل جون قرنق ، قبل عامين ، إثر ارتطام طائرته بجبل الأماتونج قادمة من عنتبي إلى نيوسايد ، هو أن تحتوش الشكوك المتكاثفة نتائج تحقيقه المطوَّل إلى الحدِّ الذي يعلن فيه وزير الأمن اليوغندي استعداد حكومته لإعادة فتحه إن كانت ثمَّة أدلة جديدة تعارض مستخلص اللجنة بأن الحادث وقع قضاءً وقدراً ، وليس بفعل فاعل! ويكتسي دلالة خاصَّة حرص الجنرال امبابزي على التشديد ، في سياق تصريحه ، على أن تلك اللجنة ".. لم تكن يوغنديَّة ، وإنما دوليَّة قادها القاضي السوداني أبيل ألير ، وشاركت فيها دول الجوار ، بالاضافة إلى الولايات المتحدة وروسيا" (الصحافة ، 17/8/07).
إعلان المسئول اليوغندي لم يأتِ ، في الواقع ، من فراغ. فقد فجَّرت ربيكا ، أرملة الفقيد ، قنبلة مدويَّة من العاصمة الكينيَّة ، قبل أشهر قلائل ، حيث أكدت ، ولأوَّل مرَّة ، أنها كانت لديها معلومات يقينيَّة ، منذ وقوع الحادث ، بأنه لم يكن عَرَضيَّاً ، وأنها لم تشأ إثارة الأمر في حينه حتى لا تخلق بلبلة تزعزع اتفاقيَّة السلام التي توَّج بها الراحل نضاله الطويل!
صدى ذلك التصريح الخطير ما لبث أن تردَّد ، بعد ذلك ، من مصادر جنوبيَّة ليست بعيدة عن دوائر الحركة الشعبيَّة ، ربما ليس آخرها ما أورد ملف SUDAN TODAY على الشبكة ـ العدد/5 بتاريخ 12/7/07 ـ من تفاصيل مذهلة عن محاولات يدَّعي أنها جرت في السابق لاغتيال قرنق ، بل ويورد شخصيات مرتكبيها. في هذا السياق كشف وزير الدولة للداخليَّة السوداني ، أليو أجانق ، مؤخراً ، ".. أن مقتل قرنق كان مدبَّراً ، لا قضاءً وقدراً" ، مُعلِناً عن ".. ظهور أدلة جديدة تركزت في عدم مطابقة أرقام الطائرة المحطمة مع طائرة الرئاسة اليوغنديَّة التي ذكرت كمبالا أنها أجرت لها عمليات صيانة في روسيا" ، وأن ".. المروحيَّة كانت تتبع للجيش ، لا للرئاسة اليوغنديَّة" ، على عكس ما ذكرت حكومة موسيفيني ، وأن قائدها اليوغندي ".. كان موقوفاً من الخدمة بتهمة القتل ، وكان يصرُّ على مواصلة الرِّحلة من مطار عنتبي .. إلى مدينة نيوسايد .. رغم ظهور أعطاب في الطائرة أثارت قلق قرنق الذي طلب تأجيل الرحلة أكثر من مرَّة" (الصحافة ، 17/8/07). وأضاف أجانق ، الذي كان عضواً في لجنة أبيل قبل انسحابه منها "بعد أن تكشفت له كلُّ هذه الحقائق" ، على حدِّ تعبيره ، أن "قرنق قتل بأيدي مَن كان يعتقد أنهم أصدقاؤه!" ، في إشارة واضحة إلى موسيفيني ، داعياً إلى ".. التحقيق مع أربعة دبلوماسيين غربيِّين اجتمعوا بالراحل في مزرعة الرئيس اليوغندي بكمبالا قبل إقلاع الطائرة بستِّ ساعات"! وقال إنه كان يعتقد قبل التحقيقات أن الخرطوم متورِّطة في الحادث ، لكنه تأكد بعد ذلك مِن أن "إمكانات مَن دبَّروا الحادثة أكبر من امكانات السودان بكثير!" (الأيام ، 18/8/07). ومع ضعف الحُجَّة القائلة بمخالفة الطيار لرغبة قرنق في تأجيل الرحلة ، إذ ليس قائد الطائرة بمظنون أن يسعى للانتحار ، فإن بقيَّة الحُجج تعزز الشكوك حول الحادث ، وتدعم تصريحات ربيكا في نيروبي!
المدهش أنه ، وعلى حين لم تقابَل تصريحات ربيكا بردود الفعل الرسميَّة المعتادة ، إثباتاً أو نفياً ، سواء من جانب الحركة الشعبيَّة أو أيٍّ من الحكومتين السودانيَّة أو اليوغنديَّة ، فإن تصريحات أجانق أطاحت به ، فوراً ، من كرسي الوزارة! فقد كشف الأمين العام للحركة باقان اموم عن أن اجتماع المجلس القيادي بجوبا مساء 17/8/07 وجَّه الفريق سلفاكير بأن يتم فصل أجانق من منصبه ، كون ".. تصريحاته غير مسئولة ، ولا تمثل الحركة ، وقد أدلى بها بدون تكليف منها" (الأيام ، 18/8/07).
لكن الحكومة المركزيَّة ما تزال تستعصم بالصمت ، ولم تعلق بشئ ، رغم أنها هي التي شكلت لجنة التحقيق ، وأن اللجنة رفعت تقريرها النهائي إلى رئيس الجمهوريَّة ، وأن أجانق عضو بها وليس بحكومة الجنوب!
مهما يكن ، وفي ضوء هذه المستجدَّات ، وبالنظر إلى الثقل الواضح الذي تمثله مصادرها ، وبغض الطرف عن قرار الحركة بإقالة أجانق ، أو صمتها إزاء ربيكا ، فإنه لا يبدو ثمَّة مناص من إعادة فتح التحقيق من جديد ، طالما أن الحكومة اليوغنديَّة ترحِّب به ، وأن مولانا أبيل سيتحمَّس له ، يقيناً ، لعدة اعتبارات! أما تجاهل الأمر كأن لم يكن ، والاكتفاء بمعالجة تداعياته بالقرارات التي تتصوَّب إلى هامشه ، لا جوهره ، فإنما يعني ، بالضرورة ، أن يتحوَّل ، طال الزمن أم قصُر ، إلى (حِبْن) غائر ما يلبث أن يتسبِّب في (غنغرينا) أخرى لا شفاء منها إلى يوم يبعثون!



الأحد:
حذرت الحكومة البريطانيَّة رعاياها من السفر إلى الخرطوم ، وطالبت رعاياها الموجودين ، أصلاً ، في الخرطوم بتقييد حركتهم ، وذلك لتزايد (مخاوفها) مِمَّا وصفته باحتمال (مهاجمة) مصالحها على خلفيَّة (تهديدات) متنامية بوقوع (هجمات ارهابيَّة) على المصالح الغربيَّة ، كما علقت سفارتها بالخرطوم خدماتها لأجل غير مسمَّى (السوداني ، 19/8/07).
لكن الحكومة السودانيَّة قللت من اهميَّة هذه الاجراءات ، واعتبرتها (روتينيَّة) ، واستبعدت أن تكون لدواع (أمنيَّة) ، حسب الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجيَّة! (المصدر).
و .. أرجو مِمَّن فهم شيئاً أن يكاتبني!



الإثنين:
ضمن (حكايات كانتربري السودانيَّة) يروي إليوت بالفور أن أحد مفتشي المراكز البريطانيين بالجنوب ، على أيام الادارة الاستعماريَّة ، نقل رئاسته إلى مكان آخر ، وكان ذلك قبل أيام اللواري. لكن مكتب المراجعة سرعان ما أبرقه قائلاً:
ـ "وضحوا لماذا استخدمتم 30 رجلاً لنقل خزينة من كاجو كاجي إلى ييى"؟!
فما كان من المفتش إلا أن ردَّ على البرقيَّة بقوله:
ـ "لأن 29 رجلاً كانوا غير كافين"!

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147520542&bk=1
_________________

Post: #668
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 02:42 AM
Parent: #667


حرية الضمير
د. الوليد آدم مادبو
========
(وحتى فترة قصيرة لم أجرؤ أن أقرأ كتب الأستاذ لتهيبي "الخوض في الفتنة)!!!!!!
==========
وصف الأستاذ جابر حسين بلغته الأنيقة أزمة الضمير التي يعيشها مجتمعنا اليوم (في مقال له يوم الجمعه الموافق 27 يوليو (ص:9) بقوله: "إن العديد من المثقفين والفنانين أصبحوا اليوم بوعي أو بغير وعي من جوقة البلاد، وعاظاً وسلاطين وأدوات تبرير أو (تمرير) وترشيد لسياسات وأوضاع النظام، واضفاء مشروعية زائفة عليها، سواءً كانوا داخل بنية السلطة أو خارجها، وأصبحت النظم نفسها تحتاج أكثر فأكثر إلى اخضاع الثقافي المعرفي للسياسي الأيديولجي وتسطيح المثقفين والفنانين داخل السلطة وخارجها وتحويل الفنيين مفرغين من الرؤية الاجتماعية الشاملة، والوعي السياسي الموضوعي، معزولين عن الفعل السياسي التجديدي.. ويجري خنق العقلانية وروح النقد فيهم، وبالتالي تتعطل الطاقات والقدرات العلمية والإبداعية لديهم". إن الإبداع حقيقة لا يمكن أن يتم في غياب الحرية التي لا تتأتى إلا بالتحرر من الأغيار.



الملاحظ أننا ننتقل من الحرية بمعناها الـ(Axiology) إلى الحرية بمعناها الـ(Ontology)، أي أننا نتحرك من المستوى الافقي إلى المستوى الرأسي لنكسب الحرية معنىً توحيدياً يتمشى مع مآلها الاطلاقي، وإذ أن هذا المبحث هو مبحث في علم الأخلاق فلا بد أن تكون الحرية معيناً لنا في الانتقال بالأخلاق من مفهومها الاجتماعي إلى مفهومها الإنساني أو كما يقول الدكتور مصطفى عبدو في كتابه: (فلسفة الأخلاق، مكتبة مدبولي 1999). إن الأخلاق الإبداعية يجب أن تنبع من الضمير الذي يحرض صاحبه لمناقشة شروط الانتماء في حيوية ودينامية تخضع لمقتضيات التكليف وترفض مجرَّد الخضوع السلبي للجماعة. إن الإمتثال غير المسترشد يفقد المرء ذاتيته، ومن ثم يحرمه فرصة التناغم مع الذات العلية. يقول الدكتور الطيب زين العابدين: (الصحافة 30 يوليو ص:7): "لقد جعل الإسلام التكليف الديني مناطاً بعاملين يسقط تماماً إذا فقد أحدهما، وهما العقل والحرية، فزوال العقل أو غياب الحرية يعني ارتفاع التكليف، وهما ما يميز الانسان عن الحيوان". إن التفاعل مع الملأ الأعلى يحفز المرء للاستمتاع بفرديته (كل ميسر لما خلق له) التي ما أن توءد من قبل الجماعة الظالمة، حتى يفقد ذات الاتصال الذي من شأنه أن يدرجه في مراقي التوحيد (واتخذ قوم موسى من بعده عجلاً جسدا له خوار، ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا، اتخذوه وكانوا ظالمين). إننا ندعو ولا يستجاب لنا لأننا (بسجننا للنص في ظرف تاريخي معين) نتوخى الله في حالة غير التي من المفترض أن ننشده فيها، إذ لا ينبغي في حقه الثبوتية إنما البديعية (كل يوم هو في شأن). إن الذي ينطبق على الفرد، ينطبق كذلكم على الجماعة "فإن لكل جيل لا بد أن تكون حكمته الخاصة ولكل فرد موقفه الذاتي في اكتشاف شروط توازنه" (مصطفى عبده، ص:24). إن علاقة الفرد بالمجتمع، والمجتمع بالدولة، والدولة بالمجتمعات الأخرى ينظمها القانون. إن المؤمنين ينشدون العلاقة المطلقة في القانون الإلهي دون الوضعي لأن القانون الإلهي منشؤه الذات العليا "التي تسبر الكون وفق قوانين كونية بالمعرفة الأزلية والسرمدية للأشياء والكائنات" (مصطفى عبده، ص:87). ماذا عن غير المؤمنين؟ إن القانون الإلهي غير ملزم بطبيعته لغير المؤمنين ولذا فلا بد أن يكون القانون العام والدستور علمانياً كما هو الحال الآن وتكون الشريعة حالة استثناء (مولانا أبيل ألير في مقابلة خاصة).



إنني أرى هذه المقابلة بين الخاص والعام أنسب في مراجعة النظم السياسية والاجتماعية من مزايدة النسبي والمطلق. إذا استطعنا أن نميز بين الشرع والشارع، بين الدين وفهمنا له فإننا نستطيع أن ندرك أن انزال الشريعة إلى أرض الواقع، هو في حد ذاته ممارسة وضعية تخضع في وضع ديمقراطي إلى مراجعة برلمانية ومرافعة بشرية، هي الأجدى في تدارك الفصام الحالي بين الفرد والمجتمع، المجتمع والدوله، (كما لا ينبغي أن تستأثر هيئة كبار العلماء بهذه الواجبات لأنها حينها تجعل نفسها وسيطة بين الله وعباده دونما أدنى أهلية أو أحقية، الأمر الذي لا يرضاه الإسلام الذي ينبذ بشدة الكهنوت). إننا إذا لم نحل هذه المعضلة فإننا نجد مشكلة أكبر في ايجاد الرابطة بين الدولة والمجتمع الإنساني الاكبر، في هذا يقول الأستاذ الحاج وراق بلباقته المعروفة وشجاعته المشهودة في مستهل تناوله لموضوع (حرية الضمير) بمنتدى الوليد (السبت الموافق 28 يوليو) إن حرية الاعتقاد منصوص عليها في المادة (1 بميثاق حقوق الإنسان، وهذا الميثاق حسب رأيه هو تلخيص للحكمة الإنسانية، وإذ أن الناس يختلفون في أفضلياتهم الأخلاقية، فإنهم لا يختلفون في أن الحرية هي القيمة الأرجح على كل القيم، إضافة لأنها خاصية كونية (الذكر، الأنثى، السماء، الأرض، السالب، الموجب... إلخ)، فإنها ضرورة إنسانية تكسب المجتمع حيوية اجتماعية، اقتصادية وحتى سياسية. إن المجتمعات التي ضحت بالحرية من أجل تحقيق الرفاه الاقتصادي مثلاًً المجتمعات الاشتراكية قد خسرت عاقبة أمرها لأنها بمصادرتها للاختلاف قد تعدت على الصحة العقلية لمجتمعاتها فلم يعد أمنها أمنا نفسيا ومعنويا إنما أمن سكوني أشبه بأمن المقابر التي تفتقر إلى الحيوية. لقد ثبت أخيراً أن الحيوية بمعنى الحرية لازمة لإحداث النهضة لأن المؤسسة الاقتصادية (حتى السياسية) تزدهر بمقدار ما تحمل من تنوع دون انكسار. إن افتقار المؤسسة لهذه المرونة (Ductility) يجعلها تتهدم في أول اهتزاز ارضي، ليست أدل من انتهاء الترابي (صاحب التجربة الأنور والأفضل في تاريخ الحركات الإسلامية) إلى السجن في أول صدام له مع أتباعه الذين ظن أنهم يدينون له بالولاء وقد سلبهم خاصية التدافع الحيوي ولم يبق لهم غير المفاصلة مرشداً. لقد فقدت الحركة الإسلامية مقدرتها على بعث الفضيلة لأنها تعمدت إهمال الضمير التي يراها وراق افتراضاً أساسياً للحرية. إن البعث الأخلاقي الذي استخدم وسيلة لترويض المجتمع قد أصاب المجتمع في مقتل لأنه ضحى بالضمير. إن الاخصاب القسري بين ذكر (الاستبداد) وأنثى (الترويض)، قد نتج عنه مخلوق خنثمشكل فاقد لجسارة التفكير وغير متملك لملكات التعبير (خاصة الحضاري منها).



يتساءل الدكتور عمر مسعود في هذه الأثناء عن أيلولة الضمير، عن عنوان المحاضرة: (حرية الضمير) ويقول إنه لا سبيل للتحكم في الضمير لأنه بالداخل، أي أنه قابع في الصدر. إنما المشكلة في التعبير، يخرجنا من هذا المأزق الدكتور الطيب زين العابدين الذي ابتدر بدوره الحوار لإعادة تعريف الضمير على أنه الوجدان، وليس بالضرورة ذاك الكائن الحسي الذي تعارف الناس عليه. وإذ ذاك هو الحال فإن تشكل الوجدان يتم وفق ظروف موضوعية منها ما هو زاهر وما هو قاهر. يواصل الحاج وراق فيقول إن الأنظمة العسكرية قد عطلت الحرية في حمية التدافع مع الصهيونية، النتيجة أنها لم تجن غير التقهقر ولم تفلح في غير المواجهة مع شعوبها، والأمثلة كثيرة، في حين أن العدو قد أسس نظماً لترشيد الاختلاف هيأت له امكانية التماسك الوجداني، لاسيما تحقيق الازدهار العلمي والتفوق العسكري. بالمقابل نرى أن الحرية كانت هي الضحية الأولى في حال تقهقر المجتمعات الإسلامية وحال تقدمها. إن حادثة قتل السهروردي لمجرد اتهامه بالزندقة (دون التعرض حتى لمحكمة)، من قبل جند صلاح الدين الأيوبي تدلل على أن لحظة الانتصار العسكري كانت هي لحظة الهزيمة المدنية لأن الجنود ضحوا بالحرية في مقابل الفتح. دون الولوج في دهاليز الفقه أو التعرض لمقتضيات التاريخ ومنعطفاته، يجب أن نقر بأن سيف الردة بقي مصلتاً عبر التاريخ الإسلامي على المعارضين مما أزم محنة الدولة وجعلها دون حقيقة اجتماعية.



لا ننسى إغتيال النميري للأستاذ محمود محمد طه الأمر الذي أنكرناه سياسياً لمجرد رفضنا للظلم وللحقارة، لكننا لم نستطع أن ننبذه دينياً لسيطرة الغبش على قلوبنا ومعتقداتنا. إن التقاطع بين هاتين الحريتين: حرية الممارسة السياسية وحرية الاعتقاد الديني هو سبب الإشكالية النفسية التي نعيشها. لا أنكر أنني وحتى فترة قصيرة لم أجرؤ أن أقرأ كتب الأستاذ لتهيبي "الخوض في الفتنة". أي فتنة أشد من تقييد العقل بالوجدان، كما يقول صديقي المهندس الأديب محمد عبد اللطيف هارون (شيخ طويل)؟ إن جل الشواهد التاريخية تبرهن على أن الدين حتى وفق النظرة النصوصية بقي بعيداً عن المقاصدية (لأن النصوص لم تكن بالوفرة) فلم يكن مسؤولاً عن قتل شهداء الفكر في عالمنا الإسلامي، لكننا يجب أن نعترف بأن صيرورة الحدث التاريخي قد شكلت الوجدان سلباً مما جعله على أحسن الفروض لا يجرؤ على الإنكار، إنما الإقرار السلبي- السكوت. إنني ما أن أرى صورة الأستاذ عبد الخالق محجوب إلا وأحس بوخز في ضميري كأنني أسهمت في قتله لأننا وبالسكوت الجماعي قبلنا (لطيش الفصل) أن يواري سوأته –الغيرة الشخصية- باغتيال (أول الفصل) متهماً إياه بالعمالة تارة وبالزندقة تارة أخرى، إذ كان يقول ملء فاه "عبد الخالق الذي لا يعرف الخالق". إن الحيلة ذاتها قد انطلت علينا ولو إلى حين، حين قبلنا من عربيد (نذر حياته للرذيلة) أن يتطاول على راهب (مهر أيامه بالدعوة إلى الفضيلة) ويصفه بالزندقه وبالكفر. إن النميري ليلة اغتيال محمود محمد طه وهو ماراً بكبري بحري سمع هتافاً من أحد سائقي التاكسي يقول له (نصرت الدين يا ريس!!). هذا هو الوجدان السوداني الذي تشكل وفق مقتضيات البداوة وجلافتها وآفات التزمت ومأساته. يا ترى هل كانت الانتفاضة تكفير لسيئة لم نبرح حتى عاودنا ارتكابها بقبولنا لزمرة المستشار الرجوع إلى القصر مرة ثانية وباسم الإسلام؟



على العموم لقد دخلنا هذا المأزق سياسياً ولا يمكن أن نخرج منه إلا فقهياً. هنا تكمن ضرورة التعامل مع النص من خلال الأطر المعرفية العلمية حتى الإعلامية ومن خلال التكثيف بل التعويل على قيمة الحرية على الصعيدين المصلحي والمبدئي. إن الحرية حسب رأيي لا يمكن أن تمارس في فضاء مسرح وإلا قوضت، كما لا يمكن أن تمارس في فضاء منحسر وإلا شوهت، فهل من سبيل إلى الإصلاح؟ نعم، شريطة أن نفارق الطوباوية وأن نوقن بأن البرامج يجب أن ترشح من المجتمع (من أدنى إلى أعلى) وليست الدولة (من أعلى إلى أدنى). هذا الإنعكاس المعياري لم يكن ليحدث لولا فشل التجارب الأيديولوجية من ذات اليمين ومن ذات اليسار التي قادتها النخبة مستهونة بمقدرة التقليد أو الطاعة على القعود بأي حركة نهوضية تقدمية مهما كانت حيويتها.



ختاماً، فإن إنسان الوسط يحتاج إلى من ينتشله لا من يبتزه أو يذمه بالامتثال، وهنا يكمن دور الحرية المسترشدة التي ستأخذ رويداً بأيدي (هذا المغلوب على أمره) من ثنائية العلمانية والإسلام إلى تواصلية الحقوق والواجبات، حينها فقط سيتحلل المسكين من قلاع العسكراتية ويحلق في فضاء الإنسانوية.




http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147519970&bk=1
___

Post: #669
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 02:43 AM
Parent: #668



كريمة، طفلة في المدائن: في مقام الشكر والثناء
-البروفيسور محمد المهدي بشرى
=========
سعد الكرسني، لا يزال قابضاً على جمر الفكر الجمهوري على خطى الشهيد محمود محمد طه
==========
في أمسية ندية الأنسام وفي حدائق النقل النهري على شاطئ النيل التأم الشمل،رهط من افاضل الناس قل أن يجود الزمان بمثلهم ، صفوة من خيار نساء كريمة ورجالها، : العم ضرغام، اسم على مسمى وعروسته فائزة الحسين ملاكين من جنان الفردوس تدليا. العم سيدأحمد حاج التوم المناضل العنيد سقط الطغاة الذين قاومهم وذهبوا جميعاً إلى مزبلة التاريخ وبقى شامخاً مثل جبل البركل. سعد الكرسني، لا يزال قابضاً على جمر الفكر الجمهوري على خطى الشهيد محمود محمد طه جميعهم كانوا هناك، آسيا الدوش وأسرتها الصغيرة والمحاميان عبدالله حسون وعصام شوربجي، والزين ومحمد كرار وعبدالقادر شديرة وفيصل وعلاء الدين الفاضل والنطاسي البارع دكتور شرف عبدالماجد والامير بن طلال واسرته. ومن زملائي الاساتذة ومناط محبتي محمد المهدي إدريس وسامية وطلحة المنشاوي ومحمد الطيب والبلولة، صغير الحجم الكبير العقل والوجدان الذي تحدث عني حديثاً اخجلني بحق، وابي نفر من طلاب كلية الآداب الا ان يشاركوا بأداء كوال : (يا قاسم أمين) الذي أبدعه الشاعر الفحل محجوب شريف. وبالطبع كان هناك زرياب المغني، خالد بصريات وفرقته بقيادة كاروري صاحب الأنامل الذهبية وعازف الإيقاع الماهر صلاح، غنى بصريات باحساسه المرهف وصوته الندي حتى تجاوب معه النيل والاشجار والانسام، لكن ثمة من كانت مقاعدهم شاغرة سعاد حسون, نادية فرح وحسن الدوش وحسن عبدوت وعبدالله العمدة والشاعران العطا علي العطا وابراهيم الصيدة وغاب الشعر بغيابهما، كم تمنيت حضورهم وحضور جميع أهل كريمة وزملائي بالكلية حتى تكتمل فرحتي، ولإبراهيم الصيدة الذي كان غيابه واضحاً اذ كان سيخفف من عتابه لكريمة وأهلها، فقد أكد ذلك الحفل البسيط الكبير في معناه إن سعن الحمل لم ينقد، على النقيض مما ذكر في آخر قصائده التي يقول فيها:



رهف ثوب الغطا الساترنا وانكشف الحاصل



وانقد سعن الحن دفق حلمي المبردو للبراكل.



وإنتهى الحفل البهيج وانفض السامر وتكرم علىّ القائمون بالامر بهدية عبارة عن الذهب الخالص، لكن الذهب الخالص والجوهرة التي لا تقدر بثمن هي محبتهم الصادقة لشخصي الضعيف، حفظهم الله جميعاً وعافاهم آملاً ان ارد لهم بعض هذا الجميل الذي يطوق عنقي.

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147519512&bk=1

Post: #670
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 02:44 AM
Parent: #669


مأزق الشورى في مأزق الجماعة!!
* المعركة التي يدور رحاها بين جماعة أنصار السنة المحمدية بشقيها "الهدية" و"أبوزيد"، والتي تمحور اختلافها (ابتساراً) حول قبول المشاركة السياسية للجماعة من جهة ورفضها من الجهة الأخرى، والتي تزيد أوارها اشتعالاً الصحف الآن، أدت إلى الفصل والفصل المضاد للقيادتين، وإلى ادعاء الشرعية من قبل المجموعتين المتصارعتين، كل يدعي أنه الممثل الحقيقي للجماعة، هذه المعركة تقودنا للنظر من زاوية مغايرة لطبيعة المشكلة ولفت الانتباه لمأزق الفكر الاسلامي المعاصر تجاه قضايا التراث والمعاصرة، وعلاقة الاتفاق والاختلاف بين الشورى والديمقراطية!.
إعادة انتاج الأزمة من جديد
* صراع جماعة أنصار السنة بكيفيته الماثلة، يعيد إلى الأذهان أحداث الفتنة الكبرى، ومقتل سيدنا عثمان بن عفان، والأسئلة الصعبة المترتبة على تلك الأحداث، مثال: هل يمكن عزل الخليفة (أمير الجماعة هنا)، ومن يحق له ذلك، في مواجهة الآيات القرآنية الحاثة على السمع والطاعة "...أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأُولي الأمر منكم..." وكذلك الأحاديث النبوية "اسمعوا وأطيعوا ما أقام فيكم الصلاة" و"اسمعوا وأطيعوا وإن وُلِّيَ عليكم عبدٌ حبشيٌّ كأن رأسه ذبيبة" وما الموقف من مقولة سيدنا عثمان: والله لا أخلع قميصاً ألبسنيه الله!.
الشورى ما هي؟!
* الشورى عند جمهور المسلمين بالمعنى الاصطلاحي المعروف "مُعْلِمة" وليست "مُلْزِمة" أي أن النبي صلى الله عليه وسلم على الخيار في الأخذ بشورى أصحابه حين يشيرون أو الترك، فاذا عزم برأي مخالفاً فيه رأيهم مضى فيه متوكلاً على الله وفق منطوق الآية الكريمة "...فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين"، وحينما اعترضت هذه الإشكالية طريق الجبهة الإسلامية الموحدة قبل الإنقسام خرجت من المشكل بإلزامية الشورى، وبجعل سلطة المكتب التنفيذي فوق سلطة الأمين العام (المرشد)، مما عرضهم للفصل من حركة الأخوان المسلمين العالمية بحجة "أخذهم بخطة في الشورى لا يرون لها مستنداً فيما يقرأون ويعلمون" (أمين حسن عمر ـ أصول فقه الحركة ـ سلسلة رسائل الحركة الإسلامية الطالبية).
بين الشورى والديمقراطية
* الشورى وصاية رشيدة وفيها تدريج وتأهيل ومساوقة من النبي المصطفى المعصوم للأمة من حالة قصورها البادي إلى مراسي كمالها المنشود، أنظر إلى سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول عن رأي النبي صلى الله عليه وسلم: "يأيها الناس إن الرأي كان مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مصيباً لأن الله كان يريه، وانما هو من الظن والتكلف، السنة ما سنه الله ورسوله، لا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة". " إذ كان قد روي فيما ورد أن كاتباً لسيدنا عمر بن الخطاب كتب في فتيا لعمر "هذا ما رأى الله ورأى عمر" فقال له: "بئسما قلت، هذا ما رأى عمر فإن يكن صواباً فمن الله وإن يكن خطأ فمن عمر" ثم قال" السنة ما سنه الله ورسوله لا تجعلوا خطأ الرأي سنة للأمة".
أما الديمقراطية كما هو معروف فهي حكم الأغلبية مع مراعاة حقوق الأقلية وهي اجتهاد بشري وصلنا عبر تجارب طويلة للإنسانية وعبر الدماء والدموع وقد استقرت الآن عبر أنماط مختلفة في الشكل متحدة في المضمون، مباشرة "مثل سويسرا" وبرلمانية "مثل وست منستر البريطانية" و"المزاوجة بين المركزي والولائي مثل ما يجري في ألمانيا"، وغيرها الكثير!.
أبوزيد بين الشورى والديمقراطية
* طلب أبوزيد محمد حمزة، في زمان مضى، قبيل المفاصلة بين الطرفين وفصله من الجماعة، طلب من قيادة الجماعة، المتمثلة في الهدية، إعمال المؤسسية وتوفير الشفافية، والمؤسسية والشفافية وفق الرأي الشرعي المعتمد تمضي وجوداً وعدماً مع أمير الجماعة المعتمد، وهو في هذه الحالة الهدية، وكان على أبوزيد أن ينصاع للرأي الصادر من أمير الجماعة. ولحكمة تلتمس في تغير المحيط الزمكاني "ودوام الحال من المحال" رفض أبوزيد الانصياع ومضى في طريقه شاقاً عصا الطاعة ومفرقاً للجماعة بالمنظور الشرعي التقليدي، وهو بذلك انما يخالف الشريعة المبنية على قواعد الشورى، وفي نفس الوقت يتوافق مع الديمقراطية الداعية إلى تحكيم رأي الأغلبية مع مراعاة حقوق الأقلية، وليس بعيداً عن الأذهان تلك المعركة المماثلة التي دارت في اطار الشورى بين مجموعتي القصر والمنشية والتي انتهت إلى المفاصلة بين مجموعة الترابي ومجموعة البشير وأنتجت حزبي الوطني والشعبي، ولم تُكشف للناس توصية مجموعة الترويكا "القرضاوي، الزنداني، فتحي يكن" بعد أن تم لها المحاولة في تليين مواقف الطرفين المتصارعين، وأعلنت فشلها، والتي لو كُشفت ـ في اعتقادي ـ لأجْلت موقف التراث من المنشقين باعتبار البشير زعيماً للجماعة.
المشكل السياسي في إطار الشورى
* بعد أن اتضح أن الشورى "مُعْلِمة" وليست "مُلْزِمة" للنبي (صلى الله عليه وسلم)، المعلم يستشير أصحابه ليدرجهم في طريق التربية مترفقاً بهم، وهو الرحمة المهداة، العافي عن الناس ليِّن الجانب، موطأ الأكناف، الذي يألف ويؤلف، والذي ما عرفه غير ربه، فبعد أن التحق هذا المثل الحي مجسد الكمالات بالرفيق الأعلى، مَنْ مِنْ الناس يمكن أن يملأ هذا المقام، يشاور الناس في الأمر، فإذا عزم برأي أخذ به وإن خالف رأيه الأغلبية متوكلاً (في ذلك) على الله؟!!.
* المشكل السياسي إذن في الإطار الشوري، أن النبي (صلى الله عليه وسلم)، اختاره ربه في الأصلاب الطاهرة من الأصلاب الطاهرة، فهو خيار من خيار من خيار، شق صدره، واستخرجت من قلبه العلقة السوداء وطرحت، وغسل قلبه وبطنه بالماء والثلج والبرد حتى أنقيا، ثم أدبه ربه فأحسن تأدبيه، فأصبح على خلق عظيم، وأعد عبر الزمن لتحمل الأمانة، بإلقاء القول الثقيل عليه، ثم هو بعد كل هذا الإعداد مشفوع بالوحي يصححه إن أخطأ فهو النبي المصطفى المعصوم، فمَنْ مِنْ الناس في زماننا هذا يمكن أن يملأ هذا المقام اليوم!؟ فهل الشورى هكذا هي، قمة المشكل السياسي؟ أم هي مرحلة نحو الديمقراطية، والشورى قطعاً غير الديمقراطية ؟!.
وبعدُ!!
* قدم الأستاذ محمود محمد طه رؤية واضحة عن تطوير التشريع الاسلامي من نص فرعي في القرآن الكريم خدم غرضه أجل خدمة حتى استنفده إلى نص أصلي مدخر لحياة الناس اليوم، واعتبر الشريعة الاسلامية في مستوى السياسة والاقتصاد والاجتماع هي المدخل على الدين وليست الدين، حسب الآية الكريمة "وأنزلنا إليك الذكر (القرآن كله) لتبيِّن للناس ما نُزِّل إليهم (القدر من القرآن الذي تطيقه الأمة؛ "نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم") ولعلهم يتفكرون" (وهو المعلول وراء العلل والمقصود بعد انقضاء المقاصد)"، ما بين الأقواس الكبيرة من وضعنا، ولا يغيب عن ذهن القارىء الفطن الاختلاف بين مادتي "أنزلنا" و"ما نُزِّل" في الآية المذكورة آنفاً وفي العربية: كل زيادة في المبنى تتبعها زيادة في المعنى، وفض محمود بذلك التعارض البادي بين التراث والمعاصرة، ونحن الآن ندعو جماعة أنصار السنة المحمدية ومن ورائها كل الجماعات الاسلامية المعاصرة إلى إعادة قراءة الأستاذ محمود محمد طه بروية وتدبر لعل وعسى بعد أن جاء هذا المثال الحي الصارخ في مفارقة الشريعة من أكبر الجماعات السلفية المعاصرة، والله من وراء القصد!!.

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147519754
_________________

Post: #671
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 03:11 AM
Parent: #670


عملية الفلاشا (الحلقة السابعة)

تحقيق:حنان بدوي



في هذه الحلقة من التحقيق نستعرض افادات الشهود التي تحصلنا عليها من دار الوثائق حول أقوال المتهم الاول في المحكمة وهو مخطط ومهندس عملية الفلاشا في التهم التي وجهت اليه في عملية ترحيل الفلاشا واستغلال مواد جهاز أمن الدولة حيث ذكر في أقواله للمحكمة ان الذين قام بترحيلهم ليسوا يهود فلاشا وانما لاجئين عاديين وان الطائرات التي هبطت في مطار العزازة اخذت اذن الهبوط من القائد الأعلى للقوات المسلحة كما نفى للمحكمة علمه بالجهة التي أستاجرت الطائرات البلجيكية التي شاركت في عملية موسى، وكذلك مبلغ الـ(150) الف دولار وعلاقته بترحيل الفلاشا وقال ان المبلغ خصصته السفارة الامريكية لشراء عربات للجهاز وكذلك المبلغ الذي سحبه من ادارة البطاقة الشخصية.



اللواء عمر محمد الطيب كان قد استنكر التهم التي قدمت اليه مستعرضاً امام المحكمة العديد من الانجازات التي قام بها, وقال: قمت بحل مشكلة الدقيق واشكالية صندوق النقد الدولي عام 1985م وضائقة البترول بجانب جهودي في رفع الحظر الاقتصادي الذي فرضته الولايات المتحدة على السودان وقد تم ذلك بفعل علاقاتي الشخصية مع الولايات المتحدة. وان جهاز أمن الدولة اسهم في دعم مركز البلاد السياسي والاقتصادي والحرفي ولكن هل كل ما ذكره اللواء عمر يمكن ان يغفر له انفراده بالعملية حيث حاول في بعض افاداته الزج ببعض المسئولين فيها وهذا ما توضحه افادات الشهود التي نستعرضها عبر هذه الحلقة.



* لا علم لي بعمليتي سبا وموسى:



اللواء أمن (م) الفاتح الجيلي مدير ادارة الأمن الداخلي بجهاز أمن الدولة المنحل نفى أمام محكمة ترحيل الفلاشا علم ادارته عن تفاصيل عمليتي موسى وسبا وقال امام المحكمة بالرغم من ان مطار الخرطوم يقع تحت مسئوليتي الأمنية إلا أنني لم اخطر بعمليات الترحيل التي كانت تتم فيه ولم أتلق أية معلومات رسمية عن العمليتين وكل المعلومات التي علمتها كانت عبر مصادر غير رسمية مثل وسائل الاعلام اضافة لما كان يترد داخل الجهاز من عدم رضاء الضباط باشتراك الجهاز في العمليات السرية المتعلقة بترحيل الفلاشا الذين ستكون نهايتهم اسرائيل.



كما نفى اللواء الفاتح الجيلي في شهادته للمحكمة ايضا علمه بأي مساعدات تقنية كانت تقدم للجهاز من خارج البلاد وقال ان تلك المساعدات كانت تقتصر على الاجهزة والمعدات التي تقدمها الدول والاجهزة الامنية الصديقة واوضح للمحكمة انه من الخطأ ان يقتصر العلم على المبالغ المقدمة للجهاز على رئيس الجهاز فقط وانما يفترض ان يشمل العلم بها قادة الجهاز, وإلا أن يكون وصولها من خلال القنوات غير الرسمية وقد أشار في شهادته ان رئيس الجهاز كان يتحدث كثيراً عن العملية لكن انا شخصياً لم اطلع على أي امكانيات رسمية حول مشروع المباني ونفى اللواء الجيلي علمه بأي حساب خارجي خاص بالمشروع ولا أي تفاصيل او معلومات عن اتفاقية أبرمت لتنفيذ المشروع.



سمعت بالعملية من (البي بي سي)



السيد هاشم عثمان وزير الخارجية وقتها شهد امام محكمة الفلاشا بعدم علمه بترحيل اليهود الفلاشا وقال انه سمع ذلك من هيئة الاذاعة البريطانية (البي بي سي) في الرابع من يناير 1985م وقال كنت على قناعة تامة بان الخبر جزء من الحملة الاعلامية التي تشنها الحكومة الاثيوبية على السودان وان السودان برئ من تلك الاتهامات والادعاءات وهذه القناعة ناتجة عن مواقف السودان التاريخية وسياسته الرافضة لأي نوع من التعاون مع اسرائيل، واوضح ان المتهم الاول اتصل به وطلب منه اصدار بيان ينفي فيه كل الاتهامات والمعلومات التي وردت في هيئة الاذاعة البريطانية واملي عليه المتهم الاول ان يؤكد في البيان على العلاقات التي تربط بين اثيوبيا واسرائيل وان يتهمها بانها تقوم بتهجير اليهود الفلاشا اليها مقابل السلاح. واشار في المحكمة ان اللواء عمر بعث اليه بمذكرة للاستعانة بها في اصدار بيان ويرد الوزير التصريحات التي صدرت منه في اجهزة الاعلام لنفي العملية بأنها نابعة من واقع المعلومات التي بعث به له المتهم الاول اللواء عمر محمد الطيب.



* بيان الشركة البلجيكية



الاستاذ علي شمو شهد امام محكمة ترحيل الفلاشا بعدم علمه رسمياً بعملية الترحيل ولكنه سمع ذلك من وسائل الاعلام وافاد بانه عندما سمع البيان الصادر من الشركة البلجيكية حول سفرياتها لنقل اليهود الفلاشا من الخرطوم الى بروكسل اتصل بالمتهم الاول مستفسراً عن المعلومات التي سمعها حيث اكد له المتهم الاول عن عدم صحة ما سمعه وطلب منه تجاهل الموضوع كما ذكر في المحكمة ان د. بهاء الدين محمد الدين ادريس مساعد رئيس الجمهورية السابق كان قد اتصل به وأمن على ما ذكره المتهم الاول.



الفريق سوار الدهب اخطروني بان الطائرات تحمل اغاثة



الفريق عبد الرحمن سوار الدهب قال امام محكمة الفلاشا انه تلقي تقريراً من الاستخبارات العسكرية بوصفه قائداً اعلى للقوات المسلحة بان هنالك عملية نقل منتظمة للاجئين يشك بانهم فلاشا وان هناك مسئولين من جهاز أمن الدولة يتسترون على ذلك وقال الفريق سوار الدهب (تلقيت معلومات اخرى بان هناك طائرات هبطت بالمنطقة الزراعية بالشوك جاءت لنقل لاجئين وهم يهود فلاشا وذكر سوار الدهب للمحكمة ان هناك حواراً دار بينه وبين الرئيس نميري بهذا الخصوص لكنه استشف من الحوار ان عملية النقل هذه تتعلق بلاجئين عاديين منحوا حق اللجوء السياسي باذونات دخول من سفارات غربية بالخرطوم وخروج من السودان وحضروا في شكل اسر صغيرة وسيتم نقلهم بوسائل سفر عادية. وقال سوار الدهب ان الرئيس السابق كان قد اتصل به هاتفياً مستفسراً عن احوال الجنوب وذلك بعد تعيينه في 16 مارس عام 1985م وبعد ان طمأنه على مجريات الاحداث قال له في نهاية المحادثة ان هناك طائرات امريكية ستهبط بالناحية الشرقية ويتولى امرها اللواء عمر محمد الطيب ولكن لم يفصح له الرئيس نميري عن مهمة الطائرات سواء كانت مهمتها حربية او تهدف لزيارة تفقدية آنذاك للمنطقة الشرقة. كما ذكر الفريق سوار الدهب في افادته للمحكمة انه تلقى بعد يومين من تعيينه قائداً عاماً محادثة تلفونية من المتهم الاول اللواء عمر محمد الطيب استفسره فيها عما اذا كانت لديه فكرة بقدوم طائرات لنقل الفلاشا الا ان سوار الدهب نفى علمه بذلك وقال انه تقدم بسؤال للواء عمر عما اذا كان الرئيس السابق قد ذكر له ان هناك طائرات آتية لتحمل لاجئين فرد عليه سوار الدهب بان الرئيس نميري قال له انها آتية بمواد اغاثة.



* قصة الحساب الخاص:



اللواء كمال حسن احمد نائب رئيس جهاز امن الدولة المحلول اكد في شهادته امام محكمة الفلاشا عدم علمه بعمليات ترحيل اليهود الفلاشا سواء التي تمت في مطار الخرطوم او العزازة كما نفى علمه باي حساب خاص بالجهاز في الخارج وقال في المحكمة ان امر ترحيل الفلاشا لم يعرض على الجهات السياسية في البلاد كمجلس الوزراء ومجلس الأمن القومي واشار اللواء كمال حسن احمد امام المحكمة ان التعامل مع اجهزة الأمن الصديقة يجب ان يكون حذراً وان لا يتجاوز مجالات التدريب وتبادل المعلومات. واوضح ان قرار وضع ضباط من جهاز أمن الدولة تحت سيطرة جهاز امن اجنبي يعد تجاوزاً (خطيراً) وخرقاً لأسس العمل الأمني. وقال اللواء كمال انه ليس من حق اي ضابط من الجهاز ان يرفض تنفيذ اي اوامر حتى لو كانت غير قانونية.



سر الـ(150) ألف دولار:



مدير مكتب اللواء عمر محمد الطيب العميد أمن (م) هاشم ابو رنات اقر امام محكمة الفلاشا ان مبلغ 150 ألف دولار يخص المتهم الاول وانه احتفظ به في منزله بعد قرار حل جهاز الأمن وقال ابورنات انه ذكر للجنة التحقيق ان المبلغ خاص بالسفارة الامريكية احضرته بغرض شراء عربات للجهاز وان المتهم الاول طلب منه ان يقول ذلك. وعندما استفسرت المحكمة ابورنات عن اي القولين هو الحقيقة قال ابورنات ان ما افاد به امام المحكمة هو الحقيقة اما ما ذكره للجنة التحقيق فهو كذب اراد به حماية اسرته التي كانت تحتفظ بالمال وعندما علم ان المبلغ له صلة بقضية خطيرة كالفلاشا حاولت بقدر الامكان عدم ذكر اي معلومات عنه خوفاً من ان تتضرر اسرتي وحاولت بعد الانتفاضة اعادة المبلغ للمتعم الاول وذهبت اليه في منزله الا انني علمت بانه اعتقل فاحتفظت بالمبلغ الـ(150) الف دولار في منزلي ثم اعتقلت وبعد ذلك سلمتها للجنة التحقيق.



وقال ابورنات ان المتهم الاول طلب منه اثناء وجودهما في سجن كوبر اعطاء العقيد موسى اسماعيل 5ألف دولار وقال عندما اخبرت موسى بذلك نظر الى نظرة غريبة وابتعد رافضاً حتى التحدث معي.



* سحب أموال البطاقة الشخصية:



العميد (م) عبد السلام احمد علي مدير ادارة البطاقة الشخصية شهد في محكمة الفلاشا بأنه تم سحب مبلغ 401 ألف و962 جنيها من أموال البطاقة الشخصية بتوجيه من اللواء عمر محمد الطيب واشار في افادته ان المبلغ حول بشيك مصرفي رقم 56562 من بنك الخرطوم فرع شارع الجامعة لصالح حساب مشروع مبنى النيل الازرق تحت رقم 11949500 بنك لويدز بلندن.



وقال العميد عبد السلام للمحكمة انه قام بالتوقيع على الخطاب المرسل لبنك الخرطوم الا انه في نفس اليوم الذي وقع فيه الخطاب لبنك الخرطوم تم اعتماد توقيع المتهم الاول بدلاً عنه وقال ان المتهم الاول ذكر له انه سيشرع في بناء الجهاز الجديد وانه يريد ان يحول ما تبقى من اموال لشركة اجنبية لتنفيذ مشروع بناء الجهاز الجديد وانه يريد ان تكون اموال البطاقة بالقرب منه لأن ادارة البطاقة خارج مبنى الجهاز.



* ميزانية الجهاز:



العميد أمن (م) امين عبد اللطيف مقلد مدير ادارة الشئون المالية بجهاز أمن الدولة المنحل شهد امام المحكمة بان ميزانية الجهاز في ذلك الوقت بلغت (33) مليون جنيه و(75) الف جنيه واوضح انها لا تشمل مباني وانما خصصت لمشروعات المباني الخاصة بالجهاز في جميع انحاء السودان وافاد العميد امين مقلد ان المال الخاص بالجهاز يتم التصرف فيه بواسطة مدير مكتب رئيس الجهاز ويطلب كل ثلاثة شهور وقد يلجأ رئيس الجهاز في حالة انتهاء البند المخصص للصرف في الميزانية الى اي بند من بنودها الاخرى وقال العميد مقلد كان للجهاز المنحل حسابان داخليان ببنك السودان احداهما مجمد وقال انه كان يعلم ان الجهاز بصدد اقامة مباني جديدة بالرئاسة وان هناك موافقة على ان تضمن الاموال التي يتم جمعها من غرامات العربات والبطاقة للمساهمة في البناء لكنه اوضح انه لم يتم طرح هذا المشروع في عطاء وان اموال الجهاز خارج الميزانية تقع تحت مسئولية رئيس الجهاز مباشرة.



* الرابح الوحيد من العملية:



يقول د. حسن مكي ان مسألة ترحيل الفلاشا لاسرائيل اضفت نوعاً من البطولة على الحكومة الاسرائيلية وادت لفتح حوار عميق بين المؤيدين لمواطنة الفلاشا والرافضين لها اي بين الذين يعتبرون ان الفلاشا يهود اسرائيليون يمثلون الديانة الاسرائيلية وبين الذين يعتبرونهم عرباً وافدين إلا أن الرأي الأول قد انتصر لأسباب عملية ومصلحية وليست روحية عقائدية لأن تهجير مواطنين افارقة بمئات الألاف يمثلون 4% من سكان اسرائيل يعني ان لليهودية واسرائيل جذوراً افريقية وأن رمزية ذلك الاندماج الاسرائيلي في افريقيا والاندماج الافريقي في اسرائيل تعبر عن نفسها في علاقات سياسية واقتصادية واجتماعية حيث لم تعد الاولوية الاسرائيلية مجرد طارئ وانما دولة لها مرتكزات سياسية وبشرية ومعطيات حضارية.



ويواصل د. حسن مكي حديثه ويقول ان ترحيل الفلاشا ابرز صورة اليهودي المشرد المضطهد والمهمش مما اكسب اليهودية الدعم والعطف العالمي.



* سودت وجه السودان:



ويضيف د. حسن مكي ان عملية ترحيل الفلاشا سودت وجه السودان والبست الحكومة القائمة في ذلك الوقت ثوب العار فهناك عملية تهجير تمت بعلمها ومساعدتها لدولة اسرائيل.



سألنا د. حسن مكي ما هو المكسب بالنسبة للسودان من هذه العملية، أجاب ان الثمن كان مواصلة دعم نظام مايو الذي كان يواجه بانتقادات حادة في سياساته وبدأت القوة المعارضة تعد العدة لاسقاطه اضافة الى غض النظر عن كثير من القضايا كقضية مقتل محمود محمد طه والسياسات الخاطئة المتعلقة بتطبيق الشريعة الاسلامية وعندما استنفد المخطط الاسرائيلي والامريكي اغراضه التقت سريعاً للتخلص منه.



وأردف لم تكن المظاهرات التي اجتاحت كل مدن السودان فيما سمى بالانتفاضة سبباً كافياً لاسقاط النظام بل ان المؤثر الخارجي المتمثل في امريكا واسرائيل بصفة خاصة وتعاون الجيش السوداني بقيادة المشير سوار الدهب مع العملية الاحتجاجية سبباً أساسياً في اسقاط النظام المايوي من خلال تدفق مئات الملايين من الدولارات التي جاءت من امريكا وغيرها لتوطين الفلاشا وابرازهم كشعب مضطهد جاء في نهاية التاريخ لدعم اسرائيل ليصل بها الى لحظة العلو اليهودي وبذلك اسرائيل التي كانت عدواً للانسان الاسود كدولة تصير للسواد ذات امتدادات سوداء مما يمكنها من التغلغل في الضمير الزنجي وسط السكان.



* استغلال السياحة للتجسس:



يشير د. حسن مكي ان عملية عروسة وهي بداية تهريب الفلاشا كشفت ان اسرائيل تستغل السياحة لأغراض التجسس والتغلغل فهم قاموا بانشاء قرية سياحية وتوفير كافة المستلزمات بما فيها مطار ومناطق الغوص وبدأوا في جلب السواح الاوربيين والسفراء لكن في الحقيقة لم تكن هناك سياحة والقرية السياحية فكانت طائرات الهيوكوليز الضخمة تهبط ليلاً وتستقبل آلاف الذين كان يتم احضارهم عن طريق خشم القربة وكسلا الى عروسة وكان عدد المرحلين من الفلاشا من قرية عروسة (7) آلاف فرد.



* تصفية نقطة امنية كاملة:



روى لي الدكتور حسن مكي ان الأمن الاسرائيلي قام بتصفية نقطة امنية كاملة عندما اعترضت طريق احدى الشاحنات ولم يتم الكشف عن هؤلاء الضحايا الا بعد ان تم اجلاء اليهود الفلاشا.



أشار الى ان عملية موسى والتي قام بتنفيذها جهاز امن الدولة المنحل بدأت بأخذ اللاجئين من كسلا وخشم القربة وتسيير الرحلات عن طريق الميناء الجوي المخصص للحجاج والتي تحملهم الى بلجيكا ومن ثم اسرائيل.



وذكر ان هناك عدداً من العمليات تمت بصورة هادئة وسط المدينتين اذ كان يتم تحريك اللاجئين باوراق ثبوتية عبر مطار الخرطوم كركاب عاديين ويبلغ عدد الفلاشا الذين تم ترحيلهم 100 ألف فرد.

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147522375&bk=1
___

Post: #672
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 03:12 AM
Parent: #671


محمود الأفغاني

د.كامل ابراهيم حسن



حط الطائر الميمون بمطار كولون ومنها فقط تستطيع الوصول إلى بون عاصمة ألمانيا الغربية سابقاً والتي تنازلت عن هذا اللقب لبرلين بعد توحد الألمانيتين... تذكرت جنوب أفريقيا وكيف أنه يستوجب عليك أن تضع عصا الترحال في جوهانسبيرج أولاً ومنها بالسيارة يمكنك الوصول إلى بريتوريا العاصمة... خرجت من قاعة الوصول باحثاً عن عربة أجرة لتقلني إلى فندق (أكورا) حيث إخترت أن أقضي فترة وجودي ببون... مجموعة مهولة من عربات الأجرة مرصوصة علي جانب الطريق في الإنتظار... لا أدري لماذا إخترت محموداً... ربما من شكله ولونه خمنت إن كمية الدماء الآرية التي تجري في عروقه لا تفوق كميتها في عروقي أنا الأفريقي صاحب الخلطة العجيبة من الدماء الحامية... وكما يقولون: كل غريب للغريب نسيب...
جلست في مقعد العربة الأمامي بعد أن ناولت محموداً قطعة ورق فيها عنوان الفندق ولكنه (وراسو وألف سيف) لن يتزحزح قيد أنملة وصار يردد (رطانة) لم أفقه منها شيئاً... وبعد أن أخبرته بأنني لست من الناطقين بها – أقصد الألمانية – قال مشيراً للحزام قائلاً (بلت – بلت – الحزام – الحزام) ففهمت أنه يجب أن أربط الحزام لأن عدم ربطك الحزام يعرضك لعقوبة مالية عالية وتذكرت أننا في السودان لا نربط الأحزمة عند ركوب السيارات ولكننا نشدها علي البطون.... بعدها فقط تحرك محمود.... وكعادتي أحب (طق الحنك والونسة) خاصة مع الحلاقين وسائقي التاكسي والتجربة علمتني أن هؤلا ء يمتلكون مخزوناً لا ينضب من المعلومات التي قد تفيدك أحياناً وفي كل الحالات تقصّر مسافة الطريق... لم أتردد وأعلنتها داوية: إن إصولك – بكل تأكيد – ليست ألمانية صافية وأن أحد والديك – علي أقل تقدير – ليس ألمانياً... ضحك ورد عليّ بقوله: أسمي محمود وأنا أفغاني من ناحيتّي الوالد والوالدة ولكني أحمل الجنسية الألمانية... وكمواطن شريف مقر بفضل الألمان تزوجت قبل بضعة أشهر من فتاة هي الأخري أفغانية حتي لا ألوث نقاء الدم الآري للمواطن الألماني القُح... جئت إلى هذا البلد وعمري لم يتعد الثانية عشر مع أخي الأصغر ويقود ركبنا عمي شقيق والدي.... والآن أبلغ من العمر السادسة والعشرين – أي أن عمري في ألمانيا أكثر من السنوات التي قضيتها في مسقط رأسي ومع الأيام تزيد وتزيد... وعلى سؤالي: هل فضل والداك البقاء في أفغانستان رد محمود: هرب والدّي من قمع الشيوعية إلى الولايات المتحدة الأمريكية قلعة الرأسمالية ويعيشان الآن في فلوريدا... وهربت أنا وأخي وعمنا من جحيم إسلام طالبان... فرغم صغر سني حينئذ أعتقد إنني يمكن أن أتعايش مع نظام نجيب الرحمن ولكن لا أظنني أستطيع أن أتحمل العيش تحت نظام الملة عمر... سألته إن كان شيوعياً؟ ضحك وقال لي: لم أبلغ سن الحلم عندما غادرت أفغانستان وبالتالي لا يمكن أن أكون شيوعياً أو غير شيوعي... ولكنني أتذكر طفولتي هناك وظروف المعيشة وهي كانت بكل تأكيد أفضل بكثير من الظروف التي عاشتها أفغانستان وهي تئن وقد حط عليها نظام طالبان بكلكله كما حدثنا الهاربون من ذلك الكابوس... سألته: لماذا لم ينضم إلى والديه في أمريكا وفضل الهجرة إلى ألمانيا؟ قال: لم يكن لنا خيار فعمي هو الذي حدد قبلتنا وإتجاه وجهتنا وأظنه قد أحسن الإختيار... فأنا الآن أفهم بعض الشىء في السياسة وقد أصبحت أحتقر إدارات الحكومات طُراً في الولايات المتحدة الأمريكية وموقناً أن أحقرها على الإطلاق هي إدارة بوش الحالية... وأضاف: حقيقة أنا أستغرب كيف يمكن للولايات المتحدة أن تبلغ هذا الشأو العظيم وتصبح أكبر قوة في العالم والأكثر تقدماً في دنيا العلم والتكنولوجيا بينما حكامها أغبي خلق الله ولا يتعلمون في دنيا السياسة من تجاربهم درساً مفيداً واحداً... والنتيجة نجاحات تُحسب على أصابع اليد الواحدة وخيابات متعددة لا تحصى... أنظر إلى تجربتهم المهينة في فيتنام عندها تعتقد أن تجربة قاسية كتلك سوف تفرض عليهم عدم تكرار ذلك الخطأ الجسيم... ولكنهم لا يتورعون من إعادته في سيناريو قد يختلف في الشكل ولكن بنفس المضمون... فهم لا يقتنعون بإستحالة فرض إيماناتهم وطريقة تفكيرهم وأسلوب حياتهم - بغرض الإستيلاء على خيرات الدنيا - قسراً على الشعوب إن كان ذلك في أفغانستان أو العراق... إنهم فقط يعيدون ظلم نظم بائدة بظلم نظم أسوأ منها ولو تركوا الشعوب وحالها لتوصلت إلى حل مشاكلها بطريقة أكثر ملاءمة لظروفهم ولو بعد حين...إنهم لا يفقهون حقيقة بسيطة وهي: قد لا يضحي الإنسان بحياته من أجل ماله أو حتى عرضه ولكنه مستعد لمواجهة الموت دون خلجة جفن إن أنت مسست عقيدته أو مبادئه... هنا قاطعته بقولي: ولكن في فيتنام حارب الأمريكان الشيوعيين ولكن في أفغانستان والعراق يقاتلون المسلمين ! رد عليّ بقوله: سيان إن كنتَ تدعو إلى الإشتراكية أو إلى الشريعة الإسلامية... في الحالتين هي عقيدة يري فيها معتنقها سعادة وخلاص شعبه في الدنيا أو الآخرة... إن الإيمان بالمبدأ – يا صديقي – يجعل منك فارساً مستعداً للتضحية من أجله وجهلهم لهذه المسلمة وهو الذي برر وجود الحركات الإرهابية المتطرفة...
عندها تذكرت فرساناً لنا في كرري إستقبلوا مدفع المكسيم بصدورهم غير عابئين بالموت دون أن ترمش لأحدهم عين في شجاعة نادرة أخجلت قاتليهم وذلك لإيمانهم بالإمام المهدي كمخلص وبالمهدية كعقيدة تجعلهم يعيشون براحة إن هم إنتصروا ويؤمنون بحسن الثواب وجنة موعودة إن هم أُستشهدوا... وفهمت سبب تلك الوقفات الرائعات الجسورة أمام الموت إن كانت الحالة موقف الأستاذ محمود محمد طه أو مواقف الرفاق عبد الخالق محجوب والشفيع وجوزيف قرنق وهاشم العطا وكوكبة البطولات تلك...
صار محمود يقلني كل صباح إلى مباني الأمم المتحدة للمشاركة في الدورة التدريبية لفرق التقويم (Joint Implementation Assessment Teams) التابعة للإتفاقية الإطارية لتغير المناخ وينتظرني في نهاية اليوم لنرجع إلى فندق أكورا... في اليوم الثاني وبعد أن وصلنا الفندق لاحظت أن محموداً غير متعجل لمفارقتي... نظر إلىّ ملياً ثم قال: تحدثت مع عمي عنك وقد قال عمي – الذي عاش حوالي العشرين عاماً في إيران – إن أعز أصدقائه في ذلك القطر كانوا من السودان وقد تعرف على أغلبيتهم عن طريق صديقه العزيز محمد السوداني الذي درس الطب بإيران وكم يأسف أنه لا يعرف عنوانه اليوم بعد أن غادر إيران ليكاتبه... قال عمي: إن أطيب الشعوب الذين تعرفت عليهم هم السودانيون... وأنا أصدق عمي فهو صاحب خبرة ويعرف كيف يقيم البشر... أضاف محمود: أعلم أنك مريض وعلى سفر وعليه فقد سقطت عنك فريضة الصيام... أنا صائم فلا زلت – والحمد لله – شاباً معافى الجسم ولأني أقطن بعيداً من هذا المكان لن أطلب منك أن تتناول طعام الإفطار معي في منزلي... ولكنني أدعوك أن تكون في إستضافتي في أى مطعم تختار وأنا أعرف مطعماً تركياً في المجمع القريب من الفندق هذا يقدم طعاماً جيداً وأرجوك ألا ترفض دعوتي... قبلت الدعوة وقضينا وقتاً جميلاً قارب الساعتين ودفع محمود الفاتورة التي تفوق كثيراً كلفة المشوار التي دفعتها له...
في رحلتي الأخيرة لمطار كولون متجهاً نحو أمستردام كان في صحبتي محمود وعندما حانت ساعة الفراق إحتضنني محمود بقوة ورأيت ما يشبه الدموع في عينيه وقال: لا تضيع رقم تلفوني وإذا حضرت إلى بون فإتصل بي وسيكون محمود الأفغاني في إنتظارك...

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147521678&bk=1
_________________

Post: #673
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 03:13 AM
Parent: #672


من مدينة رفاعة
اللواء الركن الشيخ مصطفى
1- في مجال القضاء اعطت مدينة رفاعة الشيخ النور التنقاري مفتي الديار السودانية والد الرشيد واخوانه والشيخ بشير الريح والد عبدالرحمن واخوانه والسيد عوض محمد أحمد والد سعد واخوانه وهؤلاء ثلاثتهم قد اسسوا القضاء الشرعي لمدينة كانوا بنيجيريا كما اعطت مدينة رفاعة السودان في القضاء الشيخ القرني عبدالرحمن والشيخ عبدالاله ابوسن والاستاذ مهدي شريف والاستاذ عبيد النقر والاستاذ مبارك امام رئيس محكمة الاستئناف السابق والاستاذ صلاح ابوعصاية والاستاذ محمد الحسن الطيب والاستاذ علي محمد خير جابر والاستاذ الجيلي عبدالمنعم والاستاذ حسن أحمد جلي والاستاذ عبدالرحمن يوسف العوض والاستاذ همام ازرق.



2- في مشروع الجزيرة أعطت السيد مكي عباس عينة الرجال وهو الذي سودن المشروع وصاحب مقولة (الرائد لايكذب اهله) والمفتشين السيد عوض الكريم سنادة والسيد أبوالقاسم حسن القاش والسيد عمر الجعلي والسيد عثمان الجعلي والسيد عثمان طه الفكي والسيد مبارك محمد خير والسيد الطيب غالب والسيد محمد احمد ابونورة والسيد عثمان فريجون والسيد المهندس الطيب عبدالرازق والسيد محمد الأمين صديق والسيد تاج السر محمد أحمد والسيد د.حسن الطيب الحاج مدير مشروع الجزيرة السابق والسيد حمزة ابوقبالة مدير مشروع الرهد والنيل الابيض السابق والسيد الزبير الشيخ الحسين والسيد الأمين محمد الأمين والسيد مأمون النور التنقاري والسيد هاشم بكري والسيد عثمان البشير المدني والسيد التجاني حاج مدني والسيد المهندس الفاتح سعد والسيد د.جعفر محمد ابوالحسن والسيد المهندس ابوزيد قسم السيد والسيد ميرغني عبدالرحمن ابنعوف والسيد المهندس عبدالله بشري والسيد أحمد محمد الحاج وكان هؤلاء في مشروع الجزيرة الذي كان يشبه ارامكو في السعودية ومع آخرين من ابناء السودان البررة هم الرأس والاساس فقد قدموا لوطنهم جلائل الاعمال.



3- في وزارة الخارجية اعطت رفاعة السفير علي يس قيلي والسفير عبدالله علي جابر والسفير عمر الشيخ الحسن والسفير انور الهادي عبدالرحمن والسفير محمد محمود ابوسن.



4- في مجال الطب اعطت الدكتور الشهير حسن عبداللطيف وعبدالله المبشر وعبدالوهاب ابوجديري ويس ابوتركي وعثمان معروف وانور حلواني والخاتم الياس وعبيد عكود ومحمد سرالختم ومصطفى بكري حاتم حلواني.



5- في الاقتصاد: اعطت الخبير الاقتصادي علي أحمد ابوسن ( بنك السودان) والسيد معاوية عبدالوهاب وهاشم سيدأحمد والاستاذة فاطمة عايدابي والأمين على جابر والأمين سيدأحمد وعزالدين صديق محمد علي (بنك السودان).



6- في مجال التعليم: اذا ذكرنا اسم بابكر بدري فأنه يكفي فهو ابو تعليم البنات في السودان واعطى من صلبه د. يوسف بدري وتبعه قاسم بدري وتقف الاحفاد شامخة دليلاً على عظمة ذلك الرجل.



وتبعه في نفس السياق المربي الجليل عبيد عبدالنور بذكر كل ماذكرت مدرسة بيت الامانة والمربي الفذ المليك وتقف مدارس المليك شاهداً على عظمة هذا الرجل ويكفي انه من صلبة قد اعطى نفيسة المليك وهذه وحدها تكفي.



لقد اعطت رفاعة جيلاً متفرداً من الرجال في التعليم الاستاذ عبدالمحسن عمر عبدالمحسن وعبدالجليل محمد والشيخ علي الحاج والشيخ حسن عبدالنور والشيخ لطفي عبدالله والشيخ يوسف ابوتركي والشيخ محمد سعيد واعطى من صلبه للتعليم درر، الاستاذ مصطفى والاستاذ عبدالرحمن. كما اعطت رفاعة للتعليم الوطني الكبير والمربي الجليل عبدالمنعم عبداللطيف والاستاذ القدوة ابراهيم عوض الكريم ومربي الاجيال عبدالقادر شريف والشيخ عثمان محجوب والشيخ محمد عبدالنور والشيخ عبدالله الفادني والشيخ البشير الفادني وقد اعطيا من صلبيهما الاستاذ عوض الفادني وعمر الفادني ومأمون الفادني. وكان هنالك الاستاذ أحمد يوسف قوي ومحمد إبراهيم ابوسن وحامدة شهونة واحمد علي جابر والشيخ طه الفكي وسعد طه الفكي وحسن طه الفكي والمربي الجليل عبدالرحمن أحمد ومجتبى عبدالوهاب وعمر محمد علي والأمين محمود الجزولي وشقيقه محمد محمود وعبدالله عباس ابوزرد والاستاذ قجة وهاشم امام شريف واحمد حسين الجمل والحاج الجمل وعثمان عبدالقادر نصر والشيخ ابوعاصية وعبدالباقي محمد احمد وعبدالله الجزولي وشقيقه الأمين الجزولي ومعتصم محمد الحسن وعلي جعفر النصيري ومهدي سالم ودفع الله محمد عبدالرحمن وأحمد عبدالكريم الاقرع والطاهر وقيع الله والاستاذ الفنان العالمي عثمان وقيع الله وعبدالرحمن علي الشيخ وعلي محمد خير افندينا والدكتور عمر النقر وبروفيسور معتصم البشير المدني وبروفيسور مهدي بشير وبروفيسور يوسف ابوجديري والاستاذ علي حمزة خيري ويوسف أحمد الطيب ومحمد الأمين فضل الله واحمد فضل الله واحمد سعيد الجمل والاستاذة نفيسة عوض الكريم ونفيسة المليك وزهرة الفكي ورقية حامد وحليمة الطيب وفاطمة النعيم وبخيتة احمد الحاج وعائشة مالك وفاطمة مكي، درر من الرجال ودرر من النساء جابوا هؤلاء الرجال المميزين وتلكم المعلمات الفاضلات من رجال وبنات رفاعة جميع انحاء السودان جنوباً وشمالاً غرباً وشرقاً ينشرون العلم وعلموا اجيالاً كثيرة حتى عم التعليم جميع انحاء السودان وخلدوا اسم رفاعة واصبحت تذكر كلما ذكر التعليم فلهم الرحمة والمغفرة امواتاً واحياء.



7- لقد اعطت رفاعة لمدينة كوستي رجالاً كراماً الشيخ أحمد كوكو وأحمد عبدالقادر والشفيع وابو قبالة والرجل الشهم النعيمة البشير المدني والجاويش دفع اسكودر.



8- لقد اعطت رفاعة مدينة عطبرة اعظم الرجال، المهندس محمود محمد طه والرجل الوطني والنقابي الجسور الطيب حسن ذلك العلم الفذ فقد قاد اضراب السكة حديد الشهير 33 يوماً ايام الاستعمار ورهن منزله ليدفع للعمال رواتبهم وجاءته وساطة من الخرطوم ابطال السياسة محمد احمد محجوب ومبارك زروق واجتمعا معه ونقابة العمال للتشاور ولما استمع الرجلان إلى كلام الطيب حسن الشجاع الوطني الثائر قالاً له (نحن لدينا طلب واحد لازم توفى لنا به) وقد ظن اعضاء النقابة والحضور ان الطلب سيكون رفع الاضراب ولكن السيد محمد احمد محجوب قال له (نطلب منك ان تقص شنبك شوية) وقاما وهما يعانقانه بحرارة دليلاً على تأييدة، فانظروا كيف كانت عظمة هؤلاء الرجال، وقد كرمت مدينة عطبرة المناضل الطيب حسن بأن سمت الشارع الرئيسي المؤدي إلى المطار باسمه، وقد اعطت رفاعة للسكة حديد عطبرة المهندس الخلوق حبيب أحمد الطيب والمأمور محمد ابو سنينة والسيد علي حسن واخيراً المهندس اسماعيل الجعلي.



9- هنالك رجال كثر من ابناء مدينة رفاعة في المناطق التي استقروا بها، السيد طه عبدالباقي وعبدالرزاق احمد ابوالقاسم واخيه محمد وعمر وال دج بالقضارف وكسلا وال كشة وآل كرار، كما برزت اسماء خدمت السودان، السيد ابراهيم أحمد الطيب والمهندس عبدالله جعفر والاستاذ عبدالحكم محمد الأمين والمهندس محمد محمد الأمين الشاعر الرجل القومي منصور حسن وال زمراوي وال فريجون والمهندس محمد الطيب التوم والمهندس الفاتح علي موسى والمهندس الصديق دفع الله والاعلامي اللامع فريد عمر مدني.

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147521532&bk=1
__________

Post: #674
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 03:14 AM
Parent: #673


هل نقرأ التاريخ بعيونك فقط يا عروة؟(3-3)

وجدي صالح عبده-المحامي



يمكننا هنا تلخيص اهم ما احتوته الوثيقة من حديث عن19 يوليو يدحض مزاعم الاستاذ عروة بتحالف البعث والشيوعي بالاستعانة بما ورد بالوثيقة بالصفحات134/133/132 والتى جاء فيها(ان الظروف الموضوعية والازمة الخانقة التى كانت تعيشها الحركة الثورية وضعفها وافتقارها للخط النضالي السليم بالاضافة الى توازن القوي داخل القطر وعلى المستويين العربي والافريقي لم تكن تبرر حركة 19يوليو كما انها بالضرورة لم تكن تسمح بنجاحها...).
ان حركة19 يوليو كانت مفاجأة للحركة الثورية والجماهيرية المنهوكة القوي والمقيدة الامكانيات... ان حركة يوليو اتت فى ظروف غياب الجبهة الوطنية التقدمية الموحدة حول برنامج عمل محدد والمستوعبة لطاقات الجماهير والمنظمة لقدراتها النضالية... ومن مركز السلطة طرحت قيادة حركة19 يوليو شعار سلطة الجبهة الوطنية الديمقراطية.. وهذا وضع معكوس!!
ان البرنامج الذي طرحته حركة19يوليو واضح فى جانبه السياسي المتعلق بالديمقراطية واطلاق طاقات الجماهير وحريات العمل الحزبي التقدمي والنقابي وتصفية اجهزة القمع التي كونتها سلطة مايو ولكن الجانب الاقتصادي فى البرنامج كان ضعيفا يتميز بعدم الوضوح ويحوم حول نفس محاور 25 مايو الاقتصادية.
ان حركة19 يوليو لم تضع فى اعتبارها توازن القوي داخل الجيش ذي الطبيعة المحافظة كما لم تضع فى اعتبارها ازمة الحركة الثورية ممثلة بغياب الجبهة الوطنية التقدمية الحقيقية وانقسام الحزب الشيوعي وركود الحركة الشعبية والتخريب المنظم الذي مارسته سلطة مايو فى اوساط الحركة النقابية كما لم تضع فى اعتبارها توازن القوي فى الوطن العربي والدور الذي يمكن ان تلعبه دول ميثاق طرابلس والاتحاد الثلاثي لحماية انظمتها من السقوط.
لكل هذه الاسباب والظروف مجتمعه نستطيع ان نقول ان واقع الحال محليا وعربيا لم يكن يبرر ما حدث فى19 يوليو او يؤشر الى نجاحه واستمراره ولكن ذلك لا يعني على الاطلاق الانتقاص من قيمته كوقفة جريئة ضد نظام ارهابي ينكل بالحركة الشعبية ويسير فى اتجاه جرها الى الوراء عشرات السنين ان القيمة الحقيقية لحركة19 يوليو هي انها دفعت بالطغمة العسكرية المتسلطة على شعبنا لان تكشف كل اوراقها دفعة واحدة وان تعري طبيعتها الرجعية المعادية لاماني شعبنا والتقدم والديمقراطية والتى ظلت تسترها بغبار كثيف من الشعارات الوطنية التقدمية...الخ).
ذلك هو موقف حزب البعث باختصار من حركة19يوليو والذي يسجل هذا الموقف لايمكن ان يكون حليفا فى حركة هذا هو حكمه عليها والمدهش حقا هنا ان لا الحزب الشيوعي ولا من شيعوا تشيعهم او حزبهم قد تحدث عن تحالف بعثي شيوعي فى حركة19 يوليو.
وعندما يقول الاستاذ عروة مغتبطا من فشل حركة 19 يوليو( الحمد لله الذي حفظ السودان) فكأنه يحمده على استمرار نظام السفاح نميري والذي اذاق شعبنا الامرين بشكل خاص بعد محاكم الطوارئ بالقطع من خلاف واعدام الخصوم السياسيين (الشهيد محمود محمد طه) وتكفير البعثيين (محكمة المكاشفي طه الكباشي لعدد من البعثيين) والخراب الاقتصادي والفساد الاخلاقي وترحيل اليهود الفلاشا.. الخ والتسلط حتي على الحركة الرياضية (الرياضية الجماهيرية76) هل هكذا حفظ الله السودان كما اعلنتم اخي عروة حمدكم لله عليه!!
اترمون بالغيب ما كان يمكن ان ينجم عن 19يوليو!!!! فى واقع الامر فان القراءة الجيدة للتاريخ تقول ان هذه القراءة لايمكن ان تستبطن الغيب الذي لايعلمه الا الله بقدر ما تقدم حكمها على الكتاب الذي بين ايدينا ولقد وفرت19 يوليو عبر بيان قائدها العسكري برنامجها الذي حاكمناه... هذا هو المهم وليس محاكمة النوايا والخفايا والافتراضات التى لاتقوم على بنيان والتى لن تفلح في حجب نور الحقيقة.
الاستاذ عروة بقياساته وافتراضاته التى طرحها تلك كأنما يريد وهو يطلب من(الشيوعيين والبعثيين والناصريين ان يعكفوا على مراجعة سياسية وفكرية لمنهجهم اذا ارادوا تحولا ديمقراطيا معافيا اما ان كانوا يريدون الاستفادة من هذا التحول ليعيدوا لنا سيرة الصراعات الدموية للانقلابات فهذا ما لانسمح به...)!! كأنه يريدنا ان نقرأ بعينيه على ما فى تلك القراءة من معيبات كما نراها بأعيينا ومانراها من قراءة او مراجعة او تقييم صائب لتجربتنا والتى نضعها لتقويم وتمحيص مؤسساتنا الحزبية الديمقراطية وهو تقييم مؤسسات... وجماعة على كل حال وليس تقييم فرد كاتب عمود او رئيس تحرير مع كل التقدير لامكانات كل الافراد كوكلاء او غيرهم ممن لايرتبطون بمنظومة (حزب-جمعية- رابطة- نقابة..الخ) ثم ان التحول الديمقراطي فى قناعتنا ليس طلبا يقدم ليستجاب له، بل هو فعل نضالي تنتزعه انتزاعا من براثن من اعتدي وتغول عليه ونحرص على الا يقع فى ايدي من يضمرون السوء للخيار الديمقراطي وللنظام الديمقراطي ذلك كان نهجنا مع نظام عبود ثم مع نظام نميري والآن مع نظام البشير بل ذلك كان نهجنا ونحن ننخرط فى مؤتمر الدفاع عن الديمقراطية عندما صدر قرار حل الحزب الشيوعي وطرد نوابه من الجمعية التأسيسية وكذلك موقفنا الذي دفعنا ثمنه رضاء من شعبنا-ولايهمنا بعد ذلك ان رضي عنا الاستاذ عروة ام لا وان تمنينا ان يرضي عنا كل ابناء شعبنا بما فيهم الاستاذ عروة على الحق وليس على الباطل اما عبارات من قبيل(هذا ما لانسمح به) فهي لاتختلف كثيرا عن تهديدات اجهزة الامن فى محاولاتها البائسة لمنع نشاط حزبنا وفعالياته وهو يقاوم الاستبداد ويرفض الاعتداء على الحريات بما في ذلك الرفيق ابو راس يوم جري اعتقال الاستاذ عروة فى جمع من الصحفيين والاعلاميين والساسة داخل دار صحيفة السوداني ومطالبته باطلاق سراحهم وتأكيده على خطل الظن بامكانية حدوث تحول ديمقراطي بارادة هذه الفتنة التى اعتدت على الديمقراطية فى30يونيو.
نحن لانضع المبررات لاحد بطريقة عروة عندما يقول (على الرغم من اننا ضد احتكار الاسلاميين للحكم وسلوكهم السياسي القائم على اقصاء الآخر والسلحفائية فى التحول الديمقراطي والديمقراطية فاننا نجد لهم العذر فى تخوفهم من الآخرين..) انه نفس منطق عروة حينما يقول (الحمد لله الذي حفظ السودان) فهو يبرر للانقاذ فعلها بدءاً من30 يونيو ولايري فيه عيبا سوي احتكار الحكم، سلحفائية التحول الديمقراطي اقصاء القوي الاخري ولشئ فى نفس يعقوب لم يشأ الاشارة الى بيوت الاشباح والزنزانة 16 التى مر عليها كما مررنا عليها ولئن كانت تهمنا اننا معارضون وطنيون للنظام فلن نتوقف كثيرا فى سؤال الاستاذ عروة عن اسباب اعتقاله آنذاك... ولم نبرر للنظام اعتقاله كما لا نبرر العمالة للاجنبي او الاستقواء به فى مواجهة النظام.
واخيرا نتوقف عند السودانوفوبيا التى يتحدث بها لسان عروة (لماذا لاتكون احزابنا احزابا سودانية لحما ودما وفكرا... لماذا نستمد افكارنا ومنهجنا من الخارج خاصة تجاربه الفاشلة...الخ) لعمري ما هذا المنطق ان مؤتمر الخريجيين الذي يعتز به كل وطني سوداني اهو فكرة سودانية ام تأثر بالفكر الانساني الذي سبقنا بالهند، وهل تعبير او صيغة الاحزاب او فكرتها فكرة او لحما او دما سودانيا سائغا؟؟!! من هي حواء السودانية التى انجبت لنا (الحزب)كتنظيم؟!!
ومن هو المفكر السوداني منذ بداية تاريخنا المكتوب باثاره المحفوظة الذي ابتدع لنا النظام الديمقراطي؟!! التاريخ الذي يكتب به محجوب عروة (يونيو، يوليو) اللغة التى يكتب بها محجوب عروة النموذج (الصحيفة) التي يطالعنا فيه عروة (الصورة والكاميرا التي التقطتها لعروة) الخ... اين هي شهادة ملكيته السودانية لها بشحمها ودمها؟؟.
ذلك كله ياسيدي من تفاعل البشرية الانسانة نأخذ منها وننهل منها دون ان يكون ذلك على حساب خصوصيتنا ولن تكون خصوصيتنا فوبيا فى طريق تفاعلنا مع الآخرين والاهم من ذلك ان عنوان سودانية حزبنا هي ماظل يقدمه هذا الحزب فى ساحة النضال الوطني مهرا للدفاع عن استقلال السودان وسيادته ووحدته شعبا وارضا ونظاما ديمقراطيا تتحقق فيه المساواة بين المواطنين فى الحقوق والواجبات ونظاما اقتصاديا تتحقق فيه التنمية والعدالة الاجتماعية.
ولكل اسم من اسماء الاحزاب التي استكثر عليها اسماءها الاستاذ عروة دلالته ومغزاه عند منتسبيه- ما يهمنا نحن اننا نعتز باننا بعثيون ونرجو ونعمل على بعث امتنا العربية وان تكون متحدة ويسودها نظام اشتراكي ولانخجل من الاعتزاز والفخر بها سيما وان تاج حزبنا الشهيد صدام حسين قد اصبح في استشهاده كما فى حياته رمزا يعتز به الشرفاء فى المعمورة.. هذا هو حزب البعث الذي نعتز به وتجربته التى نفاخر بها والحمد لله.

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147521278&bk=1
_________________

Post: #675
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 03:15 AM
Parent: #674


جنرالات باكستان والسودان.. نفس الملامح والشبه
الفاضل حسن عوض الله
ما أشبه الجنرالات الذين حكموا باكستان بنظرائهم ممن حكموا السودان. وما أشبه تاريخ الدولة الباكستانية الذي يجسد حالة شد وجذب بين الحكومات المدنية والعسكرية، ما أشبهه بتاريخ السودان المعاصر. حكم العسكريون باكستان أكثر من نصف تاريخها إذ هيمنوا على سدة الحكم 33 عاماً في حين نعم المدنيون بـ27 عاماً غير متصلة منذ ميلاد الدولة في 1947 كوطن لمسلمي شبه القارة الهندية.
منظومة الجنرالات الثلاثة الأول في باكستان وتشمل اسكندر ميرزا وأيوب خان ويحيى خان الذين انقلبوا على الحكم المدني بدءاً من 1953، ثم ما لبثوا أن افترس كل خلف منهم سلفه وأقاموا أنظمة تفتقر للأيديولوجيا. اللهم إلا من ركونهم إلى المؤسسة العسكرية ونهجهم الكلاسيكي الذي ينحو صوب الولايات المتحدة، الأمر الذي جعل من مناهضة المد الشيوعي الذي اجتاح العالم وقتها أيديولوجيتهم المنشودة. هذا النموذج يكاد يتطابق مع نموذج حكم الجنرال إبراهيم عبود في السودان الذي سار على نفس النهج النمطي التقليدي بالركون إلى المؤسسة العسكرية (الجيش) ووضع النظام بأكمله كترياق لمواجهة المد الشيوعي في تناغم تام مع الاستراتيجية الأمريكية. أدى هذا النهج إلى استقطاب الدعم الاقتصادي والعسكري الأمريكي، فقد شهد السودان قوافل المعونة الأمريكية وبالمقابل حظيت باكستان على عهد أيوب خان ومن بعده يحيى خان بمساعدات اقتصادية وعسكرية أمريكية لعقد من الزمان وانضمت الدولة الباكستانية لمعاهدات دفاعية شتى تحت الرعاية الأمريكية لمناهضة الاتحاد السوفيتي.
ويمثل موقف الولايات المتحدة الانتقائي تجاه جنرالات السودان وباكستان وحكوماتهم العسكرية محور تشابه إضافي في التاريخ المعاصر للدولتين، فأنظمة الجنرالات التي حكمت البلدين كانت موضع ترحيب وارتياح من الإدارة الأمريكية وهو الأمر الذي لم تحظ به الحكومات المدنية الديموقراطية التي تعاقبت على البلدين. ظلت هذه الحكومات المدنية في البلدين تتجرع من كأس التنكيل السياسي والعقوبات الاقتصادية الأمريكية حتى الثمالة !
انقض الجنرال ضياء الحق على سلطة (ذو الفقار بوتو) المنتخبة في باكستان في العام 1977م بينما كان جنرال السودان الثاني (ومشيره الأول) جعفر نميري يترقب بشارات فجره الكاذب ويطلق شعارات القيادة الرشيدة و(يؤلف) المجلدات الثقال حول النهج الإسلامي لماذا.. وكيف.. ومتى.. (وربما حتى) ! ما أشبه الرجلين وما أشبه الجنرالين. ضياء الحق ادعى أنه صاحب مهمة تاريخية لأسلمة باكستان وتحت رعايته نمت الجماعات الإسلامية وأفرخت وتحولت إلى تيارات ممولة جيداً ومدعومة من استخباراته. ومضى الجنرال الباكستاني في الشوط إلى منتهاه حينما قاد ولي نعمته (ذو الفقار بوتو) إلى حبل المشنقة قرباناً لهذه الأسلمة المزعومة، والتي لم تكن سوى ستار دخان يداري به صفقة عقدها مع الأمريكان ووكلائهم في المنطقة من أجل مكافحة الغزو السوفيتي لأفغانستان. تلك الصفقة التي تحول بموجبها إقليم وزيرستان الباكستاني المتاخم لأفغانستان إلى معبر استراتيجي لدخول المتطوعين والمجاهدين. أمريكا يومها ما أرادت نصرة المجاهدين الأفغان مرضاة لله أو احتساباً في ميزان الحسنات بل كان الأمر فزعاً استراتيجياً من اقتراب الاتحاد السوفيتي من المياه الدافئة.
وبنفس الملامح والشبه كان جعفر نميري قد نضبت من بين يديه كل تكتيكات التحالفات المرحلية وافترس في مشواره السياسي قيادات الشيوعيين ونفض يديه عن الأخوان الجمهوريين ولم تكسبه (المصالحة الوطنية) مدداً سياسياً وأرقت نومه النقابات. لكل هذا راح يدغدغ الأشواق الإسلامية ويغازل من نصبوا أنفسهم سدنة لهذه الأشواق، فأكرم وفادتهم وبذل لهم حيزاً من مطارف الحكم وحشاياه تأسى بنظيره باكستاني ضياء الحق فأقدم على إعدام محمود محمد طه قرباناً لهذه الصفقة الكا سدة.
غاب على فطنة جنرالي باكستان والسودان (إن كان هناك من فطنة) أن الاستراتيجيات الدولية لا قلب لها ولا مشاعر، فجنرال باكستان استنفد أغراضه فى خدمة الاستراتيجية الامريكية بعد خروج السوفيت من افغانستان وآن الأوان لتقليم أنياب الجماعات الاسلامية الباكستانية التي ايقظها الجنرال. وجنرال السودان أوشك عياره الاسلامي أن يفلت من يديه وهكذا احترق الاول مع طائرته هى تعود للخرطوم من دونه وبقى حسيراً يرقب طي البساط الاحمر من تحت اقدامه فى مطار القاهرة صباح السادس أبريل 85.
وينسل من الرحم الباكستاني العسكري جنرال جديد هو برفيز مشرف الذي أطاح بآخر حكومة ديمقراطية عرفتها باكستان فى العام 99 وسط استنكار مصطنع من عواصم العالم الغربي سرعان ما تلاشى مع تداعيات زلزال 11سبتمبر. انفض سرادق الاحزان على ديمقرطية باكستان الموءودة في تلك العواصم وأصبح الجنرال الجديد مطلوباً ومشتهياً. لم (يكذب الجنرال أهله) فألقى بنفسه وبلاده في ضرام استراتيجية الحرب على الإرهاب وعض بأسنانه على (جزرة) المحافظين الجدد، ومثل ما فعل ضياء الحق من قبله، جعل من شريط وزيرستان الحدودي مع أفغانستان معبراً للاستراتيجية الأمريكية ولكن باتجاه معاكس هذه المرة.
أما في السودان فقد كان الشيخ وحواريوه في مطبخهم يمزجون العسكرية بالعقائدية ويتآخى على يديه الجنرالات والشيوخ. وما فطن الطاهي النابه إلى النيران وقد أمسكت بثوبه فانفض من حوله الجنرالات (والحيران) معاً. ظلت الإنقاذ يعد أن تكاثرت عليها نصال الضغوط الدولية وتهاوى مشروعها الحضاري وفتن أهلها بالسلطة وانصاعت طائعة أو مرغمة إلى رغائب الاستراتيجية الدولية، ظلت وظل بعض رموزها يمنون النفس بأن ينالوا حظوة جنرال باكستان (مشرف) ويحلمون بسحائب أوسلو ولندن وواشنطن تمر خراجها عليهم في الخرطوم. ولكن فات عليهم أن حظوة الجنرال الباكستاني – والتي بدأت في التلاشي – إنما جاءت بغرض استخدامه في مجابهة نيران الحرب المزعومة على الإرهاب في أفغانستان، ومحاصرة ألسنتها وإخمادها حتى لا تطال باكستان معقل الأصولية الإسلامية وموضع أول ترسانة نووية إسلامية. ولكن الأمر كان مختلفاً في إفريقيا جنوب الصحراء والتي تضم في ثناياها السودان حيث تبدو متطلبات الاستراتيجيين الأمريكيين جد مختلفة، فالمطلوب هنا ليس إخماد الحرائق بل إضرامها من أجل تفكيك الخارطة السياسية وإعادة تشكيلها من جديد. خلاصة القول أن ما من (جزر) أمريكي سيطاله فم السلطة في السودان وأن جنرال باكستان مشرف مطلوب (استراتيجياً) في الوقت الراهن على الأقل، بينما نظام الإنقاذ مطلوب (قضائياً) ما لم تتحرك الثوابت وتسكن المتغيرات في ركائز الاستراتيجية الأمريكية.
http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147521472&bk=1
___

Post: #676
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 03:15 AM
Parent: #675


حرية العقيدة والإعتقاد
د.كامل ابراهيم حسن
يعتقد بعض كتاب الأعمدة في صحيفة السوداني أن الحركة الشعبية لتحرير السودان مرتبطة بصورة أو أخري ليس بالفكر الإشتراكي وحده بل وبالحزب الشيوعي السوداني... وأول القائلين بذلك وقبل ذاك البعض من كتاب الأعمدة مسئول وقيادي كبير بالمؤتمر الوطني وقد صرح المسكين بعد إنقلاب الإنقاذ بمدة قصيرة بقوله :.... وكلنا يعلم أن جون قرنق يسير علي خطي شقيقه جوزيف قرنق عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوداني... وبتمرده هذا يريد جون قرنق أن ينتقم لأخيه الذي أعدمه الرئيس السابق جعفر نميري الخ... فصديقنا السياسي المتمرس لا يقول بشيوعية جون قرنق ولكن يخبرنا بمعلمه ( شقيقه ) جوزيف قرنق...
أنا لا أريد مناقشة صحة من عدم صحة هذه المقولة ولا أظن القارىء يحتاج إلى تبيان حقائق في هذا المجال فالكل يعرف ألا جامع دم بين جوزيف قرنق وجون قرنق إذا إستثنينا القبيلة ( الدينكا )... الموضوع عندي أكبر من ذلك لأنه يدخل إلى لب قضية مبدئية وهي حرية العقيدة والإعتقاد وعليه ما هي الخطيئة إذا كان جون شقيق جوزيف وأن الثاني شرب الماركسية حتي إرتوي من كف ( شقيقه ) المزعوم... هنا نريد مناقشة حرية العقيدة والإعتقاد من وجهات نظر متعددة مع التركيز علي رأي الإسلام في ذلك نسبة لأن كل من كاتب العمود والسياسي المحنك من أتباع الإسلام السياسي...
كل المواثيق الدولية ومواثيق حقوق الإنسان تقول بأن حرية العقيدة والإعتقاد لكل أفراد البشرية حق أساسي يكفله له القانون ولا يصح التفريق بين إنسان وآخر أو إستعلاء هذا علي ذلك علي أساس العقيدة أو الرأي السياسي الذي يتبناه ولا يصح لأي جهة أن تنتزع منه هذا الحق.... ويقول عراب الإنقاذ الدكتور حسن الترابي في محاضرة له نظمها إتحاد طلاب جامعة الخرطوم معلقاً : وما دام كذلك هو الأصل خلقاً وشرعاً فالحرية مؤصلة في العقيدة وأحكام الشريعة الفرعية إنما تعبر عن ذلك الأصل العقدي الذي أُسس عليه الدين... ومن ثم نجد في الشريعة السياسية إباحة للفرد المسلم أن يكسب كسبه بإجتهاد في الراي... فمهما وُضعت عليه ضوابط التعليم والتوجيه فليس لأحد – ما دام التفكر عبادة والإجتهاد فرعاً من التدين وإبداء الرأي نصيحة واجبة – ليس لأحد أن يسكت صوت المسلم الحر... الخ لا يقف د. الترابي عند هذا الحد بل يقول عن مسألة الإيمان والكفر :... ذلك لأن الحرية في أصل العقيدة الدينية هي قدر الإنسان الذي تميز به عن كل مخلوق سواه... فمهما كانت الأشياء تسجد لله كرهاً ومهما سجد كذلك العنصر المادي من جسم الإنسان فإنه بإرادته حر مختار إن شاء عبد الله سبحانه وتعالي طوعاً وإن شاء كفر." كما يقول وليس لمخلوق مهما عظمت مكانته أن يجبرنا حتي علي قبول الدين الصحيح : ( لذلك هو قدر الإنسان الطبيعي وهو كذلك حكمه الشرعي... فلم يجعل الله لرسول أو حاكم عليه سبيلاً ليكرهه علي قبول الدين الصحيح... فكما لم يركب الله في فطرة الإنسان ما يلجئه إلجاءً ولم يركب في عقله ما يضطره إلى أن يستسلم لحقائق الإيمان لم يجعل كذلك للسلطة الإجتماعية ولاية إجبار تتحكم في الإنسان كيف يتخذ موقفه من ربه...الخ
قد يقول قائل هل يصدق أحد أن هذا الحديث المتقدم والإيمان القوي المؤسس بالحرية كحق أصيل يأتي علي لسان عراب الإنقاذ التي إنتهكت كل المواثيق والقوانين السماوية منها والوضعية وأذاقت كل من يختلف معها في السياسة لا الدين مر العذاب ومن قبل المستشار والمبايع ( للإمام ) نميري الذي إغتال خيرة أبناء هذا الشعب لأنهم لم يوافقوه الرأي في السياسة أو الذي إختلف معه في فهم الإسلام كالأستاذ محمود محمد طه !!!؟ نعم نصدق... فديدن جماعة الإسلام السياسي أن يقولوا ما لا يفعلون...
السودان الآن يعيش محنة كبيرة بل هو في مفترق الطرق وأس هذه المشكلة هو ( نشاف ) رأس تلك الجماعة التي حتي الآن لا تريد أن تفهم أن الإسلام السياسي هو المعوق الأكبر في بناء دولة حديثة متلائمة مع الظروف المحلية والعالمية... متي يرى هؤلاء أن السودان ماعون واسع يضم المسلم والمسيحي واللاديني... يضم العروبي والزنجوي... وهكذا لا يمكن أن يحكم إلا عن نهجٍ ديموقراطي علماني... ومتي يفهم هؤلاء بأن للدين مدارس مختلفة وأن فهمهم له لا يشترط أن يكون الفهم الصحيح... وما لنا لا نأخذ من الآخرين عبرة... فقد فشل الإسلام السياسي في كل مكان حتي في تلك البلدان التي جاء ممثلوه عن طريق صناديق الإنتخابات ولنا في جماعة حماس مثال حي...

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147522566&bk=1
_________________

Post: #677
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 03:16 AM
Parent: #676


من ذكريات الماضي والحاضر:مصير نيفاشا والإنقاذ.. بين الصقور والحمائم
حديث الجمعة:محجوب عروة
بمناسبة انتقادي له مؤخراً عقب مؤتمره الصحفي.. لست أدري لماذا صار (شيخ) علي عثمان صقراً في فاتحة الستينيات من عمره، وقد كان منذ شبابه خاصة عندما عرفته عن كثب منذ عام 1968م ونحن طلاب غض الإهاب شاباً مهذباً، حليماً، لطيفاً، مرناً، حتى اننا كنا نصنفه في خانة (جناح الحمائم) في الحركة الإسلامية عندما كانت تواجه نظام مايو؟؟. كان الشاب علي عثمان من أكثر المقربين الى الأستاذ محمد يوسف محمد المحامي القيادي في الحركة الإسلامية، وعندما تخرج في كلية القانون وعمل في المحاماة في مكتب الأستاذ محمد يوسف تأثر به كثيراً. وقد كان الأستاذ محمد معروفاً باتجاهاته الوفاقية وأفكاره الوسطية في الصراعات سواء داخل الحركة الإسلامية أو مع القوى السياسية الأخرى، وكان دائماً يميل للمصالحة حتى مع نظام مايو في أكثر أوقاته عداوة للحركة الإسلامية بقيادة رئيس الوزراء السيد بابكر عوض الله.
أذكر أنني في عام 1970م وفي فترة الإجازة بجامعة الخرطوم وعقب أحداث الجزيرة أبا استدعتني قيادة الحركة الإسلامية (الأستاذ عبدالله بدري وصلاح أبو النجا) وأرسلاني سراً الى بيروت برسالة الى الأستاذ عثمان خالد مضوي، ممثل الإخوان في الجبهة الوطنية، وطلب مني إبلاغه بأن مكتب الإخوان اقتنع بوجهة نظر الأستاذ محمد يوسف بأهمية الهدنة مع نظام مايو حيث إن الأستاذ محمد يوسف اتفق مع رئيس الوزراء بابكر عوض الله –بحكم صلة المصاهرة بينهما- على أن تنشأ هدنة بين الإخوان ونظام مايو، وفي مقابل ذلك يسمح للإخوان بالنشاط الديني (دون السياسي) وتعاد لهم مطبعة الميثاق التي صودرت منهم، وربما يطلق سراح بعض قياداتهم من المعتقلات.. فسافرت سراً الى بيروت ومعي صديقي الطالب محمود أحمد جحا الذي كان عائداً لتوه من إثيوبيا بعد هروبه من الجزيرة أبا عقب ضربها واستشهاد محمد صالح عمر، الذي عاد للسودان بتوجيه من الشريف حسين الهندي وعثمان خالد مضوي ود.عمر نور الدائم ومهدي إبراهيم وقطبي المهدي، وذلك لجمع المزيد من المعلومات ورصد تداعيات أحداث الجزيرة أبا.. وكان من ضمن المهمة ان طلب من الأخ محمود جحا تصوير الدبابات الروسية (T55) التي استوردها نظام مايو وذلك ليتم نشرها في الصحف اللبنانية اليمينية كجريدة (الحياة) الشهيرة تأكيداً لسيطرة الاتحاد السوفييتي على النظام السوداني.
كانت مهمة خطيرة دون شك، ولكن يشاء الحظ أن يحالفنا، فننتهز احتفالات نظام مايو بعيده الأول في يوم 25 مايو 1970م، وطلبنا من المصوراتي الشهير الأخ صلاح عبدالله أن يقوم بتصويرها، فقام الأخ صلاح بالمهمة خير قيام وبكل الكفاءة رغم أنه كان مراقباً ومشكوكاً فيه بطبيعة الحال.. ثم كانت المهمة الأصعب كيف نستطيع أن نستخرج جوازاً جديداً للأخ محمود جحا لنسافر سوياً لبيروت، وهو الذي فقد جوازه الأصلي في الجزيرة أبا فربما عثرت عليه السلطات.. المهم استطعنا أن نستخرج الجواز.. وعندما وصلنا الى بيروت علمنا أن د.حسن الترابي أرسل من خلف مكتب الإخوان شخصاً موثوقاً من معتقله برسالة للإخوان بالخارج يقول لهم إن قرار مصالحة مايو حينها خاطئ من أساسه وأن استمروا في المعارضة ولا تلتفتوا للوراء، وأن فكرة الهدنة التى اقترحها بابكر عوض الله ما هي إلا محض وسيلة لاستدراج الإخوان ولشق الجبهة الوطنية وإضعافها، فماتت فكرة المصالحة مع مايو ولم تنجح إلا في عام 1977م.. هذه الرواية أكدها لى ذلك المبعوث الخاص.
قلت إن الشاب علي عثمان كان يعتبر من جناح الحمائم في الحركة الإسلامية خاصة بعد المصالحة الشهيرة في عام 1977م رغم أنه اعتقل مراراً، كيف لا وهو القيادي الطلابي وأول رئيس لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم عام 1969م قاوم نظام مايو فحل وزير الداخلية فاروق عثمان حمدنا الله اتحاده وأصبح منذ وقتها هدفاً منذ أن عمل قاضياً جزئياً في بداية حياته العملية.. ولكن بعد المصالحة الوطنية عام 1977م أخلص للمصالحة وصار قيادياً في مجلس الشعب وكسب بعلاقاته الودية كثيراً من الأصدقاء في ظل نظام مايو، وأعتقد أن الأخ علي الذي بدأ يخطو خطوات متسارعة وواثقة نحو زعامة الحركة الإسلامية حينها، ربما كان على يقين لو أن مايو أخلصت النية واعتمدت التطور السياسي والدستوري سبيلاً لكان هو النهج الأفضل، ولعل هذا التفكير هو الأصوب والأسلم، ولكنها لم تصبر عليه فبعد أن نقض النميري اتفاقية ودستور أديس أبابا المكتوب نقض عهده ودستوره غير المكتوب مع الحركة الإسلامية فأودعهم سجن شالا ولكن ظل علي عثمان طليقاً..
ولقد حاول علي عثمان جاهداً أن ينقذ إخوته من مصير مشؤوم وهم في السجن خاصة أن النميري كان قد أعدم الأستاذ محمود محمد طه، وربما يفعل نفس الشئ بالترابي، فحاول علي عثمان أن يصلح ذات البين.. ولكن الأقدار كانت أقوى منه فذهبت مايو صبيحة السادس من إبريل عام 1985م بسبب طيشها السياسي ونقضها للمواثيق والدستور. وعقب انتفاضة أبريل تسارع إيقاع الأستاذ علي عثمان وهو يخطو خطواته نحو قمة الحركة الإسلامية، وكان محبوباً ومحترماً من إخوانه فصار نائباً للأمين العام دون منازع.. حتى جاءت الإنقاذ وما أدراك ما الإنقاذ فصارت (كل السلطة بيد الجبهة.. وكل الجبهة بيد القيادة الجديدة... السوبر تنظيم)، كما قال د.عبد الوهاب الأفندي في كتابه الشهير يجلس على قمته د.الترابي وعلي عثمان وآخرون.
ويؤكد كثير من قيادات وقواعد الحركة الإسلامية صحة مقولة "إن السلطة مفسدة، والسلطة المطلقة مفسدة مطلقة"، فكان الأوفق بالحركة الإسلامية (والسوبر تنظيم) أن يستمر بمنهج الشورى والمؤسسية اللذين اعتادت عليهما الحركة الإسلامية منذ نشأتها، ولكن.. وآه من لكن.. انتهت الحركة الإسلامية الى صراع عنيف حول السلطة والنفوذ والجاه والمال، وشهدنا الانشقاق الكبير عام 1999م.
وقد لا يدرك كثير من الناس أن قرارات رمضان لم تكن وليدة لحظتها، بل وضعت حداً لصراع خفي منذ قيام الإنقاذ حين دب الخلاف حول منهج وسياسات الدولة الوليدة، ولكن كان يعالج بوسائل عاطفية فتسرب الماء بين الشقوق حتى شق الصخرة التي نحتتها أظافر أبناء الحركة الإسلامية زماناً.. وانتهينا الى هذا الحال المأساوي للحركة الإسلامية بين شيوخ وأجنحة.. وصقور وحمائم!!.. نصيحتى للأخ علي عثمان ألا يسمح بأن يجرفه تيار الصقور، كما حدث في مؤتمره الصحفي الأخير، وخير للوطن أن يستقر ويتوحد ويعتمد نهج التطور السياسي والدستوري السلمي من خلال اتفاقية نيفاشا لتكون أساسا لكل السودان.

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147522666&bk=1
_________________

Post: #678
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 03:17 AM
Parent: #677


دعا الى ربط الاسلام بالسياسة :د. عبد الله النعيم: للشريعة مستقبل عظيم فى حياة المسلمين

واشنطن: محمد علي صالح
اقترح د. عبد الله النعيم، الاستاذ السوداني بكلية القانون بجامعة اموري (ولاية جورجيا)، استمرار العلاقة الحيوية بين الاسلام والسياسة. ودعا الى حوار وتفاوض لتحديد العلاقة بين الدين والدولة في الاطار الخاص لكل مجتمع، وليس بفرض صيغة محددة.
وقال ان جدلية الفصل بين الشريعة والدولة مع تأكيد ربط العلاقة بين الاسلام والسياسة يجب ان تكون من خلال التفاعل الاجتماعي على مدى الزمن، وليس بصورة فورية.
لكنه اضاف: "اعتقد بان للشريعة الاسلامية مستقبلاً عظيماً في حياة جميع المسلمين في كل مكان." واكد ما اسماه "المنهج التنويري" الذي قدمه استاذه المفكر السوداني محمود محمد طه، خاصة في كتابه "الرسالة الثانية من الاسلام." (صدرت طبعته الاولى سنة 1967).

النعيم وطه:

ركزت جامعة اموري، في تقديمها للنعيم، على علاقته مع استاذه طه، وكتبت: "عندما ترك النعيم السودان سنة 1985، آلى على نفسه نشر وتطوير الاعمال الرئيسية لاستاذه طه. ونشر كتابه باللغة الانجليزية سنة 1987. وبدأ وضع اسس جدل نظري لشرح اصلاحي للشريعة الاسلامية لتتطابق مع حقوق الانسان."
في سنة 1968، عندما كان النعيم طالبا في جامعة الخرطوم، انضم الى حركة الاصلاح الاسلامي بقيادة طه. ثم حصل على بكالريوس في القانون سنة 1970، ودكتواره في القانون من جامعة ادنبرة 1976. ثم عمل استاذا في جامعة الخرطوم لثماني سنوات، ثم استاذا زائرا في جامعات: جنوب كليفورنيا في لوس انجلوس، وساسكتشوان في كندا، واوبسالا في السويد. ثم عمل لثلاث سنوات مديراً للشئون الافريقية في منظمة "هيومان رايتز ووتش" (مراقبة حقوق الانسان) في واشنطن. ثم انضم الى جامعة ايموري سنة 1995.
من الكتب التي كتبها: "الدستورية الافريقية ودور الاسلام" و "نحو اصلاح اسلامي: الحقوق المدنية وحقوق الانسان والقانون الدولي." وكتب مع فرانسيس دينغ كتاب "حقوق الانسان في افريقيا."

محاولة التوفيق

ولاحظت جامعة ايموري ان هناك جانبين رئيسيين لكتابات النعيم: "من تجربته الشخصية كمسلم من شمال السودان يجاهد للتوفيق بين دينه وهويته. ومن التزامه بقبول واحترام عالمي لحقوق الانسان."
وقالت انه "يريد تحقيق هدفين متقاربين: الاول: فهم ليبرالي وحديث للاسلام. الثاني، الشرعية الثقافية لقيم حقوق الانسان."
ومؤخرا، حصل النعيم على منحة من مؤسسة فورد الخيرية لاجراء دراسات منها كتابة كتاب "مستقبل الشريعة: العلمانية من وجهة نظر اسلامية."
وهدف المؤسسة هو "مساعدة المجتمعات الاسلامية في تعريف نفسها في نطاق الظروف الدولية التي تعيش فيها، وخاصة العلاقات بين الاسلام والدولة والمجتمع." وهدف الدراسة هو "الفصل المؤسسي بين الشريعة والدولة، رغم استمرار العلاقة الاساسية والضرورية بين الاسلام والسياسة."
وقرر النعيم ان يكتب الكتاب تدريجيا، بترجمة مسودته الى لغات يتحدث بها المسلمين، ويتلقى الآن ملاحظات علي المسودة، تمهيدا لطبع الكتاب بالانجليزية (من جامعة هارفارد في السنة القادمة)، ثم باللغات التي يتحدث بها المسلمون.

نقد مؤسسات الدولة:

وانتقد النعيم، في مسودة الفصل الاول، الحكومات التي تتولى شرح وتطبيق الشريعة الاسلامية، ودعا للفصل بين اسلام الدولة واسلام الفرد.
وقال: "مستقبل الشريعة الاسلامية انما يكون في التزام المسلمين بأحكامها بصورة طوعية، بعيدا عن اجهزة ومؤسسات الدولة التي تفسد وتفسد، اذا حاولت فرص احكام الشريعة بالسلطة الجبرية."
واضاف:"كل احكام الشريعة ملزمة للمسلم دينيا، بمعزل عن سلطة الدولة الجبرية."
واشترط النعيم توفر الحرية قبل تنفيذ الشريعة. وانه "لا يصح العمل باحكام الشريعة الا في حرية كاملة، وقصد خالص، وهو "النية" في كل عمل ديني." وقال هذا ينطبق على المعاملات (مثل تحريم الربا، وشروط البيع)، وعلى العبادات (مثل الصلاة والصوم والزكاة والحج).

معتقدات خاصة:

وانتقد النعيم انعكاس عقائد الحكام على سياسة الدول.
وقال: "لا يجوز للدولة أن تدعي قداسة الإسلام وسلطته الروحية. فللدولة وظائفها وأغراضها المعلومة والمهمة. إلا أن ذلك يتعلق بكونها مؤسسة سياسية مدنية. ولا يصح أن ينسب لها الإعتقاد الديني، أو النية اللازمة لصحة العمل الديني."
واضاف: "سلوك القائمين على مؤسسات وأجهزة الدولة يتأثر بمعتقداتهم الدينية الخاصة. إلا أن ذلك لا يجعل الدولة نفسها إسلامية، وإنما يؤكد ضرورة تمييزها عن الإسلام. لأن سلوك الحاكم إنما يعبر عن فهمه هو للأحكام الشرعية، وهو مجال أختلاف واسع ومتشعب بين المسلمين على مدى التاريخ."
واضاف: "الإسلام هو عقيدة المسلم التي يحاسب عليها حسب صحة علمه وعمله، بينما الدولة تقتضي استمرارية العمل المؤسسي في الحكم والإدارة والقضاء وما إلى ذلك من وظائف عامة."

الاتحاد السوفيتي:

واشار النعيم الى ان هذه الحاجةُ تتضحُ من تجارب هيمنةِ الحزب الواحد على الدولة، من ألمانيا النازيَّة والاتحاد السوفييتي إلى العديد من الدول الافريقيَّة والعربيَّة، طيلةَ العقودِ الأخيرة في القرنِ العشرين. وسواءً كانت القوميَّةَ العربيةَ بمصرَ، من خلال النظام الناصريِّ، أو كانت عقيدةَ البعثِ، تحت حُكم حافظ الأسد بسوريا، أو صدَّام حُسيْن بالعراق، فإن الدولة صارت وسيلةً مباشرةً للحزب الذي أصبح ذراعَها السياسي.
وقال انه، في مثل هذه الظروف، أمسى المواطنون بين شقيّ رُحَى، إحداهُما الحزب وأُخراهما الدولة، دون أملٍ في خلاصٍ إداريٍّ أو تشريعيٍّ من قهرِ الدولة، أو إمكانيَّةٍ لمعارضةٍ سياسيةٍ خارجَ نطاقِ سلطانِها.
وقال أن فكرة الدولة الإسلامية من حيث هي مرفوضة من مرجعية المنظور الديني الإسلامي، وليس فقط لفشل المحاولات المختلفة في إقامة هذه الدولة عبر التاريخ. وخلاصة حجته هنا أن هذا النموذج لا يستقيم عقلاً، ولا يصح دينا،ً بحكم الخلل في جوهر الفكرة، وليس فقط في عيوب الممارسة.

العلمانية:

لكن، يواجه النعيم مشكلة في الربط بين هذه النظرية وبين العلمانية، سواء الاكاديمية منها، او الاعلامية، والتي تعكس اسس الفكر الغربي.
واعترف بأن هناك "مسالة اصطلاحية يجب ان يوضحها، وهي العلاقةُ بين أطروحتي الأساسيةِ ومصطلحِ ومفهوم "العلمانية"
وقال ان النصف الاول من اطروحته بفصل الاسلام عن الدولة "يتشابه مع العلمانية، كما يفهمها ويرفضها غالب المسلمين باعتبارها استبعاداً كاملاً للإسلام عن الحياة العامة." لكن النصفُ الثاني من الأطروحة يؤكد "الصلةِ بين الاسلام والسياسة، ويراعي تلك المخاوفِ من العلمانية."
وقال ان الادراكُ السلبيُّ الشائعُ للعلمانية، في ربوع المسلمين، لا يميزُ بين فصلِ الاسلام عن الدولة، من ناحيةٍ، وصلته بالسياسة، من ناحيةٍ أخرى. وان غيابُ التمييزِ هذا يؤدي إلى فهمٍ لفصل الاسلام عن الدولة باعتبارِه عزلاً للاسلام عن المجالِ العام، وحصرَه في المجال الخاص.
واضاف: "بما أن هذا ليس ما أدعو إليه، فقد يكون من الحكمة استعمالُ مصطلح الدولة المدنية، بدلاً من العلمانية، لكيلا أضعف موقفي بالرؤية السلبية الشائعةِ عن العلمانية بين المسلمين. بدلاً من تبديد الجهد في تصحيح الفهم الشائع للعلمانية، سوف استخدم مصطلح الدولة المدنية، على أن يفهم بأنه فصل الإسلام عن الدولة مع ضبط وتنظيم علاقة الإسلام بالسياسة."

محاضرات وندوات:

بالاضافة الى كتبه ودراساته، يلقي النعيم محاضرات، ويتحدث في ندوات في الولايات المتحدة وغيرها.
في خريف السنة الماضية تحدث عن "حقوق الانسان والمواطنة العالمية: وجهة نظر اسلامية" في جامعة رتجرز (ولاية نيوجيرسي).
وفي الشهر الماضي، في جامعة كليتون (ولاية جورجيا)، القى محاضرة قال فيها: "كل مجمتع له شروره، ونحن، المجتمع الاسلامي، يجب ان نواجه شرورنا." ودعا غير المسلمين الى معرفة الاسلام، ان لم تكن دراسته، وقال: "الخلاف ابدي، والناس لا يمكن ان يكونوا متشابهين. حتى داخل العائلة الواحدة هناك اختلافات وخلافات."
وانتقد تفسير كثير من الغربيين بأن الشريعة هي "القوانين الاسلامية". وقال: "انها اكثر من قانون، انها الالتزامات الانسانية الكاملة." واضاف: "تشمل الشريعة كل جوانب الحياة، وهي جزء اساسي في الاسلام، ولهذا، فأن فصل الانسان عن الشريعة يفصله عن الاسلام."
واضاف، لكن، في نفس الوقت "لابد للحكومات الاسلامية الظالمة ان تفرق بين الشريعة والدولة حتى لا تلتصق الشريعة بنظام استبدادي."

بولتمور صن:

كتب د. مقتدر خان، استاذ مساعد في جامعة ديلاوير (ولاية ديلاوير) في جريدة "بولتمور صن" (ولاية ماريلاند)، بأن كثيرا من اساتذة الجامعات الاميركية المسلمين استفادوا من الحرية الاميركية، وبدأوا ينشرون كتبا وبحوثا اكاديمية فيها آراؤهم الحقيقية. وما كانوا يقدرون على ذلك في بلادهم الاسلامية والعربية.
واشار الى النعيم مع آخرين، مثل: سليمان نيانغ، و سيد حسين نصر، والراحل اسماعيل الفاروقي، وخالد ابو الفضل، وعزيزة الحبري، وطه العلواني، واكبر احمد، وماهر حتحوت، وامينة ودود.
واشار الى انغريد ماترسون، الاستاذة الجامعية الكندية التي كانت اسلمت، وصارت، في السنة الماضية، اول امرأة ترأس منظمة "اسنا" (الدائرة الاسلامية في اميركا الشمالية).


http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147523527&bk=1
_________

Post: #679
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 01:13 PM
Parent: #1


أحداث سودانية حدث فى مثل هذا اليوم 25 ديسمبر
اعداد : صلاح عبد الحفيظ
1921 الحاكم العام يوجه بتقليل الصرف على الخدمات نسبة للازمة المالية التى تمر بها الدولة ودولة التاج البريطانى من جراء الصرف على الحرب
1948

الجمعية التشريعية تنال اكبر قدر من الانتقاد من قبل معارضيها
1964 الفنان عبد الدافع عثمان يدخل الى استديوهات الاذاعة لاعادة تسجيل اغنياته الخالدات (مرت الايام – لحن الكروان – البحيرة)
1972 عدد من معلمى المرحلتين الوسطى والثانوية ينتقدون السلم التعليمى الجديد اثناء لقائهم بالوزير واحالتهم للصالح العام.
1979 الارسال الاذاعى يتمدد ليصل الى مناطق لم يصلها من قبل
1984 تنظيم الاخوان الجمهوريين يصدر بيان (هذا أو الطوفان) منتقدا فيه قوانين سبتمبر الذى اطلق عليها الرئيس الاسبق جعفر نميرى اسم الشريعة الاسلامية مما كان تمهيدا لاعتقال محمود محمد طه ومحاكمته ومن ثم اعدامه شنقا.


http://www.alahdathonline.com/Ar/ViewContent/tabid/76/C...ID/4702/Default.aspx
_

Post: #680
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 01:14 PM
Parent: #679


حـــوار في الســـــاعة الخــامســـة والعشـــرين مع باقـــــــان أموم (7)
فتحي الضـو
نواصل في هذا المبحث الحديث حول موضوع اللغة، بتأكيد مبدئي على أنه رغم تناولي لها إضطراراً، إلاّ أن تقديراتى تشير إلى أن وضوح الرؤى حولها يمكن أن يُعبِّ

د الطريق نحو أي من النجدين..الوحدة أو الانفصال. وطالما أنني لا أخفي تعصُّبي نحو الأولى فسألقي ببُردة المسؤولية الوطنية والأخلاقية على كاهل الحركة الشعبية، وبالطبع لا يوجد سبب يجعلني – وفق قناعاتي الخاصة – أن أتأمل خيراً في شريكها المسمي "المؤتمر الوطني" حتى وإن إرتدى جلباب نيفاشا توسلاً لشرعية مفقودة! بالإضافة إلى أننا حينما تأملنا حسم الجدل في الحلقة الماضية لصالح اللغة العربية...لم يكن ذلك تطرفاً ولا إنحيازاً ولا تعصباً، ولكن لإدراكنا أن اللغة لا تمنح هوية فهي مجرد وسيلة للتواصل الانساني والمعرفي، كذلك فإن شواهد الواقع تقول أنه وبعد أن أصبحت اللغة العربية قاسماً مشتركاً بين قبائل الجنوب نفسه (سواء أسمها اللغة الهجين أو "عربي جوبا") إضافة إلى أنه وبدون أي مكابرة تعتبر الآن الشعرة الوحيدة التي تربط بين شعوب الكيانين الشمالي والجنوبي إلى حين إشعار آخر، ولكن بعض الذين أصابتهم ما أسميناه "فوبيا اللغة" يرون فيما يجسده هذا الواقع.. خطيئة وطنية، فظلّوا وما انفكوا يغرقوننا في (جدل البئر المعطلة والقصر المشيد) وقد إستثنينا منهم زعيم الحركة الراحل دكتور قرنق بالرواية التي شاركناه حبكها.. ونزيد عليها بالتالى:
في العام 1986 فاجأ قرنق مستمعيه الذين جاءوا إلى أثيوبيا للإلتقاء به للمرة الأولى في كوكادام، وقد تركوا وراءهم الخرطوم تمضغ بقايا ثورة لم تكتمل، ويحرسها جند معلومون قدَّر قرنق أن يُسميهم "مايو2" أى إمتداد للنظام الذي ظن القادمون أنهم قبروه، ومن المفارقات وبعد أكثر من عقدين من الزمن أصبح أسمهم في زمن المسغبة السياسية الراهن "مجلس الحكماء" أي الذين ينتظر شعب السودان المكلوم أن يجري الله الحكمة على ألسنتهم ليخرجوا بها البلاد من الظلمات إلى النور.. قال قرنق «نحن نتاج لتطور تاريخي، واللغة العربية مع ضعف إلمامي بها وحرصي على إجادتها سريعاً، لابد أن تكون اللغة الرسمية للسودان الجديد، ونحن صريحون وواضحون في كل شىء، لا يمكن القول أن اللغة العربية هي لغة العرب وحدهم (يقصد عرب السودان: د. منصور خالد) وإنما هي لغة السودان كله، فالإنجليزية هي لغة الأمريكان ولكن القطر الذي يسكنونه هو أمريكا وليس انجلترا، والاسبانية لغة الأرجنتين وبوليفيا وكوبا وكل هذه البلاد معروفة وليست إسبانيا. نحن جادون فيما نريد ولا نحس بمرارة فيما نقول، نحن جادون في خلق سودان جديد، يخلق حضارة جديدة تضيف إلى العرب وإلى الأفارقة حضارة الانسان، فالحضارة ليست ملكاً لأحد لأن الحضارات جميعها وليدة تلاقح» (المصدر: مجلة كتابات سودانية العدد 33 ص 24) لمثل هذا الكلام لا يخالجني أدني شك في أن رئيس الحركة الحالي الفريق سيلفاكير ميارديت سيخلع قبعته إحتراما وتقديراً، أما أنا فقد أنحنيت له تكريماً وتبجيلاً حتى كلَّ ظهري!
وأزيد على المثال أمثلةً من الجوار الإقليمي، تشاد تلك الدولة التي ظللنا نستعلي عليها سياسياً وإجتماعياً وثقافياً، وفي ظل حكم عصبة الانقاذ إشتد ساعدها فإستعلت علينا عسكرياً، هي الدولة الوحيدة خارج حظيرة الجامعة العربية...التي أقدمت (برضاها) على إقرار اللغة العربية في دستورها كلغة رسمية إلى جانب الفرنسية لغة المستعمر، أما جيبوتي التي تبدو أكثر إعتزازاً بعروبتها، فقد فعلت الشىء نفسه أي إقرار اللغة العربية في الدستور، ورغم أن ذلك أهَلّها لإحتلال مقعد في منظومة الجامعة العربية المذكورة، لكن المفارقة أن لغة التخاطب في الدوائر الحكومية والشارع العام هي الفرنسية.. إلا من رحم ربي! وأيضاً اريتريا فبرغم أن المتحدثين بالعربية أكثر عدداً من جيبوتي، إلا أن قيادتها تمنَّعت في الانضمام للجامعة العربية لتوهمها أن ذلك سيشوش على هويتها، ونضرب كذلك مثلاً بالبلد الذي نعيش على ظهرانيه وقد ذكره د. جون في سياق حديثه، فالمعروف أن الدستور الأمريكي صمت عن إقرار اللغة الرسمية، فسادت الانجليزية وهي لغة المستعمر البريطاني بشرعية الأمر الواقع Defacto ويتحدثها نحو 96% من السكان، في الوقت الذي إندثرت فيه لغة أهلها الأصليين (الهنود الحمر) رويدا رويدا، وحالياً نتيجة تغييرات ديمغرافية بدأت الاسبانية (يتحدثها حوالي 30 مليون نسمة ما يعادل 12% من السكان) تفرض نفسها بقوة، وقد تصبح اللغة الأولى في السنوات القادمة في بعض الولايات مثل تكساس وكليفورنيا، ومع ذلك لم يشتك أحداً ولم يقل أن الاسبان قادمون لإستعمار أمريكا، وفي التقدير أن كل هذه الأمثلة تؤكد ما قلناه آنفاً أن اللغة لا تمنح هوية، بل حتى بالنسبة للعقيدة الاسلامية فهي (تابعة) وليست (متبوعة) كما قال شهيد الفكر الحر الاستاذ محمود محمد طه!إن اللغة ينبغي أن تكون في إحدي غاياتها السامية عامل توحد بين الشعوب، وصحيح أن اللغة العربية التي ظلت تنمو وتزدهر في السودان لأكثر من سبعة قرون لم تكن كذلك، نسبة لأن البعض أقحمها بصورة أو أخري في النزاعات المسلحة والحروب الأهلية، وحمَّلها ما لا تطيق حينما إندلع من ركام تلك الحروب والنزاعات سؤال الهوية. كذلك لا يرى المرء سبباً وجيهاً يفسر إفتعال البعض معركة في غير معترك، أي إدارة صراع خفي بين اللغتين العربية والانجليزية، رغم أنهما لغتين وافدتان وإن إختلفت طرق إنتشارهما في السودان، ولعل هذا هو ما دفعني للتساؤل سراً بينما كنت اشاهد وقائع الاحتفال بالذكرى الثالثة لإتفاقية السلام في أستاد واو يوم الأثنين 14/1/2008 إلى من وجّه المتحدثون باللغة الانجليزية حديثهم؟ هل للجالسين على المنصة أم للمنتشرين في الاستاد؟! ويتعقّد التساؤل أكثر لأن اللقاء مبثوث على الهواء، وبالطبع مقصود به السودانيين في الداخل والخارج، وبينهم نسبة معتبرة من غير الناطقين بها!
بما أن الشىء بالشىء يذكر، بصرف النظر عن المحتوى وطبيعة النظام، من منَّا لم يشعر بالزهو والاعزاز حينما خاطب الدكتور لام أكول مؤتمر القمة العربية الذي إنعقد في الخرطوم العام 2006 بلغة عربية فصيحة حرضت الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى على البوح بمكنون صدره من إعجاب مستتر، وكلنا يعلم آنذاك أن العرب العاربة الذين خاطبهم أكول، منهم من يتعثر في قراءة سطرين، وإذا قيض المولى له أن يكملهما دون تأتأة فقد يظن أن تلك درجه تؤهله لأن يصبح كليم الله. على كلٍ أستطيع أن أقول بقرائن الأحوال، إن إجادة لام ورفيقه مشار اللغة العربية كانت حافزاً لدكتور جون في محاولاته تحسين لغته، وأعلم أن أكثر ما ساءه في إنقسامهما الشهير العام 1991 وإرتمائهما في أحضان نظام الخرطوم، كان ظهورهما وآخرين في الأجهزة الإعلامية الرسمية واللقاءات الجماهيرية ومخاطبة الناس بلسان عربي مبين، رغم أنهما لا يمتلكان ذات الكاريزما التي يتمتع بها هو! وكنت قد قرأت رأياً لرئيس مجلس إدارة الصمغ العربي المستشار منصور خالد (الرأي العام 11/11/2003) قال فيه «أن د. جون بدأ يتجاوز عقبة الحديث باللغة العربية» ويومها كانت نيفاشا تقدم رجلاً وتؤخر أخرى!
كذلك أطمح من خلال إثارتي قضية اللغة هذه رداً على ما أدلي به أموم على رتق الفتوق التي صاحبت الحرب الأهلية في جنوب البلاد منذ أن بدأت بشرارة تمرد العام 1955 وقد هالني أثناء إعادة قراءة تقرير لجنة التحقيق الاداري التي عينها وزير الداخلية السيد على عبد الرحمن (الشيخ الأحمر) كما كانت تطلق عليه صحافة ذاك الزمان، وكانت اللجنة برئاسة قاضٍ فلسطيني مشهود له بالكفاءة والنزاهة وهو توفيق قطران قاضي المحكمة العليا، وعضوية خليفة محجوب مدير عام مشاريع الاستوائية، ولوليك لادو زعيم قبيلة ليريا، وبعد عام كامل من التحقيقات الميدانية في مدن مختلفة في الجنوب والخرطوم العاصمة أصدرت اللجنة تقريرها قي 18/2/1956 ولم ينشر حينذاك كاملاً وهو يعد من أهم الوثائق التي وضعت الأصبع على الجرح النازف، ورغم مرور أكثر من نصف قرن على الحدث، إلا أن ذلك التقرير يعد مرجعاً لتفسير كل ما إلتبس في لوح الحرب، وما يهمنا فيه الآن موضوع اللغة وتأثيرها في التمرد.
في سياق التسلسل التاريخي للمشكلة أشار التقرير إلى أنه في إطار الحيثيات إختط السكرتير الاداري آنذاك المستر هارولد ماكيمايكل مطلع العام 1930 سياسة جديدة بالنسبة للجنوب إقتضت «إمداد الجنوب بموظفين لا يتكلمون اللغة العربية من إداريين وكتبة وفنيين، كما شملت الرقابة على هجرة التجار من الشمال وإستعمال اللغة الانجليزية عندما يكون التفاهم باللهجات المحلية مستحيلاً» وقد ترتب على هذه السياسة عملياً خمسة سلبيات..ويهمنا منها الأخيرة «ألغى تدريس اللغة العربية كمادة في المدارس» وتؤكد الوثيقة التعسف الذي صاحب تنفيذ هذه الاجراءات «إن المدى الذي أتبع في تطبيق هذه السياسة بلغ حداً صبيانياً. فقد هجرت قرية كافيا كنجي (مديرية بحر الغزال) وخلقت منطقة حرام بين دارفور وبحر الغزال لمنع إختلاط العرب والزنوج، وحتى المسلمين من الزنوج من الأقطار الأخرى من أفريقيا مثل الفلاتة والهوسة قد أجلوا» إلى أن تخلص الوثيقة للنتيجة «صار إستعمال لغة التخاطب بين القبائل المختلفة (نوع ركيك من اللغة العربية) جريمة يعاقب من يتكلمها في المدرسة» كذلك أجبر من «كانوا يسمون بأسماء عربية لعدة أجيال على تغيير أسمائهم» تلك كانت نطفة المستعمر التي قذفها في رحم الوطن وولدت جنيناً مشوهاً ترعرع في كنف الحرب والكراهية، وبالطبع لا يوجد مغامر يرغب في إعادة عقارب الساعة للوراء ليرتكب الخطيئة نفسها، طالما أن هناك عقلاء مهمتهم هدهدت الفتنة في مرقدها!
لكني أخشي أن يكون أموم قد أومأ في حواره مع ”الرأي العام“ إلى إمكانية إعادة عقارب الساعة إلى الوراء بصورة أخري، حيث أشار إلى اللغة الانجليزية كبديل محتمل رغم أن ذلك قول سبقه نفى منه، والحق يقال إن صدق هذا، فقد يكون أشبه بحال المستجير من الرمضاء بالنار، وكان الصحفي قد سأله عما إذا كانت الانجليزية لغة سودانية؟ فتحذلق قائلاَ «نعم الانجليزية لغة سودانية بحكم الاستعمار الانجليزى، والصفوة السودانية تعلمت باللغة الانجليزية والجامعات السودانية كان التدريس فيها باللغة الانجليزية حتى جاءت الانقاذ بما يسمي ثورة التعليم العالي.. وبالتالي فإن الانجليزية لغة سودانية بحكم أننا ورثناها من المستعمر الانجليزي» الواقع أنا لا أعلم رد فعل القارىء فيما قرأ، ولكن شخصاً مثلي يعرف قائله معرفة لا إدعاء فيها لابد وأن يقطب جبينه إستغراباً، وتنكمش نفسه إستنكاراً، ويتمدد عقله في محاولة لمعرفة أي دوافع ميتافيزيقية حدت بالقائل أن يسُمّ طعامه بيده!
لعل أموم يعلم أن إسترجاع عقارب الساعة تمثل في أن تماثل اللغتين كاد أن يعصف بمحادثات أديس أبابا بين نظام نميري وحركة تحرير السودان بقيادة جوزيف لاقو، وذلك من قبل أن تفضي للإتفاق الشهير في مارس 1972 يومذاك رفضت الحركة أن تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية بإعتبارها لغة إستعمارية، إلى أن تمّ تجاوز العقبة بإقرار اللغة العربية، والانجليزية اللغة الرسمية في الجنوب أي لغة المكاتب، والواقع أن ذلك القرار لم يزد من إستخدام اللغة الانجليزية ولم يحد من إنتشار اللغة العربية، وتجدر الإشارة إلى أننا حينما نقول اللغة العربية فنحن نعني تحديداً اللغة الهجين التي أصطلح على تسميتها بـ ”عربي جوبا“ ولعلها بهذه التسمية تدرأ الشبهات في نفوس الذين أصابتهم ”فوبيا اللغة“ كما ذكرنا، وقد أسعدني الجهد الذي أنجزه دكتور بول دينق شول ولعله كان بعنوان ”لهجة جوبا العربية“ والذي نوقش في منتدي بمتحف التاريخ الطبيعي في يونيو العام الماضي 2007.
إن حسم الجدل حول موضوع اللغة لا يعني بأية حال إهمال اللغات الأخري أو الإستعلاء على الثقافات الأخري، ولعل الفرضية الأولى هي التي أدت إلى إنقراض بعض اللغات واللهجات السودانية، وذلك ما أكده (الراية القطرية 13/12/2007) البروفسير يوسف الخليفة أبوبكر رئيس دائرة اللغويات في مجمع اللغة العربية في السودان «بين يدينا سبع لغات لا يتحدثها إلا بضع مئات، وأخري إنقرضت في خلال القرن العشرين منها لغة حرازة وبِرقِد وقلي» والأخيرة هذه للذين لا يعلمون كانت لغة دولة الفونج، وقال أنه في زيارة للمنطقة عام 1977 وجد أربعة أشخاص فقط يتحدثونها، كانت أعمارهم تجاوزت السبعين!
في ختام مبحث اللغة أرجو ألا يندهش القراء مثلي إن علموا أن هناك جسماً غير مرئي يسمي ”مفوضية اللغات“ ويبدو أنها عاطلة عن العمل مثل صنواتها، وما أكثر العاطل عن العمل في أجندة الشريكين!
نواصل...



http://www.alahdathonline.com/Ar/ViewContent/tabid/76/C...ID/5783/Default.aspx
_________________

Post: #681
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 01:19 PM
Parent: #680


كتابات حول رحيل الفنان عز الدين عثمان

بعد انتشار خبر وفاة الفنان الكبير والكاركتيرست عز الدين عثمان، كتب العديد من أصدقائه ومعاصريه إفادات حول حياته وتجربته، وفي موقع (سودان للجميع) الالكت

روني، كتب التشكيلي حسن موسى والتشكيلي النور حمد إفادات وإضاءة حول حياته وفنِّه، نقلناها عن الموقع للمزيد من الاضاءة والتوثيق:
د. حسن موسى: (مساهمة عز الدين التي تجسدت في فن الكاريكاتير هي مساهمة رائدة على أكثر من مستوى سياسي وجمالي واجتماعي. ذلك أنها انطلقت في المبتدأ كمبادرة نقدية فردية، لكن الوعي الإجتماعي التقدمي الذي ظل يغذيها ويحـفـّزها على تعاقب السنين وعلى اختلاف الأنظمة السياسية كان لا بد له أن يجعل من رأي عز الدين الشخصي قضية عامة تهم الجميع، بل ويكسبه مشروعية سياسية نوعيتها الأصيلة تتجاوز بمراحل مشروعيات أغلب رموز العمل العام السياسي في السودان الحديث. وسيبقى الأثر الفني والسياسي لعزالدين عثمان علامة مهمة لكل من يخوض في ماء العمل العام بوسيلة الإبداع).
وقال الدكتور النور حمد: (عز الدين عثمان رائد سوداني في مجاله (الكاريكاتير) مثلما الكاشف رائد في مجاله (فن الغناء الحديث) ومثلما الصلحي وشبرين رائدين في مجالهما (التشكيل) ومثلما دريسة وحسن عطية وبرعي أحمد البشير رواد في مجالهم، (كرة القدم).
لا يمكن أن يذكر الناس حقبة الديمقراطية الثانية من غير أن يذكروا عزالدين عثمان. بعد أن سقط نظام الفريق عبود في أكتوبر 1964 وعادت الصحافة الحرة إلى الظهور بعد غياب دام ست سنوات، وعلى رأسها صحيفة الأيام، ظهر معها عز الدين عثمان وليدا خرج إلى الوجود بأسنانه مكتملة في فمه. كان كاريكاتير عز الدين أقوى من أي عمود يكتبه صاحب أي عمود في تلك الحقبة. وكان الكثيرون يشترون الأيام لكي يطالعوا كاريكاتير عز الدين. وجه عز الدين سهام نقده الطريف والنافذ للرئيس الأزهري، وللسيد الصادق المهدي، ولنصر الدين السيد، ولصلاح بن البادية وهو يرشح نفسه في دائرة أم ضبان، وللمحجوب، وللدكتور حسن الترابي وطلابه بجامعة الخرطوم يبدأون مسلسل العنف الطلابي وهم يعتدون على رقصة العجكو في جامعة الخرطوم. ولم يسلم سياسي من السياسيين من لذعات عز الدين عثمان. كان عز الدين صوتاً للديمقراطية والحزب الشيوعي يمر بمحنة الحل، وطرد نوابه من البرلمان. وكان صوتاً للعقل وللحقوق الأساسية، والأستاذ محمود محمد طه يتعرض لمحكمة الردة الأولى في 1968.
لا أعرف رسام كاركاتير سوداني ذاع صيته مثلما ذاع صيت عز الدين عثمان. غير أن البلد فقده وهو في أوج تألقه ليس بالموت الذي غيبه مؤخرا وإنما بالهجرة بعد أن علا التضخم وضمر عائد المرتبات ولمعت حياة الخليج في السبعينات، فهاجر المهنيون صوبه ذرافات ووحدانا. كان عز الدين كاريكاتيرست سوداني بنى رؤيته وتعبيره ودلالاته على تفاصيل الحياة السودانية، وعلى الأمثال السودانية، وعلى روح الثقافة السودانية، وعلى حس الفكاهة السوداني. لذلك، لم يلاقي عز الدين في صحيفة البيان الإماراتية من النجاح ما لقيه في السودان. هذا إلى جانب أن فن عزالدين قد ازدهر في حقبة شديدة الحيوية من حقب الديمقراطية في السودان. خرج عزالدين من السودان بعد وصول نميري للسلطة وسيطرة جهاز الدولة على الصحف. عمل عز الدين في صحف مايو فترة قصيرة ثم ما لبث أن خرج منها. وحين ذهب إلى الإمارات، لم يكن جو الحرية بأفضل منه في السودان في الحقبة النميرية. والكاريكاتير لا يعيش في غير أجواء الديمقراطية. بعد أن استقر عزالدين في الامارات تراجع صيته، وحين عاد إلى السودان بعد غيبة كانت الأمور قد تغيرت. فالسودان بلد تراجعت فيه الأمور، خلافا لأغلبية بلدان الدنيا. ولم يكن بوسع عزالدين استعادة حالته الأولى.
لن يؤرخ المؤرخون لفن الكاريكاتير في السودان، دون أن يقفوا وقفة طويلة عند محطة عز الدين عثمان. ألا رحم الله عز الدين عثمان. وعزاؤنا ممدود لزميلنا التشكيلي علي عثمان. وإنا لله وإنا إليه راجعون).
كما جاء في صحيفة الشرق الأوسط خبر بعنوان (وفاة أشهر فناني الكاركاتير في السودان، عز الدين عثمان أضحك السياسيين برسوماته الساخطة عليهم) جاء فيه: (وواجه عز الدين، بسبب جرأته في نقد الحكومات، متاعب كثيرة حيث تعرض للاعتقالات والفصل عن العمل على مختلف العهود التي حكمت السودان. ويعتبر النقاد أن رسوماته في صحيفة «الايام» التي ظل يعمل فيها طوال عهد الرئيس الاسبق جعفر نميري، هي الأكثر جرأة، وهي التي اكسبته الشهرة الواسعة. وكان من اكثر المنتقدين للزعيم السوداني اسماعيل الازهري الذي رفع علم الاستقلال عام 1956، ورأس حكومتين ديمقراطيتين في البلاد، في فترة الخمسينات وحتى الستينات من القرن الماضي، غير ان المراقبين كانوا يلاحظون ان الزعيم الراحل الازهري كان يبدأ قراءة الصحف لمشاهدة كاريكاتير عز الدين، ثم يضحك ملء شدقيه حتى لو كانت السخرية تطاله هو شخصياً، ويتقبل ذلك في سماحة وأريحية، ثم ينتقل من بعد ذلك لقراءة ما عسى أن يكون مستحقاً للقراءة فيها. ومن اشهر أعماله تلك التي تسخر من الزعيم الازهري، عندما اقدم على حل الحزب الشيوعي السوداني من داخل البرلمان السوداني في منتصف الستينات.. فقد صور زعيم حزب الامة الصادق المهدي على هيئة مسحراتي يحمل طبلة في ليلة رمضانية وهو ينادي «ابو الزهور خرق الدستور»، في اشارة الى الازهري. ومن أعماله التي لا تنسى، عندما تم اعتماد «منيرة رمضان» كأول امرأة لمنصب حكم كرة قدم بالسودان في منتصف السبعينات. التقط عز الدين بحسه الاجتماعي المرهف الحادثة لينشر عملاً يصور سيدة سودانية في زي حكم كرة، تضع يديها على خصرها، وهي تخاطب لاعباً تعمد الخشونة مع آخر، قائلة في نعومة «ضاربو ليه.. يضربك الضريب» وهي شتيمة نسائية سودانية.




http://www.alahdathonline.com/Ar/ViewContent/tabid/76/C...ID/6450/Default.aspx
_________________

Post: #682
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 01:20 PM
Parent: #681


ورشة القصة القصيرة تنطلق اليوم فعاليات متعددة وانشاء فرع لاتحاد الكتاب السودانيين

تنطلق صباح اليوم الثلاثاء بمركز عبد الكريم ميرغني الثقافي فعاليات ورشة القصة القصيرة والتي ينظمها اتحاد الكتاب السودانيين تحت عنوان (القصة القصيرة في

السودان، حدود المنجز وآفاق الحلم) وتستمر فعاليات الورشة حتى يوم غدٍ الأربعاء بالمركز في الفترة من 10 صباحاً وحتى الثالثة ظهراً. وقد وجَّه الاتحاد الدعوة لأكثر من 30 قاص وقاصة للاشتراك في الورشة بتقديم الأوراق النقدية والشهادات الإبداعية والقراءات. وقد جاء في مقدمة الاتحاد عن الورشة أن انعقادها يأتي (بغرض توسيع دائرة الاهتمام بالقصة القصيرة وفتح باب النقد والتحليل والتوثيق لهذا الفن العريض الذي شهد تطوراً ملحوظاً منذ بداياته المبكرة وحتى اللحظة الراهنة وهذه الورشة إذ تفتح الباب مجدداً, لا تدعي القدرة على الإحاطة بالإنتاج المتعلق بالقصة القصيرة في السودان في مشهده العريض الذي يمثل نصاً شاسعاً يزخر بالتنوع ولا تنقصه ملامح التجديد والتجريب بما في ذلك المغامرة, فقد تجذر هذا الفن في التربة الأدبية بالسودان عبر عقود عديدة من الإنتاج القصصي الذي ينتظر مزيداً من تسليط الضوء, مزيداً من النقاش, مزيداً من التوثيق).
يشارك في الأوراق النقدية كلٌّ من: عبد الحكيم عامر، عصام أبو القاسم، الفاضل خالد عامر، د.هاشم ميرغني، قاسم عثمان نور، مصطفى الصاوي، د. محمد المهدي بشرى، والقاص والناقد أحمد الطيب عبد المكرم. ويقدم الشهادات كلٌّ من: إبراهيم إسحاق، عيسى الحلو، محمد إسماعيل. وفي القراءات القصصية: جون بوي، إستيلا قايتانو، منصور الصويم، جمال غلاب، علي عيسى علي، عبد العزيز بركة ساكن، رانيا مأمون، عثمان شنقر، محمد عبد الجليل جعفر.
ويعتزم الاتحاد من خلال هذه الورشة أن يجمع الأوراق النقدية والشهادات في كتاب يتولى إصداره الاتحاد العام للكتاب السودانيين، إصدار عدد خاص من مجلة كرامة عن القصة القصيرة في السودان، إصدار أنطولوجيا قصصية بإشراف الاتحاد العام للكتاب في السودان، تأسيس منبر للسرد تحت مظلة اتحاد الكتاب وتكون للمنبر أنشطته الراتبة، الشروع في التخطيط لإعادة إصدار مجلة القصة التي أصدرها الرائد الراحل (عثمان علي نور) وذلك برعاية (اتحاد الكتاب) والتنظيمات الثقافية الأخرى مثل (رابطة الكتاب السودانيين) و(نادي القصة).
وأعد الاتحاد في شأن الانطلوجيا استمارة تتعلق بترشيح النصوص القصصية التي ستتضمنها الأنطولوجيا وستوزع هذه الاستمارة على كتاب القصة القصيرة ونقادها والمهتمين بفنون السرد في السودان بغرض ترشيح النصوص. وستعرض النصوص على لجنة من المختصين يقومون بالاختيار النهائي.
وينظِّم الاتحاد أيضاً احتفالاً بالذكرى الثالثة والعشرين لإعدام المفكر محمود محمد طه من خلال محاضرة يشارك فيها عدد من قادة الفكر والرّأي والسّياسة بمركز عبد الكريم ميرغني الثقافي مساء الخميس الموافق 17/1/2008م في تمام السّاعة 07:30م.
كما أنشأ الاتحاد فرعه الأول في الإقليم الأوسط, بمدينة ود مدني، والتأم الإجتماع التحضيري بتاريخ 7/1/2008م بحضور أربعة عشر عضو, وتم تكوين لجنة تمهيدية للإعداد لقيام الجمعية العمومية ومن ثم إنتخاب اللجنة التنفيذية، وقد تقرر أن يكون يوم 14/1/2008م الساعة الواحدة ظهراً بقاعة قصر الثقافة بودمدني يوماً لعقد الجمعية العمومية على ان يرافق ذلك ندوة بعنوان (الخطاب النثري في السودان) يقدمها د. محمد جلال أحمد هاشم الأمين العام لاتحاد الكتاب السودانيين.



http://www.alahdathonline.com/Ar/ViewContent/tabid/76/C...ID/5753/Default.aspx
_________________

Post: #683
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 01:20 PM
Parent: #682


في محاضرة اتجاهات المستقبل:فرنانديز :المحكمة الجنائية الدولية ليست في أولوياتنا
الخرطوم عبد المنعم ابوادريس
أمامنا فرصة ذهبية لتحسين العلاقات الأمريكية السودانية وإذا لم نغتنمها ستكون هناك مخاطر كبيرة ...عبارة رددها القائم بالأعمال الأمريكي البرتو فرنانديز أ

كثر من مرة وأضاف عليها تبقى لنا ستة أشهر فقط لاقتناص هذه الفرصة وبعدها ستدخل أمريكا في جو الانتخابات الرئاسية والتى ان جاءت بالديمقراطيين سيتغير الأمر لأنهم الآن يقفون على نقيض سياسة بوش الخارجية بل انهم يقولون بأن إدارة بوش في جيب الرئيس البشير جاء ذلك في ثنايا رده على المداخلات التى قدمت على محاضرته التى نظمتها مؤسسة اتجاهات المستقبل تحت عنوان أجندة لآفاق مستقبلية للعلاقات الأمريكية السودانية مساء الخميس في ختام سلسلة محاضراتها لهذا العام والتى ابتدرتها بمحاضرة لمدير شبكة قنوات الجزيرة وأخرى للرئيس الايراني أحمدي نجاد وتختتم بالقائم بالأعمال الأمريكي ومضى محجوب قائلا إنها المصادفة وليس تغيرا في أجندة المؤسسة.
ورغما عن تشديد مقدم المحاضرة الأستاذ الصادق بخيت على المداخلات لتكون متسقة مع موضوع المحاضرة وهو أجندة المستقبل إلا ان راهن العلاقات سيطر على المداخلات.
وقد بدا فرنانديز حديثه متنقلا ما بين العربية والانجليزية رغم ان النص الذي وزع على الحضور كان إنجليزيا
وكان أول المتداخلين البروفسير حسن مكي مدير معهد الدراسات الأفريقية بجامعة أفريقيا والذي قال إن الولايات المتحدة الأمريكية نجحت نجاحا كبيرا في هندسة السودان مقارنة مع ما قامت به في دول أخرى ومن دلائل نجاحها ان سلفا كير الآن هو النائب الأول لرئيس الجمهورية وان مناوي رغما عن إحراق الطائرات في مطار الفاشر هو كبير مساعدي الرئيس وتجد الهوة واسعة إذا قارنت هذا بدولة مثل الكنغو فهي ما زالت محترقة وليس فيها غير كنشاسا وفي إزاء هذا النجاح نجد أنها تضغط علينا وفي ذات الوقت نجد أنها فشلت في ان تحمل بعض الدول على منح المرأة حق الحصول على رخصة قيادة.
وحول المسارات الثلاث للعلاقات (العون الانساني والعقوبات والدبلوماسية العامة )فأمريكا نجحت في الجانب الانساني ولكنها فشلت في العقوبات فصادرات السودان عام 1989 كانت 365 مليون دولار والآن عائدات البترول وحده 12 بليون دولار وأمريكا تنظر لهذا البترول السوداني محرومة الشركات الأمريكية منه ولذا أدخلته في هندسة السودان يوم ان أعطت الجنوب 50%من عائداته.
ثم أعاب مكي على أمريكا أنها تتعامل مع السودان بمعلومات خاطئة ضاربا مثلا بما أورده السفير السابق توم كارني عند ما أرسل مسودة كتابه لحسن مكي ليطلع عليه قبل الطباعة فوجد أنه أورد ان أسامه بن لادن تزوج ابنة أخ الترابي فانظر كيف هي الأخطاء.
كما أن الإدارة الأمريكية سحبت مئات التقارير الخاطئة من أضابيرها بعد ضرب مصنع الشفاء ،وهذه المعلومات الخاطئة تجعل الأمريكان لايفهمون التعطيل في تنفيذ الأشياء وعدم التنفيذ ليس معناه ان السودان لايريد ولكنها تفاصيل خاصة به
وتاريخيا نجد ان الادارة الأمريكية أكبر دعم قدمته لنظام نميري عقب إعدام محمود محمد طه وترحيل الفلاشا، وبعد سقوطه لم تدعم حكومة سوار الذهب.
والأمر الثاني ان هناك تيارات متصارعة حتى داخل أمريكا نفسها في شأن السودان والدليل أنها عندما أرادت مادلين أولبرايت وزير الخارجية الأمريكية الأسبق فتح السفارة في الخرطوم خرجت أصوات مناهضة لها وأوقف فتح السفارة.
ولذا دعونا نفتح صفحة جديدة ونتعاون إذا ذهبت هذه الحكومة فستندلع الحرب بين أثيوبيا وأرتريا والسيد السفير يعرف ذلك كما لن تتوقف الحرب في الصومال والأوغادين سينزلق نحو الأسوأ والسيد السفير يعرف ذلك والجنوب ستندلع فيه الحرب الأهلية.
وفي تعقيب فرنانديز قال انه يتفق مع مكي في جانب ليس هناك حكومة كلها أخيارأو حكومة كلها أشرار وفي نقطة أننا أفضل من جيراننا، فمن السهل ان تقول نحن سيئين ولكنا لسنا الأسوأ ويمكنكم مقارنة أنفسكم مع أرتريا صاحبة أسوأ علاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة.
أما نقطة العقوبات فالمسؤلين حين أجلس اليهم يقولون ان العقوبات تؤثر علينا وفي ذات الوقت يقول رجال الأعمال انها ليست ذات أثر.
وأتفق معك أن هناك بعض التقارير غير الصحيحة وهذا كان في الادارة السابقة وأنا لا أدافع عن كل الإدارات الأمريكية، فقط هذه الادارة ،ولكن دعني أقول لك أنا كنت في دارفور. هناك مخاطر حقيقية ،وعندما جلست للنازحين على الأرض وتحدثت لهم بالعربية وجدت أنهم في حالة غضب وتسيطر عليهم روح الانتقام وتعمهم حالة من اليأس وهي مخاطر تهدد استقرار السودان والطريق الوحيد للخروج من هذه المخاطر هو الحوار والتعاون ولابد ان نكتشف طريقة إنسانية لمواجهة هذا التحدي الكبير.
أما المعتز احمد المصطفى من الحزب الاتحادي الديمقراطي فقد سأل عن موقف الولايات المتحدة الأمريكية من المحكمة الجنائية الدولية ونقطة أخرى انها تخرج سلاح العقوبات كلما اقتربت دارفور من الحل وهذا يغري الحركات المسلحة.
ورد عليه القائم بالأعمال الأمريكي قائلا نحن لسنا أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية وليست في أولوياتنا في السودان ،ولم يحدث ان تناولتها مع مسؤول سوداني وهي في هامش اهتمامنا وقد تكون مهمة لدول اخرى ولأننا لسنا أعضاء في نظام روما. وفي العقوبات نحن فعلنا أكثر من الآخرين فالدولة الوحيدة التى لديها عقوبات على أحد قادة التمرد هي أمريكا وهو الدكتو خليل إبراهيم.
أحد المتداخلين لم يورد اسمه ولا الجهة التى ينتمي اليها قال: كيف يكون هناك حديث عن تعاون بين الدولتين وحجم التبادل التجاري بيننا ضعيف وليس هناك رأسمال يتدفق بين البلدين ،وحتى في الثقافة لم نشهد نشاطا لمؤسسة ثقافية أمريكية في السودان أو سودانية في أمريكا، وعندها قاطعه فرنانديز بقوله الأسبوع القادم سيصل فنان أمريكي للخرطوم وضحك الجميع. ومضى ليقول: السياسة الأمريكية تقوم على تقسيم السودان الى دويلات ولذا أقوالكم تخالف أفعالكم وتتحركون وفقا لمصالحكم وأطماعكم في مواردنا ولذا تقومون برسم مستقبل السودان ،فانظر لاتفاقية السلام لم أقرأ عن دولة لديها ثلاثة جيوش إلا السودان بموجب الاتفاقية. أما بالنسبة لدارفور فهي عبارة عن نزاع قبلي تقليدي موجود في أفريقيا وسببه قلة الموارد وحدثت عليه تدخلات خارجية.
وعقب البرتو عليه قائلا أنا أؤمن بدور الثقافة، ونحن نحترم ثقافتكم في أديانكم وعاداتكم وتقاليدكم ولكن نحن في الجانبين لدينا مشكلة عدم ثقة. والحديث عن أطماعنا في النفط لو كان ذلك صحيحا لأخذناه بصمتنا على شيفرون وهي التى اكتشفت البترول السوداني وأنفقت عليه بلايين الدولارات وفي الاستثمارات الاختيار للسودانيين فلو اختاروا الصين سنذهب نحن.
وفي الحديث عن الجيوش لم يوقع الاتفاقية أمريكي من وقعها علي عثمان محمد طه وجون قرنق وهؤلاء سودانيون وبدلاً من لوم الأمريكان عليكم القيام بما اتفقتم عليه.
وحتى تقرير المصير لم نقرره نحن فمنذ 1995 التجمع قرر تقرير المصير وبالتجارب في العالم فإن الدول التى انقسمت لم تكن أمريكا هي السبب، بل العوامل الداخلية ،ونحن نفضل سودان موحد مستقر.
وحتى دارفور ،من ارتكب فيها الأخطاء؟ تريدون ارتكاب الأخطاء وإلقاء اللوم على الآخرين. عليكم حل أخطائكم بأنفسكم بدلا من لوم الموساد والمخابرات الأمريكية فليس الفور يهود.
وقال أمين مجلس الصداقة الشعبية احمد عبد الرحمن محمد في مداخلته ان الشعبين لديهم رغبة في التواصل ولكن ما يؤخذ على أمريكا انها تدخل في الأمور الداخلية أكثر من اللازم وهذا خطر عليها في ذاتها وتحضرني هنا عبارة البابا عندما قال (ان تدخل أمريكا بصورة أكثر مما هو مقبول خطر عليها وأخشى ان يكون مصيرها مصير الأمبراطورية البريطانية )
يحمد لأمريكا جهدها في الجانب الانساني وأنا كنت الوزير الموقع على عملية شريان الحياة في أول عهدها ،ولكن أيدلوجية من يحكمون أمريكا مبنية على المصالح، وهذا أمر محمود لهم، وهذا اتجاه حتى الأوربيون نحن نحتاج لهم ولكن المشكلة هي عدم الثقة بين الطرفين مما جعل هناك تفسيرا لبعض القضايا، فمشكلة دارفور كما قال المبعوث الصيني هي مشكلة داخلية ولكنها تفاقمت بالأطماع الدولية والاقليمية وهناك مشاكل عرقية ولكن ليس تطهيرا عرقيا.
وقال البرتو انه يتفق مع احمد عبد الرحمن في ان عدم الثقة خلق حالة من الاحباط المشترك وجعل كل طرف يفسر سلوك الآخر بأسوأ شيء و 50 %من المشكلة خلقه عدم الثقة ولابد من كسر هذا الطوق وعن سياسة الولايات المتحدة الامريكية فمن جراء تعليقي على سياسة امريكا في الشرق الأوسط كنت على حافة الهاوية ولكن الحمد لله انا الآن في أفريقيا أما اللوبيات فهي موجودة في كل بلد والشهر الماضي عندما طلب الديمقراطيون عقوبات إضافية على السودان تصدت لهم جنداي فريزر وقالت الوقت غير مناسب ودافعت دفاعا مستميتا عن السودان رغم ان البعض يصفها بالشيطان
أما مدير مركزدراسات المستقبل السفير عثمان السيد فقال: أريد التعقيب على الدكتور حسن مكي فالدعم الامريكي لم يزد بعد ترحيل الفلاشا ولكن عقب انقلاب 1971 وأنا كنت مدير المخابرات واتجهنا الى أمريكا بدلا عن السوفيت ،
وعن السياسة الامريكية في المنطقة وأنا تخرجت من الجامعة الامريكية بيروت وهناك تناقض بين ما ندرسه وواقع السياسة الامريكية لذا أنتجت الجامعة الامريكية جورج حبش وليلى خالد ومعن بشور وغيرهم.
أما السودان فالولايات المتحدة تنظر اليه بالأسوأ حتى بين جيرانه والأمر لا علاقة له بالانقلاب على الديمقراطية والدليل دعمها لمشرف.
وأقول للسيد السفير إذا تشرذم السودان سينعكس ذلك على كل أفريقيا
أما الاقتصادية عابده المهدي فقالت ان المعونات الانسانية عندما تحولت الى تنمية ارتبطت باشتراطات الحكم الراشد وهذا أدى الى ان يتجه السودان الى الاقتراض من الصين والهند وهذه دول تعطي قروض بفوائد عالية ولكنها دون اشتراطات في الحجم وهذا سيؤثر على مستقبل الأجيال
أما حديثك عن الانتخابات النزيهة فكيف يكون ذلك وهناك قادة مسجونون.
ويعقب فرنانديز بقوله ما أثارته عابده صحيح. دعم نميري كان في إطار الحرب الباردة وجزء من محاربة الأنظمة اليسارية ولكن امريكا الآن تقوم بأشياء باهرة في أفريقيا وإدارة بوش لديها استراتيجية واضحة في تحفيز من يقومون بالأشياء الصحيحة وشاركت في انهاء ثلاثة حروب
أما عن اعتقال السياسيين فلن تكون هناك ديمقراطية إذا اعتقلت الحكومة الناس. أقول ذلك حتى لو طالب البعض بابعادي من السودان. هذا بشأن حالة علي محمود ومبارك الفاضل والقيادي من الحركة ،وعن المستقبل بعد الانتخابات الأمريكية تساءل محمد الحسن الحاج: هل سيكون مضيئا؟
فأجاب البرتو هذه الادارة لديها مرونة تجاه السودان وانا قلق لأن الديمقراطيون غير راضين عن سياسة بوش تجاه السودان ولذا الفرصة الذهبية هي فقط ستة أشهر بعدها ستدخل أمريكا في الانتخابات.
قال البروفسير عبد الرحمن دوسه ان المصالح ليست مشكلة، وان كان لأمريكا مصالح في بترول دارفور فليكن، ولا اتفق مع الذين يقولون مشكلة دارفور قبلية ،فهي قضية تهميش وعدم تنمية. واتفق معه فرنانديز ان مشكلة دارفور معقدة ولا حل دون القبائل العربية.
أما مستشار رئيس الجمهورية الدكتور غازي صلاح الدين فقال إنه كان يتوقع حديث حول أجندة المستقبل ولكنه وجد ذات القائمة من الاتهامات والاملاءات القديمة ومن السذاجة الظن ان أمريكا تدعم الديمقراطية والدليل ما تفعله مع مشرف كما انها ان قالت هذه الحكومة أتت بانقلاب فهي لم تدعم حكومة الأحزاب السابقة لها لانهم يرون في تلك الأحزاب امتدادا إثنيا لهذه الحكومة ولذا دعوا سلفا ومني للبيت الأبيض وكأنه ليس هناك رئيس اسمه البشير، ولو كان الصادق في مكان البشير لتعاملوا معه نفس التعامل ،ولذا علينا عدم الالتفات لدموع التماسيح هذه على الديمقراطية.
أما المساعدات الأمريكية فانتم تريدون استمرار حالة الاعتمادية وتحرمونني من التقنية والتجارة الحرة
وعن موضوع منح التأشيرات من داخل السفارة ،فهذا مرتبط بالارادة السياسية لا المبنى .فمن ذات المبنى منحتم التأشيرة للشيخ عمر عبد الرحمن وذهب لأمريكا وفعل ما فعل.


http://www.alahdathonline.com/Ar/ViewContent/tabid/76/C...ID/3711/Default.aspx
___

Post: #684
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 03:52 PM
Parent: #1


الجمهوريون هم الاقرب للانخراط في الموءتمر الوطني

اتباع الشهيد محمود محمد طه عمليا هم الاقرب لنظام الانقاذ بحكم التحول الاستراتيجي الكبير الذي
حدث في كيان الانقاذ بعد ازاحة الشيخ الترابي من سدة الحكم اصبح الطريق ممهدا للتقارب مع حذب
الموءتمر الوطني الذي يملك بتشكيلته الحالية كل عوامل النجاح كشريك لم يؤذي يوما الشهيد المفكر الكبير
الاستاذ محمود محمد طه الذي نحسبه شهيد الفكرة و الكلمة فنسأل الله له الرحمة و المغفرة



http://www.alahdathonline.com/Ar/%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%...e/posts/Default.aspx
_______

Post: #685
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 03:53 PM
Parent: #684


التقسيم الديني بالبلاد نذير الانفصال
ينظم الإخوان الجمهوريون ـ التنظيم الجديد ـ في السابعة والنصف من مساء اليوم، وفي إطار الاحتفالات بالذكرى السنوية لاستشهاد الأستاذ محمود محمد طه، ندوة بعنوان (التقسيم الديني بالبلاد ـ نذير الانفصال)، يتحدث فيها الدكتور معتصم عبد الله محمود، ويعقب عليه الأستاذ ياسر سعيد عرمان، ود.أبكر آدم إسماعيل، وذلك بدارهم بالهاشماب غرب دار الرياضة بأم درمان.

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147525476&bk=1
_______

Post: #686
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 03:54 PM
Parent: #685


أمين التني وليس يوسف!!
في التقرير الذي أعده الزميل الفاتح عبد الله بمناسبة الذكرى 23 لمحمود محمد طه والذي نشر في عدد الجمعة 18 يناير في صفحة (3) ذكر عن طريق الخطأ غير المقصود بالطبع "واقترح يوسف مصطفى التّنى تسمية الحزب بـ (الجمهوري)" والمقصود هو أمين مصطفى التني وليس يوسف لذا لزم التنويه وشكراً..

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147525611&bk=1
_________________

Post: #687
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 03:55 PM
Parent: #686


حرية النشر والتعبير ومصادرة الكتب
ان حماية حقوق الانسان هى من اوجب واجبات الصحافة واصحاب الراى والمفكرين والحقوقيين والاكاديميين من علماء واساتذة جامعات وغيرهم من ابناء هذا الشعب الذين يعلمون حقوقهم الدستورية.
لقد صادرت الحكومة كتاباً عن الاسلام والسلام وهو يلخص رأى الاستاذ محمود محمد طه وقام بتأليفه الاستاذ خالد الحاج وصودر هذا الكتاب من معرض عام وهو يحتوى على مئات الآلاف من الكتب لعدة مؤلفين فى مختلف العلوم ومن مختلف الجنسيات وهذا بالطبع مخالف لاتفاقية نيفاشا وحقوق الانسان فى النشر والتعبير.
لقد عرف الاستاذ محمود محمد طه منذ الاربعينيات بمناهضته للمستعمر ومعارضته التى تحرض الشعب على مقاومة الاستعمار وقد سجن لرفضه كتابة تعهد للانجليز يقضي بايقاف كتابة المنشورات وكان اول سجين سياسى فى السودان1946م..(راجع دار الوثائق) كتاب معالم فى الطريق للاخوان الجمهوريين.
لماذا صادرت الحكومة هذا الكتاب من بين آلاف الكتب؟ هل لانها تعتقد ان هذا الكتاب يحتوى على باطل؟ وتخشى على القراء من المفكرين والاكاديميين والخريجين من الاقتناع بهذا الباطل واتباعه! وبالتالى تكون هى الوصى على افكار الناس ومعتقداتهم؟ اليس هذا هو الاذلال بعينه! ام انها تخشى ان ينكشف فهم علمائها ومشرعيها الذين يعجزون عن تنفيذ فهمهم على اسرهم (ان من يحمل مدفعا لايخشى بأس من لايحمل عصا بيده).
كنا نتوقع من الصحفيين والمفكرين وعشاق الحرية والديمقراطية ان يتصدوا ويتناولوا بالكتابة بالصحف والمذكرات رافضين هذا التصرف الذى يتنافى مع القانون والدستور الذى اتفقت عليه الحكومة فى نيفاشا!.
ان حرص الحكومة على السلطة جعلها تتردد فى تنفيذ اتفاقية نيفاشا لانها تتعارض فى بعض بنودها مع اجندة مشروعها الحضارى التى كانت تملأ به افكار اتباعها فى الجهاد والاستشهاد والحور العين وغيرها من الافكار التى كانت تروج لها.
ان الاسلام فى اصوله (آيات الاصول التى لم يقم عليها تشريع بعدُ) يحقق الوحدة والسلام لانه جاء لجميع الناس (يا أيها الناس) ( يابنى آدم).
اناشد كل محبى الديمقراطية والحرية من الصحفيين والقانونيين والاكاديميين ان يقفوا صفا واحدا لمطالبة الحكومة بالغاء كل القوانين المقيدة لحرية النشر والتعبير التى تتنافى مع اتفاقية السلام وحقوق الانسان وارجاع الكتاب الذى صودر..(وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم اجمعين)
الهادى حمد أحمد علي
معلم بالمعاش

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147525854&bk=1
_________________

Post: #688
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 03:56 PM
Parent: #687


ختان الإناث ..البؤس الممنهج والقرارات الورق
كل الأحاديث التي يتكئ عليها مناصرو الختان، الضعيف منها والمُضعَّف ليس فيها توصيف عُضوي، غير عبارات عامة خصوصاً أحأديث الصحابية الكريمة أم عطية التي كانت تختن في زمن الجاهلية ومعروف أن الإسلام لا يوقف الممارسات الخاطئة ضربة لازب، وإنما سنته التدرج كشأن الخمر التي ذمها الله مرتين قبل أن يأمر بإجتنابها في الثالثة، وقوله (ص) إذا ختنت فلا تنهكي قول فيه ذم واضح لما تقوم به، وفي رواية أخرى أشِمِّي ولا تنهكي (بالسوداني يعني شمومة) أي بأخف ما يمكن، ولكن لم يرد إطلاقاً أنه أمر بالختان للذين لم يمارسوه ومنهم بعض أمهات المؤمنين رضي الله عنهن
ثم كيف يمكن ان يترك الإسلام أمراً كهذا لعموميات اللغة وهو دين التفاصيل بكل المقاييس، دين ثوري اقتحامي وضّح كل تفصيلة من تفاصيل الحياة، حتى كيفية الجلوس لقضاء الحاجة! فهل يستقيم عقلاً أن يسكت عن تفاصيل أمرٍ كهذا إن كان يريد للناس الاستمرار في ممارسته؟ التحدي أمام المروجين لختان الإناث وفي مقدمتهم السبعة المحترمون، أن يأتونا بدليل واحد مهما كان ضعيفاً يأمر بقطع الجزء كذا من العضو كذا؟ أما ختان الذكور والذي هو سنة إبراهيم عليه السلام فقد جاء تفصيله في التوراة (تختنون في أقبالكم) وقد اختتن إبراهيم بالقدوم وهو في الأربعين، فكان جزءاً من الكلمات التي ابتلاه الله بها فأتمّها، أما حديث الفطرة فليس فيه ما يشير إلي ختان البنات وقد ورد الختان كما ورد قص الشارب والذي هو خاص بالذكور دون سواهم وقياساً، يمكن أن يكون الختان خاصاً بالذكور أيضاً، وختان الذكور هذا أعداء الإسلام في أروبا على وشك تعميمه لما ثبت من فائدته، خصوصاً التقليل من إحتمالات الإصابة بالأيدز.
أسوأ ما في هذا الكتيب البائس أن المساهمين فيه سبعة أشخاص إثنان منهم يحملون درجة الأستاذية وأربعة درجة دكتور والسابع درجة قاضي وبالتالي هو كتاب بالغ التأثير في المجتمع الذي يحتفي بالدرجات، وهو أيضاً يصدر من مؤسسة مسنودة أي أنها تستطيع أن تطبع وتوزع مليوني نسخة، طباعة على الورق المصقول وهذا يعني أنها منظمة بفعالية كبيرة، وهذا بكل أسف مؤشر بالغ الخطورة! بالطبع أنا لا ادعوا لمحاربتهم أو التعسف في معاملتهم فمن المؤكد أن بعضهم على الأقل حسن النية ويحسب أنه يحسن صُنعاً، وكشخص آمن بحرية التعبير إيماناً غير قابل للتراجع فإنني أدعوا فقط إلي مقاومة هذا النهج بنهج مماثل وهذا النشاط الكثيف بنشاط أكثر كثافة، وهكذا التحول في المجتمعات يحتاج إلي نفس طويل، فالقانون الذي يحرّم ويجرّم ختان الإناث ولو أن صدوره مفيد جداً لكنه قطعاً لن يمنع الممارسة، وتجدر الإشارة أن القانون هذا تم تشريعه في الأربعينات وبكل أسف كان أشرس مقاوميه هم جماعة الفكر الجمهوري بقيادة الأستاذ محمود محمد طه (يرحمه الله) تبريرهم أنهم ضد أن يتدخل الإستعمار في ثقافة الأمة، الآن الجمهوريون الذين ينشطون من جديد مطالبون بجهد أكبر لدعم حملة المكافحة.
والأمر الأكثر بؤساً، وهو بؤس يثير الحزن والإحباط! هو أن تتحول قرارات الجهاز التشريعي إلى ورق، فقد وقع في يدي القرار رقم (19) للمجلس الوطني وبه هذه العِبارة بالنص في الفقرة (9) وبتوقيع السيد أحمد إبراهيم الطاهر، رئيس المجلس (سن التشريعات اللازمة التي تمنع ختان الإناث، وضرورة مكافحة كل العادات الضارة مع استنفار كل الجهات ذات العلاقة لدعم هذه الجهود) قرارات من ورق، أم .... من ورق؟!
وأمر آخر يبعث على الرثاء، فالمطلع على هذا الكتيب الهزيل، يجد الغالبية يرفعون فزّاعة أعداء الإسلام والمتربصين به من الشيوعيين واليهود، لو أن أعداء الإسلام يفكرون بهذه الطريقة لنام الإسلام قرير العين، يا هؤلاء أعداء الإسلام أذكى كثيراً، أفيقوا واخرجوا من دائرة الغيبوبة هذه لتعرفوا كيف تتصدوا لهم، أعداء الإسلام يفكرون باستراتيجية، فهم أخذوا المسلمين حزمة واحدة رموا بهم في دائرة التخلف، والآن يحزمون الإسلام كله ويضعونه في سلة واحدة أسموها الإرهاب، وأعلنوا حرب العالم كله عليها، ونحن لا زلنا ...!
وما يثير القلق هو تدخل الجهاز السياسي ومن رموزه الكبار بصورة عشوائية، فقد تحدث السيد رئيس الجمهورية مؤيداً في مسجد بجبرا بعد خطبة الإمام الذي دعا بالثبور وعظائم الأمور على أعداء الإسلام الذين يتدخلون بيننا وبين بناتنا، السيد رئيس الجمهورية رمز سياسي مهم وحديثه يجب أن يكون بالحساب، الرئيس كإنسان له أن يصلي في أي مسجد يريد وأن يصوم الإثنين والخميس كما يشاء فالأمر يخصه وحده، ولكن فليحذر من الإنتهازيين الذين يوظفون الكل، فالذين يرتادون برنامج الإفطار والله أعلم بصومهم، يملكون أذن الرئيس مرتين في الأسبوع! وهذا أمر في غاية الأهمية، فليفطر الرئيس مع أهل بيته، وإن كان لابد من الإفطار الجماعي، فليكن مع فئات متنوعة، ولكن حذار من الشللية فلكل شلة أجندتها واختراقاتها وأخطارها.
أخطر من ذلك أن الأمر قد دخل في دائرة المصالح كما ذُكر.
لن أذهب إلى وقفة الإلتزام بالتخلي عن ختان الإناث التي تدعو لها بعض المنظمات بالتنسيق مع مجلس رعاية الطفولة، فقد خضنا أنا وزوجتي نعمات حاج علي، (منسوبة اليونسيف) حرب المجتمع مبكراً وانتصرنا، وأمر الختان إلى زوال لا محالة، ولي عودة إن شاء الله.
* [email protected]
__

Post: #689
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 03:59 PM
Parent: #688


العقل العربي تلك الذاكرة الحرجة:تاريخ العقلانية: بين ابن رشد وابن سينا
غسان علي عثمان
وقوفاً عند تقسيم د.الجابري لاتجاهات العقلانية العربية؛ بين عقلانية رشدية (واقعية)، وعقلانية فارابية– سينوية (صوفية)... يرمي بنا الجابري نحو إمساك مفاصل أزمة العقلانية العربية، فإلى أشكال من الفكر الأسطوري جاءت نتائج العقل العربي عملاً ونظرية، فهو يرى أن الشعوبية الفارسية استطاعت أن تجعل من تفلسف ابن سينا محاولة لبناء باطنية تدفع بالثورية الإسلامية المضادة لأهل السنة (أو ما عرف بالشيعة الإسماعيلية) والتي بقيت تحمل في ثنايا أيديولوجيتها تناقضاً صارخاً بين الشكل الثوري (من حيث هي أيديولوجيا الطبقات الفقيرة والمحرومة) وبين المضمون الباطني (المُؤسْطَر) المتخلف والذي يعود إلى المانوية (دين ماني بن فتك، ولد في 216م في مدينة بابل، والذي أدعى أنه يوحى إليه وهو في الثانية عشرة من عمره فمزج الزرادشتية بالمسيحية والبوذية كذلك). وصحيح أن للأسطورة منطقها الخاص، كما يكتب الجابري، "بوصفها شكلاً من أشكال التعبير ونمطاً من أنماط التصور له منطقه الخاص". غير أن ما يقلقه هو هذا التوظيف العرفاني للأساطير، كما تمثَّل في الأيديولوجيا الشيعية؛ التوظيف الذي بلغ ذروته في التأويلات الباطنية للفكر الشيعي التي وجدت تعبيرها الحيَّ في فلسفة ابن سينا الشعوبية. فجاء في كتابه (نحن والتراث ص 193) أنه ومن خلال حفرياته في تاريخ الفلسفة المشرقية يقرأ ابن سينا عبر نوعين من القراءة، مباشرة وغير مباشرة (إسقاطية)، فاستنتج ما يلي: "ابن سينا هو المدشِّن الفعلي لمرحلة الجمود والانحطاط، عمل ابن سينا على تكريس لاعقلانية صميمة في الفكر العربي الإسلامي تحت غطاء عقلانية موهومة، وكانت الفلسفة المشرقية السينوية، في آن واحد، تعبيراً عن وعي قومي مهزوم ووعي أيديولوجي مقلوب؛ فهي إحدى تجلِّيات الوعي القومي الفارسي المهزوم، لكنْ الحي دوماً، المتطلِّع إلى استعادة نفسه باستمرار وبكبرياء. ولذلك كان هدفه هو إنشاء فلسفة مشرقية ذات خصوصية قومية فارسية، يجب أن ننظر إلى العمل على دمج الدين في الفلسفة والفلسفة في الدين كجزء من نضال عام –سياسي اجتماعي ثقافي– ضد الحصار السني للدولة، قام به أبناء الشعوب المضطهَدة قومياً وطبقياً".
وعبر هذا نستطيع أن نفهم الدوافع القومية–الأيديولوجية في فلسفة ابن سينا؛ وكذلك لماذا كانت الإسماعيلية –كرافد أساسي في تكوينية ابن سينا– أيديولوجيا الطبقات والقوميات المضطهَدة
في عرفانية ابن سينا
في كتابه (بنية العقل العربي) يعرف الجابري العرفان أنه "جملة التيارات الدينية التي يجمعها كونها تعتبر أن المعرفة الحقيقية بالله وأمور الدين هي تلك التي تقوم على تعميق الحياة الروحية واعتماد الحكمة في السلوك، مما يمنح القدرة على استعمال القوى التي هي من ميدان الإرادة فالعرفان يقوم على تجنيد الإرادة بديلاً عن العقل"، فالعرفاني الذي يتخلق من الأسطورة الهرمسية (تنسب الهرمسية كعلوم وفلسفة دينية إلى هرمس المثلث بالحكمة الناطق باسم الإله)، وينادي بالكشف والرؤيا والحلم والتأويل، ثم يمارس أبسط أنواع التفكير وأدنى درجاته، ويكرِّس باستمرار الهروب إلى عالم العقل المستقيل، بالإضافة إلى أنه يساهم في تكريس نظرة سحرية للعالم من خلال العرفان، كظاهرة وكنظرية. فيركزها الجابري في الآتي: "العرفاني يهرب باستمرار إلى عالم الميثولوجيا المفلسفة، العرفان، كموقف وكنظرية، تكريسٌ للنظرة السحرية للعالم، أولاً وأخيراً؛ فهو تكريس أيضاً للبنية العامة للثقافات القديمة التي يشكِّل فيها الفكر السحري، وليس العلم، الفاعل الأساسي –هذا حسب معلوماتنا الراهنة (القول للجابري). وهل يمكن تحقيق نهضة بالسحر؟، وأن الكشف العرفاني ليس شيئاً فوق العقل، كما يدعي العرفانيون، بل هو أدنى درجات الفعالية العقلية؛ وليس شيئاً خارقاً للعادة، فهو ليس منحة من طرف قوة عليا، بل هو فعل العادة الذهنية غير المراقَبة، فعل المخيِّلة التي تغذِّيها، لا المعطيات الذهنية الموضوعية الحسيّة، ولا المعطيات العقلية الرياضية، بل معطيات شعور حالم غير قادر على مواجهة الواقع والتكيُّف معه والعمل على السيطرة عليه مادية أو عقلية أو كليهما معاً، فيلجأ إلى عالم خيالي خاص به، ينتقي عناصره من الدين والأساطير والمعارف الشائعة"(بنية العقل العربي، ص379؛ تكوين العقل العربي، ص343).
وفي بحث الجابري عن اللامعقول في ثنايا العقل العربي وبالذات العقل الذي شيده ابن سينا يرى أن العقل المشرقي المعتمد على فلسفة ابن سينا يجد تعبيره في نظام العرفان. ثم يتمايز توصيف هذا العرفان إلى نوعين من العرفان: العرفان كنظرية "يطغى فيه التفسير والتأويل ومحاولة تشييد نظرية دينية فلسفية تشرح تطوّر الخليقة من المبدأ إلى المعاد"، والعرفان كظاهرة "فردي ونفسي وعملي، يتلخص في رفض العالم ونشدان الاتصال بالإله والدخول معه في نوع الوحدة" (بنية العقل العربي ص 55). ولنصل الى توسيم العرفان عند ابن سينا نحتاج لربط ذلك بما لدى بعض العرفانيين المعاصرين مثال محمود محمد طه، الرجل الذي مهما اختلفت معه حول فكره لا يحملك فعله وشجاعته إلا على احترامه– وسوف يكون لنا معه وقفة.
في المقال القادم نواصل تبيين رؤية الجابري للعقل العربي، فمشروعه بالحتم يحتاج إلى أن ينال شيئاً من الرصد والتحقق والتحليل بقدر ما ينال شيئاً من المقارعة والهجوم والرفض، وذلك انطلاقاً من أن الحوار النقدي ضرورة موضوعية وتحمل التأثير الفاعل وترسخ الدور الثقافي للنص، فالنص بلا حوار نقدي -أياً كان هذا النقد نوعه ومصدره- يعد ميتاً.

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147526014&bk=1
______________

Post: #690
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 04:01 PM
Parent: #689


العقل العربي تلك الذاكرة الحرجة:تاريخ العقلانية: مع ابن رشد ضد العرفان الهرمسي

غسان علي عثمان



في سابق المقال تناولنا تراث ابن سينا الموصوف بـ(الظلامية)، وكيف أنه كرس لاعقلانية صميمة في الفكر الإسلامي، وأن فلسفته هي فلسفة (التحطيم الذاتي)... فلسفة جعل عقل منتهى طموحه تقديم استقالته، ولدينا في حاضرنا الفكري الآن عدد كبير من المنتمين قولاً وعملاً لمدرسة ابن سينا (التصوف الإسلامي نهل من فلسفته بالذات في مسائل الروح والنفس والجسد). وتعاظمت سطوة النصوص السينوية موصوفة بالبراعة والجدة عند ابن عربي، الذي توسل فلسفة ابن سينا ناظماً إياها في حلولياته ونظراته في الحب الصوفي، وبالتالي نهل عرفانيو التصوف السني والشيعي من تراثه الكبير، ولكن ولأننا نتبنى المنهج العقلاني وقراءة التاريخ بمنهجية القطيعة المعرفية، والتاريخ التراجعي كما عند غاستون باشلار وجان بياجيه، فموقفنا محدد في هذا الإطار الذي يجد في العمليات الذهنية والإجراءات العقلية الملاذ الوحيد لفهم العالم.. وصحيح تطابقنا مع ابن رشد، الذي يجيء على عكس موقف العرفانيين، فابن رشد لم يكن مدلساً، يُظهر شيئاً ويُبطن نقيضه، وإنما كان يخاطب الناس على قدر عقولهم، وهذه مرجعية إسلامية معروفة، بل سنة من سنن الرسول الكريم (ص)، عمل بها المفكرون جميعا، ففهم الشريعة اعتماداً على حجة العقل. ولا نؤيد مقولات ابن عربي الذي يقول بأن الله جعل في كل شيء من مخلوقاته ظاهراً وباطناً!.
والعقلانية التي ننادي بها، هي عقلانية عربية وإسلامية، ولنا أن نتعجب من التداخل الباطني في سنن الكون، والتحيز غير المبرر للهرمسية والتي رهنت العالم وأشياءه بثنائية (الظاهر والباطن – الشريعة والحقيقة – المطلع والحد)، وتتلخص الهرمسية في مراحل تضعها لتطور العالم وبالتالي تجلي الإنسان وتصور الإله، فمرحلتها المبدئية هي التقرير بأولوية النور؛ فالنور هو العقل (الإله الأب)، والثانية انفصال النور عن النار انفصالاً نهائياً، والثالثة إنجاب الإله الأب للابن (الإله الصانع)، والرابعة ظهور الإنسان السماوي الأول على صورة الإله الأب الكلِّي، أما مرحلتها الأخيرة فهي تتضمن حديثاً عن يوم المعاد ومرحلة ما بعد الموت وعودة الروح إلى بارئها. كل هذا له أشكاله الراهنة في تصوف العرفانيين الجدد، كمحمود محمد طه، ومحمد أبو القاسم حاج حمد، ومحمد شحرور وغيرهم.
نقول إنه علينا الاعتراف بأنَّ معظم الحضارات الإنسانية عرفت البرهان والعرفان... فالحضارة العربية الإسلامية تشترك فيهما مع الحضارات الإنسانية الأخرى. إنما ما يميز هذه الحضارة إلى حد بعيد، هو في الأساس، العقل البياني؛ فالنظام المعرفي هو إذن حصيلة منتظرة لمثل تلك الخلفية التي يمتزج فيها تأثير العامل اللغوي لآليات تفكير في فهم النص كمرجع رئيس لجذور طبيعة نشأة الحضارة العربية الإسلامية وتطورهـا.
والعقل العربي الإسلامي، ومن أطراف عديدة، تضمنته الاتجاهات والأنماط الفكرية المعاصرة، فأثرت في محتواه الإبستيمي والمنهجي والمذهبي أيضاً، كما في محتواه الإجرائي والعقلاني. وما يميز طرح د.الجابري هو أنه يستمد رؤيته في بحوثه حول التراث والمعاصرة من اتخاذه العقلانية النقدية منهجاً موصولاً بالهاجس التجريبي، كما أنه يعمل على تفكيك الأوصال وملاءمة النتائج من أجل المنهج، وصنيعه هذا قد يكون في غير صالح فهم المدروس ويوقف من قدرة الآليات في صناعة المفاهيم.
فلسفة ابن رشد تعنى بالسببية كقاعدة لفهم عالم الأشياء، وهي رافضة للتوسط ومنحازة للمعقول ضد اللامعقول. سعياً منها لاجتثاث اللامعقول من حياتنا -الذي هو دافعنا للهروب باستمرار إلى نقيض العمل- ويقول الجابري بأن هذا اللامعقول ليس أصلاً في الثقافة العربية الإسلامية وإنما هو وافد (خبيث)، وخبثه قدرته على الالتفاف على الحقيقة والتلصص فعلاً وعملاً داخل محيط أي ثقافة يساميها، هذا هو توصيف الجابري إنه "العقل المستقيل"، والذي تغذيه ثلاثة تيارات رئيسية: أ‌. المانوية (نسبة إلى ماني) التي تجمع بين الزرادشتية والمسيحية والبوذية والتي استهدفت تقويض الأساس الفكري للدولة الإسلامية في العهد العباسي الأول؛ ب‌. الهرمسية (نسبة إلى هرمس) التي تقوم أساساً على نزعة صوفية إشراقية؛ ت‌. التيار الثالث هو الأفلاطونية المحدثة.
ويضيف دكتور الجابري في محاضرة له بعنوان (مستقبل العرب في ظل النظام الدولي) قدمها في البحرين 1992م بدعوة من نادي (العروبة): "ابن رشد قد أدلى قبل خوضه في مسألة العقل برأي طريف في مسألة الوجود التي كان النزاع فيها بين الفلاسفة والمتكلمين الإسلاميين يدور أساسا حول ما إذا كان العالم قديما أزليا، وهذا رأي الفلاسفة، أم أنه حادث مخلوق من عدم كما يقول المتكلمون.. وفي رأي ابن رشد أن العالم ككل لا يمكن أن يقال فيه إنه حادث، لأن ما نعرفه ونشاهده هو أن العالم مسرح للكون والفساد: أشياء تتكون وأخرى تفسد، ولكننا في الوقت نفسه لا نستطيع أن نحكم بذلك على عالم السماء، لأنه ليس موضوعا لمشاهدتنا، وبالتالي فأليق شيء بالعالم ككل، أن يقال عنه –يقول ابن رشد- لا إنه قديم ولا إنه حادث، بل إنه "دائم الحدوث"، أو إنه في"حدوث دائم".
وتظل الدعوة الآن أن يظل هذا العقل "العقل الاجتماعي والتاريخي العربي" عقلاً بالفعل، عقل "دائم الحدوث". فإن بناء العقل الفلسفي النقدي الذي ندعو إليه، يعني تجاوز أسس الميتافيزيقا المتعالية والمطلقة المؤسسة على مقولة الجوهر، لهما مطمح المثقف العربي الراغب في التنوير لا شرعنة اللاعقل وسلطة التراث، وفي مجتمعنا، نريد أن لا يتحول (العقل) إلى محض تأملات ومتاهات وخواطر، بل عليه الالتحام بالنقد العقلاني في أفق بلورة نظرية فلسفية جديرة بالمتابعة والمساءلة.


http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147526488&bk=1
_________________

Post: #691
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 08:00 PM
Parent: #1


شارك بندوة البيئيين:د. ابكر آدم إسماعيل: الجسد إختراع إجتماعي

الخرطوم، محمد غلامابي
رغم تكراره أنها لم تكتمل بعد، فقد قدم الدكتور أبكر آدم إسماعيل ورقة مهمة أثارت كثيراً من الجدل والنقاش حول موضوعها (النظرة الجمالية في الثقافة السودانية ـ المرأة نموذجاً)، بمقر جمعية البيئيين السودانية الاسبوع الماضي، وسط حضور نوعي وكمي أمّ الندوة، وشاركه بالعديد من المداخلات التي وسمها د. أبكر بالمهمة، لكونه لم يكمل كتابة الورقة بعد، ويتوقع لتلك المداخلات أن تسهم في تطويرها لاحقاً ليتم عرضها بشكل مكتمل، وقال أبكر في الندوة أن الثقافات تخلق معاييرها الجمالية التي تخصها وتستوعبها، والبعض يجد نفسه أسفل الهيكل الاجتماعي دون إختياره، وأكد علي أن الجسد نفسه هو إختراع إجتماعي، وإمتدح إسماعيل التخريجات التي يقول بها الاستاذ محمود محمد طه لبعض النصوص القرآنية، وأضاف أن النص (يوم تبيض وجوه وتسود وجوه) يمنح اللون الابيض تفضيلاً، ويترك الاثر في نفس قارئه بتفضيل أبدي للون الابيض، وطوّف بالحضور حول المفاهيم الفلسفية للجمال، وقال أن المجتمع يمنح الذكر إمتيازاً إجتماعياً مقابل البنت لكونه ذكراً، فالزغرودة لحظة الميلاد تكون له. وقال د. ابكر أنه رصد بعض الثقافات المحلية كما عند دينكا بحر الغزال، وقال أن شرط الجمال عندهم للمرأة هي الفراعة (أي الطول)، وبياض الاسنان، والمشاط مع إظهار فروة الرأس، والسواد، والسمات الاخلاقية، فالبنت البيضاء لايدفع فيها بقراً كما السوداء، وتعرض في حديثه أيضاً لما أسماه الثقافة الاسلاموافريقية ضارباً المثال بقبيلة (البرنو)، وقال حدث إستلاب لثقافتهم بسبب الاسلام فأصبح الغناء للبنت (الحمرا)، رغم أن البعض لازال ممسكاً بتقاليد وثقافة القبيلة، وأضاف أن البنات عندنا يسيطر عليهن الفكر الاستلابي، ورغم أن بعضهن مستلب لفضاء آخر الا أن بعض بناتنا يشقين في سبيل تبييض بشرتهن، وأردف ان هذا النوع من البنات يشقي مرتين في كون أن بعضهن يكسبن مالاً بصعوبة ليدفعنه في كريمات تبييض البشرة، أنظر الي التلفزيون فالبنت البيضاء تذهب اليه، وغيرها تذهب الي الإذاعة، وهذا والحقيبة علي جمالها كرست لأفضلية اللون الابيض أنظر قول الشاعر(الليل والقمرا ضدين إجتمعوا.(
المداخلات لمست الكثير من الأفكار التي طرحتها الندوة، وأضافت اليها فالدكتور الباقر العفيف قال أن هذه من الامور التي تشغل باله كثيراً، وقال نحتاج الي مواجهة ذوات أنفسنا والا نغترب عنها، وأشاد بآراء الاستاذ محمود محمد طه وقال أن الاستاذ محمود كان يري أن هناك آيات نزلت في مناسبات تخص صدر الاسلام الأول، وصحيح هناك آيات إستمدت السرمدية، لكن هناك آيات يجب أن نجد لها التأويل الذي يناسب عصرنا.
الكاتبة الصحفيه رشا عوض قالت أن مأزق المراة مع الجمال هو مأزقها الوجودي، فالثقافة الذكورية هي التي تحدد معاييرها الجمالية، وأضافت أن الرجل هو الذي يكيف وجود المرأة حسب إحتياجاته، ويختزل المرأة في الجسد، ليكون ابكم وأصم تعبث به يد الرجل، وقالت أن مسابقات الجمال هي سلب للمرأة لتتحرك كتمثال يشبع رغبات الرجل، وسخرت من الواقع الذي يجعل الصغيرة هي الجميلة والجاذبة كما تقول بذلك الآداب، وتري رشا أن مخرج المرأة من هذا المأزق هو أن تظهر المرأة المفكرة، بينما نادي الدكتور عطا البطحاني الي رفد الورقة بالعديد من المصطلحات، وقال أن الورقة اغفلت بعض المفاهيم كما الايدلوجيا بأشكالها المتعددة وتمظهراتها المختلفة، وكذلك على الورقة أن تدخل مفهوم الهيمنة بعلاقتها المختلفة.
الدكتور موسي الخليفة قال أن الورقة موضوع وتمظهر وتفاعل، فالموضوع يحمل الصفات الخاصة به من داخله لا من خارجه، أم الإظهار يتأثر بالقناعات الاجتماعية، ويمور التفاعل داخل الثقافة فيصبح التفاعل مستمراً، وضرب مثلاً أن س +ص = ي، وياء هي عطاء س وص، ودعا الي ديمقراطية الثقافة.
وقد حفلت المحاضرة بعدة تداخلات مهمة للعديد من حضور الندوة، مع وعد من الدكتور أبكر آدم إسماعيل بإستكمال الورقة وطرحها في منابر مختلفة لأهمية موضوعها.

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147526737&bk=1
_________________

Post: #692
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 08:01 PM
Parent: #691


كتابة(تأملات حول الفعل العجيب)

طلال عفيفي
ثمة لحظات تتحول فيها الكتابة إلى ما يشبه السقوط من الهاوية، حينها يكون القلب منطقة منخفضة...تنحدر المشاهد والصور وأصداء الليالي من علياءٍ في أعلى سطح من جبل الذاكرة .
قد نتماسك إثر هذا الهبوط فنحكي الأشياء بلطف وهدوء، أو ننهار فتكون هذه الهلوسة الحزينة المجنونة .
على كلٍ، فالكتابة هجرة وانعتاق أقل ما تفضي إليه هو: الحرية.
وفي الكتابه إنفلات، وتحول .
غير أن ثمن الإنفلات والتحول هذا فادح، إذ نعبر كل هذا الحنين وندخل فيه حتى نقف على الضفة الأخرى ونفصصه بعد أن نراه بجلاء ..الكتابة هي الحزن الأكبر ... والكاتب إنسان مسكين .. تنخفض مناعته إلى الصفر أمام أقل صوت أو رائحة أو طيف ..
قد يجرحك موّال, أو يأتي إليك وجه بنت بالدمع المسافر، فتبكي على عمرك المسكوب في الشوارع.
الكتابه هي أن تحس الأشياء مرتين ..فلحظة الكتابة هي إستعادة لحياة كاملة، بكل إنفعالاتها والجسد ثابت في مكانه، فيكون على الروح إن تحمل عبء هذا النزوح وحدها .. هناك فئه منفلتة من أبناء هذا العالم يكتبون بقدرة غريبة على الإختراق والنفاذ .. يكتبون نصوصاً ما أنزل الله بها من سلطان، ولكنها تسلطنت بعد ذلك وتحكرت في الروح ... لم تطرق باباً ولا قالت إحم حين دلفت، ولكنها القدرة والمقدرة، وسطوة الشاعرية وشفافيتها .
وما في نفسي موضع إلا وفيه ضربة سيف أو طعنة سهم من هؤلاء الناس ... أتفرج على جدار الروح فهاهي منمنات الولد الشقي عاطف خيري ولغته الأسطورية المدهشة، و محمود درويش وذبذبات شعره الذي لم تأت به العالمين، وبورخيس شيخ الكتابة الغريب وسيد الذكريات المحمومة .
كتابتهم هي الكتابة، إنها الكتابة حين تفصح عن أنوثتها وبحارها السبعة ….إنها غواية أن تقرأ .. وتنصت .



...................................



تبدأ الكتابه حين ينام الحراس وتنطلق اللغة من عقالها اللغوي، لتبرطع في الفضاء الطلق وتحكي وتقول وتشاهد .
الكتابه أسر مفكوك ... والكتابة برغم إنطلاقها، حاجة مغايرة للنبوءة .. هي التدحرج، والغوص، والهاوية ..
( الآن أتذكر أن شيوخنا في المسلك الصوفي الذين أخذتهم الكتابة وسرقتهم، فعدهم الناس من الفلاسفة ونسوا ولايتهم: سيدي الإمام محي الدين بن عربي، ومولانا النفري، والأستاذ الشهيد محمود محمد طه .. ) .
..........................................................

أن تعيش لتحكي، أو تكتب ما تتذكره، أمر في غاية الصعوبة والتكليف .. نحتاج لعمر على قدر عمرنا لنحكي ما عشناه .
أنا ( دون إقحام مشاكلي الشخصية في الموضوع ) أحتاج لسبع وعشرين عاماً لأحكي ما حصل لي في السبع وعشرين عاماً من عمري، بل ربما أكثر ( فثمة هوامش .. ) ..
هناك مفكر ولكنه بجانب مفكريته كاتب أريب، عراقي إسمه (هادي العلوي) ، توفي في العام 1998، كان عليه الرحمة شيوعياً ذا نزعة شرقانية ( وهي نزعة يندر توافرها عند الماركسيين باعتبارها، أي الماركسية، فلسفة مادية) .
هذا الرجل عاش في الصين كموظف دبلوماسي في سفارة بلاده في إطار تخلص حكومة البعث من الحامض الشيوعي في البلاد والإستفاده منه في ذات الوقت، كمنشّط كيميائي في العلاقات مع دول اليسار ..المهم إن هادي تراكمت على شيوعيته العقلانية غبارات من رياح الشرق .. فتروحن ..خضت مضاجع روحه تعاليم ) كونفوشيوس ( الحكيم ، و)ماو تسي ( .. فاعتصم بالفتح الحضاري واستقال عن المنصب الحكومي، ليحكي ويكتب تأملاته وتنظيراته حول المسأله الشيوعيه، وليضف إليها واحداً من أبعادها المفقوده ..
وإنهمك أستاذنا العلوي في الكتابه والتأمل والخرط.... سرقت الكتابه عمره، فمات .. هناك، على مقربة من سفح جبل قاسيون في دمشق، حيث مرقد الإمام الأكبر: محي الدين بن عربي .
وهادي العلوي مثقف شرقاني مهم، غفلت عن ذكره والتذكير به مضخات الذاكره المثقفاتية والشيوعية في المنطقة، ربما للقهر العام وملحقاته، أو للعمل بالمثل القائل بإنعدام الكرامة للنبي في وطنه.
ومن شرقانيته أنه عارض الذبح إطلاقاً، فأنف عن أكل اللحم، كذا عارض هادي العلوي الإلحاد واحتكم الى الروح، وكان من شأن المرحوم أن أعاد العزف على وتر ذاكرة مهضومة في السياق الفقهي، فلم تخل كتاباته ليلةً واحدة عن ذكر ملحدين وصعاليك حاولت التواريخ تجاوزهم مثل أبوالعلاء المعري والرازي وبشار بن برد .
رحمهم الله أجمعين ..

......................

هاهي الكتابة تتحرك وحدها، وتعود بي لأشياء وعوالم شارفت على نسيانها .
الكتابه هي ألا تنسى ... الكتابة من الجائز أن تكون خطرفة .
هي ما عرفته، أو أعتقدته ..
هي المرونة ... والموت البطيء …هي قبل ذلك:
أن يفرض الإنسان شروطه.

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147526866&bk=1
_________________

Post: #694
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-22-2008, 11:28 PM
Parent: #1


المجذوب والذكريات:تأليف السفير علي أبوسن
عرض سيد حسن مراد
في المستهل استعرض المؤلف سيرة حياته الأولى في ربوع البطانة وام درمان، فهو سليل دم شكري ونوبي، فجده حاج سالم حفيد الخوجلي أبوالجاز كان ينطلق (الخرج) (بالهُرج) وقالت عنه جدات المؤلف (جدنا كان محسي مقفول).. (إضافة من كتاب المقال.. الخوجلاب سكنوا منطقة الخرطوم ومن أشهرهم خوجلي عبدالرحمن في جزيرة توتي والذي كتب عنه ود ضيف الله في الطبقات ما يلي "الشيخ خوجلي بن عبدالرحمن بن ابراهيم وأمه اسمها ضوة بنت خوجلي، أبوه عبدالرحمن محسي كبابي نسبة إلى محمد كبابي بن عجم جد المحس وأمه محسية وجده هذا من تلاميذ أولاد جابر".. ويذكر الكاتب باسهاب عن بيت جدته آمنة بنت صديق في حلة خوجلي في بحري والذي ورثته من جدها حاج سالم وصادره السيد علي الميرغني ورفض اعادته لها وعرض شراءه فقالت له "لو أنت محتاج ليهو يا سيدي انا ما ببيعو ليك، انا بخليهو ليك" وخرجت من بيت الميرغني ولم تعد مرة أخرى.
تتمحور معظم ذكرياته خلال مراحله الدراسية بالقاهرة ولندن والعلمية مذيعاً في هيئة الإذاعة البريطانية وسفيراً في وزارة الخارجية ومسؤولاً في الإذاعة السودانية ومسؤولاً أيضاً في جامعة الدول العربية إبان عهد محمود رياض ومعارضاً سياسياً مقيماً بالقاهرة منذ عام 1989م.
أرجع بداية علاقته بالمجذوب إلى عام 1963م حين أعاده وزير الخارجية آنذاك أحمد خير المحامي للخرطوم من عمله بالسفارة السودانية بلندن بزعم أنه أصبح انجليزياً أكثر من الإنجليز.. وكان المجذوب يشغل في ذلك الوقت منصب نائب رئيس الحسابات بالوزارة.. وقال عن الأستاذ/ أحمد خير "كان يحكم الخارجية بيد من حديد، كان عسكرياً في طباعة اكثر من العسكريين، وحينما يسافر يتولى أعباء الخارجية اللواء حسن بشير نصر- تلك كانت دولة الشايقية.
وخلال وجوده بالخرطوم تعاون مع الإذاعة السودانية بتقديم برنامجين الأول باسم (جزائر واق الواق) والثاني باسم ( هذه الدنيا) بالإشتراك مع الأديب علي المك.. ووصف مدير الإذاعة في ذلك الوقت التاج حمد بأنه كان ضابطاً منتشياً كان يدخل إلى دار الاذاعة وكأنه جنرال يستعرض قواته، لا يسلم ولا يتحدث مع احد وإنما يصدر الأوامر بهدوء وكبرياء القادة العظام.. وتطرق عن جبن أهل الإعلام وسبب ذلك أن معظمهم دخلوا إلى عالم الصحافة والإذاعة بعد الاستقلال (جربندية) ومع توالي التغييرات السياسية في الخرطوم اكتشف هؤلاء أن الجبن هو سيد الأخلاق، وأشار الكاتب إلى أنه كان أيضاً عضواً في لجنة النصوص بالإذاعة السودانية وتمكن من اقناع اللجنة بإجازة أغنية (انا بالتمني) للفنان خلف الله حمد، وكلمات الجاغريو، بعد أن كان قد منع بثها من الإذاعة.. وأنه إبان فترة عمله القصير مديراً فنياً للإذاعة أدخل لأول مرة فكرة المؤثرات الصوتية بالإذاعة..
في معرض سرده لأحداث ثورة اكتوبر الذي شارك فيها بفعالية وصف الدبلوماسيين بأهل الجبن بتلامة إلا القلة النادرة وأن وزارة الخارجية كانت الوزارة الوحيدة التي ظلت تعمل حتى لحظة إعلان عبود حل المجلس العسكري والتسليم للشعب، وتمرده على أوامر أحمد خير وانضمامه لعضوية جبهة الهيئات (القيادة الشعبية للثورة) ممثلاً عن الوزارة، وكانت فاطمة أحمد إبراهيم وسعاد إبراهيم أحمد من ضمن أعضاء تلك الهيئة.. وقال عن السيدة فاطمة أحمد إبراهيم: "حاولت تخفيف دمي مع فاطمة أحمد إبراهيم وكنت اخفي افتتاني بعذوبة جمالها الريفي الساحر كجمال بنات رفاعة وهن أجمل الكائنات، فحدجتني بنظرة اهمال وصمت ارتجت لهما أعماقي"..
أضفي بعض الخلفية على يوم المتاريس المشهور.. فقد تقاطرت جموع الثوار لحماية الإذاعة بعد أن أذاع فاروق أبوعيسى من الإذاعة السودانية خبر تقدم دبابات من سلاح الدرعات في الخرطوم لاحتلال الإذاعة، وكان في مقدمة ركب الثوار الصادق المهدي ومجموعة من الفنانين ولم يكن فاروق أبوعيسى الذي أذاع الخبر موجوداً.. وضمن الفنانين كانت هناك الفنانة عائشة الفلاتية "تحمل في يدها اليمنى زجاجة مولوتوف وفي يدها اليسرى سيجارة تجذب أنفسها بقوة"، وحين أعلمها ابوسن بأن الزجاجة التي في يدها قنبلة أجفلت وتركتها في يده وهي تصرخ (عليك النبي).. وكتب عن دوره المشهود في منع مجزرة رهيبة يوم المتاريس في الإذاعة حيث كانت الأوامر ما زالت لدى الجيش تقضي بالضرب، إذ تمكن من إلقاء خطبة على الجموع الثائرة التي حملته على الأكتاف وتمكن من اقناعهم بالرجوع إلى ساحة قبة المهدي ريثما يتم استلام الاذاعة من قبل لجنة شعبية كان هو أحد أعضائها.. وفي حديث ذا صلة بثورة اكتوبر، أشار إلى ندم السيد بابكر عوض الله من رفضه لتولي رئاسة الوزراء للحكومة الأولى لثورة اكتوبر وتحول ذلك الندم إلى كراهية عمياء لسر الختم الخليفة.. واستطرد أن بابكر عوض الله كان في تلك الفترة سادراً في عنجهية مذهلة في تحدي الأزهري واللجنة التنفيذية العليا للوطني الاتحادي.. وعندما قدم بابكر استقالته من منصب رئيس القضاء بشكل استفز الأزهري وقال عنه الرجل الاتحادي العاقل الرزين خضر حمد بانفعال مخاطباً ابوسن "صاحبك دا قليل أدب ولازم يتربى، والله نحن مستغربين انت مصاحب الأرعن دا كيف؟".
في صفحة (62) كتب أنه من خلال تجربة دعوته المثقفين السودانيين لاحتلال الحزب الوطني الاتحادي كونه حزب الحركة الوطنية وملكاً للجميع وليس كحزب الأمة أو حزب الشعب الملكين لبيت المهدي وبيت الميرغني، أن تلك التجربة كشفت له "التركيبة المأسوية للمثقفين السودانيين، لكل واحد منهم وجهان، وجه خانع ذليل يتمحلس –يتزلف- به أمام الرؤساء والكبار، ووجه كالح ثقيل يتعالى به على الجماهير..".
أشار الأستاذ/ علي أبوسن أن أكثرية أعضاء مجلس قيادة مايو كانوا من مدمدني (البنقو) قائلاً: "لم تكن رائحة البنقو الذي تدخنه أكثرية الحاكم الجدد قد فاحت ولم تكن صورة رئيس القضاء بطل ثورة اكتوبر الذي عاد إلى الواجهة زعيماً للحشاشين.. قد تبلورت"، وتطرق إلى استدعاء بابكر عوض الله عضو مجلس قيادة الثورة ورئيس الوزراء له من مكان عمله بالسفارة السودانية بلندن في محاولة منه (أي بابكر) لاستخدامه ضد خصمه السيد/ سرالختم الخليفة سفير السودان في بريطانيا في ذلك الوقت.. وأورد ما قاله له في محاولة منه لتبرير المحاكمات التي جرت "بالله شوف الناس ديل كانوا فاسدين كيف.. حتى أحمد السيد حمد اتضح بالدليل أنه حرامي.. أنا آسف.. أنا آسف والله"، وذلك في حضور وكيل وزارة الخارجية في ذلك الوقت جمال محمد أحمد، ومن تداعيات ذلك اللقاء وصف بابكر لجمال بقوله: "البربري ده طبعاً ما ممكن يديك حقيقية"، وكان رد جمال "اين الشيخ عبد الله ليخفف عنا هذا البلاء".. وكشف عن تعليمات بابكر عوض الله بمنع سرالختم من دخول السفارة ومغادرة منزل السفير بعد أن عزله في وقت سابق.. وفي موضع آخر يحمل بابكر عوض الله إنجاح ثورة مايو بنسبة (70%) ومسؤولية حرب جزيرة أبا بنسبة (80%) لحقده على الانصار بسبب مسائل عائلية حساسة مع الإمام المهدي.
وفي لفتة لا تخفي المغزى أورد المؤلف المزحة العنيفة التي حدثت بينه وبين الدبلوماسي الحلفاوي ميرغني الصائغ، وكان هذا الأخير سليط اللسان يخشى الجميع مكره وتعليقاته الساخرة.. وحدث أن صاح في وجهه مرة قائلاً: "يا أبوسن يا أخي.. خشم القربة دا بلد صعب انتو كنت عايشين فيها إزاي"، وكيف أن الصائغ بهت وترك تعليقاته الساخرة حين رد عليه "نحن ما كنا عايشين هناك.. كانت عايش فيها بهايمنا".. وتحدث عن زميله السابق مهدي مصطفى الهادي وقيادته لموكب التغزل السياسي في حماقات نميري بعد أن جر معه الرجل الطيب أحمد عبدالحليم.. وتحدث عن المنافقين فرقة الطبالين والهتافين لنميري بقيادة هاشم الزبير.. وأشار إلى بدرالدين سليمان الذي كان يحاول أن يكسب التخنث السياسي نوعاً من الضبط والربط حتى دمر الاقتصاد السوداني، أما منصور خالد فقد وصفه بأنه النموذج الفاضح لحالة المثقف السوداني، وأن المجذوب كان يصفه "بنخاس التخنث السياسي الدولي"، وهو الذي كان يقود اوركسترا المنافقين من وراء الستار، ومن المواقف الكثيرة لمنصور خالد أورد موقفه من الصحفي الكبير محمد الخليفة طه الريفي الذي نشر في جريدة (الصحافة) التي كان يعمل بها محرراً صورة للمؤلف مذيلة يتعليق كريم بمناسبة عودته من باريس وكانت الصورة قد التقطت خلال حفل تكريم أقامه الرئيس الفرنسي جورج بومبيدو وقد أظهرت الصورة جانباً من حرس الرئاسة مما أعطى إيحاءً لمنصور خالد بأن المؤلف كان هو موضوع التكريم وبسبب هذه الصورة أقام الوزير الدنيا وأبعد الريفي من جريدة (الصحافة) إلى جريدة أخرى.
وصف الأستاذ أبوسن، السياسي الجنوبي وليم دينق بأنه كان سمح الملامح مستقيم العود وكان أقرب الشماليين إلى مستوى الصادق المهدي لولا أن الصادق تشده إلى الوراء هواجس ورثته ولا تشبه عقله المستنير اسمها (الإمامة)..
انتقل المؤلف إلى حياته في لندن وحكاياته مع صويحباته الاوربيات والتي كان المجذوب يتلذذ من سماعها ويذكر علاقته العاطفية مع فتاة إنجليزية اسمها سو دينزديل ذات التسعة عشر ربيعاً- أهلها من أقرباء هارولد ماكميلاني –رئيس وزراء بريطاني أسبق– والتي حاولت الانتحار عشقاً له حين تركها وسافر للسودان ويضيف "هي لم تعرف رجلاً قبلي"، وعن علاقته العاطفية بالكتابة غادة السماني أشار إلى أن الإذاعية ليلى طنوس والكاتب الطيب صالح كانا وراء ترتيب لقائه بها..
وكيف أن ليلى قالت له وهي تغمز بعينيها للطيب صالح: "أنا واثقة أنكما ستصبحان أعظم صديقين بمجرد أن تلتقيا" إلى ان قال: "الغريب أن ليلى والطيب تظاهرا بأنهما غير مهتمين إطلاقاً بالعلاقة بيني وبين هذه المتوحشة البريئة التي تركاها في يدي أو بالأحرى تركاني في يدها..".
واستعرض بعض المواقف العاطفية التي حدثت له مع غادة السمان منها ما حدث في إحدى الأمسيات في (لأيستر اسكوير) ولقاء محطة (هولاند بارك).. "جاءت تحمل في عينيها وفي شعرها وفي صلبها قلقاً وجودياً عارماً.. حذبتني من يدي جذباً وقالت: هيا نجلس على رصيف الشارع.. كانت الفكرة جنونية إلا أنني استسلمت لجذبتها العاتية.. بعد لحظة أشعلت سيجارة، نظرت إلى يدي النائمة فوق ركبتها"... إلى أن قال "نظرت غادة إليَّ مندهشة وصاحت شووو؟ وتدحرجت بي إلى الرصيف وكأننا على رمال شاطئ برايتون".. وكان تساؤله الحيرى (يبقى أن ليلى والطيب صالح لم يخبراني حتى الآن ماذا حصدا من ذلك الشرك الذي نصباه لي ولغادة"، وكخلاصة على انتهاء علاقته الغرامية القلقة بغادة السمان أشار إلى أن صديقته القديمة سو دينزديل التي كانت قد سافرت لالمانيا عادت لتجده وقد اصبح عازباً مرة أخرى، وقالت له ذات مرة "انت ياح بيبي، مسلم القلب، مسيحى الروح، يهودي العقل"..
ثم تحدث الكاتب بأسلوب قصصي جميل عن حكاية صديقته غادة السمان التي قررت الفناء في مصطفى سعيد (لن تجد عناءً كبيراً أنه يعني الطيب صالح) "كان ذلك في ليلة عاصفة، فيها عصير العنب بقصائد نزار قباني (حبلى/ القصيدة الشريرة/ رسائل لم تكتب لها/ أوعية الصديد"، أعد لهما سهرة سودانية أصيلة ببخور الصندل والدلكة والخمرة والفركة وبعض الديكور السوداني"، وكان تعليق المجذوب عند هذه النقطة (أحي الموت.. وكل قتيل بينهن شهيد).. فقال أبوسن للمجذوب "اذا اجتمع العطر والبخور السوداني وتوابعهما مع صوت فيروز وشعر نزار فماذا بي للسحر من شروط"..
وحكاية أخرى بطلها مصطفى سعيد مع ممثلة هندية فائقة الجمال زارته في شقته في (وست هامستيد) (نظرات فاحصة، أسئلة غريبة واحتراس، أطعمها وساقها وحين راودها لم تستجب.. سألها إذن لماذا انت هنا؟".. وأشار إلى أن المجذوب حين علم ان مصطفى سعيد والممثلة الهندية لم يلتقيا بعد ذلك أنشد قائلاً:
ألا كل اثنين بينهما هوى ** من الناس والأنعام يلتقيان
فيقضي حبيب من حبيب لبانة ** ويرعاهما ربي فلا يريان
وساق في معرض حديثه عن علاقاته العاطفية حكاية مثيرة عن شاعر البطانة الكبير الحاردلو يرويها الناس هناك وخلاصتها (أنه حينما كبر كان يجمع حوله الشبان والشابات في قلب البطانة ويعلمهم أصول الحب)..
وفي وصف يسترعي الإنتباه قال عن زميله في الإذاعة البريطانية الطيب صالح "إنه إنسان هارب أبداً، يهرب دائماً من كل عاطفة إنسانية تخالج نفسه فلا يعبر عنها إلا بالهروب إلى الهزل والدعابة وأحياناً السخرية، هو هارب من النقاش في كل ما هو جاد، هارب من السودان، ودار الحرب الحقيقية بالنسبة له هم الآخرون وليس انجلترا كما يزعم...)، الا انه اضاف في فقرة لاحقة ان الطيب صالح كان يقدمه لاصدقائه الانجليز (نحن في السودان نصدر ثلاث أشياء: القطن والصمغ العربي وعلي أبوسن)، كما اشار إلى ان الطيب صالح قدم له هدية مالية عبارة عن ألف جنيه مصري في منفاه بالقاهرة منذ مجئ الترابي والبشير للسلطة.
وتطرق إلى حياة المجون بعد وصول زميله أحمد قباني إلى لندن وهيئة الاذاعة البريطانية "سكن معي في فندق الإذاعة البريطانية وبعد شهر واحد كانت كل الفتيات الصغيرات في حجرة الاستقبال يستخدمن الالفاظ العربية النابية"، وتصيد الطيب صالح لقصص مغامراتهما وطلبه سرد تفاصيلها له يومياً بطريقة مملة وكأنه يكتب مذكرات عنها..
وروى أن المجذوب قد سأله مرة عن قصة للطيب صالح بقوله (ما اسم تلك القصة التي قلت لي منذ فترة أن صديقك الطيب كان مأخوذاً بها.. قصة المرأة التي مارست الجنس مع عشيقها بينما يرقد جثمان زوجها القتيل في الغرفة المجاورة)، وكان رده (لا اذكر)، والمقصود بالقصة هي رواية موسم الهجرة إلى الشمال.. وفي موضع آخر اشار إلى تدخله هو والسيد بابكر عوض الله لدى وزير الإعلام المصري (محمد فائق) وتمكنهما من رفع الحظر عن توزيع رواية موسم الهجرة إلى الشمال في مصر وأن الوزير المصري ضحك قائلاً " هي الرواية حلوة، بس الحقيقة فيها بحاجة شوية.. انا حا أسمح بتوزيعها وحاتكلم مع المشياخ في الأزهر".. كما حكى إحدى دعابات الطيب صالح له في القاهرة حين قدمه للممثلة المصرية ماجدة الخطيب التي عاتبته من عدم اتصاله بها هاتفياً وهو بالقاهرة بقوله "هناك مفاجأة يا ماجدة.. إسمحي لي أن اقدم لك هذا الشخص.. أنت عارفه دا مين؟ قالت لا.. فقال لها الطيب (دا مصطفى سعيد الأصلي)..
ومن مواقف الأستاذ/ ابوسن حين كان طالباً بالقاهرة إيوائه للمفكر الجزائري مالك بن نبي بشقته حين قدم القاهرة هارباً من الجزائر وتقديمه له للأستاذ/ إحسان عبدالقدوس، ودوره في ترجمة كتبه من الفرنسية إلى العربية، إلى جانب لقائه بالزعيمين المغربيين عبدالكريم الخطابي وعلال الفاسي خلال إقامتهما في القاهرة.
تناول مشكلة الأخوين بابكر بدري والشيخ عوض الكريم أبوسن عندما أقسم الشيخ أبوسن بقسمه المشهور (وحات عبدالله دي ما تبقى في رفاعة)، وكان أن رحل بابكر من رفاعة إلى ام درمان بعيداً عن شراسة الشيخ عوض الكريم وإنشاء مدرسة الاحفاد هناك.. ونسب للشيخ عوض الكريم من أنه كان هو أول من حاكم مواطناً وسجنه في السودان بسبب عطالته عن العمل.
ومن الأوصاف التي تسترعي الإنتباه ايضاً وصف لزميله اللبناني في الإذاعة البريطانية جرير أبوحيدر ابن اخت الشاعر الكبير ميخائيل نعيمة بقوله "إنه كان مدرسة تتعالى على مشاعر التعصب الديني، هي مدرسة أسرته.. وتزوج جرير من فتاة لبنانية مسلمة ما زال يعيش معها)..
خصص المؤلف الصفحات إبتداءً من صفحة (161) وحتى نهاية الجزء الأول من الكتاب لخطابات ورسائل المجذوب له ولصديقته روزماري:
في خطابه الأول في المورَّخ في 28 / يوليو 1966م حدد المجذوب لصديقه ابوسن مواصفات المرأة التي يبحث عنها (أريد امرأة تكتب لي بين الثلاثين والأربعين، ويستحسن أن تكون وحيدة محزونة مثلي، تحسن الكتابة والصراحة وتكون ذات نهم)، وتطلعه لامرأة بعينها (للسيد السفير/ جمال محمد أحمد صديقة قديمة اسمها كاثلين أيام ما كان طالباً في انجلترا، واحسبها كانت صديقة لسر الختم الخليفة..)، وطلب منه أن يخبره إن كانت متزوجة أم لا..
وقد عبر المجذوب في هذا الخطاب عن إعجابه بالريف الإنجليزي بقوله "لم أر أروح للنفس والعين من الريف الإانجليزي.. ولا ادعي الشفقة والرثاء من العجائز في الحانات لشدة إحساسهم بالحياة.. وما أعجب الكلاب، لها هناك دولة.. واشتهي ان أعمل سائساً للكلاب في انجلترا.. أو... أو... أو... أو...)..
ويتضح أن هناك كانت جفوة بين المجذوب والمؤرخ حسن نجيلة حيث ذكر (ونجيلة معجب بنفسه وهو يدعي علم كل شيء، وقد افتقدناك، هل رأيت أثقل من نجيلة)، وفي موضع آخر قال عنه (يتحدث الخليفة نجيلة بكلام خارم بارم..)..
ويبدو أنه أيضاً كان لا يطيق زميله في لجنة النصوص بالإذاعة الشاعر إبراهيم العبادي والذي كتب عنه (إنه جلف متحذلق، سكران، يحب نفسه، نرجسي قبيح، والنرجسية أصلها كما أزعم للجمال ونرجسية العبادي للقبح)..
ضمن في خطابه الثالث لأبوسن عن انتشائه بعد استلامه لرسالة روزماري وخاطب صديقه بقوله (أرجو أن تصيح بسم الله في وجد خصوصاً اذا راق الكأس ورق وسمعت الكلام الحلو وجالست العشير الحلو.. أنا اقدس روزماري إنني اشعر بجنس وراء جنس.. هذا شيء هائل)...
وصف المجذوب المؤرخ مكي شبيكة بقوله (أنا ازعم ان سبب الفوضى في السودان جهل الناس بالتاريخ، وزاد جهلهم حين كتب عنه، شبيكة لا يصلح إلا للتشاشة يبيع لوبيا أو بصلاً)..
وفي نفس الخطاب كتب المجذوب يخبر صديقه أبوسن عن صديقته الحبشية والذي اطلق عليها اسم مجدلنية قائلاً (نشأت بيننا الفة ليس الجنس أصلاً فيها.. لمجدلينة صليب تصلي وتقرأ من كتاب بالأمهرية وأصلي معها وأشعر بالسلام.. ومن عجيب أمرها أنها تعشق ولا تدخل إلا من يروق لها.. قلت لها أنت لم تهاجري من بلادك في طلب لعشق وانما جئت للمال.. لكنها قالت انها لا تملك قلبها.. وهبت عاصفة.. أصحاب اللحى قالوا: رحلوا الحبش وماجدلينة بريئة يذهب إليها من تريده بطوعه.. وهل جزاء الإحسان الا الاحسان.. هم المفسدون... رموا لؤمهم ودعارتهم على أمثال مجدلينة.. واقسم بالواحد الأحد عانة مجدلينة أفضل وأزكى من لحى هؤلاء.. إنهم فلاسفة السودان أولاد (الـ..........فا) يخدمون بلادهم بوعي واخلاص.. يسودنون البغاء)..
وفي خطابه المؤرخ في 5/ يناير 67م كتب المجذوب عن فشل انقلاب خالد حسين الكد (خالد حسين الكد صمت وادعى الجنون... هل رأيت صورته؟ العينان المحجرتان ونظرة كنظرة الأطفال فيها الدهشة والحيرة والجهل والبراءة وفم غليظ الشفتين منفرج يدل على التسرع والشره.. وقال أخوه إنه متدين، وهل أخوه يقول غير ذلك.. والتدين أحياناً شذوذ..)..
وفي ذات الخطاب أوضح المجذوب أنه لم يصم رمضان ذلك للعام ويدخن ويجلس مع السفير على طالب الله (على طالب الله رجل غريب ساذج عنيف منطقي مع نفسه.. يقف في انتظار التاكسي أمام بوابة الخارجية.. والسفير الذي ثبتت عليه كذا تهمة جاء ناس (مدني) إلى الزول الكبير الفوق.. إلى ان قال ان الجماعة تعهدوا عند إعادة الزول لعمله بالوزارة (نتعهد الا يأكل مرة أخرى، ولا تتعجب، فالبلد كلها لـ(..ويعني لصوص) ذهبت إلى علي طالب الله وقلت اريد ان اكون (ح.... ويعني حرامي) فصعق ثم ضحك ضحكاً كثيراً..
وفي إحدى رسائل المجذوب لروزماري ضمن هذه القصيدة عن بائعة الفول (فلاتية ناعمة حلوة.. فتاة، والزورق الصغير.. تعليق: (لم أفهم المقصود)، والحجر الأسود المقدس حليق يصلح للتقبيل.. وقفت أتأملها واتحدث واشتري فضحكت وكانت الدنيا حارة).
وفي فقرة أخرى كتب لها (أنا أقرا (الجماعة) تأليف ماري مكارثي- الكتاب مشحون بالجنس ممل.. والجنس هنا قوي جداً، يقولون انها حرارة الطقس ولا أظن ذلك، فالجنس توجه نفساني وليس توجهاً حسياً، والبنات السودانيات مختونات فظيع.. هل سمعت بالختان؟ هل احدثك؟)، وفي موضع آخر كتب لها (أخيراً وجدتك.. تلك الإنسانية التي كنت أبحث عنها، أحببت امرأة قاسية)، إلى ان قال "انا عبدك وأشعر بالأسف لأنني انفقت سنوات في حب امرأة كالوحش المرعب، سألت الله الرحمة، كانت قاسية بلا قلب وعاجزة عن كل شيء إلا انانيتها"، إلى ان قال "ولكن تلك المرأة ارعبتني، وقد دفعني الرعب إلى ان أتلو الصلوات والدعوات"..
وفي موضع آخر بث المجذوب لصديقته روزماري شكواه ومتاعبه وينسب مرضه الغامض وإحساسه بالخيبة والفشل لامرأة قاسية دون تحديد لهويتها، وعبر عن حزنه لأمنيته التي لم تتحقق بقوله "اتمنى لو أن قد عرفتك منذ خمس عشرة سنة، ولسوء الحظ فإنني متزوج والزوج لا يريد من زوجته أن تفهمه فهذه ليست مهمتها، ويمكن أن يكون لها أصدقاؤها أيضاً.. هل توافقين على هذا الرأي؟ نعم..
وفي خطابه المؤرخ في 11/يناير 67م كتب المجذوب (اليوم وقفة العيد.. وسافرت زوجتي مع الأولاد للدامر... وتعجبت لما لم أسفار.. لا أعرف، الذي أعرفه أنني موحش وحننت إلى خطاب روزماري حتى يكون في العيد تجديد.
اهنئك بالعيد.. اشتد البرد هذا الصباح وعدت مساء للبيت تعشيت عشاءً ثقيلاً وشربت كأس كونياك.. تصور رائحة الكونياك ليلة العيد يا عزيزي..) وداعب المجذوب صديقه (وقد علم الله أنني ما زلت مقيماً على ودك وشكرك وذِكرك.. بكسر الذال وتسكين الكاف.. يا ساتر).. واستفسر عن حال روزماري وقال (كيف حال روزماري، سأخرج إلى السوق لأشتري حذاءً جديداً وعلبة حلاوة ولدي زجاجة ويسكي.. أنظر إليها خائفاً... ومع من أشرب؟)..
وفي الجزء الثاني من ذكريات السفير الأستاذ/ علي أبوسن نطالع عناوين مثيرة.. (لقاء المجذوب وروزماري.. سودانية نادرة تقلب المفاهيم.. ظاهرة اسمها منصور خالد.. وحديث عن صلاح أحمد إبراهيم.. محمود محمد طه وفايز عمسيب.. سباق بالطائرات ومعارك بالتفلونات.. فإلى لقاء متجدد بإذن الله.

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147527136&bk=1
_________________

Post: #695
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 00:44 AM
Parent: #1


عطبرة الجميلة.. بلد الشهداء
ان اكثر ما يميز مدينة عطبرة عن غيرها من المدن في السودان، هو انها نشأت وتطورت عبر السنين على وعي اجتماعي بضرورة العمل على التغيير باستمرار.. والروح التي تدفع عجلة التغيير هذه، إنما تستهدف إصلاح عام يشمل جميع المواطنين، فلم تكن في المدينة طبقات تستنكف ان تتراوح أو تتعامل مع عامة الناس، والسبب في هذا هو ان الدخول تعتمد بدرجة كبيرة على مرتبات السكة حديد والوظائف العامة الأخرى – فالمدينة مدينة عمال وموظفين.. وعندما دخلت الثلاجات المنازل, تولت مهمة البيع، خدمات السكة حديد بالاقساط، مما مكن العمال من الشراء بارتياح وكذلك عندما ظهرت التلفزيونات غير الملونة ثم الملونة.. فتغيير حياة الأسرداخل المنازل كان يتم بصورة جماعية.. هذا وقد تأثر سوق المدينة عامة بهذا الأسلوب، فظهر البيع بالأقساط من جميع السلع الأخرى.. باختصار ماكان للخوف والهلع ان يجد مكاناً في نفوس سكان المدينة على هذا المنهج الذي كان سائداً.. ولا أدري وقد بعدت المسافة بيني وبين المدينة هل تغير الحال ام ان المجتمع لا يزال متماسكاً.
لقد كان الاستاذ محمود محمد طه يوجه تلاميذه اثناء حركة الدعوة الجمهورية، بأن يزوروا اضرحة الصالحين من الصوفية كمدخل على المناطق.. اما مدينة عطبرة تحديداً، فقد كان التوجيه ان تتم الزيارة لجميع سكان المقابر، بلا استثناء.. وكان الاستاذ محمود يقول عنهم: هم شهداء الرزق الحلال، ومن أكل الحلال أطاع الله اراد او لم يرد، ومن أكل الحرام عصى اليه اراد او لم يرد.. التحية لابناء عطبرة وهم يتنادون لاحياء المدينة، ونحن نقول مع السيد نور الدين مدني: ليس المطلوب قيام حركة مثل تلك الحركات الجهوية التي افسدت المناخ السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وانما المطلوب هو التنادي للتفاكر حول سبيل تطوير المدينة الام على الأسس التي تأسست عليها وهي روح العمل الجماعي التي اشرت اليها.
د. محمد محمد الأمين عبدالرازق

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147527249&bk=1
_________________

Post: #696
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 00:46 AM
Parent: #695


لا سلام من طرف واحد
انني مفكر حر ولست سياسياً بمعنى انني لا انتمي لأي حزب سياسي لكنني أؤمن بمقولة سبق ان وردت على لسان الأستاذ عبد الباسط سبدرات وهي ان الإنسان بطبعه سياسي ولذلك سولت لي نفسي ان أطلق على الأستاذ سبدرات لقب حكيم الإنقاذ ان كان في الإنقاذ حكمة.
وما دفعني للكتابة هذه المرة هو ما خطه قلم الأستاذ نبيل أديب في عموده المنشور بصحيفة الميدان الغراء بتاريخ 5 مارس 2008 تحت عنوان (الرجل الثاني) حيث ذكر ان الرجل الثاني وهو الرئيس الراحل أنور السادات قد نكص عن الخط الاشتراكي الذي رسمه الرجل الأول وهو الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
إذن لماذا يمجد الأخوان الجمهوريون الرئيس الراحل أنور السادات مع كونه قد حاد عن الخط الاشتراكي وسبب التمجيد هو توقيع الرئيس السادات على اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل حدث هذا والأخوان الجمهوريون يؤمنون باشتراكية الإسلام ومما لا شك فيه عندي هو ان الاشتراكية تمثل ذروة سنام القيم الإنسانية وبالتالي الإسلامية ومن يحيد عنها لا يستحق التمجيد.. أضف إلى ذلك ان الرئيس الراحل أنور السادات بتوقيعه على تلك الاتفاقية قد أوهن الأمة العربية باخراج أقوى دولها عن دائرة الصراع.
ذلك ربما مرده إلى أمرين وهما ان دعوة الأستاذ الشهيد محمود محمد طه هي دعوة سلام ولأن الجمهوريين لا يرون في السلفيين الذين عارضوا الاتفاقية ثم إغتال أحدهم الرئيس الراحل أنور السادات خيراً.
لكنني أذكر اخواني الجمهوريين بحقيقتين هما أدرى بهما من غيرهم وهما انه لا يوجد سلام من طرف واحد وليس في الوجود باطل مطلق.
صلاح عباس وشي
المحامي

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147527376&bk=1
_________________

Post: #697
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 03:36 AM
Parent: #1



الترابي والفكرة الجمهورية

2006/01/23

تعقيبا علي ما كتبه المحبوب مذكرات ـ اجتهادات الشيخ الترابي في القدس العربي العدد 5172 السبت الاحد 14 ينارير 2006 . كتب المحبوب الاتي عن حد الردة اما القضية التي يطبق عليها حد الردة فقد جاءت بعد محاضرة بجامعة الخرطوم حول قضايا تطبيق الشريعة عام 1979 تحديدا من تلامذة الفكر الجمهوري، الذين استنكروا اجتهاد الشيخ الترابي المرتد ردة فكرية بحتة لا يقتل واصــدروا ذات ليلة المحاضرة كتابا يحمل عنوان الترابي يخرج علي الشريعة باسم تحكيم الشريعة ، وهذا علي اي حال الرأي الذي تبناه غالب رموز الفكر الاسلامي المعاصر المستشار سالم الهنداوي والدكتور محمد سليم العوا والدكتور طه جابر العلواني :
1 ـ اولا كان نقد الاخوان الجمهوريين لمشروع تطبيق ما يسميه الاخوان المسلمون الشريعة في عهد نميري والذي اضحي و قوانين سبتمبر 1983 لاحقا، وليس كان امر حد الردة، حيث لا يؤمن اصلا الجمهوريون بوجود هذا الحد في الشريعة الاسلامية الحقيقية التي طبقها الرسول في القرن السابع.. ولهم باع كبير في ذلك، بينما سلاح تكفير الخصوم هو من اكبر ممارسات الاخوان المسلمين الذين ينتمي اليهم المحبوب وشيخه.. والذي ترجمها عمليا اعدام الاستاذ محمود محمد طه صاحب الفكرة الجمهورية في 18 يناير 1985 بالتهمة عينها التي نفي الترابي اعدام صاحبها، وكان الترابي في تلك الفترة مستشارا لرئيس الجمهورية.
2 ـ تمت ادانة الاستاذ محمود بتهمة اثارة الكراهية ضد الدولة في محكمة لموضوع يرأسه القاضي المهلاوي، لانه كتب منشورا يدين فيه التطبيق المشوه للشريعة.. تحت مواد امن لدولة (المادة 96أ و105ط).
3 ـ وفي محكمة الاستئناف حول القاضي المكاشفي التهمة من اثارة الكراهية ضد الدولة الي ردة.
4 ـ تم تنفيذ حكم الاعدام علي الاستاذ محمود رغم ان المادة 246 من القانون الجنائي تمنع اعدام الشخص الذي تجاوز السبعين سنة.. وكان عمر الاستاذ محمود انذاك 76 سنة فهو من موليد 1927 في مدينة رفاعة، وبذلك تجاوزوا حتي مواد القانون الجنائي، وبذلك يكون المحبوب تلميذ الترابي المخلص يريد اعادة تسويق شيخة في منبر القدس لعربي الصحيفة المحترمة لدي كل القوي المستنيرة في الوطن العربي.. وعليه ان يرد علي هذا السؤال؟
اذا كان الشيخ الترابي مفكرا ملتزما بما يقول، فلماذا سكت عن هذه الجريمة الشنيعة في حق هذا الرجل الجليل الذي اعدم بسبب منشــــور والشيخ انذاك جزء من سلطـــة نميـــري وهو القائل سنة 1979 بعدم جواز قتل المرتد ردة فكرية بــــحتة، وبذلك خالف النص القرآني الذي يدعو لمطـــابقة القول مع الفــــعل قال الله تعالي (يا أيها الذين امنوا لما تقولوا ما لا تفـــعلون كبر مقتا عند الله ان تقــــولو ما لا تفعـــلون) صدق الله العظيم.
ونهيب بقراء صحيفة القدس الاجلاء الذين يريدون معرفة المزيد عن الفكرة الجمهورية زيارة موقعها علي شبكة الانترنت www.alfikra.org .

عادل الامين ـ اليمن
[email protected]



http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=2006\01\01-23\r...لفكرة%20الجمهوريةfff
_________________

Post: #698
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 03:37 AM
Parent: #697


وفاة بدر الدين مدثر عضو القيادة القومية لحزب البعث

2006/01/27

الخرطوم ـ القدس العربي :
توفي امس في الخرطوم الاستاذ بدر الدين مدثر سليمان عضو القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي وتورد القدس العربي سيرة مختصرة للاستاذ بدر الدين مدثر، فقد تخرج من جامعة القاهرة فرع الخرطوم كلية القانون في سنة 1962م ويعتبر من المؤسسين لحزب البعث العربي الاشتراكي مع الاساتذة محمد سليمان الخليفة ومحمد بشير وشوقي ملاس. تعرض الاستاذ الي الاعتقال عقب انقلاب ايار/ مايو 1969م واستمر الاعتقال حتي العام 1974 م وبعدها غادر الي العراق بتوجيه من القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي وفي المؤتمر القومي العاشر للحزب عام 1978م تم انتخابه عضوا في القيادة القطرية ونائبا للامين العام للحزب. عاد الاستاذ الي السودان بعد الحرب العالمية ضد العراق بقيادة امريكا (..).
وقد اصدر حزب البعث السوداني بيانا جاء فيه :
توفي اليوم (امس) في الخرطوم الاستاذ بدر الدين مدثر سليمان عضو القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي. منذ ان انتسب الفقيد الي حزب البعث اوائل الستينيات، واحدا من اول اثنين من السودان، كرس بدر الدين مدثر حياته كلية لعمل الحزب كمناضل ومنظم وقائد سياسي من الدرجة الاولي مستغنيا عن حياته الخاصة كلية. وحتي عندما غادر السودان الي العراق منتصف السبعينيات فإنه فعل ذلك نتيجة عجز الحزب وقتها عن تأمينه نظرا لتجاوز حجمه السياسي، وبالتالي التركيز الامني عليه، قدرات الحزب. ورد عنه في مقال كتبه عبد العزيز حسين الصاوي قبل بضعة اسابيع انه كان علي قائمة الاعتقال التحفظي ابان حكم الجنرال عبود كلما حانت مواعيد الذكري السنويه لاعياد النظام وهو بعد طالب جامعي وانه ذو همة وقاده وذكاء سياسي حاد وانه لم يكن ممكنا التغلب علي العقبات الخطيرة التي جابهت عملية تأسيس الحزب وكادت تقضي عليه في مهده، دون هذا الحضور الاستثنائي.
وفي العراق واصل بدر الدين عملية تأسيس الحزب في السودان بدقة ومثابرة يومية حتي تجاوز هذه المرحلة الحرجة واضح بعد ذلك قوة سياسية فعالة الي درجة دفعت دكتاتورية نميري الي محاولة شل حركته عبر محاكمة فكر البعث الشهيره عام 1984 بنفس المواد التي اغتيل بها الشهيد محمود محمد طه. فقد كانت الخطة تستهدف ادانة فكر البعث بالكفر ودغم منتسبيه بالردة فإذا تنصلوا عنه قتلوا معنويا واذا رفضوا تعرضوا للموت. وفي الاطار القومي سرعان ما لفتت قدرات الاستاذ الراحل الاستثنائية الانظار فصعد الي اعلي مؤسسة بعثية وهي القيادة القوميه مؤديا دورا قياديا في تأسيس تنظيمات بعثية في اقطار مثل موريتانيا ومصر ضمن مهام اخري، حتي اصبح اهم شخصية غير عراقية في القيادة.
ان حزب البعث السوداني اذ ينعي الي الشعب السوداني والامة العربيه هذا الفقيد الكبير بكل الحزن والاسي، فان دوره المتميز في تأسيس الحزب بالسودان سيظل محفورا في ذاكرتنا مقرونا بالامتنان والعرفان، فضلا عن سجاياه الشخصية الحميدة، رغم الخلافات التي نشأت مع الفقيد العزيز والقيادة القومية حول قضية التجديد الديموقراطي وادت الي انفصالنا عنها.
نتقدم بعزائنا القلبي للاخوة في حزب البعث العربي الاشتراكي (القطر السوداني) وفي قيادة حزب البعث القوميه واعضائه في ارجاء الوطن العربي. ولا يفوتنا ان نزجي خالص عبارات المواساة ومشاعر المشاركة الوجدانية الصادقة لاسرة الفقيد، واشقائه وشقيقاته وابنته وبصورة خاصه والدته السيدة فاطمة التي وهبت اسرتها للحزب بسخاء نادر متحملة مشاق التقلبات الكبيره واخرها تدهور الحالة الصحية لابنها البكر حيث بقي الراحل الكبير منذ عودته من بغداد قبل ما ينوف علي العامين يعاني من مضاعفات خطيرة لضغط الدم والسكر. رحم الله الاستاذ بدر الدين مدثر سليمان واسكنه فسيح جناته.
حزب البعث السوداني
25 كانون الثاني (يناير) 2006



http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=2006\01\01-27\s...20لحزب%20البعث%20fff
_________________

Post: #699
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 03:38 AM
Parent: #698


عن الشيخ الترابي وأزمة الحركة الإسلامية المعاصرة

2006/04/25

بمحض المصادفة توافقت الضجة التي أثارها الشيخ الدكتور حسن الترابي بآرائه الأخيرة في قضايا خلافية في الفكر الإسلامي مع صدور كتاب عن الفكر الإسلامي الحديث كنت أحد المساهمين فيه بفصل عنوانه حسن الترابي ومحدودية الحركة الإسلامية الإصلاحية الحديثة . محرر الكتاب المذكور (والذي يصدر هذا الشهر عن دار بلاكويل في أكسفورد) هو الدكتور إبراهيم أبوربيعة، المحاضر في معهد هيرتفورد بالولايات المتحدة وعنوانه:
The Blackwell Companion to Contemporary Islamic Thought
ويتناول الكتاب الذي ساهم في إعداده لفيف من الأكاديميين والمفكرين من مختلف أنحاء العالم جوانب متعددة من الفكر الإسلامي المعاصر، ومساهمات أبرز الشخصيات المعاصرة فيه. وفي الفصل الذي قمت بإعداده تناولت بالتحديد الإنتقادات والجدل الذي أثارته اجتهادات الشيخ الترابي بدءاً من حكاية حديث الذبابة، وتشكيكه في صدقية بعض الصحابة وفي عصمة الأنبياء وموثوقية صحيح البخاري، وآرائه حول المرأة والردة وزواج المسلمة من الكتابي وغير ذلك. ومن الصعب بالطبع تلخيص كل ما ورد في ذلك النقاش الأكاديمي المفصل والمتعمق لمساهمات الشيخ الترابي وردود الفعل حولها في هذه العجالة، خاصة وأنها تعتبر تكملة لكتابين تناولت فيهما بشيء من التفصيل مساهمات الشيخ، هما ثورة الترابي (1991)، وكتاب الثورة والإصلاح السياسي في السودان (1995). ولكن يمكن هنا إعطاء بعض الإشارات التي تعين علي فهم بعض الجدل الدائر حالياً حول اجتهادات الشيخ، وهو جدل قديم جديد تنبع أهمتيه من أنه لا يعبر عن الإشكاليات التي تطرحها آراء فرد، بغير ما هو انعكاس لأزمة تواجه كل محاولات إحياء الاجتهاد في العصر الحديث.
فالضجة التي ثارت حول رفض الترابي لحديث الذبابة تجسد في جوانبها المختلفة أزمة أي محاولة لتحديث الفكر الإسلامي في وجه النظرة التقليدية السائدة. ذلك أن حديث الذبابة يمثل حالة نادرة من تعارض نصوص إسلامية معتمدة (في هذه الحالة حديث ورد في صحيح البخاري) مع اكتشافات قطعية خرج بها العلم الحديث. فهناك إجماع بين العلماء علي أن الذبابة تنقل الأمراض فوق ما عرف بأنها تنقل القاذورات. وبالتالي فإن اتباع نصيحة الحديث المنسوب إلي الرسول صلي الله عليه وسلم بغمس الذبابة في الشراب الذي تقع فيه بدلاً من إخراجها تتناقض في ظاهرها مع صريح العلم، رغم أن الحديث المزعوم يقدم ما يشبه نظرية المضادات الحيوية بالقول بأن جسد الذبابة يحمل معه ما يشفي مما تحمله من أمراض. ولا بد من أن نذكر هنا أن الصراع بين الدين المسيحي كما كانت تعبر عنه المؤسسات الكنسية والعلم الحديث كان من أهم أسباب تراجع سلطة الدين في الغرب وهيمنة العلمانية علي الحياة.
الحركة الإسلامية الحديثة سعت إلي تجنب مصير مماثل للإسلام بمحاولة إحياء الإجتهاد والتخلص من المقولات التي تتعارض مع العلم الحديث أو المفاهيم السياسية والاجتماعية الحديثة (الحريات، حقوق الإنسان، حقوق المرأة، إلخ...)، إما بالتشكيك في صحة نسبة هذه المقولات إلي مصادر إسلامية موثوقة، أو بإعادة تفسيرها وتأويلها. وتميز موقف الترابي بأنه اتخذ موقفاً جذرياً، بدأ برفض سلطة حديث الذبابة جملة وتفصيلاً، وتدرج إلي ذلك بعد أن بدأ بالمنهج التقليدي، وهو التشكيك في صحة الحديث، وبالتالي التشكيك في اعتقاد سائد بين المسلمين السنة بصحة كل ماورد في صحيحي البخاري ومسلم (وهو موقف لا يشاركهم إياه الشيعة). وحجة الترابي هي أن البخاري بشر غير معصوم، ولا بد أنه أخطأ في إسناد بعض ما أورده. ولكن حتي لو كان البخاري علي حق في روايته، فإن من المحتمل أن يكون الصحابي الذي نسب إليه الحديث قد أخطأ فيما نقل أو لم يفهمه كما يجب. والصحابة أيضاً ليسوا بمعصومين، بل إن بعضهم قد سجل عليه كذب وتزوير. وحتي لو تجاوزنا عن هذا وأثبتنا أن السند صحيح وأن الصحابي المذكور قد نقل عن النبي صلي الله عليه وسلم بدقة وموثوقية، فإنه يحق لنا أن نرفض المقولة النبوية إذا كانت تتعلق بشأن دنيوي. فعصمة الرسول صلي الله عليه وسلم تتعلق بالتبليغ في أمر الدين، وهو القائل أنتم أعلم بشؤون دنياكم كما ورد في الحديث الذي نصح فيه المسلمين بعدم تلقيح النخل، وهي نصيحة اتضح أنها لم تكن صائبة.
من الواضح أن الدافع الأساسي للإصلاحيين الإسلاميين المحدثين هو التعامل مع مطالب الحداثة، ومواجهة الانتقادات الصادرة من الغرب والعلمانيين من أبناء الإسلام، وهي انتقادات يستبطنها الإصلاحيون في أحيان كثيرة استبطانهم مبادئ مثل الإيمان بالديمقراطية أو حقوق الإنسان. ولهذا فإنهم يكونون في صراع مستمر مع أنصار النظرة التقليدية التي تري أن الإسلام يجب أن يؤخذ كما هو. ومن السهل علي الإسلاميين انتقاد ما يصفونه بأنه جمود تقليدي أو تفسير خاطئ للنصوص، أو غلبة موروثات غير إسلامية علي فهم الدين. ولكن الإشكال يأتي حين يواجهون نصوصاً صريحة تتعارض مع ما يقبلون به من أفكار حديثة، مثل الحرية الدينية مقابل حد الردة، أو مساواة المرأة مع الرجل مقابل النصوص حول وضعها وشهادتها وحقها في الميراث، إلخ. الحلول التي لجأ إليها معظم الإصلاحيين تمثلت في محاولة التركيز علي نصوص معينة دون أخري، وادعاء أولويتها. ولعل الحل الجذري الأبرز هو ذلك الذي لجأ إليه المفكر الراحل محمود محمد طه وحركته الجمهورية حين قرر نسخ كل النصوص القرآنية المدنية ومعها السنة وما تفرع عنها من موروث إسلامي والبدء من جديد في استحداث تشريع إسلامي من نقطة الصفر. ولكن الحل الجمهوري واجه إشكالين رئيسيين: الأول هو أنه حين كنس التشريع الإسلامي الموروث بأكمله بجرة قلم، أحل محله رؤية تتطابق مئة بالمئة مع المنظور الغربي الحديث في الحريات وحقوق الإنسان، وهو تطابق حري بأن يجعل أي دعوي من هذا النوع مشبوهة. والثاني أن مثل هذا الحل الجذري يحتاج إلي دعوي بسند سماوي جديد، وتصريح إلهي مباشر من إلهام أو نحوه. أي بمعني آخر إن الأمر يحتاج إلي وحي جديد ودين جديد، وهو تحديداً ما تضمنته الدعوي الجمهورية، وهو أمر يجعلها مشبوهة أكثر، خاصة عند أهل الحداثة الذين تستهويهم دعواها الأولي ولكن يصعب عليه تقبل محتواها الصوفي ـ الميتافيزيقي.
الشيخ الترابي اتهم من قبل خصومه بأنه يقارب في دعاواه الإصلاحية الشطحات الجمهورية، ولكن الترابي لم يدع وحياً جديداً وإنما استصحب دعوي الحداثة الأكبر (ودعوي قدامي فلاسفة المسلمين حتي ابن رشد) من أن العقل الإنساني هو في حد ذاته مصدر سلطة قد تعلو أحياناً علي أي سلطة أخري دون سلطة الوحي، ويمكنها كذلك أن تعيد تفسير الوحي بما ينسجم مع متطلبات الحياة البشرية. من هذا المنطلق استخدم الترابي الأدوات الفقهية التقليدية، مثل التعمق في البحوث اللغوية والتاريخية، ونقد النصوص ومحاولة قراءتها قراءة جديدة ترفض القراءات التقليدية التي تلبست كما يري بمواريث تقليدية غير إسلامية، ترجع إلي حياة المجتمعات الإسلامية وقيمها السابقة علي الإسلام. علي سبيل المثال انتقد الترابي بشدة النزعة الأبوية في المجتمعات الإسلامية التقليدية وتغولها علي حقوق المرأة، بحيث أصبحت شــــؤون المرأة تكاد تكون الجانب الوحيد من الفقة الإسلامـــي الذي يرفض فيه التقليديون (علي غير ديدنهم) صريح النصوص التي تؤكد علي حقوق المرأة بدعوي أن ما كان يصلح للمجتمع النبوي ومجتمع صدر الإسلام لم يعد يصلح للمجتمعات اللاحقة التي لا يمكن أن تضاهي في صفائها الأخلاقي تلك المجتمعــات الطاهرة.
الإشكال في منهج الترابي هو أنه واجه رفضاً من التقليديين دون أن يجد القبول عند الحداثيين والعلمانيين. فالحداثيون لا يقبلون بما هو دون الحل الجمهوري من تخلص بالجملة من الموروث الإسلامي الفقهي، أو علي الأقل يدعون لما يسميه الدكتور محمد أركون بـ نقد العقل الإسلامي ، أي عملية تفكيك تحلل الموروث الإسلامي من الخارج وتحكم عليه بأنه كان أسير واقع تاريخي معين لا بقاء له خارجه. وبالمقابل فإن التقليديين يرفضون اجتهادات الترابي جملة وتفصيلاً كما يرفضون منهجه. وقد كان الترابي يميل حتي وقت قريب إلي مداراة التقليديين، ولا يحفل كثيراً بنقد الحداثيين، وإن كان يتوجه بكثير من خطابه إليهم وإلي الغرب. فقد اضطر مثلاً إلي التراجع عن معظم أقواله حول زواج المرأة من كتابي وحد الردة والتشكيك في البخاري والعصمة النبوية أمام انتقادات التقليديين العنيفة. وقبل ذلك كان قد نشر كتيبه عن المرأة في مطلع السبعينات باسم مستعار في أول الأمر.
وقد أدي هذا بدوره إلي ازدواجية في الخطاب. فقد كانت للشيخ الترابي حلقة داخلية صغيرة من الأنصار يخاطبها بصريح آرائه الفقهية، بينما كان يدخر خطاباً آخر لـ عوام الخلق . وقد نتجت عن هذا الوضع عدة نتائج، أولها بروز عقلية صفوية بين أعضاء هذه الحلقة الداخلية تشبه إلي حد كبير ما انتقد الإمام أبوحامد الغزالي عن فلاسفة عصره الذين كانوا يعتقدون التميز عن الأقران بفهم خاص للأمور يرتفع كثيراً عن فهم العامة. وأخذ يسود وسط هذه الصفوة المدعاة استخفاف كبير ببقية المسلمين وفهمهم للدين، بل وبكثير من تعاليم الدين. وهذا بدوره سلب الحركة الإسلامية سلاحها الأمضي في وجه خصومها من العلمانيين، والمتمثل في قدرتها علي تعبئة الجماهير وراء مواقفها بتوسل الشرعية الدينية. ولكن إذا كانت الحركة الإسلامية ترفض الموروث الديني كما هو فإنها تواجه نفس إشكال العلمانيين، بل إشكالاً أكبر، لأن العلمانيين علي الأقل لا يتدخلون في أمور الديــن ولا يسعـــــون إلي تغيير عقائد الناس بل يكتفون بتجاهل الدين ومقولاته أو التظاهر نفاقاً بالقبول بها. وهناك شواهد كثيرة علي أن العلماء التقليديين والجماهير الإسلامية تتقبل الإعراض عن الدين أكثر من تقبلها لما تري أنه تحريف للدين أو تغيير له. ولهذا واجهت الحركة الإسلامية بقيادة الترابي عزلة مزدوجة لأنها كانت تحارب العلمانيين والتقليديين في نفــس الوقت.
التوجه الجديد للصفوة المحيطة بالترابي كانت له انعكاسات عملية، منها التنكر لتقبل الحركة الإسلامية التقليدية للديمقراطية، لأن الاحتقار للجماهير، بما في ذلك الجماهير المتدينة، يستتبع بالضرورة رفض الديمقراطية كمنهج. وقد ولدت هذه النظرة كذلك استخفافاً بكثير من القيم المتمثلة في الصدق مع الناس أو احترام حقوق العباد، ولعلها كانت مسؤولة إلي حد كبير لما وقع من انتهاكات وتجاوزات ميزت عهد ثورة الإنقاذ تحت رعاية الترابي. وهي بلا شك مسؤولة عما وقع للترابي علي يد تلاميذه الذين تعلموا منه الاستخفاف بالناس وبالقيم دون أن يكون لديهم ما كان له من العلم، فلم يجدوا بأساً في الإيقاع به وإنكار سابقته، لأنهم أصبحوا يرون أنفسهم فوق كل شريعة وعرف. ولا نزال نسمع من بعضهم تصريحات يستخفون بها بالعباد أفراداً وأحزاباً وأمة، إضافة إلي ما نعلمه مما يتداولونه في مجالسهم ويتناجون به من آراء خلاصتها أنهم قادرون علي حكم الشعب بالحديد والنار والكذب والنفاق وشراء الذمم، وأن الأمة بكل من فيها من شمال وجنوب وشرق وغرب ليس فيها فرد أو جماعة تستطيع تحديهم، وهو غرور أورد الترابي ما هو فيه، وسيكتشف تلاميذه قريباً أن شيخهم كان محظوظاً، لأن مصيرهم سيكون أسوأ بكثير.
آراء الترابي الأخيرة وما ولدته من ردود أفعال لا يجب إذن أن ينظر إليها علي أنها إشكالية فرد أو جماعة، وإنما هي ورطة أمة لم تعد تجد في تراثها ما يكفي لمواجهة الحداثة، ولكنها تتمسك بهذا التراث علي علاته، وتقبل أن يزول هذا التراث جملة من أن يتعرض لتعديلات تضمن بقاءه. وهي أيضاً أزمة نخبة حديثة إما أنها أعرضت عن الإسلام إعراضاً أو أنها فشلت أخلاقياً وفكرياً في قيادة الأمة باتجاه إحياء الفكر الديني، فهي تتأرجح بين قيود التراث ومتاهات الخواء الأخلاقي الحداثي.



http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=2006\04\04-25\q...سلامية%20المعاصرةfff
_________________

Post: #700
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 03:39 AM
Parent: #1



الحركة الوطنية لشرق السودان: الخروج من دار الأرقم

2006/05/23

ثمةُ قائلون لنا، انما بدأنا هذا الفعل السياسي الجديد، إنّكم لستم بمتجاوزينَ من هم قبلكُم من عُتاةِ المنشطِ السياسيِّ العريق وانكم ـ لعَمْرِنَا ـ ها هنا قاعدون! تلكَ ـ قِيلَ لنا ـ إنما هي موجةُ زَبَدِيّةٌ عابرةٌ و فهلوةُ آلِ نضالٍ انترنيتيّين زاهين ومعجبين بما لديهم من نرجسيّاتٍ سياسيّةٍ مهوّمةٍ، فحسب، لذا فهم لن يخرجوا ـ وإن فعلوا! ـ بمقدار ذراعين عن شأنِ طقطقةِ بضعةِ مثقّفين صفويّين (ولهم المكرمة لاعترافهم لنا بأننا مثقّفين علي الأقل !) علي لوحات حاسوبٍ مضيئةٍ يُنشّرونَ عليها فقّاعات حساسيّاتهم الشخصيّة وأوهامهم و عقدهم الموروثة عن شقاقات سياسيّة ماضية (وذاكَ قيلَ، خصوصاً، عن الصديق المبدع، ذي الفنون المتعددة ، طارق أحمد أبوبكر، الأمين العام للحركة الوطنية لشرق السودان، حيثُ جُرّدَ جهادُهُ وهمُّهُ كلّهُ إلي كليماتٍ بارداتٍ وقحاتٍ مُتّهماتٍ لهُ بأنه إنما مضي علي سبيلهِ الحاليّ هذا فقط ـ وتنبّهُوا لهذه الـ فقط ! ـ لتصفيةِ خلافٍ شخصيٍّ قديمٍ مع رفاقٍ لهُ، طيفيّين وسابقين، في قبيلة اليسار السوداني العتيدة.
هكذا ـ فقط ولاغير ـ هم شافُوا شأنه، فهل في هذا أيّ إنصاف لهُ، أيّها القارئون ؟! أما الأدهي من ذلك، والذي كُتِبَ وقِيلَ عن رئيس الحركة القويّ الأمين، القائد أحمد محمد طّاهر حمد ، فلستُ خائضاً فيه، بل حسبي منه أن أقولَ أنّ القائد أحمد محمد طّاهر مُتمثِّلٌ، في سلوكهِ إزاءهُ، بِتَمامِ أدبِ الآيةِ القرآنيّةِ الكريمة القائلة: ـ وعبادُ الرّحمن الذين يمشون علي الأرضِ هوناً وإذا خاطبهم الجّاهلونَ قالوا سلاما ).
هكذا قال عنّا، في البدءِ، الواهمُون (والاستعارةُ هنا من بحرِ شاعرنا مصطفي سند القديم). لكنّا نقولُ لهُم: ـ ألا فاستنيروا يا هؤلاء! ألا فاستنيروا يا هؤلاء! ألا فاستنيروا يا هؤلاء ! فإن لم تستنيروا فسيستبدلُ التاريخُ والنّاسُ بكُم أُنسيّينَ آخرينَ ذوي قُوّةٍ، وليسُوا ذوي عُنفٍ لآلهم وحرثهم، بلا ادّعاءٍ وسِعةٍ، يعملون. ولئن سئل الإنسان هنا عن معني القوّةِ كبديل تاريخيٍّ سياسيٍّ فعليٍّ لـ العُنف لأجاب بما أجابَ به، من قبل هنري ديفيد ثورو، في مقاله الموسوم حول واجب العصيان المدني، ثمّ ما أجاب به، أيضاً،إرث المهاتما غاندي العظيم حيثُ أُعْطِيَ عمل ثورو الفكريّ هذا عمقاً روحيّاً، أوّلاً، ثمّ اجتماعيّاً، من بعد ذلك (أو، علي الأدقِّ، مع ذلكَ )، ممّا كان له أثرٌ غيرُ منكورٍ في الواقع السياسيِّ العالميّ العريض وليس الهنديّ فحسب، ثمّ لنا أخيراً في ما فصّل فيه القول علي هذا السبيل الأستاذ والسّودانيِّ الشهيد محمود محمد طه ـ في مجمل ما كتبه عن الفرق بين القوة و العنف وعن الثورة الثقافية ـ تركةً سودانيّة حكيمةً وسديدة البصيرة، ومن شاءَ فليُراجع كلّ ذلك في مظانّه فلقد سئمنا من عديدِ الكتاباتِ الإنشائية عنا والإدانات التي لن تُجدي، معنا ومع من يتفهّمون أهدافنا، فتيلا.
إبراهيم جعفر
قيادي بالحركة الوطنية لشرق السودان



http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=2006\05\05-23\z...20دار%20الأرقم%20fff
_________________

Post: #701
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 03:41 AM
Parent: #700


المفكر السوداني الدكتور منصور خالد يفتح خزائن اسراره لـ القدس العربي (4)

2007/04/08

حاوره: كمال حسن بخيتہ
الدكتور منصور خالد مفكر وكاتب سوداني، غزير الانتاج خصوصا في شؤون السياسة، واستراتيجيات التنمية، ويملك قلما جزلا رشيقا مقروءا ومثيرا للجدل في آن واحد، وفضلا عن علمه وثقافته الموسوعية التي كثيرا ما يبهر بهما خصومه قبل مريديه وهم كثر في الجانبين ، فان الرجل خبير بخبايا واسرار وتطورات واشكالات السياسة السودانية التي خاض اتونها مفكرا ووزيرا ومعارضا شرسا لكنه في كل الاحوال كان دائما ولا يزال مشهودا له بالكفاءة.
سطع نجمه عند العامة عندما تولي وزارة الشباب والرياضة في بداية العهد المايوي (نظام الرئيس الاسبق جعفر نميري) الا انه لدي خاصة المثقفين كان معروفا بينهم يتابعون انتاجه الفكري وكتاباته ومشاركاته في المؤتمرات الدولية، وما تنشره له الصحف من مقالات تحمل وجهة نظره وفكره. كان احد ابرز من تولوا مسؤولية وزارة الخارجية عندما كانت مايو في اوجها واعتبر حينذاك احد اعمدة النظام ومنظريه وفي العام 1979 انقلب د. منصور علي مايو بسبب اخطاء لم يتحملها ولا تتوافق مع ما يؤمن به من قيم وما يعتقد ويحمل من فكر وبدأ نقدها وتعريتها في كتابه (السودان والنفق المظلم)، ثم انضم الي الحركة الشعبية لتحرير السودان مستشارا سياسيا لجون قرنق ثلاثة عقود او اكثر. ظل د. منصور خالد شخصا مثيرا للجدل كسياسي وككاتب ومفكر متميز وجريء يختلف البعض حول افكاره وطروحاته لكن الجميع يعترف بقوة قلمه وجزالة تعبيره.
ما هي علاقته بالامام عبد الرحمن المهدي والمحجوب وقبلهما عبدالله خليل؟ بمن تأثر في بدايات حياته وما هي الظروف التي اسهمت في تكوين شخصيته؟ وما علاقته بالنخبة او الصفوة؟... ما هو تأثير عمله بالامم المتحدة عليه، وماذا تركت الدراسة والعمل في الولايات المتحدة؟ كيف ينظر الي الداخل الي الصراع السياسي والبحث عن حل شامل واستقرار للسودان؟ ما هي المحددات التي يراها للسودان الجديد وماذا يأخذ علي قادة الاحزاب؟ وكيف يعيش حياته الخاصة؟ هذه الاسئلة وغيرها يجيب عنها د. منصور خالد في اول حوار معه يتطرق الي الخاص والعام في حياته.
يكشف السياسي السوداني في ثنايا الحوار انه لم ينضم لأي حزب لأنه كان يهتم بالجانب الفكري الجدلي في السياسة وليس الجانب التنظيمي وان اهم منعطف في حياته هو انتقاله للعمل في الامم المتحدة ويكشف ان الرئيس الامريكي دوايت ايزنهاور اضطر للاعتذار للسفير السوداني بعد ان اثار ازمة دبلوماسية صاخبة في واشنطن. هنا نص الحوار الذي اجريناه معه في القاهرة، وفي هذا الجزء من الحوار الاستثنائي معه يروي الدكتور منصور خالد ملابسات مشاركته في النظام المايوي، ما هي قناعاته التي دفعت به الي المشاركة؟ ما هي الإنجازات التي تحققت من وجهة نظره وما هي الإخفاقات؟ ثم لماذا خرج وعارض، ما هي الأسباب وكيف فسر ذلك مؤيدو النظام ومعارضوه؟ وقبل ذلك ما هي الظروف التي ولدت فيها مايو؟ ثم كيف انضم إلي الحركة الشعبية، وما هو تقييمه لدوره في الحركة ووجوده بها؟ ويجيب علي السؤال المهم: كيف انتقل من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار من المفكر المثقف الليبرالي إلي حركة بدأت ماركسية ذات اتجاه واحد؟
وينتقل الدكتور منصور خالد في هذا الجزء إلي الحديث عن المفكر السوداني محمود محمد طه الذي اعدم شنقا علي يد نظام نميري وكيف قضي عشية الإعدام في داره في لندن التي تحولت إلي سرادق عزاء.

مع حركة مايو واسبابها

شاركت في نظام مايو ثم خرجت علي ذلك النظام ونقدته. حدثنا عن الدوافع والملابسات في المشاركة وفي المعارضة ؟
تسألني عن مايو وفي حكايتنا، تلك فترة عامرة وتعيسة في آن. قلت رأيي في أوجه تعاستها، وأنا في قلبها دون ان أغمطها حقها. لم انتظر الساعة الحادية عشرة لانحاز الي جانب الشعب. صديقي الراحل الدكتور الزين النيل ـ عطر الله قبره ـ كان بارعا عندما كتب لي من قطر، عند نشر مقالاتي حول نظام مايو في صحيفة ( القبس) وهي المقالات التي أودعتها في كتاب (السودان والنفق المظلم)، كتب يقول (عفارم) لم تنتظر رحيل القائد لتخرج علينا بكتاب عن هذه المناسبة. اذكر فيها الزين الذي نشأ بيني وبينه ود وتقدير في مدرسة وادي سيدنا، كما اذكر شقيق روحه الدكتور حسن كشكش إذ قام كلاهما بتوزيع ذلك الكتاب في قطر حيث كانا يعملان. وعلي أي حال فقد أعلنت وما زلت أعلن بأني مسؤول عن كل ما دار في ذلك العهد، حتي فيما كان له فيه رأي نقيض، هذه مسؤولية أدبية وأخلاقية ولا مشاحة في ان يعترف المرء بأخطائه لان الاعتراف بالخطأ السابق في قول الشاعر ألكساندر بوب، يعني انك صرت أكثر حكمة.
ماهي الأسباب التي تري انها كانت وراء مايو او عجلت بها ؟
تجربة مايو لا يحكم عليها بمعزل عن الظروف التي ولدت فيها مايو ، ليس من فراغ. نزاعات الأحزاب كانت كصراع الديكة، دامية وعنيفة وكان أهل النظام بوعي بها. قال المحجوب لمايكل ستيورات وزير الخارجية البريطاني (ان الوضع في السودان سيقود إلي انقلاب عسكري في أسابيع إن لم تمد بريطانيا يد العون للسودان) راوي هذا الحديث هو صديق السودان والسودانيين غراهام توماس الذي رتب اللقاء. وقد أورد توماس الحديث في رسالة منه للسير جيمس روبرتسون نشرت في كتابه الذي صدر قبل بضعة أعوام وتضمن الرسائل المتبادلة بينه وبين روبرتسون، بيد ان مشكلة السودان يومذاك لم تكن هي الاقتصاد، وإنما كانت العوامل التي أدت إلي تدهور الاقتصاد. صراع الديكة وحرب الجنوب، الحرب كانت أكثر دموية وغباء من ذلك الصراع خاصة بعد ما توصل إليه الرأي المستنير من حلول لتلك الحرب عقب مؤتمر المائدة المستديرة. هذا هو البعد الداخلي، أما البعد الخارجي فهو هيمنة الفكــــر الشمولي علي المنطقة، الحزب الواحد، الاشتراكية العربية، الفكر القومي البعثي، الاشتراكية الإفريقية، بحزبها الواحد هي الاخري.
هذا الواقع لم يلق بظلاله علي السودان فحسب، وإنما أناخ بكلكله عليه. هذه التجارب جميعها ثبت فشلها الا في بضع بلاد ما زالت تعيش خارج إطار التــاريخ المعاصر، ومع ذاك ما زال بعض الطاعنين في شمولية مايو يثابرون علي تمجيد ضلالات (شموليات أخري).
إذا كان الواقع السياسي آنذاك والحالة الاقتصادية المتردية التي نبه إليها المحجوب ماذا قدمت مايو إذن لمواجهة ذلك ؟
مايو أنجزت الكثير في ميدان التنمية المادية ـ طريق الخرطوم ـ بورتسودان، خط الأنابيب مصانع السكر و علي رأسها كنانة، جامعتا الجزيرة وجوبا، اكتشاف البترول إلي آخر القائمة. علي ان جميع هذه الإنجازات لم يكن يستأهل لتحقيقها إلغاء الديمقراطية والصـــــراع الدامي الذي صحب ذلك. علي ان إنجاز مايو الأكبر هو السلام بين الشمال والجنوب الذي نعم به السودان لعشر سنوات.
إلي أين انتهي ذلك السلام؟ ألغاه نفس الرجل الذي أنجز في عهده، وما كان لحكـــــمه ان يستقر لولا الدفع الذي وجده من تحقيق الاتـــــفاق. لو كان مثل هذا الإنجاز قد تحقق في ظل نظام ديمقراطي مفتــــوح، فيه من الشـــــفافية بقدر ما فيه من المحاسبة لما جرؤ حاكم علي انتــــهاكه. الناقد الحصيف يتساءل لماذا استـــــطاع النظام الشمولي ان يحقـــق ما عجز عنه النظام الديمقراطي ؟
الجواب هو عدم إدراك الحاكمين يومذاك للاولويات، فالصراع كان علي الديمقراطية بدون إدراك أن الديمقراطية والاستقرار السياسي سيظلان في كف عفريت ما دامت مشكلة الحرب معلقة. لو ادركوا تلك الأولوية ـ وتركوا الصراعات حول الحكم ـ لدامــــت الديمقراطية.
مايو وضعت السلام علي رأس اولوياتها منذ تموز (يوليو) 1969ولكن بالقدر نفسه، رغم نجاح نظامها الشمولي باستقراره القمعي في حل المشكلة، فان طبيعته الشمولية اتاحــــت للذي يمسك بمفاتيح التحكم ان ينقــــض غزله بيده دون حسيب او رقيب. وعلنا اليوم بعد تجربة وبعد تجارب العالم التي تهاوت فيها الأنظمة الشمـــــولية من هانوي إلي الجزائر، ومن موسكو إلي بريتوريا أضحينا أكثر حكمة. وعل الله يهدينا أيضا إلي إدراك اولوياته حتي لا تــــقع واقعة ليس لها غير الله رافع. وقــــد أحسن التجـــمع مثلا عندما وضع قضية الحرب والسلام في قائمة اولوياته.

عن الموقف السياسي

ما زال موقفك السياسي يعتريه الغموض، أي انتقالك من منظر لنظام ديكتاتوري إلي داعية إلي الديمقراطية وحقوق الإنسان ومن العداء إلي الشيوعية واليسار عموما إلي قيادة (الحركة الشعبية لتحرير السودان) كيف تفسر تنقلك من موقف إلي آخر نقيض له تماما ؟
سؤالك يحتاج إلي تفكيك، بل هو من الأسئلة التي تثير في المرء هرمون التوتر (الأدرينالين) فطريقة السؤال كثيرا ما تفرض الإجابة التي يبتغيها السائل، هذا أمر يصح في المحاكم، فقد تعلمت في تجاربي القانونية الا اوجه سؤالا للخصم لا اعرف جوابه، لان هدف المحامي هو إثبات واقعة يعرفها. اما بالسجال او الاستطلاع الفكري، فانا افكك السؤال لاكتشف او لاكشف عن التناقض الداخلي فيه وعن محتواه، وما ينبغي السائل او بالأحري من يعبر عنهم السائل. أنت مثلا تفسر عن الغموض بأنه الانتقال من رحاب التنظير لنظام مايو الدكتاتوري إلي الدعوة للديمقراطية وحقوق الإنسان. السؤال يفترض أيضا ان ثمة عداء فكريا بيني وبين الشيوعية واليسار عموما. ولهذا تعجب من انضمامي للحركة الشعبية التي تصنفها في خانة اليسار حسب نظرك:
أولا: (دكتاتورية) مايو هذه تعود إلي اليوم الأول الذي خرج فيه (حارسنا وفارسنا) من الثكنات حتي انتهي إلي سدة الحكم وبدأت منذ أن تداعت (القوي الديمقراطية) جميعها إلي الميادين في 2 حزيران (يونيو) 1969لتبارك الوليد المايوي وتذود عنه بـ الروح والدم نفديك يا ثورتنا ، بين هؤلاء كان الشيوعي والبعثي والناصـــــري، ولعل البعثيين والناصريين هم الذين استــوردوا للسودان شعار (بالروح بالدم)، فان اختلف أي من هؤلاء مع نظام مايو لأنه انحرف من اليمين مع اليسار او انتقل من اعلي عليين إلي أسفل سافلين في تقديرهم فهذا لا يلغي الطبيعة (الدكتاتورية)، من البداية إلي النــهاية والدكتاتورية هي مناط اتهامك له.
وبالتالي فان تصنيف اليسار واليمين هنا لا يعني شيئا مع ذلك علي المستوي الفكري، كانت مواقفي مع المدارس السياسية التي تحصر الإنسان في اطار مفهومي خانق هو الرفض الفكري، لا العداء، ولعل اللغة أيضا لها دور في تكييف نظرة المعلقين للأشياء، فالمقال السجالي يصور دوما في الصحافة العربية بلغة (شن فلان حملة عنيفة علي فلان) عقلية داحس والغبراء ما زالت تسيطر علي بعض الافهام.
حسنا ما الذي يدفع المرء للانتقال من موقف إلي آخر مناقض له ؟
تسأل عن القانون الذي يحكم الانتقال من موقع الي نقيضه ؟القانون هو التطور التاريخي، هو نمو الوعي، هو التحولات المستجدة، هو استكشاف خيبة التجارب الماضية. ولهذا يوجه مثل هذا السؤال ان كان ثمة سؤال عن الغموض الذي يكتنف المواقف ـ الي بوريس يلتسين أمين الحزب الشيوعي اللينيني لمدينة موسكو الذي صار داعية للديمقراطية وحقوق الإنسان، والي الناصريين أهل الحزب الطليعي الواحد الذين لا ترضيهم اليوم ديمقراطية مصر التعددية بما فيها من استقلال للقضاء وحريات للصحافة والنقابات، كما يوجه للبعثيين الذين انتقـــــلوا إلي مرابع التعـــددية. فانتقالي يا صديقي من مربـــع الي مربع كان منذ 1979 في مقالات لم يصدقها المعارضون فأسموها (مقالات مأذونة) ولم يقبلها رفاق مايو القدامي، إذ حسبوها زندقة. مثل هذا السؤال يعبر عن حيرة السائل.
الاصطفائية في عرض الحقائق تعبر عن حيرة، فالسائل، فيما يبدو، مع الديمقراطية التعددية بلبراليتها السياسية ولكنه يتمني علي النفس اختزال ما يسميه قوي التخلف، وهو مع تحرير الاقتصاد ولكن ما زال به وله بالاشتراكية، عن تلك الحالة عبر الكاتب التونسي محمد الحداد يقول (انتقلنا من عهد النهضة إلي عهد الثورة، ومن عهد الثورة إلي عهد الحيرة).
سؤالك الحقيقي عن الحركة الشعبية، واتجاوز من السؤال دلالاته المضمرة، فلو تحولت مثلا إلي حزب شمالي لما برز السؤال المضمر وهو كيف يجوز ان يلحق نفسه بحزب (العبيد) هذه هي الأوصاف التي تستحي من نفسها ولهذا يهمهم بها البعض في مجالسه الخاصة.
دعني اقل لك بعد كل الذي قلت بأنني رجل متصالح مع نفسه، حريص علي مواريثه، مدرك لعبقرية بلاده المكانية والزمانية ، موضوعي في تقويمه للأفكار وللرجال، لا يري فيما جاء به البشر من فكر شيئا مطلقا او منزلا، كما لا يحكم علي الرجال بأصلهم وفصلهم وإنما برؤاهم وأفعالهم ، وشهادة الأفعال دوما اعدل من شهادات القال والرجال قال صديق شمالي لو جاء قرنق من ود الحداد لهرعنا جميعا إليه.
ولو جاء من جبل الداير لحسبناه مهديا جديدا. هذه هي محنة السودان الحقيقية. دوري في الحركة ـ كما قلت ـ أن أنقذ بعض أهلي من أنفسهم، ولايظنّن احد ان بغيتي هي ان أكون حاكما للبحيرات. تسألني عن مستقبلي السياسي. مستقبلي الحياتي وليس السياسي فقط، رهين بسودان جديد مستقر، ولا استقرار الا بعد أن يتصالح السودان مع نفسه، فان لم يتحقق هذا فسيطول الأبد علي لبد.
في تقديرنا السودان حقيقة جغرافية، نعني بذلك السودان الذي ارسي قواعده محمد علي باشا من التاكا وسواكن شرقا إلي دار فور غربا ومن غندوكرو جنوبا إلي حلف شمالا. وان كان السودان الجغرافي حقيقة فالسودان سياسي، خاصة فيما يتعلق بأمر شقه الجنوبي، وليس أدل علي ذلك من انه ظل متصارعا مع نفسه منذ الاستقلال في حروب ساخنة وباردة.
سبب هذه الحروب هو العجز عن استيعاب معني الخصوصيات المثقلة التي ظـــــلت ترهق المجتمع السوداني من أقصــــاه إلي أقصاه ،العجز عن إدراك المعطيات الزمانية والمكانية والتاريخية يصبح مذهلا عندما نستذكر ان التوحيد بين شقي القطر ليس بمطلب جديــــد، بل كان واحدا من المطالب الرئيسية في مذكرة إبراهــــيم احمد. مذكرة المشكل عولجت بأسلوبين خاطئين، فعلي المستوي النــــظري كانت هناك استهانة بتلك الخصوصيات، وكان هنـــاك ظن بإمكانــــية إذابتها عبر القهر الثقافي لا المثاقفة الطبيعية، بالرغم من ان المثــاقفة كانت هي أداة تعريب الشمال كله.
وقد جاء علي السودان حتي تراثه النوبي لونيته، وتراثه القبطي لنصرانيته، مثل ذلك التراث تتباهي به الأمم وتجليه علي العالمين. فالوثنية لم تدفع أهل مصر لاقتلاع آثار الفراعنة، والنصرانية لم تسقط الاخطل من ديوان العرب، ولم تمح اسم اسحق بن حنين من فهارس اعلامهم، ذلك نمط من الرجال تصدق عليه مقالة طه حسين عن احدهم: (هذا جاهل رضي بجهله ورضي جهله به).
أما علي المستوي السياسي فكانت اداتنا هي التشاطر السياسي، ففي 12/12/1955 تجسدت استجابة احزاب الشمال كلها علي مطالبة ان يصحب اعلان الاستقلال اعلانا اخر بقيام نظام فيدرالي في اطار دولة موحدة في كلمات بسيطة: (سيؤخذ هذا الامر بعين الاعتبار عند وضع الدستور) احزاب الشمال التي ما زال بعض زعمائها يردد حتي اليوم (الجنوبيون عايزين شنو ؟) كانت تعرف حقا ما يريـــــدون، كما تعــــرف الطريق إلي الوحدة والســــلام والاستقرار منذ اليوم الأول.
ويروي استانسلاوس بياساما في مذكراته التي نشرت بالسودان قبل بضعة أعوام قصة استدعاء عبد الرحمن المهدي له للقاء مع إسماعيل الأزهري وعبدا لله خليل وآخرين (وكان الأزهري رئيسا للحكومة القومية التي أعقبت الاستقلال وعبد الله خليل وزيرا للدفاع فيها) سأل الإمام عبد الرحمن استانسلاوس: (ما الذي يريده الجنوبيون ؟) قال استانسلاوس )نحن نطالب بنـــــظام فيدرالي ندير فيه شؤوننا الداخلية بأنفسنا في ظل سودان موحد) وكان للمهدي رد بليــــغ وتوجيه حاسم لأهل الحكم: (اذهبوا وأعطوهم ما يطالبون به، التركية لم تستطع قبرهم والإمـــام المهدي (أبوي) لم يستطع السيطرة عليهم، والإنكليز بالكاد حكموهم
وحيث لم يعرف السودان حروبا باردة أو ساخنة كانت هناك استهانة بخصوصيات أخري، التهميش الاقتصادي في مناطق الشرق والغرب والوسط (جبال النوبة) وأعالي النيل الأزرق، تلك ظاهرة ذات جذور تحتاج إلي تفكيك، خاصة وقد كان الجنوب ـ غير المسلم يعاني من تهميش قصدي له من جانب الشمال المسلم. الفكرة خاطئة لان اقتصار التنمية علي الشريط النيلي أمر استوجبته في عهد الاستعمار اعتبارات تخص الاستعمار: توفر البنية التحتية في الشمال (السكك الحديدية والنقل النهري) التضاريس الجغرافية المواتية، القوي البشرية المؤهلة نسبيا، القرب من مراكز التصدير للخارج. تلك سياسة لم يستنكف الاستعمار عن الجهر بها. ففي واحدة من رسائل اللورد كرومر إبان الجلاء جاء فيها ان الحكومة ستمضي في تنمية الشمال في حين تقصر إنفاقها في الجنوب علي الاحتياجات الضرورية لصون الأمن وحفظ السلام.
لهذا كانت مسؤولية الحاكمين في الشمال عن استشراء الحرب عظمية بسبب الحيلولة دون التمكين السياسي لأهل الجنوب في مطلع الاستقلال، و مسؤوليتهم اكبر في العجز عن توفير المناخ الصحي لتحقيق التمكين الاقتصادي للمهمشين علي امتداد القطر بسبب الإبقاء علي الخلل الهيكلي الموروث، ذلك الخلل ظل قائما حتي بعد أربعة عقود من الاستقلال مما جعل الحديث عن مسؤولية الاستعمار تكاد لا تخدع أحدا. وذريعة تسيء إلي من يتذرع بها، وأثبتت التجارب ان درجة الاستقرار الذي تتمتع به الدول حديثة العهد بالاستقلال رهين بدرجة معالجتها لمثل هذه الاختلالات عند الاستقلال.

ليلة إعدام محمود محمد طه

دهش كثيرون عندما كتب د.منصور عن الاخوان الجمهوريين في أواخر مايو، كيف بدأت علاقتك بالجمهوريين والي أين انتهت؟
حركة الجمهوريون قادتني إليهم فحولة فكرية وخصائل شخصية، كثيرون كانوا يقدرون في الجمهوريين تلك الفحولة دون ان يشاركوهم الرأي، ناهيك عن الانضواء تحت تنظيمهم. من بين الخصائل التي حببتهم الي نفسي أدب الخطاب وتجويد الكتاب والتوافق المبهج بين السر والعلانية، ولربما كان مقتل محمود محمد علي يد نميري هو اكبر حدث حملني الي القطيعة البائنة معه.
كنت في داري بلندن عشية إعدام الأستاذ أتابع ما يدور في السودان برفقة الحبيب الراحل الدكتور خليل عثمان والذي نمت بينه وبين الأستاذ علاقة وارفة، وتداعي علينا كثر لا يصدقون ما يسمعون: الأخ الراحل حسن بليل ، الأستاذ التجاني الكارب الأخ الراحل ابوبكر البشير الوقيع. قضينا ليلة محلوكة نسعي فيها بكل ما في وسعنا لحشد العالم لكي يقنع نميري بالكف عن السير في تنفيذ قراره. اتصلت بنائب الرئيس الاميركي جورج بوش، وسيمون تيل رئيسة البرلمان الاوربي، واحمد مختار امبو مدير اليونسكو والامير صدر الدين اغا خان في جنيف، والمستر ريتشارد لوس في البرلمان البريطاني، وكان لكل واحد من هؤلاء فضل علي السودان، وعلي النظام الذي يترأسه نميري شخصيا، الاجابة علي جميع هؤلاء كانت الرفض والتحايل، وضاعف من غضبي ما علمت به من بعد عن استهانة الرجل بكل الضغوط الاسرية عليه لكيما يقلع عن عدوانيته تلك، وفيما علمت ان رأس الرمح في تلك الضغوط الاسرية ـ الدكتور عبد السلام صالح ـ خرج غاضبا ومتوعدا ان لا يعود لدار نميري، وفي الصباح جاءنا الخبر الذي جعلنا جميعا نشرق بالدمع، حتي تحولت داري الي (بيت بكاء) لا ادري ما اصنع .
احاول تهدئة خليل وهو ينشج بالبكاء كالطفل؟ ام اهدئ من روع ابي بكر صاحب القلب الذي قرضته الامراض ؟ ام اقول للتجاني حنانيك بعد ان فجعني بقوله (لم اكن اظن انه سيأتي علي حين من الدهر اقول فيه لا يشرفني ان اكون سودانيا الا اليوم)؟ ام انصرف عنهم جميعا لافعل ما افعله دوما في مثل هذه الحالات: اعتصر قلبي في وريقة؟ هؤلاء رجال لم يكونوا في يوم من الايام من منظومة الاخوان الجمهوريين، ما جمعهم بالاستاذ الشهيد هو رابطة الانسانية واحترام الفكر والمفكرين. كثيرون قد يقولون ان محمود لم يكن هو اول ضحية للنميري، فقد سبقته ضحايا لتحمل معه المسؤولية عما لحق بهـــــم ، بيد ان محمود لم يكن هو الامام الهادي الذي نازع نمـــيري السلطة، ولم يكن هو الشيوعيين الذين اتهموا ـ حقا وباطلا ـ بالانقلاب علي حكمه، واذلاله بحمله علي ان يخرج من داره خافر الرأس حافي القدمين، وليس هو قيادات الجبهة التي جيشت الجيوش للاطاحة بالحكم، جرم الرجل الذي لم يكن يحمل عصا يتوكأ عليها وهو الشيخ الذي انهكته السنون، انه ابدي الرأي في وريقة واحدة استنكر فيها ما يدور باسم الدين دون ان يصف السلطان بالبغي.
وهو اقل ما كان يقتضيه المقام، تلك كانت هي القشة التي قسمت ظهر البعير وحملتني علي ان اقول: هذا جنون لا يستطيعه بشري الا بعون ربه. ولن يكون لي مع الرجل بعد اليوم لقاء حتي وان كان هو الممسك بمفاتيح الجنان




http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=2007\04\04-08\0...20العربي%20%20(4)fff
_________________

Post: #702
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 03:43 AM
Parent: #701


المفكر السوداني الدكتور منصور خالد يفتح خزائن اسراره لـ القدس العربي (اخيرة)

09/04/2007

حاوره: كمال حسن بخيتہ
الدكتور منصور خالد مفكر وكاتب سوداني، غزير الانتاج خصوصا في شؤون السياسة، واستراتيجيات التنمية، ويملك قلما جزلا رشيقا مقروءا ومثيرا للجدل في آن واحد، وفضلا عن علمه وثقافته الموسوعية التي كثيرا ما يبهر بهما خصومه قبل مريديه وهم كثر في الجانبين، فان الرجل خبير بخبايا واسرار وتطورات واشكالات السياسة السودانية التي خاض اتونها مفكرا ووزيرا ومعارضا شرسا لكنه في كل الاحوال كان دائما ولا يزال مشهودا له بالكفاءة.
سطع نجمه عند العامة عندما تولي وزارة الشباب والرياضة في بداية العهد المايوي (نظام الرئيس الاسبق جعفر نميري) الا انه لدي خاصة المثقفين كان معروفا بينهم يتابعون انتاجه الفكري وكتاباته ومشاركاته في المؤتمرات الدولية، وما تنشره له الصحف من مقالات تحمل وجهة نظره وفكره. كان احد ابرز من تولوا مسؤولية وزارة الخارجية عندما كانت مايو في اوجها واعتبر حينذاك احد اعمدة النظام ومنظريه وفي العام 1979 انقلب د. منصور علي مايو بسبب اخطاء لم يتحملها ولا تتوافق مع ما يؤمن به من قيم وما يعتقد ويحمل من فكر وبدأ نقدها وتعريتها في كتابه (السودان والنفق المظلم)، ثم انضم الي الحركة الشعبية لتحرير السودان مستشارا سياسيا لجون قرنق ثلاثة عقود او اكثر. ظل د. منصور خالد شخصا مثيرا للجدل كسياسي وككاتب ومفكر متميز وجريء يختلف البعض حول افكاره وطروحاته لكن الجميع يعترف بقوة قلمه وجزالة تعبيره.
ما هي علاقته بالامام عبد الرحمن المهدي والمحجوب وقبلهما عبدالله خليل؟ بمن تأثر في بدايات حياته وما هي الظروف التي اسهمت في تكوين شخصيته؟ وما علاقته بالنخبة او الصفوة؟... ما هو تأثير عمله بالامم المتحدة عليه، وماذا تركت الدراسة والعمل في الولايات المتحدة؟ كيف ينظر الي الداخل الي الصراع السياسي والبحث عن حل شامل واستقرار للسودان؟ ما هي المحددات التي يراها للسودان الجديد وماذا يأخذ علي قادة الاحزاب؟ وكيف يعيش حياته الخاصة؟ هذه الاسئلة وغيرها يجيب عنها د. منصور خالد في اول حوار معه يتطرق الي الخاص والعام في حياته.
يكشف السياسي السوداني في ثنايا الحوار انه لم ينضم لأي حزب لأنه كان يهتم بالجانب الفكري الجدلي في السياسة وليس الجانب التنظيمي، وان اهم منعطف في حياته هو انتقاله للعمل في الامم المتحدة، ويكشف ان الرئيس الامريكي دوايت ايزنهاور اضطر للاعتذار للسفير السوداني بعد ان اثار ازمة دبلوماسية صاخبة في واشنطن. وفي هذا الجزء الاخير من الحوار الاستثنائي نحاول ان نسبر اغواره الخاصة، كيف يري مسيرة حياته وما هي اهتماماته الخاصة؟ نبهنا رثاؤه للفنان الراحل خوجلي عثمان الي الجانب الاخر من الدكتور. هل يستمع للغناء؟ هل احب ؟من هم اصدقاؤه واحباؤه الذين يصطفيهم ؟ وما موقعه من الذين يحرمون فن الغناء والرقص ؟ وكيف ينظر الي المرأة؟
وفي ثنايا رده يقول: لو كان لي ان اعاود حياتي لحرصت علي ان اكون اقل اهتماما بالسياسة. ويضيف (ما اكثر الكبار من ورثة المرضي ممن لم ينعم الله عليهم بالستر من بهدلة الكبر). ويتحدث عن الغناء عند الراحل خوجلي عثمان فيقول انه كان يضفي علي حياتي نضارة يتباهج نوارها.
ويقول الدكتور خالد للذين يمنعون الغناء: (احرقوا ديوان العرب ). ويتساءل مستنكرا: من اين أتي هؤلاء بتلك الطهرانية والسودان يمارس فيه الرقص المشترك؟
نعلم انك انتبذت مكانا قصيا من مايو عام 1979وخرجت من السودان، وفي الخارج انتقدت مايو، وكتبت عن سلبياته، وحسبت معارضا لذلك النظام الا ان عودتك وزيارتك الخرطوم عقب انتفاضة ابريل اثارت زوبعة سياسية، طالب البعض فيها بمحاكمتك لانك كنت احد مفكري مايو، ماذا يقول د.منصور تجاه هذا الموقف وما هي تفاصيل تلك الزيارة؟
ليس في الامر تفاصيل خافية، يا فتي الفتيان القصة اوردتها برمتها في كتاب النخبة . جئت الي السودان لغرض وخرجت منه بعد انتهاء ذلك الغرض، ولعلك تدرك بأنني في تلك اللحظة كنت اقوم بمهمة للامم المتحدة (اللجنة الدولية للبيئة والتنمية). ولهذا فلا سبيل لي ان ابقي بالسودان اكثر مما بقيت. جئت كما اوردت في الكتاب بدعوة من الاخوين امين مكي مدني وعمر عبد العاطي، هموم امين كانت تدور حول موضوع الجنوب وهموم عمر كانت تتعلق بما في يده من قضايا، ولربما رأي فيما نشرت ما يعين علي القاء اضواء كاشفة علي جوانب من تلك القضايا.وكان في استقبالي عند وصولي مندوب بعث به الاخ فارس حسن من المجلس العسكري.
تشاورت مع من تشاورت معهم فيما أتيت من اجله، ولو كنت ابغي التخفي لما كان اول لقاء لي مع التلفزيون السوداني، ذهبت فيه الي حديث ناقد للاسلوب الذي انتهجه النظام يومذاك للاقتراب من مشكلة الجنوب، لا سيما قرار العودة الي اتفاق اديس ابابا ، في ذلك الحديث المتلفز قلت من الغريب حقا ان ينادي النظام، وقال علي وجه التحديد (اديس ابابا ماتت ودفنت)، وكان الخطاب قد اذيع عبر راديو الحركة الذي يسمعه العام والخاص، خلال يومين، فان لم يسمعه الذين يريدون حلا فهذا دليل علي عدم الجدية، وان سمعوه واغفلوه فذلك دليل علي الاستهانة.
تلك مقدمة ضرورية ادلف منها لحديثك عن الاجواء السائدة يومذاك ضد منصور خالد والتي اقحم فيها العاملون بوزارة الخارجية دون سبب فالعاملون في اعلي مراقي الوزارة تلك كانوا من اقرب الناس الي واحبهم الي نفسي، و علي رأس اولئك السفير ابراهيم طه ايوب والسفير فاروق عبدالرحمن، الاجواء السائدة تآمرت علي خلقها اعتبارات عدة منها الفهم الخاطئ ومنها الحسد ومنها الهجوم الدفاعي.
الانسان كائن غريب فمع ما حباه الله به من عقل لا يؤثرالتفكير الا بغريزته. ولا يحكم علي الوقائع والبشر الا بالانطباع ولا يري من الامور الا ظواهرها.ظننا في البيان والتبين الذي انبرينا له ما يوضح الامور لمن أخطأ الفهم. لا شك في ان هنالك من استدرك الخطأ بعد التمعن فيما كتبنا او عن طريق الحوار. اما من عجز وتعاجز عن الادراك لان عقله في اذنيه فقد تركناه وصحبه ينقون علي لا شيء كالضفادع في ظلمات الليل.
صحيح ان نقيق الضفادع رتيب وسخيف، ولكنه لا يؤذي وعلي أي فكل هؤلاء قد عادوا بالخيبة من كل الغزوات ثم تفرقوا خدع مذع . الطائفة الثانية، طائفة غريبة فالحسد داء يبري جسم صاحبه ولا يضير المحسود في شيء. هؤلاء يحسبون ان النجاح لا يجني للمرء الا بفضل فرصة جاءت علي غير ميعاد فاهتبلها اهتبالا، ما دروا بأنا ظللنا، وما لبثنا ننهك اعيننا تحت اضواء المصابيح، تلك غواية لم تلجمنا عنها ـ بحمد الله ـ السنون. مفتاح النجاح يا صاحبي همة وجهد جهيد، ونحمد الله ان همتنا اعلي بكثير مما حققنا ودون ان يبلغ بنا الغرور ما بلغه بالمتنبي نقول معه واقفا تحت اخمص الانام.... اما الجهد الجهيد فسيبقي موصولا ما بقي فينا رمق .
هذا عن اهل الهجوم الدفاعي الذين لم يرق لهم طرحي العقلاني لقضية المايوات الاربع. ومايو كم قلت ولا امل القول ليست هي نميري ولا الرواد وانما هي جموع المثقفين الذين تدافعوا اليها من كل حدب وصوب، ومن كل مدرسة او خلوة (فكرية) هذا تقرير للواقع لا تهمة ندفع بها احدا، خاصة وأنا واحد من هذه الجموع التي تدافعت لهذا لم اظن كما ظن البعض ان نيسان (ابريل) نهاية التاريخ ولهذا لم تفاجئني الانقاذ كما فاجأتهم.
وعلي كل ليست هذه هي القضية. وانما القضية هي سيل الاتهام الجارف الذي لاحقنا به الي كوكدام من احكم الخصومة، حتي فيما لا علم له به. ابلغ رد علي اولئك هو حديث الاخ الراحل تون اروك تون : قال اروك (من النفاق بمكان ان تحتجوا علي وجود منصور خالد المايوي بين ظهرانينا، وهو الرجل ترك نظام نميري في عام 1979 في حين انكم نصبتم في الخرطوم رئيسا للسودان آخر وزير دفاع لنميري، وكان من كبار جيشه، قولوها صريحة ان الذي يؤذيكم هو وجود ود العرب هذا وسط العبيد) لم اقل كفي المؤمنين شر القتال، وانما نثرت كنانتي ووجهت ادني عيدانها صلابة لهؤلاء في كتاب النخبة ، فرادي ومجتمعين، تناولتهم كما تناول جرير خصومه، الاخطل والفرزدق.

تقييم المسيرة

من منظورك النقدي الراهن كيف تنظر الي مسيرة طبيعة حياتك؟
احسبها طبيعية فكل مرحلة لها ظروفها وبواعثها ولربما لو كان لي ان اعاود حياتي من جديد لحرصت علي ان اكون اقل اهتماما بالسياسة لا سيما السياسة التي خبرتها بالسودان.
خاصة في الحاضر اكثر منه في الماضي فأهل الماضي مع كل نقدي الاسترجاعي لممارستهم كان يردعهم خلق قويم حتي رحلوا عن الدنيا خفافا. كما كانوا ينأون عما يعيب. عن اولئك عبر الشيخ الصادق محمد احمد المرضي عندما شهد بعض صحبه يتساقطون في عهد عبود فقال قولة شهيرة : الله يسترنا من بهدلة الكبر .وما اكثر غيرهم من بلاطجة السياسة في احزاب اخري لا يحسن الواحد منهم الا الشر، مثله مثل عمرو بن العاص في قول عبدالله بن عباس: له يدان يد لا تنبسط بخير ويد لا تكف عن شر . هذا دون ان تكون لذلك الشرير بلاغة عمرو او دهاؤه الا ان حسبنا التشاطر البدائي ، دهاء سياسيا. هذا البعض يصدق عليه كثيرا قول الرئيس ريغان (السياسة هي ثاني اقدم مهنة) في التاريخ ومن تجربتي الخاصة بين المهنة الاولي والمهنة الثانية وجه شبه كبير.

الفن والغناء

كان امرا ملفتا عندما كتبت عن الفنان الراحل خوجلي عثمان مما بيّن ان لك علاقة وثيقة بمحيط الفن والفنانين. كيف تنظرالي موقع الفن ودوره في الحياة ؟
صحيح كتاباتي عن خوجلي، كانت تعبيرا عن الحزن علي فقد صديق وديع باسلوب جائر وهمجي، كما كانوا ـ و مازال بعضهم ـ يضفون علي حياتي نضارة يتباهج نوارها، اما اكثرهم قربا لي فكان ابو داؤود ورفيقه برعي دفع الله، وخله الوفي علي المك. الفن الغنائي كما قلت واقول لعب دورا في توحيد اهل السودان لم تلعبه السياسة، والفن وحد الوجدان، والسياسة كما عرفناها عملت علي انشطاره. رويت من قبل قصة الحارس الذي يرافق قرنق. فتي من بور لا احسبه قد زار الخرطوم، كان يجلس في ركنه القصي يستمع لاغنية شدت انتباهي، فسألته من أي مكان جاء الفنان؟ قال حيدر بورتسودان، قلت لنفسي فوق كل ذي علم عليم، فما عرفت قبـــلها ان بورتسودان قد انجبت لها حيدرا فهذا الفـــــتي نموذج لكثير غيره في الشرق والغرب والجنوب، وحد الغناء وجدانهم، الغناء السوداني، لا الغناء العربي او الافريقي.
ما هو رأيك في المواقف التي تعارض الفن، وتعمل علي قمعه خاصة فني الغناء والرقص في السودان؟
سؤالك هذا يعود بي الي ما كتبت في رثاء خوجلي، بل رثاء الغناء السوداني كله بعد ما اصابه علي يد مهووسين سعوا لتمزيق اوصاله باسم الفضيلة والطهرانية، لهؤلاء قلت احرقوا ديوان العرب كله بما فيه من خمريات، اذ لم يبلغ أي واحد من شعراء الغناء السوداني في تشبيبه وخمرياته ما بلغه امرؤ القيس وابو نواس وبشار، وحتي ما يسمونه الرقص المختلط لا يسميه هكذا الا اصحاب العقول المخلاطة ، اسمه الرقص المشترك، ففكرة الاختلاط تعكس النظرة الدونية للمرأة، عند هؤلاء الرجل له المقام الاول حتي وان كان تيسا اقم (أي بدون قرون) والمرأة دونه حتي وان كانت في أدب مي زيادة وفدوي طوقان، تلك وايم الحق قسمة ضيزي .
أسأل من اين اتي هؤلاء بتلك الطهرانية؟ امن السودان الذي يمارس فيه الرقص المشترك، النوبيون والمسيرية والشايقية في الشمال كما الزاندي والدينكا والاشولي في الجنوب ؟ او اتوا به من المواريث العربية -الاسلامية القصية، وهي التي عرفت الحرائر اللائي امتهن بعضهن البروز للرجال لمطارحتهم في الشعر، مثل سكينة بنت الحسين بن علي، او الغناء مثل عبلة بنت الخليفة المهدي العباسي، (عباسيو) السودان يريدون ان يكونوا اكثر هاشمية من حفيده علي، واكثر عباسية من حفيده عبدالله بن عباس. هذا طموح غريب وعملاق، وكلما امعنت النظر في مثل هذه الممارسات اقتنعت بأن اخوتنا هؤلاء لا يريدون للسودان بعد خمسة عشر قرنا من الهجرة الا ان تحكمه قريش كما قلت، هذا طموح آخر لم يذهب اليه عجيب المانجلك او عدلان.
وكان السودان في عهدهما حديث عهد بالاسلام، من حقنا بالطبع ان نفاخر بالماضي التليد وان نستلهم منه العبر والدروس علي ان نستذكر ايضا ان ذلك الماضي كان مدركا لواقعه، ولهذا كان اكثر ثباتا في اطاره التاريخي، واذ نجيء اليوم لنمزق اوصال ذلك الماضي وننتقي منه ما نشاء لنفرضه علي واقع غير واقعه، ننتهي لا محالة الي مسخ الماضي التليد الي حاضر بليد.
للمفكرين والساسة حياة خاصة يدور الكثير من القيل والقال حولها. بعضهم يحيطها بسياج وبعضهم يكشفها، بل يكتبها وينشرها للناس. حياتك الخاصة هل يمكن ان تكون موضوعا في كتاب ثم لماذا يكون الحب والموسيقي والغناء ـ عادة من اعمدة تلك الحياة ما موقع الحب في حياتك؟ هل احببت او انجرحت ؟ وهل ثمة فرق بين الحب في الخرطوم وفي بلاد برة؟
بالطبع لكل منا حياته الخاصة التي لا يشاركه فيها الا من لا يريد لهم او لهن ان يشاركوه، وبالتالي لا يمكن ان تكون موضوعا يجلي علي عامة الناس ولعل هذا بجانب خشية الزهو هو الذي يحملني علي عدم الانصياع لمن يدعوني لتسجيل سيرة ذاتية. لو فعلت لقادتني الأمانة الفكرية لان اقول ما لا اريد قوله لعامة الناس، اولا لانه لا يعنيهم، وثانيا لأنه يتناول اخرين ربما لا يريدون لشؤونهم ان تكون مضغة في الافواه. قرأت الكثير من السير الذاتية وراعتني في بعضها صراحة كتابها، مثل الشيخ بابكر بدري الذي اورد ادق اسرار اسرته في مذكراته، وسعد زغلول الذي لم يستنكف الحديث عن ولعه بالمقامرة، وعن مجالس القمار التي كان يرتادها.
هذا كان من امر الشأن الخاص، اما في العام فأنا متضامن مع نفسي، ولا ازدواجية في شخصيتي، هناك درس تعلمته من الاستاذ محمود محمد طه، وكنت اسعي اليه دوما للحوار معه حول بعض آرائه في القضايا العامة، سألته يوما عن اسس اصطفائه للاخ الجمهوري قال : ان يكون متمكنا من مهنته، لان الذي لا يفلح في مهنته لن يفلح في اقناع الاخرين بأي شيء اخر، وان يجيد التعبير عن نفسه، ويملك القدرة علي ضبط النفس وحسن الاستماع للآخر، لا يستفز ولا يستفز، اهم من هذا ان لايفعل في السر ما يستحي من فعله في العلانية، هذا ما اعنيه بالصدق مع النفس والطمأنينة الداخلية.

الحب

اقترب من سؤالك عن الحب بجانب الغناء والموسيقي، ثم سؤالك هل احببت ؟ السؤال الاخير من نوع الاسئلة التي يواجهها الصحافيون لراغب علامة وديانا حداد، فلتتجه به لهما او لاضرابهما. دعني اتناول الامر تناولا فلسفيا، القيم المطلقة عن الفلاسفة الاغريق ثلاث الحق والخير والجمال، والجمال هو الصفة المميزة، يلحظها المرء فتبعث في نفسه الرضا والبهجة، ولعل هذا يكون اكثر ما يكون في الطبيعة والمرأة، ووحدهما اللتان يلجأ اليهما الانسان هروبا من تعب الحياة. انا اهوي الطبيعة بتنوعها البيولوجي الخلاق، واهوي النبات بصورة خاصة، ولهذا احيط به نفسي في الدار والمكتب. النبات هو المخلوق الوحيد غير الجاحد، يعطيك بقدر ما تعطيه بل أكثر مما تعطيه. ليس هذا هو حال الحيوان، فقد يعضك كلب، وليس هو حال الانسان ـ بل أكون اكثر صدقا لو قلت ان الكلاب افضل من بعض الرجال بكثير وللامام الطبراني صاحب الكبير والاوسط في هذا المقال: ان الناس مسخوا خنازير فمن وجد كلبا فليتمسك به .
اري المرأة اكثر تعبيرا عن انسانية الانسان، لان الانسان يخرج منها ولهذا فهي اكثر التصاقا به، وتقديرا له وتعبيرا عنه. لن اتركك دون حديث عن الحب، الحب عندما ينبثق لا يخضع للتنظير، رغم كل سياحتي الفكرية هذه، عنه قالت عبلة بنت الخليفة المهدي، وهي التي خبرت الحب وتغنت به: ليس امر الهوي بخطب يسير، انما الامر في الهوي خطرات محدثات، الامور بعد الامور، ثم نتساءل عن جراح القلب. وصورته في الاغنية السودانية وعن الحب في بلاد برة الحب لا وطن له، فالناس في هذا سواء، اما الجراح ـ كانت عند المحدثين مثل قولهم تجربتي ليه وانا كلي جراح ، او من سبقهم مثل قول القائل غور يا جرح ـ فتلك صورة خاطئة، ولعل لديوان العرب أثرا فيها، فسهام الحب حميمة وخز ولكنها لا تؤذي، لان الوخز طعن غير نافذ.



http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=\today\08z70.ht...عربي%20%20(اخيرة)fff
_________________

Post: #703
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 04:00 AM
Parent: #1


عبدالله عثمان
- التسامح
كتب الدكتور منصور خالد في كتابه ( النخبة السودانية وادمان الفشل- الجزء الثاني) مايلي " شهدنا في الفصل الماضي ما بلغه نظام النميري من ضعف رغم كل مظاهر الجبروت، وما انتهى إليه من زراية رغم كل مظاهر القداسة، منخوراً كمنسأة سليمان أصبح . فمنذا الذي يقدم على لكز الهيكل المتهافت؟ ومنذا الذي يتقدم لإزالة التمثال من قاعدته ومنذا الذي، كما يقولون، يجرأ على تعليق الجرس في رقبة القط؟ فمع كل عوامل ضعف النظام التي كانت بادية للعيان استمر خصوم النظام يتجادلون ويتصارعون في أمور ، حتى وإن افترضنا أهميتها النظرية ، إلا أنها كانت غير ذات موضوع في تلك الساعة . أشبه بفقهاء الزمان القديم كانو يتجادلون حول الملائكة : أذكور أم إناث في الوقت الذي كان يقضم فيه الطاعون كل من حولهم . والطاعون أرأف حالاً مما كان عليه أهل السودان في زمن الطوارئ كان الكل يترقب حدثاً من السماء في حين كان الوضع في انتظار سيراجيفوه أو قل تيموشواراه، سيراجيفو أو تيموشوارا كانت هي اغتيال محمود محمد طه ، الحدث الذي طعن السودان في خاصرته ، وطعن أهل السودان في واحدة من أمجد خصائصهم التسامح .
عبدالله عثمان جامعة أوهايو




http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=\today\08z70.ht...عربي%20%20(اخيرة)fff
_________________

Post: #704
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 04:00 AM
Parent: #703


عن الشيخ الترابي وخصومه مرة أخري: حرية التفكير وحرية التكفير ومعالجة الأمية

2006/05/23

صدق بعض ما تخوفت منه حين عالجت قبل حوالي الشهر في هذا الموقع الجدل الذي أثارته فتاوي الشيخ حسن الترابي القديمة المتجددة، حين أشرت إلي أن القضية معقدة وأحلت إلي تناولي لها في مكانها بشكل معمق باعتبارها تحدياً يواجه الفكر الإسلامي الحديث برمته، وهو ما لا تفي به التعليقات المختصرة من مثل ما تسمح به المساحة هنا واهتمامات القارئ غير المتخصص. ولكن هذا بالطبع لا يبرر الفهم المبتسر لما قيل فعلاً، خاصة من بعض من يظن بهم أنهم من أهل التخصص، ولا بعض اللبس الذي وقع فيه البعض، خاصة حين حاولوا تحويل النقاش إلي سجال حول آراء العبد الفقير إلي مولاه ومواقفه السياسية. ولا شك أنه مما يرضي غرور الكاتب أن يعتقد المعلقون بأن مناقشة آرائه هو تعادل في أهميتها مناقشة الموضوع تحت النظر، وهو آراء الشيخ الترابي.
ولكن النقاش يتحول إلي إشكال في ظل الأمية الاختيارية التي فرضها البعض علي أنفسهم. أحد الكتاب مثلاً كرر وصفي بـ صاحب كتاب الثورة الترابية (ويقصد بالطبع كتاب ثورة الترابي: الإسلام والسلطة في السودان الذي صدر بالإنكليزية عام 1991)، مما يعني أنه لم يطلع حتي علي غلاف الكتاب فضلاً عن أن يكون قرأه. وهو بالطبع ليست لديه أدني فكرة عن الكتاب الذي كان ملخصاً لرسالة دكتوراه قدمت في جامعة غربية وكان المشرف عليها أستاذاً خبيراً بشؤون السودان غير معروف عنه أي تعاطف مع الحركة الإسلامية. فهي بالتالي نظرة موضوعية نقدية لتاريخ ومواقف الحركة الإسلامية السودانية تتسق تماماً مع مواقفنا المعروفة المنشورة في مئات المقالات في مجلة آرابيا وعلي صفحات القدس العربي وفي كتب ومجلات أكاديمية تسد الأفق.
وبالتالي فإن تكرار الحديث بأن العبد الفقير إلي مولاه يواجه محنة أو مأزقاً بسبب التدهور الذي أصاب الحركة الإسلامية عامة والسودانية خصوصاً يعكس محنة ومأزق من فرضوا علي نفسهم الأمية ويريدون كما كررت سابقاً للكاتب أن يكتب ثم يقرأ نيابة عنهم، وهو دور للأسف لا نملك الوقت ولا الرغبة في القيام به. فلسنا وكلاء عن من فرضوا علي أنفسهم الأمية، خاصة في عصر الانترنيت الذي يكفي أن تجري البحث فيه عن اسم كاتب فتردك آلاف الصفحات عما كتب وما كتب عنه بكل اللغات. ونحن ننصح هؤلاء الإخوة بمداواة أميتهم بشيء من القراءة، أو أن يسألوا أهل الذكر كما يفعل الأميون الذين يحترمون أنفسهم قبل أن يخوضوا فيما ليس لهم به علم.
القضية الأساسية التي أردنا معالجتها (وظللنا نعالجها من زوايا مختلفة لأكثر من أربعة عقود) هي المتعلقة بالفكر الإسلامي المعاصر، وهي أنه فكر يستصحب الحداثة والعقلانية الأوروبية المعاصرة في نظرته للتراث الإسلامي. والفرق بين الإسلاميين وخصومهم من العلمانيين هو أن الأخيرين يحاكمون التراث الإسلامي إلي التراث الحداثي الغربي، بينما يتخذ الإسلاميون موقف الدفاع عن التراث الإسلامي عبر محاولة المواءمة بينه وبين ما يصعب رده من مقتضيات الحداثة. ولكن موقف الإسلاميين الدفاعي يختلف أيضاً عن موقف التقليديين الذين يماثلونهم في بناء الخنادق الدفاعية في أن الحركات الإسلامية تحتضن بعض مظاهر الحداثة، بل تعتبر نتاجاً لها، وترفض بعض توجهات التقليديين المحافظة.
هناك إذن فروق مهمة ولكنها قد تكون دقيقة بين الإسلاميين والعلمانيين والتقليديين، وتداخل كذلك بين هذه التيارات. وقطب الرحي في هذه العلاقة هم الإسلاميون، الذين يقاتلون في معركتين. فهم يشتبكون مع التقليديين علي أرضية الفكر الإسلامي وتأويل النصوص، ومع العلمانيين علي أرضية الحداثة وانتقاد أفكار وعقائد الحداثة من ماركسية وليبرالية وغيرها. وقد نتج عن هذا بعض الظواهر المثيرة للاهتمام، خاصة ما شهدناه في السودان وغيره من تحالفات بين العلمانيين والتقليديين ضد الإسلاميين، وهو مشهد تكرر في مناطق أخري. وبالمثل فإن التداخل بين هذه الفئات يجعل من الصعب القول أين يبدأ كل اتجاه وأين ينتهي الآخر. فهناك تقليديون ـ إسلاميون، وإسلاميون ـ تقليديون، كما نجد إسلاميين يقتربون كثيراً من العلمانيين. ويظهر هذا من الجدل المستمر حول ما إذا كان حزب العدالة والتنمية والتركي حزباً إسلامياً أم حزباً محافظاً تقليدياً. فقيادة الحزب تؤكد بدون مواربة أن الحزب علماني ليبرالي، بينما خصومه يتهمونه بأنه إسلامي يكتم إيمانه. ويبدو هنا أن القضية هي بالنوايا وما في القلوب.
ولعل هذا هو لب القضية. فالخلاف بين الإسلاميين وخصومهم يتمحور حول الاجتهاد في إحياء تعاليم الإسلام وتوسيع العمل بها، مقابل الإعراض عنها أو التخفف منها بأكبر قدر ممكن. بمعني آخر الأمر يتعلق بخلاف بين من يريد اتباع الحد الأقصي من تعاليم الدين في ظل الحداثة مقابل من يريد اتباع الحد الأدني أو عدم اتباع أي شيء. وإذا كان هناك تداخل بين من يريدون المحافظة علي أكبر قدر من تعاليم الإسلام وبين من يريدون الأقل، فإن هناك بالطبع فرقاً واضحاً بين من يضعون أنفسهم في خندق الدفاع عن قيم الإسلام وتعاليمه، وبين من ينصبون المدافع لقصفه.
ومن هذا المنطلق فإن الضجة التي ثارت حول أفكار الترابي التي طرحها مؤخراً تتعلق بمحاولة إعادة تصنيفه. فخصومه من التقليديين يرون أنه تحول إلي معسكر من يريد التخفف من كل ما يمكن التخفف منه من تعاليم الإسلام، بينما خصومه من العلمانيين رحبوا بما رأوا أنه اقتراب من معسكرهم، مع المطالبة بالمزيد، وخاصة التبرؤ من بعض مواقفه السابقة. وقد بلغ الأمر ببعض خصوم الترابي من التقليديين أن ذهبوا إلي تكفيره وإخراجه من الملة.
وكنت قد كتبت قبل أكثر من عامين مقالة في القدس العربي رداً علي ما أورده بعض الكتاب السلفيين من زعم بأن الشيخ الترابي كان يبطن الكفر ويفتقد الإخلاص للإسلام، وهي دعوي تخالف ما عليه الرجل من تاريخ في المنافحة عن الإسلام والتضحيات في هذا السبيل، ناهيك عن ما هو معروف عنه من تمسك بتعاليم الدين في سلوكه الشخصي. وليس هناك علي كل حال ما يغري من لديه ضعف في الالتزام الديني أن يتظاهر بغير ذلك في عصر ما يزال القابض فيه علي دينه كالقابض علي الجمر، ناهيك أن يتصدي ذلك الشخص لقيادة معركة إحياء الدين.
من هنا فإن من قادوا حملة تكفير الشيخ الترابي لم يحالفهم التوفيق. فإنه يحق لمن شاء أن يخالف الترابي اجتهاداته، ولكن لا يحق لهم التشكيك في عقيدته ونياته. ولا علاقة لهذا بما ذهب إليه البعض (عمر القراي في جريدة الصحافة علي سبيل المثال) من أن التكفير اعتداء علي حرية التعبير. فالقراي هنا يناقض نفسه حين يدافع عن حرية التعبير بينما يهاجم الذين يعبرون عن رأيهم الديني. فكما أشرت أيضاً في مقالة سابقة في القدس العربي فإن حرية التفكير تستتبع حرية التكفير. ذلك أن توضيح أسس العقيدة في كل دين يشتمل علي تحديد للإطار الذي يحدد حدود العقيدة وما هو داخلها وما هو خارجها. فأنظمة اللاهوت كما يقول محمد أركون هي نظم من الإقصاء المتبادل. والقائمون علي كل ملة من العلماء وغيرهم يرون أن من واجبهم التنبيه إلي ما يرونه خروجاً علي أسس العقيدة.
وحدود كل ملة أو جماعة دينية تتحدد من داخلها وعبر الحوار (وحتي الاقتتال) بين أفرادها. ولكن لا توجد سلطة خارج الجماعة تحدد هذا الأمر. فالعقيدة الإسلامية هي ما تواضع عليه المسلمون وتوارثوه، كما أن اللغة العربية هي ما تحدث به العرب. علي سبيل المثال نحن معشر المسلمين نعتقد أننا مسيحيون أكثر من المسيحيين، وموسويون أكثر من اليهود، وأننا نمتلك الحقيقة النهائية حول طبيعة المسيح عليه السلام ورسالته. ولكن هذا لا يجعلنا مسيحيين أو يهوداً، لأن تعريف من هو مسيحي أو يهودي حسب أهل هذه الملل يستبعد من يقولون بقولنا عن المسيح، أو من يؤمن مثلنا بنبوة محمد صلي الله عليه وسلم. وبالمثل فإن من جاء بفهم جديد للإسلام يناقض ما تواضع عليه المسلمون (بغض النظر عن صحة مقولته أو عدمها) يقف خارج أرضية الإسلام بتعريفه المقبول. ومن حق من يري ممارسات تقع خارج سياج الملة أن يعلن ذلك، بل من واجبه. ولكن هذا حق وواجب يجب أن يستخدم بمسؤولية وحذر، لأنه قد يرتد علي من يمارسه كما جاء في الحديث.
وليست لدي أي رغبة في الدخول في جدل لاهوتي حول صحة مذاهب بعينها، وخاصة حول الفكرة الجمهورية. ولكن الأخ القراي قد أراحني من ذلك حين رد علي نفسه بنفسه (كما فعل حين ناقض نفسه في أمر حرية التعبير) إذ أعطي نموذجا لهذا الفكر في تعليقه علي حديث تأبير النخل الذي فهمه المسلمون عبر العصور علي أنه كان حالة عبر فيها الرسول صلي الله عليه وسلم عن رأي في أمر دنيوي ثم رجع عنه بعد أن اكتشف أنه كان علي خطأ. وبحسب القراي فإننا والصحابة وكل أجيال المسلمين السابقة علي خطأ، بل وأسأنا الأدب مع الرسول صلي الله عليه وسلم حين اتهمناه بالجهل بأمر تلقيح النخل وهو ابن الصحراء. فالحقيقة هي أن الرسول كان يدعو صحابته الي مستوي رفيع من التوكل، حين دعاهم لاسقاط الاسباب، اعتماداً علي الله، وتوكلاً عليه، فقال لو لم تلقحوه لاثمر ، لان الله في الحقيقة، هو سبب الاثمار وليس التلقيح .. ولكن الاصحاب، لم يحققوا هذا المستوي من التوكل، فلم يثمر النخل .. ولهذا دعاهم مرة اخري، الي الاسباب، حين قال اذهبوا انتم اعلم بشؤون دنياكم !! أي ان دنياكم دنيا اسباب، ولهذا اذا لم تؤدوا الاسباب، سوف لن تجدوا نتائج، الا اذا ارتفعتم من الاسباب، الي رب الاسباب .
هذا الفهم غاب كما ذكرنا عن كل أجيال المسلمين حتي فتح الله به علي القراي وشيخه بوحي منه، حيث لا توجد وسيلة اتصال أخري مباشرة ليصحح بها الرسول هذا الفهم الخاطئ. وهذا يعني أن الرسول صلي الله عليه وسلم كتم الرسالة وغش المسلمين حين لم يوضح لهم الأمر بهذه الصورة، وهي تهمة أسوأ بكثير من الجهل بإجراءات تلقيح النخل، مع العلم بأن معظم النباتات التي تحتاج إلي تلقيح تثمر بدون تلقيح بشري بسبب الرياح أو الطيور والحشرات وغيرها.
وبالعودة إلي مسألة حرية التعبير فإن القبول بمبدأ حرية التعبير لا يعني الموافقة علي كل ما يقال، مثلما أن الاستشهاد بآية من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر لا يعني أن الكفر والإيمان سواء عندالله تعالي! فالذي يستمع للبعض هذه الأيام يكون معذوراً لو ظن أن الكفر مما يسمح به الله تعالي بل يدعو له! فعلي سبيل المثال نحن خالفنا إخواننا المسلمين هنا في بريطانيا حين طالبوا بإسكات سلمان رشدي، في الوقت الذي ندين فيه أشد الإدانة ما كتبه من إسفاف متعمد.
تلخيصاً نقول إن القضية المحورية في الجدل الذي ثار أخيراً حول فتاوي الشيخ الترابي ليست هي قضية حرية الرأي، وهي مسألة مفروغ منها، وليست قضية إيمان الترابي من كفره. وليست هي من باب أولي قضية مواقف العبد الفقير إلي مولاه السياسية. القضية هي أكبر من كل ذلك، وهي الموقف من الوحي والعلاقة معه، وما هي مكانة العقل الإنساني في التلقي والتأويل، وكيفية التوفيق بين الكرامة التي أسبغها الله تعالي علي الإنسان وما وهبه من حرية وعقل، وما طلبه من الإنسان من طاعة وامتثال لما أمر به. وكل هذه أمور تستدعي تفكيراً متعمقاً من أهل الشأن بعيداً عن مكايد السياسة وطائفية المذاهب والأحزاب.



http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=2006\05\05-23\q...0ومعالجة%20الأميةfff
_________________

Post: #705
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 04:02 AM
Parent: #704


اجتهادات الشيخ الترابي... عَوْدٌ عَليَ بدءِ

2006/01/14

المحبوب عبد السلام
منذ عقود ظل الشيخ الترابي يطرح رؤيته في تجديد الفكر الاسلامي وفق اطار كلي أصولي، أتاحته له ثقافته الفقهية الشاملة وتخصصه في القانون الدستوري المقارن وعمله السياسي الناشط في مجالاتها كافة. فهو صاحب رؤية متكاملة في تجديد علم أصول الأحكام أو (أصول الفقه) كما يسميه الدارسون، لم تكن تتيسر له لولا نشأته الخاصة وخبرته الواسعة وخلواته الممتدة في أغوار المحابس والسجون، وهو أمر لم يتجدد في التاريخ الاسلامي منذ الامام الشاطبي (صاحب الموافقات)، اذ قدم أطروحته المتكاملة في الأصول منذ عام 1977 وظل يعبر عنها في جملة مساهماته النظرية والعملية: (قضايا الوحدة والحرية 1980، تجديد أصول الفقه 1981، تجديد الفكر الاسلامي 1982، الأشكال الناظمة لدولة اسلامية معاصرة (قطر 1982)، تجديد الدين 1984، منهجية التشريع 1987 وعلي ذات منهجه الذي يؤصل الشوري سبيلاً للعلم، فقد بسط أطروحته في (تجديد أصول فقه الأحكام) علي جملة من العلماء والمختصين إبان توليه منصب وزير العدل 1979 ـ 1983، وظلت الحلقات تعقد بمكتبه بديوان النائب العام وتدير المداولة والحوار حول المراجعة الشاملة للأصول التي حوتها 80 صفحة خرجت من سجن كوبر بعد سنوات الاطلاع والمدارسة والحوار في الداخل.
ومهما تكن تلك الأطروحة ملتزمة مناهج الأصول ومصطلحات الفقه والقانون فان جذورها ممتدة في عبرة سيرة التاريخ الاسلامي وأصول دورة الاحياء والبعث ثم الخمول والموت أو النهضة والفترة، التي توالت علي المسلمين في الفكر والعمل منذ ميلاد الرسالة وحتي اخر أجيال المسلمين، بل وتقارن ذلك الي دورة تاريخ التجديد والبـلـَي في سيرة مشهور الأديان الكتابية السماوية لا سيما عبرة تاريخ اليهود والنصاري علي سنة القرآن الذي يكاثف ذكرها تصويباً لجليل موعظتها.

الاجتهاد وحركة البعث المعاصرة

فالاجتهاد في الأصول ـ فضلاً عن الفروع ـ هو ما دعي اليه غالب علماء حركة الدعوة والبعث المعاصرة، وصدر عنهم بذلك كثير من المساهمات والأطروحات، وخصصت الأعداد الأولي من مجلة المسلم المعاصر التي استهلت صدورها عام 1980 في الدعوة لهذا الهدف الكبير وجاءت الدعوة بأقلام أكبر الرموز (يوسف القرضاوي، جمال الدين عطية، محيي الدين عطية، أحمد كمال أبو المجد، عبد الحليم أحمد أبو شقة... الخ)، الا أن الدكتور حسن الترابي ظل أكثرهم مقاربة لهذه الدعوة وأوسعهم شمولاً وتأصيلاً لمواضيعها.
واذا كان لكل فكرة سياقٌ ومناسبة يخل بها ويضرها أن تبتر عنه أو تجرد منه أو تؤخذ الي سياق اخر، فان الأفكار الأصولية يسيئها ويخل بها مرض التنطع والتفريع والتجزئة الذي أصاب المسلمين ـ كما أصاب اليهود والنصاري ـ، وتعرضت ـ بوجه خاص ـ مساهمات الشيخ الترابي واجتهاداته الكبيرة لكثير من التشويه بأسباب من هذه الأدواء، التي قد تتوهم الخطر الأكبر في الصغائر والفروع لاختلال فقه الأولويات عندها، أو التي تتنطع بدوافع ونيات يشوبها في الغالب خطل عظيم، اذ تخلط المواقف الاجتماعية والسياسية التي تميز بين المفكر الذي يبسط اجتهاده العلمي للمداولة الحرة والرأي المسؤول وبين قائد الحركة السياسية الذي يلتزم مواقف حزبه كما يلتزمها سائر الأعضاء، ولا تلزم اراؤه الفكرية حزبه ولوكان حزباً اسلامياً يوحد السياسة الي سائر شعاب الايمان، بل ان الحرب السياسية قد تدفع بدوائر الاستخبار المغلقة عن سعة حركة الفكر والحوار والاجتهاد الحر لِتـُخَلـِط الأحاديث العلمية ولو مشفوعة بِأسماء منسوبة الي المشيخة والعلم ولكنها مسكونة بالغيرة والحسد وعقد النقص وشهوات الشهرة والرئاسة والجاه. كما محض الغزالي الامام مجلده الأول في الاحياء لأمراض (طبقة) المُفتين والعلماء ـ شفاهم الله.
فقد نشر الشيخ الترابي اجتهاده حول عودة المسيح ـ عليه السلام ـ عام 1982 في بحث ـ أصولي كذلك ـ لقي حظاً واسعاً من النشر داخل السودان وخارجه بعنوان (تجديد الدين) قـُدم في المنتدي الفكري بجامعة الخرطوم ونشر في مجلة جماعة الفكر والثقافة الاسلامية وظل ينشر منذ ذلك التاريخ، يقول الترابي:
وفي بعض التقاليد الدينية تصور عقدي بأن خط التاريخ الديني بعد عهد التأسيس الأول ينحدر بأمر الدين انحطاطاً مضطرداً لا يرسم نمطاً دورياً، وفي ظل هذا الاعتقاد تتركز آمال الاصلاح أو التجديد نحو حدث معين مرجو في المستقبل يرد أمر الدين الي حالته المثلي من جديد. وهذه عقيدة نشأت عند اليهود واعترت النصاري، وقوامها انتظار المسيح يأتي أو يعود عندما يبلغ الانحطاط ذروته بعهد الدجال قبل أن ينقلب الحال بذلك الظهور، ولعلها تحريف للبشريات التي جاءت في الوحي القديم بمبعث عيسي ثم بمبعث محمد عليهما السلام.

المهدي وعودة المسيح

وقد انتقلت العقيدة بأثر من دفع الاسرائيليات الي المسلمين، وما يزال جمهور من عامة المسلمين يعولون عليها في تجديد دينهم، وفشوها هو الذي أغري كثيرين من أدعياء المهدية أو العيسوية، وبعضهم تحركه نية صادقة للاصلاح والتجديد لكنه بثقافته التقليدية وبتربية العامة الذين يخاطبهم لا يجد وجهاً لشرعية الخروج علي القديم الا بحجة المهدية النهائية. ولعل تلك العقيدة هي التي ألهت المسلمين عن القيام بعبء الاصلاح وأقعدتهم في كثير من حالات الانحطاط المستفز، مرجئة ينتظرون صاحب الوقت. ومهما يكن فان منطق العقيدة القرآنية حول تاريخ الدين لا يتيح مجالاً بعد النبي الخاتم لانتظار عاقبٍ يستأنف النبوة أو ينسخ من الشريعة السماحة التي تغري أهل الكتاب علي المؤمنين، بل هدي القرآن لخلف المؤمنين ان رأوا تغيراً أحالهم الي فسادٍ وذلٍ أن يردوا ذلك الي تـَغَيـُر ما بأنفسهم فيتوبوا الي الله فيتوب عليهم بالصلاح والعزِ انتهي.
واذ يبدو الهم الأصولي الفقهي والاجتماعي التاريخي بيناً في قراءة الشيخ الترابي المتجددة للنصوص وفق السنن والسير في عبرة أهل الكتاب وعبرة المسلمين والتي تجلت عبر مللهم ونحلهم وشققتهم شيعة وسنةً الي اليوم، فان البحث في نزول المسيح أو خروج المهدي حفلت بها المباحث الاسلامية من لدن ابن خلدون (في المهدي أربعين حديثاً كلها ضعيفة ـ المقدمة ) الي أوان دورة التجديد التي حمل لواءها رشيد رضا وأستاذه محمد عبدة: يقول الشيخ رشيد رضا مجلة المنار، المجلد 28، ص 756 : ان الأحاديث الواردة في نزول عيسي عليه السلام كثيرة في الصحيحين والسنن وغيرها وأكثرها واردة في أشراط الساعة وممزوجة بأحاديث الدجال وفي تلك الأشراط لا سيما أحاديث الدجال والمهدي اضطراب واختلاف وتعارض كثير، والظاهر من مجموعها أنه يظهر في اليهود أكبر دجال عُرف تاريخ الأمم فيدعي أنه المسيح الذي ينتظره اليهود فيفتتن به خلق كثير، وفي اخر مدته يظهر المسيح الذي هو عيسي بن مريم ويكون نزوله في المنارة البيضاء شرقي دمشق ويلتقي بالمسيح الدجال بباب (لَد) بفلسطين وهناك يقتل المسيح الصادق المسيح الدجال بعد حروبٍ طويلة تكون بين المسلمين واليهود، فنزول عيسي عقيدة أكثر النصاري وقد حاولوا في كل زمان منذ ظهر الاسلام بثها في المسلمين، وممن حاولوا ذلك بادخالها في التفسير وهب بن منبه الركن الثاني بعد كعب الأحبار في تشويه تفسير القرآن بما بثه من الخرافات. انتهي حديث الشيخ رشيد رضا الذي لا يختلف في قراءته وتأويلاته عن المغازي التي أشار اليها النص السابق للشيخ الترابي.
أما الذين يستعظمون نقد كتاب البخاري وكتاب مسلم كأنه الكفر البواح فقد أصابتهم شعبة أخري من شعاب أمراض التنطع والجهل والغفلة وخلط الأولويات ـ فقد دخلت خيل نابليون الأزهر والمسلمون ممسكون بهما ـ تلتبس عليهم علوية القرآن وحفظه وعصمته دون أي كتاب آخر. وأشير في هذا المقام فقط لتيسير الأمر علي الباحثين المجدين الي تعليق الشهيد سيد قطب علي حديث البخاري ومسلم في السحر الذي أصاب النبي (ص)، يقول سيد قطب: وقد وردت روايات بعضها صحيح ولكنه غير متواتر أن لبيد بن الأعصم سحر النبي (ص ) في المدينة قيل أياماً وقيل أشهراً حتي كأنه يخيل اليه أنه يأتي النساء وهو لا يأتيهن وحتي يخيل اليه أنه فعل الشيء وأنه لم يفعله في رواية: ولكن هذه الروايات تخالف أصل العصمة النبوية في الفعل والتبليغ ولا تستقيم مع الاعتقاد بأن كل فعل من أفعاله وكل قول من أقواله سنة وشريعة كما أنها تصطدم بنفي القرآن عن الرسول (ص) أنه مسحور . (في ظلال القرآن، المجلد الأخير ـ تفسير سورة الفلق )، وهو نفس رأي الشيخ محمد عبدة الذي أكد أن مكية المعوذتين تنفي عنهما أي علاقة بالأحاديث الصحيحة التي تربطهما بالسحر المزعوم علي النبي (ص).

المرأة

ان الاجتهاد الاجتماعي الأكبر للدكتور حسن الترابي هو مساهمته الفذة في تحرير المرأة المسلمة وفق أصول القرآن وأصول السنة والسيرة، بعد أن استلبت شعار (التحرير) مناهج الفكر الغربي وأصول فلسفته المادية الاجتماعية، وحاولت مسخ المرأة المسلمة في الأخري الغربية. فالشيخ الترابي الذي أسس بجلاء أطروحته عن المرأة علي أصل التكليف المستقل لكل مؤمن كما هو لكل مؤمنة والمتماثل لكليهما وفق ظرفه وحاجته، بعد أن عُزلت المرأة المسلمة قروناً بأثر طغيان التقاليد علي السنن وألحقت تبعاً للرجل وأهملت عن كل كسب في العلم أو العمل. وقد صدرت النسخة الأولي من كتابه المعروف (المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع) في عام 1974 بعنوان اخر (رسالة المرأة)، وورد في تلك النسخة بالذات حديث (أبي داؤود) عن أم ورقة التي أذن لها الرسول (ص) في امامة أهل بيتها في الصلاة. وهو ذات الموقف الذي التزمه في كتابه الأخير السياسة والحكم الصادر عن دار الساقي عام 2003 ضمن أطروحة أكثر شمولاً، يقول الترابي في فصل (سلطة الأمارة والتنفيذ والادارة):
الشرط الثاني الذي كتبه التاريخ علي الفقه كأنه حكم قاطع خالد هو الذكورة لولاية الأمارة العليا، وقد سبق البيان أن الذكر والأنثي في أصول الدين وتكاليفه سواء، الفضل لمن امن وعمل صالحاً. وأنهما لهما في سياق أسرة الزواج قسمة تكاليف متعادلة كلاً بما فضله الله علي الاخر، وأنهما في اطار السياسة في شركة موالاة أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر أو مصابرة ومهاجرة وجهاداً وأيما ولاية علي أمر عام، ولأن الله فاضل ومايز بينهما لتأدية وظائف زوجيه ووالديه قد يخف التكليف أو يشتد بعد البوح السواء حتي لا يعوق في أيهما ما هو مهيأ له .
ثم يقول الترابي في ذات السياق: ولكن فقهاء أحكام السلطان لم يتركوا تولية المرأة أمراً لتقدير شوري المسلمين يصرفونه غير مناسب، بل منعوه بحكم شرط الذكورة خالداً وبعضهم عمم الحكم لأيما ولاية أو قضاء، وقليل من أباح لها ولاية القضاء خصومات جنائية أو تعاملية وولايات العمالة الصغري التي عرفت منذ سنة عمر بن الخطاب مع الشفـاء، وغالبهم منع امامة الصلاة رغم الحديث الذي ولاها الامامة وهي أهل وأولي بها (السياسة والحكم ص 286)
وللذين لا يعرفون سُنة عمر بن الخطاب مع الشَفاء فقد وَلاها شيئاً من أمر السوق. وأما الحديث الذي أورده أبي داؤود في كتاب الصلاة، باب امامة النساء: عن عبد الرحمن بن خلاد عن أم ورقة أن الرسول (ص) لما غزا بدراً قالت له : يا رسول الله ائذن في الغزو معك أمَرِض مرضاكم لعل الله أن يرزقني الشهادة. فقال لها قري في بيتك فان الله عز وجل يرزقك الشهادة وكانت تسمي الشهيدة، وكانت قد قرأت القرآن فاستأذنت النبي (ص) أن تتخذ في دارها مؤذناً فأذن لها. قال عبد الرحمن وكان الرسول (ص) يزورها فجعل مؤذنا يؤذن لها وأمرها أن تؤم أهل بيتها، فأنا رأيت مؤذنها شيخاً كبيراً. (انتهي الحديث)

إمامة المرأة

فاجتهاد الشيخ حسن الترابي كما حملته كتبه الموثقة قديم قبل عقود من صلاة الدكتورة امنة ودود في أمريكا، قد يوافي رأي الامام الطبري في جواز الامامة الكبري للمرأة أو رأي ابن حزم الظاهري في جواز امامة المرأة لزوجها اذا كانت أحفظ منه وأقرأ للقران، وقد يوافي رأي الأستاذ أبو الأعلي المودوي صاحب كتاب (الحجاب) الشهير في أواخر العقد الخمسين الماضي عندما أيد ترشيح الحاجة فاطمة جناح شقيقة القائد الباكستاني محمد علي جناح علي قائد الانقلاب المشهور يحيي خان، وأوضح أن شرطي الامامة هما الدين والذكورة وأن الدين أولي وأن الحاجة فاطمة تستوفي شرط الدين وان لم تستوفِ شرط الذكورة، وأن يحيي خان يستوفي شرط الذكورة ولا يستوفي شرط الدين ودعي أنصاره من ثم للتصويت لها. وهو ـ كذلك ـ اجتهاد لا علاقة له بالمشروع الأمريكي الصهيوني، كما سارع منخذلة الشيوخ ممن حاولوا (اعادة اكتشاف العجلة وفق السنة). فالمشروع اليميني الأمريكي الديني يؤمن بعودة المسيح ويري في قيام دولة اسرائيل معجلاً لأوانه ولخراب اليهودية من ثم... أو كما استخفت الاثارة الصحافية اخرين فانتحلوا لاجتهاد الشيخ وصفاً (الصلاة المختلطة)، فرأي الشيخ الترابي حول صف الصلاة واضح قديم لمن يبتغي الحق دون الاثارة وفي أشد كتبه انتشاراً وشهرة، يقول الترابي في كتاب المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع ص16، طبعة مركز دراسات المرأة: ولا ينبغي أن يزدحم الرجال والنساء بحيث تتقارب الأنفاس والأجساد الا لضرورة عملية كما في الحج وحيثما وجد الرجال والنساء في البيوت أو الطرقات أو المجالس العامة يجب أن تتمايز الأوضاع شيئاً ما. لذلك تمايزت الصفوف في الصلاة لأن في صفها يتراص الناس مقاماً ومقصداً ولأنها موضعٌ يتوخي فيه التجرد الشديد من كل صارف عن ذكر الله. وقد اتخذ الرسول (ص) باباً خاصاً للنساء (أبو داؤود): وقد روي البخاري عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله (ص) اذا قام النساء حين يقضي تسليمه يمكث هو في مقامه يسيراً قبل أن يقوم) انتهي.
ان غالب خطاب الشيخ حسن الترابي ومحاضراته العامة قدمت في معاهد العلم العليا والجامعات، الا جمهور يُقدر فيه درجة أرقي من العلم والثقافة، فجاءت أغلبها تصوب نحو كليات المعاني وأصول القضايا، الا أن غالب الموضوعات التي شاعت في أحاديث الناس، كانت في مساحة الأسئلة التي تتاح للحاضرين بين يدي المحاضر، وأفصحت كذلك عما يشغل جمهورنا حتي المثقف عن أمهات القضايا والأسئلة وعبرت عما شاب فكرنا من قصور وتجزئة وذرية (كما يصف مالك بن نبي العقل المسلم المعاصر في كتاب مشكلة الأفكار في العالم الاسلامي وكتاب مشكلة الثقافة وكتاب وجهة العالم الاسلامي وكلها مباحث جليلة في هذا الباب) كما عبرت عما يخالط نفوسنا من نفاق ورياء. فحديث الذبابة أو حادثتها الشهيرة جاءت في سؤال لسائل بعد محاضرة عن (تجديد أصول فقه الأحكام) بجامعة محمد بن سعود في مدينة الرياض السعودية في عام 1978، وكانت الاجابة في سياق مباحث أصول العلم الديني الشرعي وأصول العلم الديني الطبيعي ومساحات الاجتهاد فيهما، وهي قضية ظلت تطرح في كتب الأصول والفقه والمقاصد من قديم وحديث (الرسالة للشافعي، ورد واصل بن عطاء المعتزلي حول حجية المعقول علي المنقول، وأبو عبيدة القاسم بن سلام صاحب كتاب الأموال 242هـ، وحجة الله البالغة للكندهلوي).
وكذلك ما يعرف بموضوع (زواج المسلمة من الكتابي) جاء في سياق رد علي سؤال لمسلمة أمريكية حديثة عهد بالاسلام، أسلمت دون زوجها وهي تطمح في اسلامه، وبينهما الأولاد والأموال والبيوت والشركات، وكان ذلك في محاضرة في مؤتمر حول الأسرة بمدينة لارسنغ بولاية ميتشيغن عام 1980، ولم يقطع الشيخ فيها برأي ولكنه قلـَب لها وجوه فقه المسألة كما يعرفها جيداً ودعاها للتفكير المستقل في قضايا مجتمع جديد يشبه مجتمع الاسلام الأول الذي كان ينتقل نحو الاسلام وليس مثل حاضر مجتمعات المسلمين المستقرة في الاسلام أباً عن جد. فالترابي لا يحيط رأيه بأي قداسة ولا يسميه فتوي، بل هو يعتبر كل فتوي اجتهادا أو وجهة نظر، ورأيه للمسلمة الأمريكية هو نفس الاجتهاد الذي أقره المجلس الاسلامي الأوروبي في عام 2003 وطلب الشيخ يوسف القرضاوي أن تذيل الفتوي بتقديره الشخصي وشكره للدكتور حسن الترابي، الذي سمع منه هذا الرأي قبل عقدين وأنه عثر عليه بعد ذلك في كتاب (اعلام الموقعين لابن القيم).

حد الردة

أما القضية التي يطلق عليها (حد الردة) فقد جاءت بعد محاضرة بجامعة الخرطوم (حول قضايا تطبيق الشريعة) في عام 1979،تحديداً من تلامذة الفكر الجمهوري الذين استنكروا اجتهاد الشيخ الترابي (المرتد ردة فكرية بحتة لا يقتل)، وأصدروا في ذات ليلة المحاضرة كتيباً يحمل عنوان (الترابي يخرج علي الشريعة باسم تحكيم الشريعة) وهو ـ علي أية حال ـ الرأي الذي يتبناه غالب رموز الفكر الاسلامي المعاصر (من المستشار سالم البهنساوي الي راشد الغنوشي مروراً بالدكتور محمد سليم العوا والدكتور طه جابر العلواني) ويخالفون به جمهور الفقهاء القديم.
وكما اضطربت بالجاهلين والمرجفين الاجتهادات التأصيلية الفقهية للشيخ الترابي، اضطربوا ازاء مصطلحه الأصيل ولغته الفذة العميقة ولم يقدروا سعيه المجتهد في سبيل لغة (فصيحة جميلة)، أو كما قال في مقدمة كتابه المصطلحات السياسية في الاسلام: أصاب المسلمين بؤس في فقه حياتهم السياسية ومقاصدها ووسائلها ونظمها وعلاقاتها، وأخذت بعض الكلمات التي تشير بأصولها الصرفية الي توحيد ديني عام لكل شعاب الحياة، تطور الي دلالة خصوص يحصر عمومها الي محدود. فكلمة (فقه) ـ مثلاً ـ كان معناها الفهم العميق لايات الله في كتاب التنزيل، ثم علي الفهم الساذج في ذلك لا يبلغ حكمة الله، ثم علي الحفظ بغير شيء من الفهم .
ومن ذلك ما توهمه البعض أن مصطلح (التوالي) الذي جانب به الشيخ الترابي الظلال غير التوحيدية لكلمة (التعددية)، فظنوه تحايلاً ابتدعه لمنع الأحزاب في دستور 1998، وهو مصطلح استعمله في كتاب (الايمان ـ أثره في حياة الانسان، 1973) و(بحث الاسلام والدولة القطرية، 1983) وكتاب (الحركة الاسلامية في السودان، التطور، الكسب، المنهج، 1989)، وهو ذات الأصل الذي استعمله اللبنانيون بغير كثير حرج وهم يقسمون ساحتهم السياسية الي موالاة ومعارضة. كما ظن اخرون أن مصطلح (الاجماع السكوتي) الذي تداول حوله فقهاء الأصول منذ القرن الثاني الهجري من نحت الدكتور الترابي، وان كان هو من بعثه واستعمله في سياق العملية الانتخابية المعاصرة بعضاً من نهجه في تأصيل اللغة وبث الحياة في مصطلحاته الدقيقة المهجورة. ان تفاصيل رؤية الشيخ حسن الترابي لجملة هذه القضايا، مظانها الحقة هي أدبه المكتوب وكتبه المنشورة، والتي يتعهدها قليل من الباحثين اليوم بالدراسة المعمقة ويعكفون عليها جماعات، كما كان الحال في سالف عهد الحركة الاسلامية السودانية، أو كما هو اليوم في بعض مدن أوروبا (السياسة والحكم 527 صفحة، التفسير التوحيدي للقران المجلد الأول 942 صفحة، المصطلحات السياسية في الاسلام 83 صفحة، أصول فقه الأحكام تحت التحرير ، الأعمال السياسية الكاملة تحت الطبع 500 صفحة وغيرها). ان النظر الموضوعي يؤكد أن الشيخ حسن الترابي أقل الناس حاجة لأصوات السمعة والشهرة فقد بلغ صيته الافاق وهواليوم مرجع وقدوة، ورغم العمر الممتد الذي قضاه محاضراً ومخاطباً وكاتباً، فهو أقل العلماء المفكرين ميلاً الي التفريع وتكثيف الشواهد أو التماس الأسماء أو نظم العنعنات، سوي كثافة ظاهرة غالبة لأي القرآن في أدبه المكتوب، وأن تناول اجتهاده والتفاعل معه يقتضي مسؤولية أكبر لا تجدي معها الأخبار الصحفية التي تلتمس الاثارة، فالترابي المفكر العظيم لا يبسط الريب والشكوك وانما يقدم عصارة علم كبير واطلاع مثابر مصابر ودراسة مجتهدة... لو أنهم يعلمون، لو أنهم يقرأون.





http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=2006\01\01-14\z...َليَ%20بدءِ%20%20fff
_________________

Post: #706
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 04:03 AM
Parent: #705



والي المعارك والردود والهجوم العنيف الذي شنه الدكتور مصطفي محمود في مقاله بمجلة اكتوبر يوم الاحد الذي يكتبه تحت عنوان ـ تأملات ـ ضد الجماعات الاسلامية المتطرفة وتعسفها في التفسير والتضييق علي الناس وميل المتطرفين الي تكفير من يختلفون معهم والتفتيش في نفوسهم. وقال: ولقد كنت هدفا لتلك الموجة حينما اصدرت كتابي القرآن محاولة لفهم عصري فطلع من السودان كتاب أسود في حقي من تأليف محمود محمد طه يتهمني بالكفر والضلال، وقد شنق هو نفسه بعد ذلك بنفس التهمة، شنقه حكم قضائي في عهد النميري، ولم يكن الكتاب الوحيد الذي اتهمني بل تلاه عده كتب. واتهمت حينذاك بأني قادياني وبأني بهائي، واوقف الكتاب من التوزيع في مصر ثم افرج عنه بتدخل شخصي من الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الازهر حينذاك، والدكتور عبد العزيز كامل وزير الاوقاف والدكتور عبد العزيز كامل كان من الاخوان والشيخ عبد الحليم محمود كان صوفيا عالي المقام، ولولا هذان الرجلان المستنيران لظل كتابي الي الان في المخازن. ان التفتيش في الضمائر من عمل الله وحده ولا يجوز ان نتهم بالكفر من يقول لا اله الا الله .
جريدة القدس اللندنية عدد 31/12/2002

Post: #707
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 04:04 AM
Parent: #706


منصور خالد وعبء المثقف السوداني

د. عبدالوهاب الأفندي
22/05/2007

بيني وبين وزير الخارجية السوداني الأسبق والمفكر السوداني خلاف في الرأي والمواقف السياسية قديم، ولكن هذا لا يمنعني من متابعة كتاباته الغزيرة بكثير من الاهتمام، حتي لا أقول الإعجاب.
ذلك أن هناك نوعا من الكتابة والتناول يرفع مستوي الحوار ويثري النقاش بما يطرحه من أفكار قائمة علي نظرة متعمقة للأمور، وبين التناول الفج للأمور في مناخ غلب علي الخطاب السياسي فيه الابتسار وقلة التفكر والتدبر والتنابز بالألقاب. وهناك علي ما يبدو شيء ما في الساحة السياسية السودانية يباعد بين أهلها وبين أي التفات إلي التفكر المتعمق في شؤون البلاد والعباد.
وقد واجهت هذه الإشكالية حين كنت مشغولاً بإعداد بحوثي الدراسية حول الحركة الإسلامية في السودان، حيث أخذت أنقب عن الكتابات السياسية للأحزاب والشخصيات السياسية، فذهلت لفقر المكتبة السودانية في هذا المجال. فلم تكد توجد في تلك الفترة (منتصف الثمانينات) أي مؤلفات فكرية في مجال السياسة، سوي كراسات متفرقة (معظمها لحزب الأمة) ومحاضرات قليلة (للإسلاميين، وللشيخ حسن الترابي خصوصاً) وبضع مذكرات سياسية لأشخاص غاب معظمهم عن الساحة. حتي الحزب الشيوعي السوداني المفترض فيه أن ينتج كتابات ذات طابع أيديولوجي خلا مكانه في رف المكتبة السودانية إلا من كتابين، أحدهما تقرير المؤتمر الرابع (والأخير) للحزب الذي انعقد في عام 1967. الاستثناء الوحيد كان حركة الإخوان الجمهوريين التي أنشأها المفكر الراحل محمود محمد طه، والتي أثرت المكتب بكتب ورسائل عديدة في شرح أفكارها ومنطلقاتها، وإن كان معظم انتاجها يركز علي النواحي العقائدية والروحية أكثر منه علي القضايا السياسية. في ذلك الخضم كان هناك كتاب صغير للدكتور منصور خالد نشره علي شكل مقالات في الستينات ثم صدرت في مطلع السبعينات في كتاب بعنوان حوار مع الصفوة . وقد لفت اهتمامي أن ذلك النص كان (إذا تجاوزنا الصفوية المضمنة في العنوان) متقدماً علي زمانه بكثير، حيث تناول بتعمق التحديات السياسية والاقتصادية التي كانت تواجه البلاد حينها وسعي إلي إثارة النقاش حولها. وبحسب علمي فإنه كان أيضاً نصاً يتيماً، بحيث لم تكتب نصوص بنفس العمق في تلك الفترة، حتي من منطلق الرد عليه. ويجب أن نضيف أيضاً أن الدكتور نفسه لم يكتب إضافة إلي نصه ذاك إلا بعد أكثر من عقد من الزمان، بعد أن بدأت متاعبه مع نظام الرئيس النميري. كان هناك استثناء آخر نسبي، تمثل في مقالات عثرت عليها قبل ذلك بالصدفة في آخر عهدنا بالدراسة الجامعية وأنا أطالع مجلة الخرطوم الشهرية التي كانت تصدر في الستينات. كانت تلك المقالات لأستاذ جامعي انتقل بدوره للعمل في نظام النميري في تعاون وثيق مع الدكتور منصور خالد، وهو الدكتور الراحل جعفر محمد علي بخيت. في تلك المقالات (التي صدرت في مصادفة ذات مغزي في الأشهر القليلة التي سبقت انقلاب النميري في أيار (مايو) عام 1969)، تناول د. بخيت الأزمة السياسية المزمنة في السودان وما سببته من عدم استقرار، وخلص إلي نظرية مفادها أن السودان يفتقد إلي حكم مركزي قوي مثل الذي كان خبره علي أيام الحكم البريطاني. وقد وصف بخيت الحاكم العام البريطاني بأنه كان يشبه الشمس التي كانت تدور حولها أفلاك القوي السياسية السودانية المتشاكسة، فلما أفل انفرط عقد الكواكب وأصبحت تهيم علي غير هدي. وخلص إلي ضرورة إيجاد بديل تكون له نفس المواصفات، بحيث يوفر عنصر الثبات مقابل تقلبات السياسة.
ولم يبلغ الأمر بالدكتور بخيت أن يطالب بنظام رئاسي قوي، بل اكتفي بالمطالبة بإعطاء الخدمة المدنية قدراً كبيراً من الاستقلال بحيث تمثل عنصر الثبات. ولكن حينما جاء الأمر إلي الواقع العملي فإن د. بخيت (ومعه د. منصور خالد ومجموعة صغيرة من الخبراء) حاولوا أن يجسدوا هذه الفكرة في دستور عام 1973 الذي أعطي الرئيس النميري صلاحيات واسعة، قام بعد ذلك باستخدامها في غير ما كان مصممو الدستور يأملون.
ليس هذا مجال نقاشنا هنا علي كل حال، وإنما كان القصد أن نلفت إلي الحالات النادرة التي كان هناك من يطرح فيها للتداول العام أفكاراً ذات وزن وقيمة في قضايا السياسة والفكر. ولا يعني هذا أنه لم يكن هناك غير هؤلاء من يطرح أفكاراً مهمة وجريئة في المجالس الخاصة أو المحافل السياسية. فلا شك أن أعضاء الحزب الشيوعي كانوا يتداولون فيما بينهم حول شروط الثورة الاشتراكية، كما أن الإسلاميين كانوا يتداولون حول القضايا ااسلامية. وكان السياسيون كلهم يتداولون حول قضايا مثل الفدرالية والنظام السياسي في البرلمان وغيره. ولكنا نعني هنا الأفكار الناضجة والمتطورة التي كانت تطرح كتابة للتداول العام، والتي كانت قليلة إن لم تكن معدومة.
ما أثار هذه التأملات هو أن الدكتور منصور خالد قد عاد في الأسابيع القليلة الماضية إلي خوض حلبة الجدال السياسي، أولاً في سلسلة من المقالات نشرها في جريدة الرأي العام السودانية حول اتفاقية السلام بمناسبة مرور عامين علي إبرامها، وثانياً في سلسلة المقابلات التي نشرت في القدس العربي في نيسان (أبريل) الماضي وأجراها معه باقتدار (وربما بتحفظ أكثر من اللازم) الصديق كمال حسن بخيت. ولا أريد في هذا المقال أن أناقش مقالات الرأي العام، أولاً لكثرة القضايا التي ناقشتها، وثانياً لغلبة الطابع الحزبي عليها، حيث أن د. منصور العضو القيادي في الحركة الشعبية كان يدافع إلي حد كبير عن موقف حزبه، وهو أمر لا غبار عليه، ولكن الدخول في جدال مع منتسبي الأحزاب يطول ويدخل المجادل في متاهات لا نربأ بأنفسنا عنها، ولكن لكل مقام مقالا.
أما مقابلة القدس العربي فإنها تستحق وقفة لأن د. منصور خالد أجري فيها ما يشبه التقييم لمسيرته الفكرية والسياسية، فأصبحت أقرب إلي كتابة المذكرات، خاصة وأنه أفصح فيها عن رفضه لكتابة المذكرات، مستشهداُ في ذلك بفرويد الذي قال إن الناس لايستحقون إطلاعهم علي كل شيء. وفي تلك المقابلة تحدث د. خالد مطولاً عن تجاربه السياسية والعوامل والأشخاص الذين أثروا في تكوينه الفكري والمهني، وعن تقييمه لمسيرة السياسية السودانية، وبالطبع عن دوره الشخصي المثير للجدل كوزير في حكومة النميري وكقيادي في الحركة الشعبية لتحرير السودان (اعتذر عن الأول وتمسك بالثاني).
وقد أصاب د. خالد في كثير من تحليلاته، وقد كان دقيقاً حين قال إن وقوع مثقفي الحركات الوطنية في براثن الطائفية لا يمكن تفسيره بالانتهازية وانما بـ الذريعية ، وأنصف الرعيل الأول السياسيين السودانيين، ولفت النظر إلي مناقبهم، حتي وهو يتهمهم بارتكاب أخطاء كبيرة ساهمت في الأزمات التي ماتزال البلاد تعيش ذيولها. وبحسب د. خالد فإن الخطيئة الكبري للسياسة السودانية تمثلت في العجز عن تطوير السودان الجغرافي واستخراج السودان السياسي منه عبر سياسية تستوعب مكونات السودان المتعددة. وقد ربط د. خالد بين هذا الخلل وما وصفه بالتوجه العروبي للسودان علي حساب هويته الافريقية. وفي هذا الصدد أشاد د. خالد بزعيم الحركة الشعبية الراحل جون قرنق، ودافع عنه ضد اتهامه بالانتماء الماركسي (في معرض الدفاع عن نفسه ضد تهمة الانتقال الفجائي من موقفه الليبرالي الموالي للغرب الذي اشتهر به إلي الانتماء إلي حركة ماركسية راديكالية)، بالقول بأن قرنق لم يكن ماركسياً بل كان سودانوياً، يسعي إلي تطوير هوية سودانية جامعة تكون أساساً للسودان الجديد. وقال في معرض تعليقه علي شعار الإسلام هو الحل الذي يطلقه بعض الإسلاميين بقوله: أنا أيضا أقول قد يكون الحل في الإسلام، ولكن أي فهم في الإسلام .
وقد اعترف د. خالد بأنه قد ارتكب أخطاء في حياته السياسية، قائلاً إنه ينتمي إلي النخبة السودانية التي أدمنت الفشل وأن كتاباته التي انتقدت هذه النخبة تمثل نقداً ذاتياً، وإن كان دعا إلي التماس العذر له. وبحسب د. خالد فإن مشاركته في الحكم الدكتاتوري في عهد النميري يجب أن يفهم في إطاره الزمني، وأضاف: في واقع الامر الحكم علي موقفي هذا لا بد ان يتم بادراك الظروف التي احاطت به. ونحن كنا نعيش في عصر هو عصر ثورات، في كل المنطقة سواء كانت في الدول العربية او في افريقيا، فترات عصر الحزب الواحد، عصر الزعامات الكارزمية، كانت كل دولة في الوطن العربي، كانت كل دولة في افريقيا تبحث لها عن عناصر، ويعني كانوا كلهم يفكرون بالطريقة التي يفكر بها الفنان عبدالحليم حافظ الذي كان يغني (يا بطل هات لينا نهار)، يعني الكل يبحثون عن النهار وعلي يد بطل ، وطبعا هذا المنهج في التفكير قائم علي نظرية الاصلاح من اعلي الي اسفل وهذا نوع من الاصلاح لا يصطحب الناس، واثبتت التجارب انه يقود دائما الي كوارث .
ولعلها مفارقة كبري أن د. خالد وصديقة د. بخيت قد دفعا الثمن الأكبر من الانتقاد، بل وما يشبه الشيطنة بسبب مشاركتهما في نظام النميري، رغم أن دورهما كان ينحصر أكثر في النواحي الإيجابية، مثل تحسين صورة السودان الخارجية وإصلاح علاقاته الدولية في حال د. خالد، وإصلاح الحكم المحلي في حال د. بخيت. ومع هذا فإن ما تعرضوا من هجوم كان أكبر بكثير من الهجوم الذي تعرض له رجال الجيش والأمن. ولعل هذا يعود من جهة إلي أن الجماهير تتوقع من المثقفين أن يلتزموا بمستوي أخلاقي عال، وربما يعود هذا إلي أن مساهمة رجال الفكر تكون أبرز في الإعلام. وقد تعرض د. خالد لمحاولة اعتقال عند عودته إلي السودان بعد سقوط النميري في حين كان يتوقع أن يكون موضع حفاوة وترحاب. ولعل هذا لعب دوراً في اختياره بعد ذلك بقليل إعلان انضمامه إلي الحركة الشعبية.
ولكن إن كان د. منصور خالد قد أصاب في كثير مما أورده، فإن الصواب جانبه في تحليلات أخري، وهذا ما سنعود إليه إن شاء الله في مقالتنا القادمة.
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today\21e50.htm...0الأفندي&storytitlec
_________________

Post: #708
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 03:21 PM
Parent: #1


عمر هواري، «الولايات المتحدة الامريكية»، 17/10/2006
الأمر لا يعدو كونه صراع نفوس حول السلطة والمال. فهذه الحركة التي لم تقدم أي منهاج لتربية أفرادها على النهج الديني الذي تدعيه وتجاهر به والذي خول لها اضطهاد شعب بأكمله بحجة أنه يحتاج الى وصاية كوادرها. لكن بحمد الله تكشف كل شيء للشعب السوداني الصابر وعرف من أي طينة عجن هؤلاء. وحسنا أن صارت كوادر الجبهة توثق لهذا التاريخ المخزي فلعل ذلك يقنع ما تبقى من المتمسكين منهم بحلم الدولة الإسلامية المدعاة. وهذا تأكيد لبشارة الأستاذ محمود عن الاخوان المسلمين بأنه (سينتهي أمرهم فيما بينهم وسوف يقتلعون من أرض السودان اقتلاعا). جزيل الشكر للأستاذ محمد الحسن أحمد على قلمه الواعي الذي يستخدمه كمبضع لتشخيص وإزالة أمراض هذا التنظيم المهووس.


http://www.aawsat.com/details.asp?section=19&issue=1017...يكتاتورية&state=true

Post: #709
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 03:22 PM
Parent: #708


وما سبقه إليه الشيخ محمود محمد طه (أُعدم 1985) في «الرسالة الثانية» من دعوة صوفية إلى عفة العقل لا فرض الحجاب، زدت عجباً بتكور الزمن لا انطلاقه كالرمح، ولم يترك الأولون في شرقنا للمتأخرين من حداثة مقالة!


http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=395502&issue=10235
_________________



التعليــقــــات

عيدالله عثمان - أوهايو أمريكا، «الولايات المتحدة الامريكية»، 07/03/2007
فى السودان علق رجل عفيف اسمه محمود محمد طه في أعواد المشانق لأنه كان يحمل قلما وفكرا - يمجده العالم الآن ولا يذكر أحد إسم قاضيه وسينسى الناس بعد قليل في أي عهد قتل ولكن بكل التمجيد سيذكرون الشيخ الذي قال لا وكان عمره ستا وسبعين عاما حينها.


http://www.asharqalawsat.com/leader.asp?section=3&artic...e=409503&issue=10326

Post: #710
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 03:23 PM
Parent: #709




لندن: «الشرق الأوسط»

«في السعي الى الذات العليا – دراسة نقدية في فكر محمود محمد طه»، كتاب صدر حديثاً (بالانجليزية) لمؤلفه د. محمد أحمد محمود، عن مطبعة جامعة سيراكيوز يونيفيرستي برس (سلسلة التاريخ الفكري والسياسي الحديث للشرق الأوسط) في 296 صفحة.

ومحمود محمد طه ـ موضوع الكتاب ـ هو مؤسس «الحزب الجمهوري» السوداني الذي سعى في منتصف الأربعينات الى استقلال البلاد عن التاج البريطاني، والذي انبثق عنه في ما بعد التيار الفلسفي الإسلامي المعروف باسم «الفكرة الجمهورية» ثمرة لأفكار طه وتنظيراته لصياغة رؤية إسلامية جديدة. وقد وجدت هذه الدعوة صدى عميقا وسط بعض صفوة المتعلمين المستنيرين، خاصة طلاب المؤسسات التعليمية العليا في عقدي السبعينات والثمانينات. لكنها اصطدمت بالمؤسسة المحافظة وانتهت المعركة بين الطرفين بإعدام طه في 18 يناير (كانون الثاني) 1985.

يتناول الكتاب موضوعه من حياة طه منذ مولده عام 1909 ببلدة رُفاعة في أواسط السودان مرورا بمرحلة شبابه مهندسا بمصلحة السكك الحديدية ونضاله السياسي والاجتماعي وخلوته بغرض التأمل، حتى خروجه بمشروعه الإسلامي الجديد. وتتابع فصول هذا المشروع فتقدم للقارئ دراسة عميقة لطبيعة المساهمة الفكرية لطه من ناحية وتقييم هذه المساهمة نقديا من ناحية أخرى. ويقوم منهج المؤلف على كشف علاقة الاستمرار والانقطاع بين مشروع طه الفكري والمصادر التراثية (خاصة الصوفية) والحديثة التي تأثّر بها. وفي معالجته التفصيلية لفكر طه يتناول نظريته الصوفية عن الصلاة ومنهجه في تفسير القرآن وموقفه في مسألة التخيير والتسيير وبرنامجه الحداثي في الاصلاح الجذري، ورؤاه في الشريعة وموقف الاسلام الحقيقي من العلم ومن الفنون.

وفي التطرق لكل هذه الجوانب يحرص المؤلف على تأكيد وإبراز التوتر الذي يتسم به فكر طه في حركته بين قطبي الأصالة التراثية والحداثة.

والمولف، د. محمد محمود، الذي يحاضر في قسم الأديان المقارنة بجامعة تفتز الاميركية، بوستون، تربطه معرفة وثيقة بمحمود محمد طه وبالكثير من طلابه، وبذا فهو يعكس للقارئ منظور الحركة الداخلي وصورتها عن ذاتها بالإضافة الى رؤيته لمنظورها الخارجي كباحث. وهو في كتابه هذا لا يكتفي بالتوغل في دنيا الفكرة الجمهورية وصاحبها، وإنما يتيح لنا الفرصة لقراءة مستنيرة في الوعاء الأكبر المتمثل في أحد أهم فصول التاريخ الفكري والسياسي الحديث في السودان، والقضايا الكبيرة الملحّة التي يثيرها التقاء الاسلام والحداثة في العالم اليوم.



http://www.aawsat.com/details.asp?section=19&issue=1027...حمود%20طه&state=true
___

Post: #711
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 03:23 PM
Parent: #710


كتاب عرب وأجانب يناقشون فكر وممارسات الحركات الإسلامية في مصر والسودان
لندن: الخاتم عدلان
كتاب «الإسلاموية وأعداؤها في القرن الإفريقي» (هيرست أند كومباني لندن، 2004)، يتكون من ستة بحوث ألف ثلاثة منها بالاشتراك كل من أليكس دي وال، وعبد السلام حسن عبد السلام، وبحث منفرد لكل من أليكس دي وال، ومحمد محمد صالح ورونالد مارشال. وحررها وكتب مقدمة الكتاب أليكس دي وال.
يناقش الكتاب فكر وممارسة الحركات الإسلامية في وادي النيل والقرن الإفريقي، مركزا على التجربتين المصرية والسودانية. وسينعكس هذا التركيز على عرضنا للكتاب الذي نعتقد أنه مساهمة عميقة ومتفردة في نقد تجربة الحركات الإسلامية في هذا الجزء من إفريقيا.

.يقول الكاتبان إن الترابي شارك في إنقلابين عسكريين، وكان المهندس الحقيقي للثاني، الذي كان يوجهه من منزله، أولا، ثم من مؤسساته، كما أنه كان منظر أكثر الحروب دموية في تاريخ السودان ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان التي سماها جهادا.. (ص:88 ـ 89) كما قاد ما يسمى بحفلات «عرس الشهيد» التي كانت تجبر فيها العائلات على الاحتفال بموت أبنائها. وأيد ما سمي بأحكام الشريعة على عهد نميري رغم ركاكة صياغتها، وحشد من أجلها كل أتباعه. أيد إعدام محمود محمد طه، بحكم الردة وسماه «الذبح العظيم». أشار الكاتبان إلى تناقضات فكره الذي يأخذ بالشمال ما يعطيه باليمين وأوردا الأمثلة على ذلك:



http://www.aawsat.com/details.asp?section=28&issue=9546...حمود%20طه&state=true
______

Post: #712
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 05:05 PM
Parent: #1


وعلق محمود طه السوداني وعمره 75 سنة على حبل المشنقة لرأي رآه وليس لانقلاب عسكري من نوع انقلابات الترابي. فمات طه وحافظ الترابي على رأسه ويكتب عن الحريات بعد أن قتل كل الحريات.



http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&issue=9159&a...حمود%20طه&state=true
_

Post: #713
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 05:06 PM
Parent: #712


الفصل الثامن: السماحة و التسامح أم العنف؟

* (2) تم حذف الفقرة التالية من صفحة 117: «وعلى أية حال ، فإن صوت العقل اليوم يمثل الإتجاه السائد، الذي يدين الحكم بقتل المرتد، لكونه مخالفاً لسماحة الإسلام، ومن الشخصيات التي تمثل هذا الاتجاه، محمد أسد (2)، وفتحي عثمان الذي صرح بأن إعدام طه محمود طه مناف للإسلام، بدون أي تحفظ». الطريف أن طبعة العبيكان «الخاصة» أبقت، من المؤكد سهوا، كلام المؤلف الوارد في صفحة 120 الذي يؤيد الرأي المحذوف من أن حد قتل المرتد يتنافى مع سماحة الإسلام حيث ورد: «ليس من المعقول إطلاقا، أن الله يريد بالآية «لا إكراه في الدين» الحفاظ على الكرامة الأدبية والأخلاقية، وحرية الإلتزام الخلقي لغير المسلمين، وفي الوقت نفسه يرضى، سبحانه، للمسلمين الإكراه».




http://www.aawsat.com/details.asp?section=28&issue=9049...حمود%20طه&state=true
____________

Post: #714
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 05:07 PM
Parent: #713


انه لا يمكن ان نبخس جهود متنورين يجعلون وكدهم مقولة جوته الشهيرة: ما ترثه عن ابيك اكتسبه لكي تمتلكه. واذكر هنا احد الجهابذة الذي سعى ان يطور الفكر الاسلامي من ارضية اسلامية دونما نبذ للدين او عزوف عنه، انه محمود طه السوداني. لقد دفع الثمن غاليا، وكان نصيبه الشنق.




http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&issue=9015&a...حمود%20طه&state=true
_________

Post: #715
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 05:07 PM
Parent: #714


نقد الإصولية وتحرير المرأة
فريدة النقاش في «حدائق النساء»: معركة تحرر النساء لن يخوضها غيرهن وهي مرتبطة بتحرير المجتمع كله
والمفكر السوداني محمود محمد طه والدكتور نصر حامد أبوزيد.
وذكرت المؤلفة ان المصير المأساوي الذي واجه المفكرين السوداني محمود محمد طه الذي تم اعدامه والدكتور نصر حامد أبوزيد الذي حكم عليه بالردة وتطليقه من زوجته بالاضافة الى ما حدث لغيرهم على امتداد الوطن العربي عطل حركة الاصلاح الديني في المجالات كافة، فقد ظلت حرية الفكر والعقلانية والحريات الديمقراطية عرضة للعصف بها عند كل منعطف حاسم.



http://www.aawsat.com/details.asp?section=28&issue=8944...حمود%20طه&state=true
________

Post: #716
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 05:09 PM
Parent: #715


«محمود»... مسرحية سودانية في لندن


لندن: «الشرق الأوسط»
تقدم جماعة فنون الأداء السودانية اليوم الجمعة عرضا مسرحيا باللغة العربية بقاعة «فينشر سنتر» الكبرى الكائنة في وورنينغتون رود بمنطقة لادبروك غروف غرب لندن. والعرض الذي يحمل اسم «محمود»، هو من تأليف واخراج عثمان جعفر النصيري.
والنص يقدم في الذكرى السابعة عشرة للمحاكمة الشهيرة التي تمت في السودان لمحمود محمد طه زعيم الحزب الجمهوري اثر توزيع الحزب لبيان انتقد فيه التشريعات التي طبقها الرئيس السوداني السابق جعفر نميري، ووصفها بأنها «لا اسلامية ولا عادلة». غير ان التهمة الموجهة لمحمود وأربعة من جماعته تحولت من تهمة «اثارة الكراهية ضد الدولة» الى محاكمة فكرية اتهم فيها محمود وتلاميذه «بالزندقة والخروج عن الدين الصحيح والردة». وقضت محكمة الموضوع باعدام محمود وتلاميذه الأربعة وأيدتها محكمة الاستئناف، كما أيدها رئيس الجمهورية. ونفذ حكم الاعدام امام حشد كبير من مؤيدي الحكومة على محمود طه الذي رفض مجرد التحدث الى المحكمة ووصف قضاتها بأنهم «ليسوا مؤهلين دينيا ولا اخلاقياً» كما رفض التعاون مطلقاً مع المحكمة ولاذ بالصمت فيما تنازل تلاميذه وقبلوا الاستتابة التي بثت عدة مرات على شاشات التلفزيون في يناير 1985.

يشترك في التمثيل سلمى بابكر الريح وتؤدي دور المنادية، والزميل محمد المهدي عبدالوهاب ويؤدي دور قاضي محكمة الاستئناف وعز الدين طه وسيف الحلفاوي (الادعاء) وعاصم نورين في دور عبد اللطيف احد تلاميذ محمود المستتابين. ويشارك ايضا محمد عثمان عبد الحميد والقاضي السوداني السابق اسماعيل التاج وانشراح احمد ومواهب ميرغني وعادل مانديلا ومعتز سنجة.
=



http://www.aawsat.com/details.asp?section=30&issue=8453...حمود%20طه&state=true
_________________

Post: #717
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 05:10 PM
Parent: #716


كما اقامت منظمة حقوق الانسان معرضا توضيحيا لمناسبة محاكمة المفكر محمود محمد طه الذي حكم عليه بالاعدام بتاريخ 18 يناير (كانون الثاني) 1985.




http://www.aawsat.com/details.asp?section=30&issue=8456...حمود%20طه&state=true
_________________

Post: #718
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 05:11 PM
Parent: #717


«إعدام محمود محمد طه» في لندن


لندن: «الشرق الأوسط»
تستمر في لندن حاليا بروفات مسرحية «محمود» التي ستقدمها جماعة الاداء الفني السودانية بقيادة المخرج وكاتب المسرحية عثمان جعفر النصيري يوم 18 يناير (كانون الثاني) المقبل في لندن.
والمسرحية عن محاكمة المفكر السوداني محمود محمد طه. ويشارك في التمثيل سلمى بابكر ممثلة المسرح الجامعي السابقة، ومجموعة من الممثلين الهواة منهم عاصم محمدين وعز الدين طه ومواهب ميرغني وعثمان عبد الحميد ومحمد المهدي عبد الوهاب واسماعيل التاج وسيف الحلفاوي وعبد الباقي العوض.

وقال الكاتب والمخرج النصيري لـ «الشرق الاوسط» انه سيقدم هذا العمل الفني في اليوم الذي حوكم فيه المفكر السوداني بالاعدام، مشيرا الى ان نص المسرحية استفاد الى حد كبير من محاضر القضاة والذين استتابوا المحاكمين بعد تنفيذ حكم الاعدام على قائدهم. واضاف: سيكون العرض مناسبة طيبة لاطلاق النشاط المسرحي والثقافي لجماعة الاداء الفني السودانية، لافتا الى ان المسرح والتمثيل يمثلان جانبا واحدا فقط من نشاطاتها.




http://www.aawsat.com/details.asp?section=24&issue=8429&article=79

Post: #719
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 05:25 PM
Parent: #718


خالص جلبي
---------
قانون تبادل الأدوار

تقابل الأفكار الجديدة دوماً بالدهشة والرفض. أجعل الآلهة إلهاً واحداً إن هذا لشيء عجاب. فتقاوم بضراوة. أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد. ويتعطل العقل مقابل التشبث بالبنى الذهنية التقليدية. ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق. وهذا شيء طبيعي بسبب ضرورة تكرار المجتمع لإنتاج نفسه.
وفي عام 1971 أعدم (محمود طه) في السودان بيد الطغمة العسكرية بتهمة الردة وكان الرجل مجددا ولم يكفر ولم يرتد ولكنها السلطة التي لا تتحمل النقد والمعارضة.



http://www.aawsat.com/leader.asp?article=57209&issue=8324§ion=3
_________________

Post: #720
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 05:25 PM
Parent: #719


مصير الطغاة
خالص جلبي
ومات الحلاج صلبا في بغداد بكلمة اختلقت ضده بعد جلده ألفاً وقطعت اطرافه. ومات الحسين وجميع آل البيت معه ذبحا على يد يزيد الخليفة الاموي. وانهى المفكر السوداني محمود طه حياته وهو يتأرجح على حبل المشنقة بتهمة الردة. ماتوا جميعا لا لذنب فعلوه بل من اجل افكارهم ونشاطهم.





http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=39426&issue=8212

Post: #721
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 05:26 PM
Parent: #720


لا تغضبوا: قراءة جديدة لصلاح الدين الأيوبي
خالص جلبي
ولعل كثيرين لا يعلمون عن صلاح الدين، أنه هو الذي وقع على إعدام الصوفي (السهروردي)، مذكرا بما حصل للحلاج، في قتل الناس من أجل أفكارهم. وعرض (ابن أبي أصيبعة) في كتابه (طبقات الأطباء) سيرة الشاب الحلبي، الذي قتله حاكم حلب الملك (الظاهر) أخو صلاح الدين، بعد أن أرسل إليه أنه قد أفسد عقيدة الناس، فأرسل إليه يأمره بقتل الرجل، وبفتوى من وعاظ السلاطين.

=======
التعليــقــــات
وأنه لايوجد نص واحد في القرآن يفتي بقتل من غير رأيه أو بدل دينه ولو ثلاث مرات، وأن قتل السهرودري وفرج فودة ومحمود طه وسيد قطب من أجل آرائهم يحزن النبي، ويخون مباديء القرآن، ويخالف تعليمات الأنبياء، وأنه ضعف في مواجهة الفكر بالإرهاب، وهو خطأ فادح من صلاح الدين وغير صلاح الدين



http://www.asharqalawsat.com/leader.asp?article=299702&issue=9667§ion=3
_________________

Post: #722
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 05:27 PM
Parent: #721


مجموعات دينية سودانية «تكفر الترابي».. ومذكرة للرئيس تطالب بحماية «الفكر»
الخرطوم: إسماعيل آدم
واضاف البيان «ينبغي لولاة الامر ان يستتيبوه فان رفض يجب ان ينفذ فيه حد الشرع حماية لجانب الدين وان يحجروا عليه وعلى كتبه وان يمنع من المقابلات». وطالب الشيخ الامين الحاج رئيس الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بالسودان الرئيس عمر البشير بتشكيل محكمة خاصة اسوة بالتي شكلها الرئيس السابق جعفر نميري لمحاكمة محمود محمد طه زعيم الفكر الجمهوري، معتبراً ما جاء به الترابي من فتاوى اشد خطورة مما كان يردده محمود محمد طه. وابدى رئيس لجنة الدعوة بالرابطة الشيخ محمد عبد الكريم استعداد الرابطة التام الى مناظره الترابي امام الملء في اي مكان وزمان يختار.



http://root.aawsat.com/details.asp?section=4&issue=10009&article=359761
_________________

Post: #723
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 07:39 PM
Parent: #1


أخبارهــم في كـل مكان
* تقيم رابطة الفكر الإسلامي السلمي بجامعة أيوا في الولايات المتحدة، اليوم الأحد احتفالا بالذكرى السنوية الـ 19 لاعدام المفكر السوداني محمود محمد طه. ويقام الاحتفال بقاعة ريتشي ويحتوي على معرض توثيقي ولوحات وصور فوتوغرافية وكتب ومنشورات، كما تقدم في الاحتفال محاضرات وكلمات ويستمع الحاضرون لبعض الانشاد بمصاحبة موسيقى الفنان يوسف الموصلي. تشارك في الاحتفال حكومة طلاب جامعة أيوا وجمعية حقوق الانسان بالجامعة وقسم الدراسات العالمية بالجامعة وجمعية حقوق الانسان في مدينة أيوا والجمعية السودانية لخدمات المجتمع، ومركز بيزنت ريتش.



http://www.aawsat.com/details.asp?section=30&issue=9182&article=213219
_________________

Post: #724
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 07:40 PM
Parent: #723


حكم القانون


> تعليقا على خبر «استجواب أعضاء بجماعات أصولية في حادثة اغتيال رئيس تحرير صحيفة سودانية»، المنشور بتاريخ 9 سبتمبر (ايلول) الحالي، اقول ان رفع سيف لقطع رأس، والادعاء بتنفيذ حد من الحدود، انما تنصيب لرافعه مشرعا وقاضيا وشرطيا. حيث يصادر من يقدم على عمل كهذا، حق الحاكم ويأخذه لنفسه، وتلك هي الفوضى بعينها. أما حين صدر حكم بالإعدام على علي محمود محمد طه، فقد جاء من القضاء، وتم تنفيذ الحكم بعد ان منح طه، مهلة التوبة والرجوع عن ارائه، فذلك حكم القانون والقضاء الذي يحترمه الجميع. عبد الفتاح حسن نوري ـ السعودية [email protected]



http://aawsat.com/details.asp?section=5&article=382507&issue=10151
___

Post: #725
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 11:01 PM
Parent: #1


المفكرة

مدينة مونتري (كاليفورنيا) > تلاميذ وأصدقاء الفكر الجمهوري في مدينة مونتري (كاليفورنيا) أعلنوا عن قيام احتفال بالذكرى الثانية والعشرين لإعدام المفكر السوداني محمود محمد طه. يقام الاحتفال في يوم السبت 20 يناير (كانون الثاني) الحالي، ويشمل معرضاً للفكر الجمهوري، كما ستقام ندوات مفتوحة للحوار. ويبدأ المعرض الساعة التاسعة صباحا ويستمر حتى العاشرة في المساء بالقاعة الكبرى في مركز لميسا الاجتماعي:



La Mesa Community Center (Ballroom) 1200 Spruance Rd Monterey, CA 93940 Tel: 831-582-9895


http://www.aawsat.com/details.asp?section=54&article=400352&issue=10266
_

Post: #726
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 11:01 PM
Parent: #725



. أحمد مصطفى الحسين، «الامارت العربية المتحدة»، 17/10/2006
الدور التاريخي للانقاذ هو فضح دعاوى الإسلامويين التي سعا الجمهوريون لكشفها لنصف قرن فقد استطاعت الأنقاذ في فترة حكمها كشف التدين الزائف لهذه الجماعة.




http://72.14.209.104/search?q=cache:hIEFX6tuxksJ:www.aa...ct=clnk&cd=438&gl=us
_________________

Post: #727
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 11:02 PM
Parent: #726


د.عوض النقر بابكر محمد، «المملكة العربية السعودية»، 16/05/2006
نتفق مع الكاتب بأن أمة الاسلام في حاجة شديدة للاجتهاد والتجديد وفق معطيات التغيير الهائلة التي يشهدها هذا العصر، وللاجتهاد أسس شرعية متفقا عليها. ولكن تبقى المفارقة هي شخصية الترابي نفسها ولماذا تحفل بكل هذه التناقضات داخل السلطة وخارجها؟ وماذا يقول عن إعدام المفكر الاسلامي محمود محمد طه وهو الذى مهد السبيل إلى ذلك؟




http://aawsat.com/leader.asp?section=3&issue=10031&article=363385
_________________

Post: #728
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 11:02 PM
Parent: #727



الصادق يوسف، «المملكة العربية السعودية»، 21/04/2006
حاول البعض وفي غير هذا الموضع الربط بين ما يدعو له الداعية الإسلامي السوداني الشهيد محمود محمد طه وبين ما يقول به الشيخ حسن عبد الله الترابي . صحيح أن كلا الرجلين يدعو إلى تجديد الفكر الإسلامي إلا أن الفرق بين منهجيهما في التجديد فرق شاسع وكبير .
والسؤال عبركم محال إلى الشيخ الترابي ليفسر لنا ما سر هذا التناقض الكبير بين أقواله وأفعاله؟



http://www.aawsat.com/details.asp?section=11&issue=10006&article=359248
_________________

Post: #729
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 11:03 PM
Parent: #728


وحضر جمهور غفير الاحتفال الذي اقامته «رابطة مصطفى سيد احمد» في اميركا الشمالية بالاشتراك مع المنظمة السودانية لحقوق الانسان بالولايات المتحدة احياء لذكرى الراحل وتقييم تجربته الفنية، كما اقامت منظمة حقوق الانسان معرضا توضيحيا لمناسبة محاكمة المفكر محمود محمد طه الذي حكم عليه بالاعدام بتاريخ 18 يناير (كانون الثاني) 1985



http://www.aawsat.com/details.asp?section=30&issue=8456&article=84108
_________________

Post: #730
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 11:04 PM
Parent: #729



جعفر نميري: السطوع والأفول

يراه البعض قائدا والبعض الأخر ديكتاتورا.. تحالف مع الشيوعيين ثم انقلب عليهم وانقلبوا عليه


الخرطوم: إسماعيل آدم
يبدأ يومه بصلاة الصبح حاضرا في منزله الشعبي العتيق في حي «ودنوباوي» الشهير في مدينة ام درمان، ثم يقرأ في ذات الصلاة جزءا او جزءين من القرآن الكريم، قبل ان يحضر نفسه للخروج الى مكتبه في دار حزبه، الوليد المتعثر: «تحالف قوى الشعب العاملة» في شارع الجامعة، اشهر شوارع قلب الخرطوم. وهناك، يقول احد المقربين، من الرئيس السوداني السابق جعفر نميري، الذي يصفه خصومه بالدكتاتور، وأنصاره بـ«القائد»، يلتقي نميري بأنصارالحزب اولاً، ثم اصحاب الحاجات ثانيا، ليفسح من بعد وقتا متسعا لرجال من حوله وهم: معاونوه في الدار؛ (اصدقاء، اوفياء، أصيلون)، كما يحلو ان يسميهم، حيث ظل نميري يردد طوال عهد حكمه الذي استمر 16 عاما ان المسؤولين في حكمه نوعان: «الأجير والاصيل».
وفي الساعة الواحدة والنصف بعد الظهر، يلملم «الرئيس المخلوع»، كما نعته بتلك الصفة قطاع واسع من الشعب السوداني اشياءه وحصيلة اليوم من الحكايات، وهي في الغالب اشواق ممتدة، وضروب من فعل الماضي، وكان واخواتها، ويقفل عائدا عبر شارع النيل في الخرطوم، ثم شارع الموردة في ام درمان، ليحط رحاله في منزله بـ«ودنوباوي»، وهو منزل والده الذي تربي فيه والذي يشرف على منزل ووالد زوجته بثينة خليل. نميري لا يعرف النوم في العصر، كما اعتاد اغلب السودانيين الذين يشغلون مناصب حكومية، او وظائف في الدولة. أحد المقربين منه قال لـ«الشرق الاوسط»: عندما كان قائدا للبلاد يعمل لاكثر من عشرين ساعة متصلة في اليوم الواحد، وعليه تراه في العصر. وبعد تناول وجبة الغداء، يعيد ترتيب هندامه، ويحضر نفسه لاستقبال الاهل والاصدقاء والاوفياء، وكل هذه القائمة.. واحيانا يخرج في مشاوير لقضاء واجبات اجتماعية من تعازٍ في سرادق العزاء، او مشاركة في مراسم زواج، او زيارة مريض.

نميري، 76 عاما، لا يأكل كثيرا، ولكنه حريص على تناول الوجبات الثلاث، ويفضل «الصنف الواحد» من الطعام وبكميات قليلة. ويقول مقربون ان سبب قلة اكله يعود على الأرجح الى آلام شديدة يعانيها في احدي ركبتيه بسبب ضربة قديمة، وآلام اخرى في الحوض بسبب تعرضه لانزلاق اثناء تحركه من موقع الى آخر داخل منزله. وينفي مقربون منه ان نميري مصابٌ بمرض عضال، ويعزون حالة الارهاق التي تبدو على محياه الى تقدمه في السن، ولكن السودانيين كلما توجه نميري الى واشنطن، من عام الى عام، لإجراء فحوص طبية امتلأت مجالسهم بانه سافر للتداوي من مرض عضال، ويرددون بانه يواظب على الذهاب الى الولايات المتحدة لمراجعة عملية جراحية اجريت له في وقت سابق تتعلق بنظام ضخ الدم في جسمه، خاصة رأسه. منذ عودته من منفاه في القاهرة في 22 مايو (ايار) عام 1999، لم يغادر نميري نطاق العاصمة السودانية في حركته إلا مرات محدودة حيث طار بعد عودته بأسابيع ضمن وفد حكومي وسياسي كبير الى منطقة «هجليج» غرب البلاد ليشهد احتفالا اقيم هناك بمناسبة بداية الضخ التجاري للنفط السوداني نهاية عام 1999. كما زار مسقط رأسه (قرية ود نميري) شمال السودان في الاقل ثلاث مرات، لأداء واجبات اجتماعية. ومنذ عودته «الشجاعة» حسب انصاره او «المنكسرة» حسب خصومه، غادر نميري السودان الى اربع دول وهي: الى الولايات المتحدة لإجراء فحوص دورية درج على اجرائها من عام الى آخر هناك لأكثر من 30 عاما، والى القاهرة نحو ثلاث مرات للملمة باقي اشيائه في المنفى، ولوداع المصريين، ولاسباب صحية. كما زار كلا من المملكة العربية السعودية ودولة الامارات،. ويلاحظ الناس في الخرطوم ان الرجل رغم سجل حكمه الملطخ بالتعذيب والقتل والإقصاء، يتجول طليقا في شوارع الخرطوم وحتى في رحلاته الداخلية والخارجية، إلا من حارس واحد، ويقول في هذا الشأن: «لست خائفا من أي شيء ولي حراسة من الدولة، مش حراسة لكن متابعة.. ولقد رفضت ذلك عدة مرات ولكنهم أصروا عليها». ويشبه المراقبون راهن الدكتاتور السوداني السابق نميري، الذي اقتلعته من سلطة قابضة، استمرت 16 عاما، عاصفة شعبية في السادس من ابريل (نيسان) عام 1985، يصادف هذا اليوم، بدكتاتور الكاريبي «اورليانو بوينديا»، وهو حاكم متسلط فَقَدَ سلطته. ورسم صورته تلك الروائي العالمي الكولمبي غابريال غارسيا ماركيز في روايته «ليس لدى الكولونيل من يراسله». ومن بين حالته الهستيرية ان دخل الكولونيل مطبخا بائسا في منزله البائس، في طرف المدينة، وملأ ابريق القهوة بالماء ووضعه على النار، ثم رفع علبة البن، ولكنه وجدها فارغة، إلا من بقايا ملتصقة على اطرافها، مما اضطر الى «كردها» بملعقة بعصبية واستياء بالغ، ووضعها بذات العصبية والاستياء على الماء المغلي. كما لم يجد من السكر في علبته غير قليل على الاطراف وضعه على الابريق، كمن يقذف بشيء في السلة، لتنتهيَّ العملية بفنجان قهوة مصنوعة من «البقايا».. وضعها على الطاولة وجلس يرتشفها ويبحر ويهيم في ذكريات الايام الخوالي، حين كان هو الاول والأخير في البلاد.

وعلى نسق الكولونيل او الجنرال الذي ليس له من يراسله، يمارس نميري هذا الضرب من الحنين في منزله ومكتبه بدار «تحالف قوى الشعب العاملة»، وسرادق العزاء، مع من حوله ممن يطلق عليهم الاصيلين، و«انصاره من جماهير الشعب السوداني الموجودين في كل مكان». كما يعتقد في حديث لـ«الشرق الاوسط» إلياس الأمين احد «الاصيلين» المقربين من نميري، حتى الآن، وهو عضو سابق بالبرلمان في عهد نميري، ومدير مراسمه لسبعة اعوام. ويحرص الأمين على ان يسبق حديثه عن نميري بصفة «الزعيم القائد».

ليست لدى نميري املاك خاصة او استثمارات يديرها داخل السودان او خارجه، كما يقول اعوانه. ففقط، لديه قطعة ارض غير مستثمرة في قرية «ودبلال» على بعد بضعة كيلومترات جنوب الخرطوم، ومنزل في مدينة «ود مدني» جنوب الخرطوم، وهي ثاني اكبر مدينة في السودان.

وقال نميري في احد الحوارات الصحافية معه حين سألوه عن وضعه المادي، وماذا يمتلكا: «لي معاشي الشهري». وأضاف: «معاش رئيس الجمهورية معاش كويس ما بطال بيأكلني أنا وزوجتي». وكانما يشير نميري في هذا الخصوص الى تعديلات اجراها البرلمان السوداني العام الماضي في لائحة استحقاقات الرؤساء السابقين وجملة من المناصب الدستورية في البلاد، وصفها المعارضون بأنها جاءت «باهظة التكلفة على الميزانية العامة». وشملت اللائحة الى جانب نميري، كلا من الزعيم الراحل اسماعيل الازهري، والصادق المهدي، واحمد الميرغني، وأعضاء مجلس السيادة السابقين، ورؤساء البرلمان السابقين، وغيرهم. ويشير اعوان نميري ان الاخير يجد كل الدعم والعون من الرئيس عمر البشير، حيث يتفقد احواله من وقت لآخر عبر رسول ويقدم له كل التسهيلات. وتشيع المدينة ان نميري هبط إلى منفاه في القاهرة بأموال طائلة، ولكنه فقدها في اعوام وجيزة عبر استثمارات فاشلة تولاها بدلا عنه سودانيون ومصريون. ولم تبق له سوى شقتين في عمارة واحدة استولى عليهما احد اعوانه المقربين منه، ولكن «قبل ان يهنأ بهما انهارت العمارة على من فيها»، كما يقول إلياس الامين. واضاف «كِدت اصدق ان نميري في بحبوحة من العيش في القاهرة ولكن عندما زرته وجدت انه بلا مال ولا ولا شيء سوى الاصدقاء والاوفياء».

يرتب نميري الآن، حسب مقربين، لانشاء كلية للدراسات الجامعية والدراسات العليا الاخرى، وهي ممنوحة له من الولايات المتحدة.

ويقولون ان العمل يمضي على قدم وساق لاكمال انشاء الكلية في الاشهر المقبلة. وربما فتحت ابوابها خلال الاشهر المقبلة، وفقا لمقربين.

ما سبق يعتبر آخر محطات نميري في«خطوطها» العامة والخاصة. لكن رحلته عموما كانت طويلة محفوفة بالمغامرات والقفز في الظلام، ولعب على كل الحبال، وطرق على اليمين ثم على اليسار، والسير احيانا بكوابح، واحيانا كثيرة من دونها، سلكها نميري خلال عمره الطويل الى ان صار وحيدا. ولد نميري في مدينة ام درمان في السادس والعشرين من ابريل (نيسان) عام 1930 من والدين هما: محمد نميري، وآمنة نميري اللذان قدما قبل زواجهما الى ام درمان من بلدة ود نميري في الشمال بالقرب من مدينة دنقلا من اجل لقمة العيش، وقبل ان يتزوج والده عمل جندياً في «قوة دفاع السودان» لكنه بعد الزواج ترك العمل في الجيش واختار العمل ساعياً في شركة سيارات. وعندما افتتحت الشركة فرعاً لها في واد مدني انتقل والده الى الفرع واستقر به المقام هناك مع اسرته التي باتت تتكون من الاب والأم وثلاثة ابناء هم: مصطفى، ونميري، وعبد المجيد الذي توفيَّ وهو في الرابعة والعشرين من عمره.

قالت والدته يوما عندما سألها نميري عن سر اختيارها هي ووالده اسم جعفر لمولودهما الثاني، فقالت انها رأت في حلم اثناء حملها به بأنه اذا جاء المولود ذكر تسميه جعفر تيمناً بـ«جعفر الطيار» الذي هو جعفر بن ابي طالب شقيق الامام علي بن ابي طالب كرم الله وجهه.

ويضيف نميري «تذكرت ما قالته الوالدة هنا بعدما اصبحت رئيساً للسودان حيث انني في الاشهر الثلاثة الاولى من بداية الترؤس كنت احلم يومياً بأنني اطير واسمع الناس من حولي يقولون: «شوفوا الزول ده (اي انظروا الى هذا الانسان) الذي يطير.

ويتذكر نميري كيف انه عندما انتقل والده ووالدته من ام درمان الى ودمدني انه في بعض الاحيان كان يقود بعض حمير اهل الحي وينظفها في مياه النيل، وان هذا العمل جعله محبوباً بين الناس وعمق في نفسه اهمية التعاون. كما يقول «كنت البارز في الالعاب، وغالباً ما كنت أرأس فريق كرة القدم عندما نمارس اللعبة في حي ودنوباوي». وفي هذا الخصوص، يقول نميري في حواراته الصحافية: «اتذكر قساوة الحياة التي عشناها. وأتذكر في الوقت نفسه كيف ان مرتب والدي عندما احيل إلى المعاش لم يتجاوز تسعة جنيهات. وبسبب ضآلة هذا المرتب حرص والدي على ان يعلمنا. عشنا قساوة الحياة، ولكي يؤمن لي والدي فرصة الدراسة الكاملة فانه طلب من اخي الاكبر ان تتوقف دراسته عند المرحلة المتوسطة ويبدأ العمل».

تدافع الاخوان لتحسين حال الاسرة الفقيرة، فعمل مصطفى، الاخ الاكبر براتب قدره اربعة جنيهات شهرياً، وأكمل نميري دراسته وتمكن من الالتحاق بالثانوية العليا مدرسة «حنتوب الثانوية»، ولكن نسبة للظروف المادية الصعبة التي تواجه الاسرة بصورة لا تسمح بتوفير مطالب دراسته، قرر نميري بعد اكمال المرحلة الثانوية الالتحاق بالقوات المسلحة بدلا من دخول الجامعة.

ويقول في حديث مع فؤاد مطر في هذا الخصوص: «الذي شجعني على ذلك شعوري بأن التحاقي بالكلية الحربية سيؤمن لي دخلاً أساعد به عائلتي، وكان الدخل عبارة عن اربعة جنيهات ونصف الجنيه شهرياً للضابط حديث التخرج، أرسل نصفه الى والدي ووالدتي مع مبلغ آخر يرسله اخي الى الوالدين».

التحق ابن الاسرة الفقيرة بالكلية الحربية عام 1949، وانتابه شعور مزدوج بالفرح في موقعه الجديد لسببين؛ الاول: عندما «قبض» اول راتب وقدره جنيهان ونصف الجنيه لطالب الكلية الحربية، وخروجه من دائرة الاتكال والاعتماد على الاخرين، فضلاً عن انه اصبح في امكانه تقديم المساعدة لاسرته الفقيرة، وذلك بالاضافة الى إشباع حبه للعمل الشاق والحيوية والرجولة الموجودة في الحياة العسكرية.

ويروي نميري بأنه عندما تسلم المرتب للمرة الاولى اقتطع منه سبعين قرشاً ثم اشترى بجزء من المبلغ المتبقي حلوى ولُعُباً ومشى مسافة عشرة كيلومترات ليوفر ما كان يجب ان يدفعه مقابل الانتقال بالسيارة. ويضيف: «قدمت من هذا المرتب الحلوى واللعب الى اطفال العائلة الذين شعروا بأنهم ذاقوا حلاوة النقود التي حصل عليها ابن عمهم من الكلية الحربية». تخرج نميري في الكلية الحربية عام برتبة ملازم ثان، والتحق بالعمل في القيادة الغربية مركزها مدينة الفاشر. ويروي هنا: «عندما التحقت بالغربية شعرت بشيء من الهيبة بسبب ان العسكريين الذين يعملون في هذه المنطقة هم الاشد بأساً في السودان»، ثم تنقل نميري في عدة مواقع عمل في الجيش السوداني شمالا وجنوبا. واتهم عام 1955 بتدبير انقلاب عسكري على النظام الديمقراطي القائم في البلاد في ذلك الوقت، غير انه «تبين للقيادة بعد التحقيق معه ان الامر ليس اكثر من وشاية وبعدما تبين لها ذلك حُفظ التحقيق».

ولكن ظلت الجهات الامنية آنذاك ترصد لنميري تحركات ضد السلطة الحاكمة خاصة حكومة ما بعد ثورة اكتوبر التي اطاحت نظام الرئيس ابراهيم عبود، مما اضطرت السلطات اثر تواتر التقارير ضده الى نقله من الخرطوم الى كسلا بصورة اقرب الى النفي، ولكن رغم ذلك امرت حكومة الصادق المهدي المنتخبة بعد ثورة اكتوبر اقتياده من كسلا ووضعه في المحبس في احد معسكرات الجيش في الخرطوم. وجرى التحقيق معه حول محاولة انقلابية فاشلة قادها ضابط اسمه خالد الكد، وهو الراحل الدكتور خالد الكد، غير ان التحقيق لم يتوصل الى ما يجرِّم نميري في المحاولة الفاشلة. ولكن كل ذلك لا يعني ان نميري لم يكن يفكر بصورة سرية وجادة في الاستيلاء على السلطة بانقلاب عسكري لوضع حد لكل المخاطر وللتردي المتواصل للاوضاع في البلاد، وعليه عقد هو ومجموعته اجتماعات في الخرطوم وفي مدن اخرى. وبين معارض ومؤيد من الضباط للانقلاب انقض نميري على الحكومة المنتخبة وكان وقتها يعمل في المنطقة العسكرية بـ«جبيت» شرق السودان. ويَحكي نميري في ذكرياته ان محمد ابراهيم نقد، زميل دراسته في حنتوب والسكرتير العام للحزب الشيوعي جاء اليه في موقع ما في الخرطوم وأخذه الى منزل ليلتقي هناك بالقيادي الشيوعي والنقابي آنذاك الشفيع احمد الشيخ، وقال له الاخير: «انه يرى ان الظروف ليست مواتية على الاطلاق للقيام بحركة عسكرية». وبعد خروجه من المنزل، ساور نميري شعور بان خطة الانقلاب قد انكشفت، وعليه بدأ يسابق الريح والظروف لتنفيذ الانقلاب قبل إحباطه من جهة ما، وكان اللقاء قبل 48 ساعة على ساعة الصفر المحددة في الخطة. ويقول نميري في حوار صحافي سابق «كان لابد ان نمنع الحزب الشيوعي السوداني من الوشاية بالحركة فقدمنا ساعة الصفر «24» ساعة، وقمت بحركة تكتيكية حيث انني سألت عن منزل عبد الخالق محجوب وتوجهت اليه مساء اليوم الذي تم في فجره التحرك.. طرقت الباب ففتح احد الاشخاص سألته عن عبد الخالق، فنادي عليه، جاء عبد الخالق وصافحني وكان يرتدي ملابس منزلية، وقادني الى احدى الغرف في الداخل لم أتركه يتكلم، وبدأت الحديث على الفور فقلت له: «انني جئت لأبلغه بان تنظيم الضباط الاحرار نفذ الخطة واستولى على السلطة في الخرطوم.. ان منزلك محاصر وسيتم اذاعة البيان الاول خلال ساعات، كما انه تم الاستيلاء من جانب عناصرنا التي ترتدي الثياب المدنية على جميع المرافق الاساسية في العاصمة، وان اي تحرك او اتصال من جانبك او حتى الخروج من المنزل قبل السابعة صباح غد، سيُعرِّض حياتك الشخصية للخطر.. وحاول عبد الخالق ان يعلق، ولكني لم اعطه فرصة، وغادرت المنزل مرتاحاً الى النتائج حيث انني لاحظت على وجه عبد الخالق وأنا احدثه ملامح الخوف والفزع الشديد. وما دام رد فعله على هذا النحو، فمعنى ذلك انه لن يتحرك». توالت الأحداث سِراعا من بعد الى ان استولى نميري على السلطة بسهولة في صباح 25 مايو عام 1969. قبل نميري التعامل مع الحزب الشيوعي رغم انه يرى خلافات تسري في ساحة الحزب حول عملية الانقلاب نفسه، فيما تحمس فريق من الشيوعيين لنميري واطلقوا على انقلابه ونظامه «ثورية ماي». وغنى مغنيهم لنميري «يا حارسنا، ويا فارسنا، ويا نحنا.. ومدارسنا، كنا نفتيش ليك، جيت الليلة كايسنا». ثم غنى: «ابوعاج يا اخوي دراج المحن». و«بأدبيات الحزب الشيوعي والناصرية، نقض نميري كل برامج السنتين الاوليين من نظامه»، كما قال لـ«الشرق الاوسط» الصادق المهدي، زعيم حزب الامة المعارض، وأحد ألدِّ اعداء نميري المعروف بكراهيته للاحزاب التقليدية المعروفة بالطائفية، وان ثورة كهذه تعني اجهاضاً مبكراً للحركة الشعبية التي يقودها الحزب الشيوعي السوداني. ولكن شقة الخلافات بين نميري والشيوعيين توسعت بعد اقل من عام، حيث يري فريق منهم؛ وعلى رأسهم سكرتير الحزب آنذاك عبد الخالق محجوب، وفاروق حمد الله، وهشم العطا، وبابكر النور، وبينهم من هو ضد الانقلاب مثل الشفيع احمد الشيخ؛ ان نميري قد ضل الطريق وتحول بين ليلة وضحاها الى حاكم متسلط، فخطط فريق من هؤلاء بقيادة الضابطين هشم العطا وفاروق حمد الله لتنفيذ انقلاب على الانقلاب باسم «الثورة التصحيحة».

ويروي نميري في هذا الشأن: «في هذه الاثناء طلب السماح له بالسفر الى لندن للعلاج فسمحنا له، وطلب السفر الى نيروبي فسمحنا له، لكنه سافر من نيروبي الى لندن، وأقام فيها. وفي الوقت نفسه بدأ هاشم العطا يقوم بتحركات مشبوهة، وهو في الخرطوم ويتصل بالضباط، فقررنا وضعه تحت مراقبة اجهزة الامن». وبعد ايام من الاحداث المتوالية ولعبة القط والفأر، وقع الانقلاب ضد نميري في حوالي الثالثة بعد ظهر يوم الاثنين 19 يوليو(تموز) 1971، وهو الانقلاب المعروف بـ«انقلاب هاشم العطا»، ولكن نميري وأعوانه احبطوا الانقلاب بعد اربعة ايام، «بسبب الخلافات التي سادت اضابير الحزب الشيوعي»، كما قال لـ«الشرق الاوسط» أحد الشيوعيين المشاركين في نظام نميري، طلب عدم ذكر اسمه. وفي رواية لنميري حول تفاصيل الانقلاب، قال «أمضيت في الغرفة بالقصر الجمهوري ايام «19 ـ 20 ـ 21 ـ 22» يوليو أتأمل وأفكر في كل ما اقدمت عليه في حياتي ولم اجد نفسي نادماً على شيء فعلته حتى انني لم اندم على رفعي المراقبة عن هاشم العطا». ونصب نميري لمدبري الانقلاب المجازر في منطقة الشجرة العسكرية جنوب الخرطوم، طالت بالاعدام كلا من: سكرتير الحزب الشيوعي عبد الخالق محجوب، هشم العطا، وفاروق حمد الله، والشفيع احمد الشيخ، وقائمة من المدنيين والعسكريين، وزُجَّ بالباقي في السجون، لتبدأ مرحلة العداء السافر الممتد بين الشيوعيين ونظام نميري.

ثم دخل نميري في مواجهة مع زعيم الانصار في ذلك الوقت الامام الهادي من معتقله في «الجزيرة ابا» جنوب الخرطوم، وانتهت هي الاخرى بمجزرة ضد الانصار، طالت المئات بمن فيهم الامام الهادي الذي لاحقه جنود نميري وقتلوه على الحدود مع اثيوبيا شرقا. وبذلك وضعت احداث الجزيرة حجر أساس متينا لخصومة طويلة بين الانصار ونميري. وقضى نميري بسهولة على الانقلاب الثاني بقيادة الضابط حسن حسين في سبتمبر (أيلول) عام 1975، ويقول حوله «انها محاولة محدودة ومعزولة والدليل على ذلك ان الذين اشتركوا فيها كانوا عبارة عن اعداد قليلة من الجنود وصغار الجنود يجمعهم انتماؤهم العنصري الى منطقة واحدة». وفي عام 1976 خططت المعارضة السودانية من الخارج وتضم: الحزب الشيوعي وحزب الامة والحزب الاتحادي الديمقراطي بالتعاون مع السلطات الليبية لانقلاب عسكري ضد نميري بقيادة العقيد محمد نور سعد وكاد يستولي على السلطة، ولكنه احبط، وقتل نميري المشاركين في الانقلاب بمن فيهم قائده، وأطلق على المحاولة «انقلاب المرتزقة». وفي خضم معاركه المباشرة مع خصومه في الاحزاب السودانية، لم ينس نميري اللعب بكل القوى التي تتيح له الفرصة للامساك بها. ويلخص الصادق المهدي في حديثه لـ«الشرق الاوسط» مسيرة نميري في انه «حاول ان يلعب كل الاوراق لأنه أصلا فارغ من اي مضمون آيديلوجي فأصابته موجة الانقلابات العسكرية التي اتسمت بها الدول العربية وقادها من يسمون انفسهم بالضباط الاحرار، فجاء على راس الشيوعيين واختلف معهم وعاملهم بوحشية واستهدى بمصر الناصرية ثم مصر الساداتية ولجأ الى الغرب وحاول ان يصالح الاحزاب وفشل، وهذا ما دفعه الى ولوج خط الاسلام بصورة لا تراعي ظروف السودان، فوقع الاستغلال المتبادل؛ هو يحتاج الى فكرة وهم يحتاجون الى واجهة، ولكن في خاتمة المطاف فشل التحالف مع الاسلاميين فدخل في صدام مع النقابات والأحزاب، فأسقطه الشعب عبر الانتفاضة في السادس من ابريل». ويضاف الى هذا ان نميري طوال الاعوام ما بعد انتهاء العلاقة بينه وبين الشيوعيين، رمى نفسه خارجيا في حضن الولايات المتحدة الى ان ذهب بغير رجعة.

ويقول نميري في هذا الصدد «منذ 15 عاماً كنا قد وضعنا خطة لأن يصبح السودان أميركا افريقيا لأننا نملك الأرض والناس والإمكانات ولنا علاقات دولية واسعة». ويرصد الموالون لنميري ايجابيات الرجل في انه جلب السلام للسودان لمدة عشرة اعوام عندما وقع مع المتمردين في جنوب السودان اتفاقا في اديس ابابا عام 1972، ولكن نسفه بنفسه عام 1983 لتندلع الحرب من جديد بين الشمال والجنوب.

ورى مؤيدوه انه هو الذي أنهى موجة لعطش التي كانت تسود الريف السوداني لعهود بعيدة عندما نفذ برامج محاربة العطش في السبعينات من القرن الماضي، وانه اخرج شباب السودان من بيت الطاعة العمياء للطائفية. ويحكي الياس الأمين في هذا الخصوص، ان نميري قال لهم انه سعيد بمظاهرات اندلعت ضده اواخر عهده عرفت بأحداث شعبان، ومنبع سعادته ان من بين المتظاهرين تلاميذ مدرسة في «الجزيرة ابا» المعقل الرئيسي لطائفة الانصار التي يرفضها نميري بقسوة، وان تلك الخطوة من التلاميذ تعني ان مايو حررت سكان الريف من الطاعة العمياء للطائفية.

ويحسب له أنصاره انه أقام جملة مصانع للسكر ساهمت في دعم الاقتصاد السوداني. ويرد نميري على اسئلة الصحافيين في هذا الجانب بأنه «قد بنى وطناً عزيزاً سيداً». ويقول كنا «أكثر حكومة ديمقراطية أتت للسودان.. كان يمكن أن تزيد الديمقراطية فيها». أما خصومه، فيرون ان نميري هو الذي دمر السودان سياسيا واقتصاديا. وفي عهده بدأت رحلة تدهور النظام الاداري في السودان، وهو النظام الذي ساهم في بناء انظمة الكثير من الدول المجاورة قبل ان تطاله أيدي المخربين من نظام مايو. ويقولون انه ساق البلاد بدون فكرة محددة فوصل بها الى حدود الانهيار في كل شيء، ويتهمونه بممارسة العنف والارهاب ليس ضد المعارضين وانما ضد الذين يعملون معه من السياسيين. وتحكي مجالس الخرطوم ان نميري يعزل وزراءه فجأة عبر نشرة اخبار الثالثة ظهرا في الاذاعة السودانية بصورة درامية. ويُشاع بأنه يحتد في الحديث مع المسؤولين في حكومته يصل الى حد الضرب، ولكن نميري ينفي ما يشاع تماما، ويقول «انها فِرية.. انا اتخذ كل القرارات حسب الدستور والقانون». ويرى المعارضون ان من اهم الممارسات التي ساهمت في إسقاط حكم نميري محاولة ضرب النقابات، ثم ترحيل اليهود الفلاشا من اثيوبيا الى اسرائيل، واعدام زعيم الجمهوريين محمود محمد طه بصورة بشعة، والتطبيق التعسفي للقوانين الاسلامية، عندما تحالف مع الاسلاميين بزعامة الدكتور حسن عبد الله الترابي وأطلق على نفسه «إمام المسلمين».

على كل، سافر نميري في رحلة علاج الى واشنطن في الاسبوع الاخير من مارس (آذار) عام1985 ، فبلغت مسببات الغضب على نظامه درجاتها العليا. وخرج الناس الى الشارع تقودهم النقابات والاتحادات والاحزاب بصورة أعيت حيل أعتى نظام أمني بناه نميري في سنوات حكمه، فأعلن وزير دفاع النظام آنذاك، الفريق عبد الرحمن سوار الذهب، انحياز القوات المسلحة للشعب، حين كان نميري في الجو عائدا الى الخرطوم ليحبط الانتفاضة الشعبية، ولكن معاونيه نصحوه بتغيير وجهته الى القاهرة، لان «اللعبة قد انتهت». ومن آخر أقوال نميري في أمل إحباط النظام؛ تصريحات شهيرة أطلقها في القاهرة، جاءت فيها: «ما في زول يقدر يشيلني»، ولكن المنفى امتد اربعة عشر عاما، رقدت خلالها على طاولته اسئلة بلا اجابات، والدليل رده على سؤال ملح بعد عودته الى الخرطوم حول مَنْ الذي أسقط مايو هو: «لا.. أعرف!».



http://www.aawsat.com/details.asp?section=45&issue=10356&article=413895
_________________

Post: #731
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 11:05 PM
Parent: #730


كيف نوفق بين حرية المعتقد في القرآن وحد الردة في السنة النبوية؟

كتاب للشيخ طه جابر العلواني يقدم فيه اجتهاده حول قضية خلافية



الدمام: حمد العيسى

تعتبر قضية الردة من المواضيع الخلافية التي اشتد حولها النقاش في السنوات الأخيرة وذلك لصدور فتاوى وأحكام قضائية – بل وتهديدات مؤخراً - عديدة تعلن ردة بعض المفكرين والأدباء المسلمين. ولذلك شن الغرب حملات تشهير ضد الإسلام بصفته ديناً يعتدي – بزعمهم - على أعلى قيم العصر وهي الحرية. وإشكالية حد الردة في الإسلام تكمن في كون القرآن الكريم يدعو إلى حرية المعتقد بصورة واضحة لا تحتمل اللبس ولا التأويل: ?وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر?. ولكن السنة النبوية الشريفة توجد بها أحاديث تدعو إلى قتل المرتد، وهناك أيضا قضية حروب الردة. فكيف نوفق بين حرية المعتقد من جهة وحد الردة من جهة أخرى؟

يطرح الشيخ الدكتور طه جابر العلواني في كتابه الذي يحمل عنوان «لا إكراه في الدين» اجتهاده في إشكالية حد الردة، التي يخشى الكثير من علماء الدين المعاصرين الاجتهاد فيها. والكتاب صادر عن «مكتبة الشروق الدولية» بالقاهرة، ويقع في 198 صفحة من القطع الكبير.

الجدير بالتذكير أن معظم علماء الدين المحافظين والتقليديين ينتقدون اجتهادات بعض المفكرين المعاصرين في موضوع حد الردة نظراً لأنهم، كما يقولون، مجرد مثقفين لم يتخصصوا في الشريعة الإسلامية ولا يملكون الأدوات العلمية لجعل اجتهاداتهم تكتسب أية مصداقية. ومن هنا تكمن أهمية هذا الكتاب، لأن مؤلفه ليس مجرد مثقف عادي أو مفكر إسلامي غير متخصص، بل شيخ أصولي وعالم دين عراقي حاصل على الدكتوراه في أصول الفقه من جامعة الأزهر عام 1973. وهو عضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وعضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، ورئيس جامعة قرطبة بالولايات المتحدة، والرئيس السابق للمجلس الفقهي لأمريكا الشمالية. ومصدر قوة هذا البحث أنه لم يخضع للمؤثرات الليبرالية في تفسير مفهوم الحرية، بل استعمل المنهج الإسلامي الأصيل في التعامل مع الخطاب القرآني والنبوي.

ويعترف العلواني بحساسية الاجتهاد في هذا الموضوع وخطورته، إذ يشير في المقدمة أنه أعد مسودة هذا الكتاب عام 1992 ولكنه تردد في نشره خوفاً على علاقات المعهد العالمي للفكر الإسلامي في أمريكا الذي كان يرأسه آنذاك مع بعض المؤسسات الدينية المحافظة في العالم العربي. ولكنه بعد تركه رئاسة المعهد، وتقدمه في العمر، قرر نشر هذا البحث الجريء خوفا من كتمان العلم رغم ما قد يسببه له من إحراج شخصي مع تلك المؤسسات. ومن دون شك أن مثل هذا الاعتراف مؤسف للغاية، ويصور بدقة البيئة المحيطة بحرية الاجتهاد والبحث العلمي في القضايا الدينية.

ويشير العلواني إلى أن حد قتل المرتد أصبح في حكم المجمع عليه رغم مخالفته لآراء فقهاء كبار لهم وزنهم مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإبراهيم النخعي، وسفيان الثوري، وغيرهم. ولذلك فهو يشكك في دعوى الإجماع. ولولا تحديات الحضارة المعاصرة التي جعلت النقد والمراجعة خطوات منهجية لها صلاحية مطلقة في تناول أي شيء بالنقد والتحليل لما فُتح ملف الحديث والجدل حول هذا الموضوع في العصر الحديث منذ جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده مروراً بمحمود شلتوت ومحمد أبو زهرة إلى حسن الترابي وغيرهم في وقتنا هذا.

ويؤكد العلواني أن قضية حد الردة بدأت سياسية، واستمرت سياسية، وستظل كذلك، والجانب الديني فيها ضئيل ولا يثار إلا لخدمة الجانب السياسي في الغالب. ويورد العلواني مجموعة من النماذج للتدليل على أن حد الردة كان سلاحا استغله بعض الحكام عبر السنين في وجوه معارضيهم وخصومهم، بمن فيهم بعض كبار العلماء الذين تصدوا لبعض الطغاة. ويسرد العلواني تجربة شخصية مهمة وذات مغزى ليبرهن على الاستغلال السياسي لحد الردة. فقد حاول الشيوعيون العراقيون القيام بمحاولة انقلاب ضد حكومة عبد السلام عارف البعثية عام 1963، لكن المحاولة فشلت، واعتقلت الحكومة البعثية خمسة آلاف شيوعي تقريبا. ثم قرر مجلس قيادة الثورة إعدامهم بتهمة الردة، وحدد يوم التنفيذ وجهازه. وأسندت المهمة إلى اللواء الركن عبد الغني الراوي، وكان اللواء الراوي من المصلين، فلما رأى ضخامة العدد الذي أُمر بقتله شعر بخطورة الأمر، وطلب من الحكومة الحصول على فتوى من كبار علماء البلد من السنة والشيعة. فاقترحت عليه الحكومة مراجعة السيد محسن الحكيم والإمام الخالصي بالنسبة للشيعة، ومفتي السنة نجم الدين الواعظ. وأفتى الثلاثة بوجوب إعدام الشيوعيين باعتبارهم مرتدين لأن السؤال صيغ لهم بخبث. وكان اللواء الراوي صديقا للعلواني ويتردد على المسجد الذي يخطب فيه الجمعة. وفي صباح يوم التنفيذ كان اللواء الراوي ما زال مترددا، فقرر استشارة العلواني. فكان رأي العلواني أن القضية «سياسية» لأن دستور حزب البعث في ذلك الوقت كان يؤمن بالماركسية اللينينية بتطبيق عربي، بل ويعتبر «الإرث والهبة كسبا غير مشروع» وهذا إنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة. فإذا كانت المسألة مسألة ردة، فردة البعثيين لا تقل عن ردة الشيوعيين! واقتنع اللواء الراوي برأي العلواني، واعتذر عن تنفيذ حكم الإعدام، وأُسقط في يد الحكومة، ولم يُنفذ الحكم. وبعد أسابيع قليلة، كتب ميشيل عفلق نفسه مقالة، نشرت في جميع الصحف وأُذيعت بالراديو والتلفزيون، يدعو فيها الشيوعيين للانضمام إلى حزب البعث العراقي، والتحالف معه! وذكر عفلق في مقالته أن حزب البعث استطاع أن يحمي الرفاق الشيوعيين من مؤامرة رجعية خطيرة كانت تستهدف إبادتهم جميعاً!

ويستعرض العلواني أشهر قضايا الردة في العقود الثلاثة الأخيرة. فيتطرق إلى قضايا محمود محمد طه، وسلمان رشدي، وفرج فودة، ونصر حامد أبو زيد، وحسن حنفي، ونوال السعداوي، وأخيراً الأفغاني عبد الرحمن عبد المنان. وبسبب تلك القضايا – يقول العلواني - اشتد هجوم الغرب على الإسلام كدين متهم بهدر حقوق الإنسان. ويتساءل العلواني - بذكاء – قائلا: لو كان حد الردة قائما ومطبقا في بلاد المسلمين كلها، هل كان أولئك الذين تبنوا تيارات فكرية إلحادية أو مناقضة للإسلام ثم عادوا من أنفسهم ودون تدخل قضائي ليكتشفوا هويتهم، ويتبنوا من جديد نهج الإسلام، هل كان هؤلاء اليوم أحياءً يدافعون عن الإسلام؟ وهذا السؤال الجوهري هو ما دفع العلواني لدراسة حد الردة. وهو يؤكد أن قضية البحث الأساسية هي الردة الفردية المسالمة بمعنى: تغيير الإنسان عقيدته بطريقة مسالمة ليس فيها رفع للسلاح أو خروج على الجماعة أو دعوة لهدم الإسلام.

ثم يناقش العلواني حقيقة الردة في القرآن الكريم. فيسرد ويفسر الآيات المتعلقة بهذه القضية. ومن ذلك يتضح أن حرية العقيدة في القرآن أحيطت بسائر الضمانات القرآنية التي جعلت منها حرية مطلقة لا تحدها حدود، وأن القرآن المجيد لا يحتوي على حد للردة أو عقوبة دنيوية لها، لا إعدام ولا دون ذلك، ولم يشر لا تصريحا ولا على سبيل الإيماء إلى ضرورة إكراه المرتد على العودة إلى الإسلام، وأن العقوبة على الردة هي عقوبة أخروية موكولة إلى الخالق لقوله تبارك وتعالى ?ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون?.

ويتناول العلواني قضية الردة في السنة النبوية حيث يشير إلى أنه يستحيل عقلا وشرعا أن يأتي في السنة النبوية - الثابتة الصحيحة - شيء يناقض مبادئ القرآن الكريم، فضلا عن أن ينسخه. وإذا كانت مبادئ القرآن الكريم قد حددت بوضوح إطلاق حرية الاعتقاد، وأحاطتها بسائر الضمانات، وجعلت جزاء المرتد لله تعالى في الدار الآخرة، فلا يتوقع من السنة أن تأتي على خلاف ذلك. خاصة وأن هذا الأمر لم يرد في آية واحدة، أو اثنتين، بل جاء في ما يقارب مائتي آية بينة وكلها متضافرة على تأكيد حرية الاعتقاد. ونطالع سردا لعدد من وقائع الردة التي حدثت في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وبعد الهجرة إلى يثرب لنخلص منها أن الرسول لم يقتل مرتدا أو زنديقا طيلة حياته إلا في حالة كونه مرتكبا لجريمة أو محاربا.

ثم يعرض العلواني للسنة القولية وأشهرها حديث «من بدل دينه فاقتلوه» فيورده بكل طرقه ومتابعاته وأقوال العلماء فيه. ويخلص العلواني إلى أن هذا الحديث حديث آحاد يعد في المراسيل في الغالب، ولا يؤخذ على إطلاقه ومعناه الحرفي، بل يرتبط بواقعة محددة وهي مؤامرة اليهود التي ذكرها القرآن الكريم «وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون» بهدف تحطيم الجبهة الداخلية للمسلمين وزعزعة ثقتهم بدينهم، خاصة من هم حديثو عهد بالإسلام. وبدون مثل هذا التقييد، يؤدي الأخذ بهذا الحديث على إطلاقه إلى نسخ أو إيقاف العمل بما يقرب من مائتي آية قرآنية كريمة نصت على إطلاق حرية الاعتقاد، ونفي الإكراه على الدين، وعدم ترتب أي عقوبة على مبدل دينه في الدنيا إذا كان مسالماً ولم يرتكب جرائم أخرى كما ذكرنا سابقاً. وهذا ما لا يقبله العقل. ويستشهد المؤلف كذلك برد الرسول على من اقترح عليه قتل بعض المنافقين: «لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه».

ثم يناقش العلواني مذاهب فقهاء جميع الطوائف الإسلامية ليخلص إلى أن هؤلاء الفقهاء كانوا يعالجون جريمة مركبة غير التي نعالجها اختلط فيها السياسي والقانوني والاجتماعي بحيث كان تغيير المرتد دينه يصاحبه خروج على المجتمع والقيادة السياسية والنظم التي تتبناها الجماعة.

أما بخصوص حروب الردة، فيؤكد العلواني أنها كانت سياسية في المقام الأول. فهي لم تكن بسبب الامتناع عن أداء الزكاة فقط، بل لإلزام مواطنين هددوا وحدة الأمة وسيادتها واستقرارها على الخضوع للسلطة الشرعية.

ويخلص العلواني في نهاية بحثه القيم إلى أن الإنسان المكرّم المستخلف المؤتمن أكبر عند الله وأعز من أن يكلفه ثم يسلب منه حرية الاختيار، بل إن جوهر الأمانة التي حملها، والتي استحق بها القيام بمهمة الاستخلاف، إنما يقوم على حرية الاختيار التامة الكاملة: ?لا إكراه في الدين?.

http://www.aawsat.com/details.asp?section=19&issue=10452&article=427643
___

Post: #732
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-23-2008, 11:06 PM
Parent: #731



عبدالله عثمان جامعة أوهايو/أمريكا، «الولايات المتحدة الامريكية»، 20/10/2007
مهما تسترت حركة الإخوان المسلمين بالشعارات البراقة، فهي لا تعدو قدرها من كونها تنظيما سياسيا يستغل الدين لأغراض سياسية محدودة وهم في ذلك يطوعون ويلتفون حول صحيح الأحاديث والعقائد لتخدم أغراضهم السياسية الضيقة وليس أدل على ذلك من تحالفهم الأخير مع محامية قبطية لأنهم أحسوا أنهم لا يمكن لهم الفوز في دائرتها!! ومن ألاعيبهم مثلا أنهم يربون أبنائهم على أن الغناء حرام ومزامير الشيطان الخ الخ ولكنهم لما أرادوا استقطاب الناخبين في الإنتخابات الأخيرة في مصر جوزوا استخدام المزمار لحشد الجماهير!!
رجل عالم في السودان اسمه محمود محمد طه فضح ألاعيبهم هذه وبين للناس أنها ليست من الدين في شيء فعلقوه على أعواد المشانق!! ألم يقل زعيمهم حسن البنا في مذكرات الدعوة والداعية: (سنتوجه بدعوتنا الى المسئولين من قادة البلد، وزعمائه، ووزرائه، وحكامه، وشيوخه، ونوابه، واحزابه، وسندعوهم الى مناهجنا، ونضع بين أيديهم برنامجنا) (فان اجابوا الدعوة وسلكوا السبيل الى الغاية آزرناهم، وان لجأوا الى المواربة، والروغان، وتستروا بالأعذار الواهية والحجج المردودة، فنحن حرب على كل زعيم) (ستخاصمون هؤلاء جميعا، في الحكم، وخارجه).

http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=442143&issue=10553
____

Post: #733
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-24-2008, 00:37 AM
Parent: #1


صدور أول كتاب شامل عن محمود محمد طه وفكرته الجمهورية*
صلاح حسن أحمد
د. محمد أحمد محمود، في السعي إلى الذات العليا دراسة نقدية في فكر محمود محمد طه
(بالانجليزية)* ، مطبعة جامعة سيراكيوز (سلسلة التاريخ الفكري والسياسي الحديث للشرق
296 صفحة. ، الأوسط)، ديسمبر 2006
محمود محمد طه، موضوع الكتاب، هو مؤسس "الحزب الجمهوري" السوداني الذي
سعى في منتصف الأربعينيات إلى استقلال البلاد عن التاج البريطاني، والذي انبثق عنه
في ما بعد التيار الفلسفي الإسلامي المعروف باسم "الفكرة الجمهورية"، ثمرًة لأفكار طه
وتنظيراته لصياغة رؤية جديدة للإسلام. وقد وجدت هذه الدعوة صدى عميقًا وسط
بعض صفوة المتعلمين المستنيرين، خاصة طلاب المؤسسات التعليمية العليا في عقدي
السبعينات والثمانينات. لكنها اصطدمت، حتميًا، بالمؤسسة المحافظة وح  راسها من
العلماء التقليديين والإخوان المسلمين الذين آلوا على أنفسهم مهمة اجتثاثها، وهو ما
. صار لهم بإعدام طه بعد اتهامه بالردة في 18 يناير 1985
يتناول الكتاب موضوعه من حياة طه منذ مولده عام 1909 ببلدة  رفاعة في أواسط
السودان، مرورًا بمرحلة شبابه مهندسًا بمصلحة السكك الحديدية، ونضاله السياسي
والاجتماعي وخلوته بغرض التأمل، حتى خروجه بمشروعه الإسلامي الجديد. وتتابع
فصوله مشوار هذا المشروع فتقدم للقارئ دراسة عميقة لطبيعة المساهمة الفكرية لطه
من ناحية، وتقييم هذه المساهمة نقديًا من ناحية أخرى. ويقوم منهج المؤلف على كشف
علاقة الاستمرار والانقطاع بين مشروع طه الفكري والمصادر التراثية (خاصة
Société Soudanaise des Etudes et Recherches en Arts, Lettres et Sciences Humaines
Sudanese Society for Research in Arts and Humanities
الجمعية السودانية للدراسات والبحوث في الآداب والفنون والعلوم الإنسانية
www.sudaneseonline.com
2
الصوفية) والحديثة التي تأّثر بها. وفي معالجته التفصيلية لفكر طه يتناول نظريته
الصوفية عن الصلاة ومنهجه في تفسير القرآن وموقفه في مسألة التخيير والتسيير
وبرنامجه الحداثي في الإصلاح الجذري لرسالة الإسلام السياسية والاجتماعية (ما أطلق
عليه الرسالة الثانية من الإسلام) ورؤاه في تحديث الشريعة وموقف الإسلام من العلم
(خاصة نظرية التطور) ومن الفنون. وفي التطرق لكل هذه الجوانب يحرص المؤلف
على تأكيد وإبراز التوتر الذي يتسم به فكر طه في حركته بين قطبي الأصالة التراثية
والحداثة.
Société Soudanaise des Etudes et Recherches en Arts, Lettres et Sciences Humaines
Sudanese Society for Research in Arts and Humanities
الجمعية السودانية للدراسات والبحوث في الآداب والفنون والعلوم الإنسانية
www.sudaneseonline.com

Post: #734
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-24-2008, 00:41 AM
Parent: #733


ماذا نفعل ب "مشكلة الشرق الأوسط"؟
د. حسن موسى
أعني ب "مشكلة الشرق الأوسط" ذلك الكتاب الذي أصدره "الحزب الجمهوري" في
السودان عقب حرب يونيو 1967 . وأظنه من أول ومن أهم الكتب التي صدرت
في السودان حول مشكلة الشرق الأوسط بعد حرب 67 . وصفة الأهمية تتأتى من كونه
كتاب صادر عن جهة سودانية منظمة سياسيا (الحزب الجمهوري) تحاول أن تقف على
مسافة نقدية من مجموعة المسلمات والمفاهيم السائدة في المجتمع العربي عن العلاقة
مع الآخرين في مشهد الواقع الذي شكلته الحرب الباردة.
ورغم أن الكتاب يعالج أسئلة الصراع العربي الإسرائيلي وقضايا التحالفات السياسية
ضمن ملابسات التحرر من الاستعمار والحرب الباردة إلا أن مركز الثقل الفكري فيه
يتبلور عند سؤال الهوية.
والكتاب يلح على سؤال الهوية كسؤال مفتاحي يمكن أن تحال إليه كل قضايا المجتمع
العربي الأخرى، بما في ذلك قضية "قيام دولة إسرائيل في أرض فلسطين".
ففي الفصل السابع من " مشكلة الشرق الأوسط" (أكتوبر 1967 )، يخلص الكاتب إلى
تعريف " الحل الآجل" لمشكلة الشرق الأوسط من منظور قومي عروبي يموضع العرب
أمام مهمة تاريخية في جلال ابتداع مدنية جديدة وإنقاذ العالم من قدر القسمة المريعة
بين الانحدار الأخلاقي والتقدم التقني:
" أول ما تجب الإشارة إليه هو أن العرب اليوم يواجهون تحديا حاسما، وليس هذا
التحدي هو قيام دولة إسرائيل، في أرض فلسطين، بعد أن اقتطعتها، وشردت أهلها،
وأعانها، على كل أولئك قوم آخرون، في طليعتهم الشيوعية الدولية التي تدعي صداقة
العرب اليوم، وتتباكى على مأساتهم. . بل أن النظر العميق في حقيقة هذا التحدي
ليظهر دولة إسرائيل وكأنها صديق في ثياب عدو. . أو أنها نعمة في ثوب نقمة.

2
وأما التحدي الحاسم الذي يواجه العرب فإنه يتمثل في أن منطق تطور الحياة البشرية
المعاصرة في هذا الكوكب يقول للعرب أن عليكم، منذ اليوم، أن تدخلوا التاريخ في
القرن العشرين، كما دخله أوائلكم في القرن السابع، فأشرقت بدخولهم على عالم يومئذ
شمس مدنية جديدة. . أو أن تخرجوا عن التاريخ، لبقية التاريخ. . " إن العرب اليوم لا
يوجهون التاريخ، ولا هم يسهمون في توجيهه، وإنما ينساقون خلفه ويعيشون على
هامشه. . ". . " ويزيد في حسم التحدي الحاسم الذي يواجه العرب عدة أمور: منها
أولا، أن المدنية الغربية، الآلية، الحاضرة قد أعلنت إفلاسها، ووصلت إلى نهاية
مقدرتها التطورية، وعجزت عن استيعاب طاقة بشرية اليوم، وتطلعها إلى تحقيق
الاشتراكية والديموقراطية في جهاز حكومي واحد. . ". . " وقد ع  مق إفلاس هذه
المدنية، وعجزها،شعور البشرية المعاصرة بالحاجة إلى بزوغ شمس مدنية جديدة،
تلقح الحضارة الغربية الآلية الحاضرة وتنفخ فيها روحا جديدا به يتسق التناسق بين
التقدم التكنولوجي، والتقدم الخلقي. وبذلك تصبح المدنية الغربية الحاضرة قادرة على
التوفيق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة إلى العدالة
الاجتماعية الشاملة. ".
ومساهمة الأستاذ محمود في مساعي" تلقيح المدنية الغربية" وحقنها" بدم جديد"، (دم
عربسلامي) يجدد شبابها، إنما تندرج في ما يمكن أن نسميه ب "نظرية صراع
الحضارات". وهي "نظرية" تمخضت عنها آيديولوجيا المركزية الأوروبية العنصرية
والاستبعادية التي تعتبر نفسها مستودعا طبيعيا لقيم حضارية جوهرية خارج التاريخ.
وتستمد من هذه القناعة الخرقاء كل المسوغات التي تحتاجها للاستعلاء على الآخرين
وقهرهم واستغلالهم . ومصيبة " نظرية صراع الحضارات " تتلخص في كونها تتصور
الحضارات ككيانات صافية قائمة على استمرارية قيم حضارية ثابتة لا تعرف القسمة،
قيم مستقلة بذاتها عن كل شائبة وكل تأثير أو تداخل مع غيرها من قيم الحضارات التي
تعاصرها أو حتى تلك السابقة أو اللاحقة لها. وإذا كانت " نظرية صراع الحضارات"
Société Soudanaise des Etudes et Recherches en Arts, Lettres et Sciences Humaines
3
التي تسقط على الظاهرة الحضارية مواقف الإنسان وبواعثه السلوكية، قد أورثتنا ذلك
المقطع المشهور من شعر روديار كيبلنغ "الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقيا"
Oh, East is East, and West is West, and never the twain shall meet, Till Earth
and Sky stand presently at God’s great Judgment Seat;
فهي قد ألهمت صامويل هانتنغتون، الأستاذ بجامعة هارفارد ومستشار الأمن القومي
لدي الإدارة الأمريكية، بذل المبررات الأخلاقية والسياسية والاقتصادية التي تس  وغ لدول
حلف شمال الأطلنطي إتخاذ مواقف عدائية تجاه " الآخرين "( في البلدان الإسلامية أوفي
الصين) على أساس الإختلاف الحضاري، وقيل على أساس "أخوة الحضارة" حسب
عبارة هانتنغتون:
«frères de civilisation»
S. Huntington, Le Choc des Civilisations, Odiljacob,1997,p. 439
ووراء كيبلنغ وهانتنغتون تطول القائمة لتشمل تلاوين سياسية وثقافية ما أنزل الله بها
من سلطان من صدام حسين الذي أعلن الحرب على " الفرس" باسم العروبة لأسامة بن
لادن الذي أعلن الحرب على الغرب باسم الشرق مرورا بالهادي المهدي إمام طائفة
الأنصار الذي الذي كان يعتبر السودان بمثابة" رأس الرمح" للغزو الإسلامي العروبي
في أفريقيا، لغاية شعراء "الغابة والصحراء" والسودانويين من تشكيليي "مدرسة
الخرطوم" بتنويعاتها العربانية والأفريقانية، وصولا لأصوليي نظام الإنقاذ الذين أشعلوا
الحرائق في السودان باسم الحضارة العربسلامية ثم أنكروا "المشروع الحضاري"
الإسلامي وتبرأوا منه بالكلية بعد الحادي عشر من سبتمبر. وبين هؤلاء وأولئك جادت
القرائح " الحضاروية" بتنويعات شتى على نظرية "صراع الحضارات": من مقولة "نهاية
الغرب" أو "نظرية موت الحضارة المادية" لمقولة "حوار الحضارات" أو "حوار الأديان"
لغاية تلقيح الحضارة الغربية الآلية بشيء من المحمول الروحي للإسلام. و"نظرية
التلقيح" المتمدن، رغم أنها تنطرح هنا كتعبير سلمي "بوليتيكلي كوريكت" إلا أنها تنطوي

4
على بعد رسالي "إنقاذي" (في المعنى المحمود للعبارة) كما لو كان مصير الحضارة
الإنسانية كله يتوقف على الموقف الذي يتخذه العربسلاميون، لا من الحضارات الأخرى
عموما، وإنما من هذه الحضارة الراهنة المهيمنة، المسماة "غربية" و"آلية " على وجه
التحديد.
هذه الفكرة الطوباوية النبيلة، ظلت على الدوام تؤثّث خلفية كل التحليلات السياسية
التي بذلها الجمهوريون لواقع العلاقات السياسية في الشرق الأوسط. ففي خاتمة كتاب
"التحدي الذي يواجه العرب"، وهو الكتاب الذي أصدره الحزب الجمهوري في شهر
سبتمبر 1967 ، أي بعد أسابيع من هزيمة الدول العربية في يونيو 1967 ، طرح
الجمهوريون رؤيتهم للنزاع بين إسرائيل والدول العربية على منظور المواجهة
الحضارية بين العرب ومن جهة والعالم من جهة أخرى. على زعم أن العرب هم الجهة
التي عهدت إليها العناية الإلهية بتحقيق " دين التوحيد" الذي سيخلص الإنسانية من كافة
شقاقاتها. والجمهوريون بهذه النظرة لا يقّلون عروبة عن القوميين العرب (ناصريين
كانوا أم بعثيين) لأنهم رأوا في العرب جوهرا عرقيا أو و دينيا يصطفيهم كما
اليهود لأداء مهمة لا يقدر عليها سواهم. و"شعب الله العربسلامي المختار" هنا يطرح
نفسه خارج العالم وبالمقارنة مع العالم وقيل ضد العالم بدلا من أن يطرح نفسه
في العالم وكجزء من العالم. جزء من "الناس".
تقول خاتمة كتيب "التحدي الذي يواجه العرب":
"إن هذه الآية التي صدرنا بها هذا السفر، وهي قوله تعالى:" ومن يبتغ غير الإسلام دينا
فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين"، آية تطالب هذه الأيام بمظهرها على
الأرض، وهي تطالب بمظهرها على أرض العرب أولا ريثما تنشر ظلها على سائر
الأرض، وذلك أمر ما منه بد،وسيكون ظهورها في أرض العرب على أيدي العرب،
فإذا ل  ج العرب عنها،والتمسوا لمشاكلهم الحل في غير الإسلام، فإن الخذلان هو
نصيبهم. إن الله غيور على العرب بما جعلهم ورثة المصحف العربي، وعترة النبي
العربي، فإذا انتصر الناس في هذه الأيام عن غير طريق الإسلام، فإن العرب لن

5
ينتصروا، في هذه الأيام، إلا عن طريق الإسلام. وعلى العرب أن يعرفوا أن "من لم
يسر إلى الله بلطائف الإحسان قيد إليه بسلاسل الامتحان، فما من الله بد."
وفي هذا المنظور،منظور إنقاذ الحضارة الإنسانية بحالها، فنحن أبعد ما نكون عن
الطموح السياسي البراغماتي الذي يريد حل النزاع العربي الإسرائيلي وحده بصرف
النظر عن المخاطر التي قد تتهدد الحضارة الإنسانية.
هذه الفكرة، فكرة إنقاذ الحضارة الإنسانية بحالها، بفضل البعث العربسلامي المرتقب،
تطمس بصيرة التحليل الجيوبوليتيكي الذي يعبر عنه الكتاب في بعض صفحاته عندما
يطرح المؤلف مشكلة الشرق الأوسط في إطار الواقع السياسي الذي خلقته الحرب
الباردة. ذلك لأن الكتاب يب  سط الواقع المركب للحرب الباردة ويختزله لمجرد مواجهة
بين عملاقين، رأسمالي وشيوعي، يستقطبان كل احتمالات الحركة والسكون ضمن
مشهد الصراع العالمي.
وذلك رغم أن خبرة الأستاذ الشخصية، السياسية والتاريخية في نظري الضعيف
تفرض عليه بالضرورة رؤية التركيب اللاحق بواقع الحروب الساخنة والباردة
وأمورها المشتبهات التي عاصرها في منطقة الشرق الأوسط . فتحت شروط الحرب
الباردة أمكن تفكيك آلة الاستعمار الكلاسيكي في بلدان العالم الثالث سواء عن طريق
الضغوط السياسية السلمية سواء عن طريق النضال المسلح الذي م ّ كن لبعض حركات
التحرر أن تتقدم على درب التحرر مسنودة بحلفاء موضوعيين معادين للاستعمار
والإمبريالية. تحت شروط الحرب الباردة تمكن الشعب الفيتنامي من هزيمة آلة القهر
الطبقي للإمبريالية الأمريكية وبناء دولة السيادة الوطنية. وتحت شروط الحرب الباردة
أمكن لبعض البلدان المتحررة أن تباشر بعض الإصلاحات المهمة في بنى الاقتصاد
وإطلاق التنمية الاجتماعية التي استفادت منها أجيال ما بعد الاستقلال. ولا شك أن
الفلاحين الفقراء الذين حصلوا على الأرض بفضل "الإصلاح الزراعي " الذي أجراه
عبد الناصر، وأبناء الفقراء الذين استفادوا من مجانية التعليم يحفظون للزعيم المستبد

6
لا غلاط في ذلك أنه ف  رج عنهم بعض كرب الواقع الطبقي التعيس في مصر
الباشوات.
قلت أن البعد الآيديولوجي الإنقاذي يطمس بصيرة التحليل الجيوبوليتيكي لكتاب "مشكلة
الشرق الأوسط" لأنه يموضع العرب، كل العرب، بدون فرز طبقي، في جهة غير
الجهة التي فيها "العالم". ناهيك عن السعي المحموم لموضعة" العالم"، في هيئة" الغرب"،
ككيان أصم لا يعرف الفرز الاجتماعي ولا تطاله طائلة التاريخ. وهذه الرؤية تحرم
العرب، من أصحاب المصلحة في التحرر، من احتمال ملاقاة حلفاء موضوعيين خارج
جغرافيا العالم العربي، وتحكم عليهم بالعزلة النهائية داخل" الحفرة" العربسلامية
المجيدة. وعرب إسرائيل الذين يقاومون السياسات الصهيونية لليمين الإسرائيلي
بالتحالف مع قطاع من اليسار الإسرائيلي على سبيل المثال لا بد أنهم يقدرون
قيمة القرب الآيديولوجي الذي يربطهم بالشيوعيين الإسرائيليين بأكثر مما يقدرون
قرابتهم العرقية والدينية مع أثرياء الرأسمالية الطفيلية العربسلامية المتحالفة مع أنظمة
الاستبداد العربي التي تتعيش من المزايدة السياسية باسم القضية الفلسطينية.
وعبر صفحات الكتاب يرسم المؤلف صورة المجتمع العربي ككتلة ص ماء غاشمة
عديمة الخيال تتبع " القادة الق  صر" والمتقاعسين أو و المتهورين الذين يلهبون
الجماهير بالخطب الرنانة ويجهلون كل شيء عن الأجندة الشريرة للقوى الدولية الكبرى
التي تغرر بهم وتتظاهر بصداقتهم. وقد ك  رس المؤلف مساحة معتبرة من الكتاب الذي
موضوعه " مشكلة الشرق الأوسط" لنقد مواقف جمال عبد الناصر وسياساته باعتباره
المسئول الأول عن الكوارث التي لحقت بالعرب مثلما هو مكرس لنقد الأحزاب
الشيوعية العربية والإتحاد السوفيتي. فعبد الناصر ما هو إلا ضحية لخداع الشيوعيين،
والشيوعيون بدورهم ضحايا للتضليل الآيديولوجي الماركسي للإتحاد السوفييتي
الذي"استعمر" عقول الشيوعيين العرب وأفسد بصائرهم.
7
وفي مشهد نقد الفكر الماركسي يطرح الكتاب مفهوما جديدا للاستعمار الجديد. وهو
غير مفهوم " الاستعمار الجديد" (نيوكولونياليزم) المتعارف عليه في مجال دراسات
الاقتصاد السياسي. ف "الإستعمار الجديد" في التعريف الجمهوري هو "الاستعمار
الشيوعي الذي يسعى جاهدا اليوم لبسط نفوذه على العالم. وهو استعمار يسعى من
الوهلة الأولى إلى استعمار العقول بأفكار هي غاية في السوء، وغاية في الخطورة،
وليس غرضه المباشر الاستغلال الاقتصادي، وإنما غرضه المباشر، النهي، والأمر،
والسيطرة، والاستغلال الاقتصادي يجيء من بعد ذلك بالتبعية. . ويخطئ كثيرا من
يظن أن المادة هي أقصى ما تطلب النفس البشرية. . ذلك بأن إلتذاذ النفس البشرية
بالسلطة يفوق إلتذاذها بالثروة"، وهكذا يؤول أمر ظاهرة اقتصادية وسياسية واجتماعية
في تعقيد وتركيب الظاهرة الاستعمارية إلى نوع من هوى النفس البشرية الأمارة
بالسوء التي تلتذ بالسلطة قبل الثروة،( ترى هل يمكن تفسير تضامن الشيوعيين
السودانيين مع الأستاذ محمود ضد حكم محكمة الردة الأولى كنوع من الانسياق وراء
التضليل الشيوعي المنظم أم هو خيار حر أصيل لدعم الديموقراطية في ساحة العمل
العام السوداني؟). وما الذي يجعل رجلا في فطنة أستاذنا محمود النقدية وفي سعة حيلته
الفكرية يقبل بهذا التحليل الساذج لمفهوم الاستعمار؟ ما الذي يدفع أستاذنا محمود
القارئ الواسع الإطلاع لتجاهل أدبيات الاقتصاد السياسي التي حللت الظاهرة
الاستعمارية وأفاضت في شرحها كل هذا التجاهل المثير للريبة؟هل يمكن لنا أن نتصور
أن الأستاذ قد غفل وإنجرف وراء إغراء السهولة التي زينت له استباحة حرمة مصطلح
" الاستعمار" بذريعة الكسب السياسي العاجل؟أم أن النص المكتوب في مفهوم الاستعمار
خارج من قلم آخر غير قلم أستاذنا الدقيق ومن فكر آخر غير فكره الثاقب. وأنا أقول
هذا الكلام لأني أعرف أن في النصوص الصادرة باسم الجمهوريين جزء مكتوب بشكل
جماعي، وإن صدر تحت اسم الأستاذ محمود وبمباركته. وربما نفعنا الأصدقاء
الجمهوريون الذين عاصروا كتابة "مشكلة الشرق الأوسط" بمعرفتهم بملابسات كتابة هذا
النص.
8
وبخلاف مشكلة المصطلح السياسي يتكشّف الكتاب عن فهم متواضع لجيوبوليتيك
الحرب الباردة. بالذات حين يتصور الحرب الباردة كخيار حر مبذول أمام الدول
الصغيرة فتتبناه أو تلفظه. ذلك أن أحد أهم المآخذ التي يأخذها الكتاب على جمال عبد
الناصر هي أنه زج ببلاده وبالبلدان العربية في أتون الحرب الباردة واستعدى على
العرب القوى الكبرى في أوروبا وأمريكا وجعلها ألعوبة في يد حليف مخاتل من شاكلة
الإتحاد السوفييتي إلخ...". وحين تدخل مصلحة دولة صغيرة في حلبة هذه الحرب
الباردة، تهدر هذه المصلحة، ولا تعار أدنى إهتمام، وتصبح هذه الدولة الصغيرة كالنملة
تحت أقدام الفيلة المتصارعة، لا تبالي الفيلة بمصيرها.
وهذا يوجب على كل زعيم يستحق لقبه، من زعماء الدول الصغيرة، أن يسير مفتوح
الذهن ليكسب لأمته مكانا تحت الشمس من غير أن يجرها إلى حلبة هذه الحرب
المجنونة. . ". . "ذلك بأن كل ما لقي العرب وما يلقون، إلى اليوم، إنما مرده إلى أنهم
قد أصبحوا، من جراء قصر النظر في تأميم قناة السويس، غرضا من أغراض الحرب
الباردة بين الكتلة الشرقية والكتلة الغربية".
إن كتاب "مشكلة الشرق الأوسط" يظل من الكتب المهمة التي أصدرها الجمهوريون لأنه
يضيء منهج التفكير السياسي الجمهوري على الأقل في تلك الفترة بطريقة بريئة
في إنتقائيتها، طريقة تؤشر لتغ  ول البراغماتية السياسية المغرضة حتى لا أقول
"الانتهازية السياسية" على منطق الفكر الحر الذي لازم جهد التجديد الديني عندهم.
وبعد، وقبل،
ما زالت في الخاطر أسئلة كثيرة تتعلق ب "كعب آخيل " الميراث السياسي الجمهوري
المسمى ب مشكلة الشرق الأوسط" ويا حبذا إعادة قراءة نقدية تجيء من طرف التلاميذ
النظاميين للأستاذ ممن عاصروا الفترة التي كتب فيها هذا الكتاب فتستكمل ما غاب من
الصورة العروبية للجمهوريين.

http://sudaneseonline.com/sections/special-files/MMTaha/ustazMMtahap1.html

Post: #735
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-24-2008, 00:49 AM
Parent: #734



1
محاولة للتعريف بمساهمة الأستاذ محمود محمد طه
في حركة التجديد في الفكر الإسلامي المعاصر
د. عبد الله بولا
دراسة نشرتها مجلة رواق عربي التي يصدرها "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان"، في عددها
. الرابع الصادر في أكتوبر عام 1996
ثمة مشكلات عديدة تواجه قضايا التجديد في حركة الفكر الإسلامي في هذا العقد الأخير من
القرن العشرين بالذات. وهي مشكلات تتطلب مواجهة حقيقية للنفس وللواقع لكي يكون للفكر
الإسلامي المعاصر فرصةٌ للمساهمة في صياغة، أو بالأحرى في إعادة صياغة العالم بالفعل
لا بالأوهام الذاتية. والمواجهة الحقيقية للنفس وللواقع المعاصر التي تمكن الفكر الإسلامي من
الارتقاء إلى مستوى "عالمية جديدة" وتؤهله لدورٍ فاعلٍ فيها ليست من قبيل الاحتيال
الإيديولوجي السفسطائي على المفاهيم والمناهج والنصوص والوقائع التاريخية التي تشكل
نسيج هذا الفكر، كما أنها ليست في تجميد تراثه وقسره على الإجابة على أسئلةٍ وإشكالياتٍ لم
تكن ضمن مشاغله في زمانه التاريخي المحدد، مما هو اليوم شأن الغالبية العظمى من
اجتهادات المفكرين الذين يسمون أنفسهم ب"الإسلاميين". إن المدخل "الوحيد الممكن"* لأي
ثقافةٍ تطمح إلى المشاركة في صياغة العصر هو تجديد بنياتها، أي مفاهيمها وآلياتها لإنتاج
المعرفة وقيمها الأساسية ومناهج تعبيرها وإدراكها لذاتها وللآخرين "من حولها" بغرض أن
تستوعب حركة هذا الواقع ومستجداته وتستشرف آفاقها الممكنة. ولا سبيل، في اعتقادنا، إلى
تجديد بنيات الثقافة إلا بمواجهةٍ نقدية لإنجازها التاريخي ومسلماتها المستقرة. وليس معنى
المواجهة النقدية بالطبع الرفض أو التخلي والطرد، وإنما تعني النظر الفاحص للعناصر
المكونة لإبداعية الثقافة في إطارها التاريخي وفهم فاعليتها وضروريتها وغائيتها في السلب

2
والإيجاب، لإعادة انطلاقها، بإكمال هدم ما انهدم أص ً لا من بنياتها وأصبح حجر عثرة في
حركة جدلها الداخلي وجدلها مع الواقع المحيط. وهذا أمر يمكن أن يجر إلى الموت، ضمن
ما يجر من عواقب أخرى على المجدد. بهذا الثمن وحده، أعني بامتلاك هذا الوعي بفداحة
العبء الذي ينبغي على دعاة التجديد أن يحملوه، وبامتلاك الاستعداد النفسي والأخلاقي
لتحمله، يمكن الحديث عن فتح أفق حقيقي لحركة للتنوير في الثقافة الإسلامية المعاصرة
عمومًا، وفي حركة الفكر منها على وجه التخصيص. في هذا الإطار، تشكل مساهمة المفكر
الإسلامي السوداني الشهيد الأستاذ محمود محمد طه ( 1909 1985 ) نموذجًا أصي ً لا من عدة
وجوه سنعرض لها في سياق هذه الورقة.
إنني أزعم أن الأستاذ محمود هو بين المفكرين الإسلاميين المجددين المعاصرين أكثرهم
وأعمقهم إدراكًا لمأزق الفكر الإسلامي السلفي في مواجهة متغيرات الواقع المعاصر وما
تطرحه من إشكالياتٍ متواترةٍ ومعقدة. ولقد كان عميق الإدراك بنفس القدر لقصور محاولات
الكثيرين من دعاة التجديد و"بؤس" مفاهيمهم وقراءاتهم ( بل تأهيلهم واستعدادهم أص ً لا، وليس
المقصود بالطبع تأهيلهم المعرفي الأكاديمي أو مواهبهم الشخصية) عن التصدي لمثل هذه
المسئولية الجسيمة. فالدعوة للتجديد الجذري لبنياتٍ فكريةٍ قائمةٍ على سلفٍ مقدسٍ وتقاليدٍ
مقدسةٍ أيضًا، قداسة تحميها وتحتمي بها سلطة دولةٍ استقر فيها الاستبداد نحواٍ من ألفٍ
وثلاثمائة عام ونيف، (حتى أصبح الاستبداد بذاته واجبًا مقدسًا عند نفرٍ ممن يظنون أنهم
حماتها وورثتها الوحيدون) أقول إن الدعوة للتجديد الجذري في مثل هذه الشروط ليست نزهة
سعيدة. ولم يكن غريبًا في هذه الحال أن يتراجع معظم دعاة التجديد عن جوهر مشروعاتهم
في مواجهة سيف الإرهاب السلفي المشرع فوق الرقاب، تراجع طه حسين وتراجع علي عبد
الرازق، وتراجع خالد محمد خالد، وآخرون كثر غيرهم، وقد سبقني إلى ملاحظة ظاهرة
التراجع هذه الصديق الدكتور نصر حامد أبوزيد (وهو من الذين رفضوا أن يتراجعوا).
تراجعوا بدرجاتٍ متفاوتة عن جوهر مشروعهم التنويري: النقد الجذري لسلطة التراث
وسلطة السلف واقتراح قراءةٍ جديدةٍ، أو بالأحرى فتح أفق بلا حدود لقراءات أخرى نقدية
Société Soudanaise des Etudes et Recherches en Arts, Lettres et Sciences Humaines3
للمناهج والمفاهيم للنصوص والمؤسسات والمأثور من نماذج السلوك والمناقب. ولعل أهم
مستويات هذا التراجع ومظاهره لجوء الغالبية العظمى من دعاة التجديد إلى الإمساك بالعصا
من منتصفها كناي ً ة عن المنحى التوفيقي. وهو توفيق لا ينبني على أساسٍ مفهوميٍ صلب ولا
بنيةٍ استنباطية يعتد بها، وقد أقول أن هذه أص ً لا صفة كل منهجٍ توفيقي. وما أظنني بغير
حاجة إلى التأكيد لمرةٍ أخرى بأن نقد سلطة التراث وسلطة السلف وسلطة النصوص شيء
مخالف تمامًا للقول بالتحقير والزراية والطرد للتراث وللسلف من مشهد التجديد ومطلبه. بيد
أن النوايا السيئة والقراءة السيئة كانت ولا تزال تتربص الدوائر بالخطاب المجدد وتجهد
وتصر على إنطاقه بما لم ينطق به ولم يرد عنده حتى في الخواطر الخفية. ولعل في النماذج
الحديثة جداً من القراءات الخبيثة المغرضة مما أورده نصر حامد أبوزيد في معرض
توضيحه لبراءة خطابه المجدد من شبهة الرغبة في هدم التراث والإساءة إلى السلف ما يبرر
إلحاحي هذا في التوضيح.( 1) فتقدير السلف والتراث شيء وتنصيبهما سلط ً ة مطلق ً ة وأزلي ً ة
على الحاضر والمستقبل شيء آخر. وأظن أن هذا يكفي لدرء كل التباس لو أن أمر القراءة
السيئة كان أمر التباسٍ وحسب .
ولنذهب مباشرًة إلى موضوعنا الرئيسي. ما الجديد في مساهمة الأستاذ محمود محمد طه؟
وفيم هو هام وجذري إلى هذا الحد الذي زعمته له؟
يمكن القول أن مفهوم قيام الإسلام على رسالتين، رسالة أولى قامت على فروع القرآن،
ورسالة ثانية تقوم على أصوله، هو المفهوم الرئيسي المؤسس في فكر الأستاذ محمود. وكلا
الرسالتين مما بلغ النبي(ص)، بيد أنه فصل الأولى تفصي ً لا بينما أجمل الثانية إجما ً لا. ومناط
تفصيل الأولى وإجمال الثانية أن الأولى إنما جاءت على قدر حاجة وطاقة مجتمع القرن
السابع وما تلاه من مجتمعات لا تختلف عنه اختلافًا مؤثرًا في مستويات تطور وعيها
ومؤسساتها الحقوقية والثقافية والإنتاجية والسياسية. بينما أرجئت الثانية إلى أن يجيء زمانها
ورجالها ونساؤها( 2). وهذا المفهوم الذي سنفصل القول فيه لاحقًا، إنما هو نتاج ونموذج لما

4
أسميته آنفًا بالمواجهة الحقيقية للذات وللإشكاليات التي يطرحها الواقع المعاصر على الفكر
الإسلامي، وعلى الفكر الإسلامي المتصدي لقضايا التجديد بالذات. فمن أرضية النظر النقدي
الأمين والمخلص لحقائق الواقع المعاصر والقائم على احترامٍ عميقٍ لمقام الإنسان ولجهده
المبدع وحقوقه الأساسية، وصل الأستاذ محمود إلى قناعةٍ رصينة بأن المنجز الإنساني
الحضاري المعاصر في وجوهه المتصلة بحقوق الإنسان وضمان تفتحه وازدهاره وارتقائه قد
فاق بما لا يقاس ما هو متضمن فيما لدى المسلمين المعاصرين من فهمٍ لدينهم، وفيما لديهم
من تراث فكري وحقوقي وثقافي وسياسي، وفي ما استقر عندهم من ممارسات ومؤسسات
تشكل مرجعيتهم في هذا الخصوص. فخرج على الناس بعد خلوة دامت عددًا من السنين،
راض فيها نفسه رياضً ة قاسي ً ة بالعبادة والتأمل الفاحص والإطلاع الواسع العميق، بمقولات
،( جريئة وشجاعة فحواها أن "الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسانية القرن العشرين"( 3
وأن للإسلام "رسال ً ة ثانية" هي في مستوى حاجة القرن العشرين وطاقته، بل هي تتجاوز ذلك
إلى مستوى قيادة التطور الإنساني في مراقيه التي لا نهاية لها، مراقيه في الواقع التاريخي،
في ما يتحقق له به من مستويات الرفاه والحرية في هذه الحياة، ثم في الإطلاق، عند الله
"حيث لا حيث" و"عند لا عند". وأظنني بحاجة إلى وقفةٍ هنا أوضح فيها أنه ليس من أغراض
هذه الورقة التشيع لهذه المقولات أو معارضتها وإنما إبانة أصالتها وجدارتها بالاعتبار
والمناقشة الجادة من وجهة نظر منطق التجديد ومنهجيته. لم يغالط الأستاذ* الشهيد حقائق
العصر، كما أنه لم يراوغ واقع تخلف الفكر الإسلامي وقصور تراثه من المناهج والنصوص
والوقائع عن الارتفاع إلى قامة إشكاليات العصر وطموحاته وتحدياته. وهذا في حد ذاته أمر
جديد على مشهد محاولات التجديد في الفكر الإسلامي المعاصر، من جيل الأستاذ، على أقل
تقدير، وفي داخل دائرة الدعاة الذين ينطلقون من مرجعية دينية "صرفة". (وأعتقد أن تقديري
في هذه النقطة متواضع جدًا وهو مما تفرضه عل  ي التقاليد الأكاديمية من تحفظ). هذه نقطةٌ
منهجيةٌ هامة تتصل أساسًا بطرح المشكل. وكما نعلم أنه ليس من الصعب دائما أن نحل
المشكلات ولكنه من الصعب أيضاً في كثيرٍ من الأحيان أن نطرحها طرحًا سليمًا وشجاعًا،
وبصفةٍ خاصة عندما يتعلق الأمر بموضوع الدين المخيف. فحاجة الفكر الإسلامي، في نظر

5
الأستاذ محمود، ليست في مستوى معالجات موضعية وإنما هي في مستوى بعث الأصول،
في مستوى إعادة تعريف الأصول والعمل بها. وهذا مشهد آخر من مشاهد أصالة مساهمة
الأستاذ محمود. فبينما اكتفى معظم المجددين (وأنا أتحفظ مرة أخرى من أن أقول كلهم)،
بالدعوة إلى بعث الأصول، من موقع التسليم بأن تعريف الأصول ناجز أص ً لا، انطلق الأستاذ
من أن تعريف الأصول الذي بين أيدينا هو في الواقع ليس من أصول الإسلام في شيء.
فأصول الإسلام عنده لا تلتمس في المفاهيم والشروط وطرائق الاستدلال وتحديد القضايا،
التي وضعها السلف الصالح من الفقهاء المؤسسين، على جلال إنجازهم وضرورته في حدود
حاجة وقتهم وطاقته، والتي اصطلح على تسميتها بالشريعة بإطلاق من باب الوهم أوسوء
الفهم، وإنما تلتمس في مقاصد الدين النهائية: الحرية الفردية المطلقة والكرامة الإنسانية
المطلقة، بل الكرامة المطلقة لجميع الخلق. كما أن الذي يحدد الحاجة إليها وضرورة بعثها
وإمكانه ليس الرأي العارض المزاجي وإنما تهيؤ المكان والزمان موضوعيًا لاستقبالها. ولقد
تهيأت الأرض في زماننا لاستقبالها بما بلغه المجتمع الإنساني المعاصر من مراقي التقدم
الهائلة في المعارف والتقنية وسبل الاتصال، وهو في المقابل يحتاجها لما يضرب عليه من
"الحيرة والفقر الروحي"، يكتب الأستاذ في معنى الاستعداد:"الإسلام عائد بعون الله وبتوفيقه
... هو عائد، لأن البشرية قد تهيأت له بالحاجة إليه وبالطاقة به ... وهو سيعود نورًا بلا نار
لأن ناره بفضل الله ثم بفضل الاستعداد البشري المعاصر قد أصبحت كنار إبراهيم بردًا
وسلاما".( 4) ويكتب في معنى الحاجة: "فإذا كانت الأرض اليوم بكل هذه الطاقة المادية
الهائلة ثم بكل هذه الحيرة المطبقة على عقول الناس وقلوبهم. فقد أصبح لزامًا على ورثة
الإسلام – على ورثة القرآن – أن يدعوا إلى الرسالة الثانية ..." ( 5) وعن الداعية أو"المأذون
له" بالحديث في أمر الرسالة الثانية، فإن أمره لا يتقرر بالرأي المقتحم المرتجل وإنما هو في
تعريف الأستاذ محمود "رجلٌ أتاه الله الفهم عنه من القرآن وأذن له في الكلام". وضوابطه
تجويد العبادة واستقامة السيرة والسريرة وهي ثمار تظهر للناس واضحة ملموسة. ويضرب
الأستاذ مثلا لذلك قول المسيح (ع س) "أحذروا الأنبياء الكذبة" قالوا "كيف نعرفهم؟" قال"
( بثمارهم تعرفونهم". ( 6

6
فما الأصول إذن وبأي منهجيةٍ ومعيارٍ نعرفها ونحددها ؟ الأصول هي معاني الحرية الكبرى
في القرآن، "الحرية المطلقة" فيما يعبر الأستاذ، وفي ذلك يكتب: "الأصل في الإسلام أن كل
إنسانٍ حر، إلى أن يظهر، عمليًا، عجزه عن التزام واجب الحرية، ذلك بأن الحرية حق
طبيعي، يقابله واجب الأداء، وهو حسن التصرف في الحرية، فإذا ظهر عجز الحر عن
التزام واجب الحرية صودرت حريته، عندئذ بقانون دستوري، والقانون الدستوري، كما
سلفت الإشارة إلى ذلك، هو القانون الذي يوفق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة
وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة،(...) هذا الأصل هو أصل الأصول، وللوفاء
به بدأت الدعوة إلى الإسلام بآيات الإسماح، وذلك في مكة، حيث نزلت "وادع إلى سبيل ربك
بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله،
وهو أعلم بالمهتدين" أخواتها، وهن كثيرات."( 7) وتشريع الرسالة الثانية كله مبني على مقصد
الوفاء بغاية الحرية وتأسيسها مما جاء فيما يسميه الأستاذ بآيات الأصول، وهي الآيات التي
ترسي القواعد الأساسية للوفاء بغاية الحرية: العدالة الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية
والسياسية ...الخ التي تشكل القاعدة الموضوعية الضرورية للحرية. فليس الجائع حرًا ولا
المظلوم والمقهور والخائف ولا الظالم والباطش ... الخ بأحرار بأي معنى من المعاني. آيات
الأصول هي الآيات التي تبين مقاصد الدين النهائية في هذه المجالات، فالأصل الإسلامي في
الاجتماع المساواة بين الناس على اختلاف ألوانهم وألسنتهم وأنواعهم من ذكور وإناث، ومحو
التفاوت الطبقي والتراتب بينهم من أي شاكلةٍ كان. والأصل في الاقتصاد المشاركة في
خيرات الأرض والإنتاج، ويسميها الأستاذ الاشتراكية دون لجاجةٍ أو تحفظ. وهوفي الحقوق
العامة المساواة أمام القانون، المضبوطة بضماناتٍ دستورية تجعل المساواة حقًا عضوضًا لا
منح ً ة ولا تلطفا. والأصل في السياسة الديمقراطية الكاملة. والأستاذ لا يرجم في ذلك بالرأي
الفج، وإنما يقيمه على شواهد من القرآن السنة المؤكدة. فالآية الأصل في المساواة
الاجتماعية" يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن
أكرمكم عند الله أتقاكم."( 8) وهي في العدالة الاقتصادية "يسألونك ماذا ينفقون قل العفو"

7
ويفسر العفوبما زاد عن الحاجة الحاضرة.( 9) وآيات الأصول في المساواة الحقوقية " ولا
تزر وازرة وزر أخرى" و"فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره* ومن يعمل مثقال ذرة شرا
يره"( 10 ) ثم "إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا* لقد أحصاهم وعدهم
عدا* وكل آتيه يوم القيامة فردا"( 11 ) فردًا، أي دون تمييز من جنسٍ أو نوع أو مكانة، في
المسؤولية، ومن ثم في الواجبات والحقوق. وهي في السياسة وحق الاعتقاد والتعبير "فذكِّر
إنما أنت مذكر لست عليهم بمسيطر" "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء
فليكفر."( 12 ) والواقع أن هذا غيض من فيض من استشهاداته العديدة التي يوردها في سياقٍ
محكمٍ من التحليل قلما يحسن مجاراته حتى أكثر تلاميذه موهب ً ة. ومن واجبي هنا أن أعترف
بقصوري عنه. وأتمنى ألا أكون قد أخللت به إخلا ً لا شديدًا. وفي سياق منطقه المحكم يقرر
الأستاذ أن نزول آيات الأصول إنما سبق نزول آيات الفروع لسببين. الأول طبيعي هوفي
منطق الأشياء نفسه أن يجيء الأصل أو ً لا. والثاني تعليمي لكي يثبت بالدليل العملي القاطع
قصور أمة البعث عن الإسلام في مستوى الأصول. يكتب الأستاذ: "وبعبارةٍ أخرى، بدئ
بدعوة الناس إلى الإسلام (في مستوى أصوله) فلما لم يطيقوه، وظهر ظهورًا عمليًا قصورهم
( عن شأوه، ُنزِل عنها إلى ما يطيقون. والظهور العملي حجةٌ قاطعةٌ على الناس".( 13
وثنائية الأصول والفروع هي عنصر أو قول توطئة أو قاعدة لثنائية أدق منها هي ثنائية
معنى الإسلام نفسه عند الأستاذ. فالإسلام وإن كان واحدًا إلا أنه معنيان. المعنى الأول هو
إسلام أمة البعث، إسلام الرسالة الأولى، ويكفي للدخول فيه النطق بالشهادتين كما هو معلوم،
حتى إذا انطوى القلب على النفاق والكفر. نقرأ في كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام": "فأنت
حين تقرأ قوله تعالى "إن الدين عند الله الإسلام" يجب أن تفهم أن المقصود الإسلام الأخير،
وليس، على التحقيق، الإسلام الأول، ذلك بأن الإسلام الأول ليست به عبرة عند الله، وإنما
كان الإسلام الذي عصم الرقاب من السيف، وقد حسب في حظيرته رجال أكل النفاق قلوبهم،
وانطوت ضلوعهم على بغض النبي وأصحابه ثم لم تفصح ضلوعهم عن خبئها، وذلك لأن
المعصوم قد قال "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله

8
فإذا فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم، إلا بحقها، وأمرهم إلى الله".( 14 ) وفي هذا المعنى
أيضا جاءت الآية "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في
قلوبكم". ومن الواضح هنا أن هذا الإسلام هو مرتبةٌ أقل من الإيمان ربما قلت بكثير. ولن
يستقيم عق ً لا أن يكون هذا هو نفس معنى الإسلام الذي يرد في نصوص أخرى من القرآن في
معانٍ كبيرة من الإجلال والتبجيل. من ذلك مث ً لا: "يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا
تموتن إلا وأنتم مسلمون". أو قول القرآن على لسان النبي "قل إن صلاتي، ونسكي، ومحياي
ومماتي لله رب العالمين* لا شريك له، وبذلك أمرت، وأنا أول المسلمين".( 15 ) فالنبي، فيما
يوضح الأستاذ، طليعة أمة المسلمين بمعنى الإسلام الأخير الذي يجيء في مستوى بعض
الأصول وهي "أمة لم تجئ بعد، وإنما جاء طلائعها، فرادى على مدى تاريخ المجتمع البشري
الطويل. وأولئك هم الأنبياء، وفي مقدمتهم سيدهم وخاتمهم، النبي الأمي، محمد بن عبد الله،
عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم".( 16 ) ويتجلى هنا لكل من يعنى ببسائط المنطق وآليات
البرهان أننا أمام حجاج ذي نفسٍ قوي يصعب شق غباره. كما أننا أمام شجاعةٍ فكريةٍ مذهلة
لا تتهيب مواجهة تناقضات النص الظاهرة ومعالجتها بالفكرة الجريئة التي قد ترمي إلى
التهلكة (وقد أدت بالفعل إلى استشهاد الرجل) حين فضل كثير من دعاة التجديد مراوغة مثل
هذا التعارض في النصوص بحيل شتى دون جدوى .
يذهب الأستاذ إلى المزيد من التوضيح لثنائية معنى الإسلام فيكتب: "الإسلام فكر يرتقي
السالك فيه على درجات  سلَّمٍ سباعي أولها الإسلام، وثانيها الإيمان، وثالثها الإحسان، ورابعها
علم اليقين، وخامسها علم عين اليقين، وسادسها علم حق اليقين، وسابعها الإسلام من جديد،
ولكنه في هذه الدرجة يختلف عنه في الدرجة الأولية، اختلاف مقدار*، فهو في الدرجة
الأولية انقياد الظاهر فقط، وهو في الدرجة الثانية انقياد الظاهر والباطن معًا .. وهو في
الدرجة الأولية قول باللسان وعمل بالجوارح ولكنه في الدرجة النهائية انقياد واستسلام ورضا
بالله في السر والعلانية.. وهو في الدرجة الأولية دون الإيمان، ولكنه في الدرجة النهائية أكبر
من الإيمان .. وهذا ما لا يقوى العلماء الذين نعرفهم على تمييزه".( 17 ) قد تبدو هذه الفقرة

9
لدى الوهلة الأولى ضعيفة الصلة بموضوعنا الرئيس. إلا أنها في الواقع تقع في صميمه
وتترتب عليها استنتاجات مهمة تتصل بموضوع التجديد ومكانة مساهمة الأستاذ محمود فيه
وأصالة منهجه وتماسك بنيته الداخلية وسلامتها من الانتقائية والارتجال. فلا مخرج في
الواقع من ورطات التعارض بين النصوص في مستويات الخطاب القرآني المتصلة بتعريف
الإسلام بالحيل الذهنية الموضعية المجزأة والمحدودة النطاق وإنما يتطلب الأمر إنشاء بنيةٍ
مفهوميةٍ كاملةٍ تتجاوز التعارض في صميمه، (أو تقره في صميمه كما يفعل غلاة المتشددين
الظاهريين). وإلا فكيف يمكن أن نجمع في بنيةٍ مفهوميةٍ واحدة بين إسلام الأعراب وإسلام
النبي دون أن نوجه للمنطق ضرب ً ة قاضية. إننا نملك الحق في الاتفاق مع الأستاذ محمود
أومخالفته إلا أن اقتراحه سيظل يمثل احد المخارج الأصيلة جدًا من هذه الورطة. وهو
مخرج يؤسس بنية مفهومي ً ة رصين ً ة للاستدلال تشكل دعام ً ة رئيسي ً ة من دعائم مشروعه
التجديدي. ومع ذلك فقد كان جزاؤه على هذا الحل الأصيل الذكي التكفير والقتل (شنقًا عن
76 عامًا)!! يتأسس على ذلك أنه في المستوى الثاني من الإسلام تسقط كل صور الإكراه
الواردة في الشريعة الأولى أو، بعبارة أدق، ُتنسخ، فيما ُتنسخ آيات الفروع المقررة لها، وفيها
عدد من الفروض التي اعتبرتها الشريعة السلفية أصو ُ لا .
فيقول الأستاذ إن الجهاد ليس أص ً لا في الإسلام وإنما الأصل الدعوة بالموعظة الحسنة
وبالنموذج السلوكي، وذلك لأسباب مبدئية أظنني أوضحتها، فض ً لا عن أسباب واقعية منها أن
قهر الناس على الإيمان بالعنف (بالسلاح)، هو أمر غير مرغوب فيه أخلاقيًا وعرفًا في
زماننا، كما أنه غير ممكن عمليًا. بالصعود إلى مستوى قيمة السلام، التي أصبحت قيمة
أساسية في عصرنا، في مستوى المواثيق والمؤسسات المعرفية والحقوقية التي تبدع القيم
السائدة القائدة والمثل العليا على الأقل، والتي هي الأصل في الإسلام، ُتنْسخ آية السيف "فإذا
انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ..." الآية، وُتبعث آيات الإسماح من
جديد. ذلك أن غلظة القلوب والعقول المفضية إلى سوء التصرف في الحرية هي التي أوجبت
أحكام السيف ودخول العنف في وسائل الدعوة كما يقول الأستاذ. إن السيف في استخدام
الإسلام له كان "أداة لطب النفوس" ، في رأي الأستاذ،وليس أداة للعقاب في ذاته. يكتب

10
الأستاذ "وكل ما يقال عن تبرير استعمال الإسلام للسيف هو أنه لم يستعمله كمدية الجزار،
وإنما استعمله كمبضع الطبيب".( 18 ) ومع دقة هذا الحجاج، فهو يبدو لي غير متسقٍ مع
وقائع التاريخ، في مستوى الممارسة الفعلية للمسلمين، على كل حال. وهذه ملاحظة أرجئ
تفصيلها إلى مكانها من سياق البحث ضمن ملاحظات نقدية أخرى.
والرق ليس أص ً لا في الإسلام. (وأقول استطرادا أن التفسير الذي يعطيه الأستاذ محمود
لوضعية الرق في الإسلام الأول يبدو لي "أقل نصوعًا وإقناعًا" في كثيرٍ من جوانبه، بالمقارنة
مع وضوح رؤيته النقدية في القضايا الأخرى المتصلة بمفهوم الحرية، ومن ثم فإنني سأورده
كاملا بقدر ما يسمح الحيز، من باب الحفاظ على نفس مبدأ القراءة النقدية والإخلاص في
تصوير حقائق الواقع وحقائق النصوص وهي عين الصفات التي حمدتها له). يكتب الأستاذ
في هذا الموضوع الدقيق: "فالأصل في الإسلام الحرية، ولكنه نزل في مجتمعٍ الرق فيه جزء
من النظام الاجتماعي والاقتصادي. وهو مجتمع قد ظهر عمليًا أنه لا يحسن التصرف في
الحرية، مما أدى إلى نزع قيام أفراده بأمر أنفسهم، وجعل ذلك إلى وصيٍ عليهم، وقد رأينا
أن هذا أدى إلى شرعية الجهاد، ومن أصول الجهاد في سبيل الله أن يعرض المسلمون على
الكفار أن يدخلوا في الدين الجديد، فإن هم قبلوه، وإلا فأن يعطوهم الجزية، ويعيشوا تحت
حكومتهم، مبقين على دينهم الأصلي، آمنين على أنفسهم. فإن هم أبوا عليهم هذه الخطة
أيضًا، حاربوهم، فإذا هزموهم اتخذوا منهم سبايا، فزاد هؤلاء في عدد الرقيق السابق للدعوة
الجديدة. والحكمة في الاسترقاق تقوم على قانون المعاوضة. فكأن الإنسان عندما دعي ليكون
عبدًا لله فأعرض، دل إعراضه هذا على جهلٍ يحتاج إلى فترة مرانة، يستعد أثناءها للدخول،
عن طواعية، في العبودية لله، ف  جعل في هذه الفترة عبدًا للمخلوق ليتمرس على الطاعة التي
هي واجب العبد. والمعاوضة هنا هي أنه حين رفض أن يكون عبدًا للرب، وهو طليق،
( ومكنت الهزيمة منه،  جعل عبدًا للعبد، جزا  ء وفاقا. "ومن يعمل، مثقال ذرة، شرًا، يره". ( 19
من الأفضل أن نؤجل التعليق على هذا حفاظا على وحدة السياق، واستميح القارئ عذرا في

11
مواصلة هذا الاستشهاد الطويل الذي سأستثمره لاحقًا، ضمن مآخذ أخرى في نقدي لهذه
المساهمة التجديدية التي أجلها كثيرًا مع ذلك. يواصل الأستاذ: "وهكذا أضاف أسلوب الدعوة
إلى الإسلام، الذي اقتضته ملابسة الوقت، والمستوى البشري، إلى الرق الموروث من عهود
الجاهلية الأولى، رقًا جديدًا، ولم يكن من الممكن، ولا من الحكمة، أن يبطل التشريع نظام
الرق، بجرة قلم، تمشيًا مع الأصل المطلوب في الدين، وإنما تقتضي حاجة الأفراد
المسترقين، ثم حاجة المجتمع، الاجتماعية، والاقتصادية، بالإبقاء على هذا النظام، مع العمل
المستمر على تطويره، حتى يخرج كل مسترق، من ربقة الرق، إلى باحة الحرية. وفترة
التطوير هي فترة انتقالٍ، يقوى أثناءها الرقيق على القيام على رجليه ليكسب قوته من الكدح
المشروع، وسط مجتمع تمرن أيضاٍ، أثناء فترة الانتقال، على تنظيم نفسه بصورة لا تعتمد
على استغلال الرقيق، ذلك الاستغلال البشع الذي يهدر كرامتهم، ويضطهد آدميتهم، والذي
كان حظهم التعس إبان الجاهلية. وهكذا شرع الإسلام في الرق، فجعل للرقيق حقوقًا
وواجبات، بعد أن كانت عليهم واجبات، وليست لهم حقوق. ثم جعل الكفارات، والقربات،
بعتق الرقاب المؤمنة، السليمة، النافعة. وأوجب مكاتبة العبد الصالح الذي يستطيع أن يفدي
نفسه، وأن يعيش عيشة المواطن الصالح. وهو في أثناء ذلك يدعو إلى حسن معاملتهم فيقول
المعصوم "خولكم إخوانكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فأطعموهم مما تطعمون، وأكسوهم مما
( تلبسون". ( 20
والرأسمالية ليست أصلا في الإسلام عند الأستاذ، و"الأصل في الإسلام شيوع المال بين عباد
الله، ليأخذ كل حاجته: وهي زاد المسافر، وذلك أمر يلتمس تطبيقه في حياة المسلم الوحيد في
تلك الفترة، وهو النبي. ولكن الإسلام نزل على قوم لا قبل لهم به، فلا يعرفون إلا أن المال
مالهم. وهم لم تكن عليهم حكومة تجعل على مالهم وظيفة يؤدونها، ولذلك فقد شقت على
نفوسهم الزكاة التي  جعلت على أموالهم وكانت لدى التحاق النبي بالرفيق الأعلى، السبب
المباشر في الردة. (...) وهذا هو السبب الذي جعل تشريع الإسلام في المال دون حقيقة
مراده، وذلك تخفيفًا على الناس، وتدريجًا لهم، ودرءًا للمشقة عن نفوس أضمرت الشح.
12
وهكذا جاءت الزكاة ذات المقادير وجعلت ركنا تعبديا في حقهم، وذلك بمحض اللطف.
يضاف إلى هذا الاعتبار الفردي اعتبار آخر، هو أن شمس الاشتراكية لم تكن قد أشرقت
بعد".( 21 ) وربما كان من الإنصاف أن نوضح هنا أن الرجل كان كثير النقد لنماذج
"الاشتراكية" التي كانت "قائمة"، وقد أخذ عليها، ضمن أشياء أخرى، غياب الديمقراطية عنها،
وإن كان يحمد لها إرادة المساواة وإن لم توفق فيها.
"وعدم المساواة بين الرجال والنساء ليس أص ً لا في الإسلام والأصل في الإسلام المساواة
التامة بين الرجال والنساء"( 22 ) وهذه في الواقع أصعب القضايا التي تواجه دعاة التجديد في
الفكر الإسلامي المعاصر وهم طالما تلجلجوا فيها واحتالوا لها أفانين الحيل دون جدوى.
ويبدو لي أن موقف الأستاذ محمود فيها قاطع وجذري ومتجاوز لكل المعالجات التوفيقية
المطروحة الآن. وموطن جذريتها في منهج الأستاذ نفسه الداعي إلى نسخ النصوص
المؤسسة للتمييز والعمل بالنصوص المؤسسة للمساواة باعتبارها الأصول والمقاصد النهائية
للدين. وشتان بين هذا وبين من يريدون الاحتفاظ بالنصوص القائلة بدونية المرأة مع إثبات
مبدأ المساواة!! ومع ذلك فسيكون لي بعض الملاحظات النقدية على رأي الأستاذ في هذا
الشأن. يواصل الأستاذ: "ويلتمس ذلك في المسئولية الفردية أمام الله، يوم الدين، حين تنصب
موازين الأعمال. قال تعالى في ذلك "ولا تزر وازرة وزر أخرى، وإن تدع مثقلة إلى حملها
لا يحمل منه شيء، ولو كان ذا قربى، إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب، وأقاموا الصلاة،
ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه، وإلى الله المصير"، وقال تعالى "اليوم تجزى كل نفس بما
كسبت، لا ظلم اليوم، إن الله سريع الحساب"، وقال تعالى "كل نفس بما كسبت رهينة" ولكن
الإسلام نزل، حين نزل، على قوم يدفنون البنت حية خوف العار الذي تجره عليهم إذا
عجزوا عن حمايتها فسبيت، أو فرارًا من مؤونتها إذا أجدبت الأرض، وضاق الرزق: قال
تعالى عنهم "إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء
ما بشر به، أيمسكه على هون، أم يدسه في التراب، ألا ساء ما يحكمون" ومن هنا لم يكن
المجتمع مستعدًا، ولا كانت المرأة مستعدة ليشرع الإسلام لحقوقها في مستوى ما يريد بها من
الخير، وكان لا بد من فترة انتقال أيضًا يتطور في أثنائها الرجال والنساء، أفرادًا، ويتطور

13
المجتمع أيضًا. وهكذا جاء التشريع ليجعل المرأة على النصف من الرجل في الميراث، وعلى
النصف منه في الشهادة. وعلى المرأة الخضوع للرجل، أبًا وأخًا وزوجًا.. "الرجال قوامون
على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم" والحق، أن في هذا
التشريع قفزة بالمرأة كبيرة بالمقارنة إلى حظها سابقا، ولكنه، مع ذلك دون مراد الدين
بها."( 23 ) وهذه أيضًا قفزة كبيرة، في طرح المشكلة على الأقل، تتجاوز، بما لا يقاس،
مستويات الثأثأة واللجاج التي تسعى إلى إقناعنا بأن حظ المرأة موفور على تمامه في الشريعة
السلفية على الرغم من وضوح النصوص القائمة على دونيتها. وهو لجاج لم تنج منه حتى
أقلام مستنيرة جدًا. وفي نفس السياق يذهب الأستاذ إلى أن "الحجاب ليس أص ً لا في الإسلام
والأصل في الإسلام السفور.. لأن مراد الإسلام العفة.. وهو يريدها عفة تقوم في صدور
النساء والرجال، لا عفة مضروبة بالباب المقفول، والثوب المسدول. ولكن ليس إلى هذه
العفة الغالية من سبيل إلا عن طريق التربية والتقويم. وهذه تحتاج إلى فترة انتقال لا تتحقق
أثناءها العفة إلا عن طريق الحجاب، وكذلك شرع الحجاب. فكأن الأصل ما كان عليه آدم
( وحواء قبل أن يزلا (...) والسفور في الإسلام أصل لأنه حرية".( 24
وهو يقدم تعليلاتٍ وشروحا مطولة فيمًا يراه من ذلك أسقطتها هنا نزو ً لا إلى مقتضيات
الحيز، ويمكن إجمالها في أن الأستاذ يميز تمييزًا دقيقًا بين السفور والتهتك والابتذال الذي
يجعل من جسد المرأة مجرد حليةٍ وأداةٍ للإمتاع مما نشهده في ذلك الفيض الهائل من
موضوعات الدعاية والإعلان الصادرة عن مفهوم "المرأة الشيء" و"المرأة السلعة" في أفق
الحضارة الرأسمالية السائدة .
"والمجتمع المنعزل رجاله عن نسائه ليس أص ً لا في الإسلام، وتعدد الزوجات ليس أص ً لا في
الإسلام، والطلاق ليس أص ً لا في الإسلام".( 25 ) كل ذلك في سياقٍ من التعليلات والشروح
أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها ذكية جدًا وتخبر عن منهجية نقدية تحليلية تركيبية فذة، وعن
عقلٍ مفكرٍ ومثقفٍ من الطراز الأول سواء اتفقنا معه أو خالفناه.
تمثل آلية التجديد وضوابطه المنهجية إشكالي ً ة عويصً ة في الفكر الإسلامي المعاصر.
فبالإضافة إلى هالة القداسة المخيفة التي أحيطت بها المنهجية التي حددها السلف من الفقهاء

14
المؤسسين (وليس للسلف فيها من يد بالطبع)، والسطوة الخفية لمقولة قفل باب الاجتهاد،
وربما أيضًا بسبب من ذلك، فإن أجندة المجددين الإسلاميين قد خلت من منهجٍ متكاملٍ
لإجرائية التجديد. في هذا الإطار أيضًا تمثل مساهمة الأستاذ محمود، التي هي جزء لا يتجزأ
من جهازه المفاهيمي، إضافة فريدة. يمثل المنحى الإجرائي عند الأستاذ محمود عنصرًا من
بنية فكره العامة مقولاته الأساسية. فوجود مستويين من التشريع في الإسلام، مستوى الفروع
ومستوى الأصول، والذي لا يناقض مبدأ واحدية الإسلام بقدر ما يؤكده، إنما هو عنده معن  ى
يتصل برسالة الإسلام التاريخية المحددة التي بلغها النبي محمد مجمل ً ة في مستو  ى ومفصل ً ة
في مستوى آخر كما أوضحنا، أو كما أوضح الأستاذ بعبارة أدق. ويبقى المعنى العام للإسلام
أوسع من ذلك. وهذا الفهم متصل بمشروعية التجديد وإجرائيته عند الأستاذ. وهو يكتب
موضحًا ذلك: "الإسلام دين واحد.. وهو دين الله الذي لا يرضى غيره.. قال تعالى فيه:
"أفغير دين الله يبغون، وله أسلم من في السموات، والأرض، طوعا وكرها، وإليه يرجعون"
(...) وبالإسلام جاء جميع الأنبياء من لدن آدم وإلى محمد.. قال تعالى في ذلك: "شرع لكم
من الدين ما وصى به نوحًا، والذي أوحينا إليك، وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى، أن
أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه.. كبر على المشركين ما تدعوهم إليه.. الله يجتبي إليه من يشاء،
ويهدي إليه من ينيب..". "شرع لكم من الدين" هنا لا تعني الشرائع وإنما تعني "لا إله إلا
الله".. ذلك بأن شرائع الأمم ليست واحدة، وإنما " لا إله إلا الله" هي الثابتة، وإن كان ثباتها
في مبناها فقط، وليس في معناها.. وإنما يختلف معناها باختلاف مستويات الرسل.. وهو
اختلاف مقدار أيضًا.. قال المعصوم في ثبات مبنى "لا إله إلا الله".. "خير ما جئت به أنا
والنبيون من قبلي لا إله إلا الله.."( 26 ) لا أحسبني بحاجة إلى جهد كثير في إثبات قوة الَنَفس
النظري لهذا التلخيص والاستخلاص البارع للفكرة من عناصر النص ومعطيات الواقع. هذا
الاستخلاص البارع للقاعدة النظرية لتطوير التشريع وتجديده، في مستوى مشروعيته
وتاريخيته وضرورته ومناهج إجرائيته معا، استخلاصًا مبرأً من الارتجال والتقحم. أقول هذا
في إطار المنطق الداخلي للفكرة الدينية بالطبع. يتابع الأستاذ : "واختلاف شرائع الأنبياء
الناتج عن اختلاف مستويات أممهم لا يحتاج إلى طويل نظر.. ويكفي أن نذكر باختلاف

15
شريعة التزويج بين آدم ومحمد. فقد كان تزويج الأخ من أخته شريعة إسلامية لدى آدم..
وعندما جاء محمد أصبح الحلال في هذه الشريعة حرامًا.. أكثر من ذلك أصبح التحريم
ينسحب على دوائر أبعد من دائرة الأخت.. قال تعالى في ذلك: "حرمت عليكم أمهاتكم،
وبناتكم، وأخواتكم، وعماتكم، وخالاتكم، وبنات الأخ، وبنات الأخت، وأمهاتكم اللاتي
أرضعنكم، وأخواتكم من الرضاعة، وأمهات نسائكم، وربائبكم اللاتي في حجوركم من نسائكم
اللاتي دخلتم بهن، وإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم.. وحلائل أبنائكم الذين من
( أصلابكم.. وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف.. إن الله كان غفورًا رحيما."( 27
فتطوير التشريع الإسلامي يجد مشروعيته في تطور الشرائع الإلهية (الإسلامية) من لدن آدم
وليس هو بدع ً ة ابتدعها مجددو اليوم. وليس من قاعدةٍ أصلب من هذه لمشروعية التجديد. بعد
إرساء هذه القاعدة المتينة للاستنباط، والتي لم أورد إلا نذرًا يسيرًا من وجوهها المركبة في
تحليل الأستاذ محمود الإستقرائي، أذهب إلى عرض وجوهٍ أخرى من تأسيسه لمشروعية
التجديد وتحديد آلياته وضوابطه، فلنستمع: "فإذا كان هذا الاختلاف الشاسع بين الشريعتين
سببه اختلاف مستويات الأمم، وهو من غير أدنى ريب كذلك، فإنه من الخطأ الشنيع أن يظن
إنسان أن الشريعة الإسلامية في القرن السابع تصلح، بكل تفاصيلها، للتطبيق في القرن
العشرين، ذلك بأن اختلاف مستوى مجتمع القرن السابع عن مستوى مجتمع القرن العشرين
أمر لا يقبل المقارنة، ولا يحتاج العارف ليفصل فيه تفصي ً لا، وإنما هو يتحدث عن نفسه..
فيصبح الأمر عندنا أمام إحدى خصلتين: إما أن يكون الإسلام، كما جاء به المعصوم بين
دفتي المصحف، قادرًا على استيعاب طاقات مجتمع القرن العشرين فيتولى توجيهه في
مضمار التشريع، ومضمار الأخلاق، وإما أن تكون قدرته قد نفدت وتوقفت عند حد تنظيم
مجتمع القرن السابع، والمجتمعات التي تلته مما هو مثله، فيكون على بشرية القرن العشرين
أن تخرج عنه، وأن تلتمس حل مشاكلها في فلسفات أخريات، وهذا ما لا يقول به مسلم..
ومع ذلك فإن المسلمين غير مؤمنين بضرورة تطوير الشريعة. وهم يظنون أن مشاكل القرن
العشرين يمكن أن يستوعبها، وينهض بحلها، نفس التشريع الذي استوعب، ونهض بحل
مشاكل القرن السابع، وذلك جهلٌ مفضوح.

16
المسلمون يقولون أن الشريعة الإسلامية شريعة كاملة.. وهذا صحيح.. ولكن كمالها إنما هو
في مقدرتها على التطور، وعلى استيعاب طاقات الحياة الفردية، والاجتماعية، وعلى توجيه
تلك الحياة في مدارج الرقي المستمر، بالغ ً ة ما بلغت تلك الحياة الاجتماعية، والفردية من
النشاط، والحيوية، والتجديد.. هم يقولون، عندما يسمعوننا نتحدث عن تطوير الشريعة:
الشريعة الإسلامية كاملة، فهي ليست في حاجة إلى التطوير، فإنما يتطور الناقص.. وهذا
قول بعكس الحق تمامًا، فإنه إنما يتطور الكامل..(...) فالعشبة الضئيلة التي تنبت في سفح
الجبل، فتخضر، وتورق، وتزهر، وتثمر، ثم تلقي ببذرتها في تربتها، ثم تصير غثا  ء تذروه
الرياح، أكمل من الجبل الذي يقف فوقها عاليا متشامخًا، يتحدى هوج العواصف.. ذلك بأن
تلك العشبة الضئيلة قد دخلت في مرحلة متقدمة من مراحل التطور مرحلة الحياة والموت
مما لم يتشرف الجبل بدخولها - (...) وبالمثل، فإن كمال الشريعة الإسلامية إنما هو في
كونها جسمًا حيًا، ناميًا، متطورًا، يواكب تطور الحياة الحية، النامية، المتطورة، ويوجه
خطاها، ويرسم خط سيرها في منازل القرب من الله، منزلة، منزلة.. ولن تنفك الحياة سائرة
إلى الله في طريق رجعاها، فما من ذلك بد.. "يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحًا
فملاقيه".. وإنما تتم الملاقاة بفضل الله، ثم بفضل إرشاد الشريعة الإسلامية في مستوياتها
الثلاث: الشريعة، والطريقة، والحقيقة.. وتطور الشريعة، كما أسلفنا القول، إنما هو انتقال من
نصٍ إلى نص.. من نص كان هو صاحب الوقت في القرن السابع فأحكم إلى نصٍ اعُتبر
يومئذ أكبر من الوقت فنسخ..(...) فكأن الآيات التي نسخت إنما نسخت لحكم الوقت، فهي
مرجأًة إلى أن يحين حينها.. فإذا حان حينها فقد أصبحت هي صاحبة الوقت، ويكون لها
الحكم، وتصبح، بذلك هي الآية المحكمة، وتصير الآية التي كانت محكمة في القرن السابع
منسوخ ً ة الآن.. هذا هو معنى حكم الوقت.. للقرن السابع آيات الفروع، وللقرن العشرين آيات
الأصول.. وهذه هي الحكمة وراء النسخ.. فليس النسخ، إذن، إلغا  ء تامًا، وإنما هو إرجاء
يتحين الحين، ويتوقت الوقت.. ونحن في تطويرنا هذا إنما ننظر إلى الحكمة من وراء
النص(...) فالتطوير، إذن، ليس قفزًا عبر الفضاء، ولا هو قولٌ بالرأي الفج، وإنما هو انتقالٌ
2) كان لا بد من إيراد هذه الاستشهادات الطويلة لعدة أسباب: منها من نص إلى نص." ( 8

17
درء سوء الفهم الذي قد يتولد من الابتسار الشديد، وهو"سوء فهم" كلف الرجل حياته، ومنها
إكمال سياق الفكرة تحسبًا من قراءة متحيزة من جانبنا.. ومنها عرض منهجية بناء المفهوم
عند الأستاذ وهي منهجيةٌ قلت بتميزها مما لزمني إثباته أو عرضه بوضوح على الأقل. هذا،
في تقديري، منهج مكتمل الأدوات، ممسك بخيوط نسيج منطقه الداخلي إمساكًا شديد الانتباه لا
مجال فيه للخاطرة المرتجلة التي تستر ارتجالها بالاستدراك المتراجع المسكون بالوساوس
والحسابات والترضيات التاكتيكية الحسيرة الأفق. وأحسب أن هذا هو الأمر الرئيس الذي
يخص الباحث المجدد، بصرف النظر عن مسائل الاتفاق والاختلاف أو"الخطأ" و"الصواب":
أن يتأسس الخطاب التجديدي على منهجية متكاملة. ولست بحاجةٍ حقيقيةٍ لأن أستدرك فيما
أعنيه باكتمال الفكرة وتكامل المنهجية فقد أغنت عن ذلك كلمة الأستاذ "إنما يتطور الكامل"،
وفيما يليني، فإن منهجية هذا البحث والمفاهيم والمصطلحات التي يتأسس عليها تفصح بنفسها
عما أعنيه بالتكامل والاكتمال في الفكرة والمنهج.
وعلى هذا الفهم للاكتمال والتكامل تتأسس ملاحظاتي النقدية لمساهمة الأستاذ الجليلة.
وسأقتصر هنا، نزو ً لا إلى مقتضيات الحيز، على ملاحظات جزئية، وأتمنى أن يغفر لي كونها
أصول الموضوع: في قضية الحرية التي اعتبرها الأستاذ محمود "أصل الأصول" فأصاب
بذلك كبد الحقيقة. لقد أبديت آنفا تحفظًا على ما أسماه الأستاذ بإمكان "تبرير استعمال السيف
في الإسلام" بأنه قد استخدمه لا "كمدية الجزار، وإنما كمبضع الطبيب". وقد أرجعت تحفظي
إلى كون هذه المقولة لا تقف مرفوعة القامة تمامًا أمام وقائع التاريخ الفعلية. وسأكتفي هنا
بمثل حروب الردة وما صاحبها من الغلو في القتل والفتك على يدي صحابي جليل وقائد
عظيم هو خالد بن الوليد، غلوًا لم يسلم من نقد واحتجاج بعض أجلاء الصحابة أنفسهم، ومثل
مقتل عثمان على أيدي جماعة ضمت في عدادها بعض الصحابة الكبار. هذا فض ً لا عن الفتنة
الكبرى التي أشهر فيها نفر من عظماء الصحابة السيف في وجوه بعضهم بعضا!! ولا أرى
في هذا استعمالا للسيف كمبضع الطبيب. والمسألة تحتاج للنظر.
وقد أبديت آنفا أيضا قلة قناعتي بمسوغات الرق في الإسلام كما جاءت في تحليل الأستاذ.
فأقول أن الحجتين اللتين قدمهما الأستاذ في تفسير وضعية الرق في الإسلام ليستا في قوة

18
منطقه المتصل بمفهوم الحرية في بعده المنطلق من الأخذ في الحسبان برقي معارف الأمم
وشرائعها. فالحجة الأولى التي تتأسس على مفهوم المعاوضة لا تنسجم مع الحقيقة التاريخية
من أن الأمم التي أخضعها السيف وأجاز استرقاقها "حكم الوقت"، كانت على قدرٍ كبيرٍ من
التحضر والتطور في معارفها وعقائدها وأنظمتها الاجتماعية، مع الاعتبار التام لنسبية
مستوى تطورها التاريخي مما كان يمكن أن يغني عن اللجوء إلى منهج للمعاوضة في غلظة
الرق في منحى تدريجها إلى الدين الجديد و"ترويض" عقولها وقلوبها على القبول به. والشاهد
أن الحضارة الإسلامية لم تقم، في وجوهها المشرقة بالذات من فنون وعلوم ومعارف، دون
أن تستند إلى تراث الرقي والتحضر الذي كان لهذه الأمم، ولن يكون من الافتراء والهوى أن
أقول أن الغالبية العظمى ممن ساهموا في تأسيس وتطوير هذه العلوم والمعارف هم من بين
الذين وطئهم عار الاسترقاق والولاء. إن حجة الأستاذ الرئيسة في دواعي تطوير التشريع
هي الارتقاء الحضاري، وارتفاع مستوى الفهم والاستعداد للفهم لمطالب الدين الرفيعة، ولا
أرى أن الاسترقاق كان ح ً لا مناسبا لتدريج أمم كان رقيها بالذات هو مصدر مساهماتها
المتميزة في حضارة الإسلام. ولعلني أضيف أن "حجة" حكمة الاسترقاق بقرينة المعاوضة
والمران على الطاعة لله بالتمرس والمران على الطاعة في حق من رفض أن يكون "عبدا
للرب" ف  جعل "عبدًا للعبد جزاءًا وفاقا" لا تفسر، فيما لا تفسره وهو أكثر من أن يستوعبه هذا
الحيز، أقول لا تفسر العناء النفسي الذي وقع على بعض ضحايا الرق من الصحابة الأجلاء
مثل بلال وعمار ممن كان بعض الأصحاب أنفسهم يعيرونهم بأصولهم في سورات الغضب.
صحيح أن التشريع لا يد له في استرقاق بلال وعمار وأمثالهم، ولا يد له في مثل هذه
التجاوزات، إلا أنهم عانوا من ظلال التمييز المضمر في الخواطر الخفية مما هو عندي
متصل بحسم التشريع أو التفسير في موضوع الرق. ويبدو لي أن حجة "الحكمة" التي قضت
"بالإبقاء على نظام الرق" بقرينة كون الإسلام "نزل على مجتمع الرق فيه جزء من النظام
الاجتماعي"، وبأن هذا مما كانت تقتضيه "حاجة الأفراد المسترقين، وحاجة المجتمع،
الاجتماعية والاقتصادية"،( 29 ) تبدو لي أضعف من أختها. وسأستبعد من مناقشتي تما  ما
"حاجة الأفراد المسترقين إلى الاسترقاق" في أي سياقٍ وردت وتحت أي حجة أتت. وأتوجه

19
إلى الشق الثاني من الحجة فأتساءل عما إذا كان اقتصاد المجتمع العربي قبل الإسلام يتأسس
على الرق بالصورة التي كان يمكن أن تؤدي إلى انهياره لو أن تشريع الرق في الدين الجديد
كان أكثر حسمًا، أو لنقل، أسرع تدريجا. لا يبدو لي أن آراء علماء تاريخ الاقتصاد السياسي
المعاصرين تميل إلى تأكيد هذه الفرضية. وجملة القول عندي أن تبرير تشريع الرق عندي
غير مقنع وهو بحاجة إلى قراءة نقدية أكثر تحريًا في وقائع التاريخ الفعلية في داخل دائرة
المجددين ذوي المرجعية الدينية أساسًا. ولا شك في أن ملاحظتي بصورتها هذه مبتسرة جدا
وأتمنى أن تتاح لي فرصة أوسع لتطويرها بالحوار.
لست مقتنعا أيضا بحجاج الأستاذ المتصل بمقولة "المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة حتى
في "الرسالة الثانية". (والأستاذ بالطبع لم يقل بمساواتهما في الرسالة الأولى أص ً لا). وستكون
أولى ملاحظاتي لفت النظر إلى ذكورية خطاب الأستاذ نفسه. هذه الذكورية التي اجتهد في
تفاديها أحد تلاميذه اللامعين (د.عبدالله النعيم) ( 30 ) فالرجال "يستأثرون" بالنصيب الأوفر بما
لا يقاس في خطاب الرسالة الثانية نفسه ويبين ذلك بصورة قاطعة لمن يقرأ الكتاب. وأكتفي
هنا بمثل يغني عن التفصيل من فرط قوة دلالته، يتساءل الأستاذ: "من هو رسول الرسالة
الثانية؟ " ويجيب "هو رجل آتاه الله الفهم عن القرآن وأذن له في الكلام..."( 31 ) وهو يقول
قبل ذلك في الإهداء "إلي الإنسانية ! بشرى .. وتحية. بشرى بأن الله ادخر لها من كمال حياة
الفكر، وحياة الشعور، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. وتحية
( للرجل وهو يمتخض، اليوم، في أحشائها، وقد اشتد بها الطلق، وتنفس صبح الميلاد."( 32
والرجل المعني هو رجل الرسالة الثانية، داعيتها "المأذون له"، وإنسانها المتخلق من قيمها
وبها. وهذا قول يطاول قمم الشاعرية المجيدة ولكنه، مع ذلك، لا ينفي ذكورية الخطاب
ويحرج منطق مقولة المساواة التامة بين الرجل والمرأة وهذه معضلة لم يتوفر للأستاذ، ولا
لأي واحد من المجددين حلها بصورة متماسكة تمام التماسك، وإن ظل رأيه فيها متميزًا جدًا.
ولقد كان لشقيقة كاتب هذه السطور، وكانت متدينة في يقظة ذهنية نقدية شديدة الحضور إزاء
تعارض النصوص والتأويل، يقظة تجاور حدود التراجيديات الكبرى، أقول كانت لها دورات
من النقاش عصية طويلة مع الأستاذ حول مقولة مساواة المرأة بالرجل في الإسلام. وأشهد

20
بأنه كان صبورًا طويل النفس في حواره معها بل سعيدًا بنقدها، وكان يعلق كلما بدرت عنها
حجة عنيدة "ما شاء الله على هذا الذكاء يا زينب". ولم تقتنع شقيقتي حتى توفيت (عام
1975 ). كان لي شرف حضور ذلك النقاش والمشاركة فيه. وقد كانت حجتها الأساسية أنه لا
وجود للمساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام في مستوى بنية العقيدة نفسها، ولا وجود
لتأويلٍ مقنع في مستوى ما لدينا من اجتهادات بما فيها اجتهاد الأستاذ نفسه. ذلك أن في قمة
الخلق رجل، وفي قمة التطور رجل، في التصور الإسلامي العقيدي. كما أن الخطاب
الإسلامي ذكوري في جملته مع استثناء قليل. وكانت إجابة الأستاذ (التي هي مبذولة أيضا في
بعض كتبه) إن ذلك صحيح ولكنه لا يعني أن مطلق رجل أفضل من مطلق امرأة. فهذا لا
يستقيم دينًا ولا عق ً لا ولا واقعًا. ثمة رجل في قمة مضمار المراقي إلى الله، هو النبي ولا
مراء، وفي أصل البشرية رجل (وهو آدم بالطبع) بين هذا وذاك فالمساواة قائمة في الرسالة
الثانية أمام الله، وفي تشريع الأصول. ولم أقتنع بتمام سلامة هذا المنطق. وبدا لي أن هذا
التمييز "الخفي" وإن لن يكون له تأثير ملموس في مجرى التشريع في الواقع المباشر، على
افتراض الاقتناع بمنطق الرسالة الثانية، إلا أنه ينطوي على معان من التراتب لا بد أن تترك
أثرها في الخواطر الخفية. أضف إلى ذلك أن "طلائع أمة المسلمين" الذين يقول الأستاذ أنهم
"جاؤوا فرادى عبر تاريخ المجتمع البشري الطويل والذين هم الأنبياء" كلهم من الرجال. لم
يقو التأويل التجديدي حتى الآن، وحتى في مستوى هذه القمة الشامخة، على التحري في
وجوه التاريخ عن مكان أكثر لياقة بالمرأة في ملحمة التطور المجيدة هذه. هل أقول مع
الصديق الدكتور محمد أحمد محمود، أن مشكلة الخطاب التجديدي ذي المرجعية الدينية هي
لا تاريخيته؟،( 33 ) هي إخلاصه للنص أكثر من إخلاصه لحقائق التاريخ الواقعية؟ هذا من
غير شك جزء من المشكل. إلا أنه قول يصعب الجزم به في حق مفكر يقوم الإخلاص
لحقائق الواقع في صلب بنية دعوته للتجديد. وقد أميل إلى ترجيح كون السبب قائمًا في أن
مفهوم الوجود في فكر الأستاذ، الذي ليس هو فكر صوفي "تقليدي" ببساطة، وإن كان للفكر
الصوفي فيه نصيب يقره هو بنفسه، لم يتجاوز مع ذلك، تجاوزًا بعيدًا، معنى الوجود الجاهز
(الجاهز في واقعه النهائي) الذي يميز الميتافيزيقا، بصفة عامة، والميتافيزيقا الصوفية على

21
وجه الخصوص، حتى في مستوياتها الرفيعة، (وأنا بالطبع لا أستخدم مصطلح ميتافيزيقا هنا
بالمعنى القدحى)، أقول أن مفهوم الوجود الجاهز المحكم الغائية، والمحكوم بها هذا، والذي لا
مجال فيه للصدفة الصرفة والخطأ "الصرف" الاحتمال "المفتوح"، هومفهوم يفضي إلى مناطق
مغلقة كثيرة محرمة على المنطق الإشكالي، هذا المفهوم هو الذي يلقي بثقله على مفهوم
الواقع وأصالة حقائق الواقع في تحليل الأستاذ، (أقول ربما...). وكثيرًا ما كانت بعض
مناقشاتي مع الأستاذ وتلاميذه، تنتهي في بعض القضايا البرهانية العصية إلى أن "هذا الأمر
أمر ذوق"، أي لا تقوم فيه للبرهان قائمة. إلا أنني لم أشأ، في هذه الدراسة، أن أناقش خطابًا
دينيًا خارج مرجعيته الأصلية، خاصة وأن الأمر يتعلق بالتعريف به ضمن مرجعيته أص ً لا.
وقد أفعل خلاف ذلك في مجرى المناقشات التي قد تثيرها هذه الورقة. وحجة الذوق، على
كل حال، أرقى وأكرم وأنبل بما لا يقاس، (وبما لا يقبل المقارنة أص ً لا)، من "حجة" التكفير
والمتفجرات والمدافع الرشاشة.
ملاحظتي النقدية الأخيرة، في هذا الحيز، تتصل بصدور الأستاذ عن مفهوم الدين الأفضل
والصحيح الوحيد على الرغم من سعة فهمه لمعنى الدين ومعنى الإسلام وتقديره العميق
للإبداعية الإنسانية في تعبيرها الفكري والفني والثقافي بكل صوره بما في ذلك إبداع القيم
الأخلاقية حتى ما صدر منها عن مؤسسات لا تتصل بالدين اتصا ً لا مباشرًا، بل لعلني استند
إلى أنه بنى بعض عناصر مفهومه لأهلية القرن العشرين وجدارته بالرسالة الثانية من
الإسلام على إنجازات إنسانية في مستويات إبداع القيم الأخلاقية، وفي قمتها قيمة الحرية، لم
تصدر من مواقع الفكر الديني وربما قلت ضده أحيانا. ومع ذلك يبقى مفهوم الدين الأفضل
معضلة تحتاج إلى حل. تنطوي مقولة الدين الأفضل بطبيعتها، وبالضرورة، على اعتقاد
ظاهر أو مضمر بأن الآخرين، ممن ليسوا من أتباعه إنما هم على ضلال، وتشكل أرضية
ممكنة للتمييز.( 34 ) وهو تمييز يمكن أن يكون خفيًا جدًا فلا يتجاوز حركة ظلال الخواطر
الباطنية المبهمة، وربما أقول لا يتجاوز مستوى دلالات الخطاب الإسقاطية البعيدة عن
القصد. وهو، مع ذلك، يبقى تمييزًا. تمييزًا يصبح معه الحديث عن كرامة الإنسان بما هو
22
إنسان ومبدأ الاحترام "التام" لحرية الاعتقاد أمرًا مشوشًا، على الأقل، يحتاج من المجدد إلى
نظر طويل. وهو، على التحقيق، نظر لا يسقط مساهمة الأستاذ الجليلة، ولن يفلح لو فعل.
بقي علي أن أضيف أن مساهمة الأستاذ محمود محمد طه لم تقف بأصالتها عند حدود التجديد
النظري بل امتدت إلى كافة مجالات العمل الحركي السياسي والتربوي المنظم. فقد كان تنظيم
"الإخوان الجمهوريين" نموذجًا ممتازًا للجماعة الملتزمة المنضبطة النشطة. وكانت حلقات
حوارهم التعليمية "ندوة الخميس" ومؤتمراتهم و"أركان النقاش في الشوارع والمؤسسات
التعليمية" (وهي تقليد ابتدعوه ثم انتشر عنهم في الحركة الفكرية والسياسية في السودان)
صورًا حي ً ة للممارسة الديمقراطية الراشدة. (تشرف كاتب هذه السطور بحضور الكثير منها).
هذا على الرغم مما يمكن أخذه عليهم من بعض اضطراب في التحليل السياسي والمواقف
المتصلة بمبادئ الديموقراطية. (في بعض لحظات فترة حكم النميري بالذات) مما ليس يسعه
الحيز هنا. فض ً لا عن عدم خلو طرف أي حركة فكريةٍ أو سياسيةٍ في البلاد عن مثل هذه
المزالق في وقت أو آخر. أما ملحمة الرجل الحقيقية فقد تمثلت بحق في وقفته الجليلة،
المجللة بنصاعة الحق وأنوار الفداء العظيم، أمام قضاة السوء أو ً لا: فقد ظل يردد أمام
المحكمة كلما عرضوه عليهم، أم ً لا في أن تلين قناته فينتزعوا منه نأمة من تنازل: "أنا أعلنت
رأي مرارًا، في قوانين سبتمبر 1983 من أنها مخالفة للشريعة الإسلامية وللإسلام. أكثر من
ذلك، فإنها شوهت الشريعة، وشوهت الإسلام، ونفرت عنه .. يضاف إلي ذلك أنها  وضعت
واسُتغلت لإرهاب الشعب وسوقه إلي الاستكانة عن طريق إذلاله، ثم إنها هددت وحدة البلاد..
هذا من حيث التنظير. أما من حيث التطبيق، فإن القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير
مؤهلين فنيًا وضعفوا أخلاقيًا عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم تحت سيطرة السلطة
التنفيذية، تستعملهم لإضاعة الحقوق وإذلال الشعب، وتشويه الإسلام، وإهانة الفكر
والمفكرين، وإذلال المعارضين السياسيين. ومن أجل ذلك، فإني غير مستعد للتعاون مع أي
محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل ورضيت أن تكون أداًة من أدوات إذلال الشعب وإهانة
الفكر الحر، والتنكيل بالمعارضين السياسيين".( 35 ) كان هذا حديث الرجل إلى المحكمة التي
كان يعلم أنها أضمرت قتله أو إذلاله بالتراجع عن آرائه، حديث رجل  سلِّط على عنقه سيف

23
إرهابٍ مشرعٍ مديدٍ طوله ألف وثلاثمائة عام ونيف، فما زاغ بصره وما طغى، ولا أقول لم
يرمش له طرف، بل لم يهتز منه ظل من خاطرة في أعمق أعماق طبقات وعيه الباطن:
وقد كان فو ُ ت الموتِ سه ً لا *** فساقه إليه الحفا ُ ظ الم  ر والخل ُ ق الوع  ر!
وأمام المشنقة ثانيًا: فعندما أحكموا حبل الموت حول عنقه وأزاحوا غطاء الرعب عن وجهه
الوضيء وجدوا رجلا يبتسم لا ساخرًا ولا مستهزئًا بالموت بل موقنًا بالفداء الكبير مطمئنًا
إلى "اختيار ربه" منسجمًا حتى "النهاية" مع منطقه التوحيدي وهذا أقصى ما يصل إليه
الصدق. وهكذا فقد مضى "إلى الخلود بط ً لا ورائدًا وقائدًا رعيل الشهدا ورمز إيمان جديد
( بالفداء ... وبالوطن". ( 37
أقول هذا وأنا جد قلق مستوحش من أن أكون قد أسأ ُ ت الوقوف في حضرة هذا "الشيخ"
الجليل.
هوامش
. 1) أنظر "أبوزيد والخطاب الديني"، في قضايا فكرية. الكتاب الثالث والرابع. القاهرة 1993 )
2) أنظر "الرسالة الثانية من الإسلام". وهو أكثر كتبه تفصي ً لا في الموضوع بطبيعة الحال. وقد أصدرت )
المنظمة السودانية لحقوق الإنسان طبعة جديدة له (يناير 1996 ) بمناسبة الذكرى الحادية عشر لاغتيال
الأستاذ. وهي النسخة التي نرجع إليها هنا.
3) وهو عنوان كتاب صدر في هذا الموضوع، أمدرمان، (بلا تاريخ) )
. 4) "رسالة الصلاة"، أمدرمان، بلا تاريخ (النسخة التي عندي منزوعة الغلاف في الواقع). ص 52 )
.16- 5) الرسالة الثانية من الإسلام، ص ص 15 )

24
. 6) نفس المصدر، ص 20 )
. 7) نفسه، ص 9 )
. 8) نفسه ، ص 127 )
. 9) نفسه، ص 120 )
103 ، 10 ) نفسه، وقد وردت هذه الآيات في أكثر من موضع في هذا المعنى، انظر ص ص. 38 )
11 ) نفسه ، ص. 83 )
12 ) أوردها عبدالله النعيم، " م.م. طه وإشكالية التجديد، في م.م. طه وإشكالية التجديد"، مركز الدراسات )
السودانية، الدار البيضاء ، 1992
13 ) الرسالة الثانية، ص. 97 )
. 14 ) نفسه، ص 91 )
15 ) المصدر السابق، ص. 114 )
16 ) نفس المصدر، ص. 24 )
17 ) الرسالة الثانية، ص. 23 )
18 ) نفسه، ص. 100 )
19 ) نفسه، ص. 103 )
20 ) نفسه، ص. 103 )
21 ) نفسه، ص. 104 )
22 ) نفسه، ص. 104 )
23 ) نفسه، ص. 105 )
24 ) نفسه ، ص. 109 )
111- 25 ) نفسه ، ص ص. 107 )
26 ) نفسه، ص ص. 16 وانظر أيضا ص. 84 )
27 ) نفسه، ص. 17 )
17- 28 ) نفسه، ص ص. 18 )
29 ) الرسالة الثانية، ص. 103 )
30 ) يحرص عبدالله على إثبات ضمير المؤنث بين قوسين في خطابه كناية عن شموله للجنسين، وهذا )
حل معقول نسبيا في ظل الذكورية المسيطرة ل"جميع" اللغات.
Société Soudanaise des Etudes et Recherches en Arts, Lettres et Sciences Humaines
Sudanese Society for Research in Arts and Humanities
 م ا

ن وا

داب وا  ا  ث

ت وا  را 
 دا

ا 
ا
www.sudaneseonline.com
25
31 ) الرسالة الثانية من الإسلام، ص. 20 )
32 ) نفس المصدر، نفس الصفحة. )
33 ) أنظر دراسته "حرية الفكر بين السياق الإسلامي والسياق المعاصر". في محمود محمد طه رائد )
68- التجديد الديني في السودان، مصدر سبق ذكره، ص ص 57
34 ) أنظر في هذا الخصوص العرض الممتاز للمشكلة الذي قدمته الدكتورة فيوليت داغر في كتيب )
بعنوان "الطائفية وحقوق الإنسان" مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان. 1996
35 ) النص المشهور (في السودان). وقد أخذته هنا عن مقدمة المنظمة السودانية لحقوق الإنسان للطبعة )
الخاصة التي أصدرتها من كتاب "الرسالة الثانية ..." التي سبق ذكرها.
36 ) قوانين سبتمبر 1983 هي القوانين الشهيرة التي سنَّها جعفر نميري على أثر "اللوثة الدينية" التي )
اعترته في أواخر سنوات حكمه وقد كان مصممها الحقيقي ومحرك خيوط لعبتها من وراء الستار هو
الدكتور حسن الترابي. وقد هللت لها كل الفرق "الإسلامية" وسمتها "قوانين الشريعة". إلا أن الأستاذ
وتلاميذه رفضوا هذه التسمية وأسموها ب"قوانين سبتمبر" فصار ذلك مصطلحًا ثابتًا في اللغة السياسية في
السودان.
37 ) المقطع الشعري لمحمد المكي إبراهيم وهو شاعر سوداني مجيد جهلت أمره هو الآخر حركة التجديد )
في الشعر العربي جه ً لا لا يليق. من ديوانه "أمتي" والمقطع ليس في الأستاذ محمود، وإنما قيل في أول
شهيد لثورة أكتوبر السودانية 1964 (أحمد قرشي طه ولا علاقة لاسم جده بالأستاذ). وهو مما يناسب مقام
كل شهادة عظيمة عامرة بالحياة.
* استوحشت من عبارة "الوحيد الممكن" ولم أجد من حلٍ مناسب سوى وضعها بين
مزدوجتين. ثم لا أزال منزعجًا منه فمعذرة.
** الأستاذ هواللقب الذي أطلقه عليه تلاميذه تمييزًا له عن الشيوخ التقليديين.
*** لا يقر الأستاذ اختلاف النوع أص ً لا ويعتبره مناقضًا للتوحيد. وبهذا المعنى ينبغي أن
ُتفهم إشاراته لاختلاف المقدار حيثما وردت.

http://sudaneseonline.com/sections/special-files/MMTaha/ustazMMtahap1.html

Post: #736
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-24-2008, 01:57 AM
Parent: #1


"ماذا نفعل بمشكلة الشرق الأوسط"؟

"تعقيب على د. حسن موسى
بقلم: سعد عبدالله أبونورة
مسقط - سلطنة عمان
مقدمة:
أخرج الدكتور الفاضل (حسن موسى) مقالاً بعنوان (ماذا نفعل بـ "مشكلة الشرق الأوسط") في الملف الخاص الذي أصدره منبر (سودان للجميع) بمناسبة الذكرى الثانية والعشرين لاستشهاد الأستاذ (محمود محمد طه) . ومن خلال قراءتي لمقال الدكتور حسن موسى تبين لي أن قراءته النقدية قد غلب عليها عدم التأني والانتقائية في فهم الاستقراء التاريخي والتحليل السياسي المطولين لموضوع الصراع العربي الاسرائيلي الذي انتهجه كتاب (مشكلة الشرق الأوسط) ، كما أنه قد قفز إلى نتائج غير موضوعية ، حين قال بأن (( مركز الثقل الفكري فيه يتبلور عند سؤال الهوية)) ، وذلك كمقدمة لتصنيفه للجمهوريين بأنهم ((بهذه النظرة لا يقلون عروبة عن القوميين العرب "ناصريين كانوا أو بعثيين" لأنهم رأوا في العرب جوهراً عرقياً أو ـ و ـ دينياً يصطفيهم كما اليهود لأداء مهمة لا يقدر عليها سواهم. و"شعب الله العربسلامي المختار" هنا يطرح نفسه خارج العالم وبالمقارنة مع العالم وقيل ضد العالم بدلا من أن يطرح نفسه في العالم وكجزء من العالم. جزء من "الناس")) .. وهو أمر غير صحيح على إطلاق العبارة ، لأنه ومنذ البداية وبالنسبة لأي قارئ جيد لفكر الأستاذ محمود محمد طه ، يعلم بأن محور هذا الفكر هو (الانسان) من حيث هو إنسان ، وهو فكر يتجاوز مرحلة (البشرية) ، بشرية عالم اليوم المتصارعة حول مفاهيم الدين والعرق والهوية والعنصر ، إلى مرحلة (الانسانية) التي لا يتفاضل فيها الناس بالعنصر والعرق والدين ، وإنما بموهبتي (القلب السليم والعقل الصافي) واللذين هما حظ كل إنسان من حيث هو إنسان وهي الفطرة التي فطر الله الناس عليها جميعاً من حيث هم ناس ، قبل أن تقوم ثقافات المجتمع البشري المختلفة بتشكيل وعيهم (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه) .. فالفكرة الجمهورية وبشكل صارم ضد أي مفاهيم قومية أوعنصرية ، سواء كانت من جانب اليهود أو العرب أو الشعب الآري .. ويكفي استشهاداً في هذا الأمر وصف الأستاذ محمود في كتابه (مشكلة الشرق الأوسط) للعرب بأنهم ((يحاربون بالعنصرية العربية ، العنصرية الاسرائلية "الصهيونية" .. يهود يحاربون يهوداً!)) ويضيف الأستاذ محمود قائلاً في نفس الكتاب ((أمام عودة الإسلام عقبات كثيرة، نذكر منها إثنتين: دعوة القومية العربية، والدعوات السلفية الى الإسلام: فأما القومية العربية فقد أسلفنا طرفا من الحديث عنها، وقلنا أنها دعوة عنصرية في وقت خلّفت البشرية فيه الدعوات العنصريات وراءها، وأخذت تستقبل عهد الصراع الفكـري، والمذهبي. ويزعم أنصار هذه الدعوة أنها ليست عنصرية بحجة أنها دعوة لا تستعلي بعنصريتها على أحد، ولا هي تدعو لاضطهاد العنصريات الأخريات. وأمرهم في هذا جد يسير، فكونها لا تذهب في شطط العنصرية الى هذا الحد البشع لا ينفي عنها كونها عنصرية.. وقد ينفي عنها كونها عنصرية متطرفة.. ونحن لا نريد الدعوات العنصريات وان كانت موزونة، ومعتدلة وذلك لأنها لا تقوم على مذهبية)) كتاب مشكلة الشرق لأوسط ـ الفصل السابع .

يشكل هذا النص قطيعة جذرية مع أي فكر عروبي أو اسلاموي سلفي ، وبشكل لا يبرر للدكتور حسن موسى توصيفه للجمهوريين بأنهم ((لا يقلون عروبة عن القوميين العرب "ناصريين كانوا أو بعثيين" لأنهم رأوا في العرب جوهراً عرقياً أو ـ و ـ دينياً يصطفيهم كما اليهود لأداء مهمة لا يقدر عليها سواهم. و"شعب الله العربسلامي المختار")) .. فعند الأستاذ محمود لا يوجد أصلاً شئ يسمى القومية العربية ، فهو ينقد هذا المفهوم بقوله (( والحق ان ليس للعرب فلسفة الا فلسفة تقوم على أديم الاسلام، فاذا زعم دعاة القومية العربية لها انها وحدة الثقافة ووحدة التاريخ ووحدة اللغة فقد وجب ان يذكروا ان العرب لم يكونوا شيئا مذكورا قبل الاسلام، فهم لم يكن لهم ثقافة، ولم يدخلوا التاريخ قبل ان يكونوا مسلمين، و كانت لغتهم لهجات قبلية متفرقة لم تتوحد الا بعد ان جاء القرآن بلغة قريش فوحدها – فالاسلام هو الذي أعطى العرب الثقافة، وهو الذي أعطاهم اللغة، وهو الذي جعل لهم تاريخا يذكر، اذا ذكرت تواريخ الامم)) ـ كتاب مشكلة الشرق الأوسط ـ الفصل الثالث ..

الحل العاجل لمشكلة الشرق الأوسط

يقفز الدكتور حسن موسى قفزاً للحديث عن (الحل الآجل) لمشكلة الشرق الأوسط في الصفحة الأولى من مقاله دون أي حديث عن (الحل العاجل) المطروح في الكتاب ، بالشكل الذي يوحي وكأن الأستاذ محموداً لم يطرح حلاً عملياً للمشكلة أسماه (الحل العاجل) وإنما هو قد طرح فهماً طوباوياً نبيلاً آجلاً يربط الحل النهائي لمشكلة الشرق ألأوسط بحل أزمة الحضارة الغربية المادية .. بل أن الدكتور حسن موسى قد تجافى التزام الموضوعية تماماً في عدم ذكره لتفاصيل (الحل العاجل) كما هو مذكور في الكتاب أو حتى الإشارة إليه ولو بكلمة واحدة ـ وهو الحل الذي اضطر العرب إليه اضطراراً من الناحية العملية ـ إذا أن ذلك من شأنه أن يفند الكثير مما ساقه الدكتور حسن موسى ، عن ما أسماه (الفكرة الطوباوية النبيلة ) التي (ظلت على الدوام تؤثث خلفية كل التحليلات السياسية التي بذلها الجمهوريون لواقع العلاقات السياسية في الشرق الأوسط) .. ويجهد الدكتور حسن موسى نفسه في الكثير مما بذله في هذا المقال ، في أن يثبّت لدى القارئ ذهنياً صورة التفكير الطوباوي النبيل لدى الأستاذ محمود والجمهوريين ، فيختار من العبارات ما يؤكد هذا المعنى ، حيث يقول مرةً (قلت أن البعد الآيديولوجي الانقاذي يطمس بصيرة التحليل الجيوبولوتيكي لكتاب "مشكلة الشرق الأوسط") ويقول حيناً آخراً (وفي هذا المنظور ، منظور انقاذ الحضارة الإنسانية بحالها ، فنحن أبعد من ما نكون عن الطموح السياسي البراغماتي الذي يريد حل النزاع العربي الاسرائيلي وحده بصرف النظر عن المخاطر التي قد تتهدد الحضارة الإنسانية).

عليه فما هي تفاصيل (الحل العاجل) الواردة في كتاب "مشكلة الشرق الأوسط" ؟

في الفصل السابع من الكتاب وتحت عنوان (الحل العاجل) ورد الآتي :

((الحل العاجل

ان على العرب ان يعلنوا للعالم على الفور انهم، إيثاراً منهم لعافية الدول ، وتضحيةً منهم في سبيل السلام العالمي، وابقاءً منهم على المنظمة العالمية العظيمة ، ورعايةً منهم لصالحهم هم انفسهم ، يقبلون التفاوض مع دولة اسرائيل ، تحت اشراف الامم المتحدة ، (ومجلس الامن بشكل خاص) وعلى ان يكون التفاوض على أساس قراري الامم المتحدة ، المتخذين في التاسع والعشرين من نوفمبر عام 1947 (قرارالتقسيم)، وفي الحادي عشر من ديسمبر عام 1948 (قرار إعادة اللاجئين) . وهما القراران اللذان التزمت بهما دولة اسرائيل لدى دخولها هيئة الامم ، وقد وردت الى ذلك الالتزام الاشارة في القرار الذي اتخذته الجمعية العامة في الحادي عشر من شهر مايو عام 1949، وهو القرار الذي يقضي بقبولها في الهيئة، وينص ((في ديباجته على ان اسرائيل قد تعهدت باحترام التزاماتها تجاه ميثاق الامم المتحدة منذ قيامها ، أي في الرابع عشر من آيار (مايو) عـام 1948، كمـا ينـص على التذكيـر بقـراري 29 تشـرين الثـاني (نوفمبر) عـام 1947 (قرار التقسيم)، والحادي عشر من كانون الأول (ديسمبر) عام 1948 (قرار إعادة اللاجـئيـن).)) عن كتاب ((قضايانا في الأمم المتحدة)) .. وسيكون هدف المفاوضة المباشرة مع اسرائيل تحت اشراف مجلس الأمن، الآتى :-
1) انهاء حالة الحرب التي ظلت قائمة بين العرب واسرائيل ، والاعتراف لاسرائيل بحق البقاء في سلام ، وامن ، واحترام لسيادتها على أراضيها .
2) احترام حق اسرائيل في المرور البري بالممرات المائية - خليج العقبة ، وقناة السويس .
3) انسحاب القوات الاسرائيلية ، والسلطات الاسرائيلية ، من الاراضي العربية التي احتلتها اسرائيل على التوالى : في حروب 15 مايو عام 1948، و29 أكتوبر عام 1956، و5 يونيو عام 1967.
4) ارجاع اللاجئين العرب الذين أخرجوا من ديارهم ، أثناء هذه الحروب ، أو بعدها ، وتعويضهم عن جميع ما تعرضوا له من خسائر . وتوطين من لا يرغبون منهم في العودة الى داخل الحدود الإسرائيلية ، في الأرض الفلسطينية ، التي خصصها مشروع التقسيم الأصلي للعرب ، مع تعويضهم أيضا.. وهذا يعني تنفيذ مشروع التقسيم الأصلي .
5) ضمان مجلس الأمن (الامم المتحدة) لحدود الدولة العربية الجديدة ، التي تنشأ نتيجة لتنفيذ مشروع التقسيم الاصلي ، ولتأكيد هذا الضمان توقف ، على الفور، الهجرة اليهودية الى دولة اسرائيل ، وذلك لان زيادة السكان الناتجة عن استمرار الهجرة ستجعل اسرائيل مضطرة الى التوسع ، وقد تصبح مهددة بذلك لامن جيرانها ، وسلامة اراضيهم .
6) تأخذ هيئة الامم على دولة اسرائيل تعهدا بالا تحاول أي توسع في أرض أي من الدول العربية المجاورة لها . فاذا جرت منها أية محاولة فان مسئولية ايقافها عند حدها تقع على عاتق المنظمة الدولية ، مجلس الامن والجمعية العامة .

فاذا ملك الزعماء العرب هذه الشجاعة، وهي شجاعة سيحتاجونها لمواجهة شعوبهم ، (وذلك ، على كل حال ، أفضل من التضليل الذي يمارسونه الآن) فان موقف اسرائيل سيصبح ضعيفا.. ولكنها امام اغراء اعتراف العرب بها ، وامام الرأي العام العالمي ، في المنظمة وخارجها ، لن تجد بداً من الموافقة. فاذا ما أبرم الحل العاجل بصورة مرضية فقد أصبح على العرب ان يباشروا الحل الآجل .))

فلو أن الدكتور حسن موسى قد أورد (الحل العاجل) المطروح في الكتاب والمذكور أعلاه ، لكان قد اتضح بأن هذا الحل يتوجه أيضاً إلى (حل النزاع العربي الاسرائيلي وحده بصرف النظر عن المخاطر التي قد تتهدد الحضارة الإنسانية) . ولكن ذلك لا يخدم غرض الدكتور حسن موسى من مقاله الرامي لوصف الأفكار الواردة في الكتاب بالطوباوية النبيلة وبعدم الواقعية ، لذلك تجاهل أي حديث أو إشارة للحل العاجل للمشكلة المطروح في الكتاب .

والآن فلننظر ماذا فعلت حركة التحرر العربي ، في شقها الفلسطيني ، بالاقتراحات العملية التي قدمها الأستاذ محمود في (الحل العاجل) وبعد مرور ثلاثين عاماً من كتاب "مشكلة الشرق الأوسط" ؟

يورد موقع الهيئة العامة للاستعلامات ـ السلطة العربية الفلسطينية على الإنترنت حالياً البرامج السياسية للمنظمات الفلسطينية ، ومن ضمن هذه المنظمات يستعرض الموقع البيان السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ، والتي كانت من المنظمات الماركسية المنخرطة في النضال الفلسطيني المسلح ضد اسرائيل والرافضة للتفاوض مع اسرائيل والتصالح معها ، والذي نورده أدناه :

(( السلطة الوطنية الفلسطينية
الهيئة العامة للاستعلامات
مركز المعلومات الوطني

البرنامج السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

· المسألة الوطنية الفلسطينية هي في جوهرها مسألة التبديد القومي لشعب فلسطين واقتلاعه من وطنه وتقسيم واحتلال بلاده فلسطين وحرمانه من حقه الطبيعي في تقرير مصيره.
· الحركة الوطنية الفلسطينية هي حركة وطنية تحررية مهمتها التاريخية في انجاز حل ديمقراطي جذري للمسألة الوطنية الفلسطينية بكل أبعادها .
· ان تصاعد النضال الوطني التحرري للشعب الفلسطيني والشعوب العربية يؤدي الى فضح الطبيعة الوهمية للحل الصهيوني وينمي القناعة بان الطريق الوحيد الى السلام هو التعايش بين الشعبين في فلسطين ديمقراطية موحدة.
· يتحدد الهدف المرحلي في انتزاع حق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير المصير واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة بعدوان 1967 وهي الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشريف.
· اعلان دولة فلسطين وربط سياستها الكاملة على الأراضي المعترف بها دولياً كأراضي فلسطين محتلة وفقاً لقرارات مجلس الأمن رقم 605 - 607 - 608 وهي أراضي الضفة الفلسطينية بما فيها القدس وقطاع غزة حتى حدود 4 حزيران 1967 .
· دعوة حكومة اسرائيل الى اجراء مفاوضات لاقرار سلام دائم ومتوازن على أساس تطبيق قراري مجلس الأمن 242 - 338 الذين يقران مبادلة الأرض بالسلام والحل العادل لقضية اللاجئين والنازحين.
· بناء اجماع وطني على الحدود الدنيا التي لايمكن ابرام أي اتفاق للحل بدون ضمانها وهي :
أ. الانسحاب الاسرائيلي الكامل الى حدود 4 حزيران 1967 وتطبيق قراري مجلس الامن 242/338 .
ب. ابطال الضم الاسرائيلي للقدس الشرقية عملاً بالقرار الدولي 478 والاعتراف بها عاصمة لدولة فلسطين المستقلة .
ج. تفكيك الوجود الاستيطاني ورحيل المستوطنين عملاً بالقرار الدولي رقم 465 .
د. الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير بما يعني الاستقلال والسيادة الكاملة على أرضه الوطنية في الضفة الفلسطينية بما فيها القدس وقطاع غزة .
هـ. التمسك بحقوق اللاجئين وفقا للقرار 194 الذي يكفل لهم حق العوده والتنفيذ الفوري للقرار 237 الخاص بعودة النازحين .

· التأكيد على ان قيام الدولة المستقلة لن يشكل مساساً بحق اللاجئين في العودة وفقاً للقرار 194 .
· تعزيز التعبئة الشعبية الشاملة ضد الاحتلال داخل الوطن باتخاذ الاجراءات التي تكفل ازالة عوامل الاحتقان والتوتر بين السلطة والشعب .
· تأمين مقومات الصمود الاقتصادي للتحرر من اعباء بروتوكول باريس الاقتصادي .
· استنهاض دور جماهير الشعب الفلسطيني في الشتات تاكيدا لوحدته في اماكن تواجده.
· تعزيز التواصل والالتحام المصيري مع جماهير شعبنا داخل حدود الـ 48 ، باعتباره جزءا لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني .
· التحرك على الصعيد العربي لضمان دعم الدول الشقيقة للخيار الوطني الفلسطيني .)).

عليه فإنه في يومنا الحاضر هذا ومن الناحية العملية أصبحت الدول العربية (مبادرة الرياض) والمنظمات الفسطينية الماركسية والقومية منها ، على السواء ، تتبنى (الحل العاجل) للمشكلة وكما طرحه الأستاذ محمود قبل ثلاثين عاماً ، والذي يتضمن الاعتراف باسرائيل وقبول قرار التقسيم .

ولقد كان الاستاذ محمود يريد للعرب ان لا يصلوا لهذه المذلة والمهانة ، وان لا يفقدوا مافقدوه من ارواح ابنائهم ، بأن يساوموا بالاعتراف بأسرائيل ، في وقت كان فيه للاعتراف قيمة في المساومة (عام 1967) ، وأنذرهم عاقبة الابطاء ، مما يفوت الفرصة ، ويفقد الاعتراف قيمته في المساومة ، فيضطروا للاعتراف بأسرائيل دون ان يقبضوا الثمن ، وهذا بكل أسف ، هو ماحدث بالفعل . يقول الأستاذ محمود في في الفصل السابع من الكتاب وتحت عنوان (المفاوضات المباشرة) ، وهو يرى ما ستؤول إليه الأوضاع في المستقبل من حصول إسرائيل على اعتراف العرب بها كدولة دون أي ثمن يقبضه العرب بالمقابل :

((كما قلنا ، فان اعتراف العرب باسرائيل واقعيا ، وعمليا حاصل ، وكل المشاريع التي تقدم في المنظمة العالمية الآن ترمي الى تسجيل هذا الإعتراف . لا يختلف في ذلك أصدقاء العرب ، أو أصدقاء اسرائيل . ولعل كل ما هناك من اختلاف بين الفريقين هو هل يكون الجلاء قبل تسجيل هذا الاعتراف أم بعده؟؟ وهناك إصرار اسرائيل على التفاوض المباشر. وأمام هذه الإصرار فان اسرائيل ستكون مستعدة لتنازل كبير، قد لا يكون ممكنا بغير قوة المساومة التي يحملها هذا الاعتراف من جانب العرب ، ومن مصلحة القضية العربية الا تضيع قوة المساومة هذه بتمسك العرب بعدم الاعتراف اللفظي ، مع أن الاعتراف عمليا واقع ، ومع الزمن ، فان اسرائيل ستحصل على هذا الاعتراف ، بدون أن تدفع عليه ثمنا كافيا للعرب)) ..

كما أشار الأستاذ محمود في الفصل السادس من الكتاب وتحت عنوان (الاعتراف باسرائيل من مصلحة العرب) لهذا الأمر أيضاً :

((ولكن العرب يرفضون هذا الاعتراف بدولة اسرائيل ، وهم ، ان اردت الدقة ، لا يرفضونه الا شكلا ، ولا يرفضونه الا قولا.. ولكنهم مضمونا ، وعملا ، لا يرفضونه.. هذا من أشد الامور مدعاة للاسف ، وهو في نفس الوقت من أدل الدلائل على جهل القيادات العربية ، وقلة حنكتها ، ذلك بان اسرائيل في فترة الاصرار على عدم الاعتراف بها قد تقوت ولا تزال تتقوى ، عسكريا ، وسياسيا ، ودبلوماسيا ، واقتصاديا ، وبشريا . ثم هى ستنال الاعتراف الكامل بها بعد ان تفرضه وبعد ان يكون العرب كما هو واضح الآن ، قد قدموه على أقساط ، وبعد ان يكون على ذلك قد فقد قيمة المساومة التي كان ولا يزال يحظى بها .. فكأن اسرائيل ستحرز اعتراف العرب بها بدون ان يقبض العرب من اسرائيل ثمن هذا الاعتراف )) .


كان يمكن الإجابة وبكل بساطة على تساؤل الدكتور حسن موسى عن (ماذا نفعل بمشكلة الشرق الأوسط؟) بقولنا أن هذا التساؤل قد أجاب عليه التاريخ فاصبح مقترح (الحل العاجل) هو لب الحل السياسي للمشكلة الذي أجمعت عليه جامعة الدول العربية (مبادرة الرياض) ، واصبحت حتى المنظمات الفلسطينية الماركسيه تتبناه كبرنامج سياسي لها (البرنامج السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين كما ذكرناه أعلاه) .. ولكن الإجابة ليست بهذه البساطة ، ذلك أنه عندما فكر العرب في التفاوض مع اسرائيل والاعتراف بها وقبول قرار التقسيم ، فقدوا قيمة المساومة الذي كان يمكن أن يتمتعوا بها في اللحظة الزمنية التاريخية الحرجة في عام 1967 حينما كانت اسرائيل مستعدة للتفاوض وقتها معهم . أما الآن فإن اسرائيل ترفض إطلاقاً موضوع عودة اللاجئين العرب للأراضي الاسرائلية ، وترفض التخلي عن القدس الشرقية ، كما أنها تقول بأن دولة فلسطين في حالة قيامها في قطاع غزة والضفة الغربية سوف لن تكون على كامل أراضي الضفة الغربية كما كان عليه الوضع في عام 1967 ، كما صرحت وزيرة الخارجية الاسرائلية (ليفني) قبل بضعة أيام .

هل أخطأت نظرة الدكتور حسن موسى النقدية كل هذه الحقائق ، وهل يمكن القول ( أن رجلاً واسع الاطلاع) عارفاً بكل مآلات التطورات السياسية لقضية الشرق الأوسط مثله ، قد اشتبهت على بصيرته السياسية أن يرى في ما طرحه الأستاذ محمود من حل عاجل لمشكلة الشرق الأوسط أي واقعية براغماتية (بمعنى عملية) أثبتت الأحداث صحتها ، بالشكل الذي يسوغ له أن يقول عن منظور الحل المقدم في كتاب "مشكلة الشرق ألأوسط" (فنحن أبعد من ما نكون عن الطموح السياسي البراغماتي الذي يريد حل النزاع العربي الاسرائيلي وحده بصرف النظر عن المخاطر التي قد تتهدد الحضارة الإنسانية) .. ثم إن الدكتور حسن موسى يناقض نفسه بنفسه في وصفه للأفكار الواردة في الكتاب بأنها (طوباوية نبيلة) وينعى عليها قصورها عن (الطموح السياسي البراغماتي) ، حين يعمد مرة أخرى لوصف كتاب مشكلة الشرق الأوسط بأن منهجه براغماتي مغرض فيقول (إن كتاب "مشكلة الشرق الأوسط" يظل من الكتب المهمة التي أصدرها الجمهوريون لأنه يضيء منهج التفكير السياسي الجمهوري على الأقل في تلك الفترة بطريقة بريئة في إنتقائيتها، طريقة تؤشر لتغول البراغماتية السياسية المغرضة حتى لا أقول "الانتهازية السياسية" على منطق الفكر الحر الذي لازم جهد التجديد الديني عندهم) . فبين قطبي التوصيف المتناقض والمتأرجح بين "البراغماتية" و"الطوباوية النبيلة" أخطأت نظرة حسن موسى النقدية أن ترى الحقيقة الموضوعية المجردة والمتمثلة في أن (الحل العاجل) الوارد في الكتاب ، هو مايسعى العرب والفلسطينيون جاهدين لتحقيقه الآن دون أن يظفروا من ذلك بأي طائل . ومن هذا المنظور ، منظور (الحل العاجل) الذي توافى عليه أخيراً كل من الدول العربية والمنظمات الفلسطينية ، فإن كتاب "مشكلة الشرق ألأوسط" ليس ("كعب أخيل" الميراث السياسي الجمهوري) كما خيٌل للدكتور حسن موسى ، وإنما هو الحجر الذي رفضه البناؤون في بادئ الأمر فأصبح "حجر الزاوية" ، كما قال السيد المسيح (الحجر الذي أباه البناؤون قد أصبح حجر الزاوية) ..

تم الجزء الأول من التعقيب ويليه :
الجزء الثاني .. الحرب الباردة وحركات التحرر الوطني
الجزء الثالث .. الحل الآجل لمشلكة الشرق الأوسط

Post: #737
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-24-2008, 01:58 AM
Parent: #736


2

الحرب الباردة وحركات التحرر الوطني

عقب الحرب العالمية الثانية وما تمخضت عنه من تعاظم لنفوذ الاتحاد السوفييتي في أوروبا وبروز الكتلة الشرقية ، استعرت الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي ، واصبحت الكثير من مواقف الاتحاد السوفييتي تمليها مقتضيات الصراع الاستراتيجي الدولي بينه وبين أمريكا على اقتسام وإعادة اقتسام مناطق النفوذ في العالم . وفي حقبة الحرب الباردة مارس الاتحاد السوفييتي وحلفاؤه في المعسكر الاشتراكي عملاً دعائياً منظماً فحواه أنه يمكن لدول العالم الثالث أن تتجنب ويلات السير في ركاب طريق التطور الراسمالي ، وذلك بالسير في طريق التطور اللارأسمالي عن طريق التحالف مع المعسكر الاشتراكي . ومن هذا المنظور رفع الاتحاد السوفييتي شعارات التحالف والصداقة مع الكثير من الدول التي استقلت عن الاستعمار الغربي وحركات التحرر الوطني التي كانت تسعى وقتها للتحرر من الاستعمار الغربي . وعلى الرغم من الصورة الرومانسية الزاهية التي رسمها الاتحاد السوفييتي لنفسه كدولة اشتراكية تسعى لمساعدة دول العالم الثالث ، دون أي نزوع للهيمنة وبشكل يخلو من أي غرض استعماري لاستغلال هذه الشعوب واستغلال مواردها ، إلا أن هذه الصورة لم تكن مطابقة لواقع الأمر ، ولم تكن دوافع الاتحاد السوفييتي مبرأة تماماً عن الهيمنة والتحكم في مصائر الشعوب . كما أن هذه الدوافع النبيلة ، قد وجدت دوماً من يتشكك في مصداقيتها حتى داخل المعسكر الاشتراكي نفسه ، وذلك حين ارتطمت رغبة الشيوعيين المجريين بقيادة (إيمر ناجي) في تأسيس نموذجهم الاشتراكي الوطني في عام 1956 بجدار الهيمنة السوفييتية وتعرضت تلك التجربة للقمع العسكري العنيف من قبل الاتحاد السوفييتي . وتكررت نفس التجربة في ربيع (براغ) عام 1968م حين حاولت تشيكوسلوفاكيا تحت قيادة (الكسندر دوبتشيك) سلوك نفس التجربة ، فأطاحت الدبابات السوفيتية بذلك الحلم .. وفي كل الأحوال تم دمغ مثل هذه التجارب بالنزعات الشوفينية من قبل الاتحاد السوفييتي . ولم تجد الصين الشيوعية مفراً من سلوك طريقها الخاص في تطبيق الاشتراكية ، في تحدٍ واضح للهيمنة السوفيتية ، بل أنها قد عمدت إلى إدانة ما أسمته بالامبريالية السوفييتية الجديدة . وتأست ألبانيا تحت قيادة (أنور خوجة) بالنموذج الاشتراكي الصيني في قطيعته الكاملة مع الاتحاد السوفييتي .

عليه فإن الصورة المثالية التي حاول الدكتور حسن موسى أن يضفيها على موضوعة تحالف ما يسمى بالأنظمة التقدمية العربية وحركة المقاومة الفلسطينية مع المعسكر الاشتراكي في ظل أجواء الحرب الباردة تعتبر صورة مغايرة للواقع الموضوعي في ذاك الوقت .. يقول الدكتور حسن موسى :
(فتحت شروط الحرب الباردة أمكن تفكيك آلة الاستعمار الكلاسيكي في بلدان العالم الثالث سواء عن طريق الضغوط السياسية السلمية سواء عن طريق النضال المسلح الذي مكن لبعض حركات التحرر أن تتقدم على درب التحرر مسنودة بحلفاء موضوعيين معادين للامبريالية. تحت شروط الحرب الباردة تمكن الشعب الفيتنامي من هزيمة آلة القهر الطبقي للإمبريالية الأمريكية وبناء دولة السيادة الوطنية. وتحت شروط الحرب الباردة أمكن لبعض البلدان المتحررة أن تباشر بعض الإصلاحات المهمة في بنى الاقتصاد وإطلاق التنمية الاجتماعية التي استفادت منها أجيال ما بعد الاستقلال)

ذلك هو بالضبط ما آمن به عبد الناصر وما آمنت به الأنظمة العربية وما آمنت به حركة المقاومة الفلسطينية ، فهي لم تفعل أكثر مما قاله الدكتور حسن موسى حين حاولت أن (أن تتقدم على درب التحرر مسنودة بحلفاء موضوعيين معادين للامبريالية) فكيف ساعدها هؤلاء الحلفاء (الموضوعيين المعادين للامبريالية)؟ في حرب يونيو 1967 دفع الاتحاد السوفييتي عبد الناصر دفعاً للحرب ، فنقل إليه معلومات خاطئة مفادها أن اسرائيل تحشد قواتها لغزو سوريا ، ثم في اللحظة الأخيرة طلب منه عدم البدء بالضربة ألأولى ، ليتلقى عبد الناصر هذه الضربة الأولى ، ويخذله السوفييت فيخسر الحرب . وهذا هو ما فعله السوفييت أيضاً في الحرب الخامسة في لبنان ، فيما تنقله لنا مقدمة الطبعة الثانية لكتاب (التحدي الذي يواجه العرب) والتي صدرت في النصف الثاني من عام 1982 إبان الغزو الاسرائيلي للبنان ، والذي أدى لإخراج المقاومة الفلسطينية من لبنان ، وإعادة تمركز قيادتها في تونس


وكان الأستاذ محمود قد وجه الأخوان الجمهوريين لكتابة مقدمة جديدة لكتاب (التحدي الذي يواجه العرب) تستوعب الدروس المستقاة من الحرب الخامسة .. ورد في مقدمة الطبعة الثانية لكتاب (التحدي الذي يواجه العرب) في الصفحات من الصفحة رقم 5 إلى الصفحة رقم 8 ما يلي عن الحرب الخامسة بلبنان :

((فحسب ما نقلته مجلة (المجلة) عدد 126 الصادر بتاريخ 10 يوليو 1982 ، فإنه قد : (تعهد الاتحاد السوفييتي خلال الأسابيع التي سبقت الغزو الاسرائيلي المتوقع للبنان بدعم سوريا في حالة نشوب قتال مع اسرائيل ، بما في ذلك ، ارسال عسكريين سوفييت لتشغيل بطاريات صواريخ (سام) سوفييتية الصنع في سوريا نفسها) (وقد عكست هذه الوعود السوفييتية الثقة المتزايدة في لهجة السوريين الذين أعلنوا أنهم سيتدخلون في القتال إلى جانب الفلسطينين إذا غزت اسرائيل جنوب لبنان) ..
هكذا هيأ الاتحاد السوفييتي أذهان السوريين إلى أنه سيدعمهم ، ولكنه وعندما نشبت الحرب بالفعل تخبرنا (المجلة) بأنه (ألقى بثقله الديبلوماسي من أجل الحيلولة دون نشوب مواجهة شاملة بين اسرائيل وسوريا في لبنان ، قد تتطور إلى حرب شاملة ، يعتقد السوفييت أن السوريين سيخرجون الخاسرين منها ، وركز جهوده على مساعي وقف اطلاق النار ، حتى لا يتورط بالوفاء بالتزاماته لسوريا بموجب معاهدة الصداقة والتعاون). إن الخذلان السوفييتي للعرب في الحرب الأخيرة بلبنان قد بدا واضحاً بصورة دفعت أصدقاءه أنفسهم لانتقاده .. فكما تخبرنا مجلة الحوادث ، 30 يوليو 1982 : (فقد ذهب عرفات أكثر من مرة إلى دار السفارة السوفييتية في بيروت الغربية ، حيث اجتمع مع السفير الكسندر سولداتوف ثم انقطع عن القيام بزيارات إلى هذه السفارة . إلى أن جاءه سولداتوف يعرض عليه الخروج من بيروت على ظهر سفينة حربية سوفييتية ، مما دفع عرفات إلى تحذير السفير السوفييتي من أنه قد يكون مضطراً إلى قطع علاقات المنظمة بالحكومة السوفييتية ، إذا تلقى عرضاً مماثلاً من موسكو..) ـ انتهى ـ كما أن الزعيم الفلسطيني نايف حواتمة والذي يتزعم منظمة (الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين) ، والتي يعتبرها السوفييت بمثابة الحزب الشيوعي داخل حركة المقاومة ، نقلت عنه مجلة الحوادث في العدد السابق المشار إليه الخبر التالي : (لا تزال التساؤلات تطرح حول سبب انتقاد نايف حواتمة ، زعيم الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ، لكل من جبهة الصمود والتصدي والاتحاد السوفييتي بسبب الوضع في لبنان . ومرجع التساؤلات أن حواتمة ، كان من أشد المؤيدين للذين ينتقدهم) .. وتستطرد (الحوادث) قائلة : (كما تقول هذه المعلومات أن ياسر عرفات يتوسط بين المملكة العربية السعودية وبين الجبهة الديمقراطية ، بعد أن أعلن حواتمة أنه لم يعد ماركسياً بل اشتراكيا) .. انتهى .. هكذا اضطر حلفاء موسكو لانتقادها ، ويصل هذا الانتقاد ذروته في ما تنقله لنا ، مجلة (الحوادث) ، 9 يوليو 1982 عن ما فعله القذافي (رجل موسكو) بالمنطقة ، فتقول : (العقيد معمر القذافي غاضب جداً من الاتحاد السوفييتي بسبب موقفه اللامبالي من الغزو الاسرائيلي للبنان .. وقد استدعى العقيد سفراء معظم دول الكتلة الشيوعية ليقدم إليهم رأيه بشأن الموقف السوفييتي ..) وتواصل المجلة ، فتقول : (وقال لهم الرئيس الليبي : إن الصداقة بين القوى العربية التقدمية ودول الكتلة الاشتراكية في نفس الخطر الذي يحيط بالمقاومة الفلسطينية ، وهي على وشك الالتهاب بنفس الطريقة التي تكاد فيها بيروت أن تشتعل . وقالت مصادر ديبلوماسية أن المقابلة دامت خمس دقائق فقط طلب على اثرها العقيد أن يخرج السفراء من الاجتماع فوراً) .. انتهى

ولم يستثر البرود السوفييتي تجاه الأحداث اللبنانية ، إلا الدور النشط والفعال لأمريكا طيلة فترة الحرب اللبنانية .. فعندما نقلت الأخبار أن أمريكا قد عقدت العزم على ارسال بعض قواتها ضمن قوات دولية أخرى ، لكي تساهم في (فصل القوات) بلبنان ، استشاط الزعيم السوفييتي بريجنيف غضباً وقال : (إننا نعترض بلا قيد أو شرط على ظهور قوات أمريكية على ألأرض اللبنانية ، وقد سبق أن أصدرنا تحذيراً بهذا الخصوص) .. راجع مجلة الحوادث ، 30 يوليو 1982 ـ الأمر الذي يثبت أن السوفييت لا ينظرون إلى الأحداث في المنطقة إلا من زاوية صراعهم الاستراتيجي مع أمريكا .. هذا بالإضافة إلى أن الاهتمام السوفييتي لم يتحرك تجاه الأحداث في لبنان بقدر تحركه نحو ما أثبتته المعارك من ضعف لفعالية الأسلحة السوفييتية في وجه الأسلحة الأمريكية الأكثر تقدماً خاصةً في مجال الإليكترونيات .. فقد نقلت الأخبار أن السوفييت بعد ضرب صواريخهم في حقل البقاع قد (قاموا بشحن عدد من هذه الوحدات المضروبة إلى بلادهم لاخضاعها إلى فحوصات مكثفة .. كذلك قام السوفييت بشحن دبابة مضروبة في لبنان من طراز تي ـ 72 لمعرفة لماذ استطاع الاسرائليون تدمير عدد كبير من هذه الدبابات المتطورة جداً) ـ راجع مجلة (المجلة) ، 10 يوليو 1982 ـ

فلكأن السوفييت قد انزعجو لفشل اسلحتهم ، الأمر الذي يهدد سمعتهم عند أصدقائهم ، فهم يريدون للعرب أن ينهزموا ، ولكنهم لا يريدون أن يكون سبب الهزيمة هو ضعف فعالية أسلحتهم ، بصورة تهدد نفوذهم في المنطقة)) ـ انتهى النقل عن مقدمة الطبعة الثانية لكتاب (التحدي الذي يواجه العرب) .

Post: #738
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-24-2008, 02:00 AM
Parent: #737


3
في هذا الجزء المتعلق بحركات التحرر الوطني والحرب الباردة أود أن اشير للمفكر الماركسي المعروف الدكتور صادق جلال العظم ، السوري الجنسية ، والذي قام ومن خلال استبطانه لتجربته في حركة المقاومة الفلسطينية بإعادة قراءة نقدية لمواقفه وموقف اليسار الفلسطيني . والدكتور جلال العظم حين يفعل ذلك إنما يفعله من موقع المؤسس والمشارك في نضال المنظمات الفلسطينية اليسارية ، فهو أحد المؤسسين لمنظمة الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ، كما أنه أحد المؤسسين لمجلة (شؤون فلسطينية) .. تحدث الدكتور صادق جلال العظم في الحوار الذي دار بينه وبين صقر أبوفخر والمنشور في كتاب (حوار بلا ضفاف) والذي قامت بنشرة المؤسسة العربية للدراسات والنشر في الطبعة الأولى للكتاب والتي نشرت في عام 1998م عن : (مدى خواء وديماغوجية منطق يساري عربي (وفلسطيني بصورة خاصة) كان لا يكل ولا يمل عن إعلامنا بأن (الامبريالية في أزمة) و(اسرائيل في مأزق) و(كامب ديفيد في طريق مسدود) وأن الاتحاد السوفييتي يعاني بعض المتاعب والمصاعب فقط ليتبين لاحقاً أن العكس تماما هو الصحيح ، أي أن الامبريالية هي التي تعاني بعض المتاعب والمصاعب فقط في حين أن الاتحاد السوفييتي هو العالق في الأزمة الحقيقية والغارق في المأزق الذي لا مخرج عنه والماشي في طريق مسدود إلى حدود الانهيار والتلاشي . وأقول بتواضع إني كنت أحتقر هذا المنطق أشد الاحتقار ولا أهتم به إلا من قبيل التنبيه الى ضرره البالغ واساءته الكبيرة. دعني أذكر أيضاً بمنطق يساري مشابه كان شائعاً في العالم العربي ولكنه كان يأخذ منحى الإرهاب الفكري من دون أن يقل عن الأول خواءً وديماغوجيةً وتعطيلاً لأي تفكير نقدي جدي ولأي تحليل موضوعي مستقل . كان يقدم هذا المنطق نفسه على شكل سؤال خطابي بسيط وتبسيطي وبديهي يقول : يتألف عالم اليوم من المعسكر الامبريالي وحليفته الرجعية العالمية في كل مكان ، من ناحية ، ومن المعسكر الاشتراكي وحليفته قوى التحرر الوطني العالمية في كل مكان أيضاً ، من جهة ثانية . وهل عندك أي شك في أي من المعسكرين سينتصر؟ وفي تلك الأيام من كان يجرؤ على التعبير العلني عن أية شكوك من هذا النوع ، أو عن مجرد الظن ، مهما كان ظنه افتراضياً بامكانية تحقق الاحتمال الآخر؟ طبعاً اصطدمت بهذا المنطق مراراً خصوصاً في كتاباتي ومحاضراتي عن السياسة الأمريكية في المنطقة وحقيقة توجهاتها وبواعثها وخلفياتها وآلياتها الأعمق) .

وفي تعليقه على تجربته مع المقاومة الفلسطينية في عمان يرد الدكتور صادق جلال العظم على السؤال الموجه إليه من قبل صقر أبو فخر بقوله (( كان سؤالك (ماذا عن ذكريات عمان في تلك الفترة؟) . ذكريات سيئة ، في الحقيقة على الرغم من التفاؤل في البداية والتعلق بالمقاومة كخشبة خلاص .. الخ . تبين لي بسرعة أن المقاومة في العمق هي جزء من حركة التحرر العربي على العموم ، بتركيبها وقياداتها ومصالحها وعقليتها وعجرها وبجرها . وإذا كانت الحركة الأكبر قد هزمت أمام المشروع الصهيوني فلن يكون مصير الفرع بأفضل من الأصل . وهذا ما قلته بصراحة ووضوح ، في كتابي عن تجربة المقاومة في عمان . تعرضت وقتها لتهديدات جدية من قيادة فتح (كمال عدوان تحديداً) واضطررت للتواري عن الأنظار فترة (مرة ثانية الهرب من بيروت إلى دمشق حين تضيق الفسحة) . لكن الغارة الاسرائلية المشهورة على بيروت والتي استشهد فيها كمال عدوان ومعه كمال ناصر ومحمد يوسف النجار من قادة (فتح) غطت مشكلتي ومشكلة كتابي ، واكتفت (فتح) بعدها بشراء جزء منه لسحبه من الأسواق ومنع الناشر من إخراج طبعات لاحقة منه) .

وفي تأكيد لا يخفى لما سبق أن نبه له الأستاذ محمود عن العرب بأنهم (يحاربون بالعنصرية العربية ، العنصرية الاسرائلية "الصهيونية" .. يهود يحاربون يهوداً) أشار الدكتور صادق جلال العظم إلى هذا الأمر بقوله (هذا تماماً ما فعلته حين وصفت علناً وعلى رؤوس الأشهاد ما كان يجري داخل منظمة التحرير بـ (الصهيونية الفلسطينية) في وقت مبكر وقبل الجميع وفي وقت كان يمكن ثمن هذا الكلام باهظاً حقاً . من يعترض على هذا النعت اليوم؟ حتى المنعوتين به لا يعترضون ، هذا إذا لم يفاخروا به . وإذا ثارت الدبابير من أعشاشها فلا بأس . وهنا آخذ (اعشاش الدبابير) والإثارة بمعانيها الأكثر إيجابية . فأنا أرى فيها جزءاً من حيوية حياتنا الثقافية والسجالية والفكرية والنقدية . دعني اذكر أن ادوارد سعيد هاجمني علناً بسبب طرحي مسألة نمو تيار الصهيونية الفلسطينية داخل منظمة التحرير ، وكنت فعلت ذلك في مقال نشرته بالانكليزية في أواسط الثمانينات ، ولم أجرؤ على نشره بالعربية . وأنا سعيد الآن أن أرى ادوارد سعيد وهو يوجه مدفعيته النقدية الثقيلة إلى الظاهرة ذاتها ويقطع كل صلة معها ، ولكن بعد خراب البصرة) .

وفي إطار نفس الحديث عن الحرب الباردة والمنظور الذي كانت تنظر به حركات التحرر الوطني لدور الاتحاد السوفييتي كحليف لها في صراعها ضد الامبريالية ، أود أن اشير إلى سؤال صقر أبوفخر للدكتور صادق جلال العظم عن الدروس المستخلصة من فشل التجربة السوفيتية فيجيبه قائلاً (مصادر معلوماتي كانت المتابعة العادية للأحداث الدولية ولتطورات الحرب الباردة وتوتراتها وانعطافاتها وانعكاسات ذلك كله علينا وعلى منطقتنا وعلى العالم الثالث على العموم ) ويتحدث الدكتور صادق جلال العظم عن (مستوى دقة التحليلات الغربية على العموم والأمريكية خصوصاً للوضع الداخلي السوفييتي وصحة تشخيصاتها لمتاعبه ومعضلاته ونقاط ضعفه ومقاتله . كان اليسار عندنا لا يهتم بهذه التحليلات أو هو يعدها مجرد دعاية امبريالية ضد الشيوعية والسوفييت والعالم الثالث) . ويتحدث دكتور صادق العظم أيضاً عن (مدى معرفة الصحافة الغربية الراقية (لوموند) ، (النيويورك تايمز) ، (الواشنطن بوست) بأحوال الاتحاد السوفييتي الداخلية معرفة متقدمة دقيقة واقعية لا غش فيها . كنت أيضاً أميل إلى الاستخفاف بما تنشره هذه الصحف من معلومات ومعطيات وتحقيقات واستنتاجات وتنبؤات عن الاتحاد السوفييتي وعن نقاط قوته ونقاط ضعفه مع احساسي الدائم بأن (لا دخان بلا نار) في مثل هذه المسائل مهما بلغت رغبة الإعلام الغربي في تشويه صورة التجربة السوفييتية والتشنيع على الحركة الشيوعية عموماً . في الواقع نعرف الآن أن الإعلام الغربي كان يتعمد تضخيم قوة الاتحاد السوفييتي وجبروته وخطره (بالتعاون مع الأجهزة المختصة الأخرى) لأسباب داخلية وأغراض خارجية تتراوح بين زيادة الضرائب من أجل رفع مستوى الانفاق العسكري من جهة وبين التعبئة النفسية والأيديولوجية والثقافية من جهة ثانية وبين رص صفوف الحلفاء الأطلسيين والعالم ثالثيين في مواجهة الخطر شبه (التتاري) أو شبه (المغولي) الداهم من ناحية ثالثة . نعرف الآن أنه حين ألقى نيكيتا خروتشوف خطابه الشهير في الأمم المتحدة سنة 1960 وادعى أن مصانع بلاده الحربية بدأت تنتج الصواريخ العابرة للقارات في الوقت الذي تنتج مصانع أخرى عنده السجق والمقانق كان يكذب . كما نعرف الآن أن النخبة الأمريكية الحاكمة كانت تعرف جيداً يومها أن الأمين العام كان يكذب ويفاخر ويهول على مشهد ومرأى من العالم كله . ومع ذلك تصرفت المؤسسة الأمريكية الحاكمة كأن مزاعم خروتشوف وإدعاءاته صحيحة تماماً ، كما أقنع الإعلام الغربي العالم كله (بما فيه الشعب الأمريكي) نفسه بسلامتها ودقتها وصدقها وخطرها الحقيقي في الوقت نفسه) .

ويتحدث أيضاً الدكتور صادق العظم عن (مدى فقدان النخبة الشيوعية السوفييتية نفسها كل ثقة بمؤسساتها ونظامها واقتصادها وأهدافها ودولتها ودورها وفقدانها كل ثقة بمقدراتها هي على البقاء ومقدرة الاتحاد السوفييتي على الاستمرار . ويبدو لي أن فقدان الثقة المتراكم هذا هو الذي يفسر جزئياً الطريقة الفجائية وشبه العجائبية التي انهار بها الاتحاد السوفييتي واضمحل . لقد تخلى عنه أصحابه فجأة في ليلة بلا ضوء قمر ، كما نقول ، وكأنهم اكتشفوا فجأة أيضاً بأنهم غير قادرين على حكم البلاد وإدارتها بالطريقة القديمة من جهة ، وأن البلاد صارت غير قابلة لآن تحكم وتدار بالطريقة ذاتها ، من ناحية ثانية) .

فإذا كان الاتحاد السوفييتي يعاني من المصاعب والمتاعب وأن سكرتير الحزب الشيوعي السوفييتي يكذب ومنذ عام 1960 في تصويره بأن الأوضاع بخير وأن النخبة الشيوعية السوفييتية تعاني من فقدان الثقة بنفسها وأن فقدان الثقة هذا لم يحدث فجأة عند إنهيار التجربة ولكنه قد تراكم عبر الزمن ، فما فائدة التحالف مع (حليف مخاتل) كهذا ؟ لقد انساقت حركة التحرر الوطني العربية والفلسطينية أمام هذا الوهم بأن الأوضاع بخير وأنه ليس هنالك أي شك في أن معسكر الاشتراكية وحليفته قوى التحرر الوطني العالمية سوف ينتصر على معسكر الامبريالية وحليفتها الرجعية العالمية ، فنتجت عن ذلك هزيمة حركة التحرر الوطني العربية الأصل (الأنظمة العربية) ثم هزيمة حركة التحرر الوطني العربية الفرع (المقاومة الفلسطينية) .

الاتحاد السوفييتي والاستعمار الجديد

أود أن أختم الجزء الثاني من هذا التعقيب بالإشارة لما استغرب له الدكتور حسن موسى من وصف الأستاذ محمود لنزعات الهيمنة لدى الاتحاد السوفييتي بأنها شكل من الاستعمار الجديد ، وتساءل بأنه هل يمكن التصور بأن الآستاذ محمود قد استباح حرمة مصطلح (الاستعمار الجديد ) المتعارف عليه في مجال دراسات الاقتصاد السياسي بذريعة الكسب السياسي العاجل ، كما تساءل (ما الذي يجعل رجلاً في فطنة أستاذنا محمود النقدية وفي سعة حيلته الفكرية يقبل بهذا التحليل الساذج لمفهوم الاستعمار) والحقيقة أن الاستاذ محمود ليس هو أول من قال بذلك فقد سبقه إلى ذلك كثيرون ومن مواقع الماركسية اللينينية وغير اللينينية .

فقد تحدث (ليون تروتسكي) رفيق لينين وهو يصفي حسابات الميراث السياسي للينين مع خصمه ستالين ، بأنه لا توجد أي اشتراكية في الاتحاد السوفييتي ، وقال في كتابه (الثورة المغدورة) : (لقد مر التطور الاقتصادي و الثقافي في الاتحاد السوفياتي حتى الان بمراحل عديدة دون ان يصل الى التوازن الداخلي – لا بل مازال بعيدا عن ذلك. و اذا اعتبرنا ان هدف الاشتراكية هو خلق مجتمع بلا طبقات مجتمع مبني على التضامن و على تلبية كل الرغبات بشكل متناسق فانه لا يوجد الى حد الان بهذا المعنى الاساسي اية اشتراكية في الاتحاد السوفياتي. صحيح ان تناقضات المجتمع السوفييتي تختلف اختلافا عميقا من حيث طبيعتها عن تناقضات الراسمالية لكنها ليست اقل عنفا. وهي تظهر في عدم المساواة المادية و الثقافية و في القمع و في تشكيل المجموعات السياسية و الصراع بين كتل الحزب.) ليون تروتسكي ـ الثورة المغدورة ـ دارالطليعة للطباعة و النشر – بيروت الطبعة الاولى العربية 1968 .

وفي صبيحة العاشر من سبتمبر 1962 ألقى ماوتسي تونغ خطاباّ شهيراّ أهم ماجاء فيه : (إن الإنتكاسة والعودة إلى الرأسمالية أمر ممكن والتحريفية هي الخطوة الأولى على طريق الإنتكاسة , لقد انتصرت التحريفية في الإتحاد السوفياتي الذي غيّر لونه تغييراّ مخاتلاّ وسلمياّ فإذا كان هذا الجيل من أبنائنا سيعتنق التحريفية التي هي في الحقيقة الرأسمالية تحت إسم الإشتراكية , فإن أحفادنا سيثورون دون أدنى شك ,والسبب الرئيس في ذلك هو تغيير اختصاص الجماهير , لذلك لابد من الإلحاح دوماّ وأبداّ على موضوع الصراع الطبقي)

كما أشار ماو إلى مصير التحريفية السوفياتية التي أعطت المثل السيْ للتجربة الإشتراكية بعد المؤتمر العشرين عام 1956 بقوله : ( إن الإتحاد السوفياتي الدولة الإشتراكية الأولى ستنحط بعد سيطرة التحريفيين الخروتشوفيين عليها إلى دولة أمبريالية معادية للشعوب وحركات تحررها وثوراتها المشروعة- - من مقررات المؤتمر التاسع للحزب الشيوعي الصيني – نيسان 1969 )

لاحظ هنا أن ماوتسي تونغ يصف الاتحاد السوفييتي بالمخاتلة وبأنه سينحدر إلى مرحلة الامبريالية والتي هي أعلى اشكال الاستعمار .. وطور ماوتسي تونغ منظومة جديدة من المصطلحات مثل ديكتاتورية البيروقراطية البورجوازية , أو رأسمالية الدولة البيروقراطية التي استولت على السلطة في الاتحاد السوفييتي بعد القضاء على علاقات الإنتاج الإشتراكية ، ودعمت الأنظمة الديكتاتورية المعادية لشعوبها التي رفعت شعار الإشتراكية كذباّ وتشويهاّ للإشتراكية .

فمن هذه الناحية يمكن القول أن الاستاذ محمود ليس هو أول تحدث عن النزعة الاستعمارية للاتحاد السوفييتي ، وإذا ما حاولنا تقعيد وجهة النظر هذه وفقاً لأدبيات الاقتصاد السياسي ، يمكن القول بأن القاعدة المادية التي نشأت منها النزعات الاستعمارية للاتحاد السوفييتي تتأسس على علاقات إنتاج رأسمالية الدولة البيروقراطية ، التي سادت في الاتحاد السوفييتي .. وكما أشار ليون تروتسكي ومنذ أغسطس 1936 فإنه لا توجد أي علاقات إنتاج اشتراكية في الاتحاد السوفييتي . علماً بأن الاستاذ محمود وفي وقت متاخر نسبياً في عام 1967 اشار في (كتاب الرسالة الثانية من الاسلام) إلى الانتكاسة الرأسمالية في الاتحاد السوفييتي فقال (روسيا ، وهي تواجه الفشل اليوم في تحقيق الاشتراكية ، بله الشيوعية وتنكص على أعقابها ، إلى إجراءات هي أدخل في الرأسمالية منها في الاشتراكية ، تتوخى بها إيجاد حوافز للإنتاج جـديدة ، تعطي أكبر الدليل على أن المدنية الغربية الحاضرة بلغت نهاية تطورها المادي الصرف ، ووقفت عند نهاية الطريق المسدود وسيصبح لزاما عليها أن ترجع إلى مفترق الطرق ، حيث تبدأ بسلوك طريق آخر ، كانت شرة الثورة قد أذهلتها عن سلوكه منذ نصف قرن مضى) .

كذلك يلاحظ الدكتور صادق العظم في كتاب (حوار بلا ضفاف) أن اشتراكية التجربة السوفييتية نفسها قد تكون مجرد الغطاء الأيديولوجي الضروري لتصنيع روسيا . يقول الدكتور صادق العظم ((هل كانت ثورة أكتوبر منطلقاً حقيقياً لتأسيس نمط إنتاج جديد هو نمط الانتاج الاشتراكي ؟ إذا كانت أنماط الانتاج (وعددها قليل في تاريخ البشرية) تنشأ تاريخياً وتنحل تاريخياً وتعيش طويلاً هل من الممكن تأسيس نمط إنتاج جديد إرادياً وبقرارات واعية ، أي هل يفبرك نمط الإنتاج فبركة؟ إلى اي حد كانت اشتراكية التجربة السوفييتية لا أكثر من الغطاء الأيديولوجي لعملية تصنيع روسيا وتحديث مجتمعها ورفعها إلى مصاف الدول الأوروبية المتقدمة ، عسكرياً على الأقل ، مهما كان الثمن . وحين تحقق ذلك لا بد من لفظ الغطاء المذكور ، بأجهزته ومؤسساته وتنظيماته ، لأنه استنفد أغراضه؟ بهذا المعنى تكون التجربة السوفييتية انتهت لأنها نجحت في إنجاز مهمتها التاريخية الحقيقية في تحديث روسيا وتصنيعها وليس لأنها أخفقت . إلى أي حد مثلت التجربة السوفييتية الطريق اللارأسمالية السريعة إلى التحديث والتصنيع والقوة العسكرية في مناخ مقاومة رٍأسمالية عنيفة وشرسة بدلاً أن تمثل الطريق إلى المجتمع الاشتراكي الجديد؟ إلى أي حد كان المنشفيك على حق تاريخياً (وليس سياسياً بالضرورة في لحظة الثورة) في اقتناعهم بأن إنجاز الاشتراكية في مجتمع روسي فلاحي متخلف مستحيل من غير استيعاب انجازات الرأسمالية والمجتمع البورجوازي ومؤسساته وقيمه) .

ما نود أن نؤكده هنا هو أن حديث الاستاذ محمود عن الاتحاد السوفييتي باعتباره شكل من أشكال الاستعمار الجديد لم ينطلق من فراغ وإنما تسنده الكثير من دراسات الاقتصاد السياسي داخل أروقة الفكر الماركسي بمدارسه الأخرى والتي لم تقبل وجهة النظر الرسمية السوفيتية عن وجود اشتراكية في الاتحاد السوفييتي ، كما تسنده الممارسات العملية للاتحاد السوفييتي طيلة سنوات الحرب الباردة من نزوع للهيمنة والسيطرة على مصائر الشعوب ومواردها ، والتي قطعت علاقاتها الاقتصادية بالغرب وأصبحت جزءاً من ما يسمى بالسوق الاشتراكية .

Post: #739
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-24-2008, 02:01 AM
Parent: #738


4
الحل الآجل لمشكلة الشرق الأوسط

طرح الأستاذ محمود تصوراً جديداً بالكلية لمقاربة موضوعتي (الحضارة) و(المدنية) في كتاب (الرسالة الثانية من الإسلام) فقال عن تعريف (المدنية) :

(المدنية غير الحضارة ، وهما لا يختلفان اختلاف نوع ، وإنما يختلفان اختلاف مقدار .. فالمدنية هي قمة الهرم الاجتماعي والحضارة قاعدته .
ويمكن تعريف المدنية بأنها المقدرة على التمييز بين قيم الأشياء ، والتزام هذه القيم في السلوك اليومي ، فالرجل المتمدن لا تلتبس عليه الوسائل مع الغاية ، ولا هو يضحي بالغاية في سبيل الوسيلة . فهـو ذو قيـم وذو خلـق . وبعبارة موجزة ، فالرجل المتمدن هو الذي حقق حياة الفكر وحياة الشعور

هل المدنية هي الأخلاق؟؟

هي كذلك ، من غير أدنى ريب !! وما هي الأخلاق ؟؟ للأخلاق تعاريف كثيرة ، ولكن أعلاها ، وأشملها ، وأكملها هي أن نقول أن الأخلاق هي حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة . ولقد قال المعصوم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق . ) فكأنه قال ما بعثت إلا لأتمم مكارم الأخلاق ، ومن أجل ذلك قلنا أن محمدا عاش في أوج المدنية التي جاء بها الله عن طريقه ، ووصفه تعالى فيها بقوله ( وإنك لعلى خلق عظيم) .
وحين سئلت عائشة عن أخلاق النبي قالت ( كانت أخلاقه القرآن ) ومعلـوم أن القرآن أخلاق الله ، وأخلاق الله إنما هي في الإطلاق ، ومن ههنا جاء التعريف بأن الأخلاق هي حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة ).

أما بالنسبة للحضارة فقد عرفها الأستاذ محمود على النحو التالي : ( وأما الحضارة فهي ارتفاق الحي بالوسائل التي تزيد من طلاوة الحياة ، ومن طراوتها .. فكأن الحضارة هي التقدم المادي ، فإذا كان الرجل يملك عربة فارهة ، ومنزلا جميلا ، وأثاثا أنيقا ، فهو رجل متحضر ، فإذا كان قد حصل على هذه الوسائل بتفريط في حريته فهو ليس متمدنا ، وان كان متحضرا ، وانه لمن دقائق التمييز أن نتفطن إلى أن الرجل قد يكون متحضرا ، وهو ليس متمدنا ، وهذا كثير ، وأنه قد يكون متمدنا ، وهو ليس بمتحضر ، وهذا قليل ، والكمال في أن يكون الرجل متحضرا متمدنا في آن . وهو ما نتطلع إليه منذ اليوم) .

أوردنا هذا النص الذي يميز بين (المدنية) و(الحضارة) كمدخل لمناقشة ما أسماه الدكتور حسن موسى نظرية (صراع الحضارات) والتي أدرج مساهمة الأستاذ محمود من ضمن تلاوينها ، وذلك حين قال : (ومساهمة الأستاذ محمود في مساعي" تلقيح المدنية الغربية" وحقنها" بدم جديد"، (دم عربسلامي) يجدد شبابها، إنما تندرج في ما يمكن أن نسميه ب "نظرية صراع الحضارات". وهي "نظرية" تمخضت عنها آيديولوجيا المركزية الأوروبية العنصرية والاستبعادية التي تعتبر نفسها مستودعا طبيعيا لقيم حضارية جوهرية خارج التاريخ. وتستمد من هذه القناعة الخرقاء كل المسوغات التي تحتاجها للاستعلاء على الآخرين وقهرهم واستغلالهم . ومصيبة " نظرية صراع الحضارات " تتلخص في كونها تتصور الحضارات ككيانات صافية قائمة على استمرارية قيم حضارية ثابتة لا تعرف القسمة، قيم مستقلة بذاتها عن كل شائبة وكل تأثير أو تداخل مع غيرها من قيم الحضارات التي تعاصرها أو حتى تلك السابقة أو اللاحقة لها) . ولقد بدا لي من قراءتي المتمعنة لهذا النص للدكتور حسن موسى ، أنه قد كان منقسماً ومتردداً بعض الشئ في توصيفه التقريري والتبسيطي هذا لمساهمة الأستاذ محمود . فهو يعلم مثلاً بأنه لا مساهمة الأستاذ محمود الفكرية ولا مواقفه العملية يمكن أن تنطوي علي أي شبهة عنصرية أو استبعادية ، كما أنها لم توظف أيديولوجياً أبداً كمسوغ ومبرر (للاستعلاء على الآخرين وقهرهم واستغلالهم) من أي جهة . ويتأكد هذا التردد والإنقسام لدى الدكتور حسن موسى حين يستثني لاحقاً مساهمة الأستاذ محمود من إندراجها ضمن تلاوين نظرية (صراع الحضارات) بقوله (و"نظرية التلقيح" المتمدن، رغم أنها تنطرح هنا كتعبير سلمي "بوليتيكلي كوريكت" إلا أنها تنطوي على بعد رسالي "إنقاذي" (في المعنى المحمود للعبارة) كما لو كان الحضارة الإنسانية كله يتوقف على الموقف الذي يتخذه العربسلاميون، لا من الحضارات الأخرى عموما، وإنما من هذه الحضارة الراهنة المهيمنة، المسماة "غربية" و"آلية " على وجه التحديد) . فالاستثناء الذي أورده الدكتور حسن موسى بقوله (رغم أنها تنطرح هنا كتعبير سلمي) هو مربط الفرس ، إذ أن ذلك يفصم جذرياً كل علاقة لهذه المساهمة بنظرية (صراع الحضارات) في نسختها (الآيديولوجيا المركزية الأوروبية العنصرية والاستبعادية) التي قدمت المبررات الأخلاقية لأمريكا ودول حلف الأطلسي لاتخاذ مواقف عدائية وعسكرية تجاه شعوب العالم المختلفة حضارياً عنها .

أكثر من ذلك فإن مساهمة الأستاذ محمود في موضوعتي (الحضارة) و(المدنية) لا تنتمي وبشكل قاطع لنظرية (صراع الحضارات) من حيث أنها (تتصور الحضارات ككيانات صافية قائمة على استمرارية قيم حضارية ثابتة لا تعرف القسمة، قيم مستقلة بذاتها عن كل شائبة وكل تأثير أو تداخل مع غيرها من قيم الحضارات التي تعاصرها أو حتى تلك السابقة أو اللاحقة لها) كما قال الدكتور حسن موسى .. فالأستاذ محمود في كتاب (مشكلة الشرق الأوسط) يصف العرب بأنهم (قد تشربوا أخلاق المدنية الغربية ، وجاروا أهلها في مباذلهم ، فأفقدتهم اصالة دينهم ، ولم يبلغوا من أصالتها هي طائلاً ، فأصبحوا يعيشون على قشور من الاسلام ، وعلى قشور من المدنية الغربية) ، فهو بالتالي لا يتصور بأن للعرب والمسلمين اليوم كياناً حضارياً صافياً مستقلاً بذاته عن أي تاثير لقيم الحضارات الأخرى ، ثم هو لا يدعو لمثل هذا الكيان الصافي المستقل عن الحضارة الغربية ، وفكرة (تلقيح الحضارة الغربية) نفسها بكل ما تنطوي عليه من إضافة ومزج قيمة فكرية جديدة للحضارة الغربية لم تكن تمتلكها ، تعتبر مناقضة لمفهوم صفاء تكوين الكيانات الحضارية المستقلة والذي ذكره الدكتور حسن موسى أعلاه .. فمن أي منطلق أدرج الدكتور حسن موسى تصور الأستاذ محمود لهذا الأمر ضمن منظور (صراع الحضارات) ؟

إيراد تعريف الأستاذ محمود للمدنية والحضارة ثم التأكيد على أن مساهمته الفكرية في هذا الجانب لا ترتبط بأي وشيجة فكرية بنظرية (صراع الحضارات) كان ضرورياً قبل أن نتحدث عن هذه المساهمة نفسها ونوضح أبعادها .

يعتقد الأستاذ محمود أن الحضارة الغربية السائدة اليوم هي (حضارة) وليست (مدنية) . فهي (حضارة) من حيث ما حققته من تقدم مادي ومن اقتدار في ميدان الكشوف العلمية وتطويعها المادة لاخصاب الحياة البشرية . غير أنها ليست (مدنية) لافتقادها للقيمة الفكرية التي توجه هذا التقدم نحو المسار الذي يحقق التوفيق بين حاجة الفرد للحرية الفردية المطلقة وحاجة الجماعة للعدالة الاجتماعية الشاملة ، وذلك بالجمع بين تحقيق الاشتراكية وتحقيق الديمقراطية في جهاز حكومي واحد . لذا فإن فكرة تلقيح الحضارة الغربية ونفخ الروح في هيكلها المادي العملاق يعني أن يتم التناسق بين التقدم التكنولوجي والتقدم الخلقي (بفتح الخاء واللام) .. وافتقاد الحضارة الغربية للقيم يدل عليه دليلاً واضحاً الاستلاب والتشيؤ الذي يشوش على الفرد أي احساس بالسعادة في المجتمعات الغربية الاستهلاكية الكبيرة .. فأصبحت الآلة في هذه المجتمعات هي سيد الانسان ، وأصبح العمل نفسه لعنة تفتقد أي غائية إلا القدرة على المزيد من الاستهلاك المادي . عليه فقد فقد الفرد ذاته واستعاض عن الحرية بوهم الحرية لاختلال اساسي في ميزان القيم الموجهة له كفرد . ولا يمكن اصلاح هذا الخلل في ميزان القيم إلا بإعادة ترتيب الوسائل والغايات الموجهة للمجتمع ككل ، وذلك بأن نضع التقدم المادي في مقام الوسيلة والتقدم الخلقي (بفتح الخاء واللام) في مقام الغاية ، وبمعنى آخر فإن فكرة تمدين الحضارة الغربية التي طرحها الأستاذ محمود تعني أيضاً أن تكون القيمة الأساسية المشرجة في صميم بنية المجتمع هي تحقيق كل فرد لفرديته التي بها ينماز عن باقي أفراد القطيع البشري بتمليكه المنهاج الذي يمكنه من تحقيق فرديته ، ويعني ذلك بأن نضع المجتمع في مقام الوسيلة والفرد في مقام الغاية . فتلقيح الحضارة الغربية هو أن تنفخ فيها فلسفة إجتماعية جديدة تقوم بإعادة ترتيب الوسائل والغايات . فهل يمكن دحض هذا المسعى بالقول بأنه محاولة لحقن الحضارة الغربية بدم عربسلامي من جانب الدكتور حسن موسى ؟ فالعروبيون والسلفيون الذين نعرفهم مما يسميهم الدكتور حسن موسى بالعربسلاميين لا يقولون بهذا القول .

من هذا المنظور صدر خطاب الأستاذ محمود المتوجه لتقديم حل آجل ونهائي لمشكلة الشرق الأوسط ، فهو حل يستهدي بفكرة تقديم فلسفة إجتماعية جديدة تتطلع لحل كل التناقضات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والدينية والعنصرية والتي هي الجذور الحقيقية للحرب وذلك على المستوى الكوكبي . وبمعنى آخر فأنت لكي توقف الحرب في الشرق ألأوسط بشكل دائم عليك أن أيضاً أن تعمل لحل التناقضات التي أدت للتراص والاستقطاب والنزاع على المستوى الدولي والذي جعل من مشكلة الشرق ألأوسط بؤرة اساسية من بؤر صراع القوى الكبرى .

حين واجه كارل ماركس ، وهو الذي انحدر من أسرة يهودية تحولت للمسيحية فيما بعد ، موضوع الأشواق المشبوبة والتطلعات التواقة لليهود في ألمانيا لتحررهم من اضطهادهم الخاص كيهود استدل بقول برونو باور في كتابه (المسألة اليهودية) قائلاً (يطالب اليهود الألمان بالتحرر، فبأي تحرر يطالبون؟ التحرر كمواطنين، التحرر السياسي . يجيبهم برونو باو ليس ثمة من هو متحرر سياسيا في ألمانيا. نحن أنفسنا لسنا أحرارا، فكيف نستطيع تحريركم؟ أنتم اليهود أنانيون. حين تطالبون لأنفسكم كيهود بانعتاق خاص، عليكم أن تعملوا كألمان من أجل انعتاق ألمانيا السياسي، و كبشر من أجل الانعتاق البشري. و ألا تشعروا أن النوع الخاص لاضطهادكم و لذلًكم استثناء عن القاعدة و إنما هو تأكيد لها). فحل مشكلة اليهود لدى كارل ماركس لا يتأتى إلا من خلال حل مشكلة الجنس البشري برمته .

يقودنا هذا المنطق إلى أن الأستاذ محمود حينما واجه إشكالية حل مشكلة الشرق الأوسط ، على مستوى الحل المطروح في (الحل الآجل) للمشكلة ، واجهها أيضاً من منطلق مشروعه الأيديولوجي الرامي لتحرير الإنسان من حيث هو إنسان والمتمثل في (الرسالة الثانية من الإسلام) .. ومن هذا المنظور فإن الحل النهائي لمشكلة الشرق الأوسط لا يتأتى إلا بتحقيق السلام على المستوى الكوكبي ، وتحقيق السلام كوكبياً لا يتم إلا عن طريق فلسفة اجتماعية (اقرأ الاسلام كما هو مطروح في مستوى الرسالة الثانية) تملك أن توفق بين حاجة الفرد للحرية الفردية المطلقة وحاجة الجماعة للعدالة الاجتماعية الشاملة .. وهذا هو المقام العرفاني الذي صدر منه خطاب الأستاذ محمود الرامي للحل النهائي (الآجل) لمشكلة الشرق ألأوسط والمتوجه لكل العرب والمسلمين ، الذين يعتبرون أنفسهم طرف النزاع الأساسي في المشكلة .. هذا المقام العرفاني هو مقام يتجاوز التقسيم العقيدي والديني ويتسامى على الأفكار الشعوبية والعنصرية والتي كانت أحد أدوات الحرب الأساسية التي خاض بها كل من طرفي النزاع الحرب .. ولقد قال الأستاذ محمود نفسه عن هذا المقام العرفاني ما يلي (إن ما جئت به هو من الجدة بحيث أصبحت به بين أهلي كالغريب وبحسبك أن تعلم أن ما أدعو إليه هو نقطة إلتقاء الأديان جميعها، حيث تنتهي العقيدة ويبدأ العلم، وتلك نقطة يدخل منها الإنسان عهد إنسانيته، ولأول مرة في تاريخه الطويل..) . فالحل النهائي لمشكلة الشرق الأوسط هو تحقيق السلام على الأرض من خلال تطبيق الاسلام في مستواه العلمي ، وهو المستوى الذي يمثل نقطة التقاء جميع الأديان .

غير أن الأستاذ محمود كان يدرك بأن الحلول المستقبلية الطموحة تتخلًق في قلب النظام القديم وتمر بعدة مخاضات قبل أن تتوفر لها فرصة التطبيق في المنعطفات التاريخية الكبيرة التي تعصف بالقديم وتشيد مكانه نظاماً عالمياً جديداً . لذ فهو لم يرهن حل المشكلة بحلها الآجل كحل استراتيجي نهائي ، وإنما طرح على المستوى التكتيكي حلاً عاجلاً يتمثل في الاعتراف باسرائيل وقبول قرار التقسيم ، بشكل يمكن العرب من الخروج من الحرب بشئ من الكرامة . لكن حتى في حالة تحقيق السلام تكتيكياً ، وذلك ببروز دولتين عربية ويهودية ، فإن الأسباب الحقيقية للحرب والمتمثلة في الصراعات الاقتصادية والدينية والعنصرية بين اليهود والعرب لا يمكن حلها إلا من خلال مشروع تحرر إنساني كبير يستهدي بفلسفة اجتماعية قادرة على حل التناقض الرهيب والمريع بين الطاقات الكبيرة للمجتمع الكوكبي الراهن وعجز أنظمته الاجتماعية عن استيعاب هذا الطاقات ، وهو حل كما أسلفنا لن يتوفر إلا لفلسفة تملك أن توفق بين حاجة الفرد للحرية الفردية المطلقة وحاجة الجماعة للعدالة الاجتماعية الشاملة ، وهو ما عجزت عن تحقيقه كل من الرأسمالية والاشتراكية في تجلياتها التاريخية المعروفة .

عليه فإذا اعتقد الدكتور حسن موسى بأن فكرة الحل الآجل في ما تنطوي عليه من دعوة لتلقيح الحضارة الغربية بفلسفة اجتماعية جديدة (تنطوي على بعد رسالي إنقاذي في المعنى المحمود للعبارة كما لوكان مصير الحضارة الإنسانية كله يتوقف على الموقف الذي يتخذه العربسلاميين لا من الحضارات الأخرى عموماً ، وإنما من هذه الحضارة المهيمنة المسماة غربية وآلية على وجه التحديد) ، فأنا لا استطيع أن أنكر عليه هذا الفهم لبعد الرسالية الإنقاذية ، (في المعنى المحمود للعبارة) ، فإن المفكرين الحقيقين واصحاب الأيديولوجيات ينبغي أن يكونوا معنيين بتغيير العالم وإنقاذه وليس تفسيره فقط ، وتلك هي رسالتهم في الحياة .. غير أنني أود أن أؤكد له بأن العربسلاميين ليس هم الحامل العنصري لهذا التغيير بالمعنى الذي كانت به البروليتاريا هي الحامل الطبقي للتغيير في الماركسية .. فالاستاذ محمود قد احتفظ دوماً لنفسه بمساحة نقدية تفصله عن المقام العقيدي الديني للعروبيين والسلفيين ، وذلك من مقامه العرفاني والفكري في المستوى العلمي من الاسلام .

Post: #740
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-24-2008, 02:02 AM
Parent: #739



--------------------------------------------------------------------------------

www.sudaneseonline.com
Last Update 31 يناير, 2007 10:25:39 PM




هوامش، أو تداعيات فِكرانيّة، على "ماذا نفعل بمشكلة اليسار السوداني؟!*"...

إبراهيم جعفر
[email protected]

لا بُدَّ لي، يا أستاذ قُصيْ همرور، من بُدِّ أن أحمدَ فيكِ هذه القدرة على الإختِراقِ "التّنْكِيِّ" المباشر، هذه الجّرأة، المستقيمة واللا وجلة، على التحليلِ البصيرِ لخاصّةٍ نفسانيّةٍ سالبةٍ قد غيّمتْ، ولا تزالُ، حاسّة الشّوفِ الإنسانيِّ العميقِ في ذواتِ ومُخيِّلاتِ رهطٍ كبيرٍ من مفكّري وفنّاني ومثقّفي يسارنا السودانيّ العريض، الماركسيّ خصوصاً.



كتب صاحبُنا الكينونيّ الديالكتيكيّ (بلى الديالكتيكيّ!) سورين كيركيجارد، في إمّا/أو:- شظيّةُ من حياةْ، الخَطْرَةَ الدّقيقَةَ/الرّقيقةَ التاليةْ:-



"ليس ما أنشُدُهُ هنا أن أنفي أنّ اتّخاذَ الإنسانِ حياةً مركوزةً، في إطلاقيّتها، على البعد الجّماليِّ للوجودِ، خصوصاً عندما تكونُ تلك الحياةُ مُعاشةً عندَ قمّتها، يستطيعُ أن ينطوي على مُركّبٍ من المواهبِ الذهنانيّةِ، بل وأقولُ إنّ هاتيكَ قد تكونُ مُرَقّاةً، في ذاتِ الإنسانِ المعنيِّ، لدرجةٍ غيرِ عاديّةٍ، لكنّها تظلُّ مقيّدةً وفاقدةً للشفافيّةْ. بذاتِ المعنى (المستوى) قد يجدُ المرءُ، أحياناً، ضروباً معيّنةً من الحيواناتِ ذاتَ حواسٍّ شديدةَ النّجابةِ والنّفاذِ وعظيمةَ الحدّةِ والقوّةِ بدرجةٍ لا تُقاسُ بها الحواسّ الإنسانيّةُ، لكنّ تلك الحواسَّ تبقى، مع ذلكَ، أسيرةً للمنطلقاتِ المحدودةِ للغريزة" (إمّا/أو:- شظيّةٌ من حياةٍ (ص. 492-493)- الطبعة الإنجليزية- تحرير فكتور إريميتاد وترجمة مختصرة وتقديم وهوامش بقلم أليستير هانَيْ Alastair Hannay- دار بنجوين للنشر 1992).



ما قالهُ سورين كيركيجارد (وقد ترجمتُهُ أنا هنا إلى العربيّةِ بمقدارِ المُتاحِ لي، حاليّاً، من الحساسيّة!)، في هذه الخَطْرَةِ، قد واتاهُ آناءَ حديثه عن مستوياتٍ كينونيّةٍ أساسيّةٍ للمعاشِ قد يتّخذُ الفردُ الإنسانيُّ أيّاً منها أساساً وجوديّاً (شعوريّاً وفِكْرَانِيّاً) لحياته في هذا العالمِ الزّمكانيِّ وهي، إجمالاً، المستوى الكينونيّ الجّماليّ والمستوى الكينونيّ الأخلاقيّ والمستوى الكينونيّ الدّينيْ. وفي فكرِ كيركيجارد، بحسبانهِ فيلسوفاً وجوديّاً متديّناً (حتّى لا أقولُ ’دينيّاً‘ أو ’مسيحيّاً‘)، تتدرّجُ تلك المستويات على هيئةِ مَرَاقٍ أنطولوجيّةٍ قاعدتُها المستوى الكينونيّ الجّماليّ (في بعدهِ الحسيّ المباشر)، ثمّ يليه المستوى الأخلاقي (في بعده القِيَمِيّ الكلّيِّ)، ثمّ، في قمّةِ تلك المراقي الأنطولوجيّةِ، يترسّخُ، عندَ كيركيجارد، المستوى الكينونيُّ الدّينيُّ الذي فيه يتمُّ تحقّقِ الذاتِ التامِّ وانفتاحها على الرّحيب، العميق، على المُطلقِ الذي هو أصلُها وجذرُها ومنتهاها.



ليست، كما هو واضحٌ، هذه هي المناسبةُ الملائمةُ لتفصيلِ ما أجملناهُ أعلاهُ، بأقصى الإبتسارِ المُمْكِنِ، عن فكرِ سورين كيركيجارد الذي دعتهُ ثلّةٌ من الكاتبين عن تاريخِ الفلسفةِ، دونَ دقّةٍ وافيةٍ، باسم "أبَ الفلسفةِ الوجوديّةِ المعاصرة". لكنّني أتيتُ بذاكَ إلى فقط لأُبَيّنَ، بعموميّةٍ شديدةٍ، المُتعلَّقَ الذي كتب فيه "شيخ" سورين كيركيجارد كلامه السابق الذي اقتبسته وترجمته هنا، بقدرِ الممكن من الحساسيّة الحاليّةِ، كما سبقَ وقُلتْ.



الشّاهدُ الذي يهمّنا، في حديثِ كيركيجارد السابق، هو أنّ المستوى الكينوني الجمالي (بتدرُّجاتِهِ الحسيّةِ المختلفة) لعيشِ الوجودِ يظلُّ أبداً، حينَ يتّخذُ بُعداً مطلقاً لمعاينة ومعاناة الوجود، من قِبلِ الذاتش المفردةِ، بُعداً ناقصاً في شأنِ إخبارهِ بمعنى الوجودِ (أو إضاءته له) ومقيّداً للذاتِ بواحديّتهِ التي هي، عندَ كيركيجارد، دون "واحديّتَيْ" المستويين الأخلاقيِّ والدّينيِّ لمعاينةِ ومعاناةِ الوجود.



ولربطِ ذاكَ الشاهدِ بموضوعةِ حديثنا الحاليّةِ نقولُ إنّهُ يُومئُ، بعمقٍ، إلى أنّ أيَّ تأمّلٍ للوجودِ، للحياةِ، أو تفكّرٍ فيهِ، وفيها، يتّخِذ المنطلق الأساسيّ له بُعدَه، وبُعدها، الحسيّ، اليوميّ أو التّحتانيِّ الفيزيائيّ-الإجتماعيّ فحسب لا يُودِي بنفسهِ، عموماً و/أو في النّهايةِ، إلى أيِّ بصيرةِ نافذةٍ، بمعنىً عمقيٍّ وعموديٍّ، بخصوصِ عينِ ذاكَ الوجودِ، أو تلكَ الحياةِ، اللتين قد ’يُمارسُ‘ هو تأمّلهما.



وأزيدُ على الرّبطَ إيّاهُ بقولي إنّ ما يُضاعفُ ذلكَ ويُعقّدُهُ، بل ويُفاقمُهُ، هو اتّكاءُ ذاكَ الموقف التّأمّليّ، أو التّفكُّرِيِّ (وأنا هنا أجتزئُ كلاماً من مقتبسِ كيركيجارد المترجم أعلاه)، على "مواهبٍ ذهنانيّةٍ مُرقّاةٍ، في ذاتِ متّخذها، بدرجةٍ غيرِ عاديّةٍ". ثمّ أُوغِلُ، بتداعٍ فكريٍّ ذي صلةٍ جليّةٍ بهذا لكلِّ ذي عينٍ "ثالثةٍ" بصيرةٍ، في حديثي (وحديثِ كيركيجارد) ذاكَ وأَصِلُهُ بخاطرتي القائلةِ، في جملةٍ واحدةٍ فحسبْ، إنّ تلكَ الوضعيّةَ كلّها، حين تكونُ ذاتٌ إنسانيّةٌ ما مقيّدةً بها بمقدارٍ وهيئةٍ أساسيّين، تتزايدُ في إشكاليّتها وسلبِها (بالمعنى الذي "تُبْخِسُ به أشياءَ النّاسِ ("الآخرين") الفكريّةِ دونَ مَحْصٍ شفّافْ) بمقدارِ تماديها في تصييرِ نفسِها رهينةً نفسيّةً وفكريّةً لأيِّ أيدولوجيا (أكرّر "أيِّ أيدولوجيا"!)، أو عقيدة، إنسانيّة تُرفِّعُ ذاتها لمستوى أيدولوجيّةٍ تفسيريّةٍ وتأويليّةٍ مطلقةٍ تنطوي، وإن تُنكرُ ذلكَ، في أُسّها الفلسفيِّ على أنّهُ، بمعنىً راديكاليٍّ وإقصائيٍّ أكيد، "ليس هناكَ حقيقةٌ أخرى غيرُ حقيقتِها"

هاكَ (وهاكُمْ) بعضَ تفصيلٍ بيّنٍ لمعنى الكلامِ الأخيرِ أحسُّ أنّهُ واردٌ في هذه "اليوميّاتِ" القديمةِ، التي اختِرْتُ لها، أصلاً وبدقّةٍ، تسميةَ "طائفيّة العنصر والطائفيّة الفكريّة"، بيدَ أنّ ناشرها، في صحيفةِ "الجّريدةِ" السودانيّةِ (الجمعة 29/4/1988)، نشرها، ربّما بفعلِ خوفٍ مبَطّنٍ من كلمةِ "العنصرِ" هذه!) تحتَ اسمِ "القيدِ الأيدولوجيّ":-



طائفيّةُ العنصرِ والطّائفيّةُ الفكريّة...



إنّ علوّ قيم المادّةِ فوقَ قيمِ الرّوحِ طبع الحياةَ في السودانِ بطابعِ قبحٍ أخلاقيٍّ وجماليٍّ معاً إذ أنّ ولاة الأمر القائمين والمحتملين معاً قد تقيّد وعيهم إما بالقيدِ الطّائفيِّ، ونعني به طائفيّة العنصر والعلم الدينيّ الموروث وعبادة الشخصيات المقدّسة، وذلك قد ساقوا به رعاياهم منوّمينَ مغناطيسياً في الطريقش الذي هو ضدّهم وضدّ أنفسهم وتعميقها وتطويرها.



أو قد يتقيّد وعي آخرين بقيدٍ أكثرَ "استنارةً"، فيما يبدو، من قيد طائفية العنصر ويبدو "أجلى" فهماً للأمورِ وأكثرَ سعةً في المواعينِ الفكريّةِ والشعوريّة وذلك هو ما أسمّيهِ القيد الأيدولوجي أو قيد الطائفيّة الفكريّةِ التي هي أخطرَ وأوغلَ أثراً في ذاتِ معتنقها من قيد طائفية العنصر إذ أنّ الأخيرَ قد يزولُ بوعيؤ ونظرة جديدة للعالم أو بتجديد نسيج الواعي الذاتي للشخص بالعالم بأشيائه وأحيائه فيما قد تتدعّم، على العكسِ من ذلكَ، الطائفيّة الفكريّة مستفيدةً من ذلك التقدّم ذاته في طريق الإستنارة والثقافة الذاتية فهذا (التّدعيم) يتحقق بحسب بحسب مجريات ردود فعل "معتادة" لميكانيزماتٍ نفسيّةٍ دفاعيّةٍ تقومُ على أساسِ وقايةِ النّظريّةِ من الحقائقِ التي تتكشّفُ للرائي عبرَ اختبارهِ الشخصيِّ الواقعيِّ، أي الدّاخليِّ، والذي يخصّ موقفه الذاتِيَّ هو، على التعيين، في الآنِ الذي حدثَ فيهِ. هنا تكونُ سلطةُ "سوءِ الطّويّةِ" المتقمصة صورة حسن الطويّة Faith of Bad Faith هي الميكانيزم النفسي الذي اختيرَ لـ(الدّفاعِ) عن الأيولوجية ضدّ "خصومها" الذين قد يكونوا تارّةً "مرتدّينَ وكفّاراَ" أو قد يكونوا "تحريفيين ومتواطئين (موضوعيّاً) مع الثقافة البرجوازية السائدة" فلا فرقَ ما دامت هناك عقدةٌ سايكولوجيّةٌ دفاعيّةٌ متشابهة في جوهرها وإن اختلفت في كثافة أو لطافة تجلّيها، في مدى اتّخاذها شكلاً فظّاً هجوميّاً ومدعوماً بنصوصٍ قًدُسيّةٍ قد انصهرت في روحِ الأمة المخاطبة، أو شكلاً مستنيراً (تقدّميّاً) يزعم لنفسه أنه الوحيد المسلّح بوعيٍ جديدٍ وبنظرةٍ جديدةٍ فليس هناكَ إلا حقيقةٌ واحدةٌ هي حقيقتُهُ!



وهاتان الطائفيّتان، بعبارةٍ واحدةٍ ومليئةٍ، هما القوى الرّوحيّة (السَّلفِيّة) الأساسيّة التي تعملُ ضدّ الديمقراطيّةِ في نفوسِ معتنقيها (حتّى وإن بدوا أكثرَ الناس حماساً للديمقراطيّةِ وجعلوها علماً عليهم) فالحذر اليقظة الإستعداد ولنحرّر أنفسنا من سيادةِ أيِّ طائفيّةٍ، عنصريّةً كانت أو فكريّةً، حتى نكونُ ديمقراطيّيين حقّاً بالمعنى العميق الممتلئِ لهذه الكلمةِ الجّذريّةِ في ممارساتِ المعاشِ والمعادِ معاً:- ديمقراطيّة.



أبريل 1984.

إبراهيم جعفر.



******



ألا ترى معي، يا أستاذَ قُصيَّ، من قبلٍ ومن بعدٍ، أنّ لكلّ ما تداعى به شخصيَ الفاني، آنفاً وفي جُملةِ هذا المقالِ، صلةٌ وثيقةٌ، وربّما تكونُ غير مباشرةٍ في غالبِ أو كثيرِ أحوالها، بسؤالِكَ الأساسيّ الذي جعلتهُ عنواناً لكتابتكَ تلكَ، ألا وهو (كما يقولُ قُدامى المعلّمين!) "ماذا نفعلُ بمشكلة اليسارِ السُّودانيْ؟!...؟!



إبراهيم جعفر.

الأربعاء، 24 يناير 2007.

* ذلكم (أي "ماذا نفعل بمشكلة اليسار السوداني؟!") كان عنوان الإستعراض النقديّ والتّحليليّ الذي نشره- في هذا الشهر (يناير 2007) وفي معرضِ الردّ على مقالٍ للأستاذ حسن موسى بعنوان "ماذا نفعل بـ"مشكلة الشرق الأوسط؟!"...." [و قد عنى الأستاذ حسن موسى بذلك العنوان كتاب الأستاذ الشهيد محمود محمد طه الشهير المعنيّ بمشكلة الشرق الأوسط (1967)]- المفكّر والقاص السودانيّ الشّاب قصي همرور في "منبر الحوار الديمقراطيِّ" في موقع شبكة الإنترنيت السُّودانيِّ المنماز المسمّى "السُّودان للجميع":-



www.sudaneseonline.com .
_________________

Post: #741
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-24-2008, 02:13 AM
Parent: #1


وَلا صِرَاخُ العَالَمِ .. كُلِّهِ؟!

الإثنين
غداة إعدام الشهيد محمود ضحى السابع عشر من يناير عام 1985م، جاءني صديقي الموسيقار المغني أبو عركي البخيت مُشوَّش الشَّعر، مُجعَّد الثوب، مُسهَّد الرُّوح، متورِّم العينين، دامع الفؤاد، مُحتقباً عوده الفصيح، وشفافيَّته الثوريَّة، واختياراته الباذخة، ورهاناته التي لا تخيب قط، وجلس في ركن الغرفة يُسمِعني، كما (زرقاء اليمامة)، لحناً ظلَّ عاكفاً عليه طوال ليلة البارحة، وقد تجافى جنباه، في سبيل ذلك، عن مضجعهما، وجافت عيناه الكرى وجافاهما.
ما كاد عركي يطلق لحنجرته العنان، ويتوغل في الاغنية ـ النبوءة، حتى أخذ الكون كله يستحيل، رويداً رويداً، إلى كرة من البللور، وعركي إلى كائن أثيري، وأنا نفسي إلى شبكة من الاعصاب العارية المشدودة، فقد اقشعرَّ بدني، وقفَّ شَعر رأسي، وتحشدت دمدمة العواصف في أذنيَّ، ووجيب (الجلجلة) تحت قدميَّ، وإذا بكلمات الفيتوري التي كان نضَّدها قبل ذلك بما يناهز العشرين سنة كأنْ لم تولد إلا في تلك اللحظة، بل كأنْ لم تولد إلا لأجل تلك اللحظة:
ـ "أرضُكَ ظمأى/ والخريفُ شَحَّ هذا العامْ/ والمتسوِّلونَ يزحفون، والاقزامْ/ يُعَربدونَ في حُطام المَملكة/ يا ملِكاً مُتَوَّجاً على حُطامْ/ يا قائِداً بغَير مَعْرَكة/ هذا أوانُ المَعْرَكة"!
................................
................................
والرصاصة التي شقت قلب القرشيِّ مساء الحادي والعشرين من أكتوبر عام 1964م لم تكن سوى قشَّة التاريخ التي قصمت ظهر بعير الطغمة النوفمبريَّة في نهاية سنواتها الستِّ العجاف، فقد ظلَّ ظهرُ ذلك البعير ينوء، أصلاً، تحت الحمولة الثقيلة للانتهاكات الفادحة التي ما انفكت تترى تباعاً مذ أجهزت تلك الطغمة على الديموقراطيَّة عام 1958م، فما كان محتاجاً لأكثر من تلك القشَّة، كي ينقصم نهائياً في ملابسات تلك الصدفة الموضوعيَّة التاريخيَّة بالتحديد، مساء (الأربعاء الرائعة) .. لا قبلها ولا بعدها. كان الأمر محتوماً ومقضيَّاً، ومع ذلك لم يكن بمستطاع أيٍّ من كان أن يحدِّد، على وجه الدقة واليقين، متى أو كيف يمكن أن يقع (الانفجار الكوني)!
بذات القدر يخطئ من يظنُّ أن ثمَّة سبباً واحداً أحداً لانتفاضة أبريل الباسلة عام 1985م، والتي تتوَّجت بأكاليل نصرها المؤزَّر ساعة دكَّت سواعد الجماهير العارية عرش النميري صباح السادس الأغر، فيروح يفتش عن ذلك (السبب) المعرَّف بالألف واللام، تارة في فضيحة ترحيل اليهود الفلاشا الداوية إلى إسرائيل لقاء حفنة من دولارات الصهيونيَّة العالميَّة، وتارة أخرى في فوضى السياسات الاقتصاديَّة الطفيليَّة التي دفعت بملايين الناس إلى بيوت النمل ينبشونها بحثاً عمَّا يسدُّ الرمق، وتارة ثالثة في فرض قوانين سبتمبر الشوهاء ومحاكماتها الجائرة التي طالت، تحت مسمَّى (العدالة الناجزة)، مناضلين سياسيين، وقادة نقابيين، بل ومواطنين عاديين، قطعوهم من خلاف، وألهبوا ظهورهم بالسياط، وصادروا بيوتهم وأموالهم، وزجُّوا بهم في غيابات السجون، وفوق كلِّ هذا سحقوا إنسانيَّتهم، وداسوا على كرامتهم، ومُرِّغوا سمعتهم في الرغام، إذ لم تكن الصحف وأجهزة الاعلام المسموع والمرئي تكفُّ عن استباحة أسمائهم صباح مساء!
لكن يخطئ أيضاً مَن لا يبصر شيئاً مِن جدل السببيَّة بين حدث الانتفاضة المجيدة ذاك وبين كلِّ تلك الحادثات، وأكثرها مأساويَّة إقدام ذلك النظام المتهرِّئ على إعدام الشهيد محمود، حيث قدِّر، لا للسودان فحسب، بل وللعالم بأسره، أن يبصر، في ذلك الضحى الكئيب، مشهد الشيخ السبعيني يعتلي مشنقته بالخطو الواثق، وبالروح المطمئن، وبالنفس الراضية المرضيَّة، وبابتسامة الفداء الصريحة تكسو محياه الوضئ، لتخلد، مرَّة وللأبد، في الذاكرة الجمعيَّة، وفي وجدان المبدعين الثوريِّين، مع غيرها من وقائع جحد الحقوق، وإهدار الحريات، ونهب الاقوات، وقطع الارزاق، وإشاعة الفساد، وانتهاج القمع، والتنكيل بالمعارضين، والتشريد من الخدمة، والمساس باستقلال القضاء، ومفاقمة الحرب الأهلية، وتهميش تكوينات الاطراف القوميَّة، وما إلى ذلك من (أسباب) كانت تلهب وجيب (الجلجلة)، حتى بلغت مراكمتها الكميَّة حدَّاً أصبح فيه وقوع أيِّ سبب إضافي بمثابة القشَّة التي ستقصم ظهر البعير حتماً، فما أن وقع حتى زلزلت أرض السودان زلزالها، وأخرجت في أفق الفعل الثوريِّ أثفالها، لتلفظ النميري ورهطه في مزبلة التاريخ إلى الأبد. و(أبريل)، من قبل ومن بعد، شكل متميِّز من أشكال الممارسة الديموقراطيَّة، مثلها، في ذلك، مثل فعل (الانتخاب) و(الاستفتاء) سواء بسواء، إذ أتاحت لـ (الاغلبيَّة)، مثلما يتيح لها هذان، أن تعبِّر عن إرادتها على أتمِّ وجه من التحضُّر. سوى أنها لم تكن محفل (عقد قران) يبدأ في ساعة بعينها لينقضي في ميقات معلوم، فيملك الداعون إليه أن يحدِّدوا موعده، أو يؤجلوه، أو يلغوه بالمرَّة! إنها أقصى فعل العبقريَّة الشعبيَّة، ومنتهى حراكاتها (العفويَّة) التي لا تجتمع على باطل، أبداً، إنتصرت أم انهزمت! ولقد أثبتت هذه العبقريَّة مضاء سدادها مرَّتين، خلال ما لا يربو كثيراً على العقدين، وأمام أعيننا هذي التي سيأكلها الدود!
و(أبريل)، في الحقيقة، لم تحدث في (أبريل)، وإنما ظلت تحدث دائماً، على مدى سنوات (مايو) الستة عشر! فعلت ذلك بما يكفي ويزيد لتنبيه كلِّ من ألقى السمع وهو شهيد، بل ولإيقاظ كلِّ سادر في غِيِّه، لو كان النميري يسمع أو يعقل، ولتنبيه كلِّ من يحسب نفسه، في غفلة الوهم، استثناءً لا يُقاس عليه، ولا هو ينقاس على سواه!
................................
................................
كانت (أبريل)، إذن، (حتمٌ)، رغم أنف شانئي الأيديولوجيا الأيديولوجيين! و(الحتمُ) إنما يُدرَك بالقراءة المستبصرة لمنطق التاريخ وجدله الراجح، لا بطيلسانات (السياسة السياسويَّة)، بالمصطلح الفرنسي، أو حسابات ميتافيزيقياها الخائبة التي لا تتأسَّس إلا على (قراءة الفناجيل) الفكريَّة و(ضرب الرمل) السياسي! وأوَّل مُدرَك من (حتم أبريل) أن حراك التغيير لا يُتعمَّل ولا يُصطنع من العدم. ولأن ذلك كذلك، فإن غاية عمل حُداته تعهُّد الوعي العام بالسقيا في صبر، ومواصلة رفده بعناصر استنارته في دأب، وهو ما يمكن أن يقع في جيل، جيلين، أو أكثر، فضلاً عن رصد أمزجة الجماهير بما يفوق مقياس (رختر) دِّقة وصرامة، في طقس إصغاء عميق لوجيب (الجلجلة) حتى لا ينحرف سهم التغيير عن الجادَّة، أو يميل، والناس في ضلال أهل بيزنطة يعمهون، عن الهدف، ليمسي المآل وبالاً، وتنقلب النعمة، بالنتيجة، إلى نقمة، فما أكثر ما انقلبت آمال التغيير التي أسئ قيادها، أو تركت لتنمو، كالسلعلع، وحدها في حقل (العفويَّة)، إلى هرج لا حدَّ له في الجغرافيا، ومآس لا عدَّ لها في التاريخ!
أما الحكام ذوو الحصافة، مِمَّن حباهم الله نعمة البصر النافذ والبصيرة الحديدة، ولم يكن النميري ورهطه مِمَّن أوتوا من تلك الحظوظ شيئاً، فإن غاية ما ينبغي أن يضعوه نصب أعينهم من عِبَر التاريخ، ودروسه الكبيرة، هو تعظيم شعيرة الانتباه إلى ما يمكن أن تفضي إليه مراكمة الوجيب المتواتر لهذه (الجلجلة) بالذات، وإن اتسمت بالبطء، فيحرصون، الحرص كله، على اتقائها ولو بـ (شقِّ تمرة) من (العدل) يجعلونها في أساس (مُلكهم) .. وكفى بذلك رشداً سلطانياً!
................................
................................
اللهم فاشهد ..
وسلام على شهداء (أبريل) في الخالدين.

الثلاثاء
عدت من سفرة إلى خارج البلاد لأجد على مكتبي دعوة كريمة من المهندس أبو القاسم احمد، رئيس مفوَّضيَّة تعويضات دارفور التابعة للسلطة الانتقاليَّة الاقليميَّة، مرفقة بالقرارات الجمهوريَّة الصادرة بإنشاء المفوَّضيَّة، وبعض مستندات صندوق التعويضات، وذلك للمشاورة وإبداء الرأي حول مسائل بدت لي في غاية الأهميَّة والجديَّة، مثل المنهج الفكري والعلمي للتعويضات، والمبدأ الحاكم لتطبيقاتها فردياً وجماعياً، ودعم الصناعات التقليديَّة، وتشجيع الأسر المنتجة، وإلحاق المتضرِّرين بالاقتصاد القومي، والارتقاء بالقدرات الاقتصاديَّة للكليات الاجتماعيَّة، خصوصاً المرأة، فضلاً عن المعالجات البيئيَّة، والتعديلات المطلوب إجراؤها على القرار الجمهوري لفضِّ التداخل في الاختصاصات بين مجلس التعويضات وصندوقها ولجانها، وذلك لضمان حقوق المواطنين.
رغم رأيي السالب في اتفاق أبوجا، والجراحة القيصريَّة المؤلمة التي أخرج بها ناقص الوزن، مشوَّهاً، مِمَّا أحوجه، منذ صرخته الأولى، إلى حاضنة طبيَّة خاصَّة تنقذه، بمعجزة، من موته المحقق، إلا أنني استشعرت، مع ذلك، واجب المشاركة، ولو بسهم متواضع في أيِّ مجهود يُبذل ليجعل لهذه (المعجزة) سبيلاً، وقلت في نفسي: "سيد الرايحة يفتح خشم البقرة"! هكذا، برغم تكاثر المشغوليات، وجلها (طواحين) تجعجع، لكن قلما يُرى لها (طحيناً)، ألفيتني أشرع في كتابة بعض الأفكار بنيَّة أن أبعث بها إلى المهندس أبو القاسم، مركزاً بالأساس على قضيَّة الارتباط بين (التعويضات) من جهة، والتي ينبغي ألا يقع تقديرها جزافاً كمحض عطيَّة مزيِّن، وبين (العدالة الانتقاليَّة) من جهة أخرى، والتي لا مفرَّ من أن تشكل أساس هذه (التعويضات)، بل وأساس (المصالحة الوطنيَّة)، من جهة ثالثة، والتي لا مستقبل بدونها لمتلازمتي (السلام) و(التحوٌّل الديموقراطي) من جهة رابعة.
على أنه ما كادت تنقضي بضعة أيام حتى أصمَّ الآذان الدَّوىُّ الهائل لفضيحة حسابات السلطة الانتقاليَّة الإقليميَّة لدارفور، حيث أورد تقرير المراجعة الداخليَّة، بالجنيه القديم، أن (نثريَّة) رئيس السلطة بلغت 951,400,000 جنيه، و(صيانة) منزله 392,000,000 جنيه، و(تأسيس) مقرِّ السلطة بالخرطوم 559,244,000 جنيه، و(تكملة) صيانة بقيَّة مقرَّاتها 396,317,000 جنيه، في حين لم يخصَّص لـ (دعم معسكرات النازحين) كلها سوى 4,250,000 جنيه، ولـ (دعم النسيج الاجتماعي)، وما أدراك ما هو، إلا ما جملته 3,500,000 جنيه، ولـ (تبرعات) مني أركو، رئيس السلطة، ما لم يزد، زاده الله كرماً، عن 31,500,000 جنيه، ولـ (صيانة) جميع (مدارس) الإقليم ما لم يتجاوز 345,100,000 جنيه فقط! من جهة أخرى حصر التقرير جملة الصُرف على (الفصل الأوَّل/المرتبات) بأكثر من 11 مليار و720 مليون جنيه، وعلى (الفصل الثاني/التسيير) بمبلغ 7 مليارات و69 مليون جنيه، وعلى (الحركات الموقعة) بمبلغ مليار 280 مليون جنيه، إضافة إلى الصرف على (فعاليات/ تقرأ: إحتفالات تدشين السلطة) بمبلغ 265,665,000 جنيه، وأرقام أخرى كثيرة و(مفيدة) لمن أراد الوقوف بتثبت أدق على حقيقة ما جرى (الأيام، 24/3/0.
وعلى حين كشف التقرير عن عمليات سحب على المكشوف، وعدم تعامل عن طريق الخزينة، وغيرها من التجاوزات لقانون الاجراءات الماليَّة والمحاسبيَّة، (إعترفت) السلطة، رسمياً، بـ (سوء إدارة) بعض مؤسَّساتها، و(تبديدها) للمال العام، دون أن تتخذ من الاجراءات ما يكفل وضع الأمر بين يدي القضاء (!) وتقدَّم أمينها العام باستقالته، إثر تعرُّضه لضغوط واستفزازات من مجموعات داخل السلطة نفسها (!) كما قرَّرت كتلتها البرلمانيَّة الدخول في اجتماع موسَّع مع أمانتها العامَّة ومفوَّضياتها للتحقيق في (تبديد) هذا المال وعدم توجيهه لمشاريع (التنمية) في دارفور (راجع: المصدر نفسه).
عند هذا الحد باخت في نفسي حماستي الأولى لتلبية دعوة مفوَّضيَّة تعويضات دارفور، فأغلقت جهاز الكمبيوتر، وصرفت النظر عن الأمر برمته، إذ عن أيِّ (حقوق مواطنين) سيحدِّثنا المهندس أبو القاسم احمد، وعن أيَّة (عدالة انتقاليَّة) سنحدِّثه، و .. بلا خشُم بقرة بلا نيلة!

الأربعاء
يعلم الغاشي والماشي أن (الانتخابات) شأن يتصل، وثيقاً، بصميم الخيار السيادي لـ (الدولة)، وكذا كلُّ ما يتصل بها من عمليات، بما في ذلك (التعداد) وما يلزمه من آليات تشمل أجهزته ولجانه.
ويعلم الغاشي والماشي أيضاً أن (التعداد)، الذي تعتزم (الدولة) السودانيَّة إجراءه نهاية الأسبوع القادم، شامل، أو هكذا ينبغي، لكلِّ الإقليم الذي يُفترض أن تنبسط عليه سيادتها، دونما استثناء لأيَّة بقعة، مهما تناءت أو صغرت.
لذلك كله لم أستطع أن أفهم، على وجه الدقة، ما رمى إليه د. ياسين الحاج عابدين، مدير الجهاز المركزي للإحصاء، حين اعتبر أن (حلايب) التي تعيق السلطات المصريَّة عمليَّة التعداد فيها ".. هي قضيَّة دولة ولا علاقة للتعداد بها!"، أو كما قال (السوداني، 25/3/0.
لا أتصوَّر، بالطبع، أن د. عابدين قصد، فعلاً، إلى القول بأن (التعداد) ليس من ضمن أعمال (الدولة)، فالجهاز نفسه الذي يتربَّع هو على سدته (شغل دولة)، أو، على حدِّ تعبيره، (قضيَّة دولة). لذا، ولأنَّ (الشينة منكورة) دائماً، فأغلب ظنِّي أن الرجل أراد أن يبعد عن أطراف ثوبه (شينة حلايب) التي أثارتها عمليَّة (التعداد) مجدَّداً، ليرمي بها جهات أخرى في (الدولة) لم يشأ، لسبب أو لآخر، أن يعيِّنها؛ ولو كنت مخطئاً .. فليصوِّبني!

الخميس
مع كلِّ ما ظلت (الانقاذ) تبدي من فصاحة في شجب (استكبار إسرائيل) على فلسطينيي القطاع، إلا أن في فمها ماء كثير، هذه الايام، إزاء تنكيل (الصينيين) بشعب (التبت)، مثلما كان هذا الماء دائماً في فمها إزاء ما ظلَّ (الروس) يفعلون بأهل (الشيشان)! ولات ساعة فارق بين (بوذيَّة) الأوائل وبين أن تكون في قيادة الأخيرين حركة (إسلامويَّة)، فالمحكُّ، حتف أنف الشعارات الطنانة، ليس أصلاً في نصرة (الاسلام) أو مناهضة (الاستكبار) على الضعفاء، إنما في استراتيجيَّة (تقديم السبت) انتظاراً لـ (نوال الأحد)، وخطة (شيِّلني واشيِّلك) التي يقتسمها، في مستوى العلاقات الدوليَّة، نظاما (الصين) و(روسيا) مع نظام (الانقاذ) بشأن عمايله هو نفسه في أهل (دارفور)! و .. حقاً إذا عُرف السبب بطل العجب!

الجمعة
من دارج قول الصحافة الثقافيَّة والفنيَّة في بلادنا صفة "العائد إلى أرض الوطن بعد غياب طويل" تطلقها على (كلِّ) مبدع ألجأته أوضاع القمع الظلاميَّة، أوَّل أمرها، مثلما ألجأت غيره، إلى مشارق الدياسبورا ومغاربها، لسنوات طوال، ثم ما لبث، حال وقوع الانفراج الدستوري الجزئي في السودان، منذ حين، أن صار يزور الأهل والأحباب في (الوطن الأصلي) مِن وقت لآخر.
خلال تلك الفترة اكتسب نفرٌ من هؤلاء المبدعين (مواطنيَّة) أوطان جديدة، حيث لم يخلُ الأمر، في البداية، من طغيان (النزعة العمليَّة) التي غالباً ما تلوِّن خيار المقموع! لكن، مع الزَّمن، ومع التبدُّل النسبي في الأوضاع، جاءت لحظة الاختيار الحقيقي. غير أن بعضاً من هذا النفر لم يلتمسوا في أنفسهم رغبة صميمة في إنهاء (هجرتهم) المديدة، بل واصلوا تمسُّكهم بحالة (مواطنيَّتهم) الأخرى، مِمَّا رتب لهم عليها حقوقاً مستحقة، ولها عليهم واجبات لا فكاك منها. و(المواطنيَّة) حين تكتسب بمثل هذه النوايا إزاء إخوة جدد، وتاريخ جديد، وجغرافيا جديدة، ولغة جديدة، وثقافة جديدة، وبالجملة تركيبة نفسيَّة جديدة، هي إحساس نبيل بالانتماء ينبغي أن يُفسح له كي ينمو، في الدواخل، ويزهر، فلا تعود محض (رخصة) تمكن حاملها من (الإقامة الآمنة) في هذا البلد أو ذاك، أو (جواز سفر) يتيح له حريَّة التجوال هنا أو هناك، وإلا لأصبح السعي المحموم، بالإظفر والناب، لاكتسابها أو الاحتفاظ بها، حال تغيُّر الاحوال بما يتيح هامشاً معقولاً لطلاقة الاختيار، مجرَّد (انتهازيَّة) قميئة ما مِن أحد يحب لنفسه أن يُرمي بها، دَعْ أن يكون هذا الأحد مبدعاً!
وهكذ، لو وقع ذلك الوصف الصحفي، كما قد يبدو بالفعل للوهلة الأولى، في مقام الرَّصد (البرئ) لسيرة غيريَّة، لأمكن هضمه شيئاً. سوى أنه ما ينفكُّ يشفُّ، من خلف غلالة (براءته) المزعومة هذه، عن ضرب من التواطؤ غير المفصح عنه على أمرين مختلفين، لكن باتجاهين متداخلين: فهو، بالاتجاه الأوَّل، إغواء مجَّاني لهؤلاء المبدعين بكون مجرَّد "غيابهم الطويل" هذا نفسه هو، في حدِّ ذاته، (قيمة مضافة) يجدر أن يُستقبل بها إبداعهم في (الوطن الأصلي)؛ وذاك ضلال نقدي بيِّن. ثمَّ هو، بالاتجاه الآخر، إلحاحٌ مُمضٌّ على تقرير انتمائهم، فقط، إلى السودان، أوَّلاً وثانياً وعاشراً وأخيراً، فلا يجوز أن يراودهم أوهى إحساس، مجرَّد إحساس، بما عدا ذلك؛ وهذا تشويش أخلاقي بالغ القسوة على سلاسة اندغامهم المطلوب في (أوطان جديدة) جُلُّ بُنات ثقافاتها (مهاجرون) مثلهم!
ولعلَّ مِن نافلة القول أن نذكر بأننا إنما نتحدَّث عن (مبدعين/مواطنين) كاملي المواطنة، في تلك المهاجر، بقضِّ فضاءات تجربتهم الابداعيَّة والانسانيَّة المغايرة وقضيضها، لا محض رعايا أو (لاجئين) فحسب. ذلك أدعى لأن نرحمهم من أنانيَّة "حبِّنا القاسي" هذا، والذي لا قِبَلَ لهم بضغطه النفسي والفكري، فليسوا أوَّل ولا آخر من خاض، في هذه الحياة الدنيا، مثل هذا المخاض الرهيب!

السبت
إستوقفتني بإلحاح عبارة أطلقها د. نافع علي نافع، مساعد رئيس الجمهوريَّة ونائب رئيس الحزب الحاكم للشئون السياسيَّة والتنظيميَّة، في معرض حديثه عن الوضع في دارفور، من خلال الندوة التي عقدتها قناة المستقلة (المستقلة؟!) بالخرطوم في منتصف مارس المنصرم، قال: "لا أرى حرجاً في أن تقاتل الحكومة من يقاتلها، ولن يمنعنا (من ذلك) لا مجلس الأمن .. ولا صراخ العالم كله" (السوداني، 14/3/0.
أولاً بالتبادي لا يملك أحد أن يلوم الرجل، أو يسأله كم ثلث الثلاثة، في باب التعقيب عليه. فمثل تقريره هذا لا يحتاج، أصلاً، لتصريح مخصوص، كونه يندرج، بطبيعة الحال، ضمن تحصيل الحاصل، وفي عداد المعلوم من (السلطة) بالضرورة، إذ ما من عاقل يمكن أن يطلب من (حكومة) ما أن تقف مكتوفة الأيدي إزاء من يرفع السلاح في وجهها! بل إن منطق (رفع السلاح) نفسه ينطوي على إقرار ضمني ناتج عن وعي قبْلي (بتسكين الباء) لدى رافعيه ذاتهم بأن (الحكومة) إنما تحرسها، بالمقابل، (قوَّة مسلحة) لا بُدَّ من وضعها في الحسبان، فلا مناص من أن يعدوا لها ما يستطيعون من عُدَّة تكافئها، ساعة الدواس، إن لم تجاوزها، أو فلينفضوا أيديهم عن الأمر برمَّته. أما الحكومة فليس أمامها غير واحد من سبيلين: فإما أن تسعى في فضِّ نزاعهم معها سياسياً، أو تهئ نفسها لحربهم بما لا يعلم إلا الله مداه أو نتيجته!
ورغم أن الخوض في هذا الشأن ليس من مطلوبات كلمتنا هذي، إلا أن التاريخ، مع ذلك، ومنذ انتفاضة العبيد المصارعين، بقيادة سبارتاكوس، ضدَّ الامبراطوريَّة الرومانيَّة عام 73 ق.م، مروراً بثورة الزنج، تحت قيادة على بن محمد، ضدَّ الدولة العباسيَّة، أواسط القرن الثالث الهجري، وحتى حركات الهامش المسلحة في جنوب السودان وشرقه وأخيراً في دارفور، ظلَّ يرشد الحاكمين، وبالأخص الذين يستمعون منهم دروس التاريخ فيتبعون أحسنها، إلى أن مثل هذه الحروب، بصرف النظر عن نتائجها، كفيلة باستنزاف مقدرات السلطة نفسها، دَع البلاد، وتبديد طاقاتها في ما لا طائل من ورائه. سوى أن ذلك كله، كما قلنا، شأن آخر!
الشاهد أنه لا القوى الوطنيَّة، ولا الأمم المتحدة، ولا "صراخ العالم كله"، على حدِّ عبارة د. نافع، بمستطيع أن (يمنع) الحكومة، إن هي أرادت أن تسفه هذه الدروس فلا تعتبر بعبرها، من أن تمضي في مواجهة حركات دارفور المسلحة، بالقوَّة المسلحة، إلى يوم يبعثون، فليست تلك هي المشكلة في عبارة الدكتور. المشكلة أن هذه العبارة، وعلى حين تشي، من ناحية، بكونها تلوِّح بحُجَّة رفض الحكومة لـ "صراخ العالم" ضد (حقها) في إخماد أيِّ تمرُّد مسلح ضدَّها بالقوَّة المسلحة، إنما تحاول، من الناحية الأخرى، طمس حقيقة أن هذا (الصراخ) لا يستهدف، في واقع الأمر، ذلك (الحقَّ) المكفول في كلِّ الأحوال، بل كان، وما يزال، منصبَّاً، بكليَّاته، على الانتهاكات البشعة للقانون الانساني الدولي، والتي ما زال يروح ضحيَّتها ملايين (المدنيين) العُزَّل وسط حرائق النزاع المسلح في الاقليم.
ولعلَّ أحدث وقائع هذا (الصراخ) ما ورد مؤخراً، في تقرير مشترك صادر في جنيف بتاريخ 20/3/08 عن المفوضيَّة العليا لحقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة وقوَّة حفظ السلام التابعة للمنظمة الدوليَّة والاتحاد الأفريقي، من وصف لأعمال العنف حيال المدنيين في قرى دارفور خلال الشهرين الماضيين، والتي حمَّل التقرير مسئوليَّتها للجانب الحكومي، بأنها تندرج في إطار "استراتيجيَّة عسكريَّة متعمَّدة"، مِمَّا أسفر عن سقوط 115 قتيلاً على الأقل، واضطرار أكثر من 30,000 شخص للنزوح، فضلاً عن تدمير ممتلكات المدنيين، خصوصاً الأشياء التي لا غنى عنها لضمان بقاء السكان، بالاضافة إلى تعرُّض مساكن، ومدارس، ومراكز طبيَّة، ومنشآت مياه، ومحلات تجاريَّة، ومخازن مواد غذائيَّة، ومكاتب منظمات غير حكوميَّة، إلى نهب، وتخريب، وإحراق في بعض الاحيان، بينما الناس بداخلها. كما أشار التقرير إلى عمليات اغتصاب ارتكبت، وإلى قصف أوقع عدداً غير محدَّد من القتلى في صفوف المدنيين، وإلى دعم جوي للهجمات العسكريَّة، وإسناد من مليشيات على الأحصنة والجمال، مِمَّا يشكل انتهاكاً للقانون الانساني الدولي وحقوق الانسان (المصدر نفسه).
والآن، وفي ضوء التسليم الكامل بـ (حقِّ) الحكومة في أن "تقاتل مَن يقاتلها" مِن محاربين مسلحين ينازعونها السلطة، فإن السؤال الذي لا مفرَّ لمساعد رئيس الجمهوريَّة ونائب رئيس الحزب الحاكم من الاجابة عليه بوضوح، على خلفيَّة عبارته سالفة الذكر، هو: هل يا ترى تعتبر الأفعال المذكورة لازمة للحكومة، بالضرورة، أو مِمَّا يسمح لها به القانون أو الدين أو الأخلاق، وبدونها لا تستطيع أن "تقاتل مَن يقاتلها"، وبالتالي يحقُّ لسيادته "ألا يرى حرجاً" في ارتكابها، فلا يجوز أن يمنعهم (من ذلك) لا مجلس الأمن ولا "صراخ العالم كله"؟!
ما لا تريد الحكومة أن تفهمه هو أن (حماية المدنيين) بآليَّة القانون الدولي لحقوق الانسان في أزمنة السلم، وبآليَّة القانون الانساني الدولي في أزمنة النزاعات المسلحة، أصبحت تشكل عنصراً أساسياً في خط التطوُّر الرئيس للقانون الدولي المعاصر، حيث ارتقت قواعده، عبر جدليات القانون والسياسة، من محض الاقتصار على صون (حقوق الدولة القوميَّة)، كما كان الأمر في السابق وفق مفهوم (السيادة) القديم الذي أسَّست له اتفاقيَّة وستفاليا لسنة 1648م، إلى الاهتمام بصون (حقوق الأفراد والشعوب)، خصوصاً أثناء النزاعات المسلحة. ومن ثمَّ تكفُّ علاقة الدولة بمواطنيها عن أن تكون محض (شأن داخلي) في ذات اللحظة التي يتسبب فيها سلوكها نحوهم في كوارث إنسانيَّة، خصوصاً حين تمتدُّ آثار هذه الكوارث إلى دول أخرى. لذا كان لا بُدَّ لقواعد القانون الدولي الحديثة مِن أن تقضي بالتدخل الدولي لأسباب إنسانيَّة، فى عصر تشبَّع بعالميَّة مبادئ حقوق الانسان، وبالمعايير الدوليَّة للديموقراطيَّة، مِمَّا يوجب على الدولة مراعاة التزامات محدَّدة تجاه مواطنيها، في أوقات السلم كما في أوقات الحرب، فإن هي أخفقت في الوفاء بها من تلقاء نفسها، تحتم على المجتمع الدولى إجبارها عليها.
ولم تعُد مراقبة تطبيقات هذه القواعد الإنسانيَّة مقصورة، كما في السابق، على المؤسَّسات الدوليَّة الرسميَّة، إذ أن منطق التطوُّر نفسه فرَضَ أن تصبح المجتمعات المدنيَّة أكثر فاعليَّة في هذا السياق، وأن تشكل، كما نرى الآن، اصطفافاً شعبياً عالمياً ضاغطاً ينتظم فيه ملايين الناس من شتى الأقطار، وما لا حصر له من التنظيمات السياسيَّة، والمنظمات الطوعيَّة، والمراكز البحثيَّة، والجمعيات العلميَّة والثقافيَّة والاجتماعيَّة، والمؤسَّسات الصحفيَّة والاعلاميَّة المستقلة، من مختلف المدارس والاتجاهات الفكريَّة الانسانيَّة والديموقراطيَّة.
ويجدر أن نفتح هامشاً هنا لنؤكد أن تلك، في حدِّ ذاتها، وفي وجه مهم من وجوهها، ظاهرة إيجابيَّة تدفع بعولمة إنسانيَّة بديلَة تزيد من معدَّلات التقارب بين الشعوب، في مجابهة العولمة الرأسماليَّة التي لا همَّ لها سوى زيادة معدَّلات النهب لموارد البلدان الضعيفة، و(القولبة) لثقافاتها على النمط الغربي.
ومع ذلك يجدر، أيضاً، ألا تكون ثمَّة أوهام حول أن اختلال ميزان القوة الدولي الراهن قد يغري بالالتفاف حول هذه الدلالات، وجعلها ذريعة لتمرير أجندات خفيَّة أو معلنة لهجمنة دوليَّة تتفاوت، خشونة ونعومة، بحسب الحال. على أن تغيير هذا الواقع لا يكون بإنكار (المبدأ) نفسه، بل بتعديل هذا الميزان المختل. ولأن هذا ميدان صراع سياسي دولي، فإن المناضلين الديموقراطيين، مِن كلِّ الجنسيات، لا يكتفون، فحسب، ببذل جهدهم من أجل أن تدرك شعوبهم مفاهيم هذا الصراع الأساسيَّة، أو أن تتقن التمييز، فقط، بين صالح ديناميكياته وطالحها، بل وأن تنهض بدورها المقدَّر فيه.
وهكذا، فليس من الحكمة في شئ، حين يعلو "صراخ العالم"، أن تشيح الحكومة عنه بوجهها، لتسُدَّ أذناً بـ (طينة) وأخرى بـ (عجينة)!

الأحد
هل يشرِّفك، مقدار قلامة ظفر، أن تنتمي إلى مؤسَّسة يعمل بها 535 موظفاً، 3 منهم قضوا أحكاماً بالسجن في جرائم اغتصاب، و7 أوقفوا في جرائم احتيال، و19 حوكموا في جرائم شيكات، و29 اتهموا بإساءة معاملة الزوجات، و14 في قضايا مخدرات، و8 قبض عليهم متلبسين بجرائم سرقات، و84 اعتقلوا العام الماضي بسبب قيادة سياراتهم وهم في حالة سكر، و71 ممنوعون من الحصول على بطاقات ائتمانيَّة بسبب سوء سجلاتهم المصرفيَّة، و117 تسبب كلٌّ منهم، بشكل مباشر أو غير مباشر، في إفلاس شركتين على الأقل، بينما لا يزال 21 ينتظرون المحاكمة بتهم مختلفة؟!
قبل أن تجيب على هذا السؤال، نطرح عليك سؤالاً آخر: هل ستدهش إذا علمت أن هذه المؤسَّسة هي (الكنغرس الأمريكي) ذاته، وأن هؤلاء (البلطجيَّة) هم أعضاؤه الذين يشرِّعون، سنوياً، مئات القوانين الجديدة لإلزام (غيرهم) في الولايات المتحدة جادَّة السلوك السوي؟!

روزنامة الاستاذ كمال الجزولي
7 - 4- 2008
صحيفة أجراس الحرية

Post: #742
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-24-2008, 02:14 AM
Parent: #741


فى لقاء له مع صحيفة "أجراس الحرية" اليوم 17 أبريل 2008 يقول السيد عبد العزيز الحلو: "ومن خلال تنظيم الشباب بدأ نشاطي السياسي مع العلم بأنني لم ألتحق بأى حزب سياسي موجود بالساحة السياسية السودانية، وللحقيقة كنت أتعاطف مع الجبهة الديمقراطية بجامعة الخرطوم، وتأثرنا كثيرا بأفكار الأستاذ محمود محمد طه باعتبار أن تلك الأفكار تحمل الكثير من معاني التحرر والإستنارة".. ص 5
_________________
صحيفة أجراس الحرية

Post: #743
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-24-2008, 04:07 AM
Parent: #1


محمد ابو القاسم حاج محمد
شبهات التداخل ما بين العالمية الاسلامية الثانية والرسالة الثانية من الاسلام

هناك دائماً متشابهات لا تضع الامور في ميزانها المحكم , فكما فهم البعض مفهوم ( الجمع بين القرائتين ) فهما تراثياً ورده الى مصادر ظنية مثل " ما فرطنا في الكتاب من شئ " او العلاقة بين الكون المسطور ( القرأن ) والكون المنثور ( الوجود ) غافلاً ارتباط الجمع بين القراءتين ( بجدلية الغيب والانسان والطبيعة ) وفق نهج تحليلي يأخذ بجدل الانسان وجدل الطبيعة بطريقة معرفية مستوعبة ومتجاوزة للمنطقية الوضعية الحديثة بكل افاقها النسبية والاحتمالية من جهة واللاهوت من جهة اخرى .
أتى بعضهم برد محكم العالمية الاسلامية الثانية وجدليتها الى متشابه ( الرسالة الثانية في الاسلام ) لصاحبها ( محمود محمد طه ) علماً اني قد استبقت الامر في الطبعة الاولى حين قلت في صفحة 153 و 154 :
( الايمان المحمدي هو مقدمة البشرية لتعرف طريقها الى الله في المادة وفي الحركة دون حلولية ودون ما ورائية ودون ارتداد الى مبدأ المادة الناقصة . انها من اعظم المراحل واغناها في التاريخ الايماني للبشرية وقد جاء افتتاحها بعبارة ( اقرأ ) وانتهت الى الجمع بين القراءتين وهذا هو جوهر الحقيقة المحمدية الكونية .
وهي حقيقة تورث والارث عن الاصل المتلقي اي عن محمد والذي يملك حق التوريث هو الله لمن يصطفي من عباده . ولها مواصفات شتى على انواع ثلاثة والثاني وسط بين اثنين أولهما ظالم لنفسه واخرهما سابق بالخيرات ( والذي اوحينا اليك من الكتاب هو الحق مصدقاً لما بين يديه ان الله بعباده لخبير بصير * ثم اورثنا الكتاب الذي أصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بأذن الله ذلك هو الفضل الكبير ) ( سورة فاطر : الايات 31 -32 ) . وارث الحقيقة يخرج معجوناً في لحمة العصر . فعلاقة من يلي محمداً بالكتاب لا تكون علاقة نبوة ولا علاقة تجديد ولا علاقة رسالة ثانية ولا ثالثة وانما علاقة توريث يتفاعل فيها وحي الكتاب مع شخصية العصر حافظاً لاستمرارية الحكمة والمنهج الالهي " .
ان من يفهم حكمة انقضاء مرحلة النبوات سيفهم تماماً ان الله قد جعل ارادته في اعادة اكتشاف القرأن وفهمه ضمن كل مرحلة من مراحل التطور البشري بما ينسجم والخصائص الفكرية لشخصية المرحلة الحضارية . وقد ضمن القرأن وحي كل مرحلة كنور تتضح به حكمة المنهج الالهي وتطبيقاته الكونية " .
فالذين ظنوا ان ( رسالة ثانية ) تتنزل عليهم ليسوا ضمن منهجنا , ولسنا من انصار الاتجاهات الاشراقية ولو كانت معاصرة او اهتمت بتحديث المفاهيم الاسلامية وعصرنتها لتتكيف مع العقل الليبرالي وبطريقة انتقائية تعتمد على ( التأويل الباطني ) .
قد قسم صاحب الرسالة الثانية القرأن الى فروع وأصول حيث جعل من الفروع أساساً لما سبق , ومن الاصول اساساً لرسالته هو الثانية , وكما كتب :
( الاسلام رسالتان : الفهم الجديد للاسلام اللي بتقدموا - الدعوة الاسلامية الجديدة - وهو انوا الاسلام فيهو رسالتين , رسالة اولى بتقوم على فروع القرأن , ودي مرحلية في كثير من صورها , وهذه الصورة ما اصبحت مناسبة لحاجةالناس اليوم , ورسالة ثانية بتقوم على اصول القرأن , ودي سنة النبي ( ص ) وعاشها هو وحده وما عاشتاه الامة المؤمنة في الوقت ذاك لانها اكبر من حاجتها , ونحن الجمهوريين بنقول انها مدخرة للناس اليوم ) - راجع كتاب محمود محمد طه في ( أصول القرأن ص2 و3 ) .
بتحليل هذه الفقرة نجد ان صاحب الرسالة الثانية يطرح نفسه كباعث لآصول القرأن وليس فروعه في حين اننا نرفض جذرياً مفهوم تجزئة الفهم القرأني بين أصول وفروع , فالقرأن بالنسبة لنا كتاب منهجي يتمتع بخصائص الوحدة العضوية التي قضت باعادة ترتيبه خلافاً لترتيبه السابق استناداً الى أسباب النزول ,ولتاكيد هذه الوحدة العضوية للكتاب التي تعطي منهجيته لم نتعامل مع القرأن بالتمييز بين المكي والمدني . ونصوصنا المفارقة لصاحب الرسالة الثانية والنقيضة لها ايضاً واضحة جداً ,فقد قلنا في كتابنا العالمية الاسلامية الثانية ص 168 ما نصه :
" ليس ثمة جديد يضاف ولكنه فهم للحديث المستجد في اطار الوعي المنهجي بالقديم المتجدد , ونتوقف هنا لما نسميه بوعي المنهج متسائلين لماذا بقيت كتب التفسير دون شرح القرأن شرحاً منهجياً متكاملاً ؟ ولماذا لم نرث هذه المدرسة بتمامها عن السلف الصالح ؟ ليس ثمة تقصير ولا لوم ولا عتاب .
لو فصلنا مجموعة من سير خاصة المتلقين من الصحابة لأمكننا ان نكشف في حياتهم اثراً كبيراً طبعها به فهمهم للمنهج الالهي في الكون كله . ويلحق بهم في هذا المجال اخرون من رجال هذه الامة غير ان تحليل السيرة وصولاً الى الكشف عن كوامن الشخصية امر لم يعرفه العرب من قبل وهي من الامور المستحدثة في الذهنية العربية من خلال القصة والنقد . اما القرأن فانه يشتمل بطريقة فريدة على هذا المبنى من الفن الحضاري ولكن بأسلوب خاص ومتميز في التحليل ضمن السرد ( وراودته التي هو في بيتها ) بما يعني تحليلاً للحالة التي تمت ضمنها المراودة . فالامر ليس محض رغبة جنسية كما فهمه البعض .
اذن منهجيتنا هي منهجية القرأن التي نشأت ضمنها التجربة المحمدية العربية , ولا ندعي أن ثمة جديداً يضاف , سوى محاولة الوعي بالقرأن في أطاره المنهجي الكلي على نحو كوني شامل بوصفه معادلاً للحركة الكونية , وكل دلالاتها .
هذا الفهم ليس جديداً في ذاته ولكنه جديد في تناوله اي انه كان موجوداً في القرأن غير ان العرب لم يكن من شأنهم وطبيعتهم ان يتناولوه بشكله المنهجي الكلي ولا يعود الامر لنقص فيهم وكمال فينا وانما يعود لطبيعة مقومات تجربتهم وخصائص تكوينهم التاريخي والاجتماعي " .
ثم ان اخطر ما توصل وانتهى اليه صاحب الرسالة الثانية بعد أن قسم القرأن الى أصول وفروع انه جعل ممن سبقه من الانبياء ( طلائع ) لرسالته هو الثانية , كما جعل خاتم الرسال والنبيين ( مبشراً ) بأمة الرسالة الثانية التي تأتي من بعده :
( وهذه أمة لم تجئ بعد وانما جاء - طلائعها فرادى - على مدى تاريخ المجتمع البشري الطويل , واولئك هم - الانبياء - وفي مقدمتهم سيدهم وخاتمهم , هو قد بشر بمجئ هذه الامة كما جاء برسالتها مجملة في القرأن مفصل في ( السنة ) محمود محمد طه في كتاب " تعلموا كيف تصلون " ص 16 .
ان المتغيرات العصرية لا تفترض بالضرورة نشوء رسالات ثانية وثالثة ورابعة , والا للزم على كل مصلح او مجتهد ادعاء انه صاحب رسالة ثانية وثالثة وذلك منذ ان دخلت المنطقة الاسلامية في تفاعل مع عالمية الغرب الاوربي الوضعية والمركزية والخذة بهمينة العلم على مقولات العقل الطبيعي . وبداية في منتصف القرن التاسع عشر , فلماذا لا يكون اولئك الرواد من امثال الافغاني ومحمد عبده ورشيد رضا وبن عاشور وبن ياديس وغيرهم وبما أثاروه من محاورات التجديد , هم اصحاب الرسالات الثانية اذا كانت مجرد المتغيرات العصرية هي الدالة عليها والباعثة لها ؟ فالمتغيرات العصرية لا تستلزم ( رسالة اسلامية ثانية ) ولا حتى ( عالمية اسلامية ثانية ) وانما تستلزم فقط اجتهاداً وتجديداً وتجدداً ؟ فلماذا قال محمود محمد طه بأنها (رسالة اسلامية ثانية ) ولماذا قلنا نحن بعاملية اسلامية ثانية وما هو الفرق بينهما ؟ وما هي علاقة ذلك بمتغيرات العصر التي لا تستدعي سوى الاجتهاد فقط .
لم نقل بعالمية اسلامية ثانية رجوعاً الى المتغيرات العصرية , او تأسيساً عليها , ولم نجعل منها رسالة ثانية , وانما قلنا بها كدورة تاريخية ثانية للاسلام تعقب الدورة الاولى , ولكن ضمن شروط تحقق ( جدل تاريخي محدد ) يبتدئ ( بعالمةي الاميين ) ثم ( العالمية الشاملة ) للاسلام عبر تدافع ما بين العرب والاسرائيليين . وقد حدد القرأن هذا المسار التاريخي الجدلي والذي استهلك أربعة عشر قرناً بداية بطرد اليهود من المدينة المنورة ثم عودتهم الى الارض المقدسة .وقد شرحنا الامر في كتاب العالمية ص ( 175 - 176 ) ثم اكدنا في ص 258 :
" وقد قضى الله أن تنتهي العالمية الاولى بعودة بني اسرائيل الى فلسطين ( المسجد الاقصى ) وانشائهم لدولتهم وامدهم الله كما قضى بأموال وبنين تتدفق عليهم من ارجاء كثيرة في العالم وجعلهم اكثر نفيراً . وكما يعتبر قيام دولة بني اسرائيل المظهر الاكثر عملية لانتهاء دورة تاريخية كاملة في التاريخ الحافل لهذه المنطقة الحضارية بالذات فأن مظاهر اخرى متزامنة تعتبر مظاهر عملية اخرى لانتهاء تلك العالمية وهي الارتدتا نحو الاقليمية وعناصر الانقسام والتحول نحو البدائل الوضعية والعودة الى الاصول الحضارية السابقة على الاسلام . كل هذه المظاهر ذات علاقات جدلية متفاعلة باتجاه اهزيمة الكبرى فليس غريباً اذن ان يعلن الرئيس المصري برنامجه للصلح مع اسرائيل وهو يخاطب الصحفيين مشيداً بحضارة مصر الضاربة الجذور ومتخذاً من الاهرامات الثلاثة خلفية لمظهره التلفزيوني .
غير انه ومع انقضاء تلك المرحلة في شكلها التاريخي العالمي الا انها قد ابقت في داخلها وضمن موروثاتها امكانية الانطلاق نحو العالمية الاسلامية الثانية التي تأتي ضمن أفق تاريخي جديد ومغاير وضمن خصائص موضوعية متميزة . وتوالد العالمية الثانية عن العالمية الاولى هو دلالة قرأنية على تواصل الرسالة المحمدية باعتبارها خاتمة الرسالات وعلى امتداد القرأن بشكل مطلق في الزمان والمكان . وفي أطار العالمية الثانية سيتحقق قضاء الله ( فاذا جاء وعد الاخرة ليسئوا وجوهكم وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة وليتبروا ما علوا تتبيرا ) .
ومع ان العالمية الثانية ترث في انطلاقتها عن العالمية الاولى مقومات الوجود والبقاء الكياني الا انها لا ترث عنها مفهومها السلفيس التطبيقي للقرأن ولا ترث عنها مفهومها التأويلي , بل تستعيض عن السلفية التطبيقية والتأويلية الباطنية بمفهوم منهجي جديد للقرأن في وحدته العضوية ودلالاته الكونية .
ولا تأتي هذه الاستعاضة من قبل الاجتهاد الفكري التجديدي بل ترتبط بتجاوز التاريخ ومقومات التكوين للشروط الواقعية التي حكمت مرحلة تحويل العربي بالقرأن من الأطر البدوية ضمن خضائصها المحلية والى أطر اسلامية مغايرة . فالانسان العربي قد فهم القرأن ضمن خصائص تكوينه الموضوعية وقد كانت بسيطة ومتخلفة اجتماعياً وفكرياً بالقياس الى خصائص التكوين الحضاري العالمي الراهنة .
اذن على أي المرتكزات بنى الشيخ محمود محمد طه فهمه للرسالة الثانية طالما انه لم يأخذ بجدل التدافع التاريخي بين العرب وبني اسرائيل , وقد كان هو من اوائل من نادى بالصلح مع اسرائيل في كتابه ( الصلح خير ) واول من ساند الرئيس المصري الراحل انور السادات ؟ وهذا ضد منهجنا كلياً .
ثالثاً : يعتبر الشيخ انه يأخذ رسالته الثانية ( مباشرة ) عن الله وبلا واسطة وذلك عبر ( العلم اللدني ) وصلاة ( الصلة ) وبما تحقق له من عبودية :
فعلى مستوى صلاة الصلة فانه يعرفها بأنها تتحقق في حال ( الشهود الذاتي ) حين ( يتم رفع حجاب الفكر ) :
" وفي مقام الاستقامة يحصل ( التوقف الفكري ) . والتوقف الفكري هو ما يعرف برفع حجاب الفكر .. وبرفع حجاب الفكر هذا يتم الشهود الذاتي .. والشهود الذاتي هو ما اتفق للنبي الكريم .. في المعراج العظيم , بعد ان تخلف جبريل عن سدرة المنتهى .. وفي هذا المقام - مقام الشهود الذاتي - فرضت صلاة الصلة " - محمود محمد طه - تعلموا كيف تصلون ص30 .
ويعتبر ان صلاة الصلة هي ذكر الله الحقيقي وما الصلاة الشرعية الا وسيلة لها , ففي تأويله للاية ( اتل ما اوحي اليك من الكتاب وأقم الصلاة ان الصلاة تنهى عن الفحشاءوالمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ) .
يقول الشيخ محمود محمد طه :
" ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " .. هذه هي الصلاة الشرعية .. ( ولذكر الله أكبر ) اشارة الى صلاة الصلة , فصلاة الصلة هي الصلاة ( الحقيقية ) اما الصلاة الشرعية فهي صلاة ( المعراج ) - محمود محمد طه -تعلموا كيف تصلون - ص 37 و 38 .
ثم يعتبر ان صلاة الصلة هي صلاة الثلث الاخير من الليل ( التهجد ) , وهي الصلاة الحقيقية والاهم ويحولها من ( نافلة ) الى ( فريضة ) :
" وصلاة الثلث من أهم صلاتك . وهي قد كانت مكتوبة على النبي , ولم يكن - الاصحاب - الا مندوبين اليها ندباً , غير مكلفين بها شرعاً .. وهي اليوم بفضل الله ثم بفضل حكم الوقت , قد أصبحت مكتوبة على هذه الامة المعاصرة , التي يطلب اليها ان تبتعث - سنة النبي - بعد اندثارها لترقى ببعثها الى مقام - الاخوان " - محمود محمد طه - تعلموا كيف تصلون - ص 58 .
" نحن بشرية القرن العشرين , نحن بشرية الثلث الاخير من ليل الدنيا , ومعلومة قيمة الثلث الاخير من ليل النوم : أن ناشئة الليل هي أشد وطأ واقوم قيلاً " بنفس هذا القدر يجب ان نعلم قيمة الثلث الاخير من ليل الدنيا . وقيمة البشرية التي تعيشه .. فهذه البشرية هي الموعودة بأن تملأ الارض عدلاً , في وقتها كما ملئت جوراً , وهي الموعودة بتحقيق جنة الارض في الارض .. هذه البشرية المعاصرة هي بشرية ( اليوم الأخر ) الذي من اجل تحقيقه أرسل الرسل وأنزلت الكتب وشرعت الشرائع في جميع حقب هذه الدنيا " محمود محمد طه - تعلموا كيف تصلون - ص 96 .
ولكن ما هي خصائص هذه الامة , والتي حدد الشيخ زمانها بأنها ( أمة القرن العشرين والثلث الاخير من ليل الدنيا ) ؟ أنها في مصلحة امة اخوان النبي وليس أمة الصحابة وهي أمة افضل من امة الاصحاب :
" أن مستوى جديداً من البشرية سيظهر على هذه الارض , وانما بظهوره تملأ الارض عدلاً كما ملئت جوراً , وهذه البشرية التي ستظهر في هذا المستوى الانساني الكبير - بمحض فضل الله - , أنما هم - أخوان النبي - الذي أشتاق اليهم حين قال وهو بين ( أصحابه ) : واشوقاه لأخواني الذين لما يأتوا بعد . قالوا : أولسنا أخوانك يا رسول الله ؟ قال : با أنتم أصحابي . قالوا : من اخوانك ؟ قال : قوم يجيئون في أخر الزمان , للعامل منهم أجر سبعين منكم . محمود محمد طه - تعلموا كيف تصلون - ص 96 و97 .
ولكن هل فصلت السنة النبوية في تطبيقاتها على ( نسبية الواقع ) مطلق القرأن ؟ ان الاجابة دائماً لدى الشيخ ان السنة تقوم على ( اصول القرأن ) فيما طبقه الرسول على ( خاصة نفسه ) وبما يماثل ما سيكون عليه ( تطبيق الاخوان ) وليس الاصحاب , يقول الشيخ :
" هناك الشريعة , والطريقة , والحقيقة , فأما الشريعة فهي قاعدة التكليف العام , وهي أدنى درجات التكاليف على المؤمن . واما الطريقة فهي النهج المؤكد الذي كان يلتزمه النبي في خاصة نفسه , وهي من ثم ( سنة النبي ) والسنة شريعة وزيادة , وأما الحقيقة فهي حالة القلوب التي تكون عليها المعرفة بالله نتيجة للعمل بالشريعة , او للعمل بالطريقة , حسب مقتضى الحال " . ونسب الشيخ للرسول ما قيل ( قولي شريعة , وعملي طريقة , وحالي حقيقة ) - تعلموا كيف تصلون ص 76 و77 .
ثم جعل الشيخ من سنة النبي الأصل للمسلم اما الشريعة فهي للمؤمن :
" الشريعة هي تكليف ( المؤمن ) وهي من ناحية الالزام قصاراه , وهي بالنسبة للمسلم تكليف في بداية امره , وهي بالنسبة اليه منفتحة على الطريقة , فالمسلم شريعته السنة " .
فما مفهوم الشيخ بين المؤمن المرتبط بالشريعة والمسلم المرتبط بسنة النبي على مستوى ( الطريقة اولحقيقة ) ؟
يقول الشيخ :
" ان المسلم مطلوب منه الترقي المستمر , من نهج الشريعة الى نهج الطريقة الى نهج الحقيقة , وفي نهج الحقيقة اذا شدد وجود يدخل - في مقامات الشرائع الفردية فتكون شريعته طرفاً من حقيقته - وهذه هي ( العبودية ) " .
ها قد وصل الشيخ الى مبتغاه - مقام ( الشريعة الفردية ) على مستوى بلوغ الحقيقة تذرعاً بسنة الرسول في ( خاصة نفسه) وهكذا انتفت مصدرية القران الذي سبق وان قال عنه أنه ( كتاب هذه الامة المبشر بها ) وانتفت حتى ضوابطه في مقام الشريعة الفردية .
ويؤكد الشيخ هذا المعني نصاً ( 95 كيف تصلون ) :
" أسمعوا قولي هذا فأن شريعة الاسلام في أصلها أنما هي شريعة فردية .. والقرأن يركز على الفردية , تركيزاً مستفيضاً .. وحين كانت شريعة الاسلام , في أصله فردية , كانت شريعته في الفرع جماعية , وما الشريعة الجماعية الا وسيلة للشريعة الفردية " .
قد قضى الشيخ على ( عالمية الخطاب ) الاسلامي وعلى مفهوم الانتماء للامة والجماعة والتواصل مع تاريخها عبر ( التدافع ) مفككاً الأمة الى مستوى الفرد فاذا قلنا ان ذلك كله ناتج عن فهم باطني تأويلي خاطئ لسنة خاتم الرسل والنبيين ولمفهوم الرسالة نفسها ,فاه الأدهى من ذلك فهم الشيخ للقرأن والذي يحتوي على ( الضوابط الاساسية ) للفهم .. فكيف يفهم الشيخ القرأن ؟
" كتاب الله في الأصل , وهو الأكوان جميعاً , وهو الانسان في المكان الاول لآن في الأنسان - جسمه وعقله - اجتمعت ايات الظاهر وايات الباطن .. يقول تعالى في ذلك ( سنريهم أياتنا في الأفاق وفي أنفسهم ) .
جسم الانسان هو كتاب الله .. والقرأن المحفوظ بين دفتي المصحف والمقروء باللغة العربية , انما هو صورة لفظية وصوتية , وعلمية لهذا الكتاب العظيم .. و( المثاني ) انما تعني زوجين .. وأعلى الزوجين النفسان : نفس الرب ونفس العبد .. كما أن المثاني في القرأن تعني , المعنى البعيد عند الرب والمعنى القريب التي تدنى لتفهيم العبد " - تعلموا كيف تصلون - ص 3 و4 .
----------------------------
*المصدر: العالمية الإسلامية الثانية


http://www.balagh.com/mosoa/tablg/5q0oxqaq.htm

Post: #744
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-24-2008, 04:12 AM
Parent: #743


في الذكرى الثانية لوفاة المفكر السوداني أبو القاسم حاج حمد (التقييم: 0)
بواسطة زائر في 3-12-1427 هـ
الأخت الكاتبة
رحم الله الأستاذ حاج حمد و غفر له زلاته و آجره على اجتهاداته. لا يمكن لأحد أن يبخس قيمة مفكرنا السوداني و تضحياته من أجل ما يعتقد، ثم سعة صدره و رحابة وجهه التي تعكس أخلاق و حكمة إخواننا السودانيين (عكس ما يحدث اليوم من حرب داخلية بينهم!). و لا يجد المرء في نفسه إلا التصاغر أمام إرادة الرجل في تعميق فكره و بث فكره و المجاهدة العنيدة في ذلك
لكنني أجد في كتابة الأخت الفاضلة غمامة الهيمنة لفكر الأستاذ علي رأسها اختلط فيها العقل بالقلب و تغلب فيها فكر التأليه و التنزيه على النقد و عقلية الشيخ و المريد على فكر النقد و التشريح، و لعل موقف الاحتفاء هو الذي أملى نص المقال.
أعتقد بأن لأعمال الأستاذ حاج حمد جذور و سوابق في أسس و منطلقات الباحث السوداني الراحل محمود محمد طه الذي كان أسبق في استعمال الرسالة الثانية من الإسلام و الذي أعدمه الرئيس النميري بتهمة الردة، و هو ما يحتاج إلى تحقيق و دراسة.
كلما أرجوه من إخواننا بمدرسة أغادير أن يعقدوا ندوات لمناقشة فكر الأستاذ حاج حمد بما له و ما عليه و يدعو ا الأصدقاء و الخصوم على السواء و لا يسقطوا في نفس ما سقط فيها مناوئوهم من السلفية. فيصبحوا سلفيين بالمعنى اللغوي باتباع من يرونه سلفا.
إنني شخصيا بحكم سماعي له لمحاضرتين و الاطلاع السريع على ما كتب -بسبب هموم التدريس و البحث العلمي- وجدت في نسيجه الفكري ثغرات لا تخفى على طالب علم و أكاديمي مبتدئ، استطاع أن يغطيها بالتلفيق الفكري البارع و الجامع بين المنطق والآيات القرءانية، و بين النص و التاريخ المكتوب، إني أتمنى من الله أن يلهمني و يقدّرني على الاطلاع الشامل على أعماله ثم وضع اليد على ما لم أستطع أن أستسيغه. و لعل زهدي فيما أنتجه الأستاذ الحاج حمد هو استحواذ اعتقادي بٍلَغْوية (من اللغو) الكثير منه من المنظور العملي و إحساسي بأنه طريق مسدود أو يؤدي إلى صحراء قاحلة من الضياع الفكري، مع اعتذاري الشديد لمريديه.
أخوكم مصطفى حموش


http://www.chihab.net/modules.php?name=News&file=article&sid=1634

Post: #745
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-24-2008, 04:15 AM
Parent: #744




مصرع القداسة على اعتاب السياسة
هاني أبوالقاسم محمد
[email protected]
الحوار المتمدن - العدد: 853 - 2004 / 6 / 3


الإهداء

رسالة من القبر

القبر بارد يا أمي أرسلي لي قميصا من الصوف..

إلى هؤلاء الأحياء تحت الثرى … وأولئك الأموات الصابرين …
كم مرة أوصيتكم أن يكون كفني هو العلم بألوانه الثلاث .. الأزرق، الأصفر،الأخضر –نيل يجري على الصحراء يحيلها جنة خضراء- ليس لأنني أحب هذا العلم فحسب ولكن لأترك مزيدا من القماش الأبيض ليكمل به بعض هؤلاء ثيابهم القصيرة.

إليك يا أفلاطون…
هل تذكر ذلك اليوم، عندما كنتم جميعا مقيدين داخل كهف. حين كسرت القيد لترى الحقيقة التي لم تر سوى ظلالها مطبوعة على جدران الكهف، هل تذكر حينما عدت لتخبرهم أن الحياة لديهم ليست سوى ظلال.. وأن عليهم أن يكسروا القيود لتتجلى لهم الحقيقة والحياة .. قتلوك عندها! لا بأس يا صديقي .. قليلٌ هم الذين كسروا القيد بعدك .. منهم من لم يعد .. أما الذين عادوا فقد قتلوا.

إلى وطني …
ما زلت أذكر مقولة سليمان عميرات .. لو خيرت بين الجزائر والديموقراطية، لاخترت الجزائر .. أما أنا فلو خيرت بين الوطن و … لاخترت الوطن حتما.

إليكم أيها الكفرة …
نعم حتى هؤلاء ، الذين لم يؤمنوا يوما بالحب .. لا تقتلوهم فإني لا أريد أن أراهم هنا.

إليك أبتها الجميلة …
أما زلت تعتقدين أنه ما زال للذكر مثل حظ الأنثيين؟

إلى أبي …
كانت صداقتك متعة لي ، وأنت يا أمي أرسلي لي قميصا من الصوف، لعلي أغطي هذا الجرح الذي ما زال ينزف منذ أن أطلقوا رصاص الجهل على عقلي فلم يصبه، فأطلقوا النار على قلبي.

إليك يا أحلام …
ما زلت أحث الخطى .. تاركا خلفي فوضى الحواس.

------------------------------
ديباجة…
لنا هنا وقفة قصيرة وهي ليست على أطلال الماضي ولا على منزل ليلى أو سعاد ولكنها وقفة على مفترق الطريق الذي نحن فيه، فإما السير إلى الأمام بخطوات واسعة دليلنا فيها بحث علمي ودرس متواصل وإما الرجوع إلى الوراء بخطوات أوسع …
إن الصراع بين مختلف القوى في المجتمع يحتم على التغير الاجتماعي أن لا يتوقف أبدا، فإذا ما تباطأت قوى التقدم فالنتيجة الطبيعية هي الرجوع إلى الوراء. رغم أن قوى التخلف والرجعية لا تملك الكثير من أدوات التغيير في وجه القوى الحديثة إلا أن وجودها يصبح مؤثر جدا إذا ما تغيبت أو تقاعست القوى الحديثة عن دورها الفاعل وواجبها تجاه المجتمع.
والحركة الاتحادية هي امتداد طبيعي للقوى الحديثة السودانية منذ نشأتها في مطلع القرن العشرين. سيرا منا في طريق الواجب تجاه الوطن وتجاه الفكر الذي نحمله وامتدادا لتلك المسيرة المستنيرة واقتباسا من نورها كانت لي هذه الورقة ..

مدخل …
إن الجدل الذي دار في الشارع السوداني حول إعلان القاهرة وما حواه من طرح عرف بعلمانية الخرطوم أعاد من جديد تسليط الضوء على قضية الدين والدولة. رغم ذلك لم يكن ذلك التسليط كافيا ليزيل الغمام الذي صنعه النظام حول القضية وبدلا من الرد الموضوعي أو النقد الفكري وجدنا أن النظام بدأ مباشرة في تزييف الحقائق وتلبيس الحق بالباطل .. بعد ذلك تسارعت الأحداث السياسية لتغطي على قضية الدين والدولة واتجه الشارع السوداني لمتابعة أوراق مشروع السلام -بتشعبه وكثرة أوراقه ووسطائه- بشيء من الحذر والفرح والخوف.

الدين و الدولة …
إن القيم الروحية مقوم أساسي من مقومات الثقافة في أي مجتمع. ولا يمكن لأي توجه تنويري أن يكون مجرد توجه رافض لهذه القيم. فالمحافظة على هذه القيم لا تتعارض أبدا مع ركائز الأفكار التنويرية بل إن هذه القيم تمثل سندا داعماً لبناء وامتداد القاعدة التنويرية. لكن الفهم المتحجر أو المتيبس لهذه القيم هو الذي تحاربه الاتجاهات التنويرية بمختلف مشاربها الفكرية. فالحرب إذا ليست ضد القيم في حد ذاتها كما يدعي أصحاب الفهم المتحجر من الأصوليين و العديد من أصحاب الاتجاهات الإسلاموية. لهذا فأننا نرى في الذين يتبنون مواقف رافضة لمجمل هذه القيم الروحية، حجر عثرة يقف في طريق المناهج التنويرية نفسها. وفي الطرف الأخر نجد أن الذين يرون في كل التجارب الإنسانية فكرا ضالا وافدا يتعارض مع القيم الروحية لمجتمعنا أو بعبارة أخرى يتعارض مع الدين الإسلامي الحنيف كأهم مصدر من مصادر القيم الروحية في المجتمع السوداني، إنما يجهلون أن هذا الفكر إنما هو امتداد للفكر الإنساني الذي تأثر فيما تأثر بالإسلام و تلاقح مع الكثير من مفاهيم هذا الدين الحنيف. كما تأثر كذلك بالفكر اليوناني، الإغريقي والفارسي ومختلف المدارس الفكرية القديمة والحديثة. وقد رأينا جميعا كيف أن محصلة هذه التجارب والأفكار سمت بالإنسان فعلى سبيل المثال كيف أن الفكر الإنساني قد تخطى ودثر الرق والعبودية كمفاهيم تحط من قدر الإنسان.
يقول الشيخ العارف محي الدين بن عربي: علماء السوء هم الذين أنكروا ما جهلوا وقيدهم التعصب عن مجرد سماع الآخرين وعن الإذعان للحق والتسليم له إن لم يكن الإيمان به. ويقول الإمام محمد عبده وهو أحد رواد الفكر التنويري في الإسلام "عندما بدأ الضعف يظهر بين المسلمين بسبب الجهل والجمود على القديم، حدث الغلو في الدين وثارت الفتن بين الناظرين فيه وسرت عدوى التعصب بينهم وسهل على كل واحد منهم لجهله بحقيقة دينه أن يرمي الآخر لأدنى شبهة بالكفر والزندقة وكلما ازداد جهلهم بدينهم ازداد نفورهم من العلم والنظر وساد فيهم الاعتقاد بالعداوة بين الفلسفة والدين" .
كما أن الإسلام كرسالة سماوية أقر بالتجارب الإنسانية بل إنه وضع العديد من التشريعات والعبادات على أساسها فعلى سبيل المثال نرى أن الإسلام قد تبنى العديد من المفاهيم التي عمل بها العرب قبل الإسلام "كفضل يوم الجمعة والعناية بالإبل وتعدد الزوجات والاستجارة والجوار والاسترقاق والسبي والديّة" . هل نستطيع أن نتحدث عن علوم كالطب والفلك وغيرهما من علوم عند العرب إلا ابتداء من العصر العباسي؟ لماذا؟ السبب هو حركة الترجمة التي ازدهرت في العصر العباسي والتي عن طريقها عرف العرب ثمار العقليات الأخرى من علوم وفنون … إن الإسلام قد أطلق العنان للعقل، ولا يقيد العقل بكتاب ولا يقف به عند باب ويعطينا الشيخ محمد عبده مثالا .. فيما جاء في خبر من سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أين كان ربنا قبل السماوات والأرض؟ فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم: كان في عماء تحته هواء، والعماء عندهم هو السحاب. ويقول الإمام أبي حامد الغزالي صاحب الإحياء أن العقل والدين شيء واحد، أحدهما أساس والأخر بناء فالشرع عقل من خارج والعقل شرع من داخل وهما متعاضدان بل متحدان. فالدين الذي يوحد بين العقل والشرع لا بد أبد يكون منهاجه هو العلم نورانيا كان أم عقلانيا. ويقول الشيخ عبد الله بن المبارك: "كاد العلم أن يكون ثلثي الدين".
كما أن الإسلام دين لا يعرف الطبقية الاجتماعية بل لا يعرف التمايز بين الناس إلا بالتقوى بالرغم من ذلك فقد اعترف الإسلام بطبقية واحدة هي طبقية العلم والمعرفة "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" وقوله جل وعلى "قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون".
ويقول الشيخ محمد عبده في مقال له تحت عنوان"أصول الإسلام" أن الأصل الأول هو النظر العقلي لتحصيل الإيمان وكيف أن القرآن أثبت وحدانية الخالق بالأدلة العقلية ((لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا)) والعديد من الأدلة العقلية الأخرى. ويقول الأصل الثاني هو تقديم العقل على ظاهر الشرع عند التعارض ويقول أن في ذك طريقان الأول طريق التسليم بصحة المنقول مع الاعتراف بالعجز عن فهمه وتفويض الأمر إلى الله في علمه والثاني طريق تأويل النقل حتى يتفق معناه مع ما أثبته العقل. ويواصل الشيخ محمد عبده في الأصل الثالث قائلا بالبعد عن التكفير(وليس التفكير) ويقول إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه ويحتمل الإيمان من وجه واحد حمل على الإيمان. أما الأصل السادس هو أن القتال ليس في طبيعة الإسلام بل طبيعته العفو والمسامحة ولكن القتال فيه لرد اعتداء المعتدين على الحق وأهله إلى أن يأمن شرهم. والأصل السابع أن الإسلام لم يوجب العداوة بين المسلمين ومخالفي عقيدتهم بل إنه أباح الزواج من الكتابيات وجعل من حقوقهن أن يتمتعن بالبقاء على عقيدتهن. بل أمر بمودتهم ما داموا ليسوا من أهل الحرب أملا وطمعا في هدايتهم.
المقصود من هذا أن أشير إلى أن معالجة قضايا الإنسان في الحياة إنما تكون عن طريق المنهج العقلي وليس في ذلك مخالفة للشرع لأنه هو الذي أمر وأقر ذلك. وسيظل ابن رشد هو رائد المنهج العقلاني الإسلامي إذ يقول "أن الدين بالضرورة لا يضاد الحقيقة والبرهان العقلي، فان اختلف الدين مع العقل، فإن مصدر الاختلاف هو أن الذي يسمونه دينا إنما هو اجتهاد باطل أو تخريج فاسد للدين .. أو أن الذي يحسبونه علما إنما هو توهم أو خيال، ونحن نقطع قطعا بأن كل ما أدى إليه البرهان وخالفه ظاهر الشرع فان ذلك الظاهر يقبل التأويل .. فإن الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد عليه" .
ويذكرنا التاريخ بالعديد من الحوادث التي تثبت أن تقديم العقل على النص ليس بدعة ابتدعها المفكرون في عصرنا هذا، فالسيرة النبوية تذكر لنا حديث الغامدية المحصنة التي زنت فأتت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليطبق فيها الحد فلم يطبقه إلا بعد أن وضعت حملها وأرضعته ووجدت من يكفله رغم أن النص القرآني لم يذكر ذلك. وإذا اعتبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم مصدرا تشريعيا حتى حين مخالفته للقرآن فلنا أن ننظر في التاريخ الإسلامي لنرى نماذج أوفر. فعمر بن الخطاب عليه السلام هو رائد تطبيق المنهج العقلاني حتى قبل أن يقول المنظرون بهذا المنهج فهو لا يرى في النصوص الشرعية قدسية بل يرى القدسية في القيم التي تعبر عنها تلك النصوص ومشهور عن عمر أنه رفع حد السرقة في عام الرمادة وهو عام فقر مر بالمدينة وكان بعض الناس يسرق ليطعم ويطعم أهله. وقدم خطبة الجمعة على صلاتها، فالجمعة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر الصديق عليه السلام كانت تصلى ثم يجلس الناس للخطبة، وكذلك ألغى سهم المؤلفة قلوبهم وهم حديثي العهد بالإسلام بالرغم من النص الصريح في القرآن بأنهم يستحقون الزكاة. وكذلك اجتهاده حول مسألة الفيء الذي كان يذهب لآل الرسول صلى الله عليه وسلم والمجاهدين من الأنصار والمهاجرين فعندما اتسعت الفتوحات الإسلامية وكثر الفيء، قرر عمر أن يكون ذلك ملك للأمة أو الدولة لا كما أشار النص القرآني لأن جوهر الدين هو العدل والمساواة .. فوقف ضده العديد من كبار الصحابة وناصره يومها علي بن أبي طالب رغم سهمه في الفيء. أيضاً منع عمر بن الخطاب واليه على المدائن حذيفة بن اليمان كاتم سر الرسول صلى الله عليه وسلم منعه من الزواج بيهودية رغم وجود نص يحل ذلك إذ يقول عمر في كتابه لحذيفة : "إني أخاف أن يقتدي بك المسلمون فيختاروا نساء أهل الذمة لجمالهن وكفى بذلك فتنة لنساء المسلمين". وكذلك أمر ابن الخطاب بعدم تطبيق حد الخمر على المقاتلين حتى يعودوا إلى ديارهم. وصادر عمر الأراضي التي لا يستثمرها أصحابها رغم الحديث "لا يحل مال إمرىء مسلم إلا بطيب نفسه" ورغم اعتراض أصحاب الأراضي إلا أنه مضى في حكمه حرصا على مصلحة الدولة والأمة.
يقول ابن القيم"إن الله أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذي قامت به السماوات والأرض. فإذا ظهرت إمارات الحق، وقامت أدلة العقل ، وأسفر صبحه بأي طريق كان، فثم شرع الله ودينه ورضاه وأمره" . ومهما كان المبرر العقلاني أو السبب الذي دفع عمر بن الخطاب لمخالفة النصوص القرآنية أو النبوية، حرصا على الدولة الإسلامية فإن ذلك لن يقودنا إلا لإدراك أن عمر بعمق إيمانه وقوته في الحق عمل بمنهج تقديم العقل على النص سواء كان النص من الكتاب أو من سنة المصطفى ليس لهوى في نفسه ولكن لأن العقل والمنطق يوجبان ذلك والدين يوجب ذلك على التوالي.
أردنا من هذا العرض أن نؤكد أن فصل ظاهر الدين عن الدولة ليس بالنظرية الحديثة الوافدة إلينا من الغرب. فالفصل الغربي لسلطة الكنيسة عن كيان الدولة أتى بشكل قاطع وكلي في شكل ثورة حاربها رجال الدين الذين كانوا يتمتعون بتنفيذ السلطة الكنسية التي يرعاها الإقطاعيون والحكام في مقابل إيجاد سند ديني لسياساتهم القهرية المستبدة. أما في الإسلام فإن الدعوة إلى نظرة عقلانية للدين بدأت تظهر في صفوف رجال الدين أمثال ابن رشد والكندي وجمال الدين الأفغاني وتلميذه الشيخ محمد عبده وقبلهم جميعا كان إمامهم هو عمر بن الخطاب. وقد أمنت على هذه الدعوة الكثير من الحركات التنويرية ويتضح هذا جليا في كتابات الكثير من الكتاب والمفكرين ورجال الدين والأكاديميين والمثقفين والقادة السياسيين في العصر الحديث أمثال: عرفات محمد عبد الله، محمد أحمد محجوب، روجيه جارودي، محمد أركون، فرج فودة، نصر أبو زيد، خليل عبد الكريم، علي شريعتي، محمود محمد طه، منصور خالد، محمد إبراهيم نقد، محمد أبو القاسم حاج حمد، حيدر إبراهيم. رغم تفاوت هذا المفهوم من مدرسة فكرية إلى أخرى إلا أن غالب هذه الاتجاهات الفكرية يرون أن التمسك بظاهر النص أو ظاهر الدين دون الاكتراث بالقيمة التي يقدمها النص إنما يجر مخاطر على الدولة وعلى الدين في المقام الأول.
إن الحديث عن حزب إسلامي أو نهج إسلامي للدولة في الوقت الحالي لن يتمثل إلا في ثلاث صور الأولى أن تكون النظرة أصولية قمعية ديكتاتورية وهي مرفوضة أو أن تكون وصولية تسعى للوصول إلى رضا الشعب متلبسة لباس الدين زورا وبهتانا وهي مرفوضة أيضا. أو نظرة تحديثية كما يقول الصادق المهدي . وما زال أمام هذه درب طويل لأن هذه المناهج التحديثية ليست سوى مناهج فكرية جاهزة ألبست ثوبا أبيضا وأطلق عليها إسلامية.
ويكمن الخطأ والخطر في تبني مفاهيم الدولة الإسلامية في نقاط عديدة منها أن هذه الحركات والأحزاب الإسلامية تبرر مواقفها السياسية باسم الدين، تارة بالتمسك بظاهر النص وتارة بتأويل النصوص الدينية بما يدعم مصالحها، فيما أن هذه المواقف لا تعبر سوى عن مصلحة هذه الجماعات أو الأحزاب وقد لا تمت إلى الدين بأي صلة. كذلك أن الحاكم يرى في نفسه جهة مفوضة من الخالق لتنفيذ سياسته التي شرعها (أي الخالق) ويرى في معارضيه السياسيين مجموعة من الخارجين عن أمر المولى عز وجل لأنه الممثل الشرعي والوحيد لهذا الرب في هذه الدولة وقد ظهر ذلك واضحا عندما اختلف علي بن أبي طالب عليه السلام مع معاوية بن أبي سفيان، حينما أشتد الخلاف بينهما حول قضية الحكم (السياسة). أنصار علي كانوا يقاتلون باسم الإسلام وكذلك فعل أنصار معاوية وكل فريق منهم كان يرى أنه يمثل وجهة الإسلام الصحيحة ويرى في الطرف الآخر خارج عن الخلافة الإسلامية المقدسة. وحدث أيضا أن قتل عبد الرحمن بن ملجم علياً إنقاذا -كما ظن- للمسلمين من التناحر والانقسام. كانت تلك الفتنة خلافا سياسيا لا دينيا أو شرعيا، فقد اجتمع علي بن أبي طالب وعمار بن ياسر وعبد الله بن عباس ضد عائشة بنت أبي بكر وطلحة بن الزبير و الزبير بن العوام وفي الطرفين من هم مبشرون بالجنة. ونعلم جميعا أن هذا الصراع خسر فيه المسلمون الكثير من رجالهم الأشداء، كيف لا؟ وفيهم علي بن أبي طالب. حدث هذا مع رجال الصدر الأول من الإسلام -أفضل القرون- عندما زجوا بالدين في أزقة السياسة.
وتستغل حركات الإسلام السياسي المنابر الدينية التي يتعامل معها الكثير من المسلمين باحترام شديد ويولونها في كثير من الأحيان الطاعة العمياء. مما يؤدي إلى تشويه العديد من المفاهيم الفكرية والمواقف السياسية دون وجود أي جانب عقلاني يدحض هذه المفاهيم أو المواقف لأن المتحدث في المنبر إنما يمثل الدين الذي شرعه الله –وهو في الحقيقة ينقل رؤيته أو رؤية حزبه إلى جمهور المصلين على أنها أمر الله-، على سبيل المثال في محاضرة ألقاها رجل من جماعة أنصار السنة في أحد المساجد، عن الفكر الإسلامي أعطى نبذة عن بعض المناهج الفكرية للمقارنة، منها الاشتراكية، تحدث قائلاً أن "الاشتراكية منهج فكري يدعو إلى الاشتراك في جميع أمور الدنيا وأن هذا المنهج دعا له كارل ماركس المفكر اليهودي وللأسف اعتنقه بعض عديمي الإيمان في عالمنا الإسلامي ومنهم من آمن بالاشتراكية لدرجة أنه يشرك رفاقه الاشتراكيين في زوجته" وتحدث عن الليبرالية قائلا "الليبرالية هي الحرية وهي المنهج الذي يدعو إلى حرية الإنسان وعدم عبوديته لكائن من كان حتى ولو كان الله، وتدعو الليبرالية إلى الحرية في جميع الأمور كحرية المرأة والحرية الجنسية … الخ" وفي النهاية نصح هذا الرجل الشباب بأن يبتعدوا عن هذه الأفكار الهدامة التي أعطاهم نبذة عنها، وكأنهم تعرفوا على حقيقتها. ومن الواضح ضحالة معرفة هذا الرجل عن هذه المناهج الفكرية التي ادعى أنه قدم عرضا لها. ولأنه رجل دين كان على الجميع أن يطيع أمر الله ويلتزموا بعدم الاقتراب أو الاطلاع على هذه الأفكار. فأي دين وأي منهج فكري هذا الذي يدعو معتنقيه أن لا يطلعوا على أفكار الآخرين خوفا أن ينقادوا خلفها؟؟ من المؤكد أن هذا المنهج يعي تماما ضعفه أمام حجة ومنطق هذه المدارس الفكرية فكان الحل الوحيد هو الهرب من المواجهة. ومن المؤكد أيضا أن العيب لا يكمن في الدين الإسلامي إنما يكمن في تفكير هؤلاء الذين يحرمون القراءة والاطلاع والمعرفة والعلم بدلا من قراءتها والرد عليها أو نقدها عقلانيا أو أيدلوجيا. ويدعون أن سلاحنا لمواجهة سطوة الغرب الاقتصادية والعسكرية والعلمية هو التمسك بكتاب الله وسنة نبيه، وهذا ليس تقليل من شأن الكتاب والسنة ولكن تقليل من شأن طريقة التفكير فكيف لنا أن نواجه حربا بأسلحة بيولوجية أو جرثومية ببنادق البارود أو الكلاشنكوف، يبدو هذا سخفا ومناقضة للواقع والمنطق. فلكي نحارب السطوة العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والعسكرية يلزمنا السير في طريق العلم لكي تكون الحرب متكافئة وهذا لا ينافي تمسكنا بالدين بل أن ذلك ما يفرضه الدين علينا.
وفي كثير من الدعوات التي تتبناها الجماعات الإسلامية، دعوة إلى الرجوع إلى دين السلف وإلى حال السلف الصالح، وهذا يخالف المنطق والعقل لأن حالنا لم يعد كحال السلف الصالح بل إن الدعوة يجب أن تكون لتطوير المنهج والفكر الإسلامي ودفعه إلى الأمام لا الرجوع به إلى الوراء ولهذا يبعث الله للمسلمين من يجدد أمر دينهم كما قال الحديث الشريف. ومن يسمع حديثهم يعتقد أن حال السلف كان جنة الله في أرضه متناسين أن السلف عندما اختلفوا سياسيا قتل بعضهم بعضا وقتلوا حفيد رسول الله وعقروا ناقة أم المؤمنين عائشة وقتلوا أول مسلم من الصبيان والراقد في فراش رسول الله ليلة الهجرة، وعذب حكامهم أئمة الفقه ورجال الدين لمجرد الاختلاف في رأي (نذكر كمثال لا للحصر تعذيب المأمون للإمام أحمد بن حنبل عليه السلام عندما اختلفوا حول خلق القرآن أم تنزيله) وسقطت دول السلف دولة تلو أخرى ليس لعدم صلاحهم أو لقلة معرفتهم بالدين ولكن لأنها محض سياسة … نحن لسنا في العالم الثالث لأننا أهملنا ديننا بل نحن مستضعفين لأننا أهملنا العلم والعقل والمعرفة والتجربة الإنسانية وهي نفس العوامل التي دفعت بالغرب إلى صفوف العالم المتقدم حين أخذوا بها وبقينا نحن في مكاننا إلى أن ندرك الحقيقة ونبدأ العمل. وهذه الدعوة ليست دعوة لترك الدين والعمل بالدنيا بل هي دعوة للعمل بالدنيا واستصحاب هذا الدين العظيم الذي يقدس العلم ويرفع الذين آمنوا وأوتوا العلم درجات. ونحن لا ننكر على من يفهم الدين ذلك الفهم المتحجر حقهم في أن يدعو لما يؤمنوا به ولكن الذي ننكره هو ادعاؤهم الحق في قسر الناس على اتباع ذلك باعتباره رسالة الإسلام التي لا معدى عنها ولا فهم للإسلام بسواها، وأن ما سواها هو الكفر والفسوق.
ليس المقصود من هذا أن ألبس التنوير أو العلمانية ثوبا أبيضا أو أن أدعي أسلمتها إنما عملا بمنهج ديكارت القائل بأن جميع النظريات قابلة للشك المنطقي والمنهجي وإلى تحليلها وإعادة قراءتها ثم تركيبها ثم تطبيقها، حتى وإن كانت بديهيات أو مسلمات. وهذه بدورها لا تنطوي على ردة لأن الإسلام دين منطقي وعقلاني، فإذا ما أخضعنا عقلانيته للعقل فمن الطبيعي أن يتم تحليله وفهم أبعاده بصورة أفضل.

صوفية الإسلام في السودان …
التصوف علم يبحث عن الذات الأحدية، وأسمائه وصفاته وبيان مظاهر الأسماء والصفات وخفاياها ويبحث كيف الوصول إلى هذه الذات ومتصوفة الإسلام زادوا بيان حال وفضل ومعجزات وأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وبيان فضل آله الطيبين وكذلك أهل الله من العلماء والفقهاء والمتصوفين وكيفية سلوكهم ومجاهدتهم ورياضتهم وبيان فضائل الأعمال والترغيب فيها. وربما كانت قصائد أبونا البرعي في مجملها تحوي هذا التعريف الذي لم أجد أفضل منه. ومن نفحات المتصوفة أن قال أحد العارفين: من كان نظره في وقت النعم إلى المنعم لا إلى النعمة، كان نظره في وقت البلاء إلى المبلي لا إلى البلاء فيكون في جميع حالاته غريقا في ملاحظة الحق، متوجها إلى الحبيب المطلق وهذه أعلى مراتب السعادة. ويقول الشريف الرضي: تاهت العقلاء في ذاته تعالى وصفاته لاحتجابها بأنوار عظيمة، وتحيروا في لفظ الجلالة كأنه انعكس إليه من تلك الأنوار أشعة بهرت أعين المستبصرين.
ويقول الشيخ العارف الواصل محي الدين بن عربي المتوفى سنة 438 للهجرة:

لقد صار قلبي قابلا كل صورة
فمرعا لغزلان ودير لرهبان

وبيت لأوثان وكعبة طائف
وألواح توراة ومصحف قرآن

أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه
فالحب ديني وإيماني

والحب هنا ليس حب قيس وليلى ولا حب جميل بثينة، بل هو الحب كقيمة في حد ذاته وهو حب العبد لله وحب الله لعبده .. الذي إذا جاءه بملء الأرض خطايا أتاه بملئها مغفرة ، وهو الحب الذي في قلب المسيح و قلب غاندي نحو الإنسانية والخير و الحق والجمال والمثل العليا، وحب الخير والحق والجمال إنما هو حب الله، وهو الحب الذي تحدث به أئمة الصوفية وتغنوا به. تذكرني هذه الأبيات بمقولة لمحمد أحمد المحجوب: إنما مثلنا الأعلى .. حفاظنا على ديننا الإسلامي وتمسك بتراثنا العربي مع تسامح شامل وأفق فكري واسع وطموح يجعلنا نقبل على دراسة الثقافات الأخرى.
ويقول أحد الصوفية: إن الله خلق الإنسان على صورة أسمائه الحسنى فهو محل لظهور أحكام هذه الأسماء وصفاتها وقابل لتجليات الحضرة الربوبية، الإنسان هو العالم الصغير الذي فيه انطوى العالم الكبير وهو الكتاب الجامع والعالم الطبيعي صفحات لهذا الكتاب، يقول الله في حديث قدسي: "لم تسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن".
والمدارس الصوفية باختلافها كان لها الدور الأبرز في انتشار الإسلام في السودان، فقد اخترقت الحركات الصوفية الحواجز القبلية والإقليمية وتجاوزت بمسلكيتها الأخلاقية أطر التعصب ، وذكر الدكتور يوسف فضل في كتاب له عن الشلوخ، أن هناك العديد من الشلوخ نسبت إلى شيوخ الطرق الصوفية وتبعها مريدو الشيخ والمتبعون لطريقته وتشلخوا بها.
كانت حملة عبد الله بن أبي السرح على دنقلا، بداية تعرض السودان للفتح الإسلامي ومع ذلك لم تتأثر حياة النوبة بالإسلام فقد عقدوا مع العرب اتفاقية البقط في دنقلا العجوز العاصمة المسيحية وقد ارتضى المواطنون فيها دفع الجزية للعرب. أما الذين اعتنقوا الإسلام فغالبا ما كان ذلك هربا من دفع الجزية لأن معظمهم عاد إلى ممارسة الطقوس المسيحية بعد ذهاب جيش ابن أبي السرح إلى مصر.
وفي 1276 أرسل الظاهر بيبرس حملة أخرى قوية استطاعت هدم مملكة المقرة المسيحية وتدمير الكنائس في عاصمتها دنقلا العجوز. وهنا بدأ دخول العرب وبالذات الفارين من الحكم الأموي وأغلبهم كانوا من المتصوفة الذين دانوا بالولاء لعلي بن أبي طالب إبان حربه مع الأمويين في بداية دولتهم.
اهتم الدعاة وجلهم من التجار والبدو الرحل والمهاجرين من الجزيرة العربية بنشر هذا الدين وهم ممن تنقصهم الثقافة الدينية العميقة فقد ركزوا على السمات العامة للدين دون التفاصيل المرهقة أو المقيدة .
تكونت دولة الفونج بعد أكثر من 200 سنة بتحالف قبائل الفونج مع قبائل العبدلاب العربية الأصل ليشنوا هجوما على مملكة علوة -آخر المعاقل المسيحية في السودان- ودمروا عاصمتها سوبا حتى أطلق المثل (خراب سوبا). وإذا تحدثنا عهد دولة الفونج 1504-1821م وهي أول دولة أطلق عليها مسمى دولة إسلامية في السودان. فقد كان إسلامها لا يعدوا أن يكون اسميا فقط، إذ يقول محمد النور ود ضيف الله في طبقاته نصا يوضح علاقة السودانيين بالدين فيقول عن دولة الفونج أنه لم يشتهر في تلك البلاد مدرسة علم ولا قرآن ويقال أن الرجل كان يطلق المرأة ويتزوجها غيره في نهارها من غير عدة.
بعد الاستقرار النسبي الذي حققته دولة الفونج اجتاحت الحركات الصوفية السودان بأكمله دون جنوبه ونهل السودانيون من تعاليمها بل فضلوها على المدارس الفقهية السلفية وكما يحلل ذلك محمد أبو القاسم حاج حمد قائلا كانت الصوفية (وليست الفقهية السلفية) هي التيار الوحيد القادر على تمثل واستيعاب الحالة الفكرية السائدة (قبل الإسلام في السودان) .. مفهوم الحكيم في الثقافة الإفريقية يسقط نقسه على شيخ الطريقة، دائرة الرقص تسقط نفسها على حلقة الذكر وما بها من إيقاع جماعي .. وعبر هذه الإسقاطات المختلفة تمثلت الصوفية في السودان أبعاد الروحية الدينية الإفريقية ثم استوعبتها في إطار الدين الإسلامي وتطورت بها إلى صورة فقهية أكثر تحديدا. فقد مدت الحركات الصوفية يدها فتناولت مفتاح الشخصية الإفريقية وهنا بالضبط فشلت تيارات السنية النصية وكان مقتل الظاهريين وفقهاء مصر في بداية دولة الفونج .
وبعد استيلاء محمد علي باشا على مقاليد الحكم في مصر بدأ يمد عينيه إلى ما متع الله به الشعب السوداني من الأجسام والأراضي والكنوز وأرسل حملاته المسعورة لجلب الرقيق والخيرات حتى أسقط دولة الفونج في 1821م. وبدأت الدولة التركية السابقة كما يسميها السودانيين ولم يكن السودان وقتها بالنسبة لدولة محمد علي باشا في مصر سوى مصدرا للرقيق وأرض جباية للضرائب التي أنهكت كاهل المزارع والمواطن السوداني.
أرسل السيد أحمد بن إدريس زعيم الأدارسة تلميذه محمد عثمان الميرغني الكبير سنة 1834م . من الطائف بالجزيرة العربية إلى مناطق غرب البحر الأحمر لينشر التعاليم الإسلامية هناك وقد لقي الميرغني حظا وافرا من القبول والمحبة والأتباع والمريدين هناك وتركز ذلك النفوذ الديني ما بين أسوان و دنقلا و أسرع الكثير من أهل النوبة وسلكوا طريقته. وانتشرت طريقته بعد وفاته بواسطة خلفائه وأبنائه لتصل إلى سواكن وكسلا وإرتريا و مصوع وجنوب غربي الحبشة. وقد عاصر الميرغني طوال حياته (1793م – 1853) صراعات الوهابيين السلفيين ذووا الفهم الحجري للدين الإسلامي، القادمين من الدرعية في نجد، ضد الحركات الصوفية وضد الأشراف في مكة والطائف و مختلف أرجاء الحجاز. وهذه الصراعات قد تكون أحد الأسباب الذي دفعت الإدريسي لإيجاد مناطق نفوذ غرب البحر الأحمر عبر تلميذه الميرغني لمواجهة الخطر السلفي الذي يتهدد الدعوة متمثلا في الدولة السعودية أو الحكم الوهابي السلفي النصي. والطريقة الختمية هي إحدى الطرق واسعة الانتشار في السودان ويبدوا واضحا أن الطريقة ومنذ دخولها السودان كانت معادية للاتجاه السلفي أو النصي المتحجر وهو السبب الذي أدى لدخول إمام الطريقة إلى السودان.
وفي لبب وهي جزيرة بالقرب من دنقلا ولد محمد أحمد بن عبد الله سنة 1844م. فنشأ وترك صنعة أهله وكانت صناعة المراكب وأحب العلم الديني فدرس على يد العديد من المشايخ واشتهر بتقواه وورعه وزهده وحبه للخير ونصرته للحق. وفي شبابه تاقت نفسه إلى التصوف فتعلم عند الشيخ محمد شريف نور الدائم وهو أحد كبار قادة الطريقة السمانية في السودان ثم غادر إلى الجزيرة أبا ليكون مدرسة صوفية نهل منها أهل المنطقة واستقطبت الكثير من السودانيين.
جمع الشيخ محمد شريف نور الدائم قادة الطرق الصوفية وكان فيهم المهدي، عارضا عليهم إنشاء سلطة بديلة للحكم التركي الذي أرهق العباد ظلما وضرائبا واستغلالا وتعذيبا، لكن الشيخ عبد المحمود نور الدائم اعترض على تلك الدعوة وكره هذا الرأي واعتبرها جريا وراء السلطة ووافقه العديد من المشايخ. ولهذا رفض محمد شريف دعوة المهدي إلى الدولة المهدية فيما بعد.
وفي عام 1881م قال محمد أحمد بأنه هو المهدي المنتظر ودلل المهدي على مهديته بأحاديث نبوية ورؤية رأى فيها النبي صلى الله عليه وسلم وأنه قد أخبره بذلك كما دلل أيضا بأحاديث منقولة عن الشيخ ابن عربي والشيخ أحمد الإدريسي أستاذ الميرغني الكبير. وكتب ذلك إلى قادة الحركات والطرق الصوفية في أرجاء السودان وقام بزيارة بعضهم والتف عدد منهم حوله وتعلق أمل السودانيين في المهدي الذي سيملأ الأرض عدلا بعد أن ملأها الأتراك (التركية السابقة أو الحكم المصري التركي الذي بدأه محمد علي باشا) جورا وتعسفا وقهرا.
والعديد من قادة الطرق لم يقبلوا الدعوة بصفتها خارجة عن الإطار الصوفي الداعي إلى الإصلاح بالتي هي أحسن. وقد كان قادة الصوفية في السودان يهربون من الحكم والسلطة كهروب الصحيح من المجذوم كما يقول حاج حمد. مع العلم أن المدارس الصوفية السودانية كانت تنهل من مصدر واحد ولعل كتاب الفتوحات المكية لابن عربي هو المصدر الأساسي لها. إلا أنهم اختلفوا حول قبول مهدية المهدي من عدمها وحول تسويس الحركة. وقد كانت دعوة المهدي التي تضمنت تكفير كل من لم يؤمن بمهديته سببا في إثارة الرأي ضده. كما أن المهدي انتهج نهجا دمويا لمحاربة أعدائه ومن لم يؤمنوا بمهديته مما أدى إلى المزيد من التباعد بينه وبين قادة الطرق الصوفية التي لم تنضوي تحت رايته.

المثقف السوداني والمنهج التنويري …
فارقت دولة المهدي الإطار الصوفي للدين وانتهجت نهجا راديكاليا شبيه بذلك الذي تلبسه الحركات السلفية حتى في أحكامها الفقهية، رغم أن قرارات الخليفة التعايشي الذي خلف المهدي المتوفى عقب فتح الخرطوم بأشهر، كانت قرارات في معظمها مأخوذة من رؤيته للمهدي أو الرسول صلى الله عليه وسلم أو نبي الله الخضر في المنام وكان يدير أمر دولته بواسطة هذه التجليات الصوفية، إلا أن الفكر الصوفي لم يكن متمثلا في بنية الدولة المهدية الإدارية والتنظيمية والسياسية.
ومع مرور الأيام تحولت أكبر الحركات الصوفية انتشارا في السودان الختمية والمهدية أو الأنصار إلى طوائف أكثر من كونها طرقا صوفية. وبدأ أرباب هذه الطوائف يخوضون المسرح السياسي في فترة الحكم المصري الإنجليزي فتارة هذا مع هؤلاء أو ذاك مع أولئك ليصونوا مصالحهم وأموالهم ونفوذهم في السودان. واصطدمت الطائفتان بعد ذلك بالقوى الحديثة الصاعدة في السودان لتقف الطائفية بجانب الاستعمار ضد القوى الحديثة التي تفاعلت مع الثورة الوطنية المصرية الرافضة للاستعمار. وبدأ المثقفون السودانيون ينتشون بانتصارات الثورة المصرية ويخططون ويحلمون لنظيرة لها في السودان فكانت جمعية اللواء الأبيض بقيادة علي عبد اللطيف وهو ابن قبائل الدينكا الجنوبية.
شنت الطائفتان حملات معادية للمثقفين ولجمعية اللواء الأبيض وثورة 1924. وقد كال حسين شريف رئيس تحرير جريدة حضارة السودان وهي الناطق الرسمي باسم علي الميرغني وعبد الرحمن المهدي والشريف يوسف الهندي أي الناطقة باسم الطائفية والتي دعمها رجال الحكم البريطاني، كال رئيس التحرير للشعب الذي ثار بثورة 24 وانتفضت الخرطوم و بورتسودان و عطبرة. وكتب رئيس تحرير جريدة الطائفية تلك:إن البلاد قد أهينت عندما تظاهر أصغر وأوضع رجالها … إنها لأمة وضيعة تلك التي يقودها أمثال علي عبد اللطيف ..إن الشعب ينقسم إلى قبائل وبطون وعشائر ولكل منها رئيس أو زعيم أو شيخ .. من علي عبد اللطيف هذا وإلى أي قبيلة ينتسب؟؟. ونسي الكاتب أن شرف علي عبد اللطيف ليس في انتسابه لقبيلة معينة بل في انتساب السودان كله لعلي عبد اللطيف. و حينها زمجرت الخرطوم وعلي عبد اللطيف في سجن كوبر وأخرجت أشعارها المخبوءة:
ألا يا هند قولي أو أجيزي
رجال الشرع أضحوا كالمعيز

ألا ليت اللحى كانت حشيشا
فتعلفها خيول الإنجليز

وهكذا وقف المثقف في وجه الاستخدام المشين للدين الحنيف وكأنه يقول لا قدسية لمفهوم ديني يقف في وجه المنطق والعقل والوطن.
واستطاع مد المثقفين رغم تشعبه وتخبطه الذي أراه طبيعيا، استطاع أن يجر الطائفية إلى مواقعه ليتبنوا النداء الوطني الداعي إلى حرية الشعب السوداني وجلاء المستعمر الأجنبي. ونظرة خاطفة إلى تاريخ استقلالنا تشهد بوطنية السيد علي الميرغني والإمام عبد الرحمن المهدي وكفى بالدموع شهيدا يوم رفع الزعيم إسماعيل الأزهري يدا بيد محمد أحمد محجوب، علم السودان ذا الألوان الثلاثة الأزرق والأصفر والأخضر، إعلان استقلال أمة كافحت وناضلت وبذلت من كل غال ونفيس من أجل حريتها.
وهنا بدأ فصل آخر وهو دخول الطائفية إلى معترك السياسة السودانية وهو ليس فصل فحسب بل يلزمنا دراسة نفند فيها هذا الموضوع.
مرت لتك الفترة وصراع الدين والدولة يدور في الخفاء فالمثقفين أمثال عرفات محمد عبد الله، أحمد خير، معاوية محمد نور ومحمد أحمد محجوب والهادي العمرابي وتوفيق صالح جبريل وأبناء مدرسة أبو روف الاتحادية الذين شكلوا جزءا هاما في جمعية ود مدني الأدبية والتي من خلالها أطلق أحمد خير الدعوة لإنشاء مؤتمر الخريجين. ومختلف الكتاب والأدباء الذين امتلأت صفحات مجلة النهضة ومجلة الفجر بكتاباتهم في الحرية وتحرير المرأة والقومية والاشتراكية ونقد العقلية التقليدية. وتبنت الفجر خط وطني متنابذ مع الطائفية والقبلية وساعيا بكل جهد لتمييز المثقف السوداني بمواقف الحداثة والتجديد.
وليس أوضح من انفتاح المثقف السوداني على الثقافات الأخرى من سياسة طلاب كلية غردون في مواجهة قرار الاستعمار بإلغاء ألف وظيفة وتخفيض مرتبات الموظفين السودانيين فقد قرروا مقاطعة البضائع البريطانية وطالبوا المجتمع بمقاطعتها كما صاموا عن الكلام واعتصموا تماثلا مع دعوة غاندي القائمة على الكفاح السلمي والعصيان المدني. وانقسام مؤتمر الخريجين إلى قسمين أحدهم بقيادة أحمد الفيل والثاني بقيادة محمد شوقي. وقد سميتا مجموعتي الفيلست و الشوقست.. الشوقست أدانت الإضراب الذي تبناه طلبة كلية غردون خوفا من مزيد من البطش على يد الإدارة البريطانية وهرعوا إلى السيد عبد الرحمن المهدي ليقنع الطلاب بالعدول وكانت هذه أول بارقة لتبني المهدي لما سمي لاحقا بحزب الأمة. أما الفيلست فقد أيدوا الطلاب المضربين. بذلك اختار كل شق منهم درب مقاومته للمستعمر فقد مال الشوقست إلى الاستكانة والسلم أكثر حتى من دعوة غاندي أما الفيلست فقد جنحوا إلى المواجهة.
وليس أوضح من أن الصراع كان قائما آن ذاك من مقالة محمد أحمد محجوب التي كان عنوانها "قضاء على حصون الرجعية" في مجلة النهضة والتي لقيت معارضة من أنصار الفكر التقليدي فكتب مواطن مقالة يصف فيها المقال بأنها كلمات محفوظة من بعض ملحدي الأمم الخارجة عن الأديان ويلقي اللوم على التعليم اللاديني ويوقع مقاله باسم رجعي من بورتسودان. وساند كاتب آخر من القضارف، رجعي بورتسودان في مقال سأل فيه الشباب عما جنوه من التعليم غير التفرنج والتقليد الأعمى قائلا وإن كانت هذه نتيجته بيننا ونحن الشبان فكيف تكون بين فتياتنا آلائي لم يهبهن الله عقلا؟ والله إنها لطامة كبرى.
مصرع القداسة على أعتاب السياسة .. كان ذلك هو شعار الحزب الوطني الاتحادي ليأتي معبرا عن توجهاته الفكرية بكل وضوح، ولأرد به على كل الذين يتشدقون رغم جهلهم بأننا انحرفنا عن مسار الحزب. ولم يكن غريبا أن يكتسح الحزب في 1953م الانتخابات النيابية الأولى في تاريخ السودان بأغلبية مطلقة.
أما بعد الاستقلال فقد عادت القضية إلى السطح بشكل واضح بالذات في الفترة التي تلت ثورة أكتوبر المجيدة. في خضم الحديث والنقاش حول دستور السودان. وشهدت تلك الفترة أكبر خطأ انتهجته الأحزاب في حق الديمقراطية والليبرالية السياسية باسم الدين، عندما كشرت جماعة الأخوان المسلمين عن أنيابها فرحة بل حق لها أن تحتفل عندما استطاعت أن تجر البرلمان إلى قرار حل الحزب الشيوعي وطرد أعضاءه من البرلمان وتبعها في ذلك الاتحاديون وحزب الأمة للمكاسب السياسية التي ستؤول لكل منهما. عندها خرج بيان اتحاد طلاب جامعة الخرطوم ليثبت الطلاب وكعادتهم دوما أنهم صمام الأمان الوطني الذي يصون الديمقراطية وورد في لبيان:
يا جماهير شعبنا لقد استطاعت بعض العناصر التي تقف في ضد التطور السلمي الديمقراطي لبلادنا أن تتسلل خلف شعار الدفاع عن الدين وتستغل هذا الحادث الفردي وتصور هذه القضية الأخلاقية كأنها نزاع سياسي ذلك لا لشيء إلا لضرب الديمقراطية وتصفيتها وكان أن خرجت مظاهرات تجوب شوارع العاصمة بتحريض من خطباء المساجد لا للدفاع عن الدين ولا لحماية البلاد ولا لحل مشاكلنا الخانقة بل فقط لمكسب حزبي رخيص وفرض طريق رفضته جماهير شعبنا منذ أكتوبر 1964. إننا نؤمن إيمانا جازما بأن الزج باسم الدين هي إساءة لمعتقداتنا لأنها تجعل من الدين مطية للأهواء والمطامع السياسية المنحرفة.
والحادث الفردي الذي تحدث عنه البيان هو أن طالبا في معهد المعلمين كان قد أساء للإسلام وادعى أنه ماركسي. وبغض النظر عن كونه ماركسيا أم لا! فكما قال البيان هو حادث فردي أدى إلى طامة ديمقراطية في البلاد وتعدي على مفهوم الديمقراطية والليبرالية السياسية.
وبعدها أتى نميري .. وبعد تخبط فكري وسياسي أتى ليطبق لنا قوانينه الإسلامية التي عزف الشعب حتى عن أن يسميها إسلامية فالإسلام منها براء، فسميت قوانين سبتمبر والتي صفقت لها الجبهة الإسلامية كثيرا لا لشيء إلا لأنها تعلم جيدا أن قوانينهم هذه لن تأتي إلا بالقوة ولن يقبلها الشعب السوداني بتعدديته وثقافته ووعيه. وأيضا أعادت الأحزاب الكرة مرة أخرى عندما أمنت للإمام نميري فعاد حزب الأمة بقيادة الصادق ليؤكد لنا أن الحديث عن منهج تحديثي مازال أمامه الكثير لكي يقف جنبا إلى جنب المدارس الفكرية الأخرى وكذلك فعل الميرغني. بقي الشهيد الشريف حسين الهندي ومعه جماهير الحركة الاتحادية ليشكلوا من جديد وبقيادة الشريف، الجبهة الوطنية الديمقراطية في نوفمبر 1979م، متحالفين مع القوى التنويرية أو اليسارية. ومن جديد جاءت الحركة الطلابية لتسجل شموخها فقد فاز التحالف الجديد في انتخابات جامعة الخرطوم في مارس 1980م، معلنين بذلك وقوفهم الصادق مع الديمقراطية رافضين أن ينخدعوا بأي شعار براق أو كذبة واهمة أو ينقادوا خلف القادة في اعوجاجهم الفكري ودخولهم في أزقة التاريخ والسياسة.
وجاءت انتفاضة الشعب في 85م لتسقط الطاغية نميري وبعد عام من الحكم الانتقالي من جديد ترك المسرح للطائفية وكانت الجبهة الإسلاموية في صفوف المعارضة ريثما تحل مشكلات تنافسها مع الصادق المهدي حول شرعية التحدث باسم الصحوة الإسلامية وحول تبني نفس القوانين السابقة (قوانين سبتمبر) معدلة أو مستبدلة . أما الحزب الاتحادي الذي قاده مولانا محمد عثمان الميرغني عقب استشهاد الشريف حسين الهندي وهو في أوج حربه مع الطاغية نميري. فقد سار الحزب بموازاة الشارع السياسي ليخرج برنامج الحزب الاتحادي أيضا باسم الصحوة الإسلامية صافعا التوجه الفكري للحزب منذ نشأته ومنجرفا مع التيار السائد.
أبرم الميرغني و قرنق اتفاق أديس أبابا في نوفمبر 1988م والذي قضى بتجميد قوانين سبتمبر وحل مشكلة السودان في جنوبه وعاد الميرغني ليستقبل بطلا في السودان، رغم تململ الصادق من الاتفاقية وخلافه مع الميرغني حول تنفيذها. وكان للصادق المهدي مبرران للاختلاف مع الميرغني والتحالف مع الجبهة الإسلاموية، الأول هو اعتقاده بأحقيته في حل أزمة كأزمة الجنوب نظرا لأحقيته وأهليته التاريخية لذلك والثاني أن برنامجه يدعو إلى صحوة إسلامية ويأتي تجميد قوانين سبتمبر عقبة في طريقها كما رأى. إلا أن الأمل لاح لجميع السودانيين. ففي فبراير 1989م وقع 29 حزب ونقابة (68 حزبا ونقابة كما ورد في الإنقاذ الأكذوبة .. الوهم - إسماعيل أحمد محمد ، وديع إبراهيم) على برنامج السودان الانتقالي والذي قرر التحضير للمؤتمر القومي الدستوري في 4/7/1989م. وهكذا كانت ستنتهي محنتان للشعب السوداني في آن واحد، حربه في الجنوب ومشكلة دستوره العالق منذ الاستقلال وكانت تلك الاتفاقيات محل إجماع الشعب السوداني ماعدا الجبهة الإسلامية القومية. لأن تلك الاتفاقية كان من شأنها أن تهدم الخطاب السياسي للجبهة الداعي للجهاد ضد زمرة الأوباش في الجنوب كما يقولون. وكان الانقلاب خيارا مصيريا للجبهة لأن عدمه يعني إنهاء الحرب ووضع دستور للسودان أي إنهاء وجود الجبهة في الساحة السياسية. وجاء الانقلاب على عجل حتى دون وجود خطة مدروسة للحكم بعده فعلى سبيل المثال بدأت بإحكام الرقابة على النقد إلى درجة تطبيق الإعدام بسبب التجارة في العملة لتتحول فيما بعد إلى سياسة السوق المفتوح والرأسمالية الفاضحة وكأن شيئا لم يكن. ولا حاجة لنا لتعرية النظام والحديث عن الانتهاكات التي قامت بها حكومة الجبهة باسم الإسلام وباسم إنقاذ الوطن فقد خبرنا سياسة بيوت الأشباح والتصفية الجسدية والمهنية والأكاديمية والاقتصادية… الخ. بالفعل لا حاجة لنا لتعرية النظام فهو يفعل ذلك بنفسه وإن ادعى جنوحه إلى الديمقراطية والتسامح والعدل في الفترة الأخيرة (كما يدعي) إلا أن الحق لا يقوم وأساسه باطل.
لم يكن مشروع الإنقاذ سوى استكمالا لمسيرة الطاغية نميري أو بالأصح استكمالا لمسيرة الجبهة الإسلامية التي وسوست لذلك الطاغية إلى أن نصبته إماما وخليفة إسلام ووسوست له إلى أن أعدم الأستاذ محمود محمد طه الذي كان أيضا يدعو لنهج إسلامي تجديدي .. وأتت لتكمل مشروعها الذي وأده الشعب بانتفاضة أبريل. لهذا لم يكن غريبا أن تبدأ الجبهة بإعادة قوانين سبتمبر83 في 91م مرة أخرى وتعيد سياسية النظام العام على السلوك الشخصي والمظاهر العامة للمجتمع وتستمر في تعاطي إشكالية الجنوب بإضافة العنصر الديني، ضاربين بحق المواطنة عرض الحائط لينقسم الوطن إلى مسلمين وغير مسلمين. واستمرت حملت النظام لأسلمت المجتمع قسرا .. وكانت النتيجة طبيعية .. انحلال أخلاقي واجتماعي في ظل انضباط مظهري شوفيني .. ارتفاع ملحوظ في عدد حالات الإصابة بالإيدز في ظل تكتم من الأجهزة الرسمية.. تكدس رأس المال في أيدي رجالات الجبهة وتدني المستوى الاقتصادي للمواطن وإدعاء توفير كافة الخدمات والسلع رغم تردي أحوال المواطنين .. حتى الكهرباء التي صرنا ندفع ثمنها مقدما فإننا لا نجدها… كل ذلك وأكثر باسم الإسلام.
وأتت حملت النظام التي شنها على إعلان القاهرة متناسيا تماما أن هذا ما احتفل به السودانيون قبيل الخاتم من يونيو 89م وأتى هو ليجهضه وليدعم الحرب لمزيد من الخراب ويجبر الشعب على حرب أصلا لا يطيقها ولا يريدها وما زال يبث دعواته باسم الجهاد ويسجل برنامج في ساحات الفداء لكسب المزيد من الشباب ليلقي بهم إلى التهلكة ويغرر بآمالهم وتطلعاتهم وعاطفتهم تجاه دينهم. ورغم ذلك اكتسح تحالف القوى الديمقراطية انتخابات جامعة الخرطوم حتى رغم حملات التكفير التي نالت بعض أعضاء التحالف، لكن الخطير في الأمر هو أن تنظيم أنصار السنة المحمدية حصل عدد مرتفع من الأصوات. وكان ذلك مؤشرا لتراجع الخطاب التنويري في الساحة هناك وهو ما دفعني بإلقاء هذه الورقة لإعادة تسليط الضوء على القضية.
إن الذين يتحدثون عن أن نهج الإسلام السياسي في السودان هو سمة طبيعية في المجتمع السوداني إنما يجهلون أو يغالطون أنفسهم لأن تجربتي نميري والجبهة الإسلامية لم تطبقا إلا في إطار ديكتاتورية ترفض الآخر لأن وجوده يعني زوال دعوتهما. أو ربما أن السودان خلال عقدين من الزمان حكم بديكتاتورية إسلاموية أنست البعض من هو الشعب السوداني. والحديث هنا عن نهج الإسلام السياسي وليس عن الإسلام كقيمة روحية واجتماعية وأخلاقية في المجتمع السوداني. أقول هذا لكي لا أجد اسمي مدرجا في قائمة التكفير التي تبناها بعض الإسلامويون مؤخرا في الخرطوم وأهدروا دم عشرات الكتاب والصحفيين، لأنهم عجزوا أن يطلقوا رصاص الجهل إلى عقولهم فأرادوا أن يطلقوا النار على قلوبهم.

-------------
المراجع والهوامش:-
- القيد الذي أدعو لكسره ليس قيد الدين..لأن الدين ليس قيدا أصلا .. إنما هو قيد التحجر والتخلف والرجعية التي تأتينا باسم الدين في أكثر الأحيان.
- الهادي عثمان العمرابي - مجلة الفجر 1953.
- الإسلام والنصرانية بين العلم والمدنية .. الشيخ محمد عبده.
- الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية .. خليل عبد الكريم.
- الشيخ أبو حامد الغزالي صاحب إحياء علوم الدين المتوفى سنة 505 هـ.
- د. منصور خالد . لا خير فينا إن لم نقلها.
- النقل هنا هو النص أو ظاهر الشرع من قرآن أو سنة.
- الشيخ محمد عبده .. الإسلام دين العلم والمدنية .. أصول الإسلام .. تحقيق د. عاطف العراقي
- ابن رشد .. فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال
- منصور خالد .. لا خير فينا إن لم نقلها.
- أعلام الموقعين .. ابن القيم الجوزية.
- الصادق المهدي .. الإسلام النظام العالمي الجديد .. إصدار مركز الإعلام الخارجي لحزب الأمة.
- الكشكول .. الشيخ بهاء الدين محمد بن حسين العاملي المتوفى سنة 1031هـ.
- حديث قدسي.
- السودان المأزق التاريخي وآفاق المستقبل .. محمد أبو القاسم حاج حمد.
- مقدمة في تاريخ الممالك الإسلامية في السودان الشرقي .. د. يوسف فضل
- دولة الفونج أو سلطنة سنار أو السلطنة الزرقاء.
- السودان المأزق التاريخي وآفاق المستقبل
- وهو من تنسب إليه الطريقة الميرغنية في السودان
- الأدب الصوفي في السودان .. د. الطاهر البشير .. النص والترجيع من السودان المأزق التاريخي وآفاق المستقبل .
- السودان المأزق التاريخي وآفاق المستقبل .
- النهضة .. المصدر السابق
- المصدر السابق.
أرشيف ووثائق رابطة الطلاب الاتحاديين الديمقراطيين السودانيين – باكستان.
الإنقاذ الأكذوبة .. الوهم – إسماعيل أحمد – وديع إبراهيم


http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=18911

Post: #746
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-24-2008, 04:22 AM
Parent: #745


محنة الإيمان المعاصر لدى حاج حمد


يتضمن الملف ندوة نظمها الباحث العراقي طه جابر العلواني وآخرون بالقاهرة قبل أعوام لمناقشة بحث السوداني أبو القاسم حاج حمد «منهجية القرآن المعرفية وأسلمة فلسفة العلوم الطبيعية والإنسانية». كما توجد دراسة لحاج حمد عن «المبادئ التطبيقية لأسلمة العلوم». شاركت في الندوة أسماء إسلامية معروفة تكاد تجمع على أهمية الأفكار التي طرحها الرجل، لكنهم يجمعون كذلك على تعقيدها وتشابكها. لفت نظري في الندوة موقف محمد عمارة الأكثر وضوحاً وصرامة حيال حاج حمد، وجعلني أشعر بأن المواجهة بينهما تستعيد الصدام التاريخي بين الاتجاه النصوصي الظاهري حنبلياً وأشعرياً، والاتجاه العقلي والصوفي المتحرر في التعامل مع النص، رغم ان كلاً من الرجلين يحاول أن ينأى بنفسه عن هذا الانتماء الفكري. يقول عمارة في حديثه عن التفسيرات التي قدمها حاج حمد للنص القرآني، انها تفسيرات باطنية عرفانية. الأهم في موقف عمارة انه يدعو إلى قراءة جهود حاج حمد بوصفها ممثلة لمدرسة محددة تزعمها الشيخ السوادني محمود محمد طه (الذي أعدمه النميري بجريمة الارتداد)، وكتابه الشهير (الرسالة الثانية من الإسلام)، إلى جانب كتاب (العالمية الإسلامية الثانية) لحاج حمد (ص165). ويتهمه بأنه متأثر بالوضعية الغربية كما في تقسيمه لمراحل الوعي الإنساني. وبشكل إجمالي يأخذ عمارة على صاحبنا انه يدعو إلى تجاوز التراث وللسنة تحديداً، ويجد ان هذا لا يناسب ظروفنا كأمة فرض عليها القتال من قبل الغرب، وأمضى الأسلحة لهذه الأمة هو تراثها وحضارتها (ص169)؟



أعتقد انه من غير المناسب مناقشة الملاحظة الأخيرة للدكتور عمارة، فهي ملاحظة سياسية ونحن نتحدث هنا عن أفكار علمية. خاصة وإنني لا أدري ان كانت (ظروفنا العسكرية) هي المعوق الأساسي لتجاوز التراث ونقده، أم ان لدى الدكتور مانعاً معرفياً موضوعياً. ولكن يهمني هنا التعليق على الصلة بين حاج حمد والراحل محمود محمد طه. لم أكن أعرف كثيراً عن الأخير حتى فترة قريبة حين حدثني عن أعماله بعض أساتذتنا، فقلت حينها ان حاج حمد في كتابه (العالمية) يذكر الرجل ويتبرأ منه ويدعو إلى تمييز عمله عن رسالة طه. يومها عدت إلى نص حاج حمد ثانية بعد ان اطلعت على نصوص طه نفسها[3] ولاحظت ان حاج حمد يظلم الرجل في سبيل تبرئة نفسه وهو استبق التهمة في الطبعة الأولى من كتابه (لاحظ ص115 من الطبعة الثانية) فراح يتحدث عن استقلالية منهجه وتميزه عن طه. وأقول ظلمه لأنه يصر في أكثر من مناسبة على ان الرجل يزعم انه يتلقى الرسالة الثانية للإسلام مباشرة من الله (العالمية، ص121و187). بينما لا نجد ما يرقى إلى خطورة هذا الزعم في نصوص طه أو تلك التي نقلها حاج حمد، وليس سوى حديث عن الشهود أو الكشف العرفاني المتداول بين المتصوفة على نطاق واسع. أحسب انه إنما تطرف في موقفه من الرجل إمعاناً في الدفاع عن نفسه، ورغم انني لا أود الخوض أكثر في هذا الموضوع، بيد ان انطباعي خلال قراءتي لأعمال طه وحاج حمد، هو ان الأخير يقدم نسخة مطورة بشكل متميز لأفكار محمود محمد طه، بفضل ما أتيح لحاج حمد من سعة اطلاع على الفكر الحديث تحديداً، الأمر الذي أدى إلى ظهور بعض الفوارق بينهما. يعرض حاج حمد عدة مبادئ تطبيقية لأسلمة العلوم، لكنه لا يتجاوز المفارقة القائمة في تحكيم نص جوهر قيمته قداسة الدلالة، على موضوع ذي طابع تكويني حقيقي، خاصة مع المجازات القرآنية التي يقرؤها بطريقة لا يمكن ان نستنتج منها قانوناً فيزيائاً[4]. كيف يمكن ان نطلق العنان لمجاز تمثيلي ليلعب دوراً في فلسفة العلم. ان حاج حمد يشترك في هذا مع الاتجاه السلفي الذي بدا أنه اختلف معه، كما ان هذا التوظيف للنص يتقاطع مع مقولة يتمسك بها حاج حمد كثيراً تقرر ان ثمة استلاباً لاهوتياً يوازي في خطره الاستلاب المادي الوضعي. بينما طريقته هذه في توظيف النص تفتح الطريق إلى استلاب العلم من خلال سيميولوجيا لاهوتية مكثفة. إذ ليس ثمة مبرر منطقي لاستدلالاته سوى المصدر الغيبي للدلالة بطابعها الافتراضي المجازي. ان ملاحظة طريقة الإمساك بدلالة النص تستدعي في هذا المجال لون التعامل المثالي الأفلاطوني بطابع تأملي صارخ يصلح ربما في مقاربة مفهوم في النقد الأدبي أو تصور لمعنى تجريدي، لكنه لا يمتلك قيمة كبيرة في نطاق المعرفة الرياضية أو فلسفة العلم والتفسير الاكتشافي، فهو على الأقل مما لا يمكن الاستفادة منه عملياً في مختبرات العلوم ومناهجها، ويظل بالتالي فرضية مجازية على أفضل التقادير، لا يمكن تقديمها كمبدأ في «فلسفة إسلامية للعلوم». سأتساهل مع نيتشه لو تحدث بهذه اللغة عن فلسفة الإرادة أو الفن، لكن من الواضح انه لا يحق لسارتر أو جبران خليل الحديث عن قانون فيزيائي بهذه الطريقة.



لكن هذا لا ينفي أهمية الفكرة التي يود حاج حمد ان ينطلق منها في معالجته للنص القرآني. يقول: «ان من مهمات المنهجية المعرفية القرآنية ألا تتعاطى بعفوية مع عقلية التراث التفسيري الذي يستمد أصوله من الموروث التوراتي، الذي يستمد أصوله بدوره من الموروث الأسطوري البابلي، وإلا لاختلطت المعرفية القرآنية بأساطير الأولين وأغلقت دونها قدرات الوعي المنهجي». لكنني على الأقل، لم أجد عند حاج حمد في العديد من النماذج التفسيرية التي يقترحها، تجاوزاً منهجياً للنسق الأسطوري (المجاز، التخييل، التمثيل، التهويل)، مع انه يحاول أحياناً ان يتولى المصالحة بين التصور القرآني والعلم الحديث، وأحسب انه لم يعتمد خياراته ويفاضل بينها بوضوح، وهو ارتباك يعبر عن محنة الإيمان المعاصر وحيرته في آلية التوفيق بين المرويات الدينية ولغتها الخاصة، والمرحلة الراهنة من أداء العقل الإنساني. وغير بعيد عن أفكار حاج حمد، نجد الفيلسوف الإيراني حسين نصر مبشراً بنموذج «المعرفة والأمر القدسي» في حوار أجرته معه المجلة، وهو يستعير من التصوف مجازات يريد لها ان تبلور بديلاً لفلسفة العلم الحديث، ومعطيات ما بعد الحداثة التي يوظفها لنقد الحضارة الغربية.


http://www.rifae.com/page.php?cat=13&id=25

Post: #747
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-24-2008, 03:35 PM
Parent: #1


حبابو عماد ... يا محمد عبد الرحمن العافيه اول ما قريت البوست ده فى الصباح قلته اطالبك بسحب كلمه جميل . لانه الحقيقه ما شفنا ولا سمعنا بجمهورى ما جميل تقول بنجروهم من الصندل . وقبلهم وحدهم ما بشبهوا الناس الثانيين لا بعرفوا مهاترات ولا لؤم ولا جشع ولا خباثه او مكر او حقد وقد يكون هذا سبب حسدنا لهم . والله يعلمنا منهم...ز
التحيه ...
شوقى ... شوقى بدرى

http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=m...rd=95&msg=1103084589


عماد بشري محمد احمد ...رجل بتهذيب المتصوفة وباخلاق

الصالحين وبتواضع العلماء ، جمعتني به جامعة الخرطوم (كلية

العلوم الادارية ) ، فكان نعم الصديق والرفيق ، قضيناها اربعة

اعوام عجولة عجولة كانت ، كما البرق ذهبت ، وخلدت ذكريات

بطعم الشهد ....

رحبوا معي بتلميذ الاستاذ محمود محمد طه النجيب ، نختلف في

الرؤي ونجتمع في عمق الالفة والمودة ، وفوق كل ذلك نجتمع في حب

المصطفي عليه السلام ، فقد كان عماد بشري يحلق بنا في

عوالم العرفان والانشاد النبوي الجميل ، انشدنا معه للنبي ولفاطمة

الزهراء ، لابن عربي ولرابعة العدوية ، شربنا معه انخاب

من الحب الالهي والنبوي الجميل ، ولم نخذله وانشدنا

معه ايضا (شيء لله ياحسن ) ....


رحبوا معي بالفتي الخلوق المهذب عماد بشري ، وافتحوا له

الابواب ، فلمثله تفتح الابواب كيفما يشاء .....

مودتي ...
===========

Post: #748
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-24-2008, 08:08 PM
Parent: #1


محمود محمد طه و تميمة الشفاء

عبد الله الشقليني
[email protected]

(1)

كتب الشاعر درويش :

لملمت جُرحك يا أبي

برموش أشعاري

فبكت عيون الناس

من حُزني ... ومن ناري

وغمست خُبزي في التُراب

....................

(2)

وكتبنا :

هذا زمان الطيف يُحْيي مَوات الأرض .

هذا ربيع الصفاء ،

يحمله الريح إلينا.

يهُز جُذوع أشجارٍ

لكَ تقرأ أسفاراً .

تَمَهْلتَ الطريق إلى العُلا .

مولدك المُنى يا سيد الغائبين ،

يا عالياً في بُرجِك.

اهتديت لتُهدي

ومن ورائكَ الأحجارُ ،

في تسبيحها حين تذكر رَبك ،َ

تنظُرك َ بفرَح السُكون وتَبتهِج .

(3)

كُلنا لم نَعرفك حق عِرفانك إلا عند رحيلك الساطع ، حين توهج نجمك في ضُحى الجمعة العظيمة مرقتَ مروق السهم من بين أبناء جيلك. رميتَ القدح المُعلَّى وخير الطبقة التي أثرت من كدح الفقراء و من خير الزرع و الضرع .هُم تعلّموا وتيسرت لهم سُبل العيش الكريم وقليل منهم نذر حياته لرد الجميل .أنت مع القليل تبذُر للفلاح

جئت أنتَ سيدي من بطن أمٍ ولدتكَ والمستعمر يدُق أوتاده سنوات من بعد كرري واستباحة أم درمان .

(4)

اعتاد العُباد على المحبس الفردي ففيه يتخفف المرء من أحمال الحياة ويبدأ التعميد من جديد.كنت سيدي من السباقين ومن بعد فك أسركَ الأول جلستَ جلوس المُخلصين للقراءة والتأمُل في رُفاعة وجَلَست معك المحبة تقرأ لك من الذكر الحكيم :

{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء .....} فاطر28 .

سألت ربك وانفتحت نعمة الفِكَر عليك . كان إيمانكَ هو القوي فتدفقت نُذر الخير مطراً مِدراراً. من هناك تفتَّح الذهن المُتقد واستبطنتَ التاريخ القديم والحاضر و وَلجتَ المُستقبل ونهلت من أعذب الموارد التي ينهل منها صِحابكَ المتصوفة وهم في الطريق . جلستَ للصفاء وحفرتَ بأظافر تقواكَ حتى انفتحت لكَ الآفاق .جالس أنتَ على بُساط الأرض . لباسكَ من لباس العامّة ومجلسكَ للعلماء مكاناً للترويح . فروحكَ السَمحة بوابة للنفوس العطشى لتغرف من الروح عندما يكون الإنسان مُتصالحاً مع نفسه .

(5)

لم تغب أنتَ عن رؤى الذين من حولكَ وكنتَ وسطاً مُبدعاً يرى العقيدة روحاً تُرفرف تُعيد للإنسان حيويته ومحبته للآخر . أوجزتَ رؤاكَ عن البدائل التي تحترم الفرد وتحترم الحرية . تحدثت عن علوم النفس البشرية وعن فكرتك غير المسبوقة في تأويل النصوص تمهيداً للفهم العميق للرسالة المُتسامحة التي احتجبتْ من ثِقل عظمتها عن عقول الذين عاصروا حياة النبوة ونَسَختها الشريعة فهي تُناسب أهل الزمن الماضي إلى أن جئتَ بنظرتكَ الثاقبة واكتشفت العقيدة وروحها بالتأويل، فكانت الرسالة الثانية .

(6)

عندما يجلس الذين ينتظرون الفيض الرباني عند الشروق أو المغيب تتبدى فتنة الشمس في ألقِ بهائها . تخرُج موجات تحت الحمراء لتُقِّوي الأجساد والأرواح . جلستَ أنتَ جلوس الصبر في خلوتكَ ساكناً مُتأملاً , دواخلكَ يصطخِبُ موجها وإلى الشواطئ تستريح . نهلتَ من زاد المتصوفَة و حيواتهم الضاربة في عمق التاريخ وهي تقول لك :

ـ اركب رواحِلنا إن كنتَ ظمآن لترتوي .

نهلتَ سيدي من الينابيع الصافية فخير الزاد التقوى . صبرت على الدُنيا وهي تُغريك بلباسها المُترَف ولم تستجب . على بساط الأرض حيث تدُب الكائنات تطلب رزقها جلستَ أنتَ تتأمَلْ .

على وجهكَ كلما نظرنا يفتَّر بَسمك . عابدٌ أسعدته الدُنيا وغسلت نفسهُ من كل تاريخ الإنسانية الأسود وَعُدتَ طفلاً ملائكي الملمح والمشرب والمسكن والمسلك .ضرب ذهنك المُتقد الآفاق بأجنحة فراشٍ خُرافي يأمل أن ينظره ذو مِرِّّة حين يستوي على الأفق الأعلى . يلمحه بطرف ذاكرة النبوة حين تفيض على المُحبين . سِرتَ تطلُب الرُقي وكان النبي الكريم سائراً قبلكَ وعلى خطوه مَشيت .

(7)

على كفيكَ قمرٌ هُنا وشمسٌ هُناك ، تَحمَّل وجدانَك طريق المتصوفة بعقولهم النيِّرة . آن لمخاض الفتح المعرفي أن يكشِف الدروب التي تأمل أن ترتقي سُلم المجد الرباني . رحيلك البهي سيدي وأنتَ تتلألأ إشارة أن موعد التغيير قد حان أوانه . للذين يمشون على وقع الحافر من بَعدك ، عليهم خطوات لغسل ما تبقى من أثر غلظة ماضٍ ينتظر تثقيف السِنان برِقة الإنسانية .

على الزهر الذي أينع في ذكراك تكوَّر الندى وتجمع السحاب في السماء يُظللنا من شمس الضُحى وهي تعتدل إلى الظهيرة .أفواج المُحبين والمندهشين جاءوا لوداعَكَ فالجلاد لم يكن في حُلة الرُعب يرتجِف مثل ما كان ذاك اليوم .أغمضَت الشمسُ أجفانها نذير عافيةٍ كصراخ الأمهات عند الطلق وإلى موالد الأنوار أطفالاً إلى المُستقبل و نفض العُقاب جناحيه وانتفض .

أيها البهي الذي ينظرنا من العُلا : كنتَ تعُدّ العُدّة لتكملة النذر الذي نذرته على نفسِكَ و وهبتَ تلاميذك والقراء جميعاً مفاتيح كيف يرتقي المرء من أرضه وتُطل السماء بأنوارها علينا و تُزهر حقول الحياة .

عبد الله الشقليني

21 /10 / 2007 م

اكتوبر 23 الفان وسبعة

Post: #749
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-24-2008, 09:39 PM
Parent: #1



Last Update 23 اكتوبر, 2007 08:02:11 PM

إلغاء عقوبة الإعدام بالسودان .. هل من ملتمس (1)

عصمت عبد الجبار التُربي- سلطنة عمان
[email protected]

عقوبة الإعدام كعقوبة استئصالية هي أقصى عقوبة توقعها المجتمعات البشرية على الجاني, ويصادف العاشر من أكتوبر من كل عام الاحتفال باليوم العالمي ضد عقوبة الإعدام , لقد ألغت الولايات المتحدة هذه العقوبة لأول مرة في العالم عام 1786 ولازالت بعض ولاياتها تطبق هذه العقوبة, اليوم هناك 13 دولة افريقية ألغت هذه العقوبة كما ان بنين والمغرب أوقفت تنفيذ عقوبة الإعدام, بالطبع دول أوروبا كلها حوالي 27 دولة قد ألغت هذه العقوبة وبلغت عدد الدول التي ألغت هذه العقوبة في العالم 128 دولة ( المصدر الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان )

أما الدول العربية الوحيدة التي ألغت هذه العقوبة فهي دولة البحرين والمغرب وصلت الشوط النهائي لإلغائها , و كقانوني عملت داخل البلاد وخارجها في النيابة والمحاماة وعايشت من تبقت ساعات لإعدامهم وهم قابعون داخل غرفة (الليلة الأخيرة) فان يأس المحكوم عليه وخوفه يعديك مثل التثاؤب وتشعر بفراغ هائل وان قدميك لا تقويان على حملك وإذا رأيت الجلادين وهم يقودون المحكوم لنهايته المحتومة وقد انهارت قواه وهو يجرجرونه مثل حيوان قبل ذبحه لأدركت مدى وحشية هذه العقوبة , لذا آمنت بوجوب إلغاء هذه العقوبة غير الإنسانية وكتبت عدة مقالات في مختلف الصحف السودانية وجدت قريبا قصاصة لإحداها بتاريخ 7/7/1996 بجريدة أخبار اليوم السودانية الصفحة الأخيرة تحت عنوان (التحديق نحو الشمس) وفيها تنبيه لعدم إنسانية هذه العقوبة وطرق تنفيذها ومقارنة بين مصر والسودان في طريقة التنفيذ , وتقول منظمات حقوق الإنسان ان عدد ضحايا هذه العقوبة يقترب من الأربعة ألف شخص في العام .

سأحاول في هذا المقال وما يليه توضيح حجج من يقولون بإلغائها ومن يقولون بإبقائها ورأي الشريعة الإسلامية في ذلك ونظرة لمستقبل هذه العقوبة بالسودان ومدى إمكانية إلغاؤها مراعياً الايجاز الشديد , أرجو بهذا ان أدير نقاشاً يشترك فيه من يرغب فالأمر لا يقتصر على القانونين فقط , وحبذا لو انتقل الحوار لدوائر الإعلام في السودان من مقدمي البرامج في الإذاعة والتلفزيون والصحف.

لقد أثارت الدول الأوروبية ضجة بعد إعدام الرئيس صدام حسين وعدم الانضباط في تنفيذ العقوبة على برزان تكريتي حيث فصلت رأسه عن جسده وطار مسافة 30 متر , ونادت مجدداً بإلغاء عقوبة الإعدام في العالم كله.

وهناك صراع فكري محتدم في الوقت الحاضر بين من يقولون بإبقاء عقوبة الإعدام وبين من ينادون بإلغائها , لقد أصبح إلغاء عقوبة الإعدام من الدستور هو احد شروط الانضمام للاتحاد الأوروبي مثلا فهم يمارسون ضغوطا على تركيا لإلغاء عقوبة الإعدام إذا أرادت ان تدخل النادي الأوروبي .

إذا فترضنا ان هناك جزيرة يعيش فيها شخصان واثر نشوب خلاف بينهما قام احدهما بقتل الآخر , فهل ننفذ عقوبة الإعدام إرضاء للعدالة فكما قتل يقتل , أم ان الأثر الاجتماعي هو الهام فطالما لا يوجد شخص آخر على الجزيرة فلا داعي لقتله , هذا سؤال فلسفي قديم .

استندت معظم الآراء التي تطالب بالإبقاء على عقوبة الإعدام إلى اثر الردع العام الذي تحدثه هذه العقوبة فإذا كان الألم الذي تحدثه هذه العقوبة اكبر من اللذة التي يحصل عليها المجرم فإنه يكف عن ارتكابها.

أما عند ((كانط )) الذي ابتدع نظرية العدالة المطلقة فإن الجاني يعاقب طبقا لما اقترفت يداه , فالجاني الذي يرتكب جرما خطيرا يؤدي إلى إزهاق أرواح الآخرين فإن اقل شي يمكن فعله تجاهه هو إزهاق روحه هو الآخر لتحقيق مقتضيات العدالة.

وكثيرون يرون ان التكفير عن الجريمة هو الهدف الحقيقي للعقوبة ويعتقد الضمير الجماعي ان عقوبة الموت هي السبيل الوحيد لتكفير المجرم عن أفعاله .

ويرى آخرون ان عقوبة الإعدام ضرورية لدفاع المجتمع عن نفسه ضد بعض الجرائم الخطيرة التي لا تحترم الحياة الإنسانية , ويضيفون حجة أخرى وهي قيام الدولة بإلغاء عقوبة الإعدام بصورة منفردة سوف تجذب مواطني الدول الأخرى المجاورين لها و لاسيما المجرمين منهم إلى النزوح إليها لارتكاب ما يشاءون من جرائم دون ان يتعرضوا للإعدام , ومن ضمن آراء المؤيدين للعقوبة ان إلغائها سوف يؤدي إلى إعادة النظر في بقية العقوبات الأخرى مثل السجن المؤبد والأشغال الشاقة كما يرون ان إلغاء العقوبة سوف يساوي في العقوبة بين الجرائم بغض النظر عن خطورتها كالسرقة وقطع الطرق - الحرابة- والحريق بظرف مشدد وهي جرائم كان يعاقب عليها بالسجن المؤبد فلا يتورع المجرم من ارتكاب جرائم أخرى مثل السرقة مصحوبة بالقتل ,ومثلا ماذا يضير مجرم محكوم عليه بالمؤبد من قتل زميل له بالسجن طالما انه يعلم انه لا جديد في الموضوع وسوف يستمر في السجن. (( انظر مؤلف د . ساس سالم الحاج, عقوبة الإعدام بين الإبقاء والإلغاء ))

وأخيرا يرى العديد من الباحثين ان التعاليم الدينية تبيح عقوبة الإعدام بل تطالب بتطبيقها وعدم إسقاطها ومن خلال التعاليم الدينية تستمد هذه العقوبة مشروعيتها فلا يستطيع المشرعون إغفالها أو إلغائها ما دامت التعاليم الدينية تنص عليها .

أما القائلون بإلغاء عقوبة الإعدام فيرمون بسهامهم على عدة أوجه , سندهم الأول هو الدفاع عن الحياة نفسها واحترام الحياة الإنسانية مهما كانت النتائج , واقوي حججهم تتمثل في حصول أخطاء قضائية تؤدي بالمتهمين إلى حبل المشنقة دون ان يكونوا قد ارتكبوا فعلا الجرم المسند إليهم ورغم التقدم العلمي في مجال التحقيق الجنائي فان هذه الأخطاء تجد طريقها من حين لأخر , وتكمن المشكلة في عدم إمكانية إصلاح الخطأ القضائي المرتكب بعد تنفيذ الحكم الصادر على المتهم كما ان الإعدام بسبب الآراء السياسية يعتبر اكبر ثغرة في عقوبة الإعدام , ونحن في السودان قد عانينا من هذا , فمحاكمة المدنيين من قيادة الحزب الشيوعي السوداني أمام محكمة عسكرية عام 1971 ثم إعدامهم بعد ذلك أمر غير قانوني وكذلك إعدام الأستاذ محمود محمد طه بسبب أفكاره وآرائه كان جريمة القرن .

ويذهب أنصار إلغاء عقوبة الإعدام إلى ان المجرم لا يفكر في العقاب الذي يوقع عليه , إذا عقد العزم على ارتكاب جريمة بحيث ان همه الوحيد يقتصر في هذه المرحلة على كيفية ارتكابها والطريقة التي يستطيع بموجبها إخفاءها بعد ارتكابها ان الردع الذي تحدثه عقوبة الإعدام ليس مطلقا ويتأثر به بعض الناس دون بعضهم الأخر , كما تقتضي قيمة هذا الردع دراسة حركة الإجرام في البلدان التي ما زالت تطبق عقوبة الإعدام وفي البلدان التي ألغت هذه العقوبة جزئيا أو كليا .

ويذهب أنصار الإلغاء إلى التأكيد على ان معظم المجرمين لم تردعهم عقوبة الموت عن ارتكاب جرائمهم لان هناك دوافع عديدة قادتهم إلى ارتكابها دون حساب للعقوبة المنتظرة أو لأنهم يعتقدون في أنفسهم بأنهم يكونون بمنجاة منها , وأثبتت الدراسات التي أجريت في هذا الخصوص ان هذه العقوبة لم يكن لها اثر في ازدياد الجرائم أو نقصانها , بل ان العكس كان صحيحا ففي البلدان التي ألغت عقوبة الإعدام جزئيا أو كليا تناقص فيها الجرائم الخطيرة .

ان عقوبة الإعدام التي يخشاها الناس المحترمون الأسوياء الذين لا علاقة لهم بالجريمة أو العنف إلا أنها لا اثر لها بالنسبة للمجرمين ومرضى العقول وغير الأسوياء ومن هنا تفقد هذه العقوبة أي اثر لها وخصوصا وقد ثبت فعلاً انه عندما كان يتم تنفيذ عقوبة الموت علنا فإن الكثيرين الذين حضروها لم تردعهم عن ارتكاب جرائم القتل , وهذا النظر تؤيده أحكام الإعدام في إحدى الدول العربية التي تنفذ أحكام الإعدام في الأماكن العامة المفتوحة للجمهور نهاراً جهاراً بقصد الردع ويصل فيها ضحايا عقوبة الإعدام في العام عدد ضحايا حوادث السير مما أثار قلق منظمات حقوق الإنسان ومع ذلك لم تقل الجريمة .

ان ما يتسم به عصرنا الحاضر من احترام متزايد لحقوق الإنسان طبقا للإعلانات الوطنية والدولية بخاصة ولاسيما في مجال المحافظة على حياته وعدم المساس بجسده ورفع أي تعذيب مادي أو معنوي يلحق ببدنه يشجع على المطالبة بإلغاء عقوبة الإعدام التي سيحدد حتما مستقبل بقائها أو إلغائها طبقا لاحترام حقوق الإنسان .

ان أول من نادى بإلغاء عقوبة الإعدام هو ((بيكار يا )) صاحب نظرية المنفعة , (معاقبة المجرم إذا كان في ذلك منفعة للمجتمع( ووصفها بالوحشية وعدم فائدتها في القضاء على الجرائم ولم يناد بإلغائها بصفة نهائية ولكن طالب بالتقليل منها وحصرها على أفعال معينة ذات خطورة كبيرة وكان ذلك في القرن الثامن عشر .

وهناك دول عديدة لم تلغ عقوبة الإعدام صراحة إلا أنها امتنعت عن تطبيقها ضمنا, فالمحاكم تنطق بها والتنفيذ لا يتم بموجبها واستخدام حق العفو ثم التوسع فيه لوقف تنفيذها.

لقد كان أيضا للتعاليم المسيحية المتسامحة دورا كبيرا في إلغاء عقوبة الإعدام فالمسيح عليه السلام كان ضد عقوبة الموت وحواريه وأتباعه الذين نشروا تعاليمه من بعده سلكوا السبيل نفسه , اما الاسلام فلم ينادي بتطبيق عقوبة الاعدام وانما نادى بالقصاص في حالة القتل العمد والذي يمكن الاستغناء عنه بعقوبة الدية أي دفع تعويض في حالة تسامح اهل الضحية مع الجاني , اما في الجرائم الغير مقصودة فيكون الجزاء الدية فقط .

ان حرمان المتهم من الحرية مدى الحياة كاف لان يدفع المجرم ثمن ما ارتكبت يداه , ويقول المحامي دريد بشراوي , ان قتل القاتل لا يعوض اهل الضحية خسارتهم الجسيمة لا تعوض ولو قتل القاتل لما بلسم ذلك الجراح ولا اعاد على اهل الضحية عزيزا مضى في لحظة قدر .

ان التشريعات المتحضرة تنبذ فكرة الثأر , ان الغفران والتسامح هو وحده الذي يعيد راحة النفس لا الثأر ولا تشفي .

اهل القتيل هم ضحايا لأنهم يتألمون بفقد حبيب غال ولكن بقتل القاتل نعمل على ايجاد ضحايا جدد يتألمون هم ايضاً بدورهم بسبب ما يلحق بسمعتهم من مس او اذى يصيبهم في الصميم وفي الكرامة وبسبب المعاناة التي سيلقونها تكفيراً عن جريمة لا ناقة لهم فيها ولا جمل فلنوقف اذن القتل والقتل المضاد ( نواصل ) ...

_________________

Post: #750
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-24-2008, 11:24 PM
Parent: #1


ورقة التوت
سودانايل 27 اكتوبر 2007
دفن الآباء أو الانتقام الفني من صورة الأمام المهدي

خالد موسي دفع الله
[email protected]

أبتدر الأديب المصري الكبير أحمد عبد المعطي حجازي علي صفحات الأهرام القاهرية سلسة مقالات حول النهضة والأنحطاط في ذكري الشاعرين حافظ وشوقي بمناسبة مرور ثمانية عقود علي وفاتهما.واستعرض حجازي في مقالاته ما أسماه ظاهرة دفن الآباء حيث ناقش بأستفاضة نظرية أدونيس في الأتباع والأبتداع،وتتبع نقده لأدباء عصر النهضة الحديثة خاصة شوقي وحافظ أبراهيم ، وهما حسب مقاييسه لا يعدوان أن يكونا مقلدين، حيث أن لغة شوقي حسب زعمه مشبعة بالكلاسيكية وتستقي من القاموس القديم وفيها صدي لديباجة المتنبي وصوره الشعرية. وحتي محاولته التجديدية نبعت من معارضته لخرائد القصائد العربية، كما أستهلك طاقته الشعرية في الأغراض القديمة الغارقة في المدح والوصف ، وأسقط ذات المعايير علي شاعر النيل حافظ أبراهيم. ولا أدري لماذا عمد الأديب حجازي الي محاكمة أدونيس وأسقاطاته النقدية بعد مرور ما يقارب الأربعة عقود علي كتابه المذكور الذي صدر عام 1969..ولا شك أن هذه الحفريات قد أرتقت بالهم الثقافي لمناقشة أخطر قضية ظلت تسيطر علي دائرة الجدل الأدبي وسط النخب المثقفة في العالم العربي.ألا وهي قضية الحداثة والأنحطاط والنهضة ودور الأدب في التعبير عن ملامح وخصائص هذه النهضة . وأضطر الأديب حجازي في مقالاته الي أستعراض فذلكة تاريخية متطاولة أشار فيها الي أن مصر ظلت لمدة 23 قرنا تحت الأستعمار الأجنبي ، أي أنها كانت فاقدة لشخصيتها الوطنية ، وأبداعها الثقافي المتوطن في وجدانها الأجتماعي . وبدلا من أن يناقش أدعاءات ومزاعم أدونيس عمد الي تفكيك الواقع التاريخي السابق للنهضة ..وقد شاع أن نهضة مصر الحديثة بدأت بأحتلال نابليون الي مصر ..وقيام دولة محمد علي حيث أزدهرت حركة البعوث العلمية والترجمة .. وقال أن النهضة تقوم علي شرطين الأول هو أكتشاف العالم والأتصال بحضارته مثلما فعل بعض المفكرين مثل أحمد فارس الشدياق في كتابه كشف المخبأ في فنون أروبا والطهطاوي في تلخيص الأبريز وخير الدين التونسي في أقوم المسالك.والشرط الثاني هو أحياء التراث القديم كما فعلت أروبا في أحياء التراث اللاتيني واليوناني .

العودة الي التراث وأحياء الفنون القديمة كأحد شروط النهضة جاءت متلازمة مع حركة المقاومة الوطنية لأنها تشعل شرايين الثورة بالأدب المقاتل وشرارات الوعي الوطني...ويقف هنيهة مع أدونيس الذي يري أن حركة الشعر لم تعبر عن أصداء النهضة لأنها لم تنقل حركة الشعر من وضعها القديم الي موقف جديد متقدم..

هذه الشنشنة التي تدور علي صفحات الأهرام تكتسب أهمية نوعية لأنها تناقش وتجادل في شروط النهضة وأسباب الأنحطاط، ولعل مما زاد أوارها هي النزعة الوطنية التي تلبست حجازي الذي عكف علي مراجعة الأطروحة النقدية لأدونيس بعد نيف وثلاثين عاما لأنه جرد مصر من دورها الريادي في قيادة النهضة ، وشكك في دور الطليعة والرواد من لدن البارودي وشوقي وحافظ حاملوا لواء نهضة الشعر الحديث.

ظاهرة دفن الآباء عادت في أقوي صورها الي المشهد السوداني عبر الفن التشكيلي، وهو أقرب الفنون للأسقطات الأيديلوجية وتسنمت بعض التيارات الفكرية التي ترفض مسلمات التاريخ ، الدعوة لتبخيس أنجازات الآباء المؤسسيين للدولة السودانية الحديثة ، ولا شك أن هذا الشكل من التعبير الفني قد أستقي أفكاره المركزية من تيار الرفض الأجتماعي في تجلياته السياسية والثقافية والفكرية التي تري أن التاريخ المكتوب هو تاريخ زائف لا يعبر عن جوهر الحراك الأجتماعي ولا يعترف بالفسيفساء الديمغرافية التي أثرت التنوع التاريخي والمعاصر ، وأنكرت دور الفواعل الأخري التي تنتمي الي الهامش ، لذا فأن الراهن المعاصر هو تمثيل زائف للحقائق التاريخية ، وخيانة لصيرورتها الأجتماعية ، مما يستدعي أشتداد معاول الهدم الوطني وأعادة بناء وتشكيل الأمة السودانية علي قواعد جديدة من التصورات ، ولا يتم ذلك إلا بالتمثيل بصور الآباء المؤسسين للدولة السودانية الحديثة وأن دعا ذلك الي بقر بطونهم وتشقيق أكبادهم....

ولعل أشهر من عبر عن هذا الخطاب بشكل صارخ هو الفنان التشكيلي خالد كودي الذي أكتسب شهرة واسعة في الولايات المتحدة وأصقاع أروبا المختلفة لمثابرته الفنية وناشطيته السياسية، ومشاركته الفاعلة في معظم المعارض والفعاليات الفنية..وأعتماده علي تكنيك فني يستبطن في خطوطه والوانه تعبيرات صارخة وصادمة للوجدان السوداني..وهو تكنيك قديم أشتهر في منابر الجدل السياسي يقوم علي أحداث نوع عنيف من الصدمة تهز المسلمات والخبرة التاريخية المتراكمة وتقوم فلسفته علي السفور الفني الجارح وتعرية التاريخ الوطني وأسقاط لوازم ومقتضيات الستر الأجتماعي .

علي ذات النسق شارك الفنان خالد كودي في أحدي مؤتمرات جمعية الدراسات بولاية بنسلفيانيا بعرض فني باذخ يحتوي علي عدة جداريات..وقد أبتدر معرضه الفني بعرض مبتكر رسم فيه القادة السياسيين عراة كما خلقهم الله من الرئيس البشير حتي رافع علم الأستقلال أسماعيل الأزهري، وأستثني من القادة عبد الخالق محجوب ونقد ومحمد عثمان الميرغني ومحمود محمد طه، وأبتدر عرضه مؤكدا أنه يبحث في تعرية التاريخ الوطني ، وأنه ينزع بلوحاته ثوب القداسة من الزعماء والقادة الذين خانوا وطنهم وشعبهم..وتوسطت العرض جدارية ضخمة للأمام محمد أحمد المهدي مع عدد كبير من النساء يشاركنه المخدع ويرقدن حوله ، و زين الجدارية بأوراق ووثائق من فترة المهدية السابقة..وفي التعريف بالمهدي قال أنه لم يكن بطلا قوميا كما حاول كتاب التاريخ أن يصوروه بل كان خائنا لوطنه ، و كان أكبر تاجر رقيق في المنطقة وأستدل علي هذا الزعم بالوثائق المنشورة في كتابات أبوسليم عن تاريخ المهدية و أملاك بيت المال الذي كان يحتوي علي سجلات بعدد وأسماء الرقيق في زرائب الأبيض وام درمان وغيرهما..وعن وجوه النساء في اللوحة الجدارية قال أن المهدي كان عاكفا علي الأستمتاع بملذاته الحسية وله أكثر من 100 عشيقة ،يتساقطن علي فراشه مثل فراشات النار ..وقال مذكرا أنه أراد فقط تعرية التاريخ الوطني وسحب ثوب القداسة عن أجساد زعمائه وقادته ، وأختتم عرضه بما أسماه النموذج الأمثل للأنسان السوداني وهو أنسان الهامش ..وكل ما عداه هباءا منثورا..ولا أستطيع بطبيعة الحال أن أصور حجم الصدمة لدي زوار المعرض من الأمريكيين والسودانيين، ولعل تلك الصدمة الشعورية هو ما أراده الفنان فعلا..

لقد لمست أتقانا فنيا بديعا في الخطوط والألوان والفراغات ، ولكن صدمني التهريج الفني الذي يتكئ علي فكرة فوضوية تزعم أن فكرة تعرية التاريخ تعني التعرية الحسية للجسد، إذ بأمكان الفنان المبدع أن يعري التاريخ دون تعرية الأجساد ، لأن تعرية التاريخ هي فكرة ملهمة تستعلي علي الترميز الفوضوي ويمكن التحليق بها في فضاءات رحيبة من الالهام المبدع..دون أن تسقط في وحل الهجائية والريطروقيا وله أن يسكب عصارة أبداعه علي أدانة كل تاريخنا الزائف ، وأن ينتقد بروية وحصافة كل الصيرورة التاريخية للأنسان السوداني ، وأن يسلخ جلد التجربة السياسية وله حق نصب المشانق الفكرية والثقافية لأدانة رموزها وسدنتها ، و ذلك نقد مبدع ومشروع ومحبذ وسط النخب المثقفة..ولكنني أقف بقوة ضد التمثيل الفني بصورة الأب المؤسس للدولة السودانية الحديثة founder of the nation و ضد أن تبقر بطنه وتلاك كبده في فضاء التاريخ وعلي رؤوس الأشهاد..بل وتمتد الأدانة لينكر جهاده البطولي الذي شهدت به الدنيا ، لا بل و أن تنكر دماء الشهداء الذين صنعوا لنا العزة والمجد والسؤدد.والآن ماذا تبقي لنا في تاريخنا الوطني..الذي بدلا من أن يكون مداعاة للفخر ، يراد لنا أن نطأطئ رؤسنا خجلا من خيباتنا وعارنا لأن الأمام المهدي تاجر رقيق وزير نساء.

بهذه اللوحة تطل علينا ظاهرة دفن الأباء بصورة أكثر شراسة مما عهدنا ، بل وتمتد لتمس وجدان الأمة وترسم جرحا غائرا في عصب التاريخ و تستصرخ كل مسلماتنا التي عكفنا عليها بأظافرنا نحتا ورهقا..ولنا أن نجدد السؤال كما أفترعه أحمد عبد المعطي حجازي لمصلحة من يتم دفن الآباء... فالأمام المهدي لم يكن طائشا نزقا يستخدم السيف لأشباع ملذاته الحسية ولم يكن تاجر رقيق يشيد الدور ويكنز الذهب والفضة ، بل كان مجاهدا ، ومجددا وقائدا وفقيها وثائرا وبطلا قوميا وأبا مؤسسا للدولة السودانية الحديثة..

هذه ليست أدانة شخصية للفنان خالد كودي الذي يختزن طاقة أبداعية هائلة ، وأداة فنية باهرة ، ويملك عصا الأدهاش بريشته وخطوطه والوانه في رحلة بصرية ساحرة ولكنها أدانة جمعية لمدرسة هذا التعبير الفني و التيار الفكري الذي يمارس الهدم الوطني ويجترئ للتمثيل بصورة الأمام المهدي ويغرس خنجر الأنتقام الفني في قلب تاريخنا الوطني ،لأن هذه الأطروحة الفنية هي أصدق تعبير عن التيار الفكري العامل لنسف الدعائم الوطنية والمسلمات التاريخية والداعي لتفكيك السودان وأعادة تشكيله من جديد لأنه حسب زعمهم ما يزال في مرحلة سيولة وتشكل ولم يصل الي مرحلة الصلابة النهائية،، فلا بد من مواصلة الهدم الوطني الذي لا يستقيم إلا بهدم فكرة مؤسس الدولة السودانية الحديثة والقائها في مذبلة التاريخ..ومرة أخري نجدد السؤال لمصلحة من يتم دفن الآباء

_________________

Post: #751
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-25-2008, 00:31 AM
Parent: #1


عبدالله عثمان
جامعة اوهايو
[email protected]

مما يؤثر عن الأستاذ محمود محمد طه أن رجلا قد رآءه على أيام خلوته مرتديا ثيابا لم ير ذلك الرجل أنها ترقى لمستوى "الغردونى" الذى فى ذهنه، فلما رأى الأستاذ محمود منه ذلك أجاب على حيرة الرجل بـ :

إذا المرء لم يدنس من اللؤم عرضه فكل رداء يرتديه جميل!!

وقد رأته حفيدة له بلباس السجن الخشن فى كوبر فتأثرت لذلك فسرى عنها أن هذا أشرف وأحسن لبس، ذلك لأنه إنما لبسه لأنه وقف وقفة الحق فى وجه السلطان الجائر فأكتسى بذلك الهيبة والجلال.

كانت خلوة الأستاذ المعروفة بعد حادثة "الخفاض الفرعونى" الشهيرة فى رفاعة والتى حبس فيها الأستاذ محمود لعامين ثم لما خرج قال أنه رأى أن الناس تجعجع "فى أمر الدعوة للإسلام" فلم تطب له نفسه أن يجعجع فاختلى بها ليعرفها ويعيش فى سلام معها وينشرها للناس وقد فعل.

وبعض ما عناه الأستاذ بـ "الجعجعة" هو أن الناس لا تفعل ما تقول ولذا فقد قال قولته المشهورة عن أن الإنجليز قد تخرج اليوم أو غدا ثم لا نجد أنفسنا أحرارا ولا مستقلين وانما استبدلنا الإنجليز بسودانيين فى أسلاخ "إنجليز"، وقد كان، فقد تدّثر الناس للناس بالصوف اللانكاسترى الفاخر، ولا يزالون، ثم هم بعد يخاطبون، وفى درجة حرارة قد تصل لخمس وأربعين، بذلك اللباس، أناس قد إهترأت "عراريق" الدمورية منهم!! وقد يستشهدون لهم بعدل عمر ويمنونهم بدولة عمر!!

وقد لاحظ حامد درار – باحث سودانى فى شئوون الغذاء – أن الصفوة المتعلمة بعد خروج المستعمر قد نحت للتشبه بالمستعمر فيما يخص الطعام فأختفت "الكسرة" من موائدهم وحل محلها الخبز الأفرنجى. ويمكنك أن تقيس على ذلك الملبس والمسكن وما الى ذلك.

وتأسيسا على ذلك، فقد كان من الواضح أن تلك الصفوة "الغردونية" قد خلقت وقتها حاجزا بينها وبين السواد الأعظم من السودانيين، إذ يتأفف السودانيون بطبعهم من مخالطة "الما متلم" فى "البساط الأحمدى" ولكن يقول حسن مكى ويقول غير حسن مكى أنهم كانوا يجدون "لقمة الكسرة" عن الأستاذ محمود محمد طه، أى كان منزله مفتوحا ويجيئه كل الناس بلا موعد. كان الأستاذ يقول أن يوم الويكاب دة يوم عيدنا!!

ودعوة الأستاذ محمود الدائمة لـ "ساووا السودانيين فى الفقر الى أن يتساووا فى الغنى" عاشاها لحما ودما فلم يتميز عليهم فى شىء وقد نعى على رجال الدين تميزهم على عامة الشعب بملبس خاص اتخذوه لأنفسهم بل أنه ذهب ليبين لهم أن ليس فى ديننا شىء اسمه "رجال دين" وانما هذه بدعة أتتنا بعد أن حلت بنا النذارة "لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه!! قالوا: أاليهود والنصارى؟؟ قال: فمن؟؟!!" ولقد تميز رجال الدين عندنا بما تميز به أولئك طمعا فى حظوة دنيوية تميزهم عن سائر الشعب بل أنهم ذهبوا لأكثر من ذلك وتجلببوا للإنجليز بكساوى الشرف التى أنعم بها عليهم لجليل خدماتهم له وقد نعى عليهم الأستاذ محمود ذلك وأسماها لهم "كساوى عدم الشرف"

وقد خرج علينا مؤخرا قنصل سودانى بسفارة السودان بواشنطون مستنكرا كيف أن الفنان السودانى خالد كودى قد رسم لوحات لزعماء سودانيين عراة ولم يكن بين أؤلئك الزعماء الأستاذ محمود محمد طه!! عجبا لهؤلاء القوم فهم وكدهم أن ينفوا عن الأستاذ محمود "الزعامة" وأن يسقطوه من ذاكرة الشعب السودانى ولكن أن يأتى أحد ليبوئى الأستاذ مكانة سامقة يستحقها وأكثر ذهبوا يقولون (ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الـ ....)!! هذا ديدنهم فى الكيل دائما بعدة مكاييل وعهدهم أنهم يطففون الكيل، فالأستاذ محمود لم يجرد من شىء يتدثر به لأنه ببساطة لم يتدثر بشىء لا يستحقه، ومن يطمع فى عراقى وهو يلبس أحسن منه!!! فالأستاذ محمود رجل قد اتسقت سيرته مع سريرته خيرا وبرا بالأحياء والأشياء لذا لن تجد فيه ما يشين الا لمقلة ترى النور ظلاما!!

أولئك الناس الذين تلفعوا للناس بفاخر الثياب إنما تلفعوا بذلك على حساب نساء تأكل لحى الأشجار فى دارفور ورجال تقرحت أكبادهم لأنهم لا يجدون ما يأكلون لذا فهم عراة لأنهم قد تدثروا بدثار غيرهم وأنه "ما أغتنى غنى الا بجوع فقير" وقد طالب الفقراء بحقهم الآن فانتزعوه منهم!! ولكن الأستاذ محمود قد شارك "الفقرا" نبقتهم بل وقد آثرهم بها على نفسه وبه خصاصة ولذا فسيكسوه الناس كساء العز والشرف وقد قال هؤلاء الفقراء:

الناس فى العروض ما تقيسا بى تبانا ما يغرك لباسم والعروض عريانة

============
نقلا عن سودانايل 29 اكتوبر 2007


الأستاذ محمود محمد طه: كل رداء يرتديه جميل
____________

Post: #752
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-25-2008, 00:31 AM
Parent: #751


الامام المهدي والفنان التشكيلي

أجهل بالتاريخ أم جلد للذات بعد الانهيار

د. عبد الله محمد قسم السيد السويد
[email protected]

ليس بغريب في حاضرنا الردئ والغريب أن يطل علينا بين الفينة والأخرى بعض الباحثين عن الشهرة ويطرقون أبواب التاريخ بحثا عن أقصر الطرق لتلك الشهرة فيجدونها في التشنيع بهذا الرمز أو ذاك الثائر وقتل شخصيته بهتانا وكذبا وافتراءا حتى وان مات جسدا. فهناك كاتب الآيات الشيطانية وهناك راسمي الكاريكاتورات وغيرهم ولكن الانسان السوداني المبدع كان بعيدا عن هذا المسلك حتى جاء الفنان خالد كودي في أحدي مؤتمرات جمعية الدراسات بولاية بنسلفيانيا كما يقول الكاتب خالد موسى في سودانايل، لينزع كما يقول ثوب القداسة من القادة في تاريخ السودان. ولكنه في حقيقة الأمر وكما جاء في لوحاته يسعى لهدم أسس المجتمع السوداني وسماحة الروح فيه والتي تقوم عليها أركان الدولة في السودان وبذلك ينهد البيت على من فيه بعد أن انهد في بلاد الصقيع الممثل للرمز والقدوة.

في مقال له عن الفنان التشكيلي خالد كودي الذي يعمل جاهدا لقتل الشخصية القيادية في السودان خاصة المنتمية الى الثورة المهدية بما فيها قيادة تلك الثورة المتمثلة في الامام محمد احمد المهدي، تناول الكاتب خالد موسى اتهامات خالد كودي لثورة السودان الأولى في أفريقيا والعالم العربي وآسيا الصغرى والكبرى بقوله "..وقد أبتدر معرضه الفني بعرض مبتكر رسم فيه القادة السياسيين عراة كما خلقهم الله من الرئيس البشير حتي رافع علم الأستقلال أسماعيل الأزهري، وأستثني من القادة عبد الخالق محجوب ونقد ومحمد عثمان الميرغني ومحمود محمد طه، وأبتدر عرضه مؤكدا أنه يبحث في تعرية التاريخ الوطني، وأنه ينزع بلوحاته ثوب القداسة من الزعماء والقادة الذين خانوا وطنهم وشعبهم..وتوسطت العرض جدارية ضخمة للأمام محمد أحمد المهدي مع عدد كبير من النساء يشاركنه المخدع ويرقدن حوله، وزين الجدارية بأوراق ووثائق من فترة المهدية السابقة..وفي التعريف بالمهدي قال أنه لم يكن بطلا قوميا كما حاول كتاب التاريخ أن يصوروه بل كان خائنا لوطنه ، و كان أكبر تاجر رقيق في المنطقة وأستدل علي هذا الزعم بالوثائق المنشورة في كتابات أبوسليم عن تاريخ المهدية و أملاك بيت المال الذي كان يحتوي علي سجلات بعدد وأسماء الرقيق في زرائب الأبيض وام درمان وغيرهما..وعن وجوه النساء في اللوحة الجدارية قال أن المهدي كان عاكفا علي الأستمتاع بملذاته الحسية وله أكثر من 100 عشيقة ،يتساقطن علي فراشه مثل فراشات النار ..وقال مذكرا أنه أراد فقط تعرية التاريخ الوطني وسحب ثوب القداسة عن أجساد زعمائه وقادته ، وأختتم عرضه بما أسماه النموذج الأمثل للأنسان السوداني وهو أنسان الهامش ..وكل ما عداه هباءا منثورا.[1] هذا النص والذي قال به الفنان خالد كودي لا يحكي فقط عن الخواء الفكري والجهل الفاضح الذي يتحلى به فنان "السودان" بتراث وتاريخ السودان وهو يعمل كما يقول لتعرية التاريخ الوطني ولكنه بجانب ذلك يحكي عن حقد دفين وسوء نية لكل ما ينتمي الى هذا الشعب الكريم الأبي الذي يعمل على تنقية تاريخه. كان على هذا الفنان الجاهل بتراث هذا الشعب أن يقرأ عن ملابسات وأسباب انفجار ثورة السودان بقيادة الامام المهدي وأن يقرأ عن هذه الشخصية الفذة في التاريخ البشري الحديث من ناحية الطهر والنقاء والتقوى. كان عليه أن يقرأ كيف استطاع هذا الثائر كما سماه الكاتب والمؤرخ القدال، وأنصاره أن يزحف نحو الخرطوم وهو ينتقل من نصر الى نصر حتى تحقق له استقلال السودان. أهم النقاط التى احتوتها الفقرة أعلاه من حديث هو قوله لا فض فوه أنه لم يكن بطلا قوميا كما حاول كتاب التاريخ أن يصوروه بل كان خائنا لوطنه، و كان أكبر تاجر رقيق في المنطقة فما معنى الوطنية لديه ان لم تكن العمل الدؤوب المتواصل من أجل الوطن والمواطن وتقديم النفس والنفيس من أجل عزتها وكرامتها؟؟ ومن أين أتى ياترى هذا الفنان بأن الامام المهدي كان أكبر تاجر رقيق في المنطقة. فنهن نعرف من خلال المؤرخين والكتاب وعلى رأسهم المسعدتعمر أن الامام المهدي وأنصاره لم يبخلوا في بذل أرواحهم ودمائهم الزكية من أجل عزة السودان وتحريره من براثن المستعمر الغاصب رغم ترسانته العسكرية وعتاده الحربي التي تغذيها مصادر الامبراطورية البريطانية التي لم تكن تغرب عنها الشمس وتدعمها طوابير الخسة والخيانة.

فهل قرأت يا كلودي قبل أن تصدر اتهامك بخيانة الامام المهدي وعدم وطنيته عن اللوحات الفنية الرائعة التي صورها الكاتب حسن زلفو وهو يتحدث عن فنون الحرب والانقضاض على العدو لدى قيادات الانصار من أهل الهامش من أمثال الأمير عثمان دقنة وود النجومي وحمدان أبوعنجة ومحمود ود أحمد والزاكي طمل والآلاف الذين جندلوا قوات هكس باشا وغيره حتى قطعوا رأس قائدهم غردون وهو الذي يقول عنه الانجليز أنه من أعظم قياداتاتهم في القرن التاسع عشر وأحضر خصيصا من أجل قهر الامام المهدي وأنصاره الأشاوس. هل قرأت لتشرشل الجندي البريطاني وهو شاهد يتحدث عن البطولة والشجاعة والتضحية التي يتحلى بها الأنصار عندما سجلها في كتابه حرب النهر. هل قرأت عن هذه الثورة وقائدها الثائر في ملاحم البطولة التي صورها القدال في كتابة عن لوحة ثائر وهل اطلع على كتبه الأخرى وهو يتحدث عن التنظيم والادارة والتخطيط المالي لدى الامام المهدي ومن بعده خليفته الخليفة عبد الله. هل قرأ عن ورع الامام المهدي وتقوته وهو بين أقرانه في خلاوي القرآن كما صورها يراع المؤرخ محمد ابراهيم أبوسليم. وهل قارن بين هذه الثورة المنتصرة باذن الله مع مثيلاتها في العالم ليعرف أنها ثورة قامت على التقوى والطهر والنقاء والتضحية ونكران الذات وأنها سبقت الثورة التي قادها الرفيق الاله لدى أهل اليسار في أرض الصقيع وهي خاوية من التقوى والطهر حتى في مفهومها غير الاسلامي فانطبقت عليها نظرية الحتمية التي قامت عليها فانداحت وذهب ريحها وانقذفت من قبل أهلها في مذبلة التاريخ في عقر دارها. فما بال الآخرين من أهل الهامش العقائدي والآيديولوجي ولمصلحة من يريدون تعرية تاريخنا حقدا وكذبا وبهتانا وهم يصورون قادة النضال والتضحية عراة وغيرهم ممن لم يعرف لهم نضال كالذي بذله أهل المهدية وما زالوا يبذلون.

أن التيار الفكري الذي يشتم من رؤية الفنان كلودي ما فتئ يمارس الهدم الوطني ويجترئ على الأمام المهدي وأنصاره بعد فشله المتواصل في ابعادهم عن ماضيهم التليد الزاخر بالوطنية والتضحية فجاء هذه المرة ولا أعتقد أن تكون الأخيرة في محاولاته المتكررة، ليغرس خنجر الأنتقام الفني كما يقول خالد في قلب هذه الثورة التي بغيرها لا يوجد وطن ولا مواطن في تاريخنا الوطني. والهدف كما تبرهن الأحدث المعاصرة في الساحة السياسية هز المسلمات التاريخية ومن ثم تفكيك السودان وأعادة تشكيله من جديد وفق بذرة لا تنتمي الى صلب هذا الوطن ولا عقيدته ولا تراثه. ألم تقرأ يا كودي لمحمد ابراهيم نقد وهو يتناول رؤية اليسار في ضوء التراث السوداني وأهمية هذا التراث في البنية الاجتماعية مستقبلا قبل أن يعمل على تعرية تاريخنا كذبا وبهتانا.

هل قرأت يا فنان السودان كودي عن الرؤية الفكرية التي قامت عليها الثورة المهدية كما جاءت في كتابات القدال وأبوسليم وشبيكة والصادق الصديق عبد الرحمن وغيرهم قبل أن تحكم عليه باتهاماتك الباطلة. هل تعلم أن رؤيته تلك قامت معه وهو طفل يقرأ القرآن في الخلوى فيرفض تناول الطعام المقدم من المستعمر لأهل الخلاوي واستمرت الرؤية الفكرية تلك تنمو معه فترافقه في صباه فيبتعد عن الغش والخداع في صيده السمك في النيل. ولما أصبح رجلا كانت رؤيته الفكرية أكثر وضوحا فيما يختص بعلاقة الدين والدنيا وفي وحدة البلاد والعباد فأطلقها تجلجل في الآفاق حينما قال عن السلف الصالحين بأنهم رجال اجتهدوا في التراث الاسلامي والبشري وعلينا كرجال أن نجتهد في تراثنا، فاتجه اليه كل السودان بقبائله المختلفة والمتعددة في جوانبه الأربعة. هل قرأت تلك اللوحة الرائعة التي صورها فرانسيس دينق وهو يصف قيادات الدينكا والجنوب يومئذ وهم متجمعون حول الامام المهدي وينظرون اليه كالاله دينق لديهم في الصدق والعفاف والبذل والعطاء من أجل تحرير الانسان في السودان من العبودية والرق قبل أن تقول بأنه تاجر رقيق. ألم يكن أجدر بك وانت تعمل على اتهام شخص ما بأن تعرف قدر ذلك الانسان قبل أن تصدر اتهامك فما بالك اذا كان ذلك الشخص هو في قامة الامام المهدي الذي ان رفع يدا لم تكن تردها السماء الا مستجابة المطلب وقبل أن ينزلها يومئذ تتجاوب معه في لمح البصر مئآت الآلاف من لا يقيمون وزنا لدنيا فانية ويشترون الموت قبل أن يداس لهم شبر أرض أو تهان لهم عقيدة.

ألا يجدر بالفنان الذي يصور فنه وفق رؤية فكرية ما أن يقرأ رؤية الآخرين ويستوعبها ويقارنها ليعرف مكانة من يريد تعريته أمام التاريخ بما يحمله هو من أفكار ومدى صدق رؤيته تلك في ضوء التجارب التي مرت بها تلك الثورة. فالشيخ محمد احمد قبل أن يصبح المهدي، كان مجددا للمفاهيم الدينية المتعلقة ببناء الدولة الاسلامية في اطارها السوداني. فقد كان مفهومه للدولة الإسلامية في ضوء الفكر الصوفي السائد وقتئذ يستند علي فهم تقاصر عن اللحاق به من أتي بعده ليس فقط في تطبيقه وانما التحديد الذي يحتويه. فقد رفض الإمام المهدي فقه السلف باعتباره اجتهادا توصلوا اليه حسب طبيعة ظروفهم الاجتماعية والزمانية واعتبره غير ملزم له وهو يسعى لجمع صف المواطنين بمختلف قبائلهم من أجل تحرير بلاده وذلك بسبب اختلاف هذه الظروف زماناً ومكاناً. فقد قال الامام المهدي للعلماء الذين حاوروه مستنكرين اعلانه الثورة ضد الحكم الأجنبي باعتباره حكم يقوم علي الاسلام " ولا تعرضوا لي بنصوصكم وعلومكم عن المتقدمين فلكل وقت ومقام حال ولكل زمان واوان رجال "[2] وصف الإمام المهدي لفقهاء السلف بأنهم "رجال ونحن رجال " يحمل المعني التجديدي المطلوب للزمان والمكان . أما عن الوحدة فقد كان السودان عند اندلاع الثورة المهدية ان لم تكن تعرف، تجمعات قبلية تختلف في ثقافاتها وأعراقها وتسيطر عليها قوي أجنبية تعمل علي التفريق بينها كلما دعت الضرورة. لذلك راى الامام المهدي توحيدها لمواجهة المستعمر يتطلب شعارا يرفض التمايز بين الناس على أساس العرق وفي نفس الوقت يؤسس لفكر يرفض قبول الذل والخنوع للحاكم الجائر وان تدثر بالاسلام. لم يكتفي الامام المهدي بذلك بل استفاد من الدور الذي يلعبه الدين في توحيد المجتمع خاصة أن الدين في ذلك الوقت لم يكن مصدر خلاف بين السودانيين.[3] لقد كان الامام المهدي جريئا في عرض ما يؤمن به من أفكار وحاسما ومصادما لكل من يعترض طريقه وهو يعمل على تطبيقها. تتمثل هذه الجرأة في رفضه العلاقة بين رجال الدين والدولة التركية حين رفض المساعدات التي تقدمها لرجال الدين مثل الطعام باعتبار أنه طعام غير شرعي يأتي من دولة غير شرعية. كما يتمثل الحزم في مخالفته وانتقاده لشيخه محمد شريف في حادثة ختان أبنائه متهما اياه بانه من اهل الدنيا ولا يعمل من أجل الدين. وهو بهذا الرفض لمساعدات الدولة ولنقده لشيخه وايمانه العميق بوطنه بجانب توحيده لقبايل السودان ضد الحكم الأجنبي يعتبر" قائدا ثوريا يملك مؤهلات (عصره) واستطاع أن يجسد الوعي الاجتماعي والسياسي وكيفهما في اطار الايديولوجية المهدوية التي استطاعت ان تحث انقلابا نوعيا في آلية الحكم ومنهج التشريع"[4]هل قرأت لعلي عبد الرازق وهو يتجدث عن الخلافة الاسلامية عام 1926 وهوخريج الأزهر لتدرك أن ما أتى به من أفكار حول الخلافة الاسلامية أن الامام المهدي خريج الخلاوي السودانية قد سبقه في رؤيته للخلافة بأكثر من أربعين عاما وقال بعدم وجودها في الاسلام. وأنه أي الامام المهدي كان أكثر صلابة وأقوى عزيمة وشكيمة حين أردف الفكر بالعمل وحارب الحكم التركي وذيله في مصر والمندثين وراءهما من بريطانيين فكان السيف في يده ويد أنصاره أصدق انباء من الكتب وكان في حده الحد بين الاستغلال والاستقلال. فأي خيانة تقصد هل لأنه حارب الترك والخديوية أم لأن صقره في الشرق عرى بعضهم وهزمهم شر هزيمة وهم يقدمون كل معلومة للمستعمر الأجنبي؟؟؟؟!!!

لقد استخدم الامام المهدى الدين من أجل تحقيق أهدافه الوطنية وهو أمر طبيعى ومقبول في ذلك الوقت ولكنه لم يستخدم نصوصه المتعلقة بالمعاملات كنص جامد كما لم يستخدم شروح وتأويلات السلف كأمر مسلم به لا يأتيه الباطل مثل النص العقائدى. أخذ الامام المهدي من التراث والنص الديني ما يواكب ويعاصر زمانه وترك غيره مما يتعارض مع ظروف السودان الاجتماعية أو كما قال فهم رجال اجتهدوا فى النص ليواجهوا به حياتهم وهو اجتهد فى النص أيضا حسب حياته وظروفها. بمعنى آخر فان التراث الثقافى للمهدية كان امتدادا لمحاولات دولة الفونج فى خلق اسلام له طابعه السودانى المستند على دولة لها رموزها وأيديولوجيتها النابعة من الذات السودانية.أما مدخل الإمام المهدي في توحيد قبائل السودان في بداية دعوته فقد كان اللجوء إلى قبائل غرب السودان والتزاوج منهم باعتبار أن للزواج وقتئذ قيمة اجتماعية تتخطي الرجل والمرأة لتمتد عبر أسرتيهما إلى كل القبيلة وتلزم الجانبين بالمساندة والتضامن. فالامام المهدي لم يكن زير نساء كما تقول ولكن همه على بلده أكبر من أن تستوعبه عقلية مريضة لا ترى في المرأة الا ما يراه الحيوان بين رجلي الأنثى من نوعيته. لقد تزوج المهدى من كثير من قبائل السودان بهدف التقارب من جهة واضعاف روح العداوة والبغضاء بين القبائل من جهة ثانية. فمثلا تزوج الامام المهدي أولى زوجاته بنت عمه فاطمة من الدناقلة وأنجبت له نورالشام وأم كلثوم وعائشة ونفيسة وتزوج من الجزيرة فاطمة بنت أحمد شرفى وأنجب منها محمد الفاضل والبشرى وذينب وبعد وفاتها تزوج أختها عائشة وأنجبت له الكامل وتزوج النعمة بنت الشيخ القرشى وأنجب منها على وتزوج من فاطمة بنت حسين من تشاد وأنجبت منه الصديق الذى توفى مع الخليفة عبدالله فى أمدبيكرات وتزوج من الفلاته عائشة بنت ادريس وأصلها من الفولانى أتباع الشيخ عثمان دان فوديو ومن النوبة تزوج قبيل الله وأنجب منها نصرالدين ومن الفور (الدينكا) مقبولة وأنجب منها السيد عبد الرحمن ومن الدينكا أيضا تزوج نحل الجود وأنجب منها الطيب والطاهر.[5] بذلك يكون الامام المهدي قد تزوج من الدناقلة في الشمال ومن الجزيرة بوتقة انصهار قبائل السودان في الوسط ومن الفلاتة الفولاني والبرنو والفور في غرب السودان ومن الدينكا في جنوب السودان. هذه الزيجات المتعددة أفقيا والعميقة الأثر فى النفوس كان لها دور عظيم فى تكاتف "أولاد كل البلد" ما عدا قلة قليلة تمثلت في قيادة طائفة الختمية والتابعين لها. هذا التكاتف مع الامام المهدى كان يهدف الى تحرير السودان وارجاع السيادة فيه الى السودانيين بمختلف أعراقهم وثقافاتهم أولا ثم الدفاع عن الدين كرمز للأخلاق والفضيلة ثانيا وهو ما لم يكن ممكنا ان لم يتم تحرير السودان.

ان تاريخ السودان لم يجد طريقه الى عقول الشباب في السودان فالحكومات الاستعمارية كان هدفها طمس الشجصية السودانية وابعاد روح المقاومة فيها كما أن الحكومات الوطنية المتعاقبة بما فيها تلك المحسوبة على الثورة المهدية فقد تجاهلت ذلك التاريخ باسم التوجه القومي تارة وبالاهمال المتعمد في أغلب الأحيان. لهذا فلا غرابة أن يقول قائل ما قيل في تلك الندوة النشاذ ويعرض في ذلك المعرض ما يتنافى مع الخلق الانساني عامة والخلق السوداني خاصة والذي انكره الغريب قبل الحبيب.

خالد موسي دفع اللهwww.sudaneseonline.com , 2007-10-27 دفن الآباء أو الانتقام الفني من صورة الأمام المهدي

[1]

[2] منشورات الإمام المهدي .

[3] للمزيد عن الفكر المهدوي انظر محمد ابراهيم ابو سليم الحركة الفكرية في المهدية مطبعة جامعة الخرطوم ط1، 1970و عبدالله علي ابراهيم الصراع بين المهدي والعلماء دار نوبار للطباعة، القاهرة 1994

[4] أحمد ابراهيم ابو شوك منهجية التشريع المهدوي في السودان (1881-1885) كتابات سودانية. مركز الدراسات السودانيةالعدد 7 مارس 1999 القاهرة ص.ص 16-19

رباح الصادق نساء أمدرمان 1995 مرجع سابق ص ص 33-34 الجدير بالذكر أن رباح حفيدة المهدى وبنت الصادق المهدى[5]

Post: #753
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-25-2008, 02:45 PM
Parent: #1


اضمحلال المعرفة

عدنان زاهر
[email protected]

نشرت صحيفة الشرق الأوسط اللندنية قبل عدة اسابيع موضوع يتعلق بالمعرفة فى السودان، و كان بعنوان "ثورة فى النشر تراجع فى القراءة - شذى مصطفى". الموضوع يتحدث عن تمدد مستبان و ملاحظ فى آليات النشر و الطباعة، يقابله انكماش و تراجع فى الاطلاع و القراءة.جاءت تلك النتيجة او الاستنتاج فى فقرتين من ذلك المقال و للفائدة اوردهما هنا ( فى الثمنينات كانت هنالك 186 مكتبة و الآن تقلص العدد ليصبح سبع مكتبات فقط فى الخرطوم. و تعتمد دور التوزيع على المعارض و الملفات الثقافية فى الصحف). فى ذات المقال أجاب صاحب احد دور الطباعة و هو يشير الى ابتعاد المواطن السودانى و عزوفه عن الكتاب ( أعلى نسبة طبع كتاب صدر حتى الآن لاتزيد عن 1000 نسخة ).

المقال رغم تمخضه عن تلك النتيجة و اجراءه مقابلات مع بعض الشحصيات التى تعمل فى مجال الثقافة، الا انه لم يورد الاسباب التى ادت الى تراجع الاطلاع و بشكل كبير عما كان عليه فى الماضى. لاهمية الموضوع و لارتباطه بتطور السودان المستقبلى، احاول تناول بعض من تلك الاسباب فى هذا المقال.

هذه الاحصائيات التى تتحدث عن تدنى الاطلاع رغم ازدهار النشر لا تدعو فى واقع الامر للدهشة رغم التناقض الشكلى الواضح، بقدر ما هى تدعو للأسف و الحزن و الانقباض.

فى تقديرى و كمدخل لمناقشة الامر من زواياه المتعددة، لابد من العودة بخفة الى التاريخ ، باعتبار ايراد بعض حقائقه تعكس و توضح لما آل اليه الوضع فى الحاضر. أشتهر السودانيون فى الماضى بولعهم بالقراءة و الاطلاع، يقابل ذلك قلة فى التوثيق، الكتابة ثم النشر. ساتناول الشق الاول المتعلق بالعزوف عن القراءة و العودة مستقبلا للكتابة عن الشق الثانى. أزعم ان الميل المبكر للشعب السودانى للقراءة نتاج لاسباب تاريخية، سياسية، اجتماعية و ثقافية تتداخل و تتقاطع و تتمثل فى الآتى: 1- طلائع المثقفين الوطنين قد توصلوا مبكرا ان من أهم ادوات منازلة المستعمر و الانعتاق من الاستعمار، هى المعرفة بفروعها المختلفة الموجودة فى باطن الكتب او تجارب الشعوب و بديهى كان أيسر السبل اليها فى ذلك الزمن الاطلاع .

2- مناهج التعليم فى الماضى رغم قصورها لكنها كانت تميل نحو المعرفة وتدفع للتقصى.

3- توقير المجتمع فى ذلك الزمن للمعرفة و الاحتفاء بحملة مشاعلها.

4- انتشار اماكن المعرفة من مكتبات فى المدارس ، المكتبات العامة ومن ثم الدور الثقافية.

5- الانفتاح المعرفى و العقلى لدى العامة لمعرفة ثقافة الاخرين و اخذ ما هو يتوافق و تطور المجتمع مع نبذ التعسف و الجمود.

6- الوضع الاقتصادى كان يساعد كثيرا فى امكانية اقتناء الكتب.

تلك كانت أهم السمات التى جعلت السودانى يلتهم الكتب و يداوم التسكع بالمكتبات و دور المعرفة عموما. فى تقديرى أن العد التنازلى ، انحدار مؤشر القراءة والبعد عن اصطفاء ا لمعرفة قد بدأ مؤشره فى التراجع المنتظم فى اواخر عهد نميرى، و يمكن أن يؤرخ لذلك باغتيال المفكر محمود محمد طه و سن قوانين سبتمبر المسماة اسلامية. كان ذلك العهد بداية النكوص المعرفى و الهجمة ضد الفكر و المفكرين عموما. أدخل المجتمع السودانى فى نفق مظلم ذو اتجاه واحد لا يسمح بالتعايش مع الثقافات الاخرى ، زاد الامر بؤسا الوضع الاقتصادى المتدهور.

أكتمل ذلك الابتزاز المعرفى، وفرض ستار من العزلة بقيام سلطة الانقاذ التى قامت بتدمير كل منجزات الشعب السودانى، باعتبارها نتاج لمجتمع جاهلى و كان رأس الرمح مكرس و موجه بشكل واعى نحو المعرفة و أدواتها واماكنها.

منذ بدايات ذلك النظام عكف اعلامه و بشكل دؤوب و مثابر، مؤكدا بأن كل المعرفة تنحصر فى خياره الحضارى الاسلامى، و هو البديل لكل المعارف الانسانية الاخرى. ذلك الطرح و بذلك الشكل كان يعنى و بطريق غير مباشر ان الاطلاع و التوغل فى المعارف الانسانية الاخرى هو مضيعة للوقت و تبديد للجهد.

تزامن كل ذلك مع آلة اعلامية مقرؤة و مسموعة - اقصي منها اى فكر مغاير- تروج لتلك الوجهة. هوجم الادباء و المفكرين السودانين وغير السودانين بابتذال و دون علما ومن غير دراية، ابتداءا من الطيب صالح و رائعته " موسم الهجرة الى الشمال" ، و انتهاءا بنجيب محفوظ و سفره " اولاد حارتنا".

أشهر سلاح التكفير لكل رأى مختلف او اعتراض فكرى لما هو جارى. عبث بمناهج التعليم و تم تحويرها و تغيرها بما يتناسب و الطرح الجديد. أبعد عنها كل ما يحض على التفكير و احكام العقل او يحبذ روح التقصى و البحث. ذلك الاسلوب ترك الناشئة فى العراء دون دثار، عرضة للافكار المنغلقة و المتحجرة. بالطبع أشاح اولئك الناشئة بوجوههم دون وعيا و تدريجيا عن الاطلاع و القراءة، و من ثم تم الاتكاء على الاجابات الجاهزة والمسلم بها فانعدم الابتكار و الابداع.

أقفلت بتشفى المؤسسات و الدور الثقافية و دور الصداقة مع الدول الاخرى مثل " المركز الفرنسى، جوته، المركز الروسى.....الخ" فحجبت بغطاء كثيف نافذة كان يأتى منه كثير من الضياء.

تلك الدور كان كثير من الاشعاع يأتى من خلال مكتباتها المتنوعة ، كانت مركزا لتعلم اللغات و اكتشاف ثقافات الشعوب الاخرى.

اقفلت المكتبات العامة على قلتها، رفع عنها الدعم المعنوى و المادى لتموت "اكلنيكيا" و تتناثر و تتلاشى مع تأثيرات الزمن. توقفت الندوات و المهرجانات الثقافية التى كانت تقوم دوريا.

ذلك الهجوم على الطرح التنويرى و الافكار الجديدة أدى الى احجام كثير من الاقلام عن الكتابة و ابتعادهم عن ساحات الفكر. ذلك الاحجام أدى الى انعدام مصدر كان ضروريا و مهما لاغناء الفكر و المعرفة.

الفصل التعسفى و الاحالة الى الصالح العام ، ركز و استهدف بعدسة مكبرة مجال التعليم. احيل الى الصالح العام كل المعلمين الذين يحملون بذرة من الثقافة الانسانية و استعيض عنهم بالمنغلقين ضيقى الأفق، بل احيانا تركت اماكنهم شاغرة. نتيجة لتلك المذابح تدنى مستوى المعرفة فى كل مراحل التعليم من الابتدائى حتى الجامعى و خيم الجهل المستور و غير المستور.

الهجرة الضخمة للسودانين الى خارج الوطن، تفاديا للاضطهاد او البحث عن لقمة عيش كريمة، التى شملت كل مناطق السودان. تلك الهجرة تركزت بشكل أساسى على متوسطى الاعمار، فانقطع تواصل الاجيال فى تلك المناطق وكف انسياب نهر من المعرفة كان يجرى و يخصب المنتديات العامة ملتقى الجمع .

ضرب ستار من الرقابة البوليسية على الكتب ، فرضت الجبايات المختلفة على المتعاملين بها بشتى المسميات، فارتفع سعر الكتاب ليصبح حلما لمن أراد اغتناءه.

توج ذلك الكم من المعيقات و الحواجزالوضع الاقتصادى المأزوم، الذى جعل الناس يعيشون فقرا مدقعا، لتصبح الخيارات بين الضروريات كالمدية القاطعة. عندما يصبح الخيار شراء دواء، رغيف لمواصلة الحياة او بين شراء كتاب، يصبح ضربا من العبث و عدم الجدوى الدعوة الى القراءة.

تلك فى تقديرى حيثيات متناثرة للاسباب التى أدت الى تراجع و تدهور الاطلاع فى السودان، و غنيا عن القول، ان العودة الى ازدهار الاطلاع و بهاء القراءة رهين بزوال تلك الاسباب!



عدنان زاهر

30-10-2007

Post: #754
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-25-2008, 03:08 PM
Parent: #1



اسطورية الزعماء في السودان (طبقات ود ضيف الله نموذجاً)

كتب الدكتور غازي صلاح الدين موضوعاً بعنوان: (قراءة سريالية لعالم ود ضيف الله) وذلك لانه كان يريد تحت عنوان جانبي (صورة الزعيم الخارق) ان يناقش فكرة الزعامة في ثقافتنا السودانية وكيف انها تتحول إلى اسطورة في فضاء وجداني وفكري مسحور. وقد ذهبنا لعدد من المثقفين السودانيين مستطلعين آراءهم حول ما طرحه الدكتور غازي صلاح الدين.
وكتاب الطبقات لصاحبه المؤرخ الصوفي محمد ود ضيف الله سفر في التاريخ الاجتماعي والنفسي للشخصية السودانية الاوسطية، وقد اثار الكتاب كثيراً من الجدل والنقاش بين الباحثين والدارسين في تاريخ الصوفية فاحتدم الخلاف بينهم حول بعض ما حواه الكتاب من معلومات واحاديث وانساب، فاتهم جماعة منهم مؤلف الطبقات بالتحيز ورماه آخرون بعدم الدقة في تحرى الحقائق وخاصة ما تعلق بسيرة رجال الطرق الصوفية وانسابهم ومجريات الاحداث في حياتهم وما جاء فيها من معجزات وكرامات.
المحرر
----------------

من مبالغات الاتباع:
المفكر والكاتب الإسلامي الدكتور حسن مكي: يرى ان صورة الزعيم الخارق ونظرة الناس لها من مبالغات الاتباع الذين لايرون شيوخهم مثل سائر الناس بل فوق الناس فهم يعرفون الغيب، ويداوون المرضى ويشفون الجرحى ويطلقون عليهم صفات تتعامل مع اشواقهم وتطلعاتهم للخروج من الواقع المؤلم.
ويضيف د. حسن مكي: ويظهر هذا التمجيد والاحاطة بهالة من القداسة والاسطورية في الانتخابات السياسية فالاتباع يرون في السيد عبد الرحمن قائداً بقدرات المسيح والمهدي هو المخلص والمنتظر ويرون في السيد علي سيد الاولياء وصفوة الزمان.
وان كان بعض الناس يعيشون على هامش العقلية الخرافية ويعتقدون في تحقق الاشياء عن طريق الدجل والشعوذة الآن العقلية السودانية لم تعد خرافية الى هذا الحد، واصبحت النظرة موضوعية إلى حدٍ ما للقادة والزعماء.

حدث عادي!
الاترى ان عودة الميرغني للسودان ما اثير حولها وقبلها من ارهاصات وتبشير وزخم إعلامي نوعاً من محاولات رسم ملامح الصورة لزعيم خارق؟!
يقول د. حسن مكي: إن هذا محاولة لإظهار ان عودة الميرغني نفهسا انجاز واعجاز باعتبار ما صاحبها من معاناة كبيرة، وما سبقها من لقاءات واتفاقات سياسية تخلو من الضمانات إلا ضمانات الخصوم وان كانت هذه العودة للكثيرين لا تعدو ان تكون مشروعاً عادياً ليس فيه كرامات أو مبشرات فالمسافة من مطار القاهرة - مقر الميرغني - للخرطوم لا تستغرق سوى ساعتي طيران.
وفي رأيي ان الحديث عن وضعية الميرغني البروتوكولية وزعامته الروحية لم يأت بجديد، فعودته ليست مثل جون قرنق مثلاً الذي جاء بضمانات ولتحقيق وفاق داخلي، ومثل هذا يتم التعويض عنه بما اثير حوله من هالة إعلامية، لا تعدو ان تكون حدثاً عادياً.

قداسة دينية وليست سياسية
الدكتور عبد الله حمدنا الله: عميد كلية الآداب بجامعة افريقيا العالمية سألته عن اسطورية الزعامات في السودان من خلال قراءة لكتاب الطبقات.
يقول الدكتور عبد الله: كتاب الطبقات تناول بصورة اساسية الحياة الدينية في عهد دولة الفونج، وفي ذلك الوقت لا نجد قداسة للزعماء على المستوى السياسي، بل كانت على المستوى الديني والعلمي والصوفي، حيث كان الشيخ او الفقيه يجمع كل صفات القيادة الدينية والدنيوية، فشيخ التصوف هو عالم الدين وهو شيخ القبيلة وقائدها، والصورة الخارقة للزعيم تأتي من هذا المنطلق.
ويوضح د. عبد الله قائلاً: إن النظر للقيادة على مستويات فالمستوى الديني غير القبلي وغير المستوى السياسي والشخصية السودانية تأسست على هذه النظرة، فأصبحت الصورة المتخيلة للذهنية السودانية صورة لعالم مُخلص قادر على قضاء حوائج الناس، فلما وجدوا الإمام المهدي متصفاً بالصفات العلمية والقيادة الدينية تحلقوا حوله وآمنوا به.
ويستطرد د. عبد الله قائلاً: بعد ذهاب الاتراك ووفاة المهدي اراد الاستعمار ان يستبدل العقلية الصوفية بالعقلية العلمية، لكنه لم يفلح وعاد للاستعانة برجال الصوفية وبالبيوت الدينية الكبيرة لما لها من دور دنيوي مؤثر وإرث طويل في الثقافة السودانية والشخصية السودانية.

عرفتها المجتمعات والاديان
الكاتب الصحفي والباحث في القرآن الصوفي وصاحب كتاب (السرانية): (مقال في عقيدة أهل الباطن) ميرغني أبشر يرى ان صورة الزعيم الاسطوري او الخارق منطلقها من البعد الديني وهذا يبدو ظاهراً في كل الاديان وضعية أو سماوية وهي ايضاً حالة البشرية، فالمجتمعات الانسانية منذ نشأتها تنشد فكرة (السوبرمان) وتحاول خلقه وتوخيه من خلال تجسيده على بعض شخصيات دينية أو سياسية، وعليها تستند فكرة المخلص أو المهدي المنتظر، وقد احدثت في تاريخ السودان السياسي ظاهرة الإمام المهدي التي تجسدت في حفيده الصادق المهدي وفي الطوائف الدينية والعقائدية فعند الختمية مثلاً ينظر للسيد محمد عثمان الميرغني بأنه قر الزمان وسيد المشهد، فالفكرة إذاً متجذرة في الوعي الصوفي السوداني وكذلك في المجتمعات الغربية فمجموعة الصقور في البيت الابيض لديها رؤى قدسية لبعض الشخصيات فهم يعتقدون ان المخلص من بينهم.
ويواصل ميرغني أبشر قائلاً: مؤخراً برزة فكرة ظهور المخلص في صحيفة سودانية عبر اطروحات لشيخ خلاوي الزومة تنبئ عن ظهور (فتى النيل) الذي يبايع له بالتراضي ويشير في ذلك إلى الرئيس عمر البشير.. كذلك الصحفي الشهيد محمد طه محمد أحمد أشار في بعض مقالاته الى ظهور مخلص بعد ثلاث سنوات من ظهور الشيخ حسن نصر الله.
ويؤكد أبشر ان للصحافة والإعلام دورهما في تجذير هذه الرؤى لتمجيد وقداسة زعامات دينية وسياسية، ويعتبر مثل هذه الافكار تلعب دوراً ايجابياً في تقوية العزائم وتعزية البؤساء ونشدان الخلاص ودوراً سلبياً في تعليق كل الحلول على شماعة انتظار المخلص.

العاجز يتطلع للمنقذ
د. ناهد محمد الحسن متخصصة في الطب النفسي ولها دراسات وبحوث حول خصائص وملامح الشخصية السودانية منشورة عبر عدد من الصحف السيارة سألتها عن النظرة الشخصية السودانية للزعامات الدينية والسياسية واحاطتها بهالة من القداسة والتمجيد وجذور هذه النظرة: تقول د. ناهد: في قراءتي للشخصية السودانية والمقاربات التحليلية التي اجريتها لايجاد ملامح وخصائص هذه الشخصية خلصت الى انها شخصية تم قهرها بشكل تاريخي الي اليوم، غارقة في بؤسها وعجزها وكآبتها، ولم تجد وقتاً لترتق ذاتها لتكون شخصية سوية، لذلك تتطلع دائماً إلى بطل خارق ينقذها ويخلصها من الشقاء فتضفي عليه هالة من القداسة والاسطورية وقد يكون هذا الشخص بالفعل ذا شخصية قيادية كاريزمية. هذا ملمح نفسي فالشخص العاجز امام قوى الطبيعة ومتطلبات الحياة والاوضاع التي يعيشها يتطلع دائماً إلى شخص عظيم ينتشله من شقائه وبؤسه، وهذا في كل المجتمعات التي تعاني من قهرها وفشلها وليس المجتمع السوداني فحسب.
هل تعتقدين ان مؤلف الطبقات استفاد من جهل المجتمع في ذلك الوقت الذي كان من السهل عليه تصديق الكرامات والمعجزات التي نسبت لبعض شخصيات الكتاب؟
تجيب د. ناهد بقولها: بغض النظر عن ان هذه الكرامات متخيلة أو حقيقية، إلاَّ ان كتاب الطبقات يعد أول كتاب توثيقي تحليلي لطبقات المجتمع السوداني، وهو تداعى طبيعي محدد للسياق التاريخي الذي عاش فيه ود ضيف الله في وقت سيطرت فيه الكرامات والمعجزات على العقلية السودانية، لذلك من الصعب اتهام الكتاب بتوظيف ثقافة المجتمع من أجل تغييبه أو خداعه.
وتعتقد د. ناهد ان الخراقة والاسطورة في ذهنية غير علمية وغير نقدية من الصعب جداً ان تفرق بين الخطأ والصواب دينياً وثقافياً.
وتواصل د. ناهد توضيح الفكرة بقولها:
فكرة المخلص موجودة في غير المجتمعات الاسلامية فالدكتور ريك مشار القيادي بالحركة الشعبية هو اسطورة عند النوير، وعودة جون قرنق للسودان بعد سنوات كانت تمثل للملايين التي استقبلته حلماً طال انتظاره، والبعض يتنبأ بان عودة الميرغني ستحدث تحولات كبيرة في تاريخ السودان وتكشف ضبابية الخارطة السياسية السودانية، فالميرغني عند جمهوره المتصوفة سليل اسرة صوفية قديمة وجده مذكور في الفتوحات المكية، ولدى الجمهور السياسي يعتقدون ان عودته يمكن ان تحدث تحولات في مرحلة والبلاد مقبلة على انتخابات وتحول ديمقراطي، وتحالفات جانبية.

شخصيات اسطورية
د. عزالدين بين الباحث في ملامح الشخصية السودانية يرى ان الشخصية السودانية لم تتبلور ملامحها بعد ولم تتفق على زعيم واحد ترى فيه الخلاص والانقاذ فالمهدي نفسه كان بعض أهل السودان يشككون في مهديته، وفي وقت ما كان أهل بحر الغزال ينظرون للزبير باشا على انه مخلصهم، وكذلك رؤيتهم للسلطان علي دينار، والاستاذ محمود محمد طه عند الجمهوريين من اتباعه هو الذي يدرك الكثير من كنه الاشياء غير المدركة ويعتقد عمر القراي ان محمود محمد طه افتدى السودان بنفسه وبدلل على ذلك بقيام الانتفاضة بعد ثلاثة شهور من اعدامه.

http://www.rayaam.sd/News_view.aspx?pid=146&id=10032
_________________

Post: #755
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-25-2008, 03:51 PM
Parent: #1


سقوط المثقف

د. وول عبدون
[email protected]

19 نوفيمبر 2007

"كن جريئاً في إعمال عقلك" هذا هو شعار التنوير. و من هذه الزاوية يقال عن العقل أنه عقل مستقل، واستقلال العقل يعني أنه عقل ناقد، وهذا هو السبب في تعريف التنويرللفلسفة بأنها" العادة المنظمة للنقد

"إمانويل كانط"



مقدمة

• يعتبر المثقف من أهم ركائز التغيير في أي مجتمع أودولة، وفى مساهماته يكمن سر أستمرارية التطور والتغيير فى الدول الحديثة،نسبة لما يحمله المثقف من زخائر فكرية ومعرفية ومقدرات هائلة علي عمل موازنات مختلفة بين عناصر التطور و التغيير المجتمعى.

• ووفقاً لأهمية المثقف نجد كل قطاعات المجتمع والدولة فى المجتمعات الحديثة قد أفردت لها دور,حيث نمت الحاجة إلى العناية بالمثقف وما يتعلق به بدءاً بتوفير مناخ الحريات البحثية وتمويل و أنشاء معاهد بحثية تهتم بتجميع مساهماتهم وتوظيفها لخدمة العلم والتطور.

• أن الثقافة التى تربينا عليها فى قراءة الكتاب المنهجى بالمدارس والجامعات لا تتعدى تقنياتها سوى ثقافة الحفظ والأجترار لأجتياز الأمتحانات للحصول على الشهادات ووظيفة للعيش , كما أنها لم تكن فى ميكانيكيتها دراسة لترويض متلقيها على أثارة الأسئلة المنطقية ,أذ لم تغرس فينا أى رغبة للحاجة للبحث و التحليل , وربما السبب فيها يعود الى عامل التنشئة الأجتماعية وعامل العشائرية القبلية كسبب مضاف الذى لا نحب أن نستسيغ سماع من يتهمنا بها خوفاً أن يفتىَ فى حقنا بالخروج عن القيم والتى تعمق من سلطة شيخ العشيرة ومصلحته شبه العضوية المرتبطة بالمؤسسة الدينية .

الفصل الأول

أهداف الورقة :

تهدف هذه الورقة إلي دراسة ظاهرة المثقف الدينى (المثقف الأسلامى كنموذج) ودوره الأيجابى فى عملية التغيير المجتمعى و مقاومة خطر الانزلاق الأيديولجى والريئى, وبالتالي ضمان تقديم عصارة جهده الفكرى والمعرفى وذلك من خلال آلاتي:-

• الإهتمام بالمثقف الدينى والدور الذي يلعبه في تطوير المناحى الحياتية المختلفة (السياسية- الأقتصادية – الأجتماعية –الثقافية ...الخ ).

• إظهار مردود المثقف الدينى على السلطة والمجتمع واثره على التغيير المجتمعى.

• تحقيق أستقلال المثقف الدينى و التوازن بين السلطة والمثقف الدينى .

فروض الورقة :

تهدف هذه الورقة لإختبار الفروض التالية:-

• المثقف الدينى يساهم في التغيير المجتمعى .

أسئلة الورقة :

• هل ساهم المثقف الدينى فى العالم الثالث فى عملية التغيير المجتمعى؟

• الى أي مدي استفادت المجتمعات فى دول العالم الثالث من مثقفيها الدينيين؟

سنحاول في هذه الورقة الإجابة على هذه الأسئلة مستخدمين الفروض أعلاه وقبلها سأتجاوز التعريفات الى الأهتمام بالمفهومات ( مفهوم السلطة و مفهوم المثقف) حتى لا أقع فى شرك الأخطاء الصياغية .

الفصل الثانى

مفهوم السلطة:

يرتبط مفهوم السلطة بالحكم والحاكم والفئة الحاكمة أوالسلطة التنفيذية. وقد تكون السلطة وراثية أو قائمة على الشورى. كما تكون ديكتاتورية مطلقة أو ديمقراطية أو أرستقراطية أو تيوقراطية أوبيروقراطية أو أوليغارشية (حكم الأقلية). وغالبا ما تغلف هذه السلطة بقناع الإيديولوجية والديماغوجية والاعتماد على القهر والتسلط والتجبر والتحكم في رقاب العباد قسرا وجبرا. ومن ثم، تعرض علاقة الحاكم بالمحكوم أو السلطان بالرعية على محك النقد والتنظير، فتنشأ الآداب السلطانية أو السياسة الشرعية التي تهدف إلى وضع شرائع ودساتير سواء أكانت عرفية أم مكتوبة أو سواء كانت جامدة أم مرنة من أجل تقنين سلطة الحاكم والمحكوم في إطار الحقوق والواجبات. وعندما تسيطر الفئة الحاكمة بالتعيين أوبالاختيار أو بالأنقلاب فهي التي سيكون لها الحكم والقرار في تسيير شؤون البلاد إما بطريقة ديمقراطية أو استبدادية تعسفية تستند إلى الشطط والقهر والقمع والتعذيب وكبت الحريات والنفي والاعتقال ومصادرة حقوق الإنسان وأملاكه.أيضا " كلمة ((الجامع)) فى الأسلام ,صيغة أخرى من صيغ السلطة الجماعية .أنه مقر مفتوح فى كل محلة .يرتاده الناس خمس مرات فى اليوم. لهم حق الأجتماع فيه ,حتى خلال ساعات حظر التجوال .تحت سقفه مكفولة حرية القول ,وحرية العقيدة ,وسلطة الأغلبية ...الخ.

مفهوم المثقف الدينى :

إن الشكل الميتافيزيائى هو المرتكز الذى يحدد هوية المثقف الدينى الخاصة ,حيث يتمثل بظاهرة الوحى و النص ,لكنه فى نفس الوقت ليست فى خلو عن سائر النزعات المعرفية ,ففى الغالب يقوم هوية المثقف الدينى الملتزم على مزيج من العلموية التى تستند على حقائق العلم وأعتباراته , والعقلانية التى تتمثل بالأنشداد الى منطق العقل فى محاكمة القضايا العامة ,وهذه لا يعفى المثقف الدينى من النزعة اللا عقليه لوجود جانب غرائزى مظلم (حيوانى) فى النفس البشرية بل انه أى المثقف الدينى يحاول دائما مقاومة هذه الغرائز بتحاشى تحول عقله الى مطية لهذه اللامعقول كما يقول الأمام الغزالى فى مرحلته الصوفية ,"أنه يتحتم على المسلم البحث عن الذات الألهية بالتغلب على الحواس والسيطرة على الغرائز".فى واقعنا الأفريقى و العربى والسودانى بصفة خاصة هناك صنفين من المثقفيين الدينيين أولهما صنف لا يعتمد على منطق التفكير العقلى بقدر ما يعتمد على دواعى الحدس و الوجدان والزرائية كجانب مكمل, الصنف الآخر من المثقفين الدينيين الذى يمكن أن أسميهم صنف الملتزم يعتمد على الحدس و الوجدان بقدر ما يعتمد على التفكير العقلى مثل الأمام الغزالى و الشهيد داؤود يحى بولاد." كم يقول شيخ المتصوفة أبوالقاسم محمد بن الجنيد الخزاز ,بأن مهمة المسلم الحقيقى هى البحث عن الحقيقة الروحانية الخالد".

فى كتاب محنة المثقف الدينى مع العصر يرى صاحب الكتاب أن للمثقف الدينى مفهوم ينطلق من ثلاث خلفيات متماسكة ومتشابكة :

o الخلفية الأولى الدين مرجعية فكرية وتشريعية وأخلاقية ينطلق منه المثقف وينتظم فيها ويتحاكم إليها . ويرى أن المرجعية إنما تتشكل على أساس العلم والمعرفة الواسعة والعميقة, وبدون هذه المعرفة, وبهذا المستوى لا يتحول الدين إلى مرجعية عند المثقف, كما أن الدين لا يمنع الإنسان في أن يكون مثقفا.

o الخلفية الثانية أن الثقافة لا تتصادم مع الدين وبالتالى لا ينبغى التخلى عن أحدهما كشرط للتمسك بلآخر. وقد توحدت العلاقة بين الثقافة والدين مع أول آية نزلت من القرآن الكريم, وهي آية (اقرأ) التي ترمز إلى العلم والمعرفة والثقافة, وتتسع باتساع الخلق (اقرأ باسم ربك الذي خلق). والقرآن الكريم الذي يحرض على النظر في سيرة السابقين, ويجعل من الحكمة ضالة المؤمن, فهذا يعني أن الدين ليس بديلاً عن الثقافة, لأنه لا يلغي التراث الإنساني, ويعترف بدور العقل, كما أن الثقافة ليست بديلاً عن الدين.

o والخلفية الثالثة, هي أن الدين لديه القدرة على مواكبة العصر, والتواصل مع حركة العلوم والمعارف, والاستجابة لمتطلبات المدنية والتقدم, وهذا يعني أن الدين لا يحجب عن المثقف مواكبة العصر, أو التواصل مع حركة العلوم والمعارف. ومن بعد آخر فإن مفهوم المثقف الديني يتضمن دعوة إيجابية إلى من ينتمون للدين, ومن ينتمون إلى الثقافة, فمن ينتمون إلى الدين والمتمثلون في رجال أو علماء الدين, فإن هذا المفهوم يدعوهم إلى الخروج عن الانغلاقات الدينية, والانفتاح والتواصل مع العلوم والمعارف الحديثة والمعاصرة. ومن ينتمون إلى الثقافة والمتمثلون في المثقفين ورجال الفكر, فإن هذا المفهوم يدعوهم إلى الخروج عن الانغلاقات الثقافية, والانفتاح والتواصل مع العلوم والمعارف الدينية. والعمل على بناء نموذج يكون فيه المثقف دينيا, والديني مثقفا. وهذا ما نحتاج إليه فعلياً, وغياب مثل هذا النموذج هو الذي يعبر عن أزمتنا الثقافية الراهنة.

دور المثقف الدينى فى التغيير المجتمعى :

قبل الولوج فى الحديث عن دور المثقف الدينى فى التغيير المجتمعى, سأعرج قليلآ وأتناول بنقد دور السلطة الدينية فى تدجين المثقف الدينى ,لا سيما أن "أقصر طريق يسلكه الحزب السياسى لكسب المعركة على السلطة ,هى أن يلبس الأحزاب جبة الدين, لكن مشكلة هذه الطريق القصير,أن قوانين الشريعة بالذات, لا تطبقها الدولة بل يطبقها المواطن .والمشكلة يكبر عندما تكون الدولة أصلآ متعدد الشعوب و متعدد الإديان واللغات كالسودان و نيجيريا ومصر ولبنان...الخ . يمكننا تمحيص تجربة الشيخ الخمينى فى أيران والشيخ حسن نصرالله فى حزب الله فى اللبنان وتجربة الشيخ الترابى فى الجبهة الأسلامية القومية فى السودان ,كل هؤلاء الشيوخ المثقفين أستطاعوا من بناء أمبراطوريات سياسية خلف السلطة الدينية عبر أعادة صياغة عقلية المثقف الدينى خلال منظومات أعادة الصياغة القصرية (القيم والعقيدة – الهوية – الجامع – التربية – الأعلام – الأدارة الأهلية – السلطة ...الخ,وقد نجح الشيخ المثقف فى ذلك لسببين أولهما الضبابية التى تعيشه المثقف الدينى فى العلم الثالث لهشاشة أطلاعه على النص الدينى ولغياب ألمامه بالمنهج البيانى والعلوم المعرفية والثقافية الأخرى من ناحية "وعدم قولها بآليات الأجتهاد المتعارفة" . فيه والسبب الثانى أساس يتمثل فى عامل التنشئة الأجتماعية وعامل العشائرية القبلية الذى ينتمى إليها المثقف الدينى.ومن هنا يتخلق فى عقلية المثقف الدينى القيود والتشويش والذى لو حاول الأجتهاد للخروج والتحرر عنها يحسب تمرد على القيم والعقيدة لذا يظل حبيس سلطة الشيخ.الأفذع من ذلك أن هذا المنظومات فى الوقت الذى فيه يوجه لأعادة صياغة عقلية المثقف الدينى الذكر بمشروعية سلطة النص الدينى ,تعمل فى نفس الوقت على الغاء دور المثقف الدينى الأنثى .كلمة "عبدالله" لا بد أنها تشمل عبدالله "الأنثى" ولا بد أنها تعنى ,أن المرأة أيضا مسؤلة عما كسبت يداها,وليس بوسع أحد أن ينوب عنها فى تحمل هذه المسؤلية ,حتى بتوكيل شخصى من المرأة نفسها.إن أجهاض مبدا السلطة الجماعية – وليس الأسلام –هو الذى أتاح للفقهاء ,أن ينوبوا عن ملايين النساء,فى أتخاذ قرار لا يخص فقيهآ واحد ,ويفتوا بوضع المرأة فى كيس أسود مغلولة اليدين,من غير أن يلاحظ أهل الفتوى ,أن قرار الفقهاء نفسه غير دستورى,لأنهم لا يمثلون المرأة أمام الله,ولا يحق لهم شرعآ أن ينوب عنها.

o نظرة تاريخية : يمكن أن نفترض ثلاث مراحل تاريخية لدور المثقف الدينى فى التغيير المجتمعى :

مرحلة الأولى :مرحلة الانفصام

مقارنة بالمثقف فى دول العالم الثالث الأفريقى والعربى بصورة عامة و دولة السودان بصورة خاصة نجدأن المثقف فى الغرب نجح فى لعب دوره التاريخى بفاعلية وأوصل مجتمعه الى بر الأمان ,على عكس المثقف فى عالمنا الثالث والذى سقط عندما أعنقد منذ الذمن الغابر بأن دوره كمثقف هو التصفيق وتمجيد عرش السلطان ولحس قدم الخليفة والملك بنسج القصائد والقصص ,فأصابته العزلة والكآبة وسقط غارقآ فى بالوعات السلطة والتنظير العقيم فى أغتراب تام عن المجتمع وفى تعاطف مصلحى مع السلطة.



مرحلة الثانية : مرحلة الألتزام والمقاومة

أتسم المثقف الدينى فيه بالنشاط والعقلانية فى التعامل مع القضايا العامة , وأن كان البعض منهم أحتموا فى قصور المستعمر الأجنبى الا أن الغالبية كانوا ملتزمين بدورهم فى التغيير المجتمعى ,وقد لعبوا دورهم فعلا فى مقاومة سلطة المستعمر عبر تجمعاتهم المذهبية والأجتماعية والثقافية.عل سبيل المثال لا الحصر على عبداللطيف – عبدالفضيل الماظ (السودان ) – الشيخ عمر المختار (ليبيا)- مهاتما غاندى (الهند).

المرحلة الثالثة : مرحلة الهوس الدينى

اتسم المرحلة بتفشى ظاهرة الهوس الدينى بين المثقفين الدينيين بصورة مرعبة وملفت للأعجاب ,بقيادة الشيوخ المثقفين على سبيل المثال لا الحصر الشيخ الترابى و الأمام نميرى فى السودان (السودان) – الشيخ حسن بنا فى (مصر)-الشيخ حسن نصر الله (لبنان)- الخمينى فى أيران ..الخ ,وبالتوازى لتفشى الظاهرة برز حفنة من المثقفين الدينييين الملتزمين والمقاومين ومنهم على سبيل المثال من .تصدى لذلك الهوس المحموم "الأخوان الجمهوريون " وشيخهم الصليب الأستاذ محمود محمد طه .وقد ظل الجمهوريون رغم تأييدهم لتوجهات النظام الأساسية ,يتعرضون لحملات جائرة من بعض المشايخ ومن ناصرهم من المسئولين.وحال ضيق الوعاء بين هؤلاء المشايخ ومناصريهم دون الولوج الى الأعماق التى ذهب اليها مفكر جمع مع نفاذ الفكر , عمق التصوف , وطهارة الوجدان .وكما تحامل صيادلة الفقه وأنصاف العلماء على السهروردى "المقتول" ,وعلى بن الوليد بن رشد , وعلى الحلاج شهيد العامة ,الى أستعداء السلطان على مفكرنا العظيم بعد أن عجز فكرهم مجابهة فكرهم الباهر.وهذه الهوس الدينى ما كان فى وسعها أن تنتشر بين المجتمع ووسط المثقفين الدينيين الا بتوفر عدة عوامل :"(1) تبنى شخصية دينية وأجتماعية لها نفوذ فى المجتمع لهذه الأفكار .(2) غياب أى طرح آخر يشكل بديلآ للمجتمع عن الأفكار السابقة .(3) غياب الوعى الدينى فى المجتمع ,وأعتماد الأحداث التاريخية والشخصيات الأسلامية كمصدر يمكن أقتباس الدين الأسلامى منه.(4) وجود آلية يمكن أن تتبنى هذه الأفكار وتحميها بما يخدم مصالحها,وهذه الآليا يمكن لها أن تكون نظام الحكم,أو الأحزاب ,أو مؤسسات سياسية أخرى".

نظرة معاصرة :

أن العقد الأخير من القرن العشريين تميز بتغول الشيخ المثقف على الحياة العامة السياسية والأقتصادية والثقافية الأجتماعية و تميز المثقف الدينى بالضعف والأستسلام والخضوع إمام السلطة ويمكن تبيين ذلك أذا تأملنا فى تجربة الشيخ أسامة بن لادن وأنصاره فى الطالبان والقاعدة كنموذج للخضوع المطلق لبعض المثقفين الدينيين لسلطة الشيخ المثقف.وكما فى الخمينية الأيرانية– والجبهة الأسلامية السودانية . فأذا أخذنا تجربة الأخير الجبهة الأسلامية سنجد المثقف الدينى خلال العقد الأخير من القرن الماضى قد تلقى العديد من الضربات من قبل السلطة عبر منظومات أعادة الصياغة القسرية , أذ تم أعادة صياغة العديد من المثقفين الدينيين قصريآ ليتماشوا وسياسات السلطة (المشروع الحضارى ) ومن جاهر السلطة أو خرج عنه كان مصيره التكفير والقتل,ولكن هناك من المثقفين الدينيين من التزموا بدورهم وجاهروا السلطة (الجبهة الأسلامية ) بالحقيقة مثل الشهيد داؤود يحى بولاد والذى كان ينتمى للجبهة الأسلامية ,اذ جاء مصيره كمصير زميله الشيخ محمود محمد طه (التكفير ثم القتل ).

موقف المثقف الدينى من السلطة السياسية فى العالم الثالث (الأفريقى والعربى) يمكن تلخيصه بثلاث مواقف تبعا لموجهات المؤسسات الدينية: (1) المثقف الدينى الموالى للسلطة السياسية : وينطلق هذه النوع من المثقفين الدينين من منطق أن الحاكم ولى لأمر المسلمين عملا بالآية الكريمة (وأطيعوا أولى الأمر منكم ...) ,لذا يعمل المثقف الدينى على توظيف كل ما يملك من قوة ورباط خيل لخدمة وحماية السلطة السياسية حتى وأن مارس الأرهاب ضد أفراد من المجتمع.ويمكن تبيين ذلك أذا تأملنا فى المواقف المتناقضة بين الشيوخ فى الثلث الثانى من القرن الماضى , ففى الستينات من القرن الماضى أفتى الشيخ الجليل (محمد شلتوت) الأمام الأكبر للجامع الأزهر بأن الصلح مع أسرائيل حرام.وفى السبعينات منه أفتى الشيخان ((عبدالحليم محمود )) و ((محمد متولى الشعراوى )) (كان الأول شيخ الأزهر والثانى وزير الأوقاف) فتوى بأن الصلح مع أسرائيل حلال , وبارك كلاهما أتفاقية ((كامب ديفيد)) . فى سابقة أخرى حدث فى السبعينات من القرن الماض فى مصر" حينما تظاهر المواطنين أحتجاجا على الأرتفاع الجنونى فى الأسعار وتوفير الخبز , تصدت السلطة بكل وسائل القمع لتلك التظاهرات ولكنها لم تصل الى الحسم.لذا لجأت السلطة الى علماء الأزهر لتهدئة الوضع ,وخرج شيخ الأزهر ((عبدالحليم محمود )) بفتوى يؤكد فيها :بأن هذه الأحتجاج من أعمال الشيطان يراد بها الدمار لمصر وشعبها ,وأن الأشتراك فى أعمال الشغب هذه بمثابة الخروج على الدين وداعيآ المواطنين الى التصدى بأنفسهم لمن يشترك فى هذه الفتنة .وبعدها خرج وزير الأوقاف ((محمد متولى الشعراوى )) ليؤكد ويدعم فتوى زميله فى الأزهر ,وبهذه فأن السلطة أخمدت المظاهرات من خلال رجال الدين “. وهذه ما لم يفلت منه حتى الشيخ المثقف نفسه فى تنافسه على السلطة مع زملائه الشيوخ ,وهذه يمكن تبيانه أذا نظرنا الى تجربة الشيخ الترابى مع هيئة علماء السودان ,فى العام 2001 أنضم حوالى 2000 عالم فى تأييد المؤتمر الوطنى على الترابى فى صراعهما على السلطة بل تعد الأمر الى أتهام الشيخ الترابى بالخروج عن الملة. (2) المثقف الدينى المعادى للسلطة السياسية :أن تجربة الشيخ أسامة بن لادن وأنصاره يصلح نموذج لمعاداة المثقف الشيخ للسلطة السياسية ,حيث تتخذ هذه المعاداة مشروعيتها من خلال أستخدام النص القرآنى المجتز لتبرير أعمال العنف والقتل ضد مخاليفيهم فى الرأى ,وفرض الأحكام المخالفة للشرعية والمتفقة مع أهواهم النفسية.(3) المثقف الدينى الملتزم :يقتصر دور هؤلاء المثقفين على الشؤون الدينية (الدعوة والتبشير) وتوعية العامة من الناس بشؤون الدين بعيدا عن الشؤون الدنيوية .وهم أصدق فئة لعبة مهام و أدوار المثقف الدينى الملتزم من أنتاج المعرفة وتنمية الثقافات – مواجهة الأختراق الثقافى – تطوير وعى الأمة بقضايا العصر – الأندماج والمشاركة الأنمائية فى المجتمع ...الخ. على سبيل المثال الشيخ العلامة عمرو خالد.

الفصل الثالث

أختبار الفروض :

نختير هنا الفرض الأتى :

المثقف الدينى يساهم فى عملية التغيير المجتمعى :

أن التحقق من هذه الفرض يصعب قليلا لعدم وجود دراسات كافية تدعم الفرض غير هفنه من بعض الدراسات لتجارب تاريخية لعب فيه المثقف الدينى أدوار أيجابية فى عملية التغيير المجتمعى ,لذا يمكن أن تظل كل الدلائل تشير الى تأكيد سلبية المثقف الدينى فى عملية التغيير ,ولكن هناك أهتمال لرفض هذا الدلائل التى تشير الى تأكيد سقوط المثقف الدينى ,وأن كان الغلبية العظمى من الدراسات تشير الى أتهام المثقف الدينى بالسلبية ,الا أنه لا يمكننا رفض الدور الأيجابى للمثقف الدينى فى عملية التغيير المجتمعى بناءآ على هذه الدراسات.



التوصيات :

• رفض فكرة المثقف الدينى نوع من الأجحاف والظلم .ولا نبدى ممانعة أذا كان الرفض أختص بها أفراد محدودين من المثقفين الدينيين,أذ لا يجوز محاكمة جميع المثقفين الدينيين على حساب أفراد أو فئات محدودة من نفس الشريحة.الا أن واقع المثقف الدينى فى دول العالم الثالث أن لم يكن مهمشآ ظلما وعدوانآ فهو مقموع من جانب السلطة السياسية أو سلطة الشيخ الفقيه.

• على المجتمع والمؤسسات الدينية لعب دور كبير للحد أو التقليل أو العدم من ظاهرة الهوس الدينى المستشرى ,وأن نسترشد بقول الأمام على "لا خير فى عبادة ليس فيه تفقه ولا خير فى علم ليس فيه تفكر ولا خير فى قراءة ليس فيها تدبر".

• المطلوب من المثقف الدينى أن يكون أنسانا رسالياً ,وهذا لن يتأتى الا أذا حمل مشروع حقيقى للتغيير يستوعب التعدد والتنوع ( الدينى – العرقى – اللغوى -الحزبى) بجانب ما يحمله من الهم الدينى,أذ أنه مطالب بالفعل الأيجابى الذى يحققه مشروعه وأهدافه فى المجتمع.



الخاتمة :

· واضح من خلال أستعراضنا أن للمثقف الدينى الملتزم أدوار أيجابية فى عملية التغيير المجتمعى ويمكن بطبيعة الحال أن يكون واحد من أهم ركائز التغيير فى اى مجتمع أو دولة , لما يحمله من مقدرات معرفية وفكرية هائلة ,ويمكن الأستفادة منه بتوفير مناخ مناسب للحريات البحثية وتمويل وأنشاء معاهد بحثية تهتم بتجميع مساهماتهم وتوظيفها لخدمة العلم والتطور. .

وشكرآ



الهوامش والمراجع

(1) الصادق النيهوم – الأسلام فى العصر ـ صـ21ـ

(2) محمد عثمان مكى العجيل – خواطر فلسفية –صـ59ـ

(3) ذكى ميلاد – محنة المثقف الدينى مع العصر – دار الجديد - بيروت

(4) الصادق النيهوم – الأسلام فى الأسر – ط1- صـ32ـ

(5) د.منصور خالد – النخبة السودانية وأدمان الفشل (الجزء الأول) –صـ637ـ



المراجع الأليكترونية (الأنترنت)

(6) أساليب السلطة الدينية فى محاصرة العقل المسلم – بلال الشويكى – معابر 2005 http//www.maaber.50megs.com/last-issue/index.htm

(7) ذكى الميلاد - حوار حول المثقف الأسلامى– حوارات وندوات موقع الشهاب – التاريخ 18/8/1428 هجرية

http://chihab.net/modules.php

( المؤسسات الدينية والسلطة فى الوطن العربى – مركز الدراسات العلمانية فى الوطن العربى – 26/9/2004 http//www.rezgar.com/debat/show.art

_________________

Post: #756
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-25-2008, 05:55 PM
Parent: #1


مارس, 2008 09:33:23 AM

نهاية التاريخ بالسودان .... للصوفية

عصمت عبد الجبار التُربي

سلطنة عمان
[email protected]

انتشرت في السنوات الماضية موجه فنية لا أقول صرعة نحو الاغاني الدينية ومدح المصطفى rوتم تخصيص قناة تلفزيونية لهذا الغرض والناس على دين ملوكهم وكثرت الفرق الشبابية بصحبة الايقاعات الموسيقية ( وهذه بحد ذاتها اشكالية في الاسلام ) وحليل أولاد الماحي وكل زمن وليه ناسه, ومن الغريب ان يدعي البعض محبة الرسول ( r) وهم في طريقه غير سائرين منتظرين الشفاعة وليتولى الله الجميع برحمته .

كثيرون ارخوا لتاريخ المدائح بالسودان وصدرت كتب بذلك ( مثلاً قرشي محمد الحسن ) وفيها قصائد جياد وبعض المغنيين اطربونا باغانيهم العاطفية واشجونا بمدح المصطفى (( r)) منهم خضر بشير – صلاح بن بادية , وأخيراً الناشئة عافية فهم يغنون بلسان ويصلون بلسان على قول الشاعر محمد عبد الحي , ولكن هذه الاغاني الدينية التي يؤديها الشباب بالفرق الموسيقية المختلفة هل هي مظهر ديني دون جوهر تماماً مثل الحجاب الذي يشف اكثر مما يستر والتكبير بمناسبة ودون مناسبة ؟ ام انها بدعة والمديح نفسه بدعه كما يدعي الموحدين وهم الوهابين المعرفون في السودان بأنصار السنة المحمدية , وهل انتهى الصراع بين الاخيرة والصوفية بانتصار لأحدهما ام ما زال الجدل الفكري والاجتماعي دائر بينهما .

لنحاول اولاً الرجوع لجذور الخلاف بين الفرقين في العالم الاسلامي والسودان .

لقد ظهرت بوادر التصوف الاولى في نزعات الزهد القوية التي عمت المجتمعات الاسلامية في القرن الاول للهجرة وكان الداعون الى الزهد من اشهر اتقياء المسلمين وكانت العوامل الى دفعتهم الى الزهد هي تفشي الحروب الاهلية وتطرف الاحزاب السياسية واستبداد الحكام والاسراف في ملذات الدنيا فاتجهت انظار المسلمين للاخرة وغلب عليهم الشعور بالخطيئة والخوف من عقاب الله وتأثروا ببعض الافكار النصرانية والهندية والفارسية فيما يتصل باحوال الصوفية ووحدة الوجود والفناء والحب الالهي , ومن اقوالهم ان التصوف علم باطن قاصر على الخواص وان توبة العوام تكون من الذنوب وتوبة الخواص من الغفلة . لقد أخذ المتصوفة يؤولون نصوص القرآن الكريم والسنة الغراء بما يتفق مع معتقداتهم قائلين ان كل آية في القرآن تحمل معنى باطنياً لا يعرف كنهه الا الخواص , و اغلبية المتصوفة يرون ان صور العبادات ليس لها من القيمة ما لأعمال القلوب وقال آخرون برفع التكاليف الدينية , وقد توضأ (الحلاج) بالدم نتيجة افكاره وتم صلبه وتقطيع اوصاله تدريجياً لان العطر انسكب بقلبه وفاح (الشاعر صلاح عبد الصبور ) , ويحضرني هنا ما يشيعه الناس عن الاستاذ/ محمود محمد طه من اقوال رفعت عنه الصلاة والتكاليف ( الحج مثلا ) الامر الذي لم تنفيه ابنته الاستاذة اسماء في احدى المقابلات الصحفية بعد عودتها من الولايات المتحدة في العام الماضي او الذي قبله . ولما بلغ التصوف مرحلة متقدمة من النضج والانتشار نشأ صراع حاد بين اتباعه من جهة والفقهاء وأهل السنة من جهة اخرى وكان الفقهاء يرون ان لتحصيل العلم طرقاً واضحة تعتمد على القرآن الكريم والحديث الشريف والاجماع وهو ما يعرف بعلم الظاهر ورأوا في اسلوب المتصوفة لتحصيل العلم عن طريق علم الباطن خروجا عن السنة وافساد للعقيدة , بينما يرد المتصوفة ان الدين اصبح في عرف الفقهاء واهل السنة جملة رسوم وممارسات لا حياة ولا روحانية فيها , لقد حاول الامام الغزالي الذي كان عالماً دينياً ثم تصوف بعد ذلك ,حاول ايجاد طريق وسيط والف كتاب ( احياء علوم الدين ) وكتاب (المنقذ من الضلال) وحوى تعاليم اهل السنة والمعتدلين من الصوفية .

لقد شجع توسع الحركة الصوفية الجهلة والادعياء على افساد هذا النهج التعبدي بإسباغ الكرامات وخوارق العادات على مشايخهم وظهر نظام الشيخ والمرشد , الذي يقوم على الانصياع التام , لكن انجاز المتصوفة الاعظم في السودان كان في مجال نشر العقيدة الاسلامية ورفع الوعي الديني بين من اتبعوه وقد لجأوا الى التلقين واستعمال الترانيم والمدائح والطبول في الاذكار بغرض نشر تعاليم الدين وكان لهذا الاسلوب غير المتزمت اثره في جذب العامة وتحبيبهم في حلقات الذكر والالتفاف حول مشايخ الطرق .

وكان الشيوخ ذوي علم وخلق وورع وزهد وانقطاع عن الدنيا وصلاح و بركة باعتقاد الاحباب والمريدين و الاتباع ولكن قلة المحصول الفقهي عند بعض الشيوخ اوقع بعض المريدين في الشطط عندما اضافوا على شيوخهم الكرامات وخوارق العادات ما لا يقبله عقل ولا يقره الشرع وكان الشيوخ بما تجمع لديهم من مال من المريدين وحتى من الحكام كانوا ينفقون هذا المال على علاج المرضى والانفاق على الفقراء والمساكين وابناء السبيل وطلاب العلم , ويذكر الاستاذ محمد ابراهيم نقد في كتابه عن ( علاقة الرق في المجتمع السوداني) ان الشيخ حمد المشيخي كان يشتري الرقيق بزكاة بني جرار ويعتقه وكأنه يؤدي وظيفة من وظائف بيت المال ويعود بالزكاة لسيرتها الاولى ويدعو اسرى الفور للاسلام ويعتقهم ويعيدهم لمسقط رأسهم والشيخ صغيرون يتنازل على الرقيق والسواقي ويقدمها للشيخ زيادة ود النور لكثرة الفقراء في خلاوية .

لقد نجحت الحركة الصوفية عبر مؤسستي الفكي والخلوة في بسط روح التدين بين المواطنين. وبظهور الحركة السلفية او الوهابية او الموحدين في ( الحجاز) و(نجد) على يد ( محمد بن عبد الوهاب) في القرن السابع عشر دعا للعودة الى اصول الدين والقرآن والسنة وتطهير العقيدة مما علق بها من ادران الشرك والبدع والخرافات ودعا الى انكار أي فهم عصري للدين مما جعل اتباع هذه الطريقة في استنفار دائم لمحاربة البدع وكل ما هو جديد وجعل المراءة في وضع مزري ومتخلف ومصادمة الحضارات الاخرى , وتتهم الدول الغربية المذهب الوهابي بانه وراء انتاج الفكر الارهابي السلفي وحتى عندنا في السودان اذكر ان انصار هذا المذهب كانوا فيما مضى يحضرون ليلة المولد النبوي واحتفالها ويعكرون صفو الحاضرين والمولد هو تجمع كبير لاهل الطرق الصوفية وكذلك في المساجد يستهدفون القباب والسبحة بدلا من ادخال آخرين للاسلام , ولكنهم فيما يبدوا تخلوا عن هذا المنهج المصادم وبدوا يكسبون قواعد في الجامعات وسط الطلاب وتربية الافراد والقدوة الحسنة بل نالوا وزارة الشئون الدينية والأوقاف في احدى الفترات وغيرها وهذا اجدى فالمجتمع السوداني يقوم على التسامح اكثر من أي شي آخر .

ان الطرف الصوفية لا تزال تلعب دورا هاماَ في عصرنا رغم هجمة الثقافة الأوروبية كما ان الزهد الذي اتسمت به في البداية ربما بدأ يفقد بريقه ويتحول احيانا الى كسب دنيوي للوجاهة والسمعة وريادة الناس وليس بعيداً عن الاذهان الصراع الذي دار في العام الماضي حول خلافة السجادة في امدرمان في احد الطرق الصوفية مما ادى لتدخل الشرطة, واهتمام الاحزاب السياسية باقامة علاقة مع الطرق الصوفية حتى ولو كانت احزاب غير دينية.

واخيراً ارجو ان انوه الى ان هذا المقال اعتمد على اكثر من مرجع واهمها مقالة البروفيسور يوسف فضل حسن عن التصوف وجذوره في السودان , ولكن هل حقاً ينتهي الصراع الديني في السودان بسيادة الصوفية على غيرهم ؟ ام يظل الامر سجالا الى يوم يبعثون .

Post: #757
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-25-2008, 09:44 PM
Parent: #1


====
البعنيب والرخم في ميزان الفضيلة والكرم

2- 3

صلاح حامد هباش
[email protected]

نواصل الحديث عن الفضيلة في الأغنية السودانية والفضل في مجتمع اهل السودان فنبدأ براية خفّـاقة وعلما بارزاً رفرافاً من اهل الفضل والمعرفة حيث قالت الشاعرة:

يا خريف الرتوع أب شقة قمر السبوع... خال فاطنة

في بيته بيسند الجوع ويا قشاش الدموع

يسلم لي خال فاطنة وليهم بلالي البدرج العاطلة

تفوح من هذه الأبيات روائح نباتات وأشجار السافنا الغنية المتشابكة والتي يتعانق بعضها ببعض في إلفة وحميمية فتمنح بذلك الظلال الظليلة التي تستريح في رحبتها قطعان الضان والأبقار وقد شبعت وارتوت من الماء الذلال الذي يتدفق سلسبيلاً رقراقا فيروي الأنام والأنعام والهوام ثم السباع والضباع وبقية خلق الله في الطبيعة الساكنة.. هكذا كان الممدوح... فالخريف هو الرحمة الربانية المهداة لعباده الصالحين والطالحين من الطغاة والعصاة.. فهذا الرجل اكتملت مروءته وتوافرت في ذاته سماحة لا تخطئها العين وذلك لوصفه بالخريف الذي تعيش عليه كافة المخلوقات وبتدريجه للعواطل من النساء.. وهو كذلك بالإضافة إلى السماحة التي آزرته في حياته كان شجاعاً فارساً حيث تقول:

أبكريق في اللجج دقّر حبس الفجج

أبكريق هو التمساح العشاري ويسمى أيضا بالـلِدر والدابي..وكذلك الدود.. أما اللجج جمع لجة وتعني البحر الخضم الذي تصعب رؤية ساحله الآخر وربما عنت الشاعرة هنا النيل في موسم الفيضان وفي أوج هيجانه وإصطخابه... ولذلك ترى الشاعرة أن الممدوح هو أهل لكل ما وصفته به وهو الذي ضرب وبيد من حديد وتجاوز في ضربه الأرقام القياسية في الفضل وفي عمق الرؤي بما قدمه من درر وجواهر في الفكر الإنساني ظل يغذى بها الحياة ولما يقارب النصف قرن من الزمان.. ولعل كل ذلك يستكمل صورته البهية الجلية بالبطولة النادرة في التصدي للباطل عبر الحقب التاريخية التي عاشها حينما وقف شامخا كالجبل الأشم متحديا المشنقة بإبتسامة عريضة حاضر القلب رابط الجأش... الأمر الذي شهد به الأعداء قبل الأصدقاء... فسلام على الأستاذ محمود محمد طه في الخالدين.

ونأخذ من كردفان الغرة.. من المجلد دار أبو سلمان أمَّ الديار... نأخذ من الحكامات ما يلي:

النيل أبو غالية الدونكي البوردو ليهو

النيل إسم علم في المنطقة ويكنى بإبنته غالية وشبهته الشاعرة هنا بالدونكي وهو حاوية أو صهريج المياه والذي يعني في ذهنية الشاعرة الوفرة والأمن وتعني السلام وإستقرار الأوضاع... ولذلك فهو من أهل الفضل والإحسان تعاوده الشاعرة ويتردد عليه غيرها فيجد كل مناله ويصل إلى مبتغاه من مساعدة مالية أو إسعاف بالرأي وقد يتعدى ذلك إلى الزند ومد الضراع وهي الحماية والإجارة...

كذلك مرثية موسى أبوحجل كبير الرباطاب تلحق بالمعاني السابقة بل وتعطي الصورة الواضحة لترابط وتماسك معاني البسالة والكرم وهي متشحة بأبهى الحلل وأنضر القوافي:

حليل موسى مقنع الكاشفات

حليل موسى مشرع الواردات

حليل موسى مركز العزبات

ترى اتحربس الأسد ما فات

مااتوسد الدلاقين مات

يبكنك الدغس هاجات

على تندل الرماد راقدات

هنالك حشد مكثف للكثير من المعاني النابضة بالحياة.. تتضح من خلالها عظمة شأن الفقيد وذلك بتعاظم حجم الإفتقاد الذي إجتاح رقعة واسعة من ذلك البلد.. فقد كان ذلك الفارس معيناً للهاكع وسنداً للواقع وأباً حانياً للأيتام والأرامل.. وليس هنالك أمدح من التشبيه بالسحب المرسلة والبحر العباب.. والذي تلخصه عبارة مشرع الواردات

أيضا المواقف الرجولية المليئة بالشهامة والمكتنزة بالنخوة باعث قوي للمدح حيث قالت بت رحمة في حق المهدي عبد الرحمن أبوكرسون....

يا عشاي برية برية يالضليت بقيت شمسية

يالغطيت كتير ما شوية إت ياك ود عرضية

ويُرى هنا واضحاً أنَّ الممدوح نشر ظلاله وأفياءه الظليلة الوارفة ليستظل بها آخرون فتتسع الرقعة وتزداد المساحة لتسع المزيد والمزيد من الذين يكابدون الهجير ويتمرغون في لظى وسعير الرمضاء فيحمل عنهم ذلك العبء الثقيل.. عبء السجن والزنازين بعد أن داهمت شرطة الإنجليز قرية الممدوح حلة يونس بمنطقة بربر في مطلع أربعينيات القرن الماضي ووضعت يدها على كميات من البن تم تهريبها من الجارة يوغندا.. فيما كان يعرف في ذلك الوقت بتجارة البرشوت التي ظل تجار المنطقة يمارسونها... وذلك في قصيدة رائعة تتمتع بكم هائل من الموسيقى الداخلية تصول وتجول بين كلماتها ومفرداتها وتقول بدايتها:

جِيد المهدي دنقر شاله(ها) أخوكن ياجَدايةْ النالة

دي في حقو مي بطالة جيدا جاتو أصلو تجارة

لا ها سرقة لا ها رغالة وتسلم يا أمين الجارة

وجيد المهدي دنقر شاله وختَّ الشكرة للرجَّالة

الأمين البنا:

بالألف إبتديت إنت بتفرج الهم

ياجبل الضراء ومقنع بنات العم

يقول بعض العارفين إنَّ الهمَّ هو أقوى مخلوقات الله وأشدها وقعا على النفس الإنسانية.. ولعل أغلب الهموم تسببها الحاجة وتراكم الديون فيفقد الإنسان بالتالي طعم الحياة ويفارق نعيم الطمأنينة ويعجز الكرى أنْ يلم بين مقلتيه.. فيلجأ إلى أهل الفضل بحثاً عن الحل وتوقاً إلى الإنعتاق من ساجور الهموم التي لازمته... ولم يجد الشاعر أعتى وأكبر من الجبال الراسيات الشامخات شبها ونعتا ووصفا لهذا الممدوح...

وتتوالى ذات الكلمات وتتكرر عند الكثيرين.. الفينا مشهودة عارفانا المكارم نحن بنقودها / ربَّاي اليتامى ومركز الضعفان/الصافي دهب الخزانة/دهب بني شنقول/دهب شيبون/متين ياعلي تكبر تشيل حملي

ومنها أيضا.. للعبادي في مدح احد رموز بطانة أبـ علي:

عمي العمَّ سيل إيديه يروي الماحل.. ياحليل ود دكين مونة المقيم والراحل

الماحل تعني الأرض القفر التي لم تصبها المطر... وهذا الوصف يدخل في إطار إتساع دائرة المعروف والمونة هي ما يقتات به الإنسان فهو يزود العرب الرحل في حلهم وترحالهم وهذه النماذج كثيرة تفوق الحصر

ومنها ليوسف الشوبلي:

ما سمعت في أم همج كاكوم عقيد الزايلة؟

ما بعشوا الضيوف تحت السحابة الشايلة؟

ولكل ذلك تجد الألقاب الكثيرة والتي تكمن في ثناياها وبين تجاويفها أعظم النعوت وأنبل الصفات.. ومنها الأرباب وأب شلعة واللزوم والكرماخ وود العقاب وعوج الدرب والفحل وغيرها من صفات الأكارم

ولذلك يصدح العطبراوي وبالصوت العالي:

ردد الدهر حسن سيرتهم ما بها حطةٍ ولا درن

هذه أمثلة فقط ولعلها قليل من كثير في هذا المجتمع العريض منهم الصالحين والمقربين ومنهم دون ذلك يسلكون طرائق قددا... حسب درجات إستعدادهم الفطري الذي خُلقوا به ليلعبوا الأدوار الكريمة والغير كريمة في تفاعلهم مع الحياة.. فيقصدهم الناس لمقضاة الغرض إذا ما تعذر أمر أو إدلهم خطب فيجدون الحلول الناجعة والناجمة في ركاب السكون من غير منٍ ولا أذى ومن غير ضوضاء وصخب. وينشأ على سليم الفطرة أبناؤهم فيرثون منهم هذه المحامد.. وقد عاشوا وعايشوا مختلف التجارب في رحلة حياتهم.. فكم إستضافوا ضيوف الهجعة الذين تأتي بهم القطارات واللواري..وكم لله إستقبلوا جثامين الموتى.. من المستشفيات القريبة ممن لم يكن أهله حاضري تلك البقعة... ولكل ذلك فقد رَكَـزوا رَكْـزةً رجاليةً جعلتهم يركزِون الأبواب حتي لا يضطر القادم للطرق..الأمر الذي هيأهم أكثر لحمل الراية التي رفعها الآباء.. بل في أغلب الأحيان يتفوقون على آبائهم وأسلافهم بالأساليب المتطورة وطرق التعامل الحديثة في مناهج علم الكلام وفنون الإنتقاء في ضروب اللغة وفلسفة السلوك.

هنالك أيضا الخصوصية في الحياة فالحياة ليست كلها جهر ولكنها مليئة بالأسرار وعليه يكون هنالك حالات كثيرة مستثناة:

فهنالك حالات كثيرة لا حصر لها من الوجهاء وقيادات المجتمع تؤم بيوتهم الأعداد الغفيرة من الناس من الصفوة الإجتماعية العاملة في شتى الحقول ومختلف التخصصات.. ويشكل لديهم منظر السيارات أمام السراي بموديلاتها الحديثة.. غاية الإحساس بالعظمة والكبرياء..ولذلك فهي ليست أماكن عامة يرتادها محمد أحمد... إذ يقضي ويقتضي واقع حالهم... أن لا يدخلنها اليوم عليهم مسكين.. ولذلك يكون روّاَدها من علية القوم وسادة الحياة فيحسنون إستضافتهم ويكرمون وفادتهم ويغدقون عليهم أنماطاً من النعم وصنوفاً من البذخ الباذخ حيث لا عين رأت ولا أذنٌ سمعت .. إعتزازاً بقدراتهم وفخراً بإمكانياتهم وتحدياً صارخاً أيضاً لهؤلاء الضيوف..

قد يكون هؤلاء الضيوف ضيوفاً للرحمن اجتمعوا لأغراض نبيلة وأهداف سامية تصب في حوض العمل العام والخدمات الإنسانية... وقد يكونون غير ذلك ضيوفاً للشيطان جمعتهم المصالح ووحدت بينهم الإختلاسات وسرقة المال العام.. يتهيبهم الجمهور وكأنما كُتب على بيوتهم ممنوع الإقتراب والتصوير ولذلك يندرج هذا النوع تحت قائمة دنيا يصيبها أو إمرأة ينكحها وهؤلاء لا يمكن وصفهم بالجبن أو البخل لأن حياتهم صُمِمت بشكل يتوافق مع الوسط والطبقة التي يعيشون في كنفها وإذا قصدهم ذي حاجة من الأهل والأقارب قد يجد مناله وقد لايجده شأنهم في ذلك شأن الطبقات والفئات الأخرى

وتقل درجات إستعداد هذه النخب تدريجياً في المجتمع فتجد من هم أقل إستعداداً من الأمثلة السابقة ولكن بشكل مقبول ومعقول وهي درجة سترة الحال وهو أن ينستر الشخص إذا ما دعت الضرورة وأصبح أمام الأمر الواقع فيلوك حينئذٍ الصبر ويقوم بالواجب في حدود المعقول وفي إطار ما يتاح من إمكانيات وهي درجة من الذوق لا بأس بها.. (الواجب نسوِّي ونرجى ستر الساتر.)... وهذاالنوع من الناس لو تيسرت له أي فرصة للنجاة اوالزوغان من هذا المأزق لما تردد لحظة في إغتنام الفرصة وإستغلالها إستغلالاً طيباً ينجيه من أي خسارة سواء مادية او معنوية اوخسارة في الزمن....

والوضع الطبيعي جدا للإنسان السوي يلخصه الشاعر د. محمد بادي:

قالوا إتربى فوق خيركم..

يوم الحارة شايل شيلته من شيلكم ...

وقالوا الهِيله كانت في العُرف هِيلْكُم..

يخالطكم قداحة الخير ويتحزم وقت شينكم..

ولعل ما إستعرضناه من نماذج يكشف عن ثلاثة أشياء:

أولاً هذه القصائد قيلت في أزمنة ومناطق بل وبيئات مختلفة تماماً وبها مفردات ومعاني تتكرر عبر الحقب والتواريخ التي قيلت فيها مما يكشف جلياً مستوى الفقر والعوز وضيق ذات اليد الذي كسر جناح الشعب المغلوب على أمره عبر تاريخه ويعيشه الآن في ظل وكنف أهل الإنقاذ.. إلا أنّ عناية الله قضت وقيضت ان يكون ذلك مصحوباً بالتكافل الإجتماعي..

ثانياً العنصر النسائي الذي يقف ويعمل من وراء الكواليس ليدفع بهذا العمل الكبير إلى الأمام تشجيعاً وتحفيذاً وتعزيزاً للكثير من المواقف الرجولية والبطولية والإنسانية في معظم الأحوال.. وترى ست البيت, والتي قال عنها مبارك حسن بركات( تكرِم كل منسوب ليَّ) وهي التي تعودت وخبرت في بيت والدها هذا النمط من الحياة, تراها تتبسم ضاحكةً عند رؤية الضيوف.. فهي ترى في زوجها صورة أخرى لوالدها كريما مضيافا ولا تقبل بأي حال ان يقل زوجها عن ذلك المستوى.. وهي تريده أن يكون كما قال العبادي:

زايد في الرجال طالِق قفاي ووشيَّ

ضيوف الليل يكفيهم مرارة وشية

الأمر الذي يجعل زوارهم في حالة من النشوة الإسترخائية والطمأنينة الزائدة على القوانين وصدق القائل حينما قال أنَّ وراء كل عظيم إمرأة.. لا تقل عن عظمته بأي حال من الأحوال.. وذلك مما يجعل الزائرئن يرفعون أكفهم للسماء بأن يزيد أهل الدار من فضله ونعمه ويبارك لهم في رزقهم ويحفظهم ويخلف عليهم بالبركة...

وأخيراً قوة شخصية وشكيمة وجرأة كل الممدوحين في الإندفاع بإتخاذ القرار بل والثقة الوافرة في القدرة على التنفيذ.. الأمر الذي قد لا تجده عند الكثيرين وذلك مما سنناقشة في الحلقة القادمة من هذا المقال حيث نتناول شعر الهجاء والذي قيل بالضرورة في الرخم والسجم والسخم المنتشر في المجتمع من الذين تهرشهم نساؤهم وأمهات نسائهم.. ويتخذون أسماء كثيرة تدل على مدى فراغهم وضعف إرادتهم ومن هذه الأسماء الدلوكة عند الجعليين والطنبور عند الشايقية ويُعْرَف عند أهل الوسط بالطَـبَـرة وهي العملة التي كانت سائدة في التركية وغيرها وغيرها من الأسماء كالتمبل والهمبول وما إلى ذلك.

هذا هو الجزء الثاني من ثلاثة

Post: #758
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-25-2008, 09:46 PM
Parent: #757


مُستهلكون: التعبد فى "محراب" الأسواق الأمريكية

قرآءة وعرض: عبدالله عثمان

"للبشرية ما يكفى حاجتها ولكن ليس للبشرية ما يكفى أطماعها"

الأستاذ محمود محمد طه
"ما عاقه الاّ تكاثر زاده

لو حط ثقل رحاله
لمضى خليا
لأستراح
عوض الكريم موسى
بنجامين باربر، مؤلف كتاب الجهاد ضد عالم "مكادونالد"، باحث متخصص فى شئون المجتمع المدنى، يعمل أستاذا بجامعة ميريلاند، صدر له مؤخرا كتابا هاما بعنوان "مستهلكون" بضم الميم. مستهلكون لأن الأشياء أصبحت تسترقهم فتستهلكهم بدلا من أن يسترقونها.
يستعرض الكاتب فى هذا الكتاب القيّم كيف أن العبودية قد تلبست أثوابا جديدة فأصبح الناس، وهم لا يعون، فريسة لآلية رأسمالية تدفعهم للعمل ساعات طوال، وفى ظروف غير متكافئة، ليؤمنون لهم ولأسرهم حاجيات هم أصلا ليسوا فى حاجة اليها ولكن آليات الدعاية الرهيبة بما تقوم به من "غسيل مخ" لهؤلاء التعساء تدفعهم دفعا لـ "يسنوا" كروت الإئتمان كل صباح قائلين "بسم الله!! نوينا أن نستهلك" فتمتلىء مخازنهم بأشياء يكتشفون بعد فترة أنهم ليسوا فى حوجة اليها ولكنهم لا يزالون يكررون نفس العملية لأن آلة الدعاية تقول لهم "أشتر ووفر" "أشتر واحدة وخذ أخرى مجانا"، هذا غير التغليف البراق الجيد الذى يخلب الألباب قبل العيون فتشترى وأنت مغمض العينين "الله يحضّر مالهم، ويغيّب بالهم" هكذا ربما دعوة التجار الأمريكان وأعتقد أن اسواقهم يغشاها سيدنا الخضر كل صباح داعيا لها بالنماء. أنت تدفع أيضا ثمن زاهى التغليف ولا تشعر بذلك، كما تدفع فواتير باهر الإضاءة!! يعرض الكاتب نوعا آخر من أسلحة الإستهلاك التدميرية وهو الشراء بغرض "الترويح" عن النفس فلربما يدفعك الملل أو السأم من الضغوطات الإقتصادية نفسها للخروج والشراء ومن ثم اضافة المزيد من الضغوط الخ الخ ... يضاف الى ذلك خدعة الشراء من اماكن نابنتى ناين سنتس - اشتر بدولار واحد فقط - فلربما تدخل لشراء مفتاح علب، لأنك وانت الصباح فى عجلة من أمرك بحثت عنه ولم تجده، فتخرج بالعلب نفسها ومكانس ومفارش يكون موجود مثلها فى خزانتك ولكنها بدولار على كل حال!! ولما تصل لماكينة الدفع تجد أنك دفعت ثلاثين او أربعين دولارا ولما تصل للبيت تخرج لك زوجك ثلاثة مفاتيح علب

تظل الأسرة تكدح سحابة نهارها لتسهل عملية "سن" كرت الضمان وعندما يجن عليها الليل يجد الرجل نفسه غير راغب فى إنشاء علاقة سوية مع زوجته والعكس وينعكس ذلك أيضا على الأطفال فيلجأون "لآباء تعويضيين" مثل ألعاب البلاى ستيشن، الكمبيوتر والتلفزيون وعندما تحين التاسعة مساءا يأمرون أولئك الأطفال التعساء بالنوم ليوقظوهم فى الخامسة صباحا لللحاق ببص المدرسة، كل ما يراه الطفل من الأب او الأم هو وجه عابس يوقظه صباحا وسبب عبوس ذلك الوجه أنه هو نفسه مضطر للذهاب لأداء عمل لا يجد فيه نفسه ولكن "ساعى البريد" بفواتيره التى لا تنقضى يظل يلح عليه لقطع ذلك المشوار.

قد يعثر الأب أثناء تجواله فى محطات التلفزيون على فيلم عاطفى تقول فيه البطلة للبطل، وهما يتناجيان فى مقهى عالى الدرجة او على البلاج:

(If reincarnation would be true, I would rather be a woman, because you made it beautiful for me to be a woman)

(لو كان تناسخ الأرواح حقيقة أفضَل أن اكون إمرأة، لأنك قد جعلتها لى جميلة أن أكون إمرأة) فتثور فى مخيلة الزوج عديد الصور عن "السعادة الزوجية" ولكن لا يتخيل أن تحقيق تلك السعاة سيتم لولا توفر المال فيسعى ليكد فوق طاقته، على حساب أسرته وصحته ليؤمن مبالغا إضافية تتيح له أن ينعم بتناج مثل الذى رأى فى الفيلم مع زوجه فى إحدى البلاجات. قد يحدث ذلك ولكنه لن يجد راحة البال لأن مرأى الفواتير فى صندوق البريد سيظل يؤرقه.

يؤكد الكاتب باربر أن الأطفال هم الحلقة الضعيفة التى يستهدفها الإعلام فيظل الأبناء يضغطون على الآباء لشراء ما يريدون ويظن الآباء انهم ان فعلوا ذلك سينمون علاقات جيدة مع أطفالهم لأنهم لا يجدون وقتا أو آلية أخرى لإنشاء تلك العلاقة ولكن مثل ذلك الصنيع لا شك سينمى فى الأطفال عادات سيئة ستظل تلازمهم طوال حياتهم ثم هى، بعد، لا تفلح فى إنشاء تلك العلاقة المتوهمة.

فى بعض الأحيان قد يلجأ المقهورون "المستهلكون" لصب جام غضبهم على زوجاتهم لا لشىء الا لتوهمهم أنهن السبب فى "أستهلاكهم" أو لمجرد البحث عن حائط مبكى فالإحتقان فى مكان العمل أو الضغوطات الإقتصادية قد تجد "تنفيسا" لها فى البيت بصورة سلبية بدلا من أن يكون البيت وسيلة لـ "مساج" ذلك التوتر - كما تأتى العبارة الأمريكية.
يضرب الكاتب أمثلة عديدة يبين فيها كيف أن عهد السرعة قد أثر على علائق الناس الإجتماعية، فكمثال لذلك قد صغرت غرفة الطعام فى بيوت المدن الحديثة، فبينما كانت غرفة الطعام فى البيوت العتيقة هى أهم الغرف وكانت رحيبة وبها عدد من المقاعد الوثيرة حول منضدة الطعام، أصبحت الآن بكراس صغيرة وغير مريحة "مصنوعة فى الصين" لتجلس عليها لدقائق لا تناقش خلالها أحدا وقد تكون منكبا على حاسوبك الشخصى أو هاتفك الجوال أو حتى الصحيفة اليومية التى لا تجد لها وقتا. كانت غرفة الطعام فى الماضى ملتقى للأسرة تتناول فيها طعاما، جيد الطبخ، بتؤدة وقد يلبسون له زيا خاصا ويناقشون فيه مواضيعهم الأسرية بحميمية وربما على ضوء الشموع ولكن كل ذلك لا مجال له الآن فأنت ربما تأخذ قهوتك وإفطارك عن طريق "ممر السيارات" فى مطاعم الوجبات السريعة ويظل ذلك الحال ينطبق على كل شىء، فى سائر يومك، بل وسائر حياتك، حتى العلاقات العاطفية فلربما تتصل بإحداهن فى عطلة نهاية الأسبوع لتقضيا ليلة واحدة ثم لا تراها ولا تراك بعدها!!

فى غرف النوم لا ترى غير الساعة "المنبه" لتوقظك صباحا وهى من أكثر الآلآت مبيعا وكراهية فى أمريكا ثم بعد ذلك ترى منضدة صغيرة بجوار سرير النوم وقد امتلأت بالعقاقير المهدئة والمنشّطة وخلافه، ذلك لأن الناس لم تعد قادرة على العطاء بالصورة الطبيعة فلا بد هم مستعينون بهذه الأدوية لتعينهم على المزيد من "الرسف" فى أغلال العبودية.

من المفارقات التى يتطرق لها الكاتب أن وسائل الدعاية تعمد لجعل الأطفال يصبون ليكونوا كبارا فيستهلكون ما ينتج للكبار وما ينتج للصغار أيضا وبنفس الآلية يوهمون الكبار بأن بإمكانهم ان يصيروا شبابا فيعمدون لبيعهم أشياء أشبه بـ "عروق المحبة" وهذه "تجعل شعرك أسودا دائما" وفى هذا، وبحسب الكاتب أن النساء "شرخ الشباب عندهن عجيب" - بائية علقمة - الغريب أن كلا الطرفين يصدق تلك الفرية فتمتلىء الأسواق ويجد عمال البريد عملا دائما.

يعرض الكاتب أيضا كيف أن العبودية الجديدة قد استغلت المرأة باسترقاقها لجسمها واستغلالها فى الدعاية وكيف أن ذلك لا يزيد على أن يعرض المرأة كجارية فى بلاط السلاطين ويعجب لكون ذلك يتم فى دولة ديمقراطية مثل أمريكا تؤمن بتكافؤ الفرص بغض النظر عن الجنس.

من أخطر فصول الكتاب أثر الإستهلاك المدمر على البيئة، كل بيئة العالم. تخيل طفلا واحدا فى مطاعم ماكدونالد وقد اشترى سندوتشا ملفوفا فى عدد من الأوراق الملونة والأحبار، الثصدير حافظ الحرارة، صندوق الكرتون الأنيق، ووضعت شرائح البطاطا كذلك فى صندوق آخر وغلفت الملاعق والشوك والسكين ببلاستيك كثيف، لزوم الـ sanitation ثم توقف الطفل لأخذ كمية من المناديل ومغلفات الملح والفلفل والصلصة المعبأة - كتشب وربما بعض معينات القهوة ولا قهوة له - هى مجانية على كل حال، وفى نافورة المياه الغازية ملأ جكا ضخما ثم ذهب نصف ذلك كله لـ "برميل الزبالة" وفى نفس الوقت ذهبت معه ربع شجرة كاملة لتنعكس على موزمبيق جفافا وتصحرا فيأتى أهلها يدفون على أبواب العالم "المتحضر" بعنف يسألون عن شجرتهم لماذا لا يأتيهم هبوبها؟ ومع مجيئهم تتحدث مجالس "المثقافتية" عن الإيكولوجى وتنميط الجريمة الخ الخ وهم يمضغون شرائح البطاطا.
لا يرى الكاتب حلا أمثل من إعاة النظر فى مناهج التعليم لإعادة النظر فى أنماط الإستهلاك ويرى أن الديمقراطية الممارسة حاليا تعد نفسها ذراعا من أذرع الإستهلاك والسوق الرأسمالى فيدعو لإعاة النظر فى الديمقراطية نفسها وإصلاحها من "الداخل" لتؤمن فرصا متكافئة للناس لا يستغل فيها بعضهم بعضا



http://wwww.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2974

Post: #759
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-25-2008, 09:47 PM
Parent: #758


هذة القصيدة من سودانايل

قصيدة إلى العارف بالله الأستاذ محمود محمد طه
د. معتصم محمد سيد أحمد/بيروت
[email protected]

يا صاحب الطوفان هذا شرعهم** من لم يكن منهم يكن زنديقا
مصوا دماء الشعب فهى قصورهم** طالت علوا شاهقا وسحيقا
آتاك ربي العلم فكرا صادقا ** فبخلق أهل الحق كنت خليقا
لم يسمعوك و لم يعو ما قلته ** بل زوروه وكذبوا تلفيقا
جعلوا أكفهم على آذآنهم ** و أتوا بران بالقلوب لصيقا
لبسوا لباس الدين للدنيا هوى ** ورأوا بصدقك عائقا ومعيقا
فتدبروا أمرا فنضح اناءهم ** وأتوا عليك بحكمهم تطويقا
ودوا لو أنك ساجد مستشفعا ** فيباد جمعك كله تفريقا
فجهرت قول الحق في قاعاتهم ** بهت القضاة مشيرهم وفريقا
لا خوف لا طمع بقلبك سيد ** متعبدا حرا فصرت طليقا
فكشفت عن حوض المعارف حجبها ** و سلكت درب العارفين طريقا
ترجو الاله وسالك في دربه ** فدنوت من قوسين كنت مطيقا
حسبوك من حبل المشانق جازعا ** فشددته لله أنت وثيقا
حشروا فنادوا تلك أبشع موتة ** وكذا سيذهب فاسقا هرطيقا
سترون نعلا طائشا من محدث ** عاض لسانا بارزا و مريقا
ناداك ربك عندها من تحتهم ** أن الق حبلك غالبا صديقا
فوقفت بالوادي المقدس في تقى ** رجلا نقيا طاهرا و أنيقا
و خلعت نعلك للاله تأدبا ** و مشيت نحو الله أنت رفيقا
ما زاغ بصرك في المنصة ما طغى ** هي سدرة للمنتهى تصديقا
جاء التجلي عندها في نوره ** وكساك ثغرا باسما ورقيقا
فصعدت في المعراج لطفا رائعا ** وذهبت اسراء له تحليقا
وأتاك كوثر عابقا في مسكه ** وسقاك مختوما صفا و رحيقا
و الروح كانت في المقام بقربه ** و مقام محمود كفى تشويقا
(د. معتصم محمد سيد أحمد) القاضي
الجامعة الأ مريكيه في بيروت ، لبنان
فبراير 22/2004
_________________

Post: #760
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-26-2008, 01:09 AM
Parent: #759


الصادق المهدي ... ولعبة الشهرة

الطيب كبَّاشي الفزاري

الرياض/ المملكة العربية السعودية
[email protected]

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الوالي الكريم والصلاة على سيدنا محمد وآله وصحبه مع التسليم

أما بعد :

إضافة إلى ما تفضل به الأستاذان / صلاح شعيب والدكتور على حمد إبراهيم في مقاليهما المنشورين في صحيفة سودانايل الاسفيرية بالعنوانين على التوالي (الصادق المهدي- أزمة قائد أم أزمة ناقد) و( تعقيب حول الصادق المهدي ... أزمة قائد أم ازمة ناقد") والذي أبانا فيه كيف أن النقد الموجه للسيد الصادق فيه كثير من التجني وعدم الموضوعية بل والتحامل غير المنهجي على مسيرة الرجل الرمز وقد عزاه الأستاذ صلاح شعيب إلى أزمة الناقد الذي يذهب بنقده إلى التصويب والإصلاح والنصح لا الهدم وكسب مآرب سياسية ، والصادق لا يلتفت إلى ذلك لأنه (حامل مسئولية ) لا يجوز ولا ينبغي له التخلي عنها أو التهاون فيها حسب تعبيره ، بينما عزاه الدكتور على حمد إبراهيم إلى سياسة المستعمر الذي خلق بيئة مناوئة للإرث المهدوي من خلال استخدامه لبعض الطرق الصوفية والتي بدورها قد وجدت في غريمتها الثورة المهدية - بعد أن أفقدتها هذه الأخيرة كل امتياز حين طردت المستعمر الذي كانت تتدثر به - فرصة للثأر منها ، وقد تداع هذا الموروث الكاره لأي شيء يتعلق بالمهدية وأرثها حتى يومنا، كما أوضح الدكتور كيف أن السيد المهدي لم يترك سبيلاً لتعليم وترقية وتثقيف نفسه ورفدها بكل معارف السلف والخلف إلا وطرقها حتى اختير من بين (المائة العظماء من علماء المسلمين المعاصرين) وقد سبق في الترتيب كثيراً ممن يملأون الشاشات العربية صباح مساء ورئيس منتدى الوسطية في الإسلام ورئيس نادي مدريد وغيرها من الوظائف العلمية المرموقة كأنه يقول (هآنذا لا ما كان أبي) ولكنه يظل ابن المهدي على حد تعبير الصادق نفسه " أن مجرد سماع اسمي يسبب لبعض الناس مشكلة. ولكن هناك أناس كثيرون يحبونني".

ولكني أرى هناك نفراً آخراً من أرباب الثقافة والفكر و الكلمة والمتواجدين في الساحة الفكرية والثقافية والسياسية السودانية قد تجنوا أيضاً على السيد المهدي ولكن من أجل شيء آخر يبقيهم في دائرة لضوء ألا وهو الشهرة لا غير، لأن من يقول كلاماً أو يؤلف كتاباً عن الأعلام والزعماء من الناس حتماً سيلتفت إليه الناس ولو كان ما يكتبه سقيم المنطق والحجة و(السفيه نبذ الباشا ).

يظل السيد الإمام الصادق المهدي- رئيس الوزراء السوداني السابق ورئيس حزب الأمة القومي وإمام الأنصار - طول تاريخ السياسة السودانية هو السياسي السوداني الوحيد الذي اشتهر خلق كثير عن طريق التعرض له مدحاً وذماً وانتحال فكره و إليكم ما يعضد ذلك:

هناك كثير من كتاب السياسة والأعمدة الصحفية في السودان لم يشتهروا إلا بذكرهم الصادق المهدي و أول هؤلاء الكتاب هو الصحفي السوداني الراحل محمد طه محمد أحد وقد وصفه الصادق مرة في برنامج (الخط الساخن ) بأنه (كان متَلِّحه) والذي كان كثير التعرض للصادق المهدي في كتاباته إبان فترة الديمقراطية الثالثة خلال صحيفة الراية التي يصدرها حزب الجبهة الإسلامية القومية أو خلال نظام الإنقاذ الحالي حيث أصدر صحيفة الوفاق والتي كانت تباع وتشترى بإبراز العناوين الكبيرة بأن الصادق فعل والصادق قال وكان صاحبها يدبج المقالات الطوال في إثبات علمانية الصادق المهدي – فقد كان - غفر الله له – يغلب كثيراً من الهوى فيما يكتب لاسيما في عموده المقروء (لله والحرية) ، فهو كثير التشنج والانفعال في كتاباته وله قلم مدمر عندما يتناول أحد الساسة فهو يكتب ما يراه لا يلوي على شيء وكان للصادق نصيباً وافرا في كتابه الصادر في بداية التسعينات (الحريق السياسي الذي أتى بالإنقاذ).. قال محمد طه عندما تزوجت- وقد كان في قمة كتاباته اللاذعة ضد الصادق - فإنه أي الصادق لم ينس أن يرسل له مظروفاً يهنئه بالعرس وفيه الواجب !؟!

ثاني هؤلاء الصحفيين هو رسام الكاريكاتير هاشم كاروري ، فقد جعل هذا الرسام الصادق مادة دائمة لرسوماته الكاريكاتيرية حتى اشمأز منه رئيس التحرير وقتها في صحيفة الأسبوع
محي الدين تيتاوي ، أما إذا أراد أن يمدحه فإنه لا ينسى أن يضع مايكروفوناً صغيراً في جلبابه كناية على ذمه بكثرة الكلام والغريب أن هذا الرسام عندما أراد أن يصدر كتاباً للرسومات الكاريكاتيرية عن فترة الديمقراطية الثالثة لم يجد من يقدم له كتابه هذا إلا الصادق نفسه وعندما سأل لماذا الصادق دائماً قال لأنه الوحيد الذي يتقبل النقد أياً كان.. حاجة غريبة!!!

وقد سبقه إلى هذا المضمار الصحافي السوداني الراحل محمد مكي صاحب جريدة الناس والذي كان يفرد الصفحات الطوال لتناول الصادق مستخدماً العبارات التي ترد في خطاباته وأحاديثه مثل (السندكالي ، وهلم جرا ، وينبغي أن وغيرها).

أما حسين خوجلي فقد كان الصادق الحاضر الغائب في كل ما يكتب ، فالرجل يمتلك قلماً ساحراً وطيعاً ولكنه يستخدمه بخبث فهو الذي كان يطلق العبارة التي تسير بين الجماهير على نسق الصحفي مكي الناس من شاكلة (أبو كلام ).. ولا ينسى أن يذم نائبه - المفغور له- الدكتور/ عمر نور الدائم فيصفه بأنه (درق سيده) ولكن بعد فترة الإنقاذ هذه فإن الرجل قد قلل كثيراً من قدح الصادق ربما أحبط من مكائد أخوة يوسف أو أن عامل السن والتجربة قد أكسبتاه حلماً افتقده في أول تسنمه سلم الصحافة المتعرج ... بل قد شاهدته مرة في إحدى اللقاءات التلفزيونية يمدح الصادق ويدعو للديمقراطية التي أساء إليها أيما إساءة عندما كان الحبر يندلق من قلمه مداداً قانئ ليشكل به دولة التآمر الورقية.

نعم أن هناك غرضاً آخراً للتعرض للصادق وهو أن الجريدة ستباع والسبب الثاني هو التنافس السياسي ، فالرجل قامة في كل شيء ، بل يعتبر شوكة في زور كل نظام ، فكان لابد من تحطيم هذه القامة لأنهم يعرفون إن استطاعوا تدميره أو تدجينه على أي حال ، عندها سيخلو لهم الجو حيث إن الموجودين غيره في الملعب السياسي والثقافي والديني إما دمىً أو أصحاب قنابر يمكن أن يتعلموا الزيانة فيها بشفرات صدئه.

هؤلاء ليسوا فقط من كتبوا في ذم الصادق وإنما هناك آخرون كثر من ذات التيار مروراً بإسحق أحمد فضل الله وعثمان ميرغني والزومة وموسى يعقوب وراشد عبد الرحيم وعبد الرحمن إبراهيم ومحمد وقيع الله وحتى عبدالوهاب الأفندي وغيرهم . بل إذا تكلموا عن قضية داخلية في تنظيمهم فالصادق بند ثابت فيها ... بهم هوس اسمه الصادق المهدي.

منذ فترة قصيرة شاهدت محاضرة دينية عن سمات الخطاب الإسلامي المعاصر ألقاها الدكتور/عصام البشير في القاهرة وكانت منقولة عبر قناة (الجزيرة مباشر) وقد أدهشني كيف أن الفقيه البليغ قد حشد في محاضرته كثير من العبارات الواردة في كتاب السيد الصادق (جدلية الأصل والعصر) بعد أن أضاف إليها مما يحفظه من كتب الفقه والحديث والأصول والأدب كمحسنات لفظية حسب مقتضى الحال ولكنه لم يكلف نفسه عناء أن ينسب ما قاله لصاحبه الذي سبق غيره فيه ، بل هذا الكتاب (جدلية الأصل والعصر ) أرى بعض المشتغلين بالفقه والفتوى في بعض البلاد الإسلامية والتي لا تتفق مع ما يطرحه مؤلفه يتشدقون به في الصحافة المقروءة والمسموعة و المشاهدة ولا يردون الفضل لأهله. وقد ألقى الدكتور/ عصام محاضرات وأحاديث كثيرة عن الوسطية في الإسلام في المملكة العربية السعودية – وهي محاضرات مسجلة ومحضورة - لكنها في كثير منها مأخوذة وربما حرفياً من كتاب المهدي المذكور أعلاه، ولكنه ظهر كأنه أول من قال بها، بل وسوقها في هذه المنابر على أنها اجتهاداً خاصاً به حتى أصبح أميناً عاماً لمنبر الوسطية في الكويت وبدأ يجوب بهذه الأفكار أقطار العالم العربي والإسلامي ويلقى المحاضرات ويبتسم للكاميرا تارة بالعمامة والعباءة وأخرى بالبنطلون وربطة العنق مشفوعاً بإعلام وقنوات توجهه السياسي في هذه البلاد أو تلك بينما صاحبها الأصلى لا يذكر حتى ولو من باب العرفان !!؟ قال تعالى: (وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً فانظر كيف كان عاقبة المفسدين) النمل ، الآية 14.

الآن دعونا نقلب الصفحة ونرى ماذا كتب وقال آخرون :

الدكتور / منصور خالد / السياسي السوداني المعروف ، لقد ألف هذا الرجل كتباً كثيرة تذم النخب السودانية وتوضح مدى فشلها في إدارة شئون البلاد وهو كاتب متقعر يبحث عن غريب الكلام وشاذه مثل (هذا الهرار اللفظي .. رطيني اللغة ... والذين حملتهم أمهاتهم على ظهورهن من نهر الداجو والنيجر وغيرها ) ومعجب جداً بالتعابير السيارة وقد استشهد كثيراً بما قاله الصادق في كتابه (النخبة السودانية وإدمان الفشل) ولكنه حيث ما كتب في قضية تهم السودان فالصادق دائماً هو الحاضر ليس لأن للصادق يد في كل قضايا السياسة السودانية ولكن حباً لغريزة غريب الكلام التي أدمنها والتي يرى أنه لا يجارى فيها أحد مثل الصادق والتي متى ألصقت بأحد فإنها تعمل عملها وأمضى . للعلم فقد سأل خالد مرة في برنامج (زيارة خاصة ) بقناة الجزيرة عن الصادق فوصفه بأنه (سياسي جاد) ولعمرى فهي عبارة مدح في حق الصادق لم تصدر من أحد وفيها كثير من الصدق ولكنه لم يزل يستل سيفه اللفظي همزاً ولمزاً.

كاتب آخر من "الأخوة الجمهوريون" يدعى عمر القراي – هذا الكاتب عندما يكتب فإن الصادق المهدي يتواجد بكثرة فيما يكتب لكأنه فاصلة أو نقطة آخر السطر ، بل ويفرد مقالات منفصلة عن الصادق حيث ما فتئ سيادته يذكرنا دائماً بأن الصادق غدار وخائن وفي أحسن الفروض فهو سياسي فاشل ومتقلب المزاج ، بل وصفه في إحدى كتاباته بأنه لا يخاف الله!! – يذمه بوقاحة وجرأة لا يدانيه فيها إلا كاتب آخر يكتب في الصحف الاسفيرية يسمى شوقي بدري . هذا الكاتب يكاد يكون كاتب الذم الأول في حق الصادق لم يذكر له فضيلة واحدة لكأنما الصادق هو من أصدر الحكم بإعدام شيخه محمود محمد طه . حالة من اللا موضوعية واللا منهجية تتساقط من قلم القراي وتحدث دوياً لا ينفك أن يرتد إلى أذنيه صفيراً كصفير الريح ومن ثم يبدأ الجولة مرة أخرى وهكذا دواليك. وما أسهل أن تذم الصادق لتشتهر !!؟.

وهذا صاحب مؤلف (سقوط الأقنعة ) فتحي الضوء ، يبدأ بمثالب الصادق ويسردها ولا يترك منها شاردة إلا وكتبها في مؤلفه ، بل يحمله كل عيوب الفترة الديمقراطية الثالثة ومجيء الإنقاذ ويصفه بالضعف في اتخاذ القرارات الصعبة ، و الغريب عندما سأل لماذا هذا قال لأن الصادق رجل ديمقراطي ... فالصادق هو الوردة التي تجمل قطعة الجاتوه المالحة.

وأخيراً الدكتور / حيدر علي إبراهيم مدير مركز الدراسات السودانية بالخرطوم ، فالرجل في تقديري يعيش حالة من الإحباط من تعاقب السنين الإنقاذية والتي كادت أن تضرب مشروعه في مقتل ، فانبرى يمتشق سيفاً خشبياً ليكون الصادق أول ضحاياه.. فإذا لم يكتب عن الصادق لنسوه الناس لأن الكتابة عن آخرين ستكلف كثيراً وما أسهل الكتابة عن الصادق فهو مشاع لكل قلم سواء كان مبروءاً أو مكسورة سنه.

وقد ذكر السيد الصادق مرة في لقاء عبر (برنامج الخط الساخن ) بأن جميع من أساءوا إليه قد اعتذروا ما عدا قلة في طريقها للاعتذار وأن الصحفي محمد طه قد اعتذر إليه فقط قبل أسبوع من اغتياله .. والسؤال عن ماذا اعتذر هؤلاء ؟؟؟؟!!!

وسوف لن نخرج من هذه الدائرة الخبيثة بمسمياتها المختلفة إلا إذا أجرينا دراسة موضوعية وأمينة في فكر الصادق السياسي والديني والمعرفي ، دراسة توضح حظ الرجل في هذه الميادين، دراسة نقدية شاملة تقيمه كسياسي وعالم دين ومفكر ومثقف دون الحاجة للدخول في الشخصنة والتاريخ الأسري ، فالرجل يريد تقييماً ونقداً فردانياً لمسيرته في المجالات التي خاضها حتى نستطيع تكوين مدرسة نقدية منصفة تهذب وتنصح ولكن بالتي هي أحسن.

أخيراً شكراً للسيد الإمام الصادق بن الصديق بن عبد الرحمن بن محمد أحمد المهدي - حفظه الله وأبقاه ذخراً للإسلام والمسلمين و السودان والذي فرش عباءته الوهيطة ليتمرغ عليها كل عاشق وباحث عن الشهرة وذوأب عزبته الأنيقة ليعتصبها من شاء (حليف وصديق ومغاضب ) ووهب جلبابه الصادقابي ليرتديه من أراد ولو كان لباس أسلافه ( الجلابية أم لياقة أو اللاويه ) ونصب عنزته القرناء ليتكئ عليها كل محب للأضواء حيث ما ضر الأسد وخزة نالها من منقار نقار الخشب .

_________________

Post: #761
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-26-2008, 01:14 AM
Parent: #1


ومنصور خالد (11)

سأعطس في وجوه أهل الريب بأنف شامخ



د. عبد الله علي إبراهيم
[email protected]

استعرضنا في حديثنا السابق "المذكرات المضادة" للسيد إسماعيل الأزهري، أول رئيس لوزراء السودان المستقل وزعيم الحزب الوطني الاتحادي، كما نشرتها جريدة الناس، لسان حال منافسه اللدود السيد عبد الله خليل البيه الذي خلفه في رئاسة الوزارة في 1956 وسكرتير عام حزب الأمة. وهي مذكرات جاءت متزامنة مع سيرة الأزهري الحقة التي أملاها على السيد بشير محمد سعيد ونشرها تباعاً في عام 1957 بجريدة الأيام التي ترأس تحريرها. وجاءت المذكرات المضادة موغلة في سوء وبهتان لا مبرر لهما بالغاً ما بلغت الخصومة بين الرجلين. وصبت الجريدة فيها على الأزهري جام الاستعلاء العرقي لود العرب النيلي من رمي للآخرين بالعجمة والدين الظنين . فقد رمت الجريدة الأزهري بالنقص في السودانية، في تعريف ود العرب، لنسبه القوي في الفلاتة أهل نيجريا ومن لف لفها. وقد استعانت جريدة الناس في هذا اللؤم حيال رجل ذي سابقة وطنية تأسيسية، وحيال شعب الفلاتة (وهم قوم من كرام أهل الأرض انتسب لهم الأزهري أو لم ينتسب)، بنص من كتابات هارولد ماكمايكل، السكرتير الإداري للحاكم العام الإنجليزي لعام 1926، قال فيه إن قوم الأزهري يدَّعون نسباً للبديرية الدهمشية من سكان شمال السودان وبادية كرفان ولكنهم في حقيقة الأمر لا بديرية ولا دهمشية. وللعبارة إيقاع بليغ في إنجليزيتها مما تطرب له الصفوة. وهكذا تغذى عرق استعلاء أهل البحر العرب أو (المستعربة كما يصفهم المرتابون في عروبتهم) بتطفل هذا المستعمر على أنساب اهل السودان.

حين نشرت جريدة الناس سخفها هذا كان السيد منصور خالد المحامي الشاب محرراً بالجريدة بل ربما كان محررها الأول بحكم وظيفته كسكرتير للبيه رئيس الوزراء أو المسئول عن اتصالاته. ولا نريد بالطبع حساب منصور على هذه الترهة من زمن الصبا الأول. فقد مرت مياه غزيرة من تحت كبري منصور وأصبح الفتي الذي قبل ذلك الفحش العرقي بحق الأزهري (أو ربما ساهم فيه) صوتاً مسموعاً في إدانة الميز العرقي حبر به الكتب الغلاظ الشداد. وانضم بعد انتفاضة 1985 إلى الحركة الشعبية لتحرير السودان بزعامة العقيد جون قرنق وأصبح من مستشاريه. وكان رده على من استنكر هذا النقلة المفاجئة أن دافعه كان زكاة يؤديها لينقذ أولاد العرب والبلد، ممن كان واسطة عقدهم في جريدة الناس وغيرها، من أنفسهم الأمّارة بالاستعلاء العرقي. وزاد منصور بإنفعاله البلاغي الأشم المعروف بأنه سيؤدي فريضة هذه الزكاة وهو "ناهض إلى صعدائي، أعطس في وجوه أهل الريب بأنف شامخ" (جنوب السودان في المخيلة العربية، صفحة 194). ونسب ترحله من العنصرية الى السماحة إلى ملابسة أنه "قضى عمره الراشد" بين مؤسسات عالمية تدين سياسات الميز العرقي والنوعي ولمس عن كثب في أسفاره مضاضة التميز العرقي على من يقع عليهم.

ولا تثريب بالطبع في إفاقة منصور المتأخرة جداً لسوءة عرقية ود العرب أو البلد التي امتزج بفكرها وأذاعه في جريدة الناس أو أعان على ترويجه. فإن تأتي متأخراً خيراً من أن لا تأتي قط. ففي الفكر مكان رحيب للأوابين إلى الحق. بل قيل لا يخدم الحق مثل عائد إليه لائذ به. وهذا مما نستفيده مما كتبه ناثان قليزر الكاتب الأمريكي. فقد ناهض قليزر حركة التنوع الثقافي التي تأذن بها الجامعات الأمريكية وغيرها بتدريس كتب ومنتجات ثقافية من غير إرث الغرب. وكتب في إفاقته لضرورة المطلب ونفعه كتاباً عنونه: كلنا في صف التنوع الثقافي الآن. وقال فيه كلمة غراء عما يعتلج المرء من طاقة وشفافية يوم يَطّرح الضلال ويستبين الحق: "ليس هناك ما يعبيء الذهن ويركزه على مسألة أشد مضاء من اكتشافه أن الصواب قد جانبه فيها".

للعودة للحق نصاب مستحق للزكاة. ويكتمل هذا النصاب عبر وسائط التربية والثقافة. ولم يبلغ منصور عندنا هذا النصاب لأسباب نتناولها في حديثنا القادم. ولهذا شابت الأوهام ما زعم أنه توبة نصوحة للحق. واصطفينا أن نطلع القارئ على عينات مما كتبه منصور بعد إثابته المزعومة للحق لم يبرح فيها امتيازه العرقي ك"ود عرب" قيد أنملة. ورأينا في تشبث منصور بمِيَزه العرقية نقصاً في نصاب الحق يجعل زكاته، التي خرج يؤديها عنا، حشفاً وسوء كيل. وسنرى متى وقفنا على أسباب هذا النقص أن هجرة منصور ل "عناق الآخر" العرقي لم تكن لله وإنما لنفسه. ولذا لم تمس منه الشغاف فتزلزل دفين محفوظاته العرقية الأولية وتنقيه منها ليخلص للإلفة العرقية في الوطن وغيره. ولما لم تكن هجرته للحق كانت مضمضة سياسية.

من أوجب الأمور على مثل الأواب إلى الحق مثل منصور أن يستوثق أنه قد نقى لغته من مصطلح الميزة العرقية الذي نفرت نفسه منه. فهذا مصطلح خبيء دسّاس مثل العرق، لو استلفنا من قاموس للعرق بغيض. وهو باق في مطاوي الثقافة المستعلية لا يزول بمحض تحول حامل اللغة من عقيدة عوراء إلى أخرى عيناء. فمن أراد بعد تحوله من البغضاء إلى السماحة التعبير عن نفسه بلغته ذاتها وجب عليه أن يوسعها نظراً ويقتحمها بالفحص ويكسر قاموسها المستعلي ويعيد تركيبه على نور الحق الذي استبانه. وهذا من شغل الثقافة الذي قال قرامشي إنه شغل طويل . . . سلبة. وهذه تقوى مدنية لها مشابه في تقوى الدين. فقد نبه الإمام أحمد بن عبد الوهاب أن المسلم متى استقام على التوحيد ونفى الشرك عن نفسه استردف ذلك بتنقية لغته عن أوهام الشرك وعلى محجة التوحيد. فمتى وحدت بالله لا تقول للفرد من رقيقك "عبدي" بل "فتاي" لتحقيق التوحيد في الألفاظ. ومع مجافاة المثل مع معلوم عصرنا بالضرورة إلا إنه دال على عناية الشيخ بتقوى في اللغة قصر عنها شغل منصور في تنقية نفسه من نتن العرقية. ولفساد هذا الشغل صح عليه مصطلحه هو نفسه عن الأشغال من شاكلته: لهوجة.

فستجد منصور يستخدم صيغاً من مصطلح التميز العرقي لم تمر بمصفاة الحق الذي استبانه (ضحى الغد). فلو احتكم لتلك المصفاة كان إمّا أجاز هذه الصيغ أو عدلها أو إطرحها. والأمثلة كثيرة. فهو حشد في رثائه للمرحوم محمود محمد طه المشهور طائفة نكراء من هذه الصيغ ذم بها الرئيس نميري وزمانه. فقد صور منصور محموداً بمنزلة أبي شجاع فاتك الذي قتله "كافورنا" الأخشيدي أي النميري. وأضاف إن زمان نميري فينا "زمان عقيم عقم الخصي الأوكع تسرح فيه إماء لكع". وها أنت ترى هنا أن منصوراً استدعى مصطلح الرق العربي كله لحجته. فأورد الخصي وكافور والمتنبئ والإماء بغير أن يطرف له جفن من شفافية. بل ذهب إلى تبخيس العجم قاطبة بقوله إن مقتل محمود هو بدع لم يعرفها المسلمون."إلا في عهود الانحطاط التتري والشعوذة الأيوبية والطغيان اللملوكي". وخلص له تاريخ الإسلام من بعد نفي العجم عنه عربياً عربياً. ولا يطيق منصور مزاعم بعضنا عن عروبيته أو سياساتهم حولها لا لأنها مما يخرق عقيدته المستجدة في التنوع الثقافي بل لأن العرب قوم أشراف لن نطالهم. فلم يكن أبو سفيان مشلخاً مثل دكتور الشوش مثلاً. قالها منصور ليخزي الدكتور ومزاعمه العربية. واستنكر منصور تعريب نظام الإنقاذ للتعليم العالي. ولا تثريب فهو أمر خلافي حتى في تلك الأحوال التي لم يٌفرض فيها الأمر فرضا. ونقول للتذكرة فقط هنا أن منصوراً كان من عتاة دعاة التعريب في كتابه "حوار مع الصفوة" مثلاً. ولم يبدر منه، وقد تولي مسئوليات التربية والإرشاد في مغيب سنينه المايوية، ما يؤشر لمراجعته عقيدة التعريب حتى انضم للحركة الشعبية. أنكى من هذا كله الحيثيات التي جاء بها منصور لشجب نظام البشير لاستحداثه التعريب بغتة ومن عل. فقد صدر منصور فيها عن مصطلح "ود العرب" ومزاجه وهما ما نسب منصور إليهما فشلنا وإدمان صفوتنا هذا الفشل. فقد استفظع منصور أن يحاول قطر كالسودان، لا هو في العير ولا في النفير، التعريب في حين تحاشته دول عربية يشار إليها بالبنان. وسنتجاوز عقدة قلة القيمة عربياً هذه إلى ما هو أكدر للخاطر. فالأدهى أن منصور احتج على إتمام التعريب في ظل حكومة يقودها حاكم السودان "المستعرب"، الذي هو البشير، ورئيس مجلس تعليمه العالي وهو المرحوم اللواء الزبير محمد صالح. ووصف الأخير بأنه: "ما زال يتحدث العربية برطيني(رطانة) يكاد لا يفهمها الأعاريب" (النخبة وإدمان الفشل، الجزء الثاني ، صفحات 344-346).

ولم يقف منصور، هذا الثور في مستودع الخزف، عند هذا الحد من التبكيت. ويبدو واضحاً أن منصور لا يطيق عبد الإخشيد كافوراً بالمرة مثل صفيه المتنبيء. فاستقدم عزته كملكي (في مقابل جهادي أي عسكري) إلى دائرة تبخيس الزبير العسكري. فواصل قائلاً إن الزبير غير مستأهل أن يكون رئيساً لمجلس التعليم العالي أو الخوض في تعريبه لأنه "عسكري" يٌضحك عِيَه (عدم إبانته) وحصره (نفس الشيء) "ربات الحجول البواكيا". والمقطع مأخوذ من المتنبيء العربي يهحو كافوراً الأخشيدي الأسود. أقبض! بل أنظر ربات الحجول مما لا شغل لهن سوى صب الدمع الهتون. أقبض!

وأساء منصور هنا من وجهين. فقد خاض في شأن علم العسكر أو جهلهم لا يعتوره حرج أن يمضهم هذا التبخيس وهو الذي قال إن أوبته إلى توقير الآخر قد بدأت بأسفار وقف فيها على مضاضة الآخرين من الميز العرقي وغير العرقي. أما من الجهة الأخر فقد كان منصور يٌنَظر طويلاً للدور التقدمي للجيوش في الدول النامية بإطلاق. فكيف بالله لجيش تقدمي أن ينهض بالتبعة الملقاة على عاتقه وضباطه مصابون بحصر يٌضحك ربات الخدور. ومن الغريب أن يصدر مثل هذا القول عنه وهو مستشار حركة يغلب عليها العسكر. ولا يصدر مثل قول منصور عن الزبير والعسكر والنساء إلا ممن استبدت به وعثاء العنصرية والصفوية الملكية والذكورية بينما يظن أنه قد خرج ليقضي عليها وعلى نتنها.

يزعم منصور أنه قد تربي في عمره الراشد على الحساسية تجاه مضاضة الآخر من شرور الميز العرقي من عنف لفظي وزراية. ولكننا نشك مما نقرأ له إن كان منصور قد تطهر فمه من وعثاء العرق على حد قوله أو أن ذلك التطهر ما يزال مشروعاً ينتظر التنفيذ. فقد أسقم منصوراً أداء القوات المسلحة على عهد الرئيس نميري التي كان يصحب قادتها الرئيس و"فكيه" الرسمي، بعد اندلاع الحرب الأهلية في 1983، ليذروا الرمل المبارك في طول الجنوب وعرضه حماية لنميري من عوادي الكفار. فقارن منصور هذه الشعبذة برجال الجيش الشداد البواسل على عهد الفريق عبود قائلاً: "وعلم الله إن ذلك لعوج كبير يتململ له في القبر أبطال بنوا للسودان جيشاً فاخر به أمة العرب في الكويت وفاخر به أفريقيا في الكنغو . . تململ له الصنديدان أحمد عبد الوهاب وحسن بشير نصر" (النخبة وإدمان الفشل، الجزء الأول، صفحة 674) . وتجاهل هنا منصور، الذي بوسعه عقد هذه المقارنة بالنظر لإرثه الشمالي الذي يبيح له المفاضلة بين "وحوش" قومه، أن حكم عبد الوهاب ونصر هو الذي استن أسلمة وتعريب الجنوب التي انقدحت منها شرارة الحرب الأهلية التي انكوينا منها طويلاً أو ما نزال. وقد اشتهر عن نصر سخيمة ذاعت بين الناس أنه قال، بعد انقضاء عهدهم بضربة جاءتهم نتيجة سياستهم في الجنوب، إنه لو تركه رفاقه ولم يحولوا دونه ودون خططه لحرق غابات الجنوب عن بكرة أبيها لا يبقي فيها من المتمردين ديارا. ومنصور متفق معنا على جريرة نظام عبود في الجنوب. ولكنه عطل حكمه هذا في العبارة التي سلفت مواتاة حتى ينال من نميري وجنده. فمنصور هو القائل في صحوته الفكرية الحالية لمسألة التنوع الثقافي إن قهر الجنوب بواسطة نظام عبود وقع بالعمل العسكري والأسلمة القهرية. وإنه هو النظام الأول الذي اختط هذين السبيلين لحكم الجنوب ( جريدة الفجر، الأسبوع الثالث من ديسمبر 1996).ولكنه عاد مرة في حديث مع عادل الباز ليخفف من وطء هذه السياسة ووصفها بالأسلمة القهرية الساذجة (الصحافي الدولي 22 يناير 2000). ولم يخطر لمنصور أن إشادته بشدة جند عبود وخيبة جند النميري (او البشير سيان) هي بعض امتيازه كشمالي. فلن نتوقع جنوبياً يقيم مثل هذا التمييز بين قتلته. وكذا لن تجد جنوبياً يفرق بين السذج والدهاة ممن أزروا بثقافته وخياراته.

ومع جزالة عبارة منصور في كراهة العنف اللفظي والزراية بالآخر عرقياً إلا أنه احتفظ لنفسه وحده ربما بحق ممارسة هذا المكروه عمداً من موقع ود العرب متى شاء. فإن ظن أنه اشتفى من داء العنف اللفظي بالجنوبيين أو النوبة والزراية بهم خلال صحوته الثقافية نجد أنه لم يبرأ بعد من تعنيف الفلاتة وأهل غرب أفريقيا بعامة. فقد استغربت لإفتتان معجبي منصور من الأوابين بعبارة تنضح بالعرقية حيال الفلاتة وجمهرة غرب أفريقيا. وهي عبارة لم أجد لها موضعاً من كتب منصور ولكنها شاعت حتى أضحت من الحكم السائرة. وهذه العبارة هي: "أولئك الذين جاءوا مستردفين على ظهور أمهاتهم، من سفوح كانم، وتمبكتو وسهول نهر النيجر، يدعون العروبة أكثر من أهل تهامة والإسلام أكثر من أهل بكة." ومفاد هذه الجملة في عربية بسيطة هو :"ألزم محلك يا فلاتي". وقالها منصور في لجاج السياسة يبكت ناشطاً من دولة الإنقاذ أصوله من برنو دارفور. واستهوت العبارة كاتب مجيد على منبر سوداتيزأونلاين حتى قال إنها تشخص "أس البلاء في بلادنا" تشخيصاً ما حصل. ولا يعدل إعجاب طائفة منصور بعبارته هذه سوى إعجابهم بأخريتين هما "القلوب الغلفاء والفكر الأصلع" و"ألص من فأرة وأزنى من قرد" . وأخرى عن الفسو. فتأمل

وبلغ من شيوع عبارة المستردفين أن خطب ودها كل مضطغن على من انتسب إلى الفلاتة حقاً أو بالحدس اللئيم. وقد دنت العبارة بقطافها على رجل رشيد في معركة اشتهرت حول أمر ما بينه وبين رجل أصوله القديمة من نيجريا. فقال الرجل الرشيد إن هذا "الفلاتي" لا يستطيع سلبه من حق ما "ولو بأمر من سلطان مايرنو". ومايرنو هي مواطن للهوسا والفلاني ممن هاجروا بعد ضربة الإنجليز القاضية لخلافة صكتو الإسلامية ببلدهم في 1898. وأكد الرجل ل"لفلاتي" واقعة ما وقال إنها تأسست قبل دخول ذلك "الفلاتي" جامعة الخرطوم وقبل أن يعرف أين تكون جامعة الخرطوم أو أين الخرطوم ذاتها في خريطة السودان. وافتخر الرجل الرشيد بسودانيته قائلاً إنه "لم يعبر حدوده (السودان) محمولاً على ظهر أمه" مستعيداً نمطية عن الفلاتة للزراية مما تلقاه عن منصور . . . عن ثقافته.

ويعرف منصور عن الفلاتة وأهل غرب أفريقيا غير هذه الزراية متى أراد دفع الزكاة عنا يطهرنا ويزكينا بها من سئيات عرقنا. فقد أخذ بشدة على السيد خضر حمد، الزعيم بالحزب الوطني الاتحادي وعضو مجلس السيادة السابق، نصاً ورد في مذكراته. جاء في النص أن خضر انشغل جداً خلال حجة له يوم كان وزيراً بحكومة الحكم الذاتي في نحو 1954 بإقناع السعوديين بالتمييز بين السودانيين الشماليين العرب الخلص والتكارنة الذين ينبيء قوله عنهم إنهم فئة مستحقرة. وساء الوزير أن السعوديين لم يأبهوا لتفرقته بين كرام القوم ولئامهم. وأطنب منصور في سرد فضل التكارين أو أهل غرب أفريقيا كمثل قيام الشيخ عثمان دان فوديو فيهم وغير ذلك (جنوب السودان في المخيلة العربية، صفحة 384) وربما لاحظ القاريء أن مقالة خضر في الفلاتة أقدم بثلاث سنوات من مقالة جريدة الناس عن القوم نفسهم في شخص الأزهري زعيم خضر. ويٌشَهِر منصور بخطئية خضر الأقدم ويعف عن التشهير بخطئية جريدة الناس الأفحش والأقرب. وهذه اصطفائية من منصور (وهذه من لغته يذم فيها المصطفين) ينهي فيها عن فعل وقع في 1954 ويأتي مثله في تسعينات القرن. وهذا عتو شديد لا يقبله منصور إلا . . . من منصور.

وسنحاول في كلمتنا القادمة فهم لماذا ظل منصور يتورط في الوعثاء العرقية ومصطلحها في حين تأبط قلمه لحربها مذ انضم للحركة الشعبية. وبعبارة أخرى لماذا يصلي بلسان ويلحد بنفس اللسان؟

Post: #762
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-26-2008, 01:16 AM
Parent: #1


ومنصور خالد

منصور خالد: القوّال (The Snitch)



د. عبد الله علي إبراهيم
[email protected]

امتطى محمد الأمين عبد الله عباس الطالب بكلية الأقباط المصرية الدرجة الرابعة في أكسبرس حلفا بمحطة الخرطوم في نحو السابعة والنصف من صباح يوم في الاسبوع الأول من مايو من عام 1953.كان يطوي لفافة ما طياً جيداً في رحلة لا تشبه رحلات من حوله في شيء. كان واجف القلب يتفصد جبينه قطرات عرق باردة يجففها في قيظ الخرطوم بعد انحسار برودة الصباح. لم تكن تستقر له عين على شيء. وكاد المريب أن يقول خذوني. وبالفعل أخذه البوليس الذي بدأ بفض لفافته فاسقط في يد محمد الأمين. ياله من صباح. انتهت المهمة قبل أن تبدأ. وفتح البوليس اللفافة فإذا بها تحتوي على مائة نسخة من جريدة "اللواء الأحمر"، جريدة الحزب الشيوعي السرية، وبياناً سياسياً فيه تحليل طويل لإتفاقية الحكم الذاتي الموقعة بين دولتي الحكم الثنائي: مصر وبريطانيا في فبراير 1953. وكان محمد الأمين في طريقه بهذه المواد الخطرة إلى عطبرة.

هذه واقعة ربما لم تجدها مؤرخة في أي من صحفنا أو كتب تاريخنا. ولكنك تجدها حسنة التوثيق في أرشيف وزارة الخارجية الأمريكية المودع بدار الوثائق الوطنية بمدينة كولدج بارك بولاية ميرلاند. فبجانب خبر هذه الواقعة بمحطة السكة حديد التي كتبها السيد جوزيف سويني (1912-1979)، ضابط الاتصال بالسفارة الأمريكية ، من مصادره سيجد المطلع بدار تلك الوثائق نسخاً من المواد الشيوعية المصادرة نفسها. بل سيعثر على عدد آخر من اللواء الأحمر ( بتاريخ 10 مايو 1953) حصل عليه البوليس بعد مداهمة منزل السيد عبد الوهاب البشير في أم درمان. وكل هذا كائن بين دفتي فايل لوحده عن الشيوعية في السودان. وهو سجل عن الحزب الشيوعي من أندر المراجع في تلك الفترة الباكرة أو هو الأندر. وفي عدديّ اللواء الأحمر تقرأ لرفاق مولهين بستالين وسكرى به. مثل ما كتبه الرفيق كمال (بين قوسين سعاد) "حول وفاة ستالين الصديق" وسبب اختياره له كأحسن صديق. وستجد توقيعاً ل"الرفيق راشد-السكرتارية المركزية" على بعض كلمات الجريدة السرية أو افتتاحياتها. وراشد هو الأستاذ عبد الخالق محجوب. ويسود العددين والبيان المصادرين سوء ظن عميق بالنظام المصري تحت اللواء نجيب بنسبته للعمالة للاستعمار البريطاني والأمريكي. وكان الاستعمار الأخير قد بدأ يطرح بضاعته في الشرق الأوسط مثل مشروع النقطة الرابعة لبناء تحالفات مع عرب ما بعد الاستعمار المباشر للوقوف في وجه الاتحاد السوفيتي لدي تباشير الحرب الباردة. ومن شأن هذه الوثائق أن تزيدنا علماً بمنطق الشيوعيين في معارضة اتفاقية الحكم الذاتي لفبراير 1953 التي بها استقل السودان في خاتمة الأمر.

لم يكن بوسع المخابرات الأمريكية ان تترك الحبل للشيوعيين على الغارب. لم تستفز تلك المخابرات لرصد نشاط الشيوعيين مقتضيات الحرب الباردة الأيدلوجية التي كانت آخذة في الشدة فحسب بل عافية الشيوعيين السودانيين السياسية التي أذعرت جوزيف سويني والذي ربما كان رجل المخابرات بالخرطوم. وهو ذعر امتد حتى انقلاب 17 نوفمبر 1958 وخلاله كما بينا في الحلقة الخامسة من هذا الكتاب. وبلغت تلك العافية حداً وصف به سويني مدينة عطبرة، التي لم ينفذ إليها محمد الأمين بشحنته السياسية، بأنها "مركز السكة الحديد وواحدة من المواقع الرئيسية للتحريض الشيوعي في السودان." وبلغ به الخوف حداً سأل به السيد بابكر الديب، نائب مدير البوليس، إن كانت همة الشيوعيين وحميتهم بين المزارعين كما فصلها في رسائله ستفضي إلى حركة مسلحة شبيهة بحركة الماماو في أوائل الخمسينات بكينيا التي قام بها مزارعون معدمون جردهم الإنجليز البيض من أفضل أراضيهم. وقد طمأنه الديب أن الأمور لن تبلغ بنا ذلك المبلغ وإن نبهه إلى أن أوضاع المزارعين في المشاريع الخاصة بشندي وأملاك السيد عبد الرحمن المهدي ربما نضجت لتسلل شيوعي لبسط نفوذهم بين المزارعين.

وأذعر ما في همة شيوعيي السودان أنها كانت وثيقة الصلة بالكمنفورم بصور وأخرى. والكنفورم هو مكتب إعلامي للأحزاب الشيوعية والعمالية تكون في 1947 وانحل في 1956. فاقتطف سويني من نشرة "بروجكت" (3 يوليو 1953) التي يصدرها الكمنفورم فقرة من مقال عن حركة المزارعين في السودان لابد أنها بلبلت خاطره للعلاقة غير الخفية بين شيوعي السودان ومركز الشيوعية العالمي. وعلق سويني على الفقرة بين قوسين : "لربما جاء الوقت لمن ظن أن بالوسع تجاهل الشيوعية في هذا البلد أن يعيد النظر كرتين." ووقف سويني عن طريق الديب بصورة دقيقة على نشاط المخابرات البريطانية (MI-5) ومركزها الإقليمي في قناة السويس ثم عدن الساهر على محاربة الشيوعية في السودان. ولاحظ سويني ان بريطانيا بدأت تأخذ موضوع محاربة الشيوعية في السودان بجد. فدربت بمركزها بعدن السيد أحمد حسن. وقد كان للمخابرات البريطانية اليد الطولى في تشريع محاربة الشيوعية الذي أجازه المجلس التنفيذي للجمعية التشريعية في بداية الخمسينات. فهي التي سَرَعت خطواته بينما كانت تشريعات الديب وبوليسه السياسي ترواح في محلها. وكان MI-5 يعين البوليس في السودان بتعقب الشيوعيين متى بارحوا السودان. وكانت خطة MI-5 أن يقيم مكتباً له في جهاز البوليس السياسي يغشاه ج آي إليوت من عدن للتنسيق مع أمن السودان عن كثب. ومما يستحق الذكر أن المجلس التنفيذي بقيادة السيد عبد الله خليل البيه هو الذي عارض بشدة ترتيبات الحكومة تلك مع ال MI-5 وتراجعت الحكومة عنها.

علقت بمنصور خالد تهمة أو ريبة العمالة للمخابرات الأمريكية في سياق هذه الرصد الغربي الدقيق لنشاط الشيوعيين. وكان أكبر من روج لعمالة الرجل بالطبع الشيوعيون. وظلوا حتى وقت متأخر من عام 1972 يصفونه ب "عميل المخابرات الأمريكية" في تقويمهم لإتفاقية سلام أديس ابابا. وظلت التهمة ذماً سياسيا عاماً لمنصور لم يقم الشيوعيون الدليل الملموس على التهمة ذاتها. وهو أمر صعب بالطبع. وربما لم يكن الجيل الأول من الشيوعيين بحاجة إلى التدليل على ذلك. كانت تكفيهم البينات الظرفية وما دونها. فمن جهة كان منصور يشاهد في دوائر "الخواجات" غير حافل أو مكترث في وقت استفحلت الوطنية وأصبحت مجرد خلطة الإنجليز والرهط من عظائم الخيانة. فأكتفى ذلك الجيل الشيوعي الأول من البينات على عمالة منصور بالنظر المجرد والريبة الوطنية البديهية. وبدا أن تهمة منصور قد أخذت تسقط بالتقادم حتى أن الشيوعيين أنفسهم سحبوا عبارة "وعميل المخابرات الأمريكية منصور خالد" حين أعادوا نشر بيانهم الذي قوموا فيه إتفاقية اديس أبابا منذ سنوات خلت. وقد سميت ذلك ب "خفة اليد الثورية" لأنهم خدشوا مبدأ نهائية النص التاريخي وقدسيته بغير أن يصرحوا لقارئهم بدافعهم لتلك المراجعة.

وبلغ فساد تهمة منصور بالعمالة لأمريكا حداً لم يعد منصور يعدها سوى "سفاهة". فقد استنكر سؤالاً عنها من محرر جريدة البيان (13-3-2002)وتمنع أن يجيب عنه لأنه إذا فعل يكون انحدر من دَرَج المسائل الهامة والجدية التي سبقت في الحوار إلى درك السفاسف. وأضطر منصور للقول تحت إلحاح المحرر بإن اتهامه بالعمالة مما يشغل الأذهان: "اتهامي بالعمالة "سفاهة" درجت على تجاهلها". وواصل في استهجان بليغ للتهمة: "حسناً مثل هذا الكلام درجنا على تجاهله وتجاوزه لأنه يندرج في خانة "السفاهة". وهذه من التهم السائدة في المنطقة خاصة من قبل الجماعات المتطرفة، أياً كان نوع التطرف، ضد كل من يخالفهم في الرأي. وقذف الناس بتهم مثل هذه تنضح يالسخافة خصوصاً في عالم اليوم في زمن تقوم فيه أمريكا بالتدخل في كل شيء حتى أنها تسعى لحل قضية فلسطين عبر مخابراتها. في زمن مثل هذا يكون مثل هذا الكلام غير ذي معنى ولذلك لا اقف عنده كثيراً ولا أعيره اهتماماً. من جانب آخر عندما يكون المرء قد تربى في أحضان الأمم المتحدة ويتدرج إلى مكانة تؤهله لخلق علاقات واسعة مع أشخاص رفيعي المستوى وتؤهله بالتالي حتى للالتقاء بروؤساء أمريكا نفسها فلا يكون عندها حاجة ليكون مجرد عميل لجهاز في إدارتها."

دفع منصور التهمة عنه لأنها من فرط سخفها ترده أسفل سافلين في حين بلغ هو منزلة تساوى كتفه فيها مع علية القوم الأمريكيين فاصبح نداً لا عميلاً. وهو دفع لا بأس به لولا "شطح حيرانه" الذين . . . بالغوا. فلم يكتفوا بتثبيت علو مقام حبيبهم منصور بل أسفلوا بالأمريكيين حتى أصبحوا عملاء لمنصور. مدد مدد. فكتب السيد قاسم ثروت (سودانايل 62-5-2005): "أزعم أن المخابرات الأمريكية عميلة لمنصور وليس العكس. هذا إذا افترضنا وجود عمالة وهو إفتراض خاطيىء . . . فمنصور لا يحتاج أن يكون عميلاً لأحد فعنده من المال والخيل ما يهديه. وفوق ذلك فإن استقلاله وقوة شخصيته الطاغية لا تجعله رهن (؟) لأي من كان. ثم أن اتساع ماعونه الفكري يجعله يٌلعب المخابرات الأمريكية "سورو؟" ويلبسها خاتم في يده. وإذا جمعت كل عناصر المخابرات الأمريكية واحداً فوق الآخر لما وصلوا لكتف منصور." وهذه دروشة الحداثة بزبد وعبل.

ويأسف المرء لأن حقائق الأمر غير حقائق منصور وشيعته. فقد وقعنا على وثائق خبرها غير سار. فقد خدم منصور المخابرات الأمريكية في عام 1953 وهو طالب بعد بكلية الخرطوم الجامعية. وربما كان في عامه الثاني بكلية القانون. فقد ورد اسمه ونوع خدمته في تقرير من ضابط الاتصال بالسفارة الأمريكية بتاريخ 8 أغسطس 1953 إلى الخارجية الأمريكية بصورة إلى أفرع القوات المسلحة الأمريكية والسي آي أى. وهو تقرير استكمل به ضابط الاتصال مذكرة سلفت له بتاريخ 31 مارس 1953 . وعنوانه "الشيوعية في السودان". وشمل تلخيصاً أثبت فيه قوة الشيوعية السودانية وحسن تنظيمها وسدادها في بناء الجبهات المتحدة حتى أنها نجحت بسرعة في إزالة الآثار السلبية التي ترتبت على موقفها المعارض لإتفاقية الحكم الذاتي في فبراير 1953. وتعرض لحزم بريطانيا في حرب الشيوعيين في حين تجرجر مصر قدميها حتى لا تكسب عداء دوائر سودانية. ثم تعرض إلى تمويل الشيوعيين وقد نقل عن أحدهم أنهم يحصلون على المال من الشيوعية العالمية مطوياً في صناديق الكبريت "أبو مفتاح" الذي يستورده السودان من تشيوكوسلوفاكيا بواسطة موردين أرمن سودانيين. وقد استسخف سويني هذه الرواية.

ثم عالج التقرير بنية الشيوعية السودانية في أبواب ستة هي منظمات العمال والطلبة والصحافة ومنظمات النساء ونشاط الشيوعيين في القوات المسلحة ثم الحركة الشيوعية. وشمل الفصل الأخير خطط البوليس السياسي لرصد الشيوعية وقمعها ثم تطرق لبرنامج الشيوعيين للترشيح في انتخابات الحكم الذاتي. وذكر التقرير أن عبد الخالق محجوب ربما ترشح لدوائر الخريجين وهو ما لم يحدث. ثم تعرض التقرير لتنظيم البوليس السياسي وعلاقاته المصرية والبريطانية وتناول أخيراً وضع القوانين الحكومية وسياساتها إزاء الشيوعية ثم موقف دولتي الحكم الثنائي من الشيوعية في السودان.

وأرفق سويني قائمة بالمصادر البشرية التي زودته بالمعلومات لكتابة التقرير ثم قائمة أخرى عَرَّفت بعشرين شيوعياً أو من أعتقد مخبرو سويني أنهم شيوعيون ومنهم عبد الخالق محجوب ومحمد سعيد معروف وأحمد سليمان وقاسم أمين وطه بعشر وحسن الطاهر زروق ومصطفى السيد وعبد القادر حسن وفاطمة طالب وخالدة زاهر السادات ومحمد أمين حسين وعز الدين على عامر وأحمد محمد خير وحسن سلامة ومحمد المرضي جبارة وعبد الرحيم الوسيلة وفتح الرحمن محمد خلف الله وجيمس تدي لاركن (جوبا) ومحمد إبراهيم نقد وعبد العزيز أبو. وأرفق سويني بالتقرير القوانين التي صدرت لمكافحة الشيوعية ونصاً مترجماً لخطاب القاه المرحوم محمد سعيد معروف في الأبيض عن مهام ما بعد الاتفاقية كانت قد نشرته جريدة "الصراحة".

جاء اسم منصور خالد بالرقم 9 من بين المصادر البشرية لهذا التقرير وعددهم إحدى عشر. ووصفته القائمة بأنه "طالب قانون بكلية الخرطوم الجامعية ومحرر بجريدة "الوطن" والمعلومات عن الطلبة من صنعه." وعلى ضوء هذه المعلومات كتب سويني ما يلي عن عبد العزيز أبو : " طالب سابق بكلية الخرطوم الجامعية وكان عضواً بلجنة اتحاد الطلبة. طٌرد من الكلية لقيادته مظاهرة. هو الآن بسبيله للدراسة بجامعة براغ التي منحته مواصلات مجانية بداخل البلد وأعفته من المصروفات الجامعية ونفقات السكن والأكل التي تكفلت بها الحكومة التشيكية طوال تلقيه العلم بالجامعة. وبحسب إفادة منصور خالد فإن أبو كان بادر بالتقديم لهذه المنحة بالسفارة التشيكوسلوفاكية بالقاهرة. ويقول خالد أن أبو شيوعي لا غلاط فيه."

وجاء ما يلي في تقرير سويني عن محمد إبراهيم نقد: "طالب سابق بكلية الخرطوم الجامعية وسكرتير اتحاد الطلاب. طردوه من الكلية لنشاطاته الشيوعية. هو الآن بسبيله إلى براغ. فقد منحوه مواصلات مجانية بداخل البلد وكذلك أعفوه من المصاريف الجامعية مع السكن والأكل وتكلفت الحكومة التشيكية بذلك. وبحسب قول منصور خالد فإنه قد بادر بالتقديم للمنحة بسفارة تشيكوسلوفاكيا بالقاهرة. ونقد هو قريب الدرديري نقد من الحزب الجمهوري الاشتراكي."

هذا الفصل من كتابي عن منصور خالد هو أشقها على نفسي. فلست ممن يسعد بتعقب سير الناس وكشف صغائرهم. وشهد الله لم أسع لدار الوثائق الوطنية الأمريكية لتوثيق عمالة منصور الشاب للأمريكان. ما حملني لشد الرحال لتلك الدار هو الوقوف على وثائق الخارجية الأمريكية عن انقلاب 17 نوفمبر 1958 بعد اطلاعي على طرف من وثائق الخارجية البريطانية. ووجدت فيها علماً منيراً. ومن جهة أخرى تربيت في خلقية أن البحث"أمانات" مثل البيوت لا تحفر في أرشيفاته صيداً للزلات الشخصية الصغيرة ولا الكبيرة حتى. وتربيت في الحركة الماركسية أنه لن يفل حديد تطفل المستعمرين على المستضعفين إلقاء القبض على مخبريهم وفمهم في الدريش. فالتطفل والمخبرون جزء من اللعبة التي بوسعك أن تستدبرها إلى بنية الاستضعاف نفسه لحشد أكبر حلف من غمار الناس لمساواة الصفوف وسد الفرج بوجه شيطان المخبرين.

ولكني ضربت باعتبارات الحشمة الأكاديمية والسياسية عرض الحائط لأن منصوراً استكبر جداً وعكر صفانا السياسي وأشاع الفتنة في البلد لمآرب قريبة المأتي. فقد جاء من حيث لا يحتسب إلى مسألة الآخاء السوداني التي شقي بها بعض جيله بينما هو في شغل بالتبليغ عنهم فأفسدها فشخبت دماً. وكان فينا مثل طويس الولع بشعر نقائض الأوس والخزرج وحروبهم. "فقلَّ مجلس اجتمع فيه هذا الحيان فغنى فيه طويس إلا وقع فيه شيء. فكان يبدي السرائر ويخرج الضغائن". ومثله في الإضرار بمشروعنا في الإلفة السودانية وممارستها مثل الشيخ الأمين داؤد من المرحوم محمود محمد طه. فقد بث المرحوم شكواه منه في 1978 في محكمة أراد بها رد الاعتبار لتعرض الشيخ لفكره بسوء النقل والتعليق الفاحش قائلاً: " نحنا الأذى البلغنا من الشيخ الأمين مزمن صبرنا عليهو."
_________________

Post: #763
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-26-2008, 04:18 AM
Parent: #1


على‭ ‬خلفية تصريحاته لـ»خرطوم مونيتر‮«‬
كتب معمر حمد عثمان
Monday, 31 March 2008


متى يخلع الترابي بدلة السياسي ويرتدي عمامة المفكر



ربما يختلف الانسان مع د. الترابي في آرائه الفكرية وقد يصل الخلاف مراحل بعيدة أدناها رفض الفكر وأقصاها التكفير.

وما بين المرحلتين يقف خصوم الترابي المفكر. منهم من يرفض أفكاره ويرى فيها جملة ثقوب وكثير عيوب ولكن يبقى الرجل في نظرهم صاحب رأي قد يخطئ وقلما يصيب.

ويندرج تحت هذا التصنيف مجموعة كبيرة من الاسلاميين- بالمعنى اللفظي للمفردة- وليس بمعناها الحركي.

ويرى آخرون أن الرجل صاحب دعاوى غريبة تقدح في أصل دينه وترديه مهاوي الردة والضلال. وجلهم من أصحاب التفكير السلفي والمدرسة الحجازية - إن جازت التسمية- وما انفك هؤلاء يقيمون الندوات ويدبجون المقالات ويوزعون المنشورات عن ضلاله وخطورة فكره. لسنا معنيين في هذه المقالة بواحد من الفريقين بل نجتهد أن نغوص في بحر مؤيديه بعد أن أصبحوا قلة- وما تجره عليهم أفكار الشيخ بعد أن فقدوا في محنة الانقسام أكبر مناصريه وتلامذته النابهين.

وبما أن الحركة الاسلامية بمعناها التنظيمي والتي ترتكز على المؤتمرين الوطني والشعبي استمدت أصول فكرتها ودعائم معرفتها من أقوال الرجل وأفكاره.

وبما أنه لم يصل مسامعنا حتى هذه اللحظة أن الاسلاميين في المؤتمر الوطني أو فلنكن أكثر دقة- الكيان الخاص- قد تبرأ من آراء الرجل وأفكاره القديمة فإنهم مشمولون في خانة أنصاره ومؤيديه الفكريين - وإن رفع عنهم حرج المدافعة والتبرير بعد خروج الرجل عنهم والذي طالما أرهق الجميع بجلب الدفوعات وسوق الحجج عن آرائه لعقود من الزمان خلت.

وآراء الترابي المثيرة للجدل والتي تنوعت وتوزعت في مناحٍ شتى. فتحدثت عن عصمة الأنبياء - وعدالة الصحابة- وإمامة المرأة- وعدم معاقبة المرتد، وعدم رجم الزاني - ونفي عذاب القبر- ونفي وجود ليلة القدر وزواج المسلمة من الكتابي. وشهادة المرأة - وعدم تحديد عقوبة لشرب الخمر٠ وايمان أهل الكتاب- وانكاره رجوع المسيح وعودة الدجال. وأخيراً حديثه لخرطوم مونيتر بأنه سيصوت للمسيحي إذا كان أميناً ولن يصوت للمسلم إن كان فاسداً.

ورغم قناعتي بأن آراء الشيخ قد سبقه إليه الكثيرون وقال بها أولون- إلا أن حرصه على أن يلقيها بلا سند ولا مرجعية لنص أو تراث تجعله في نظر الكثيرين منفرداً بها. وحائز على قصب السبق في ايرادها فمعلوم أن آراءه في المرأة سبقت للطبري- وأبي ثور- والمزني.

وفي الردة قال بها النخعي والثوري. وحديثه عن المسيح سبقه إليه رشيد رضا - وشلتوت- والغزالي.

لا أود الخوض في الجانب الفقهي والفكري فما أفقر علمي واضعف معرفتي وأبعد فكري أن ألج هذا البحر المتلاطم ولكني أردت القول أن الآراء فيها أخذ ورد.

وليست حقاً كاملاً ولا باطلاً مكتملاً. وايرادها أتى في خانة التذكير بها حتى يتذكر الجميع ما أحدثته من ردة فعل وأثر على كل المتعاملين مع الفكر الاسلامي دراسة وتأملاً واتباعاً. وعلى الشارع السياسي المترصد لأخطاء الاسلاميين وسقطاتهم.

كيف لا- والرجل شغل ما شغل في قيادة التيار الاسلامي منذ أكتوبر وحتى الآن وتزعمه بكل مسمياته.

فمثلت آراؤه مصدر حرج بالغ لمؤيديه بل وصارت مساحة تباعد وتنافر واضح بين التيار الاسلامي وتيارات أخرى اشتركت معه في ذات الأشواق بقيام دولة إسلامية وحلم تطبيق الشريعة الاسلامية. وفرقتها منه غرابة الأفكار وجرأة الطرح وحدة المفردة.

بل لعل تيار الحركة الاسلامية كان الأقرب إلى التوفيق بين التيار السلفي وتيار التصوف.

نحن لا نعيب على الرجل أفكاره- فمقامنا دون ذاك بكثير ولكنا نرى أن الجهر بها وهو على قيادة الحركة كلفها كثير عنت في الدفاع عنه وانشغل اتباعه وانصرف جهدهم للبحث والدراسات فيما يدفع عنه تهم الضلال والتفكير خوفاً أن تصيب جريرة الاتهام كل تنظيمهم.

فالتاريخ القديم والحديث يمتلئ بمفكرين دخلوا دائرة الاتهام ولكن لم تسر التهمة علي غيرهم لوقوفهم متخندقين في ساحة الفكر وحده لا التنظيمات والأحزاب.

فالشيخ علي عبد الرازق الذي أصدر كتابه »الاسلام وأصول الحكم« عام 1925م وقال فيه ان الخلافة قضية سياسية وليست دينية فقام عليه الأزهر وطرده. ود. نصر حامد أبو زيد صاحب كتاب »نقد الخطاب الاجنبي« الذي جر عليه تهمة الكفر والمطالبة بتطليق زوجته.

ودونكم ما يثيره الدكتور جمال البنا من آراء جريئة وفتاوى غريبة ساقته إلى سوح المحاكم الفكرية والفقهية. ولكم أن تتخيلوا كيف لو كان الشقيق الأصغر لحسن البنا قيادياً في جماعة الأخوان المسلمين.وشاهدتم جميعاً ما جرته آراء محمود محمد طه على التيار الجمهوري الذي صار أثراً بعد عين.
نتمنى أن تستمر آراء الترابي الفكرية واجتهاداته الفقهية بعد أن يتخلى عن العمل السياسي حتى لا يكلف اتباعه رهق الدفاع عنه.

إلا إذا كانت الآراء نفسها والفتاوي ذاتها »ترس« في مكنة الرجل السياسية تسهم في دفع عجلته السياسية ويسلط الأضواء التي غابت وانزوت.


http://alintibaha.sd/index.php?option=com_content&task=...w&id=1116&Itemid=107

Post: #764
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-26-2008, 04:19 AM
Parent: #763


كتب اسحق احمد فضل الله
Tuesday, 22 January 2008


اخر الليل
اسخق احمد فضل الله
‬ ‮:‬‭ ‬تعرف هذا‮..‬؟ ‮{ ‬والشاب الذي‮ ‬يعبر ومسبحة بين أصابعه حين‮ ‬يزجره أحدهم بعنف ويطلب إلقاء‭ ‬المسبحة هذه‮ ‬ينظر الشاب إليه لحظة ثم‮ ‬يلقي‮ ‬إليه بالمسبحة ويقول‮ ‬ ‮:‬أحرقها‮..‬ ‮{ ‬والآخر‮- ‬وعدد‮ ‬غير قليل هناك‮ = ‬يجعل المسبحة داخل صندوق ورق‮ - ‬ثم‮ ‬يحشو الصندوق بالورق ثم‮ ‬يشعل النار‮.‬ ‮{ ‬ساعة‮.. ‬وكل شئ‭ ‬احترق‮- ‬والمسبحة ظلت‮- ‬سليمة والخيط كذلك‮.‬ ‮{ ‬ولم نقل شيئاً‭ ‬فالتخبط المجنون في‮ ‬فهم الدين‮ ‬يلطمنا من كل اتجاه‮..‬ ‮{ ‬ونجلس إلى التلفزيون‮- ‬وقناة الجزيرة الثلاثاء‮- ‬وباحثة سودانية‮ »‬ناهد محمد الحسن‮«‬‭ ‬في‮ ‬لقاء‭ ‬عن تعدد الزوجات تقول للجزيرة ‮:‬‭ ‬التاريخ تطور من الشيوع الجنسي‮ ‬إلى‭ ‬الزواج دون عدد‮- ‬ثم الأربعة‮- ‬والآن الواحدة‮!!‬ ‮{.. ‬وما‮ ‬يدير كل شئ هو‮ »‬الغرائز‮«‬‭ ‬وغددها التي‮ ‬تتضخم عند الحيوان وتقل عند الانسان‮.‬ ‮{ ‬والدين أباح التعدد بعد معركة‮ »‬أحد‮«‬‭ ‬التي‮ ‬فقد فيها عدد كبير من الرجال و‮..‬ ‮{ .. ‬قالت‮ »‬مسوغات التعدد عند الأديان وقتية‮«‬‭ ‬‮.. ‬والآن تنتفي‮...‬ ‮{‬و»الولية‮«‬‭ ‬مخلصة جداً‮- ‬ولكن ‮{ ‬ونفتح الصحف ‮} ‬والشيوعيون‮ - ‬الذين‮ ‬يحرصون جداً‭ ‬على‭ ‬سلامة الاسلام‮!- ‬يجددون الاحتفال بمحمود محمد طه‮..‬ ‮{‬وعام‮ ‬1990م نكتب قصة الشيوعيين والمحموديين‮- ‬ونستعيد قصة بريطانية حقيقية‮.‬ ‮{ ‬قلنا‮ - ‬إنه وفي‮ ‬الحرب العالمية الثانية‮ »‬قائد السرية‮ ‬يفاجأ‭ ‬بحقل ألغام‮ ‬يسد عليه الطريق‮«..‬ ‮{ ‬القائد الذكي‮ ‬يميل إلى‭ ‬قرية هناك ويشتري‮ ‬كل ما فيها من بغال وحمير‮- ‬ثم‮ ‬يدفع بها أمام جنوده في‮ ‬حقل الألغام‮- ‬ويمشي‮ ‬وراءها‮.‬ ‮{ ‬وقلنا إن الشيوعيين حين فوجئوا بالاسلام‮ ‬يسد عليهم الطريق في‮ ‬السودان مالوا إلى‭ ‬قرية الجمهوريين و‮..‬و ‮{ ‬احتفال الشيوعيين الهائل الآن بمحمود وأخوته سببه هو أن الشيوعيين حريصون جداً‭ ‬على‭ ‬‮»‬سلامة‮«‬‭ ‬الاسلام‮!‬ ‮- ‬بالطبع‮ ..!! ‬ويكفي‮ ‬انه اسلام‮ ‬يحرص عليه الشيوعيون جداً ‮{ ‬ونفتح كتاباً‭ ‬عن النميري‮ ‬وأيامه‮.‬ والكتاب‮ ‬يرسم تصور النميري‮ ‬وأيامه للإسلام حين‮ ‬يكون من‮ ‬يقود مشروع النميري‮ ‬للاسلام شخص في‮ ‬نصف‮ ‬غيبوبة‮- ‬وفي‮ ‬مرقعة‮-‬ ‮{ ‬والمرقعات ونوع آخر من التصوف كلها‮ ‬يفضحه الحسن البصري‮ ‬حين‮ ‬ينظر إلى‭ ‬من‮ ‬يرتدي‮ ‬زياً‭ ‬صوفياً‭ ‬ليقول ‮:‬‭ ‬أتعلمون ما‮ ‬يقول هذا؟ إنه‮ ‬يقول اعرفوني‮- ‬اعرفوني‮!!‬

‬والنميري‮ ‬مخلص جداً‮.. ‬ولكن ‮(‬2‮‬ ‮{.. ‬وإذاعة القوات المسلحة التي‮ ‬تنجح جداً‭ ‬تجعلنا نحرص على‭ ‬بعض برامجها‮.‬ ‮{ ‬والإذاعة هذه تعيد إلينا مشهد أستاذ في‮ ‬المتوسطة‮ ‬يلصق أنوفنا بالحائط ليقول إن‮ »‬ما نقترب منه جداً‮- ‬لا نراه‮«‬ ‮{.. ‬وما نقترب منه هو مشكلة الجنوب‮.‬ ‮{ ‬وفي‮ ‬إذاعة القوات المسلحة كان السيد ديشان‮ ‬يقول إن ‮: ‬الشمال فيه ثلاثة ملايين من الجنوبيين‮ - ‬والحركة تدعوهم إلى‭ ‬العودة جنوباً‮..‬ والحركة تطلب منهم أن‮ ‬ينزعوا أطفالهم من المد ارس هنا‮- ‬ويذهبوا إلى‭ ‬الجنوب‮ - ‬حيث لا مدارس‮- ‬وأن‮ ‬يتركوا بيوتهم هنا ويذهبوا إلى‭ ‬الجنوب حيث لا بيوت‮- ‬وأن‮ ‬يهجروا مهنهم هنا‮.. ‬ويذهبوا جنوباً‭ ‬حيث العطالة‮.‬ ‮{.. ‬قبلها كان بونا ملوال‮ ‬يقول هذا ليدهشنا كلاهما بأننا لا نرى‭ ‬ما تحت أنفنا‮.‬ ‮{.. ‬لكن السيد ديشان‮ ‬يقول شيئاً‭ ‬مذهلاً‮.. ‬ديشان‮ ‬يقول‮:‬ ‮{ ‬الحركة الشعبية لم تفعل شيئاً‭ ‬لتنمية الجنوب رغم ملايين البترول لسبب بسيط وهو أن رجال الحركة الشعبية أرسلوا الأموال إلى‭ ‬سويسرا وأوروبا حيث شيدوا البيوت والحسابات‮.‬ ‮{‬اتهام بالسرقة عديل؟ ‮{ .. ‬والحركة الشعبية لا تصرخ متهمة ديشان بإساءة السمعة‮- ‬فالحركة أكثر معرفة بالعواقب‮!!‬ ‮(‬3‮‬ ‮{.. ‬والسيدة ناهد محمد الحسن تذهب في‮ ‬حديثها عن نسخ تعدد الزوجات الآن إلى‭ ‬أن‮:‬ ‮{ ‬الغرائز شئ‭ ‬يمكن التحكم فيه‮ - ‬مثلما‮ ‬يفعل بعض الهنود في‮ ‬رياضة»اليوجا‮«.‬ ‮{ ‬وأن الثقافة الآن تذهب بالرجل إلى‭ ‬هذا‮ ‬ ‮.. ‬وأن البيئة حول الإنسان هي‮ ‬ما‮ ‬يقود أو‮ ‬يحبط هذه الغرائز‮..‬ ‮{‬و‮...‬و‮...‬ ‮{ ‬السيدة ناهد تقول إن المجتمعات الآن‮ ‬غرائز الناس فيها أقل إشتعالاً‭ ‬لأنه لا توجد الآن مهيجات للغرائز هذه او هكذا قالت المرأة تلك التي‮ ‬هي‮ ‬طبيب علم نفس‮!!‬ ‮{‬فهمنا للدين إذن‮- ‬تخبط‮.. ‬مهما كان الإخلاص‮.‬ ‮{ ‬والتخبط هذا‮ ‬يركبه أمثال الشيوعيين الذين‮ ‬يحتفلون بمحمود ليركبوا ظهورنا‮.‬ ‮{.. ‬ولماذا لا‮ ‬يفعلون؟ ‮{.. ‬وفهمنا لمقاصد الحركة الشعبية‮ - ‬تخبط ‮- ‬والتخبط هذا‮ ‬يستغله باقان وسلفا ليركبوا ظهورنا‮.‬ ‮{ ‬ولماذا لا‮ ‬يفعلون؟؟ ‮{ ‬وفهمنا للمجتمع هو فهم السيدة ناهد هذه‮..‬و ‮{..‬و»العامة‮« ‬ليست هي‮ ‬الجهة المتخبطة الوحيدة‮.. ‬فالمحاكم والقضاة الذين‮ ‬يقرأون في‮ ‬كتاب الله سبحانه‮: »‬واضربوهن‮«‬،‭ ‬يحكمون بطلاق المرأة إذا ضربها زوجها‮.‬ ‮{ ‬محاكم السودان تحكم بهذا الآن‮!!‬ ‮{.. ‬والمحاكم هذه سوف تلغي‮ ‬القانون هذا حين‮ ‬يلغيه الغرب‮.. ‬مثلما تفعل وزارة التربية عندنا التي‮ ‬تلغي‮ ‬جلد الأطفال في‮ ‬المدارس حين‮ ‬يُلغى‭ ‬في‮ ‬أوربا‮- ‬ثم تعود إليه حين تعيده الآن أوربا‮.‬ ‮{ .. ‬وما دام التقليد‮ ‬يمضي‮ ‬هكذا فلماذا لا نقلّد‮ »‬روما‮«‬‭ ‬في‮ ‬كل شئ‮.‬ ‮{ ‬ففي‮ ‬روما القديمة كان المجلس الحاكم‮ »‬السيناتو‮«‬‭ ‬الذي‮ ‬يتلقى‭ ‬مشروعاً‭ ‬من النواب ويقوم بتطبيقه‮ ‬يعود ويصدر حكمه على‭ ‬النائب صاحب الاقتراح إذا ثبت أن الاقتراح مضر‮.‬ ‮{.. ‬والنائب‮ ‬يعدم‮.. !! ‬فقط‮.‬ ‮{ ‬اللهم نسألك قانوناً‭ ‬مثل هذا‮!!‬


http://alintibaha.sd/index.php?option=com_content&task=...iew&id=98&Itemid=108
_________

Post: #765
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-26-2008, 04:21 AM
Parent: #764


كتب اسحق احمد فضل الله
==
رد التحية‮.. ‬بعد عشرين سنة
كتب mohaned
Friday, 18 January 2008


أستاذة..



{ لا أعرف في أي الأرض أنت.. في عالمنا أم عالم الملائكة.. ومنذ عشر سنوات.. وأكثر.



{ وطفلتي تقف على أقدام قصيرة وتصيح بي



{ أڤوي..



تقلب حرف »الباء« إلى »v«



وتصيح محرضة ضد أخيها الذي يمشي حافياً



.. ثم تكتشف أنها تمشي حافية.. وتحاول إخفاء قدميها وراء ظهرها.



: تخيلي من يحاول إخفاء قدميه وراء ظهره وهو يقف عليهما



{ كان ممكناً أن تكون الطفلة هذه طفلتك أنت !! أو تكون هي أنت ذاتك فالجدال الطويل بيننا...



لم يكن إلا محاولة منك لإخفاء قدميك وراء ظهرك.



{ وفي الأسبوع الماضي كانوا يهدمون البيت العجوز الذي كان يضم صحيفة الانقاذ..



{ كنا نثرثر هناك. كاتب وقارئة - ومشاجرة.. مشاجرة حقيقية.. مشاجرة طويلة- وهدايا وجدال.. و



{ وباتفاق ودون كلمة كنا نحرص بدقة على أن نظل كاتب وقارئة ومشاجرة... و



{ والهدايا كانت صغيرة لذيذة ولامعة مثل فقاقيع الصابون في حمام فاخر



{... والمشاجرة الحقيقية ودون كلمات كان كل منا يصنعها ليقول للآخر



: احم.. احم.. نحن هنا.. كف عن ازعاجي حتى أتمكن أنا من إزعاجك





قبل عامين وكأننا نستأنف الإزعاج هذا.. كتبنا نقص تلك الأيام.. أيام بدايات صحيفة الانقاذ.. وأيام لم يكن لأحد مكتب.. وكل واحد كان يجلس في كل مكان.

{.. والمحررون حين يلتقون بك في ممرات الصحيفة يدلونك على مكاني دون سؤال.. فالمشاجرة كانت مشهورة.

{ قلنا إنك كنت فتاة أرهقها السفر والسهر ومطارات الدنيا واضواؤها المدببة مثل الزجاج المنثور.

وآنك كنت تحملين شعراً مبهولاً وآراء مبهولة وغلياناً قاتلاً.. وثقافة حادة مشعثة.. وسخطاً له كل أسنان المطارات.

{ وبعض كتاباتنا تجعلك تعثرين على شيخ »تفشين« غيظك فيه - شيخ فيه ثقوب ثقافة غربية تصلح لأن تسكبي فيها براكينك حتى تأكلي كبده وكبد كل شيخ ممن يقتلون الناس بشئ اسمه الاسلام

{ كنت كافرة عديل!!

{.. وفي الصحيفة جلست تسخرين من كل شئ .. من المكتب المشعث ومن مضيفك المشعث »شيخ دين في بنطلون؟!.. أين حصانك بالمناسبة« وتسخرين من الثقافة الاسلامية المشعثة و..

{ وبادلناك السخرية.. ولم نتحرج ونحن نسخر حتى من قميصك الأحمر الذي ينقص زراراً ومن أصابعك الصفراء من التدخين.. ومن الصحراء التي سقطت فيها - فلا أنت سودانية ولا أنت أجنبية.. »بالمناسبة تعرفي تقولي سجمي؟!

- وتشاتمنا..

{ مع الأيام تعثرين على مكاننا دون جهد.. والسباب يتحول مع الأيام إلى نقد ونقض - ويا لهول

القراءات التي ترقد في شقوق ذاكرتك العطشانة .. المتعبة- والتعب يحول الحديث إلى أنس هادئ وكلمات مغمغمة.. وأحياناً إلى صمت له مذاق القهوة الحارة في صباح الشتاء

{ وكنت تعرفين أنني أقول لك أنني شيخ أشوس الطباع- مدبب الشوك بحيث لا أمل في حصاره - وأنه لا عنده شئ ولا هو يريد شيئاً- وأنه يفخر بدينه فخراً له استعراض ورقص .. ويعرف الغرب معرفة تجعله يركل مؤخرته.

{ ودون كلمات كنت أقول لك

: لا أريدك.. اذهبي -

ودون كلمات كنت تقولين لي

: ومين عايزك؟ طظ...!

{ حتى اللؤم كانت ماهرة في إرساله دون لؤم

{ وكنت تدفعين بنا في مكر إلى حافة الهاوية وأنت تتأملين اسلام محمود محمد طه الذي يعدمه اسلام النميري »المرقع«.. وتحكين قصة الدرويش الذي ملك على نميري أمره وهو يرتدي أي شئ ويقول أي شئ في أي مكان وإلى درجة أن الرجل في بداية لقاء ضخم يشهده أجانب كثيرون انطلق يهلل ويكبر ويهزج و.. و.. والأمر يطول حتى يضطر النميري إلى أن يقول

: يا شيخ فلان.. حقو ننضبط شوية

{ وما بين دين محمود ودين صاحب النميري هذا ودين صاحبنا في بورتسودان نتخبط الآن ونتخبط = وأنت مبسوطة= منذ عقود.. وتبشرين الانقاذ بالعرض المستمر .

{ وعن استغلال الساسة لعقول الجماهير- والأمر قديم- تقصين حكاية »الحذاء« في مسرحية يوليوس قيصر والذي يقود مظاهرة طويلة.. وحين تعتقله الشرطة ويسألونه فيم يقود هذه المظاهرة يقول ببساطة

:أقود المظاهرة هذه وذلك حتى تهترئ أحذية المتظاهرين وتنقطع سيورها- ويكثر كسبي من إصلاحها.

{ عديل كدة!!

{ بالمناسبة يا هذه - الأحزاب التي تقود المظاهرات الآن احتجاجاً على مقتل طالب الجزيرة تفعل الأمر ذاته - فالأحزاب هذه تعرف أن طالب النيلين الاسلامي قتله ناس الحركة الشعبية - وطالب الكلية تلك في أمدرمان قتله الشيوعيون و.. وو

{ لكن الأحزاب تقول للناس =- أنتم لا عقول لكم - فاتبعونا حتى تنقطع أحذيتكم ونكسب نحن.

{ وددت أنك الآن هنا تشفطين سيجارتك وتطلقين السخريات والمطاعنات وتشتمين وأنا ألعن جدودك..

{ لكن .. هل السياسة وحدها هي ما يجعلنا نشتهي حضورك ورائحة سجائرك المختلطة بروائح أخرى.. روائح لها رموش مدببة!؟؟ ونتذكر يوم سبيطة البلح

{.. ونشتهي أن »ندفر« يوم سبيطة البلح إلى الوراء خطوتين.

{ ويوم سبيطة البلح روينا حكايته قبل عامين

- اليوم الذي لم ترجعي بعده أبداً

{.. فوق ركام بيت الصحيفة الذي يهدمونه الآن وقفنا نذكر هداياك.

{.. هداياك الغريبة.. وتذكرين بالطبع يوم جئت ببيضة دجاج فارغة؟؟

؛قلت في شراسة: تأمل هندستها - أراهن أنك لم تفعل ذلك في حياتك - تكسر وتأكل وبس !! كلكم عمي لا ترون الكون تحت أنفكم وتزعمون أنكم ترون الملائكة والجنة.

{.. ثم جئت بسبيطة بلح.. ذات صباح

{.. ولا أنسى المشهد لأنه... ولأنه..

{ في المكتب الخالي كنت غارقاً في ساعة من الكرب الكروب- ودخلت أنت وألقيت على المكتب بسبيطة بلح- .. »رررب«

{.. والاختناق لم يسمح للكلمات بالخروج لرد تحيتك - وخرجت أنت..

{ بعد لحظات كانت سبيطة البلح تنزلق وتسقط على الأرض.. وأنا غارق في الكرب لا التفت اليها.. وبقيت على الارض..

{ .. بعدها كنت أشعر بشئ عند الباب- لا يدخل- ولا يخرج.. ورفعت بصري- وكنت أنت هناك- عيونك عندي وعند السبيطة على الأرض.

{ ورموشك تهبط تجاه خدودك في أسف عميق كأنها يد تقبض فم الجرح بعد خروج السكين.

{.. تحولت راجعة.. ثم لم تعودي بعدها أبداً.

{ كان هذا منذ عشر سنوات.. منذ خمسة عشر عاماً.. منذ سبعة عشر عاماً وشهرين!!

{ .. وجدتهم أمس يهدمون المبنى العجوز = مبنى الصحيفة.. وتذكرتك.

{ ويحتفلون بدين محمود محمد طه هذه الأيام وليتهم سمعوا سخرياتك ونتذكرك. { ويقودون مظاهرات »الحذاء« هذه الأيام.. يقولون إنهم يطلبون دم طالب الجزيرة بينما »النقلتي« إنما يطلب مكسباًو.. و.. نتذكرك

{ أستاذة..

{ أين أنت؟.. اتصلي

{ بالمناسبة.. أنا على يقين من أنك الآن تؤدين لله صلاة خاشعة فمن يتأمل الحياة بالحدة التي تحملينها لا يموت إلا على دين ابراهيم بن ادهم.


http://alintibaha.sd/index.php?option=com_content&task=...iew&id=46&Itemid=108
__

Post: #766
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-26-2008, 04:22 AM
Parent: #765



حضور النساء لعقودات الزيجات وتزييف الحقائق
عبدالله عثمان

للأستاذ محمود محمد طه قولة مأثورة هي "ان الاعلام والأقلام عند غير أهلها اليوم"، تذكرت ذلك وأنا أطالع مقالا منقولا عن جريدة الخرطوم في صفحة السودانيين علي الشبكة العالمية sudaneseonline ، للكاتب مصطفي أبو العزائم الذي نقل وصفا لزواج كريمة الدكتور الترابي، أشتمل وصفه علي الطرقات التي ضاقت بسيارات راكبيها، واجراءات العقد حتي غناء الفنانة "حواء الطقطاقة"، بحضور الشيخ حسن الفاتح قريب الله!! كل هذا اللبن!! سمك، تمر هندي الذي تم في منزل شيخ داعية أسلامي لم يستوقفني كثيرا مثلما أستوقفني حقا حديث الكاتب عن حضور المرأة لأول مرة – ربما في تاريخ السودان الاجتماعي للزيجات!! أحترت وقلت لو كان هذا الصحفي يعلم أن الحقيقة غير ذلك، ثم هو أخفاها، فتلك مصيبة، وان لم يكن يعلم فالمصيبة أعظم!! ان الثابت في الأمر أن الأستاذ محمود محمد طه كان قد أجري عقد قران بالموردة في مطلع سبيعينات القرن المنصرم وأخرج كتبيا بأسم "خطوة نحو الزواج في الاسلام" بتاريخ يناير 1971، ومنذ ذلك التاريخ تمت مئات الزيجات المباركات وقد كان حضور العروس وصديقاتها وأهلها من النساء من أساسيات تلك العقودات التي شهدتها كثير من مدن السودان المختلفة وحظيت الخرطوم منها بنصيب كبير. ليس هذا هو الخبر ولكن الخبر أن كثيرا من فقهاء السلطان – وأعيذ الكاتب أن يكون أحدهم- قد أنكروا علينا ذلك نكرانا مبينا- ففي مطلع عام 1974 تمت لنا زيجة مباركة بحي دردق بمدينة ودمدني، فقام فقهاء المدينة من شاكلة الشيخ حسن عبدالعزيز حمومة وعبدالرحمن عبد السلام وغيرهما بهجوم مخل بكل منطق علينا، ومن أساسيات هجومهم – حضور النساء للعقد!! وفي كوستي كان الأمر أغرب اذ رفع فقهاء المدينة وتجارها!! عريضة لرئيس الجمهورية بصورة للمحافظ وقضاة المدينة يستنكرون فيها زيجتان تمتا للجمهوريين بحي السكة حديد بكوستي في أخريات العام 1973 – راجع كتاب قضايا كوستي للأستاذ سعيد الطيب شايب يوليو 1975 – صفحة 30 وما بعدها- وظل الأمر كذلك والناس وبخاصة الفقهاء ينكرون علينا ذلك، وقد كان ديدنا، كما عرف الناس عنا، أن نقارعهم الحجة بالحجة فأخرجت الأخوات الجمهوريات كتيبا بعنوان "كيف ولماذا خرجت المرأة الجمهورية" ليؤسس من الدين الحنيف لخروج المرأة، ولكن ما زال فقهاء السلطان يفتئتون علينا ويحسبون ذلك كفرا مبينا!! حتي خروج نساءنا لتشييع موتانا بالذكر المفرد "الله الله الله" حتي المقابر كان ولا يزال يعد منكرا من المنكرات عند أولئك الفقهاء ومن لف لفهم!! وقد وصل الأمر بأحدهم أن يتقول علينا في المساجد بودمدني عقب رحيل عزيزنا الراحل عبد الرحمن أحمد عساكر،كما ورد بكتابنا "تعلموا كيف تجهزون موتاكم الصادر في مايو عام 1978 " ومن المؤسف حقاً أن تنطلق هذه الشائعات من بعض (( رجال الدين)) بالمدينة، ومنها ما قاله أحدهم بأحد المساجد (( وقد بلغني ممن أثق فيه أن المتوفى لم يغسله الجمهوريون الغسل الشرعي، ولم يكفنوه الكفن الشرعي كما لم يصلّوا عليه صلاة الجنازة الشرعية، وأن نعشه قد حمل على عواتق البنات إلى المقابر..))!! وتدور سائر الإشاعات الأخرى على هذا النحو من السفه والاسفاف الذي لا نرى خيراً في متابعته..
راجع الكتب المذكورة علي www.alfikra.org
ولعل نفس الأمر ينطبق علي حديثنا عن الضحية وأنها ليست واجبة لا علي الأغنياء ولا علي الفقراء الذي اصدرنا عنه منشورا بتاريخ 7/11/1978 ثم أعقبناه بكتاب يبين في جلاء عدم وجوب الضحية، ذلك عندما كان الخروف بجنيهات قد لا تتعدي الخمس، وكان وقتها الناس يتندرون ويتضاحكون علينا ويرموننا بالويل والثبور وعظائم الأمور ولكن عندا صار الخروف بالآف الجنيهات، كثر الحديث عن ديك ابن عباس ويكاد فضيلة المفتي يأتي بذلك الديك للتلفزيون كل عام عندما يحين موعد الأضحية ويبارك للسيد رئيس الجمهورية حدبه علي "اقامة سنة النبي بالتضحية عن فقراء أمته"!! نفس هؤلاء الفقهاء الذين كان ينعون ذلك علي رجل بسيط يسكن بيت الجالوص في أطراف الثورة، ولكنهم لا يستنكرونه علي أصحاب السلطان!!
ثم لا يزال السؤال يواجه دكتور الترابي وحسن الفاتح قريب الله وأضرابهم من الفقهاء: من أين لكم بالمرأة تسفر لغير ضرورة وتخرج أمام الرجال – حتي حواء الطقطاقة – ودونكم آية "وقرن في بيوتكن"؟؟؟؟
_________________

Post: #767
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-26-2008, 05:35 AM
Parent: #1



عون الشريف: موته الوديع الوسيم



د. عبد الله على إبراهيم


مضى الى الرحاب السنية، رحاب ربه، البروفسير الوزير العالم المحدث الثبت الحجة المحقق عون الشريف قاسم. وبكي الناس سودانياً خلوقاً عذباً للبشر على وجهه نبع وللحفاوة دوحة. لم يتمترس خلف ألقابه دون غمار الناس واواسطهم فعل الأفندية الأشاوس. فقد طهره من هذا الرجس أنه مثقف أدرك أن مرجعه في شغله هم العامة بإرثهم من الإسلام والعربية وحيلته على الدنيا بهم. أما الأفندية فمرجعيتهم وحي أو وهم من الخارج يريد ان يفرغ العامة من ثقافتها ليعبئها بمدنية مجلوبة.

كانت سودانيته مستقاة من فروسية "يا أبو مروءة". فقد قصدته عصراً مع جماعة في نحو عام 1980 نطلب منه أن يتدخل لإطلاق سراح الشاعر حبيبنا محجوب شريف من السجن ليري أمه المحتضرة مرآه الأخير. وكان وقتها فى أمانة ما بالاتحاد الاشتراكي. ووالله ووالله قضي سحابة عصره ومغربه وعشائه في شغل يطرق تلفونات جهات الاختصاص. وبلغنا فجر اليوم التالي أن محجوب طليق السراح وكانت له حضرة عند سرير موت "الوالدة يا مريم". وكانت هذه التجربة في صون المعاني التي لا غنى عنها، والاستبداد ضارب أطنابه، مما جادلت بها جماعة من دعاة حقوق الإنسان. فقد بدا لي عملهم منحصراً في الترويج لقضايا المعتقلين على طريقة قميص عثمان. وهذا باب في المعارضة لا غير. فليس نحاسب الناشط في حقوق الإنسان على كم مذكرة احتجاج أذاعها على الملأ. أهم من ذلك نسأله كم سراحاً أطلق وكم هماً فرج وكم معني عزيزاً صان وما طول يده حتى بين طاقم النظام القاسي يجندهم لراحة المعتقلين. وهذه هي العاطفة الأصل في حركة حقوق الإنسان أما ما عداها فهو من طبول الهرج.

لعون مشروع في النهضة او البعث الوطني الحضاري من نسق معروف في المستعمرات السابقة. فمطلب هذا المشروع أن يسترد أصالة للأمة جهلها الاستعمار وأساء اليها. وهو يفعل ذلك بصحوة للأمة تسترد فيها الصفوة ذاتها من شائبة الاستعمار لتتصل بتراثها وشعبها في عملية خلاقة نحو حداثة مبتكرة ليست هي حداثة الغرب حذو النعل بالنعل. وقال الدكتور البوني، على ما أعتقد، محقاً إنه قل من نظر في مشروع عون الإسلامي مثل نظرنا في مشروع الدكتور الشيخ الترابي أو السيد الصادق المهدي أو المرحوم محمود محمد طه. وربما كان تفسير ذلك هو أنه بلا عصبة في حين استكثر منها الآخرون. ولتعويض قلة العصبة لجأ عون بدعوته إلى الدولة خلال وزارته الطويلة بنظام نميري (1969-1985). وهو نظام جاءه عون في عصبة مع ذلك. فعون من تيار حركة المستقلين من الطلاب من أرادوا منذ الأربعينات شق طريق فكري وسط بين الشيوعيين والإسلاميين. وكان ممثلاً نشطاً لهم باتحاد طلاب جامعة الخرطوم في منتصف الخمسينات. وكان تيار المستقلين في الحلف الذي سند انقلاب مايو. وكانت لهم مشاحنات مع الشيوعيين ذوي الغلبة في باكر عهد الانقلاب ثم خلا لهم الجو بعد خروج الشيوعيين من الحلف في 1971. وربما حجب تسييس نميري الدين بصورة سلطانية أقباس عون لتجديد الدين. وقد شقي عون من مكر نميري بالدين بطريقته اللطيفة في الهزء بالذات. فقد جئته يوماً في آخر السبعينات اعرض عليه فصلاً من رسالتي للماجستير التي كان يشرف عليها. وكان نميري أجرى تعديلاً وزارياً أبعد عون من وزارة الشئون الدينية والأوقاف وعينه على رأس لجنة تعيد النظر في مقاصد وهيكل الوزارة. وسألت عون عن جلية المسألة فقال: "بقت علينا حكاية التي نقضت غزلها"

ودعوة عون ليست دعوة دينية وإنما هي دعوة حضارية يريد بها استعادة فعالية الشخصية القومية في عالم ما بعد الاستعمار المباشر. فهي ليست دعوة دينية صرفة لأنها تستدبر المعيار الديني النابع من تخلف المسلمين وتنظر إلى حقائق الشوكة في العالم في وصل الدين بالمجتمع. فالاستعمار في مركز دائرة نظر عون. فليس بوسع طالب للنهضة في السودان أن يقفز فوق الإسلام إلا من كانت قفزته في الظلام. فالشخصية أو الأصالة السودانية الشمالية هي صياغة لحضارة الإسلام في تفاعلها مع بئية السودان المخصوصة. فطالب نهضة السودان سيجد الاستعمار قد أفسد عليه جسر بلوغ تلك الأصالة بطريقين. فهو أولاً قد نفى تراثنا عنا فصادر عنا ملكة تدراسه وتأمله وإجالة النظر فيه وأن نجري من التطوير والتحوير والتطوير بما يتلاءم وتغير الأحوال والظروف. ولما انعدمت فينا هذه الحيل الفكرية والابداعية قبلنا بإزدواجية ثقافية مملاة من المستعمرين. فهم مثلاً استبعدوا الشريعة مسبقاً من التشريع المدني والجنائي بغير جريرة كما وصفت ذلك في كتابي "الشريعة والحداثة" وقبلنا منهم بذلك. بل يرى بعضنا في ذلك منشأ مشروعه العلماني في فصل الدين عن الدولة. وهو مطلب مشروع لولا فساد أساسه الأول. فمن رأي عون أنه لم نكن بحاجة إلى فصل الدين عن المجتمع لو لم يجمد الاستعمار الإسلام أولاً ويعطل اجتهادنا فيه ثانياً.

واتبع عون خطة الأفروعروبية في النظر إلى هوية السودانيين. وهي الخطة التى ترى السودانيين رحيق تزواج خلاق بين العرب المسلمين، ممن جاءوا إلى السودان بدءاً بالقرن السابع الميلادي، والأفارقة مستظلة بسماحة الإسلام التي قضت بتعارف الشعوب والأعراق ونوهت بنعمة اختلاف الألسن والرأي. وقد تأسست كتبه العديدة الأخيرة عن الأنساب على هذه الفرضية البحثية. واتفقنا معها او اختلفنا في منطق نظريتها فخطة الأفروعربية هي التي جعلت جيل الستينات من المبدعين جيلاً فطحلاً. فقد استبطنت مدرسة الخرطوم و انجبت لنا درر إبراهيم الصلحي في التشكيل واستكنت في شعر مدرسة الغابة الصحراء ورزقتنا شعر محمد المكي إبراهيم ومحمد عبدالحي. وكلهم نظروا في كتاب البروفسير يوسف فضل حسن للحصول على أثاثاتهم الفكرية. واهتدى عون بالأفرعروبية إلى كتابه قاموس الألفاظ العامية الذي سارت بذكره الركبان. وقد سخر لي الله أن كنت من شهود الكتاب وهو نطفة فكرية. فكنا في جمعية الثقافة الوطنية بجامعة الخرطوم دعونا عوناً إلى رحلة بحدائق أبى العلا في اوائل الستينات لو اسعفتني الذاكرة. وفوجئنا به يخرج نوتة صغيرة من جيبه يلتقط ألفاظاً من مجري الحديث وقد يغير دفته طلباً لمعني اللفظ وصور نطقه في بئيات السودان المختلفة. ولم يرتح الطربيون في الرحلة إلى تحويل عون لها إلى "حصة إملاء" (في فكاهة منسوبة إلى المرحوم محمد التوم التيجاني"). وقد بقي لعون عندي له هذا الشغف المدجج للمعرفة فكنت استعيد يومنا ذلك في الرحلة كلما اخرجت نوتتي خلال عملى الميدان في بادية الكبابيش وحقول الرباطاب.

وحالة عون من بين من اقتنعوا بهذه الهجنة الخلاقة فريدة. فهي مما يسميه علماء الثقافة بتطابق ترجمة شخص مخصوص و التاريخ العام للجماعة. فعون نفسه ثمرة تلاقح عربي أفريقي أقرب من أياً منا للحظة التكوين السوداتي كما تراه الأفروعروبية. فهو الجيل الأول من زواج والده الشريف القاسم أحمد الجيلي، اليماني أصلاً، بإمرأة من قرية الحلفاية حين قدم إلي السودان في مطلع القرن الماضي. وانغمس الشريف في محبة السادة الختمية وأصبح من خلفائهم المشهود لهم وصديقاً للسيد علي الميرغني. وكتب الشريف القاسم كل أناشيد شباب الختمية الذائعة الآن وكان يختم كل منها، كما درجت عادة نظم المدائح، بشطر يقول فيه "قاسم الجيلي نظم لكم يأ أهل الكرم" يثبت فيه حق التأليف ويرجو البركة. ولم يعد الشريف إلي اليمن حتى وفاته عام 1979. ولم ير عون نفسه اليمن إلا بعد بلوغه السبعين عام 2004. وهكذا فعون هو بمنزلة النطفة الأولي التي تخلق منها الإنسان الأفروعروبي السوداني في ظل سماحة الإسلام.

ويري عون أن العامية السودانية جاءت من كنف هذه الخلطة البديعة. فهي قد نشأت في منطقة النيل الوسطي التي شهدت التمازج المثالي بين العرب وغير العرب في السودان. فأقصي الشمال لم يتعرض لضغط قوي من هجرات العرب لفقر بئيته خلافاً للوسط من حول الخرطوم الذي تحقق به التمازج الحق بين النوبة والعرب. فقد بقيت في الشمال لغات النوبة وبقي تيار قوي من الأثر النوبي حتي في لهجة الشايقية العربية. أما الوسط فقد اصبح بوتقة توازنت فيها العناصر الثقافية ونشأت في أثره "منطقة تعادل لغوي" يتمثل فيها "القدر المشترك بين كافة القبائل العربية في السودان، الي جانب ما تأثرت به هذه القبائل بحكم اتصالها بالسكان الأصليين سواء اكانوا البجة في شرق البلاد أم النوبة في حوض النيل، أم العناصر النيلية في الجنوب، أم الكردفانية والدارفورية في الغرب". وقد استبعدت منطقة التعادل اللغوي الوسطية الحضرية المستقرة هذه لغة البادية الحوشية العسيرة .

ويتنامى النقد منذ حين للأسس النظرية الأفرعروبية بغير جحود لما ترامى لنا منها من ثمر جميل في الإبداع من دوحتها الوارفة. فقد توافر الدكتوران عبدالله بولا وحسن موسي على نقد مدرسة الخرطوم. واتفق لكاتب هذا المقال نقد مدرسة الغابة والصحراء. أما مدرسة عون في عامية السودان فقد تناولها بالنقد الدكتور شاع الدين محمد الحسن شاع الدين. فمن رأيه أن عون قد حمل هجنة العامية العربية محملاً بعيداً نسب معه كلمات صحيحة الأصول العربية الي هذه العامية المزعومة كهجين عربي افريقي.

لدى نعى الناعي عوناً تذكرت أننى كنت كلما قلبت كتبه الحسنة عن أنساب حلفاية الملوك، بلده و قبيله، أتذكر قول الدكتور عزالدين الأمين يوماً لي. سألته يوماً عن كتابه عن أهله علماء قرية كترانج بالجزيرة الذي توافر على كتابته بعد تآليف عديدة عن أمور أخرى بعيدة. قال لي يا ابني تطوف بقلمك في آفاق الدنيا وتحلق في موضوعات العالمين ويطول بك التطواف ثم تعود في شيخوختك تكتب عن مأثرة قريتك. وتساءل: هل يضيق ماعون المؤلف وموضوعاته كلما اقترب من من ضيق آخر هو القبر؟ ويقول أهلنا قديماً يموت المرء في مكان "مخموشته" أى فى موضع تخلقه من صلصال بلده. وهو الموت الوديع الوسيم. وضم قبر بالحلفاية عوناً الذي هو باحثها المفلق وضرب بها مثلاً في الإلفة على حد الهجنة والإسلام. إنزل ربي شآبيب رحمتك على عبدك العالم المحدث الثبت المحقق الهاش الباش عون الشريف الذي بر أهله بمزجهم على الألفة والاحسان والتراحم بين دفتي كتاب. والحمد لله.

Post: #768
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-26-2008, 05:37 AM
Parent: #767


صه يا كنار

عبد الله على إبراهيم

ربما كان نزع الصفة السلطانية عن احتفال الذكرى الذهبية لاستقلال السودان هو السبب في حيوية بعض مشاهده. فقد تشربتْ هذه المشاهد بعاطفة خالصة للوطن وخيال مجنح يفسده السلطان حين يرهن عمومية المناسبة بخصوصية متاعبه وإيدلوجيته. وأذكر احتفالاً لنا بالاستقلال بحلة الداخلة بعطبرة في أوائل الستينات اضطررنا أن نستأذن لقيامه من الحاكم العسكري للمديرية الشمالية على عهد الفريق عبود. ولم نقف الساعات الطوال أمام النقيب عواض، سكرتير الأميرالاي أحمد المهدي حامد، الحاكم العسكري بسلاح المدفعية، نلحف في الطلب بل جرّت علينا جُرأتنا هذه كيد الأمن لاحقاً. وما زلت احتفظ بصورة للجنة الاحتفال ضمت الرفيق المرحوم عبد الله محي الدين والأستاذ إمام علي بري والمعلم الركن ميرغني عبد الرحمن حميد وآخرين. وما زال كذلك احتفالاً احفظ له بامتنان حيث تعلمنا منه ونحن في غضارة الشباب جسارة العمل بين الناس في ظل النظم البغيضة لا تولية الأدبار والنضال أو مزاعمه من على بعد. وسمّى استاذنا عبد الخالق محجوب هذه المزاعم بالتطهّر من الجماهير.

من آيات خيال الاحتفال الذهبي الطليقة إعادة إنتاج لحظة رفع العلم وجلسة البرلمان التي تقرر فيها الإجماع على استقلال السودان الذي تخطت بها البلاد شد الاتحاديين مع مصر وجذب الاستقلاليين (عن مصر في الغالب) الذي طبع الحركة الوطنية وأذاها. ولم أملك، وأنا أشاهد تلك الجلسة المستعادة ولحظة رفع العلم في التلفزيون، إلا أن استحضر مشهداً مماثلا توظيف التاريخ قمنا به في منظمة ابادماك للكتّاب والفنانين التقدميين عام 1969 إعدنا فيه إنتاج واقعة شهداء القصر نهار 26 أكتوبر 1964 حيث صرعوا امام القصر الجمهوري. وكنا طلبنا من نظام مايو اليساري الجديد ألا يشلع ساحة القصر من الكراسي بعد الاحتفال الرسمي بالثورة ليجلس عليها جمهورنا. وقد أجاد الأستاذ صلاح قولة، وهو من مصر، إخراج النص الوثائقي الذي قمتُ بكتابته وعنوانه "قائمة باسماء الشهداء". وقد نشرته ضمن مجموعة مسرحية بعنوان "من تصريح لمزارع من جودة".

وقد اسعدتني أيضاً ندوة المشائخ على التلفزيون عن دورهم في تحقيق الاستقلال الوطني التي قدمها مولانا الزين أحمد خير. وقد استعاد فيها المشاركون ذكريات عن مشائخ من غمارهم ومن طلائعهم مثل الشيخ الغبشاوي ممن ناصبوا الانجليز العداء بعاطفة دينية وطنية لا فرق. وحكى الدكتور جعفر شيخ إدريس (الشيخ طوعاً) عن خطيب مسجد ببورتسودان انزعج منه الإنجليز فقالوا له ننفيك إلى بلدك ويقصدون دنقلا. فقال لهم بغير اكتراث: "وهل بورتسودان لندن؟" وقد اسعدني أن استعاد الأستاذ الصادق عبد الله عبد الماجد ذكرى الشاعر الفحل حسين منصور المعلم بالمعهد العلمي بام درمان وقصيدته "قياما قياما مع القائم" لطلاوتها، وعاطفتها الثورية الحقة، وأثرها القوي على التيجاني. وقد وُفّق الشيخ الوزير عبد الباسط عبد الماجد في تأطير نضال المشائخ في غير جهاد آحاد منهم بل في نضال مؤسسي لحفظ بقية الدين (كما يقولون والحق أنه أكثره) من مثل إنشاء المعهد العلمي في 1910 بفروعه.

وقد ظلمت الحركة الوطنية الغردونية المشائخ وجعلتهم من "أهل العِمم" ومن صنائع الإنجليز كما تجد في كتاب "كفاح جيل" للأستاذ أحمد خير أو في نقائض المرحوم محمود محمد طه والقضاة الشرعيين المعروفة. وربما صدق هذا التبخيس عن شرائح من المشيخة كما صدق على تيارات من الأفندية الغردونيين. ولن يزيح شائبة تبخيس المشيخة في سجل الغردونيين إلا بالنظر المؤسسي لها ولمساهمتها في الذود عن الثقافة الوطنية. فقد وددت لو تطرق شهود ندوة التلفزيون لخدمة المشائخ الوطنية في تنمية تقليد فقهي سمح في المحاكم الشرعية فى ظل الإنجليز. وقد توفرت على دراسة هذا التشريع أمريكية تقدمية هي الدكتورة كارولين فلوهر-لوبان. وقد تعلمنا منها نحن المحدثين عن خطره وإبداعيته. وقد أصبح كتابها عن إرث القضاة متاحاً لمن لا يحسن الإنجليزية بفضل ترجمة منشورة قام بها الدكتور محجوب التجاني. كما وددت لوتعرضوا لجهاد قضاة الشرع القوي لصيانة وحدة الشريعة بمنع الإنجليز من إغلاق المحاكم الشرعية في الريف في الثلاثينات وتحويل اختصاصها لمحاكم الإدارة الأهلية. وكانت حجة الإنجليز أن أعراف القبائل لا تواطئ الشرع أو هي تعيد تأويله بلا غضاضة. ووقفة مولانا محمد الأمين القرشي ومولانا أحمد المدني، والد مولانا مبارك المدني، ضد هذا المخطط مما شهدت به أوراق الإنجليز. وقد كتبت عن ذلك في كتابي "الشريعة والحداثة."

أما هذا العيد الذهبي فقد كان عيد "صه ياكنار" بلا منازع بفضل برنامج تلفزيوني خصيب قدمه مذيع شاب ،فات عليّ ضبط اسمه، وبدا لي من طغيان هذا النشيد على مشاهد العيد الذهبي أن الأمة ، أخيراً، تحني رأسها عرفاناً لهذا الاستثمار الفريد في وجدانها. فالنشيد يواتي كل من أراد جمع الناس على صعيد واحد. ولذا طربت لقول الأستاذ احمد أدهم بالتلفزيون إن ما يميز "صه ياكنار" أنه نشيد غير إيدلوجي أومتحيز لفريق دون آخر. وقد أجاد حين واصل القول إنه حتى "صرخت روت دمي" ، وهو نشيد مؤتمر الخريجين، إيدلوجي لأنه يقول" أمة أصلها للعرب ودينها خير دين يحب". كما أعجبني قول الدكتور أنس العاقب ما يقرب من اعتبار "صه ياكنار" محض موسيقي من الدرج الأعلى. وهذا حجة في حيادها الجميل المتجاوز للقيل والقال السياسي.

ولهذا يواتي النشيد كل مثالي طالب إجماع العواطف السكوّتي على شأن الوطن الجلل. وقد قرأت هذا المعنى فى قول الأستاذة فيحاء محمد علي في البرنامج التلفزيوني. فقد قالت إنها منشدة دينية ولكن إمامها وحبيبنا الصادق المهدي سألها أن تعتني ب "صه ياكنار" وأن تضيفه لحصيلتها من النشيد. وقد تباطأت ثم فعلت وأشجت. وذكرني هذا بمواتاة النشيد لي يوماً في 1980 رتبنا فيه لتأبين البروفسير مكي شبيكة. فقد اقترحت على اللجنة أن نفتتح الليلة ب "صه ياكنار". ولم يشذ أحد في الموافقة على اقتراحي بزعم عدم خلط الغناء والحزن. فقد اضحت ل "صه يا كنار" منزلة النشيد الوطني. وسعيت لمعهد الموسيقي والمسرح الذي كانت فرقة منه تؤدي النشيد على آلات شعبية بتورزيع علماء كوريين في الموسيقي. ولما جاء شباب وشابات المعهد لأداء النشيد رآهم الدكتور عمر بليل، مدير جامعة الخرطوم آنذاك، يحدقون بقاعة الامتحانات، صالة التأبين، فأنزعج. ثم طمأنته. وعهدي بالغناء في التأبين قديم. فقد أبّنا في أوائل الستينات المرحوم الشاعر محجوب قسم الله، الشهير ب"المنبثق" وأحد مؤسسي رابطة أصدقاء نهر العطبرة في آخر الخمسينات، وغنى لنا في الحفل الأستاذ حسن خليفة العطبراوي قصيدة من وضع المرحوم. ولم يحس أيّ منا بشذوذها عن معني الحزن. كانت رافعة غراء للحزن وربما نقص بدونها.

احتفالنا ب "صه ياكنار" تكريم تأخر طويلاً للموسيقار اسماعيل عبد المعين والشاعر الصاغ محمود أبو بكر. والنشيد ، كما حدثتنا مؤرخة الأغاني الأستاذة فاطمة مدني، ثمرة لقاء صدفة (في التوقيت لا الظرف الثقافي والسياسي) بين الموسيقار والشاعر في قاطرة حلفا في منتصف الأربعينات. فقد كان الموسيقار عائداً من مصر في عطلته من معهد الموسيقي العربية الذي كان ملتحقاً به. وقد أحسن وردي، في ندوة له بالتلفزيون، حين قال إننا غمطنا عبد المعين كثيراً. فهو، أقله، أول من خرج لدراسة الموسيقي، علم الروح والصياع، في حين كان الطلاب آنذاك يطلبون علوم النفع والمادة. ومن استمع إلى أحاديث عبد المعين عن الموسيقي السودانية عرف أنه عاشق متبتل لها وكان نفاذاً إلى مناجمها خطاراً فوق سماواتها الفذة. وكان إنساناً برئياً يقربه ولاؤه للموسيقي من السذاجة . . . الراديكالية:

القدو قدو يا يا

باكلها برايا

وكان الشاعر، من الجهة الأخرى، عائداً من جبهة الشرق الأوسط من الحرب العالمية. ووطنية من حاربوا للقضاء على النازية باسم الحرية هي التي يرد اليها المؤرخون نشأة الحركة الوطنية الجذرية في افريقيا مثل حركة الماو ماو في كينيا وأتباع الرئيس نكروما في غانا ومن استبسلوا في مواجهات المؤتمر الوطني الأفريقي الباكرة ضد نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا. ويبدو أن خلو "صه يا كنار" من الإيدلوجية راجع إلى فدائية عالية اتصف بها محمود: رب للسيف والقلم معاً. وكان ميلاد "صه يا كنار" طاقة اشتعلت في تناصر المصب والنبع والوطن الأسير في بيداء العتمور في "القطار المار."

استذكارنا "صه يا كنار" هو عودة لما أضعناه طويلاً في حرب الطغم المديدة: العرفان.

http://wwww.sacdo.com/web/forum/forum_posts.asp?TID=2488&KW=
_________________

Post: #769
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-26-2008, 05:38 AM
Parent: #768


الجمهوريون: لماذا نحن "نصوصيون"؟

عبدالله عثمان

جامعة أوهايو

فى منبر أسفيرى نعى الأستاذ عبدالكريم الأمين أحمد على الجمهوريين - تلاميذ الأستاذ محمود محمد طه - التطويل فى نقل النصوص، ومن قبل أسماهم د. عبدالله على ابراهيم "عتالة النصوص"، فى هذا المقال القصير سأسعى لإلقاء بعض الضوء على ذلك ولكن يجدر بى أولا أن أشير الى واقعة تاريخية لها دلالاتها ومعانيها الكبيرة فيما نحن بصدده من تكريم الإنسان من حيث هو إنسان واعطاءه قدره اللائق، ثم تكريم الكلمة والإحتفاء بها وعند السيد المسيح "كلمتى لا ترد الىّ فارغة". ولعلنى لست فى حوجة الى الإشارة "المكثفة" لإحتفاء الأكاديمياالغرببة بـ "النصوصية" للحد الذى يجعل بعضهم "عبدة" نصوص.

الواقعة هى أنه لما حرّض الواعظ حسن عبدالعزيز حمومة بعض الغوغاء والمغرر بهم فى مدينة ودمدنى فقاموا بحرق معرض الفكر الجمهورى المقام حينها بنادى الخريجين بحاضرة الجزيرة، سأل الأستاذ محمود الذين أبلغوه الخبر أن هل أخرج أحدكم كراس الإنطباعات (كان الجمهوريين يضعون كراسا يسجل فيه الزوار إنطباعاتهم وتحظى تلك الإنطباعات بإهتمام كبير من الأستاذ والأخوان ولا يزال لنا كراس انطباعات فى موقع الفكرة) لك أن تتخيل معرضا يحوى آلاف الوثائق والكتب والأشرطة والصور ولا يسأل الأستاذ الا عن كراس الإنطباعات، ذلك لأنه النسخة الوحيدة التى هى "أصل" ولا بديل لها وكل ما تبقى يمكن إعادة تدويره أو إنتاجه.

لأهمية ذلك ثم ليقيننا أن ما كتب الأستاذ محمود هو الحق الذى لا حق بعده والا منجاة للبشرية الا به ولأننا ذقنا طعم ذلك ونحب لغيرنا أن يتذوق ذلك أيضا - اذ شعارنا هو شعاره (ولا هطلت على ولا بأرضي سحائب ليس تنتظم البلادا) - لذلك فنحن شديدو الحرص على إيراد النصوص كاملة وندرك - ويفيدنا بعض القراء بذلك - أنها تفعل فى الكثيرين منهم فعل السحر.

ومن هذا الباب فإننا نوّثق أيضا لكل من يكتب قادحا أو مادحا وقد تندهش اذا قلت لك ان بعض تقارير وفود الجمهوريين التى اعتادوا كتابتها أيام حملات توزيع الكتاب قد تحوى بعض أسماء من ودعوهم فى محطات القطار أو مواقف البصات من غير الجمهوريين. نوثّق للتجانى عامر ولعون الشريف ولمحمد محمد على، فى أرشيفنا بعض حديث عن التجانى الماحى وعن سلمى الجيوسى، نكتب ما تفوّه به فى حقنا عطية محمد سعيد أو الشيخ خلف الله كرم الله ببورتسودان، نرصد ما يكتبه جعفر شيخ ادريس وما تتحدث به سعاد الفاتح. كتب وحاضر الأستاذ محمود عن الإسلام والفنون وعن الضحية وعن الخفاض، له رأى فى التكامل وفى صعود الإنسان للقمر وفى تعدد الزوجات، ليس بشىء عنده بمفلت عن البحث أو عن التدقيق لذلك نصح د. مصطفى محمود أن يدع ما يفعل للإشياخ ولم يستبن دكتور مصطفى النصح الا ضحى الغد، نادى بالصلح مع إسرائيل وكان سببا فى نشوء جماعة أباداماك الأدبية التى شغلت الناس عهدا، ولا تنتطح عنزتان فى ان وقفته الشماء وإبتسامته وهو على حبل المشنقة هما وقود إنتفاضة أبريل وملهمة الشعراء والفنانين (يا شعبا تسامى وراجع رزنامة كمال الجزولى عن عركى و18 يناير، عماد براكة وعطره النسائى، عبدالغنى كرم الله وآلآم ظهره الحادة). يشكل حضورا فى نيفاشا والشهيد دكتور قرنق يحدث الصحفيين عن إعجابه واعجاب مقاتليه بالأستاذ محمود ومطالعتهم لكتبه، وتجده حاضرا فى مؤتمرات حزب المؤتمر الوطنى الحاكم وعلى عثمان يحدث قبيله عن "الشعب السودانى شعب عملاق يتقدمه أقزام" وحضوره لا تخطئه عين فى كتابات د. عبدالله على ابراهيم اذا ما كتب عن شيبون، عون الشريف، حاج حمد أو الإتحاد النسائى، وذات الحضور فى أدبيات مؤتمر الطلاب المستقلين وهم يعشقون مقولته "إختلاف مقدار وليس اختلاف نوع". نافح الأستاذ محمود عن حق الحزب الشيوعى السودانى فى العمل الديمقراطى أقام اسبوعا منافحا عن ذلك، نصح عبدالخالق على صفحات الصحف أن "سودنوا الشيوعية"!! كتب لعبدالناصر غداة إعدامه لسيد قطب ورفاقه أن "ستلقى الله وفى يديك من دمائهم أغلال" كتب لمحمد نجيب وللنويهى ولخالد محمد خالد، يتحدث عن النسبية والأمر التكوينى والأمر التشريعى كما يتحدث عن خليل فرح ونحن "سوجو عروضن ونحن يوم المحشر". زرع بالسلوكة ويحدثك عن "البروس" ونال جائزة الفلاحة فى غردون، تحدث الإنجليزية كما يتحدثها أهلها ويبين لأساتذة اللغة العربية ما هو "اسم الفاعل الذى يفعل فعل فعله" يرقع ثوبه بنفسه ويكرمك بالبلح ويرتحل فى الدرجة الرابعة بالقطار.

من يعرف قدره يسلم له قائلا "اعصر خمر وأضرب زمر يأتيك من كل فج زيد وعمرو" كما فعل خليفة الشيخ السمانى، وقد جئناه شايقية وشيوعيين، إسكافية، وأنصاف وجوديين، جآءه الرسامون والمزيكاتية، يمن، وأقباط، استراليين وأمريكان، عمال بناء ومعلمون، طباخون وأساتذة جامعات، بشتون ومناصير وهلالاب، أوزاع القبائل رجالا ونساءا، جآءه بخيت أحمد إدريس والذى كان وهابيا منكرا فى السيد الحسن، فلما رأى ما رأى دلف للجناب وأخذ يعطر المجالس برائعة ود حليب "حرمو أبعنابر من عنا وقام ليهو هابر شوقى لى"، وسلم له العم مجذوب محمد مجذوب الذى كان قياديا بجبهة الميثاق وكتب "انا ومحمود محمد طه أمام الله" فلما ذاق ما ذاق كتب "انا ومحمود محمد طه سويا الى الله"!! قد نظرة منه تفعل ما لا يخطر لك على بال وقد حكى لى دكتور مهدى عبدالله عن رؤياه له يوما يزور مريضا بالقسم الجنوبى ومن "الدخلت ما مرقت"!! من يدرك سره قد يقول له "طبخت لك بنفسى" مثلما فعل الحسن الإدريسى أو يقبله على رأسه مثلما فعل محمد المهدى مجذوب - ليلة مولد ما - قائلا "انت إبن مريم فينا"!! أو يخلع نعليه ويجدّع عمامته مثل حسنا الذى فعلها وأنشده "يا طه وأحمد ومحمّد ... حسن السجمان ومرمّد ختو حملو فوقك وغمّد)!! ومن يجهله فهو أيضا يدعو له "الما عندو حديدة نحنا بنسو ليهو حديدة"، لذلك حلف لى أحمد سليمان المحامى يوما فى واشنطون "على الطلاق تانى مقّنعة بتلد متلو مافى" ولأن ذلك يقيننا فإننا نحس بإنا مقلون فى ابراز ما نحب أن يراه الناس وكأنى به يستحثنا بما كان يردد دائما (ولم أر فى عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام)


from sudaneseonline.com
april 19, 2008
__

Post: #770
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله الشقليني
Date: 04-26-2008, 05:55 AM
Parent: #1



الأكرم : عبد الله عثمان ،
تحية لك
ونورد هنا نصاً مما كتبه عقيد الأمن (م) هاشم عثمان أبورنات في سفر " أسرار جهاز الأسرار " حرره مع العقيد أمن (م) محمد عبد العزيز ، ص 11 ـ12 :
النص المنقول :

( على ما أذكر أنه وفي خلال شهر يناير 1985 م ، كنتُ موفداً في مهمة كلفني بها اللواء أ.؛ عمر محمد الطيب إلى القصر تستدعي مقابلة المستشار النيل أبو قرون . عندما دلفت إلى مكتبه قابلني مقابلة جيدة ، ثم رن جرس الهاتف ، لم أكن أعرف من هو المتحدث على الطرف الآخر ...برهة وإذا بأساريره تنفرج .. ويهتف فرحاً ..خلاص .. ده تمام .. الله أكبر .. الله أكبر . ووضع السماعة ..ثم قال لي ..فرحاً : المحكمة حكمت على محمود محمد طه بالإعدام .
لم أدر ما اعتراني في تلك اللحظة فسرحت بخيالي وحزنت حزناً عميقاً ففي تلك الأيام كل شيء جائز ولم نعد ندري الصحيح من الخطأ . صمتُ طويلاً ولما لاحظ النيل وجومي رفع السماعة مرة أخرى وبدأ يحدث آخرين بالنبأ كما أنه نقل الخبر إلى عوض الجيد محمد أحمد .
بعد انتهاء مهمتي مع النيل أبوقرون دلفت إلى مكتب اللواء عمر بالقصر و وجدت مدير مكتبه العقيد أ.ح صلاح محمد محمد صالح فأخبرته بالنبأ فلم يصدق ، بعدها دخلت إلى اللواء عمر محمد الطيب فأخبرته بما سمعت . كان يبدو أنه يعرف ولاحظت أنه منزعجاً . توقع الجميع أن يراجع السيد رئيس الجمهورية قرار المحكمة ويصدر حكماً أخف . خاصة أنه في تلك الأيام كان يتراجع عن قرارات كثيرة ، لكن نميري أيد قرار المحكمة وأتى بفتوة إضافية تؤكد إصراره لإعدام الأستاذ محمود محمد طه . حاول اللواء عمر محمد الطيب إثناء الرئيس العدول عن قرار الإعدام إلا أنه لم يوفق . فبذل جهداً خارقاً لكي يثني الأستاذ محمود محمد طه ، لقد سمعته يجادل بعض رجال الدين لكي يحاولوا قدر الإمكان أن ينصحوا محمود محمد طه ليجد له مخرجاً هو و جماعته من هذا المأزق ، كما قال لهم :

" اتكلموا معاه فهموه إنه الراجل دة حيعدمو ...يا أخوانا إنتو ما شايفنو بقى كيف ".)

انتهى النص

Post: #771
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-26-2008, 03:40 PM
Parent: #1



--------------------------------------------------------------------------------

23) http://www.madarat.org/6.htm

--------------------------------------------------------------------------------

حركة الجمهوريين فى السودان
تحت منظار النقد والتاريخ 1945 -1985

--------------------------------------------------------------------------------


جزء 1 من 2
مقدمة :

تشكل الذكرى السادسة عشر لاغتيال المفكر السودانى الفذ ؛ الاستاذ محمود محمد طه ؛ فرصة لاعادة قراءة تراث وتجربة واحدة من اهم الحركات الفكرية –الدينية السودانية بعد الحرب الكونية الثانية ؛ واكثرها اثارة للجدل ؛ اعنى هنا حركة الاخوان الجمهوريين . ان هذه الذكرى ؛ باسترجاعاتها المؤلمة ؛ لا ينبغى ان تغيب عن نظرنا واجب استخلاص الحكمة الكامنة فى هذه التجربة المتفردة ؛ والتى تجلت بعمق فى شخصية الاستاذ محمود ؛ وسيرة حياته النضرة ؛ واستشهاده الباسل . ان هدف هذه القراءة ليس اذن التبجيل الاجوف او النقد المغرض ؛ وانما محاولة الغوص فى التاريخ لاستخلاص التجارب والدروس ؛ وتسجيل الحقائق التى طالما ضاعت وتضيع فى ساحة الغرض السودانية ؛ والغرض مرض كما يقول اهلنا العارفين .

ان المقال الحالى ؛ يتكون من جزيئين ؛ الاول منهما تاريخى ؛ ننشره هنا ؛وقد حاولنا فيه رصد الحقائق كما كانت ؛ وان اضفنا اليها بعضا من تعليقاتنا ؛ بما يسمح بتفسيرها ؛ وبما يدع مجالا للاخرين للتعليق عليها . والثانى نقدى تحليلى ؛ سننشره قريبا ؛ وهو يقوم على قراءة نقدية لثوبت الفكر الجمهورى ؛ فيما نعتقد انه استخلاص للحكمة الكامنة بين ذواياه ؛ حصرا للايجابى واعترافا به ؛ ورصدا للسلبى ؛ اوما نعتقد انه السلبى ؛ لتجاوزه من اجل بناء فكر سودانى جديد ؛ يغتنى من التجربة الجمهورية ؛ وهى تجربة رائدة من تجارب الفكر السودانى ؛ دون ان يتقيد بها ؛ او يحد بحدودها ؛ المربوطة بقيود الزمان والمكان ؛ والمتأثرة باسقاطات البيئة والتجارب الشخصية لمن بنوها؛ وقاموا بها ؛ ونذروا حياتهم لها .

اننا لا نخفى هنا اعجابنا الذى لا ينقطع بشخصية الاستاذ محمود ؛ وتقديرنا غير المحدود لسيرة حياته واستشهاده ؛ فقد كان الرجل شمسا فى ظلمة ؛ وقامة فارعة تحدت قزمية الرجال وتفرعن الاحوال ؛ الا ان هذا الاعجاب ؛ وذلك التقدير ؛ يفرضان علينا فرضا ؛ مهمة البحث عن الحقيقة ؛ التى طالما سعى الاستاذ فى دروبها ؛ و قدم حياته فداءا لها . ولهذا تاتى محاولتنا المتواضعة فى هذا المقال لمقاربة تاريخ الحركة الجمهورية والفكر الجمهورى ؛ نقدمها للقارى ونامل فى الحوار معه ؛ فان رأى فيها الصواب ؛ فهذا ما نطمع فيه ؛ وان

راى انها اغرقت فى الذات ؛ وغابت عن دروب الحق ؛ فكلنا امل ان يتصدى لها الاخرون بالنقد والتقويم ؛ عسى ان نصل معا للحقيقة ؛ والتى هى صنو الحرية ؛ وهما القيمتان التى عاشهما محمود فى حياته ؛ وقدم روحه دفاعا عنهما فى محراب مماته .

نبذة عن المؤسس :

الاستاذ الشهيد محمود محمد طه :

لا يمكن تناول حركة الاخوان الجهوريين ؛ بعد حوالى55 عاما من تاسيسها ؛ و16 عاما على توقف نشاطها الرسمى ؛ بمعزل عن شخصية الرجل الذى اسسها وعاصرها وقادها ؛ منذ مولدها الاول وحتى ماساتها الدامية فى يناير 1985 . ان الفكرة والحركة الجمهورية قد ارتبطت ارتباطا لا فكاك منه ؛ بشخصية موسسها ومفكرها وزعيمها الاول والاخير ؛ الاستاذ الشهيد محمود محمد طه .

ولد الاستاذ محمود محمد طه فى العام 1909 بمدينة رفاعة ؛ شرق النيل الازرق ؛ وتلقى تعليمه الاولى والمتوسط بمدينة رفاعة ؛ والتى رغم صغرها فقد كانت واحدة من اهم مدن السودان فى سبقها للتعليم الاهلى والعمل الاصلاحى ؛ والتى خرج منها المصلح الاجتماعى والتربوى الكبير الشيخ بابكر بدرى ؛ ثم التحق بكلية غردون التذكارية (جامعة الخرطوم لاحقا) ؛ كلية الهندسة ؛ والتى تخرج منها بتفوق فى العام 1936 ؛ و مارس عمله كمهندس بمصلحة سكك حديد السودان بمدينة عطبرة ؛ وقد كان ملتزما طوال عمله بعطبرة جانب العمال وصغار الموظفين السوداننيين فى مواجهة عنت وظلم الادارة الانجليزية ؛ وكان ذلك موقفا متفردا وسط كبار الموظفين والمهندسين ؛ وعاملا حاسما للدفع عن مصالح المستضعفين ؛ فى غياب التنظيم النقابى للعمال وصغار الموظفين . ثم ما لبث بحثا عن الاستقلااية ان استقال من عمله فى الحكومة فى العام 1941 ؛ ليمارس عمله الخاص بعد ذلك فى المجال الهندسى ؛ والذى مارسه حتى انطلاقة نشاطه السياسيى فى منتصف الاربعينات .

فى اكتوبر 1945 ؛ عقدت مجموعة من الخريجين اجتماعا فى المقرن ؛ اسست فيه الحزب الجمهورى ؛ ثم عقدت أجتماعا آخر تم بموجبه توزيع مكاتب الحزب وقد وقع الإختيار على المهندس محمود محمد طه رئيسا له والأستاذ عبد القادر المرضى سكرتيرا ؛ وما لبث الاستاذ ان دخل فى مواجهات حادة مع الادارة الاستعمارية ؛ وتصاعدت الحملة لتصل الى اعتقال الاستاذ محمود وحكم عليه بالسجن لمدة عام بعد أن رفض التوقيع على تعهد شخصى بعدم العمل بالسياسة ولقد قاوم الأستاذ محمود قوانين السجن من الداخل بعدم الأنصياع لأوامر ضباط السجن كما أن صيامه المتواصل داخل السجن سبب مشاكل للان

جليز حينما صوره الجمهوريون فى الخارج كإضراب عن الطعام لسوء المعاملة مما حدى بالحاكم العام لإطلاق سراح الأستاذ محمود بعد خمسين يوما ؛ تجنبا للمشاكل ؛ ثم ما مضى حين الا واعتقل مرة اخرى ؛ حيث قاد حملة تصعيد ضد الإنجليز إثر اعتقالهم امراة ؛ فى مدينة رفاعة ؛ لممارستها الختان الفرعونى تجاه ابنتها ليمضى حوالى العامين فى السجن ؛ ويخرج منه فى العام 1948 ؛ ليدخل فى خلوة بمدينة رفاعة استمرت حتى العام 1951؛ وقد خرج بعدها بشخصية دينية واضحة ؛ ومذهبية جديدة عرفت فى السودان بالفكرة الجمهورية .

مارس الاستاذ من بعدها نشاطه السياسى والفكرى والتعليمى ؛ عن طريق الاشتراكات فى النشاطات الوطنية والتحررية ؛ فكان من المناهضين لقانون النشاط الهدام فى اوائل الخمسينات ؛ وغيره من القوانين المقيدة للحريات ؛و كما اتجه للكتابة الصحفية ؛ فكانت مقالاته ورسائله حول القضايا المحلية والاقليمية والعالمية تحتل صفحات الصحف الرئيسية فى الخمسينات ؛ومن بينها صحيفة الحزب القصيرة العمر ؛الجمهورية ؛ والتى استمرت لمدة 6 اشهر ؛ اضافة الى اصدارات الحزب الرسمية ؛ والى كتبه والتى بدا سيلها ينهمر منذ اوائل الستينات ؛ والتى توجها باصداره للكتاب الام للدعوة الجمهورية ؛ والذى ضمن فيه افكاره التجديدية والاصلاحية ؛ تحت عنوان : "الرسالة الثانية من الاسلام " والذى صدرت طبعته الاولى فى يناير 1967 ؛ وصدرت منه بعد ذلك اربع طبعات لاحقة ؛ وترجمة للانجليزية ؛ ودارت حوله الكثير من الدراسات والكتب ؛ والتى تراوحت ما بين الاطراء والتاييد ؛ ومحاولات النقد الهادف ؛ والهجوم السلفى عليها بدعوى الكفر والردة والالحاد .

فى سياق ذلك ؛ فقد تعرض الاستاذ محمود الى المؤامرة الاولى تجاهه فى العام 1968 ؛ حيث رفع بعض ممن يسموا نفسهم برجال الدين قضية ضد الاستاذ محمود امام محكمة للاحوال الشخصية (المحكمة الشرعية ) يزعموا فيها بردته ؛ وقامت المحكمة فى غياب الاستاذ وتجاهله لها ؛ وكان ان حكمت بغلاظة وجهل بردته ؛ وبتطليق زوجته منه ؛ ودعت الى حل الحزب الجمهورى واغلاق دوره ومصادرة مملتكاته ؛ فى سابقة قد تكون هى الاولى فى العالم الاسلامى فى النصف الثانى من القرن العشرين .

كان حكم المحكمة الشرعية سياسيا ؛ وقد كان جزءا من الحملة الفكرية والدعائية الى قادتها قوى الطائفية والظلام ضد ثورة اكتوبر ومنجزاتها ؛ والتى اسست على استغلال الدين لاهداف سياسية ؛ فتم تحتها حل الحزب الشيوعى وطرد نوابه من البرلمان ؛ ومطاردة وتحجيم الحركة النقابية ؛ وبناء ديكتاتورية مدنية باسم الدستور الاسلامى . ان اختيار الاستاذ محمود ليكون هدفا لحكم الردة لم يكن عبثا ؛ فقد كان من ابرز الناشطين فى مؤتمر الدفاع عن الديمقراطية ؛ ومن اكثر الناقدين للطائفية وسياساتها ؛ ومن اكثر المتصدين لدعوات الهوس الدينى والظلامية المرفوعة من تنظيم الاخوان المسلمين ؛ فحق بذلك عليه غضب هذا الحلف غير المقدس من تجار الدين ومستغلى الشعب من قادة البيوتات الطائفية وانصارهم من الجهلاء وغلاظ القلوب ممن اسموا انفسهم زورا بعلماء الدين .

بعد وصول انقلاب مايو 1969 الى السلطة ؛ وحله لجميع الاحزاب السياسية ؛ بما فيها نشاط الحزب الجمهورى ؛ فقد انتهى الحزب كتنظيم ؛ بينما ساند الاستاذ محمود ومؤيدوه النظام ؛ باعتباره انقاذا للبلاد من السياسات الطائفية المعادية للديمقراطية والفكر ! وفى العام 1973 اعاد الاستاذ محمود تنظيم الحركة الجمهورية فى صورة جماعة ؛ اخذت اسم الاخوان الجمهوريين ؛ والتى مارست نشاطها الفكرى والدعائى منذ ذلك الحين عن طريق توزيع الكتيبات والنشرات والندوات فى الجامعات والمعاهد وما اسموه باركان الحوار فى الاسواق واماكن التجمعات العامة . وفى كل ذلك واصل الاستاذ تاييده المعلن للنظام حتى العام 1983 ؛ حيث تم الاختلاف بين النظام والجماعة ؛ وبدا الاستاذ محمود نشاطه المناهض لسياسات النظام الاصولية المتزايدة ؛ وتعرض وتعرض من جراء ذلك للاعتقال للمرة الثانية تحت نظام مايو قى اوائل يونيو 1983 ؛ بعد اصدارالجمهوريين لكتيب ينتقد مباشرة النائب الاول للنميرى : عمر محمد الطيب ؛ ليقضى فترة حبس دون محاكمة حتى 19/12/1984 ؛ حيث اطلق سراح الجمهوريين فى خطوة محسوبة ظاهرها العفو ؛ وفى باطنها تدبير مؤامرة جديدة تجاه الاستاذ ؛ الذى ما لبث بعد خروجه ان اصدر بيانا بعنوان "هذا او الطوفان" فى 25/12/1984 ؛ ينتقد فيه قوانين سبتمبر وجملة من سياسات السلطة ؛ فما كان من النظام الا اعتقاله مرة اخرى فى 5/1/1985 ؛ وتدبير محكمة – مهزله له واربعة من رفاقه ؛ قامت على قوانين امن الدولة مواد اثارة الكراهية ضد الدولة ومحاولة قلب نظام الحكم ؛ وقد رفض الاستاذ محمود مطلق التعامل معها ؛ وحكمت المحكمة على المتهمين بالاعدام . ورفع الحكم الى محكمة الاستئناف ؛ والتى لم تناقش جوهر اللقضية وانما اضافت لها اتهاما بالردة ؛ وهى جريمة لا ينص عليها القانون ؛ وايدت الحكم ؛ الذى رفع الى السفاح نميرى ؛ الذى لم يؤيد فحسب وانما اضاف اتهامات جديدة وبينات جديدة ؛ فى خرق واضح للقواعد القانونية والقضائية ؛ واعطت نحكمة الاستئاف ةتاييد السفاح لبقية المتهمين حق التوبة ؛ بينما حجبته عن الاستاذ ؛ مما يوضح سؤء النية وابعاد المؤامرة التى كان غرضها تصفية الاستاذ ؛ الامر الذى تم فى صبيحة الجمعة الحزينة ؛ فى 18 يناير 1985 .وتم نقل جثمانه بطائرة هيلكوبتر حيث تم دفنه بمكان مجهول فى الصحراء شمال غرب ام درمان .

كان اغتيال الاستاذ محمود ؛ الشيخ البالغ من العمر 76 عاما ؛ واحد مؤسسى وقادة الحركة الوطنية السودانية ؛ وواحدا من ابرز المفكرين السودانيين ؛ ماساة دامية على جبين عصرنا؛ وعلامة لا تقبل الجدل على الانحطاط الاخلاقى والعجز الفكرى والجبن السياسى لمناهضيه من السلفيين ونظام نميرى . فقد تميز الاستاذ محمود ؛ على عكسهم ؛ فى طول حياته ؛ بسعة الافق والتسامح الشخصى مع مناهضية ؛ والحوار الراقى والجدل الفكرى مع اطروحاتهم ؛ والنشاط السلمى والبعد عن اى مظهر للعنف ؛ فى ظل التمسك التام بافكاره ومبادئه ؛ رغما عن سؤء الفهم العام وتشويهات السلفيين لها. ومارس حياة متقشفة زاهدة ؛ ولم يستفد من دعم مناصرية وايمانهم المطلق بشخصة ورسالته ؛ فى جلب مكسب مادى لشخصه ؛ كما انه وطوال سنوات تاييده ومسايرته لمايو لم يسع الى مكسب مادى من ذلك التاييد وتلك المسايرة ؛ وحين اتت محاكم النظام الجائرة بحكم مصادرة مملتكاته ؛ لم يجد المنفذون ما يصادرون غير سرير خشبى شعبى –عنقريب- وبضع بروش ؛ ومنزل مبنى من المواد البلدية – الطين والجالوص - ؛كان فى حقيقته بيتا للجماعة اكثر منه ملكا شخصيا للاستاذ ؛ وحزمات من الكتب والمخطوطات احرقوها فى شوارع الخرطوم ؛ فى ممارسة اعادت للاذهان تجارب النازية فى حرقها للكتب ؛ كمظهر اعمى للعداء الثقافة والفكر والعجز عن الحوار .

ان الاستاذ محمود محمد طه ؛ وغض النظر عن الاختلاف او الاتفاق مع اجتهاداته الفكرية والدينية ؛ وغض النظر عن تقييمنا لمجموعة من مواقفه السياسية ؛ يبقى معبرا رئيسيا لكرامة الفكر والمفكرين فى السودان . ومثالا حيا ابد الدهر ؛ للشجاعة المرتبطة بالوعى ؛ ورمزا متميزا عن الانتهازيين من الساسة والمفكرين ؛ والذين يبدلوا مواقفهم كما يبدلوا ملابسهم ؛ ويذبحوا المبادى الغالية على اعتاب السلطة ؛ وينكسروا امام جهل الجمهور او تحريضات الجهلة او عنف الخصوم . ان محمود على غرابة افكاره وعلى جراة تجديده وعلى اشكالية مواقفه الاجتماعية والسياسية ؛ قد وجد الاحترام والتقدير من العديد من مفكرى السودان والعالم ؛ فلم يكن غريبا ان يكتب عنه الشاعر الفذ محمد المهدى المجذوب ؛ عند اعتقاله الاول فى كوبر ؛ ممجدا لصمود محمود ؛ ومستنكرا ان تضم جدران كوبر الضيقة تلك الهامة الفارعة ؛ ولم يكن غريبا ان يكتب الاستاذ عبدالله الطيب ؛ وهو من هو من من سلفية الافكار والمواقف ؛ قصيدة رثاء حارة ينعيه فيها بعد استشهاده ؛ ولم يكن غريبا ان يرفعه فى سلم التقدير درجات قادة اليسار الماركسى فى السودان ؛ وهو الذى نقدهم – فكريا – بصورة جذرية ؛ كما لم ينقدهم احد فى السودان ؛ حيث شبه الاستاذ محمد ابراهيم نقد استشهاده ببطولة فرسان القرون الوسطى ؛ وباستشهاد ود حبوبة وابطال النضال الوطنى . وليس غريبا ان يستلهم تراثه ومواقفه وشخصه ؛ العديد ممن لا تربطهم بالفكر الجمهورى صلة ؛ وتربطهم بالاستاذ محمود الف صلة وصلة .

ان كاتب المقال الحالى ؛ قد تناول شخص الاستاذ محمود ومواقفه فى غير هذا المجال ؛ ونحاول فى عملنا الحالى ؛ ان نستخلص القيمة الكامنة فى نشاط الاستاذ ؛ ليس بالتبجيل والتقديس الاعمى ؛ كما درج بعض تلاميذه ؛ ولا بالرفض والتشويه المغرض ؛ كما درج على ذلك اعداؤه ؛ وانما بالتحليل والنقد الواعى ؛ لتنقيح الايجابى والسلبى من تراثه ؛ واستخلاص الحكمة الباقية من سيرة حياته وجهاده ؛ و فكره واستشهاده ؛ فى جهد نؤمن بانه لو تواصل ؛ فسيكون هو التقدير الحقيقى للاستاذ ؛ والمواصة الحقيقية لرسالته ؛ فى اعلاء راية الفكر والبحث عن الحقيقة والبحث عن بديل يسعد الفرد ويصلح من حال الوطن والشعب .

الحركة الجمهورية :

البدايات والنمو والتطور :

بدأت الحركة الفكرية –الدينية –السياسية التى عرفت لاحقا بحركة الاخوان الجمهوريين ؛ بدات نشاطها كاحد اوائل الاحزاب السياسية السودانية فى النصف الثانى من الاربعينات ؛ باسم الحزب الجمهورى تحت قيادة المهندس محمود محمد طه ؛ والذى عرف لاحقا بالاستاذ ؛ وهو اللقب الذى اطلقه عليه مؤيديه ؛ وانتهى نشاطها الرسمى ؛ فى العام 1985 ؛ فى اعقاب المحكمة الجائرة واعدام مؤسسها وقائدها فى يناير 1985 ؛ فى واحدة من اكبر مآسى الفكر والحرية فى تاريخ السودان الحديث .

ان الحزب الجمهورى الذى تاسس فى اكتوبر 1945 ؛ قد كان من اوائل الاحزاب السياسية السودانية التى يمكن ان نطلق عليها حركات القوى الجديدة ؛ فقد تناءى منذ قيامه عن الطائفية ؛ وقام على اكتاف مجموعات من المثقفين والخريجين والطلاب ؛ وهى القاعدة التى ظل يستقى منها نفوذه ؛ والتى انحصرت فيها الحركة الجمهورية ؛ حيث لم تتوسع الى صفوف العمال والمزارعين ؛ الامر الذى نجحت فيه بمقدار الحركة اليسارية ؛ والتى عاصرته فى النشاة ؛ كما ان الحزب قد قام واستند طوال تاريخة ؛ ومن بعد ذلك استندت الجماعة ؛ على النفوذ العظيم للاستاذ محمود محمد طه ؛ والذى كان القائد الفكرى والسياسى والروحى للحزب ؛ ومن بعد ذلك لجماعة الاخوان الجمهوريين .

ان المتابع للتاريخ الحديث لا بد ان يقر بالدور الايجابى الذى لعبه الحزب الجمهورى عشية الاستقلال ؛ فقد نشأ هذا الحزب على اسس وطنية واضحة ؛ وتناءى عن دعوات الوحدة تحت التاج المصرى التى قامت عليها دعاية الاحزاب الاتحادية ؛ كما ناهض حزب الامة المؤيد حينها للادارة الانجليزية تحت شعاره المخادع : " السودان للسودانيين " ؛ كما عارض بصورة واضحة الدعوة الملكية المضمنة فى خطاب حزب الامة والانصار ؛ طارحا بديلا جديدا هو الجمهورية السودانية المستقلة . ولقد ارخ الاستاذ احمد خير المحامى لذلك فى كتابه الرائد " كفاح جيل " ؛ فكتب الاتى عن الحزب الجمهورى :

"ولما وضحت معالم الخلاف واشتد وطيسه بين الاتحادية والانفصالية ؛ نشأ الحزب الجمهورى ؛ وهو حزب ينادى باستقلال السودان عن مصر وانجلترا على السواء ؛ وقيام جمهورية سودانية . ولقد همس بالفكرة جماعة من انصار الوضع الحاضر ؛ وكانت تبدو حلا وسطا وقنطرة يلتقى عندها دعاة الوحدة والوئام من صفوف الفريقين ؛ ولكنها لم تلق رواجا لان اساسها انفصالى . وبعد فترة من الزمن نادى بها رئيس واعضاء الحزب الجمهورى القائم الان .

لقد برهن رجال الحزب الجمهورى على صدق عزيمتهم وقوة ايمانهم ؛ لذلك يتمتعون باحترام الجميع . كما برهن رئيسهم على اخلاص وصلابة وشدة مراس ؛ ولعل هذه الاسباب هى نفسها التى جعلتهم يقفون فى عزلة وانفراد ؛ غير ان شدة العداء بين الجمهوريين وحزب الامة ؛ قدم دليلا جديدا لعله الاقطع على انطواء الاخيرين على فكرة الملكية . فالحزبان استقلاليان ؛ ولما لم يكن بين الجمهورية والملكية توسط ؛ كان من البديهى ان ان تقوم الملكية فى الجانب الثانى ؛ بعد ان قامت الجمهورية فى الاول ؛ والا لما كان هناك مجال لعدم التعاون او الاندماج "

ان الكلمات السابقة لا تحمل اى مبالغة ؛ فقد اشترك الجمهوريون فى كل النشاطات الوطنية من اجل الاستقلال ؛ كما تعرضوا للملاحقة والسجن من جراء نشاطاتهم هذه ؛ واعتقل وحوكم وسجن الاستاذ محمود مرتين ؛ فى المرة الاولى لمدة خمسين يوما ؛ اطلق سراحه بعدها بعد التضامن الواسع الذى لقاه من مواطنى مسقط راسه رفاعة ؛ومؤيدى الحزب الجمهورى وناشطى الحركة الوطنية ؛ وفى المرة الثانية لمدة اطول ؛ خرج بعدها الاستاذ محمود ليدخل فى خلوة استمرت قرابة العامين ؛ ليخرج منها بافكاره الدينية التى كونت لب الدعوة الاصلاحية اللاحقة ؛ والتى عرفت بها الفكرة الجمهورية .ان الجمهوريين الذين يرصدون تلك المواقف فى تاريخهم للحركة فى هذه الفترة ؛ يزعموا ان الاستاذ محمود هو اول سجين سياسيى فى السودان ! وقد يكون رايهم صحيحا ؛ اذا ما اضافوا : بعد معتقلى الغزوالانجليزى المصرى من ثوار المهدية ؛ ومساجين مختلف التمردات والثورات ضد المستعمر الانجليزى ؛ و بعد ثورة 1924 ؛ والتى امضى قادتها السنين الطوال فى سجون المستعمر ؛ واستشهدوا بها ؛ ومن بينهما زعيمى الحركة عبيد حاج الامين و على عبد اللطيف ؛ والذى استشهد الاول منهما سجينا فى العام 1933والثانى فى العام .. 1948 ؛ فى محبسه الاخير بمصحة العباسية بمصر ؛ بعد 24 عاما من انطلاق الثورة .

اننا فى تاريخنا للحركة الجمهورية ؛ نرصد انها قامت على اسس سياسية وطنية ؛ وفق برنامج ليبرالى واضح ؛ وان الحزب قد تجمد عمليا فى نهاية الاربعينات ؛ وذلك بدخول رئيسه فى خلوته ؛ وذلك حتى العام 1951 ؛ وهو عام خروج الاستاذ من خلوته حيث بدات النزعات الدينية تظهر فى خطاب الاستاذ والحزب ؛ وتتاسس عليها ايديولوجيته الجديدة . ان الحزب سيواصل نشاطه طوال الخمسنينات فى معركة الاستقلال والحريات ؛ وفى مناهضة الاحزاب والسياسات الطائفية ؛ الا انه سيظل حزبا صغيرا ؛ غائبا عن التاييد الشعبى ؛ رغم التقدير العظيم والاحترام الكبير لقائده على مستوى المثقفين وناشطى الحركة السياسية ؛ وسيستمر فى النشاط حتى انقلاب الفريق عبود فى العام 1958 ؛ والذى حل جميع الاحزاب السياسية ؛ ليدخل الحزب فى تجميد جديد لنشاطه ؛عدا عن اخراج اصدارات متقطعة لمحمود ؛ منها الكتيب الرائد فى دعوتهم " الاسلام " ؛ والذى صدر فى العام 1960 ؛ عقب فصل ثلاثة من الطلبة الجمهوريين من المعهد العلمى ؛ والضجة والتشويه الذى دار فى ذلك المعهد عن الفكرة الجمهورية ؛ وقيما عدا ذلك فقد سجلوا سلبية واضحة وغيابا شبه تام عن العمل السياسى ؛ حتى ثورة اكتوبر 1964.

بعد ثورة اكتوبر واصل الجمهوريون نشاطهم ؛ فى اطار الحزب الجمهورى الذى اعاد تكوين نفسه ؛ وتركز نشاطهم على دعم ثورة اكتوبر ومنجزاتها ؛ ومحاربة سياسية القوى الطائفية المعادية للديمقراطية ؛ وعلى عملهم الفكرى والدعائى فى نشر وتعميم دعوة الاستاذ محمود التجديدية والاصلاحية ؛ فكان اشتراكهم فى مؤتمر الدفاع عن الديمقراطية ؛ وفى الكتابة الصحفية ؛ وشهدت هذه الفترة اصدار مجموعة من اهم كتبهم ؛ والتى تحوى الدعوة التجديدية للاستاذ محمود ؛ ك" رسالة الصلاة " يناير 1966 ؛ و " طريق محمد " مارس 1966 ؛ و"الرسالة الثانية من الاسلام " المشار اليه قبلا ؛ و " الاسلام برسالته الاولى لا يصلح لانسانية القرن العشرين "يناير 1969 ؛ وغيرها . كما اسهموا فى النقاش والصراع حول مختلف القضايا السياسية المحلية والعالمية ؛ فكانت لهم رؤيتهم لمشكلة الشرق الاوسط ؛ وتميزوا بموقف مضاد للناصرية والكتلة الشيوعية ؛ كما تصدوا لدعوة الدستور الاسلامى المطروحة من قبل الاحزاب الطائفية والاصولية بالمعارضة والنقد والتحليل ؛ اضافة الى التصدى للدعاية السلفية والاصولية لحركة الاخوان المسلمين الناهضة حينها ؛ وكان لهم اسهامهم فى معارك حماية الدستور والحقوق الاساسية ؛ فى ظل موقف واضح ومبدئى من الاحزاب الطائفية وقيادتها وسياساتها وحكوماتها .

من الحزب الى الجماعة

جدل الدينى والسياسى فىصيرورة الحركة :

بعد قيام انقلاب مايو فى العام 1969 ؛ وحله لجميع الاحزاب السياسية ؛ تعطل الحزب الجمهورى ؛ وابتعد قائده واعضاؤه عن ساحة النشاط العام ؛ رغم ترحيبهم بمايو واعتبارها انقاذا للبلاد من السياسات الطائفية ؛ ليعودوا وينظموا انفسهم من جديد ؛ فى العام 1972 ؛ ليس كحزب سياسى هذه المره ؛ وانما كجماعة دينية –اجتماعية –تربوية اطلقت على نفسها وفكرها ابتداءا اسم الدعوة الاسلامية الجديدة ؛ ثم ما لبث ان تحولت عنه الى الاخوان الجمهوريين ؛ وهو الاسم الذى عرفت به من ذلك الحين ؛ والذى لا يزال قيد الاستعمال ؛ وان كان بعض اتباع الفكرة قد تخلى عنه بعد التوقف شبه الرسمى لنشاط الجماعة بعد استشهاد الاستاذ ؛ ويفضلوا ان يستعملوا بديلا عنه اسم الحركة الجمهورية ؛ للدلالة على مجمل تراث الجمهريين ؛ فى تحولاتهم التنظيمية المختلفة ؛ ويطلقوا على اغلب التراث الفكرى الذى خلفه محمود ؛ وانجزته الحركة فى تطوراتها المختلفة ؛ اسم الفكرة الجمهورية .

ان اعادة تاسيس الحركة باسم الاخوان الجمهوريين ينبع فى اعتقادنا من سببين رئيسين ؛ الاول منهما سياسى ؛ وهو عدم سماح النظام المايوى لاى شكل من اشكال النشاط السياسى المستقل خارج اطار مؤسساته الواحدية ؛ والتى كانت حينها ذات طابع علمانى واضح ؛ فى الوقت الذى تسامح فيه الى حد كبير مع قيام ونشاط الكثير من الحركات الدينية على اختلاف مشاربها ؛ بدءا من الحركات والتجمعات الصوفية الصغيرة والمتعددة ؛ مرورا بحركة انصار السنه السلفية ؛ وانتهاءا بحركة الجمهوريين التجديدية . ان نظام مايو بهذا الشكل كان يرمى الى تحييد هذه القوى او الى جلبها لمواقع التاييد له ؛ مقابل السماح لها بنشاطها" الدينى"–التعبوى . ومن الجهة الاخرى فقد كان يلعب على تناقضاتها ويستخدمها بذكاء فى مناوراته السياسية ؛ ضد بعضها البعض او ضد اطراف اخرى ؛ مع عدم قطع شعرة معاوية مع اى منها . ان اختيار الاستاذ محمود اذن لشكل الجماعة الدينية قد كان فيه قراءة واقعية لمجال العمل المتاح ؛ فى نفس الوقت الذى كان فيه تقبل النظام لاعادة تاسيس الحركة ونشاطها نابعا من قرائته لها كجماعة صغيرة محدودة التاثيرشعبيا وغير مضرة سياسيا ؛ وهى فى المحصلة مؤيدة له .

الا ان السبب الاساس يكمن فى اعتقادنا فى طبيعة التحولات الفكرية التى تراكمت فى مسيرة الاستاذ محمود ؛ والتحولات الاجتماعية التى طرات على تركيبة الحركة ؛ وفى مجمل الكيان الاجتماعى السودانى ؛ لتحول الحركة من تنظيم وطنى سياسى معاد للاستعمار الى حركة دينية وتربوية وربما صوفية فى المقام الاول ؛ كما استقرت عليه الحركة فى العقد الاخير لنشاطها .

ان النزعات الدينية فى شخصية الاستاذ قد كانت ظاهرة منذ البدء ؛ بل ان حتى حملة التضامن مع امراة رفاعة قد فجرت من داخل المساجد ؛ اضافة الى المسلكيات الدينية والصوفية للاستاذ فى فترة السجن وفى خلوته الطويلة ؛ حيث مارس الاستاذ الصيام بكثافة فى فترة السجن ؛ الامر الذى فسره بعض مؤيدوه وناشطى الحركة الوطنية كاضراب عن الطعام وشكل من اشكال مقاومة الاستعمار . الا ان دخول الاستاذ فى خلوة لمدة عامين بعد خروجه من السجن والتعطيل العملى لنشاط الحزب فى هذه الفترة ؛ والشخصية الدينية الطاغية التى خرج بها الاستاذ بعد انتهاء خلوته ؛ قد وسمت الحركة بهذا الطابع الدينى المتزايد ؛ والذى تجلى فى اول خطاب للاستاذ حول الحزب الجمهورى ومبادؤه بعد خروجه من خلوته ؛ حيث ابرز المبادى السياسية التى يقوم عليها الحزب ؛ فراى المهمة الاولى فى الجلاء ؛ واوضح موقفا مستقلا من القائلين بالتعاون مع الاستعمار البريطانى ؛ والداعين الى التعاون مع مصر ؛ و دعا الى زمالة جهاد مع المصريين ؛ لا الى زمالة وحدة او اتحاد ؛ واوضح معالم سياسة الحزب فى الدعوة للجمهورية السودانية ؛ التى تتطلب ضم كل الصفوف ؛ لانجاز الجلاء التام ؛ واقامة الجمهورية السودانية التى تتحقق فيها العدالة الاجتماعية والحرية الفردية .

الا ان هذه المبادى السياسية الواضحة ؛ قد ارتبطت بفكرة دينية منذ البدء ؛ حيث شن الاستاذ هجوما فكريا مكثفا على الانظمة الراسمالية الغربية ؛ والانظمة الشيوعية ؛ والتى ارجعها الى مصدر واحد هو المادية الغربية ؛ ودعا الى بديل جديد هو الديمقراطية الشعبية ؛ والتى راى فلسفتها الاجتماعية فى الاسلام ؛ لانه الفلسفة التى جمعت بين الروح والمادة ؛ والقادرة على تحقيق الحرية الفردية ؛ والعدالة الاجتماعية .

كما راى الاستاذ فى نفس الخطاب ان الوحدة الوطنية وجمع الصفوف لا تتم الا تحت راية الاسلام ؛ والذى راى فيه الفكرة الجامعة ؛ والمدخل للحكم الصالح ؛ والحافز للجهاد الصادق ؛هذا الجهاد الذى ينتهى باحدى الحسنيين ؛ اما شرف الشهادة ؛ او عزة النصر .

ان الاستاذ يختم خطابه بالقول " ان حركتنا الوطنية لا يمكن ان تحقق طائلا الا اذا جمعت اشتات الفرق ؛ والطوائف ؛ والاحزاب ؛ ايضا ؛ حول الفكرة الخالدة التى جاء بها الاسلام ؛ والتى اشرت اليها انفا ؛ والتى اجتمع عليها اوائلنا ؛ فحققوا العزة ؛ والحرية والعدل ؛ ولن تجد سودانيا واحدا يتخلف عن دعوة تجمع بين عز الدنيا ؛ و شرف الآخرة .." ( التلخيص والفقرة المقتبسة من :البيان الذى القاه رئيس الحزب الجمهورى فى الاجتماع العام للحزب ؛ الخرطوم ؛ 30-10-1951 ؛ المصدر : مكتبة الفكرة الجمهورية ؛ فى صفحة الانترنت : http://www.alfikra.org)

ان قراءة تحليلية لهذا الخطاب؛ والذى يشكل احدى الوثائق الاولى للحركة ؛ اضافة الى السفر الاول للجمهوريين (بمثابة وثيقة التاسيس ) ؛ توضح جملة حقائق رئيسية ؛ هى :

1. ان الدعوة الجمهورية هى دعوة فكرية ؛ حملت منذ تاسيسها مبادى سياسية راقية ؛ من دعوتها الى الحرية الفردية ؛ والعدالة الاجتماعية ؛ فى ظل جمهورية سودانية فدرالية ؛ وفى موقف واضح من رفض الانزلاق لمساندة طرفى الحكم الاجنبى ؛ والذى تورطت فيه الاحزاب الطائفية والاتحادية ؛ مع موقف مصادم من الاستعمار ؛ ومطلب واضح فى الجلاء التام .

2. ان هذه الدعوة قد ارتبطت منذ البدء بموقف سلبى حاسم ؛ من المؤسسات والنظم السياسية الغربية ؛ فى صورتها الراسمالية اوالشيوعية ؛ ودعت الى فكرة اسلامية بديلة عنهما ؛ رات انها تؤدى الى تحقيق نظام الحكم الصالح القائم على تحقيق الحرية الفردية والعدالة الاحتماعية .

3. ان الدعوة الاسلامية للاستاذ فى مطلعها ؛ ورغم بعض الملامح التجديدية ؛ الا انها قد كانت تقليدية وسلفية الى حد كبير ؛ كما قامت على حشد الشعور الوطنى من مواقع الحماسة الدينية ؛ كما تجلى ذلك عمليا فى حملة الدفاع عن امراة رفاعة ؛ و نظريا فى الخطاب المشار اليه .

4. ان هذه الدعوة ؛ قد قامت على اسس تؤدى عمليا الى تديين السياسة ؛ والى استبعاد غير المسلمين من اطار الفكرة والحركة ؛ اللهم الا اذ تقبلوا الاسلام كحل وفلسفة ونظام للحكم ؛ الامر الذى طرحته الحركة فيما بعد كبديل شامل للانسانية .



اننا فى مقال آخر (تاملات فى افق المعرفة والشهادة ؛ فى موت وحياة محمود محمد طه ) ؛ قد ذهبنا الى ان قيام الحركة فى وقت تصاعد فيه النضال ضد الاستعمار ؛ وبدا فيه نمو الاحزاب والتيارات الفكرية والسياسية ؛ قد فرض عليها شكلا من النشاط السياسى والتنظيمى بدات وانطلقت منه ؛ وهو شكل الحزب السياسى ؛ ونضيف هنا ان شخصية الاستاذ الصوفية ؛ وتوجهاته الدينية ؛ قد جرت الحركة تدريجيا الى مواقع دينية تتعزز باستمرار ؛ حيث سيتضائل العامل السياسى الاول بجلاء الاستعمار ومجى الحكومات الوطنية ؛ وخصوصا تحت الانظمة العسكرية ؛ فى مقابل توجه اكثر نحو الجانب الدينى . ان ما يثير الاهتمام هنا هو هجر الحزب الجمهورى للعملية الانتخابية ووسائل الحشد و النشاط الجماهيرى العام ؛ منذ تحقيق الاستقلال ؛ وهى الاشكال التقليدية للممارسة السياسة ؛ والتركيز فى المقابل على العمل الفكرى والتربوى ؛ والمخاطبة الشخصية ؛ مع الاحتفاظ بالحد الادنى من الروابط التنظيمية ؛ والتى كفلت لحزبهم فى البدء ولجماعتهم من بعد سبل البقاء والحركة والانتشار ؛ الامر الذى ااستمر حتى استشهاد الاستاذ والحل شبه الرسمى للحركة .

اننا هنا لا نملك الا ان نعلق على التسمية التى اختارها الجمهوريون لتنظيمهم ؛ بعد خروجهم من مرحلة الحزب ؛وهى تسمية : الاخوان الجمهوريين . فالتسمية فى شكل ما تؤكد الطبيعة الدينية للتنظيم ؛ كونهاغالبا تعتمد على مرجعية الحديث النبوى الذى يستشهد به الجمهوريون كثيرا ؛ والقائل : " وا شوقاه لاخوانى الذى لم ياتوا بعد !! قالوا: او لسنا اخوانك يا رسول الله ؟ قال: بل انتم اصحابى..الخ " . اننا لا ننفى هنا ايضا امكانية التاثر و/او المعارضة فى آن بتجربة وتسمية الاخوان المسلمين القديمة والراسخة ؛ وهى الحركة ذات الاصول الدينية الاكثر ديناميكية ونشاطا فى البلدان العربية والبلدان ذات الاغلبية الاسلامية فى الاربعينات والخمسينات ( وقت تاسيس الحزب الجمهورى ) ؛ وفى السودان فى الستينات والسبعينات ( عند الانتقال الى مرحلة الاخوان الجمهوريين) . وفى الحقيقة فان مقارنة هاتان الحركتان توضح انهما قد تطورتا فى اتجاه مناقض ؛ فحين بدا الجمهوريون كحزب سياسى ؛ ما لبث مع الزمن ان تحول الى حركة دينية تجديدية وتربوية ؛ فان حركة الاخوان المسلمين قد قامت فى البدء كحركة اصلاحية تربوية دينية ؛ لكيما تتحول مع الايام الى حركة سياسية صرفة ؛ تمارس السياسة وتدخل اليها من اردأ ابوابها .

نقطة اخرى تستحق التعليق فى التسمية ؛ وهى طابعها الذكورى الواضح ؛ للدلالة على مجمل التنظيم ؛ فرغم ان الجمهوريين فى حديثهم عن عضواتهن من النساء قد كانوا يرمزوا اليهن بالاخوات الجمهوريات ؛ الا ان تسميتهم للتنظيم ككل قد كانت ذكورية بحته : الاخوان الجمهوريين . ان هذا الموقف يوضح حجم القيود التى تضعها آليات الفكر الدينى والنصوص المرجعية الدينية حتى على حركة تدعى لنفسها التجديد فى فهم وطرح الاسلام ؛ وعلى الطابع المحدود والمحافظ لتقدمية الحركة فى مجال موقفها من المراة ؛ والذى نتمنى ان نناقشه لاحقا فى ثنايا هذ المقال .

محاولة للتشريح الاجتماعى

من هم الاخوان الجمهوريين :

رغما عن عدم توفر احصائيات لنا وتحليلات اجتماعية وفئوية لعضوية الاخوان الجمهوريين ؛ ورغم التقلبات التى طرات على الحركة من بدايتها كحزب وطنى متطرف ؛ وانتقالها الى حزب سياسى –دينى ؛ وانتهاءها الى جماعة دينية تربوية فى المقام الاول ؛ ورغما عن طول الفترة الزمنية التى يغطيها مقالنا (اربعين عاما ) ؛ والتغير الطبيعى فى تركيب الحركة بين الاجيال والافراد ؛ وغيرها من العوائق الموضوعية ؛ الا اننا فى هذه الفقرة نغامر بمحاولة للتشريح الاجتماعى ؛ لمعرفة الاصول الاجتماعية والفكرية لللاخ الجمهورى ؛ من هو الاخ الجمهورى ؛ وما هى جملة الخلفيات الاجتماعية والفكرية التى جعلت مجموعات من النساء والرجال عبر اربعين عاما تنتمى الى هذه الحركة المتفردة فى مجال السياسة والفكر فى السودان ؟

ان متابعة بسيطة وشخصية لحركة الاخوان الجمهوريين فى اواخر السبعينات والنصف الاول من الثمانينات ؛ فى مدينة عطبرة ( والتى قد تكون مثالا نموذجيا لمراكز تجمعات ونشاط الجمهوريين ) ؛ قد اوضحت لنا ان الاغلبية العظمى من مؤيدى الفكرة الجمهورية قد كانت تتكون من شريحة المثقفين ؛ ونعنى هنا تحديدا الطلاب ؛ صغار المثقفين ؛ المعلمين ؛ الخ . اى بلغة اخرى ؛ هى شريحة تنتمى الى فئة الافندية السودانية ؛ او لو شئت المصطلحات الطبقية فهى تنتمى الفئات المثقفة والمحدودة الدخل من الطبقة الوسطى السودانية . اننا نلاحظ قلة عدد الجمهوريين وسط جماهير العمال والمزارعين ؛ وربما انعدامهم وسط الرعاة . اننا اذا سلمنا بالصفة التمثيلية للجمهوريين فى مدينة عطبرة ؛ واذا استتثنينا المخضرمين من الجمهوريين ممن تابعوا الحركة منذ بدايتها ؛ ومجموعات الاطفال والايافع الذين انتموا الى الحركة من منطلق التاثير الاسرى ؛ فيمكننا ان نرصد ان الحركة ؛ فى فترة السبعينات والثمانينات على الاقل ؛ قد كانت حركة تضم شرائح المثقفين المدينيين الشباب ؛ والمثقفين من ذوى الاصول الريفية القريبة من المدن ؛ او الذين عاشوا ودرسوا بالمدن ؛ من بنات وابناء وسط وشمال السودان .

ان هذه الشريحة من الشباب المدينى المثقف قد كانت دائما فى واقع السودان الاكثر ديناميكية وفعالية على مستوى النشاط الفكرى والسياسى ؛ وان كان اتجاه ميولاتها قد انقسم طوال الفترة مدار البحث ما بين التيارات والاتنظيمات اليسارية والسلفية ؛ مع هامش صغير وسطها داعم للاحزاب التقليدية ؛ هذا اذا استثنينا بروز ظاهرة المستقلين وسط تالطلاب فى السبعينات والثمانينات لظروف متعددة ليس هنا مجال ذكرها . فاين هو موقع الاخوان الجمهوريين وسط هذا التقسيم العام ؟

فى اعتقادى ان الشباب من الجمهوريين ؛ وقد تلقوا قسطا من التعليم الاكاديمى والوعى بما يسمح لهم بتجاوز الاطر الطائفية فى الفكر والؤلاء ؛ فقد ووجهوا باختيار مؤلم ومعادلة صعبة ؛ وهم ينظروا الى الساحة السياسية والفكرية حينها ؛ ما بين التوجه والانضمام الى التنظيمات السلفية والاصولية ؛ وهى التى طرحت لفترة طويلة فكرا جامدا ومسطحا ؛ لا يجيب على الكثير من التساؤلات الاجتماعية ولا يستوعب ضرورات العصر ؛ والتغييرات المختمرة فى احشاؤء المجتمع السودانى ؛( فى تلك المرحلة من تطوره) ؛ وبين التوجه الرايكالى الثورى للتنظيمات اليسارية على اختلاف مشاربها ؛ والتى بتركيزها على قضايا سياسية واجنتماعية جذرية ؛ وبطابعها العلمانى الواضح ؛ لم تكن قادرة على اختراق البنية والخلفية النفسية والفكرية التقليدية لشباب منحدرين من بيئة تقليدية دينية ؛ واغلبهم ذو الرتباطات ريفية ؛ مليئة بالكثير من الافكار والمفاهيم والارث التقليدى والصوفى ؛ الامر الذى يكثر وجوده فى ريف وحضر شمال ووسط السودان .

بهذا المعنى ؛ فان الفكرة الجمهورية والحركة الجمهورية قد كانت اختيارا نموذجيا وحلا وحيدا ؛ فى غياب وجود حركة ليبرالية وسطية قوية ومستقرة فى الفضاء السياسى ؛ لشرائح من الشباب المتعلم والحساس ؛ ممن لم تكسر بعد حواجزها الاخيرة مع التقليدى ؛ وفى نفس الوقت كفت عن ان تتقبله كاملا . انه اختيار وسطى بجدارة ؛ بين سلفية الاخوان المسلمين والتى قدمت اجترارا مريضا لفكر السلف ؛ وان بواجهات حديثة ؛ وبين راديكالية الحركات اليسارية والثورية ؛ والتى افترضت درجة اكبر واكثر حدة من الانقطاع عن الفكر والخلفية والبينية التقليدية لمجتمع شمال السودان ؛ ودرجة اوضح من الالتزام التنظيمى والسياسى .

ان الفكر الجمهورى قد كان هو البديل المتاح حينها عن هذه المعادلة الصعبة ؛ حيث كان يهدف الى تطويع الدين مع متغيرات الحياة العصرية ( قدمنا الاسلام فى المستوى العلمى الذى يظفر بحل مشكلات الحياة المعاصرة ) " بيان : هذا او الطوفان" .ان الفكرة الجمهورية ؛ كدعوة دينية تجديدية ؛ مطعمة بعناصر صوفية ؛ وملطفة بعناصر اخلاقية ؛ وكحركة اصلاح اجتماعيى داعية الى طريقة سلمية للتغيير قائمة على تربية الافراد والاصلاح الاجتماعى ؛ وليس عن طريق اجراء تغييرات ثورية مرتبطة غالبا بشكل من اشكال الممارسات العنيفة ؛ (ثورة ؛ انقلاب ؛ مصادمات مسلحة ) ؛ كما كان الامر فى كل من ايديولوجية الاخوان المسلمين واليساريين ؛ قد كانت تشكل الملجا الوحيد لهذه الفئة الوسطية المتارجحة ما بين الارث التقليدى المتراكم وطموح الحداثة وتياراتها الجارفة .

اننا نزعم انه فى طبيعة الخلفيات التقليدية للشرائح المتعلمة السودانية ؛ وابوية وسلمية التكوينات الاجتماعية فى شمال السودان ؛ وطابع التعليم الذى تتعايش فيه المتناقضات من المفاهيم العلمية والخرافات الشعبية ومؤثرات الفكر الدينى ؛ تكمن الاسباب التى تحفز على قيام حركة مثل حركة الاخوان الجمهوريين ؛ وعلى انضمام الفئات المذكورة الى صفوفها ؛ رغما عن كل الحديث الصفوى عن الذكاء والاذكياء فى فهم الاسلام والعصر ؛ والذى كان يبرر به الجمهوريون اختياراتهم الفكرية والسياسية .

اشكال النشاط والدعوة

الطابع السلمى والاتصال الفردى :

لقد تميز نشاط الاخوان الجهوريين بتفرد مميز ؛ طوال سنوات نشاطهم ؛عن بقية تيارات الحركة الفكرية والسياسية فى السودان ؛ فى مجال الدعوة والتنظيم ؛ مما يمكن اجمالها فى التالى :

· انعدام النشاط المعارض او التصادم مع السلطات .

· الطابع السلمى للنشاط والدعوة .

· الاتصال الفردى والمخاطبة الشخصية فى كسب التاييد .

ان الخاصية الاولى ؛ ورغم النشاط المصادم للجمهوريين ؛ والاستاذ محمود شخصيا ؛ ضد الحكم الاستعمارى ؛ وضد نظام مايو بعد قوانين سبتمبر ؛ الا انها تبدو لنا واضحة خلال موقفهم من نظامى الفريق ابراهيم عبود 1958-1964 ؛ ومن نظام جعفر نميرى 1969-1983 ؛ حيث انعدم نشاطهم المعارض طوال سنوات حكم الفريق عبود ؛ رغم المضايقات التى كانوا يتعرضوا لها ؛ ضمن بقية مكونات القوى الفكرية والسياسية ؛ ومجمل قطاعات الشعب السودانى . بل ان الاستاذ محمود قد وجه الى الفريق عبود رسالة ينصحه فيها بتطبيق افكار الجمهوريين ؛ وتبنى مقترحاتهم الدستورية فى بداية عهده ؛ الامر الذى واجهه الفريق عبود بالتجاهل التام .

ان هذا الموقف السلبى ؛ اى انعدام النشاط المعارض ؛ قد تحول ايجابيا بعد مايو ؛ حيث دعم الجمهوريون النظام ؛ واعلنوا ذلك فى نشراتهم ومواقفهم ؛ رغم الاختلافات الفكرية بينهما ؛ الا انهم عدوا النظام خيرا من تحالف الطائفية والاصولية ؛ واعتبروه مرحلة انتقالية لكيما يتاهل الشعب بالتربية لاستشراف الحرية والنظام الاسلامى الصالح .

ان انعدام النشاط المعارض هذا ؛ قد يكون جزءا من مفهوم " التقية " الممارس من قبل الكثير من الحركات الاسلامية والصوفية السابقة ؛ لحقن الدماء وحفظ المال والبدن . وربما كان لدواع تكتيكية ؛ تتمثل فى الاستفادة من تسامح السلطة للنشاط الاعلامى والدعوى . الا ان الباعث الاساسى يكمن فى نظرى فى طبيعة فكرهم الاصلاحى والسلمى ؛ وفى انعدام الافق السياسى الجذرى فى حركتهم ؛ وفى الطابع الصفوى لها ؛ والذى يركز على تربية الافراد اكثر مما يركز على استنهاض الجمهور والثورة .وعموما فان لنا عودة فى فقرة قادمة لهذه الثيمة .

اما الخاصية السلمية فى نشاط الجمهوريين الواضحة ؛ وموقفهم فى عدم الرد لمواجهة القوى السلفية (الاخوان المسلمين وانصار السسنة تحديدا) ؛ وفى مواجهة العنف البدنى واللفظى تجاههم فى العديد من المحافل والمواقع ؛ فقد وصلت الى مراحل متطرفة . فكم من اعتداءات تمت تجاههم فى الجامعات والمدارس بل وحتى فى الشوارع ؛ تعرض فيهم كوادرهم للضرب والتجريح ؛ دون ان تحرك فيهم ساكنا . بل ان الاستاذ محمود نفسه لم يسلم من هذا العنف فى مناسبات مختلفة ؛ والذى كانت قمته فى اغتياله الدامى بيد السفاح نميرى . ان موت محمود بالطريقة التى تم بها ؛و التسليم او الاستسلام الذى واجهت به حركتهم هذه المحنة ؛ يدل على نوع متطرف من الروح السلمية وانعدام روح المصادمة فى بنيتهم .

هذا الطابع السلمى ؛ قد يجد جذوره فى طبيعة الفكر الصوفى نفسه ؛ وهو فى رأينا نبع اساسى ومرجع فكرى ومسلكى رئيسى للاستاذ والجمهوريين . ففى مسلك اقطاب الصوفية الذين ووجهوا بالمحن ؛ وتميزوا بروح عالية من المسالة ؛ يكمن قدر كبير من التسامح الفكرى والسياسى . هذا التسامح والروح السلمية ؛ تسنده صفوية الفكر والفعل الصوفى نفسه ؛ اضافة الى معرفة الصوفيين ( ومن بعدهم الجمهوريين ) ؛ بتفرد طريقهم وغرابته للعامة واهل الشريعة ؛ حيث جاء فى الاثر الصوفى ( لا يبلغ احد درج الحقيقة ؛ حتى يشهد فيه الف صديق ؛ بانه زنديق " الجنيد") .وفى نفس الاتجاه كان الجمهوريون يكرروا الحديث النبوى ( جاء الدين غريبا ؛ وسيعود غريبا ؛ فطوبى للغرباء ..) . اضف الى ذلك تسليم مطلق لله ؛ وفق فهم راسخ بان كل ما فى الكون ؛ وفى حياة الانسان ؛ انما يجرى بمسيرته ؛ ولذلك فقد كان مقتل مختلف الصوفيين ؛ مربوط بنوع من الاستسلام اللامبالى بالمصير ؛ وانعدام اى نوع من المقاومة تجاه الجلادين ؛ واستشهاد محمود فى ذلك لا يشكل استثناء.

غير هذه المصادر المرجعية ؛ فاننا نرجح مصدرا آخر يمكن ان يكون له تاثيره فى تكوين الروح السلمية عند الاستاذ والجمهوريين ؛ وهو ظاهرة المقاومة السلمية لغاندى ( satia grasha ) فى فترة نهاية الثلاثينات والاربعينات ؛ وهى فترة التكون النفسى والسياسى والفكرى لمحمود . ان هذا الاستناج غير مستبعد ؛ اذا ما علمنا بان منهج غاندى السلمى ؛ قد تجاوز حدود الهند ؛ الى العديد من المجتمعات الشرقية والغربية . لقد اثرت تكتيكات غاندى لفترة طويلة على النهج السلمى لحزب المؤتمر الوطنى الافريقى فى جنوب افريقيا ؛ وهى البلد التى عاش ونشط فيها غاندى لفترة من الزمن ؛ كما امتد الى المنهج السلمى لمارتن لوثر كنج ؛ والتيار الذى قاده فى حركة الحقوق المدنية لزنوج امريكا . اننا لا نبالغ بالقول ان هذا المنهج قد اثر حتى على بعض القوى اليسارية الماركسية ؛وهى التى لا تستبعد العنف فى العمل السياسى ؛ وترى فيه مرات قابلة التاريخ (ماركس) . ان محمد ابراهيم نقد قد اشار الى ان احد جذور فكرة الاضراب السياسى ؛ ترجع لممارسات وتكتيكات غاندى فى افريقيا وفى نضاله من اجل التحرر الوطنى فى الهند ؛ وقد تم من بعد تبنى الاضراب السياسى العام ؛ وهو اسلوب سلمى فى مجمله ؛ فى ارث واستراتيجية اليسار السودانى ؛ كاداة اساسية اللنضال والتغيير ( من ندوة لمحمد ابراهيم نقد ؛ جامعة القاهرة فرع الخرطوم ؛ اكتوبر 1985).

اننا ورغما عن عدم توفر دلائل اكيدة على وجود هذا التاثير الغاندوى ؛ الا انه محتمل جدا فى نظرنا ؛ بطبيعة التكوين الفكرى والنفسى لمحمود ؛ واتباعه من الجمهوريين ؛ وتقارب الجذور الفلسفية للفكر الهندى الذى استقى منه غاندى ؛ مع الاصول الفكرية والمرجعية الصوفية التى استند عليها محمود . اننا نزعم هنا ان فى حياة الرجلين تشابهات اعمق ؛ ليس هنا مجال دراستها ؛ ولذلك فاننا لا نراها مجرد بلاغة لفظية ؛ حينما وصفت صحيفة اللوموند الفرنسية محمود بعد بموته ؛ بانه "غاندى افريقيا" .

خاصية اخرى فى نشاط الجمهوريين ؛ وهى اتصالهم الفردى والمباشر مع الجمهور ؛ عن طريق جماعاتهم الصغيرة التى توزع وتبيع مطبوعاتهم فى الاسواق والشوارع والبيوت ؛ فى ممارسة قريبة لنشاط "شهود يهوة" فى امريكا واوروبا ؛ وكذلك عن طريق المخاطبة المباشرة ؛ عن طريق اركان النقاش التى كانوا يقيموها فى امكن التجمعات العامة ؛ والتى اسموها "بمنابر الحوار ". واخيرا عن طريق المؤسسة المسماة ببيت الجمهوريين ؛ والذى كان يتبع لهم فى كل مدينة لهم بها بعض الوجود . ان هذا الاتصال المباشر قد كانت فيه محاولة للاتصال مع الشعب عن طريق اللسان ؛ وهو الطريق الاكثر قربا من المواطن ؛ اضافة الى سيطرة الحكومة على وسائل الاعلام العامة ؛ وقد كان هذا الاتصال ميسورا لهم ؛ حيثما لم يكونوا واقعين تحت ضغوط العمل السرى ؛ والتى وقعت فيها التنظيمات السياسية المعارضة ؛ من اطراف اليسار واليمين .اما مؤسسة بيت الجمهوريين ؛ فقد كانت محاولة عصرية ؛ لبناء المسيد او المثابة ؛ التى تمارس فيها واجبات دينية (الصلاة والذكر ) اضافة الى الواجبات التنظيمية (الاجتماعات وحلقات الشرح والندوات للاعضاء الجدد وتنسيق النشاط ) ؛ والواجبات الاجتماعية وهى ربط الاخوان اجتماعيا ؛ واسكان من لا سكم لهم بالبيت . وقد كان منزل الاستاذ نفسه بامدرمان ؛ بمثابة البيت الرئيسى للجمهوريين ؛ والمركز العام لحركتهم ونشاطهم ؛ والرمز الذى اليه يرجعون .

اننا نلاحظ هنا ان الجمهوريين ورغم نشاطهم الفكرى والدعائى الكثيف ؛ فى ظروف سودان السبعينات واوائل الثمانينات ؛ ورغم امكانيات العمل العلنى المتيسرة لهم ؛ لم يفلحوا فى خلق تنظيم جماهيرى ذو نفوذ ؛يمتد الى طبقات وشرائح اجتماعية متعددة وواسعة . ان احد الشهادات تقول ان عدد الجمهوريين فى لحظة وفاة الاستاذ ؛ لم يتجاوز الالف عضو ؛ بما فيهم الاطفال والايافع ! اننا نرجع هذا الى طبيعة تنظيمهم الصفوية ؛ والى غرابة طرحهم الفكرى ؛ وعدم قدرتهم على تبسيطه وشرحه للمواطن البسيط . وقد يرجع ايضا الى الدعاية الضادة من قبل القوى السلفية والتقليدية ؛ والتى كانت تنظر لهم ككفار ومرتدين . وقد يرجع ضعف وجودهم فى الريف ؛ لموقفهم العدائى الواضح من المؤسسات الطائفية . كما ان من الاسباب المحتملة لضمورهم دفاعهم المستمر عن نظام مايو اليكتاتورى ؛ على الاقل حتى منتصف 1983 ؛ وهو نظام مكروه حتى النخاع من المواطن البسيط ؛ ويفتقد الى اى سند شعبى حقيقى ؛ وخصوصا وسط فئات العمال والمثقفين . وقد تكون كل هذا الاسباب مجتمعة ؛ وكون فكرهم قائم على اساس الطريق الفردى للتربية والتجويد والوصول ؛ وتناقض ذلك مع الشكل الجماعى للنشاط والدعاية والتنظيم ؛ كما يتبدى فى شكل المنظمات الجماهيرية ؛ذات التاييد الشعبى الواسع .

نهاية الجزء الاول من المقال
مراجع الجزء الاول :

· كفاح جيل ؛ للاستاذ احمد خير المحامى ؛ 1948 .

· نص البيان الذى القاه رئيس الحزب الجمهورى ؛ الاستاذ محمود محمد طه ؛ فى الاجتماع العام للحزب .الخرطوم ؛ 30-10-1952.

· معالم فى طريق الفكرة الجمهورية ؛ كتيب صادر عن الاخوان الجمهوريين 1975.

· Biography of Al Ustaz Mahmoud Mohamed Taha , published in www.alfikra.org .

· بيانات ومعلومات شخصية .

· معلومات وملاحظات من الاستاذين ياسر الشريف و عمر عبد الله .

عادل عبد العاطى


Post: #772
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-26-2008, 04:01 PM
Parent: #771


المشروع الإسلامي - أزمة تطور حضاري(1)
عبد العزيز بادي
(أنا زعيم بأن الإسلام هو قبلة العالم منذ اليوم . . . )
محمود محمد طه
الشكر الجزيل للأستاذ/ ناصر بكداش وأحمد الله أن وفقه لأن يطرق هذا الموضوع الحي ، والمطروق أبداً وأن يعيده بهذه الصورة الحارة المتقدة. وموضوع أستاذنا ناصر هو: (المشروع الإسلامي - أزمة تطور حضاري) والمنشور بصحيفة الصحافة القراء بتاريخ 2 مارس.
أبدأ مداخلتي هذه بأن أرجع بالأستاذ ناصر وبالقراء إلى أربعينيات القرن الماضي ، والنضال من أجل خروج المستعمر ، بدأت تظهر ملامحه في مؤتمر الخريجين وعدم اعتراف المستعمر بحق الخريجين بالتحدث نيابة عن أهل السودان في القضايا المختلفة ، بحجة أن للسودانيين ممثلين معترف بهم من قبله ، وهم زعماء الطوائف الدينية وزعماء العشائر. وما كان من الخريجين إلا أن قبلوا هذا الرفض دون مقاومة تذكر ، والانصياع له بالقبول العملي ، بتسليم إرادتهم والعمل تحت لواء الطائفية والعشائرية ، التي لا نزال نرزح ونكابد تحت نيرها. وما ذلك إلا للأثر الديني وعلاقته بحياة الناس كما جاء بمقال الأستاذ بكداش: (والدين هو ابن المجتمع وابن علاقاته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وعلى ضد هذه العلاقات قد يلعب رجال الدين دوراً محافظاً ورجعياً ، وقد يلعبوا دوراً ثورياً تقدمياً) في ذلك الوقت خرج رجل من صلب هذا المجتمع ، ومن هذا الوطن ، معلناً أن لا للانضواء تحت لواء الطائفية أو العشائرية ، وأن الطريق المأمون العواقب ، هو الالتصاق المباشر بالشعب ، وتوعيته وتعريفه بقضاياه ، وبقيمة الحرية ، وقيمة الاستقلال. فكان أن فارق الخريجين شاقاً الطريق البكر ، باحثاً وملتمساً فيما حوله ، فوجد ألا سبيل إلا سبيل الدين ، كما ذهب أخيراً الأستاذ بكداش: (ظل ومازال الدين كمعطى ومحفز من معطيات ومحفزات الوعي الاجتماعي والتطور الحضاري).
ذلك الرجل هو الأستاذ/ محمود محمد طه ، اختار التوعية ، واختيار الدين وسيلة لذلك ، لكن لم يكتفِ بما هو مألوف ، ومفهوم عند عامة الناس ، وعند رجال الدين في فهمهم القاصر ، وحشرهم له في قضايا ثانوية قاصرة ، بعيدة عن قضايا الشعوب المصيرية وإنما قال: (فأنت إذا أردت أن تدعو إلى الإسلام ، فإن عليك أن ترده إلى المعين المصفى الذي منه استقى محمد وأبوبكر وعمر. وإلا فإن الدعوة جعجعة لا طائل تحتها ولم تطب نفسي بأن أجعجع...؟) ومن هنا بدأ مشواره الطويل... مصطحباً الدين ، لإبراز المذهبية الرشيدة التي على هديها تتم التوعية ، لينعم أهل السودان باستقلال حقيقي ، وإلا فإننا منذرون بقوله : (قد يجلو الاستعمار اليوم أو غداً ، ثم لا نجد أنفسنا مستقلين ولا احرار ، وإنما متخبطين في فوضى مالها من قرار).
واصل الاستاذ محمود محمد طه نضاله ضد المستعمر بإشعال الحماس الوطني وسط الشعب ، وحثه على الثورة بتبصيره بمساوئ المستعمر ، وخبثه ، ونواياه السيئة ، وغرضه المبيت بسنه لقانون يمنع الخفاض وهو يعلم - أي المستعمر - علم اليقين أن العادات المتأصلة وسط الشعوب لا تحارب بالقوانين مهما كان سوءها وأضرارها ، وإنما تحارب بالتوعية ، ثم سد الثغرات بالقانون. فتصدى الأستاذ محمود كاشفاً ومسلطاً الضوء على هذه النوايا السيئة ، فكانت النتيجة كما استقرأ وتنبأ ، فكانت قصة فتاة رفاعة المشهورة التي أخذت أمها من منزلها في ليلٍ أسودَ حالك ، إلى سجن غير مؤهل لاستقبال إمرأة شريفة ، لا ترى فيما عملت أنه عمل محرم وممنوع ، بل العكس تراه مقبولاً عرفاً وديناً تثاب عليه. تصدى الأستاذ محمود ، لهذا العمل المنكر في مواجهة شجاعة سافرة ، ادت لسجنه عامين فكان أن وظفها فيما كان يبحث عنه: (فبينما أنا في حيرة من أمري إذ قيض الله مسألة فتاة رفاعة... تلك المسألة التي سجنت فيها عامين اثنين. ولقد شعرت حين استقر بي المقام في السجن أني جئت على قدر من ربي فخلوت إليه حتى انصرم العامان وخرجت ، شعرت بأني أعلم بعض ما أريد ثم لم ألبث وأنا في طريقي إلى رفاعة أن أحسست بأن عليّ أن اعتكف مدة أخرى لاستيفاء ما بدأ وكذلك فعلت...) فخرج من السجن والخلوة وقد استوفى ما كان يصبو إليه ، ثمرة كاملة نتيجة التعامل بالصدق ، والذهن المفتوح ، مع الدين دون أن يلغيه ، أو يتعامل معه تعاملاً عادياً ، كتلك التي لاحظها الأستاذ بكداش في مقاله (لذلك تظل المغالطات المجانية والدعاية الإعلامية التي يطلقها بعض المسلمين في العالم الإسلامي ، عن مشاريع الصحوة والانبعاث الحضاري ماهي إلا محض هراء وعدم قدرة على قراءة الوقائع التاريخية والسياسية والاجتماعية بصورة أكثر شفافية وحياد موضوعي).
أما الأستاذ محمود فيرى أكثر من ذلك (ان الإسلام بقدر ماهو قوة خلاقة خيره ، إذا ما ابنعث من معينه الصافي واتصل بالعقول الحرة ، واشعل فيها ثورته وانطلاقه... بقدر ماهو قوة هدامة ، إذا ما انبعث من كدورة النفوس الغثة واتصل بالعقول الجاهلة وأثار فيها سخائم التعصب والهوس.. فإذا ما قدر لدعاة الفكرة الإسلامية الذين اعرفهم جيداً أن يطبقوا الدستور الإسلامي الذي يعرفونه ويظنونه إسلامياً ، لرجعوا بهذه البلاد خطوات عديدة إلى الوراء ، ولأفقدوها حتى هذا التقدم البسيط الذي حصلت عليه في عهود الاستعمار ولبدأ الإسلام على يدهم وكأنه حدود وعقوبات على ماهو مطبق الآن في بعض البلاد الإسلامية ولكانوا بذلك نكبة على هذه البلاد وعلى الدعوة الإسلامية أيضا) محمود محمد طه أنباء السودان 6/12/1958م.
في الخمسينيات من القرن الماضي اكتملت رؤية الأستاذ للإسلام مذهبية كاملة أو قل مدنية جديدة: (تؤلف بين القيم الروحية وطبائع الوجود المادي تأليفا متناسقاً مبرأ على السواء من تفريط المادية الغربية التي جعلت سعي الإنسانية موكلاً بمطالب المعدة والجسد ومن إفراط الروحانية الشرقية التي أقامت فلسفتها على التحقير من كل مجهود يرمى إلى تحسين الوجود المادي بين الأحياء). أطلق عليها الرسالة الثانية من الإسلام أو الدعوة الإسلامية الجديدة ، واشتهرت بالفكرة الجمهورية _ اسم مشتق من الحزب الجمهوري الذي تأسس في أربعينيات القرن الماضي .
هذه المذهبية المأخوذة من الإسلام والتي تزعم أنها تصلح لإنسانية اليوم بالرغم مما لحق بالإسلام أخيرا ، نتيجة عمل الجماعات الإرهابية التي تنسب عملها للإسلام وتصفه بأنه جهاد في سبيل الله وماذلك إلا للفهم القاصر الخاطئ الذي لا يقدم إلا كدورات وسخائم النفوس كما ورد آنفاً.
إن هذه المذهبية تصلح لإنسانية اليوم مدعمة بالنصوص والحجج البليغة.... ويكفي أنها ولأول مرة في تاريخ البشرية الطويل تنادي بأن ترفع الوصاية الموجودة في الدين ، وتدعو للمسئولية الفردية ، فتقول: (ليس هنالك رجل من الكمال بحيث يؤتمن على حريات الآخرين). ويندب الناس كل الناس ليكونوا أحراراً مسئولين ،كل ذلك مدعم بنصوص من القرآن الكريم - أو ما عرفت به الفكرة الجمهورية ودعت له - الانتقال من آيات الفروع إلى آيات الأصول وتحكيمها - أي نسخ آيات الفروع القائمة على الوصاية وصاية الراشد على القاصر ووصاية المسلم على الذمي والكافر والرجال على النساء. وهي ترى أن القيمة الإنسانية الديمقراطية التي توصلت لها البشرية ، هي من روح الإسلام ، أكثر من ذلك فهي ترى أنه لا يمكن أن تطبق الديمقراطية التطبيق الصحيح إلا بمنهاج يعنى بالفرد بإعادة صياغته. أيضاً تزعم - أي الفكرة الجمهورية - أن الإسلام يمكن أن ينسق بين حاجة الفرد للحرية الفردية ، وحاجة الجماعة للعدالة. وعن ذلك يقول الأستاذ محمود محمد طه في كتابه رسالة الصلاة: (...وهو بعد هذا إنما استطاع هذا التنسيق لأن تشريعه يقع على مستويين: مستوى الجماعة ومستوى الفرد: فأما تشريعه في مستوى الجماعة فيعرف بتشريع المعاملات ، وأما تشريعه في مستوى الفرد فيعرف بتشريع العبادات ، والسمة الغالبة على تشريع المعاملات أنه تشريع ينسق العلاقة بين العبد والعبد.. والسمة الغالبة على تشريع العبادات أنه تشريع ينسق العلاقة بين العبد والرب. وليس معنى هذا أن كلا من هذين التشريعين يقوم بمعزل عن الآخر ، وإنما هما شطرا شريعة واحدة ، لا تقوم إلا بهما معاً. فتشريع المعاملات تشريع عبادات في مستوى غليظ وتشريع العبادات تشريع معاملات في مستوى رفيع لأن سمة الفردية في العبادات أظهر منها في المعاملات ) ومن أجل ذلك كله رشحت الفكرة الجمهورية المنهاج النبوي - طريق محمد صلى الله عليه وسلم - موضحة بأنه منهاج عملي مضمون العواقب ، به تساس النفوس لتتخلص من نقائصها وعيوبها وتحقق السلام الداخلي ، لتكون في سلام مع الآخرين - فإن فاقد الشئ لا يعطيه. وبذلك تبلغ الحرية الفردية المطلقة.

http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=47385

Post: #773
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-26-2008, 04:11 PM
Parent: #772


صحافة تحرير أم صحافة رأي؟!
صلاح شعيب
هناك فرق كبير بين المحرر الصحافي والكاتب الصحافي.. ليس بالضرورة للأول أن يكون كاتباً متميزاً وبالمقابل ليس بالضرورة للثاني أن يكون صحافياً خارقاً. ولكن هناك تجارب لصحافيين تألقوا في عملهم التحريري وتفننوا في الكتابة الصحفية أو الإبداعية. هناك تجارب شحيحة لكتاب مميّزين دخلوا الصحافة من موقع الكتابة ونجحوا فيها. والحال هكذا فشل صحافيون كبار في أن يصبحوا كتاباً بمستوى يليق بتجربتهم الصحفية. طبعاً الأمثلة لهذه المقاربات يمكن أن تصدق في العالم العربي أو الافريقي أو السوداني ولكن لا تصدق في الدول المتقدمة. ففي الولايات المتحدة وأوربا لا تجد أنه قد تم تعيين شخص من خارج الطاقم التحريري رئيساً لتحرير صحيفة. والملاحظة الأخرى أن معظم إن لم يكن كل كتاب صفحات الرأي هم من الصحافيين ذوي الخبرة الذين عركتهم تجربة ملاحقة الخبر وصياغته لفترة لا تقل عن ثلاثين عاماً. وحين تقرأ الأعمدة الصحفية في «الواشنطن بوست» أو «النيويورك تايمز» أو «لوس انجلز تايمز» أو «بوسطن قلوب» أو «شيكاغو تربيون» أو «فلادلفيا انغوري»... إلخ، ستجد أن كتاب الرأي والرياضة والأذواق والسياحة والصفحات الثقافية والاقتصادية والمنوعات وحتى الصفحات العلمية هم من قدامى المحررين الذين اكتسبوا التجربة الصحفية من خلال تغطيتهم للأحداث التي نذروا أنفسهم لها منذ زمن بعيد. ومع ذلك تستعين هذه الصحف ببعض المتخصصين أو الأكاديميين، كل في مجاله، وتستكتبهم بشكل غير منتظم ولا تقصر الاختيار أو تحتكره على عدد معيَّن من هؤلاء الخبراء، وإنما تنوع في كل مراحل الاستكتاب الشخصيات والخلفيات. إضافة إلى هذا فإن القنوات الفضائية لا تعين رئيساً لها إلا من خلال تجربته في التغطية الإعلامية. سواء تغطية الحروب أوالتغطية المقتحمة لأوكار المخدرات أو التغطية للأحداث الخارجية في مدينة مثل لندن أو بانكوك أو ريودي جانيرو. فالصحافي الذي غطى حرب فيتنام أو الحرب العراقية الايرانية أو اقتحم معاقل ثوار السانديستا أو انتزع حديثاً صحفياً من رئيس الجيش الاحمر الايرلندي بعد خلوصه من معركة لا يمكن أن يضيع جهده المغامر سدى بأن يتم اختيار مدير جامعة أو بروفيسور رئيساً عليه لمجرد مكانة الدرجة العلمية التي لا علاقة لها في المفاضلة بين مهنية هذا أوذاك، كما أنني لم ألمس ربطاً بين رأي الكاتب ودرجته العلمية، ولعل صحيفة «الحياة» اللندنية هي المطبوعة العربية الوحيدة التي لا تعطي الكاتب حقاً في تبيان درجته الأكاديمية. وكأن لسان حالها يقول أن إهمية الاعتبار للدرجة العلمية تبدو في مدرجات الجامعة وحجرات الدرس وليس في ما خص الشأن العام. بتوضيح ثان فإن حقل الإعلام ورأيه يقوم على جهد المحترفين في صناعة الصحافة والإعلام. فالصحافي يكافأ بأن يكون كاتباً متفرغاً للجريدة حين يبلغ درجة من الخبرة. وعليه تتيح له الصحيفة سكرتارية لإعانته ومده بكل المعلومات. أما إذا لم يلق بالاً لإمكانية تجريبه للكتابة فإنه يبقى مترقياً في سلم الوظيفة الإعلامية حتى يتقاعد. وفي سنين ما بعد التقاعده يمكن لزميلنا أن يحترف التعليق التلفزيوني أو ينصرف لكتابة الكتب المتعلقة بأسرار تجربته أو قد يتفق مع دور نشر ليتولى تحرير الكتب ذات الصبغة التقريرية. وربما يستفيد منه قسم صحافة وإعلام في جامعة ما ليحاضر عن تجربته للجيل الناشئ، خصوصاً إذا كان قد تحصَّل على الماجستير قبل احترافه أو أثناء الاحتراف. إذن ليس مهماً لهذا المتقاعد أن يكون كاتباً كما بقية زملائه.. فالصحافي المعني نفسه قد يرى أن موهبته قد تتحقق بشكل أفضل داخل مجال التحرير، وليس من الأهمية بمكان أن يصبح كاتباً محترفاً للرأي في صحيفة ما. وأحياناً قد يصبح هذا المتقاعد «فري لانسر». يواصل في عمل التحقيقات للصحف والمجلات المتنوعة دون أن يتقيد بالوظيفة. إذن، فإن كتابة الرأي وقوله يعتمد بشكل أساسي على من لهم تجربة في العمل الإعلامي، وكما قلنا هناك هامش ضئيل لمن هم غير اعلاميين. والحقيقة أن كتابة الرأي وقوله في الصحف والقنوات الفضائية يقوم على «فن» وليس هو كما نشاهد في صحفنا وقنواتنا الفضائية. فكتابة الرأي لصحيفة مثل النيويروك تايمز يختلف عن كتابة البحث الاكاديمي أو النقد الادبي أو كتابة القيم الفلسفية. إذا رجعت إلى ارشيف هذه الصحيفة للمئة سنة الأخيرة فإنك ستجد أن لغة الكتابة في صفحات الرأي السياسي او الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي حتى يقوم على لغة واضحة لا مجال فيها لما يقارب الجناس أو الطباق، أو إن شئت التقعر اللغوي الذي يجعل القارئ يحس أن الكاتب يستفز جهله باللغة أكثر مما يشرح له مضمون الكتابة. هذا يعني أيضاً أنك يمكن أن تكون «سيبويه اللغة الإنجليزية» وستجد الاحترام والتقدير اللائق في الحقل الثقافي والادبي ولا يسقط حقك بالتقادم. ولكن أن تحس أن مجرّد هذا النبوغ يتيح لك ميزة حضور حتمية في صفحة الرأي فإن هناك من يقول لك بكل أدب: مهلاً إن لكل مقام مقال. وإذا عنّت الفكرة لهذا «السيبويه» الفكرة لإرسال تعقيب لإفتتاحية «الواشنطن بوست» فإنه بلا شك سيتوقع -من خلال «السيستم»- أن هناك محرراً للصفحة -نظارته قعر كباية كما نقول- سيفعل في تعقيبه فعلاً يقربها إلى لغة «التعقيب الصحفي» دون أن يخل بالمضمون. وإذا أراد رئيس قسم اللغة الانجليزية بـ«هارفادر أو ييل» أن يرد على تكليف بكتابة رأي لملف متخصص حول توليد الجيل الجديد لمفردات غريبة من اللغة الانجليزية فإنه لا يتوقع أن ما سيكتبه سيجد طريقه للنشر دون مرور بالصحافي القديم الذي أصبح متخصصاً في صناعة «الرأي الصحفي» إن جاز التعبير. هذا هو التخصص الذي يفتقده العرب والافارقة والسودانيون، أو بإختصار العالم الثالث المجازي. وسيكون من عجائب الدنيا العشرين لو تطابق الواقع المهني لصحافتنا مع صحافة العالم المتقدم. والسبب بسيط، وهو أن الصحافة هنا -ليست بنت السماء كما قال التيجاني يوسف بشير- إنما هي بنت الواقع. تتطوّر بتطوره وتنحط بإنحطاطه. والاستثناءات نادرة، وفي ذات الوقت مضللة للناس إن لم يقرأوا الأشياء بتعمّق. الطرق التي بها يتم تعيين رؤساء التحرير أو وزراء المالية أو السفراء أو مديري الفنادق أو مديري شركات البناء تختلف بين العالم المتقدم والمتأخّر بطبيعة الحال وهذا ما يجعل نعتنا بالعالم الثالث أقرب إلى الحقيقة ولا أدري إلى أي مدى نستطيع المحافظة على هذا الترتيب، والذي إذا انطوى على إهانة لعقلنا فإنه ينطوي أيضا على اسباب لمواجهة تحديات ضدم النهوض والتقدم. هذا الاعتراف بالحقيقة هو المدخل لتصحيح أوضاعنا كسودانيين، إذا خصصنا الامر، وإلا فإن المكابرة ستزيد حطب النار للحرائق التي أشعلها واقع عدم التخصص في التوظيف، فلا حل لقضية أبيي إذا كان الوزراء يتجولون في التوزير كما يتجول السائح الاوربي بين المدن الافريقية والآسيوية. الواقع مرعب من حيث تأخره.. ومع ذلك يجب ألا يصاب الكاتب الصحافي بالقنوط أو الإحباط، فهو المفكر الذي يصوغ عباراته بالسهل الممتنع الذي يستفيد من مضمونه ذلكم الفيلسوف والرئيس والأكاديمي والطالب والعامل والخفير والسباك والنجار وغيرهم. الكاتب الصحافي يختار اللغة الوسط التي تشبع نهم كل هؤلاء، ولا يعني هذا بأي حال من الاحوال أن يقوم بإبتذال التبسيط في المبنى والمعنى أو التدني باللغة إلى مستوى لغة الكلام. فقدرة الكاتب المبدع تتجلى في صوغ المعاني الكبيرة بلغة رشيقة يحس القارئ أنها «قطيفة جميلة من الكلام» مع الاعتذار للسرياليين. المفهوم الذي تعارفنا عليه حول الكاتب الممتاز هو أنه ذلك الشخص الذي يستخدم العبارات الفخمة التي يصعب للعامة فهمها، وهذا خطأ كبير فتجربة الأستاذ محمود محمد طه دلت على لغته البسيط التي يشرح بها أفكاراً هي من العمق بمكان. ولكن أعتقد أن الكاتب الصحافي كتعريف هو المنتج للأفكار بجانب آخرين من حقول الادب والاكاديميا والفلسفة وتتوقف الريادة الفكرية للكاتب الصحفي برصيده لا بوظيفته الاعلامية، فلا يغني الكاتب الصحافي شهادته الاكاديمية أو موقعه وسط القبيلة أو ريادته السياسية أو جرأته في احتراف شتم الحكومة أو المعارضة ليل نهار.. هذا الاحتراف الذي يسدر فيه بعض الكتاب يمثل «انتحارا عقلانياً» فلا الحكومة وحدها هي سبب البلاء ولا المعارضة بجناحها المهيض أدخلتنا إلى فم البقرة. إن حجم المقاربة بين الكاتب الصحافي والمفكرين في مجالات العمل العام يتم من خلال كيفية مراءاة الرصيد في الانتاج وفي هذا الجانب أرى أن «الافتتاحيات» الصحفية للأستاذة محجوب محمد صالح وبشير محمد سعيد ومقالات سيد أحمد نقد الله والتيجاني عامر وحسن نجيلة «عبد الله على إبراهيم في نسخته القديمة» تنهض دليلاً على حيوية شاغلهم الوطني فكرياً ولعل التاريخ يدلنا على أن الصحافة السودانية أسهمت في إثراء وعي عامة الناس عن طريق كتابتها ولا تجدن سودانياً متعلماً إلا وبدأ إثراء وعيه الباكر بها ومثلت له مدخلاً للمعرفة والإعلام والتواصل. ولعل عدم الاهتمام بالتراتيبية في الوظيفة الصحفية أثر كثيراً في ضعف التحرير الصحفي. وبدا طغيان الرأي ملاحظاً على حساب الاهتمام بالجوانب المهنية الصحفية الاخرى. وللأسف فإن الاهتمام بالكاتب لم يشمل كل القطاعات الصحفية واصبح الكاتب السياسي هو الاكثر تفضيلا في الصفحات. ولو سألنا عن دور الكاتب الاقتصادي أو الثقافي او الفني أو المتخصص في تناول القضايا الاجتماعية والتربوية وغيرها لما وجدنا أدنى تفكير في تفعيل دوره في الكتابة الصحفية. وصحيح أن الكاتب الصحافي هو المتخصص بطرف من أجل أن يحدث الناس عن الهموم التي تمسهم، بمعنى أنه ينتقد التفكير السياسي والمظاهر الاجتماعية الضارة ويناقش مشروع الموازنة العامة ويتناول مشكلة اهمال الدولة للمؤسسات الثقافية والصحية وينتقد المناهج التربوية الجديدة والقديمة إذا ما اكتشف أنها تضر بحاضر ومستقبل السكون الاجتماعي أو لا تحقق الغرض العلمي أو التربوي... إلخ. ولكن لا بد من وجود الكاتب المتخصص كما كان الحال حين وجدنا بعض رؤساء التحرير انتبهوا لهذه المسألة ووفروا مجالاً للأساتذة عثمان سنادة وعثمان سوار الذهب والراحل صلاح عبد الرحيم بالتفرغ لتحرير المادة الاقتصادية. لا أعتقد أن الكم الهائل من الصحف اليومية والاسبوعية يسهم في تجويد التحرير الصحفي، ولا أدري هل يهتم مجلس الصحافة والمطبوعات بأمر تقييم المادة التحريرية أم أن وظيفته هي تحصيل الرسوم لإصدار المطبوعات، وانجاز الجزاءات علي الصحفيين، وستكون المشكلة أكبر لو علمنا أن المسؤولين في المجلس المذكور أبعد عن الدراية بفن العمل الصحفي، والسؤال الاهم هو ما هو دور نقابة الصحافيين والاتحادات المعنية الاخرى في مراجعة الاداء المهني ولو من باب الحوار عبر منتديات الاتحاد إن وجدت. وأعتقد أن من مهمام الاتحاد أن يبدأ بفحص عقودات العملية الصحفية لمعرفة انصافها للصحافيين ومدى إمكانية المساعدة في استقرارهم المادي والاجتماعي، حتى لا يكونوا عرضة للاستغلال من قبل المستثمرين الصحافيين والمؤسسات الحزبية والشركات. إن تجربة صحيفتي «الايام» و«الصحافة» وكذا سونا -ولاستمرار هذه المؤسسات لفترة طويلة من الزمان- خرّجت كوادر صحفية متدربة لا تزال هي الأكثر تدريبا في العمل الصحفي ومعظم الذين يديرون الصحف العربية خلف الكواليس هم من مدارس «الصحافة» و«الأيام» و«سونا» وأعتقد أن عالمنا العربي استفاد من هؤلاء الخبراء في التحرير الصحفي أكثر من بلادنا، وذلك بسبب الموقف الحاد من نظام مايو والموقف الآخر من استمرار الصحف الحكومية بعد إنهيار النظام. وما بعد زمن الانتفاضة توفرنا على تجارب صحفية متطورة ومتنوعة وكان فيها الاهتمام بالتحرير الصحفي أولوية للتنافس ولو استمرت صحف الانتفاضة لوقفنا على تطور لأنواع من المدارس الصحفية ولشهدنا تفتقاً لمواهب صحفية متعددة. وبرغم أن الاهتمام بالكاتب يعتبر أمراً طيباً ويساعد الصحف على القيام بدور تنويري أو تثقيفي إلا أن المبالغ التي تبذلها الصحف لغالبية الكتاب يعتبر مثل عطية المزين ولا تحقق أي قدر من التشجيع اللازم. وللانصاف فإن القارئ للصحف الصادرة اليوم يرى تطوراً فردياً في التحرير الصحفي ولكنه لم يصبح جماعياً ونلحظ وجود اسماء معتبرة في دنيا الحوار والتحقيقات والتحليلات والملفات الثقافية والفنية ولكن المشكلة أن هذه المواهب متناثرة في هذا الكم الهائل من الصحف وتمثل أقليات وسط الضعف المهني لكثير من المحررين. الشيء الاخير الذي اود التنبيه إليه هو أن الصحافة الرياضية، برغم محاولات السخرية من أدائها ورموزها، إلا أنها تضم خبرات متميِّزة في التحرير الصحفي والسبب يعود لرسوخ التجربة في بلادنا، ولذا نجد أن الصحف الرياضية تحظى برواج للتغطيات الصحفية المتميزة للمحررين واهتماماهم بالمنوعات، والتي تمثل حجر الزاوية في اهتمام القارئ، كما أن التجربة تتيح للمحرر صقلاً متواصلاً، فالمحرر الرياضي يبدأ مخبراً ثم مغطياً للنشاط الرياضي وزيارات الفرق محلياً وخارجياً ويقضي وقتاً في اجراء الحوارات الصحفية ثم معلقاً على المباريات ومتمرنا في المطبخ الصحفي حيث يتعرَّف على فنون التصميم وكيفية عرض المادة وإخراج الخطوط. ولقد بدأت بالصحافة الرياضية واستفدت كثيراً منها، وما زلت أرى ان مهنيتها متقدمة بالقياس لمهنية الصحافة الثقافية والفنية أو حتى الصفحات الدينية التي تظهر مرة وتختفي مرات والغريب أن بعض الصحف التي أشرف عليها إسلاميون خصصوا صفحات دينية في «فصل تام» بينها والصفحات الأخرى.. واللبيب بالإشارة يفهم!! وإن كان بعض الناس يصفون مضمون الصحافة الرياضية بالضعف أو الركاكة فالصورة ليست قاتمة كما هو حال الكتابة السياسية التي وجدناها في أزمان مختلفة تؤسس للشمولية وتحض الآن على العنصرية وترتهن بعض الأقلام للسفارات الأجنبية وتنحاز غيرها للتعبير عن الأحلام الحزبية أكثر من الوطنية ولعل كل هذا لم يفعله الصحافيون الرياضيون، والذين مهما علت مهاتراتهم وتجاوزوا الأعراف الصحفية. ويجدر بالذكر النجاحات التي حققها الصحافيون الرياضيون في دول الخليج حيث أشرفوا على الملفات الرياضية ورأسوا تحرير بعض المجلات ونذكر منهم كمال طه وكمال حامد وتاج السر أبو سوار واسعد يوسف وكفاح علي حسين وعلم الدين هاشم وقاسم نايل ونصر الدين منزول وعلي سيد احمد وياسر قاسم وعامر تيتاوي وعوض أحمد عمر وإبراهيم عوض.. والقائمة طويلة. أعتقد أن هناك جوانب خلل كثيرة تتعلق بصحافتنا ونأمل أن تسهم هذه الكتابة في فتح ملفات الصحافة السودانية.. وربما حاولنا في مقالات سابقة تناول جوانب أخرى من القضية الصحفية وهي لا تقل أهمية عن القضية الحزبية.

http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=46950

Post: #774
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-26-2008, 04:13 PM
Parent: #773


حول أزمة الهويــــة وتلاقح الثقافات

الدوحة: (الصحافة)
فكك الدكتور الباقر العفيف، مدير مركز الخاتم عدلان للإستنارة والتنمية، «المسكوت عنه» في الهوية، ولامس قضية بالغة الحساسية، مستخدماً «التحليل السياسي» لموضوع «ثقافي»، وقد يكون صاعقاً في أسلوبه، بتشريحه للواقع وافرازاته، مستشهداً بمحاولات آخرين لسبر هذه «الإشكالية»، ونقدها والإضافة اليها، ومهّد لندوة «اشكالية الهوية في السودان» التي استضافها نادي أصدقاء البيئة بالدوحة، باستعراض مساهمات الشيوعيين وحكومة مايو في إعلان 9 مارس 1970 التي اعترفت *ولأول مرة* بالخصائص الثقافية لجنوب السودان، ومنحه الحكم الذاتي، وموقف الأستاذ محمود محمد طه «لحل مشكلة الجنوب» واستلهم العفيف ما جاء في «حرب الرؤى» لمؤلفه فرانسيس دينق، الذي أرجع الحرب بين هويتين إلى سببين هما: * هوية شمالية تريد القضاء على الجنوبيين. * هوية جنوبية تقاوم من أجل البقاء. ويلحظ العفيف هيمنة الهوية الشمالية، والتي تمارس الأسلمة والتعريب ونحت لهذه السياسة مصطلح «الشملنة»، حيث وضع الصراع على اساس «شمال وجنوب»، لكن الدكتور جون قرنق، عرَّفه بأنه «صراع دائري»، هو بين المركز والهامش، ويقف العفيف بكثير من الإعجاب، والتبني لمقولة الأستاذ محمود محمد طه، «حل مشكلة الجنوب يكمن في حل مشكلة الشمال» ويرى ان «اعراض» الحرب في الجنوب بينما «الجرثومة» في الشمال، واشار ايضا الى اسهامات الدكتور منصور خالد في مسألة الهوية، الذي يرى أن السودان يعتبر وطناً افتراضياً virtual، ويختلف العفيف مع ورقة الدكتور محمد سليمان «حروب الموارد» التي اعتمدت التحليل الماركسي وتهميشها التحليل الثقافي، في انها لم تضع اجابات على أسئلة كثيرة، ولم تفسر مآلات أن تكون الدولة عنصراً في الصراع، ويخلص العفيف «الاشكالية» في أن السودان «بلد متنوّع ومتعدد الهويات والثقافات والديانات والأعراق واللغات والتواريخ المتعارضة، وهو مجرّد شعوب تجاور بعضها البعض لم تستطع أن تصوغ دولة متعددة»، ويجزم بأن البنية الفوقية لا تعكس البنية التحتية، ونتج عن ذلك: تمييز بنيوي، عنصرية مؤسسية والعنصران أنتجا «هوية مهزومة»، وبالنظر الى المؤسسات العدلية يتبدى التمييز الذي يهدر العدالة ويميز بين الناس، وايضا التعليم يعكس منهج واسلوب حياة معين ولا يعبّر عن التعدد الثقافي، وهذه «الهوية المهزومة» مغتربة عن ذاتها، ومستمدة من ثقافات مراكز أخرى في الجزيرة العربية والهلال الخصيب، وهي لا تنسجم معنا، ولا تعكس ملامحنا أو كينونتنا وهي تنظر ليس بعيونها وإنما بعيون الآخرين، وقذف العفيف بالسؤال: من نحن؟ وهو يمشي للبحث عن «اشكالية الهوية»، ويستشهد بنتائج بحث أكاديمي طرح سؤالاً عن الهوية: من انت؟ وتعددت الاجابات، عربي، مستعرب، سوداني، نوبي مستعرب، وخلص البحث إلى عدم اتساق الاجابات، وأرجع مقولة الروائي الكبير الطيب صالح «من هم هؤلاء؟ ومن أين أتوا؟» إلى شعور صاحبها، بأن ممارسات الجبهة الإسلامية، لا تشبه أنماط سلوك السودانيين، بل مارسوا غلواً في الاغتراب عن الذات، إلى الدرجة التي لم يعد يتعرّف عليهم، دلف العفيف الى تعريف الهوية واكتفى بقوله «الهوية إدراك الذات على حقيقتها وقبولها والتصالح معها، والانطلاق منها لاستقبال العالم والتعامل مع الآخرين»، وهو ما يعني ان تتعامل مع العالم اصالة عن نفسك، افراداً أو مجموعات اجتماعية.. يواصل العفيف حديثه بتحديد مستويين لأزمة الهوية: المستوى الشخصي: حيث تنشأ الأزمة عندما تحين لحظة إحداث التوافق بين التماهيات الطفولية وبين تعريف جديد وعاجل للذات، وأدوار مختارة لا يمكن النكوص عنها يضاف إلى ذلك أن الهوية الشخصية تقوم على جهد يستمر كل الحياة، والفشل في تحقيقها يسبب أزمة ربما تكون لها نتائج مدمرة على الأفراد. * المستوى الاجتماعي: فتنشأ الأزمة عندما يفشل الناس، وهم يصنعون هوياتهم، في العثور على نموذج يناسبهم تماماً، أو عندما «لا يحبون الهوية التي اختاروها أو اجبروا على تبنيها»، ولأن الهويات الاجتماعية يتم تكوينها عادة «من التشكيلة المتاحة من التصنيفات الاجتماعية، فإن ظهور الخلعاء يكون حتمياً»، كذلك يمكن أن تحدث الأزمة عندما يسود الغموض نظرة الناس إلى هويتهم، أو يفتقرون إلى هوية واضحة. وفي حالة أخرى يمكن أن تنشأ أزمة الهوية عندما يكون هناك تناقض بين هوية الشخص ونظرة الآخرين إلى الهوية ذاتها. وأخيراً يمكن أن توجد أزمة الهوية إذا كان مركز الهوية، أي الجهة التي تملك صلاحيات إصباغ الشرعية، لا تعترف بادعاءات الهامش.. أما الدكتور محمد الأمين، صحافي موريتاني، له رؤية واضحة في الهوية وتلاقح الثقافات، ابتكر خلال مشاركته في الندوة مصطلح «الهجنة الثقافية» culture Hybrid أو «الثقافة الهجين» وتعني أن ينتقل الإنسان من ثقافته الأصلية إلى ثقافة أخرى ويتعايش ويتفاعل معها ليكون مثالاً، وزحزحة المفاهيم التي تأسس عليها العقل العربي الذي كبلته الايديولوجيا، والانتقال إلى الخطاب المعاصر الذي يتكيف مع الواقع والتراث ولا يزحزحه، دون تقمص للأساليب القديمة، تناول ما يسمى «المسكوت عنه» في البيئة العربية، وضرب مثلاً بالرق في موريتانيا وكشف أن (66%) من السكان ينتمون إلى فئة المستعبدين، كما أشار إلى العنف العرقي ضد السود في حقبة التسعينيات، وتجاوز هذه المرحلة بعودتهم بعد نزوح قسري، ويجزم الدكتور محمد الأمين أن الهوية منذ نشأتها كانت في «أزمة» وليست «متصالحة»، والفرد لا يقبل التهميش في عراء المعرفة، ويخلق لنفسه إطاراً معرفياً ليعرف ذاته، والخوف من العراء المعرفي، يتجاوز الطبيعة ويتحداها بالعراء الفيزيائي إذا شككت بهويته ينتفض.

http://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=46852

Post: #775
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-26-2008, 06:00 PM
Parent: #1


أجسام البغال وأحلام العصافير


بسم الله الرحمن الرحيم

"مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء" صدق الله العظيم

في حوار لجريدة البيان الخليجية تحدث السيد الصادق المهدي عن تصوره لأحداث سبتمبر التي تعرضت لها الولايات المتحدة ، ولم يستطع أدانة الارهاب، ولا تسميته باسمه ، بل فضل ان يسمي هذه الجماعات الارهابية المتطرفة بالمتشددين !! ثم طرح رايه حول مفهوم الجهاد والاجتهاد ، والوضع السياسي العالمي والسوداني ، وحاول ان يخفي الصراع الداخلي في حزب الأمة ، وأعلن تحول حكومة الجبهة عن التعنت ومحاولته اقناع امريكا والتجمع بالنظام السوداني وامله في

مصالحة نظام الجبهة هي التي ستسوق الى عودة السودان الي الديمقراطية، والتفاف العالم حول نهج الصحوة الذي يدعو له !!

ولقد أسمته جريدة البيان "الزعيم السياسي والمفكر الاسلامي " وكلها القاب اعتاد الصادق على سماعها من اتباعه ومريديه ، ولكنها كانت دائما، ولا تزال، أكبر من قامته ، فنحن نراه كما كان دائما الزعيم الطائفي، الجاهل بما حوله، المتسلط بغير حق على اتباعه ، اللاهث دوماُ خلف كرسي الحكم ، والذي يتضح فشله لاتباعه كل يوم ، منذ أن خرج من السودان، ولحق بقوى المعارضة ، وسمى تلك العملية " تهتدون" ثم وضح له ان خروجه وانضمامه للمعارضة ، لم يكن الهداية التي توقعها ، فخرج من التجمع ، ورجع لذات الحكومة التي ادعى انه خرج لاسقاطها، يتسقط مصالحتها ومشاركتها !! ولم يكن الصادق يتوقع ان ترفضه الجبهة ، وانما كان يظن انها ستقدر عودته، فسمى رجوعه " تفلحون" ، ولكن ظهر ان الذي لازمه هو الخيبة، وليس الفلاح.. ولقد تساءل أحد الظرفاء ساخراُ من "تهتدون " الى "ترجعون" ماذا " ستفعلون"!؟

الجهاد والاجتهاد:

يقول الصادق المهدي ( في رأيي سيكون لاحداث الحادي عشر من سبتمبر والسابع من اكتوبر ، كذلك آثار هامة جدا على الصعيد الاسلامي ، لان الاجتهاد الاسلامي أصلا في رأيي اوالاجتهاد السياسي في البلدان الاسلامية قائم في اتجاه ثلاثة خيارات ، الاول خيار انتفائي ، يقول به كثير من التقليديين ، وهو خيار يرى ان الاسلام وقد نزل على النبي صلى الله عليه وسلم واضح النصوص وان هذه النصوص قد بنى عليها أئمة الاجتهاد استنباطات واضحة لكل زمان ومكان وان علينا كلنا نحن الخلف ان نطبق ما استنبطه السلف دون مساهمة برأي او اجتهاد... وهذا الخطاب يوجد بشكل حركي لدى ما يمكن ان نسميهم حركات التشدد الاسلامي، ان حركات التشدد الاسلامي لم تات بجديد بل هي تضع سنانا في قناة التفكير الانكفائي بين المسلمين .. وهناك تيار آخر مضاد للتيار الاول تماما ، ويرى ان الاسلام قد استنفد دوره في الحياة العامة ولا دور له بعد هذا الا كالتزام ضميري للشخص والفرد ، اما في الحياة العامة فقد انتهى دوره ولذلك يجب ابعاده تماما عن الدولة والسياسة وفي الحياة العامة وذلك ما نسميه بالاتجاه العلماني...وفي رأي ان هناك تيارا ثالثاُ يرى ان الدين جزء لا يتجزأ من الحياة ولا يمكن ان يطرد من الحياة وهو في كل جوانب الحياة ولكن مع الالتزام بالقطعيات أي قطعيات الوحي التي هي محدودة للغاية ، اما بقية المبادئ والاسس والتشريعات الاسلامية الي آخره فهي مفتوحة للاجتهاد بحيث تقبل الصياغة الاجتهادية لتلائم ظروف الزمان والمكان ، وهذا ما نسميه اتجاه الصحوة الاسلامية ..."[1]

ان هذا الحديث لا يختلف من سائر أحاديث السيد الصادق وكتاباته ، فهي جميعها مليئة بالتعميم، وعدم التحديد، والتهرب من مواجهة القضية الجوهرية .. فهو هنا يندد بالاتجاه الاسلامي التقليدي ، ويتهمه بان لم يأت بجديد ، فما هو الجديد في أتى به الصادق ما دام انه يخلص في النهاية الى الالتزام بقطيعات الوحي ، ولا يقدم فهما مختلفاُ لها؟ أليس هذا هو راي الاسلاميين التقليديين أنفسهم ؟ أن الفقهاء حين قفلوا باب الاجتهاد، عادوا بعد فترة وفتحوه ، ولكنهم قيدوا الاجتهاد بعبارتهم الشهيرة " لا اجتهاد مع النص " وهم بطبيعة الحال يقصدون النص القطعي الذي أشار اليه الصادق المهدي.. ولقد أخطأ الفقهاء ، وجماعات الاسلاميين، وتبعهم الصادق، حين ظنوا جميعاُ، ان الاجتهاد لا يجوز فيما ورد فيه نص قاطع، فقفلوا باب الاجتهاد في الأمور التي وردت فيها النصوص ، وفتحوه في الأمور التي لم ير فيها نص قطعي من الكتاب أو السنة، وهي أمور لا أهمية لها عند الله ، فلو كانت مهمة لانزل فيها نصاُ قاطعاُ.. فلماذا نجتهد في أشياء لا قيمة لها عند الله ونترك الاجتهاد فيما أنزل الله فيه النصوص ؟! وانما بسبب الاجتهاد في المسائل الهامشية ، صنف الفقهاء الآلاف من المتون والحواشي التي زادت الدين تعقيداُ ، ثم لم تؤثر على حياة الناس..إن الاجتهاد الحقيقي يجب ان يكون فيما وردت فيه النصوص ، باعادة فهم النص ، ومعرفة الحكمة من ورائه، ذلك لأن المعاني التي يحتملها النص القرآني لا تنتهي ، ولهذا يجب ان لا نبحث عن شئ خارجه ، قال تعالى "ولو ان ما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم" (لقمان 27 ) ومعلوم ان القرآن المعروف يمكن ان يكتب بقلم واحد ، ودواة واحدة ، فأين الكلمات التي لا تنفد لو كتبت باشجار الارض ومياه البحار؟! انها المعاني التي يمكن ان تحملها هذه الكلمات، وسبيلنا لمعرفتها انما هو التقوى ، لقوله تعالى " واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم" (البقرة 282)...القرآن هو كلام الله ، ونحن حين نقرأ القرآن فان الله يكلمنا، وكلامه الينا قد حوى كل شئ ، قال جل من قائل " ما فرطنا في الكتاب من شئ" (الانعام 38).. ولكننا لا نفهم لاننا عنه غافلون.. والاجتهاد المطلوب هو ان نحضر مع الله ، حتى نفهم المعاني المتجددة لكلامه القديم، ومن هذا المستوى جاءت الدعوة لتطوير التشريع الاسلامي بالانتقال من فروع القرآن الى أصوله ، الامر الذي أسسه الاستاذ محمود محمد طه قبل ثلاثين عاما ، وهوهو النهج الوسط بين العلمانية ، والدعوات الاسلامية التقليدية السلفية ، التي لا يكفي الصادق للخروج من عباءتها، ان يظل يكرر حديثه عن النصوص قطعية الدلالة..

يقول الصادق المهدي ( إن الجهاد يعني العمل بكل الوسائل لاعلاء كلمة الله ، وهذا التزام لكل مسلم حتى قيام الساعة ، ليس فيه أدنى شبهة أو إضطراب ، وهذا الجهاد يكون بالمال والفكر والرأي ، والقلم وبكل الوسائل وهو غير مسموح به بأن يصبح قتلا وعنفا الا في ثلاث حالات ، الحالة الأولى دفاعا عن النفس ، والحالة الثانية ضد الاضطهاد الديني ، والحالة الثالثة ضد الاحتلال الاجنبي ، وفي هذه الحالات الثلاث ينبغي ويمكن ان يتحول الجهاد الى عنف...)[2].. فالصادق المهدي يرى ان الجهاد إنما هو مجرد دفاع عن النفس ، وهذا هو رأي الاخوان المسلمين كما عبر عنه محمد قطب في كتابه " شبهات حول الاسلام" .. والحق ان هذا فهم خاطئ للجهاد وللدفاع عن النفس ..( فمع ان المدافع عن نفسه أو عرضه أو أرضه أو ماله في وجه المعتدي يعتبر مجاهداُ إلا ان الجهاد أبعد مدى من ذلك ، إذ ان كل دفاع عن النفس جهاد وليس كل جهاد دفاع عن النفس..والدفاع عن النفس حق مشروع لم يجئ به الاسلام، وإنما هو عرف سابق لكل الاديان ، وعليه نشأت المجتمعات البدائية القديمة ، وهو لذلك أمر طبيعي لا يحتاج الاسلام لفرضه على الناس، وان إعتبره من مكارم الأخلاق ، وبدأ به الجهاد كما ذكرنا. أما الجهاد المقصود والذي جاء به الاسلام ورفع أصحابه الدرجات العلى ، فهو القتال من أجل إعلاء كلمة الله في الأرض ، ولذلك خرجت جيوش المسلمين من جزيرة العرب تغزو بلاد الهند والصين والاندلس ، لنشر الاسلام مع ان أهل تلك البلاد لم يعتدوا على العرب في أرضهم.. وحين إنتصر المسلمون فرضوا نظامهم ، وأقاموا سلطان الدولة الاسلامية ، ولم يرجعوا عن تلك البلاد ، مما يدل على انهم لم يجيئوا دفاعا عن النفس أو لدرء ظلم وقع بهم.. والحق ان الشعوب الأخرى التي وقع عليها الغزو هي التي كانت تدافع عن أوطانها، ونظمها ، ومعتقداتها ، في وجه الغزو الاسلامي ..لقد أخطأ كثير من الدعاة الاسلاميين ، خطأ فادحا،ُ حين ذكروا ان حروب الاسلام ، قد كانت حروباُ دفاعية.. ولعل ما دفعهم لهذا الخطأ ، هو محاولتهم للرد على بعض المستشرقين ، الذين كتبوا ان الاسلام انتشر بحد السيف .. والحق ان حروب الاسلام مبررة بما يكفي اذا أخذنا ملابسات الوقت في الاعتبار. فقد نزل الاسلام على مجتمكع كان العرف السائد فيه هو الحرب والقتال لاتفه الاسباب ، فلم يكن من الممكن تجاوز هذا العرف تماما ، لذلك اتجه الاسلام ليوجه غاية الحرب بدلا من الحرب بلا هدف ، لتصبح حربا من أجل إعلاء قيم الحق والعدل ، ومع ذلك لم يحارب إبتداء ، وإنما حارب بعد ان أضطر الى ذلك ، حين عجزت الجماعة عن النهوض بمسئولية الحرية ،فلم يكن هنالك بد من مصادرة حريتها، وفرض الوصاية عليها.. فالاسلام إستعمل السيف ولكن " كما يستعمل الطبيب المبضع وليس كما يستعمل الجزار المدية" كما قال الاستاذ محمود محمد طه.

ولكن الامر الذي لا من تقريره هو ان الحروب بغرض نشر الدين غير مبررة اليوم ، لان العرف المقبول اليوم ، أصبح السلم وليس الحرب ، ولان البشرية قد تطورت للحد الذي جعلها تتعلق بمبادئ الحرية وتستنكر مصادرتها ألا وفق القانون الذي ينظمها..ولقد قامت مواثيق الامم المتحدة ، ومبادئ حقوق الانسان ، على حق الانسان في الحياة ، وفي الحرية ، بغض النظر عن دينه أو جنسه أو لونه أو نوعه من ذكر أو أنثى..لقد أصبح من الصعب على العقل المعاصر ان يقبل فكرة قتل انسان ، لمجرد انه مخالف لما تعتقد فيه انت.. وهذا هو السبب الذي دفع بعض الدعاة الاسلاميين ، حين عجزوا عن الرد على المستشرقين، ان ينكروا حقيقة ان الاسلام ، فرض نفوذه وسلطانه بقوة السلاح ، وغزو الآخرين في ديارهم لنشر عقيدته ).[3]

والجهاد قد ورد بنصوص قطعية الورود والدلالة ، وهذه النصوص لم تتحدث عن القلم والرأي- كما يطيب للصادق ان يحدثنا – وانما تحدثت عن الجهاد بالسيف ، لا دفاعا عن النفس ، وانما بغرض ازالة الشرك ، فالمشرك يقاتل حتى يسلم أو يقتل ، ولا يمنع عنه القتل الا التوبة واقامة شعائر الاسلام.. قال تعالى في ذلك (فاذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا واقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم ) (التوبة 5 ). وبناء على هذه الآية الشهيرة بآية السيف جاء حديث النبي صلى الله عليه وسلم ( أمرت ان اقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فان فعلوا عصموا مني دماءهم واموالهم الا بحقها وامرهم الى الله ) وعلى الآية والحديث أعتمد أبوبكر الصديق رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة..هذه نصوص أجمع السلف على قطعيتها فماذا سيفعل بها الصادق في نهج الصحوة؟ فإن عمل بها ، ودعا لها، لانها نصوص قطعية، فسيمارس الجهاد، ويرجع الى أصله حيث يلتقي في الفكر والممارسة بالجماعات الاسلامية، المتطرفة، التي هاجمها كثيرا في هذا اللقاء ..وان رفض العمل بهذه النصوص القطعية ، واستعاض عنها باجراءات مدنية ، تقوم على نهج سلمي يرفض العنف ، فقد ابعد الدين من الحياة ، مثل ما فعل العلمانيين الذين نقدهم في حديثه !!

يقول الصادق المهدي عن جماعة بن لادن ( سمعت واحدا منهم وهو يتحدث وهو ابو الغيث الناطق باسم القاعدة يقول نحن ارهابيين لان الله سبحانه وتعالى قال كونوا إرهابيين ويقول سبحانه وتعالى " واعدوا لهم مااستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" وهذا فهم جاهل للعبارة نفسها والصحيح ان هناك ترجمة خطأ لعبارة الارهاب Terrorism إرهاب في حقيقة الامر ترجمتها الصحيحة "الترويع" أي الارعاب أما ترهبون التي وردت في الآية فتعني كونوا أقوياء حتى لا يطمع العدو في ان يعتدي عليكم...).[4] هل رايتم مثل هذا الالتواء؟ فالله يقول " ترهبون" والصادق يقول "كونوا اقوياء" ولو اراد الله ذلك فقط لذكره مباشرة ، ولكنه حواه في عبارة الارهاب ذلك انك لا تقطع طمع عدوك فيك الا اذا كنت قويا حتى خافك ، وصار يتوقع بطشك في كل لحظة ، فعاش في رعب دائم ، وهذا هو إرهاب العدو ، وهو مأمور به في الشريعة كما ذكر ممثل حركة بن لادن ، وانما يجئ جهل الرجل من ظنه بان شريعة الجهاد مقبولة اليوم ، وهو جهل هو والصادق فيه سيان.. وحين اراد الصادق ان يقدم بديلا عن طرح جماعة بن لادن قال ( علينا ان نقرأ القرآن بتدبر، وان هنالك اعتبار للآخر " ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنه" ).[5] وهنا مربط الفرس ذلك ان هذه الآية ومثيلاتها مثل قوله تعالى " وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)(الكهف 29) قد نسخت بآية السيف كما ذكر سائر المفسرين ، وكما دل الواقع حيث انها لو كانت محكمة لما تمت ممارسة للجهاد..فاذا دعا الصادق المهدي، الى بعث القرآن المنسوخ، فقد وفق للحل الأمثل، وتبقى اشكالية بسيطة، ولكنها عظيمة لدى الصادق، وهي ان هذا الفهم قد طرحه الاستاذ محمود محمد طه قبل خمسين عاما ، فاذا وافق عليه الصادق اليوم، ثم اتقن فهمه ، فسيكون تلميذا فيه وليس زعيماُ !!

فاذا كان فهم جماعة بن لادن للجهاد خطأ، فقد قتلوا أنفساُ بريئة بغير حق ، قال تعالى " من قتل نفساُ بغير نفس أو فساداُ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاُ ", وهم بذلك قد خالفوا الاسلام مخالفة جوهرية ، فلماذا لا يقرر الصادق المهدي انهم مجرمين ، وقتلة ، وأرهابيين ، ولا علاقة لهم بالاسلام بدلا من ان يهادنهم ويقول عنهم (نحن لا نشك ان هؤلاء المتحمسين المتشددين أسلامياُ لديهم قضية كقضية الفساد والظلم ولكن هذه القضية لا بد ان نحضنها في الوسائل التي لا تأتي بنتائج عكسية ...)[6]!!

إن حديث الصادق عن الترويع والارهاب يذكرنا بالمهدية ، فقد كتب الخليفة عبد الله التعايشي الى ودالنجومي عن اخبار تمرد الجهادية عليه، وهزيمته لهم (أعداء الله الجهادية الذين كسروا من كردفان بنواحي الجبال قد توجه لهم الحبيب حمدان اب عنجة...واهلك العبيد عن آخرهم... وصار قتل رؤساهم الثلاثة علي ملة وسرور الفور وبشير علي ، وقطع رؤوسهم الثلاثة وارسلها لنا بالبقعة وبعد وصولها أمرنا بتعليقها في المسجد.. ثم أمرنا بتوجيه الروس المذكورة الى الخرطوم لاجل القاها مع رمم الكفرة الذين به لانهم من المغضوب عليهم..)[7]..إن المطلوب من الصادق المهدي، ان يدين هذا الارث الدامي، الملئ بالظلم، والبطش والارهاب، وقتل المعارضين ، وتكفيرهم، والتمثيل بجثثهم ، قبل ان يدين عنف بن لادن ، ويحدثنا عن الديمقراطية، والجهاد بالقلم والرأي على نهج الصحوة ..

الصادق وحكومة الجبهة :

يقول الصادق المهدي عن نظام الجبهة ( هذه أول مرة يقبل فيها نظام شمولي الآخر ، ويقبل الحوار الجاد والتعددية السياسية ويقبل ان المصير السوداني ليس حكرا على حزب السلطة، وانما للسودانيين كلهم، صحيح هناك نكسات وهناك معايير مختلفة ، وخطاب مضطرب ، ولكن في جوهر الامر اعتقد ان الموقف الآن هو ان الحكومة والمعارضة يقبلان مبدأ ان يكون المصير السوداني متفاوضا عليه بين القوى السودانية الحاكمة وغير الحاكمة بصورة سلمية ، وانا أعتقد ان هذه اول مرة في التاريخ يحدث فيها هذا النوع من التحول ، صحيح حدثت في عهد نميري المصالحة الوطنية ، ولكن كان واضحا منذ البداية ان نميري كان الحاكم بأمره، وكان يريد ان يجعل المصالحة وسيلة لدفع المعارضة للانخراط في النظام ، وعندما تبينا ذلك تركناه وأستأنفنا المعارضة ضده ، اعتقد ان نظام الانقاذ الحالي ليس فيه هذا النوع من الانفراد بالسلطة أو لدى أي واحد من قادته ..).[8]

إن إشادة الصادق الآن بحكومة الجبهة، تمهيدا للرجوع الى حظيرتها، ليس أمراُ مستغرباُ، فلقد سبق ان نبهت الى ذلك منذ عدة سنوات !! ففي ندوة عقدت في القاهرة ، بمنزل السيد زين العابدين صالح عام1994 ، تحدث فيها السيد عمر نور الدائم والسيد مبارك الفاضل_ بمناسبة اتفاق شقدم الذي عقداه باسم حزب الامة مع حركة قرنق_ وحضرها جمع من السودانيين، ذكرت انه لا فرق بين الجبهة وحزب الامة ، وان الصادق المهدي قد كان رئيس الحكومة، والحرب في الجنوب قائمة ، والقوانين الاسلامية قائمة ، وحين قام بعض اساتذة الجامعة بحوار مع الحركة عقد في أمبو باثيوبيا قامت حكومة الصادق باعتقالهم وهاجمهم مبارك الفاضل في الجمعية التأسيسية باعتبارهم خونة لانهم تنقاشوا مع العدو !! فلماذا نصدق الآن ان حزب الأمة جاد في الحوار مع الحركة ، او جاد في معارضة الجبهة وهي تنفذ في نفس البرنامج الذي كان الصادق ينفذه حين حالفها ورفض اتفاقية السلام التي عقدها السيد محمد عثمان الميرغني مع الحركة ؟ ولقد ذكرت لهما ان الصادق لا يطيق البعد عن الكرسي، ولهو لذلك سوف يسعى الى مصالحة الجبهة بكل الوسائل ، فرفضا هذا الحديث وسخرا منه.. والحديث مازال مسجل على الشريط ولا تزال الاشرطة لدى الأخ الزين صالح بالقاهرة..

ان ممارسة الصادق واداء حزبه داخل التجمع ، يعطينا الحق في ان نشك في انه هرب من السودان مراغمة للجبهة ، فيبدو ان الجبهة قد رأت ان تخرجه ليدخل التجمع ويحاول اضعافه ، واقناعه بالمصالحة.. أما هو فقد كان يأمل في الوصول لكرسي الحكم في كل الاحوال ، فاذا استطاع التجمع ان يهزم الحكومة ، سيعود مع الظافرين ليتولى رئاسة الوزارة ، واذا فشل التجمع ، وضعف، فان الصادق سيبادر بالخروج منه، واللحاق بالحكومة .. على ان مشكلة الصادق دائما تكمن في انه يضعف أما الجبهة، ويصدقها للتقارب الفكري بينهم ، فهو لم يكن يتوقع ان تشعره الجبهة بان مصالحته وحده لا قيمة لها، وانه لا بد ان يسعى لاقناع التجمع على الاقل في فصائله الشمالية، حتى تتم المصالحة.. وحكومة الجبهة لم تعط الصادق ما يريد لانها تعلم ضعفه، وحرصه على السلطة ، ومقدرته على التضحية حتى باتباعه في سبيلها.. لهذا فهي تلوح له بها ولا تعطيها له..

وحين رجع الصادق، رجعت مجموعة من المقاتلين، بعد ان أمضت وقتا طويل،ا في إريتريا دون ان تعطى رواتب ، فقاموا بالاعتداء على عمر نور الدائم ، ولو أنصفوا لطلبوا حقهم لدى الصادق لأن د. عمر نور الدائم لا حول له ولا قوة، ان هو الا تابع للصادق المهدي، لا يكف عن مدحه، ولا يفعل شيئا بغير أمره !! وكما خان الصادق اتباعه، من قبل، فساقهم الى الحرب مع نظام مايو عام 1976 ثم هرع لمصالحة نميري، ودخل الاتحاد الاشتراكي، وأدى قسم الولاء لثورة مايو الظافرة، قبل ان تجف دماء اتباعه على الارض ، هاهو يخونهم اليوم، بعد ان ضحوا بمفارقة وطنهم، والعيش في جبهة القتال ، فيدعو الى مصالحة النظام الذي شردهم ، والتجاوز عن كافة جرائمه، بل يصفه بانه ( يقبل الحوار والتعددية السياسية ) !!

لقد كانت فترة الصادق مع التجمع، على قصرها، مليئة بالخيانة ، فقد كان معهم في العلن ، ثم هو يقابل الترابي في لندن ثم البشير في جيبوتي في الخفاء !! وحين كشف أمره ، بادر بالهجوم على د. قرنق ، وحاول ان يستعدي عليه حلفاءه من الشماليين ، فلما فشل في ذلك ، خرج من التجمع، وهاجمه، ثم عاد الى الخرطوم ، وحين لم يجد من الجبهة الاسلامية "العظم" الذي يشبعه، غفل راجعا، في وفد من اتباعه، ليفاوض التجمع للرجوع اليه من خلال قبول الجميع للمفاوضة والمصالحة مع النظام.. فهل رأى الناس رجلا منزور الحظ من الكرامة والحياء ، كالصادق المهدي ؟!

إن خيانة الصادق اليوم تتعدى اتباعه، الى الشعب السوداني جميعه ، فهو يدعو للمصالحة مع النظام الذي قتل الشعب، وعذبه، وشرده، ولا زال حتى اليوم يبيع البترول ويشتري به السلاح ، ويصعد عملياته الحربية في الجنوب، وفي جبال النوبة ، يقتل الابرياء ، ويضرب القرى الآمنة ويروع النساء، والاطفال ، ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد..

الصادق يقنع التجمع وأمريكا :

والصادق يحدث جريدة البيان، بانه أختلف مع أمريكا، ومع التجمع، في موقفهما من حكومة الجبهة ، وأخيراُ رجعت أمريكا، ورجع التجمع الى رأي الصادق المهدي !! يقول الصادق المهدي ( أن الراي العام الامريكي والكونجرس الأمريكي وكثير جدا من المنظمات الطوعية الامريكية صارت معبأة ضد النظام السوداني بشكل كبير جدا وهي تعبئة قد اشترك النظام السوداني نفسه في مدها بالاسباب عن طريق سياسته القمعية، وبذلك بعد ان غير النظام سياسته هذه ، فان هذه الاوساط لم تغير موقفها بسرعة لذلك ظهر مفارقة بين رأي الادارة الامريكية وهذه المنظمات واللوبيات وكان حتما سيؤدي هذا الموقف الى مراجعة الموقف الامريكي من المعارضة السودانية المسلحة ، وحقيقة الامر ان هذا كان طلبنا نحن كقوى سياسية ، وقد كنا حريصين على دعم أمريكا للمعارضة السودانية عندما كان الموقف السوداني موقفا نافيا للآخر...ان هذه الموقف الماضي ينبغي التخلص منه لأن المطلوب الآن ليس دعم اتجاه معين في السودان ، وانما دعم فكرة الحل السلمي الشامل... ونعتقد ان هذا ما اتجهت اليه اكثر وأكثر الادارة الامريكية...وحول هذه القضية أختلفنا مع التجمع ، واعتقد ان التجمع الآن يسلك في جوهر الامر اتجاها مشابها ولذلك نحن نعتقد ان ما أختلفنا عليه مع أمريكا تعدل فيه الموقف الأمريكي لصالح ما كنا ننادي به، وما أختلفنا عليه مع أخوتنا في التجمع تعدل فيه الموقف لصالح ما كنا ننادي به ...).[9] فلئن صدق الصادق هذه الدعاوى الكاذبة ، فلأنه يعطي نفسه اكبر من قدرها ، فلماذا يظن ان أحد غيره يمكن ان يصدقها؟!

مأساة حزب وأزمة قيادة :

وحين سأل محرر البيان الصادق عن تجميد عضوية بكري عديل ، تحدث الصادق عن الأسس الديمقراطية داخل حزب الامة، وكيف ان هنالك مجلس قيادي، ومجلس أمناء، ومكتب سياسي، ومكتب تنفيذي ، فقال ( اذا هناك شخص قيادي من الحزب خرج عن الموقف الذي أجازته المؤسسات تتصدى له الهيئة وكانها محكمة داخلية لتقييم الاشياء وقالوا ان لديهم أربعة أنواع من العقوبات ألاولى لفت النظر لمن يخالف والثانية التوبيخ والثالثة تجميد العضوية والرابعة الاعفاء من الحزب... وقد رأت الهيئة ان بكري عديل تعدى الخطوط الحمراء لما صدر عنه من حديث عن مذكرات خاصة بالحزب وفي حالة لفت النظر وفي حالة التوبيخ هذه صلاحيات الهيئة وحدها، وفي حالتي التجميد للعضوية أو الفصل اذا استأنف الطرف المعني لرئيس الحزب، لرئيس الحزب الحق في تعديل الحكم..)[10] !!

والصادق المهدي يحدثنا عن كل هذه الهيئات داخل الحزب، حتى نظن ان في الحزب ديمقراطية ، ولكنه لا يحدثنا عن الخطوط الحمراء، التي تعداها السيد بكري عديل ، ولماذا هي حمراء ، وما سبب وجودها في تنطيم ديمقراطي؟ وهل هناك حزب في الوقت الحالي ، يعاقب قياديه، بالتوبيخ وكأنهم أطفال ؟! أن الشخص المتجاوز لقرارات الحزب، يخطر بذلك رسميا، ليقدم دفعه ومبرراته، ويتم بعد ذلك التصويت حول آراءه في مقابل رأي الحزب ، فاذا وضحت مخالفته للأغلبية، يعلن تراجعه ، أو يفصل من الحزب .. وقد تختلف الاجراءات، من حزب لآخر، ولكنها جميعاُ لا تقوم على مثل هذا الاذلال، الذي يمارسه الصادق على اعضاء حزبه..

ولعل مأساة ذبح حزب الامة لاعضائه، لم تبدأ بالسيد بكري عديل، وانما سبقه الى محرقة الحزب بروفسير بقادي، والسيد عبد الرحمن فرح، اللذين ادانهما الصادق المهدي، من أجهزة اعلام الجبهة، واتهمهما بالكذب حين ذكرا ان حكومة الجبهة مارست عليهما التعذيب !! وتبع ذلك موضوع أعضاء حزب الامة الذين أجتمعوا وناقشوا انفراد الصادق بالقرار ، وطرحوا آراء حول أعادة الديمقراطية للحزب ، فسمع بهم الصادق وهددهم بالفصل ، فسارعوا بالاعتذار ، ولكن الصادق لم يقبل اعتذاراتهم، حتى كتب كل منهم توبة تسلمها الصادق منهم جميعا،ُ امعاناُ في أذلالهم، وتحقيرهم، وارهابهم حتى لا يعترضوا مرة أخرى .. ولعل هذه المهزلة على بشاعتها، لم تسكت بعض الاصوات الشجاعة داخل حزب الأمة ، وفي مقدمتهم السيد بكري عديل ، فتخطى الخطوط الحمراء الوهمية ، وتمرد على الدكتاتورية اليشعة التي تمارس باسم الديمقراطية داخل حزب الامة، مما عرضه للعقوبات التي لم يستح الصادق ان يذكرها في منبر عام !!

ولسائل ان يسأل ما ميزة الصادق نفسه على بكري عديل غير انه حفيد المهدي؟ أليست هذه هي الطائفية المنكرة التي يتسلط بها الناس على رقاب بعضهم بسبب انسابهم واحسابهم ؟!

أحلام العصافير :

ان الصادق يسعي لاقناع للتجمع ، ويظن انه يؤثر على أمريكا، وان حكومة الجبهة ستعقد المصالحة وتقام الانتخابات ، فيفوز بالدوائر المقفولة ، ويصبح رئيس الوزراء .. وهو ايضا بسبب العبارات الدينية التي يكررها بلا فهم، هنا وهناك، والكتيبات الخاوية، التي ينشرها من حين لآخر، يحلم بان يصبح زعيما أسلاميا عالميا، يعقد مؤتمرا إسلاميا ضخما يصحح فيه المفاهيم لجماعة بن لادن وأمثالهم من المتشددين ويقنع فيه المفكرين الاسلاميين ألم يقل ( فاغلبية المفكرين من الاسلاميين في رأيي الآن هم أقرب الى مفاهيم الصحوة...).[11]

بكل هذه الاحلام الصغيرة، التي لا تعبر عن آلام الشعب، ومستقبله، يحاول الصادق ان يحكم قبضته على حزبه الذي بدأ يتخلخل تحت أقدامه، وعلى الشعب السوداني المنكوب الذي رزء بحكم بالصادق ثلاث مرات دون ان يحقق فيها مشروعا تنمويا واحداُ ، بل كانت فترات حكمه تمتاز بالفشل في كافة المجالات حتى انه في تجربة حكمه الاخيرة، حل حكومته ثلاث مرات، وكان في كل مرة يغير كل الوزراء ويظل في مكانه ، وكأنه ليس مسئولا عن فشل وزرائه..لقد أنى لهذا الزعيم المزعوم ان يتنحى ، ويعطي الفرصة لغيره ، لو كان حريصا على حزب الأمة ، أو على الوطن ، فقد اتسم كل أدائه بالفشل وصغار الأحلام..



عمر القراي



--------------------------------------------------------------------------------

[1] - جريدة البيان الاربعاء 15 شعبان 1422 الموافق 31 اكتوبر 2001

2- المصدر السابق

- عمر القراي 1995 الجهاد أم حرية الاعتقاد؟ القاهرة: مطبعة الشروق [3]

-[4] -حديث الصادق للبيان.

[5] المصدر السابق

[6] -المصدر السابق

[7] -محمد ابراهيم نقد (1995 ) علاقات الرق في المجتمع السوداني. القاهرة: دار الثقافة الجديدة. ص 100

[8] - حديث الصادق للبيان.

[9] - المصدر السابق

[10] -المصدر السابق

-[11] -المصدر السابق

http://www.madarat.org/modules.php?name=News&file=article&sid=16

Post: #776
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-26-2008, 06:10 PM
Parent: #775


فى الذكرى الثانية والعشرون لإعدامه
التاريخ: الأثنين 29 يناير 2007
الموضوع: PHP-Nuke


فى الذكرى الثانية والعشرون لإعدامه محمود محمد طه ظاهرة أم تيار ؟ شخصيات تكشف معلومات للمرة الاولي منذ اعدامه أمين بنانى : قيادات اليسارقالت إن موقف الإسلاميين من محاكته كان سلبيا حزب الأمة لم يستبعد وجود أيادى خفية تواطت لتصفيته المؤتمر الشعبى : رغم إختلافنا معه نرفض طريقة إعدامه الجائرة حسن مكى : يعتبر أن موقف الإسلاميين حيال القضية بالسلبى هل محمود محمد طه راسبوتين عصره ؟

أعده وأجراه : بهاء الدين عيسى محمود محمد طه هذه الشخصية المثيرة للجدل فى تاريخ السودان تاره بين دوره الفعال فى الحركة الوطنية ومواقفه القومية وآخرى بين آرائه التى يرى البعض بأنها متطرفة مما دعا من نظام الرئيس السابق جعفر محمد نميرى للتخلص من ما وصفها بالآراء. و التى قال عنها نظام مايو " لابد من إستئصالها تخوفا من الفتنة " التى قيل أنها قد لاحت فى الأفق ويرى بعض المفكرين الإسلامين أن قيادة الحركة الإسلامية آنذاك وقفت ساكنة وكان موقفها سلبيا باعتبار أن من مصلحتهم التخلص سيما وأنه كان يمتلك خاصية جاذبة فى الحديث والعلم والثقافة الدينية والبعض الآخر أن القوى اليسارية عملت على تشوية صورة الإسلاميين مولده ونشأته ● ولد الاستاذ محمود محمد طه فى مدينة رفاعة بوسط السودان فى العام 1909م ، لوالد تعود جذوره الى شمال السودان ، وأم من رفاعة . توفيت والدته – فاطمة بنت محمود - وهو لماّ يزل فى بواكير طفولته وذلك فى العام 1915م ، فعاش الاستاذ محمود وأخوته الثلاثة تحت رعاية والدهم ، وعملوا معه بالزراعة ، فى قرية الهجيليج بالقرب من رفاعة، غير أن والده لمّا يلبث أن التحق بوالدته فى العام 1920م ، فانتقل الاستاذ محمود وأخوانه للعيش بمنزل عمتهم برفاعة . ● بدأ محمود تعليمه بالدراسة بالخلوة ، وهى ضرب من التعليم الأهلى ، كما كان يفعل سائر السودانيين فى ذلك الزمان ، حيث يدرس الاطفال شيئا من القرآن ، ويتعلمون بعضًا من قواعد اللغة العربية ، غير أن عمته كانت حريصة على الحاقه وأخوانه بالمدارس النظامية ، فتلقى الاستاذ محمود تعليمه الاوّلى والمتوسط برفاعة . ومنذ سنى طفولته الباكرة هذه أظهر الاستاذ محمود كثيرا من ملامح التميز والاختلاف عن أقران الطفولة والدراسة ، من حيث التعلق المبكر بمكارم الاخلاق والقيم الرفيعة ، الأمر الذى لفت اليه أنظار كثير ممن عاش حوله. كلية غردون ودراسة الهندسة ● بعد اتمامه لدراسته الوسطى برفاعة أنتقل الاستاذ محمود الى عاصمة السودان ، الواقع حينها تحت الاستعمار البريطانى ، وذلك لكى يتسنّى له الالتحاق بكلية غُردون التذكارية ، وقد كانت تقبل الصفوة من الطلاب السودانيين الذين أتّموا تعليمهم المتوسط ليدرسوا في القسم الثانوي فأكمله الأستاذ محمود بتفوق ومن ثم دخل قسم الهندسة بكلية غردون في عام 1932 ، ودرس هندسة المساحة . كان تأثيره فى الكلية على محيطه من زملائه الطلبة قويا ، وقد عبر أحد كبار الأدباء السودانيين عن ذلك التأثير بقوله : ((كان الاستاذ محمود كثير التأمل لدرجة تجعلك تثق فى كل كلمة يقولها !)). السكك الحديدية واالتوجه السياسى ● تخرج الاستاذ محمود فى العام 1936م وعمل بعد تخرجه مهندسًا بمصلحة السكك الحديدية ، والتى كانت رئاستها بمدينة عطبرة الواقعة عند ملتقى نهر النيل بنهر عطبرة ، وعندما عمل الاستاذ محمود بمدينة عطبرة أظهر انحيازًا الى الطبقة الكادحة من العمال وصغار الموظفين ، رغم كونه من كبار الموظفين ، كما أثرى الحركة الثقافية والسياسية بالمدينة من خلال نشاط نادى الخريجين ، فضاقت السلطات الاستعمارية بنشاطه ذرعًا ، وأوعزت الى مصلحة السكة حديد بنقله ، فتم نقله الى مدينة كسلا فى شرق السودان فى العام 1941م ، غير أنّ الاستاذ محمود تقدم باستقالته من العمل ، وأختار أن يعمل فى قطاع العمل الحر كمهندس ومقاول ، بعيدا عن العمل تحت امرة السلطة الاستعمارية. ● كان الاستاذ محمود فى تلك الفترة المحتشدة من تأريخ السودان ، وفى شحوب غروب شمس الاستعمار عن أفريقيا ، علما بارزا فى النضال السياسى والثقافى ضد الاستعمار ، من خلال كتاباته فى الصحف ، ومن خلال جهره بالرأى فى منابر الرأى، غير أنّه كان مناضلا من طراز مختلف عن مألوف السياسيين ،حيث كان يمتاز بشجاعة لافتة ، لا تقيدها تحسبات السياسة وتقلباتها ، وقد أدرك الانجليز منذ وقت مبكر ما يمثله هذا النموذج الجديد من خطورة على سلطتهم الاستعمارية ، فظلت عيونهم مفتوحة على مراقبة نشاطه. نشأة الحزب الجمهورى ● فى يوم الجمعة 26 أكتوبر 1945م أنشأ الاستاذ محمود و رفاقه حزبًا سياسيًا أسموه (الحزب الجمهورى) ، اشارة لمطالبتهم بقيام جمهورية سودانية مستقلة عن دولتى الحكم الثنائى ، وقد كان هذا الحزب هو الحزب السياسى الوحيد وقتها فى المطالبة بالحكم الجمهورى ، وفى المطالبة بالاستقلال التام ، فى الوقت الذى كانت فيه الحركة الوطنية السودانية ، بقسميها الذين يقودهما حزبا الاتحادى والامة لا يناديان الا بالاتحاد مع مصر (الاتحاديون) أو بالاستقلال فى تحالف مع التاج البريطانى (الامة). أول سجين سياسى فى الحركة الوطنية! ● نشأ الحزب الجمهورى أول ما نشأ على المصادمة المباشرة للاستعمار ، دون أن ورغم أن الحزب الوليد اتخذ من الاسلام مذهبيةً له ، غير أنه فى تلك الفترة لم يكن يملك من تفاصيل تلك المذهبية ما يمكن أن يقدمه للشعب ، فأنصرف أفراده الى ما أسماه الاستاذ محمود (ملء فراغ الحماس) ، و كان الحزب يطبع المنشورات المناهضة للاستعمار ،فتم اعتقال الاستاذ محمود فى يونيو من عام 1946م وتم تقديمه الى المحاكمة ، حيث خُيّر بين السجن لمدة عام ، أو امضاء تعهد بعدم ممارسة العمل السياسى فأختار السجن دون تردد. كان الاستاذ محمود بذلك أول سجين سياسى فى تأريخ الحركة الوطنية السودانية. ثورة رفاعة ● بعد اطلاق سراح الاستاذ محمود واصل الحزب الجمهورى نضاله ضد الانجليز ، حتى حانت فى سبتمبر 1946م فرصة أخرى لتصعيد المقاومة ، اذ قامت سلطات الاستعمار بتفعيل قانون منع الخفاض الفرعونى والذى كان قد صدر فى ديسمبر من عام 1945م ، حين قامت السلطات فى رفاعة بسجن ام سودانية خفضت بنتها خفاضا فرعونيا ، فنهض الاستاذ محمود الى التصدى لحادثة الاعتقال هذه ، معتبرا أنّ الاستعمار بتفعيله القانون فى مواجهة عادة متأصلة لا يمكن محاربتها بالقوانين ، انما يرمى الى اضفاء الشرعية على حكمه عن طريق اظهار نفسه محاربا لعادات الشعب السيئة من ناحية ، واظهار السودانيين كشعب غير متحضر مستحق للوصاية من ناحية ثانية. ● خطب الاستاذ محمود خطبة قوية فى مسجد رفاعة مستنهضا الشعب للدفاع عن المرأة التى نزعت من بيتها الى ظلمات السجن. فتوحدت المدينة بأكملها خلفه فى ثورةٍ عارمة تصاعدت الى اقتحام السجن ، وأطلاق سراح المرأة ، رغم المواجهة العنيفة التى ووجهت بها من قبل السلطات والتى وصلت لحد أطلاق النار على الشعب تمخضت ثورة رفاعة عن سجن الاستاذ محمود لمدة سنتين ، حيث ُسجن فى سجن ودمدنى لبعض الوقت ، ثم أتم باقى مدة السجن فى سجن كوبر الشهير بمدينة الخرطوم بحرى. الحزب الجمهورى يخرج من جديد ● خرج الاستاذ محمود من اعتكافه فى اكتوبر 1951م ودعا الحزب الجمهورى الى اجتماع عام عقد فى 30 اكتوبر 1951م . فى هذا الاجتماع طرح الاستاذ محمود المذهبية الاسلامية الجديدة ، والتى تقوم على الحرية الفردية المطلقة ، والعدالة الاجتماعية الشاملة ، فى أفكاره التى يرى هو ورفاقه بانها الطريق الأمثل حسب رؤيتهم أصدر أولى كتبه فى عام 1952 بعنوان قل هذا سبيلى ● فى عام 1952م صدر كتاب ((قل هذه سبيلى)) ، وبدأت به حركة واسعة لتأليف الكتب التى تتولى شرح فكرة الدعوة الاسلامية الجديدة وتفصيل مذهبيتها. فصدر كتاب ((أسس دستور السودان)) فى ديسمبر 1955م ليشرح أسس الدستور الذى دعا له الجمهوريون ، *إنقلابيى نظام عبود سعوا لإيقاف نشاطه السياسى ؟ ● لم تتوقف محاولات القوى المختلفة التى استشعرت الخطر من تنامى تأثير الحركة الجمهورية وسط الشعب عن الكيد لها بمختلف السبل ، وقد كان القاسم المشترك بدعاوى قوى الهوس الدينى . وكانت محاولة استغلال السلطة لتصفية الحركة الجمهورية واسكات صوتها ، فسعت لدى قادة انقلاب 1959م لايقاف نشاط الاستاذ محمود ، فكان أن استجابت السلطة بقرار ايقاف الاستاذ عن القاء المحاضرات فى الاندية ، غير أن الحركة استمرت فى شكل ندوات مصغرة تعقد فى المنازل ، ويؤمها جمهور كثير ، حتى الغت السلطة القرار لاحقا ، وعاد الاستاذ محمود الى المحاضرات العامة. محكمة الرّدة : ● بعد ثورة اكتوبر 1964 م وعودة القوى الطائفية الى السلطة ، تجددت محاولات القوى السياسية لمجابهة الحركة الجمهورية ، حيث دبرت محكمة الردة فى نوفمبر 1968م ، والتى حكمت على الاستاذ محمود بالردة بعد محاكمة صورية سريعة استغرقت نصف الساعة ! ، ولم يمثل طه أمامها ، ولم يستأنف حكمها ، لعدم اعترافه بشرعية المحكمة حسب قوله اصطلحوا مع اسرائيل ● دعا الاستاذ محمود محمد طه ، وفى قمة فوران المد القومى العربى الذى قاده الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ، الى الصلح مع اسرائيل على أساس الاعتراف المتبادل ، وحل قضية فلسطين عبر التفاوض ! ، مذكرا العرب بأن قضيتهم ليست اسرائيل ، وانما هى اقامتهم على قشور من الدين وقشور من حضارة الغرب حسب تعبيره . المصالحة الوطنية وسقوط مايو! ● بدأت سلطة مايو تتجه شيئاً فشيئاً الى أحضان القوى السياسية .. وبعد دخولها فى المصالحة الوطنية فى العام 1977م اجتاحت القوى الطائفية وحركة الاخوان المسلمين عددًا من أجهزة الحكم المايوى ، وقد أيّد الاستاذ محمود المصالحة * جعفر نميرى ينفذ حكم الإعدام على محمود محمد طه ● فى صباح الخامس من يناير 1985م اعتقلت سلطات النظام المايوى الاستاذ محمود محمد طه بعد أن كانت قد اعتقلت عددا من الجمهوريين قبله ● فى يوم الاثنين 7 يناير 1985م قُدّم الاستاذ محمود وأربعة من تلاميذه للمحاكمة أمام محكمة الطوارئ ، برئأسة حسن ابراهيم المهلاوى ، فأعلن الاستاذ محمود محمد طه رفضه التعاون مع المحكمة ، بحجة عدم شرعية ● فى يوم الثلاثاء 8 يناير 1985م أصدرت المحكمة حكمها بالاعدام على الاستاذ محمود وتلاميذه الأربعة ، وصل جدل واسع بين المؤيدين والرافضين ● فى يوم 15 يناير 1985م أصدرت محكمة الاستئناف برئاسة المكاشفى طه الكبّاشى حكمها بتأييد حكم المحكمة ● فى يوم الخميس 17 يناير 1985م صادق الرئيس جعفر نميرى على حكم الاعدام عند الساعة العاشرة من صباح يوم الجمعة الثامن عشر من يناير 1985م ، الموافق للسادس والعشرين من ربيع الآخرة من عام 1405ه ، صعد الاستاذ محمود درجات السلم الى المشنقة تحت سمع وبصر الآلاف من الناس ، وعند ما نزع الغطاء الذى كان يغطى رأسه قبيل التنفيذ، انكشف وجهه ● فى السادس من أبريل 1985م سقطت سلطة مايو أمام الإتفاضة ، وفى 18 نوفمبر 1986م أصدرت المحكمة العليا حكمها بابطال أحكام المحكمة ومحكمة الاستئناف بحق محمود. وقد أعلنت منظمة حقوق الإنسان فيما بعد يوم 18 يناير يوما لحقوق الإنسان العربي .. *أمين بنانى القيادى الإسلامى أعترف القيادى الإسلامى البارز أمين بنانى بان الأستاذ محمود محمد طه قد بادر بخصومة الإسلاميين منهجيا وعقائديا , قائلا لم يكن الخلاف سياسيا , مبينا أن القيادى الجمهورى تصالح مع الرئيس الأسبق جعفر نميرى ثم إنقلب على نظام مايو بعد المصالحة التى تمت بينه وبين الإسلاميين آنذاك عقب صدور قانون سبتمبر 1982م الذى تم بموجبه الإعلان عن تطبيق الشريعة الإسلامية , وأشار إلى أن محمود محمد طه وجه إنتقادا واضحا لفكر الإسلاميين , مبينا أن تلك الفترة شهدت جدلا بينه وبين السلفيين من خلال المناظرات الفقهية . وأعتبر بنانى أن د. حسن الترابى فكره لم يكفر محمود محمد طه فى حديثه حول الردة السياسية , وأكد بنانى أن الحديث حول موقف الإسلاميين السلبى حول إعدام محممود محمد طه خط قاده قيادة اليساريين ,ضد الإسلاميين , من يتحمل هذا الإعدام هو نظام مايو , والحركة الإسلامية لم تدعو لإعدام الآخرين رغم الدعاوى التى أطلقت على د. حسن الترابى والجدل الذى دار حول آرائه مؤخرا . *كمال على عمر أمين الدائرة العدلية فى حزب المؤتمر الشعبى يرى الأستاذ كمال عمر أنه رغم الإختلاف الفكرى بين الإسلاميين ومحمود محمد طه إلا أننا نرفض الطريقة التى تم بها إعدامه , وبعض القوى السياسية حاولت نسب التهم للإسلاميين , وطريقة المحاكمة التى تمت طريقة جائرة تتنافى مع القوانيين الدولية وقوانيين حقوق الإنسان , ولو نظرنا إلى سيرة حبيبنا محمد علية أفضل الصلوات والسلام لوجدنا سماحة المعاملة فففى المدينة كان يوجد بها ما يسمى بحزب الشيطان وحزب الأنصار والمهاجرين الذين خاوا بينهم المصطفى , الذى لم يكن قط حاشا لله قاهرا أو ظالما . ومحاكمة محمود محمد طه تشبه محاكمة عود البندر للأكراد والتى جاءت بقرار من الرئيس العرقى الأسبق صدام حسين , فالمحكمة كانت سياسية والقاضى آنذاك المكاشفى طه الكباشى نفذ مطالب الرئيس جعفر نميرى *د. عبد الرحمن الغالى القيادى بحزب الأمة حزب الأمة رفض قوانين سبتمبر بوضوح , وكان لدينا موقف واضح منذ صدورها , وفى خطاب العيد فى العام 1983م بمسجد ود نوباوى بأمدرمان أكد الحزب بوضوح رفضه للقوانين التى قلنا أنها تحتوى على عيوب تتنافى مع القوانين والتشريعات , و؟إعتبرنا أن تلك القوانين هى محاولة للتخلص من خصوم نظام مايو . ولعل بعد هذا الحديث مباشرة تم إعتقال قيادات حزب الأمة بما فيهم رئيس الحزب السيد الصادق المهدى , محكامة محمود "سياسية " ولم يستبعد عبد الرحمن الغالى وجود أيادى خفيه لعبت دور فى تصفيته . · المفكر الإسلامى : حسن مكى فى حديث سابق للدكتور حسن مكى المفكر الإسلامى راى فى حديث سابق أجريته معه أن موقف الإسلاميين من محاكمته فى ذلك الوقت كان سلبيا باعتبار أن محاكمته سبقها المصالحة مع الإسلاميين ومن ثم إنقلب النميرى عليهم قبيل الإنتفاضة بايام . من المحرر : الشخصيات التى زاملت محمود محد طه ترى أن شخصيته جاذبة ولديها " حس " إقناعى كبير قيل أنه يسلب الإرادة فهل محمود محمد طه كان مثل راسبوتين سيبريا . كما قال عنه سكرتيره الشخصى راشفسكى يسلب الإرادة ويوهم العقول .

http://www.splm-ns.org/modules.php?name=News&file=print&sid=61

Post: #777
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-26-2008, 06:12 PM
Parent: #776


ياسر سعيد عرمان::قرنق أصر على بقائي وقلت لسلفاكير ساعمل لعام واحد

Anonymous كتب "تسرب من بين عيون و ثقوب الحياة السياسية فى شمال السودان الطالب ياسر سعيد عرمان عندما اتجه الى ادغال الجنوب ناشدا حركة الدكتور جون قرنق ولسان الذين افتقدوه يردد ( ولدا متين بقى للسفر والاغتراب و الدردرة ) و لكن فى عيون البعض كان مبعوث الحزب الشيوعى السودانى لاختراق الحركة الشعبية و امتطائها لايصال الشيوعيين الى الحكم . كبرت الحركة و كبر ياسر و رحل قرنق و بقيت الحركة وبقى عرمان وزادت الاتهامات وتجددت عندما نشط ياسر فى قطاع الشمال فكيف يرد الاتهام؟ و كيف يرد على الذين يتهمونه؟!

· فى ظل الاستقطاب الواسع الذى يقوم به قطاع الشمال داخل الحركة الا تخشون من الاختراق السياسى لتنظيمكم ؟ نحن ومنذ استقبال د. جون قرنق فى الساحة الخضراء كان هناك مؤشر واضح وثيرمومتر دقيق لكل من يقرأ قراءة سياسية جيدة ان فكرة السودان الجديد و بعد 21 أصبحت فكرة تلبى حاجة كبيرة للغاية للمثقفين والناس العاديين و قد كان في انتظار د.جون قرنق جماعات كبيرة , و الحركة استقبلت اطروحاتها كل اطراف المجتمع السودانى , فالطرق الصوفية رأت فى رؤيتها امتدادا لروح التعايش والسماحة التى غرسوها فى هذا البلد كذلك النساء المهمشات والمزارعين والريف الذى افقر والبيوت التقليدية التى همشت وابناءها المثقفين إضافة للتوتر الاثنى الحاد الذى لا بديل لمعالجته سوى رؤية الحركة الشعبية. وانا التقى عشرات الناس يوميا ومنهم على سيل المثال زعماء قبائل الرشايدة العربية , وتقرأ هنا إهداء بكلمات مشرقة من احد عمدها .. ود. جون قرنق اختزن احلام هؤلاء الناس. نحن حركة جماهيرية عاتية لا تخشى الاختراقات وانما تخشى الاختراقات الاحزاب العقائدية الصغيرة لكننا حركة جماهيرية يأتيها الناس بالالاف و تاتيها قبائل كاملة , و لك ان تعلم ان فيها تنظيما يسمى اللجنة المركزية لابناء المساليت و قطاعات نوبية و رجال طرق صوفية. و نحن وضعنا استراتيجية ان تبنى الحركة على الانفتاح الواسع لاستيعاب هذا الكم الهائل .. قطاع الشمال مثلا كان به 17 شخصا يقومون بالعمل الان بلغوا مائة و اربعين و له مدرسة سياسية هى مدرسة د. جون قرنق و لدينا حملات تنظيمية واسعة للعمل و ذهبنا للاقاليم و كان مدهشا مستوى الاستقبال من الجماهير وهى لا تكذب . · أنت متهم دائما بالعمل لمصلحة الحزب الشيوعى داخل الحركة الشعبية ؟ رواية مضحكة وتوضح بؤس ما ارادوا الصاقه بى وهم يعلمون ان الجماهير واستقبالاتها الحاشدة لا تكون لحركة تعمل بالوكالة . وغريب ان يحتج خصوم الحركة الشعبية فما هذا الود والاهتمام بها ؟! اقرأ من يقوم بالكتابة فى هذا الامر والاتهام الآن أن د. جون قرنق نفسه يعمل لمصلحة الحزب الشيوعى وهذه مسألة مضحكة والذين يعرفون قامته وقدرته لا يصدقون ذلك .. فمثلا اسحق احمد فضل الله و غيره .. اذا تعاملت معهم بحسن نيه و دون شكوك يمكن ان اقول انهم كالفأر الذى لا يزال يرى ان القط هو اخطر مخلوق فى العالم على الرغم من وجود القنابل النووية و اسحق لا يرى اكثر من ارنبة انفه , ولكن اذا اكتملت بشكل حقيقي فان اسحق ومن معه يريدون اغراق الحركة الشعبية وارباكها وجرها الي قضايا اثنية , ولديهم مصلحة في تخويف الناس وابعادهم عنها ,ولعلك تذكر في الاحتفال بذكرى جون قرنق في استاد المريخ ان اسحق ومن معه كتبو ان استاد المريخ سوف يشهد مجزرة ,وقالو ان الشموع التي اوقدناها انها عادة مسيحية ,وكان شعارنا (فلنوقد شموع التسامح والمحبة ) وشعاراتنا تكشف نياتنا ,وشعارتهم تكشف نياتهم دائما . وهم يريدون استخدام اى رماد يذر علي العيون ,وبداوا بالقول ان هنالك مذكرة قدمت للسيد سلفاكير ,وان دينق قوج وملونق واقوك ماكور يحتجون فيها على تهميش ياسر عرمان لهم في قطاع الشمال، ولكن وصلهم في ذات الوقت ان دينق قوج يشرف على ولاية سنار واقوك ماكور يشرف على ولاية الجزيرة، وملونق يشرف على ولاية النيل الابيض وهي ظاهرة جديدة ان يشرف على العمل في ولايات الشمال شباب جنوبيين وهذا لم يحدث منذ هزيمة حركة اللواء الابيض. · البعض يصفك (بالمفرغ) من الحزب الشيوعي للعمل داخل الحركة كعمل منظم مسبقا ومعد سلفاً؟ هم يعتبرون ان مقتل الحركة الشعبية لتحرير السودان في بقائها حركة جنوبية، ويخافون نجاحها في الشمال، وانها ستنجح اذا نجحت في اهدافها القومية، لذا المعركة طويلة وهي امتداد لمثلث كولينالي يقسم السودان على اساس عرقي وديني، واسحق فضل الله يلعب في هذا المثلث ويرى بعوين انجليزية استعمارية والتي يقول انه ضدها ولم يتخط ذلك ويرى البلاد شمالا وجونا، مسيحيين ومسلمين. · ما هو مصير مفاهيم السودان الجديد في حال انفصال الجنوب؟ وما هو مستقبل قطاع الشمال؟ تقرير المصير هو النقاط (أ، ب،ج) وانت لا تتحدث عن النقطة (ج) قبل ان تمر بالنقاط (أ) و (ب)، وما نفعله الان يمكن ان يؤدي الى نتائج ومآلات مختلفة، والانفصال والوحدة نتاج ما نفعله اليوم، فحين نقول وحدة جاذبة لا نطلب من الاستاذ فضل الله اسحق ان يبتز باسمها، فجاذبة تعني فقط تنفيذ الاتفاقية والذي يعطي توجهات وسياسات جديده ويولد فرصا جديده منها الجانب التنموي كانشاء السكك الحديدية والنقل النهري وكذلك الطرق البرية بين الشمال والجنوب، واتمنى انشاء هيئة لربط الشمال بالجنوب، والدكتور جون قرنق اشرف بنفسه على تصميم 18 طريقا لذلك و ... · لم تجبني على مصيركم ومفهوم السودان الجديد حال انفصال الجنوب؟! الجنوب اذا انفصل لن يذهب الى موزمبيق, وسيكون جنوب السودان , ومفهوم السودان الجديد لا مناص منه في الشمال او الجنوب , بل وليس في السودان ولكنه مهم لكل افريقيا التي بها تعدد اثني وديني, والمشكلة إدارة هذا التعدد وفي الشمال الكثير من القبائل, والجنوب كذلك, والمطلوب إدارة الوحدة في اطار التنوع ,وهو مفهوم السودان الجديد ببساطه والافكار لا ترتبط بالجغرافيا وانما بتاريخ المجتمعات البشرية وفصل الجنوب لن يلغي التنوع داخل الشمال او حتى داخل الجنوب نفسه .واستغرب مثلا ان يكون شعار الطيب مصطفى علي جريدة (الانتباهة ) خريطة السودان كله , وكان عليه ان يكون امينا مع نفسه ويضع خريطة لشمال السودان فقط. · لماذا وصلت المعركه بينك والطيب مصطفي الي حد التراشق والاتهام الحاد؟ انقل عني للطيب مصطفي ولامثاله انهم يستثمرون في الكراهية وفي الفتن ,وانا أستثمر في التعايش وهما مشروعان مختلفان . · ولكنهم يتحدثون عن طموحات شخصية وسياسية لياسر عرمان داخل حركته الشعبية ؟ انا ليست لدى طموحات سياسية وحتى داخل الحركة نفسها ,وكنت ساعتزل النشاط السياسي منذ زمن نتيجة للمماحكات في الحياة السياسية ,وانا اسعي لمشروع كبير في ان يظل السودان بلدا فاعلا ,وقد حاولت اكثرمن مره ان اهجر العمل السياسي, وطلبت من الدكتور قرنق ذلك ولكنه طلب مني واصر علي ان اكون موجودا .وبعد رحيله لم اكن اريد ان ابدا في المرحلة الجديدة وجئت بطلب الي رئيس الحركة الشعبية السيد سلفاكير وقلت له اني سامضي معك عاما واحدا حتى تثبت اقدام الحركة الشعبية في مهامها الجديد بعد الدكتور جون قرنق ,وحتى نفعل ما نراه مفيدا مما يساعدك ويساعد الحركة الشعبية علي وجه الخصوص . والان وغدا كل ما اقوله من اجل الحركة وضد خصومها ولكن ليست لدي طموحات خاصة ولماذا اعمل حزبا وحزبي الاكبر الان الحركة الشعبية وانا من الذين بنوها ؟ ولماذا ابحث عن حزب اخر وقد امضيت فيها واحد وعشرون عاما والقمح مر في حقول الاخرين والحركة نحن جزء منها *هل سيتطور قطاع الشمال الي حزب في حال انفصال الجنوب إن انفصل الجنوب وتمزق السودان فانا لا اسف على أي حزب من الاحزاب, وسيكون قد تمزق اكبر حزب وهو السودان ، وماذا تفيد الاحزاب؟! والذين لا يزعجهم ذلك هؤلاء يجب ان يذهبوا الي احد مستشفيات المعالجه النفسية. *المعركة تبدو بينك وبين رموز الحركة الاسلامية دائما ومنذ امد بعيد لماذا؟ ليس كل الاسلامين ولكن ... إن الطيب مصطفي وغيره , منهزمون حتي أمام الفكرة الإسلامية نفسها . وهُم يعلمون ان رجال الطرق الصوفية بالرايات المطرزة وعلي مدى 900 عام نشروا الإسلام والتسامح بين الناس، أما هؤلاء لا يدعون للإسلام ولهم هزائمهم وهم مهزومون والآن يعيشون على هامش الحركة الإسلامية وقد هزموا هزيمة نكراء ولا سبيل لهم، وهم متوارون ومتراجعون ويعبرون عن احباطات ويريدون إرباك الحركة مثلما ارتبكوا! فالطيب مصطفى مرتبك ارتباكا إنسانيا عميقاً وذلك لانه يعلم إن الإسلام هو الذي يستهدي ب(وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) وهو دين كوني وعالمي، ومشروع الطيب مصطفى هزيمة للإسلام وهزيمة للفكرة نفسها ويعلم ذلك ويعز عليه وجود ناس مثلنا يؤمنون بحق الآخرين والحياة عابرة. · ولماذا يواجهون ياسر فقط ويتركون رموز الحركة الاخرين بل ورموز الحزب الشيوعي الواضحة على الاقل؟ لا توجد مواجهة معي هم ينظرون الى خلفي، 45 ألف من أعضاء الحركة بالجزيرة و8 آلاف بكسلا و7 آلاف بكنانة وما يقارب الألف بالجزيرة ابا، ولم تأت إحصائية نهر النيل والولاية الشمالية بعد! ولكن ما يعز على الطيب مصطفى ومن معه ان محمد عبد السلام شنان هو سكرتير الحركة فيها، وهو لا يريد ذلك ولا يريد انضمام شماليين للحركة، ولكن شاء الطيب او لم يشأ سأسهم في هذه الحملة واريد ان اغرس واساهم في غرس أرجل الحركة عميقا في ارض الشمال وذلك ما ينفع الناس، والطيب تأتيه تقارير من جهات عديدة تؤكد فاعلية الحركة وبقاءها بعد رحيل قرنق، فالخوف من مشروع السودان الجديد وليس ياسر عرمان. · ألا تأتي نجاحات ياسر وقطاع الشمال على حساب الحزب الشيوعي؟ الحزب الشيوعي موجود وأكن له احترام كغيره من الأحزاب حتى المؤتمر الوطني، ولكن الخوف من مشروع السودان الجديد، ويريدون إلصاق التهم به لأنه هزم أفكار الطيب مصطفى الذي ينزوي ويتراجع ويسعى لتقسيم السودان بينما نسعى لوحدته وذلك يقض مضاجع امثاله لانه مشروع مضاد لافكار الطيب مصطفى. · هنالك تهم واضحة في مواجهة ياسر عرمان من الشيوعية الى العلاقة الخاصة بقرنق؟ لا يجدون تهما اخرى وليست الوحيدة ، وفي البداية كانوا يريدون جرنا الى فتن عرقية ولكننا واجهناهم بالحقائق واسقط في أيديهم، وتكلموا عن اولاد قرنق وسلفاكير اكبر هؤلاء الأولاد، وقال انا الوحيد الذي حاربت الى جانب قرنق كتفا بكتف، وليس في الحركة أولاد لقرنق او لغيره وانما هي محاولة لزرع الفتن، وانا جندي لهذه الحركة في أي مكان واي زمان وفق تكاليفي. · كيف تفصل علاقتك بالحزب الشيوعي الان؟ تربطني علاقات صداقة بقيادات الحزب الشيوعي وهو حزب جيد ولا يمكن لاطروحات الطيب مصطفى ان تجعلني انزوي وأتحدث عنه بغير ذلك، كنت بالحزب الشيوعي في يوم من الأيام وتعلمت منه ، ونحن لا نتبول في الاناء الذي اكلنا فيه ، والطيب مصطفى يفعل ذلك للترابي ولا نفعلها نحن ، بل نحن نقدر حتى الترابي نفسه ونقدر البشير وعلي عثمان لأنهما صنعا معنا اكبر تاريخ جديد للسودان وهو اتفاق السلام، وأنت تقرا صحيفة الطيب مصطفى تراه يهاجم ياسر عرمان والدكتور حسن الترابي وذلك لان لديه صدمة وإحباطا. انا لست كذلك، أرى الحياة فسحة قصيرة وعابرة يجب ان استخدمها فيما يفيد الناس وسنتبارى في عمل الخير والخير خير ان طال الزمان به. · ثمة ما يعطي إحساسا بان ياسر لا يزال يساريا؟ اليسار في العالم كله كان مع العدالة، وأنا لا أزال يساريا ولا مجال لاي شخص ان يحاكمني في محاكمات التكفير، ولست غريما لكارل ماركس والذي قال أفكارا استفدنا منها.. ومرة قال لي البشير ( الجماعه ديل يقولون لي ابن عمك شيوعي) فقلت له: (سيدي الرئيس ان تكون شيوعيا ليس كما انك زغاويا او جعلي ولا يمكن ان نغيرها !!) فالعالم كله قابل للمتغيرات وان كنت لا ازال يساريا ادعو للعدالة الاجتماعية فلن اتخلى عن ذلك، واحترام تاريخي في الحزب الشيوعي ولا اتبول على الاناء الذي اكلت منه؛ كما يفعل الطيب مصطفى، كما ذكرت انفاً.. · ماذا تسمي ما يجري حولك؟ هذه حلمة لا تهز شعره مني، واحمل ايامي وسنواتي هي التي قضيتها في الحركة الشعبية لتحرير السودان، والحياة دون قضية لعنة كبيرة. وفي حركة الانانا الاولى كان الذي يستمع الى اذاعة امدرمان يكسر الراديو، ومرت أزمنة وخلقنا ثقة جعلتنا ندخل على مقر الدكتور جون قرنق باسلحتنا ونخرج ولا يشك فينا احد مطلقا، وكسرنا حاجز انعدام الثقة وخلقنا تاريخا جديداً، ماذا نريد بعد ولقد ساهمنا في بناء حركة من جميع انحاء السودان! نجحت ام فشلت فهذه مألات مستقبل الأجيال القادمة وان كنت اتمنى ان اكون عايشت حركة اللواء الابيض، فانا تهزني بعنف صورة عبد الفضيل الماظ وهو يقطع شارع الجامعة في الصباح حاملا صناديق الذخيرة ومعه جنوده والذين كانوا يحسبون انه سيوجهها الى صدور السودانيين حبا في الانجليز وعلاماتهم العسكرية ولكنه وجهها الى رؤوس الانجليز. ونحن ليس لدينا ما نندم عليه ، ولقد عشنا سنوات جميلة مع الدكتور جون قرنق ومع انبل الناس ممن لن تجد مثلهم. · هل جديد الحركة الشعبية هو تقديم ياسر وغيره كواجهات شماليه في الحركة؟ ليس فقط ذلك بل الجديد ان شبابا وشابات جدد ساهموا في بناء الحركة في السودان تحت قيادتي ومعي، ولقد فرغت من جولة في الأقاليم ، وليذهب الطيب مصطفى وليستقبل مثل ما استقبلنا، فحتى في ولاية نهر النيل لن يستقبله او يحفل به احد!! والشعب السوداني معنا ومن اجل حياة أفضل. · ولكن الحركة نفسها فيها تيارات جنوبية مختلفة فيما بينها؟ هذا سر مفتوح، والحركة باستمرار فيها صراع بين من يرون ان تقصر الحركة عملها في الجنوب وبين من يرون انها يجب ان تتمدد في كل السودان، وميزتها انها تستطيع دائما ادارة حوار بين من يدعون الى القومية وغيرهم. وتوفق بين التزاماتها في الجنوب ونحو الوطن، وهذه عبقرية الدكتور جون قرنق الرئيسية ومساهماته من اجل كل السودان وهذه التيارات موجوده. · تتحرك في نظر الكثيرين بماكينة ضخمة في الشمال.. من أين لك قوة الدفع هذي؟ أنا لا يمكن ان أقوم بكل هذه العمل الكبير في شمال السودان دون دعم الحركة الشعبية ، وما قمت به أجيز قبلاً؛ خططا وبرامج في المكتب السياسي للحركة الشعبية وليس في أي حزب اخر. في جوبا صفق اعضاء المكتب السياسي جميعا عندما قدمت تقريري عن العمل في قطاع الشمال، وسلفاكير يدعم ما اقوم به ، فكيف اعمل كل ذلك دون دعم الحركة ؟!. اما الحديث عن اهداف ياسر عرمان فهو محاولة لاصطياد وتمزيق الحركة الشعبية، فانا لست جديدا على الحركة بل انا قديم فيها ولدي صداقاتي وعلاقاتي وتاريخي ولم اقفز من الشباك، ولقد طرقت أبوابها منذ سنوات بلغت 21 عاما. · الغالب ان أكثر شماليي الحركة من أصول سياسية يسارية خاصة الرعيل الأول؟ ليس كل شماليي الحركة أتوا من خلفية يسارية، فمنصور خالد لم يكن يساريا، ولكن حركات الهامش ذات طابع يساري. والحركة إلى حد ما بها مسحة يسارية، وهذه ليست جديده، وفي مدارسها السياسية كان يدرس أدب اليسار باستمرار. · وذلك يجعل احتمالات التنسيق والتحالف مع الحزب الشيوعي قائمة؟! لماذا الحزب الشيوعي ؟! كل القوى السياسية يمكن ان ننسق معها في المستقبل · لماذا لا يعجب أداء ياسر السياسي بعض الرموز السياسية ولا يرتاحون لحركته في الحركة وفي القطاع؟! لقد شاركت في ثلاث حملات رئيسية منها حملة استقبال جون قرنق وحملة تأبينه وتنظيم الحركة الشعبية في شمال السودان وذلك لا يعجب الكثيرين خاصة النجاح الباهر الذي حققه فريقي، ويمكنك أن تسألهم لماذا أنا بالذات أؤرقهم وأنا تعلمت من الأستاذ محمود محمد طه أن يكونوا في أشخاصهم موضع حبي وفي أفكارهم موضع حربي. · هل أنت متفائل وخاصة بالنجاحات الكبيرة التي ذكرت انك حققتها في الحركة وفي قطاع الشمال مع الآخرين؟ لدي قلق كبير، وكانت لديّ أحلام في سودان كبير وان يتوجه المؤتمر الوطني والحركة الشعبية لرسم خارطته في الإقليم والعالم، ولكن هذا الحلم بدأ يتراجع بفعل قضايا كثيرة، ولكنني باستمرار سأدفع ضد محاولة إغراق الحركة الشعبية في لجة من الصراعات العرقية، وضد محاولة تخريب العلاقة بين الشمال والجنوب، وسأدفع ضد تصنيف السودانيين على أساس عرقي وعنصري ديني وهذا مضر أيما ضرر، سأشعر بأسف شديد ان لم يتم ذلك. "

http://www.splm-ns.org/modules.php?name=News&file=article&sid=62

Post: #778
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-26-2008, 10:27 PM
Parent: #1


شخصيات ومواقف مهضومة

فى ذكرى الاستقلال نستعيد جزءا من تاريخ السودان القديم والمعاصر ؛ ونتامل فى دروسه ومآثره ؛ عسى ان نستخلص منها بعض الحكمة . نفعل ذلك وفق قناعة ؛ بان من لا ينظر الى ماضيه ؛ لا يدرك حاضره ؛ وقطعا لا يتاتى له ان يرسم خطوط مستقبله . واذا كان هذا صحيحا على المستوى الفردى ؛ فانه اكثر من صحيح على مستوى الشعوب والامم ؛ والتى لها ذاكرة جماعية ؛ تتذكر وتنسى وتتناسى ؛ تماما كما الافراد .

وقد عن لى فى هذه الخاطرة ؛ ان استعيد ذكرى بعض الشخصيات والمجموعات السودانية التى هضمها التاريخ الرسمى ؛ رغم اسهامها الفذ فى صيرورة السودان المعاصر . واكاد ازعم بان هذا التجاهل او الهضم ؛ لم يكن دافعه النسيان الطبيعى ؛ وانما التناسى المقصود ؛ وذلك لان هذه الشخصيات كانت خارجة على الخط المرسوم للمفهوم الرسمى للوطنية السودانية ؛ والتى تقوم على اختصار السودان فى السودان الشمالى النيلى ؛ سودان الوسط ؛ وتختصر مكوناته الثقافية الى مجرد التكوين العربى الاسلامى ؛ وتختصر حركته السياسية والفكرية فى الاسهام المحدود للنخبة الشمالية واحزابها واتجاهاتها .

واول المجموعات المهضومة هى انتفاضات الاطراف ضد الحكم الانجليزى ؛ ومن بينها انتفاضات الدينكا والشلك والنوبة والفور ضد الحكم الانجليزى ؛ والتى لم تجد حقها من التوثيق كما وجدته انتفاضة الحلاويين المهدوية بقيادة ود حبوبة ؛ او اسطورة عثمان دقنه مثلا . ان احد الطوائف التى قامت فى تاريخ السودان الحديث فى جنوب السودان ؛ والتى تجاوزت الاطار القبلى ؛ قد كانت طائفة ابناء دينق ( Deng Cult) ؛ والتى نشطت من اول القرن حتى اواسط الثلاثينات ؛ وكانت المحرض على العديد من الانتفاضات القبلية والوطنية فى جنوب السودان ؛ وكانت ذات طابع معاد للاستعمار بشكل واضح ؛ على خلاف الطوائف الرئيسية فى الشمال ؛ الانصار والختمية ؛ والتى كانت موالية للادارة الانجليزية آنذاك .

كما نجد وسط الفئات المهضومة ثوار العام 1924 ؛ والذين وان تم الاشارة الى قادتهم ؛ بشكل مختصر ؛ الا ان اعضاء اللواء الابيض المنتشرين فى العاصمة والاقاليم ؛ لم يجدوا الحظ الكافى من الدراسة ؛ بل انه حتى شخصيات قيادية مثل عبيد حاج الامين وعبد الفضيل الماظ ؛ لم تنشر عنها دراسات او كتب ؛ وما الكتب التى كتبت عن على عبد اللطيف ؛ الا وهى فى معظمها مكتوبة باقلام اجنبية ( مصرية ؛ انجليزية وحتى يابانية ) ؛ بينما يظل ارث هذه الثورة فى الاضابير ؛ والاشتراك الشعبى فيها مجهولا ؛ ودور العناصر ذات الاصل الجنوبى او النوبى او من الفور ؛ وهو دور اساسى فى هذه الانتفاضة الوطنية ؛ مغموطا ومهضوما .

كما نجد وسط الشخصيات المهضومة ؛ عناصر مثل بولين الير ؛ والذى نشط فى اوائل الخمسينات ؛ وكون مجموعة وطنية جنوبية خارجة من الاطار القبلى ؛ وداعية الى السودان الموحد ؛ القائم على اسس عادلة ؛ وكان يمكن اذا امتد به العمر ؛ ان يكون احد الشخيات الفذة والمؤثرة فى السودان ما بعد الاستقلال .

كما نجد شخصيات مثل عبد الله رجب ؛ صاحب جريدة الصراحة ؛ والذى دعا فى اول الخمسينات الى الكفاح المسلح ضد الحكم الانجليزى ؛ وشكل وجريدته منبرا للقوى الوطنية الخارجة من اسر الطائفية ؛ رغم انه لم ينتم الى حزب ؛ بل بقى مؤسسة بذاته ؛ رغم ان بعض الاحزاب قد بنت وجودها وخروجها الى العلن على صفحات جريدته .

كما نجد وسط الشخصيات التى هضم دورها فى النضال من اجل الاستقلال ؛ الاستاذ محمود محمد طه ؛ رئيس الحزب الجمهورى ؛ والذى شكل رفضا للطائفية ؛ ودعوة للجمهورية الديمقراطية الاشتراكية فى السودان ؛ وكان ذو مواقف جريئة ضد الاستعمار ؛ دخل بسببها السجن لسنوات ؛ قبل ان يتحول الى داعية دينى ؛ فى اوائل الخمسينات .

كما نجد وسط الشخصيات المهضومة ؛ قيادات الحركة النقابية ؛ من العمال والمزاعين ؛ من امثال الطيب حسن ؛ ومحمد الحسن سلام ؛ وغيرهم وغيرهم ممن بنوا صروح الحركة النقابية السودانية ؛ كاول مؤسسات المجتمع المدنى الراسخة ؛ ولا ننسى شهداء عنبر جودة من المزارعين ؛ والذين تم اغتيالهم من قبل الحكومة " الوطنية " ؛ وهم يناضلوا من اجل حقوقهم المشروعة ؛ بشكل سلمى .

كما تبقى مغموطة الادوار التى لعبتها نساء السودان وشباب السودان ؛ فى النضال من اجل الاستقلال ؛ وفى النضال ضد التسلط فى العهود " الوطنية " فيما بعد ؛ وتبقى مهضومة ذكرى شهداء النضال من اجل التحرر الوطنى ؛ ومن اجل الديمقراطية لاحقا ؛ بدءا من شهداء العام 1898 ؛ وشهداء ثورة 1924 ؛ وشهداء التمردات والثورات المختلفة ؛ والى شهداء الجمعية التشريعية ؛ وكل شهداء النضال من اجل الحرية ضد انظمة عبود ونميرى والبشير ؛ والذين يتم تمجيدهم طالما كانت هناك معارضة للنظم التى اغتالتهم ؛ حتى اذا ما وصل معارضى الامس الى السلطة ؛ واصبحوا حكاما ؛ تناسوهم كما ينسى حلم نوم عابر .

ان ذكرى الاستقلال تفرض علينا ان نزيح المخبأ من كل تاريخنا الوطنى ؛ وان نرفع الهضم والظلم عن كل دق ازميلا من اجل ان يقوم الصرح السودانى ؛ وهذه دعوة للجميع لان يفصلوا فيما اجملنا فيه ؛ ويدققوا ويصححوا فيما هضمناه نحن ؛ ولنا فى كل حال الى هذة الثيمة ؛ عودة اكيدة .
عادل عبد العاطى

Post: #779
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-27-2008, 06:49 AM
Parent: #1

http://jabal.users.btopenworld.com/republicans.pdf

Post: #780
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-27-2008, 06:52 AM
Parent: #779


أركامانى مجلة الآثار والأنثروبولوجيا السودانية: عرض الكتب والدراسات


نحو تطوير التشريع الإسلامى

تأليف د. عبدالله أحمد النعيم

ترجمة وتقديم: حسين أحمد أمين

سيناء للنشر، القاهرة 1994

-1-
[/align:9abbbeaa4b]



يبدو أنَّ المصريين قد اعتادوا واستمرأوا فكرة أن تكون بلادهم مصدر الإشعاع الفكرى فى العالمين العربى والإسلامى، ذلك أنَّ القليلين من مثقفيهم هم الذين يلقون بالاً الى الثمار الفكريَّة فى الأقطار المحيطة بقطرهم، أو يقدرون الضرر الذى سينجم حتماً، عن هذه العزلة وهذا الإغفال. وها قد مضى أكثر من ربع قرن على ظهور كتاب فى السودان، هو كتاب "الرسالة الثانيَّة فى الإسلام" للشهيد محمود محمد طه، الذى أعدَّه أهم محاولة ينهض بها مسلم معاصر لتطوير التشريع الإسلامى، والتوفيق بين التعاليم الإسلاميَّة ومقتضيات المعاصرة، دون أن يحظى فى مصر (أو فى بلد إسلامى خارج السودان على حد علمى) بالإهتمام الذى هو أهل له، ودون أن نلمس له تأثيراً فى إتجاهات مفكرينا ومثقفينا وجمهور شعبنا، رغم إحتوائه على فكرة أساسيَّة ثوريَّة لا شكَّ عندى فى قدرتها متى صادفت القبول لدى الرأى العام الإسلامى، على أن توفر الحلول لمعظم المشكلات التى تكتنف موضوع تطبيق الشريعة، فى إطار إسلامى.



وفى الكتاب بين أيدينا عرض واف لهذه الفكرة ولغيرها من الأفكار التى نادى بها المرحوم الأستاذ محمود محمد طه. غير أنه لا بأس من أن نوجز الفكرة الرئيسة فيما يلى:



إنَّ النظرة المتمعنة فى محتوى القرآن الكريم والسنة النبويَّة تكشف عن مرحلتين لرسالة الإسلام: المكيَّة والمدنيَّة. والرسالة فى المرحلة الأولى هى الرسالة الخالدة والأساسيَّة، رسالة تؤكد الكرامة الأصيلة لكافة البشر، دون إعتبار للجنس، أو العرق، أو العقيدة الدينيَّة أو غير ذلك. وقد تميزت هذه الرسالة بالتسويَّة بين الرجال والنساء، وبحريَّة الإختيار الكاملة فى أمور الدين والعقيدة. فأما أسلوب الدعوة اليها فقائم على أساس الإقناع بالحجج العقليَّة، والجدل بالتى هى أحسن، دون أدنى قدر من الإكراه أو القهر.



وإذا رفض المشركون هذا المستوى الرفيع للرسالة، وبدا واضحاً أنَّ المجتمع ككل لم يكن بعد مستعداً للأخذ بها، جاءت الرسالة الأكثر واقعيَّة فى الفترة المدنيَّة، ونفذت أحكامها. وعلى هذا فإنَّ جوانب رسالة الفترة المكيَّة، التى لم تكن قابلة للتطبيق العلمى فى السياق التاريخى للقرن السابع الميلادى، علقت وحلت محلها مبادئ أكثر عملية. غير أنَّ الجوانب المعلقة من الرسالة المكيَّة لم تضع الى الأبد بوصفها مصدراً للشريعة، وإنما أجل تنفيذها الى حين توافر الظروف المناسبة فى المستقبل.



وقد سبق لى أن ذكرت فى مقدمة كتابى "دليل المسلم الحزين الى مقتضى السلوك فى القرن العشرين" أنَّ كثيراً مما نخاله من الدين هو من نتاج حسابات تاريخيَّة وإجتماعيَّة معينة، ومن إضافات بشر من حقب متعاقبة. وقد كان من شأن هذه الحسابات والإضافات أن أسدلت حجاباً كثيفاً على جوهر الدين وحقائقه الأساسيَّة الخالدة. فالدين لا ينشأ فى فراغ، وإنما يظهر فى مجتمع معين وزمن معين، فتتلون تعاليمه بالضرورة بظروف ذلك المجتمع ومقتضيات ذلك الزمان وتراعيها. هو إذن حقيقة مطلقة وردت فى إطار تاريخى، وظهرت فى بيئة إجتماعيَّة إنعكست معالمه عليه، وذلك من أجل أن يلقى القبول، ويحظى منهم الغالبيَّة، ويضمن الإنتشار. فكما أنه يستحيل على المرء أن يحمل الماء إلا فى إناء، أو يحتفظ بعنصر كيميائى غازى إلا أن خلطه بعنصر غريب يحوله الى أقراص صلبة، فإنَّ الرسالة الدينيَّة بحقائقها العالميَّة والخالدة لا يمكن إلا أن تبلغ لمجتمع معين، فى حقبة تاريخيَّة محددة، وهو ما يجعل من المحتم أن تدفع الرسالة ثمن ذلك فى صورة الدخيل المؤقت، العارض المحلى، غير الجوهرى وغير الأساسى. فلو أنَّ الرسالة الخالدة لم تراع جهاز الإستقبال لدى من تسعى الى مخاطبته والوصول اليه، لضاعت فى الأثير واستحال إلتقاطها. أما ضمان إلتقاطها واستقبالها فيقتضى تغليف الرسالة بما ليس فى صلبها، وترجمة المحتوى العالمى الخالد الى لهجة محليَّة، ومراعاة غلظ الأذهان، وضعف المستوى الثقافى والحضارى، والتشبث العنيد بالمفاهيم الموروثة والتقاليد. فإن أصرت الرسالة على أن تحتفظ بنقائها فلا تتلون بالظروف المحليَّة والتاريخيَّة، ضاعت هدراً ولم يقبلها أحد. ولو أن الرسالة قد تلونت عند تبليغها بالمحلى التاريخى، ثم أصرت بعد ذلك على البقاء على ما هى عليه، رغم إنتشارها الى بيئات إجتماعيَّة جديدة، ومرور الحقب التاريخيَّة عليها، وأبت أن تتشكل بظروف تلك البيئات الجديدة، ومقتضيات العصر تلو العصر، لاستحال عليها أن تلبى الإحتياجات الروحيَّة لأهل المجتمعات والعصور الجديدة الفعاليَّة نفسها التى لبت بها إحتياجات أهل المجتمع والعصر اللذين جاءت الرسالة فيهما.



هذا عن رأى وقت كتابتى لمقدمة كتابى المشار اليه. وأنا الآن أميل الى القول مع الأستاذ محمود محد طه بأن رسالة الإسلام بحقائقه العالميَّة الخالدة، بُلغت خلال الفترة المكيَّة دون حساب لغلظ الأذهان، وضعف المستوى الحضارى للعرب فى ذلك الوقت، ودون التلون بالظروف المحليَّة والتاريخيَّة. وفى ظنى أن هذا هو أيضاً ما أراد على عبدالرازق أن يقوله فى كتابه "الإسلام وأصول الحكم" عام 1925، وإن كان قد عبر عن قصده بعبارات تتسم ببعض الإلتواء، وما عبر عنه صراحة المؤرخ البريطانى آرنولد توينبى فى آخر كتاب له وهو :

Mankind and Mother Earth فى عام 1976 والذى نشر بعد سنة من وفاة مؤلفه.



غير أنَّ الأستاذ طه يذهب الى أبعد مما ذهب اليه أحد منا، ويصل بالفكرة الى نتيجتها المنطقيَّة: فعنده أن الفقهاء القدامى من مؤسسى صرح الشريعة الإسلاميَّة، جانبهم التوفيق إذ فسروا مبدأ النسخ على أساس أنَّ النصوص اللاحقة من القرآن والسنة (أى الفترة المدنيَّة)، تنسخ أو تلغى كافة نصوص الفترة المكيَّة السابقة، التى تبدو متعارضة معها. والسؤال الذى ينجم عن هذا هو ما إذا كان مثل هذا النسخ دائم المفعول بحيث تبقى النصوص المكيَّة الأقدم، غير معمول بها الى أبد الآبدين. ويذهب محمود طه الى أنَّ هذا القول مرفوض بالنظر الى أنه لو صح لما كان ثمة معنى للإتيان بالنصوص الأقدم. كما يذهب الى أنَّ القول بأنَّ النسخ أبدى يعنى حرمان المسلمين من أفضل جوانب دينهم. وبالتالى فهو يقترح تطوير أسس الشريعة الإسلاميَّة، وتحويلها من نصوص الفترة المدنيَّة الى نصوص الفترة المكيَّة السابقة عليها. ويعنى هذا أنَّ المبدأ التأويلى فى التطوير لا يعدو أن يكون عكساً لعمليَّة النسخ، بحيث يصبح بالإمكان الآن تنفيذ أحكام النصوص التى كانت منسوخة فى الماضى، ونسخ النصوص التى كانت تطبقها الشريعة التقليديَّة، وذلك من أجل تحقيق القدر اللازم من إصلاح القانون الإسلامى.



كتب محمود طه فى "الرسالة الثانيَّة من الإسلام" يقول: "وتطور الشريعة كما أسلفنا القول، إنما هو إنتقال من نص الى نص، من نص كان هو صاحب الوقت فى القرن السابع فأحكم، الى نص عُدَّ يومئذ أكبر من الوقت فنسخ. قال تعالى: ما ننسخ من آية أو ننساها نأت لخير منها أو مثلها (سورة البقرة،106). قوله .. ما ننسخ من آية.. يعنى: ما نلغى ونرفع من حكم آية.. قوله أو ننساها يعنى: نؤجل من فعل حكمها.. نأت بخير منها.. يعنى: أقرب لفهم الناس وأدخل فى حكم وقتهم من المنساة.. أو مثلها.. يعنى: نعيدها هى نفسها الى الحكم حين يحين وقتها.. فكأنَّ الآيات التى نسخت إنما نسخت لحكم الوقت، فهى مرجأة الى أن يحين حينها. فإن حان حينها فقد أصبحت هى صاحبة الوقت، ويكون لها الحكم، وتصبح بذلك هى الآية المحكمة، وتصير الآية التى كانت محكمة فى القرن السابع منسوخة الآن.. هذا هو معنى حكم الوقت: للقرن السابع آيات الفروع، وللقرن العشرين آيات الأصول".



***

وقد يفاجأ القارئ بهذه القراءة غير المعهودة للآية، فهى فى المصحف بين أيدينا (ما ننسخ من آية أو ننساها). غير أنَّ الطبرى فى تفسيره يقول: "... وقرأ ذلك آخرون (أو ننساها) بفتح النون وهمزة بعد السين بمعنى: نؤخرها، من قولك "نسأت هذا الأمر أنسؤه نسأ ونساء" إذا أخرته... وممن قرأ ذلك جماعة من الصحابة والتابعين، وقرأه جماعة من قراء الكوفة والبصريين... فتأويل من قرأ ذلك كذلك: ما نبدل من آية أنزلناها إليك يامحمد، فنبطل حكمها ونثبت خطأها، أو نؤخرها فنرجئها ونقرها فلا نغيرها ولا نبطل حكمها، نأت بخير منها أو مثلها". وهو التأويل الذى أخذ به محمود طه، وأخذ به أحد أنجب تلاميذه ومعاونيه، وهو الدكتور عبدالله أحمد النعيم، مؤلف هذا الكتاب بين أيدينا.



-2-

اتصل الدكتور إتصالاً وثيقاً، بأستاذه الروحى محمود محمد طه على مدى سبع عشرة سنة كاملة، إنتهت بإعدام طه فى الخرطوم بتهمة الردة عن الإسلام فى 18 يناير 1985، بإيعاز من رئيس الجمهوريَّة آنذاك، جعفر النميرى، الذى سقط نظامه بعد سنة وسبعين يوماً فقط من قتله لهذا المفكر الإسلامى البارز. وقد شارك عبدالله النعيم مشاركة إيجابيَّة فعالة فى حركة "الإخوان الجمهوريون" التى تزعمها محمود طه فى السودان، واعتقل معه فى الفترة ما بين 17 مايو 1983 و19 ديسمبر 1984، وأسهم إسهاماً مشكوراً، وهو القانونى القدير ورئيس قسم القانون العام فى كلية الحقوق بجامعة الخرطوم فى الدفاع عن المتهمين من زملائه فى الحركة، وضمان الإفراج عنهم، غير أنه أضطر بعد إعدام أستاذه والقضاء على الحركة وتفرق السبل بأنصارها الى الهجرة الى الخارج، حيث قام بترجمة كتاب طه "الرسالة الثانيَّة من الإسلام" الى الإنجليزيَّة، وألف بالإنجليزيَّة هذا الكتاب الذى كان لى شرف الإضطلاع بترجمته الى العربيَّة.

***

والكتاب فى واقع الأمر هو مزيج من فكر طه وفكر النعيم، فالفكرة الأساسيَّة لمحمود طه التى أوجزناها منذ قليل هى التى إتخذها النعيم منطلقاً له فى كتابه الراهن: تعهدها ونماها، وزودنا بإجابات على التساؤلات التى قد تثور بصددها، وبالتطبيق المنهجى المتسلسل لها فى ميادين الدستوريَّة وحقوق الإنسان والقانون الجنائى والقانون الدولى، وبالإستقراء التاريخى للفكر الإسلامى المتصل بقضايا القانون العام، مستفيداً فى كل ذلك من الخلفيَّة القانونيَّة التى توفرت له، ولم تتوفر لأستاذه المهندس محمود محمد طه.



وهو شأن كل تلميذ نجيب ذكى مبدع لقائد مرموق من قادة الفكر، لم يتوقف عند المدى الذى وصل اليه أستاذه، ولا أبقى الفكرة على الحال الذى تركها عليه ذلك المفكر، وإنما إتجه بكل إخلاص وهمة الى إنماء الفكرة وتطويرها للوصول بها الى نتائجها المنطقيَّة، وتطبيقها على مجالات متنوعة.. فهو هنا إذن يؤدى إزاء محمود طه دور أفلاطون إزاء سقراط. وكما أننا إزاء الكثير من الآراء الواردة فى محاورات أفلاطون نجد من الصعب نسبة هذا الرأى أو ذاك الى المؤلف أو الى أستاذه، فكذا نحن إزاء بعض الأفكار الواردة فى الكتاب الراهن. وقد كان وصفنا إياه بالمزيج من قبيل الإستسهال، وبسبب إصرار المؤلف الكريم فى حواراتى معه على نسبة كل فضل الى أستاذه، غير أنَّ مقارنة القارئ بين كتب طه وبين كتاب النعيم كفيلة بأن تسهل بعض الشئ، من إدراكنا لحقيقة الإضافات الجوهريَّة البناءة والإبداعيَّة للنعيم. وأضيف هنا قولاً أكاد أكون واثقاً من أنَّ الدكتور النعيم سيستاء منه، وسيرفضه ويزور بوجهه عنه، وهو أنَّ إعجابى بكتابه فاق إعجابى بكتاب "الرسالة الثانيَّة من الإسلام". وأما سبب ذلك فأذكره وأنا أكاد واثقاً من أنَّ بعض القراء من العرب سيستاءون منه، وسيرفضونه ويزورون بوجههم عنه، وهو أنَّ كتاب النعيم كُتب أصلاً بالإنجليزيَّة، وهى لغة لا تكاد تسمح بالأسلوب الخطابى الإنشائى الفضفاض، الذى تميز به للأسف كتاب الزعيم السودانى الراحل، ولا يستسيغ قراؤها الإبتعاد عن معايير الفكر المحدد الدقيق.



-3-

غير أنى أتدارك وأصحح وأستغفر.. فيقينى أنَّ النعيم لو كان قد ألف كتابه بالعربيَّة لتميز الكتاب بالقدر نفسه من الهدوء والموضوعيَّة والدقة والروح العلميَّة الصارمة الذى تميز به الأصل الإنجليزى.. فالخطابة والأسلوب الإنشائى الفضفاض ليسا من السمات اللصيقة بالعربيَّة إلا فى عصور إنحطاطها. وأما الهدوء والموضوعيَّة والدقة والروح العلميَّة الصارمة، فجميعها سمات فى شخصيَّة عبدالله النعيم، لا مفر أن تنعكس فى كتاباته. وصفات لمستها فيه منذ لقائى الأول معه فى القاهرة يوم 29 مارس 1993، وهو لقاء دبرته لنا الفنانة المصريَّة الأصيلة السيدة عطيات الأبنودى مخرجة الأفلام التسجيليَّة الشهيرة، بعد إبدائى لها شهادة إعجابى بكتاب عبدالله النعيم، وكانت قد قرأته وتعرفت بمؤلفه قبلى.. ولن أنسى أمسيَّة جمعتنى بالنعيم والمفكر الإسلامى الكبير الأستاذ طارق البشرى، وهو إنسان على شاكلة النعيم فى الهدوء والوقار، والإتزان ورحابة الصدر، رغم إختلافهما الجذرى فى مجال الفكر الدينى، إذ يأبى المؤرخ المصرى الأخذ بتاريخيَّة النص الدينى، بينما يصر القانونى السودانى عليها. وقد كان حوارهما الهادئ الموضوعى المتزن حول هذا الموضوع مثلاً يحتذى- وإن كان نادراً ما يحتذى فى مجتمعنا الإسلامى البائس- فى تحاور مفكرين إن إختلفت إتجاهاتهم وآراؤهم، جمعتهم الرغبة الصادقة فى الوصول الى الحق، بل والى ما هو عندى خير من الحق ذاته، وهو التفاهم.. فكأنما كان لسان حال الإثنين ينطق بقولة الإمام الشافعى الشهيرة: "والله ما ناظرت أحداً قط فأحببت أن يخطئ، وما كلمت أحداً قط وأنا أبالى أن يبين الله الحق على لسانى أو على لسانه".

فأين جعفر النميرى وعمر البشير وأمثالهما من أمثال هؤلاء؟!



***

وكم قد حز فى نفسى أن تتقطع لقاءاتى بالنعيم إذ يغادر مصر الى واشنطن ليعمل مديراً تنفيذياً فى منظمة Africa Watch المعنيَّة بحقوق الإنسان فى القارة الأفريقيَّة. ولا شكَّ عندى فى أنه يتطلع الى اليوم الذى يتمكن فيه من العودة الى السودان ليواصل الدعوة الى أفكاره والأفكار الأصيلة لحركة "الإخوان الجمهوريون" التى تفرق أنصارها وتوقف نشاطها بعد حظر السلطات السودانيَّة لهذا النشاط منذ يناير 1985، ولم تظهر لها قيادة جديدة بعد إعدام زعيمها.. وهو أمر يوحى للأسف الشديد بأنَّ إرتباط معظم أنصارها بزعيمهم كان وجدانياً أكثر منه فكرياً. ولا أحسب أنَّ أحداً منهم سعى مثلما سعى النعيم الى تأصيل وصياغة الأسس الفكريَّة للحركة؛ كيما تغدو تراثاً إنسانياً لا هو حكر على تلاميذ طه السابقين، ولا قاصر على السودان، بل ولا حتى على الأقطار الإسلاميَّة. فعند النعيم أنَّ كتاباً ككتابه الراهن "لا يخاطب المسلمين المعاصرين وحدهم. فرغم أنَّ قضايا إصلاح القانون الإسلامى، والتحول الإجتماعى والسياسى فى العالم الإسلامى، هى من شأن شعوب الأقطار الإسلاميَّة فى المقام الأول، فإنها أيضاً تدخل فى الإهتمامات المشروعة للبشريَّة جمعاء، بسبب تأثيرها فى حقوق الإنسان والحريات الأساسيَّة للبشر... ذلك أنه لم يعد بوسع البشريَّة أن تتنصل من مسئوليتها عن مصير البشر فى أى جزء من العالم، وهو ما نعده إنجازاً مجيداً للحركة الدوليَّة الحديثة المناصرة لحقوق الإنسان. فكافة شعوب العالم مدعوة إذن لمساعدة المسلمين فى محنتهم، ولأن تُقبل مساعدة المسلمين لغير المسلمين فى محنهم. غير أنه ينبغى أن نؤكد مع ذلك أن هذه الجهود فى سبيل التعاون المتبادل ينبغى النهوض بها، فى رفاهة حس وطيب نية، إن أردنا لها أكبر قدر ممكن من النجاح والفعاليَّة.



-4-

إنَّ آراء كتلك التى وردت فى كتب طه والنعيم هى فى ظنى كملح الفواكه، لا تؤتى مفعولها إلا بعد مدة! غير أنى أكاد أكون على ثقة من أن اليوم سيجئ الذى تحدث هذه الآراء فيه تأثيراً عميقاً وواسع النطاق فى فكر المثقفين فى العالم الإسلامى أولاً، ثم فى وجدان جماهيره العريضة، ولن يكون هذا اليوم بعيداً كما يتصور بعض المتشائمين، فحاجة المسلمين تشتد فى زمننا هذا- ويوماً بعد يوم- الى توفير حلول مناسبة للمشكلات المتفاقمة بأقطارهم، تكون من وحى تراثهم ودينهم وتقاليدهم، والى تأكيد هويتهم الحضاريَّة فى مواجهة الأخطار التى تهدد بإبتلاعها.. غير أنَّ حقهم فى تقرير المصير يحده حق الأفراد الآخرين والجماعات الأخرى فى الشئ ذاته، مما يحتم تحقيق مصالحة بين الشريعة الإسلاميَّة وبين كافة حقوق الإنسان العالميَّة، وإقناع المسلمين بأنَّ "الشخص الآخر" الذى ينبغى عليهم قبول مبدأ المساواة الكاملة بينهم وبينه، (كالدول الأجنبيَّة غير الإسلاميَّة، والأقليات غير المسلمة التى تعيش فى أقطارهم، والنساء المسلمات اللاتى تنتقص الشريعة التقليديَّة من حقوقهن)، يشمل كافة البشر الآخرين، بغض النظر عن الحسابات العرقيَّة والدينيَّة والجنسيَّة.

***

وعندى أنَّ هذا الحل كامن فى الأفكار الأساسيَّة التى طرحها المفكر الإسلامى السودانى الفذ محمود محمد طه، وفى هذا الكتاب لتلميذه المفكر الإسلامى السودانى الفذ الدكتور عبدالله أحمد النعيم، وهو الكتاب الذى سألنى النعيم يوم 29 مارس 1993 أن أكتب مقدة له، فانبريت فى حماسة أسأله الإذن بترجمته بأكمله الى اللغة العربيَّة.



حسين أحمد أمين

مصر الجديدة فى 19 يونيو1993
[/align:9abbbeaa4b]
source:
http://www.arkamani.org/bookreview_files/abdalahnaeem.htm

Post: #781
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-27-2008, 06:53 AM
Parent: #780



رواق عربي
[/align:1b75b2c4ca]



العدد الرابع

دراسات:
"الحرية في الفكر التنويري العربي":
لم يذهب مفكرو عصر النهضة إلى مدى أبعد في التأسيس للحرية بسبب نفوذ الثقافات السائدة

هيثم مناع


"محمود محمد طه والتجديد في الفكر الإسلامي":
لا يمكن حل مأزق التعارض بين النصوص من خلال الحيل الذهنية المجزأة، وإنما عبر إنشاء بنية مفهومية كاملة تتجاوز التعارض في صميمه

عبد الله بولا



مناظرة:
مأزق الشريعة وتحديات التحديث":
مشروع محمود محمد طه كما طوره عبد الله النعيم هو إقامة دولة ذات شرعية دينية على أسست علمانية-

عاطف أحمد



"الدين والعلمانية وتحديات التحديث":
أطروحات النعيم تفتح الباب لأي دولة ثيوقراطية أو طائفية، فالنصوص فيها لا تعدو أن تكون مؤشرات لقيم ومفاهيم ثقافية

طه إسماعيل

http://www.cihrs.org/periodicals/Rowaq/4_A.htm
------------------


العدد14
دراسات:
"الإصلاح الإسلامي وحقوق الإنسان":

تطمح هذه الدراسة للتعريف بأربعة نماذج مختلفة من الإصلاح الإسلامي في هذا القرن، وهى مختلفة في البيئة والتجربة الشخصية والمنهج (الطاهر حداد -عبد الله العلايلي- جمال البنا- محمود محمد طه) وهى تنتمي إلى هذا التيار الدينامي والحيوي لإصلاح الدين ونهضة المجتمع، ومعوقات هذا الفكر السوسيو ثقافية في البيئة العربية والركون إلى الفكر التقليدي والقناعة به، ومواجه الجديد والتوجس من خشيته، وتركز الدراسة على موقع حقوق الإنسان في فكر هؤلاء المصلحين .

هيثم مناع
http://www.cihrs.org/periodicals/Rowaq/14_A.htm

Post: #782
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-27-2008, 02:08 PM
Parent: #1


هذا ما كتبه البروفيسور محمد عمر بشير في مقدمة كتاب "عشرة أيام هزت العالم" الذي كتبه الكاتب المصري صلاح عبد اللطيف عن انتفاضة أبريل 1985 والأسباب التي أدت إليها..

يقول البروفيسور محمد عمر:

وازدادت الأزمة وتعقدت عندما أعلنت قوانين سبتمبر 1983 وبدأ في تطبيق الحدود من قطع الأيدي والأرجل وجلد النساء وأخيرا إعدام الأستاذ محمود محمد طه في يناير 1985 بتهمة الزندقة والإرتداد عن الإسلام.
ومحمود محمد طه ـ كما نعلم جميعا ـ لم يكتب ولم يقل عندما أعدم شيئا جديدا لم يفعله من قبل. نعلم أيضا أنه بالرغم من إدانته بواسطة محكمة الخرطوم الشرعية في عام 1968ومجمع البحوث الإسلامية في الأزهر في عام 1972، ورابطة العالم الإسلامي في عام 1973 ـ إلا أن هذا لم يجعل حاكما يتجرأ بالتوصية بإعدام شيخ يبلغ عمره 78 عاما.
إن مقتل محمود محمد طه كان عملا عدوانيا صارخا على جميع السودانيين مسلمين ومسيحيين وغير هؤلاء. ولم يؤيده في هذا غير جماعة الأخوان المسلمين والمؤيدين لهم.

انتهى..

Post: #783
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-27-2008, 02:26 PM
Parent: #1


تعداد بلا حلايب!!
د. عمر القراى
نقلت الصحف، قبل فترة عن نائب رئيس المؤتمر الوطني، د. نافع علي نافع، في إحدى زياراته لشرق السودان، قوله «حلايب سودانية.. ولن ندخل في حرب مع مصر»!! ثم نقلت الأخبار بعد فترة، استثناء حلايب من التعداد، لأن الحكومة المصرية لن تسمح بذلك، وهي تعتبر حلايب مصرية!! وكوننا لا نرغب، أو لا نستطيع، الدخول في حرب مع مصر لا يبرر تنازلنا بهذه السهولة، عن جزء من الوطن، يعيش به سودانيون، ليس لهم ذنب إلا أن حكومتهم عجزت عن الدفاع عن أرضهم، وسمحت لدولة أخرى بالتغوّل عليها. فهناك فرص الشكوى الدولية، وفرص التوسط الإقليمي الأفريقي والعربي، وفرص التحكيم والرجوع للوثائق، وغيرها.. فلماذا لا تطرح كل هذه الأساليب لإرجاع حلايب؟!
ولم يكتف المصريون بتدفق عمالتهم للسودان، دون قيود العمالة الأجنبية، ولم يتقيدوا بالاتفاقية التي عقدت بين البلدين، إذ ما زالت تطبق من جانبنا دون أن تطبق من جانبهم، وما زلنا نقدم للتأشيرة للدخول إلى مصر، ولا نستطيع العمل أو حتى الإقامة في مصر، دون مساءلة من السلطات.. ولو كان المواطنون السودانيون، يجدون فرصة للعيش الكريم في مصر، لوجدوا مساعدة من الحكومة المصرية -ولو بإرجاعهم لبلادهم- حين تجمعوا معتصمين أمام مبنى الأمم المتحدة حتى فارق بعضهم الحياة!!
لقد أقيمت الخزانات والسدود، بكثافة وبتمويل ضخم في شمال السودان، في فترة وجيزة، وبإصرار حكومي غريب لم يحدث في أيٍّ من مشاريع التنمية الأخرى.. ثم واجهت الحكومة المواطنين البسطاء، الذين اعترضوا على تهجيرهم من أراضيهم بسبب تلك السدود بالبطش، الذي بلغ حد الاعتقال، والتشريد، وازهاق الأرواح، في أمري، وكجبار، دون أن تشرح لأولئك المواطنين الفوائد الاقتصادية والاجتماعية، لهذه الخزانات والسدود. ولأن المواطنين استغربوا كل ذلك، طارت إشاعة مفادها أن كل هذه الخزانات، إنما أقيمت حتى يهجر المواطنون السودانيون من أراضيهم، لتعطى لمواطنين مصريين ضمن صفقة أبرمت لمصلحة مصر!! وحين سئل السيد عبد الرحيم محمد حسين وزير الدفاع، عن توطين مصريين في أراضٍ بشمال السودان، لم ينف ذلك، بل قال إن هنالك الآلاف من مواطني غرب أفريقيا استقروا في غرب السودان.. وكأنه يريد أن يقول ما دام هنالك مواطنون قد هاجروا إلينا من غرب أفريقيا، فلماذا تعترضون على هجرة المصريين، وهم أقرب الينا؟! والحق أن المواطنين القادمين من غرب أفريقيا، لم يجيئوا وفق صفقة مع الحكومة، تعطيهم حقاً دائماً.. وإنما يمكن أن تطبّق عليهم قوانين اللجوء، والترخيص الموقوت بالعمل في دولة أجنبية، ويمكن أن يسلبوا ذلك الحق، إذا بدر منهم أي خرق لعقود العمل التي تبرم معهم.. وكل هذا، هو ما حاول المصريون تجاوزه بالاتفاق السياسي المجحف، الذي يعطيهم حق دائم في السودان، ويحقق لهم مطمعاً قديماً، بأن السودان تابع لهم منذ عهد الخديوي.. وكأن الشمالية وحدها لا تكفي، فقد ورد تصريح من مسؤولين بإعطاء فرصة لحوالى عشرين ألف مزارع مصري للعمل في مشروع الجزيرة!! ولسنا ضد اعطاء المصريين أي فرص للعمل في السودان، ولسنا ضد التعاون بين شعبي وادي النيل، اذا كان تعاوناً عادلاً يقوم بين الاكفاء.
ولقد صرح والي الشمالية، بأن الولاية تفتقر للأيدي العاملة، وتفتح فرصاً للاستثمار الزراعي.. وحين سئل عن امكانية منح أراضٍ للمصريين، قال إنه لا يستبعد ذلك، خاصة وأنهم سبق أن أبدوا مثل هذه الرغبة!! ومعلوم أن هذه رغبة أزلية للمصريين، وأنها مؤخراً لم تعد مجرّد رغبة، وإنما حاجة ملحة، لا يطيقون دونها صبراً..
والحقيقة أن المصريين لن يقدموا الينا مستثمرين، وانما سيأتوننا كعمال ومزارعين تقليديين، لن يضيفوا أي خبرات، ولن يطوروا حياتنا أي تطوير، وانما يبحثون عن فرص عمل، تمثل لهم آخر فرص الحياة، التي لم تتوفر لهم بسبب الضائقة السكانية الفظيعة في بلادهم.. والخطورة في هذا، ليس تقليل فرص العمالة على المواطنين السودانيين، والزج بهم في وطنهم، في منافسة غير عادلة، وإزاحتهم تدريجياً عن سوق العمل المنظم، ثم مطاردتهم إلى سوق العمل العشوائي، وإنما الخطورة هي أن المصريين لو استوطنوا بكميات كبيرة، لن يخرجوا مرة أخرى، لأنهم لا يملكون مكاناً آخر يرجعون إليه.. وإنما يصبح الوضع في ظل التخوّف من الحرب معهم، استعماراً استيطانياً، يتمكّن بمرور الزمن، تدعمه دعوى عريضة، في أحقية المصريين في السودان، وتبعيته التاريخية لهم.
لقد قام كثير من الكتاب المصريين النابهين، بنقد الممارسات الخاطئة لحكوماتهم، ولكن لم ينتقد أحدهم اطماع مصر في السودان، ولا هذا التغول الذي يحدث الآن، من اجل مصلحتهم، وضد مصلحة الشعب السوداني.. ولعل كل المصريين مثقفيهم وأمييهم، يتفقون في تبعية السودان لمصر، ويأسفون لزواله من أيديهم، حين حقق السودان الاستقلال، وزالت الملكية من مصر، ولعلهم يرون مع أحمد شوقي، أنهم فقدوا السودان، بسبب أخطائهم السياسية، ويرددون معه:
إلام الخلف بينكم إلاما ? وهذي الضجة الكبرى علاما
وفيم يكيد بعضكم لبعض ? وتبدون العداوة والخصاما
وها أنتم فلا مصر استقرت ? على حال ولا السودان داما
ومع أن السودان لم يدم للاستعمار المصري، بعد خروج الإنجليز، وأن دعوى الاتحاديين بقيام حكومة موحّدة تحت التاج المصري قد فشلت، وأعلن الاستقلال عن كلا دولتي الحكم الثنائي من داخل البرلمان، إلا أن استغلال مصر للسودان استمر بعد ذلك. إن اتفاقية مياه النيل التي عقدت عام 1929م والسودان غائب تحت الاستعمار، قد اعطت مصر حوالى (58) مليار متر مكعب من مياه النيل، وأعطت السودان (19) مليار متر مكعب. ولا تزال هذه الاتفاقية المجحفة قائمة حتى اليوم، ولم تستطع الحكومات التي تعاقبت على السودان تغييرها. وحين احتجت الدول الأفريقية، مؤخراً، على تلك الاتفاقية، ودعت إلى تعديلها، بدعوى أن مصر ليست من بلدان منبع النيل مثل يوغندا وأثيوبيا، وأن النيل الذي يجري في أراضيها لا يساوي ثلث طوله، وليس هنالك مبرر لتأخذ أكبر نصيب من مياه النيل، فضل السودان أن يقف بجانب مصر ضد كل الدول الأفريقية الأخرى، وضد مصلحة شعبه.
ولم يكتف المصريون بأنهم يأخذون النصيب الأكبر من مياه النيل، بل يريدون ان يرسلوا مزارعيهم ليستفيدوا من الجزء الباقي، الذي لم يستطيعوا اخذه عن طريق الاتفاقية، فيزرعون به محاصيلهم في داخل السودان!! وهكذا يأخذون الماء، والأرض، والمحصول، دون مقابل، اللهم إلا رضاهم عن حكومة السودان، وعدم دخولهم معها في مشاكل، مع أن الشعب السوداني ليس طرفاً في هذه الصفقة المجحفة.
لقد اتهم د. الترابي حكومة المؤتمر الوطني، في عدة مناسبات، بالقيام بمحاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك.. وأنها قد حاولت بشتى الوسائل، اخفاء الأدلة على قيامها بتلك المحاولة، وسعت إلى اقناع المصريين بالتغاضي عنها، في مقابل عدة صفقات على حساب مصالح الوطن الكبرى. ولم يصدق كثير من المتابعين د. الترابي، لأنه قد كان العقل المدبّر للحكومة حين تم هذا الحادث، وهو الآن قد أخرج نفسه، وألقى باللوم على تلاميذه.. ولكن مع ذلك، يصعب استبعاد ما ذكره الترابي، ونحن نرى كل هذه التنازلات، التي تقدمها الحكومة إلى الحكومة المصرية، على حساب الشعب، وآخرها استبعاد مواطني حلايب من التعداد، مما يعني الإقرار الضمني، بأنهم مصريون!!
وطمع المصريين في السودان قديم، ولقد كان الأستاذ محمود محمد طه، أول من نبّه له، وذلك في خطابه التاريخي، للرئيس محمد نجيب، عقب قيام ثورة يوليو، وقبل أن تؤول الأمور للرئيس جمال عبد الناصر، وكان ذلك بتاريخ 18/8/1952 فقد جاء في ذلك الخطاب: (وشيء آخر نحب أن نشير إليه هو علاقة مصر بالسودان، فإنها قامت، ولا تزال تقوم، على فهم سيء، فإن أنت استقبلتها بعقل القوي، تستطيع تبرئتها مما تتسم به الآن، من المطمع المستخفي والعطف المستعلن، فإن السودانيين قوم يؤذيهم أن يطمع طامع في ما يحمون، كما يؤذيهم أن يبالغ في العطف عليهم العاطفون).

http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=47441

Post: #784
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-27-2008, 02:51 PM
Parent: #1


محمود محمد طه معذور

جريدة الميثاق الإسلامي

العدد 88

28 رجب 1385هـ الموافق 21 نوفمبر 1965م

بقلم جعفر شيخ إدريس

محمود محمد طه معذور في انتهازه كل فرصة للهجوم على كل شخص وكل تنظيم يدافع عن الإسلام.

محمود معذور لأن دينه الذي يدين به ليس دين الإسلام الذي جاء به محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

محمود لا يصلي ولا يصوم ويعتبر الحج وثنية والزكاة من بقايا تشريعات الغاب.

لم يبق من أركان الإسلام الخمسة إلا ركن واحد هو لا إله إلا الله محمد رسول الله، ومحمود يرى أن الإنسان لا يبلغ درجة العبادة الصحيحة إلا حين يتخلص من تقليد النبي صلى الله عليه وسلم.

لم يبق إلا لا إله إلا الله. والله في نظر محمود ليس ذاتاً بائنة عن المخلوقات وإنما هو جزء منها وكل ما يُسمى بالإنسان قادر على أن يكون إلهاً، وأظن أن محموداً يعتبر نفسه قد خطا خطوات واسعة نحو هذه الغاية.

تباً للمخبولين تباً، وعجباُ من الذين يسيرون ورائهم ويأخذون هذيانهم مأخذ الجد.

فمحمود حين يدافع عن الحزب الشيوعي إنما يدافع عن نفسه لأنه يخشى حين ينكشف أمره أن يلاقي المصير الذي لاقاه الشيوعيون.

وبعد: فما هذه الزوبعة المفتعلة التي أثارها حول بيان الهيئة الشرعية؟ إن كل من له أدنى إلمام بالإسلام يعلم أن باب التوبة مفتوح وأنه لا يغلق أمام ذنب مهما عظم إذ لا ذنب أعظم من الشرك بالله، والتوبة من الشرك بالدخول في الإسلام مقبولة.

وما أظن أحداً يظن أن هذه المسألة البديهية قد فاتت على مجموعة من العلماء. إن الواضح من سياق كلام العلماء أن التوبة لا تُعفي من العقوبة الدنيوية، إنها لا تقبل أمام القضاء لا عند الله سبحانه وتعالى. وهذه مسألة واضحة لأن شتم الرسول صلى الله عليه وسلم جريمة شأنها في ذلك شأن السرقة والزنا والغش. فهل يعفي العقوبة أن يقول إنه تاب؟ وهل تمنعه العقوبة من أن يتوب إلى الله توبة نصوحاً؟
[/align:5cdc020524]

http://www.jaafaridris.com/Arabic/Mithaq/mahmood.htm
_________________

Post: #785
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-27-2008, 02:52 PM
Parent: #784


إنتهـــازية د. فرانســـيس دينـــق والســـقوط الأخــــير

فصل آخر من رواية تطريب الخواجة

علي اسماعيل العتباني

... لقد امتهن عدد من السياسيين السودانيين لعبة تطريب الخواجة أو محاولة إرضاء الخواجات ولذلك وجدنا كثيراً من الكتابات السودانية تتحرى الكلام عن الرق وعن العبودية حتى في الدراسات الأكاديمية.. ووجدنا كثيراً من الأكاديميين السودانيين يحاولون متابعة ترقياتهم العلمية عن طريق نيل رضاء الخواجات بتناول قضايا كبيرة وصبغها بالصفة العلمية حتى يتم وضعهم في الكتاب الأبيض للخواجة وقد رأينا قبل سنوات كيف تبارى عدد من الأكاديميين في الكتابة عن الحركة الجمهورية ومحمود محمد طه ورفعه الى درجة القديسين والقول بأن مستقبل السودان تحدده كتابات محمود محمد طه وطروحاته.. ورأينا عدداً من الباحثين والدارسين يتخصصون في الكلام عن قضايا الرق وإثارة الكراهية والكلام عن قضية الجنس والقبيلة في السودان ناسين أو متناسين أن (المدينة) في السودان تجاوزت تماماً دور القبيلة وأن المدينة السودانية بملايينها وطريقة معيشتها وبصحافتها وندواتها أصبحت هي المصنع الكبير الذي يصهر المواطن السوداني وأن سكان المدن الآن في السودان هم أكثر من نصف قاطنيه وأن الخرطوم وحدها وما جاورها تعادل ربع سكان السودان وأن مستقبل السودان تحدده المدينة لا الجهويات ولا القبليات ولا تحدده الإثنيات. وقد رأينا أن أكبر كتاب قامت عليه أكبر فتنة في تاريخ السودان الحديث هو تلك الإصدارة التي أخرجها عشاري ود. سليمان بلدو بعنوان (مذبحة الضعين) أو قضية الرق في السودان.. وكيف أن الهيئات الكنسية كمجلس الكنائس الإفريقي ومجلس الكنائس السوداني الجديد والكنائس الأنجليكانية واللوثرية والمشيخية تابعت هذه الأفكار التي كانت تثير الكراهية وروجت لها وكيف أصبحت تتكلم منذ ذلك اليوم عن قضية الرق في السودان وكأن هذا السودان الجميل بانسجامه الاجتماعي وبقبائله وعاداته وإلفه وتنوعه الثقافي لم يعرف إلا الرق ولذلك لا عجب أن هذه الرسالة أصبحت خطاً فاصلاً ودافعاً لأخريات فبعد ذلك رأينا دراسة للأستاذ محمد ابراهيم نقد عن الرق في السودان ورغم أنها كانت أفضل من كتاب بلدو وعشاري لأنها توثيقية وتحليلية ولم تحاول أن تضرب بقصد إثارة الكراهية على طريقة بلدو وعشاري إلا أنها كانت كذلك محاولة لكسب ود جون قرنق واسترضائه واسترضاء الكنيسة من خلفه لأن هذه كانت هي الآيدلوجية الجديدة التي تريد أن تشجع حركة (الزنوجة) وحركة التمرد على الثقافة السودانية والخصوصية السودانية وعلى الذاتية السودانية المتفردة والتي تريد إنهاء الدور السوداني الوطني ولا عجب إن كان وراء هذه الحركات مؤسسات تمويل دولية صهيونية وكنسية ويمينية متطرفة.

وبعد ذلك رأينا رسالة الدكتور منصور خالد عن الجنوب في المخيلة العربية ومع أنها جاءت في بضع مئات من الصفحات وأنها طبعت في ورق مصقول إلا أنها رسالة خاوية ولا تكاد تضرب على هذا الموضوع وتحلله وتعطي الذات السودانية حقها ولكنها سلطت الضوء على بعض نقاط الضعف فيها وكأنه ليس في الذات السودانية إلا تلك السخافات المهيضة كالكلام عن (الزناقد) والعبيد وغيرهما علماً بأن مثل هذه الترهات الصغيرة لم يقم عليها السودان أصلاً إنما قام على البناء والتكامل والجهاد وعلى تمازج الهجرات والثقافات وقام على التفاعل الاجتماعي منذ فجر التاريخ.. وإذا كان عشاري وبلدو ومحمد ابراهيم نقد ومنصور خالد قد بذلوا في تأسيس آيدولوجية الكراهية في المجتمع السوداني إلا أن هذا الخيط الآن قد التقطه مثقف جنوبي آخر.

وللأسف فإن هذا المثقف الجنوبي كانت له إصدارات ممتازة نذكر له كتابه (إثبات حيدية الذات) وهو كتاب يتحدث عن الجنوب وكيف أنه في طريقه الى التوحد الكامل مع الشمال وأن الجنوب في طريقه للانعتاق عن التخلف بنفس منهجية انعتاق الشمال الذي احتاج لبضع مئات من السنين حتى أصبح عربياً وإسلامياً ودعوته للصبر على الجنوب وإعطائه الزمن الكافي الذي تحتاج له الوحدة الثقافية والدينية والسياسية.

ثم قرأنا له كتابه الآخر عن والده دينق ماجوك والعلاقات بين عرب الرزيقات والمسيرية ودينكا أبيي وكان أيضاً كتاباً ممتازاً حيث قال فيه إنه عاش مع والده في منطقة أبيي ولم يشعر بفارق لغوي أو ديني أو اجتماعي بين القبائل المتعايشة في المنطقة.

ولكن فجأة وفي منافسة مع منصور خالد وعشاري وبلدو تحول الدكتور فرانسيس دينق في الفترة الأخيرة الى (طائر شؤم) نتيجة لأنه أصبح مساعد الأمين العام للأمم المتحدة وهذا منصب لا يمكن أن يبلغه الإنسان إلا اذا أساء الى مواطنيه وإلا إذا أساء للتجربة السودانية وأخذ يتكلم عن قضايا الرق والكراهية والتفرقة بقصد القضاء على التجربة السودانية وبالفعل فإن فرانسيس دينق أخذ ينحو هذا المنحى العجيب ويتكلم عن أربع درجات للمواطنة في السودان مواطنو الشمال من الدرجة الأولى ومواطنو غرب السودان المسلمين من الدرجة الثانية والمواطنون القادمون من غرب إفريقيا من الدرجة الثالثة ومواطنو الجنوب من الدرجة الرابعة.. وحاول أن يمجد ما قام به أبيل ألير في كتابه (جنوب السودان والتمادي في نقض المواثيق والعهود) حينما أخذ يؤطر وينظر ويؤصل لقضية أن الشماليين شياطين وأن الجنوبيين ملائكة وأبرياء وعلى الفطرة وأن على المجتمع الدولي أن يقوم بفصل الجنوب وحماية الجنوبيين وأصبح الآن مطلوب من د. فرانسيس دينق أن يصبح منظراً وفيلسوفاً لجون قرنق بعد أن سقطت كل شعاراته عن الاشتراكية والسودان الجديد بعد تحريره وبعد أن سقط التجمع والتحالف الديمقراطي ولم يبق إلا محاولة الزج بأمريكا واسرائيل واليمين الأمريكي في حرب ضد الإسلام وضد الثقافة العربية وللأسف الشديد أصبح المنظر والفيلسوف لكل ذلك هو المثقف الجنوبي القادم من أبيي منطقة التمازج والتكامل بين الرزيقات والمسيرية ودينكا أبيي وأصبح د. فرانسيس دينق (يفش) غبينته بتلك الطريقة ويخرب بذلك الوجدان السوداني والفطرة السليمة لينال مقابل ذلك بضع دريهمات من الولايات المتحدة. وأنه من المؤسف أن يحدث هذا السقوط في هذا الوقت بالذات.

وقد برز هذا السقوط أخيراً في ندوة نظمها مركز التنمية الاجتماعية الدولية بواشنطون حول أطروحات حركة التمرد وزعيمها جون قرنق وقد شارك في الندوة د. فرانسيس دينق ود. سليمان علي بلدو، أما الأول فالانتهازية جديدة عليه كما قلنا لأن الجانب المضئ في شخصيته وموضوعية طروحاته هي التي علقت بأذهان الناس. وأما د. بلدو فانتهازيته يشهد عليها الكتاب الذي شارك في تأليفه في الثمانينات حول ما أسموه (مذبحة الضعين) وكان الغرض من ذلك المؤلف الحقير بذر الفتنة بين قبائل الدينكا والرزيقات التي ظلت متعايشة زماناً طويلاً وأكدت ذلك التعايش أحاديث د. فرانسيس في طروحاته المكتوبة والشفاهية.

وفي تلك الندوة المذكورة اقترح المتحدثون إيقاف ضخ النفط السوداني باعتبار أنه يستخدم في تمويل الحرب الدائرة في الجنوب كما أطلقت الندوة دعوة صريحة لانفصال الجنوب بحجة أن الحكومة السودانية لم تلغ الشريعة الإسلامية كما أثارت الندوة مفاهيم عنصرية بعيدة عن الواقع حيث ادعى المتحدثون ومنهم د. فرانسيس أن أهل الشمال يعاملون المواطن الجنوبي غير المسلم كمواطن من الدرجة الثانية!!

ولعل المعلوم للجميع أن كل الأطروحات البالية التي أثيرت في الندوة هي من صميم أطروحات وبرنامج حركة التمرد وهي أطروحات عفا عنها الزمن وتدعي حركة التمرد أن حربها ضد الشمال العربي المسلم تقوم على هذه المرتكزات التي غذتها القوى الاستعمارية وذوو النزعات الانفصالية من أبناء الجنوب. لكن الغريب في الأمر أن يقوم شخص مثل المفكر المرموق فرانسيس دينق بتبني مثل هذه الأفكار غير الموضوعية بل والمتعارضة مع قناعاته التي ضمنها في العديد من مؤلفاته الموضوعية.. وهو أقدر الناس على تقدير مدى الضرر جراء ترويج مثل هذه الأفكار السامة وكيف أنها تضر بالسودان وأهله ووحدته الوطنية.

ولعل من المفيد هنا أن نذكر أن د. فرانسيس دينق ظل يصنف على أنه طرف وطني ومحايد وغير منحاز لأي من أطراف الصراع الدائر في الوطن.. وهذا هو منطلق الحكومة السودانية في التعامل معه.. بل أن الحكومة كانت تأمل أن يلعب دوراً جوهرياً في تقريب وجهات النظر بينها وبين حركة التمرد فضلاً عن أن هناك أطرافاً دولية عديدة تقدر له نجاح مثل هذا الدور المرتجى.. ولكنه أحبط هؤلاء جميعاً بمشاركته في تلك الندوة التي ناقشت أفكاراً مشبوهة تحوم حولها الكثير من الشكوك.. الأمر الذي أدى الى تآكل المركز المرموق للدكتور الهمام خاصة بعد أن كشف عن هواه الحقيقي في تلك الندوة وسقط تحت هيمنة القوى المعادية لوحدة السودان من المتطرفين المسيحيين في أمريكا ومن السياسيين المعادين للسودان في الإدارة الأمريكية.

ويشهد الجميع أن د. فرانسيس شارك في حوارات عديدة جرت في كل من سويسرا ولندن والخرطوم حول وحدة السودان وتحقيق السلام وفي كثير من الأحيان كان يبرز موقف د. دينق المعارض لأطروحات التمرد والداعم لوحدة السودان لكن الآن أصبح الأمر واضحاً وجلياً وأن تلك المواقف التي ظهر بها في تلك الحوارات مع الحكومة لم تكن سوى وسائل للتضليل والانتهازية ومعلوم أن هاتين الصفتين هما أخطر أمراض العصر.. وقد عانت إفريقيا كثيراً من الانتهازيين من أبنائها الذين ظلوا يقدمون خدماتهم للمستعمرين مقابل حفنة من الدولارات وفي سبيل ذلك لا يتورعون عن المشاركة في المخططات التي تستهدف أهلهم وشعوبهم ولا تهتز لهم شعرة واحدة وهم يمارسون هذا الارتزاق البشع.

إن أمثال د. فرانسيس دينق كثر في أوربا وأمريكا وغيرهما لكن آن الأوان للحكومة السودانية والقائمين على ملف الحوار أن يتذكروا دائماً أن المندسين من الانتهازيين هم أخطر من الأعداء الظاهرين لأنهم يمارسون التضليل والكذب والنفاق لتحقيق مآربهم ومصالحهم الشخصية.

وأخيراً نناشد الدولة بأن تتخذ خطوات عملية وحازمة بأن تغلق هذه الملفات نهائياً حتى تقطع الطريق على كل انتهازي أخرق وأولهم د. دينق



http://www.rayaam.net/2002/03/21/araa2.html
________

Post: #786
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-27-2008, 02:54 PM
Parent: #785


ماذا وراء تمجيد الزنادقة في التاريخ القديم والمعاصر؟

محمد بن حامد الناصر

كنا لاحظنا في الحلقة السابقة(*) مهاجمة العصرانيين للفتوحات الإسلامية وقادتها، والتطاول على بعض الصحابة رضي الله عنهم.. ونلاحظ هنا أن بعضهم يدافع عن الزنادقة والمرتدين باسم الدفاع عن حرية الرأي والتجديد .

وقد تحمل وزر هذه الدعوة عدد من العصرانيين، فمدحوا الخوارج واعتبروا أنهم حزب العدالة والقيم الثورية، رغم أنهم كلاب أهل جهنم، كما ورد ذلك في الأحاديث الصحيحة. واعتبر بعضهم أن القرامطة هم الجناح اليساري في الحركة الشيعية، كما مدحوا الدولة العبيدية الإسماعيلية، وأشيد بثورة الزنج في البصرة، جرياً وراء تمجيد المستشرقين لهذه الحركات المنحرفة الطائشة(1).

ثم تابع العصرانيون الجدد، أصحاب النزعة المادية، طريق من سبقهم بجرأة أشد، وانحراف أخطر(2).

ü تمجيدهم لعدد من الزنادقة:

دأب الطبيب (خالص جلبي) على تمجيد الحلاَّج والسهروردي ومحمود طه زعيم الإخوان الجمهوريين السودانيين، وهو باطني ضال حوكم شرعياً وحكم بإعدامه وأراح الله السودان منه، وستعرف المزيد عنه في هذا المقال، وقد اعتبر خالص جلبي هؤلاء مجددين قُتلوا ظلماً.

يقول في مقالة له في الشرق الأوسط: «كل المظالم وقعت باسم الشعب، وباسم الأمن، أنشئت أجهزة الرعب، وتحت بعض الشعارات تغتال الحقائق؛ فباسم الشعب في بغداد حكم على الحلاج بضربه ألف سوط، ثم قطع لسانه وأطرافه».

«وإن المجتمع الإنساني يتقدم بدون التجديد الدائم.. وكل فكرة جديدة عانت وكابدت، من ذلك إعدام سقراط في أثينا وإعدام محمود طه في السودان بتهمة الردة»(1).

ثم يعترض (الجلبي) على إعدام محمود محمد طه فيقول: «وتحت شعار تطبيق الشريعة الإسلامية، أعدم محمود طه في السودان لرؤيا رآها، فسرت أنها كفر، ولم ينفع في رفع الحكم عنه سنواته السبعون»(2).

ويقول أيضاً: (وفي عام 1971م، أعدم محمود طه في السودان على يد الطغمة العسكرية بتهمة الردة، وكان الرجل مجدداً، فلم يكفر ولم يرتد، ولكنها السلطة التي لا تتحمل النقد والمعارضة)(3).

ü حقيقة محمود محمد طه:

قتل هذا الرجل مرتداً؛ لأنه كان من مدعي النبوة، وكان قد درس مذاهب الفلسفة والمنطق، وله دراسات حول مدرسة الجدليين، واستقال من عمله في الحكومة السودانية، وشكَّل الحزب الجمهوري، ولم ينضم إليه أكثر من عشرة أشخاص. عمد إلى أسلوب المحاضرة في المقاهي والشوارع، وكان يصدر منشورات باسمه، في أخريات عام 1945م(4).

سجن محمود طه مرتين، وخرج بعد المرة الأولى بعد سنتين وقد أطلق لحيته وأرسل شعر رأسه، وأوضح أن الحزب الجمهوري حزب له رسالة، هي رسالة الحق، وأنه قد كُلِّف بهذه الرسالة... ثم سجن مرة أخرى لمدة سنتين.

وقد أسقط عن نفسه الصلاة، ولكنه نادى أتباعه بإقامة قواعد الإسلام.

كان يتأول في تفسير القرآن الكريم، ويعتبر أن الآيات المكية هي أساس الشرع، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يتمكن في مكة من تعليم المسلمين أسس هذه الآيات.

نفذ فيه حكم الإعدام لادعائه النبوة، وخروجه من الإسلام بعد أن أمهل ثلاثة أيام ليتوب ويرجع عن كفره وضلاله فلم يتب ولم يتراجع، (أعدم في سجن الخرطوم).

وتوجد حقائق مذهلة عن أفكاره، ما كان يعرفها كثير من الناس، وقد بسطتها مجلة المجتمع في بعض أعدادها؛ حيث بينت أن الجمهوريين في السودان يرون: أن محمود طه أفضل من النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه فصَّل الرسالة الثانية، وهي بزعمهم أعلى مرتبة من الرسالة الأولى.. وحكمت المحكمة على أربعة آخرين معه بالإعدام(5).

ورغم هذه الردة عند محمود طه، فإن خالص جلبي يتباكى عليه ويدافع عنه، ويعتبر أنه قُتل مظلوماً، من قِبَل السلطة العسكرية؛ لأنها لا تتحمل النقد والمعارضة»(6).

ويتجاهل الطبيب خالص ما كُتب عن محمود طه ورِدَّته وفكره، ومن ذلك كتاب «موقف الجمهوريين من السنة النبوية»(7) وكتاب «الردة ومحاكمة محمود محمد طه»(8).

ü أما الحلاج:

فهو الحسين بن منصور المتوفى عام 309 هـ. كان جده مجوسياً، عرف عند الفقهاء أنه زنديق، وكان يتعاطى السحر والشعوذة.

وكان حفيده (الحسين بن منصور) من أكبر دعاة الحلول ودعوى امتزاج الخالق بمخلوقاته، تعالى الله عما يقوله الزنادقة علواً كبيراً.

ومن شعر الحلاج قوله(1):

مزجت روحك في روحي كما

تُمزج الخمرة في الماء الزلال

فإذا مسَّك شيء مسني

فإذا أنت أنا في كل حال

ومن شعره أيضاً:

أنا من أهوى ومن أهوى انا

نحن روحان حللنا بدنا

والحلاج قتل بالعراق بعد أن ادعى النبوة حيناً، والألوهية حيناً آخر، وأقرَّ بكتاب منسوب إليه بهذه التهم.

قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: «الحلاج قتل على الزندقة التي ثبتت عليه، مما يوجب قتله باتفاق المسلمين، ومن قال إنه قتل بغير حق، فهو إما منافق ملحد، وإما جاهل ضال»(2).

ورغم كل ذلك فإن (جلبي) يرى: «أن الحلاج قُتل مظلوماً، وأعدم في بغداد بعد أن قطع لسانه وأطرافه»(3).

وقد أشاد خالص جلبي بالشهاب السهروردي أيضاً، واعتبر أن إعدامه كان تجاوزاً. يقول: «ربما حدثت تجاوزات حيث قضى السهروردي نحبه بفتوى أيام صلاح الدين الأيوبي»(4) ومعروف أن السهروردي كان حلولياً من أصحاب وحدة الوجود كالحلاج؛ فهو من ضُلاَّل الصوفية.

يقول ابن كثير ـ رحمه الله ـ: وكان الشهاب السهروردي مبتدعاً يخالف في معتقده وآرائه حَمَلة الشرع، فصلبه السلطان الظاهر في حلب - بأمر من والده السلطان صلاح الدين - بعد أن شهَّر به(5).

ü تمجيد جودت سعيد لعدد من الزنادقة أيضاً:

كان الشيخ جودت معجباً بابن المقفع والجاحظ أشد الإعجاب؛ وذلك لكثرة قراءاتهما، حسب مفهوم الشيخ للقراءة.

يقول جودت سعيد: «إن الإنسان يتصاغر أمام من هو أقرأ منه.. أجل إن من يقرأ أكثر يَنَلْ أكثر، إنه قانون الله «من يعمل سوءاً يجز به».

ثم يقول: «وإن تجرد إلقاء نظرة على تاريخ العلماء في العالم بيبن لك أن القراءة الدائمة هي دأب العلماء».

«انظر مثلاً كتاب كليلة ودمنة، وما وضع في مقدمته من الجهود التي بذلت في تحصيل هذا الكتاب؛ ففيه معلومات عالمية محجوزة لا يفرج عنها إلا بعد سنوات تطول أو تقصر حسب رؤى أصحابها»(6).

ثم يقول: «وإذا كان لي من نصيحة أثيرة أقدمها للشباب الذي تعلِّق الأمة عليهم آمالها، فهي أن يتطلعوا إلى مصادر للعلم غير المصادر التي كنا نستقي منها»(7).

ثم يقول أيضاً: «ويزداد الإنسان إعجاباً بأقوال ابن المقفع حول المُلك «السياسية» وأنه إما مُلك دين، أو مُلك عقل، أو ملك هوى» ويقول: «هذا هو النظر التاريخي العلمي الأخلاقي»(8).

فكثرة القراءة لا تجيز للشيخ جودت أن يمجد الملاحدة كفلاسفة الملاحدة اليونان، ولا الزنادقة، كابن المقفع وأضرابه.

قال ابن عبد الهادي: «ما رايت كتاباً في زندقة إلا وابن المقفع أصله»(9).

وقد أسهم ابن المقفع بنشر الثقافة الفارسية، ويقول عنه ابن النديم في الفهرست ـ وكان معاصراً له: «كان ابن المقفع يعتني بكتاب المانوية، ونقل إلى العربية منها كتباً أخص بالذكر منها كتابه «ديانة مزدك».

وقال الخليفة العباسي «المهدي»: «وما وجدت كتاب زندقة إلا وأصله ابن المقفع»(10).

ويشيد جودت سعيد بالجاحظ أيضاً:

فيقول: «والجاحظ له مقام في الحضارة الإسلامية، يتألق نجمه على مر الزمن.. كان يتذوق مع آيات الله: آيات الآفاق والأنفس.. وهو وإن كان إماماً في الأدب، إلا أنه صاحب مذهب في العقيدة أيضاً»(11).

ويقول: «كانت وفاته تحت ركام الكتب التي تهدمت عليه، إنه شهيد الكتاب والقراءة، لقد كان قارئاً بمستوى حضاري إنساني عالمي، ولكتبه طعم خاص وذوق معين، وذلك لعلميته في القراءة، ولإنسانيته في الثقافة(12).

أخي القارئ: إليك أقوال أهل العلم بالجاحظ الذي أتخذه جودت سعيد أسوة له، وزعم أنه صاحب عقيدة. قال ابن حجر العسقلاني: «كان الجاحظ من أئمة البدع».

ويقول أبو العيناء: «كان الجاحظ قدرياً».

وقال الخطابي: «كان الجاحظ يُرمى بالزندقة».

وقال ابن حزم عنه: «كان أحد المُجَّان الضُّلاَّل، غلب عليه الهزل»(1).

وقال الإمام الذهبي: «العلامة المتبحر المعتزلي، أخذ عن النظَّام.. وأنه كـان يختلق»(2).

يلاحظ هنا أن هنالك ارتباطاً كبيراً بين أفكار الجاحظ وأفكار جودت سعيد، وخاصة فيما يتعلق بأفكار القدر والاعتزال المبثوثة في كتبهما.

ü تمجيد العصرانيين الجدد للمعتزلة ورؤوس الاعتزال:

يقول الدكتور خالص جلبي: «وعندما استقر الأمر للعقل الكسيح، وطُحن التيار العقلاني من المعتزلة وسواهم، أصبح التشكيك في عقيدة أي إنسان جاهزاً وحتى اليوم.. وبقيت الساحة عقلاً من دون مراجعة، ونقلاً من دون عقل»(3).

والمعتزلة قوم فُتنوا بالفلسفة اليونانية، فأوَّلوا القرآن الكريم، وكذَّبوا الأحاديث التي تتعارض مع العقلية الوثنية اليونانية (4)، وحكَّموا العقل وقدَّموه على الشرع، فكَّذبوا ما لا يوافق العقل من الأحاديث الشريفة ـ وإن صحَّت ـ وأوَّلوا ما لا يوافقه من الآيات الكريمة(5).

والمعتزلة تطاولوا على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن الأحاديث التي ينقلونها تخالف أصولهم. ومن هؤلاء: عمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء، والنَّظَّام.

وقد أُعجب العصرانيون بآراء المعتزلة، ومجَّدوا النظَّام أحد رؤوسهم الذي يقول فيه البغدادي: «دخل الفساد على عقيدة النظَّام ممن خالطهم من الزنادقة والفلاسفة وغيرهم»(6).

واتخذ المعتزلة ومن شايعهم الجدل والمراء وسيلة للبحث في الدين؛ وذلك مخالف لهدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ يقول: «ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه، إلا أتُوا الجدل» . ثم تلا ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «ما ضربوه لك إلا جدلاً، بل هم قوم خصمون»(7).

ü تناقضات عجيبة:

بينما كان خالص جلبي يدافع عن الزنادقة والمرتدين، ويحزن لإعدامهم، نراه يشيد بما سماه «المحاكمة العادلة» التي حوكم فيها سليمان الحلبي الطالب الأزهري الذي اغتال خليفة نابليون بمصر الجنرال كليبر، وقد حكمت عليه بالإعدام؛ فقد أشاد بالمحكمة الظالمة التي تواطأت مع المستعمر الفرنسي آنذاك، فقال: «انظر إلى النظام القضائي البديع، واستيفاء الوقائع، وجمع الأدلة قبل إصدار الحكم.. كل ذلك في غياب مطبق لأي صورة من صور العدالة الحديثة والقضاء الجديد، واستغلال القضاء ونزاهته»(8).

ومن الغرائب أن الطبيب خالص يحزن لمقتل الزنادقة، بينما نراه يهاجم الدعاة والعلماء، ويفرح لإعدامهم. يقول في مقال له بعنوان: «كيف تنشأ الأساطير» معرِّضاً بسيد قطب: «أفضل طريق لدخول عالم الأساطير أن يختفي صاحبها إما على حبل المشنقة، كما حصل مع سيد قطب، أو غابات بوليفيا كما حصل مع غيفارا»(9).

ويتشفى جلبي بسجن ابن تيمية؛ لأنه لم يتجنب العنف في خصوماته، وقد تحدثنا عن هجومه على السلطان الفاتح والقائد المجاهد صلاح الدين الأيوبي؛ لأنهم جاهدوا في سبيل الله وقاتلوا أعداء الإسلام (في ساحات المعارك) الروم والصليبيين، وخالفوا منهج الاستسلام واللاعنف كما يفهمه (جلبي وشيخه: جودت سعيد).

هذا وإن الولاء والبراء من أوثق عرى الإيمان. قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ: «أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله»(10)، وقال ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إلَيْهِم بِالْـمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِّنَ الْحَقِّ} [الممتحنة: 1] .

المصدر: البيان - السنة الثامنة عشرة * العدد 196*ذو الحجة 1424هـ * يناير - فبراير 2004م

http://www.albayan-magazine.com/bayan-196/bayan-21.htm

--------------------------------

(*) البيان، العدد (195)، ص 96.

(1) انظر كتابنا: العصرانيون، ص 292 ـ 293.

(2) يمثل هذا الاتجاه، الشيخ جودت سعيد، والطبيب خالص جلبي مع فتنة بالتغريب وتعطيل للنصوص.

(3) الشرق الأوسط، عدد (8324) من مقال له بعنوان: (باسم الشعب)، في 12/9/2001م .

(4) سيكولوجية العنف، خالص جلبي، ص 36.

(5) الشرق الأوسط، العدد (8324) في 12/9/2001م.

(6) تتمة الأعلام للزركلي، محمد خير رمضان يوسف، مجلد 2، ص 169 ـ 170، دار ابن حزم، بيروت، 1418هـ.

(7) مجلة المجتمع في العدد (703) 15/5/1405هـ، والعدد: (705) في 29/5/1405هـ، وتتمة الأعلام، 2/169 ـ 170.

(8) الشرق الأوسط، في 12/9/2001م.

(9) موقف الجمهوريين من السنة النبوية، شوقي بشير، طبعها في مكة المكرمة، رابطة العالم الإسلامي، 1408هـ.

(10) الردة ومحاكمة محمود طه، تأليف المكاشفي الكباشي، دار الفكر بالخرطوم، 1408هـ.

(11) البداية والنهاية، لابن كثير، 11/132 ـ 134، مطبعة دار الفكر، بيروت.

(12) مجموع فتاوى ابن تيمية، 35/108.

(13) جريدة الشرق الأوسط، العدد (8324)، 12/9/2001م.

(14) جريدة الرياض، عدد (1110500) في 19/11/1998م.

(15) البداية والنهاية، 13/5، لابن كثير ـ رحمه الله ـ.

(16) اقرأ وربك الأكرم، جودت سعيد، ص 26 ـ 29.

(17، 18) اقرأ وربك الأكرم، ص 29، 144.

(19) لسان الميزان، لابن حجر العسقلاني، 3/ 449.

(20) وفيات الأعيان، لابن خلكان، 2/125، طبعة (وستنفلد).

(21) اقرأ وربك الأكرم، جودت سعيد، ص 30 ـ 31.

(22) المرجع السابق، ص 31.

(23) لسان الميزان، لابن حجر العسقلاني، 4/409.

(24) سير أعلام النبلاء، للذهبي، 11/526.

(25) من مقال لخالص جبلي في الشرق الأوسط.

(26) السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، الدكتور مصطفى السباعي، المكتب الإسلامي، بيروت.

(27) التفسير والمفسرون، الشيخ محمد حسين الذهبي، ص 372، 373، الجزء الأول، دار الكتب الحديثة، 1381هـ.

(28) الفرق بين الفرق، للبغدادي، ص 43، ص 127، مطبعة المدني، القاهرة.

(29) الحديث أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

(30) جريدة الرياض، العدد (10489) في 4/11/1417هـ.

(31) مقتطفات من مقال لخالص جلبي في الشرق الأوسط في 20/2/2002م.

(32) سلسلة الأحاديثة الصحيحة: الشيخ ناصر الدين الألباني، حديث رقم (1728).

_________________

Post: #787
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-27-2008, 02:56 PM
Parent: #1


اللقاء التشاوري النوعي حول
"السبل العملية لتجديد الخطاب الديني"
باريس 12-13 أغسطس 2003

نحو منهج إسلامي جديد للتأويل

نصر حامد أبو زيد

"أول التجديد قتل القديم بحثا" أمين الخولي

منذ القرن الثالث الهجري (عصر الخليفة العباسي المتوكل) توقف النقاش حول أهم مشكلة من مشكلات "الخطاب الديني"، ولا أقول أهم مشكلات "علم الكلام"، تلك هي إشكالية تعريف "الكلام الإلهي" وعلاقته بالذات الإلهية، وهي المشكلة التي عرفت باسم مشكلة "خلق القرآن" وما ارتبط بها من "محنة" واضطهاد طال كل الأطراف التي ساهمت في النقاش. في عصر المتوكل تم حسم الأمر بقرار سياسي على أساسه تم تحديد "العقائد الصحيحة" وتمييزها عن "العقائد الباطلة"؛ وعلى هذا الأساس اعتبرت عقيدة "خلق القرآن"، التي دافع عنها المعتزلة عقيدة باطلة؛ بل اعتبرت بدعة وهرطقة، وصارت عقيدة "القرآن الأزلي القديم" هي العقيدة الصحيحة. ولا شك أن هذا القرار السياسي الخطير يمثل نقطة البداية في ما يسمى "إغلاق باب الاجتهاد"، لأنه كان بمثابة مصادرة تامة لأي نقاش فكري في شئون الدين والعقائد. بالطبع لم يتوقف النقاش دفعة واحدة؛ فقد ظل الفكر الديني يمارس حيوية الاختلاف بعيدا عن بلاط الخليفة العباسي وخارج نطاق سلطته السياسية في أرض الإسلام الواسعة، لكن البداية كانت قد وجهت تلك الحيوية نحو نهايتها المحتومة، خاصة بعد سقوط بغداد، لا الخلافة وحدها، على أيدي المغول.

لن نخوض في تحليل العوامل والظروف التي أدت إلى السقوط الثاني لبغداد في القرن الواحد والعشرين، ولكن الذي يهمنا هنا هو أن نشير إلى أن عاملا من عوامل السقوط والتردي العام على جميع المستويات وفي كل المجالات هو غياب نقاش علمي حول قضايا الفكر الديني، سواء من منظور التاريخ أم من منظور الواقع الراهن. لم تتوقف محاولات "تجديد الخطاب الديني" منذ بدايات عصر النهضة العربي حتى الآن، لكنها رغم كل إنجازاتها المعروفة لم تمارس فعاليتها النقدية للأسس التي توقف النقاش حولها منذ القرن الثالث الهجري. حاول الشيخ "محمد عبده" في "رسالة التوحيد" –المحاولة الوحيدة في العصر الحديث لصياغة لاهوت إسلامي عصري– أن يفتح النقاش حول قضية "الوحي" و"كلام الله"؛ فاختار في الطبعة الأولى للرسالة أن ينحاز لموقف المعتزلة كما انحاز لموقفهم في قضية "العدل الإلهي وخلق الأفعال"، لكنه سرعان ما غير موقفه في الطبعة الثانية من الكتاب، وربما قام بذلك "رشيد رضا" رفيق الإمام وتلميذه، لينحاز لموقف الأشاعرة، وهو الموقف الذي يميز في الكلام الإلهي بين "الصفة القديمة الأزلية" للكلام الإلهي وبين "القرآن المتلو" المحكي بأصواتنا البشرية، وهذا هو المخلوق لا غيره.

منذ هذا التردد في موقف الشيخ محمد عبده، أو في تأويل "رشيد رضا" لعبده، ظلت محاولات التجديد تدور في فلك اللاهوت الأشعري، ورويدا رويدا غاب هذا التمييز الأشعري بين جانبي الكلام الإلهي لحساب الموقف الحنبلي الذي يصر على صفة واحدة بلا تمييز، هي أن "كلام الله أزلي قديم وصفة من صفات ذاته الأزلية القديمة". في هذا السياق يمكن أن نشير إلى بعض المحاولات الجريئة، التي حاولت اختراق حجاب الصمت بطرق مختلفة دون أن يقارب هذا الاختراق الجريء تخوم السؤال المحبط والمكبوت منذ القرن الثالث الهجري.

نبدأ بذكر محاولات "محمود محمد طه" في السودان للتمييز بين رسالتين في الوحي: الرسالة المكية، التي هي الأصل والجوهر، والرسالة المدنية: التي هي رسالة القرن السابع، رسالة التشريع والقانون والثواب والعقاب، وإقامة الحدود بالمعنى القانوني وبالمعنى المجتمعي كذلك. وفي فهم "محمود طه" أن فشل العرب في استقبال الرسالة الأولي بسبب بدائيتهم العقلية جعل من الرسالة الثانية أمرا حتميا مؤقتا حتى يصل الوعي الإنساني رقيا إلى مستوى الرسالة المكية. ولأن "محمود طه" يؤمن أن إنسان القرن العشرين قد تطور وعيه واتسعت مداركه بما يكفي لاستعادة الرسالة الأولى، ونسخ الرسالة المدينية المؤقتة –رسالة القرن السابع الخاصة بالعرب وحدهم- فقد اعتبر نفسه المبشر بالرسالة الثانية للإسلام. نلاحظ هنا أن "محمود طه" يعتمد بشكل جوهري على علمين من علوم القرآن، هما "علم المكي والمدني" و"علم الناسخ والمنسوخ"، لكنه يعطي نفسه الحق في فهم هذين العلمين خارج سياق تاريخ "علوم القرآن" من جهة، وخارج سياق التاريخ الاجتماعي السياسي للسلمين من جهة أخرى. من هنا تأتي نظريته عن "الهجرة" لا كواقعة تاريخية بل كرحلة معرفية من الأعلى إلى الأدنى، لأسباب بيداجوجية. في هذا المحاولة الجريئة نتلمس التفافا حول جوهر المشكل، كما نفتقد تحليلا نقديا للوقائع والأحداث. نحن إزاء تأويل صوفي يتسم بقدر هائل من النوايا الحسنة لتحديث الإسلام إجابة على السؤال الذي صاغه الأفغاني وعبده: كيف نمارس الحضارة ونعيش في العصور الحديثة دون أن نفقد إسلامنا. والإجابة متضمنة في السؤال بشكل اعتذاري واضح: إن إسلامنا حديث بشرط أن نفهمه كذلك. وفي صيغة الجواب هذه تحديدا تصبح الحداثة مرجعية التأويل، ولا يكون "التأويل" أداة للفهم. ومن السهل أن يستعيد المسلم إسلامه من فك الحداثة إذا رفض هذا التأويل الذرائعي الحداثي للإسلام؛ بسبب غياب فهم علمي للإسلام أو لنصوصه التأسيسية.

قريب من محاولة "محمود طه" محاولة "محمد شحرور" في سوريا رغم اختلاف الأسلوب. في كتابه "الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة" ينطلق شحرور من دعوى عريضة فحواها عدم وجود ترادف في اللغة إطلاقا، وفي لغة القرآن تخصيصا. وهي دعوى عريضة؛ لأن شحرور لا يميز بين وجود الترادف على مستوى "المعجم" وبين اختفائه على مستوى التركيب اللغوي. بعبارة أخرى يميز علماء اللغة في دلالة المفردات اللغوية بين "الدلالة المعجمية"، حيث يوجد الترادف، وبين الدلالة التركيبية، حيث لا ترادف. انطلاقا من دعوى عدم وجود الترادف مطلقا يرى شحرور أن أسماء القرآن –القرآن، الكتاب، الذكر، البيان، السبع المثاني، الفرقان ... الخ- لا تشير إلى مدلول واحد. ما يهمنا هنا في هذا العرض السريع هو تمييزه بين "القرآن" و"الكتاب" من جهة، وتمييزه في شخصية "محمد" بين "النبوة" و"الرسالة"، من جهة أخرى، وهو التمييز الذي يجعل المقارنة بينه وبين "محمود طه" مشروعة. يكاد شحرور في التمييز بين الرسول والنبي يقارب تخوم اللاهوت الشيعي دون أن يبدو متأثرا به، ومع ذلك فإنه يجعل "النبوة" مصدر القرآن، في حين أن مصدر الكتاب هو "الرسالة". وهذا التمييز يجعله يرى الرسالة –المتجسدة في الكتاب- تاريخية مؤقتة قابلة للتطور، في حين أن النبوة –المتجسدة في القرآن- هي الجوهر الثابت. المعنى في حالة "الكتاب" محكم واضح لا يحتاج للتأويل، في حين أن المعنى في القرآن غامض متشابه يحتاج للراسخين في العلم لفهمه وتأويله (الآية السابعة من سورة آل عمران)، وهكذا يصبح المصحف قرآنا وكتابا، هما المتشابه والمحكم. ودون الدخول في تفاصيل لا يتسع لها هذا العرض الموجز فإننا نلاحظ نفس الملاحظات التي سبق أن أوردناها عن محاولة "محمد طه" يضاف إليها الوثبات اللغوية في الفراغ في قراءاته التفصيلية داخل كتابه، حيث اللغة كائن هلامي، بلا معجم ولا دلالة استعمالية. يكفي أن يقرأ الإنسان أن كلمة "شهر" قوله تعالى في سورة "القدر" "ليلة القدر خير من ألف شهر" معناها "الإشهار"، وذلك لتأكيد نظريته أن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ منذ الأزل بلغة إليكترونية، ولكنه حين نزل على محمد في القرن السابع كان ذلك "إشهارا" له باللغة العربية ليكون مفهوما. وهي قراءة –قراءة الشهر بمعنى الإشهار- تبدو جديدة، لكنها لا تستوعب أن المقارنة هنا هي مقارنة بين "ليلة" و"شهر" من حيث الخير الذي شهدته الليلة، خير نزول القرآن على محمد، وهي مقارنة واضحة. لكن هذا نموذج واحد دال على مستوى وإمكانيات القراءة المعاصرة التي يقدمها شحرور. إذا كان شحرور يتقبل مسألة القرآن المدون في اللوح المحفوظ هذا التقبل الحرفي، فما الداعي للتمييز بين التدوين الإلكتروني أو الرياضي وبين التدوين بحروف عربية كل حرف بقدر جبل "قاف" في الحجم؟ لماذا لا يتقبل شحرور هذا التصور الميثولوجي للوجود الأزلي القديم للقرآن والمبني على مبدأ "عدم الاستحالة" على الله؟ لأنه –أي شحرور- يريد أن يستنطق القرآن بمعان ودلالات محددة سلفا.

ربما يجب الإشارة هنا أيضا إلى محاولات كل من "جمال البنا" و"خليل عبد الكريم" رغم اختلاف منطلقاتهما ظاهريا على الأقل. في محاولات "جمال البنا" نلمس تمييزا حادا بين الإسلام والمسلمين، حيث الإسلام جوهر ثابت متعال يتمثل في "القرآن الكريم" و "السنة النبوية الصحيحة"، لكن هذه المصادر النقية الطاهرة قد لوثتها الأفهام حين انتشر الإسلام واختلط بالحضارات القديمة من فارسية وهندية ومصرية وبابلية وأشورية، هذا فضلا عن حركة الترجمة التي لوثت النبع النقي الصافي. ويزيد جمال البنا الأمر صعوبة حين يشير إلى مؤامرات اليهود والنصارى للتشويش على عقائد المسلمين، مدينا "علم الكلام" و"الفلسفة" و"التصوف" باعتبارها معارف غريبة مستوردة. وهكذا ينتهي جمال البنا بهذا التمييز الحاد بين المسلمين والإسلام إلى اعتبار الخصوبة الناتجة عن التلاقح الثقافي تلوثا يجب إزالته، مستعيدا بذلك دعوى أخيه "حسن البنا" وأطروحات كل من "أبو الأعلى المودودي" و"سيد قطب". لكنه من جهة أخرى يتعامل مع القرآن والسنة –النصوص التأسيسية- على أساس أنها نصوص مفارقة للتاريخ وللثقافة، نصوص بلا أي سياق إنساني، سوى قراءته هو لهذه النصوص. من هنا تتميز قراءته الحسنة النية بالانتقائية إلى حد كبير، ويصبح هذا سهلا إلى حد كبير بعد نفي الثقافة الإسلامية بكاملها –بما فيها الفقه- من أفق منظوره التفسيري، وكأن النصوص بلا تاريخ سابق، وبلا تراث لاحق.

تصبح "الحداثة" هي العدسة الوحيدة التي نرى النصوص من خلالها، لكنها الحداثة المفصلة تفصيلا على قدر منهج قراءة النصوص، بلا أي قدر من معاناة "النقد التاريخي".

يبدو "خليل عبد الكريم" ظاهريا على العكس من ذلك، يبدو مشغولا بالنقد التاريخي، سواء في كتاباته الأولى "الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية" أو في كتابيه الأخيرين "فترة التكوين في حياة الصادق الأمين" و"النص المؤسس". لكن منهج النقد التاريخي عند خليل عبد الكريم لا يكاد يتجاوز منهج "نقد الرواية" في التراث النقدي لعلم الحديث. لكن لأن "خليل عبد الكريم" مشغول بمناهضة سلطة المؤسسة الدينية –سلطة التقديس كما يسميها أحيانا- فهو يوظف بعض إجراءات منهج النقد التاريخي لغايات براجماتية وأهداف إيديولوجية واضحة، مضحيا دون قصد بالغاية المعرفية. وبذلك يتحول النقد التاريخي عنده إلى الوقوع في انتقائية واضحة للنصوص التراثية التي تحقق غايته، متجاهلا، أو مهملا، التعامل مع النصوص التي تعارض أهدافه. بعبارة أخرى، تبدو النهايات محددة سلفا، فيصبح من السهل انتقاء الشواهد النصية التراثية التي تصل بالقارئ إلى تلك النهايات. في كتابيه الأخيرين يحاول "خليل عبد الكريم" أن يستعيد التاريخ من ركام الأسطورة، فيرى في أولهما "فترة التكوين في حياة الصادق الأمين" أن "خديجة" كانت هي المهندس، أو "الهندوز" بلغة المؤلف- الذي أعد الظروف وهيأ المناخ بالمشاركة مع "ورقة بن نوفل" وآخرين ليكون "محمد" هو النبي المنتظر. وهو في هذا يعتمد على قراءة تضخيمية لبعض الشذرات والأقوال الواردة هنا وهناك، دون أن يدرك أنه قد حول محمدا إلى مجرد ألعوبة، أو صفحة بيضاء كتب فيها آخرون ما يشاءون. ليس هذا هو قصد المؤلف بالطبع، لكن تلك كانت نتيجة قراءة المؤلف التضخيمية لبعض النصوص مع إهمال تلك التي قد تتناقض مع منظوره. في كتابه الأخير "النص المؤسس" ينطلق "خليل عبد الكريم" من التمييز بين "القرآن" و"المصحف" من أجل أن يستعيد السياق الحي لتكون القرآن. لكنه في هذه المحاولة الجريئة يعتمد اعتمادا أساسيا على "علم أسباب النزول" موردا مرويات أسباب النزول دون أي فحص نقدي، رغم أنها مرويات تتداخل فيها الحقائق والأوهام، ويمتزج فيها الصحيح والزائف، الأمر الذي دعا القدماء أنفسهم إلى القول أن ليس لها أصول، بمعنى أنها لم تخضع لمعايير النقد التي خضعت لها المرويات النبوية التي يستشهد بها في مجال الفقه.

ومحاولة استعادة السياق القرآني لا يكفي فيها علم "أسباب النزول"، حتى مع افتراض صحة المرويات. إن أمر السياق الكامل هو سياق القرن السابع الميلادي كله بحسب ما أشار "محمد عبده" في مقدمة "تفسير المنار"، وبحسب "أمين الخولي" الذي زاد الأمر شرحا في كتابه عن "التجديد في اللغة والنحو والتفسير والبلاغة".

في كل محاولات التجديد تلك ربما يجب استثناء "حسن حنفي" الذي أعاد وأفاض في الحديث عن الوحي بوصفه علاقة جدلية بين الإلهي والإنساني، بين الأرض والسماء، بين المُدرَك والمتعالي ... الخ.

وربما يمكن أيضا استثناء المفكر الباكستاني "فضل الرحمن" الذي أكد دور "محمد" الإيجابي في عملية الوحي قائلا إنه لم يكن مجرد ساعي بريد. لكن أيا من "حسن حنفي" أو "فضل الرحمن" لم يتجاوز هذه الملاحظات العابرة؛ فقد انشغل "حسن حنفي"، وما يزال مشغولا، بالتجديد في علوم التراث، وإنجازاته في هذا المجال تنفاعل مع إنجازات "محمد عابد الجابري" "طيب تيزيني" وغيرهما من الفلاسفة. أما "فضل الرحمن" فقد انشغل بدوره في قضية التحديث، ومارس على المستوى التطبيقي إجراءات جديرة بالتنويه، لكن السؤال الأساسي، سؤال "كلام الله" ظل غائبا.

ما أهمية هذا السؤال؟ إن تجديد الخطاب الديني لا يمكن أن يكون تجديدا ناجزا إذا ظل التعامل مع النصوص التأسيسية –القرآن والسنة- ينطلق من نفس الأسس اللاهوتية التي استقرت في الفكر الإسلامي منذ القرن الثالث الهجري. دون استعادة السؤال المغيب والمحبط والمكبوت سيظل التأويل أداة لقراءة الحداثة في النصوص لا لفهم النصوص في ذاتها. لقد استعرضنا بعض نماذج للقراءات التحديثية ولا حظنا ما تنطوي عليه من مخاطر استعادة المعني التقليدي من براثن المعاني الحداثية. يحدث ذلك طول الوقت، وبوتائر منتظمة؛ لأننا جميعا ننطلق من نفس المفهوم، مفهوم القرآن كلام الله الأزلي القديم، وصفة ذاته الأزلية القديمة، وهو نفس التعريف الذي يسوغ "أسلمة المعرفة" و"أسلمة العلوم" بالقدر الذي يسوغ العنف والقتل والتكفير باسم الله. إذا كان كلام الله هو صفة ذاته الأزلية القديمة، فاللغة العربية قشرة على معانية كما يقرر الغزالي –الأشعري-في "جواهر القرآن"، وبما هي قشرة فإن علوم اللغة والبلاغة والأسلوب والدلالة هي علوم مهمتها إزالة القشور للبحث عن الدرر والجواهر الكامنة؛ أي كل أنواع العلوم، ما كان وما هو كائن وما سوف يكون. ولأن كلام الله –القرآن- هو صفة ذاته الأزلية القديمة، فهو أيضا يتضمن الحداثة بكل قيمها ومفاهيمها وفلسفاتها كاملة بنفس القدر الذي يبرر به القتل والتكفير والإقصاء والاستبعاد بلا زيادة ولا نقصان. إذا كان الأمر كذلك: أي إذا كان القرآن بما هو كلام الله الأزلي القديم يحتمل كل أنماط المعاني والدلالات، الحديث والقديم، الأصولي والليبرالي، التنزيه والتشبيه ... الخ، فأي المعاني ينتصر ويسود ويقهر المعاني الأخرى ويحبسها في سجن "الهرطقة" و"الردة" و"الكفر" أو "الأصولية" و"التطرف" و"الإرهاب"؟ إن المعنى الذي ينتصر دائما ويسود ويقهر هو من يدعيه القوي، صاحب السلطة والجاه والسلطان، الذي قد يكون حداثيا فيقهر أصحاب المعاني غير الحداثية، وقد يكون سلفيا فيقهر الحداثيين. يتحول الصراع السياسي الاجتماعي إلى صراع معنى، ويبدو الأمر أننا نتقاتل حول الدين؟ والسبب أن نظام حياتنا السياسي هو الذي يحتاج أولا إلى التجديد، نحتاج إلى "الحرية"؛ لأنها شرط أولي لممارسة التفكير، الذي هو بدوره أداة التجديد والتغيير.

نحتاج للديمقراطية، وجوهرها الحرية الفردية، لا مجرد إجراء الانتخابات، وتغيير الوجوه. من هنا توقفت عن الكتابة عن تجديد الخطاب الديني بعد أن نشرت مقالا في الأهرام كان مقدمة لسلسلة من المقالات عن الموضوع. توقفت؛ لأن السباحة في المياه العكرة ليست أمرا صحيا لا لبدني ولا لعقلي، ولأن هذا النمط من التجديد تحديدا هو الذي يسعى إليه الإمبراطور الجديد للعالم. في مناخ ديمقراطي يحمي حرية الفرد وحقه في الاختيار، يمكن الحديث عن حرية البحث العلمي والدرس الأكاديمي في حقول المعرفة كافة، وفي حقل الدراسات الدينية بصفة خاصة. ولعله من الممكن حينئذ الحديث عن إمكانية وجود مؤسسات أكاديمية لدراسة الأديان، لا لمجرد تعليم الأديان كما هو الحال في العالم الإسلامي كله. إن البحث في الأديان، تاريخها، بناؤها، لا هوتها، مناهج التفسير وطرائق التأويل، بنية مؤسساتها، الفرق بين العقائد وبين الدوجما ... الخ، أمر يختلف اختلافا جوهريا عن مؤسسات تعليم الأديان، حيث لا مجال إلا لتعليم العقائد الصحيحة من منظور المؤسسة والتمييز بينها وبين العقائد الباطلة، من منظور المؤسسة كذلك. وحين تنشأ مؤسسات البحث في الأديان، يمكن تأسيس "علم الأديان المقارن"، وهو علم غائب من مؤسسات تعليم الأديان. في هذه الحالة، ومع تحقق بعض تلك الشروط، يمكن إثارة الأسئلة، وفتح باب النقاش الحر في كل القضايا المكبوته والمحبطة، لا المسكوت عنها فقط. يمكن أن يصبح "اللا مفكر فيه"، بتعبير "محمد أركون" موضوعا للنقاش.

في ظل مناخ يتوفر فيه الحد الأدنى من الحريات الفردية، ومن حرية البحث والنقاش، يمكن للأسئلة التالية أن تثار. وتلك أسئلة لا يمكن بدون فتحها للنقاش أن يكون هناك أي احتمال لتجديد الخطاب الديني، هذا إلا إذ اعتبرنا أن "الخطاب" هو "الخطبة"، وأن الأمر هو تعبئة الأفكار القديمة في لغة جديدة، كما هو الحال في الجدل الصاخب الدائر الآن هنا وهناك حول تجديد الخطاب الديني.

السؤال الأول والجوهري: ما معنى أن القرآن كلام الله؟ ليس السؤال هو ما إذا كان كلام الله قديما أزليا أم محدثا مخلوقا، فذلك كان سؤال القرون الأولى من تاريخ الإسلام استجابة للسؤال المسيحي حول تناقض القرآن في فهمه للمسيح، بجمعه بين كونه "كلمة الله وروح منه" من جهة، وبين كونه إنسانا مخلوقا من جهة أخرى. في محاولة المفكرين المسلمين الأوائل حماية الإسلام من التشابه مع المسيحية كان لابد أن يؤكدوا مفهوم "كلمة الله المخلوقة" عن طريق تطبيقها على القرآن.

سؤالنا الآن ليس عن هذا ولا غايتنا مثل غاية القدماء ولا سياقنا سياقهم. سياقنا هم الدرس العلمي والفهم الموضوعي. وهذا السؤال تتفرع عنه أسئلة كثيرة عن "طبيعة الوحي" وكيفيته، وما إذا كان تواصلا باللغة أم تواصلا بالإيحاء والإلهام. القرآن نفسه يتحدث عن "الوحي" بوصفه اتصالا غير لغوي، وهذا ما حلله كثير من الباحثين دون أن يتجاوزوا الخط الأحمر المفروض من القراءات التراثية لقوله تعالى: "وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا، أو من وراء حجاب، أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء". تقسم القراءات التراثية للآية الطرق التي يتواصل الله من خلالها مع البشر إلى ثلاثة أنماط: النمط الأول هو "الإلهام"، كما في كلام الله لأم موسى، والنمط الثاني هو كلامه مع موسى من وراء حجاب الجبل أو النار (وهو كلام إشكالي سيقوم المعتزلة بتأويله بأن الله خلق كلاما سمعه موسى، وهو تأويل قائم على محاولة حماية الوحدة الإلهية –التوحيد- من احتمال أي تشابه بين الله والبشر)، والنمط الثالث هو نمط الوحي في الإسلام، وهو عن طريق الرسول الوسيط –جبريل- إلى محمد. وترى القراءة التراثية أن التواصل بين جبريل ومحمد كان تواصلا لغويا، أي أن جبريل تحدث إلى محمد بالعربية، وهو تفسير تتأبى عليه الأية، التي تنص على أن الرسول "يوحي" إلى البشر بما يشاء الله؛ ومعنى ذلك أن الاتصال بين جبريل ومحمد كان اتصالا غير لغوي، كان بالوحي أي الإلهام.

يعزز هذه القراءة من جانبنا المرويات الكثيرة التي تنسب إلى الرسول، والتي يحكي فيها أن الوحي كان يأتيه أحيانا مثل "صلصلة الجرس" وأحيانا مثل "طنين النحل"، ولا يمكن أن يكون هذا الوصف دالا على تواصل لغوي بالمعنى المعتاد.

يتفرع عن المشكل السابق فتح باب النقاش عن معنى "التنجيم" ودلالته. ما معنى أن القرآن لم يوحي الله به إلى محمد دفعة واحدة، بل نزل مفرقا حسب الأحوال والملابسات؟ وهذا السؤال يتفرع عنه سؤال آخر: هل القرآن نص واحد، أم كثرة من النصوص، لكل نص منها سياقه الخاص؟ وإذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك بالفعل، فإن السؤال التالي يصبح: لماذا حين جمع القرآن في مصحف، لم ترتب النصوص حسب ترتيب نزولها، ورتبت ترتيبا آخر لم تدرس دلالته بعد. وهذا السؤال لا يعني التشكيك في القرآن، بقدر ما يفتح النقاش بحثا عن "حكمة الترتيب" الحالي، سواء كان الترتيب إلهيا (توقيفيا)، كما يقول الكثيرون، أو بشريا (توفيقيا) كما يذهب البعض.

والسؤال عن الترتيب يفتح المجال للسؤال عن عملية الجمع والتدوين في المصحف، كيف بدأت وكيف تطورت، من مجرد "رسم" في المصحف العثماني بلا إعجام (تنقيط) وبلا حركات (تشكيل أواخر الكلمات لبيان موقعها الإعرابي) وبلا أي فواصل أو علامات وقف، إلى أن استوى مصحفا مقروءا بعد ذلك بفترة طويلة؟. وهذا الاستواء الأخير ما علاقته بالقراءات التي كانت بلا عدد حتى جاء ابن مجاهد وقرر أن القراءات المعتمدة (السنة) سبعة فقط، وذلك بعد استواء المصحف المضبوط بفترة طويلة. ومع ذلك فتاريخ القراءات يكشف أن محاولات ابن مجاهد وغيره لم توقف سيل القراءات، فتم إضافة ثلاث إلى السبع فصارت عشرا، ثم صارت أربعة عشرة قراءة (سبع سنة وسبع جائزة)، ومع ذلك فإن ابن جني يتصدى في كتابه "المحتسب في تبيين وجوه القراءات الشاذة) فيجد للقراءات الشاذة مكانا، وهذا معناه أن تعدد القراءات متجاوزة الأربعة عشرة ظل أمر ملحوظا في الواقع.

في هذا السياق لا يصح علما وإيمانا تجاهل الصحائف الباقية من مصاحف مختلفة، والتي تم العثور عليها بالمصادفة في سقف أحد مساجد صنعاء باليمن بعد سقوط السقف بفعل الأمطار في 1972، وهي صحائف مكتوبة بالخط الحجازي، ولعلها من بقايا المصاحف التي أمر عثمان بحرقها. هذه الصحائف لا تتضمن قرآنا غير القرآن الذي نعرفه، لكن رسمها قد يقترح قراءات أخرى غير القراءات التي في المصحف الحالي.

أين يمكن أن تقودنا كل هذه الأسئلة، إذا لم يتغلب علينا ضعف الإيمان فنرفض مجرد النقاش وفحص الوقائع، ونصر على أن نجمد عقولنا؟ من المؤكد أنها لن تلغي القرآن، لا ولن تهدم الدين، ولن تزعزع اليقين، بل ستفتح لنا مجالا للفهم يرى تجلى الإلهي في البشري، وانكشاف كلمة الله على لسان الإنسان. والتحقيق التاريخي سيمكننا من استعادة السياق الغائب، فندرك فحوى كلام الله ودلالته، ونميز بين "التاريخي" و"الأزلي". سنكتشف مثلا أن كل "الحدود العقابية" من قطع يد السارق وجلد الزاني والزانية، والعين بالعين والسن بالسن ... الخ أنها قيم سابقة على القرآن.

يمكن أن ندرك أن الأزلي في القرآن هو تحقيق العدل بالعقاب، أما شكل العقاب فهو التاريخي، وسندرك أننا لا يصح أن ننحاز للتاريخي على حساب الأزلي. إذا كان العدل هو الأساس، سنفهم أن الأمر بالقتل –قتل المشركين وغير المشركين- هو التاريخي، بدليل أن المسلمين لم يقتلوا المشركين قتلا جماعيا في أي بلد دخلوه. بل لم يقتل النبي مشركي مكة حين فتحها. إذا أدركنا ذلك سندرك معنى "تاريخية" النص بأنها لا تعني "الزمانية"، وسندرك معنى أنه "مُنْتَج ثقافي" في نشأته، لكنه صار "مُنْتِجا" لثقافة جديدة في التاريخ.

لكن إنتاجية النص للثقافة لم تتم إلا بالفهم الذي أنتجه المسلمون وفق آفاق مواقعهم الفكرية. وإذ نفهم ذلك ستستطيع أن نتفهم أن تلك الثقافة، التي أنتجها المسلمون ثقافة زمانية، نستطيع أن نحللها ونفهمها فهما نقديا، سواء تجلت في علوم الفقه أو التفسير أو الحديث، أو الفلسفة، أو علم الكلام أو التصوف، أو في علوم اللغة والأدب ... الخ.

في هذه الحالة سنمتلك تراثنا ونبني عليه من خلال طرح أسئلتنا نحن، بدل أن يكون تراثنا عبئا علينا كما هو الحال الآن.

متى نبدأ؟ ذلك هو السؤال.

http://www.cihrs.org/focus/paris/paris-papers-2_A.htm
_________________

Post: #788
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-27-2008, 02:58 PM
Parent: #787


اللقاء التشاوري النوعي حول
"السبل العملية لتجديد الخطاب الديني"
باريس 12-13 أغسطس 2003

نحو منهج إسلامي جديد للتأويل

نصر حامد أبو زيد

"أول التجديد قتل القديم بحثا" أمين الخولي

منذ القرن الثالث الهجري (عصر الخليفة العباسي المتوكل) توقف النقاش حول أهم مشكلة من مشكلات "الخطاب الديني"، ولا أقول أهم مشكلات "علم الكلام"، تلك هي إشكالية تعريف "الكلام الإلهي" وعلاقته بالذات الإلهية، وهي المشكلة التي عرفت باسم مشكلة "خلق القرآن" وما ارتبط بها من "محنة" واضطهاد طال كل الأطراف التي ساهمت في النقاش. في عصر المتوكل تم حسم الأمر بقرار سياسي على أساسه تم تحديد "العقائد الصحيحة" وتمييزها عن "العقائد الباطلة"؛ وعلى هذا الأساس اعتبرت عقيدة "خلق القرآن"، التي دافع عنها المعتزلة عقيدة باطلة؛ بل اعتبرت بدعة وهرطقة، وصارت عقيدة "القرآن الأزلي القديم" هي العقيدة الصحيحة. ولا شك أن هذا القرار السياسي الخطير يمثل نقطة البداية في ما يسمى "إغلاق باب الاجتهاد"، لأنه كان بمثابة مصادرة تامة لأي نقاش فكري في شئون الدين والعقائد. بالطبع لم يتوقف النقاش دفعة واحدة؛ فقد ظل الفكر الديني يمارس حيوية الاختلاف بعيدا عن بلاط الخليفة العباسي وخارج نطاق سلطته السياسية في أرض الإسلام الواسعة، لكن البداية كانت قد وجهت تلك الحيوية نحو نهايتها المحتومة، خاصة بعد سقوط بغداد، لا الخلافة وحدها، على أيدي المغول.

لن نخوض في تحليل العوامل والظروف التي أدت إلى السقوط الثاني لبغداد في القرن الواحد والعشرين، ولكن الذي يهمنا هنا هو أن نشير إلى أن عاملا من عوامل السقوط والتردي العام على جميع المستويات وفي كل المجالات هو غياب نقاش علمي حول قضايا الفكر الديني، سواء من منظور التاريخ أم من منظور الواقع الراهن. لم تتوقف محاولات "تجديد الخطاب الديني" منذ بدايات عصر النهضة العربي حتى الآن، لكنها رغم كل إنجازاتها المعروفة لم تمارس فعاليتها النقدية للأسس التي توقف النقاش حولها منذ القرن الثالث الهجري. حاول الشيخ "محمد عبده" في "رسالة التوحيد" –المحاولة الوحيدة في العصر الحديث لصياغة لاهوت إسلامي عصري– أن يفتح النقاش حول قضية "الوحي" و"كلام الله"؛ فاختار في الطبعة الأولى للرسالة أن ينحاز لموقف المعتزلة كما انحاز لموقفهم في قضية "العدل الإلهي وخلق الأفعال"، لكنه سرعان ما غير موقفه في الطبعة الثانية من الكتاب، وربما قام بذلك "رشيد رضا" رفيق الإمام وتلميذه، لينحاز لموقف الأشاعرة، وهو الموقف الذي يميز في الكلام الإلهي بين "الصفة القديمة الأزلية" للكلام الإلهي وبين "القرآن المتلو" المحكي بأصواتنا البشرية، وهذا هو المخلوق لا غيره.

منذ هذا التردد في موقف الشيخ محمد عبده، أو في تأويل "رشيد رضا" لعبده، ظلت محاولات التجديد تدور في فلك اللاهوت الأشعري، ورويدا رويدا غاب هذا التمييز الأشعري بين جانبي الكلام الإلهي لحساب الموقف الحنبلي الذي يصر على صفة واحدة بلا تمييز، هي أن "كلام الله أزلي قديم وصفة من صفات ذاته الأزلية القديمة". في هذا السياق يمكن أن نشير إلى بعض المحاولات الجريئة، التي حاولت اختراق حجاب الصمت بطرق مختلفة دون أن يقارب هذا الاختراق الجريء تخوم السؤال المحبط والمكبوت منذ القرن الثالث الهجري.

نبدأ بذكر محاولات "محمود محمد طه" في السودان للتمييز بين رسالتين في الوحي: الرسالة المكية، التي هي الأصل والجوهر، والرسالة المدنية: التي هي رسالة القرن السابع، رسالة التشريع والقانون والثواب والعقاب، وإقامة الحدود بالمعنى القانوني وبالمعنى المجتمعي كذلك. وفي فهم "محمود طه" أن فشل العرب في استقبال الرسالة الأولي بسبب بدائيتهم العقلية جعل من الرسالة الثانية أمرا حتميا مؤقتا حتى يصل الوعي الإنساني رقيا إلى مستوى الرسالة المكية. ولأن "محمود طه" يؤمن أن إنسان القرن العشرين قد تطور وعيه واتسعت مداركه بما يكفي لاستعادة الرسالة الأولى، ونسخ الرسالة المدينية المؤقتة –رسالة القرن السابع الخاصة بالعرب وحدهم- فقد اعتبر نفسه المبشر بالرسالة الثانية للإسلام. نلاحظ هنا أن "محمود طه" يعتمد بشكل جوهري على علمين من علوم القرآن، هما "علم المكي والمدني" و"علم الناسخ والمنسوخ"، لكنه يعطي نفسه الحق في فهم هذين العلمين خارج سياق تاريخ "علوم القرآن" من جهة، وخارج سياق التاريخ الاجتماعي السياسي للسلمين من جهة أخرى. من هنا تأتي نظريته عن "الهجرة" لا كواقعة تاريخية بل كرحلة معرفية من الأعلى إلى الأدنى، لأسباب بيداجوجية. في هذا المحاولة الجريئة نتلمس التفافا حول جوهر المشكل، كما نفتقد تحليلا نقديا للوقائع والأحداث. نحن إزاء تأويل صوفي يتسم بقدر هائل من النوايا الحسنة لتحديث الإسلام إجابة على السؤال الذي صاغه الأفغاني وعبده: كيف نمارس الحضارة ونعيش في العصور الحديثة دون أن نفقد إسلامنا. والإجابة متضمنة في السؤال بشكل اعتذاري واضح: إن إسلامنا حديث بشرط أن نفهمه كذلك. وفي صيغة الجواب هذه تحديدا تصبح الحداثة مرجعية التأويل، ولا يكون "التأويل" أداة للفهم. ومن السهل أن يستعيد المسلم إسلامه من فك الحداثة إذا رفض هذا التأويل الذرائعي الحداثي للإسلام؛ بسبب غياب فهم علمي للإسلام أو لنصوصه التأسيسية.

قريب من محاولة "محمود طه" محاولة "محمد شحرور" في سوريا رغم اختلاف الأسلوب. في كتابه "الكتاب والقرآن: قراءة معاصرة" ينطلق شحرور من دعوى عريضة فحواها عدم وجود ترادف في اللغة إطلاقا، وفي لغة القرآن تخصيصا. وهي دعوى عريضة؛ لأن شحرور لا يميز بين وجود الترادف على مستوى "المعجم" وبين اختفائه على مستوى التركيب اللغوي. بعبارة أخرى يميز علماء اللغة في دلالة المفردات اللغوية بين "الدلالة المعجمية"، حيث يوجد الترادف، وبين الدلالة التركيبية، حيث لا ترادف. انطلاقا من دعوى عدم وجود الترادف مطلقا يرى شحرور أن أسماء القرآن –القرآن، الكتاب، الذكر، البيان، السبع المثاني، الفرقان ... الخ- لا تشير إلى مدلول واحد. ما يهمنا هنا في هذا العرض السريع هو تمييزه بين "القرآن" و"الكتاب" من جهة، وتمييزه في شخصية "محمد" بين "النبوة" و"الرسالة"، من جهة أخرى، وهو التمييز الذي يجعل المقارنة بينه وبين "محمود طه" مشروعة. يكاد شحرور في التمييز بين الرسول والنبي يقارب تخوم اللاهوت الشيعي دون أن يبدو متأثرا به، ومع ذلك فإنه يجعل "النبوة" مصدر القرآن، في حين أن مصدر الكتاب هو "الرسالة". وهذا التمييز يجعله يرى الرسالة –المتجسدة في الكتاب- تاريخية مؤقتة قابلة للتطور، في حين أن النبوة –المتجسدة في القرآن- هي الجوهر الثابت. المعنى في حالة "الكتاب" محكم واضح لا يحتاج للتأويل، في حين أن المعنى في القرآن غامض متشابه يحتاج للراسخين في العلم لفهمه وتأويله (الآية السابعة من سورة آل عمران)، وهكذا يصبح المصحف قرآنا وكتابا، هما المتشابه والمحكم. ودون الدخول في تفاصيل لا يتسع لها هذا العرض الموجز فإننا نلاحظ نفس الملاحظات التي سبق أن أوردناها عن محاولة "محمد طه" يضاف إليها الوثبات اللغوية في الفراغ في قراءاته التفصيلية داخل كتابه، حيث اللغة كائن هلامي، بلا معجم ولا دلالة استعمالية. يكفي أن يقرأ الإنسان أن كلمة "شهر" قوله تعالى في سورة "القدر" "ليلة القدر خير من ألف شهر" معناها "الإشهار"، وذلك لتأكيد نظريته أن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ منذ الأزل بلغة إليكترونية، ولكنه حين نزل على محمد في القرن السابع كان ذلك "إشهارا" له باللغة العربية ليكون مفهوما. وهي قراءة –قراءة الشهر بمعنى الإشهار- تبدو جديدة، لكنها لا تستوعب أن المقارنة هنا هي مقارنة بين "ليلة" و"شهر" من حيث الخير الذي شهدته الليلة، خير نزول القرآن على محمد، وهي مقارنة واضحة. لكن هذا نموذج واحد دال على مستوى وإمكانيات القراءة المعاصرة التي يقدمها شحرور. إذا كان شحرور يتقبل مسألة القرآن المدون في اللوح المحفوظ هذا التقبل الحرفي، فما الداعي للتمييز بين التدوين الإلكتروني أو الرياضي وبين التدوين بحروف عربية كل حرف بقدر جبل "قاف" في الحجم؟ لماذا لا يتقبل شحرور هذا التصور الميثولوجي للوجود الأزلي القديم للقرآن والمبني على مبدأ "عدم الاستحالة" على الله؟ لأنه –أي شحرور- يريد أن يستنطق القرآن بمعان ودلالات محددة سلفا.

ربما يجب الإشارة هنا أيضا إلى محاولات كل من "جمال البنا" و"خليل عبد الكريم" رغم اختلاف منطلقاتهما ظاهريا على الأقل. في محاولات "جمال البنا" نلمس تمييزا حادا بين الإسلام والمسلمين، حيث الإسلام جوهر ثابت متعال يتمثل في "القرآن الكريم" و "السنة النبوية الصحيحة"، لكن هذه المصادر النقية الطاهرة قد لوثتها الأفهام حين انتشر الإسلام واختلط بالحضارات القديمة من فارسية وهندية ومصرية وبابلية وأشورية، هذا فضلا عن حركة الترجمة التي لوثت النبع النقي الصافي. ويزيد جمال البنا الأمر صعوبة حين يشير إلى مؤامرات اليهود والنصارى للتشويش على عقائد المسلمين، مدينا "علم الكلام" و"الفلسفة" و"التصوف" باعتبارها معارف غريبة مستوردة. وهكذا ينتهي جمال البنا بهذا التمييز الحاد بين المسلمين والإسلام إلى اعتبار الخصوبة الناتجة عن التلاقح الثقافي تلوثا يجب إزالته، مستعيدا بذلك دعوى أخيه "حسن البنا" وأطروحات كل من "أبو الأعلى المودودي" و"سيد قطب". لكنه من جهة أخرى يتعامل مع القرآن والسنة –النصوص التأسيسية- على أساس أنها نصوص مفارقة للتاريخ وللثقافة، نصوص بلا أي سياق إنساني، سوى قراءته هو لهذه النصوص. من هنا تتميز قراءته الحسنة النية بالانتقائية إلى حد كبير، ويصبح هذا سهلا إلى حد كبير بعد نفي الثقافة الإسلامية بكاملها –بما فيها الفقه- من أفق منظوره التفسيري، وكأن النصوص بلا تاريخ سابق، وبلا تراث لاحق.

تصبح "الحداثة" هي العدسة الوحيدة التي نرى النصوص من خلالها، لكنها الحداثة المفصلة تفصيلا على قدر منهج قراءة النصوص، بلا أي قدر من معاناة "النقد التاريخي".

يبدو "خليل عبد الكريم" ظاهريا على العكس من ذلك، يبدو مشغولا بالنقد التاريخي، سواء في كتاباته الأولى "الجذور التاريخية للشريعة الإسلامية" أو في كتابيه الأخيرين "فترة التكوين في حياة الصادق الأمين" و"النص المؤسس". لكن منهج النقد التاريخي عند خليل عبد الكريم لا يكاد يتجاوز منهج "نقد الرواية" في التراث النقدي لعلم الحديث. لكن لأن "خليل عبد الكريم" مشغول بمناهضة سلطة المؤسسة الدينية –سلطة التقديس كما يسميها أحيانا- فهو يوظف بعض إجراءات منهج النقد التاريخي لغايات براجماتية وأهداف إيديولوجية واضحة، مضحيا دون قصد بالغاية المعرفية. وبذلك يتحول النقد التاريخي عنده إلى الوقوع في انتقائية واضحة للنصوص التراثية التي تحقق غايته، متجاهلا، أو مهملا، التعامل مع النصوص التي تعارض أهدافه. بعبارة أخرى، تبدو النهايات محددة سلفا، فيصبح من السهل انتقاء الشواهد النصية التراثية التي تصل بالقارئ إلى تلك النهايات. في كتابيه الأخيرين يحاول "خليل عبد الكريم" أن يستعيد التاريخ من ركام الأسطورة، فيرى في أولهما "فترة التكوين في حياة الصادق الأمين" أن "خديجة" كانت هي المهندس، أو "الهندوز" بلغة المؤلف- الذي أعد الظروف وهيأ المناخ بالمشاركة مع "ورقة بن نوفل" وآخرين ليكون "محمد" هو النبي المنتظر. وهو في هذا يعتمد على قراءة تضخيمية لبعض الشذرات والأقوال الواردة هنا وهناك، دون أن يدرك أنه قد حول محمدا إلى مجرد ألعوبة، أو صفحة بيضاء كتب فيها آخرون ما يشاءون. ليس هذا هو قصد المؤلف بالطبع، لكن تلك كانت نتيجة قراءة المؤلف التضخيمية لبعض النصوص مع إهمال تلك التي قد تتناقض مع منظوره. في كتابه الأخير "النص المؤسس" ينطلق "خليل عبد الكريم" من التمييز بين "القرآن" و"المصحف" من أجل أن يستعيد السياق الحي لتكون القرآن. لكنه في هذه المحاولة الجريئة يعتمد اعتمادا أساسيا على "علم أسباب النزول" موردا مرويات أسباب النزول دون أي فحص نقدي، رغم أنها مرويات تتداخل فيها الحقائق والأوهام، ويمتزج فيها الصحيح والزائف، الأمر الذي دعا القدماء أنفسهم إلى القول أن ليس لها أصول، بمعنى أنها لم تخضع لمعايير النقد التي خضعت لها المرويات النبوية التي يستشهد بها في مجال الفقه.

ومحاولة استعادة السياق القرآني لا يكفي فيها علم "أسباب النزول"، حتى مع افتراض صحة المرويات. إن أمر السياق الكامل هو سياق القرن السابع الميلادي كله بحسب ما أشار "محمد عبده" في مقدمة "تفسير المنار"، وبحسب "أمين الخولي" الذي زاد الأمر شرحا في كتابه عن "التجديد في اللغة والنحو والتفسير والبلاغة".

في كل محاولات التجديد تلك ربما يجب استثناء "حسن حنفي" الذي أعاد وأفاض في الحديث عن الوحي بوصفه علاقة جدلية بين الإلهي والإنساني، بين الأرض والسماء، بين المُدرَك والمتعالي ... الخ.

وربما يمكن أيضا استثناء المفكر الباكستاني "فضل الرحمن" الذي أكد دور "محمد" الإيجابي في عملية الوحي قائلا إنه لم يكن مجرد ساعي بريد. لكن أيا من "حسن حنفي" أو "فضل الرحمن" لم يتجاوز هذه الملاحظات العابرة؛ فقد انشغل "حسن حنفي"، وما يزال مشغولا، بالتجديد في علوم التراث، وإنجازاته في هذا المجال تنفاعل مع إنجازات "محمد عابد الجابري" "طيب تيزيني" وغيرهما من الفلاسفة. أما "فضل الرحمن" فقد انشغل بدوره في قضية التحديث، ومارس على المستوى التطبيقي إجراءات جديرة بالتنويه، لكن السؤال الأساسي، سؤال "كلام الله" ظل غائبا.

ما أهمية هذا السؤال؟ إن تجديد الخطاب الديني لا يمكن أن يكون تجديدا ناجزا إذا ظل التعامل مع النصوص التأسيسية –القرآن والسنة- ينطلق من نفس الأسس اللاهوتية التي استقرت في الفكر الإسلامي منذ القرن الثالث الهجري. دون استعادة السؤال المغيب والمحبط والمكبوت سيظل التأويل أداة لقراءة الحداثة في النصوص لا لفهم النصوص في ذاتها. لقد استعرضنا بعض نماذج للقراءات التحديثية ولا حظنا ما تنطوي عليه من مخاطر استعادة المعني التقليدي من براثن المعاني الحداثية. يحدث ذلك طول الوقت، وبوتائر منتظمة؛ لأننا جميعا ننطلق من نفس المفهوم، مفهوم القرآن كلام الله الأزلي القديم، وصفة ذاته الأزلية القديمة، وهو نفس التعريف الذي يسوغ "أسلمة المعرفة" و"أسلمة العلوم" بالقدر الذي يسوغ العنف والقتل والتكفير باسم الله. إذا كان كلام الله هو صفة ذاته الأزلية القديمة، فاللغة العربية قشرة على معانية كما يقرر الغزالي –الأشعري-في "جواهر القرآن"، وبما هي قشرة فإن علوم اللغة والبلاغة والأسلوب والدلالة هي علوم مهمتها إزالة القشور للبحث عن الدرر والجواهر الكامنة؛ أي كل أنواع العلوم، ما كان وما هو كائن وما سوف يكون. ولأن كلام الله –القرآن- هو صفة ذاته الأزلية القديمة، فهو أيضا يتضمن الحداثة بكل قيمها ومفاهيمها وفلسفاتها كاملة بنفس القدر الذي يبرر به القتل والتكفير والإقصاء والاستبعاد بلا زيادة ولا نقصان. إذا كان الأمر كذلك: أي إذا كان القرآن بما هو كلام الله الأزلي القديم يحتمل كل أنماط المعاني والدلالات، الحديث والقديم، الأصولي والليبرالي، التنزيه والتشبيه ... الخ، فأي المعاني ينتصر ويسود ويقهر المعاني الأخرى ويحبسها في سجن "الهرطقة" و"الردة" و"الكفر" أو "الأصولية" و"التطرف" و"الإرهاب"؟ إن المعنى الذي ينتصر دائما ويسود ويقهر هو من يدعيه القوي، صاحب السلطة والجاه والسلطان، الذي قد يكون حداثيا فيقهر أصحاب المعاني غير الحداثية، وقد يكون سلفيا فيقهر الحداثيين. يتحول الصراع السياسي الاجتماعي إلى صراع معنى، ويبدو الأمر أننا نتقاتل حول الدين؟ والسبب أن نظام حياتنا السياسي هو الذي يحتاج أولا إلى التجديد، نحتاج إلى "الحرية"؛ لأنها شرط أولي لممارسة التفكير، الذي هو بدوره أداة التجديد والتغيير.

نحتاج للديمقراطية، وجوهرها الحرية الفردية، لا مجرد إجراء الانتخابات، وتغيير الوجوه. من هنا توقفت عن الكتابة عن تجديد الخطاب الديني بعد أن نشرت مقالا في الأهرام كان مقدمة لسلسلة من المقالات عن الموضوع. توقفت؛ لأن السباحة في المياه العكرة ليست أمرا صحيا لا لبدني ولا لعقلي، ولأن هذا النمط من التجديد تحديدا هو الذي يسعى إليه الإمبراطور الجديد للعالم. في مناخ ديمقراطي يحمي حرية الفرد وحقه في الاختيار، يمكن الحديث عن حرية البحث العلمي والدرس الأكاديمي في حقول المعرفة كافة، وفي حقل الدراسات الدينية بصفة خاصة. ولعله من الممكن حينئذ الحديث عن إمكانية وجود مؤسسات أكاديمية لدراسة الأديان، لا لمجرد تعليم الأديان كما هو الحال في العالم الإسلامي كله. إن البحث في الأديان، تاريخها، بناؤها، لا هوتها، مناهج التفسير وطرائق التأويل، بنية مؤسساتها، الفرق بين العقائد وبين الدوجما ... الخ، أمر يختلف اختلافا جوهريا عن مؤسسات تعليم الأديان، حيث لا مجال إلا لتعليم العقائد الصحيحة من منظور المؤسسة والتمييز بينها وبين العقائد الباطلة، من منظور المؤسسة كذلك. وحين تنشأ مؤسسات البحث في الأديان، يمكن تأسيس "علم الأديان المقارن"، وهو علم غائب من مؤسسات تعليم الأديان. في هذه الحالة، ومع تحقق بعض تلك الشروط، يمكن إثارة الأسئلة، وفتح باب النقاش الحر في كل القضايا المكبوته والمحبطة، لا المسكوت عنها فقط. يمكن أن يصبح "اللا مفكر فيه"، بتعبير "محمد أركون" موضوعا للنقاش.

في ظل مناخ يتوفر فيه الحد الأدنى من الحريات الفردية، ومن حرية البحث والنقاش، يمكن للأسئلة التالية أن تثار. وتلك أسئلة لا يمكن بدون فتحها للنقاش أن يكون هناك أي احتمال لتجديد الخطاب الديني، هذا إلا إذ اعتبرنا أن "الخطاب" هو "الخطبة"، وأن الأمر هو تعبئة الأفكار القديمة في لغة جديدة، كما هو الحال في الجدل الصاخب الدائر الآن هنا وهناك حول تجديد الخطاب الديني.

السؤال الأول والجوهري: ما معنى أن القرآن كلام الله؟ ليس السؤال هو ما إذا كان كلام الله قديما أزليا أم محدثا مخلوقا، فذلك كان سؤال القرون الأولى من تاريخ الإسلام استجابة للسؤال المسيحي حول تناقض القرآن في فهمه للمسيح، بجمعه بين كونه "كلمة الله وروح منه" من جهة، وبين كونه إنسانا مخلوقا من جهة أخرى. في محاولة المفكرين المسلمين الأوائل حماية الإسلام من التشابه مع المسيحية كان لابد أن يؤكدوا مفهوم "كلمة الله المخلوقة" عن طريق تطبيقها على القرآن.

سؤالنا الآن ليس عن هذا ولا غايتنا مثل غاية القدماء ولا سياقنا سياقهم. سياقنا هم الدرس العلمي والفهم الموضوعي. وهذا السؤال تتفرع عنه أسئلة كثيرة عن "طبيعة الوحي" وكيفيته، وما إذا كان تواصلا باللغة أم تواصلا بالإيحاء والإلهام. القرآن نفسه يتحدث عن "الوحي" بوصفه اتصالا غير لغوي، وهذا ما حلله كثير من الباحثين دون أن يتجاوزوا الخط الأحمر المفروض من القراءات التراثية لقوله تعالى: "وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا، أو من وراء حجاب، أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء". تقسم القراءات التراثية للآية الطرق التي يتواصل الله من خلالها مع البشر إلى ثلاثة أنماط: النمط الأول هو "الإلهام"، كما في كلام الله لأم موسى، والنمط الثاني هو كلامه مع موسى من وراء حجاب الجبل أو النار (وهو كلام إشكالي سيقوم المعتزلة بتأويله بأن الله خلق كلاما سمعه موسى، وهو تأويل قائم على محاولة حماية الوحدة الإلهية –التوحيد- من احتمال أي تشابه بين الله والبشر)، والنمط الثالث هو نمط الوحي في الإسلام، وهو عن طريق الرسول الوسيط –جبريل- إلى محمد. وترى القراءة التراثية أن التواصل بين جبريل ومحمد كان تواصلا لغويا، أي أن جبريل تحدث إلى محمد بالعربية، وهو تفسير تتأبى عليه الأية، التي تنص على أن الرسول "يوحي" إلى البشر بما يشاء الله؛ ومعنى ذلك أن الاتصال بين جبريل ومحمد كان اتصالا غير لغوي، كان بالوحي أي الإلهام.

يعزز هذه القراءة من جانبنا المرويات الكثيرة التي تنسب إلى الرسول، والتي يحكي فيها أن الوحي كان يأتيه أحيانا مثل "صلصلة الجرس" وأحيانا مثل "طنين النحل"، ولا يمكن أن يكون هذا الوصف دالا على تواصل لغوي بالمعنى المعتاد.

يتفرع عن المشكل السابق فتح باب النقاش عن معنى "التنجيم" ودلالته. ما معنى أن القرآن لم يوحي الله به إلى محمد دفعة واحدة، بل نزل مفرقا حسب الأحوال والملابسات؟ وهذا السؤال يتفرع عنه سؤال آخر: هل القرآن نص واحد، أم كثرة من النصوص، لكل نص منها سياقه الخاص؟ وإذا كان الأمر كذلك، وهو كذلك بالفعل، فإن السؤال التالي يصبح: لماذا حين جمع القرآن في مصحف، لم ترتب النصوص حسب ترتيب نزولها، ورتبت ترتيبا آخر لم تدرس دلالته بعد. وهذا السؤال لا يعني التشكيك في القرآن، بقدر ما يفتح النقاش بحثا عن "حكمة الترتيب" الحالي، سواء كان الترتيب إلهيا (توقيفيا)، كما يقول الكثيرون، أو بشريا (توفيقيا) كما يذهب البعض.

والسؤال عن الترتيب يفتح المجال للسؤال عن عملية الجمع والتدوين في المصحف، كيف بدأت وكيف تطورت، من مجرد "رسم" في المصحف العثماني بلا إعجام (تنقيط) وبلا حركات (تشكيل أواخر الكلمات لبيان موقعها الإعرابي) وبلا أي فواصل أو علامات وقف، إلى أن استوى مصحفا مقروءا بعد ذلك بفترة طويلة؟. وهذا الاستواء الأخير ما علاقته بالقراءات التي كانت بلا عدد حتى جاء ابن مجاهد وقرر أن القراءات المعتمدة (السنة) سبعة فقط، وذلك بعد استواء المصحف المضبوط بفترة طويلة. ومع ذلك فتاريخ القراءات يكشف أن محاولات ابن مجاهد وغيره لم توقف سيل القراءات، فتم إضافة ثلاث إلى السبع فصارت عشرا، ثم صارت أربعة عشرة قراءة (سبع سنة وسبع جائزة)، ومع ذلك فإن ابن جني يتصدى في كتابه "المحتسب في تبيين وجوه القراءات الشاذة) فيجد للقراءات الشاذة مكانا، وهذا معناه أن تعدد القراءات متجاوزة الأربعة عشرة ظل أمر ملحوظا في الواقع.

في هذا السياق لا يصح علما وإيمانا تجاهل الصحائف الباقية من مصاحف مختلفة، والتي تم العثور عليها بالمصادفة في سقف أحد مساجد صنعاء باليمن بعد سقوط السقف بفعل الأمطار في 1972، وهي صحائف مكتوبة بالخط الحجازي، ولعلها من بقايا المصاحف التي أمر عثمان بحرقها. هذه الصحائف لا تتضمن قرآنا غير القرآن الذي نعرفه، لكن رسمها قد يقترح قراءات أخرى غير القراءات التي في المصحف الحالي.

أين يمكن أن تقودنا كل هذه الأسئلة، إذا لم يتغلب علينا ضعف الإيمان فنرفض مجرد النقاش وفحص الوقائع، ونصر على أن نجمد عقولنا؟ من المؤكد أنها لن تلغي القرآن، لا ولن تهدم الدين، ولن تزعزع اليقين، بل ستفتح لنا مجالا للفهم يرى تجلى الإلهي في البشري، وانكشاف كلمة الله على لسان الإنسان. والتحقيق التاريخي سيمكننا من استعادة السياق الغائب، فندرك فحوى كلام الله ودلالته، ونميز بين "التاريخي" و"الأزلي". سنكتشف مثلا أن كل "الحدود العقابية" من قطع يد السارق وجلد الزاني والزانية، والعين بالعين والسن بالسن ... الخ أنها قيم سابقة على القرآن.

يمكن أن ندرك أن الأزلي في القرآن هو تحقيق العدل بالعقاب، أما شكل العقاب فهو التاريخي، وسندرك أننا لا يصح أن ننحاز للتاريخي على حساب الأزلي. إذا كان العدل هو الأساس، سنفهم أن الأمر بالقتل –قتل المشركين وغير المشركين- هو التاريخي، بدليل أن المسلمين لم يقتلوا المشركين قتلا جماعيا في أي بلد دخلوه. بل لم يقتل النبي مشركي مكة حين فتحها. إذا أدركنا ذلك سندرك معنى "تاريخية" النص بأنها لا تعني "الزمانية"، وسندرك معنى أنه "مُنْتَج ثقافي" في نشأته، لكنه صار "مُنْتِجا" لثقافة جديدة في التاريخ.

لكن إنتاجية النص للثقافة لم تتم إلا بالفهم الذي أنتجه المسلمون وفق آفاق مواقعهم الفكرية. وإذ نفهم ذلك ستستطيع أن نتفهم أن تلك الثقافة، التي أنتجها المسلمون ثقافة زمانية، نستطيع أن نحللها ونفهمها فهما نقديا، سواء تجلت في علوم الفقه أو التفسير أو الحديث، أو الفلسفة، أو علم الكلام أو التصوف، أو في علوم اللغة والأدب ... الخ.

في هذه الحالة سنمتلك تراثنا ونبني عليه من خلال طرح أسئلتنا نحن، بدل أن يكون تراثنا عبئا علينا كما هو الحال الآن.

متى نبدأ؟ ذلك هو السؤال.

http://www.cihrs.org/focus/paris/paris-papers-2_A.htm
________

Post: #789
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-28-2008, 03:06 AM
Parent: #1


من مقال تحت عنوان:
الخرطوم وواشنطن بين إحتمالات التصعيد وخيارات التهدئة
العلاقات السودانية الأمريكية وإلى أين تسير؟!
علي اسماعيل العتباني

...
وبعد الرئيس «كارتر» جاء الرئيس «ريغان» الذي استطاع في عهده أن يربط السودان أكثر وأكثر بأمريكا وأن يربط السودان بمؤسسات النقد الدولي. وبرزت المعونة الأمريكية في مكافحة المجاعة في العام 1984م حتى سمى الناس الذرة بعيش «ريغان».. وبرزت الأغاني التي تشيد بريغان ولكن التميز النوعي في هذه العلاقات برز مع تهجير «الفلاشا» حينما جاء الرئيس الأمريكي «جورج بوش» الأب الى السودان في مارس 1985م ليكمل مشروع تهجير الفلاشا وليقدم شروطه المعروفة الى الرئيس نميري... وكانت هذه الشروط تتعلق بضرب الحركة الاسلامية وتصفية منتسبيها مع تصفية المؤسسات النقدية الاسلامية وتصفية المنظمات الطوعية الاسلامية كمنظمة الدعوة وغيرها. وفعلاً قد حدث ذلك وتم اعتقال كل من وصلت اليه أجهزة أمن النميري من الاسلاميين ولكن أمريكا وبعد أن أكملت عملية تهجير «الفلاشا» قامت بتسريب خبر تهجير الفلاشا واتفقت مع مصر على إنهاء دور الرئيس النميري. ونحن نعلم أن الرئيس جورج بوش الأب اجتمع في السفارة الأمريكية في الخرطوم بعدد من المثقفين والسياسيين السودانيين وممثلي منظمات المجتمع المدني وكانت أمريكا حاملة على الرئيس نميري لأنه قام في يناير 1985م بإعدام المفكر السوداني «محمود محمد طه». وقد أدى إعدامه الى ردة فعل كبيرة على مستوى جمعيات حقوق الإنسان وعلى مستوى الحركات المعادية للسودان وعلى مستوى الحركات الساعية الى إضعاف حركة الفكر الديني الاسلامي. فلذلك لم تكن أمريكا قادرة على مواجهة هذه العاصفة وكانت تريد الخلاص من جعفر نميري رغم خدماته الثمينة التي قدمها الى الولايات المتحدة الأمريكية. ولذلك تم احتجاز الرئيس جعفر نميري في مطار القاهرة بعد عودته من أمريكا واستلام الرئيس المشير سوار الذهب للسلطة في إطارها الإنتقالي.
....

http://www.rayaam.net/22004/11/02/articles/article1.htm



_______________

Post: #790
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-28-2008, 03:07 AM
Parent: #789


وأذكر أن الشهيد الشيخ ( محمود محمد طه ) بدأ دعوته في قرية ( علي قدر ) علي الحدود السودانية الإريترية حيث كان يعمل مهندساً زراعياً . ونال السودان استقلاله وبقيت إريتريا تواجه مصيرها حتى انتهى بها الحال إلي الاحتلال الإثيوبي .

http://www.farajat.com/minbarhur/omerjaber_14_6_05.htm
_________________

Post: #791
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-28-2008, 03:08 AM
Parent: #790


شيخ الأزهر وعقوبة الإعدام

كامل النجار / إيلاف

أكد شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي رفضه إلغاء عقوبة الإعدام المنصوص عليها في الدساتير الإسلامية، مشيراً إلى أن هذه العقوبة لا تطبق إلا على من قتل غيره ظلماً وعدواناً وليس في ذلك قسوة أو ظلم. وأضاف إننا نرفض أي تدخلات من جانب أية هيئات أو منظمات تريد التدخل في التشريعات الإسلامية بالإلغاء أو التعديل. ( الشرق الأوسط 16 يونيو 2005). وشيخ الأزهر لم يكن دقيقاً في قوله إن هذه العقوبة لا تطبق إلا على من قتل غيره ظلماً وعدواناً. فالشيخ يعلم حق العلم أن المرتد عن دينه يقتل وأن شاتم الرسول أو منتقده يُعتبر كذلك مرتداً ويقتل، وقد شنق النميري المفكر السوداني محمود محمد طه في الثمانينات من القرن الماضي بحجة الردة عن الإسلام. فمحمود لم يقتل شخصاً بحق أو بغير حق. ثم ماذا عن رجم الزانية التي لم تقتل شخصاً، ومع ذلك يحفرون لها حفرة ويرجونها بالحجارة. وما ذا عن ممارسة اللواط التي يجيز بعض الأئمة قتل مرتكبها. والذين يقعون على البهائم وقد أوصى النبي في بعض الروايات بقتل البهيمة والجاني. فيجب على شيخ الأزهر أن يكون دقيقاً في تصريحاته ويلتزم الأمانة العلمية. ومن حق الشيخ أن يرفض أي تدخل من الأجانب في التشريعات الإسلامية، ولكن ليس من حقه أن يقول إن عقوبة الإعدام ليس فيها قسوة أو ظلم. فالقسوة في الإعدام تقشعر لها الأبدان خاصة قطع العنق بالسيف ورجم الزانية المحصنة. فليست هناك قسوة أكثر من ذلك. وحتى لو أصر فقهاء الإسلام المعاصرون على عقوبة الإعدام كما تفعل بعض الولايات الأمريكية، فهل يجب عليهم أن يلتزموا بنفس الطريقة التي قتل بها السلف المحكوم عليهم بالإعدام ؟ هل لا بد من استعمال السيف في ذلك لأن السلف قد استعملوا السيف ؟ ألا يجوز حقن المحكوم عليه بعقار يقتله دون عذاب أو ألم ؟ فشيوخ الإسلام المعاصرون لم يلتزموا بركوب البغال والحمير كما كان يفعل السلف الصالح، فهم يسافرون الآن بالطائرة في الدرجة الأولى أو بالسيارة الأمريكية مكيفة الهواء. فلماذا الإصرار على السيف وعلماء السلف لم يكن لهم غير السيف والرجم وسيلة أخرى للقتل ؟
واستمر شيخ الأزهر فقال: " إن العقوبات في الإسلام شرعت لردع المجرمين وأن الإسلام في كافة شرائعه جاء بالرحمة والعدل فشرع القصاص للحفاظ على حياة وأمن واستقرار المجتمع. وأضاف أن العقوبات في الإسلام شرعت لتكريم الإنسان وحمايته وحماية حقوقه، مشيراً إلى أن شريعة الإسلام تعطي كل ذي حق حقه سواء كان مسلماً أو مسيحياً." ( نفس المصدر). ومن حق الشيخ كذلك أن يدّعي للإسلام ما يشاء، ولكن يجب عليه أن يقدّم لنا النصوص التي تُثبت ما يقول، وعليه القول بالحقيقة كلها وليس بأجزاء منها. فبغض النظر عن أن عقوبة الإعدام لا تردع المجرمين، والدليل على ذلك أن القتل في البلاد الإسلامية التي يُطبق فيها الإعدام ما زال مستمراً وبنسب عالية منذ بدء الإسلام، فإن العقوبات في الإسلام لم تُشرّع لتكريم الإنسان، كما يقول الشيخ، وإنما لتكريم المسلم فقط. فالقرآن يقول عن القتل: " ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها " ويقول كذلك: " وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمناً إلا خطئاً ومن قتل مؤمناً خطئاً فتحرير رقبة ودية مسّلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدوٍ لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة وإن كان من قومٍ بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتالين " ( النساء 92). والمرة الوحيدة التي استعمل القرآن فيها كلمة " نفس " لتعني جميع بني آدم من كل المذاهب هو قوله عن بني إسرائيل: " من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل إنه من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ". فهذا هو ما كتب على بني إسرائيل ولم يكتب على العرب المسلمين. ويتفق كل أئمة المسلمين أن المسلم إذا قتل كافراً لا يُقتل به، والحر إذا قتل عبداً لا يُقتل به، ولكن العكس صحيح، فيقتل الكافر بالمسلم والعبد بالحر. ثم ما ذا عن الدية في المقتول غير قصد ؟ فدية المسلم مائة بعير أو ما يعادلها، ودية الكافر نصف ذلك أو ثلث في بعض المذاهب. ودية المرأة، حتى وأن كانت مسلمة، نصف دية الرجل المسلم. فكيف يستطيع شيخ الأزهر أن يقول: " أن شريعة الإسلام تعطي كل ذي حق حقه سواء كان مسلماً أو مسيحياً ؟ " فهل حقوق المسيحي أقل من حقوق المسلم ؟
وإذا تقاضينا عن قتل الكافر بدم المسلم، ماذا نقول عن أحكام الإسلام في جريمة القذف أي اشانة السمعة والآية التي تقول: " " والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادةً أبداً وأولئك هم الفاسقون ". يقول القرطبي في تفسيره: " قد أجمع العلماء على أنه لا حد على من قذف رجلاً من أهل الكتاب، أو امرأةٍ منهم. " فيستطيع المسلم إذاً أن يقذف كل يوم امرأة مسيحية أو رجلاً مسيحياً ويشوه سمعتهما أو سمعته، بلا خوف من أي عقاب لأنه لا حد عليه.
ولكن إذا كانت هذه المرأة المسيحية لها ولدٌ من رجلٍ مسلم، وليس بالضرورة متزوجة منه، فيجلد من يقذفها. فالمرأة المسيحية هنا صار لها اعتبار لأن لها ولداً من رجل مسلم.
أما إذا قذف الرجل النصراني مسلماً أو مسلمة، وجب عليه الحد رغم أنه غير مسلم. وإذا قذف العبد حراً وجب عليه الحد ( أربعين جلدة لأنه عبد)، أما إذا قذف الحرُ عبداً فلا حد عليه. وإذا قذف الأمة كذلك فلا حد عليه. فهل هناك من يستطيع أن يدعي أن الإسلام يحفظ للمرء كرامته وأنه يعامل أهل الكتاب نفس معاملة المسلمين؟
فكل ما نطلبه من شيخ الأزهر هو الالتزام بالأمانة العلمية وإعطاء الصورة الكاملة للأحكام الإسلامية وألا يكون كالذين يقولون " لا تقربوا الصلاة " ثم يصمتون عن بقية الآية.

http://members.chello.at/iraqihouse/maqalat-472-.htm
_________________

Post: #792
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-28-2008, 03:35 AM
Parent: #1


محمود محمد طه وسيد القمنى
جدل الأنتصار والانكسار
احمد محمود\
كاليفورنيا


فى الأشكالات القائمة منذ بزوغ التفكير النهضوى عربيا، ظلت اشكالية الدين ضمن الأسئلة الصعبة فى معادلة النهوض. الدين ليس فى بعده التعبدى الفردانى، بل كتأويل ضرورى عبر جدلية تغاير الأزمنة وتفاوت التحديات، وفى عصرنا الراهن فى كيفية فهم العلاقة بين الأصالة والعصرنة، وهى الجدلية التى يدور حولها النقاش المحتدم منذ اكثر من قرن ونيف. ولقد عرفت الساحة العربية عددا مقدرا من الذين شغلتهم المسألة الدينية وحاولوا التفكير الجدى حولها. عمق من هذا الانتباه الجدى التحدى الذى شكله الغرب كمستعمر أولا وكمتفوق ثانيا وكتصور متعالى نظر بعض مفكريه لتخلف العرب كنتاج حتمى لطبيعة الديانة التى يؤمنون بها ثالثا. ولقد أرتبطت مسألة الحديث حول الدين ومن زاوية نقدية ومغايرة للسائد بتصاعد نهج ضدى تكفيرى من قبل العقل النقلى مدعوما أحيانا بالسلطة الحاكمة فى الوطن العربى ومؤسساتها. ولهذا فأن مقولة نصر حامد أبوزيد حول التفكير فى زمن التكفير تصبح واقعا يعانى منه المثقف العربى أستمرارا. من ضمن الذين حاولوا الأجتهاد وكل على طريقته المنظر السودانى المقتول شنقاالاستاذ محمود محمد طه والكاتب المصرى المنسحب من معركته سيد القمنى. وأيراد هذين النموذجين لا يشأ بتشابه خطابيهما بل معاينة الحالة التكفيرية التى قابلاها وموقف كل منهما.فالاستاذ محمود محمد طه يشتغل من داخل البنية نفسها متخيرا رؤية تختلف عن السائد وناقدة له عاملا على تجسيد أطروحة جديدة للأسلام من حيث طرح مفهوم الرسالة الثانية وهى الرسالة التى يعتقد طه أنها قادرة على مسايرة ظروف القرن العشرين حسب المرحلة الكتابية التى سطر فيها تلك الرؤية. فالرسالة الثانية ترتبط بالقدرة البشرية على الأجتهاد وعلاج قضايا التطور حسب الفهم الواعى للقرآن. ويجتهد الاستاذ محمود اجتهادا غير مسبوق حول مسالة الناسخ والمنسوخ، مرحلا المنسوخ للراهن وامكانية تعاطيه ايجابيا مع عصرنا الحاضر بعد ان أرجأ او عطل فى القرن السابع مقرونا ذلك وحسب الاستاذ محمود بالأجتهاد الواعى والمتعمق. وبما أن المقال لا يتسع لمناقشة هكذا افكار الا أن طه قد فكر فى اللا مفكر فيه ولهذا دخل منطقة التابو وفق ما ينظر الى ذلك عقل التكفير. ولهذا فقد عمل تيار العقل النقلى على محاربةالاستاذ محمود محمد طه عبر وسائل مختلفة دون مساءلة افكاره منهجيا والرد عليها، حتى وصل الأمر الى حبل المشنقة كتأطير نهائى لطبيعة المواجهة ضد المفكرين.ولقد أتيحت الفرصة الى الاستاذ محمود لكى يفلت من حبل المشنقة بشرط التخلى عن أفكاره ومن ثم أستتابته. وهنا وقف الاستاذ محمود موقفا مشهودا مجسدا الاستشهاد لا الأنكسار كفعل تراجعى ينتهك المعنى. وهنا فحسب يمكن ربط الفكر بالتضحية والتجسيد الحى للمبدأ وهى الحالة التى نربطها بالأنتصار للذات اولا وللفكر ثانيا وللآخرين الذين يؤمنون بالفكرة ويعملون على تبينها، لأن الأنسان يموت وتبقى الأفكار. وهذه الحالة التى جسدهاالاستاذ محمود كان من المفترض ان تكون مدخلا حيويا لنشر افكاره بعد ماقدمه من تضحيات،و ربما يقع كل هذا كعبء على أتباعه ولا أدرى الى اى مدى هم قادرون على نقل تلك الأفكار التى استشهد من اجلها محمود وهو سؤال متروك لهم فى منافيهم العديدة. الجانب الآخر الذى يستهدفه هذا المقال هو موقف الكاتب المصرى سيد القمنى. فسيد القمنى يشتغل على منحى عقلانى مادى نافيا وجود المطلق كمطلق ومتجها نحو فكرة الدور البشرى فى صياغة التجربة الدينية. ففى كتابه ، الموسوم بالحزب الهاشممى يلخص تجربة الاسلام بكونها تناسلا أبتداه قصى الجد الأكبر لقريش وواصله احفاده حتى محمد (ص) رابطا المسألة بتبادل الأدوار والنظر للأسلام من زاوية تاريخية تخضع لقانون المسآلة وفق الشرط التاريخى وحسب التجربة البشرية، أى تجربة النسبى بعيدا عن المطلق. وبغض النظر عن الاختلاف او الاتفاق مع القمنى الا انه قد استطاع ان يجسد رؤية مغايرة تشتغل على سياقات خارج الميتافيزقا و تبتعد عن التصور الدينى السكونى لكثير من القضايا، ولسيد القمنى اسهامات اخرى عديدة تثير الكثير من النقاش. والمذهل وعبر الفترة الاخيرة خرج سيد القمنى ببيان تراجعى تبرأ عن كل كتاباته وافكاره فى استجابة ذليلة لتهديدات تيار الأسلام السياسى، مما يعبر عن انتكاسة فى مشروع النهضة عربيا فى مواجهة العقل النقلى الاستسلامى اذا قرنا ذلك بحالات عديدة. ونتج هذا التراجع عن رسائل تلقاها القمنى عبر بريده الأكترونى ولم تصل المسألة الى المشانق بعد. وقد برر القمنى ذلك بان هناك اناس ينتظرون دوره وهم اولاده فتخلى عن بنات افكاره من اجل ابناءه (البيلوجيين). ومع تفهم البعد الأنسانى فى المسألة الا ان التراجع بهذه الطريقة يعبر عن انتصار تيارعقل التكفير وبالتالى سيادة التخلف والأنزواء عن الدور التاريخى والذى من المفترض أن يلعبه المثقف العضوى. فالكتابة بالأساس مواجهة حتمية وهى معركة تحصد الارواح فى الوطن العربى. ولهذا فالذين يتصدون لمناقشة المسألة الدينية عربيا عليهم ان يدركوا أبتداءا أنهم يخوضون أشرس المعارك فى واقع اسلم رؤيته للماضى كمنحى هروبى عن مسآئلة الحاضر والمستقبل. ويبقى تراجع سيد القمنى بهذه الطريقة كتأطير فعلى لسيادة روح الهزيمة وتراجع الأستنارة على مستوى الأفراد. ولقد رأى البعض ان تراجع القمنى يعد حالة مصرية تاريخية بدأها طه حسين ومن ثم على عبدالرازق ومرورا بالذين تحولوا كلية عن رؤيتهم الفكرية كمحمد عمارة وآخرين. وهذا المنهج التعميمى لا يصح اجمالا بل يتطلب دراسة الحالات حسب الظرف التاريخى والحالة الفردية. ويبقى استشهاد محمود محمد طه ورغم تراجع البعض كبعد رمزى يجب معاينته عربيا لا سودانيا فحسب عله يعطى نموذجا لمعنى انتصار الأفكار وهى حالة انتصار نادرة ضد مصادرة العقل. وكنا نامل ان يسير التاريخ تصاعديا بدفع القمنى الى مراقى السمو. ولكن حالة الأنكسار التى جسدها القمنى تثير فى النفس روعا على مستوى قضية الاستنارة وقدرة المثقف الطليعى على مواجهة عقل الهدم والمصادرة . فهل بالفعل ومن خلال القمنى قد خسر المثقف قضيته نحو التحرر ام سيظل نموذج محمود ساطعا ليلهم الآخرين الأرادة الحرة التى لا تهزم بما يمكننا ان نقول انه وبرغم ما يحدث ستظل هناك امكانية لأنتصار عقل التفكير على عقل النقل والتكفير وبالتالى سيادة حالة نكران الذات والأنتصار لفكرة النهوض.



محمـود محـمد طـه وسـيد القمني/احمـد محمـود-كا ليفورنيا
_________________

Post: #793
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-28-2008, 03:35 AM
Parent: #792



http://www.aljesr.nl/imp/30620051.htm



محمود طه ... غاندي السودان


الشيخ الراحل "محمود محمد طه"


في خضم الحوارات والتوترات والصدامات التي تسود عالم ما بعد الحادي عشر من سبتمبر يعود "ميشيل هوبنكز" إلى منتصف عقد الثمانينيات لتأمل سريع الأفكار والوقائع التي قادت هذا الشيخ السبعيني إلى حبل المشنقة التي واجهها ثابتا مبتسما أمام عشرات الآلاف من المتفرجين.

وافق يوم الثامن عشر من يناير الماضي الذكرى العشرين لإعدام الإصلاحي السوداني الصوفي الطاعن في السن "محمود محمد طه" في أحد سجون العاصمة السودانية الخرطوم؛ لاتهامه بالردة.

وقد منحت تداعيات أحداث الحادي عشر من سبتمبر بعض أفكار "طه" طابعا نبوئيا؛ فقد استطاع محمود طه أن يتنبأ بالسقوط الوشيك للشيوعية في ستينيات القرن العشرين، وفي أوج الحرب الباردة.

فالشيوعية والرأسمالية كانتا بالنسبة له تمثلان وجهين لعملة واحدة، وهي الثقافة المادية الغربية، والصراع بينهما أمر عابر. فالمواجهة الحقيقية في العالم ليست بين الرأسمالية والشيوعية، بل بين الدين المتخلف والحداثة المادية الفارغة روحيا.

نشأ "طه" في الريف جنوبي الخرطوم، ثم درس الهندسة في كلية "غوردن" الشهيرة، التي ترجع إلى الحقبة الاستعمارية. يشكل التناقض بين عالم طفولته الديني الساحر، وبين العالم العلماني لدراسته الغربية علامة مميزة لبداية تجربته الشخصية.

ومع ظهور الإسلام السياسي، شهد "طه" خلال حياته كيف هيمن الصراع بين الدين التقليدي، وبين الحداثة العلمانية الغربية تدريجيا على الحياة السياسية في الشرق الأوسط. وقد تنبأ "طه" بأن هذا الصراع سوف يأخذ بُعدا دوليا.

مثل معظم الإصلاحيين الحداثيين رأى "طه" أن الإسلام المعاصر تحول عن مقاصده الأصلية، وتحجر ليصبح نظاما جامدا من التعاليم الشكلية، وفشل في أن يمنح المؤمنين أي هدى أو رؤى لمواجهة مشاكل العالم الحديث. فظهرت الحاجة إلى تأويل جديد للقرآن على ضوء المعرفة العلمية والنظام السياسي الديمقراطي الحديث. ومع هذا تجاوز "طه" الاتجاه الحداثي السائد بمناقشة النصوص القرآنية ذاتها. فحتى اليوم اقتصرت جهود الحداثيين على إصلاح وتحديث النصوص الفقهية التقليدية، لكنهم تجنبوا مناقشة الآيات القرآنية التي قد لا تنسجم مع مبادئ الديمقراطية الحديثة، وبخاصة تلك المتعلقة بوضع المرأة وغير المسلمين. وقد تناول "طه" هذه الآيات بالنقاش ـ بعكس معظم هؤلاء الحداثيين ـ وجعلها في قلب مشروعة الإصلاحي.

لم يكتف "طه" ـ مثله مثل العديد من الحداثيين الآخرين ـ بانتقاد الإسلام التقليدي، بل انتقد الحداثة الغربية أيضا. فبالرغم من إعجابه بالتقدم العلمي، إلا أنه رأى أن الإفراط في الثقة بالعلم الحديث قد أدى إلى إنكار وجود أية قوة غيبية خفية. وهكذا حرم الإنسان الغربي نفسه من النفاذ إلي جوهره الروحي، ولم يعد ينظر لنفسه إلا كمحصلة لمجموع حاجاته الجسدية.

وبالرغم من إدراكه للسمو الأخلاقي للمُثل الغربية الخاصة بحقوق الإنسان والديمقراطية، إلا أن "طه" آمن أن تلك الرؤية المادية لا يمكن أن تحافظ مثل هذه المُثل الأخلاقية على المدى الطويل، فالأمر يتطلب دينا، وإن كان بسمت جديد. يرى "طه" أن المخرج من هذا التناقض بين الأديان التقليدية والحداثة واضح جدا، وهو دين معاصر.

فيرى "طه" أن الإسلام يحتوي على رسالة ثانية، تمثل الحقيقة الأكثر عمقا وأبدية للدين، وهي تتفق مع المعرفة العلمية الحديثة وقيم الديمقراطية الحديثة وحقوق الإنسان. كما يرى أن هذه الرسالة الثانية ظلت محتجبة داخل الآيات القرآنية إلى أن وصلت الإنسانية إلى درجة من الرقي تجعل من تطبيق الرسالة أمرا ممكنا، ويرى "طه" أن هذه اللحظة قد حانت.

أصبح "طه" ـ في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين ـ معروفا في السودان بزعامته لجماعة دينية اجتماعية صغيرة الحجم كبيرة التأثير، هي "الإخوان الجمهوريون". وقد تشكلت هذه الحركة كجماعة تطبق آراء "طه" على أرض الواقع، وتنشرها بين عامة الناس. وقد عاش "طه" نفسه ـ الذي كان طاعنا في السن وقتها ـ حياة متقشفة تُشبه حياة الزعيم الهندي "غاندي"، حيث ارتدى الجلابية السودانية التقليدية مثل فقراء الريف السودانيين، ولم يمتلك سيارة، واعتاد السير لمسافات طويلة على قدميه. وأصبح أتباع "طه" مشهورين بصورة خاصة؛ بسبب دفاعهم عن حقوق المرأة. فقد تم تطبيق المساواة بين الجنسين ـ من بين أشياء أخرى ـ داخل الجماعة، عن طريق عقد زواج إسلامي خاص يُعطي للطرفين حقوقا متساوية. كما شجع "طه" أتباعه من النساء على نشر آرائهن في شوارع الخرطوم. ولا تزال صورة "الأخوات الجمهوريات "وهن يرتدين الثياب الناصعة البياض ويوقفن المارة لمناقشتهم وبيع الكتيبات محفورة في ذاكرة سكان الخرطوم، ولم يكن هذا النوع من مشاركة المرأة معروفا في المجتمع السوداني التقليدي.

وقد جاءت أكبر معارضة لطه وأتباعه من جانب رجال الدين التقليديين ـ العلماء ـ وقد استغل "طه" كل فرصة سانحة؛ ليتهم "العلماء" في السودان أو العالم الإسلامي بالجهل، ويُحمّلهم مسئولية التخلف والركود الثقافي للمسلمين. ويرى أن انهماكهم في تفاصيل الأحكام الفقهية المُغرقة في التقليدية والقدم لم يكن عقلانيا، وقد صرفهم في القدم عن رؤية المقاصد الحقيقية للدين من جهة ومشاكل المسلمين في القرن العشرين من جهة أخرى.

حاول العلماء الذين أحرجتهم هذه الهجمة إيقاف "طه" عن طريق جره للمحاكم ومقاضاته بتهم إشانة السمعة، ولكن "طه" استغل



هذه القضايا واستخدام المحاكم منبرا ينشر منه أفكاره. وقد استطاع ذات مرة أن يقنع القاضي بأن يسمح له بمواجهة أحد فقهاء الشريعة الذي اتهم "طه" بتشويه سمعته أثناء مقابلة صحفية تتناول السياسة في العالم. ولكي يثبت "طه" صحة جهل الرجل سأله إن كان قد سمع من قبل عن الناتو، فصرخ الفقيه قائلا: اقسم بالله أني قرأت عنه ذات مرة، ولكني لا أتذكر."

وقد لعب العلماء في النهاية دورا هاما في المؤامرة السياسية التي أدت إلى إعدام "طه" عام 1985 .عندما قام الرئيس السوداني آنذاك "جعفر النميري" بتطبيق الشريعة الإسلامية في السودان، وهو الأمر الذي أعلن "طه" عن معارضته. وقد استغل معارضو "طه" من التقليديين موقفه هذا.

وقد تعرض الرئيس "نميري" لضغوط من جانب منظمة العالم الإسلامي ذات النفوذ لمحاكمة "طه" وإعدامه لاتهامه بالردة. وكان أحد أسباب استجابة "النميري" لهذه الضغوط حاجته لكسب الثقة في الأوساط الإسلامية، بعد مساعدته لإسرائيل في ترحيل يهود الفلاشا من إثيوبيا إلى إسرائيل.

وفي صبيحة يوم 18 يناير 1985 أُعدم "طه" في سجن "الكوبر" في الخرطوم أمام عدد كبير من معارضيه المبتهجين.

وتتجلى عبقرية "طه" ـ سواء في كتاباته أو نهجه في الحياة ـ في جمعه بين التدين الخالص والحداثة العلمانية، وهو ما يطالب به العديد من المصلحين الحداثيين المسلمين، ومع هذا فقد انقسم أتباعه على نفس الأسس إلى قسمين؛ ديني وعلماني.

اعتقد بعض من أتباعه الأكثر تدينا أن طه يمثل تجسيدا للعودة الثانية للمسيح المذكورة في القرآن والإنجيل. وبالفعل فإن الأحداث التي أحاطت بمقتل "طه" تتشابه مع الآلام الأخيرة للمسيح ـ حسب الرواية الإنجيلية.

أما اتباعه العلمانيون فقد اعتبروه أحد أبطال حقوق الإنسان في المقام الأول. وفي عام 1986 اختارت منظمات حقوق الإنسان العربية يوم الثامن عشر من يناير ـ يوم إعدام طه ـ ليكون اليوم العربي لحقوق الإنسان.


تقرير : "ميشيل هوبكنز"
ترجمة: محمد عبد الرؤوف

Post: #794
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-28-2008, 03:37 AM
Parent: #793



Last Update 26 اغسطس, 2005 07:50:26 AM (سودانايل)

منتدى الأشقاء بولاية كلورادو يستضيف المفكر الأردني الدكتور شاكر النابلسي:

الناسخ والمنسوخ في القرآن تمثل المشهد العقلاني الأهم في الإسلام.

الطريقة التي اعتزل بها الدكتور سيد القمني الكتابة تمثل نكبة لمشروع التنوير والحداثة.

في تونس تمت المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث منذ عام 1957 .

الدعوة لتغيير المناهج الدينية الظلامية دعوة قديمة لم تبتدعها الادارة الأميركية الحالية

لن ندرك الحداثة الا أذا تجاوزنا عقدة الهوية الدينية والقومية كما فعلت اليابان .



جانب من الحضور
بابكر فيصل والدكتور شاكر النابلسي

حاوره بابكر فيصل بابكر

استضاف منتدى الأشقاء بمدينة دينفر الباحث والمفكر الأردني الدكتور شاكر النابلسي

في حوار اتسم بالجرأة والشجاعة ووضوح الرؤية من قبل أحد المفكرين العرب القلائل الذين تمسكوا بآرائهم في مواجهة طوفان التكفير والقتل وقطع الرقاب . وعلي الرغم من الأختلاف في وجهات النظر بين ضيف المنتدى الكريم والعديد من المتداخلين فقد اتخذ النقاش طابع الحوار الهادي الذى لم تكدر صفوه أصوات التعصب لتجىء محصلته كالتالي:

الحوار

لنبدأ بأكثر الموضوعات أثارة للتساؤلات فى اللحظة الراهنة وهو موضوع الغزو الأميركى للعراق- هل كان الغزو حقا محاولة أستباقية لهزيمة الأنظمة التى ترعي الإرهاب أم هي الأستراتيجية الأميركية التي أعدها اليمين المسيحى سلفا للسيطرة علي المنطقة لأسباب أخرى فى مقدمتها النفط ؟

الواقع أن الغزو الأميركى للعراق يمثل اشكالية كبيرة الى الآن,وهناك الكثير من الأسئلة التى تثار فى هذا الموضوع ومنها على سبيل المثال: هل كان هذا الغزو فى فكر الأدارة الأميركية قبل أحداث الحادى عشر من سبتمبر أم هو نتيجة لها ؟ وهل وقع هذا الغزو نتيجة لأن هناك دكتاتور فى العراق هو صدام حسين ويجب ألقضاء عليه ؟ لقد كان هناك دكتاتور آخر فى سوريا هو حافظ الأسد وكان هناك من قبل دكتاتور آخر فى السودان هو جعفر النميرى وكل العالم العربى تحكمه دكتاتوريات. لذلك فأن الجدل ما يزال قائما فى الأوساط العربية والأميركية, لكن الخلاف بين المعالجة الأميركية والمعالجة العربية لموضوع الغزو هو خلاف بين المعالجة العقلية والمعالجة العاطفية, هنا فى أميركا تستعمل التحليلات العقلية فيما يتعلق بهذا الغزو أو بأى خطوة سياسية أوعسكرية تخطوها الأدارة الأميركية, بينما نحن فى العالم العربى نحيل كل مشكلة أو ظاهرة سياسية الى موضوع المؤامرة, ومن ضمن فرضيات نظرية المؤامرة هذه أن أميركا تريد السيطرة على النفط العربى,أنا عندما أسمع مثل هذا الحديث لا أفهم ما معنى هذه السيطرة لأن أميركا- قبل هذه الحملة علي العراق وقبل أحداث سبتمبر ومنذ عام 1942 عندما أعطت السعودية أول امتياز للتنقيب عن النفط فى أراضيها- أصبحت فى قلب العالم العربى والشرق الأوسط وأصبحت مسيطرة من خلال شركة أرامكو والشركات الأخرى على هذا النفط العربى,ثم أننى أتساءل لماذا لم تتبدى هذه السيطره أو هذا النهب للنفط العربى من قبل أميركا بعد تحرير الكويت؟ دعوا الكويتيون يسألون أنفسهم ونسألهم نحن, ماذا أخذت أميركا من تحرير الكويت؟ لم تأخذ أميركا نقطة نفط واحدة مجانا, وهى تشترى الى الآن كما يشترى العالم كله النفط من الأسواق بالأسعار العالمية وبأسعار السوق المتذبذبة صعودا ونزولا, اذا ما هى غاية أميركا من هذا الغزو؟ يجب أن نعلم أن القيم والموازين السياسية أختلفت بعد انتهاء الحرب الباردة وسقوط الأتحاد السوفيتى واختفاء الشيوعية من العالم بحيث أصبحت أميركا هى المسئولة عن سلام المنطقة, ما تريده أميركا من المنطقة هو بحيرة نفط هادئة وسالمة كالبقرة الحلوب تستطيع أن تدر هذا النفط يوميا بمقدار عشرين مليون برميل كما تدر الآن وبحيث لا يكدر هذا الصفو أي عامل سياسي أواقتصادي أودينى أواجتماعي وما عدا هذا المنطق فأن كل التفسيرات الأخري تدخل في صفحة الخيال السياسي وهو الخيال الذى تشجعه وتثيره وتغذيه المؤسسات الدينية والقومية في العالم العربي والتي تضخ كل يوم مئات بل ربما آلآف المقالات والأحاديث وخطب الجمعة وأحاديث الفضائيات وغيرها في عقل المواطن العربي المتلقي لهذا الكلام دون أن تدع هذا المواطن يعرف الحقيقة كاملة.

بعد حوالي ثلاثة أعوام من الغزو هل أصبح العالم أكثر أمنا أم أزداد أنتشار الظاهرة الإرهابية؟

هذا سؤال صعب,لأننا بعد الحرب العالمية الأولي سألنا نفس هذا السؤال مباشرة, وكذلك كررنا ذات السؤال بعد سقوط هتلر وزوال الرايخ الثالث, من الصعب الأجابة علي مثل هذا السؤال ولكن فيما يتعلق بالحالة العراقية فأن رأيي الشخصى-الذي ربما يكون مستهجنا من قبل البعض- أن ما حدث في العراق حتي الآن هو أفضل بكثير جدا مما كان عليه الحال أثناء حكم صدام, صحيح أنه الي الآن راح أكثر من مائة الف عراقي ضحية لما وقع في فجر التاسع من نيسان عام 2003 لكن لنسأل أنفسنا من هو المسئول عن ذلك؟ لو أن ما حدث في العراق وجد نفس الأرضية السياسية والأجتماعية التي كانت سائدة في اليابان أو في المانيا عام 1945 هل كان سيحدث في العراق ما هوحاصل اليوم ؟ لو لم تكن سوريا علي حدود العراق هل كان سيجري في العراق ما هو جار اليوم؟ لو لم تكن أيران أو الوهابية السعودية علي حدود العراق هل كان يمكن أن يحدث ما يحدث الآن؟ أنا أري- وربما أكون مخطئا- أنه ما كان ممكنا حدوث ما حدث لو أختفت هذه القوي الثلاث. بالنسبة لسوريا التي تمثل الشق الثاني من حزب البعث فلا يرضيها بالتاكيد أن يتكرر الفلم العراقي من جديد ليذهب حكم الأسد الي الأبد كما ذهب صد وبالنسبة لأيران فمعلوم أن لهم مشكلتهم الخاصة مع الغرب عموما ومع أميركا خصوصا منذ عام 1979 والي الآن ولذلك فأنهم وجدوا الأرض العراقية مجالا كبيرا وفرصة سانحة للانتقام من أميركا ,والأصوليون الوهابيون وغيرهم وجدوا فرصة للأنتقام من الكل بالقتل العشوائي الذي طال الجميع دون فرز.أذا الكل تجمعوا في العراق الآن من أجل ثاراتهم الخاصة, واذا أفترضنا علي غرار نظرية الواقع المضاد counterfactual أنه لو لم توجد هذه الدول المجاورة وتلك الأصولية فأنه في رأيي الخاص ما كان ممكنا أن يحدث في العراق ما هو حادث الآن.

في مقدمته التى كتبها لكتاب المفكر الليبى الدكتور محمد عبد المطلب الهوني "المأزق العربي ... العرب فى مواجهة الأستراتيجية الأميركية الجديدة" لم يرفض الأستاذ العفيف الأخضر التدخل الأجنبي للخروج من المأزق العربي ما هو تعليقكم؟

أنا في الواقع لدي كتاب تحت الطبع عن العفيف الأخضر بعنوان "محامي الشيطان" ومحامي الشيطان هو أصطلاح فرنسي يعني أن هذا المفكر أوذاك ضد التيار العام وضد الرأي العام في الشارع, ووجهة نظر العفيف الأخضر هذه والتي أؤيدها انا تقول أنني أذا احتجت لأي مساعدة خارجية من أجل هدف وطني كما حدث في العراق فلا مانع من أن استعين بأي قوة أجنبية. الرسول (ص) استعان بملك الحبشة علي قريش وأرسل المهاجرين الي هناك كي يبقوا في سلام. هارون الرشيد أتفق مع شارليمان ملك فرنسا وتحالف معه علي أسقاط الدولة الأموية المسلمة في الأندلس. لماذا نستعين بالغرب في قضاء كل حوائجنا اذا كانت تلك هي رغبة الحاكم وعندما نستعين به لأزالة الحكم الباطش لأن الشعب غير قادرعلي ازالته تصبح العملية تدخلا أجنبيا في شئوننا الخاصة؟ نحن لدينا تاريخ طويل في الأستعانة بالغرب منذ الدولة العباسية وحتي الحكم العثماني, وأخيرا أقول انه أذا تقاطعت مصالحنا مع مصالح الغرب فلا مانع من الأستعانة بالغرب علي أن نحفظ الحقوق الوطنية.

في تحول كبير في سياستها تجاه دول الشرق الأوسط دعت الأدارة الأميركية الي ضرورة اجراء أصلاحات أساسية فى أنظمة الحكم في تلك الدول وذلك بأعتماد الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة واحترام حقوق الأنسان وفى حين ينظر الكثيرون بعين الشك والريبة لهذا التحول دعا آخرون الي مساندته دون تحفظ. ماذا تري فى هذين الموقفين؟

المطالبة بالإصلاحات الأساسية في أنظمة الحكم هي مطالبة سابقة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر, في السودان مثلا أنتم طالبتم بالأصلاح السياسي بعد ذهاب الأستعمار البريطاني, وكل الدول التي استقلت في الخمسينيات والستينيات طالبت بالأصلاح السياسي, اذا هذه المطالبة موجودة ولكن لا حياة لمن تنادي, فليس هناك حاكم لديه الأستعداد للتخلي عن السلطة في سبيل أن يعطي الشعب حقوقه. وأحترام حقوق الأنسان أيضا كان مطلبا أساسيا قبل أنتهاء الحرب الباردة وعندما كان الأتحاد السوفيتي يدعم الدكتاتوريات العربية في مصر وسوريا والجزائر وجنوب اليمن وعندما كانت أميركا تدعم الأنظمة التي كان يطلق عليها الرجعية كالسعودية والأردن والمغرب وغيرها كان الأصلاح موجود كمطلب في هذه الدول. هناك كثيرون ينظرون الي سياسات أميركا بعين الريبة والشك ولهم الحق في ذلك ولكن دعونا نقول بصراحة ان الغرب - وعندما أقول الغرب فأنني اعني أمريكا أوالأتحاد الأوروبي أو كلاهما معا- يريد هذا الشرق الأوسط آمنا مطمئنا وهو كذلك يريد تطبيق الديمقراطية ليس حبا في العرب وليس حبا في أن تسود الديمقراطية في الوطن العربي ولكن حبا في أن يصبح هذا العالم العربي الذى هومصدر الطاقة الرئيسية التي تعتبر الشريان الحقيقي للحياة في الغرب وفي العالم بحيرة هادئة ساكنة بعيدة عن كل التوترات والتقلبات السياسية وبعيدة عن أن يسقط البترول يوما ما في يد ديكتاتور يتحكم فيه كما يشاء وهو في الواقع يتحكم في مصير العالم ككل.

دعت الإدارة الأميركية الي ضرورة تغيير المناهج التعليمية فى العالم العربى

والأسلامي وذلك فى أطار حربها علي الأرهاب وكان الأستاذ العفيف الأخضر قد دعا الى ذات الشى من قبل وكذلك الدكتور محمد أركون الذى يقول في كتابه "معارك من أجل الأنسنة فى السياقات الأسلامية" ما يلى :

"من الواضح أنّ برامج التعليم منذ المدرسة الأبتدائية وحتى الجامعات هي أول شى ينبغى تغييره اذا ما أردنا التوصل الي ثقافة أنسانية منفتحة يوما ما" ما هو تعليقكم؟

كلام الدكتور محمد أركون كتب قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر وموضوع أصلاح التعليم الديني بدأ مبكرا جدا في العالم العربي, في عام 1957 نادي الحبيب بورقيبة في تونس بأصلاح التعليم الديني وأغلقت جامعة الزيتونة التي كانت بمثابة الأزهر في المغرب العربي وقام الطاهرعاشور وعلماء آخرين من تونس بوضع برامج دينية جديدة بحيث حرصت هذه البرامج علي عدم تكفير الآخر وعدم العداء مع الآخر وأصبحت هذه المناهج متماشية مع روح وقيم العصر. اذا أصلاح التعليم الديني الظلامي دعوة ليست لها علاقة بأمريكا. في مصر بعد عام 1979 وهو العام الذي وقع فيه أتفاق كامب ديفيد قام الرئيس السادات بشطب كافة الآيات التي تحض علي كراهية اليهود من المناهج الدراسية وليس من القرآن لأن لا أحد يجرؤ علي أن يحرك حرفا واحدا من القرآن وكانت الحجة في ذلك كما قال حكمت سليمان المستشار المسئول عن تطوير المناهج في وزارة التربية والتعليم أنه ما عادت هناك حاجة الي مثل هذه المناهج ومثل هذا الفكر الذي من الممكن أن يحض الشباب علي كراهية شعب نحن طبعنا علاقتنا معه كمصريين. والواقع فيما يتعلق بالآيات القرآنية التي تتحدث عن محاربة الكفار وخيانة اليهود للاسلام والمسلمين في المدينة فأنا لي رأي قد لا يتفق فيه معي عدد كبير من الناس , أنا أعتقد أن اي حكم سياسي judgment يقع علي حالة سياسية معينة فأن هذا الحكم يأتي بالضرورة في سياق الواقع التأريخي والأجتماعي والسياسي والأقتصادي الذي أفرزه ولكنه ليس حكما عابرا للتأريخ لماذا ؟ لأن السياسة عبارة عن محركات وليست ثوابت, العقائد هي الثابتة, التوحيد هو الثابت علي مر التأريخ , الأيمان بالله والرسول وخلق الكون ومسائل العبادة هي ثوابت لا تغيير فيها , لكن علاقة المسلمين بالأخرهي من المتغيرات وليست من الثوابت. أن الآيات المكية التي نزلت في شأن اليهود تختلف عن الآيات المدنية التي نزلت فيهم. هناك في الآيات المكية مراعاة لأهل الكتاب ودعوة لمعاملتهم بالحسني, في حين أن الآيات المدنية تخالف ذلك وهذا يعزي للخلاف الذي وقع بين الرسول واليهود في يثرب. وموضوع اليهود في المدينة موضوع مهم وقد تحدثت عنه بالتفصيل في كتابي "المال والهلال". كان اليهود في المدينة بمثابة بنك الجزيرة العربية بمعني أنهم كانوا يقومون بتسليف تجار قريش وغيرهم المال وكانوا كذلك يزودون قريشا بالسلاح الذي كانوا يسيطرون علي صناعته في يثرب . وعندما قرر الرسول الهجرة للمدينة شجعه اليهود بالاضافة للأوس والخزرج, ليس حبا في نشر الأسلام لأن اليهود لم يكونوا معنيين بالدين عموما, فيهود الجزيرة العربية لم يباشروا نشاطا دينيا علي الأطلاق, المسيحيون هم الذين نشطوا في الدعوة الدينية وأقاموا الأديرة علي طريق القوافل بين مكة وبلاد الشام ومكة واليمن في رحلتي الشتاء والصيف. أما اليهود فأنهم لم يحاولوا ممارسة أي نشاط ديني لكسب المزيد من المؤمنين لديانتهم وذلك لأن الديانة اليهودية - كما هو معروف تاريخيا- هي عرق أكثر منها دينا بمعني أنه من الصعب أن تصبح يهوديا الا اذا ولدت كذلك, ولهذا السبب لم يكن اليهود معنيين بموضوع التبشير بديانتهم وكان يهود المدينة يركزون علي موضوع التجارة. وعندما هاجر الرسول الي المدينة وانشأ دولته وهي بالمناسبة أول دولة علمانية في الأسلام بمعني أنه أشرك فيها بجانب المسلمين المشركين من الأوس والخزرج بالأضافة لليهود ولذلك فهي لم تكن دولة دينية بقدر ما كانت دولة دنيوية أوبالأصطلاح الحديث الآن secularist government . أيّد اليهود هجرة الرسول لسبب أقتصادي وليس لسبب ديني فقد كانوا يريدون الأستفادة من الرسول وهو تاجر سابق وذو باع طويل في التجارة. أتفق الرسول مع اليهود علي أن لايناصروه علي قريش لأنه يعلم أن لليهود مصالح تجارية معهم وكذلك أتفق معهم علي أن لا يزوّدوه بالسلاح لأنه سيحارب به زبائنهم القرشيين. الاّ انّ الموازين السياسية أختلفت بعد ذلك فطلب الرسول المال و السلاح من اليهود فرفضوا وذلك حسب الأتفاق القائم بينهم ولذلك وقع الشقاق والنزاع بين الرسول واليهود ونزلت الآيات التي دعت لمحاربتهم. كل هذه الأحداث وقعت قبل الف وأربعمائة عام (أربعة عشر قرنا) نتيجة لظروف سياسية واقتصادية وتاريخية معينة, ونحن اليوم في القرن الحادي و العشرين لنا ظروف سياسية مختلفة, صحيح أنّ لنا خلافا مع اسرائيل التي تحتل ارضنا العربية وتهددنا بعلمها وعسكرها ومالها وصناعتها وخبرائها, ولكن هذه قضية مختلفة من قضيتنا مع اليهود في ذلك الوقت, نحن الآن نرّدد الآيات التي نزلت قبل أربعة عشر قرنا لتوصيف القضية الحالية وأنا أختلف في ذلك وهذه هي وجهة نظري فيما يتعلق بهذا الموضوع. وعود علي بدء أقول أن المناهج التعليمية في العالم العربي مكتظة بهذا الكلام, وهذا الكلام يرّدد في خطب الجمعة وفي البرامج الدينية بالتلفزيون والفضائيات وفي الصحافة الدينية وعلي شاشات الأنترنت وفي المجالس وهو من أسباب – وليس السبب الوحيد – موجات الأرهاب الموجودة في العالم العربي والأسلامي. أن اصلاح مناهج التعليم لا يعني قطعا حذف حرف واحد أو نقطة واحدة من القرآن الكريم أو تعديل أي حديث صحيح صدر عن الرسول الكريم ولكن يعني رفع مثل هذه الآيات وتلك الأحاديث من المناهج الدراسية حتي لا تثير في الشباب ما يسمي اليوم بالجهاد.

مسيرة التنوير التي بدأت في القرن التاسع عشر مع الطهطاوى وقاسم أمين ثم استمرت مع علي عبد الرازق وطه حسين حتى وصلت الي محمود محمد طه ونصر أبوزيد ومحمود اسماعيل والعفيف الأخضر وشاكر النابلسى وخليل عبد الكريم وغيرهم من المفكرين ما هى ملامحها والي اين وصلت ؟

يبدو لي أن هذا هو أهم سؤال في هذه الجلسة, وهو في رأيي سؤال يلخص أشكاليتنا الأساسية في العالم العربي وهي لماذا لم تتم المصالحة بين الحداثة والأصالة ؟ وهو سؤال يدور الآن في الوطن العربي وكان يدور منذ أيام طه حسين وكتابه القنبلة " في الشعر الجاهلي" . هناك أسباب كثيرة لعدم أتمام المصالحة بين الحداثة والاصالة. السبب الأول هو غياب فاعل الحداثة التأريخي وأعني به البرجوازية الحديثة, الطبقة الوسطي في العالم العربي غير موجودة الي الآن حقيقة واذا كانت موجودة في بعض البلدان العربية فهي ضعيفة وغير فاعلة. ثانيا, عدم وجود أرضية للحداثة في العالم العربي بمعني أن الملكية الخاصة للأرض لم تدخل الي دار الأسلام الاّ بعد دخول الأستعمار اليها فقد كان الخليفة هو المالك الوحيد للأرض ولم يكن ملاّكها الفعليون الاّ مجرد متصرفين ينتفعون بها مؤقتا في ظل خوف دائم من مصادرتها. ثالثا, هناك عامل نفسي وهو في واقع الأمر عائق نفسي يتمثل في التشبث العصابي بالماضي التليد, فنحن شعب الماضي ولايوجد شعب علي وجه الأرض الآن يتغني بالماضي التليد كالشعب العربي, وربما يكون ذلك بسبب ماضينا العظيم وهذا شى حقيقي لأننا جئنا بحضارة ودين ورسالة هامة للبشرية غيرت وجه الأرض والتاريخ ولكن يجب أن لا نرتهن كلية لهذا الماضي, ويجب كذلك أن نستفيد من تجارب الأمم الأخرى فيما يتعلق بالحياة المدنية المعاصرة ولا ننغلق علي أنفسنا. رابعا, لجوء الوعي الأسلامي التقليدي الي التعزي بالماضي التليد عن الحاضر التعيس. نحن نمجد الماضي لأن حاضرنا بائس أذ نعاني من الأنهزام النفسي والحضاري ومن التدهور الأقتصادي والأجتماعي ولهذا نلجأ الي هذه العملية الأسقاطيه أو التعويضية لنعزي أنفسنا. خامسا, الأصولية الشعبوية التي تقيم مناحة يومية علي الهوية الدينية, فنحن مشغولون بالهوية القومية والدينية للدرجة التي قادتنا الي التعصب ضد الآخر. هذه هي الاسباب التي أدت الي عدم المصالحة بين الحداثة والأصالة , وهي الأسباب التي ادركتها اليابان وعالجتها لتتم المصالحة المنشودة, فاليابان لم تستطع أن تطبق الحداثة السياسية والأجتماعية الاّ عندما فصلت بين الماضي والحاضر ولليابانيين تاريخ مجيد أيضا ولكنهم أستطاعوا أن يتخطوا هذه العقدة التي ما زلنا نعاني منها حتي الآن وهي عقدة الهوية الدينية والقومية.

تبدو الظاهرة الأسلامية السلفية التى ترجع جزورها الي الأمام احمد بن حنبل ثم ابن تيمية من بعده مرورا بمحمد بن عبد الوهاب وحسن البنا ووصولا الي ابو الأعلي المودودى وسيد قطب وحسن الترابى هى المسيطرة علي المشهد الفكري الأسلامى في حين تم قمع تيارات فكرية أخري علي رأسها تيار الأعتزال حيث أضحي هذا التيار وفكره ورموزه في العالم الأسلامي مرادفا للزندقة والكفر. ما هو دور السلطة في تغييب هذا التيار العقلاني الأهم في الفكر الأسلامى ؟

دور السلطة كان دورا كبيرا في تغييب العقلانية الأسلامية وكذلك العقلانية القومية لأن مصلحة السلطة كانت علي الدوام مع الفكر التبعي غير العقلاني, وكما هو معلوم فأن المؤسسات الدينية التي كانت وما زالت تقود الفكر الديني كانت دائما أو في أغلب الأحيان الي جانب الحكام. تصوروا معي المشهد العربي الآن وفي التاريخ القريب, من هي الجهة التي تقف الي جانب الحكام وتسندهم بالفتاوي والمبررات الدينية ؟ في مصر نجد الأزهر يلعب هذا الدور, في الردن جبهة العمل الأسلامي, في السعودية والمغرب نجد أن المؤسسة الدينية هي التي تحمي النظام وهي المظلة الكبيرة للحكام, في السودان أيام النميري لعب الأخوان المسلمون بقيادة الترابي نفس الدور, من الذي حمي الملكية الدكتاتورية في مصر ؟ الأخوان المسلمين هم الذين حاولوا بشتي الطرق بعد أن أسقط كمال أتاتورك الخلافة الأسلامية في عام 1924 أن يعيدوا الخلافة الأسلامية وأقنعوا بها فؤاد الأول الذي جمع شيوخ الأزهرالذين نادوا بطريقة غير مباشرة بخلافة فؤاد الأول الي أن أضطر الشيخ علي عبد الرازق في كتابه الشهير "الأسلام وأصول الحكم " الذي صدر في العام 1925 الي أن يقول أنه لا دولة في الأسلام وهو شيخ أزهري أبا عن جد وقد طرد من الأزهر ومن سلك القضاء وصودر كتابه و حوكم. اذا فهي حقيقة أن المؤسسة الدينية لعبت الدور الأهم والأكبر في تغييب العقلانية.

قام عدد من المفكرين بدراسة ظهور الأسلام من منظور تأريخى واجتماعى نذكر منهم حسين مروة في كتابه"النزعات المادية في الفلسفة العربية الأسلامية"ومحمود اسماعيل في كتابه"سوسيولوجيا الفكر الأسلامى" وسيد القمنى في كتابه" الحزب الهاشمي وتأسيس الدولة الأسلامية" وخليل عبد الكريم في كتابه "قريش من القبيلة الي الدولة المركزية" وفي حين ركّز هؤلاء جميعا علي تقصى الجوانب التأريخية والأجتماعية والأقتصادية والسياسية اّثرت انت التركيز علي دور المال في ظهور وأنتشار الأسلام وذلك فى كتابك "المال والهلال". لماذا التركيز علي المال وحده دون الجوانب الأخرى ؟

أنا أؤمن بنظرية تقول أن التاريخ يشكله عنصران أساسيان هما المال والجنس, ربما تكون هناك عناصر أخري ولكنها عناصر ثانوية. لماذا المال والجنس؟ نحن عندما نستعرض حروب البشرية كلها منذ أن خلق آدم والي الآن نجد ان المال كان عنصرا أساسيا في نشوب هذه الحروب., وعندما نستعرض هذه الحروب أيضا فأننا نجد أن المرأة لعبت دورا ما في هذه الحروب. من هذا المنطلق فكرت في أن أكتب عن الموانع والدوافع الأقتصادية لظهور الأسلام, وقلت أن قريشا لم تكن قبيلة دينية متشددة مثل الوهابيين في السعودية أو المهدية في السودان أو السنوسية في ليبيا, وانما كانت قبيلة تجارية من الطراز الأول حتي أنها أستخدمت الأصنام لترويج تجارتها وليس حبا في في العبادة, ولذلك كانت كانت هناك اسواق دينية في الحج تستمر لعدة أشهر وكان اشهرها سوق عكاظ. والهدف الرئيسي من هذه الأسواق هو تنشيط التجارة, وتجميع الأصنام في مكة لم يكن حبا في الأصنام ولم يكن كذلك حبا في الشرك ولكن لكي تكون مكة قبلة العرب الدينية وبالتالي قبلة العرب التجارية. كانت مكة في القرن نهاية القرن السادس الميلادي وبداية القرن السابع عبارة عن نيويورك الآن, هي عاصمة التجارة والمال في الجزيرة العربية وهي لذلك كانت تعمل ما في وسعها لكي تبقي هذه التجارة نشيطة بكافة الوسائل ومنها الوسائل الدينية, ولذلك فأنهم عندما أختلفوا مع الرسول (ص) لم يختلفوا لأن الرسول موحّد وهم مشركون ولكنهم أختلفوا بأعتبار أن هذه الدعوة سوف تعطل تجارتهم وأقتصادهم الي حد كبير, ومن ذلك أن الرسول يدعو العبيد للتمرد علي أسيادهم والتجارة القرشية قائمة علي هؤلاء العبيد الذين يسافرون في رحلة الشتاء والصيف. والجدير بالذكر هنا هو أن الأسلام قضي في مكة أكثر من أثني عشر سنة ومع ذلك لم يستجب للدعوة أكثر من مائة وخمسين شخصا علي أحسن تقدير, والسبب في ذلك هو التركيز علي أنّ هذا الدين هو دين الفقراء والمستضعفين وهو ضد الأغنياء والطبقة الأرستقراطية, وكل هذه الأشياء جعلت قريش تعتقد أنّ هذا الدين جاء لكي يهدم النظام الأجتماعي والأقتصادي القرشي وانّ المسألة ليست أستبدال الأصنام بعبادة واحد أحد, وهي ليست معركة بين الشرك والتوحيد وأنما هي معركة بين الوضع الأجتماعي والأقتصادي الذي كان قائما في ذلك الوقت والدعوة الأسلامية الي التحرّر ورفع الظلم عن العبيد والفقراء وتوزيع الثروة. ومن هذا المنطلق انطلق كتاب " المال والهلال" فقال بالموانع الأقتصادية التي أدت الي عدم أنتشار الأسلام بما فيه الكفاية خلال الأثني عشر سنة الأولي التي قضاها الرسول في مكة , وكذلك درس الكتاب الدوافع التي ساهمت في أنتشار الأسلام بعد ذلك. ومن الأسباب التي دفعتني كذلك الي كتابة " المال والهلال" هي علاقة الرسول (ص) باليهود في المدينة وهي العلاقة التي أسهبنا في شرحها في بداية الحوار. كل هذه الأسباب جعلتني أركز علي جانب المال دون الجوانب الأخري ولكن هذا لايعني أطلاقا أن المال كان هو الدافع الوحيد, أنا لم أقل ذلك علي الأطلاق.

فتح الدكتور طه حسين الطريق أمام النظرة العقلانية لأكبر الخلافات التي هزّت الكيان الأسلامي وأثرت فى توجيه مساره حتي اليوم بكتاب "الفتنة الكبري" ثم درس المفّكر التونسى د. هشام جعيط فى بحثه الملفت للنظر "الفتنة : جدلية الدين والسياسة فى الأسلام المبكّر" ذات الحدث. كيف يرى الدكتور شاكر أثر الفتنة فى مسار التأريخ الأسلامي ؟

لاشك بأن للفتنة جوانب سلبية ولها كذلك جوانب أيجابية في التأريخ الأسلامي, ولكن أولا اريد أن اقول شيئا بخصوص كتاب الدكتور طه حسين "الفتنة الكبري" وهو أنه حدث في مصر شىء أنا أسميه عقدة الذنب الدينية لدي بعض المفكرين المصريين. بعض هؤلاء المفكرين عندما يجنحون ويشددون الوطء في الأحكام علي التأريخ الأسلامي يعودوا بعد فترة يستغفروا الله ويتراجعوا عن أفكارهم. حدث هذا الشىء مع الشيخ علي عبد الرازق عندما كتب " الأسلام وأصول الحكم" فقد ذكر الدكتور محمد عمارة أن أبن الشيخ علي عبد الرازق قال له أن والده قبل ان يموت في عام 1970 كان ينوي ان يكتب كتابا ينقض فيه كل ما قاله في "الأسلام وأصول الحكم" . طه حسين عندما كتب كتابه الأشهر " في الشعر الجاهلي" وقال في فصله الأول ما معناه أنه لا يلزمه أطلاقا أن يصدق وقوع حادثة تاريخية ما لمجرّد ورودها في القرآن , وعندها ثارت ثائرة الأزهر وصودر الكتاب وطرد طه حسين من الجامعة . بعد ذلك الكتاب ولكي يكّفر طه حسين عن ذنبه كتب "الفتنة الكبرى" و"علي وبنوه" و"علي هامش السيرة" و"مرآة الاسلام" , وانا أعتبر أنّ هذه الكتب هي كفارة للكلام الذي قاله في كتاب "في الشعر الجاهلي". أمّا خالد محمد خالد فقد كتب كتابه القنبلة " من هنا نبدأ" في عام 1950 وقال فيه أن الدولة الدينية هي أكثر الدول ظلما وفسادا وبأنه لا يوجد شىء في الأسلام أسمه دين ودولة فالأسلام دين وليس دولة وبأنه لا يوجد مبرر لقيام الخلافة الأسلامية . وفي ذلك الوقت تحمست أنا لكتابات خالد محمد خالد وبدأت أشتري كتبه ثم قررت أن أكتب عنه كتابا فكتبت عنه كتابا من ستمائة وخمسين صفحة هو كتاب " ثورة التراث : دراسة في فكر خالد محمد خالد" ثم يفاجئني خالد محمد خالد في عام 1981 وهي نفس السنة التي قتل فيها السادات بأصدار كتاب " الدولة في الأسلام" ويقول في هذا الكتاب أنه لايوجد دين في العالم أقر العلاقة بين الدين والدولة , وتبين فيما بعد أنه كان واقعا تحت ضغط الجماعات الأسلامية التي بدأت في الظهور وأغتالت السادات في نفس العام الذي ظهر فيه الكتاب. ثم أخيرا جاء سيد القمني الذي تخلي عن كافة أفكاره لمجّرد تهديد من الجماعات الأسلامية. هذا كله مسلسل الشعور بالذنب الديني عند بعض المفكرين المصريين. وأما فيما يخص أثر الفتنه فأقول بأن الفتنة كان لها سلبيات وايجابيات. من الأيجابيات الكبيرة أنها أخرجت تيارات فكرية وسياسية حرّكت السكون والجمود الذي صاحب الحياة السياسية عند نهاية العصر الراشدي وبداية العصر الأموي . فالخوارج مثلا هم أول من قالوا بتولية المرأة وكانت عضوية تنظيمهم تشمل النساء. ومن مضار الفتنة هو بدء الحكم الأموي ومن بعد ذلك الحكم العباسي وحصر الملك في في قريش القرون طويلة.

يعتمد الخطاب الجهادى السلفى في تبرير أستخدام العنف علي الآية الخامسة من سورة التوبة وهي الآية المعروفة باّية السيف:

"فقاتلوا أئمة الكفر انهم لا ايمان لهم ولعلهم ينتهون, فأذا انسلخ الأشهر الحرم فأقتلوا المشركين حيث وجدتموهم, وخذوهم وأحصروهم وأقعدوا لهم كل مرصد". وهي الآية التى قالت بشأنها أبواب النسخ في علوم القرآن أنها نسخت جميع آي السلم و التسامح وحرية الأعتقاد. كيف ينظر الدكتور شاكر الى قضية الناسخ والمنسوخ فى القرآن؟

الناسخ والمنسوخ في القرآن هي أكبر مشهد عقلاني في الأسلام , لأنه عندما كانت تقع حادثة كانت تنزل آية وعندما تقع حادثة مضادة كانت تنزل آية ناسخة لتلك الآية. اذا كان هنالك تعديل للأوضاع حسب السياق التأريخي والسياسي. عندما كان الوحي مستمرا كانت هناك مرونة كبيرة جدا فالله لم يقل أن هذه الآيات التي أنزلتها هي آيات عابرة للتاريخ فلا تغيير فيها بغض النظر عن تغير الظروف التاريخية, لكن عندما كان هناك داعي للتغيير كان ينزل في صورة آيات ناسخة وهذه هي الفكرة الأساسية من الناسخ والمنسوخ .

أهل الأسلام السياسي يجادلون فى ان مبدأ "تأريخية النص" الذي يطرحه تياركم ما هو الا دعوة لوضع القرآن في متحف التاريخ وتجريده من الفعالية الأمر الذى يتناقض مع صلاحيته لكل زمان ومكان. ماهو تعليقكم؟

هذا الكلام يقال من قبل بعض المؤسسات الدينية, نحن بصراحة وانا شخصيا لي رأى قد أكون مخطئا فيه وهو أنّ القرآن ينقسم الي قسمين, القسم الأول هو الآيات التوحيدية المتعلقة بالعقيدة وهذه الآيات لا نقاش حولها فهي عابرة للتاريخ مائة بالمائة , القسم الثاني هو الآيات المتعلقة بالعقوبات والحدود والعلاقة بالآخر و ما شابه ذلك وهذه الآيات خاضعة في تفسيرها للسياق التاريخي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي الذي أفرزها ونزلت فيه.

من القضايا التي تؤرق كثير من المفكرين المستنيرين قضية المرأة فى الأسلام , هل من قراءة أخري لأوضاع المرأة عبر البحث فى موضوعات الميراث والشهادة وتولي القضاء والولاية الكبرى؟

في واقع الأمر ان الاسلام لم يظلم المرأة ولكن ظلمها الفقهاء الذين أغلقوا باب الأجتهاد منذ القرن الثالث الهجري (حكم الخليفة المتوكل), و قياسا علي الواقع الذي كانت تعيش فيه المرأة قبل الأسلام فأن الاسلام أعطاها أكثر مما تستحق ولكن مع مرور الزمن وجمود الفكر الأسلامي تدهورت أوضاع المرأة ألي حد بعيد. في العصر الحالي حدثت اجتهادات جريئة خصوصا في تونس حيث صدرت في العام 1957 مجلة الأحوال المدنية التي منعت تعدد الزوجات وأقرت المساواة بين الرجل والمرأة في الميراث. وتعتبر مجلة الأحوال المدنية التونسية من أكثر المجلات والقوانين المدنية تقدما ليس في الوطن العربي ولكن في العالم كله .

يرجع الدكتور نصر حامد أبوزيد تأخر المجتمعات الأسلامية و العربية الي هيمنة عقلية النص كما جاء فى كتابه "مفهوم النص : دراسة فى علوم القرآن" الذي وصف فيه الحضارة الأسلامية بأعتبارها حضارة نص,هل تتفق معه في الرأي ؟ وكيف يمكننا الخروج من هذه الأشكالية ؟

السؤال الهام في رأيى هو هل الأسلام حضارة غير نص ؟ هذا الكم الهائل من كلام الفقهاء والمفسرين وكلام الشيوخ في الحدود والعقوبات والتوحيد والخ يدور حول النص, اذا بالفعل نحن حضارة نص ولا زلنا حتي اليوم وبعد أربعة عشر قرنا من توقف الوحي ومازال شغلنا الشاغل وهمنا الأول والأخير هو أما أن نقبل بهذا التفسير أو لا نقبل به أو نأتي بتفسير آخر.

أصدر الدكتور شاكر في العام 2002 كتابا يعتمد نظرية الCounterfactual

ليرسم عدة سيناريوهات محتملة لمستقبل العرب فيما اذا لم يظهر الأسلام.

هل يمكن أن تحدثنا عن تلك النظرية و السيناريوهات التى خرجت بها ؟

الفكرة الأساسية لهذا البحث تتمثل في السؤال التالي : لو لم يظهر الأسلام ما حال العرب اليوم ؟ وهو بحث قائم علي نظرية علمية يطلق عليها نظرية الواقع المعاكس أو الواقع المضاد, أو نظرية الأحتمالات العلمية Counterfactual , وهي نظرية تقوم علي تصّور الواقع الآخر, فيما لو لم يكن الواقع الذي نعيشه قائما. وقد قمت في هذا البحث بتقديم ثلاثة سيناريوهات محتملة لكل من الواقع الديني والثقافي والأجتماعي والأقتصادي والسياسي العربي, فيما لو لم يظهر الأسلام في الوقت المناسب, وفيما لو بقي العرب وثنيين, أو أعتنقوا الحنيفية, أو أعتنقوا اليهودية أو المسيحية .

ما هى فى نظرك الواجبات الأساسية للمثقف اليوم ؟

كثير من الناس يقولون أن علي المفكر أن يكون محرضا ,أنا ضد هذا الكلام, المثقف يجب أن يكون محللا وليس محرضا بمعني أن لايثير الغرائز والعواطف لدي الجمهور ولكن عليه أن يكون علميا وواقعيا ويكشف عن الحقيقة بما هو قائم وبما هو قادم وأن يكون شجاعا بما فيه الكفاية.

في قضية تسليط سيف التكفير علي رقاب المفكّرين كان لك موقفا رافضا للأعتذار الذى قدمه الدكتور سيد القمنى للجماعات الأسلامية حفاظا علي روحه ومستقبل أبناءه كما قال ؟

اذا أصدر الدكتور القمني بحثا علميا نقض فيه كل ما قال أو كتب فأنا أتفهم ذلك لأن هذه تعتبر مراجعة والمفكر الحر هو الذي يتغير بتغير الأحوال, لكن أن يحدث هذا تحت الضغط والأرهاب الأصولي فأنه يهزم الفكر التنويري والأتجاه الليبرالي عموما. التاريخ العربي ملىء بالأخبار عن صمود المثقفين في وجه العسف والأرهاب , وكلنا يعلم ان الخليفة المنصور رمي بأبن المقفع في فرن وشواه كما تشوي الخراف ومع ذلك لم يطع الخليفة. وفي أيامنا هذه اضطهد الدكتور نصرحامد أبوزيد وصدر في حقه قرار محكمة يقضي بالتفريق بينه وبين زوجته ومع ذلك لم يتراجع عن حرف واحد مما كتب. محمود محمد طه علّقوه علي حبل المشنقة وهو شيخ تجاوز السبعين ولم يهتز للحظة. العفيف الأخضر الآن مريض وتلقي تهديدا مباشرا من راشد الغنوشى, حسين مروة قتله حزب الله داخل غرفة نومه, فرج فودة ومهدي عامل استشهدوا في سبيل الدفاع عن أفكارهم ورؤاهم, والقائمة تطول.

الباحث الليبى المرحوم الدكتور الصادق النيهوم يقول أنّ الرجم لا وجود له في الأسلام وأنما اخذه الفقهاء من التوراة , ما هو تعليقكم ؟

هذه حادثة تاريخية صحيحة, ولكن ل يعيب الأسلام أن يأخذ من الأديان الأخري بعض المفاهيم والحدود والعقوبات, كلمة الذكاة مثلا كلمة عبرية , الحج كذلك كان يطبق كما هو في الجاهلية ما عدا التكبير. وقس علي ذلك العديد من المكونات الأسلامية الأخري.

لعب الأمام الشافعى دورا خطيرا فى التأسيس للسنة بوصفها مصدرا للتشريع مساويا للنص القرآني ولا يقل عنه الأمر الذي جعل من أصول الفقه مرتعا خصبا للفكر السلفي, ما هو تعليقكم ؟

هذا صحيح وأنا أتفق معك في ذلك.

Post: #795
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-28-2008, 03:38 AM
Parent: #794



Last Update 26 اغسطس, 2005 08:06:02 AM

محمد أدروب البجاوي الشامخ

والأكاديمي الشهير كتبه تصادر

د. أبو محمد أبو آمنة
[email protected]

حملت لنا انباء الشرق تعرض الاكاديمي الشهير والبجاوي الشامخ الاستاذ محمد ادروب اوهاج لمضايقات اجهزة الامن. فقد تم اعتقاله ببورتسودان ليوم واحد وتمت مصادرة كتبه عن تاريخ البجا ومنعت مداولتها , وطلبت منه اجهزة الامن –ويا للسخرية- استبدال بعض الصفحات باخري. والاستاذ محمد ادروب هو اكاديمي مشهور , ليس فقط في السودان, بل في كل انحاء العالم, خاصة في الاوساط الاكاديمية المتخصصة. ولاتخلو الجامعات في كل انحاء من مؤلفاته القيمة والفريدة من نوعها اذ ان ابحاثه تتناول التاريخ البجاوي, اللغة البجاوية ومفرداتها وطريقة كتابتها, والبجاوية وعلاقتها بالهيروغلوفية , ولغة مروي القديمة, الفلكور البجاوي وتاثره وتاثيره بالثقافات المجاورة. وتناول شخصيات لمعت في التا ريخ البجاوي.

انه في هذا المجال موسوعة علمية متحركة تنحني امامه الكفآت العلمية الاكاديمية في كل انحاء العالم اجلالا وتقديرا.

فهل تفهم هذه المجموعة في مكاتب الارهاب ما يكتبه هذا البجاوي الشامخ حتي تامره بتغيير هذه الفقرة او تلك؟ هل هم في مستواه الاكاديمي؟ انهم يسعون فقط لطمس تاريخ البجا الناصع, وخاصة ذلك الذي يتناول مقاومتهم للاذلال والاضطهاد والتهميش.

لقد كان محمد ادروب تلميذا للاستاذ ضرار صالح ضرارالمؤخ الشهير, فزرع فيه نواة حبه للتاريخ البجاوي, وذات مرة قدمه لوالده فانبهر هذا بحدة ذكاء هذا اليافع واهتمامه بتاريخ عشيرته وفتح امامه خزائن سليمان. انبهر هذا ايضا وكاد يغمي من شدة الفرح, وكاد لايصدق. وجد امامه كتب ومخطوطات ومذكرات وخرائط ووثائق قيمة ونادرة, وقال له الشيخ : خذ ما تشاء و انهل منها ما تشاء, فالتاريخ البجاوي يجب ان يسجل ويتداول. وصار فتانا يتررد علي شيخنا الكبير فسقاه مما عنده من معلومات.

وشيخنا هذا هو موسوعة تاريخ البجا علي مر الازمان , انه محمد صالح ضرار, ابن سواكن, عميد العجيلاب, حفيد الملهيتكناب. وكمؤرخ وجد كثيرا من الاشادة من عدة مؤلفين وعلي راسهم نيوبولد مؤلف كتاب قبائل البحـر الاحمـر, ومفتش مركز سنكات في اول عهده والسكتير الاداري في عهد الاستعمار. نعم اشادوا به جميعهم وعلي راسهم تلميذه اوهاج.وشيخنا ترك وراءه كوكبة من الابناء يفتخر بهم المجتمع البجاوي بل كل السودان , انهم الاستاذة ضرار, وقاسم, ورفعت, ونورالدين, وادريس, وصديق, وسليمان, والبطلة البجاوية آمنة..لا..انهم كلهم ابطال.

تأثر كذلك فتانا بمخطوطات ومؤلفات الشيخ محمد الامين شريف.

وفوق ذلك اجري الاستاذ محمد ادروب بنفسه دراسات ميدانية متعددة مضنية في كل ربوع الشرق, فكان لمؤلفاته طعمها الخاص والفريد.

الاستاذ الكبير محمود محمد طه وجد في محمد ادروب الذكاء والشجاعة والاقدام والمثابرة, فقربه اليه, وكشف له كثيرا من الافك والتضليل الذي تقوم به جماعات ومعاهد تدعي الاسلام, وهي بعيدة من روح الاسلام, ومن علماء الفتاوي الجاهزة, التي تصدر حسب الطلب.

هل لذلك ايضا يعاقب محمد ادروب؟

ان ملاحقات الامن تتواصل لابناء البجا, رغم اتفاقية السلام, ورغم ابداء نية الدولة ــ علي الاقل ظاهرياــ بالتفاوض مع مؤتمر البجا, الممثل الشرعي للشرق, وفي نفس الوقت الذي يجتمع فيه مندوب الولايات المتحدة مع اعضاء مؤتمر البجا في مكتب مجاور لمكتب الامن, انها سياسة عيدي امين, ونول بوت, وملوسوفتش, وبنوشيه, ولكن كما وصلت يد العدالة لهؤلاء السفاحين, ستصلكم ايضا لامحالة.

ان الاعتداء علي مؤلفات محمد ادروب اوهاج هو اعتداء علي الفكر السوداني, وعلي حرية النشر والكتابة, انه بربرية هتلر بعينها.

علي منظمات المجتمع المدني ان تتحرك وتحمي نفسها, فالتوقيع علي اتفاقيات السلام شئ وتطبيقها شئ اخر, وانصار الظلام لا يريدون تطبيقها. فعلي منظمات المجتمع المدني والحركة الشعبية يقع العبأ الاكبر في تطبيق وترسيخ بنود الاتفاقية, وجعلها حقيقة معاشة.

Post: #796
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-28-2008, 03:39 AM
Parent: #795


احمــد ..انت من ذلك الاســد
انهم من عمــالقة البجـــا
د.ابو محــــمد ابوامــــنة

الاستاذ الكبير محـمود محـمد طه شـنقوه لانه صاحب رسالة وصاحب تجديد, اراد ان يحرر الدين من كل الشـوائب التي الحقتها به جماعة جهلاء الدين.هؤلاء الجهلة, عندما لم يستطعوا مقارعة الحجة بالحجة والوقوف امام هذا العملاق. قالوا: هذا مرتد وساقوه للمشنقة, ظانين بان افكاره ستندثر,ولكن انظر, انها تزدهر وتنمـو. المشـانق لاتبيد الافكار.وكم من رسول تعرض للتعذيب في سبيل رسالته.
هتلر حرق كتب ماركس, وانجلز, وتوماس مان, وكانت, وبيبل, وبرشت وحشر المفكرين في معسكرات الابادة. ولكن انظر, لقد فني هتلر ولكن افكار هؤلاء العمالقة لا زالت تزدهر.

وتمزيق الصفحات لن يؤدي الا الي ازدهارها.

قل كل هذا لدعاة الظلام. قل لهم ان الحجة لا تقارع الا بالحجة. والحقيقة لاتموت..الشنق والحريق والتمزيق والسجن والتعذيب, هي اسلوب الضعيف, ذلك الذي يفقد الحجة.الاستاذ محمد ادروب سجل للتاريخ, انها كلمات مكتوبة, تمجـد ذلك التاريخ الناصع للبجا. ام انها خرجت قوية كالبركان تزلل مواقع مواقع اصحاب الظلام وجزاري البجا؟ الاستاذ وقف يدافع عن اهله البجا منذ ان كان تلميذا بالثانوية, وثبت علي افكاره يدافع عنها بشموخ واباء رافضا كل الاغرآت والمناصب والجاه. انه اسد من اسود من ابناء البجا.
وانت من ذلك الاســد..وتلك العملاقة.

أنها السيدة والدتكم. البجا.. يكرهون الحديث عن الامهات, حتي لو صرن عمالقة العمالقة. ومن اين لهم بهذه العادة الغريبة؟ ولكن هناك استثنآت,فمريم جدة قبيلة الاتمن وكذلك هداة جدة الهدندوة, ومريم المرغنية,التي أحبها اهل الشرق, يذكرن وبفخر. فلا قضاضة في ان نقول انها عملاقة. لقد شاركت الاستاذ في كل نشاطاته, وحملت نفس الافكار وصارت تدافع عنها بنفس الحماس.

ووراء كل رجل امراة.
انها ابنة ذلك العمـلاق محمــد مختار, الذي شهدت فيه ميناء بورتسودان ازدهارا ما بعده ازدهار عندما كان مديرا لها. كان مثالا للعفة والنزاهة والكفآءة, الا ان اهل الوسط لم يتركوه وطمعوا في المنصب وماقد يجلبه من ثراء. فقالوا انه عنصري وذلك فقط لانه عين بعض ابناء البجا ومنهم ايلا في بعض المناصب ممارسا بذلك سلطاته كمدير للمرفق. وصارت البرقيات تتواصل لنميري مطالبة بازاحة هذا العملاق من موقعه. فتمت المؤامرة وازيح. ويازاحته زاحت الكفآءة والنزاهة والعفة من الموقع. انها ظاهرة من ظواهر محاربة البجا والعنصرية البغيضة.

ومحمد مختار هو شقيق مصطفي وحسن مختار اللذان كان لها شرف الاشترك الفعال في تاسيس مؤتمر البجا عام 1958. الم يلعلع الرصاص داخل منزل حسن مختار حين اعتدت قوات الظلام علي موكب البجا في يناير الماضي؟ هل ننسي اعتداء هؤلاء علي مريم مختار ذات السبع سنين؟ الم يضربوا النساء ويعتدوا علي الخال داخل المنزل وامام اعينك؟
ألم تنطلق انتفاضة البجا من ذلك البرش امام منزلكم؟
والخيلان كانوا في ذلك الموقع.. احمد , ومختار, وشيبة, وموسي , وحسن, وهدلول. انهم من عمالقة البجا . قالوها بصراحة ووضوح وباصرار: لن نرضي بالتهميش, وبالمجاعات, وبالتشريد, وبالامراض, وبالتخلف وبالاذلال.
انت ابن هؤلاء العمـالقة, فلا مهادنة مع القتلة وسفاكي دماء البجـا.

http://www.sakanab.wtcsites.com/

Post: #797
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-28-2008, 03:39 AM
Parent: #796


عادت الوفاق للصدور والإرهاب الفكري لايزال ماثلا ً
سليمان الأمين
وأثبت القضاء السوداني أنه لا يزال فيه خير كثير، وأخذ قضية صحيفة الوفاق في سياقها الصحيح، فهي في جوهرها خطأ تحريري متكرر الحدوث تطالعنا بالإعتذار عنه الصحف بلا استثناء كل يوم مصحوباً بالعبارة الروتينية (مما لا يفوت على فطنة القارئ)، ولكن المتتبع لقضية الوفاق وتداعيات الحدث وتطوراته يدرك مدى عمق الأزمة الفكرية التي تعيشها بلادنا ، وأي نوع من الفكر المسطح يسود ، وأي نوع من الإفلاس يسيطر. هذا الخطأ التحريري المتكرر الحدوث ملأ الدنيا وشغل الناس ، وهُيج به جماهير البسطاء كما يحلو للبعض تسميتهم ، عندما أستنفرهم بعض أئمة المساجد ، يرمون رئيس التحرير الأستاذ / محمد طه محمد أحمد بالكفر ، في أكثر حملات الإرهاب الفكري ضراوة ، دونما اعتبار لأدنى قواعد العدل، حتى المقولة التي يحفظها الجميع ، أن ناقل الكفر ليس بكافر.
كان يمكن للخطأ التحريري أن يتم تصحيحه بهدوء وبساطة ، وكان يمكن أن يؤخذ في إطارالتدنّي في إمكانيات الصحافة السودانية وحالة العوز التي تعانيها ، وعدم المهنية التي تصاحب كثيراً من أعمالها ، فرئيس التحرير الأستاذ محمد طه ، كما يزعم الكثيرون وبعد أن يكتب جُل مادة الصحيفة، وهذا جهد خرافي لا يستطيعه إنسان بشكل يومي ، يكون قد بلغ به الرهق مداه ، فيترك بقية الصفحات لتملأ من الشبكة الإلكترونية، وبالتالي الذي يعمل على جهاز الحاسوب ، يختار المادة حسب المناسبات ، أمّا وقد كانت المناسبة هي مولد المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فقد كانت ذهن العامل على جهاز الحاسوب منصرفة إلي الموضوعات التي تتحدث عن المولد وغالباً ما يكتفى بالعنوان دون الغوص في ثنايا الموضوع لمعرفة فحواه والتدخل بإعادة التحرير إذا لزم الأمر ، وأكاد أجزم أنه لم يخطر ببال هذا الشخص الذي ينام ملء جفونه ويسهر الخلق من جراء شوارد أصابعه ، أن مادة عن المولد النبوي الكريم يمكن أن تحتوي على مثل هذه الفرية العظيمة ، وأكاد أتصوره وقد فغر فاه من الدهشة عندما علم بحقيقة الأمر.
وكان يمكن للأستاذ محمد طه محمد أحمد أن يعالج الأمر في ذات السياق ، ولو علم الناس حقيقة السيناريو لعذروه بدلاً من أن ينتهي به الأمر إلي ذلك البيان الحزين والمؤثر والأشبه بالإستتابه على صفحات الصحف ، وكأنّه حقاً قد نافق أو إرتد! ولكنه يفعل ذلك تحت تهديد الإرهاب الفكري القمئ الذي يحاصر هدفه دون رحمة ويحشره في زاوية الدفاع.
كيف يمكن أن يكون محمد طه متهماً بالإساءة إلي الرسول الكريم ، وهو قبل وقت قليل كان يواجه تهمة الإنتماء إلي الشيعة ، وقد نفى ذلك وبرر حيثيات الإتهام ، إن كان الإنتماء إلي الشيعة يُعد إتهاماً ، لحبه الكبير لآل البيت النبوي الشريف . ولم يشفع لمحمد طه تاريخه الطويل في الحركة الإسلامية ، فقد كان الوحيد الذي يصدر جريدة حائطية هي الأفضل إخراجاً من كل الصحف الأخرى والأكثر إنتظاماً ، فقد كانت صحيفته أشواك علامة مميزة يقصدها مرتادوا مقهي النشاط بجامعة الخرطوم ، عندما كان يضارع ركن المتكلمين في حديقة الهايد بارك بلندن ، ولم يشفع له تصديه منفرداً في وقت كانت تختفي فيه قيادات الإتجاه الإسلامي ، فقد كان يتصدى لركن الجمهوريين معرضاً نفسه لمنطق القراي القوي ولسان أحمد المصطفى دالي اللاذع ، وكذلك الأركان والمنتديات التي تنظمها الجبهة الديمقراطية والتنظيمات السياسية الأخري ، خصوصاً أيام تطبيق الشريعة الأولى المعروفة بقوانين سبتمبر ، فقد كان محمد طه بطل منابرها بشهادة الجميع ، وكل ذلك بإسم الاتجاه الإسلامي ، ولم يُرصد له أبداً أية أنحراف في أفكاره تؤيد ما ذهب إليه متهموه اليوم .
يُرجي ألا يذهب الظن بالبعض أن كاتب هذه السطور على وفاق تام مع الأستاذ محمد طه ، وتربطهما علاقة سياسية أو مصلحية ، كلا ، بل كانت بينهم خصومة سياسية مشهودة بين الأتجاه الإسلامي الذي ينتمي إليه الأستاذ محمد طه ومؤتمر الطلاب المستقلين الذي ينتمي إليه الكاتب ، الذي لا ينتمي الآن إلي أي تنظيم سياسي وأن كان يعمل بقوة لعودة المستقلين إلي الساحة السياسية عبر مؤتمرات المستقلين المؤسسة على الممارسة المباشرة للديمقراطية من غير ما حزبية أو تحزُّب ، فالكاتب قارئ عادي لما يكتبه الأستاذ محمد طه ، يتفق مع بعضه ويختلف ، ولكنها كلمة الحق التي يجب أن تقال في حق الرجل . فقد هب قلمه ، أي الأستاذ محمد طه منافحاً عن كثيرين تعرضوا للتجنّي والإبتزاز الرخيص والإرهاب الفكري والكيد السياسي من مجموعات مختلفة ، ومنها على سبيل المثال ما تعرض له الدكتور عصام أحمد البشير وزير الإرشاد الحالي في محاولة لإبعاده عن إمامة مسجد العمارت شارع (41) ، وفي سلسلة من المقالات تنبأ الاستاذ محمد طه بأن يكون الدكتور عصام وزيراً للإرشاد وقد كان ، والذين قادوا الحملة ضد الدكتور عصام بالأمس هم الآن من مرؤوسية، ولم نسمع بأن أحدهم قد إستقال ولو على سبيل الحياء. هذا إلى جانب ما تعرض له البروفسير حسن مكي ، عندما أستعرض تاريخ الطبري عن أحداث مقتل الخليفة عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه .
ولكن محمد طه كان يقف وحيداً إلا من نفر قليل، حتي أضطر لإصدار ذلك البيان الحزين والمحزن ؟ بل على العكس فقد تناوشته الآلسنة والأقلام . وتتالت البيانات المنددة ، ولكن أغربها بيان أتحاد الصحفيين السودانيين الذي غلبت عليه الهتافية وخلا من المهنية والموضوعية ، فقد كان الواجب على الإتحاد تهدئة المشاعر وشرح الموقف بما يؤدي إلي التفهم والتوضيح ، وقضية الأستاذ محمد طه على ضعفها لأنها تقوم على تهم بلا سيقان ، ورغم طبيعتها الكيدية ، والراجح أن هناك من يحرك هذه الأحداث من طرف خفي ، فمحمد طه أعداؤه وخصومه كُثر ، ولكن هذه القضية يجب ألا تنتهي دون أخذ العبر منها وقد كشفت عن عدة جوانب.
أولاً : كشفت هذه القضية عن ضعف التديُّن الشعبي ، ومن صفاته وعلاماته القابلية للإثارة على غير هدى ، فكثير من هؤلاء الذين ثاروا ضد الوفاق أو أتهموا الأستاذ محمد طه لم يروا المقال وبعضهم ربما لم ير صحيفة الوفاق في حياته ، رغم أن بالقرآن الكريم نص قطعي الدلالة يدعو إلي التثبُّت حتي لا يصاب قوم بجهاله ويعقب ذلك الندم.
ثانياً : إستسهال عملية رمي الناس بالكفر وإلنفاق والخروج من الملة وهذا لعمري أمر عظيم وخطير ، وينم عن الجهل وعدم الورع ، كيف يجرؤ أمري على رمي أخيه بالكفر ، وحديث الرسول (ص) واضح المعني حيث قال (ص) : (من قال لأخيه يا كافر ، باء بها أحدهما) أي أن كلمة يا كافر هذه لا تسقط إلي الأرض ، فإما أن تناسب من قيلت له ، وإلا إرتدت إلي قائلها.
ثالثاً : لقد تمت محاكمة الأستاذ محمد طه مرتين ، الأولى الإيقاف للصحيفة مدة ثلاثة أيام من قبل المجلس القومي للصحافة والمطبوعات ، وها هي الثانية يواجهها أمام المحكمة ، ولعل من ألف باء القانون هو ألا يحاكم المرء مرتين في قضية واحدة (Double jeopardy)
رابعاً : إن الله أبتلى هذه البلاد بفئه من الناس خلعوا على أنفسهم لقب علماء وألقاباً أخرى ما أنزل الله بها من سلطان ، هؤلاء حصروا أنفسهم في جزء من تاريخ الفقه الإسلامي ومع ذلك أحتكروا العلم كله ، وهم الآن يقومون بدور محاكم التنفتيش التي سادت في أوروبا إبان إنحطاطها الحضاري .
يجب أن يعاد النظر في دور هذه الفئة المتعاظم ، وإعادة تأهيل من هو قابل للتأهيل منهم ، فالإسلام ليس فيه طبقات ، الناس كلهم سواسية ، والعلم بالدين واجب على كل مسلم ومسلمة ، فليس هناك رجل دين يتمتع بسلطة أضافية ، وهذه أحدي النقاط التي تميز الإسلام عن غيره من الأديان التي سبقته ، وبالتالي التأهيل لمكانة العالم ينبغي أن يكون بالتخصص في أي علم من علوم الحياة ، ، هندسة ، اقتصاد ، علوم سياسية ، زراعة ، فلسفة أو طب.. ألخ يكون ذالك متوجاً بالعلم بالدين الذي هو واجب على الكل كما اسلفنا ، ليس من المنطقي أن يقضي أحدهم بضع سنوات في معهد ديني (مع الإحترام الشديد لكل الذين يعرفون قدرهم ويلتزمون حدودهم) ، ثم يفتي بعد ذلك في كل شئ حتى هندسة الجينات وزراعة الأعضاء. هذه الفئة قد تجاوزها الزمن ، ويجب إعادة تأهيليهم وتزويدهم بعلوم الحياة ليمارسوا دورهم مع الناس.
خامساً : بالعودة إلي محور القضية التي فجرت هذا الخلاف وأدت إلي هذا الهوس الذي أودي بحياة الكثيرين من قبل ، لقد عاب الكثيرون على محمد طه هذا النشر مع قناعتهم بحسن نيته ، متعللين بأن البسطاء لا يتحملون ، ورغم قناعتي بأن الأمر كله لا يعدو خطأ تحريرياً. ولكن لنفترض جدلاً أن الوفاق قد نشرت هذه الفرية الموجودة في كتاب المقريزي عمداً ، وردت عليها وفندتها ! أليس هذا هو المنهج القرآني لمعالجة هذا النوع من التهم. لقد تعرض المصطفى الحبيب (عبارة المصطفى الحبيب كثيرة الورود في كتابات الأستاذ محمد طه) لكثير من الأذي وهو يحمل عبء هذه الرسالة من كفار قريش وغيرهم ، أتهموه بشتى التهم وآذوه أشد الأذى البدني والنفسي ، والقصص معروفة حتى لتلاميذ المدارس ، جزى الله المصطفى عنا بخير ما جزى نبياً عن أمته. ألم يقولوا عنه كذَّاب ، ألم يقولوا ساحر ، وشاعر ، أوَ لم يقولوا مجنون ؟! من الذي وثق لهذه التهم ، هل هو المقريزي وغيره من الكتاب النكرات والمجهولين ؟
إنه المنهج القرآني في معالجة مثل هذه المواقف ، تبيان التهمة ثم تفنيدها والرد عليها ، وهو ذات المنهج الذي أتبعته صحيفة الوفاق لو أفترضنا أنها فعلت ذلك متعمدة ، وهو منهج عميت عنه هذه الفئة المسماة بالعلماء ، وليقرأ من شاء الإتهامات كما سجلها القرآن الكريم في سورة (ص) ، (وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب[4] أجعل الآلهة آلها واحداً إن هذا لشئ عجاب[5] وأنطلق الملأ أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشئ يُراد[6] ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا أختلاق) وفي سورة الحجر (قالوا يا أيها الذي نُزّل عليه الذكر إنك لمجنون) وفي سورة الدخان (ثم تولوا عنه وقالوا مُعَلَّمٌ مجنون[4]) وفي سورة القلم (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون)
هل هناك عرض لحجج الخصوم أقوى من هذا ؟ وهذه ميزة لا يتميز بها إلا القرآن الكريم ، الأسلوب المنصف وعرض حجج الخصوم وإعطاؤها المساحة اللازمة والكافية لتبيانها ، والأهم من ذلك أنه جعلها نصوصاً مقدسة يُتعبد بها ، ألا يصلى هؤلاء في مساجدهم وكثيرون منهم أئمة عندما يؤمون الناس بهذه السور ، إلا يقرأون هذه الآيات من سورة (ص) والحجر والقلم ، ويتعبدون بها في التلاوة؟ هل سمعوا أحداً يقول أن هذا طعنٌ في صدق رسالة المصطفى الحبيب (ص) أو في أهليته العقلية ، معاذ الله.
يجب أن يدرك الجميع أن هذه التهم اليائسة والبائسة لن تنال من الإسلام ولا من نبي الإسلام شيئاً ، وعلى المسلمين ان يقرأوا قرآنهم ، فقد أكرم الله نبيه في سورة الشرح بوضع الوزر ورفع الذكر ، ويكفي ما حفظه التاريخ من مدح للمصطفى (ص) ما يملأ مجلدات ومجلدات ولكنه لم يحفظ بيت هجاء واحد ، يكفي أن صفات الذم القليلة التي وجهها النبي الكريم للبعض ظلت ملازمة لهم طوال تاريخهم حتى ألغت أسماءهم الأصلية ، فقليل من الناس يعرف أن أبا جهل هو أبوالحكم عمرو بن هشام ، أمّا مسيلمة فأصبح لقب الكذَّاب يقوم مقام ابيه ، فأي رفع للذكر أكثر من هذا.
كان الواجب على هؤلاء وبدلاً من إثارة الناس البسطاء كما يزعم البعض أن يفتحوا قلوبهم وعقولهم ويقوموا بتبصير الناس وتمليكهم منهج التفكير السليم، ويرفعوا من وعيهم حتي لا يظلوا بسطاء وسذجاً أبد الدهر ، اللهم إلا إذا كان في استمرار جهل هؤلاء وسذاجتهم أستمرارٌ لسلطان أولئك ومكانتهم ، وهو منطق لعمري مقلوب.
أما تهمة جهل النسب هذه على الرسول الكريم ، أنما هي تهمة تافهة ومروجوها تافهون وهي فريه مستحدثة لم يقل بها أهل الزمان الأول الذين عاصروا ميلاد المصطفي (ص) ونزول الرسالة ، ولو أنها ذُكرت في ذلك الوقت لأوردها القرآن ورد عليها بما يفحم مروجيها ، فالله يدافع عن أنبيائه بالمنطق والحجة أو بالمعجزات ، وقصة نبي الله موسى عليه السلام التي وثق لها القرآن معروفة (يا أيها الذين أمنوا لا تكونوا كالذين آذوا موسى فبرأه الله مما قالوا وكان عند الله وجيها * يا أيها الذين آمنوا أتقوا الله وقولوا قولاً سديدا ، يصلح لكم أعمالم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً).
فيا علماء المسلمين في السودان تجاوزاً ، الأقصي في خطر عظيم يواجه خطر الهدم وقد عزم المتطرفون الصهاينة على اقتحامه في إي مطلع للشهر القمري، والبعض يطالب بهدمه نظير الإنسحاب من غزة، وقد أعدوا نموذج الهيكل الذي سيقام على أنقاضه . هبوا لنجدته وحرضوا المسلمين على ذلك ، أخرجوا مظاهرة مليونية يوم الجمعة القادم ، وأتركوا المعارك الإنصرافية. فصحيفة الوفاق هذه ربما هي الوحيدة التي تصدر صفحة منتظمة اسمها «نداء القدس».

Post: #798
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-28-2008, 03:40 AM
Parent: #797


ومن هؤلاء مصطفى الجيلي من السودان الذي تفسح له المنابر العلمانية صدرها ليقدم رؤية بديلة لهذا المشروع، تتضمن "شذرات من الفهم العام لمؤلفات محمود محمد طه الذي كتب أكثر من ثلاثين كتاباً في المعرفة الروحية وتطبيقاتها في الاقتصاد وفي السياسة والتنمية والفنون وضروب الحياة كلها" (؟!) وينطلق هذا الكاتب في رؤيته لإسلامية المعرفة من أن "القرآن يحوي علوم الأولين والأخرين.. ولكننا لا نفهم ذلك للوهلة الأولى، إذ يحتاج لمنهج عملي لإحيائه في الصدور.. لأن القرآن ليس علم ظاهر، ولذلك فليس هو في ظاهر الألفاظ مما تعطي بداهة اللغة، وإنما هو كتاب تعبِّر عنه الآية: "قل هو آيات بينات في صدور الذين أوتو العلم". ولعلّ ذلك يوضح بعداً من أبعاد الجهود العلمانية .......


http://eiiit.org/article_read.asp?articleID=455&catID=262&adad=276

__

Post: #799
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-28-2008, 03:41 AM
Parent: #798


وفي هذا تاتي فكرة رائعة- في خصوص الصيرورة في التشريع تمس فكرة (=ولادة المعنى)- للمفكر السوداني الشهيد محمود محمد طه برؤيته ؛ ان الختم للنبوة (= خاتم النبيين ) وليس للرسالة.

وكأنه يمكن انتاج رسالة ثانية وثالثة.. على اساس توليد المعنى/ الصيرورة/تكامل الوجود, التاريخ.. كما سلف.

ولكن محمود محمد طه يقيد رؤيته؛ ان من يطرح التجدد في الرسالة الثانية محصور برجال اتاهم الله الفهم عنه من القران ، واذن له في الكلام وهذا ما يجعلنا نفترق به عن رؤية محمود طه ، بابقاءه حصر المعنى ونتاجه في الحياة ، ضمن الحدود الاسلامية ، وهنا تنهار نزعة الانسنة معرفيا في الرؤية مع طه, مع انسانيته الرائعة. كما انه تظهر فكرة الاحتكار في رؤيته واضحة. وهو مشابه للاشكال الذي يوجه على نتاج فكري مهم سيما مع المدرسة الشيعية في نظرية منطقة الفراغ التشريعي لدى باقر الصدر ومنطقة العفو ، في الفكر السني مع اصول الفقه فيما سناتيه من ارباكات في هذا العلم افضى الى تطوح الحكم الشرعي فتوائيا وتخلفه عن الوجود الديني الاصيل. وكذلك – وهو الانكى - دخول فكرة (الاسلمة) معهما لاشعوريا او مستقلة صريحة مباشرة كما عرف في العقدين السابقين في فكرة اسلامية المعرفة وهي الفكرة الاكثر حسرا للابداع الوجودي في المعنى للانسان. والاكثر ضررا على الدين بزويه من جديد وزوي الحياة معه, بحيث يغدوا من جهة متهما, ومن جهة يغدوا عائقا عن الابداع لانه بكل الاحوال تقييد بوجه وصورة محددة, هي من صنع رجالات الدين لا الدين نفسه. عموما سياخذ ذلك تفصيله لاحقا : بين الانسنة والاسلمة...علما انه من المستحيل ان تجعل كل الناس مسلمين, ولكنه من السهل ان تغني معهم سوية الانسانية.

http://www.kitabat.com/aljubran_razaq_4.htm
_________________

Post: #800
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-28-2008, 03:45 AM
Parent: #799


شهيد العصر



شعر: محمد عبد الله شمو
13 فبراير 1986

سوف امشى للمحطات التى قد احرقوها

للعصافير التى قد شردوها

ثم امشى فى الطريق الجانبى

اشجب النهر الذى خان الضفافا

ثم امشى فى اليسار العربى

كى ارى الحمى التى تشتد ما بعد الزفافا

***

ثم امشى وانادى ايها الوجه المطارد

وفق مايهوى ..الهوس...ايها الفذ المحاكم .. مثل ما يهوى النظام

كيف لى ان اشتهيك ؟. كيف لى ان التقيك؟؟

وارى الغامض فيك؟؟

ثم امشى فالاقى .. ما الاقى

فى مسار لولبى........ ومناخ كالسديم.

نحن نرتد كثيرا للقرون الغابره

فى مناخ هو كالعهد القديم

***

وافتقدناه صباحا.

كان سرا يعشق الارض واسباب السماء

فتسامى.... وسما....

ناسجا كل التفاصيل التى سادت اطار الملحمه

وتوارى بين حبات الندى

راضيا كل الرضا.....

لم يكن يعرف شيئا عن مزاق الكولا والايس كريم

لم يكن يستعمل التكييف قط.....

لم يكن يرتاح والدنيا غلط...

***

لم يقل شيئا ينافى ما يراه

لم يقل شيئا سواه....

كان ضد المرجفين

يوم ان كنا جميعا بين... بين....

يوم ان بعنا عليا والحسينا ....

***

كان شخصا نادرا حتى العدم

وفريدا مثل خط الاستواء

كان يمتد سلاما.. و صفاء.. ونقاء..

***

اشرب القهوه فى ركن قصى ثم امضى.

موغلا فى الحزن حتى الموت

او ماشابه الموت كثيرا

***

لا مجال الان للتدخين عندى ..... هذا التبغ مر فاتركينى..

ان فى عينيك سرا غامضا يحتوينى.....

وانا لا املك الان السؤال ولا باب الاجابه

ليتنى كنت تمردت على كل نواميس الكتابه...

فاتركينى احزم اللحظه بضعا من متاعى

اكتب الشعر الذى يورثنى المجد الملون

واحتمالات الضياع....

***

يا حبيبى......

ايها الرابط فينا كقناديل الذره

ايها الممتد فينا كانحناءات الحقول

ليلة الفاشست حتما لن تطول

ليلة الفاشست حتما لن تطول

ليلة الفاشست حتما لن تطول

Post: #801
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-28-2008, 03:50 AM
Parent: #800



عبدالغنى كرم الله:

هاهو الكتيابي، المعني بهذه النبوءة المحمدية، يقسم، ليبره الله، ليشع نوره في الأفاق (ملايين الناس لا تعرف محمود محمد طه، حتى في أوساط الجامعات السودانية، ناهيك في الأفق العربي وأفاق الغرب (والجميع يعرف فودة، ومحمد جابر العابدي، والعظم، بل والكرشة)،.... دهشت حين أدرك مثقف عراقي (ناصر كنانة)، بأن هناك شاعر يسمى (محمد المكي إبراهيم،)، وله برتقاله، سال بطمعها لعاب الجميع...

لم؟
وكيف؟
ومتى؟

هناك مثقفة كويتية (أمنة راشد)، قالت لنا في مقهى ثقافي، على هامش مهرجان الدوحة الثقافي (السودانيين بعملوا ، براهم، أسوار وحصون على ثقافتهم)... دهشت من أشعار ادريس جماع..

Post: #802
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-28-2008, 03:53 AM
Parent: #801



الفنان الدكتور يوسف الموصلى:

لقد كان موقفا مهيبا تنفيذ حكم الاعدام في المفكر
الاسلامي الشهيد محمود محمد طه

لمجرد انه ابدي معارضة سلمية قوية للقوانين

الاسلامية الشهيرة بقوانين سبتمبر انذاك
كنت وقتها مقيما بالقاهرة مع مجموعة من الفنانين الذين
فضلوا الغربة عن القهر فاتصل بي زميلي الفنان محمد
وردي تلفونيا مبلغا اياي غضبه وحزنه الشديد علي هذا
الظلم المبين وقد وكان ذلك بعد اذاعة خبر التنفيذ فقد
ابلغني بانه قد لحن

ياشعبا تسامي ياذاك الهمام
تشق الدنيا ياما
وتطلع من زحاما
زي بدر التمام
من شعر محجوب شريف


اما انا فقد قلت له لقد ولد ذلك الحدث اغنية دعوه للثوره
من شعر عبد القادر الكتيابي فور اذاعة الخبر الاليم


دعوه للثوره
اشوفك طالعه من الشوف
علي طبقات
عروق الجوف
وبيت المال
ومن ابوروف
وشارع النيل
ونازله عديل
علي عين الحجب عينك
متل ماقبيل
سهم درويشك الفقران
نزل لاساهي لاغبيان
علي تمرة قلب غردون
يصفي البينو مابينك
متل ماقبيل
اشوفك تصحي تمحي الليل
وتمسحي من جرايد الغير
حساب دينك
واشوف قرشك يسير في السوق
واشوف قطنك
ملايه علي البحر والبر
كفن لي من كتف خليك
سرق خيرك
ولا خلي الصغير يكبر
ولا خلي القليل يكتر
ولا يابس ولا خضر
ولا يابس ولا اخضر

Post: #803
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-28-2008, 03:12 PM
Parent: #1


بالوثائق:التآمر الجنائي واستغلال القضاء في اغتيال الأستاذ محمود ( 1_ 2 )
لماذا اعتذر الأستاذ محمود محمد طه عن قيادة الحركة الإسلامية ؟؟
الدعوة إلى الإسلام بغير تحقيق فى التوحيد جعجعة لا طائل تحتها
محمد محمد الامين عبد الرازق
كتب السيد عبد المحمود نور الدائم الكرنكى مقالا بصحيفة الإحداث 24 /2 / 2008م، حول تاريخ الحركة الإسلامية، جاء فيه: ( عندما كون الاتجاه الإسلامي الجبهة الإسلامية للدستور عام 1954 م ، كانوا جماعة من الشباب المتحمس الذين ليس لديهم أي وزن نقابي، أو عشائري، أو فكري ، وكان كتاب (حياة محمد) لمحمد حسين هيكل، من مراجعهم المهمة، وكانوا يعيشون أزمة حقيقية، ويبحثون عن زعيم يقودهم، وعن أب يسيرون تحت رعايته الحانية، فذهبوا وهم يبحثون عن زعيم ، إلى الأستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري، والذي أعدمه الرئيس جعفر نميري عام 1985م، قبيل سقوطه، بتهمة الردة ، وكان في السادسة والسبعين من العمر ! وذلك من قبل أن يبحر محمود محمد طه فيما بعد بعيدا عن إسلام الصلوات الخمس، والرسالة الأولى ، ويؤثر أراءه الذاتية فى قضية الاسلام ، ولم يعط الاستاذ محمود شباب الاتجاه الاسلامى ردا إيجابيا ) .. هذا ما أورده الكاتب ، وهو يحتاج الى التصحيح في ثلاثة محاور فيما يختص بإشارته للأستاذ محمود :
1 / تاريخ المقابلة وتوضيح محتوى الرد الذى اعتذر الأستاذ محمود على أساسه عن قياده هؤلاء الشباب ..
2/ هل كانت محاكمة الأستاذ محمود اغتيال سياسي مدبر أم قضية ردة ؟
3/ هل حقيقة أبحر الأستاذ محمود بعيدا عن إسلام الصلوات الخمس، وقدم آراء ذاتية أم أن أفكاره فى الرسالة الثانية انبعثت من قلب الاسلام فى تحقبق التوحيد ، ومسنودة بالكتاب والسنة ؟
قد يخطيء الإنسان عندما يسجل التلريخ البعيد قبل مئات السنين مثلا ، وذلك للبعد الزمني، وغياب التوثيق الحديث فى الحقب القديمة ، لكن أن يعجز عن أن يسجل الأحداث بدقة ، ويستوثق من صناعها وهم أحياء ، هذا ما يضعف كتابة التاريخ من حيث هي، ويطعن في أمانة المؤرخ ، ويجعل الأجيال اللاحقة تفقد الثقة في المعلومات المسجلة .. فالحياد صفة أساسية لابد أن يتحلى بها كل من يتصدى لمهمة التوثيق.. إن السيد الكرونكى أخطأ في تاريخ المقابلة مع إن بعض من قاموا بها لا يزالون أحياء ، ومنهم الأستاذ محمد يوسف محمد والأستاذ ميرغني النصري، إضافة إلى المرحوم بابكر كرار .. أسوأ من ذلك، فإنه قد تحدث عن الأستاذ محمود بإخفاء كامل للحقيقة، بل بتشويه،أرجو أن لا يكون متعمدا ، لما تم في محاكمته، إذ أنه ذكر أن الأستاذ محمود حوكم بتهمة الردة مع إن الردة كتهمة لم توجه قط الى الأستاذ محمود لا في محكمة الموضوع ولا في المراحل اللاحقة.. فمادة الردة لم تكن قائمة فى القانون الجنائى حينها ،والمحاكمة كانت اغتيال سياسي خطط له ونفذ مع سبق الإصرار ، فهو قتل عمد استغلت فيه ساحة القضاء بعدم مسئولية لا مثيل لها في عصرنا الحالي .. ويؤكد ذلك قرار المحكمه العليا عام 1986 م ، فقد أبطلت الحكم، ونشرت حيثياتها على صفحات الصحف ، فهل اطلع السيد الكاتب على كل ذلك ثم كتب ما كتب ؟ على كل حال سنضع المعلومات بتفصيل حول هذه المحكمة المهزلة أمام القاريء في الحلقة الثانية من هذا البحث..
إن الكاتب غير محايد تجاه الفكرة الجمهورية ، فهو يحاول أن يدين مؤسس الدعوة بتقديم صورة مشوهة لأفكاره من خلال العبارات التى يستخدمها مثل: ( وذلك من قبل أن يبحر محمود محمد طه بعيدا عن إسلام الصلوات الخمس، والرسالة الأولى ويؤثر آراءه الذاتية فى قضية الاسلام ) .. إن الأستاذ محمود، في حقيقة الأمر، هو أكبر من عرف الصلوات الخمس مبنى ومعنى، وتشهد على ذلك من حيث التنظير، الكتب التي ألفها في تبيين أهميتها وكيفية أدائها كوسيلة للرضا بالله والتحرر من الخوف ، ومنها: ( رسالة الصلاة ) ( تعلموا كيف تصلون ) ( صلوا .. فإنكم اليوم لا تصلون ) ( الصوم ضياء والصلاة نور )،(تعلموا كيف تعرجون بصلاة معراجكم إلى ربكم) .. الخ .. وتشهد على ذلك من الناحية العملية، البصيرة النافذة ، والانضباط بأخلاق القرآن، ثم المواقف المشرفة، التي لازمته في جميع مراحل حياته، إلى أن ختمها بالابتسامة العريضة فوق المقصلة،ولا أجد انطباعا عن ذلك المشهد أجمل من تعبير السيد أسامة الخواضإن الأستاذ محمود سطر كتابه الأخير تعلموا كيف تموتون) ..
إن الرسالة الثانية من الإسلام أو الدعوة الإسلامية الجديدة،إنما هي دعوة إلى تطوير الشريعة السلفية الى السنة النبوية التى طبقها النبى فى خاصة نفسه ، وذلك فى الأمور المتعلقة بتطور المجتمع البشري ، كالسياسة والاقتصاد والاجتماع .. فالعبادات وقوانين الحدود القصاص قائمة فى الرسالة الثانية كما هى فى الرسالة الأولى، ولذلك فإن عبارة (ذهب بعيدا عن إسلام الرسالة الأولى ) لا تعني الأستاذ محمود بأي حال من الأحوال .. والتطوير ليس قفزا عبر الفضاء وإنما هو انتقال من القرآن المدني إلى القرآن المكي، فالرسالة الثانية تهدف إلى إنزال السنة لنكون شريعة عامة تنظم حياة المجتمع المعاصر ..إن هذه الأفكار مطروحة منذ عام 1951 م ، وجرى حولها حوار ثر مع مؤسسها لا يزال الناس يستمعون إليه في موقع الفكرة الجمهورية على الإنترنت، ولا يمكن أن تعالج بأسلوب الغمز واللمز الذي اتبعه هذا الكاتب ..إذن ما هو الداعي للزج بها هنا واقحامها فى موضوع ليس خاص بها إن لم يكن التشويه المتعمد لشخصية صاحبها ؟ ولو قال : (وكان ذلك من قبل أن يعلن دعوته إلى الرسالة الثانية) لأوصل المقصود وكفانا مئونة الرد.. إذا كان السيد الكرونكى معارضا لأفكار الأستاذ محمود، لا بأس ،فيمكنه أن يطرح رؤيته وهو يجد مساحة يومية بهذه الصحيفة لا تتوفر لمن يكتب عنهم بنفس الدرجة ، ونحن نلاحظ أن قادة الصحف الذين ينتسبون إلى الحركة الإسلامية (باستثناء الأخ محمد طه محمد احمد ) ، يحتاجون إلى (تمارين) طويلة لخوض (مباراة) نشر واحدة لمصلحة أفكار وشخصية الاستاذ محمود محمد طه !! وعندما ينشرون فإن بعضهم يقتطع ما يحلو له بغير حجة ولا موضوعية، فمثلا مجلة الخرطوم العدد 56 الصادر في يناير2008 ، حذفت كلمة (الأستاذ) واستبدلتها بكلمة (الراحل) حتى في إفادات الأخ د.عمر القراي والأخت أسماء محمود !! إن الأمانة العلمية تقتضي نشر حديث المستضاف كما هو دون حذف أو إضافة ،ثم ما هي الحكمة في حرمان (تلميذ) من أن يقول لمرشده (أستاذ) ؟.. وهنا لا بد من الإشادة بالسيد الكرنكي لأته لم ينحدر إلى هذه الدرجة من الغلظة والتعسف..
تاريخ المقابلة :
كانت مقابلة وفد الشباب المتحمس المشار اليه للأستاذ محمود في عام 1949م ، وليس عام 1954م كما ذكر الكاتب ، وعندما قدموا رجاءهم للأستاذ بأن يكون رئيسا للحركة الإسلامية رد عليهم : ( لكن الإسلام وينو لامن تعملوا ليهو رئيس !! ) وانتهت المقابلة برد فحواه أن الإسلام غائب عن حياة الناس ، ويحتاج الى بعث من جديد ، لا يملكه الدعاة السلفيون ، فالحاجة ماسة إلى بعث الإسلام كمنهاج حياة شديد الفعالية فى تغيير النفوس أولا وتحريرها من الخوف ، قبل السعي به إلى السلطة وذلك لأن فاقد الشيء لا يعطيه .. قال السيد الكاتب :" لم يعطي الأستاذ محمود للشباب ردا إيجابيا " فكأنه قد حدد معنى الإيجابية بتلبية رغبة الشباب ، وهم تنقصهم المعرفة والتجربة والحكمة .. والحقيقة أن هذا الرد فى غاية الإيجابية للشباب أنفسهم ، ولغيرهم ، علم من علم وجهل من جهل .. لقد كان الاستاذ محمود فى ذلك الوقت خارجا من سجن طويل امتد لعامين ( 1946 ـ 1948م ) بسبب قيادته لثورة رفاعة ضد الإنجليز، وقبله في نفس العام قضى خمسين يوما في السجن بسبب إصداره منشورا ضد الاستعمار(التفاصيل بصحيفة الأحداث 13/1/2008م) .. وبعد السجنين اعتكف برفاعة بين ( 1948 ـ 1951م ) فى خلوة للعبادة ، ابتعد فيها عن الخارج الا بعض الكتابات التي كان يرسلها إلى الصحف مشاركا في الحركة الفكرية ..تلك المواقف المتفردة في الصراع المباشر مع الإنجليز، أبرزته في الساحة كقائد لا تلين له قناة، وهذا هو السبب الذي دفع هؤلاء الشباب نحوه.. أسباب الاعتذار نشرت بتفصيل في كلمة بصحيفة (الشعب) يوم 27 / 1/ 1951م تحت عنوان : ( سعيد يتساءل ) وقد كانت ردا على الاستاذ سعيد الطيب شائب الذى انضم الى الحزب الجمهورى آنذاك وصار فيما بعد القيادى الأول للإخوان الجمهوريين حتى عام 1985 م ، فالى الكلمة:
بسم الله الرحمن الرحيم
( الذين قال لهم الناس : إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا ، وقالوا : حسبنا الله ونعم الوكيل ) صدق الله العظيم
حضرة صاحب جريدة الشعب ص.ب 266 الخرطوم
تحية وبعد : فقد اطلعت بعددكم السادس ، على كلمة من الأخ سعيد يتساءل فيها عني ، وقد أعلم أن كثيرا من الأخوان يتساءلون كما تساءل ، فلزمني لهم حق الشكر ، ولزمني لهم حق الإيضاح .. عندما نشا الحزب الجمهورى أخرج ، فيما أخرج منشورين : أحدهما
بالعربية : ( قل هذه سبيلي ) والآخر بالإنجليزية :
( Islam the way out )
ضمنهما اتجاهه في الدعوة إلى الجمهورية الإسلامية .. ثم أخذ يعارض الحكومة فى الطريقة التى شرعت عليها تحارب عادة الخفاض الفرعونى ، لأنها طريقة تعرض حياء المرأة السودانية للابتذال ، وعلى الحياء تقوم الأخلاق كلها ، والأخلاق هي الدين .. ثم نظرت موضوع الدعوة الى الإسلام فإذا أنا لا أعرف عنها بعض ما أحب أن أعرف .. فإن قولك ( الإسلام ) كلمة جامعة ، قد أسئ فهم مدلولها الحقيقي ، لأن الناس قد ألفوا ، منذ زمن بعيد أن تنصرف أذهانهم عند سماعها ، الى ماعليه الأمم الإسلامية اليوم من تأخر منكر .. وماعلموا أن المسلمين اليوم ليسوا على شئ .. فأنت إذا أردت أن تدعوا إلى الإسلام ، فإن عليك لأن ترده إلى المعين المصفى الذى منه استقى محمد ، وابوبكر ، وعمر .. وإلا فإن الدعوة جعجعة لاطائل تحتها .. ولم تطب نفسى بأن أجعجع .. وبينما أنا فى حيرة من أمري إذ قيد الله ( مسألة فتاة رفاعة ) تلك التى سجنت فيها عامين اثنين ، ولقد شعرت حين استقر بي المقام في السجن ، أنى قد جئت على قدر من ربى فخلوت إليه .. حتى اذا ما انصرم العامان ، وخرجت ، شعرت بأنى أعلم بعض ما أريد .. ثم لم البس وأنا في طريقي إلى رفاعة ، أن أحسست بأن على لأن أعتكف مدة أخرى ، لاستيفاء ما قد بدأ.. وكذلك فعلت..
فهل حبسنى أبتغاء المعرفة ؟؟ لا والله !! ولا كرامه!! وإنما حبسني العمل لغاية هى أشرف من المعرفة ، غاية ما المعرفة الا وسيلة اليها .. تلك الغاية هى نفسى التى فقدتها بين ركام الأوهام ، والأباطيل .. فإن على لأن أبحث عنها على هدى القرآن – أريد أن أجدها ، وأريد أن أنشرها .. وأريد أن أكون فى سلام معها قبل أن أدعو غيري للإسلام .. ذلك أمر لا معدى عنه ، فإن فاقد الشئ لايعطيه .. فهل تريدون أن تعرفوا أين أنا من ذلكم الأن ؟؟ إذن فاعلموا : إنى قد أشرفت على تلك الغاية ، ويوشك أن يستقيم لى أمرى على خير ما أحب ) .
محمود محمد طه ـ رفاعة
في اكتو بر عام 1951م خرج الأستاذ من الاعتكاف بصورة واضحة وعقد اجتماعا بالعاصمة، باشر الحزب بعده نشاطه بالدعوة الى الرسالة الثانية من الإسلام، فمقابلة الشباب تمت اثناء فترة الاعتكاف .. أما عام 1954م الذى ذكره الكاتب خطأ فهو العام الذى تأسست فيه صحيفة(الجمهورية)، الناطقة باسم الحزب في يناير ، وقد كان الاستاذ محمود حينها يعمل مهندسا بشركة النور، وبهذه المناسبة نقدم افتتاحية العدد الاول من الصحيفة وندعو الصحفيين ليتلمسوا روح العمل الصحفي الجاد بين كلماتها :
(( أيها القارى الكريم : تحية
أما بعد :
فهذه صحيفة الجمهوريين يقدمها لك فتية آمنوا بربهم ، فهيمن عليهم الإيمان على صريح القصد ، فهم يقولون مايريدون بأوجز أداء، ويعنون ما يقولون من الألف إلى الياء .. و(الجمهورية) تطمح في أن تخلق تقليدا فى الصحافة فى معنى ما يخلق الجمهوريون من تقليد جديد فى السياسة .. والجمهوريون حزب سياسي ولكنهم لا يفهمون السياسة على أنها اللف والدوران .. وإنما يفهمونها على أنها تدبير أمر الناس بالحق وبميزان .. وللجمهورية فى الصحافة رأى ، وهو أنها يجب أن تعين على العلم ، لا أن تمالي على الجهل .. يجب أن تسير أمام الشعب لأ أن تسير فى زمرته تتسقط رضاه ، وتجارى هواه ، وتقدم له من ألوان القول ما يلذه ولا يؤذيه .. وقد تعرض الجمهوريون في نهجهم السياسي للكثير من العنت ، والأذى من جراء مضائهم فيما يرونه الحق ، والعدل .. فهل تتعرض الجمهورية لشئ من الكساد ، من جراء ما ستجافي من التقليد التجارى بتقديم ما يقدم فى سوق النفاق ؟ .
إن هذا لا يعنينا بقدر ما يعنينا أن نستقيم على الحق .. فقد أنفقنا عمرنا نبحث عنه ، ولا نزال ، فإن وجدناه ، فإنا سنلقاك به صريحا غير مشوب بتلطيف ، وسيكون عليك أنت أن تختار لنفسك بين وجه الحق ووجه الباطل )) .
البشارات :
قلنا أن الأستاذ محمود وظف فترة الاعتكاف إضافة إلى فترة السجن في العبادة ، والصلوات الخمس مضافا اليها قيام الليل، وصيام المواصلة الذي وصل فيه خمسة عشر يوما متتالية ليلا ونهار دون انقطاع.. بعد هذه التجربة خرج بفكرة معالم الدعوة الإسلامية الجديدة ، التى ترتكز على المستوى العلمى من الاسلام الذى طبقة النبى الكريم فى خاصة نفسه كما أسلفنا،وأخذ يبشر بالمستقبل الزاهر للإسلام .. من تلك البشارات نشرت جريدة الشعب يوم 27 / 1 / 1951م الكلمة التالية : ( أنا زعيم بأن الإسلام هو قبلة العالم منذ اليوم، وأن القرآن هو قانونه ، وأن السودان، إذ يقدم ذلك القانون، في صورته العملية، المحققة لحاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، وحاجة الجماعة الى الأمن، لهو مركز دائرة الوجود على هذا الكوكب .. ولا يهولن أحدا هذا القول، لكون السودان جاهلا خاملا صغيرا ، فإن عناية الله قد حفظت على أهله من أصائل الطبائع، ما سيجعلهم نقطة التقاء أسباب الأرض بأسباب السماء ) ..
النذارة هي الوجه الأخر للبشارة فقد حذر الأستاذ محمود من مغبة إقحام الإسلام برسالته الأولى في الحياة الحديثة بغير تطوير وبغير تحقيق .. فىهذا الاتجاه نشرت كلمة فى جريدة ( أنباء السودان ) يوم 6 / 12 / 1958م جاء فيها: (دعاة الفكرة الإسلامية في هذا البلد كثيرون،ولكنهم غير جادين ،فهم لا يعكفون على الدرس والفكر ،وإنما ينصرفون إلى الجماهير، يلهبون حماسهم ،ويستغلون عواطفهم، ويجمعونهم حولهم بغية السير بهم إلى ما يظنونه جهلا دستورا إسلاميا..وهم إتما ينصرفون عن الدرس والفكر ، ظنا منهم أن الفكرة الإسلامية موجودة ومبوبة ومفصلة ، لا تحتاج إلى عمل مستأنف ولا إلى رأي جديد .. فلست أريد أن أشق على أحد من دعاة الفكرة الإسلامية، فإن أكثرهم أصدقائي، ولكن لا بد أقرر أن في عملهم خطرا عظيما على الإسلام وعلى سلامة هذا البلد.. ثم يجب أن نغرف جيدا أن الإسلام بقدر ما هو قوة خلاقة خيرة إذا ما انبعث من معينه الصافي ، واتصل بالعقول الحرة وأشعل فيها ثورته وانطلاقه ، بقدر ما هو قوة هدامة اذا ما انبعث من كدورة النفوس الغثة، وأثار فيها سخائم التعصب والهوس.. فإذا ما قدر لدعاة الإسلام الذين أعرفهم جيدا، أن يطبقوا الدستور الاسلامى الذى يعرفونه هم، ويظنونه إسلاميا ، لرجعوا بهذه البلاد خطوات عديدات إلى الوراء ، ولأفقدوها حتى هذا التقدم البسيط، الذي حصلت عليه في عهود الاستعمار ، ولبدا الإسلام على يديهم، كأنه حدود، وعقوبات، على نحو ما هو مطبق فى بعض البلاد الاسلامية ، ولكانوا بذلك نكبة على هذه البلاد، وعلى الدعوة الاسلامية أيضا ) .
في ختام هذه الحلقة، نحب أن نذكر إخواننا في الحركة الإسلامية الذين يعطون وزنا للعلاقات القديمة، ويجنحون إلى إدانة الفكر الجمهوري، والإساءة إلى مؤسسه،إرضاء لرؤسائهم، وهم يعلمون في دخيلة أنفسهم أن الحق غير ذلك،نذكرهم بأن يتفطنوا إلى خطورة هذا المسلك، وسوء عاقبته في الآخرة، الوارد في هذه الآية الكريمة قال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين)..إن الأستاذ محمود رغم الفجور في الخصومة الذي كان ديدن معارضيه معه ،فإنه لم يبخس الناس أشياءهم في يوم من الأيام.. وعندما سأله صحفي: أيهم أقرب إليك الأخوان المسلمون أم الشيوعيون ؟ أجاب: الأخوان وعلل ذلك بالاشتراك على الأقل في أرضية الدين، لأن الأفكار الأخرى قد تدفع الإنسان إلى مفارقات في الأخلاق تجعل المسافة بينك وبينه بعيدة..

Post: #804
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-28-2008, 03:13 PM
Parent: #803


بالوثائق:التآمر الجنائي واستغلال القضاء في اغتيال الأستاذ محمود ( 2_ 2 )
هل كانت محاكمة الاستاذ محمود اغتيال سياسي مدبر أم قضية ردة ؟
المحكمة العليا بعد الانتفاضة أعلنت بطلان جميع قرارات محاكم نميري
محمد محمد الأمين عبد الرازق

قال السيد الكرونكى فى الفقرة التى أوردنها آنفا ، وهو يشير الى شباب الحركة الإسلامية : ( فذهبوا وهم يبحثون عن زعيم الى الأستاذ محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهورى والذى أعدمه نميري عام 1985 م ، قبيل سقوطه ، بتهمة الرده عن الإسلام وكان في السادسة والسبعين من العمر! ) .. يلاحظ أن الكاتب وضع علامة تعجب بعد عبارة " فى السادسة والسبعين من العمر! " ، فكأن مخالفة هذه النقطة للقانون وللإنسانية واضحة في ذهنه ، ولكننا سنضيف علامتين تعجب بعد جملة " بتهمة الردة عن الإسلام !! " .. وذلك لأن تهمة الردة لم توجه أصلا إلى الأستاذ محمود لا في محكمة الموضوع ولا في غيرها، فهي لم تكن مثبتة كمادة فى القانون الجنائي السائد في ذلك الوقت ، وإنما اقحمتها محكمة المكاشفى " الاستئناف " إقحاما ولم ترجع الأوراق إلى محكمة الموضوع لتعيد المحاكمة بتوجيه التهمة الجديدة وسماع الرد عليها من المتهم .. وعندما رفع الحكم غير المؤسس قانونا الى نميري ، عقد محكمة جديدة وقدم حيثيات لتبرير الحكم الجائر ، قال : ( إن الجمهوريين تحولوا من بائعين للكتب بالنهار الى موزعين للمنشورات فى الظلام ) وهذه هى النقطة الأساسية التي ينطلق منها نميري ، وهى استغلال المحاكم لإرهاب المعارضين السياسيين والتنكيل بهم ، من أجل تثبيت نظامه الذى تهاوى من كل جانب .. فالمسألة كلها إغتيال سياسى لمفكر أبدى معارضة فكرية جرئية لحاكم طاغية .. وإمعانا في تضليل الشعب وخوفا من الرأي العام زج بتهمة الردة لتوحي بأن الأمر دين لاستدرار تأييد البسطاء ، والحقيقة أن توجيه نميرى من بدايته لمحكمة الموضوع بأن يكون الحكم قائما على تهمة الردة ، ولكن القاضي المهلاوي لم يستطع حبك وإخراج رغبة نميري، فاكتفى بإصدار حكم الإعدام فقط ، فخرجت الردة من المعادلة .. ولذلك سارعوا الى إدخالها فى مراحل لاحقة بعد فوات الأوان ، فكانت المحاكمة كلها مخالفات لأبسط إجراءات المحاكم ..إن الوثائق التي ضبطت داخل القصر الجمهوري فيما بعد كشفت التآمر الجنائي وأوضحت النية المبيتة سلفا لتصفية الاستاذ محمود جسديا ، واليك هذا الخطاب الصادر من نميرى ،وهو يوجه بطانته باتخاذ التدابير اللازمة لتنفيذ الاغتيال كنموذج لتلك الوثائق :
الأخ عوض ، النيل والأخت بدرية :
سلام الله عليكم
أخر هوس الأخوان الجمهوريين هذا المكتوب الذى أرى بين سطوره " الردة بعينها " أرجو الاطلاع ومعكم الاخ بابكر ، ساجتمع بكم للتشاور في الأمر إن شاء الله بعد أن تكونوا على استعداد ..
أخوكم فى الله
جعفر محمد نميرى
8 جماد الأولى سنه1304ه
هذه الوثيقة كتبت بعد حوالى خمسة اشهر من أعلان قوانين سبتمبر 1983م الذي يوافق ذي الحجة من عام 1303 هجرية ، فقد كان الاستاذ محمود حينها داخل المعتقل ومعه مجموعة من تلاميذه منذ يونيو 1982م بسبب الكتب الني أخرجوها في انتقاد السياسات الخاطئة مثل الإعفاءات التي أعطيت لبنك فيصل والتكامل مع مصر، وكشف الهوس الديني، ولمطالبتهم بالمنابر الحرة.. واستمر الاعتقال إلى ديسمبر 1984م حيث أفرج عنهم جميعا تمهيدا لتقديمهم للمحاكمة.. هذا وفد كان الأستاذ محمود على علم بهذا المخطط الذي يستهدف حياته ، فقد قال في أمسية الإفراج 19 / 12 / 1984 م لتلاميذه : ( نحن أخرجناء من المعتقلات لموامرة .. نحن خرجنا فى وقت يتعرض فيه الشعب للإذلال والجوع ، الجوع بصورة محزنة .. ونحن عبر تاريخنا عرفنا بأننا لا نصمت عن قولة الحق.. وكل من يحتاج أن يقال ليهو في نفسه شئ قلنا هو ليهو .. ومايو تعرف الأمر دا عننا ، ولذلك أخرجتنا من المعتقلات لنتكلم لتسوقنا مرة أخرى ليس لمعتقلات أمن الدولة، وإنما لمحاكم ناس المكاشفى .. لكن نحن ما بنصمت ، نميري شعر بالسلطة تتزلزل تحت أقدامه فأنشا هذة المحاكم ليرهب بها الناس ليستمر فى الحكم .. واذا لم تكسر هيبة هذه المحالم لن يسقط نميرى ، واذا كسرت هيبتها سقطت هيبته هو وعورض وأسقط .. نحن سنواجه هذه المحاكم ونكسر هيبتها ، فاذا المواطنيين البسيطين زى الواثق صباح الخير لاقوا من المحاكم دي ما لاقو فأصحاب القضية أولى ) ..
كما هو واضح فقد كان للأستاذ محمود خطة لإنهاء نظام نميري ،من وحي التكليف القرآني: (ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك سلطانا نصيرا) والحديث النبوي: (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) ..هذا وقد شرح الأستاذ لتلاميذه معني الفداء في الإسلام بقوله:إن الأوبئة الفتاكة والفتن التي تفرزها النفوس الملتوية عندما تتولى أمور الناس لا تزول إلا إذا دفع عارف بالله نفسه فداء للشعب، وضرب أمثلة لذلك من تاريخ شيوخ الصوفية في السودان.. ولذلك فور خروجه من المعتقل قال: (نحن ما خرجنا لنرتاح) فأخرج المنشور الشهير (هذا..أو الطوفان) الذي قامت عليه المحاكمة .. وما إن وقع المنشور في أيدي بطانة نميري حتى سارعوا بكتابة الخطاب التالي إليه:
الأخ الرئيس القائد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المنشور المرفق وزعه الجمهوريون وقد قبض على ستة منهم، وتم التحقيق معهم وسوف يقدمون للمحاكم.. وبهذا فقد أتاحوا لنا فرصة تاريخية لمحاكمتهم، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.. ولا شك أنها بداية لمسيرة ظافرة بإذن الله يتساقط دون هدفها كل مندس باسم الدين وكل خوان كفور ولله الأمر من قبل ومن بعد، وفقكم الله لقيادة المسيرة الظافرة، وأقام نهج الله على آثار المصطفى صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومن سار بسيرهم ومنهجهم إنه سميع مجيب الدعاء..
النيل عبد القادر أبوقرون
6 ربيع ثان 1405 هـ
الحمد والشكر لله ولصفيه ورسوله محمد رسول الله والله أكبر على المنافقين.. 6 ربيع ثان 1405 هـ نميري .. هذا هو تعليق نميري..
إن هذه الوثيقة لهي أخطر الوثائق الدالة على الخرق الصريح لاستقلال القضاء الذي كان يمارسه نميري ومستشاروه القانونيون..وعندما تقرأ مع الوثيقة الأولى تتوفر عناصر التآمر الجنائي بصورة جلية.. ولذلك قال الأستاذ محمود عن قوانين سبتمبر أمام المحكمة: (أنها وضعت واستغلت لإرهاب الشعب وسوقه إلى الاستكانة عن طريق إذلاله) وقال أيضا (ومن أجل ذلك فإني غبر مستعد للتعاون مع أي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل ورضيت أن تكون أداة من أدوات اذلال الشعب والتنكيل بالمعارضين السياسيين) .. فالموضوع من جانب نميري كله سياسة وعبادة للسلطة لا دخل للقضاء به.. فإذا كان الامر بهذا الوضوح فكيف فات على السيد الكرونكى أن يعرف هذه التفاصيل التى نشرت على صفحات الصحف وتحدث عنها الناس كثيرا خاصة فى أيام الاحتفالات بذكرى هذا الفداء العظيم .. ولمزيد من المعلومات نقدم فيما يلى ماذا قالت المكمة العليا عام 1986 م عن تهمة الردة في حيثياتها من الناحية القانونية ..
حيثيات المحكمة العليا :
لقد رفعت الأستاذة أسماء محمود بالاشتراك مع الاخ عبدالطيف عمر عريضة دعوى جنائية الى المكمة العليا عام 1986م ، ونظرت الدعوى وأصدرت المحمة حكمها ببطلان جميع قررارات محاكم نميرى وأوردت في نهاية حيثياتها : ( اما ما ترتب على ذلك من أحكام بالإعدام فقد ألغيت في مواجهة جميع المحكوم عليهم فيما عدا والد المدعية الأولى .. ورغم ما شابتها من مخالفات للقانون والدستور ، فقد أصبحت حقائق فى ذمة التاريخ ، تقع المسئولية عليها سياسية فى المقام الاول ) .. وحول تهمة الردة جاء في الحيثيات : ( ولعلنا لا نكون فى حاجة الى الاستطراد كثيراً فى وصف هذا الحكم فقد تجاوز كل قيم العدالة سواء ما كان منها موروثا ومتعارفاُ عليه ، أو ماحرصت قوانين الإجراءات الجنائية المتعاقبة على النص عليه صراحة ، أو انطوى عليه دستور 1973م" الملغي " رغم ما يحيط به من جدل .. ففى المقام الاول أخطأت محكمة الاستئناف فيما ذهبت إليه من أن المادة 3 من قانون أصول الاحكام لسنة 1983م كانت تتيح لها أو لإى محكمة آخرى توجيه تهمة الردة ) .. هذا وقد اوضحت المكمة سبب الخطأ وهو أن المادة 70 من الدستور " الملغي " تنص على ( لايعاقب شخص على جريمة ما إذا الم يكن هناك قانون يعاقب عليها قبل ارتكاب تلك الجريمة ) .. وحول هذه النقطة قالت المحكمة : ( ومؤدى ذلك أنه ما لم يكن هناك قانون يجرم الفعل وقت ارتكابه فإنه لا مجال لاعتبار الفعل جريمة ، والقانون هنا هو التشريع رئيسياً كان أو فرعياً ) .. وتواصل المحكمة : ( على أن محكمة الاستئناف لم تكن عابئة فيما يبدو بدستور أو قانون ، إذ أنها جعلت من إجراءات التأييد التى ظلت تمارسها المحاكم المختصة فى سماحة وأناة ، وبغرض مراجعة الاحكام مراجعة دقيقة وشاملة ، محاكمة جديدة قامت عليها المحكمة بدور الخصم والحكم مما حجبها ، حتى بفرض صحة توجيه تهمة جديدة فى هذه المرحلة فى أن تعيد الاجراءات مرة آخرى لمحكمة أول درجة لإعلان المحاكمة بموجب التهمة الجديدة ، وذلك فيما تقضى به المادة 238 هـ من القانون ، أو أن تتجه إلى سماع المحكوم عليهم بنفسها وفاء بواجبها فى ذلك بموجب المادة 242 من القانون ذاته ) .. وتواصل ايضا : ( ومهما يكن من أمر النصوص القانونية فإن سماع المتهم قبل إدانته مبدأ أزلى لم يعد فى حاجة الى نص صريح بل تأخذ به كافة المجتمعات الانسانية على اختلاف عناصرها وأديانها ، باعتباره قاعدة مقدمة من قواعد العدالة الطبيعية ) .. وحول بيان نميرى عند التصديق على الحكم جاء فى الحيثيات : ( هذا ما كان من أمر ما تم باسم القضاء ، أما ما صدر من رئيس الجمهورية السابق عند التصديق على الأحكام فإنه يكفي لوصفه أن نقرر: أنه مجرد من أي سند في القوانين والأعراف ، ولا نرى سبباً للاستطراد فيه بأكثر من ذلك لما فيه من تغول على السلطات القضائية ، فقد كاد أن يعصف بها كلها ) .. انتهى..
أما النائب العام بعد الانتفاضة الأستاذ عمر عبد العاطى ، فقد أودع رده لدى المحكمة كما يلى :
1/ نعترف بأن المحاكمة لم تكن عادلة ولم تتقبد بإجراءات القانون ..
2/ إن المحاكمة إجهاض كامل للعدالة والقانون ..
3/ لا نرغب فى الدفاع إطلاقاً عن تلك المحاكمة ..
أيها القاريء المحترم: بعد هذا الكم المذهل من الأخطاء القانونية هل استيقنت من صحة عبارة الأستاذ أمام المحكمة: (وأما من حيث التطبيق فإن القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنيا وضعفوا أخلاقيا عن أن يمتنعوا عن أن يضعوا أنفسهم نحت سيطرة السلطة التنفيذية تستعملهم لإضاعة الحقوق وتشويه الإسلام وإذلال الشعب وإهانة الفكر والمفكرين وإذلال المعارضين السياسيين)..
شهادات أخرى :
أجاب مولانا خلف الله الرشيد رئيس القضاء الأسبق بجريدة الحرية 9 / 2 / 2002م على السؤال : مولانا أنت رجل قانوني ماهو رأيك فى محاكمة الأستاذ محمود محمد طه ؟
الأجابة : ما آخذه على المحاكمة هو: بعد أن وزع الجمهوريون بياناً ونشروه فى الجريدة، تم فتح بلاغ ضدهم فى هذا البيان السياسي.. وعندما تمت المحاكمة آثر الجمهوريون الصمت، ولم يتحدثوا، وصدر حكم ضدهم بالإعدام فقام ناس النيابة بإستئناف هذا الحكم.. وفجأة في محكمة الاستئناف تغيرت التهمة الى ردة وهذا هو الخطأ ، إذ أنه كان يجب أن توجه تهمة الردة لمحمود محمد طه ومن معه لأن المسألة تغيرت من مشور الى ردة ولم توجه لهم التهمة ولم يسمع كلامهم، والرسول صلى الله عليه وسلم قال لسيدنا على عندما أرسله الى اليمن : (إذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقض حتى تسمع للأخر كما استمعت للأول ) .. وهذا يسموه حق السمع ويسموه فى القوانين الوضعية حق طبيعى .. وثانياً القانون الذى حوكم به محمود محمد طه لم تكن الردة من ضمن حدوده الموجودة .. انتهى..
أما الدكتور حسن مكي فقد سألته صحيفة الوفاق بتاريخ : 5 / 12 / 1998 م :
س : قيل أن لك علاقة خاصة بمحمود محمد طه والبعض قال أن حسن مكى مأثور جدا بشخصية وأفكار محمود ..
ج : والله أنا من المأثورين به .. أنا كنت أعرفه وأتردد على منزله فى ذلك الوقت .. وكنا كشباب فى الثانويات نجد عنده اللقمة .. نتعشى معه وكنا نتعجب أن الشخص الذى يشغل الساحة الفكرية شخص بسيط زاهد ومتواضع وكان المفكر الوحيد المطروحه كتبه فى السوق ..
س : وحينما أعدم ؟
ج : كنت مسرحا لأفكار شتى ، السياسي فينا كان يتكلم أن الحمد لله ربنا خلصنا من خصم قوي ، وكان حيعمل لينا مشاكل، وكان حيكون أكبر تحدي لفكر الحركة الإسلامية السياسية .. والفكرى فينا كان يتحدث بأن هذا الشخص له قدرات فكرية وروحيه أعلم منا وأحسن منا .. ولكن السياسي دائما ما ينتصر هنا ..
س : والأن ؟
ج : أنا بفتكر أن محمود محمد طه جرعة كبيرة لا نستطيع أن نتحملها ( الناس ما قادرين يتحملوا حسن مكى يتحملوا محمود محمد طه ؟؟ وضحك ) ..
س : ولكن أمين حسن عمر قال أن الترابى انتصر عنده الفكري على السياسي وكان ضد إعدام محمود ؟
ج : أنا لا أريد أن أدخل بين الترابي وأمين , ولكن بعتقد أن الصف الإسلامى فى ذلك الوقت كان جميعه مع إعدام محمود محمد طه ..
س : نحن نسأل عن موقف د. حسن الترابي ؟
ج : أنا أعتقد أنو كان خائف على أنو نميرى ينكص عن إعدام محمود محمد طه ويدعو الله ألا يحدث ذلك ..
س : الرأي الفقهي في هذه القضية و .. ؟
ج : د / حسن مكى ـ مقاطعاً ـ القضية سياسية ما فيها رأي فقهي خصوصاً وأن محمود كان أقوى فى طرحه ضد الشريعة الاسلامية فى ذلك الوقت ..
س : ولكن الترابى يعلن دائماً أن المرتد فكرياً لا يقتل ؟
ج : أنت تريد أن تخرج لموقف الترابى !! وأنا أوثق للتاريخ ..
س : هناك رأى يقول أن د. الترابي كان حريص على إعدام محمود وأن محمود كان يمثل منافساً شخصياً له على مستوى الطرح الإسلامي ؟
ج : هسع الأنقاذ ما قتلت ناس ؟ ما قتلت ناس مجدى فى دولارات ؟ لأنه كان مؤثر على سياستها الاقتصادية ؟ فكيف إذا كان مؤثر على المشروع كله ؟ هسع كان جبت الترابي يقول لك أنا ما موافق على قتل مجدي، أمين حسن عمر يقول نفس الكلام !! .
س : د. حسن مكي جزء من الحركة الإسلامية ؟
ج : ناس الحركة الإسلامية ناس ما عندهم مقدرات ويمثلوا المجتمع الاسلامى فى زمن الانحطاط وما عندهم عبادات .. انتهى..
خاتمة:
إن اتفاقية السلام القائمة اليوم التي أسست حق المواطنة المتساوية لجميع السودانيين، لا فرق بينهم بسبب العقيدة أو الجنس، لا سند لها في الشريعة الإسلامية التي طبقت في القرن السابع الميلادي، وإنما السند في القرآن على أن بفهم وفق منهج الرسالة الثانية من الإسلام.. ففي تلك الشريعة الكتابي لا يساوي المسلم، والمرأة لا تساوي الرجل، والمشرك ليس له حقوق وإنما خياره الوحيد هو أن يدخل في الإسلام وإلا يقتل بنص الآية: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وخذوهم، واحصروهم، واقعدوا لهم كل مرصد، فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم)..فإذا كان الواقع قد ارتفع حتى لامس الفكرة الجمهورية لدرجة إنزال مبادئها على الأرض في الدستور، فهل المطلوب أن نتمسك بها ونضعها مصدرا أساسيا لتشريعاتنا وسلوكنا بشجاعة ومسئولية أم نستمر في المغالطة التي لا تسمن ولا تغني من جوع .. إن الشريعة القديمة في تنظيم المجتمع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، في وقتها، كانت حكيمة كل الحكمة ،فقد وفرت الحلول الناجعة لمشاكل ذلك العصر،فالعيب ليس فيها هي وإنما العيب في العقول التي تحاول إقحامها في زمان ليس زمانها، لتنظم بها مجتمعنا الذي لا تشبه مشاكله مشاكل ذلك العصر بأي وجه من الوجوه..
إن المعركة بين الأستاذ محمود ونمبري قد انتهت بإعدام الأستاذ وسقوط نميري، وعليه فقد حقق الأستاذ هدفه وهو أداء الواجب المباشر على أكمل وجه ،ثم الرضا بالنتيجة، وبدا مبتسما فوق حبل المشنقة، ولقي ربه فرحا، فانطبقت عليه الآية: (ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات بل أحياء ولكن لا تشعرون)..أما نميري فقد فقد السلطة التي عبد الله من أجلها، وارتكب جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار، في سبيلها، ولذلك فهو الخاسر في الدنيا بالسلطة وفي الآخرة بالجريمة، فانطبقت عليه الآية: (ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به ،وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ،ذلك هو الخسران المبين)..
إن النفس البشرية تستلذ بالسلطة أكثر من الشهوات الأخرى،ولذلك قال الشاعر: لقد صبرت عن لذة العيش أنفس وما صبرت عن لذة النهي والأمر..وقال أحد العارفين: في نفس كل منا أن يقول أنا ربكم الأعلى، وإنما قالها فرعون لأن قومه أطاعوه وزينوا له سوء عمله..فعندما سقطت مايو وجد نميري خارج وطنه، فاقدا الأمل في عودة السلطة، فسألته صحفية بجريدة الصباحية يوم 23 جمادى الآخرة 1412 عن إعدام الأستاذ محمود، قالت الصحفية :وضع نميري يديه على رأسه ونظر إلى أسفل، وامتلأت عيناه بأسى حقيقي حتى أشفقت عليه وندمت على هذا السؤال ، وبعد أن خلت صمته لن ينتهي قالندم العالم كله لن يكفيني حين أذكر محمود محمد طه).. هذه لحظة صدق مع النفس تحققت في ظرف غياب السلطة وفقدان الأمل فيها، ولكن سرعان ما انهار كل هذا عندما لاحت انتخابات رئاسة الجمهورية وعاد الأمل في السلطة من جدبد.. ففي إجابة على نفس السؤال لقناة قطر قال نميري: أنا غير نادم على إعدامه وإذا في إنسان عمل نفس العمل وأنا في السلطة سأقوم يإعدامه.. فمثلما كان نميري يظن أن إعدام الأستاذ سيجلب له مظاهرات التأييد فيتمكن من السلطة أكثر، ظن مجددا أن الاستمرار في إدانة الأستاذ سيجلب له أصوات الناخبين فيعود إلى السلطة من جديد..

Post: #805
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-28-2008, 08:10 PM
Parent: #804



إعدام القائد والمفكر الإسلامى محمود محمد طه

نشر مركز "محمد عمر بشير" للدراسات السودانية فى العام 2001 كتابا للراحل مامون بحيرى، وقد أهدى الراحل نسخة من كتابه للعم يوسف لطفى الذى لفت نظرى لذلك الكتاب لما ورد من سيرة الأستاذ محمود، وقد أهدانى، مؤخرا، الأخ عبدالله الفكى البشير نسخة من هذا الكتاب، لفت نظرى أيضا أن بالكتاب صورة للراحل الطيب الهادى يبدو فيها شديد الشبه بشقيفه الأستاذ جلال الدين الهادى:
الكتاب بعنوان "لمحات" من تجارب رجل خدمة عامة من جيل الرواد السودانيين.
ورد تحت العنوان أعلاه، فى صفحة 133 من متن الكتاب، ما يلى:
كنت ضمن العديد من الناس الذين تحركت مشاعرهم وروعوا بالطريقة التى تمت بها محاكمة وإعدام القائد الإسلامى محمود محمد طه. وعلى الرغم من أننى لم ألتق به كنت عادة أسمع عن أفكاره وقرأت له كتابا أو كتابين. كان لا يظهر كثيرا فى الأماكن العامة وأظن أنه كان معروفا فقط لأبناء جيله وأتباعه، وكنت أحيانا أشاهدهم يوزعون كتيباته فى الطرق والميادين أو يخاطبون مجموعات قليلة من التاس. لم أقرأ فى كتبه شيئا يثير السخط من وجهة نظر إسلامية ولم تكن توحى الى إثارة الفتن أو التحريض ضد الحكومة، وأفكاره قد تبدو غريبة ومتضاربة مع توجهات الجماعات والطوائف الدينية الأخرى، لكن حسب رؤيتى للأمر لم يكن فى أفكاره ما يدعو لإتهامه بالردة والحكم عليه بالإعدام.
كان معروفا لدى الجميع أن المحكمة التى نظرت فى الإتهام الموجه ضد الأستاذ محمود محمد طه كانت مؤلفة من قضاة ينتمون الى جماعات إسلامية مختلفة، جماعات كانت تجهر بعدائها لأفكار وتعاليم الأستاذ محمود. عندما واجه الإتهامات أمام المحكمة رفض الدفاع عن نفسه ولم يكن له محام ليتولى الدفاع عنه، وحسب تحليل بعض القضاة الموثوق بهم لأحداث تلك المحاكمة، قضاة لم يشاركوا فى محاكمته ولا يؤيدون أفكاره، كانت إجرآءات المحكمة مثيرة للسخرية من القضاء.
أخيرا، قررت المحكمة بالإجماع أنه مرتد وحسب ما تنص عليه الشريعة الإسلامية يجب إعدامه. وحسب آراء العديد من الإسلاميين هناك إلتباس فى التفسير الإسلامى لمحاكم الطوارىء تشتم منه رائحة الدوافع السياسية، فالرئيس نميرى كرأس للدولة له سلطات إجازة ورفض وتعيير حكم المحكمة، كان بإمكانه إطلاق سراح المرشد الإسلامى لإعتبار كبر السن أو إصدار قرار بإعتقاله تحفظيا فى منزله، لكن كان من سؤ الطالع أنه وافق على قرار المحكمة.
الأستاذ محمود محمد طه، وهو مهندس حسب تعليمه ومهنته وشيخ يبلغ من العمر ستة وسبعين عاما تم إعدامه فى ظل ترتيبات أمنية مكثفة غير عادية، وكانت هناك أجاديث بأن جثمانه حمل بواسطة طائرة الى مكان قصى ليتم دفنه دون علم أسرته.
وكرجل شارك فى مجلس شارك فى مجلس الشعب وحكومات مايو إعتبر عملية المحاكمة والإعدام عملية يستحيل الدفاع عنها من وجهة نظر الشريعة أو حتى أى قانون علمانى ولم يكن لهذا العمل أى مبررات تقرها الفطرة السليمة المألوفة.
إعتبر كثير من السودانيين داخل وخارج البلاد، هذه الحادثة نقطة سوداء فى تاريخ السودان.

http://sudaneseonline.com/maalim.html
_____

Post: #806
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-28-2008, 08:11 PM
Parent: #805



اعتذار من جاهل
الى روح الشهيد العارف بالله الأستاذ محمود محمد طه
(الحرية لنا ولسوانا)

لو أن كل واحد فينا فهم هذه المقولة ووعيها وعمل بها لما ضاق صدره بالرأي الآخر،
ولو أحب كل منا الآخر واحترمه لما حدث ما يحدث الآن في السودان من قتل وتعذيب
وتشريد وقطع لأرزاق الناس، ولو فهم أهل الإنقاذ جماع حكمة ديننا الجميل في احترام
الآخر واحترام رأيه وإنسانيته وآدميته وكرامته وحرمة دمه وعرضه وماله (وهذا أصل
الدين) لما كان بيننا سوى محض المحبة والاحترام وإلا فما الذي بيني وبين عمر البشير
أو السيد علي عثمان أو حتى نافع أو الزبير طه أو الشيخ حسن الترابي ، بالتأكيد ليس
بيني وبينهم أية أحقاد أو ضغائن شخصية ويمكن أن يكونوا أصدقاء مقربين لو لم يفعلوا
ما فعلوه بأهل السودان من تنكيل وتشريد وقتل وامتهان للكرامة البشرية بلغ حدا
لا يمكن لأي حر إقراره والقبول به، بله التعايش معه، والسكوت عنه.
إننا في أمس الحاجة الآن لفهم هذه المقولة البسيطة الكلمات العميقة المعاني
و الدلالات التي كانت جماع قمة فكر الثورة الفرنسية والفكر الغربي المتطلع للحرية
والانعتاق والتي أتي بها المفكر الإسلامي الرائد الملهم الأستاذ محمود محمد طه
ليجعلها قلب ولب جماع الفكر الإسلامي الحديث كما فهمه وكما ينبغي أن نفهمه جميعا،
عليه رحمة الله ورضوانه.
ومما أذكره من تجارب شخصية إنني قي أواخر ستينات القرن الماضي أ و
في أوائل سبعيناته (وكنت وقتها فتى غرا لم يخضر شاربه بعد (teen-ager ) أن
نشرت لي صحيفة الأيام مقالات ثلاث - بعنوان (حول أفكار محمود محمد طه: خمس
قضايا للمناقشة ) وكانت الأيام وقتها في أوج وهجها يقوم على إدارتها وتحريرها ثلاثة
من عمالقة صناعة الصحافة: بشير محمد سعيد رحمه الله والمحجوبان (محجوب محمد
صالح ومحجوب عثمان) أطال الله في عمريهما وأبقاهما ذخرا للسودان وللأجيال
الصحفية الشابة لينهلوا من تجربتهما وخبرتهما الثرة العميقة التي كانت وما تزال تقوم
على الصدق واحترام الكلمة والذات . ولم يكن متاحا ولا من عرف الأيام أن تنشر في
صفحة معرض الرأي الرصينة لفتى نكرة صغير السن مثلي حرفا دع عنك مقالات
ثلاث... فقد كانت هذه الصفحة محتكرة تقريبا لعمالقة الرأي والثقافة و الفكر من أمثال
المغفور لهم : بابكر كرار و وصلاح أحمد إبراهيم وعمر مصطفى المكي - وقد دارت كل
معارك الأخيرين المشهورةعبر هذه الصفحة الرصينة وكذلك الشاعر سيد أحمد الحردلو
(أمد الله في عمره) الذي كانت له مناكفات أدبية مع المرحوم صلاح أحمد ابراهيم (رحمه الله)
والأستاذ الشاعر الجميل محمد المكي ابراهيم (أطال الله عمره) كما نشر عبرها السيد الصادق
المهدي عددا من أفكاره المهمة .
حينما نشرت لي أول حلقة من هذه المقالات - وأنا غر صغير السن والتجربة والخبرة
والحنكة عاطل عن كل فكر وحكمة - كما أسلفت – ولم أك أملك شيئا غير مقدرة ضئيلة
تمكنني من الكتابة دون أخطاء جسيمة تميزني عن بقية أقراني و أترابي في ذلك الزمن
الذي لا تستطيع أن ترقى فيه سلما واحدا دون منافسة وموهبة حقيقية- فرحت يومها فرح
طفل أهديت له لعبة يحبها، ولا أخفيكم إن رأسي قد كبر ألف مرة و شعرت إني أصبحت
بين ليلة وضحاها كاتبا يشار إليه بالبنان.
وكان ذلك بالطبع وهما كاذبا لم أكتشفه إلا بعد معاناة وتجربة في العمل والكتابة الصحفية
امتدت أعواما طوالا في الوطن وخارجه.
وقد جلبت علي هذه المقالات الثلاث غضب إخوتي وأحبتي الجمهوريين حيث أخذوا علي
بعض عبارات استخدمتها بلا قصد و فسرت بأنها إنقاص من قدر الأستاذ "معاذ الله" –
حقيقة الأمر إنني لم أنتبه إليها في ذلك الوقت حيث إني كنت أحب الأستاذ محمود كثيرا
و أجله إجلالا كبيرا كما كان خالنا الأستاذ سعيد الطيب شايب يمثل بالنسبة لي مثالا
للإنسان الذي يجب أن يكون عليه المسلم الحقيقي – عليه رحمة الله ورضوانه
- وقد كنت أحبه حبا لا أعتقد إنني سأحبه لأحد غيره .
و بعد سنوات طويلة نظرت إلى ما كتبته خلال تلك الفترة الباكرة من حياتي فوجدت
– ولا أكتمكم القول – إن جل ما كتبته كان مجرد خواء وهراء.....خواء فكر
وهراء قول .... كان نتاج فورة شاب لم تعركه الحياة ولم يعركها
ونتاج جهل أعيذكم الله منه... "جهل يافع غر" قرأ قليلا فظن انه امتلك جوامع الحكمة
والكلم وهو أبعد ما يكون عنهما.
...... وكان أن نظرت إلى ما كنت قد نقدته من أفكار الأستاذ محمود – رحمه الله –
فوجدته وأنا أنظر إليه الآن بمنظار ما اكتسبته من خبرات وتجارب – أنه كان رأس
الحكمة وعينها وقلبها. وأكثر ما يؤلمني الآن انه لم تتح لي فرصة لأعتذر للأستاذ
شخصيا عن ما كتبت من معان غثة و أفكار فجة وأمان فطيرة وعن كلمات لم تكن
لتصدر عني لولا "جهل يفاع وصبا "وقصر نظر ، و رغم إن الإخوة الجمهوريين
لم يغيروا محبتهم لي قط إلا إني ما زلت أشعر بتأنيب ضمير إزاء جهل لم أتعمده.
وهذا اعتذار مني للإخوة الجمهوريين جميعا برغم انه جاء متأخرا بأكثر من
ثلاثين عاما برجاء قبوله.
ما أحببت قوله بهذا للإخوة جميعا في هذا المنبر إنه علينا اختيار كلماتنا
بعناية حين نناقش بعضنا بعضا حتى وان كان ما يقوله الآخرون لا يتفق مع قواعد
المنطق السليم ولا مع قناعاتنا ولا مع ما نؤمن به حتى يسود بيننا الاحترام والخلق
الحسن وأن نتحلى بأدب الحوار و الاعتذار ..... فهذه هي الحرية و الديمقراطية التي ننشدها
ونصبو إليها..............
... ولن تكون هناك ديمقراطية بغير إيمان حقيقي بأن الديمقراطية هي الحرية وان هذه الحرية هي لنا ولسوانا.
ولك العتبى أيها الشهيد الخالد الغائب الحاضر - الذي غيبته الفئة الباغية -
حتى ترضى
فاروق حامد (أبوناصر)

الاخوة الأعزاء : بما ان الاستطراد قد أخذني بعيدا الى غير ما أملت
فاني أستميحكم عذرا في استعارة هذا الرد الذي أنزلته في بوست الأخت تماضر
وعنوانه ( من تماضر بأمريكا الى بيان) الى هذا البوست حيث اني كنت أنوي الرد
على نفسي لمقالات ثلاث كنت نشرتها بجريدة الأيام قبل أكثر من ربع قرن .. وقد
أعدت قراءتها مرة أخري وأنا أنبش في أوراقي القديمة فرأيت فيها جهلا وقصورا
بسبب فورة الشباب وصغر سني وقتذاك حيث لم أكن قد بلغت العشرين من عمري
وقد وجدت فيها بالفعل بعض التطاول غير المقصود على أستاذنا الشهيد الخالد
محمود محمد طه (عليه سلام الله ورضوانه) فأحببت أن أعتذر لأستاذنا في عليائه
ولأحبتي الجمهوريين وعلي رأسهم الحبيب الغائب الحاضر أستاذي سعيد الطيب
شايب - رحمه الله - برجاء قبولها رغم تأخرها .
فاروق

اعتذار تأخر ثلاثين عاما : للشهيد الخالد محمود محمد طه و...ء الجمهوريين عن جهلي
____________

Post: #807
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-28-2008, 08:12 PM
Parent: #806



هناك اتهام للعقل الاصولي وهو اللجوء الى التكفير عند العجز عن مجابهة الخصوم حدث هذا مع نصر حامد -فرج فودة .. الخ في السودان لمحمود محمد طه وكنتم اقرب الى من كفروه الى اي مدى يصح هذا الاتهام؟


تيارات التكفير بعضها خرج من رحم الحركات الاسلامية رغم ان الحركات طرحت فكراً نهضوياً ولكن بالذات الحركة في مصر وقع عليها ابتلاء كبير من النظام والشخصيات التي كانت اقرب الى الفكر الاشتراكي مثل سيد قطب عندما انضمت للاخوان وشاهدت الاعتقالات والاعدامات بدأت النظرية التي كانت تتبناها حركة الاخوان في مصر هي نظرية تطبيق الشريعة بحيث تسع المسلم وغير المسلم بحيث تطرح قيماً يتفق عليها كل البشر وهي قيم انسانية قد تكون ذات بعد ديني للمتدين وقد تكون قيماً انسانية لغير المتدين هذا الطرح تحول منه طرح الشريعة الى طرح الحاكمية الذي تبناه سيد قطب باثر من المودودي ومدرسة الندوي ولكن عندما وقع العسف تولدت افكار تقول ا ن الاسلام لا يعرف الا نوعين من المجتمع مجتمع اسلامي ومجتمع جاهلي - في ما يتعلق بالحركة الاسلامية في السودان لم يقع عليها اضطهاد شديد وان تطاولت المعتقلات والسجون ببعض القيادات ولكن لم يقع عليهم ما وقع للاخرين لا في عهد عبود ولا جعفر نميري والحركة لم تتطرف .. الشيخ حسن الترابي بعد خروجه من المعتقلات بعد سبع سنوات في عهد النميري طرح ان المرتد ردة فكرية بحتة لا يقتل وعارضه معارضة شديد في ذلك تلاميذ الاستاذ محمود محمد طه وقالوا ان هذا خروج عن الشريعة السلفية لان العصر قد ضغط على الترابي فاذا ضغط عليه العصر او لم يضغط فهذا رأيه وهو لا يزال يعتقد ان المرتد ردة فكرية بحتة لا يقتل وان حد الردة لا يطبق الا على المقاتل الذي يخرج على الدولة الاسلامية وهذا تيار غالب الان في الحركات الاسلامية هذا رأي راشد الغنوشى ومحمد سليم العوا والقرضاوى.


المحبوب عبد السلام يعترف بالكثير" المثير" .... حوار صحفى...

Post: #808
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-28-2008, 11:05 PM
Parent: #1


مقالات: الحركة الوطنية لشرق السودان .. الخـــــــــــرُوج من دار الأرقم ..!!
17-4-1427 هـ
الموضوع: النيلين
ثمةُ قائلين لنا، آنما بدأنا هذا الفعل السياسيّ الجّديد، إنّكم لستم بمتجاوزينَ من هم قبلكُم من عُتاةِ المنشطِ السياسيِّ العريق وإنكم- لعَمْرِنَا- ها هنا قاعدون! تلكَ- قِيلَ لنا- إنما هي موجةُ زَبَدِيّةٌ عابرةٌ و’ فهلوةُ ‘ آلِ نضالٍ انترنيتيّين زاهين ومعجبين بما لديهم من نرجسيّاتٍ سياسيّةٍ مهوّمةٍ، فحسب، لذا فهم لن يخرجوا- وإن فعلوا!- بمقدار ذراعين عن شأنِ طقطقةِ بضعةِ مثقّفين صفويّين ( ولهم المكرمة لاعترافهم لنا بأننا ’مثقّفين‘ على الأقل ! ) على لوحات حاسوبٍ مضيئةٍ يُنشّرونَ عليها فقّاعات حساسيّاتهم الشخصيّة وأوهامهم و’عقدهم‘ الموروثة عن شقاقات سياسيّة ماضية ( وذاكَ قيلَ، خصوصاً، عن الصديق المبدع، ذي الفنون المتعددة ، طارق أحمد أبوبكر، الأمين العام للحركة الوطنية لشرق السودان ، حيثُ جُرّدَ جهادُهُ وهمُّهُ كلّهُ إلى كليماتٍ بارداتٍ وقحاتٍ مُتّهماتٍ لهُ بأنه إنما مضى على سبيلهِ الحاليّ هذا فقط - وتنبّهُوا لهذه الـ’ فقط ‘! - لتصفيةِ خلافٍ شخصيٍّ قديمٍ مع رفاقٍ لهُ، طيفيّين وسابقين، في قبيلة اليسار السوداني العتيدة. هكذا- فقط ولاغير- هم شافُوا شأنه، فهل في هذا أيّ إنصاف لهُ، أيّها القارئون ؟! أما الأدهى من ذلك، والذي كُتِبَ وقِيلَ عن رئيس الحركة القويّ الأمين، القائد أحمد محمد طّاهر حمد ، فلستُ خائضاً فيه، بل حسبي منه أن أقولَ أنّ القائد أحمد محمد طّاهر مُتمثِّلٌ، في سلوكهِ إزاءهُ، بِتَمامِ أدبِ الآيةِ القرآنيّةِ الكريمة القائلة:- " وعبادُ الرّحمن الذين يمشون على الأرضِ هوناً وإذا خاطبهم الجّاهلونَ قالوا سلاما " ). هكذا قال عنّا، في البدءِ، الواهمُون ( والاستعارةُ هنا من بحرِ شاعرنا مصطفى سند القديم ). لكنّا نقولُ لهُم:- ألا فاستنيروا يا هؤلاء! ألا فاستنيروا يا هؤلاء! ألا فاستنيروا يا هؤلاء ! فإن لم تستنيروا فسيستبدلُ التاريخُ والنّاسُ بكُم أُنسيّينَ آخرينَ ذوي قُوّةٍ، وليسُوا ذوي عُنفٍ لآلهم وحرثهم، بلا ادّعاءٍ وسِعةٍ، يعملون. ولئن سئل الإنسان هنا عن معنى ’القوّةِ‘ كبديل تاريخيٍّ سياسيٍّ فعليٍّ لـ’العُنف‘ لأجاب بما أجابَ به، من قبل هنري ديفيد ثورو، في مقاله الموسوم حول واجب العصيان المدني، ثمّ ما أجاب به، أيضاً،إرث المهاتما غاندي العظيم حيثُ أُعْطِيَ عمل ثورو الفكريّ هذا عمقاً روحيّاً، أوّلاً، ثمّ اجتماعيّاً، من بعد ذلك ( أو، على الأدقِّ، ’مع ذلكَ‘)، ممّا كان له أثرٌ غيرُ منكورٍ في الواقع السياسيِّ العالميّ العريض وليس الهنديّ فحسب، ثمّ لنا أخيراً في ما فصّل فيه القول على هذا السبيل الأستاذ والسّودانيِّ الشهيد محمود محمد طه - في مجمل ما كتبه عن الفرق بين ’القوة‘ و’العنف‘ وعن ’الثورة الثقافية‘- تركةً سودانيّة حكيمةً وسديدة البصيرة، ومن شاءَ فليُراجع كلّ ذلك في مظانّه فلقد سئمنا من عديدِ الكتاباتِ الإنشائيّات عنا والإدانات التي لن تُجدي، معنا ومع من يتفهّمون أهدافنا، فتيلا. ربّما- حتّى من بعدِ ما سبق وجرى به قلمي الآنَ ومن قبل وما جرت به أقلام زملاء لي مثقفين ومستنيرين لعلّ آخرهم هو القانونيّ المستنير محمّد الأمين عبد الحليم – أمين العلاقات الخارجية بالحركة الوطنية لشرق السودان - في مقاله الذكيّ المسمّى لماذا هي الإنقاذُ غانمة؟- يظلّ بعضُ الناس لنا قاذفين بالحجارة و’ هجّامين رجّامين ‘ لنا بذات ما كانوا به من قبل علينا ’هاجمون وراجمون‘. لأولئك أقول، فقط ولا أزيد:- لكم فهمكم وعملكم ولنا فهمٌ وعمل، ثمّ لا شيءَ من بعدِ ذلك! أو ربّما ’أتفنّنُ‘ عليهم قليلاً وأقولُ، مستشهداً بلازمةٍ محوريٍةٍ في قصيدةِ الشاعر المصريّ المبدع محمّد عفيفي مطر المسمّاة مُنَمْنِمَةُ يؤبّدون لحظة السّراميك ونؤبّدُ الزّلزلة:- لهم رملُهم ولنا رملُنا... ( ولمن يشاء ان يقرأ تلك القصيدة كاملةً أحيله إلى مجلّة القصيدة، العدد 1، خريف 1999، والتي صدرت عن New Poetry Publishing House-London ، بالاشتراك مع المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت/ شركة المتوسط الدولية للصحافة والنشر والإعلان، نيقوسيا ). ذلكم كان في شأن بعضٍ ممّن استكثروا علينا أن نزيد أبداً عن حفنة اللندنيّين الإنترنيتيّين الذين زعموا. أولئكَ آمل منهُم أن يروا، الآن، كيف الذي تحدّثتُ عنه آنفاً عن استبدال قومٍ بقومٍ آخرين قد بدأ، بالفعل، في التحقّق، والشواهدُ على ذلك كثيرةً في بيانات ونشاطات الحركة الوطنية لشرق السودان الأخيرة العديدة في داخل البلاد وعلى أرض عموم الناسِ وهمُومهم، كما وفي تنادِي النّاس من مختلف مشاربهم- طلاب ومهندسين وضُبّاط ومهنيين وشيوخ قبائلٍ وحكمةٍ- إلى السّعي الحثيث في دعم عمل الحركة الوطنية لشرق السودان، السلميّ الواعي والمدروس، من أجل التغيير والتنمية الإنسانية والاجتماعيّة لإنسان الشرق حتى يتمتع بكرامة المعاش مثله في ذلك مثل بقية خلق الله الطبيعيين في بلاد الله الوسيعة. أمّا ذوي السلطة والسلطان ( وقِيلَ الصّولجان ) من آلِ التّجارات والبيع الذي أُحلّ والرّبا الذي عندهم- نظريّاً- قد حُرّمَ فأردّ عليهم ما خاضوا فيه من كلامٍ عنّا بإيرادي، فحسب، لهذه الجّملة الجّامعة عن الحكيم الصينيّ القديم كونفوشيوس:- " لئن تُحْكَمُ دولةٌ ما وفقَ مبادئ العقلِ والرّشدِ فإنّ وجود الفقر والشّقاء فيها يكون مدعاةً للشعورِ بالذنب والعار. أما إن لم ُتحكمُ الدّولةٌ إيّاها وفق مبادئ العقلِ والرّشدِ فإنّ بروزَ البحبوحة والتنعّم والتّشاريفَ بها- وليس الفقر والشقاء- يغدو، آنذاك، مدعاةً للشعور بالذّنبِ والعار". لكأنَّيَ الآنَ بالأستاذ الشهيد محمود محمد طه، آنما دعا، في عديدٍ من أسفاره وأحاديثهِ، لـ" مساواة السودانيين في الفقر حتّ يتساووا في الغنى" ، كان مقدّماً، بمستوىَ إسلاميٍّ وعصريٍّ جديد، لتلك الحكمة فتبيّنوا ذلكَ يا معشر أمصار البنوك والصّكوكِ والتشدّقِ الغليظ الماكرِ بـ" كلوا من طيبات ما رزقناكم " و" قل هل حرّم... إلى آخر الآية القرآنية الكريمة"، فهل تستفيقون؟!

http://www.sudaneseonline.com/news/modules.php?name=News&file=article&sid=14694
_________________

Post: #809
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-28-2008, 11:06 PM
Parent: #808


عن الشيخ الترابي وأزمة الحركة الإسلامية المعاصرة
د. عبدالوهاب الافندي (*)

بمحض المصادفة توافقت الضجة التي أثارها الشيخ الدكتور حسن الترابي بآرائه الأخيرة في قضايا خلافية في الفكر الإسلامي مع صدور كتاب عن الفكر الإسلامي الحديث كنت أحد المساهمين فيه بفصل عنوانه حسن الترابي ومحدودية الحركة الإسلامية الإصلاحية الحديثة . محرر الكتاب المذكور (والذي يصدر هذا الشهر عن دار بلاكويل في أكسفورد) هو الدكتور إبراهيم أبوربيعة، المحاضر في معهد هيرتفورد بالولايات المتحدة وعنوانه:
The Blackwell Companion to Contemporary Islamic Thought
ويتناول الكتاب الذي ساهم في إعداده لفيف من الأكاديميين والمفكرين من مختلف أنحاء العالم جوانب متعددة من الفكر الإسلامي المعاصر، ومساهمات أبرز الشخصيات المعاصرة فيه. وفي الفصل الذي قمت بإعداده تناولت بالتحديد الإنتقادات والجدل الذي أثارته اجتهادات الشيخ الترابي بدءاً من حكاية حديث الذبابة، وتشكيكه في صدقية بعض الصحابة وفي عصمة الأنبياء وموثوقية صحيح البخاري، وآرائه حول المرأة والردة وزواج المسلمة من الكتابي وغير ذلك. ومن الصعب بالطبع تلخيص كل ما ورد في ذلك النقاش الأكاديمي المفصل والمتعمق لمساهمات الشيخ الترابي وردود الفعل حولها في هذه العجالة، خاصة وأنها تعتبر تكملة لكتابين تناولت فيهما بشيء من التفصيل مساهمات الشيخ، هما ثورة الترابي (1991)، وكتاب الثورة والإصلاح السياسي في السودان (1995). ولكن يمكن هنا إعطاء بعض الإشارات التي تعين علي فهم بعض الجدل الدائر حالياً حول اجتهادات الشيخ، وهو جدل قديم جديد تنبع أهمتيه من أنه لا يعبر عن الإشكاليات التي تطرحها آراء فرد، بغير ما هو انعكاس لأزمة تواجه كل محاولات إحياء الاجتهاد في العصر الحديث.
فالضجة التي ثارت حول رفض الترابي لحديث الذبابة تجسد في جوانبها المختلفة أزمة أي محاولة لتحديث الفكر الإسلامي في وجه النظرة التقليدية السائدة. ذلك أن حديث الذبابة يمثل حالة نادرة من تعارض نصوص إسلامية معتمدة (في هذه الحالة حديث ورد في صحيح البخاري) مع اكتشافات قطعية خرج بها العلم الحديث. فهناك إجماع بين العلماء علي أن الذبابة تنقل الأمراض فوق ما عرف بأنها تنقل القاذورات. وبالتالي فإن اتباع نصيحة الحديث المنسوب إلي الرسول صلي الله عليه وسلم بغمس الذبابة في الشراب الذي تقع فيه بدلاً من إخراجها تتناقض في ظاهرها مع صريح العلم، رغم أن الحديث المزعوم يقدم ما يشبه نظرية المضادات الحيوية بالقول بأن جسد الذبابة يحمل معه ما يشفي مما تحمله من أمراض. ولا بد من أن نذكر هنا أن الصراع بين الدين المسيحي كما كانت تعبر عنه المؤسسات الكنسية والعلم الحديث كان من أهم أسباب تراجع سلطة الدين في الغرب وهيمنة العلمانية علي الحياة.
الحركة الإسلامية الحديثة سعت إلي تجنب مصير مماثل للإسلام بمحاولة إحياء الإجتهاد والتخلص من المقولات التي تتعارض مع العلم الحديث أو المفاهيم السياسية والاجتماعية الحديثة (الحريات، حقوق الإنسان، حقوق المرأة، إلخ...)، إما بالتشكيك في صحة نسبة هذه المقولات إلي مصادر إسلامية موثوقة، أو بإعادة تفسيرها وتأويلها. وتميز موقف الترابي بأنه اتخذ موقفاً جذرياً، بدأ برفض سلطة حديث الذبابة جملة وتفصيلاً، وتدرج إلي ذلك بعد أن بدأ بالمنهج التقليدي، وهو التشكيك في صحة الحديث، وبالتالي التشكيك في اعتقاد سائد بين المسلمين السنة بصحة كل ماورد في صحيحي البخاري ومسلم (وهو موقف لا يشاركهم إياه الشيعة). وحجة الترابي هي أن البخاري بشر غير معصوم، ولا بد أنه أخطأ في إسناد بعض ما أورده. ولكن حتي لو كان البخاري علي حق في روايته، فإن من المحتمل أن يكون الصحابي الذي نسب إليه الحديث قد أخطأ فيما نقل أو لم يفهمه كما يجب. والصحابة أيضاً ليسوا بمعصومين، بل إن بعضهم قد سجل عليه كذب وتزوير. وحتي لو تجاوزنا عن هذا وأثبتنا أن السند صحيح وأن الصحابي المذكور قد نقل عن النبي صلي الله عليه وسلم بدقة وموثوقية، فإنه يحق لنا أن نرفض المقولة النبوية إذا كانت تتعلق بشأن دنيوي. فعصمة الرسول صلي الله عليه وسلم تتعلق بالتبليغ في أمر الدين، وهو القائل أنتم أعلم بشؤون دنياكم كما ورد في الحديث الذي نصح فيه المسلمين بعدم تلقيح النخل، وهي نصيحة اتضح أنها لم تكن صائبة.
من الواضح أن الدافع الأساسي للإصلاحيين الإسلاميين المحدثين هو التعامل مع مطالب الحداثة، ومواجهة الانتقادات الصادرة من الغرب والعلمانيين من أبناء الإسلام، وهي انتقادات يستبطنها الإصلاحيون في أحيان كثيرة استبطانهم مبادئ مثل الإيمان بالديمقراطية أو حقوق الإنسان. ولهذا فإنهم يكونون في صراع مستمر مع أنصار النظرة التقليدية التي تري أن الإسلام يجب أن يؤخذ كما هو. ومن السهل علي الإسلاميين انتقاد ما يصفونه بأنه جمود تقليدي أو تفسير خاطئ للنصوص، أو غلبة موروثات غير إسلامية علي فهم الدين. ولكن الإشكال يأتي حين يواجهون نصوصاً صريحة تتعارض مع ما يقبلون به من أفكار حديثة، مثل الحرية الدينية مقابل حد الردة، أو مساواة المرأة مع الرجل مقابل النصوص حول وضعها وشهادتها وحقها في الميراث، إلخ.
الحلول التي لجأ إليها معظم الإصلاحيين تمثلت في محاولة التركيز علي نصوص معينة دون أخري، وادعاء أولويتها. ولعل الحل الجذري الأبرز هو ذلك الذي لجأ إليه المفكر الراحل محمود محمد طه وحركته الجمهورية حين قرر نسخ كل النصوص القرآنية المدنية ومعها السنة وما تفرع عنها من موروث إسلامي والبدء من جديد في استحداث تشريع إسلامي من نقطة الصفر. ولكن الحل الجمهوري واجه إشكالين رئيسيين: الأول هو أنه حين كنس التشريع الإسلامي الموروث بأكمله بجرة قلم، أحل محله رؤية تتطابق مئة بالمئة مع المنظور الغربي الحديث في الحريات وحقوق الإنسان، وهو تطابق حري بأن يجعل أي دعوي من هذا النوع مشبوهة. والثاني أن مثل هذا الحل الجذري يحتاج إلي دعوي بسند سماوي جديد، وتصريح إلهي مباشر من إلهام أو نحوه. أي بمعني آخر إن الأمر يحتاج إلي وحي جديد ودين جديد، وهو تحديداً ما تضمنته الدعوي الجمهورية، وهو أمر يجعلها مشبوهة أكثر، خاصة عند أهل الحداثة الذين تستهويهم دعواها الأولي ولكن يصعب عليه تقبل محتواها الصوفي ـ الميتافيزيقي.
الشيخ الترابي اتهم من قبل خصومه بأنه يقارب في دعاواه الإصلاحية الشطحات الجمهورية، ولكن الترابي لم يدع وحياً جديداً وإنما استصحب دعوي الحداثة الأكبر (ودعوي قدامي فلاسفة المسلمين حتي ابن رشد) من أن العقل الإنساني هو في حد ذاته مصدر سلطة قد تعلو أحياناً علي أي سلطة أخري دون سلطة الوحي، ويمكنها كذلك أن تعيد تفسير الوحي بما ينسجم مع متطلبات الحياة البشرية. من هذا المنطلق استخدم الترابي الأدوات الفقهية التقليدية، مثل التعمق في البحوث اللغوية والتاريخية، ونقد النصوص ومحاولة قراءتها قراءة جديدة ترفض القراءات التقليدية التي تلبست كما يري بمواريث تقليدية غير إسلامية، ترجع إلي حياة المجتمعات الإسلامية وقيمها السابقة علي الإسلام. علي سبيل المثال انتقد الترابي بشدة النزعة الأبوية في المجتمعات الإسلامية التقليدية وتغولها علي حقوق المرأة، بحيث أصبحت شــــؤون المرأة تكاد تكون الجانب الوحيد من الفقة الإسلامـــي الذي يرفض فيه التقليديون (علي غير ديدنهم) صريح النصوص التي تؤكد علي حقوق المرأة بدعوي أن ما كان يصلح للمجتمع النبوي ومجتمع صدر الإسلام لم يعد يصلح للمجتمعات اللاحقة التي لا يمكن أن تضاهي في صفائها الأخلاقي تلك المجتمعــات الطاهرة.
الإشكال في منهج الترابي هو أنه واجه رفضاً من التقليديين دون أن يجد القبول عند الحداثيين والعلمانيين. فالحداثيون لا يقبلون بما هو دون الحل الجمهوري من تخلص بالجملة من الموروث الإسلامي الفقهي، أو علي الأقل يدعون لما يسميه الدكتور محمد أركون بـ نقد العقل الإسلامي ، أي عملية تفكيك تحلل الموروث الإسلامي من الخارج وتحكم عليه بأنه كان أسير واقع تاريخي معين لا بقاء له خارجه. وبالمقابل فإن التقليديين يرفضون اجتهادات الترابي جملة وتفصيلاً كما يرفضون منهجه. وقد كان الترابي يميل حتي وقت قريب إلي مداراة التقليديين، ولا يحفل كثيراً بنقد الحداثيين، وإن كان يتوجه بكثير من خطابه إليهم وإلي الغرب. فقد اضطر مثلاً إلي التراجع عن معظم أقواله حول زواج المرأة من كتابي وحد الردة والتشكيك في البخاري والعصمة النبوية أمام انتقادات التقليديين العنيفة. وقبل ذلك كان قد نشر كتيبه عن المرأة في مطلع السبعينات باسم مستعار في أول الأمر.
وقد أدي هذا بدوره إلي ازدواجية في الخطاب. فقد كانت للشيخ الترابي حلقة داخلية صغيرة من الأنصار يخاطبها بصريح آرائه الفقهية، بينما كان يدخر خطاباً آخر لـ عوام الخلق . وقد نتجت عن هذا الوضع عدة نتائج، أولها بروز عقلية صفوية بين أعضاء هذه الحلقة الداخلية تشبه إلي حد كبير ما انتقد الإمام أبوحامد الغزالي عن فلاسفة عصره الذين كانوا يعتقدون التميز عن الأقران بفهم خاص للأمور يرتفع كثيراً عن فهم العامة. وأخذ يسود وسط هذه الصفوة المدعاة استخفاف كبير ببقية المسلمين وفهمهم للدين، بل وبكثير من تعاليم الدين. وهذا بدوره سلب الحركة الإسلامية سلاحها الأمضي في وجه خصومها من العلمانيين، والمتمثل في قدرتها علي تعبئة الجماهير وراء مواقفها بتوسل الشرعية الدينية. ولكن إذا كانت الحركة الإسلامية ترفض الموروث الديني كما هو فإنها تواجه نفس إشكال العلمانيين، بل إشكالاً أكبر، لأن العلمانيين علي الأقل لا يتدخلون في أمور الديــن ولا يسعـــــون إلي تغيير عقائد الناس بل يكتفون بتجاهل الدين ومقولاته أو التظاهر نفاقاً بالقبول بها. وهناك شواهد كثيرة علي أن العلماء التقليديين والجماهير الإسلامية تتقبل الإعراض عن الدين أكثر من تقبلها لما تري أنه تحريف للدين أو تغيير له. ولهذا واجهت الحركة الإسلامية بقيادة الترابي عزلة مزدوجة لأنها كانت تحارب العلمانيين والتقليديين في نفــس الوقت.
التوجه الجديد للصفوة المحيطة بالترابي كانت له انعكاسات عملية، منها التنكر لتقبل الحركة الإسلامية التقليدية للديمقراطية، لأن الاحتقار للجماهير، بما في ذلك الجماهير المتدينة، يستتبع بالضرورة رفض الديمقراطية كمنهج. وقد ولدت هذه النظرة كذلك استخفافاً بكثير من القيم المتمثلة في الصدق مع الناس أو احترام حقوق العباد، ولعلها كانت مسؤولة إلي حد كبير لما وقع من انتهاكات وتجاوزات ميزت عهد ثورة الإنقاذ تحت رعاية الترابي. وهي بلا شك مسؤولة عما وقع للترابي علي يد تلاميذه الذين تعلموا منه الاستخفاف بالناس وبالقيم دون أن يكون لديهم ما كان له من العلم، فلم يجدوا بأساً في الإيقاع به وإنكار سابقته، لأنهم أصبحوا يرون أنفسهم فوق كل شريعة وعرف. ولا نزال نسمع من بعضهم تصريحات يستخفون بها بالعباد أفراداً وأحزاباً وأمة، إضافة إلي ما نعلمه مما يتداولونه في مجالسهم ويتناجون به من آراء خلاصتها أنهم قادرون علي حكم الشعب بالحديد والنار والكذب والنفاق وشراء الذمم، وأن الأمة بكل من فيها من شمال وجنوب وشرق وغرب ليس فيها فرد أو جماعة تستطيع تحديهم، وهو غرور أورد الترابي ما هو فيه، وسيكتشف تلاميذه قريباً أن شيخهم كان محظوظاً، لأن مصيرهم سيكون أسوأ بكثير.
آراء الترابي الأخيرة وما ولدته من ردود أفعال لا يجب إذن أن ينظر إليها علي أنها إشكالية فرد أو جماعة، وإنما هي ورطة أمة لم تعد تجد في تراثها ما يكفي لمواجهة الحداثة، ولكنها تتمسك بهذا التراث علي علاته، وتقبل أن يزول هذا التراث جملة من أن يتعرض لتعديلات تضمن بقاءه. وهي أيضاً أزمة نخبة حديثة إما أنها أعرضت عن الإسلام إعراضاً أو أنها فشلت أخلاقياً وفكرياً في قيادة الأمة باتجاه إحياء الفكر الديني، فهي تتأرجح بين قيود التراث ومتاهات الخواء الأخلاقي الحداثي.

(*) كاتب وأكاديمي سوداني، بريطانيا
(المصدر: صحيفة القدس العربي الصادرة يوم 25 أفريل 2006)
http://www.tunisnews.net/25avril06a.htm
_________________

Post: #810
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-29-2008, 02:49 AM
Parent: #1


ثانيا واجهنا طوفان الأخوان الجمهوريين ونشهد بان ضعفنا كان بيناً فى العمل و المنطق وكذلك الإستيعاب وهذا يدعم راى الشخصى بان معظمنا يحمل رؤيا دينية سياسية وليست فقهية وكنا نشعر بجهلنا امامهم فى مسائل العقيدة و الدين وتم مناقشة هذا الأمر من القاعدة والى القمة ولم تجدى المنشورات حيث لاحظنا ارتعاش من كنا نراهم اهل الفكر وكنا نواجه ذلك بالعنف الجسدى و اللغوى والآذى واستطاعت القيادة وان تخلصنا منهم وكانو الأعلون فكريا ودينيا وياما حبكنا المناورات المخجلة وعفوك با النحيف اب شنب.


http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=m...rd=60&msg=1158415240
_________________

Post: #811
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-29-2008, 02:45 PM
Parent: #1


ورقة قدمت لندوة "دور الاتحاد الأفريقي في فض النزاعات في القارة"

مركز الكتاب الأخضر فرع سبها

28/ يوليو/ 2003

تعقيب على ورقة إيقاد الأخيرة بشأن السلام فى السودان

د. أسامة عبدالرحمن النور

قبيل اتفاق مشاكوس في 20/7/2002 اقترحت الحركة الشعبية لتحرير السودان، ثمناً لمشاركتها في الحكم في فترة انتقالية، قيام نظام كونفدرالي قوامه دولتان متكافئتان (الشمال والجنوب) يحكمهما على المستوي الكونفدرالي ـ أي مستوى الحكم المركزي - دستور محايد في موضوع الدين. جاء هذا بفعل إصرار حكومة البشير على ما أسمته "بالثوابت"، أي التمسك بدستور إسلامي (لموقف الحركة انظر خطاب قرنق بمناسبة العيد 19 للحركة الشعبية).



الكلمتان المفتاح في ذلك الاقتراح هما الكونفدرالية والدستور المحايد في موضوع الدين، وهذان أمران لم يكن وفد النظام على ثقة من النفس بقبولهما لأسباب لا تخفى. وإزاء تدخل الوسطاء والمراقبين انتهى وفد النظام الى قبول ما جاء به اتفاق مشاكوس الإطاري كحل وسط.



وبما أن الوضع الذى ارتضاه النظام وتبناه الوسطاء يخلق هيكلاً دستورياًَ مختلاً، فقد نبه وفد الحركة الشعبية لتحرير السودان الى ذلك الخلل مبيناً أن عدم وجود كيان شمالي مناظر للكيان الجنوبي يجعل من الحكومة الاتحادية (المشتركة) حكومة للقطر كله وللشمال أيضاً. طرح الحركة هذا لم يَرُقْ كثيراً لا للنظام ولا للوسطاء. قال النظام لوفد الحركة: "جئنا هنا للتوافق معكم على حل مشكلة الجنوب ولاقتسام السلطة على المستوى الوطني بالتراضي، ولا شأن لكم بكيف يحكم الشمال".



من جانبهم قال الوسطاء للحركة: "اتفاق مشاكوس يرضي طموحات الجنوب، ويعترف بالظلامات التاريخية، ويحقق قسمة في السلطة والثروة على المستوى الاتحادي تعالج عبرها تلك الظلامات، كما يضمن حياد الدستور في قضية الدين على المستوى الاتحادي، ويفتح لحلفائكم كَوّة في الجدار السميك الذى أقامته الجبهة ينفذون عبرها معكم ومعها للمشاركة في صياغة أطر دستوريه وقانونية جديدة، ويبيح لهم المشاركة في السلطة في حكومة واسعة القاعدة، فما شأنكم باستمرار الشريعة مصدراً للسلطات في دستور الشمال، أو كيف يحكم الشمال؟".



ارتأيت أن أبدأ بهذا التوضيح تثبيتاً لحقيقة أن إنكار حقوق أهل الشمال لم يك بسبب مشروع ابتدعته الحركة أو أطروحة أصرت عليها، حتى لا نجاري أهل حكومة الخرطوم ادعاءهم بأن قوة خارجية ما (هم العامل الرئيس فى إدخالها الى حلبة الصراع السوداني) تقف وراء الأمر. فلو لم يصر النظام على بقاء الأوضاع في الشمال على صورتها الراهنة، لما كان في مقدور المراقبين من الولايات المتحدة، أو النرويج، أو بريطانيا العظمى الإصرار على أن يبقى هيكل الحكم في الشمال على ما هو عليه.



نقول بداية أن الورقة التي قدمتها الأسبوع الماضي لجنة دول الإيقاد الراعية لمحادثات السلام السودان، في جولتها الأخيرة في ناكورو بكينيا، استندت إلى رؤية عميقة لأزمة السودان التى تكاد تعصف بوحدته أرضاً وشعباً، فجاءت مثالا للتوازن والعدالة. ولأهمية المبادئ التى طرحتها الورقة أساساً للحوار ارتأيت أن أبرز أهم نقاطها لما أثارته من لغط وما تعرضت له من تشويه متعمد من قبل أجهزة إعلام الحكومة الرسمية.



* تقترح الورقة إقامة مؤسسة للرئاسة من رئيس النظام الحالي (عمر البشير)، وقائد الحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان (د. جون قرنق دي مابيور). وقضت الورقة ألا يصدر الرئيس أي قرار هام حول قضايا السودان المصيرية، إلا بعد موافقة نائبه وشريكه في الحكم الذى سيصبح منذ لحظة التوقيع النائب الوحيد لرئيس الجمهورية. الورقة فى هذا لم تخرج عن مضمون اتفاق مشاكوس الإطاري الذى وقعت عليه حكومة البشير "إجماع الرئيس ونائبه على القرارات التي تمس اتفاق السلام مساً مباشراً". دق الطبول حولها الآن تعبير عن أحد أمرين: إما جهل بماهية السلام أو تنصل عما تمَّ الاتفاق والتوقيع عليه. فالاتفاق بين النظام الحاكم والحركة الشعبية، ليس اتفاقاً بين حزبين على المشاركة في سلطة قائمة بكل مفاهيمها ومؤسساتها وقوانينها. كما ليس هو توافقاً بين طرفين من تيار واحد تفرقت بهما الطرق ثم عادا الى بعضهما البعض. انه اتفاق سلام في البدء والمنتهى. ويعني السلام أن ثمة حرباً كانت تدور رحاها. والحروب لا تشتعل وتتلظى وتدوم إلا إن كانت هناك أسباب لذلك. بهدف معالجة تلك الأسباب، وتوفير الضمانات لكيما لا تطل برأسها من جديد، جاءت ورقة الايقاد. ولئن قبل الفريق البشير تلك القسمة بداية فى ماشاكوس بحسبان السلام شر لا بدَّ منه، وان للسلام ثمن مستحق الدفع، فقد كان ذلك أمر يحسب له لا عليه، لكن تراجعه الآن سيحسب عليه لا له.

* نصت الورقة على بقاء الجيش الشعبي لتحرير السودان، في مواقعه عند لحظة التوقيع، واحتفاظه بقياداته وجنوده وأسلحته، وأسندت إليه المهام الجديرة فعلا بأي جيش وهي الحفاظ على الدستور، وعلى الاتفاق الذى سيكون الالتزام به أكثر عسرا بعشرات المرات من الوصول إليه، وحماية حدود البلاد، في ذلك الجزء من الوطن الذى يرابض فيه، بعد أن صار في عرف الطرف الآخر جيشا للوطنيين بعد أن كان يسمى جيش المتمردين.

* أعطت الجنوب والمناطق المهمشة نصيباً في السلطة على المستوى القومي، يعكس وزنها السياسي والسكاني والاقتصادي، كما يعكس قبل ذلك كله، إرادة أهلها في النضال من أجل ما يرونه حقهم ونصيبهم، ويرفع عنها الحيف التاريخي الذى وقع عليها. سيكون للجنوب ولبعض الأقاليم المهمشة نصيب معتبر منذ الآن في كل مستويات السلطة التشريعية، عن طريق البرلمان بمجلسيه، وفي السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة القومية وفي السلطة القضائية، كما سيكون لها نصيب معلوم في الخدمة المدنية وفي كل هيئات القرار الاقتصادي.

* حددت الورقة بدقة مصارف البترول السوداني، وهى تنمية الأقاليم المهمشة، والتغلب على الفقر والمرض والمجاعات، وإعادة توطين اللاجئين الذين طردهم الهوس الديني من ديارهم واقتلعهم من جذورهم، فضلاً عن أنصبة خصصت لتنمية البلاد على وجه العموم. وكونت لجنة للبترول تمثل فيها بوزن ربما يكون غالباً، الأقاليم المنتجة للنفط والمرشحة في نفس الوقت لإنتاج مزيد من الثروات الطبيعية.

* ضمنت الورقة للأقاليم المهمشة حقوقها في الحكم الذاتي في إطار السودان الموحد، فقضت بإنشاء برلمانات منتخبة وحكومات إقليمية ولجان للخدمة المدنية وللأراضي. كما أعطت هذه الأقاليم حقوقا متعالية على صلاحيات الدولة الوطنية نفسها، فيما يتعلق بالتعليم والثقافة والدين.

* قضت الورقة أن تحكم العاصمة القومية بقوانين علمانية تضمن الحقوق على أساس المواطنة وتمنع التفريق بين المواطنين على أساس الدين وتزيل عن كاهل، على الأقل حالياً، ربع سكان البلاد كابوساً من القهر المنفلت باسم الدين، ظل يقلق نومهم وصحوهم طوال 14 عاما.



أقول أن الورقة انطلقت من رؤية عميقة، بحق، لواقع السودان، ومن استيعاب ممتاز للشر الذى يحكمه حالياً باسم المؤتمر الوطني، ومن إلمام نافذ بالآليات المرعبة التى اعتمد عليها هذا النظام في الفتك الغليظ بشعوب السودان. ونرى أنها تستحق المساندة والدعم للآتي:

* ضبط مؤسسة الرئاسة بهذا الشكل، ولمصلحة الجنوب وبعض الأقاليم المهمشة، ولمصلحة السودان كله في نهاية المطاف، يغير طبيعة المؤسسة التي اعتمدت عليها الجبهة الإسلامية القومية في إعطاء حكمها الحزبي، طابع القرار الوطني الصادر عن الدولة. وهذه إجراءات تضع حداً لعملية اختطاف الدولة من قبل حزب واحد.



أعتقد أن تسنم الدكتور جون قرنق دي مبيور، لمنصبه الرفيع في رئاسة الدولة، وإعطائه هذا الوزن الذى يستحقه، يعد إعادة اعتبار تاريخية للمهمشين في كل البلاد، شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، ويعد حصاداً طيباً لجهد طويل وعناء شديد، تحمله كل المهشمين طوال عقود طويلة عجفاء، حكمت فيها نخب ضيقة الآفاق، ذاهلة عن طبيعة السودان التعددية، وغير عابئة بمعاناة أهله الأسطورية، التى سببتها هي نفسها.



* وجود الجيش الشعبي لتحرير السودان في مواقعه الحالية، وباستقلال كامل عن الجيش الحكومي، هو الضمانة الوحيدة لالتزام السلطة بما توقع عليه وتلتزم به. أما إذا ذاب الجيش الشعبي في جيش الحكومة، كما حدث قبل ذلك، أثناء حكم الطاغية نميري، وأثناء الدكتاتورية الحالية، بعد "معاهداتها" مع بعض القوى العسكرية السياسية أواسط التسعينات، فلن يتبقى للحفاظ على هذه الاتفاقات، إلا عدم مصداقية الجبهة الإسلامية المعهودة.



* منذ مجيئها الى الحكم تصرفت هذه السلطة في ثروات السودان بحسبانها ملكاً حزبياً خالصاً لا حق لشعب السودان فيها مطلقاً، ووظفت السلطة هذه الثروات توظيفاً شريراً ضد الشعب نفسه ومن أجل حرب لا مبرر لها، وأقامت أجهزة أمن جمعت لها عتاة المجرمين الذين نشرتهم في كل خلايا المجتمع كالسرطان. ومكنت أتباعها من الاستيلاء على كل ما تبصره عيونهم وتصل إليه أياديهم من الأموال والمشاريع والمؤسسات. مثل هذه السلطة غير مؤتمنة على بترول السودان، أو على أي من ثرواته، ولذلك فإن نزعه من يديها وكشف كل اتفاقاته للناس، وتوظيفه لخدمة المناطق التى أنتجته، أولاً، ثم لخدمة السودان كله بعد ذلك، هو الخطوة الصائبة والاتجاه الصحيح.



* إنشاء المجالس التشريعية والحكومات الإقليمية بمناطق جبال النوبا وأبيي وجنوب النيل الأزرق، يمثل أعظم إنجازات هذه الوثيقة، وهى تطبيق جريء لتمكين أهل السودان من اتخاذ القرارات التى تتعلق بحياتهم، على أدنى مستوى إليهم. وهذا ما حققته هذه الورقة بصورة جيدة. وبدلاً من الانتقاص من هذه الحقوق كما تفعل الحكومة حالياً، لا بدَّ من الدعوة الى تعميم هذا الشكل من الحكم الذاتي على كل أقاليم السودان وخاصة دارفور والإقليم الشرقي، ليصبح هو نظام الحكم المعتمد في كل أنحاء السودان في النهاية.



* حكم العاصمة بقوانين لا تميز بين المواطنين على أساس الدين، وتقيم المساواة بين الأديان، هو التطبيق الوحيد لقانون المواطنة، الذى تعترف به السلطة لفظاً وترفضه فعلاً. والواقع أن تطبيق قوانين المواطنة على العاصمة هو المقدمة الأكيدة لتطبيق ذلك على كل أقاليم السودان الشمالية. وهذا أمر لا يناقض الإسلام في قليل أو كثير، بل يناقض المفهوم الإنسدادي للإسلام الذى تتخذه هذه السلطة علامة عليها، ومنهجاً يخصها في قهر الآخرين والتقليل من شأنهم. إن التماهي الذى تقيمه هذه السلطة بين الإسلام و العقوبات الحدية، وليست الشريعة بالنسبة لها أي شيء آخر غير هذا، هو تماه كاذب وضار أشد الضرر، بالإسلام والمسلمين. كما أن التماهي الذى تقيمه بين الإسلام وحزبها وسلطتها وأفرادها، هو أكبر إساءة وجهت الى الإسلام على طول تاريخه في السودان. والواقع أن أزلية الدين تجبر العقل المسلم المنطقي مع نفسه، أن يتعامل مع مطلقية الدين من خلال نسبية التدين، وأن يأخذ منه بالتالي ما يناسب العصر، وأن يتجاوز منه ما خدم على خير وجه، مجتمعات ماضية، واتجه بالخطاب الى إنسان مغاير. وهذه مهمة أنجزها مصلحون عظام يقف على رأسهم في السودان، شهيد الفكر الأستاذ محمود محمد طه، حينما دعا إلى إسلام السماح، والرجوع إلى آيات الأصول، حتى يستجيب الإسلام لحاجات الإنسان المعاصر، كما توصل إليها سياسيو السودان المسلمون في أسمرا عام 1995، في مؤتمر القضايا المصيرية الأشهر. ولا صلح للمسلمين مع عصرهم إلا من خلال هذا الطريق.

Post: #812
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-29-2008, 02:46 PM
Parent: #811


مأساة محمود محمد طه

أقدم في هذا الموضوع نبذة عن محمود محمد طه، المفكر الإسلامي السوداني الذي تم إعدامه في سنة 1985 أثناء حكم جعفر نميري الذي قام بتطبيق أحكام الشريعة الإسلامية في السودان.
انطباعي الخاص عن فكره هو أنه يمزج بين تيارات متعددة منها الصوفية و الإشتراكية. نزعته السلمية و اهتمامه بمسائل العبادة و تبنيه لمبادئ الاشتراكية على أنها أمور يصبو لها التشريع الإسلامي، تجعلني أميل إلى هذا الوصف . بشكل خاص تبنى محمود محمد طه فكرة أن الإسلام بحالته المكية هو الأقرب إلى الجوهر الحقيقي له كدين. أما الآيات المدنية مثل آيات التشريعات المختلفة و آيات القتال فهي فروع و ليست الأصل. الغاية من إنزال هذه الآيات كما رأى محمود محمد طه هو أن المجتمع في القرن السابع لم يكن مستعدا لما فيه الكفاية للأصل. و هكذا كان لا بد من إرجاء هذه الأصول حتى يجيء الوقت المناسب.
تم الحكم على محمود محمد طه بالردة في سنة 1968 إثر رفع دعوى حسبة ضده ، إلا أنه لم يطبق عليه أي حد آنها، كون الدولة لم تكن ملتزمة بتطبيق العقوبات الإسلامية. بعد 17 عاما كان هناك التطبيق الكامل للشريعة و من ثم تم إحياء هذه المحاكمة القديمة و استحداث محاكمة استئناف، رغم أن محمد محمود طه لم يستأنف الحكم أصلا، و عليه فقد أثبتوا ردته و تم إعدامه في ظرف ثلاثة عشر يوما فقط من بداية الاعتقال و المحاكمة!

بداية المواجهة مع الإسلاميين:

بدأت المواجهة مع الإسلاميين إثر إساءة شخص منتم للحزب الشيوعي السوداني للرسول و آله. فقام الإسلاميون على أثر ذلك بطلب حل الحزب الشيوعي و طرد أعضائه من البرلمان. على الرغم من قيام المحكمة الدستورية بقول رأيها بعدم دستورية هذا الأمر، إلا أن ما قام به الإسلاميون هو تغيير المادة الخامسة من دستور السودان، و التي تقول: "لجميع الأشخاص الحق في حرية التعبير عن آرائهم و الحق في تأليف الجمعيات و الاتحادات في حدود القانون". تم ما أراد الإسلاميون، وتم طرد الشيوعيين من البرلمان و تم حل حزبهم!
و في مواجهة فكرية مع الترابي الذي يمثل رأي الإسلاميين قال محمود محمد طه بأن هذه المادة الخامسة "غير قابلة للتعديل لأنها هي جرثومة الدستور، التي إنما يكون عليها التفريع...فإذا عدلت تعديلا يمكن من قيام تشريعات تصادر حرية التعبير فإن الدستور قد تقوض تقويضا تاما". كلمة جرثومة تعني أنها هي الأساس التي يبنى عليه ما سواه من حقوق و قوانين دستورية. و قال كذلك:
"لدى الفاشي فإن كل شيء في الدولة.. و ليس هناك معنى إنساني، أو معنى روحي..بل و أقل من ذلك، فليس هناك أي معنى ذا قيمة يمكن أن يكون خارج الدولة.. و بهذا المعنى فإن الفاشية مطلقة و الدولة بوصفها تعبير شاملا عن الإرادة الأخلاقية هي الحق و هي صانعة الحقوق"

و هنا نلمح وجود سمة مشتركة في ما بين أتباع حركة الإخوان المسلمين. فهي حركة براغماتية جدا و تعمل من خلال التغلغل بمؤسسات الدولة و من ثم التحكم فيها. و البرلمانات ليست مستثناة من هذه التكتيكات. فالدستور بصفته وضعيا فإنه غير مقبول لدى الإسلاميين عموما. الحل بالنسبة لهم هو بتغييره متى ما سنحت الظروف حتى و لو تم تفريغه من محتواه. موضوع متصل بموقف الحركات الإسلامية من تعديل الدستور تجده هنا:

http://www.secularkuwait.org/vb/showthread.php?t=5048

في بداية الثمانينات من القرن الفائت قام النميري بإعلانه لتطبيق قوانين الشريعة الإسلامية. و بمجرد تطبيق هذه القوانين قام النظام بقطع أيادي من حكم عليه بالسرقة، رغم عدم استيفاء شروط الحد. و تحت ما تمت تسميته ب"الشروع في الزنا" تم ملاحقة الناس حتى في السيارات الخاصة و من ثم سؤال الرجل و المرأة إن كانا محرمين أم لا. و عند عدم إثبات هذا الأمر يتم جلدهم!
لهذا السبب قام محمود محمد طه بإعلان اعتراضه على هذا التفسير للشريعة من خلال منشور عنونه ب"هذا أو الطوفان" قال فيه أن هكذا تطبيق للشريعة الإسلامية يشوهها و يهدد الوحدة الوطنية.
ما إن استخبرت السلطات بأمر هذا المنشور حتى و بدأت المشاورات في كيفية الرد على محمود محمد طه. و ما تفتق عنه فكرهم هو إعادة إحياء الحكم الصادر في سنة 1968 بشأن ردة طه عن طريق محكمة استئناف "شكلية" تهدف إلى إدانة طه بحكم الردة مرة أخرى و من ثم محاكمته بناءا على قوانين الشريعة الإسلامية الحالية و هي الإعدام. إلا أن هذه المرة لم تكن هناك محاكمة لطه فقط، بل و لأربعة من معاونيه كذلك بناء على نفس التهمة!
مشهد الإعدام كان مؤثرا جدا. توجد صحفية أمركية من جريدة التايمز و قد حضرت لمشاهدة هذا الإعدام. ساحة الإعدام كانت بحجم ملعب كرة القدم تقريبا (يذكرني هذا بمشاهد الإعدام التي كان يمارسها طالبان في ساحات كبيرة، و كانت حقيقة ملاعب تم تحويلها لساحات للإعدام). امتلأت هذه الساحة بالمشاهدين. و كان الجو قبل الإعدام يسوده المرح و تبادل الحوارات القصيرة عن الطقس مثلا، أو عن الأمطار أو المحصول الزراعي و هكذا. جيء بمحمد محمود طه و هو مغطى الرأس. جاؤوا به إلى منصة الإعدام و قرؤوا عليه حكم الإعدام، و لكنه كان في هذا الوقت شامخا و وجهه لا يشير إلى أي علامة للخوف. و ما إن تم تطبيق حكم الإعدام بحقه حتى تعالت الهتافات بين الجمهور: "الله أكبر"، "الله أكبر "، "الإسلام هو الحل"، "أخذت العدالة مجراها". هذه الصحفية الأجنبية لم تألف هكذا مشاهد. فقد اعتادت على أن يكون الحضور من الأقارب الذين يهتمون لأمر المحكوم عليه بالإعدام. و لكن ما حصل كان أشبه بهستيريا جماعية محمومة تشجع القتل.
ما هو يا ترى الذي يبعث هذه الجموع على التشجيع على القتل؟ هل هي الوحشية؟ هل هي انعدام الرحمة في القلوب؟ أم أنهم رأوا بأن طه كان مجرد قربان للإله طمعا في التقرب له؟ هذا المشهد يذكرني بالمشهد الذي تم فيه قتل المسيح كذلك، و عند مروره بأزقة القدس الضيقة و هو يحمل صليبه على ظهره اجتمع الغوغائيون على أطراف الزقاق و قاموا بالهتاف ضده، هذا على الرغم من أنه تم استقباله بالجموع الحاشدة الهاتفة له حين قدم إلى القدس قبلها بأيام.
العقلية الجمعية الغوغائية تهتف للنبي و في اليوم الآخر تهتف ضده. هتفت له حين رأت به قائدا جديدا، و من ثم هتفت ضده لأن قائدا آخر أقوى منه قام بالحكم عليه بالإعدام. الجموع تهتف و الجموع تشتم و مشاعر الجماهير تتهيج، و لكن هل الجماهير على حق؟ إنه لغربة لكل مفكر قرر أن يخرج عن النمط التقليدي و هذا ما نراه في حالة طه، و رأيناه في حالة نصر حامد أبو زيد، و رأيناه في حالة نجيب محفوظ .

بعد تنفيذ حكم الإعدام محمود محمد طه، قام الترابي بمقابلة صحفية و قال فيها:

"لا أستشعر أي حسرة على مقتل محمود محمد طه. فلا أستطيع أن أنفك لحظة واحدة حتى أصدر حكما بمعزل عن تديني، و ما دمت منفعلا بديني فإني لا أستشعر أي حسرة على مقتل محمود. إن ردته أكبر من كل أنواع الردة التي عرفناها في الملل و النحل السابقة. و لم أتحسر أن ورطه الله سحيانه و تعالى في حفرة حفرها هو للناس. و عندما طبق نميري الشريعة تصدى لمعارضته لأنه رأى عندئذ رجلا دينيا يريد أن يقوم بنبوة غير نبوته هو، و أكلته الغيرة فسفر بمعارضته، و لقي مصرعه غير مأسوف عليه البتة"
فهل هذا خطاب متوازن، أم خطاب يقصد فيه التشفي و يقطر حقدا؟ و نقرأ هذا التصريح فنشاهد التناقض الذريع، فتارة يقول بأنه ارتد، و تارة أخرى يقول بأن طه قد غالى بمعارضته للنميري! فهل معارضة النميري تستدعي الإعدام؟ و هل حينما يتكلم الفرد عن ممارسات يظنها خاطئة و تشوه الشريعة الإسلامية يصير مصيره القتل!
و ماذا استفاد الترابي و جماعته من تطبيق قوانين الشريعة؟ إلهاب جلود البعض، تقطيع الأيادي و الأرجل؟ إعدامات؟ و هل سيكون هناك مسوغ للإقليم جنوب السودان بالانفصال لو كان الدستور و القوانين تساوي بين المسلمين و غير المسلمين؟
و هكذا رأينا أن الرأي المستنير في ما يخص الشريعة الإسلامية هو رأي الأقلية. هكذا كان حال محمود محمد طه و هذا حال أي مفكر آخر له رؤية مغايرة للنظرة التقليدية.

مرجع المقالة: نحو مشروع مستقبلي للإسلام: ثلاثة من الأعمال الأساسية للمفكر الشهيد، لمحمود محمد طه، المركز الثقافي العربي، و دار قرطاس.

http://www.secularkuwait.org/vb/showthread.php?t=13154
_________________

Post: #813
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-29-2008, 02:47 PM
Parent: #812


نجد خطاب الاخوان الجمهوريين في السودان (الحزب الجمهوري الاسلامي) كاحد الاصوات الفاعلة في التجديد الديني وابرزها منذ وقت مبكر , نجد ان هذا الخطاب – خطاب الاخوان الجمهوريين – اعلا من شأن المرأة وحرص على نيلها حقوقها وقدم رؤي مستنيرة حول تطوير شريعة الاحوال الشخصية للنهوض بالمرأة في السودان من وضعيتها الخاطئة, التي اجبرت على المكوث فيها بسبب فقهاء الظلام , سواء كانوا من اصحاب الفتاوى(ملاك الحقيقة المطلقة) او من حراس التقاليد والعادات البالية التي ترى كل شيء في المرأة , عورة محض .. ربط الفكر الجمهوري قضية تحرير المرأة ومساواتها ,بقضية تطوير شريعة الاحوال الشخصية .. حيث يطرح الفكر الجمهوري مسالة القوامة ,باعتبارها الاساس الذي نهضت عليه التشريعات الاخري الخاصة بوضعية المرأة في المجتمع . ويرى ان هذه التشريعات في وقتها كانت حكيمة كل الحكمة " في القرن السابع وذلك لانه حل مشكلة المرأة في ذلك المجتمع , فقد شرع لها حسب حاجتها وعلى قدر طاقتها وطاقة مجتمعها ايضا ولكن هل هذا الوضع هو مراد الدين الاخير للمرأة ؟ هل هو كلمته الاخيرة في امرها ؟ ام ان هناك وضعا اخر في الدين يمكن ان يقوم عليه تشريع جديد يحل مشكلة المرأة المعاصرة ويكون على قدر طاقتها وطاقة مجتمعها ؟ (19) يرى الجمهوريون ان الفقه شيء اخر غير الشريعة , وان فقهاء المسلمين جانبوا الصواب بتصورهم العقيم للعلاقة الزوجية كمثال – يعني هنا الفقه على المذاهب الاربعة – فقد جاء في الجزء الرابع منه حول تعريف الزواج" (انه عقد على مجرد التلذذ بادمية ) ومن هذا الفهم السقيم القاصر لطبيعة العلاقة السامية – الزواج – جاءت تشريعاتهم التي تنظم لهذه العلاقة جافة وبعيدة كل البعد عن سماحة الدين ومهينة لكرامة المراة وعزتها .. ولذلك فاننا ندعوا ان يتطور القانون من مستوى الوصاية الى مستوى المسئولية .. فتكون في هذا القانون – قانون الاحوال الشخصية – المرأة مسئولة امام المجتمع كالرجل تماما .. المرأة في هذا المستوى تكون حرة في اختيار زوجها , ولها حق الطلاق بالاصالة , كما لزوجها متى ما رأت ان الحياة بينهما استحالت .. وفي هذا القانون كما ان المرأة كلها تكون لزوجها فانه يكون كله لها , بلا تعدد زوجات عليها .. ففي اصل الدين المراة الواحدة للرجل الواحد , لانه – تعالى – قد قرر ان الرجل لا يمكنه العدل بين النساء ولو حرص على ذلك .. هذا بالاضافة الى ان العدل المادي – الذي الى جانب اسباب اخرى – قد اباح التعدد في الماضي قد تغيرت صورته للعدل المعنوي .. فالعدل في القرن السابع فسره النبي (ص) بالعدل المادي – المادي في الكساء والغذاء والسكن وما الى ذلك .. وفي ذلك قال المعصوم " اللهم هذا عدلي فيما املك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا املك " هذا العدل المادي قد تغير في مجتمعنا الحاضر الى العدل المعنوي , لان المرأة في هذا المجتمع اصبحت , وهي تصبح كل صبح جديد , قادرة على الانفاق على نفسها , ولذلك فانها تطالب بالعدل في ميل القلوب .. وهذا ما لا يستطيعه احد بين اثنتين " فلا تؤاخذني فيما تملك ولا املك " ومن هنا وجب ان يكون الزوج كله لزوجته كلها من غير ان تشاركها فيه زوجة اخرى .


http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=44746

Post: #814
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-29-2008, 02:47 PM
Parent: #813


ويطيب لي هنا استهلال هذه الورقة بمجتزأ لحركة الأخوان الجمهوريين حول : تطوير قانون الاحوال الشخصية, على خلفية افكار الاستاذ محمود محمد طه , اذ يقول هذا المجتزأ :".. من هذه المواقف المختلطة، ومن مشاعر غيرها، تدخل في بابها، جاءت معاملة المرأة، وضرب عليها الحجاب، وعوملت معاملة القاصر، المتهم .. ونزع أمرها من يدها، وجعل إلى أبيها، أو أخيها، أو وليها من أقاربها الأدنين، أو قد يجعل لمطلق رجل من العشيرة، أو للحاكم، أو لزوجها .. ولا يكاد يختلف حظ المرأة في بلد، دون بلد، إلا إختلافا طفيفا

-----------

ولا شك ان الاستاذ محمود محمد طه احد اهم المفكرين الاسلاميين ومجددي الفكر الديني ليتلاءم مع روح العصر فضلا عن اهتمامه الفائق بقضية المرأة , وارأءه غير المسبوقة في هذا الشأن , ولاهمية خطابه في دحض خطاب الحركات الاسلاموية التي تعمل على تكريس وضعية متخلفة للمرأة في مجتمعاتنا السودانية قصدنا الاستعانة بهذا المجتزأ كمفتتح لورقتنا .
استطاعت المرأة السودانية من خلال تراكمات نضالية بمستويات متفاوتة ووفقا لبعض العوامل المجتمعية المساندة ان تحصل على مكاسب هامة وكبيرة
----------------
وهي ذات القوى التي تآمرت وتواطأت مع قوى أخرى عديدة لاغتيال الاستاذ محمود محمد طه , لاستشعارها خطورته البالغة على تكسبها من توظيف الدين في قضايا المجتمع - وتكتسب هذه القوى شرعية متزايدة واضافية , لكونها تكسب الى صف افكارها ملايين النساء , اللاتي يندفعن بوعي او بدون وعي الى ارتداء الحجاب , الذي يتجاوز في هذه الحالة كونه زيا بين ازياء وليصبح (شاءت النساء أم أبين ) رمزا سياسيا متحركا لهذه القوى


http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=48896

Post: #815
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-29-2008, 02:48 PM
Parent: #814



قد رأيت الناس في قلب الملايو! (2 من 5)
د. النور حمد
[email protected]

في كتابه المتقدم على أوانه المسمى، "مشكلة الشرق الأوسط"، أشار المفكر الشهيد، الأستاذ، محمود محمد طه إلى أن حركة عدم الإنحياز ليست، في حقيقة أمرها، سوى حركة منحازة. وأشار الأستاذ محمود محمد طه تحديدا إلى دولتين تزعمتا هذه الحركة، وهما الهند منتهجة الخط الرأسمالي، ويوغوسلافيا منتهجة الخط الشيوعي، وعجب كيف أن كليهما قد ضمتهما معا ما سميت وقتها بـ "كتلة عدم الإنحياز"! وللأستاذ محمود أطروحة متميزة في الجمع بين الإشتراكية والديمقراطية تحتاج أن تزار من قبل الباحثين، وأن تتم مقاربتها في ضوء المستجدات الكوكبية الراهنة. وقد تفضل بالإشارة إلى أطروحة الأستاذ محمود محمد طه تلك، الدكتور سمير أمين في كتابه المتفردObsolescent Capitalism ، الذي سلفت الإشارة إليه، كما نوه بأطروحاته ألستاذ محمود محمد طه، أيضا، البروفيسر الأمريكي المعروف، كورنيل ويست في كتابه Democracy Matters.



كما ذكرت في الحلقة السابقة أن بعض التقارير ذهبت لتقول إن ماليزيا دولة نجحت في استئصال الفقر!! وتلك لعمر الحق شهادة ضخمة، لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم. وعموما ليس ممكنا من الناحية العملية أن تخرج دولة ما، في بدايات أمرها، عن خط التنمية الرأسمالي. ولكن الرأسمالية نفسها طرائق قددا، ربما اقترب بعضها من ملامسة أفق الإشتراكية. فالدولة التي توسع في مظلة الضمان الإجتماعي، فترعى المتعطلين عن العمل، وتقوم بتأهيلهم، وتدريبهم، ومتابعة أمرهم حتى يحصلوا على وظائف، دولة تنفتح رأسماليتها على أفق إشتراكي. والدولة التي تقيم نظاما للتقاعد يحفظ للمتقاعدين كرامتهم حتى يغادروا الحياة، دولة تستلهم قيم الإشتراكية ونزعتها الإنسانية. والدولة التي تفتح فرص التعليم لأبنائها، وتيسره وتسهله، وتجعله في متناول الجميع، وتشجع عليه، دولة تستقبل قبلة إشتراكية أيضا. والدولة التي تقدم لعامليها تأمينا صحيا جيدا، وتوسع من تلك المظلة حتى تشمل غير القادرين على شراء بوليصات التأمين الصحي، وكذلك العاطلين عن العمل، دولة تفتح رأسماليتها على أفق إشتراكي. وقد نحت كثير من الدول الرأسمالية مناحى من هذا النوع، تقل هنا وتكثر هناك، فقطعت بذلك الطريق على المروجين للحركات الثورية الشيوعية، وللتطرف في الأخذ بالنهج الإشتراكي.



الشاهد أن ماليزيا المحافظة، التي تحررت في عام 1958، لم تتعثر كثيرا عقب إستقلالها، كما تعثر الثوريون من التجريبيين الإعتباطيين الذين اعتلوا أسنمة نوق السلطة في الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا. فقد قيض الله لماليزيا قادة مستنيرين، وحاذقين، وهادئين، عرفوا ما يريدون لشعبهم، فبنوا على بناء بعضهم بعضا. فكان اللاحق منهم يبني على ما أنجزه السابق، ويدفع به إلى آفاق أكثر رحابة. انشغلت ماليزيا بالتعليم الجيد المربوط بالإحتياجات الحقيقية للتنمية وللتحديث والتمدين. كما انشغلت بتطوير البنية الإقتصادية، ورفد إقتصادها ذي الطبيعة الزراعية أصلا بإنشاء بنية صناعية متقدمة. كما أن ماليزيا نأت بنفسها عن الإسراف في الأدلجة والإنغماس في متاهات الشعار الطنان والعنتريات ونزعات التحدي الصبيانية للقوى الكبرى. عملت ماليزيا في صمت وعرفت كيف تحمي أفقها التنموي، وأحلامها الوطنية، وترابها الوطني، من تعارك الكتلتين الكبيرتين عبر حقبة الحرب الباردة. ولذلك تمكنت من أن تحقق ما حققت من إنجاز تنموية باهرة.



يقولون: "الفضل ما شهدت به الأعداء"! فحين وجدتني أسيرا لحالة طاغية من الإعجاب بما رأيته من انجازات ماليزيا الملفتة، آثرت حرصا على الحيدة، ونأيا عن الإندفاعات العاطفية المتحمسة غير المسنودة بالبراهين الإحصائية، أن أقرأ شيئا عما ورد عن ماليزيا في تقرير وكالة الإستخبارات المركزية الأمريكية، المسمى "كتاب حقائق العالم"، CIA World Fact Book، ويحتوي هذا الكتاب على ملخصات إحصائية عن كل دولة من دول العالم. وهو كتاب منشور على شبكة "الإنترنت". وقد أيد ما وجدته في ذلك التقرير مجمل انطباعاتي.



مما ورد في ذلك التقرير على سبيل المثال لا الحصر، أن سكان ماليزيا يبلغون أربعة وعشرين مليون نسمة. عشرة ملايين منهم يدخلون شبكة "الإنترنت"! فلو حذفنا عدد الأطفال، والطاعنين في السن ممن تعدوا الخامسة والخمسين، نجد أن كل أو معظم القوى العاملة في ماليزيا، مربوطة بشبكة الإنترنت! وهذه النسبة في استخدام الإنترنت ربما تقاصرت دونها بعض الدول الصناعية الكبرى. والإرتباط بشبكة الإنترنت أحد أهم مظاهر التقدم العلمي والإقتصادي، والتجاري، والثقافي أيضا. وهو أيضا مؤشر على إرتفاع متوسط الدخل الفردي وعلى اتساع شبكات الإتصالات ووصولها إلى المكاتب والبيوت وسائر المرافق عبر أجزاء القطر. فشبكة الإنترنت أصبحت اليوم الوعاء الحامل للمعاملات التي تتم على مستوى الكوكب كله. فهي وسيط يتزايد استخدامه كل يوم لقضاء المعاملات البنكية، والتجارية، والإدارية، بل والخدمية. وما تسمى بـ "الحكومة الإليكترونية" إنما تهدف إلى تسهيل وتسريع المعاملات المختلفة، مع تقليل التعامل التقليدي القائم على المكاتبات الورقية التي تتكدس بلا حساب يوما بعد يوم. فالتعامل الإليكتروني يقضي أيضا على مسلسلات التوقيعات الكثيرة، وغيرها من صور الروتين المكتبي البيروقراطي المعقد الذي يهدر الوقت. ولا غنى للحكومة الإلكترونية عن شبكة الإنترنت. الشاهد أن دخول عشرة ملايين فرد من ضمن أربعة وعشرين مليون يمثلون مجموع سكان ماليزيا، إلى شبكة الإنترنت، يمثل في حد ذاته شهادة لا تعادلها شهادة عن حال ماليزيا من التقدم، ومن الرفاه الإجتماعي.



أيضا يقول التقرير، إن معدل البطالة في ماليزيا حسب تقارير عام 2005 يبلغ 3.6 % فقط!. ومعدل نسبة السكان التي تعيش تحت خط الفقر هي 8 % فقط! أما الأمية وسط الرجال فهي 8%، ووسط النساء 15% فقط. وترجع إحصائية الأمية هذه إلى عام 2002 ولا بد أن هذه النسب قد تغيرت نحو الأفضل اليوم. ويقول التقرير أيضا، إن المعدل المتوسط المتوقع لعمر الفرد من الذكور يبلغ حوالي 69 عاما ويبلغ وسط الإناث 72 عاما. وفي كل أولئك دلالة حقيقية على حال الدولة الماليزية من التقدم.



ورد أيضا في التقرير أنه على الرغم من أن ماليزيا قد فصلت عملتها الوطنية الـ "رينغيت" عن الدولار الأمريكي، إلا أن سعر عملتها ظل ثابتا ولم يشهد غير تذبذب طفيف. أيضا ذكر التقرير أن ماليزيا كانت الدولة الأقل تأثرا بالهزة الإقتصادية التي ضربت النمور الآسيوية في نهايات تسعينات القرن المنصرم. وقد يكون من الأنسب أن أترجم هذه الفقرة مما أورده كتاب وكالة المخابرات الأمريكية، المشار إليه آنفا. فهي فقرة شديدة الدلالة على الحالة الصحية العالية للإقتصاد الماليزي. فقد جاء في ذيل ذلك التقرير: ((إنخفاض معدلات التضخم، ووجود معدل صحي من إحتياطي العملات الإجنبية، إضافة إلى ضآلة مقادير الديون الأجنبية، كلها عوامل تجعل من غير المتوقع أن تتعرض ماليزيا، في المدى المنظور، لأي أزمة إقتصادية كتلك التي حدثت عام 1997 ))!



حرصت على إيراد بعض الإحصاءات ليكون حديثي مدعما بالأرقام وألا يعتمد حصرا على إنطباعات المشاهد. رغم أن المشاهدة ربما كفت وحدها في الإستدلال على حال البلد من التقدم، أو التأخر. فمظاهر التقدم لا تحتاج إلى إحصاءات. فالنقص في القدرة على ترويض البيئة الحضرية في منطقة الشرق العربي، والعجز عن نقلها من حالة الإستيحاش إلى حالة الإستيناس، يطالع العين منذ الوهلة الأولى. فالتقدم والتأخر أمران لا يمكن إخفاؤهما. وربما لا يحتاج التحقق منهما إلى أكثر من مجرد نظرة عابرة ماسحة.



في معظم دول إفريقيا والشرق الوسط، بما في ذلك الدول النفطية، نسبية الغنى، يطالع العين نقص القدرة في الوصول إلى كل جوانب البيئة الحضرية. فأنقاض البناء المبعثرة هنا وهناك، وقبح الأبنية التجارية، وتنافر طابعها المعماري، وقبح المناطق الصناعية التي تتخلل المشهد، وانعدام نسق موحد لللافتات التجارية، ثم فوضى مواقف السيارات، كلها دلائل على نقص القدرة وعلى نقص المعرفة والخبرة لدى المخططين ولدى التنفيذيين من المهنيين بأطراف معادلة خلق المشهد الحضري المتماسك. ولا ننسى أيضا مسلك مستخدمي الطريق من راكبي المركبات والراجلين، ومبلغ انصياعهم أو عدمه لنظم السير، والتزامهم أو عدمه بأصول الاستخدام الصحيح للطريق. فهذه كلها مقاييس بواسطتها نقيس مبلغ تقدم أو تأخر المشهد الحضري. بل إن مثل هذه الظواهر لتتعدى قياس درجة تمدن المشهد الحضري لتدل على حال النظام التعليمي للبلد، ومبلغ وفائه بالجوانب التدريبية المتعلقة بالإنضباط الحضري في شتى تجلياته. فالتقدم لا يحدث إتفاقا، وإنما هو علم، وتخطيط، وتنفيذ، وتوعية، ومراقبة ومحاسبة. فالمتابعة المستمرة بغية تسديد الثغرات ومراجعة أوجه الأداء المختلفة هي صمام استدامة نماء المشهد الحضري.



الشاهد أن انضباط المشهد الحضري هو أول ما يلفت النظر في ماليزيا. ولهذا الإنضباط جانبان: أحدهما يتعلق بجماليات شكل الشارع والمباني، والعلامات الإرشادية والتحذيرية، إضافة إلى التحكم في المساحات الخضراء، والآخر يتعلق بمسلك البشر المنتشرين في هذا المشهد. ويشمل ذلك أزياءهم، وانطباعهم على القانون، وتقيدهم بقواعد المسلك الحضري. فعبر المسافة الفاصلة بين المطار ووسط مدينة كوالالمبور، والتي تمتد لحوالي الخمسين كيلومترا، لا توجد أي مظاهر من مظاهر الإهمال أو قصور اليد في الوصول إلى كل أجزاء المشهد الحضري وضبطها وتنغيمها. فالمشهد جميعه يقول أن يد الإنسان تطال فيه كل جزئية. وهذا هو الفرق بين القدرة والعجز. فكل شيء في هذا المشهد مضبوط ومنغم في لحن واحد متسق.



مثل سائر دول جنوبي شرقي آسيا، تتسم شوارع ماليزيا بكثرة مستخدمي الدراجات النارية "سكوترز". وظاهرة الدراجات النارية تحمل دلالة على حيوية الإقتصاد، وعلى الروح العملية وسط أفراد الشعب الذي يريد أن يصل إلى مواقع العمل بأقل التكاليف. وتتمتع العاصمة كوالا لمبور بنظام للمواصلات العامة بالغ الكفاءة. وهو مكون من شبكة ضخمة من البصات تربط كل أجزاء المدينة، ومن مترو أنفاق يربط أطراف المدينة. وتكاليف التنقل في ماليزيا زهيدة جدا. ومع ذلك يفضل قطاع من العاملين استخدام الدراجات النارية لكونها تمنح حرية أكبر في الحركة. غير أن للدراجات النارية عيب غير خاف وهو كونها شديدة التلويث للبيئة، فماكيناتها تعمل عن طريق حرق الزيت مع الوقود. وينطبق هذا على الركشات التي هي ظاهرة هندية انتقلت حديثا إلى شوارع الخرطوم. ولبداية النهضة الإقتصادية أحكامها. المهم هو أن تكون هناك خطط مرسومة لإصحاح البيئة كلما تقدمت حالة الإقتصاد، وتحسنت دخول الأفراد، وأصبحت الدولة والفرد قادرين ماليا على الإستثمار في جهود الإصحاح البيئي بخلق وسائل نقل جماعية كافية لا تستخدم الوقود المحروق.



أما السيارات في ماليزيا فمعظمها سيارات صغيرة وهي تذكر بالأجيال الأولى من السيارات اليابانية التي ظهرت في عقد السبعينات من القرن الماضي. وهذا النوع من السيارات، وأشهرها سيارة "بروتون" يتم تصنيعها في ماليزيا، بموجب اتفاق مع إحدى الشركات اليابانية الكبيرة. وبذلك النهج ضمنت ماليزيا توفير سيارات تناسب دخول سكانها، وضمنت في نفس الوقت تدريب مواطنيها على صناعة السيارات، كما وسعت فرص العمالة لهم. ومن الملاحظ قلة السيارات الفخمة في شوارع كوالالمبور، خاصة السيارات الأوربية الصنع، من طراز مرسيديس، وبي أم دبليو، وأودي، وفولفو وغيرها من سيارات الفخامة المتوسطة. وقد استنتجت من كل ما تقدم أن الدولة ليست في خدمة الطبقات العليا لذوي الدخول المرتفعة، وإنما هي دولة مهتمة إهتماما أصيلا بعامة الشعب، وآية ذلك حرصها على صناعة سيارات تناسب دخول الشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى. هذا إضافة إلى توفير نظام للنقل العام شديد الإتساع، بالغ الإنضباط، وزهيد التكلفة يستخدمه وبراحة كبيرة من لا يقدرون على شراء السيارات ومن لا يريدون إقتناءها أيا كانت أسبابهم.
(يتواصل)


http://www.sudaneseonline.com
__

Post: #816
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-29-2008, 02:49 PM
Parent: #815


إن التمييز ضد المرأة في العالم العربي سببه الفهم السلفي للإسلام والاستغلال السياسي لهذا الفهم السلفي، ولا حل للمشكلة إلا بنشر الفهم الجديد للإسلام الذي يوضح أن الشريعة الإسلامية التي انتقصت حقوق المرأة ليست هي كلمة الإسلام الأخيرة، وإنما هي شريعة مرحلية فقد كانت جيدة وحكيمة وخطوة تطويرية لمجتمع الجزيرة العربية في القرن السابع وما بعده من قرون مما هي مثله ولكنها لم تشرع لإنسانية العصر الحديث وإنما ادخر الإسلام لهذه الإنسانية شريعة الأصول القائمة على الآيات المكية التي (نُسخت) أي أجلت إلى أن يحين وقتها، ووقتها هو العصر الحديث وفيها حقوق المرأة الكاملة والمساوية لحقوق الرجل، وفيها فضلا عن ذلك نظام سياسي واقتصادي واجتماعي متكامل يقوم على الديمقراطية والاشتراكية والمساواة، وهذا الفهم الجديد للإسلام، هو ما قدمه محمود محمد طه بالسودان الذي حكم عليه بالردة وأعدم شنقا بسبب حديثه عن فهم جديد للإسلام، مع أن هذا الفهم الجديد هو الحل.

عبد الله الأمين - الخرطوم



http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/talking_point/newsid_6165000/6165003.stm
_________________

Post: #817
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-29-2008, 02:50 PM
Parent: #816



استعير كلمات الأستاذ محمود محمد طه في نقده للدكتور الترابي إذ يقول إن شخصية الدكتور الترابي موضوع حبنا ولكن ما تنطوي عليه من ادعاء ومن زيف موضوع حربنا/ عبد الرحمن



http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/news/newsid_1191000/1191019.stm
_________________

Post: #818
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-29-2008, 03:11 PM
Parent: #1



--------------------------------------------------------------------------------

نجد خطاب الاخوان الجمهوريين في السودان (الحزب الجمهوري الاسلامي) كاحد الاصوات الفاعلة في التجديد الديني وابرزها منذ وقت مبكر , نجد ان هذا الخطاب – خطاب الاخوان الجمهوريين – اعلا من شأن المرأة وحرص على نيلها حقوقها وقدم رؤي مستنيرة حول تطوير شريعة الاحوال الشخصية للنهوض بالمرأة في السودان من وضعيتها الخاطئة, التي اجبرت على المكوث فيها بسبب فقهاء الظلام , سواء كانوا من اصحاب الفتاوى(ملاك الحقيقة المطلقة) او من حراس التقاليد والعادات البالية التي ترى كل شيء في المرأة , عورة محض .. ربط الفكر الجمهوري قضية تحرير المرأة ومساواتها ,بقضية تطوير شريعة الاحوال الشخصية .. حيث يطرح الفكر الجمهوري مسالة القوامة ,باعتبارها الاساس الذي نهضت عليه التشريعات الاخري الخاصة بوضعية المرأة في المجتمع . ويرى ان هذه التشريعات في وقتها كانت حكيمة كل الحكمة " في القرن السابع وذلك لانه حل مشكلة المرأة في ذلك المجتمع , فقد شرع لها حسب حاجتها وعلى قدر طاقتها وطاقة مجتمعها ايضا ولكن هل هذا الوضع هو مراد الدين الاخير للمرأة ؟ هل هو كلمته الاخيرة في امرها ؟ ام ان هناك وضعا اخر في الدين يمكن ان يقوم عليه تشريع جديد يحل مشكلة المرأة المعاصرة ويكون على قدر طاقتها وطاقة مجتمعها ؟ (19) يرى الجمهوريون ان الفقه شيء اخر غير الشريعة , وان فقهاء المسلمين جانبوا الصواب بتصورهم العقيم للعلاقة الزوجية كمثال – يعني هنا الفقه على المذاهب الاربعة – فقد جاء في الجزء الرابع منه حول تعريف الزواج" (انه عقد على مجرد التلذذ بادمية ) ومن هذا الفهم السقيم القاصر لطبيعة العلاقة السامية – الزواج – جاءت تشريعاتهم التي تنظم لهذه العلاقة جافة وبعيدة كل البعد عن سماحة الدين ومهينة لكرامة المراة وعزتها .. ولذلك فاننا ندعوا ان يتطور القانون من مستوى الوصاية الى مستوى المسئولية .. فتكون في هذا القانون – قانون الاحوال الشخصية – المرأة مسئولة امام المجتمع كالرجل تماما .. المرأة في هذا المستوى تكون حرة في اختيار زوجها , ولها حق الطلاق بالاصالة , كما لزوجها متى ما رأت ان الحياة بينهما استحالت .. وفي هذا القانون كما ان المرأة كلها تكون لزوجها فانه يكون كله لها , بلا تعدد زوجات عليها .. ففي اصل الدين المراة الواحدة للرجل الواحد , لانه – تعالى – قد قرر ان الرجل لا يمكنه العدل بين النساء ولو حرص على ذلك .. هذا بالاضافة الى ان العدل المادي – الذي الى جانب اسباب اخرى – قد اباح التعدد في الماضي قد تغيرت صورته للعدل المعنوي .. فالعدل في القرن السابع فسره النبي (ص) بالعدل المادي – المادي في الكساء والغذاء والسكن وما الى ذلك .. وفي ذلك قال المعصوم " اللهم هذا عدلي فيما املك فلا تؤاخذني فيما تملك ولا املك " هذا العدل المادي قد تغير في مجتمعنا الحاضر الى العدل المعنوي , لان المرأة في هذا المجتمع اصبحت , وهي تصبح كل صبح جديد , قادرة على الانفاق على نفسها , ولذلك فانها تطالب بالعدل في ميل القلوب .. وهذا ما لا يستطيعه احد بين اثنتين " فلا تؤاخذني فيما تملك ولا املك " ومن هنا وجب ان يكون الزوج كله لزوجته كلها من غير ان تشاركها فيه زوجة اخرى .


http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=44746


Post: #819
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-29-2008, 03:14 PM
Parent: #818


بروفايل
«محمود محمد طه» الفكرة الجمهورية.. الإسلام الجديد وعقاب المقصلة

مع قليل من المبالغة؛ سيُعدّ السوداني محمود محمد طه - من زاويةِ المعرفة المنزوعة النهايات - من أشهر المجهولين في ساحة الفكر الإسلامي المعاصر، وبشيءٍ من المجازفة فإنه يكاد يكون من قلائل المفكرين الذين عنوا ببلورة أفكارهم على مقربةٍ لصيقةٍ من ساحات العمل. وإذا جرى التسامح مع المبالغة والمجازفة، فلابد أن يُصنّف طه في قائمة ‘’الإسلاميين’’ القلائل الذين نهجوا طريق التنظير لأفكارهم على هدى الإسلام. سيناقش كثيرون في ‘’إسلاميّته’’، وثمة منْ سيناقش في ‘’إسلامه’’ أيضاً، وفي كلا الحالين لن يُتاح للجميع أنْ يطمس الإنتاج الفكري الغزير الذي رفَد به طه أكثر من موقع من مواقع التجديد والنهوض الديني. مبكّراً حدّد في ‘’قل هذه سبيلي’’ بدايات الرؤية في العام ,1953 كان الإسلام حاضراً في قوّته المضمونية، إلا أن الصّيغة الهيكلية كانت مع كتاب ‘’الإسلام’’ الصّادر في العام .1960 ما كان يدعو إليه طه هو إسلام حقيقي، يعود بالناس إلى نهج الإسلام الأول. دعا إلى اعتماد الرسول محمد منهاجاً في السلوك الديني، ولكن وفق طريقة تأويلية لتطوير التشريع الإسلامي، فكانت دعوته للانتقال من الآيات المدنية، إلى الآيات المكية. إنه انتقال يُريد به محاكمة آيات الشريعة بآيات العقيدة، آيات التنظيم والعقود والحدود بآيات العدل والتضامن والمساواة الاجتماعية.
رفضَ ما أسماه بالهوس الديني والاستخدام السياسوي للدين. كانَ حرباً لا هوادة فيها ضد كهنوتية رجال الدين، وهي تسمية دأب على مجّها مجّاً، واعتبرها وافدة على التحضّر الإسلامي. منذ البدء، جعل الحرية الشعار الأول، ونظرها عمودَ الدين ومفتاحه الحقيقي، ومنها نافح كلّ ما يتعارض معها وصولاً إلى ما يسميه بالمدنية الإسلامية، وانطلق من موضوع المرأة، ليبدأ في جسْر أول قنطرة في أعقد موضوعات الإصلاح الديني. من أصول الدين لا فروعه نجد الخلاص، وانكبّ يُعيد فلسفة الأصول بما يمنحها وظيفة الخلاص المفقودة. في احتدام الجدال الحامي بين التطرف والاعتدال، سيجده البعض نموذجاً لابد منه لإعادة الحيوية للاعتدال الديني، بما هو مطارحة فكرية وجرأة في نقد الموروث. في تلك الصّورة سيُعجب به باحثو الغرب، وسينظرون إلى حياته على أنها تنويعة لصيرورة المفكر الحر في بلد مسلم، كما هي صورة ‘’جاليلو’’ في حقبة الظلام الأوروبي. إنها نمذجة ستكبُر مع حكم الإعدام الذي طال طه في يناير 1985م وعمره يتجاوز السبعين. اُتهِم طه بالردّة. هكذا كان يروي حكم المقصلة. لقد وقفَ ضدّ تطبيق الشريعة الإسلامية في عهد النميري. لم يكن رافضاً للإسلام، كما تقول وثيقته. لقد قال في ‘’محكمة الردّة’’ أن جلاّديه جاؤوا بما فيه’’مخالفة للشريعة وللإسلام’’، وأفعالهم ‘’شوّهت الشريعة، وشوّهت الإسلام ونفّرت عنه’’. لقد كان الرجلُ، إذن، حريصاً على الإسلام، لا رافضا له، ولذلك سيخذله العلمانيون. يحضر فيه مالك بن نبي، وكلاهما مهندس وصاحب نهضة. يمرّ عليه علي شريعتي، حيث الإسلام النضالي والنفرة من رجال الدين. وعندما يُعدَم لا يتذكّره إلا الحلاّج، فقد خرجَ طه من ملئ فراغ الحماس إلى ملئ فراغ الفكر عندما عكفته السجون واعتكف في منزله سنوات، ليخرج بعدها مليئاً بالروح ومتشوّقاً بالمعاني حدّ العروج.
http://alwaqt.com/art.php?aid=31456
_________________

Post: #820
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-29-2008, 03:15 PM
Parent: #819


اسرائيل كانت تحفظ لنميري عدة مواقف ... دعمه للسادات إبان زيارته للقدس وصمته عندما ضربت اسرائيل المفاعل العراقي في 1981ثم اتفاق كامب ديفيد الذي أدانه كل العالم العربي وقاطع السادات إلا نميري والحزب الجمهوري
--------------
فهناك لعنة اسمها العلاقة مع اسرائيل ؟

* نعم .. الملك عبد الله دفع حياته في يوليو 1951 ثمنا لمباحثاته السرية مع اسرائيل وتبعه السادات في 1981م بإغتياله وكانت واحدة من الاسباب التي عزلت الجمهوريين وقت اغتيال محمود محمد طه لدعوتهم للصلح مع أسرائيل .. وعزل الإمام نميري من خلافته بعد انكشاف فضيحة ترحيل الفلاشا .. نظرة إلى بنود الإتفاق الذي نشرته الاهرام تدلنا على أن التواصل في علاقة السودان واسرائيل بإطاره التاريخي كانت تتحكم فيه مجريات الأحداث في الشرق الأوسط ولا ترتبط بقريب أو بعيد بالمصالح الوطنية المباشرة ..



http://www.sudaneseonline.com/ar/article_8899.shtml

---------


ووجد منفذاً لنشر هذه الحصائل في ''سلسلة دراسات في التراث السوداني'' التي طبعناها بالرونيو كالشيوعيين والجمهوريين. ومكنت هذه الفترة للطيب أن يقف على الخريطة الثقافية لضروب الفلكلور وملكات رواته ومؤدييه وأن يكشف عن ''الضفيرة'' النسيقة التي تربط آداب الجماعات السودانية. وكانت هذه الحصائل زاده في رحلته المثيرة في ''صور شعبية'' وكتبه الأخري مثل ''دوباي'' و''المسيد'' و''فرح ود تكتوك'' و''الإنداية''.



http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=m...ard=3&msg=1171137038
_________________

Post: #821
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-29-2008, 03:17 PM
Parent: #820


لقد اكتسب عبد الله النعيم هذه الأفكار لأول مرة عندما كان طالبا في كلية الحقوق في وطنه السودان وكان يبلغ من العمر آنذاك اثنين وعشرين عاما. وكان قد انضم آنذاك إلى حركة الإصلاح الإسلامية بقيادة محمود محمد طه. ولما أُعدم محمود محمد طه بسبب آرائه المخالفة ترك عبد الله النعيم وطنه كلاجئ سياسي.

ومنذ ذلك الحين وهو يتابع معالجة نظريات قدوته الأستاذ طه في الولايات المتحدة. ويضيف على عجالة: "إنني لا أريد ربط هذه الأفكار بأحد الأشخاص في السودان". ذلك لأن حركات الإصلاح الإسلامية تخضع للرقابة والاضطهاد حتى عقوبة الإعدام.



http://www.qantara.de/webcom/show_article.php/_c-579/_nr-13/i.html
_________________

Post: #822
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-29-2008, 03:21 PM
Parent: #821


موت فرح !!!

حزن عميق اجتاح أجزائي المبعثرة في فضاء ذلك الكون الفسيح ليعلن انتقال ((( فرح ))) عامر به القلب إلى عالم البرزخ المجاور لذواتنا المنهكة من وجع السفر وسياج الحبس القديم ..
اليوم نفسه والتاريخ نفسه والشهر هو نفسه
إنها الجمعة العظيمة 18/1/ بدأت تعاود فعلها القديم !!
أتذكرونها ؟!!
هي دوما تتوكأ على الصليب و تنسج من أنفاس النحيب حبل الموت الغليظ
إن كان عند منتصف الثمانينات أو ما يزيد عن ألفي عام بقليل .. هي نفسها حين انشق القمر وحال الغبار الكثيف بيننا وطلعة البدر !
وإن كانت في السابق من ميلاد الروح العظيم فقد اختارت اليوم تاريخ الهجرة إلى الله 18/1/1427هـ
....................
لقد ذهب فرحي بالكلية يوم ذهبت أنت...
أيها الجسد الطاهر المخضب في دمائه كالحسين يوم كربلائه
وكالحسين الآخر المنصور يوم بلائه ...
وكالأستاذ محمود يوم حمده وشكره واكتمال رضائه ...



موت فرح !!!

Post: #823
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-29-2008, 03:22 PM
Parent: #822


وما سبقه إليه الشيخ محمود محمد طه (أُعدم 1985) في «الرسالة الثانية» من دعوة صوفية إلى عفة العقل لا فرض الحجاب، زدت عجباً بتكور الزمن لا انطلاقه كالرمح، ولم يترك الأولون في شرقنا للمتأخرين من حداثة مقالة!



http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=395502&issue=10235
_________________

Post: #824
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-29-2008, 03:39 PM
Parent: #1


عن المرجعية الإسلامية في برامج الأحزاب السياسية المدنية: 2-2
محمود الزهيري
Monday, 30 April 2007
ملامح أزمة في التصور

وينفى في الكتاب الذي حمل عنوانا فرعيا هو (إشكالية الردة والمرتدين من صدر الإسلام إلى اليوم) وجود أي واقعة في عصر النبي محمد "تشير إلى ما

يمكن أن يقوم دليلا على قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم بتطبيق عقوبة دنيوية ضد من يغيرون دينهم مع ثبوت ردة عناصر كثيرة عن الإسلام في عهده (النبي) ومعرفة رسول الله بهم."





ويضيف أن عهد النبي شهد "مئات" من المرتدين أو المنافقين الذين عمدوا إلى إيذائه والكيد للمسلمين لكنه "ترفع تماما عن المساس بهم" حتى لا يقال إنه يكرههم على الإسلام.





ويستشهد بآيات قرآنية منها "كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم البينات" من سورة آل عمران. وفي سورة النساء آية تقول "إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا." ويقول معلقا إن فيها نفيا لوجود حد شرعي دنيوي للردة.





ويضيف أن القرآن لم يشر تصريحا أو تلميحا إلى ضرورة إكراه المرتد على العودة إلى الإسلام أو قتله إذا امتنع، وأن "حرية الاعتقاد مقصد مهم من مقاصد الشريعة" في الإسلام.





ويقول المؤلف إنه يأمل أن يتمثل الباحثون كتابه في "معالجة القضايا الجادة المستقرة في ضمير الأمة (الإسلامية) وثقافتها دون تفريق لكلمتها" حتى يسود منهج في مراجعات التراث "بحيث نجعل تراثنا مما يصدق القرآن عليه ويهيمن. إن أهل التراث الإسلامي هم الاولى والأحق بمراجعته من داخله وبآلياته، وإن الضغط الخارجي أيا كان سوف يؤدي إلى مزيد من التشبث بالتراث بخيره وشره."





ويقول العلواني إن بعض الفقهاء حين ذهبوا إلى "وجوب قتل المرتد" لم يستندوا إلى آيات القرآن، "وقد تبين أن الفقهاء كانوا يعالجون جريمة غير التي نعالجها إذ كانوا يناقشون جريمة مركبة اختلط فيها السياسي والقانوني والاجتماعي بحيث كان تغيير المرتد عن دينه أو تدينه نتيجة طبيعية لتغيير موقفه من الأمة والجماعة والمجتمع والقيادة السياسية والنظم التي تتبناها الجماعة وتغيير الانتماء والولاء تغييرا تاما."





وتحت عنوان (كيف حدث الخلط بين الديني والسياسي) يشرح سياق ما عرف في التاريخ الإسلامي بحروب الردة في عهد الخليفة أبي بكر الصديق، الذي تولى الحكم بعد وفاة النبي حيث امتنعت بعض القبائل في الجزيرة العربية عن دفع الزكاة. ويرى أن السياسي اختلط بالديني في تلك الحروب وأن أسبابها "لم تكن محددة بدقة صارمة. كانت لا لإعادة من غيروا اعتقادهم إلى المعتقد الذي فارقوه بل لإلزام مواطنين تخلوا عن التزاماتهم وواجباتهم باعتبارهم أعضاء في الأمة أو مواطنين في دولة" وعليهم الالتزام بالشرعية.





ويوضح أنه يبحث قضية الردة الفردية التي تعني تغيير العقيدة. ويتساءل "هل الردة تعد خروجا من الإسلام أو خروجا عليه.." مشيرا إلى أن أهم ما يتبادر إلى ذهنه عند ذكر الردة والحديث عنها هو مصطلح المؤامرة "مؤامرة الدولة. الغول البشع على الحرية سواء مارسها فرد أو حزب أو فئة أو عالم. هي مؤامرة الدكتاتورية الغاشمة المجرمة على المعارضين والمخالفين لها أيا كانوا.





"هي مؤامرة استعباد الطغاة الجبابرة للمستضعفين والتحكم في مصائرهم لا على مستوى الحياة الدنيا فقط بل على مستوى الآخرة إن استطاعوا. هي محاولة قتل وتدمير عباد الله بالافتراء على الله وانتحال صلاحياته وادعاء تمثيله والنطق باسمه، هي تزييف هدايته وتعاليمه، هي مؤامرة الخاطفين للسلطة والمتغلبين على الأمم والمزيفين لإرادة الشعوب ضد معارضين لا يملكون إلا ألسنتهم التي يقطعها الجبابرة عندما لا تنطق بمآثرهم."





ويقدم العلواني نماذج للذين قتلوا بعد أن اعتبرتهم السلطة السياسية مرتدين، منهم المفكر السوداني محمود محمد طه (1909 - 1985) الذي أعدم بموجب إعلان الرئيس السوداني الأسبق جعفر نميري - الذي اعتلى السلطة بعد أن قاد انقلابا عسكريا عام 1969- تطبيق الشريعة الإسلامية "بعد أن أفلس سياسيا".





كما يشير إلى أن فيصل بن مساعد الذي قتل عام 1974 عمه فيصل ملك السعودية الأسبق صدر الحكم بقتله "بالسيف حدا بتهمة الردة" رغم اعترافه بارتكاب جريمة القتل العمد "وهي كافية شرعا لإعدامه."





وشهدت مصر عام 1992 قضية غريبة أثارت جدلا واسعا بعد اغتيال الكاتب المصري فرج فودة (1946 - 1992) أمام منزله بالقاهرة على يد شاب أوعز اليه أن فودة مرتد، لكن أحد رموز من يوصف بتيار الاعتدال الإسلامي اعتبر في شهادته أمام المحكمة الكاتب القتيل مرتدا في إدانة صريحة للقتيل.





ويقول العلواني إن محامي قاتل فودة طلب شهادة "أكثر علماء المسلمين في ذلك الوقت اعتدالا وهو الشيخ محمد الغزالي، فلم يجد بدا من تقرير مذاهب الفقهاء في هذا الموضوع وهو وجوب قتل المرتد، واعتبر فرج فودة مرتدا يستحق القتل، وأن كل ما فعله هؤلاء الشباب هو تنفيذ حكم الشرع في إنسان مهدر الدم لا حرمة لدمه ولا قيمة. ولكن كان ينبغي على الدولة أن تريق دمه بنفسها وبأجهزتها، وإذ لم تفعل فقد افتأت هؤلاء الشباب (القتلة) على الدولة ونفذوا ما كان ينبغي لها أن تنفذه بنفسها."





ويقول إن كلمة "حدود" وردت في آيات قرآنية كثيرة لكنها في جميع هذه الآيات لم تطلق على عقوبة وإنما تؤكد الالتزام بتشريعات أو أحكام.





ويعيب على بعض رموز تيار الإسلام السياسي اختزال الإسلام والشريعة الإسلامية في العقوبات، ويبدي دهشته في إسراع بعض الأنظمة إلى تطبيق بعض العقوبات "لتثبت صلابتها في الدين وتمسكها بالشريعة وقد لا يكون لها نصيب من الشريعة أكثر من تلك العقوبات."





وفي تعليق للشيخ جمال قطب والذي كان يرأس لجنة الفتوي بالأزهر سابقاً ونشرته المصري اليوم في عددها 987 علي ماتم تسميته بحد الردة حسب تصنيفات الفقهاء وأبدي رفضه :


جميع الفتاوي السابقة للفقهاء التي تقول بوجوب قتل المرتد، مؤكدا أن الإسلام يقوم علي حرية العقيدة، وأن قتل المرتد كان في فترة محددة فقط في عهد الرسول «صلي الله عليه وسلم».





وقال قطب في كلمته مساء أمس الأول في ندوة «الحريات العامة في الإسلام»، التي نظمتها جمعية «المقطم للثقافة والحوار» إن القرآن الكريم لم يذكر حدا للردة بل قال تعالي: (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة علي المؤمنين أعزة علي الكافرين) «المائدة: ٥٤».





أما ما عرف بحد الردة فمصدره حديث النبي صلي الله عليه وسلم «من بدل دينه فاقتلوه»، وتفسير هذا الحديث أنه كان في فترة محددة من فترات حياة النبي «صلي الله عليه وسلم» بالمدينة.





وأوضح قطب: لقد كانت معركة رسول الله «صلي الله عليه وسلم» مع آخر فئات اليهود بالمدينة، وهم بنو قريظة الذين كانوا يسكنون حيا من أحياء المدينة فأصبحت هناك إمكانية استقطاب ضعاف النفوس لتغيير دينهم،





ولذلك قال الرسول «صلي الله عليه وسلم»: «من بدل دينه فاقتلوه»، لكن الأصل العام في الإسلام أنه «لا إكراه في الدين»، لأن الله تعالي لا يعبد جبرا، وأكد أن قتل المرتد لم يكن حدا أبدا ولكنه قرار يسمي عند الفقهاء «سياسة شرعية لأمر محدد في وقت محدد»، ولا يجوز تطبيقه حاليا.





فبماذا يمكن أن يرد التكفيريون والتجهليون علي هؤلاء العلماء ؟!!


هل سيتم تكفير طه جابر فياض العلواني ؟!!


وهل سيتم تكفير الشيخ جمال قطب والذي كان رئيساً للجنة الفتوي بالأزهر ؟!!


وهل من يقول برأيهم فهو كافر حال كونه حسب ظنهم أنه منكراً لما هو معلوم من الدين بالضرورة ؟!!


وهل سيتم تكفير كاتب هذه السطور علي إعتبار أن هذا كفر وأن ناقل الكفر بكافر ؟!!





وهذا عن حد الردة الذي يتشدق العديد من الذين نصبوا أنفسهم وكلاء عن الله وعن الرسول في إستباحة دماء الناس وأرواحهم بزعم أنهم خلفاء لله في الأرض وأنهم ظل لله في أرض الله ، ويتوجب علي الناس جميعاً الإنصياع والطاعة لما يرتأونه من أراء علي أنه من صحيح الدين ، بل وأن أرائهم وأفكارهم وتصوراتهم يريدوها أن تكون معلوماً من الدين بالضرورة !!





إن هذه الأراء التي إنساق ورائها التكفيريون والتجهيليون والتي يعتقد بها هؤلاء الكارهون للناس والفارون من الحياة إلي الموت والمقابر لايعنيهم أمر الدين ، ولايشغل بالهم أمر الإنسان في شئ سوي تعبيد الناس لله بطريقتهم هم من خلال فتح أبواب الحرام وتضييق أبواب الحلال وإن لزم الأمر إغلاق كل الأبواب المباحة علي زعم ترك المباح مخافة الوقوع في المكروه أو الحرام !!





فهل أنصار المرجعية الإسلامية لهم موقف من خلال التفسير والتاويل لما يسمي بإنكار ماتم تسميته بحد الردة ولهم رأي محدد الملامح يؤيد مفهوم حد الردة أو ينكره أم سيتم الإكتفاء بمفهوم الردة الحضارية أولاً والإيمان بها علي إعتبار أنها هي أساس للتخلف والرجعية والمذلة والهوان الذي يتعايش معهم جميعاً العالم العربي والإسلامي ؟!!





عن الأراء المؤيدة لحد الردة :


قوله تعالى: "ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون"


وقوله تعالى: "ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم".


وقوله: "إن الله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء".


وقوله: "إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً"


وقوله: "ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين".


وقوله تعالى: "كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق.. أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين".





فهذه هي مجموعة من الآيات القرآنية الكريمة التي إستنبط منها الفقهاء ماسموه بحد الردة، ونجد أن مفهوم هذه الآيات لم يتحدث عن إقامة حد الردة وقتل الإنسان المسلم الذي غير دينه إلي دين آخر أو إلي اللادين ، وإنما كان العقاب والجزاء في غالب الأمر مؤجل ليوم القيامة .





بل وقال بعضهم مستنداً إلي نص الآية القرآنية محاولاً الربط بين النفاق والردة : "ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون".





فكيف يتم ترك المنافقين أحياء ولايقام عليهم حد من الحدود ، أياً كان هذا الحد ، أو عقوبة من العقوبات ، أياً كانت هذه العقوبة ، بالرغم من أن علماء المسلمين يذهبوا جميعاً إلي أن المنافقون أشد خطراً علي الإسلام والمسلمون من المرتدين الذين أعلنوا كفرهم بواحاً ؟!!





فالمنافقون يظلوا في المجتمع الإسلامي أحياء يرزقون ويتمتعون بكافة الميزات الممنوحة للمسلمون سواء بسواء ، وذلك بالرغم من أن الأية الكريمة تذهب إلي أن :


"ولا تصلِّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون".





فهل معني هذه الآية أن المنافقون لايجوز الصلاة عليهم حال وفاتهم ، ولايجوز الوقوف علي قبورهم والدعاء لهم بالرحمة أو التوبة والمغفرة بأي حال من الأحوال ؟!!





يضاف إلي ذلك أنه لايجوز لأي أحد من المسلمين أن يتعرض لهم بأي أذي أو يتعرض لهم بأي مكروه من المكروهات ويجب تركهم حال حياتهم ، بل وننتظر حتي وفاتهم ولكن لانصلي عليهم ولانقف علي قبورهم لأنهم لم يعلنوا الكفر ولم يرتدوا عن الدين الإسلامي إلي دين غيره !!


فهل معني ذلك أن دعوة الإسلام دعوة مفتوحة لكل من يقبل أن يكون منافقاً ، ودعوة مقفولة لكل من لايريد الخروج منه ؟!!


وهل دعوة الإسلام قابلة للمنافقين ورافضة للمرتدين ؟!!





المرجعية الإسلامية وأزمة المفهوم السياسي الحديث :


لا أدري كيف يفكر أصحاب المرجعية الإسلامية في كيفية الجمع بين الولاية السياسية الزمنية والولاية الدينية في شكل الحكم والسياسة الحديثة التي تنتهجها معظم النظم السياسية الحديثة ، وذلك في مدي ألحاحهم في تعريفنا بأن المرجعية الإٍسلامية رائدها الوحي ومرجعها القرآن والسنة بالرغم من إيماننا بالوحي ومطلق الإيمان بالقرآن والسنة اللذين هما من أعمدة الدين الإسلامي الذي ننتسب إليه كدين وكعقيدة ، ولكن كشريعة حاكمة تتعدد الرؤي في تفسير وتأويل مفهوم تطبيق الشريعة الإسلامية من خلال النظم السياسية الحديثة داخل إطار من العالمية أو الكونية ذات التوجهات العالمية المعاصرة الرابطة لكل دول العالم داخل إطار أممي عالمي تحت ستار منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والمنظمات الدولية المتخصصة والإقليمية ، بمعني أن هناك إتفاقيات ومعاهدات دولية متعددة وقعت عليها الدول العربية والإسلامية وهذه المعاهدات والإتفاقيات قد تختلف في التفسير والتأويل مع نصوص الشريعة الإسلامية ، وعلي أبسط الأمثلة الجهاد في سبيل الله بإعتباره فريضة إسلامية يري ملايين من المسلمين أنه الفريضة الغائبة عن الأمة الإسلامية في الواقع المعاصر وكذا في إطار العالم المعاصر ، ويستند أصحاب هذه الرؤية ومعظمهم من أصحاب المرجعية الإسلامية ، إلي أن سبب نكبات وهزائم الأمة الإسلامية هو في تخليها عن فريضة الجهاد ، متغافلين عن طبيعة الظروف الدولية والعالمية والمستجدات العسكرية والحربية في عالم الحرب والقتال ووجود ماتم الإتفاق عليه بين الشعوب والأمم في سبيل إنشاؤه وتم الإتفاق علي وجوده لحل النزاعات والصراعات بين الشعوب والأمم وحفظ الأمن والسلم والدوليين ، وهو مجلس الأمن الدولي المنحاز في غالبية قراراته للإدارة الأمريكية ولمصلحة العديد من الدول الغربية ، وكذا إسرائيل !!





فكيف يتم تفعيل فريضة الجهاد في ظل المرجعية الإسلامية ؟!!:


أليس من الصدق أنه بمفهوم المرجعية الإسلامية ، أن الأمة الإسلامية أمة آثمة لتخليها عن فريضة الجهاد في ظل وجود أراضي محتلة للدول العربية والإسلامية حسب الأحكام الشرعية التي أسس لها فقها مسلمين قدامي ومحدثين ؟!!


أليس ترك الجهاد حسب مفهوم المرجعية الإسلامية أمر كارثي للأمة الإسلامية ؟!!





أليس هناك في الشريعة الإسلامية مايحض ويحرض علي الجهاد والحرب والقتال ضد الأعداء والكفار والمشركين والمنافقين وأهل الكتاب والمحاربين لله ولرسوله ؟!!





هل يستطيع أصحاب المرجعية الإسلامية أن يفعلوا دور النصوص الإسلامية التي تحرض علي القتال والحرب والجهاد داخل الإطار الوطني الضيق أم انهم سيتعاملون مع القضايا العالمية بمنطلق أوسع وأشمل ليجمع كل الدول التي هي داخلة في إطار المنظومة الإسلامية حسب المفهوم من عالمية رسالة الإسلام وكونية رسالته ، الرسالة التي تحض وتأمر علي الدفاع عن كل شبر مغتصب من الأرض الإسلامية أو كل شبر فيه مسلم مهان أو مستعبد ، مع الأخذ في الإعتبار بالمتغيرات الدولية الحديثة في كيفية حل النزاعات ووسائل وأدوات الحل من خلال النظام الدولي الجديد برغم الجور والظلم الكائن ، حتي من خلال الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ؟!!





أم أن مفاهيم الجهاد والحرب والقتال ستبقي علي ماهو مفهوم من حرفية النصوص الإسلامية المقدسة علي الخلفية التاريخية لتلك النصوص والوضعية الجغرافية بما كانت تحمله من ثقافات وعادات وأعراف وتقاليد كانت هي المحرك للأمر حتي من قبل ظهور الإسلام ؟!!


وتأييداً لما سبق يري محمد عبد السلام فرج صاحب كتاب الجهاد : الفريضة الغائبة في مقدمته




الجهاد في سبيل الله بالرغم من أهميته القصوى وخطورته العظمى على مستقبل هذا الدين فقد أهمله علماء العصر وتجاهلوه بالرغم من علمهم بأنه السبيل الوحيد لعودة ورفع صرح الإسلام من جديد ، آثر كل مسلم ما يهوى من أفكاره وفلسفاته على خير طريق رسمه الله سبحانه وتعالى لعزة العباد .





والذي لا شك فيه هو أن طواغيت هذه الأرض لن تزول إلا بقوة السيف ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم : (بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم) ..(أخرجه الإمام أحمد عن ابن عمر ).





ويقول ابن رجب قوله صلى الله عليه وسلم بعثت بالسيف) يعني أن الله بعثه داعياً بالسيف إلى توحيد الله بعد دعائه بالحجة فمن لم يتسجب إلى التوحيد بالقرآن والحجة والبيان دعي بالسيف.





وقد يكون محمد عبد السلام فرج يقال عنه أنه رائد من رواد تنظيم الجهاد أو الجماعة الإسلامية ذات الفكر الجهادي فلماذا يتم التدليل بمقدمة كتابه علي فرضية الجهاد بهذه الصورة ؟!!





ونقول وهل هناك مفهوم آخر غير المفهوم الذي تناوله محمد عبد السلام فرج ؟!!


والكلام لأصحاب المرجعية الإسلامية مازال مفتوحاُ حول مدي علمهم وتعلقهم بآيات وأحاديث الجهاد والغزوات في المرجعية الإسلامية ، أم أن المرجعية الإسلامية سوف تبني علي خطوط منهجية دفاعية فقط بعيدة عن أدبيات الجهاد في الإسلام ، وأنهم سوف يؤسسوا أحكاماً إجتهادية جديدة حول مفهوم فرضية الجهاد الإسلامي تخالف المفهوم القديم والمتوارث عن كتب التفسير والحديث والفقه والتراث ؟!!





وهل سيتم قراءة محمد عبد السلام فرج في أرائه الواردة في كتابه الجهاد الفريضة الغائبة قراءة جديدة ، و منها ماورد في مقدمة كتابه وما ذهب إليه من إستدلالات فقهية أباحت القتل والذبح من أن :





رسول الله صلى الله عليه وسلم ( خاطب ) طواغيت مكة وهو بها ( استمعوا يا معشر قريش ، أما والذي نفس محمد بيده لقد جئتكم بالذبح ) فأخذ القوم كلمته حتى ما بقى فيهم إلا كأنما على رأسه الطير واقع ، وحتى أن أشدهم عليه ليلقاه بأحسن ما يجد من القول حتى إنه ليقول : انطلق يا أبا القاسم راشدا فوا الله ما كنت جهولاً ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ( لقد جئتكم بالذبح ) وقد رسم الطريق القويم الذي لا جدال فيه ولا مداهنة مع أئمة الكفر وقادة الضلال وهو في قلب مكة .





فهل الأحزاب السياسية ذات المرجعية الإسلامية ستعتمد فقه الجهاد في برامجها السياسية الخاصة بالدفاع والأمن القومي وتنتهج مفهوم الأمة بديلاً عن مفهوم الدولة ؟!!





هذا سؤال معضلة أيضاً في فقه المرجعية الإسلامية لأن الآيات والأحاديث الواردة عن الجهاد لم تختص بها شبه الجزيرة العربية وحدها وإنما يختص بها المسلمين في الجغرافيا أينما وجدوا فيها وفي الزمان أينما كانوا وحلوا !!





وأنهم ليسوا مكلفين بتحرير أوطانهم فقط وأنما بتحرير جميع الأوطان والأراضي الإسلامية أينما كان هناك مسلمين وحسبما كان هناك إسلام ،


هذه الأسئلة وغيرها من المفترض أن تطرح علي بساط البحث والتحقيق لكي يتعرف المواطنين علي ماهية المرجعية الإسلامية وهل هناك فارق بين المرجعية الإسلامية في تصورها النهائي وبين الإسلام ؟





وأيضاً تساؤل يتوجب إظهاره وهو المتعلق بكون المرجعية الإسلامية المتبعة في البرامج السياسية للأحزاب المدنية صاحبة هذه المرجعية ، وهذا التساؤل يكمن في التعريف بالمرجعية حال كونها فكراً وإستنباطاً وإستخراجاً للحلول للأزمات التي قد تعاصر المجتمعات داخل إطار المنظومة الوطنية وليست المنظومة الأممية أم أنها منظومة خارجة عن الإطار الوطني متعدية للحدود والجغرافيا ضاربة في أعماق التاريخ والزمان علي هدي من تراث الأولين في تفهمهم لمفهوم الوطن والأمة ؟!!





أعتقد أن فكرة المرجعية الإسلامية تعتبر هروباً من كافة القيود التي فرضت علي التيارات والجماعات الإسلامية في الواقع المعاصر بما يحمله من ضغوطات وطنية ودولية علي المنتمين للتيارات الإسلامية علي إختلاف توجهاتهم ومناهلهم الدينية والثقافية ومن ثم كانت فكرة الأحزاب المدنية ذات المرجعية الإسلامية ماهي إلا عبارة عن ثقب الإبرة أو سم الخياط الذي يريدون الخروج منه للعالم المعاصر محملين بالدين والعقيدة لإقامة وتطبيق الشريعة الإسلامية في عالم اليوم بما يحمله من تخوفات من التطبيقات الدينية الإسلامية للشريعة الإسلامية في دول عديدة قامت فيها مجموعات من الصراعات الدينية وسالت علي إثرها بحور من الدماء علي خلفية أن كل تيار أو فصيل من الفصائل الإسلامية هو الذي يحتمي بالحقيقة المطلقة ، فكانت أفغانستان ، العراق ، ولبنان ، وفلسطين المحتلة ، والسودان ، ومصر ، والمغرب ، والصومال ، والشيشان ، والفلبين ، والمغرب ، واليمن ، وغير ذلك من الدول التي تبدت فيها الجماعات والتيارات الإسلامية معلنة رفضها لتلك المجتمعات والدول التي تعيش فيها وعلي أرضها .





ماهو موقف أصحاب المرجعية الإسلامية من باقي الأحزاب السياسية المدنية ؟ :


المرجعية الإسلامية المستندة للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والتي تسعي الأحزاب السياسية المدنية إلي تطبيقاتهما في الحياة المعاصرة بجميع أشكالها وألوانها ، يجب أن يتبدي موقفها من باقي الأحزاب السياسية المدنية ذات نفس المرجعية الإسلامية المستندة إلي القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، خاصة في حالة تعدد تلك الأحزاب ووجود بعض الإختلافات في الرؤي الشرعية لمسألة من المسائل الدينية التي يتوجب علي تلك الأحزاب البحث عن حلول لها في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ، فماذا يكون موقف هذه الأحزاب من هذه الرؤي والإجتهادات التي تخالف بعضها البعض من حيث الرؤية والتفسير والإجتهاد والتصور في المسائل الدينية التي تريد تلك الأحزاب إنزال أحكامها المقدسة بمفهوم السماء إلي واقع الناس علي الأرض ؟!!





وكيف نصل إلي مراد السماء في تفسير وفهم منطوق وتفسير وتأويل تلك النصوص الدينية المقدسة التي تبغي الأحزاب السياسية إنزالها إلي أرض الواقع ؟!!





وما الذي يتوجب علي المواطنين فعله من ناحية إتباع الحزب السياسي المدني ذو المرجعية الإسلامية ؟!!


إذا تعارضت المفاهيم الدينية للبرامج السياسية لتلك الأحزاب في مسألة من المسائل الحياتية فبأي مرجعية يمكن أن نأخذ ونفعل ؟!!





وهل سيتم تفعيل مرجعية الحزب الحاكم فقط علي إعتبار أن المرجعيات الأخري مرجعيات معارضة خارجة عن إطار الحكم والسلطة ويتوجب مناهضتها وتخطئة أفكارعا ومفاهيمها السياسية المبنية علي المرجعية الدينية المستندة للقرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة المطهرة ؟!!





وفي هذه الحالة هل يجوز تخطئة هذه النصوص التي يرجع إليها أصحاب المرجعية الذين يقفون في صف المعارضة السياسية علي خلفية من المرجعية الدينية ؟!!




أعتقد أن المرجعية الإسلامية المزعومة ستواجه بجملة من الأزمات المعوقة لمشروع المرجعية الإسلامية للأحزاب السياسية ، ومن هذه المعوقات موقف هذه الأحزاب من الجماعات الدينية الجهادية ، والسلفية بأنواعها المتعددة والتي لها وجود قد يكون خفي ويعمل تحت الأرض ، أو وجود ظاهر يتحدي المجتمع في مفهومه للدين ، والسياسة ، بل والتحدي في عادات وأعراف وتقاليد المجتمع صاحب المرجعية الإسلامية والمأزوم بالجماعات الجهادية والسلفية المناهضة لكافة تيارات الإسلام السياسي وعلي رأس تلك الجماعات جماعة الإخوان المسلمين الخالطة للنهج الدعوي والنهج السياسي في مشروع واحد علي إعتبار أن ممارسة السياسة في مفهوم تلك الجماعات مخالف للكتاب والسنة ، ومخالف لما كان عليه السلف الصالح !!





هل من الممكن وجود برنامج تفصيلي واضح ومحدد المعالم والملامح يحتوي حلولاً ولو جزئية للمشاكل المعاصرة في المجتمعات العربية والإسلامية ، بداية من تولية الحاكم ، وانتخابه ، أو عزله وحاكمته ، وكيفية تشكيل الحكومات ، وإسقاطها ، وكيفية رسم البرامج السياسية ، في الحكم والسياسة ، والديبلوماسية ، والعلاقات الدولية والخارجية ، وكيفية تطبيق الحدود في الشريعة الإسلامية ، وتعيينها بنصوص قاطعة في فهمها ومعناها لتطبق علي الجميع بإعتبارها قاعدة قانونية شرعية ، عامة ومجردة وتتصف بعنصر الجزاء ؟!!





وكيف يمكن تفعيل فريضة الجهاد بإعتباره ذروة سنام الدين الإسلامي ، وذلك في إطار المنظومة العالمية المتربع عليها مجلس الأمن الدولي الذي يتم إصدار قراراته برعاية أمريكية ، لها حق الإعتراض علي أي قرار ، يصدره هذا المجلس الذي يكيل بمكاييل عدة ؟!!





أعتقد أن الأمر جد صعيب علي الأحزاب السياسية المدنية ذات المرجعية الإسلامية ، لأنها لايمكن لها أن تتباري في تفعيل دورها في ظل أنظمة حكم فاسدة ، وفي حالة غياب تلك الأنظمة ستتاج مناخات الحرية والإبداع ، في كافة الأمور ومن ثم سيكون الدور للشعوب في تقرير مصائرها بعيداً عن إرادات الحكومات والأنظمة الفاسدة ، وبعيداً عن وصايات الجماعات الدينية والأحزاب التي تدعي بأنها أحزاب سياسية مدنية ذات مرجعية إسلامية ، ويكون للأديان دور المكون الرئيسي لوجدان الشعوب ، كل حسب دينه ، وتكون المرجعية للحق والواجب اللذين هما في حقيقة الأمر من أركان كل الأديان !!





وعلي كل حال ننتظر البرامج السياسية التفصيلية للأحزاب السياسية المدنية ذات المرجعية الإسلامية ، لكي نناقشها ونتعرف عليها ، لأنها منظرة بعقليات بشر يخطئوا ويصيبوا ، ونحن بشر مثلهم نخطئ ونصيب ، ومن حقنا جميعاً أن نتشاور في كل الأمور التي تخص الأديان كل حسب دينه ، اما الأوطان فهي ملك لنا جميعاً !!





محمود الزهيري

[email protected]





Post: #825
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-29-2008, 03:41 PM
Parent: #824


اسلامية المعرفة ... خاتمة/8
ابو القاسم حاج حمد
Sunday, 01 October 2006
وليس من ختام مسكي سواء أن نأتي بخطبة الوداع (71) التي أطلق خاتم الرسل والنبيين الخطاب فيها لكل الناس، وهي مقدمات " الدستور " للناس ، وقد وجه الرسول خطابه للناس من على جبل " عرفات " في العام العاشر

للهجرة – (631-632 م ) وقبل التحاقه بعد وفاته بالملأ الأعلى بعام واحد أو أقل من ذلك .


" أما بعد أيها الناس : اسمعوا مني أبين لكم ، فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا ، في موقفي هذا .




أيها الناس ! إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا . ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد. فمن كانت عنده امانة فليؤدّها إلى من ائتمنه عليها . وإن ربا الجاهلية موضوع ، ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون . قضى الله أنه لا ربا . وإن اول ربا أبدأ به ، ربا عمي العباس بن عبد المطلب. وإن مآثر الجاهلية موضوعة ، غير السدانة والسقاية.




أما بعد أيها الناس ! إن لنسائكم عليكم حقاً ولكم عليهن حق : لكم عليهنّ أن لا يوطئن فرشكم غيركم ، ولا يدخلن أحداً تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم ، ولا يأتين بفاحشة ، فإن فعلن ، فإن الله قد أذن لكم أن تعضلوهنّ وتهجروهنّ في المضاجع ، وتضربوهنّ ضرباً غير مبرّح ،فإن انتهين وأطعنكم ، فعليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف . واستوصوا بالنساء خيراً فإنهن عندكم عوان ، لا يملكن لانفسهن شيئاً وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهنّ بكلمة الله ، فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهنّ خيراً . ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد ..




أيها الناس ! إنما المؤمنون إخوة ، ولا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفس منه . ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد ..




أيها الناس ! إن ربكم واحد وإن أباكم واحد . كلكم لآدم ، وآدم من تراب . أكرمكم عند الله أتقاكم ، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى . ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد . قالوا : نعم . قال : فليبلّغ الشاهد الغائب."




فالخطاب للبشرية جمعاء ، ووجه للناس ولم يحدثهم عن خلافة تعقبه ، ولا عن نظامها السياسي ولم يتطرق لعقوبات إصر وأغلال وحتى الجلد لم يذكره بل " الاعضال" وقد قال لهم ( لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا ) .





علنا بهذا " الموجز " من الطرح نكون فد أدركنا معنى " الرؤية الكونية " وما للغيب الإلهي من جدلية يتفاعل بها مع الإنسان والكون وفق منهجية معرفية للقرآن ، تنفذ إلى تفاصيل وجودنا وما نحن فيه من صراعات مع اللاهوت الذي يعشعش في داخلنا و " الوضعية "و" اللا أدرية " التي انتجت " العولمة المعاصرة " ضد كل القيم الإنسانية فلا يكون خلاصنا وخلاص البشرية إلاّ في كونية القراءة ، وهذا جوهر " أسلمة المعرفة " .(72)




وهي " أسلمة " دفعتنا عبر منهجنا لتبني " العلمانية " في تأسيس الدولة لأن العلمانية ضمانة لاقصاء " الآحادية " والتسلط الكهنوتي .




ولكن دون تحوّل العلمانية من ضابط سياسي إلى فلسفة اجتماعية لتماثل الوضعية بالكيفية التي ابتدرها " اوجست كونت " وبنى عليها انجلز ماديته الطبيعية وأحالها إلى الإنسان ، لان العلمانية تتيح " التعددية " ليمارس كل منا عقيدته ويجسد تمثلاته الملتزمة بشريعته في إطار الدولة الوطنية غير الثيوقراطية ودون تدخل الدولة. وننصح في هذا الإطار بالقراءة النقدية التي اجراها ( أحمد واعظي ) للعلمانية والليبرالية والتعددية في إطار ( المجتمع الديني والمدني ) .




فأنظمة الخلافة الاسلامية لم تترجم مفهوم القرآن لأولى الأمر ( منكم ) إلى اختيار سياسي حر ، ولم تربط ( الشورى ) بالمبدأ الاجتماعي والاقتصادي لمنظومة " الدخول في السلم كافة " كما أن مرحلتها كانت سابقة في التعامل التاريخي مع مبدأ " المواطنة المتكافئة " إذ كان أساس الفرز بين الناس يقوم على الدين .وإن كان الفرز في دولة الاسلام أخف كثيراً في معاناة " أهل الذمة " مما كان عليه حال التغاير لدى الإمبراطوريات المسيحية كما أوضح دكتور " جورج قرم.




قد ختم الرسول حياته بخطاب لم يوجه للمؤمنين ، ولا للمسلمين ، ولكن للناس كافة ، حرّم فيه الضعف المضاعف من ربا الجاهلية ، وأكد على الإيمان بالله بديلاً عن الشرك الوثني واوصى بحقوق المرأة وأكد على حرمة الأموال والدماء ، وساوى بين الناس ، فالكل لآدم وآدم من تراب ، ولم يتطرق للعقوبات التي يجعلها الأصوليين الآن مدخلهم للشريعة والإسلام؟




باختتام الرسول لخطبته إلى الناس معلناً أنه لن يلقاهم بعد عامه هذا ولم يسمي – كما يفترض – نائباً عنه أو خليفة له ، تبطل كل حجج من يقول أن الرسول قد استخلف من بعده ، وهذه هي سنة الرسول " الحقيقية " والتي نلتزمها ونؤمن بحجيتها بمعزل عن أباطيل القول بتناسخها مع القرآن وبمعزل عن أباطيل الدس لمحق شرعة التخفيف والرحمة وفرض مفاهيم الحاكمية الإلهية.




فإن عدم التسمية هذا لمن يخلفه هو من صميم المنهج القرآني حيث جعل الله الأمر من بعد الرسول لأولى الأمر منا ( منكم ) . أما طاعة الرسول فهي من طاعة الله وموصولة بها ، فسلطته علينا إلهية ، والشورى غير ملزمة له ، بخلاف طاعة أولى الأمر على أن يكونوا " منا " باختيارنا الحر كما فصلت آيات سورة النحل التي أتينا عليها (73/79 – ج 14 ) .




لماذا لم يستخلف الرسول؟




وكذلك عدم استخلاف خاتم الرسل والنبيين لمن بعده هو أيضاً من صميم المنهج الإلهي بوجه آخر ، فختم النبوة يستوجب " عدم التواصل " في ذرية من الرجال لخاتم النبيين ، وهذا ما حدث " لزكريا " خاتم أنبياء بني إسرائيل بخلاف المسيح " عيسى بن مريم " الذي ولدته أمه العذراء " مريم " بنفح من الروح القدس " جبريل " .




فزكريا وقد أدركه الكبر ، ثم أن امرأته عاقر عرف أن النبوة في بني إسرائيل قد ختمت به ، فمنهج " الحاكمية الإلهية " و " حاكمية الاستخلاف " المطبقتان على بني إسرائيل ضمن خصائص دينهم اقتضى استمرارية النبوة بحيث لا يموت نبي إلاّ ويخلفه آخر من ذات السلالة ( آل عمران ) فيهم . وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنفُسُكُمْ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ(87) – البقرة / ج 1. وكذلك: وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ(46) – المائدة / ج 6.




أدرك زكريا أن النبوة قد ختمت في بني إسرائيل تمهيداً لظهور " المسيح " ومن بعده " النبي الأمي " خارج سلالة آل عمران ومن نسل إبراهيم طبقاً لنصوص سورة " الأعراف " التي أوضحناها ( الأعراف / ج 9 / الآيات من 157 وإلى 158 ).




ولكنه كان يرغب في الذرية والإنجاب ولهذا كان دعاؤه لله " خفيّاً " فهو يرغب فيما يعلم أنه لا حق له فيه ، فذرية النبي تكون امتداداً له في النبوة والعصمة: كهيعص(1)ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا(2)إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا(3)قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا(4)وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا(5)يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا(6) يَازَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا(7) – مريم / ج 16.




واستجاب الله ، ( ولكن بشرط ) لا يخل بمنهج ختم النبوة ، وذلك بأن يأتي يحي " حصوراً " لا حاسة جنسية لديه ولا يقرب النساء. هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ(38)فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنْ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ(39) – آل عمران / ج 3 . وهكذا جاء " يحيى " حصوراً ومصدقاً بكلمة من الله هو " المسيح " الذي بشر بدوره بأحمد . وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ(6)وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(7)يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ(8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ(9) -الصف / ج 28.




مضمون هذا كله في سورة الأعراف وخطاب الله للنقباء السبعين من بني إسرائيل في الجبل ، غير أنهم كذّبوا المسيح ، ثم كذّبوا محمداً ( أحمد ) وقد شرحنا الفارق بين طبيعة وحقيقة الاسمين " الحامل و المحمول " – أحمد / محمد و المسيح / عيسى والأسماء التي تعلمها آدم في مؤلفنا ( العالمية – المجلد الأول – ص 102/105 ).




ما انطبق على زكريا ينطبق على محمد ، غير أن محمداً يوصفه خاتماً للرسل والنبيين كان أرفع وعياً وعبودية لله من زكريا ، فلم يدع لنوازعه الذاتية ( الحرص على الذرية ) مجالاً ليخاطب الله ، لا خفياً كزكريا ولا دون ذلك . وقد بيّن الله الأمر حين ربط بين خاتمية النبوة والرسالة وعدم استمرار الذرية من " الرجال " فجاءت الآية: مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا(40) الأحزاب / ج 22. فالذين "يدعون بالأئمة المعصومين من آل البيت من بعد خاتم الرسل والنبيين " يجانبون منهج القرآن.(العالمية – المجلد الثاني – ختم النبوة ونفي عصمة اللاحقين – ص 108 و 110) ويجانبون ولاية أولى الأمر " منكم " الى ولاية الفقيه ، سنياً كان او شيعياً وينتهون في النهاية إلى الحجر على عقول المسلمين في تناولهم للكتاب خلافاً لنصوص سورة " النحل " . وهكذا تولد الدول الثيوقراطية الكهنوتية ولو تذرعت بشكليات الشورى طالما ظلت " ولاية الفقيه " وأدبيات " الأئمة المعصومين " مأخوذا" بها .




ونختم بما ختم به خاتم الرسل والنبيين:




قد ختم الرسول خطابه بنصوص " حجة الوداع " وإلى " الناس كافة " وتشكل تلك الخطبة " المقدمات الدستورية " للمجتمعات المؤمنة في الإطار العام للإيمان ، فقد اكتفى الرسول في تلك الخطبة " بالمشترك " بين كافة الديانات والمؤمنين ، فليس من بينهم من يبيح القتل ، أو يبيح السرقة ، أو يشرع للضعف المضاعف من ربا الجاهلية ، أو يحض على دونية المرأة أو يستسهل الزنا والفاحشة أو يتعالى بالعنصرية العرقية .




هذا الأساس والمقدمات الدستورية للناس كافة ،أخضع لتطبيقات نقيضة ، في تاريخنا وتاريخ كل الشعوب ذات المثل الدينية المقاربة لنا وحتى في إطار الأنظمة الديموقراطية الغربية ، وتلك التي تدعي الإسلامية والشورية ، فكان لا بد من أن نلجأ مجدداً للقرآن ومنهجه ، وبآليات معرفية جديدة، لنستنبط من القرآن " ضمانات الشورى " والقواعد المؤسسة لأولى الأمر " منكم " ومجتمع " السلم " اقتصادياً واجتماعياً ومبدأ " الحرية " ، فوجدنا ذلك في المزاوجة بين " المبادئ " الإسلامية التي أشرنا إليها و " الآليات " الغربية ، فدعونا للدستور الديموقراطي ولكن مع حماية الديموقراطية بمؤسسات " المجتمع المدني " ، ودعونا " لعلمانية " السلطة وليس " علمنة " المجتمع ، ودعونا للحرية الليبرالية مع ترسيخ القيم الأخلاقية ضمن " رؤية كونية " تتجاوز اللاهوت والوضعية العدمية معاً ثم من بعد ذلك كله هناك من يقول أنه ليس في القرآن منهج !!!





ملحق أ: حول الإرادة الإلهية وعلاقة الزمان بالمكان




كما أن بعضهم يقول أن ليس في القرآن ( منهج ) ، كذلك يظن بعضهم أن الإرادة الإلهية تفعل خارج الزمان والمكان على نحو غيبي ودون " قرائن " دالة عليها ودون مؤشرات على اتجاهاتها.




فحين كتبت عن " العالمية الإسلامية الثانية " وأنها دورة " تاريخية " تبدأ بعد انقضاء الدورة العالمية الإسلامية الأولى وبعد أربعة عشر قرناً منها ، وأن بداية ظهورها تحول القدس إلى الإسرائيليين اليهود ظن بعض الناس بي " مسّاً " أو " شطحاً " واختلفوا معي هل هي " عودة " أم " احتلال " ؟ وهل إسرائيليو اليوم هم ذاتهم إسرائيليو الأمس ، أم أنهم شذاذ آفاق من " الخزر " سيقوا إلى فلسطين واستوطنوها لتحقيق أهداف " إمبريالية عالمية " تحت طائلة " التذرع " بوعود " أرض الميعاد " – الأسطورية – وبدفع من " الصهيونية " ؟




وقال بعضهم من المسلمين ، ومنهم فقهاء " حتى إذا سايرناك فيما تقول حول انقضاء " الوعد الأول " في سورة الإسراء للإسرائيليين لينتهي بغزوهم ، فإن ذلك قد تم في ماضي التاريخ على يد الآشوريين عام 721 ق.م. فقلت لهم إن الآشوريين لا تنطبق عليهم صفة الانتساب بالعبودية لله ، فالله يصف غزوهم في نهاية الوعد الأول بأنه يتم على يد " عباداً لنا أولى بأس شديد فجاسوا خلال الديار ، وليس في تاريخ الأرض المقدسة سوى المسلمين الذين جاسوا في ديار اليهود من بني قريظة وخيبر وما يليها من ديار الإسرائيليين اليهود في المدينة المنورة . والمدينة المنورة هي من أرجاء " الأرض المقدسة جنوباً " كما أن الشام من أرجائها شمالاً . أما مكة فهي " محرمة " وأرفع مكانة عند الله مما هو مقدس ولهذا ارتبطت " بالرسالة الخاتمة " و " النبوة الخاتمة " و " عالمية الخطاب " و " حاكمية الكتاب – البشرية " و " شرعة التخفيف والرحمة " .




وقد بينت مقدمة " سورة الحشر " غزو المسلمين لديار اليهود وصولاً إلى القدس لإنهاء دورة العلو والإفساد الإسرائيلي الأول " انتهاء وعد الأولى " والمقترن بأول حشرهم من جديد . في حين أنهم عادوا من الأسر البابلي ضمن مرحلة الوعد الأول .




أما انقضاء مرحلة علوهم وإفسادهم الثاني فيبدأ بعد عودتهم " لفيفاً " ومجدداً إلى الأرض المقدسة ، وقد وفدوا إليها بعد الاحتلال البريطاني الفرنسي للمنطقة وتجزئتها بموجب اتفاق سايكس بيكو ثم تنفيذ وعد بلفور . هكذا بدأ علوهم وإفسادهم الثاني حيث جعلهم الله أكثر نفيراً وأمدهم بأموال وبنين.




ويختم هذا الوعد الثاني وهو " وعد الآخرة " بمواجهة المسلمين لهم مجدداً حيث يربط الله بين " عباداً لنا " الذين أجلوهم في نهاية الوعد الأول ، وذات العباد الذين يسيئون وجوههم لدى انقضاء الوعد الثاني وهم المسلمون. فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا(7) – الإسراء / ج 15.




وجعل الله الوعد الثاني إظهاراً للهدى ودين الحق منهجياً ومعرفياً في آيات " التوبة " و " الفتح " و " الصف " ومن بعد انقضاء عالمية الأميين " غير الكتابيين " الأولى والتي امتدت أربعة عشر قرناً . ونفذت طاقتها إلاّ من " إسلام شكلي " .




والانتصار الإسلامي في نهاية الوعد الثاني " وعد الآخرة " ليس بدواعي العصبوية ، قومية كانت أو إسلامية ، ولكن بدواعي التحرر المنهجي والمعرفي " الهدى ودين الحق " وباستقطاب المسلمين للعالم كله في مواجهة أزماته الحضارية الشاملة، فكما استقطب الإسرائيليون العالم عبر أبنيته الرأسمالية والإشتراكية وصراعاته وتداخلوا معه حتى تحققت لهم " العودة " كذلك يستقطب المسلمون عبر تحررهم المعرفي والمنهجي العالم ويتداخلون مع مختلف انساقه الحضارية ، ومفاهيمه المعرفية ، تجاوزاً " للوضعية " باتجاه " الرؤية الكونية الإلهية " . يتم كل ذلك والصراع قائم بين الاستئصال الإسرائيلي للفلسطينيين ، والاستشهاد الفلسطيني في المقابل بدلالة ( إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها ) –( الإسراء / ج 15 ى 7 )، وهم لا يحسنون لأنفسهم إذ لا يلتزمون " بحق العودة " ولا " بالتعايش السلمي " ولا حتى بحقوق الإنسان الغربية . فالصهيونية جذرها الآيديولوجي " تلمودي " نافٍ للآخر نفياً مطلقاً بالرغم من ادعائها للعلمانية.




غير أن مشكلة الحركات " الجهادية الإسلامية " التي تلتزم بالاسلام - حسب فهمها له - تتطلع إلى النصر على الإسرائيليين بموجب انقضاء " وعد الآخرة " ولا زال بعضهم يتطلع إلى " الحجر " الذي ينطق وينبئ المجاهد المسلم بأن " من خلفه يهودي " وأن شجر " الغرقد : هو شجر اليهود الذي يحتمون به .والأمر خلاف ذلك فانقضاء دورة الإسرائيليين الثانية في الأرض المقدسة تستلزم تحولاً في أوضاع المسلمين ووعيهم وتأثيرهم المنهجي عالمياً . "فالتدافع " ليس عصبوي الدلالة لينتصر الله فيه "لأمة " تماثل في ضلالها الأمة الأخرى . فاستعادة الأرض المقدسة بالأصولية لا يدخل في مدار انتصار المسلمين على الإسرائيليين خارج الالتزام بمنهج " الهدى ودين الحق " ، التزاماً معرفياً وعالمياً .





ملحق ب: حكمة التوقيت الإلهي في الزمان والمكان:




قد وقت الله بعثة إبراهيم قبل " سبعمائة عام قمري " من بعثة موسى وخروجه بالإسرائيليين من مصر إلى الأرض المقدسة ، أي حوالي سنة 2000 قبل الميلاد حيث حكم " الكلدانيون " إمبراطوريتهم من عاصمتهم " أور " . وارتحل عنهم إبراهيم إلى " حرّان " ثم أرض الكنعانيين ومصر وأعاد بناء البيت المحرّم في مكة حين " رفع " القواعد التي أسس عليها البيت في عصر سابق.




وبعد تكاثر نسله في أرض كنعان وعلى مدى ثلاثة قرون دخلوا مصر على زمان يوسف ، وبقيوا فيها لأربعة قرون ثم جاءت بعثة موسى الذي أخرجهم من مصر إلى الأرض المقدسة ، فاكتملت بذلك " سبعة قرون قمرية " من إبراهيم وإلى موسى . وامتدت الديانة اليهودية إلى بعثة المسيح بعد " أربعة عشر قرناً " من موسى وإلى المسيح .




وجاء الإسلام بظهور خاتم الرسل والنبيين بعد " سبعة قرون " من بعثة المسيح . حيث أجلى الإسرائيليون بعباد الله من المدينة المنورة وانقضى وعد علوهم وإفسادهم الأول .




ثم عادوا بعد " أربعة عشر قرناً " وها هم يستحكمون وقد أمدهم الله بالأموال والبنين ، وجعلهم أكثر نفيراً .




هذه " السباعية " في دورات التاريخ الديني والتدافع العربي/الإسلامي – الإسرائيلي/اليهودي لها أكثر من مغزى في " القرائن الدالة " على فعل " الإرادة الإلهية " في حركة الزمان والمكان ودون أن " نؤله " علم التاريخ، فحين يعطينا الله " مؤشراً " على انقضاء وعد الثانية بهزيمة الإسرائيليين فإنه يربط ذلك بانتصار الهدى ودين الحق وليس انتصاراً عصبوياً دينياً أو قومياً للعرب . ويظل للتوقيت الإلهي أهميته الكبرى ، غير أن الله لم يكشف لنا عن توقيت النصر في " وعد الآخرة " وإنما كشف عن " استمرارية التدافع " وهذا ما نشهده اليوم وهو تدافع تسطع معه معالم العالمية الإسلامية " الثانية " ولهذا أسميناها " عالمية ثانية " ترتبط بمنهج إظهار الهدى ودين الحق وليس " رسالة ثانية " يوحي بها إلينا .




وللتوقيت دلالته في سيرة الرسول.




فالرسول قد ولد في الثاني عشر من شهر ربيع الأول قبل 52 عاماً من الهجرة ، وبما يوافق سنة 571/572 م . ودخل المدينة المنورة بذات التاريخ في الثاني عشر من شهر ربيع الأول لأول عام هجري وافق 25 أيلول/سبتمبر 622 م .




وصعد إلى الملأ الأعلى بذات التاريخ في الثاني عشر من ربيع الأول عام 11 هجرية الموافق 8 حزيران / يونيو سنة 633 م .




فليس من توقيت عبثي في تقديرات الإرادة الإلهية ، ويمكن لأي مراجع تاريخي أن يدقق في هذه التواريخ عبر كتب " وضعية " أو كتبها علمانيون لا علاقة لها بالدين أو الغيبيات سواء أكان منهج التاريخ " مادياً جدلياً " أو " موضوعياً " أو " لا أدرياً " . عليهم فقط بعد تدقيق هذه التواريخ أن يجيبونا لماذا كان هذا التوقيت ؟ أما نحن وبمنهجنا الكوني القرآني فندرك ذلك.




وعلى علماء التاريخ في تدقيقهم التمييز في فوارق التوقيت بين ما هو " قمري " و " شمسي " ، فالقمري يزيد ثلاث أعوام عن " الشمسي " في كل مائة عام: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا(25) - الكهف / ج 15 .




ويشير القرآن للشمسي " بالسنة " رجوعاً إلى خاصية الشمس التي تحدث المتغيرات في الطبيعة بما تصدره من ضوء وحرارة فيكون " التسنه " : أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ(259) -البقرة / ج 3 . وهكذا يميز القرآن في الاستخدام الإلهي للغة العربية ما بين الشمس " حرارة وضياء " وما بين القمر " نوراً " لا فعل له في " التسنه "وانما انعكاس لضوء الشمس . هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(5)إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ(6) – يونس / ج 11. فربط السنين بالشمس وربط الحساب الفلكي بالقمر تبعاً لمنازله وهكذا جعل الله الليل وقمره " سكناً " و "سباتا " .





ولله الحمد كيفما قام به الوجود وتقوّم


بيروت : 30 ربيع الثاني 1424 هـ


الموافق : 30 يونيو ( حزيران ) 2003 م




.......................................................


هوامش


(1) د. رضوان السيد – الحركة الإسلامية والثقافة المعاصرة – ص 345 – منتدى الفكر العربي – عمّان الصحوة الإسلامية وهموم الوطن العربي – بالتعاون مع مؤسسة آل البيت لبحوث الحضارة الإسلامية – 14 – 16/3/1987.





(2) شفيق مقار – المسيحية والتوراة – رياض الريس للكتب والنشر – لندن – ط 1 – أغسطس / آب 1992 – ص 353. و ( كذلك ) اندريه هانيبال وميكلوس مولنار وجيرار دى بوميج – سيكولوجية التعصب – ط 1 – ص 8 – دار الساقي – لندن – 1990 – ترجمة د. خليل أحمد خليل.





(3) مجلة "الباحثون" نشرة دورية يصدرها "مركز البحوث والدراسات الإسلامية" – وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد – ص 7 إلى 11 – السنة الأولى – العدد الثاني – دون تاريخ – ويرجح الكاتب عام 1416 هـ/ 1996 م .





(4) للكاتب : السعودية – قدر المواجهة المصيرية وخصائص التكوين – ص 162/171 – International Studies and Research Bureau – British West Indies - - 1417 هـ / 1996 م – توزيع دار ابن حزم – بيروت.





(5) د. محمد عابد الجابري – بنية العقل العربي – دراسة تحليلية نقدية لنظم المعرفة في الثقافة العربية – نقد العقل العربي – مركز دراسات الوحدة العربية – ط 1 – بيروت – 1986.





(6) ميشال فوكو – حضريات المعرفة – ترجمة سالم يفوت – ط 2 – 1987 – المركز الثقافي العربي – بيروت.





(7) عبد السلام بن عبد العالي – سالم يفوت – درس الابستمولوجيا – دار توبقال للنشر – الدار البيضاء – المغرب – ط 1 – 1985.





(8) محمد أركون – الفكر الإسلامي : قراءة علمية – مركز الإنماء العربي- ص 9 و 114 و 182 – ترجمة د. هاشم صالح – بيروت 1987 .


و:


تاريخية الفكر العربي الإسلامي – مركز الإنماء القومي – بيروت – الطبعة الأولى – 1986 … و كتب أخرى.





(9) محمد وقيدي – حوار فلسفي – قراءة نقدية في الفلسفة العربية المعاصرة – دار توبقال للنشر – ط 1 – 1985 الدار البيضاء .





(10) د. نصر حامد أبو زيد – مفهوم النص – دراسة في علوم القرآن – المركز الثقافي العربي – ط 2 – 1994 – ص 117 إلى 134 .





(11) د. مصطفى زيد – استاذ الشريعة الاسلامية ورئيس القسم بجامعتي القاهرة وبيروت العربية – النسخ في القرآن الكريم – المجلد الأول – ص 283/285 – ط 3 – 1408 هـ / 1987 م – دار الوفاء - المنصورة .





(12) ع. بنعبد العالي – م . وقيدي – س . بن سعيد – ك. عبد اللطيف – م. حدية – م كداح . م الهراس – إشكاليات المنهاج – دار توبقال للنشر – الدار البيضاء – ط 1 – 1987 – ص 65.





(13) الملتقى – مساهمة في الإبداع والتجديد – العدد .. – أكتوبر ( تشرين الأول ) 1999 م / جمادي الآخرة 1420 هـ – مجلة غير دورية يصدرها الملتقى الفكري للإبداع – لبنان – بيروت – ص. ب. 621/14 – almultaka @ intracom. Net.lb





(14) البرت حوراني – الفكر العربي في عصر النهضة – 1798 /1939 – دار النهار للنشر – الطبعة الثالثة – 1977 – بيروت .





(15) علي المحافظة – الاتجاهات الفكرية عند العرب في عصر النهضة – 1798 / 1914 – الأهلية للنشر والتوزيع – بيروت 1975.





(16) عبد الله العروي – الأيديولوجية العربية المعاصرة – دار الحقيقة – بيروت – 1970 .





(17) علي عبد الرازق – الإسلام وأصول الحكم – 7 رمضان 1343 هـ / 1 أبريل ( نيسان ) 1925 – المنصورة – مصر .





(18) سيد محمد نقيب العطاس – مداخلات فلسفية في الإسلام والعلمانية- الترجمة العربية – محمد طاهر الميساوي – ص 17/20 - المعهد العالي العالمي للفكر والحضارة الإسلامية – ط 1 – 1420 هـ / 2000 م – دار النفائس – الأردن.





WAN MOHD NOR WAN DAUD – The Educational Philosophy and Practice of Syed (19)


Muhammad Naquib Al Attas – An Exposition of the Original concept of Islamization – International Institute of Islamic Thought and Civilization (ISTAC) Kuala Lumpur – 1998.





(20) منهجية القرآن المعرفية – أسلمة فلسفة العلوم الطبيعية والإنسانية – هو كتاب فرغت من تأليفه في واشنطن في شهر ربيع الآخر 1411هـ الموافق نوفمبر / تشرين الثاني 1991 م. وقد تبنّى المعهد العالمي طباعته وتعميمه في تداول محدود ، ثم عقد له ندوة في القاهرة في آذار / مارس 1992 م حيث شارك فيها جمع من الاساتذة من ذوي التخصصات المختلفة وقدم لها الدكتور طه جابر العلواني رئيس المعهد العالمي – كما تناولها أساتذة آخرون من خارج الندوة بتعقيبات مكتوبة .


وقد شارك في الندوة كل من :





د.عبد الوهاب المسيري


د.محمد بريش


د.علي جمعة


د.منى ابو الفضل


د.احمد صدقي الدجاني


د.محمد عمارة


د.احمد فؤاد الباشا


د.حامد الموصلي


د.محمد بريمة


د.سيف عبد الفتاح


د.ممدوح فهمي


د. جمال عطية





أما الذين بعثوا بتعقيباتهم كتابة فهم :





د.الشيخ محمد الغزالي ( رحمه الله)


د.عادل عبد المهدي


د.زياد الدغامين


د.أكرم ضياء العمري


د.ماجد عرسان الكيلاني


د.محمد صالح


د.برهان غليون


د.إبراهيم زيد الكيلاني


د.محمد الراوي


د.عبد الرحمن بن زيد الزبيدي





والأستاذ حكمت بشير ياسين.


ملاحظة:


قد نشرت وقائع الندوة في مجلة " قضايا اسلامية معاصرة " – السنة السابعة – العدد 23 فصل ربيع 2003 م / 1424 هـ – الصفحات 130 إلى 191 – التوزيع – الفلاح للنشر والتوزيع – بيروت – ص. ب. 6590/113 هاتف وفاكس 961-1-856677





(21) د. طه جابر العلواني – اصلاح الفكر الاسلامي بين القدرات والعقبات – ورقة عمل – سلسلة اسلامية المعرفة – المعهد العالمي للفكر الاسلامي(9) 1401 هـ / 1981 م )





(22) د. طه جابر العلواني – أدب الاختلاف في الاسلام – المعهد العالمي للفكر الاسلامي – سلسلة قضايا الفكر الاسلامي (2) – 1401 هـ / 1981 م .





(23) د. طه جابر العلواني – الازمة الفكرية ومناهج التغيير – الآفاق والمنطلقات – المعهد العالمي للفكر الاسلامي – سلسلة أبحاث علمية (12) – 1417 هـ / 1996 م).





(24) راجع وقائع ندوة منهجية القرآن المعرفية – هامش(20) – مجلة : قضايا إسلامية معاصرة – مداخلة د. محمد عمارة – ص 164/170 – كذلك مداخلة د . جمال الدين عطية 174 / 179.





(25) حول مسألة الشهيد محمود محمد طه راجع :


د. المكاشفي طه الكباشي – الردة ومحاكمة محمود محمد طه في السودان – دار الفكر – الخرطوم – ط 1 –1987 م / 1408 هـ .


ملاحظة : المكاشفي هو الذي أصدر الحكم بالاعدام على الشهيد " محمود محمد طه " عام 1985 م ثم عين أستاذاً للشريعة بجامعة الملك سعود بالرياض!!! علّ ذلك كان مكافأة له !!! والله أعلم !


يراجع كذلك:


محجوب عمر باشري – إعدام شعب – ص 136 – طباعة : معامل التصوير الملون السودانية – الإصدار دون تاريخ وأعتقد عام 1987 م.





(26) للكاتب – العالمية الاسلامية الثانية – جدلية الغيب والانسان والطبيعة – المجلد الاول –الصفحات من 114 وإلى 127 – شبهات التداخل بين العالمية الإسلامية الثانية والرسالة الثانية من الاسلام لمحمود محمد طه - International Studies and Research Bureu – British West Indies – 1996.





(27) المصدر السابق – العالمية – المجلد الأول – ص 189/190 .





(28) د. محمد عمراني حنشي – الانقلابات البولصية في الاسلام – المعهد العالمي للفكر الاسلامي نموذجاً – الناشر – عبر المؤلف – ص.ب. 2569 – الرباط المركزي – Rabat (R.P)





(29) محاضرة للكاتب : علاقة الدين بالدولة في إطار المفاهيم الدالة على علاقة الله بالانسان – جامعة أم درمان الأهلية – 25 ربيع الأول 1421 هـ الموافق 28 يونيو ( حزيران ) 2000 م – نشر وتوزيع المركز السوداني للدراسات والخدمات الاعلامية – سلسلة قضايا فكرية – إصدار رقم 1 .





(30) د. بدران أبو العينين بدران – استاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء – جامعة الامام محمد بن سعود الاسلامية – السعودية – مؤسسة شباب الجامعة – الاسكندرية – 1983 – الصفحات 16-17-22. وكذلك استاذ ورئيس قسم الشريعة الاسلامية بكلية الحقوق بجامعة الاسكندرية سابقاً .





(31) د. محمد حسين الذهبي – الاسرائيليات في التفسير والحديث – كان المرحوم استاذاً لعلوم القرآن والحديث في كلية الشريعة بجامعة الأزهر – الصفحات 59/60/61/78/81/85 – مكتبة وهبة – القاهرة –1406 هـ/ 1986 م.





(32) الأب آي – بي – برانايس – فضح التلمود – تعاليم الحاخاميين السرية – دار النفائس – بيروت – ط 3 – أنظر الصفحة ( 57 ) حيث يقولون عن السيد المسيح أنه كان " إبناً غير شرعي حملته أمه خلال فترة الحيض وأنه مجنون مشعوذ مضلل ، ثم صلب ثم دفن في جهنم " . كما يأمر التلمود إتباعه بقتل المسيحيين ( ايهوداه زاراه – ب 26 - : " يجب القاء المهرطقين والخونة والمرتدين في البئر ، والامتناع عن انقاذهم . " ص 139 ) ، وفي ( سفر اسرائيل – ب 177 – " اليهودي الذي يقتل مسيحياً لا يقترف إثماً ، بل يقدم إلى الله أضحية مقبولة " – ص 146 – نشر الأصل " التلمود " بالعبرية واللاتينية عام 1892 م وتمت الترجمة العربية " زهدي الفاتح " ونشرها عام 1405 هـ / 1985 م .


ملاحظة : ومع ذلك هناك " مسيحية صهيونية " ؟!





(33) " كتاب الموطأ " للامام مالك ومعه كتاب " اسعاف المبطأ برجال الموطأ " لجلال الدين السيوطي – إعداد فاروق سعد – ص 949 / 950 – دار الآفاق الجديدة – بيروت – 1401 هـ / 1981 م .





(34) جبران شامية – الاسلام : هل يقدم للعالم نظرية للحكم ؟ – دار الأبحاث والنشر – ص 78 وإلى 80 – بيروت – 1990 نقلاً عن فجر الإسلام " لأحمد أمين ".





(35) للكاتب :


أ – علمانية الخرطوم مطلب إسلامي – صحيفة " الوسط " البحرين – 25 نوفمبر ( تشرين ثاني ) 2002 .


ب – إشكالية العاصمة القومية في السودان – صحيفة " الوسط " – البحرين – 30 نوفمبر ( تشرين ثاني ) 2002 .





(36) سيد محمد نقيب العطاس – المصدر السابق – مداخلات فلسفية – ص 19 و 20 .





(37) د . علي حرب – نقد الحقيقة – المركز الثقافي العربي – ص 70 / 71 – ط 1 1993 – بيروت .





(38) للكاتب : من المتحدث : كولن باول أم فولتير – وأين القاعدة الاجتماعية للإصلاحات؟ – صحيفة الوسط – البحرين – 17 ديسمبر ( كانون أول ) 2002 .





Zbigniew Brzezinski " Between two ages, America’s Role in (39) the Technetronic Era – New York, Viking Press , 1970 .





D.H Meadows , and D.L Meadows, d.Randers and W.W Behrens (40)


“The Limit to Growth " Second Edition , New America Library , 1974.





W W W Now . Nz/atp / articles / Catlet (prof Bob Catley, (41) University of otago, p3 4,5.





Stephen E Ambrose and Douglas G Brinkey (42)


"Rise to Globalism" – Penguin Books , 5 th Edition Ed, New York ,1997 .








James D white "Alternative Nations" Futures, vol 30 no 2/3 (43)


p 133 145 , 1998.








Samuel Huntington " the Clash of Civilizations and the remarking (44)


of world order Simon and Schuster New York 1996.





Fukuyama " the end of History " , National Interest Summer 1989 (45)


p3 – 36.





** المصادر من (39) إلى (45) مستمدة من دراسة محكمة وغير منشورة للدكتور " سلمان رشيد سلمان " بعنوان " البعد الاستراتيجي للمعرفة " – مركز الخليج للأبحاث- دبي ".


أما مفهوم العولمة الأمريكية فهو من تحليلي .





(46) د. مصطفى التير – الدين في المجتمع العربي – مركز دراسات الوحدة العربية والجمعية العربية لعلم الاجتماع – ط 1 – ص 606 – بيروت – يونيو ( حزيران ) 1909.





(47) جون هرمان راندال – تكوين العقل الحديث – مجلدان – ترجمة د. جورج طعمة – دار الثقافة – بيروت – 1965 م.





(48) د. حسن صعب – المفهوم الحديث لرجل الدولة – ص 61 إلى 75 – المكتب التجاري للطباعة والنشر – بيروت – ط1 – 1959 .





(49) للكاتب – الأزمة الفكرية والحضارية للواقع العربي الراهن ( دراسة تحليلية لمعالجات الصحوة الإسلامية والبحث عن القوانين الذاتية للخصوصية العربية ) – صحيفة ( الخليج – الشارقة ) بداية من العدد رقم 2852 بتاريخ 12/ جمادي الأول 1407 هـ الموافق 11 فبراير / شباط عام 1987 م ، وانتهاء بالعدد رقم 3049 بتاريخ 9 محرم 1408 هـ الموافق 2 سبتمبر / أيلول 1987 م . ثم قمت بتعميق الدراسة لاحقاً حيث قام " المعهد العالمي للفكر الإسلامي " في واشنطن بطبعها وتعميمها في تداول محدود بتاريخ 19 شوال 1410 هـ الموافق 14 مايو/أيار 1990 م.





(50) جابر عصفور – هوامش على دفتر التنوير – إسلام النفط والحداثة – ص 83 إلى 115- المركز الثقافي العربي – ط 1 - ص 83/115 – بيروت – الدار البيضاء – المغرب – ط1 –1994.








(51) مجلة المنار – محمد رشيد رضا – ج 3 – مجلد 26 – 30 ذو الحجة 1343 هـ / 21 يوليو ( تموز ) 1925 م – ص 234/235 – بلاغ من علماء الحرم المكي الشريف في اتفاقهم مع علماء نجد.





(52) مجلة المنار – محمد رشيد رضا – ج 4 – مجلد 26 – 319/320 – 30 صفر – 1344 هـ/ 18 سبتمبر/أيلول 1925 م.





(53) للكاتب – خصائص النبوة الخاتمة – ندوة المركز الإسلامي في طرابلس - ليبيا – ديسمبر ( كانون أول ) 1991 .





(54) للكاتب – العالمية – مصدر سابق – المجلد الأول – مفهوم الأميين بمعنى غير الكتابيين وليس غير الكاتبين بالخط – ص 153 إلى 162 .





(55) للكاتب – الظاهرة الاسرائيلية في المنظور الاسلامي – سلسلة الدراسات الفلسطينية – 1990 – U.S.A. – Raleigh , N .C. 27607





(56) المعلم بطرس بستاني – 1819/1883 – محيط المحيط – مكتبة لبنان – طبعة 1987 – ص 127 – مفردة جنح .





(57) العلامة بن منظور – لسان العرب المحيط – المجلد الأول – دار لسان العرب – يوسف خياط – ص 511 – مفردة جنح .





(58)جورج قرم – تعدد الأديان وأنظمة الحكم – دار النهار للنشر – الترجمة العربية – 1979 – ص 11 – بيروت .





(59) أرنولد تويني – تاريخ البشرية – الجزء الأول – ترجمة نقولا زيادة – الأهلية للنشر والتوزيع – بيروت – ط 2 – 1988 – ص 173 مع مراجعة الصفحات 196 وإلى 270 )








(60) الأب آي . بي. برانايس – فضح التلمود – دار النفائس – ط 3 – بيروت – 1405 هـ / 1985 م – ص 92 .





(61) بحث ( مقدمات قيام العالمية الإسلامية الثانية ) ألقي في محاضرات المؤتمر الذي عقدته ( لجنة فلسطين الإسلامية ) – المؤتمر الثاني في شيكاغو في نهاية ديسمبر 1989 م .





(62) فوارق الشرعة والمنهاج بين النسقين الإسلامي واليهودي – بحث مقدم إلى مؤتمر الجامعات الأردنية – عمان – الأردن – أغسطس / آب 1994 م .





(63) د. نزيه حمّاد – معجم المصطلحات الاقتصادية في لغة الفقهاء – ص 116 – المعهد العالمي للفكر الإسلامي – 1401 هـ/1981 م – هيرندن – فرجينيا – الولايات المتحدة الأمريكية .





(64) دراسة ( التأسيس القرآني للمجتمع المعاصر ) وقد ألقيت في ندوة ( تجديد الفكر الإسلامي – نحو مشروع حضاري إسلامي معاصر ) التي أقامها المركز الإسلامي في مالطا بتاريخ 12 نوفمبر 1989 م.


(65) حقوق الإنسان والقرآن في عالم متغير – مؤتمر ( الإسلام والمسلمون في عالم متغير ) من أجل نظام دولي عادل – المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى – بيروت 24 –28 أبريل / نيسان 1994 م .





(66) د. كمال عبد اللطيف – الكتابة السياسية عند خير الدين التونسي – الانتلجنسيا في المغرب العربي – ص 85 و 93 – دار الحداثة للطباعة والنشر – بيروت – ط1 – 1984 م.





(67) أحمد واعظي المجتمع الديني والمدني– ترجمة حيدر حب الله – دار الهادي – إشراف المعهد الاسلامي للمعارف الحكمية – ص 81 إلى 93– ط 1–1421 هـ / 2001 م .





(68) للكاتب – السودان: المأزق التاريخي وآفاق المستقبل – المجلد الثاني – ص 311/387/552/ 554-International Studies and Research Bureau- British West Indies – 1996.-





(69) للكاتب – الحركات الدينية – الاشكالية المعرفية وعالمية الثقافة المعاصرة – ندوة جمعية الدعوة الاسلامية العالمية – ليبيا – طرابلس – أغسطس ( آب ) 1991.





(70) كونية القرآن وعالمية الإسلام – هيئة الأعمال الفكرية – قاعة الشارقة – جامعة الخرطوم – مارس / آذار 1997 .





(71) محمد حميد الله – مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة – دار النفائس - ط 6 – 1407 هـ / 1987 م – ص 360 ( وهناك زيادات أضيفت لا علاقة لها بالأصل بيّنها محمد حميد الله ).





(72) للكاتب – المبادئ التطبيقية لأسلمة العلوم الطبيعية والانسانية والاجتماعية – مجلة : قضايا اسلامية المعرفة – ص 273 / 288 السنة السابعة – العدد 23 – ربيع 2003 م – 1424 هـ – توزيع " الفلاح للنشر " – بيروت – ص ب 6590 /113 – هاتف وفاكس


961-1-856677 كذلك نشرت المجلة وقائع الندوة التي ناقشت بحثي حول " منهجية القرآن المعرفية " – الصفحات من 130 / 191 .


(73) للكاتب – العالمية الإسلامية الثانية - مصدر سابق – المجلد الأول – الفرق بين الاسم الحامل ( محمد ) والاسم المحمول ( أحمد ) – ص 103/104 . وكذلك موقفنا والتزامنا بالسنة النبوية ص 62/72.





(74) للكاتب – العالمية الإسلامية الثانية – مصدر سابق – المجلد الثاني – ختم النبوة وإعادة ترتيب الكتاب ونفي العصمة عن اللاحقين – ص 108/110 .





ملاحظة(أ) : ثبت تاريخ الوقائع أخذ من :


د. عبد السلام الترمانيني – أزمنة التاريخ العربي – الجزء الأول – المجلد الأول – قسم التراث العربي – المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت –1402 هـ/1982 م .





ملاحظة(ب) : اعتمدنا فهرسة القرآن الكريم " لمحمد فؤاد عبد الباقي " – المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم – دار الفكر للطباعة – بيروت – 1406 هـ / 1986 م .


مع تقدير :


أن الواضع الأصلي للفهرسة القرآنية هو المستشرق الألماني "فلوجل" والذي نشر كتابه : "نجوم الفرقان في أطراف القرآن " عام 1842 م ، وقد أشار " محمد فؤاد عبد الباقي " بحكم أمانته العلمية إلى ذلك في المقدمة.




Post: #827
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-29-2008, 05:29 PM
Parent: #825


وما سبقه إليه الشيخ محمود محمد طه (أُعدم 1985) في «الرسالة الثانية» من دعوة صوفية إلى عفة العقل لا فرض الحجاب، زدت عجباً بتكور الزمن لا انطلاقه كالرمح، ولم يترك الأولون في شرقنا للمتأخرين من حداثة مقالة!



http://www.aawsat.com/leader.asp?section=3&article=395502&issue=10235
__

Post: #828
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-29-2008, 05:30 PM
Parent: #827


البابا و تفسير القران
بقلم دانيال بايبس
نيو يورك صن
17 يناير 2006
المصنف الإنجليزي الأصلي: The Pope and the Koran

كان من المتوقع أن يكون الإسلام و المسلمون قمة أولويات البابا بيندكت السادس عشر ,إلا انه لم يحرك ساكنا بهذا الشأن خلال الأشهر التسعة الأولى من توليه منصبه . إلا أن تقريرا وحيدا يفيد بإعطاء بعض التلميحات حول ما يفكر به حاليا .

روى الأب جوزيف د.فسيو في برنامج هاف هيوت تفاصيل الحلقة الدراسية التي حضرها مع البابا في أيلول 2005 حول الإسلام . حيث سمع الحضور بأفكار عالم اللاهوت الليبرالي باكستاني المولد المدعو فازلر رحمن (88-1919), القائلة بأنه لو أعاد المسلمون تفسير القرآن كليةً عندها يصبح بالإمكان تحديث دين الإسلام.

و حضّ على التركيز على المبادئ الكامنة وراء التشريع القرآني مثل الجهاد ,و قطع أيدي السارقين , و تعدد الزوجات , بغرض تعديلها لتناسب احتياجات العصر.وقد استنتج هذا العالم انه إذا قام المسلمون بفعل ذلك حقا فسيكونون قادرين على الازدهار و العيش بتناغم مع غير المسلمين .

إلا أن ردة فعل البابا بيندكت كانت قوية تجاه هذا الطرح - لقد اعتاد البابا على عقد مثل هذا النوع من الحلقات منذ عام 1977 . لكنه اعتاد أيضا أن يترك المجال للآخرين ليطرحوا ما عندهم أولا , ومن ثم يقدم ما لديه من تعليق . لكن لم يتمالك أعصابه إزاء سماعه تحليل فازلر رحمن – بحسب ما يستذكر الأب فيسيو .

قال الأب : هذه المرة الأولى التي يقوم فيها البابا بتصريح فوري –بحسب ما اذكر . إني لأعجب من قوة هذا التصريح ... فقد قال الأب المقدس , بطريقته الهادئة الجميلة و الواضحة , حسنا , هناك مشكلة أساسية في هذا (التحليل) لأنه في العرف الإسلامي , أعطى الله كلمته إلى محمد , لكن هذه الكلمة أبدية وهي ليست كلمة محمد , فهي موجودة إلى الأبد مثلما نزلت دون تغيير ولا مجال لتعديلها أو تفسيرها ..وهو جوهر الخلاف بين الإسلام

و المسيحية و اليهودية . ففي هاتين الديانتين " عمل الله من خلال مخلوقاته . لذا فهي ليست كلمة الله وحدها بل هي كلمة عيسى , ليست كلمة الله و حسب , بل كلمة مارك , فقد استخدم الخالق مخلوقه الإنسان و أوحى إليه لينطق بكلمته إلى العالم" . إن اليهود و المسيحيون " قادرون على انتقاء ما هو حسن" من تقاليدهم وقولبته . بمعنى آخر , هناك " منطق داخلي يحكم الإنجيل المسيحي , يجيز له و يتطلب أيضا تعديله و تطبيقه بحسب الأوضاع الجديدة ".

بالنسبة لبيندكت , حيث أن الإنجيل" كلمة الله التي أوصلها عبر المجتمع الإنساني" فانه يفهم القرآن على انه

" شيء سقط من السماء ولا يمكن تعديله أو تطبيقه" ولهذا الجمود عواقب وخيمة لأنه يعني أن " الإسلام قد علق , انه عالق في شرك النصّ الذي لا يمكن تعديله ".

إن سرد الأب فيسيو المفاجئ يستدعي اثنين من ردود الأفعال . الأولى , هذه التعليقات قد صدرت في حلقة دراسية خاصة بحضور تلامذة سابقين و ليس أمام العموم . وكما أشار سبنغلر من تايمز آسيا , حتى البابا " عليه أن يهمس" عندما يتعلق الأمر بمناقشة دين الإسلام . فهي إحدى علائم العصر .و ثانيا , ينبغي عليّ إشهار معارضتي . فالقرآن قابل للتفسير , كما فعل ذلك المسلمون مثلهم مثل اليهود و المسيحيين عندما قاموا بتفسير الإنجيل , ولم تتغير هذه التفاسير مع الوقت . إن القرآن مثل الإنجيل , له تاريخه الخاص .

يمكن الاستشهاد على ذلك بطريقة تفكير عالم اللاهوت السوداني محمود محمد طه (85-1909).لقد بنى طه تفسيره على تقسيم القرآن اصطلاحيا إلى جزأين . فالنصوص الأولى نزلت على محمد عندما كان في مكة نبياً لاحول له ولا قوة , غلبت عليها صفة التفكير بالكونيات . و أما النصوص اللاحقة فقد نزلت عليه عندما حكم المدينة , و تضمنت العديد من القوانين المحددة التي شكلت في النهاية أساس الشريعة أو ما يمكن تسميته القانون الإسلامي .

يقول طه بان هناك قوانين قرآنية محددة كان العمل بها مقتصرا على المدينة و حسب , لا لأزمنة و أمكنة أخرى . وهو يأمل أن يتمكن مسلمو اليوم من تجاوز هذه القوانين ليعيشوا وفق المبادئ العامة التي أوحيت إلى الرسول في مكة . لكن في حال لاقت أفكار طه هذه قبولا فان معظم الشريعة ستختفي بما في ذلك الأحكام التي عفا عليها الزمن و المتعلقة بالنضال , السرقة و النساء. عندها سيكون المسلمون أكثر استعدادا و انفتاحا على الحداثة .

حتى دون موافقة المسلمين على خطة بهذه الخطورة , فإنهم قد قاموا بالفعل بخطوات خجولة في نفس الاتجاه . مثال , المحاكم الإسلامية في إيران المعروفة برجعيتها , قد كسرت التقليد الإسلامي لتأذن للنساء بحق طلب الطلاق و تمنح المقتول المسيحي تعويضات مساوية للقتيل المسلم .

مدلول ما تقدم أن الإسلام ليس عالقا , إلا انه بحاجة للقيام بجهود هائلة لحثه على التقدم بحركة ثانيةً.

Post: #829
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-29-2008, 05:31 PM
Parent: #828


وتناسلت مع اللحى قيم النفاق والإفك الديني, وبات علي الناس أن يبرهنوا صدق إيمانهم وورعهم ليس خشية من الله بل خشية الفتك بهم باسم الدين أو خشية أن ينتهي بهم الحال, إذا جاهروا برفضهم للنظام كما انتهي الحال بأحد حكماء السودان وهم قلائل في هذا الزمان القميء, الأستاذ محمود محمد طه, الذي دفع بحياته ثمنا حينما قام في وجه الإمام المتسلط, جعفر النميري, رافضا تطبيق الشريعة السبتمبرية, حيث حوكم وقتل ظلما وانتهي الحال به في بطن اليم.



http://blogs.albawaba.com/Ismail_Taha/62475/2006/12/01/65662-_____
_________________

Post: #830
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-29-2008, 05:32 PM
Parent: #829


نبدأ بذكر محاولات "محمود محمد طه" في السودان للتمييز بين رسالتين في الوحي: الرسالة المكية، التي هي الأصل والجوهر، والرسالة المدنية: التي هي رسالة القرن السابع، رسالة التشريع والقانون والثواب والعقاب، وإقامة الحدود بالمعنى القانوني وبالمعنى المجتمعي كذلك. وفي فهم "محمود طه" أن فشل العرب في استقبال الرسالة الأولي بسبب بدائيتهم العقلية جعل من الرسالة الثانية أمرا حتميا مؤقتا حتى يصل الوعي الإنساني رقيا إلى مستوى الرسالة المكية. ولأن "محمود طه" يؤمن أن إنسان القرن العشرين قد تطور وعيه واتسعت مداركه بما يكفي لاستعادة الرسالة الأولى، ونسخ الرسالة المدينية المؤقتة –رسالة القرن السابع الخاصة بالعرب وحدهم- فقد اعتبر نفسه المبشر بالرسالة الثانية للإسلام. نلاحظ هنا أن "محمود طه" يعتمد بشكل جوهري على علمين من علوم القرآن، هما "علم المكي والمدني" و"علم الناسخ والمنسوخ"، لكنه يعطي نفسه الحق في فهم هذين العلمين خارج سياق تاريخ "علوم القرآن" من جهة، وخارج سياق التاريخ الاجتماعي السياسي للسلمين من جهة أخرى. من هنا تأتي نظريته عن "الهجرة" لا كواقعة تاريخية بل كرحلة معرفية من الأعلى إلى الأدنى، لأسباب بيداجوجية. في هذا المحاولة الجريئة نتلمس التفافا حول جوهر المشكل، كما نفتقد تحليلا نقديا للوقائع والأحداث. نحن إزاء تأويل صوفي يتسم بقدر هائل من النوايا الحسنة لتحديث الإسلام إجابة على السؤال الذي صاغه الأفغاني وعبده: كيف نمارس الحضارة ونعيش في العصور الحديثة دون أن نفقد إسلامنا. والإجابة متضمنة في السؤال بشكل اعتذاري واضح: إن إسلامنا حديث بشرط أن نفهمه كذلك. وفي صيغة الجواب هذه تحديدا تصبح الحداثة مرجعية التأويل، ولا يكون "التأويل" أداة للفهم. ومن السهل أن يستعيد المسلم إسلامه من فك الحداثة إذا رفض هذا التأويل الذرائعي الحداثي للإسلام؛ بسبب غياب فهم علمي للإسلام أو لنصوصه التأسيسية.
قريب من محاولة "محمود طه" محاولة "محمد شحرور" في سوريا رغم اختلاف الأسلوب



http://www.kwtanweer.com/articles/readarticle.php?articleID=177

Post: #831
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-29-2008, 05:37 PM
Parent: #1




إذا لم نغير ما بأنفسنا سيغير العالم أحوالنا

د. إقبال الغربي

أما المقاربة التاريخية فهي تعني القراءة المقاصدية التي تميز بين مقاصد الشريعة و أحكام الشريعة بين المطلق و النسبي و تفصل بين المقدس الديني و المدنس السياسي .

وربما كانت نظرية الفيلسوف الشهيد محمد محمود طه من أهم الإسهامات في ھﺫا المجال. فقد ميز محمد محمود طه بين مستوين أو مرحلتين لرسالة الإسلام. الأولى هي الرسالة المكية وهي رسالة الإسلام الخالدة الأساسية التي احتوت على القيم الكونية وأقرت الحقوق الطبيعية لكافة البشر دون اعتبار للجنس أو العقيدة أو العرق.أما الرسالة المدنية فهي ذات طابع عملي توفيقي احتوت على مجموعة أحكام متلائمة مع الأوضاع الاجتماعية و الاقتصادية و الأمنية للأمة الإسلامية الناشئة.

و يضيف محمود طه مفككا المرجعية الماوراء لغوية للنص القرآني أن الخطاب المكي كان موجها للبشر كافة " يا بني ادم "و"يا أيها الناس " مما يعني المساواة الكاملة بينهم أما الخطاب المدني فهو موجه بالدرجة الأولى إلى المسلمين كأمة من الأمم لها وضع تاريخي محدد و ظروف جغرافية و سياسية خاصة بها. و يضيف محمود طه انه إذا كان الفقهاء القدامى قد أقاموا الشريعة وفقا للقرﺁن المدني فمن الممكن إعمالا للمبدأ ذاته إقامة الشريعة وفقا للمكي بحيث تكون أكثر تلاؤما مع المنظومة الحقوقية الكونية.

ھﺫا المنظور يهدف بطبيعة الحال إلى ترسيخ النسبية و التاريخية في وعي الفرد يؤسس لثقافة الغيرية و حقوق الإنسان و يرتقي بنا من المقاربات الانفعالية التبسيطية إلى المقاربات العقلانية أي استخدام قوانين الفكر لاكتشاف قوانين الحياة.



ھﺫا الفكر النقدي هو الذي سوف يخرجنا من دوائر العقائدية المنغلقة على ذاتها التي تاخد الإسلام خارج الزمان و المكان سواء تلك التي تسمره في الأفق التاريخي الذي نشا فيه في القرن السابع ميلادي أو تلك القراءات الدفاعية التمجيدية التي تريد بكل قسرية إثبات أن كل المفاهيم الحداثية متوفرة في الإسلام أو أخيرا تلك النضرة التحقيرية التي تعتبر أن الإسلام متوفر على رصيد جيني في الاستبداد و الطغيان.




http://www.metransparent.com/texts/ikbal_algharbi_eithe...world_changes_us.htm
_______

Post: #832
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-30-2008, 01:15 AM
Parent: #831



وفي هذا تاتي فكرة رائعة- في خصوص الصيرورة في التشريع تمس فكرة (=ولادة المعنى)- للمفكر السوداني الشهيد محمود محمد طه برؤيته ؛ ان الختم للنبوة (= خاتم النبيين ) وليس للرسالة.

وكأنه يمكن انتاج رسالة ثانية وثالثة.. على اساس توليد المعنى/ الصيرورة/تكامل الوجود, التاريخ.. كما سلف.

ولكن محمود محمد طه يقيد رؤيته؛ ان من يطرح التجدد في الرسالة الثانية محصور برجال اتاهم الله الفهم عنه من القران ، واذن له في الكلام وهذا ما يجعلنا نفترق به عن رؤية محمود طه ، بابقاءه حصر المعنى ونتاجه في الحياة ، ضمن الحدود الاسلامية ، وهنا تنهار نزعة الانسنة معرفيا في الرؤية مع طه, مع انسانيته الرائعة. كما انه تظهر فكرة الاحتكار في رؤيته واضحة. وهو مشابه للاشكال الذي يوجه على نتاج فكري مهم سيما مع المدرسة الشيعية في نظرية منطقة الفراغ التشريعي لدى باقر الصدر ومنطقة العفو ، في الفكر السني مع اصول الفقه فيما سناتيه من ارباكات في هذا العلم افضى الى تطوح الحكم الشرعي فتوائيا وتخلفه عن الوجود الديني الاصيل. وكذلك – وهو الانكى - دخول فكرة (الاسلمة) معهما لاشعوريا او مستقلة صريحة مباشرة كما عرف في العقدين السابقين في فكرة اسلامية المعرفة وهي الفكرة الاكثر حسرا للابداع الوجودي في المعنى للانسان. والاكثر ضررا على الدين بزويه من جديد وزوي الحياة معه, بحيث يغدوا من جهة متهما, ومن جهة يغدوا عائقا عن الابداع لانه بكل الاحوال تقييد بوجه وصورة محددة, هي من صنع رجالات الدين لا الدين نفسه. عموما سياخذ ذلك تفصيله لاحقا : بين الانسنة والاسلمة...علما انه من المستحيل ان تجعل كل الناس مسلمين, ولكنه من السهل ان تغني معهم سوية الانسانية.



في خصوص الرسالة وعدم توقفها مع توقف وختم النبوة.. رسالة ثانية وثالثة.. الرسالة ستكون متجددة في وجودها . تبعا لوجود الانسان ، وما يرافقه من انتاج المعنى ، اتساقا مع القيم المحرزة مع النبوة ، لان مشلكة اليقين تحل فقط مع الانبياء ، تبعا لمفهوم العصمة . الذي وُجِد اصلا لحل هذه الاشكالية ( اليقين ), التي ما زالت الاشكالية المركزية التي ارهقت الفكر البشري مذ ان كان, ولايمكن ان تحل, لانها طريق الكدح للمطلق .

فطرح رسالة ثانية للاسلام ، يعني طرح معان اخرى في الدين, ولكنها ليس طرح معان اخرى في الانسانية..

الدين تغير في ثبات الانسانية ، لذا لكل نبي شريعته ( ولكل جعلنا شرعة ومنهاجا ) ولكنهم ينتمون لمقولة واحدة, تبقيهم متوحدين, وهي؛ ( الاله الواحد ، الانسان الواحد ) وهنا ناتي الى فهم اخر للتوحيد ، فهوليس توحيد الله وحسب, بالبعد الرقمي كما هو معروف اكثر، وانما (توحيد الانسانية)… الانتماء الى قبلتها, مبادئها, قيمها…

... أي توحيد الارض.. هو الذي يجعلك موحدا للسماء




http://www.kitabat.com/aljubran_razaq_4.htm

الحل الوجودي للدين - 4
(الانقلاب؛ من احكام المعبد الى قيم الوجود)
كتابات - عبدالرزاق الجبران
[email protected]
________

Post: #833
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-30-2008, 02:09 AM
Parent: #1


ضلالات طبيب القصيم: خالص جلبي
ويقول عن محمود طه الذي ادَّعى النبوة بالسودان : ( وفي عام 1971م أُعدم محمود طه في السودان بيد الطغمة العسكرية بتهمة الردة , وكان الرجل مُجدِّداً , ولم يكفر ولم يرتد ) ج الشرق ع 8324 في 24/6/1422هـ .

وقال : ( ومات الحلاج صلباً في بغداد بكلمة اختُلقت ضده بعد جلده ألفاً وقطعت أطرافه .. وأنهى المفكر السوداني محمود طه حياته وهو يتأرجح على حبل المشنقة بتهمة الردة , ماتوا جميعاً لا لذنبٍ فعلوه , بل من أجل أفكارهم ونشاطهم ) (ج الشرق ع 8212 في 1/3/1422هـ) .




http://www.islamlight.net/index.php?option=content&task...ew&id=2700&Itemid=34
_________________

Post: #834
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-30-2008, 02:11 AM
Parent: #833


فى ذكرى إعدام محمود محمد طه: البحث عن بديل للتصفية الجسدية للمختلف

أحمد زكي عثمان
صادف 18 من شهر يناير الماضى الذكرى الثانية والعشرين لإعدام المفكر السودانى الإسلامى محمود محمد طه بتهمة الردة عن الإسلام، فى سابقة تاريخية هى الأولى من نوعها فى التاريخ العربى الحديث، حيث لم يحدث أن ارتقى مفكر عربى المقصلة بسبب "آرائه" الفكرية و التى اعتبرتها "الدولة العربية" ارتدادا عن الإسلام. نعم لقد شهد التاريخ العربى قبل و بعد 1985 –تاريخ إعدام المفكر محمود محمد طه-حالات متعددة صدرت فيها قرارت التصفية الجسدية لمفكرين و نقاد وأصحاب رؤى، لكن لم تقم "الدولة العربية الحديثة" من قبل بنزع حياة أحد من الكتاب أو المفكرين أو الباحثين بسبب آرائه السياسية او الفكرية و التى يتوهم أنها تحمل فى طياتها ردة عن الإسلام


www.sudaneseonline.com

Post: #835
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-30-2008, 02:18 AM
Parent: #1


Posted: Fri Feb 16, 2007 8:33 pm Post subject:

--------------------------------------------------------------------------------


ثم أفتى بارتداد المفكر محمود محمد طه وأمر زبانيته من الشرعيين أن يُصدروا عليه حكم الشريعة، ففعلوا وشنقوا محمود محمد طه والرجل يقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله. وتناسى هؤلاء الزبانية الشرعيين أن زيداَ بن حارثة كان على رأس سرية مرت باعرابي يرعى أغنامه، فارادوا أخذ الأغنام منه، فقال لهم الرجل إنه مسلم ونطق بالشهادتين. ولكن رغم ذلك قتله زيد وأخذ أغنامه. ولما حاسب النبي زيداً برر فعلته بأن القتيل لم ينطق بالشهادة رغبةً في الإسلام وإنما للتخلص من القتل، فرد عليه النبي : "هلا شققت عن قلبه ؟" ويعتبر هذا الرد من النبي مانعاً لاختبار النية في حالة النطق بالشهادتين 7 وفي افغانستان في أغسطس عام 1998 قال المولى مانون نيازي عن قبيلة الحزارة الشيعية : "الحزارة غير مسلمين، يمكنكم قتلهم، فدمهم مباح ولا يمثل قتلهم جريمة" 8. وقد قتلت حركة الطلبان اعداداً هائلة من الحزارة، 9 على أساس أنهم مرتدين عن الإسلام.



http://www.yassar.freesurf.fr/library/bal540_07.html

Post: #836
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-30-2008, 02:21 AM
Parent: #1



ولقد ذكرتني مواقف الذين يطالبون بمنع الحجاب بما نشر عن السوداني المدعو محمود محمد طه، فقد كان مهندسا أشغل نفسه بالفكر والثقافة ومما كان يقوله مفتريات على الإسلام وتبنى أفكار المحلدين ومما كان يطالب به الغاء الحجاب حتى قدم للمحاكمة بتهمة الردة عن الإسلام حتى صدر عليه الحكم بالردة ومما جاء في أسباب الحكم إشارة إلى ما جاء في كتابه «رسالة في الإسلام» في صفحة 139 من كتابه عن الحجاب النص الآتي: «الأصل في الإسلام السفور لأن مراد الإسلام العفة وهو يريدها عفه تقوم في صدور الرجال لا عفة مضروبة بالباب المقفول والثوب المسدول» وجاء في الحكم وهو بهذا ينكر الحجاب ويدعو إلى التبرج ويسفه الله ورسوله فالله تعالى يقول: «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفوراً رحيماً» الأحزاب ـ 59.


تاريخ النشر:يوم الخميس ,23 نوفمبر 2006

http://www.al-sharq.com/DisplayArticle.aspx?xf=2006,Nov...rbinmohammedalemmari
_________________

Post: #837
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-30-2008, 02:21 AM
Parent: #836


وفي السودان عندما أنشأ الأستاذ محمود محمد طه حزب "ألاخوان الجمهوريين" وحاول تقليل دور الشريعة في قوانين الدولة، اتهموه بالإلحاد وحرقوا كتبه. ولما قال الأستاذ محمود محمد طه انه وصل مرحلةً من العلم جعلت الفرائض العادية كالصلاة لا تنطبق عليه، وهي نفس المقولة التي قالها الصوفيون في القرن الحادي عشر، وجد الإسلاميون فرصتهم سانحة فحكموا عليه بالإعدام وشنقوه عام 1985




http://www.yassar.freesurf.fr/library/bal529_01.html
_________________

Post: #838
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-30-2008, 02:23 AM
Parent: #837


أيضاً يقول في مقال آخر عنوانه (قانون تبادل الأدوار): ( إن المجتمع الإنساني لم يتقدم بدون التجويد الدائم مثل فصل الربيع في الطبيعة واليانج في الفلسفة والاخضرار في الشجرة.. حتى يقول: وفي عام 1971م أعدم (محمود طه) في السودان بيد الطغمة العسكرية بتهمة الردة وكان الرجل مجدداً ولم يكفر ولم يرتد ولكنها السلطة التي لا تتحمل النقد والمعارضة ). كما يقول أيضاً: ( وربما حدثت تجاوزات حيث قضى السهروردي نحبه بفتوى أيام صلاح الدين الأيوبي ).

هذه الأقوال تفسر قناعة (خالص جلبي) بأن الإنسان لا يستبح دمه من أجل رأيه حتى لو أرتد عن دينه كما هو حال محمود محمد طه في السودان، المولود عام 1916م، وخلال سنوات حياته أدعى النبوة بعد أن درس مذهب الفلاسفة الغربيين، حتى جاز له أن يسقط عن نفسه الصلاة فسجن مرتين، غير أنه لم يتب أو يرجع عن إدعاء النبوة فأعدم في 27/4/1410هـ (1985م)! هذا المرتد يعتبر عند (خالص جلبي) صاحب فكرة جديدة تسهم في تقدم المجتمع الإنساني وأنه كان يمارس النقد!!

أما السهروردي فلا يختلف عن الحلاج في الضلال، كونه من أصحاب معتقد وحدة الوجود، لذلك لم يتردد الناصر صلاح الدين الأيوبي في صلبه وتخليص المسلمين من شره!!




http://jsad.net/showthread.php?t=17762
_________________

Post: #839
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-30-2008, 02:24 AM
Parent: #838


ان الغريب فى الدين والأكثر غرابة لهو آت مع كل صبح جديد لترتفع به الحياة وتخصب به وتسلك به السبل الى ربها ..
واى الناس من عقلاء الناس ، ينتظر ان يظل معين الدين آسنا مواتا بدلا من ان يكون ثراء دافقا بماء الحياة ، والنماء ؟؟ كما قالت لي ذلك من تشاركني النهل من اكاديمية العلم والسلم لطبيب افكارنا خالص جلبي وهي اخت لي من جدة والتي اضافت ( ان القرآن يعطي أسراره في رمضان أكثر مما يعطيها في غيره من الأزمان ) " عن محمود طه رحمه الله من كتابه الصيام توأم الصلاة ..



http://www.4hama.com/vb/showthread.php?p=10577

Post: #840
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-30-2008, 02:25 AM
Parent: #839



مهزلة العدالة الأرضية.. من شيلم وهتلر وصدام.. إلى النعجة دوللي
..!
خالص جلبي


وأبشع النهايات لم تكن للطغاة بل للمصلحين فقد مات الإيطالي جيوردانو برونو مشويا على نار هادئة مثل الفروج. وقطعت أطراف الحلاج في بغداد بعد أن ضرب ألف سوط. وعلق محمود طه السوداني وعمره 75 سنة على حبل المشنقة لرأي رآه وليس لانقلاب عسكري من نوع انقلابات الترابي.



http://www.aliraqi.org/forums/showthread.php?t=26816
_________________

Post: #841
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-30-2008, 02:26 AM
Parent: #840


خرافة الخلافة الإسلامية
بقلم / د. خالص جلبي*
وهل الحكومة الدينية هي الحل لمشاكلنا الإنسانية؟

والخلاصة إن هذا الغرام بإقامة دولة مستقلة، أو دولة إسلامية وهم كبير، و (النميري) في السودان وتحت اسم الدولة الإسلامية أعدم مفكرا صاحب مدرسة مثل محمود طه لآرائه، مما جعل الترابي يقلب يديه على ما أنفق في الانقلاب العسكري ويقبع في إقامته الجبرية وكما يقول المثل العربي: "يداك أوكتا وفوك نفخ".



http://www.aafaq.org/reformist/aa/2563.htm

http://www.amude.net/Nivisar_Munteda_deep.php?newsLangu...=Munteda&newsId=3944

http://www.kwtanweer.com/articles/readarticle.php?articleID=592
_________________

Post: #842
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-30-2008, 02:27 AM
Parent: #841


المثقف وعلاقات القوة؟
خالص جلبي
[email protected]
الحوار المتمدن - العدد: 946 - 2004 / 9 / 4

(ويجب أن نضيف فقرة جديدة أن أهل السياسة (يُخِّون بعضهم بعضا فيصبح الناس ثلاثة أصناف: من يشير بأصبع الردة الى أدنى حركة عقلية وهكذا شنق (محمود طه 75 سنة) في السودان بتهمة الردة، والرجل لم يرتد ولم تشفع له شيخوخته في النجاة من حبل المشنقة




http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=22959
_________________

Post: #843
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-30-2008, 02:28 AM
Parent: #1


تعليقاتكم: من هو أعظم مفكر في العالم؟

أرى أن السؤال في حد ذاته غير سوي البتة، فطرح سؤال كهذا يأتي بردود متباينة وغير متكافئة، فنحتاج أولا إلى تعريف من هو المفكر وما هو الفكر وما هي شروط إطلاق لقب مفكر على شخص ما، وما هي الضوابط والأسس التي نحكم بها على الفكر. وبمتابعة الردود لاحظت أن بعضا ولحسابات خاصة ونعرات عنصرية وتعصب لفكر معين أوردوا أسماء ما كان لها أن تكون من المفكرين. فالمفكرون في العالم أجمع متعددو المذاهب والفلسفات وكل مفكر له دورة في الاتجاه الذي نحاه، فمثلا لا يمكن مقارنة مفكر باحث في الوجودية مثلا كسارتر وآخر مثل كارل ماركس على النقيض منه.. ولكنني أورد واحدا من المع نجوم الفكر الإسلامي الحديث، هو الأستاذ محمود محمد طه وقد أعدمه النميري إبان حكمه وقد حكم عليه بالردة وتم تنفيذ حكم الإعدام فيه في واحدة من أبشع الإعدامات في العالم من أجل المخالفة في الرأي، وقد أعدم (الأستاذ) كما يلقبه أنصاره محمود محمد طه وهو فوق السبعين من عمره وقد قابل الموت بشجاعة نادرة حيث تم إعدامه أمام الناس.

عمر التيجاني - باريس فرنسا



http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/talking_point/newsid_4138000/4138250.stm
_________________

Post: #844
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-30-2008, 05:35 PM
Parent: #1



* لماذا يُقْتَل المفكرون في العالم العربي؟
بقلم: خالص جلبي *
وهذا المنظر لا يخص لبنان والعراق، بل يمكن أخذ نماذج عينات من كثير من البلدان العربية، فمحمود طه تدلى من حبل المشنقة،



http://www.thisissyria.net/2005/06/28/levant1.html
_________________

Post: #845
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-30-2008, 07:27 PM
Parent: #1




في نقد "الإرهاق الخلاّق" لعبد الله علي إبراهيم (3-3)

المثقف و"الحكيم" الصيني

عبد الخالق السر
[email protected]

كنت قد أشرت في المقال الأول لتحليل الدكتور حسن موسى لموقف المصانع في أدب عبد الله السياسي، والذي أرجعه إلى أن:

"عبد الله الذي لا ينشد الراحة زاهد في منصب "أشجع أبطال المسرح السياسي"، و لو شئت الدقة لقلت بأنه الأشجع بين ذلك النفر الذي يعرّف في التقليد المسرحي بعبارة "ضد البطل"( "آنتي هيرو") Anti hero.... من منظور "نقد الذهن المعارض" ضد الصورة الأيقونية البسيطة للبطل الوطني التي لا تستغني عن صورة "الخائن الوطني" واختصار التاريخ لمجرد "إذاعة ذكر الأبطال وتحقير الخونة" هو عند عبد الله زوغان عن "الشوف الشامل" في الظاهرة التاريخية.."

من خلال تتبعنا لمقالتي الكاتب اللتين بنى عليهما كتاب "الإرهاق الخلاّق" وجدنا أن مساومته ، كما في قول مستلف من حسين مروة: "تستبطن رؤية دون الرؤيا ووجهة للإبحار مع الأحلام كيفما اتجهت أشرعتها الأسطورية في المتاهات المتناقضة في عوالم الافتراضات، محذرة من الاتجاه مع رؤية الواقع كما هو واقع".. والاستعاضة عن ذلك بتبني "مساومة" من نسيج رؤية النظام الحاكم، والتي هي كأية رؤية للعالم لها أصولها ومفرداتها التي تشكل خصوصيتها أي بنيتها الثقافية وأساسها الاجتماعي- الاقتصادي الذي يحيلها إلي طبقة مسيطرة تعمل من بعد بوسائل القهر المادي والمعنوي إلى صياغة ثقافية شاملة للعقل الجمعي تعمل من خلاله على تمويه أهداف انقلابها الطبقي. أي أن الكاتب في نهاية المطاف- كما تتبعنا- كان يدفعنا دفعا لـ "مساومة" تتواطأ مع الأسس الأيدلوجية لسلطة برجوازية تبعية جديدة تعمل بهمة لالحاقنا بركب النيو رأسمالية السائدة. وبالطبع هذا ما يثير الاستغراب من كاتب ماركسي عتيد في مقامه. وكان حسن موسى قد أشار – بحق- إلى الحيرة التي تنتاب كل متفحص لمصانعة عبد الله التي تبدو أنها بلا فائدة أو مصانعة "حاصل فارغ" على حد تعبيره لأنها:

"محيرة حين ننظر إليها من مشهد المصانع الكلاسيكي الذي يلجأ للمصانعة كمكيدة تيسر " الفايدة" و الكسب الشخصي السريع.فهي مصانعة بلا فائدة ، مصانعة " حاصل فارغ". ذلك ان عبد الله الذي يعتبره بعض خصومه من " عملاء" نظام الإنقاذ لم يقبض ثمنا يليق بـ " عميل" من عياره الثقيل النادر.فهو لم يتول أي من تلك المناصب، ذات الفائدة، التي يتقاتل من أجلها بعض التقدميين السابقين ( ناس خالد المبارك و الشوش و منو و منو) ممن انبطحوا تماما أمام نظام الإنقاذ. و حتى طلبه بتصديق لإصدار صحيفة لم ينجح في الحصول عليه من سلطات نظام الإنقاذ. فما معنى هذه المصانعة التي لا تعود على صاحبها بأي منفعة مادية؟ “



ومما يزيد الأمر تعقيدا ،في تقديري، حيال هذه المصانعة "البلا طائل" هو أن النظر من قرب في سيرة الرجل الشخصية والعامة ينفيان بقوة فرضية المصانع الكلاسيكي الباحث عن منفعة شخصية. وهي مصانعة إن وجدت لكانت أراحت الله وخلقه، وكفتنا كل هذا العنت. فالرجل كمثقف حقيقي وسياسي ملتزم كان وما زال دائم الحذر والتنبيه من الوقوع في حبائل شخصية "الأفندي" أو البرجوازي الصغير المدفوع بأنانيته المفرطة ورغائبه الشخصية التي لا تنفد والتي كبدت ،وما زالت، البلاد والعباد أفدح الأثمان.

لن أتوقف هنا طويلا أمام هذه الحيرة حد الإعياء والتي على حد تعبير حسن موسى لا يوجد لها تفسيرا مقنعا سوى القول أنها برمتها:

"ليست سوى تعبير ملتو عن مكابدات شاعر " مجنون" مُحبَط ضل طريقه إلى أرض السياسة ؟و هل انمسخ شاغل الشعر عند عبد الله، الشاعر السرّي ، إلى نوع من انشغال سياسي عصابي يصعّد الممارسة السياسية لمقام الهاجس الشعري؟" مندري؟..."



بل سأنفذ إلى ما بعد ذلك مبديات عدم موافقتي لشخصية "ضد البطل" التي اقترحها حسن موسى لتحليل مفهوم المصانعة في أدب عبد الله السياسي. وتقديري للأمر ينصب في إغفال حسن موسى أن المسرح السياسي السوداني أصلا موسوم بشخصية الخائن كما تجسده الحكومات المتعاقبة منذ الاستقلال بامتياز، ولا يحتاج إلى خائن آخر أو حتى صاحب خائن ليكتمل مشهد الشوف الكامل كتجسيد لحكمة ونصاحة المثقف ، خصوصا وأن المعارضة هي الأخرى دأبت على تجسيد شخصية غير مألوفة للبطل تظهره كفاقد للحكمة والرشد. وهذا كما يبدو للوهلة الأولى سيناريو غريبا ومشوشا لا يتفق والتيمة المكرورة للبطل موفور الذكاء والقدرات الخارقة والمنتصر أبدا للخير والحق والعدل على قوى الشر والظلام. هذا الوضع الغريب والشاذ لشخصية "البطل" غير المتصف بالحكمة أو "المخستك" – والمخستك في لغة "الرندوق" هو ذلك المجبول على الإتيان بكل ما هو محبط، أو الذي يتفوق "على سوء الظن" في تعبير آخر ينسب للأستاذ الشهيد محمود محمد طه- و"الخائن" الذكي الفاهم لأصول اللعبة لا نجد له معادل إلا في النسخة الكلاسيكية لأفلام الكاراتيه الصينية. ولكن لحسن الحظ فإن العبقرية الصينية قد زودتنا في نفس الوقت بشخصية "الحكيم" لحل هذه الإشكالية وإضفاء بعد روحي ومعنوي لقوى الخير حتى يتبدى انتصاره النهائي معقولا وموضوعيا ويخضع لشروط الواقع. فالحكيم في هذه الأفلام يطّلع بأدوار معقدة تعمل جميعها على تهذيب البطل روحيا وخلقيا وجسديا. لذلك يبدو شديد القسوة اتجاه هفوات بطله في عدم تقديره للأمور، ومن جملة ما يعلمه للبطل كيفية احترام خصمه (الخائن) وعدم الاستخفاف والاستهانة بقدراته. والأصل عندي أن هذا عين ما مطلوب من المثقف أن يلعبه من دور في المشهد السياسي السوداني. فالشدة وتبيان أوجه قصور أداء المعارضة وحثها على سعة الرؤية والتعامل مع خصمها والاستعداد له بما يتوافق وقدراته الحقيقية لا يعني الوقوع في غرام "الخائن" وحث البطل على صداقته كما شاهدنا في نسخة "الإرهاق الخلاٌّق"، وهذا هو الفرق الجوهري بين شخصية "ضد البطل" – المصانعة- التي يرومها الكاتب وشخصية "المثقف-الحكيم" التي تعلم وتقدر في نفس الوقت حجم الشرور التي تحدق بالمجتمع في ظل وجود الخائن.



الإرهاق الخلاق أم إرهاق الإرهاق؟

هذا ما كان من أمر كتاب الإرهاق الخلاّق. وهو في تقديري واحد من أضعف ما انتج الكاتب فكريا، ومن الصعوبة بمكان لقارئ ملتزم ومتابع جيد لأفكاره أن يجد أدنى صلة بما جاء فيه وبين ما أثرى به المكتبة السودانية من كتابات في غاية العمق والتماسك الموضوعي والتحليل النوعي والثراء المعرفي جعلت منه واحدا من اكثر الكتاب المعاصرين مهابة وإثارة للجدل. أما هذا الكتاب فيبدو للقارئ مرتبكا فاقد للموضوعية مشوش السياق بشكل يوحي أن كاتبه قد صدره في واحدة من تلك اللحظات النادرة التي يطال فيها العدم كل شيء ويتحول إلى ثقب أسود يبتلع كل ما حوله. وحتى حين عمد في لحظة يائسة أن يراهن على الفنان بداخله على طريقة الخليل الفريدة حين أنهك المرض اللعين جسده: "من حطامك أنا هسه وارق..."، فأهدانا هذا العنوان البديع: "الإرهاق الخلاّق" إلا أنه على ما يبدو كان إرهاقا تمكن بقوة من عصب فكر الرجل، ليعكس – للمفارقة- إرهاقه الشخصي إضافة لإرهاق الوطن ليكون الناتج "إرهاق الإرهاق" على وزن التعبير العامي البليغ (تعب التعب). وهو إرهاق ربما نعزيه ".. لصبر عبد الله الطويل على شبهات المصانعة وعلى وحشة المساومة..." على حد تعبير حسن موسى والذي اتفق معه في أنه لا يوجد له تفسيرا مقنعا في ظل الغموض والعدمية التي تكتنفه.

هوامش:

د. حسن موسى (أشغال العمالقة – منبر الحوار)

sudanile april 30th 2008

Post: #846
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 04-30-2008, 08:25 PM
Parent: #1



د.الأفندي يتحدث للراية القطرية عن رحلة خروجه الكبير من إغراء التنظيم إلى رحاب الفكر:
حاوره / د.طارق الشيخ:

الأفندي يتحدث للراية عن رحلة خروجه الكبير من إغراء التنظيم إلى رحاب الفكر:
ما وجهته الحكومة للإسلام والحركة الإسلامية من ضربة عجز عنها أعداء الحركة الإسلامية والإسلام

الترابي لم يقدم أي نقد ذاتي وماقاله كلام لايقبله عقل وفترته الأولى أسوأ الفترات التي حدث فيها التعذيب وبيوت الأشباح

الحركة الإسلامية وخاصة بعد الانقلاب تركت موضوع السياسة والحوار واعتمدت السيف والدولار
على النخبة أن تتخلص من الانتهازية والوصولية التي سادت بينها ولابد لها من مبدئية
أزمة الترابي هي أزمة الحركة الإسلامية الحديثة عموما
ضمور الأحزاب وانهيارها سببه غياب الديمقراطية العامة داخل الأحزاب نفسها
مداراة المفكرين السودانيين وتلونهم من السلبيات التي لاتخدم حلحلة قضايا السودان
المفكر لا يجب ان يصمت.. ولابد له من رأي في القضايا المطروحة

لن نتقدم مالم تكن هناك فئة من المفكرين لديهم الجرأة للإفصاح عن آرائهم
حاوره - د.طارق الشيخ:

المفكر السوداني د.عبدالوهاب الافندي أحد أولئك السودانيين الذين يجسدون لك عظم مايمكن تسميته بالكارثة التي حلت بالسودان منذ يونيو عام 1989 . إنه قطعة من ذلك الانفجار العظيم الذي عرفه السودان عام 1989 . ومنذ ذلك التاريخ نزف الجرح السوداني كما لم يحدث في تاريخه الحديث . كان السودان ينزف خيرة ابنائه نقطة نقطة ويقذفهم بعيدا بأقصى مافي القدرة . كانوا يتفرقون في ارجاء الكون الفسيح ويعيدون تشكيل أنفسهم وفقا للبيئة الجديدة ويخرجون أفضل ماعندهم من قدرات اهلت بعضهم الى ارتقاء مواقع هامة هنا وهناك في هذا البلد وتلك المنظمة وهذه المؤسسة العلمية . وظهر جيل الهجرة الكبيرة متفرقا متفوقا ربما على اقرانه في داخل السودان وبدرجة ان أصبحت كفة الميزان تميل الى المهاجرين ومنهم تأتي الاخبار السارة في تفوقهم وفي نبوغهم وعلو مراتبهم وبدرجة لافتة. والدكتور عبدالوهاب الافندي كان رجلا من الداخل بمعنى انه وعلى خلاف الكثيرين ممن انتهى بهم المقام خارج السودان بسبب سيطرة الاسلام السياسي على مقاليد الحكم في السودان فقد كان من ابناء التنظيم نفسه، لكنه كان يدرك أن عليه أن يرى الاشياء بعيونه هو وليس بأعين التنظيم ، ويقيس الامور برؤيته ويقلبها بعقله هو لا كما تأتي مصفاة من القنوات التنظيمية للجبهة الاسلامية . وبين هذا وذاك تضاربت الرؤى الشخصية والطموحات الذاتية التي تذهب بعيدا الى ساحة العلم والبحث الاكاديمي وهذه من ضروراتها توفر مساحة كبيرة لحرية البحث وحرية

التفكير بعيدا عن قيود الحزب وتوجيهاته الصارمة التي لاتحتمل رؤية مغايرة حتى ولو جاءت من خيرة أبناء التنظيم . ولذا فان الافندي يجسد ومن هذه الزاوية.. زاوية الخروج على التنظيم تاريخا حافلا من الخوارج عن الحياة الحزبية وقيودها في السودان . بعضهم نجا بأعجوبة من حرب الحزب على الخارجين .. من قتل الشخصية والمطاردة الشرسة حتى النهاية . بعضهم انتهى به الحال الى النقيض محاربا منافحا الفكرة التي آمن بها من قبل ووهبها عصارة جهده وقوته وشبابه.
واعتقادي أن الأفندي هو احد القلة المحظوظة من ابناء جيله او قل أبناء حقبة مابعد الانقاذ السيئة التي فعلت بالسودان وأهله مالم يفعله به أحد قط . ربما جمعني به قدر مشترك فكلانا من أبناء الجيل الذي عرف كوارث التجريب من السلم التعليمي الى جحيم المشروع الحضاري . وحينما التحقت بالعمل في جريدة الصحافة السودانية في النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي كان اسمه حاضرا يتردد في الصحيفة . كلانا وقف ينظر الى صاحبه كل من على ضفته . واليوم يجمعنا هم التفكير بمصير هذا الوطن الجميل .. نتامل في الصورة المشوشة التي رسمها التجريب السياسي .. ولذا فقد كان هذا الحوار محاولة لسبر غور فكر الدكتور عبدالوهاب الافندي الذي إن أراد لكان اليوم بين من ينعموا بالثراء الفاحش والحياة السهلة مثلما فعل الكثيرون من زملائه في التنظيم الذين آثروا الصمت وفضلوا جاه السلطة على الاحتفاظ بعقلهم راجحا صافيا غير ملوث بجرثومة الصمت التي تعذب الضمائر لكنها تقتل الوطن . كان عليه أن يصمت لكنه فضل الخروج على الصمت واشترى حريته والخروج عن التنظيم مفضلا إياها عن جاه المنصب مع تعذيب الضمير.

قلت: استمعت اليك مؤخرا وأنت تتحدث من خلال برنامج بلاقيود الذي يبثه التلفزيون السوداني هل تحررت من القيود الحزبية .. كيف كانت رحلة التحرر هذه؟
- الافندي: كان إيماني دائما بأن المفكر لايجب أن يكون مغلقا في أطر حزبية أو حتى وظيفية . لقد وجدت مشكلة في الوظيفة الدبلوماسية من هذا المنطلق . إنها تضع الانسان في وضع معين ليس فقط تمنع أو تجبر كموظف حكومي من أن تعبر عن رأيك المخالف لرأي الحكومة التي عينتك . وكذلك تتحسب من قول الاشياء التي قد تحسب على الحكومة . أنا ككاتب ومفكر احب ان يكون عندي رأي في الأنظمة السياسية سواء النظام السياسي في السودان أو أنظمة سياسية أخرى . وهو ما لا أستطيع فعله كدبلوماسي فاذا ما انتقدت نظاماً سياسياً عربياً آخر فقد يفهم هذا على أن الحكومة السودانية هي التي تنتقد هذا النظام . وربما هذا يعد جزءا من إشكالية الشيخ حسن الترابي الآن . فعندما كانت تصدر منه في السابق آراء فقهية مختلف عليها وعندما تكون رئيس حزب أو مسئولا في حزب فإن الآراء الفقهية والسياسية لاتعتبر آراء فقهية بل تعتبر مواقف سياسية لحزب معين أو لحركة معينة . ومنذ وقت مبكر جدا كنت أرى أن الانتماء الاسلامي أو الانتماء لتيار فكري يجب أن لايكون انتماء لحزب . ومن الاشياء الطريفة عندما كنت في الجامعة كنت مسؤول الاعلام في التنظيم وكنت أدرس بكلية الفلسفة . في ذلك العام نشرت " مساء الخير " جريدة الجبهة الديمقراطية بجامعة الخرطوم تعليقا حول موضوع الخاتم عدلان الذي كان قد تخرج من الجامعة بمرتبة الشرف ولم يعين كمعيد في الفلسفة كما ينبغي وإنما عين شخص آخر كان بدرجات أقل منه . وهذه عملية كان وراءها دافع سياسي وتحججوا لها بأن الخاتم عدلان قد تأخر اكثر من اللازم في تخرجه من الجامعة . وكتبت تعليقا على هذا الموضوع في صحيفة الاتجاه السلامي " آخر لحظة " وكنت مشرفا عليها . وكتبت " يجب أن تدخل السياسة في التعليم.. هذا لايصح .. واذا كان الخاتم عدلان هو الشخص الاحق فيجب وبغض النظر عن إنتمائه السياسي يجب أن يعين وأن يكون هذا النموذج في العمل والاختيار " . راح الشباب الذين اعطيتهم الكلام المكتوب وباجتهادهم لمن هو اعلى مني وحذفوا الكلام . ضحكت لهذا " يقول ذلك مسترجعا الماضي ضاحكا " .. لم أقبل الأمر . وهذا منهج قرآني يا ايها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا. التوجه الاسلامي الصحيح يدعو الانسان لأن لايكون حزبي التوجه. ولابد من الوقوف مع الحق وهذا مايدعو الى الخروج على الطرح الحزبي أو الفئوي أو القومي أو أي خط آخر .
كيف وصلت الى قرارك الشخصي لكسر القيد الحزبي والخروج؟
- اولا كان هذا توجها موجودا عندي . لكن كإنسان مفكر لابد وأن يقيم الاشياء . فعندما كنت دبلوماسيا وهذا هو السبب الاساسي الذي فرض علي الاستقالة من السلك الدبلوماسي . فقبل الدبلوماسي كنت كاتبا وأكاديميا ومفكرا ونشرت مجموعة من الكتب التي حملت افكاري . وعلى هذا الاساس كنت ادعى الى مؤتمرات ولقاءات . ومن ضمن ذلك دعيت عام 1993الى مؤتمر في جامعة انجليزية على موضوع الاسلام وحقوق الانسان . قرأت ورقة أعبر فيها عن آرائي في الموضوع.
وكنت قبل ذلك استعرضت كتابا " من يحتاج الدولة الاسلامية" وفيه أقوال تنتقد مفهوم الدولة الاسلامية . وطالبت أن تكون دولة المسلمين وأن تكون دولة ديمقراطية . ومادار من نقاش في الجلسة بعد طرح ورقتي لم يكن له علاقة بها . وكانت الاسئلة تطرح حول الحكومة السودانية ، واذا كانت هذه اراؤك فالحكومة السودانية تمارس ممارسات أخرى وانت دبلوماسي في الحكومة السودانية . حاولت أن أقول بأن المؤتمر حول الاسلام وحقوق الانسان وليس حول الحكومة السودانية فتحدثوا معي في هذا الاطار . وكان ذلك من المستحيل . واكتشفت عندها انك لاتستطيع كمفكر وانسان أكاديمي ان تكون في وظيفة حكومية خاصة في حكومة من هذا النوع . في تلك اللحظة اتخذت قراري بأن أترك . وقبل ذلك بعام كتبت مقالا في صحيفة الغارديان البريطانية اعبر فيه عن رؤيتي للديمقراطية في العالم الاسلامي . وجاءت الردود ايضا ومنها رد جاءني من الحركة الشعبية لتحرير السودان . وأخرى من الاستاذ الذي أشرف على رسالتي للدكتوراة . وربطوا بين مااقوله وماتفعله الحكومة السودانية . وقالوا يجب ان ينصح الافندي حكومته السودانية قبل أن يتكلم بمثل هذا الكلام . هذه التراكمات بالنسبة لي هي التي دفعتني الى الاستقالة . واعلنت ذلك وأخطرت الاخوة في السودان بأنني لا أريد ان اعمل في العمل الدبلوماسي . وطبعا ثارت احتجاجات وبعضهم عرض منحي منصبا آخر أعلى . و آخرون تحدثوا عن انشقاقي وأصبح كذا .. وتحول الى الغرب وأصبح من عملاء " سي آي أيه " وقيل الكثير من هذا النوع . وثارت الضجة خاصة بعد صدور كتابي " الثورة والاصلاح السياسي " والذي عبرت فيه عن آرائي وبوضوح حول الوضع الحاصل في السودان في محاولة لاصلاحه . وثارت نفس الانتقادات عن تحولي وتغيري وإنقلابي . حاولت أن أقول أنه كإنسان مفكر له رأي اذا الدولة التي تنتمي لها كانسان تناغمت مع أفكارك وآراءك واصبح هناك انسجام فهذا هو المطلوب وفي هذه الحالة لايوجد تنافر بين دورك في الدولة أو الحركة وبين أفكارك ولكن اذا حدث هذا التناقض الجذري بين ماتفكر فيه وتدعو له وبين الممارسة وبين حتى ماكانت تدعو له الحركة الاسلامية . فالشيخ الترابي نفسه قبل هذا الانقلاب كان يتحدث بالديمقراطية ويدعو لها ويقول مثل هذه الفتاوى التي اصبح يطلقها هذه الايام . لكن عندما جاءت السلطة أصبح الأمر مختلفا . أصبحنا والمفكر كمفكر لازم يقول شهادته للتاريخ . بعض الاخوة وبالذات من الاسلاميين التقليديين انتقدوا خروجي بالعلن بالآراء التي خرجت بها وقالوا ان مثل هذا الكلام ينبغي أن يقال في المجالس المغلقة " المجالس الحزبية " ويجب ان يوجه النصح من الداخل ويجب ان لاننشر الغسيل القذر على الناس . كان رأياً مخالفا لذلك تماما . فأنت كاسلامي ومفكر تدرك أنه لابد وان يكون هناك وضوح . فهناك اجيال قادمة ستأتي فاذا وجدوا في اقوالك مثل هذا النوع من اللبس وعدم الوضوح أو حتى الصمت فقد يفسر هذا الصمت بالموافقة . والفقه الاسلامي به بعض الفقهاء فسر صمت العلماء على بعض الممارسات بالموافقة . فلو قلنا نحن مانريده سرا في المجالس المغلقة فقد ياتي جيل آخر يفسر ذلك على أنه موافقة على مايجري من أمور فيها مخالفة لمعتقداتنا وآرائنا وتوجهاتنا ونظرتنا الاخلاقية للعالم . ولهذا لابد في رأي ان يكون هناك وضوح ولابد ان يكون هناك تصحيح . فالمفكر يجب ان لايصمت . ولابد له من رأي في القضايا المطروحة .
مثل هذا الجدل يحدث حينما تحل الكوارث فقد ثار في المانيا بعد الحرب العالمية الثانية وابان الستالينية . في المانيا أطلقوا على الذين لاذوا بالصمت وفيهم كتاب كبار مثل توماس مان " الارواح النبيلة " أولئك الذين آثروا السلامة وصمتوا عن ما ارتكبه النازيون من جرائم . مثل

هذه الارواح النبيلة لدينا منها كم كبير في السودان وخاصة بعد عام 1989 . ودائما ماتضع هذه المنعطفات المفكر بين خيارين إما الصمت والانزواء والجلوس على هامش الحياة الاجتماعية والسياسية مؤثرين السلامة الشخصية. أو الدخول في مواجهة لا أحد يتنبأ بعواقبها .
- نحن محظوظون.. فأنا شخصيا لا أستطيع أن أقول بأنني كنت في وضع صعب فقد عشت في الغرب ، حيث الحريات واستطعت أن أجد عملا اكتسب منه . لكن من المؤسف أن بعض الناس وهذه مشكلة النخبة دائما وجدوا انفسهم سواء كانوا سياسيين محترفين .. فانت سياسي محترف فلابد وأن تكون وزيرا أو شخصية في الحزب وهذا الحزب يمولك . وحتى كأكاديمي تكون لك وظيفة حكومية . وأحيانا ليس هذا فقط فقد تكون سلامتك الشخصية مهددة فالحديث أحيانا قد يصل بك الى السجن أو تطارد او ان تقتل . ولكن أعتقد نحن كوطن سوداني وكأمة عربية لن نتقدم مالم تكن هناك فئة من المفكرين الذين لديهم الجرأة للافصاح عن آرائهم . الآن توجد حالة من الانزواء والناس تلف وتدور وتخفي آراءها وتنافق واصبحنا فيما يشبه المتاهة . فالمؤتمر الوطني الحاكم يتحالف مع الحركة الشعبية رغم انه لايوجد مايجمعهم . والطائفية متحالفة مع اليسار . وفي هذه التحالفات كل واحد من الاطراف يبتلع مقولاته وكل يقول كلاماً لاعلاقة له بمعتقداته السياسية ويربط نفسه بها . هذه امور غير قابلة للاستمرار .
وهذه بالفعل مشكلة كبيرة ولابد لها من حل . ولابد كمجتمع ان يضع كل أوراقه على الطاولة ويقول ما يؤمن به ولنتفاوض على أساس ذلك حتى يكون هناك مجتمع سليم معافى وقائم على أسس سليمة وواضحة . لكن وفي هذه الظروف الحالية ومداراة المفكرين وتلونهم من الاشياء السلبية التي لاتخدم حلحلة قضايا السودان . ومن ذلك الكثير من الاخوة المعارضين الذين كانوا معنا هنا في لندن أصبحوا بعد إنتقاد شديد للحكومة أصبحوا جزءا منها بل وأسياد الحكم . فالحكم هو نفسه لم يتغير وهم انفسهم . وماتغير هو أنهم وجدوا إمكانية تغيير اللعبة وتحقيق فائدة وبعضهم اذا وجدته على انفراد يقول نفس كلامه القديم .
هل هي قدرة حربائية لدى المثقف السوداني ام انتهازية أم جبن؟
- انها ظاهرة سيئة لاشك. لكنها قديمة ظهرت منذ مؤتمر الخريجين الذي كان ضد الطائفية لكن بعد ذلك دخل كل الخريجين في الاحزاب الطائفية . ربما تكون هذه البداية . المفكر السوداني لديه قدر من عدم الصبر فهو لايريد أن يصبر ويناضل ويريد بلوغ هدفه سريعا . وفي بلد مثل السودان يمكن للمثقف ان يجد ضالته . فالمثقف يريد وظيفة وان تكون اعلى مايمكن كوزير ومتى مارأي نفسه في مكانة افضل من غيره تطلع لأن يكون وزيرا وهذا غاية المنى تحقق له الوضع المادي والجاه والمكانة . والفوائد التي تتحقق بعد ذلك من علاقات تستثمر المكانة في الوزارة لتحقيق مكاسب اقتصادية . اصبح هناك اعتماد شبه كامل على الدولة . وهذا الاعتماد يعني عدم تحمل العيش بعيدا عن المستوى الذي توفره الوزارة ولذا ينتظرون عودة الوزارة سريعا . فيعملون مع المعارضة ويخرجون مع المعارضة ثم يعودون بعودتها . وبعضهم يقدم نفسه ضمن اتصالات سرية لنيل فرصة في وزارة اخرى الخ .. فاصبحت هذه العقلية هي السائدة وربما هي موجودة في الجنوب اكثر من الشمال . فالمثقف الجنوبي اصبح لسنوات إما هو متمرد في الغابة أو وزير او مسئول في الدولة . الشمال أفضل قليلا في هذه الناحية ولكن أيضا لايوجد بين المثقفين التوجه المستقل اقتصاديا والاستقلال الذاتي .
أنا وأنت وغيرنا وجدنا في هذا المكان خارج الوطن لظروف غير طبيعية يعيشها السودان . بصورة اخرى ظل التجريب السياسي غير المدروس هو السمة العامة للحكم في السودان هل من مخرج .. هل ترى من مخرج من هذه الحلقة الشريرة والمأساوية؟
- عالميا هذه فترة انتهت فقد عرف العالم العديد من التجارب الانقلابية يسارية ويمينية . في عام 1989حينما وقع الانقلاب في السودان وللمصادفة شهد انهيار سور برلين ومعه انهارت الكثير من التجارب الانقلابية . في افريقيا بعد عام 1991 شهدنا سقوط التجربة في اثيوبيا والصومال . وعرفت افريقيا اتجاها واسعا نحو العودة الى الديمقراطية . والاستثناء الآن هو العالم العربي الذي لايزال يعيش في ذلك العصر . لكن الواضح أنه لم يعد امامنا مناص للتوجه نحو تجربة الديمقراطية الحقيقية . الحكومة في السودان تقول ان الاحزاب السودانية هي المشكلة وانها انتهت وقد يكون في ذلك جزء من الحقيقة . لكن ضمور الاحزاب وانهيارها سببه ايضا هو غياب الديمقراطية العامة وغياب الديمقراطية داخل الاحزاب نفسها . فاذا وجد مناخ ديمقراطي قد تنشأ احزاب جديدة وقد تتطور الاحزاب القائمة بصورة جديدة . وشروط الديمقراطية تختلف حتى في الدول الشرقية لم تكن هناك احزاب أساسا فالحزب الشيوعي الحاكم كان قد محا كل شيء . الآن قامت احزاب واصبحت تحكم . لذا يمكننا الجزم بأن الديمقراطية الحقيقية اذا جاءت يمكن ان تعود الحياة السياسية وروح الاصلاح والتجديد ونأمل ذلك في السودان .
الانقلاب في السودان دخل تجربة الحكم باسم الاسلام .. ثم أدخل معه وسائل من التعذيب ونشر للفساد بصورة غير مسبوقة في التاريخ السياسي للسودان .. وترك ذلك فصلا بائنا بين الناس داخل المجتمع السوداني سياسيا واقتصاديا .. وأقحم البلاد في حالة من الشك والاشتباه في كل من حولنا .. وهو مالم يكن في حسبان أحد.. كيف تنظر الى ذلك؟
- أنا وكما قلت في مرات كثيرة سابقة أن ماوجهته هذه الحكومة للاسلام والحركة الاسلامية من صربة عجز عنها أعداء الحركة الاسلامية والاسلام . التجربة وماتبعها من إنشقاقات الاسلاميين انفسهم وتنابذهم بالالقاب وشهادتهم على أنفسهم بهذا التنابذ ، وإتهام الترابي للحكومة بالفساد وموالاة الغرب واتهام الحكومة له بالدكتاتورية والانحراف ، اصبحت التهم من داخل الحركة الاسلامية ومن نفسها لنفسها . وهذا يجعل من الصعب جدا الآن سياسيا الحديث عن أن تأتي حركة اسلامية جديدة وتقدم برنامجا . واذا ماجاءت الآن انتخابات حرة وجاء انسان يتكلم باسم الشريعة فأنا اعتقد أنه سيواجه رفضا من الجماهير، وقلت في مرة أنه سيقذف بالحجارة من الناس . فقد ابتذلت هذه الشعارات وابتذلت الممارسات بحيث اصبحت تحتاج الى وقت للتخلص من آثارها السلبية التي تركتها. ومازاد المشكلة أن الاسلاميين كاسلاميين كما أشرت انت سابقا قد لاذوا بالصمت . فلم يقم حركة اسلامية او تيار اسلامي واسع يرفض هذا التصرف ويبرئ نفسه مما يجري . وعلى العكس من ذلك فان التيار المنشق للدكتور حسن الترابي لم يقدم أي نقد ذاتي .. ولم يقولوا نحن كحركة اسلامية قد أخطأنا في واحد.. أثنين.. ثلاثة ولهذا نأسف من هذه الاخطاء ونتوب عنها الخ .. لكننا نجد انهم على العكس يحاول د.الترابي في ورقته التي اعدها بمناسبة مرور 12 عاما على ثورة الانقاذ عام 2001 ورقة حملت اسم " عبرة المسيرة لاثني عشر عاما " قرأتها بتلهف وكنت أتوقع أن أجد فيها نقدا لهذه المسيرة لاثني عشر عاما فلم يكن فيها شيء من ذلك . بالعكس حاول فيها القول بأن الفترة التي كان فيها ممسكا بالامور حتى عام 1999 ان " كل شيء كان تمام " وأن لمجرد أنه كان يريد نشر الديمقراطية انقلب عليه العسكر لأنهم رافضون للديمقراطية . وهذا كلام لايقبله عقل . بل على العكس فقد كانت الفترة الأولى أسوأ الفترات التي حدث فيها التعذيب وبيوت الاشباح وكل الأمور هذه . فكان عليه أن يقول لقد فعلنا كذا وكذا .. وهذا كان خطأ والآن أدركنا هذا الخطأ. ولايمكن أن تقول ان كل شيء " كان تمام " الى ان جاءت الجماعة الأخرى وانقلبوا علينا . هذا كلام غير مقبول . ولهذا فإن غياب النقد الذاتي في الحركة الاسلامية هو الذي لايسمح الآن اذا جاءت حركة اخرى .. حركة اسلامية وخرجت على الناس ستواجه قطعا مشكلة كبيرة.
كانت هيمنة مطلقة على السلطة والتفكير باسم الناس وقمع اصواتهم والحكم باسمهم.. إنه تكرار سييء للتجربة في دول شرق اوروبا.. ولقد شعرت بالارتياح وانا أتابعك تتحدث في تلك الحلقة التلفزيونية من دون قيود..
- كتبت مقالة في صحيفة القدس مقالة حول هذا الموضوع وكتبت من قبل أيضا مقالة صدرت ضمن كتاب صدر هذا الشهر حول فكر الترابي ، وملخص الموضوع ان أزمة الترابي هي أزمة الحركة الاسلامية الحديثة عموما . هناك محاولة للتوفيق بين الاسلام والفكر الحداثي . وهذا مرده للحركة الاسلامية المعاصرة التي نبعت أصلا من الحداثة ومتأثرة بها وبأفكار الديمقراطية وحقوق الانسان وغيرها من الافكار . وتريد أن تبرز الاسلام على انه متوائم مع هذه الحداثة . وتحاول بشتى الطرق التخلص من الاشياء التي ترى فيها أنها تتعارض والحداثة . فهذه قضية صعبة جدا . فقد حاول محمود محمد طه مثلا قلب الآيات المكية والمدنية وأن يقول كل الايات المدنية منسوخة وبالتالي فالسنة نفسها منسوخة . ولم يستطع التخلص من هذا . بالنسبة للآخرين لديك الحدود والمرأة الخ.. ولابد من أن تجد شيئا من التوافق . وحاولوا دائما ان يميعوا القضايا التقليدية . هذا يقود الى رفض من التقليديين والعلماء والشارع عموما لكنه لايصل الى الحد الذي يجد القبول من الحداثيين والعلمانيين واصبحوا في وضع بين .. بين وبالذات الترابي . لأنه بدأ افكاره هذه مبكرا وتكلم عن المرأة وزواجها من الكتابي . لقد حاول أن يقارب الحداثة أكثر ولايتقيد بالنصوص كثيرا ، وكان يأخذ النصوص ويحورها . وهذا خلق له اشكالية مزدوجة كما ذكرت وعزلة بينه وبين الحداثيين وعزلة بينه والتقليديين . وهذا يعود الى نفس القصة الاولى قصة الحوار ، فالسياسة في نهاية الامر هي حوار . انت كحركة سياسية تطرح آراءك التي تامل ان يقبلها الشارع . وانت ومن قبلوها تعمل على الحوار مع من لم يقبلها للوصول الى صيغة وسطى .. هذه هي السياسة . الحركة الاسلامية وخاصة بعد الانقلاب تركوا أصلا موضوع السياسة والحوار . وكانوا يرون أن الأمور يمكن بلوغها بالسوط ( الكرباج ) والسيف والدولار . فكان يتعامل مع الناس إما بادخالهم المعتقلات ومكاتب الامن وتضربهم أو تمنحهم المال والمناصب الخ .. ومايزالون يشتغلون بهذه الفكرة وهذا هو إشكال أيديولوجي ومعه إشكال سياسي مستمر . فلابد من حصول معالجة للإشكال الايديولوجي وكيف يمكن حسم مسألة الاسلام والحداثة . والى أي حد يمكن ان نتحرك في اطارها . وهل الحسم والحل الذي تقترحه هل هو قابل لترويجه بين الجماهير وهل هو قابل للرواج بين النخبة وهذا هو الفصل المهم .
في ختام هذا الحوار هل من فكرة أو رسالة للنخبة المثقفة تعيد الى السودان توازنه وعافيته وتعيد لنا بعضا من الذي كان .. السودان الذي يتسع للجميع؟
- أنا أرى شيئين وكما ذكرت في الأول أن النخبة وحتى تقدم مساهمة جادة لابد لها من مبدئية وان تتخلص من الانتهازية والوصولية التي سادت بين النخبة والى الآن . وأن يكون هناك مفكرون مبدئيون . مفكرون يحترمون مبادئهم سواء كانوا يساريين أو يمينيين أو ليبراليين . المهم أن تكون لديهم مبادئ في الأول ، ثم بعد ذلك ان يقوم وعلى أساس هذه المبادئ حوار حقيقي بين الناس على أساس احترام كل مفكر وكل حركة والوصول الى صيغة وطنية بالتراضي بين الشمال والجنوب وبين الشرق والغرب بين اليسار واليمين وحتى بين الطائفية والحداثة . وأرى أن نبدع نحن فكرا جديدا . وأن نحن ننزل الفكر الليبرالي الحديث على واقعنا والذي فيه مخالفة لهذا الواقع . فنحن مثلا نرفض الانتخابات اذا ماجاءت بالطائفية. يجب أن نتعايش مع واقعنا وليس أن نكون أسرى لهذا الواقع . ويجب أن ننتج نظريات تتحرك من هذا الواقع لكن أن تحدث التغيير من داخله . وهذا في اعتقادي غائب عنا . أفكارنا سواء كانت ماركسية أو اسلامية أو ليبرالية هي في وادٍ والواقع والمواطن في وادٍ آخر . وهذا أيضا سبب من الاسباب التي تؤدي الى الفشل والدكتاتورية.

نشر هذا الحوار بتاريخ :16 مايو 2006 م بسودانيزاون لاين
المصدر:http://www.sudaneseonline.com/cgi-bin/ar/exec/view.cgi/3/74

Post: #847
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-01-2008, 00:32 AM
Parent: #1


الموسوعة الميسرة
في الأديان والمذاهب والأحزاب
المعاصرة

الندوة العالمية للشباب الإسلامي

( مع شيئ من التهذيب والتصرف المفيد )
===========
الحزب الجمهوري في السودان

التعريف:
هو حزب (*) سوداني أسسه محمود طه ليدعو إلى قيام حكومة فيدرالية ديمقراطية (*) اشتراكية (*) تحكم بالشريعة الإسلامية - كما يزعم - . ومبادئ الحزب(*) مزيج من الأفكار الصوفية الغالية والفلسفات المختلفة مع شيء من الغموض والتعقيد المقصود بغية إخفاء كثير من الحقائق أولاً ولجذب أنظار المثقفين ثانياً.

التأسيس وأبرز الشخصيات:
• مؤسس هذا الحزب هو المهندس محمود طه الذي ولد عام 1911م وتخرج في جامعة الخرطوم أيام الإنجليز عندما كان اسمها (كلية الخرطوم التذكارية) عام 1936م.




www.tawdeeh.com/maktaba/mawsooaa.doc
__

Post: #848
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-01-2008, 00:33 AM
Parent: #847


إسلامية المعرفة .. الأصول والتمويه/2
ابو القاسم حاج حمد

". واتهم فكري " بالغنوصية " والأدهى من ذلك أنه ماثله بكتاب للشهيد السوداني المتصوف " محمود محمد طه " الذي أعدمه " نميري " بتهمة " الردة " بتاريخ 18 يناير ( كانون ثاني ) 1985 م / 27 ربيع الثاني 1405 هـ (25)، وقد تشابه عنوانا كتابينا على الدكتور عمارة، فكتابي عنوانه " العالمية " – الإسلامية الثانية وكتاب الشهيد محمود محمد طه هو " الرسالة " – الثانية من الإسلام حيث يماهي دوره بدور خاتم الرسل والنبيين، ومنهج محمود – خلافاً لمنهجنا – " صوفي تأملي " ومنهجنا يقوم على الربط بين " جدليات ثلاث " هي : الغيب والإنسان والطبيعة، ويتضمن كتابي "العالمية " نقداً لمفاهيم محمود محمد طه ونهجه (26) في مقطع عنوانه ( شبهات التداخل بين " العالمية " الإسلامية الثانية و " الرسالة " الثانية من الإسلام ).




فالدكتور عمارة اتهمني ولم يقرأ لي ولم يقرأ لمحمود محمد طه ثم أنذر بمقاطعة المعهد العالمي للفكر الإسلامي !!! وزاد إلى ذلك " وللأسف نجد لفكر أبي القاسم هذا انتشاراً في بعض البلاد الإسلامية ..




http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&...ew&id=3860&Itemid=27
_________________

Post: #849
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-01-2008, 00:34 AM
Parent: #848


هل يؤمن المسلمون باله واحد؟
علي الموسوي

وليس اخيرا ماحصل للمفكرالاسلامي الشهيد محمود محمد طه صاحب( الرسالة الثانية من الاسلام ) الذي اتهم بالارتداد ثم حكم بالاعدام في الخرطوم بتاريخ 18 يناير 1985 في حكومة النميري ، والمفارقة الغريبة ان السيد حسن الترابي كان حين صدور الحكم وتنفيذه النائب العام في السودان ، مما يعني اطلاعه على الحكم ان لم يكن له دور في صدوره ، ومكمن المفارقة ان الترابي الذي شهد اعدام هذا المفكر الاسلامي بلا ان يصدر عنه مايدين ذلك او يحتج عليه هاهو الان يتبنى ذات النسق الفكري الذي قتل الشهيد طه من اجله ، ونصر حامد ابو زيد الذي اضطره ارهاب الكهنوت ان يغادر بلده ليعيش منفيا بعد ان قرروا فصله عن زوجته وآخرين غيرهم .




http://almothaqaf.com/index.php?option=com_content&task...ew&id=1603&Itemid=81
__

Post: #850
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-01-2008, 00:35 AM
Parent: #849


بانوراما عربية فى التصفية الجسدية

صادف 18 من شهر يناير الماضى الذكرى الثانية والعشرين لإعدام المفكر السودانى الإسلامى محمود محمد طه بتهمة الردة عن الإسلام، فى سابقة تاريخية هى الأولى من نوعها فى التاريخ العربى الحديث، حيث لم يحدث أن إرتقى مفكر عربى المقصلة بسبب "آرائه" الفكرية و التى إعتبرتها "الدولة العربية" إرتدادا عن الإسلام. نعم لقد شهد التاريخ العربى قبل و بعد 1985 –تاريخ إعدام المفكر محمود محمد طه



http://daftarwatan.blogspot.com/
_________________

Post: #851
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-01-2008, 00:36 AM
Parent: #850


فكأن شبح الأستاذ محمود طه، الذي لعب الترابي الدور الرئيسي في إعدامه في 18 يناير 1985، وإخفاء جثّته (ما يزال قبره مجهولاً حتى يومنا) يعود ليلاحق قتلته. يبقى أننا نحن نؤيّد الـ100 شخصية سودانية التي رفضت دعاوى تكفير الترابي واستتابته، وطالبت بإلغاء مادة التكفير من القانون السوداني لأنها "تتناقض مع حرية الفكر والتعبير وحقوق الانسان مشيرين الى ان دعاوى التكفير لا تمثل في حقيقتها مرجعية قطعية في الدين ولا ملزمة للدولة أو المجتمع".




http://www.chihab.net/modules.php?name=News&file=article&sid=1270
_________________

Post: #852
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-01-2008, 03:52 PM
Parent: #1


الاجتهاد كاعدام محمود محمد طه.



https://mariam.katib.org/rss.xml
_________________

Post: #854
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-01-2008, 05:48 PM
Parent: #1


رزنامة الأسبوع

سِيكُو!

SICKO!



كمال الجزولي
[email protected]

الإثنين

ليس أوجع، في باب التعبير عن تربُّص نظام النميري لقتل الشهيد محمود، من رمي محاكمته المهزلة بـ (السلبطة السياسيَّة!)، كما وصفها د. الطيِّب زين العابدين (أجراس الحريَّة، 18/4/08). وفي الحقيقة فقد كانت (السلبطة) ديدن ذلك النظام دائماً، ومنهجه الذي لم يعرف سواه، ولطالما تخيَّر لها قضاة (متسلبطين) كلما أراد تصفية حساب ما مع هذا أو ذاك من الخصوم.

أذكر أننا كنا، قبيل تلك المحاكمة، قد انتظمنا في هيئة دفاع عن مجموعة بعثيين اتهموا بإدارة (وكر) لطباعة المنشورات المعارضة، وذلك أمام ما سُمي، حينها، بـ (محكمة الطوارئ رقم/1) بأم درمان برئاسة المكاشفي. وأذكر من أعضاء تلك الهيئة التي أبلت بلاءً حسناً، وأبدت مهارة فائقة: د. أمين مكي، د. أبو حريرة، الصادق الشامي، مصطفى عبد القادر، المرحوم عبد الله صالح، سيِّد عيسى، علي السيِّد وآخرين. ولمَّا بدا جليَّاً أن بيِّنات الاتهام على درجة مزرية من الهزال أمر القاضي باستدعاء د. الساعوري، الكادر الاسلاموي، ورئيس شعبة العلوم السياسيَّة بجامعة أم درمان الاسلاميَّة، كشاهد خبرة، فغلب لدينا نزوع المحكمة لتجريم فكر البعث ذاته بحسبانه فكراً (ملحداً)! وكانت المادة/3 من قانون أصول الاحكام القضائيَّة مفعَّلة، وقتها، كأحد أخطر مهدِّدات العدالة، إذ تبيح للقاضي أن يضيف للائحة الاتهام أيَّة (جريمة!) مِمَّا (يتصوَّر) في (الشريعة!)، حتى لو لم تكن منصوصاً عليها في القانون!

كانت الجلسات تعقد يوميَّاً، ولذا كنا نتوزَّع، مسبقاً، مهمَّة ابتدار مناقشة شهود الاتهام. وحدث أن وقعت من نصيبي مناقشة د. الساعوري ذات يوم تال، فبقيت ساهراً، الليل بأكمله، مهموماً بما عساه يكون مدخلي لدحض إفادته في ما لو ذهب، فعلاً، باتجاه دمغ البعث بـ (الإلحاد)! وانحصرت خياراتي في مدخلين: فكري وعملي. لكن، بالنظر إلى جملة الظروف المحيطة، بدا لي الحِجاج الفكري، أمام تلك المحكمة، عبثاً لا طائل من ورائه! فمَن لي، إذن، بالمدخل العملي؟!

تذكرت أننا كنا لمحنا، من بين (معروضات الاتهام)، كتاب ميشيل عفلق (في سبيل البعث)، فقدَّرت أن المحكمة ستنتقي بعض فقراته، ولا بُدَّ، كي يُبدي شاهد الخبرة رأيه فيها. ولما كانت ثمَّة نسخة منه، لحسن الحظ، في مكتبتي المنزليَّة، فقد عكفت عليها أراجعها. لكنني ما وجدت سوى فقرة واحدة يصنف فيها عفلق (الإسلام) ضمن (مقوِّمات الحضارة العربيَّة)، جنباً إلى جنب مع (الشعر الجاهلي)، و(الفنون الشعبيَّة) .. الخ. ولعلمي بمنهج الاسلامويين التبسيطي الشكلاني في مطاردة العبارات المجتزأة من سياقاتها، فقد قلت لنفسي: هي تلك، إذن، بلا أدنى شك!

هداني البحث عن المدخل العملي لأن ألتقط أيضاً من مكتبتي كتيِّباً سودانياً قديماً كان قد وُضِعَ بتأثير الفكر القومي العربي. ولم يطل بي البحث حتى وجدت ضالتي فيه، الفكرة ذاتها مصاغة بما يشبه، حدَّ التطابق، صيغة عفلق! ولا غرو، فتيَّارات القوميين العرب قبيلة تتقارب مصادرها الفكريَّة على اختلاف بطونها وأفخاذها!

أودعت الكتيِّب حقيبتي، وتوجهت، في الصباح، إلى المحكمة، متوكلاً على الحيِّ الذي لا يموت! وبالفعل، مثلما توقعت، عرضت المحكمة على (شاهد الخبرة) كتاب عفلق مفتوحاً على الصفحة التي تتضمَّن تلك الصيغة، فقرأها بصوت عال، ثم سألته عن رأيه فيها، فأجاب بأنها (إلحاديَّة) تساوي بين كلام الله وكلام البشر! إكتفت المحكمة بذلك، ومنحتني الفرصة لمناقشة الشاهد. فأخرجت الكتيِّب الآخر من حقيبتي، وقدَّمته إليه مفتوحاً على الصفحة التي تتضمن الصيغة المشابهة، فقرأها بصوت عال. ثمَّ سألته إن كان يجد أيَّ فرق بينها وبين صيغة عفلق، فأجاب بلا. فسألته إن كان ذلك يعني أن حكم (الإلحاد) ينسحب عليها أيضاً، وبالضرورة، فأجاب بنعم. لحظتها طلبت منه أن يقرأ عنوان الكتيِّب جهراً، ففعل، فإذا به (ميثاق العمل الوطني)، أحد أهمِّ وثائق (الاتحاد الاشتراكي) .. حزب النميري الحاكم أيامها!

ما حدث بعد ذلك لم يقتصر على انفجار القاعة بالضحك المجلجل، أو انخراط (الخبير الاسلاموي) في قسم مغلظ بالله تعالى على أنه ما جاء لـ (تجريم) أحد ولا فكر، أو توتر المحكمة التي فوجئت بالأمر فأسقط في يدها تماماً، بل تعدَّى ذلك كله إلى ما هو أكبر أثراً وخطراً، حيث أقدم المرحوم الرشيد الطاهر، وزير العدل النائب العام أوان ذاك، على مخاطبة رئيس الجمهوريَّة، واصفاً المحكمة بأنها "تهرف بما لاتعرف"، وأنها أساءت لسمعة النظام، وجعلته هزءاً، أو نحو ذلك!

ثمَّة مفارقة أخرى تتصل بتلك الواقعة، هي أننا، بعد أن نجحنا في إسقاط تهمة (الإلحاد) التي أريد لها أن تلحق بموكلينا من باب (السلبطة السياسيَّة)، بمصطلح زين العابدين، وصلتنا خطابات من بغداد، ممهورة بتوقيع المرحوم بدر الدين مدثر، عضو القيادة القوميَّة لحزب البعث، وقتها، يشيد بجهدنا، مؤكداً على أننا .. لا بُدَّ وجدنا في (فكر البعث) حافزاً قوياً للدفاع عن المتهمين!

الثلاثاء

حاول، مرَّة، أن تتخلص من صمغ نبرة الخطاب (الثورجي) اللبيك، السائد في الكثير مِمَّا يصابحك، يوميَّاً، من كتابات، وأن تتأمل في ما وراء (ضجَّته) العالية، و(هديره) الدَّاوي، لتكتشف أنه لا يبرح، قيد أنملة، كونه مجرَّد خواء عريض يصلُّ صليلاً، ومحض شنشنة تعزف على أوتار (حريق الرُّوح) الجماهيري العام، وأما في ما عدا ذلك فلا ينطوي على أيَّة (ثمرة) .. لا عِلة تشرَّح، ولا حلاً يُقترح، ولا خطة تقدَّم، ولا مخرجاً، بالمرَّة، من أزماتنا يُضاء! وإنْ هو، في نهاية المطاف، إلا (نقنقة) كثيفة .. والسلام!

كثرة (النِقة) بلا (ثمرة) مِن أخصِّ خصائص إنتليجينسيا البرجوازيَّة الصغيرة في بلادنا، والتي ينتسب إليها نفرٌ نشط من مسوِّدي الصحائف، بكلِّ ما يخالط مناهجها، وأساليبها، وطرائق تفكيرها من تأثيرات (الذهن الرعوي)!

وقد سبق لنا، في محاولة لاستكناه جوهر أزمتنا السياسيَّة، أن لاحظنا، للمفارقة، هيمنة فئة الانتلجينسيا، المستعربة المسلمة الخارجة، فى غالبها، من جلباب الطبقة الوسطى، على المفاصل الأساسيَّة للعمل السياسى والاجتماعى فى كلِّ حقوله وساحاته، وتزعُّمها المطلق لأحزابه وكياناته، وتأثيرها الشديد على خطابه وأدائه، فضلاً عن سيطرتها على قنوات المعرفة والاتصال الجماهيري من صحافة وراديو وتلفزيون وما إلى ذلك من المؤسسات المعنيَّة بتشكيل الوعى الاجتماعى العام. على أن الكثيرين منهم، للأسف، ما تنفك تستغرقهم الجزئيَّات المفككة كبقيعات السراب هنا وهناك، يجترُّون سائد تعابيرها، ويتبلغون دارج مسكوكاتها، ليعيدوا إنتاجها (نقنقة) على الورق، ومن فوق المنابر، يداعبون بها (ما يطلبه المستمعون!)، دون أن يرفعوا (أبصارهم)، ولو قليلاً، من تحت الماء، ليمعنوا النظر في (المفكك)، ويحاولوا لمَّ شعثه في (كليَّات) تعينهم على التفكير المستنير، علَّ (بصيرة ما) تهديهم إلى حكمة أخرى، رؤية أقرب إلى الحقيقة، طالما أن الحقيقة المطلقة غير موجودة، وطالما أن إدمان (ركوب الرأس)، و(تجريب المُجرَّب)، لن يُفضي سوى إلى (ندامة) السير بأعين معصوبة خلف (وهم الكونكورد ـ Concorde Fallacy)، أو اتخاذ (المواقف) خلف مرحلة التطور الحيواني التي تفترض هجر الطريق المسدود إلى غيره ، على حدِّ إشارة د. محمد سليمان الذكية في كتابه (السودان: حروب الموارد والهوية).

إنحدار غالب هذه الفئة الاجتماعيَّة من رحم الطبقة الوسطى بسماتها العامة الملازمة لتركيبتها منذ أول نشأتها في بلد لما يزل تحت الاستعمار كالسودان، هو، إذن، من أهمِّ العوامل التى أورثتها خصائصها الفكريَّة السالبة، وتسبَّبت في إضعاف قدراتها القياديَّة، تحت ثقل السلطة المعنويَّة لمنظومة القيم الاجتماعيَّة السائدة، (الرعويَّة) بالأساس! فقد تنشَّأت هذه الطبقة في إطار خارطة اقتصاديَّة سياسيَّة اجتماعيَّة لعب التدخل الخارجي، عشيَّة ومطالع القرن العشرين، الدور الأساسي في تشكيلها بصورة مغايرة للنمط الذي تشكلت به في المجتمعات الرأسماليَّة الصناعيَّة فى الغرب، حيث ألحق الاستعمار السودان بالنظام الرأسمالي العالمي، في الوقت الذي كانت فيه أشكال الإنتاج السابقة على الرأسماليَّة ما تزال تلعب الدور الأهم في اقتصادياته. وبالتالي أضحت الطبقة الوسطى متنازعة بين إغواء الفرص المتاحة للصعود، وبين رعب السقوط في مصير الفقر المستشري، مِمَّا ابتلاها بدوافع التراجع والانكسار بقدر ما أكسبها من مقوِّمات الثوريَّة! هذا الواقع الملتبس، بالذات، هو الذى شكل العامل الأكثر خطورة ضمن العوامل الجدليَّة لتذبذب هذه الطبقة، وفئة الانتليجينسيا المنحدر غالبها منها، على صعيدي البنية الفكريَّة والأداء السياسى!

إنهارت الطبقة الوسطى، فعادت أثراً من بعد عين، لكن فكرها ومزاجها ما يزالان فاعلين، ناشطين، بل .. ومتسيِّدين!

الأربعاء

بصرف النظر عن أيِّ موقف مؤيِّد أو معارض للحكومة، فإن أقلَّ ما يمكن أن يوصف به منطق مندوبها الدائم لدى الأمم المتحدة، السفير عبد المحمود عبد الحليم، هو أنه عجيبٌ حقاً، إن لم يكن مجرَّد .. دافوري!

وحتى لا نتهم بالتجني على الرجل، ها دونكم إحدى (شوتاته) .. الضفاري! ففي التقرير الذي قدَّمه جون هولمز، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشئون الانسانيَّة، أمام مجلس الأمن بتاريخ 22/4/08، قدَّر أن عدد قتلى النزاع في دارفور قد ارتفع إلى 300,000 قتيل. فما كان من المندوب الدائم للحكومة إلا أن سارع لوصف هذا التقدير بأنه "فاقد للصدقيَّة ومضلل"! وأبلغ (رويترز) بأن العدد لا يتجاوز 10,000، مطالباً هولمز "بالكشف عن مصادر الدراسة التي استقى منها معلوماته!" (الرأي العام 23/4/08). وبالطبع لم يكلف سعادة السفير نفسه مشقة الكشف عن "مصادر الدراسة التي استقى منها معلوماته" هو ذاته، فانطبق عليه المثل الشعبي السائر وسط مستعربي السودان عن (الخاتنة وموساها)!

لكن صبراً! فليس هذا وحده هو مربط الفرس، إذ أن لسعادة السفير سابقة مشهورة مع (رويترز) نفسها في يناير الماضي، حين تناقلت أجهزة الإعلام العالميَّة، وقتها، أن نيران أسلحة خفيفة وقذائف صاروخية أطلقت، لمدة 12 دقيقة، على قافلة إمداد تابعة لبعثة الامم المتحدة والاتحاد الافريقي المشتركة، خلال توجهها، في ساعة متأخرة من ليلة 7/1/08، الى بلدة الطينة في دارفور، وقالت الأمم المتحدة إن القوات السودانيَّة هي التي أطلقت تلك النيران، فما كان من سعادة المندوب الدائم إلا أن سارع للمغالطة، بذات الأسلوب، وعبر تصريحات صحفيَّة رسميَّة في 9/1/08، بأن متمردي حركة العدل والمساواة، لا القوَّات السودانيَّة، هم الذين أطلقوا تلك النيران! لكن، لم يكد يمضي سوى يوم واحد على ذلك التصريح/المغالطة، حتى أدلى الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة بتصريح مغاير لوكالة السودان للأنباء، نقلته عنها الصحافة العالميَّة، بأن القوَّات السودانيَّة هي التي أطلقت النيران على القافلة نتيجة "خطأ مشترك"، وأن قيادة المنطقة الغربية اعتذرت عن ذلك لممثل بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي (رويترز، 11/1/08).

مع ذلك فإن سعادة السفير ما يزال لا يجد في نفسه حرجاً من رمي الآخرين بـ (عدم الصدقيَّة) و(التضليل)!

الخميس

منذ دهور لم يمتعني مخرج سينمائي مثلما أمتعني مايكل مور بفيلمه الوثائقي الأخير (سيكو ـ Sicko). شريط في غاية التماسك عكف عليه هذا المخرج الأمريكي الذي وهبه الله بسطة في البدن والفكر والخيال، مع خبرة وثيقة، ودربة رفيعة، وحرفيَّة عالية، فجاء آية في الاتقان من حيث جلاء الصورة، والصوت، وسلاسة المونتاج، واتساق الألوان، وأناقة الكادرات، ورشاقة حركة الكاميرا، وذكاء زوايا الالتقاط، وقوَّة تعبير المؤثرات المبهرة، ووسامة القطع الموسيقيَّة المختارة.

في البادي من اسم الفيلم أنه منحوت من اللعب على كلمة (sick) بمعنى (مريض)، ومختصرة (psycho) في معنى (مريض نفسياً). ولعله مستوحى، أيضاً، من الاسم الذي كان أطلقه مخرج أفلام الرُّعب البارع ألفريد هيتشكوك على فيلمه الشهير في ستينات القرن المنصرم!

مهما يكن من أمر، فقد هزَّني مضمون الفيلم، حدَّ الإفزاع، بأطروحته وافرة البساطة، شديدة التعقيد: خمسون مليون مواطن أمريكي يصلون، صباح مساء، كيلا يصيبهم مرض، بينما ثمانية عشر مليوناً منهم مرشحون للموت خلال نفس السنة، كونهم، وهم مَن يعيشون في جنَّة (الحُلم الأمريكي) الباذخ، عاجزين، بسبب الفقر، عن الحصول على .. بطاقات تأمين صحِّي! نماذج مرضى مفلسين على (الحديدة) يعانون من أورام في المخ، وسرطانات في الثدي، ومشكلات في الشعب الهوائيَّة، وإصابات عمل فقدوا، بسببها، أطرافهم، لكن ليس لهم سوى أن يواصلوا مكابدة شظف العيش، دَعْ أن يوفروا تكلفة العلاج المبهظة. نماذج مكلومين ما أن يستنطقهم مايكل بنفسه، حتى تخنقهم العبرات، ويشرقوا بالدمع الهتون في نوبات بكاء كتيم تستحيل حتى آلة التصوير إزاءه إلى بشر سويٍّ يتفجَّر بأنبل لقطات (كلوز أب) تمزِّق نياط أقسى القلوب! و .. قال منظف الحمَّامات العجوز:

ـ "سأظلُّ أنظفها حتى أموت، ولا أستطيع التوقف، لأن زوجتي تحتاج إلى ثمن الدواء الذي توفره المؤسَّسة طالما أواصل العمل فيها"!

..............................

..............................

يستعرض الفيلم قائمة طويلة بالأمراض غير المشمولة، ابتداءً، ببطاقة التأمين! والأنكى أن ضواري شركات التأمين الخاصَّة يتقنون صناعة الإفلات من الالتزام بتغطية نفقات العلاج حتى للمرضى الذين حصلوا، بشقِّ الأنفس، على هذه البطاقات. هؤلاء قوم لا همَّ لهم سوى مراكمة الأرباح الفاحشة. ولأجل ذلك يستخدمون جيوشاً جرَّارة من مستشارين قانونيين وطبِّيين عملهم الأساسي اجتراح ما لا يخطر على قلب بشر من التفاسير والتأويلات، وما لا أوَّل له ولا آخر من الأحابيل والمغالطات، وكلَّ ما من شأنه أن يخترع ثغرة تخرج الزبون من دائرة الاستحقاق التي يكون قد دفع فيها دم قلبه! أحدهم قال لمايكل، ضاحكاً:

ـ "لحظة المطالبة تكون أذهاننا مشغولة بأمر واحد فقط .. إلغاء البوليصة بأيِّ سبيل، أو إيجاد أيَّة وسيلة لإخراجها، على الأقل، من نطاق التأمين! ومن أجل هذا نفعل كلَّ شئ، ونتعامل مع كلِّ حالة، مهما صغر شأنها، وكأننا نتعامل مع قضيَّة قتل كبرى! مهمَّتنا، في الحقيقة، أن نضخم أرباح الشركة عند نهاية السنة"!

وهكذا فإن القاعدة واجبة الاتباع، في كلِّ الأحوال، هي: (رعاية صحيَّة أقل تساوي أرباحاً رأسماليَّة أكبر)!

لم يستثن لؤم المؤسَّسة من شرور هذه القاعدة حتى أفراد فيالق المطافئ ومتطوِّعي فرق الانقاذ والدفاع المدني الذين واجهوا الأهوال في إثر كارثة الحادي عشر من سبتمبر! فأولئك الذين ظلوا يجوسون، ليل نهار، وببسالة منقطعة النظير، بحثاً عن الضحايا بين أنقاض الهيكل الخرافي المتبقي مِمَّا كان يُعرف بمركز التجارة العالمي الذي اعتبر دائماً من مفاخر العمارة الأمريكيَّة، قبل أن يستحيل، في لحظات قلائل، إلى تلال متراكمة من غبار الخرائب، وكتل الحديد، وأكوام الخرسانة المسلحة، رفعهم الوجدان الوطني الأمريكي، مثلما رفعتهم، للمفارقة، الخطب الرسميَّة المخاتلة، إلى مصاف الأبطال. لكنهم، حين أورثهم عملهم النبيل ذاك، لاحقاً، مختلف الأمراض، جحدتهم المؤسَّسة حقهم المستحق في الرعاية الصحيَّة، وحرمتهم، بشتى الذرائع، من أبسط فرص العلاج!

..............................

..............................

ومن ذاكرة الفيلم الاسترجاعيَّة أن آل كلنتون، أوَّل دخولهم البيت الأبيض، رفعت هيلاري، سيِّدتهم الأولى آنذاك، ومرشَّحة الرئاسة، الآن، عن الحزب الديموقراطي، شعار: (رعاية صحيَّة لكلِّ فرد)! فجُنَّ جنون طغمة المؤسَّسة: "ما هذا؟! إشتراكيَّة العلاج"؟! هكذا أطلَّ، على الفور، في كوابيس رأسماليَّة الخدمات الطبيَّة، (شبح الاشتراكيَّة) .. خط (الموت الأحمر) اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً! فانطلقوا يضعون العراقيل أمام الشعار، ويدخلون عصيَّهم في عجلته، وينفقون ملايين الدولارات لسحقه في مهده، مستخدمين في سبيل ذلك كلَّ الأساليب، المشروع منها وغير المشروع، بما في ذلك تقريب (النار) من ثوب الرئيس والسيِّدة الأولى اللذين أفزعتهما الرسالة، فسارعا إلى التراجع غير المنتظم!

من يومها، وحتى نهاية ولايتهم، لم يعُد أحد يسمع من آل كلنتون حرفاً واحداً عن تلك الخطة (الخطرة)!

ويمضي الفيلم يفضح الصفقات الوضيعة التي تجري في أروقة الكونغرس لتمرير مختلف المشاريع التي تضمن لشركات التأمين الصِّحي، ومؤسَّساته الخاصَّة، جني المزيد من الأرباح الضخمة.

..............................

..............................

وفي مشاهد متلاحقة تحبس الأنفاس، تنتقل كاميرا مايكل إلى كندا وبريطانيا وفرنسا، تقارن، نقديَّاً، بين نظمها الصحيَّة والنظام الأمريكي، حيث تلك أفضل حالاً بما لا يقاس، مِمَّا جعل متوسط الأعمار في ظلها أطول منه في أمريكا!

نظام الرعاية الصحيَّة، في تلك البلدان، مغطى تماماً بنظام (التأمين الاجتماعي) الشامل، فلا يُشترط أن تكون لدى المواطن بطاقة تأمين صحيٍّ خاصَّة ليتلقى الخدمة الطبيَّة التي يحتاجها بتكاليف زهيدة نسبياً. نائب سابق بمجلس العموم البريطاني عزا الأمر برمَّته إلى (الديموقراطيَّة) التي مكنت من إدخال نظام (التأمين الاجتماعي) أواخر أربعينات القرن المنصرم، في عقابيل الحرب الثانية، قال لمايكل:

ـ "بدأ الأمر لدينا، وقتها، بتساؤل بسيط عمَّا إذا كان من المقبول عقلاً أن يعجزنا توفير الميزانيات لعلاج الناس، بينما كنا قد وفرناها، خلال الحرب، لقتل الألمان"!

(الديموقراطيَّة السياسيَّة)؟! نعم، فإليها يعود الفضل، يقيناً، في إشاعة المناخ الملائم لحريَّة التفكير، والرأي، والتعبير، والنقد، وفحص البدائل، وتداول الخيارات، وطرح الأسئلة الصحيحة، ما في ذلك أدنى شك. على أن البرلماني المحترم أغفل الاشارة، في ذات السياق، إلى فضل تأثير (الاشتراكيَّة) التي قدَّمت للعالم، أوان ذاك، نموذجها الضاغط والمتحدِّي في باب (العدالة الاجتماعيَّة) على كلِّ الأصعدة، بما في ذلك (الرعاية الصحيَّة) للجميع، تنهض بواجباتها دولة أحالت الفرز والتحيُّز الطبقيَّين إلى المتحف! فكان لا بُدَّ لأثر ذلك (الحلم الانساني) أن ينعكس، بشكل واضح، وإن بدرجات متفاوتة، على حراكات ملايين الكادحين، ونقاباتهم، واتحاداتهم المهنيَّة، وتنظيماتهم السياسيَّة، ونتاجات مفكريهم ومبدعيهم في البلدان الرأسماليَّة، وفي أوربا، بالأخص، لعوامل القرب الجغرافي، والتشابه الثقافي، والتاريخ المشترك، مِمَّا فرض على الدولة، في هذه البلدان، مجابهة تلك التحديات بابتداع نظم (التأمين الاجتماعي) لتخفيف ضغط الاحتقان المفضي، حتماً، للانفجار! ولعلَّ مِمَّا يؤكد ذلك، بوجه خاص، أنه، ما أن لاحت نذر الضعف والتفكُّك على المنظومة الاشتراكيَّة، حتى برزت إلى السطح، أقوى من أيِّ وقت مضى، بوادر الارتداد عن حقوق الكادحين المكتسبة في تلك البلدان، من خلال نظريات (الريغانيَّة) و(الثاتشريَّة) و(مدرسة شيكاغو) في الاقتصاد، وتيارات (الرأسماليَّة المتوحِّشة) كافة، والتي لا تعترف سوى بمنطق (الرِّبح) .. و(الرِّبح) وحده!

..............................

..............................

في الجزء الأخير من الفيلم يصعِّد مايكل من نبرة رؤيته، دافعاً بها إلى أقصى أمداء التجرُّؤ والاقتدار، فيعمد إلى اصطحاب بعض المرضى من (ابطال) الحادي عشر من سبتمبر في رحلة غير مشروعة على متن زورق إلى الساحل .. الكوبي:

ـ "كوبا التي ظلوا يُدخلون في روعنا، طوال خمسة وأربعين سنة، أنها المكان الأسوأ في العالم، وجدناها مزوَّدة بأفضل نظام للرعاية الصحيَّة، لدرجة أن متوسط عمر الفرد هناك أطول مِمَّا هو عليه في أمريكا"!

مريضة من (بعثة مايكل) ذهلت لمَّا وجدت أن الكشف الطبي الذي تحتاجه مجَّانيُّ في هذه الدولة الاشتراكيَّة الصغيرة، أما الدواء فلا يزيد سعره عن 5 سنتات، بينما سعره في بلدها أمريكا يتجاوز الـ 120 دولار، أي 2400 ضعفاً .. فأجهشت بالبكاء وهي تحزم منه ما يكفيها لثلاث سنوات!

..............................

..............................

فرضيَّة مايكل الأساسيَّة التي ظلَّ يختبرها بصبر وأناة، طوال ساعتين وثلاث دقائق هي زمن الفيلم، قائمة في كون النظام الذي يوفر كلَّ حقوق التعبير والتنظيم والانتخاب، بينما يعيش الناس في ظله محرومين من أبسط فرص العلاج المجاني، ليس نظاماً (ديموقراطياً) بعد! وهذا صحيح تماماً. غير أن الصحيح أيضاً، وبالمقابل، أن النظام الذي يوفر كلَّ فرص العلاج المجاني، بينما يعيش الناس في ظله محرومين من أبسط حقوق التعبير والتنظيم والانتخاب، هو أيضاً ليس نظاماً (إشتراكياً) بعد! وقد حقَّ للناس، في كلا الحدَّين، أن يصرخوا!

المشكلة، إذن، ليست، فقط، في نوع الأنظمة التي تتأسَّس على شموليَّة خانقة تجحد المواطن حقوقه السياسيَّة والاقتصاديَّة الاجتماعيَّة، بل أيضاً في نوع الأنظمة التي تنكفئ على ممارسة شكليَّة لديموقراطيَّة سياسيَّة خالية من أيِّ محتوى اقتصادي اجتماعي يتسم بالعدل .. وكلا النوعين مرفوض!

الجمعة

إستطلعت هذه الصحيفة آراء بعض الكتاب حول (التوجيه) الذي أصدره رئيس الجمهوريَّة، مؤخراً، بتوفير (مِنح تفرُّغ) للمبدعين والباحثين والأكاديميين. ولما كنت أحد الذين استطلعت آراؤهم، فقد استغرقتني، في ما يبدو، أحلام اليقظة، لدرجة أنني مضيت أقترح شكلاً مناسباً لتنفيذ هذا (التوجيه)، قبل أن أتأكد تماماً من أن (رجال الرئيس) ليس لديهم رأي آخر! لكن، حين راجعت الاستطلاع منشوراً في عدد اليوم، نبهتني كلمة د. أبو القاسم قور إلى هذه الحقيقة المؤلمة، إذ جزم بنبرة (ميلودراميَّة)، على حدِّ وصف الأستاذ عثمان شنقر، قائلاً "إن مستشاري الرئيس لن ينفذوا توجيهه هذا"! ثمَّ أضاف: "أرجو ألا تفتح الجراح حتى لا تزداد إيلاماً!" (أجراس الحريَّة، 25/4/08).

أنعشت هذه الكلمة ذاكرتي، فعدت لما كنت كتبت، ذات رزنامة قديمة، حول (توجيه) آخر كان أصدره رئيس الجمهوريَّة بإلغاء (تأشيرة الخروج)، ومع ذلك بقيت معمولاً بها حتى الآن، مع تغيير اسمها، فقط، إلى (رسوم استيفاء!) أو نحو ذلك (الرأي العام، 20/2/2007م).

عليه، فها أنذا، وعلى رءوس الأشهاد، أسحب (أحلام يقظتي) الساذجة تلك حول (توجيه) الرئيس بشأن (تفرُّغ المبدعين)، ريثما أرى الداخليَّة تنفذ (توجيهه) السابق بشأن (إلغاء تأشيرة الخروج)!

ولا يفوتني، طبعاً، أن أعتذر لقور بخصوص (فتح الجراح)!

السبت

من أخبار آخر الزَّمان التي لم تعُد تحيِّر، ولا حتى تدهش، أن 17 سودانياً، لا بُدَّ أن جُلهم، إن لم يكونوا كلهم، من الهاربين، فردياً، من جحيم دارفور، ضُبطوا على الحدود المصريَّة الاسرائيليَّة، فأجهضت بذلك محاولة تهريبهم، مع 8 آخرين من إثيوبيا ونيجيريا وإريتريا، إلى إسرائيل داخل .. (شحنة برسيم)، حيث "أبى البرسيم إلا أن يبوح بأسراره!"، على حدِّ التعبير الرشيق لصحيفة الأهرام التي أضافت، استطراداً، أن المباحث المصريَّة كانت أجهضت، في السابق، محاولات لنقل متسللين إلى إسرائيل "بعد (شحنهم) داخل .. (كراتين) فارغة!" (أجراس الحريَّة، 19/4/08).

نحيت الصحيفة جانباً، وسرحت أتأمَّل هذا الشَّبه العجيب بين (الواقع)، متمثلاً في خبر (الكراتين) و(شحنة البرسيم)، وبين (الخيال الأدبي) في سرديَّة غسان كنفاني القصيرة (رجال في الشمس)، الصادرة عام 1963م، والتي تتمحور حول ثلاثة فلسطينيين دفعهم البحث عن حلٍّ (فردي!) لمشكلتهم (الوطنيَّة!) إلى محاولة الهرب إلى (حلم الثراء) في الكويت، متسللين داخل (خزان وقود)، لينتهي بهم الأمر إلى الموت بفعل الحرارة والاختناق!

رواية كنفاني مطروحة، في وجه من وجوه عبقريَّتها الابداعيَّة، كمبحث تاريخي في هجاء (الحلول الفرديَّة!) لمعضلة الموت الفلسطيني المتطاول، وكإطار رمزي للتحريض باتجاه الفعل الثوري البديل، حيث، وفي لحظة الختام بالضبط، يعود كنفاني فيفتح روايته على سؤالها الوجودي المقلق: "لماذا لم تقرعوا جدران الخزَّان .. لماذا .. لماذا"؟!

الأحد

كان الجنرال فرانكو ثقيلاً على الأسبان في حياته، ثقيلاً عليهم في مماته! فالفترة التي قضاها ديكتاتوراً مطلقاً لا تضارعها في الطول، نسبياً، غير الفترة التي قضاها محتضراً على فراش الموت! ويقال، والعهدة على النكتة السياسيَّة الكبيرة، إنه، ذات إفاقة من إفاقاته القصار بين إغماءاته المتطاولة بالمستشفى، تناهت إلى سمعه ضجة آتية من بعيد، ففتح عينيه، بتثاقل. وحين أبصر كبار سدنة نظامه يتحلقون حول سريره، تلفهم الرهبة والملل، وهم ينتظرون، بفارغ الصَّبر، أن يأخذ صاحب الوديعة وديعته، ليخلصوا من هذا الموضوع، سألهم بصوت واهن متحشرج:

ـ "الدَوْ .. دَوْ .. دَوْشة .. دي .. شششششنو"؟!

فأجابوه قائلين:

ـ "ده الشعب الأسباني جاي يودِّع سعادتك"!

ففوجئوا به يعود يسألهم بحلق يابس:

ـ "ليه .. هوَّ .. الشَّع .. شَع .. شَعب .. الأسسسس .. باني .. مِسْ .. مِسْ .. مِسافر وين"؟!


from sudanile 2005 May 1st

Post: #855
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-01-2008, 09:00 PM
Parent: #1


حدث في مثل هذا اليوم
18th Jan 2007, 09:34 AM
1985: تنفيذ حكم الاعدام بحق زعيم حزب الجمهوريين في السودان محمود محمد طه في عهد جعفر نميري



http://www.souriaheart.net/forum/lofiversion/index.php/t31166-150.html
_________________

Post: #856
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-01-2008, 10:03 PM
Parent: #855




الشيخ العلواني في كتابه «إشكالية الردة والمرتدين»: الإسلام دين تزكية وتطهير لا دين تكفير

رشيد الخيُّون

وقتل بقوانين الشريعة بحد الردة أيضاً رجل الدين السودان الشيخ محمود محمد طه، وكان حسن الترابي نائباً عاماً ولم يرد حكم المحكمة. ثم جاءت فتوى آية الله الخميني ضد سلمان رشدي. وكان من نتائج هذه الفتوى شهرة كتاب «آيات شيطانية»، وأخذت قضيته شهرة دولية، وأعتبر الغرب الإسلام معتدياً على قيمة الحرية. وبالتالي جعلت الفتوى من رشدي رمزاً عالمياً للحرية. في «حين أنه لم يكن سوى أجير رخيص جعل من كتابه وسيلة اشتهار وبالون اختبار»(ص .
ويسأل الشيخ العلواني: «لو طبق هذا الحد عبر فترات التاريخ بشكل كامل، هل كانت مجتمعات المسلمين اليوم خالية من أولئك



http://baghdadee.ipbhost.com/index.php?showtopic=152&pi...=threaded&show=&st=&
____

Post: #857
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-02-2008, 00:10 AM
Parent: #856



ردة فعل أم تصادم في المصالح والقناعات؟
GMT 6:00:00 2005 الخميس 2 يونيو
محاكمة صحفي سوداني في الخرطوم بتهمة الإساءة إلي الدين
ردة فعل أم تصادم في المصالح والقناعات؟

حليمة محمد عبد الرحمن الرياض:


هل سيكون مصير محمد طه محمد احمد شبيه بمصير المهندس محمود محمد طه مؤسس وزعيم الحزب الجمهوري الذي تم إعدامه إبان نظام الرئيس السابق نميري قبل عشرين عاماً خلت بدعوى الردة. الجدير بالذكر، أن الدكتور حسن الترابي كان مستشاراً للرئيس السابق نميري حين تم اتهام وإعدام محمود محمد طه عام 1985.
طه الذي كان، في ذلك الوقت، من المؤيدين لتنفيذ الحد علي زعيم الحزب الجمهوري، انسياقاً لموقف حزبه، نكص علي عقبيه، بعد عقدين من الزمان. وعمد إلي نشر صفحة كاملة في "الوفاق" تتحدث عن الحزب الجمهوري الذي وصف فكرته عن العدالة الاجتماعية بأنها إضافة هامة في الحياة السودانية. لم يكتف بذلك، بل أشار ضمنيا إلى أن قتل زعيم الحزب الجمهوري، في عام 1985، والذي كان شيخاً طاعناً في السن، تجاوز السبعين عاماً، خطأ فادحاً. ووفقاً لما أوردته شبكة العربية، اقر طه بوجوب مناقشة المرتدين ومقارعتهم الحجة. مقدماً البراهين والحجج بان باب الهداية مفتوح و"أن الإسلام قوته الفكرية هي كلمة الله الأخيرة" ؟




http://www.elaph.com/ElaphWeb/AkhbarKhasa/2005/6/66471.htm
_________________

Post: #858
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-02-2008, 01:05 AM
Parent: #857


سيّد القمني: بئس المفكر الجبان أنت!
GMT 6:30:00 2005 الأحد 17 يوليو
د شاكر النابلسي



--------------------------------------------------------------------------------


-1- الساقط في بئر الخوف
قال الباحث والكاتب المصري سيّد القمني ، عبر مكالمة هاتفية تلقتها منه (إيلاف،16/7/2005) ، أنه قرر التوقف عن الكتابة والحديث لوسائل الإعلام والنشر في الصحف، و المشاركة في الندوات. ليس هذا فحسب، بل و أعلن "براءته" من كل ما سبق له نشره من كتب ومقالات وبحوث، قائلاً إنه تلقى تهديدات جدية بقتله إذا لم يقدم على هذه الخطوة، ولأنه " ليس راغباً في الموت بهذه الطريقة"، فقد قرر الامتثال للتهديدات التي تلقاها عبر عدة رسائل في بريده الإليكتروني، ومن هنا فقد قرر أن يتوقف عن الكتابة والإدلاء بأية تصريحات صحافية، ويرجو الذين هددوه أن يقبلوا موقفه، ويعدلوا عن تهديدهم إياه.
=======
محمود طه المفكر السوداني، علّقه حسن الترابي على مشنقة جعفر النميري (أمير المؤمنين)، ولم يتخلَّ عن أفكاره.




http://www.elaph.com/ElaphWeb/ElaphWriter/2005/7/76670.htm

Post: #859
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-02-2008, 03:27 AM
Parent: #1


إعلان سيد القمنى الاعتزال:
خواطر وتساؤلات
بقلم: إبراهيم عوض
[email protected]
ظهر للدكتور رفعت سيد أحمد فى مجلة "كتابات" الضوئية بتاريخ 22 تموز 2005م مقالٌ عنوانه "عن سيد القمنى والتهديد بقتله"، وذلك بمناسبة الضجة التى أحدثها سيد القمنى مؤخرا بسبب إعلانه اعتزال الكتابة خوفا من أن تنفذ تهديدها الجماعة الإسلامية التى قال إنها أرسلت له رسالة مشباكية تهدده فيها بالقتل جزاء اجترائه فى كتاباته على الإسلام،

محمود طه المفكر السوداني، علّقه حسن الترابي على مشنقة جعفر النميري (أمير المؤمنين)، ولم يتخلَّ عن أفكاره



http://alarabnews.com/alshaab/2005/19-08-2005/awad.htm

Post: #860
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-02-2008, 03:28 AM
Parent: #859


وقتل الأستاذ العالم المفكر السودانى محمود محمد طه بأسباب مختلقة تخيّر لها من قضاة السلطة حينها من ينفذون ما يريد، تماما مثلما حدث للحجاج حينما قتل آخر من قتل من العلماء الصالحين، كان عمر الرجل العجوز ستا وسبعين سنة عندما أعدم فى 19/1/1985، فلم يدم حكم النميري بعد ذلك أكثر من ستة وسبعين يوما فقط حيث رمى به التاريخ فى مزبلته،

لعل فى ذلك برهانا ربانيا على أخذ الظالمين، أقول ذلك لا دفاعا عن المرحوم الأستاذ محمود محمد طه ولا إلماما محيطا بآرائه وتفكيره، فلم أكن أقرأ له كتبه ولم أهتم بها يوما من الأيام، ولكن الحجر على الفكر بهذه الطريقة مرفوض ومن يستطيع أن يجزم بتكفير هذا أو ذاك؟ وإن كنت على ثقة من أن المحاكمة التى جرت له كانت سياسية ظالمة لموقفٍ ظالم لرجل مظلوم أراد النظام التخلص منه بحجة ارتداده بما كان يتبنى من أفكار وتكفيره، ولعل صدق حديثى يرتكز على أن محكمة من قضاة الاستئناف المحترفين المحايدين نظروا فى الدعوى التى رفعتها أسرته عقب انتفاضة أبريل للمطالبة بإعادة النظر فى القضية والحكم عليه ميتا، ردا لاعتباره، فأصدرت المحكمة حكمها ببراءة المرحوم.



http://www.alazmina.info/writers/hassan/book2/06.html
_____

Post: #861
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-02-2008, 02:23 PM
Parent: #1


والجدير بالذكر هنا أن هذا القول لم تنفرد به السيدة الصقلي ، بل سبقها إليه فقهاء كبار . وحتى لا تأخذ مطارحتي طابعا فقهيا ، أحيل ذ. طلابي على بعض ما كتبه محمد محمود طه السوداني الذي أعدمه جعفر النميري ، وكذا المناظرة التي كانت بين المستشار سعيد العشماوي والدكتور سيد طنطاوي في موضوع الحجاب هل هو فريضة دينية أم لا



http://elakhal.friendsofdemocracy.net/default.asp?mode=...og&month=7&year=2005
_________________

Post: #862
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-02-2008, 02:55 PM
Parent: #1


التُّرَابِى: حَرْبُ الفَتَاوَى!
بقلم/ كمال الجزولى
لست متيقناً تماماً من الفرق بين (مجمع الفقه الاسلامى) و(الرابطة الشرعيَّة للدعاة والعلماء) ، بل وأقرُّ بأننى لم أجد فى نفسى دافعاً للوقوف على هذا الفرق ، فضلاً عن أننى أكاد أجزم ، ولطول عشرة المسلمين فى بلادنا مع هذه المسميات ، متعدِّدة الأسماء متحدة الجوهر ، بأن هذا الفرق لم يشغل ، ولو للحظة ، أحداً مِمَّن اطلع مؤخراً على البيانين الصادرين عن هذين الكيانين ، بقدر ما أهمَّهم دخول (المخاشنة) بين د. الترابى وحوارييه السابقين عمق اللحم الحىِّ!
=
فرغم ما لهذه (المخاشنة) من سوابق ، إلا أنها تتجاوز هذه المرَّة ، بالنظر لمجمل الظروف المحيطة ، كلَّ خطوط (استواء) الذهن الشمولى المؤسَّسة ، افتراضاً ، على خبراته القبْليَّة ، حيث يسعى الكيانان ، فى ما يبدو ، لإنتاج ذات الملهاة المأساويَّة التى أفضت لإعدام الشهيد محمود محمد طه عام 1985م ،
====
م أىُّ قضاء هذا الذى يريدون من رئيس الجمهوريَّة تقـديم الترابى إليه ، أسوة ، كما قالوا ، بما فعل النميرى مع محمود محمد طه؟! أهو نفس الحكم الذى قضت الدائرة الدستوريَّة للمحكمة العليا ، عام 1986م ، ببطلانه لمخالفته القانون والتقاليد القضائيَّة ، كون المحكمة التى قضت بإعدام الشهيد ، والتى أيَّدت الحكم فى مرحلة الاستئناف ، قد منحت نفسها سلطة فى التشريع ليست من اختصاصها أصلاً ، وسلبت المحكمة العليا صلاحياتها بلا أىِّ سند فى القانون أو المبادئ العامَّة للشرعيَّة ، علاوة على كونها قد اشتطت بإضافة تهمة جديدة لم يتم توجيهها فى مرحلة المحاكمة ، وبعدم سماعها رد المتهم قبل إدانته ، بالمفارقة للمبدأ الأزلى الذى تأخذ به كلُّ المجتمعات الانسانيَّة ، على اختلاف عناصرها وأديانها ، كقاعدة مقدَّسة من قواعد العدالة الطبيعيَّة ، فهى بذلك لم تغفل ، فحسب ، التقاليد القضائيَّة التى سادت هذه البلاد عبر السنين الطويلة ، بل وخالفت نصوص القانون الصريحة ، ناهيك عن كون ما صدر عن الرئيس السابق (النميرى) من استرسال ، عند تصديقه على ذلك الحكم المعيب أصلاً ، لا يعدو أن يكون محض تزيُّد لا أثر له ، بل وقد اكتفت المحكمة العليا بتقرير صدوره بالتغوُّل على السلطة القضائيَّة ، وبالافتقار إلى أىِّ سند فى القوانين والاعراف؟! (أنظر سابقة: أسماء محمود وعبد اللطيف عمر ضد حكومة جمهوريَّة السودان ، المجلة القضائيَّة لسنة 1986م ، ص 163). فأيَّة (أسوة سيئة) هذى التى يدفعون ، الآن ، رئيس الجمهوريَّة دفعاً كى يتأسَّى بها بعد صدور ذلك الحكم بعشرين سنة؟!



http://www.midan.net/nm/private/news/kgizouli1_5_06.htm

Post: #863
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-02-2008, 03:02 PM
Parent: #1




ابن تيمية في صورته الحقيقية
- هديـــــــــل عبد الهادي
السبت,كانون الثاني 20, 2007
الرسالة الثالثة من الإسلام - 3 - محمود طه
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة الطبعة الثالثة

هذه مقدمة الطبعة الثالثة من كتاب (( الرسالة الثانية من الإسلام)) وكانت الطبعة الأولى منه قد صدرت في يناير من عام 1967، الموافق لشهر رمضان المكرم من عام 1386.. ثم صدرت الطبعة الثانية منه في إبريل من عام 1968، يوافق المحرم من عام ش1388.. وعند صدور هذه الطبعة صرفتنا صوارف العمل عن تصديرها بمقدمة خاصة بها..



http://1serano.maktoobblog.com/?post=84456
_________________

Post: #864
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-02-2008, 08:53 PM
Parent: #1


المفكر عبدالله النعيم: لا ضير اطلاقا في اختيار بعض الناس الإلحاد أو اعتناق بعض المسلمين للمسيحية



واشنطن ـ آفاق

2008/29/4
قال المفكر السوداني عبدالله النعيم إنه لا ضير اطلاقا في اختيار بعض الناس الإلحاد أو أعتناق بعض المسلمين للمسيحية، مضيفا أن "ضمان حرية الاعتقاد هي من أهم الحقوق الاساسية لأنها تضمن لي حرية التدين كمسلم كما تضمن لغيري حق التدين بأي دين" وقال النعيم إن الضرر الاكبر ليس من حرية الملحد أو المرتد وإنما من إكراه الناس على الدين.."


وقال النعيم في حوار لجريدة الصحافة السودانية ينشر الاسبوع القادم "إن مبدأ لا أكراه في الدين هو أساس إمكانية أن يكون المرء مسلما، فالايمان يقتضي بالضرورة المنطقية إمكانية الكفر. لذلك لا بد أن يكون اعتناق الاسلام كدين عن طواعية وحرية كاملة في الاختيار وقبول الاسلام أو رفضه. من عقيدتي كمسلم أن الله سبحانه وتعالى هو القادر الاوحد على محاسبة البشر على معتقداتهم الدينية، وذلك بالنص الصريح والقاطع لعشرات الآيات في القرآن. كما أن القرآن يفترض امكانية الاسلام ثم الارتداد ومع ذلك يقول بأن الله هو الذي يحاسب المرتد وهذا يعني أنه لا يصح دينا محاسبة المرء على الردة في هذه الحياة الدنيا.."


واضاف النعيم وهو أستاذ القانون بجامعة إيموري بالولايات المتحدة "من هذا المنظور الاسلامي فإني أقول أولا بأن من حق أي شخص أن يسلم عن حرية كاملة وطواعية بدون أدنى قدر من الخوف أو الطمع. ولذلك لا ضير اطلاقا في اختيار بعض الناس للالحاد أو اعتناق بعض المسلمين للمسيحية أو غيرها من الأديان. في رأيي الشخصي أن الإلحاد أو اعتناق غير الإسلام هو اختيار خاطئ، لكني أحترم تماما حق أي انسان في أن يفعل ذلك في أي زمان ومكان، وأضيف كذلك أن ضمان حرية الاعتقاد هي من أهم الحقوق الاساسية لأنها تضمن لي حرية التدين كمسلم كما تضمن لغيري حق التدين بأي دين أو اعتناق الإلحاد، فكيف أطالب بهذا الحق لنفسي إذا كنت أمنعه عن الآخرين".


وأوضح " لكني أيضا أرى في ظاهرة الخروج على الاسلام دعوة للمسلمين في النظر إلى الأسباب. فإذا كنا نقدم الإسلام بصورة مغرية وجذابة كدين للسماحة والعدالة والسلام، فسوف يعتنق الناس الاسلام بحرية وقناعة وليس خوفا من عقوبة الردة أو العنف الفردي ممن ينصبون أنفسهم أوصياء على معتقدات الناس على عكس مقتضى المنطق وصريح نص القرآن.."


وقال الدكتور عبد الله النعيم " من يقول إن المجتمع قد يتضرر من حرية الملحد أو المرتد وأنا أقول إن الضرر الأكبر هو في إكراه الناس على الدين وهو ما يخالف صريح نص القرآن، علينا كمجتمع أن نقنع الناس بالدخول في الإسلام والبقاء عليه عن طواعية ولكن لا يحق ولا يمكن أن نكرههم على الايمان، ومحاولة الإكراه إنما تؤدي إلى النفاق حيث يعلن المرء الايمان خوفا من العقوبة أو العنف من البشر وليس عن قناعة ذاتية. ومصلحة المجتمع هي في إشاعة نموذج الإسلام الحق في العدل والسلام والمحبة حتى نغري الناس بذلك وليس بالإكراه في الدين والمعتقد.."

وردا على سؤال عن كيفية تقييمه لتجربة طالبان ـ تنظيم القاعدة والتحولات التي خلقتها على مستوى العالم، قال النعيم وهو أحد تلاميذ الأستاذ محمود محمد طه، مؤسس الفكر الجمهوري والذي أعدمه الرئيس السوداني الاسبق جعفر النميري عام 1983 "إن الفشل الحتمي لتجارب الدولة الاسلامية في السودان ينسحب على تجربة الطالبان في افغانستان ومزاعم تنظيم القاعدة الجهادي المتخلف، كما ينسحب على المملكة العربية السعودية.. "


وقال النعيم "وأعيد هنا القول بأن مفهوم الدولة الاسلامية هو مغالطة ووهم لم يتحقق تاريخيا ولن يتحقق في المستقبل وأعيد القول كذلك إن العنف لا يخدم أي قضية، وصحيح أن حق تقرير المصير ومناهضة الاستعمار والتسلط الاجنبي من المبادئ العامة المقررة الآن بصورة لا تقبل المغالطة ولا التسويف إلا أن هذه الغايات المشروطة لا تحقق من خلال كبت الحريات وانتهاك كرامة الافراد والشعوب أو العنف الاهوج الذي نراه الآن في أعمال الجماعات الارهابية في فلسطين وانحاء أخرى من العالم الاسلامي أو على مستوى العالم قاطبة..."

Post: #865
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-03-2008, 06:01 AM
Parent: #1


هل يعيش العرب الآن في ظلامِ القرونِ الوسطى؟!
شاكر النابلسي

-1-
يُطلق بعض النقاد والمفكرين على العصر العربي الحالي، بأنه كعصر القرون الوسطى المظلمة.
====
- قتل محمود طه وفرج فودة وحسين مروة وسليم اللوزي ورياض طه وكريم مروة وناجي العلي وشهدي عطيه وفرج الله الحلو وغيرهم، بدلاً من الحلاج ومهيار الدمشقي وجعد بن درهم والسهروردي وابن المقفع وغيرهم.




http://almadapaper.com/sub/08-177/p11.htm
_________________

Post: #866
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-03-2008, 06:39 AM
Parent: #1




- لم تذكر ما قالت انه رد الشيخ القرضاوي علي السؤال الذي وجه اليه حول ادعائها للنبوة وانتقلت للحديث عن المفكر والسياسي السوداني محمود طه الذي أعدمه نميري حيث قالت:

محمود طه الذي أعدمه نظام الرئيس النميري مسكين لم يدع النبوة وانما كان يقول انه مجدد للإسلام.

إذن دعوتك كما تقولين ليست مخالفة لرسالة الاسلام وانما لتجديد رسالته وتجديد الروح الانسانية.

- دعوتي ليست مغايرة لرسالة الإسلام.. أنا أقول لكم أتيت لأبعث الاخلاق من جديد -ماتت الأخلاق- الرسول محمد صلي الله عليه وسلم كان يقول اتيت لأتمم مكارم الأخلاق لأنه كان حينها عندما جاء بالرسالة أخلاقي فجاء ليتمم الأخلاق.




http://www.al-majalis.com/forum/viewtopic.php?t=520&pos...587b74b4bb06fc6889f4
_________________

Post: #867
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-03-2008, 03:23 PM
Parent: #1



بين دعاة الإرهاب ودعاة التنوير
مجدي خليل

تم حرق كتاب طه حسين "في الشعر الجاهلي"، وفي عام 1947 قتل المفكر الإيراني أحمد كسراوي عقب فتوي الخوميني بذلك،وعام 1985 أعدم محمود طه على يد جعفر النميري وعصابته،



http://freecopts.blogspot.com/2005_10_02_freecopts_archive.html
___

Post: #868
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-03-2008, 03:42 PM
Parent: #1




تعقيب على ناصر بكداش

عبد العزيز بادي :
المشروع الإسلامي - أزمة تطور حضاري(2-2)

بالرجوع لمقال الأستاذ بكداش (على المسلمين الآن مواجهة الحقائق التاريخية) إلى أن يورد في الفقرة الأخيرة من المقال (لهذا نرى أن الدعوى إلى عملية التجديد الديني في الإطار الإسلامي لهي دعوة حق وحقيقة ، أنها دعوة تفرضها مآلات الوضع والواقع السيئ الذي تعيشه المجتمعات الإسلامية في ظل صراع الحضارات الدائرة وبعنف في عالم اليوم لذلك فإن النظر إلى بعض المسلمات التي فرضها الخطاب الإسلامي وإعادة تشريعها.. هي أولى المحاولات لتقديم عملية النقد الذاتي المطلوبة والتي يجب أن يتحلى بها كل المدافعين عن ذلك الخطاب...) ، ومن اجل ذلك وأكثر كانت الفكرة الجمهورية صادقة وشجاعة وحاسمة ، بأن قررت وبكل وضوح أن الإسلام برسالته الأولى لا يصلح لإنسانية القرن العشرين - ولكي لا تجمح العقول المستعجلة المغرضة ، استدرك أن الإسلام يصلح ، ولكن لا تصلح رسالته الأولى وإنما تصلح رسالته الثانية. والرسالة الثانية هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فالرسالة الأولى شريعته لمجتمع القرن السابع ومجتمعات القرون المشابهة وسنته تكون شريعة للمجتمعات المعاصرة التي بلغت ما بلغت بفضل الله ثم بفضل التطوير المادي والتكنولوجيا). وبما أن الفكرة الجمهورية ، هي الفكرة السودانية الخالصة بحكم النشأة وإلا فإن الإفكار ليس لها وطن ، وإنما هي ميراث الإنسانية جمعاء. والتي لم يألُ صاحبها وتلاميذه جهداً في السعي والمثابرة على نشرها وتوصيلها للعامة والخاصة ، مبتدعين أساليب غير مألوفة ، مثل ما يعرف بالحملة ، وهي حمل كتب الفكرة والكتيبات التي تناقش قضايا الساعة ، ويدار حولها النقاش في الشوارع ، ودور العلم ، والأندية ، وكل ما هو ممكن ، وفكرة المنابر الحرة وأركان النقاش ، التي ابتدعها وأسسها الجمهوريون ، وهم يرون ألا وسيلة للتوعية إلا بها والحاجة إليها الآن ماثلة. فكرة في هذه القامة كان يفترض أن تجد ملاحظة أو وقفة من الأستاذ بكداش ، لكن لا ضير ، فإني أعذره وأعذر الكثيرين ، لأن التشويه الذي وقع عليهما كبير ، وأن مالقيه صاحبها لم يحدث في التاريخ القريب ، أضف إلى ذلك عهد الغيهب ، والليل البهيم الذي بدأ في 30يونيو 1989م وأمتد سنيناً عدداً ، والآن والفجر الصادق بدأت تظهر خيوطه ، بفضل مجهودات مناضلي الحركة الشعبية ، وأحرار العالم ، وقلة من تلاميذ الرجل وآخرين من أحرار السودان ، لا أجد العذر لنفسي ولا لإخواني تلاميذ الأستاذ محمود محمد طه من أن نعيد الكرة لحمل لواء هذه الفكرة ، هذه المذهبية العظيمة ، والتي رشح صاحبها أهل هذا البلد الطيب لتقديمها للعالم أجمع: (انا زعيم بأن الإسلام هو قبلة العالم منذ اليوم ، وأن القرآن هو قانونه ، وأن السودان إذ يقدم هذا القانون ، في صورته العملية المحققة للتوفيق بين حاجة الجماعة إلى الأمن ، وحاجة الفرد للحرية الفردية المطلقة ، هو مركز دائرة الوجود على هذا الكوكب ، ولا يهولن أحد هذا القول لكون السودان خاملا جاهلا صغيرا ، فإن عناية الله قد حفظت علي أهله من أصائل الطباع ، ما سيجعلهم نقطة التقاء أسباب الأرض بأسباب السماء) محمود محمد طه جريدة الشعب يناير 1951م. ثم وإني لما تطرقت لما لحق لهذه الفكرة من تشويه وأذى ، أرجو أن أطلب من الأستاذ بكداش والقراء الكرام أن يقرأوا مقالات الأستاذ راشد أبو القاسم الباحث والمحاضر بالمركز الإسلامي للدعوة والدراسات المقارنة المنجمة بصحيفة الصحافة مؤخرا 9 مقالات وردت تحت هذا العنوان (الجمهوريون الجدد والحلف الرجيم... بسم الله ثم يحترق الهشيم) وأن يتأملوه وينتبهوا لصاحبه الذي يريد أن يحرق في هذا العصر الذي أصبح فيه السلام ضالة البشرية والحاجة إليه حاجة حياة أو موت ، هو يريد أن يحرق أصحاب هذه الفكرة لأنهم في نظره قد شوهوا الإسلام وأساءوا إليه. وهم ببساطة يرون أن الإسلام ليس كما يراه صاحبنا الأستاذ راشد أقرأوا قول أستاذهم ولاحظوا ثقته واطمئنانه للإسلام فإنه يرشحه ليكون قبلة العالم كما جاء في النص السابق وفي هذا النص: (الإسلام عائد عما قريب بعون الله وبتوفيقه.. هو عايد ، لأن القرآن لا يزال بكراً ، لم يفض الأوائل من اختامه غير ختم الغلاف.. وهو عائد لأن البشرية قد تهيأت له ، بالحاجة إليه وبالطاقة به.. وهو سيعود نوراً بلا نار ، لأن ناره ، بفضل الله ثم بفضل الاستعداد البشري المعاصر قد أصبحت كنار إبراهيم بردأ وسلاماً.. إن العصر الذي نعيش فيه اليوم عصر مائي ، وقد خلفنا وراءنا العصر الناري.. هو عصر مائي أنه عصر العلم. العلم المادي المسيطر اليوم والعلم الديني - العلم بالله - الذي سيتوج ويوجه العلم المادي الحاضر غداً. وفي العلم تصان الحرية وتحقن الدماء وتنصب موازين القيم الصحائح...). أيضاً أرجو منك الأستاذ بكداش وكل قراء الصحافة أن تقفوا عند عبارة الأستاذ راشد: (...ولقد أفضى صاحبك الباشمهندس إلى ما قد قدم وأنت إن شاء الله به لاحق فشد حيلك (وسردب). ثم تعيدوا قراءة النص للأستاذ محمود عاليه مضافاً إليه هذا النص للأستاذ محمود أيضاً(:السلام هو حاجة البشرية اليوم.. وهو في ذلك حاجة حياة أو موت ، ذلك بأن تقدم المواصلات الحديثة ، الذي يحاول باستمرار أن يلغي الزمان والمكان ، قد جعل هذا الكوكب أضيق من أن تعيش فيه بشرية منقسمة على نفسها شاكة السلاح متحاربة). أقرأوا وتأملوا هذه المقالات للأستاذ راشد وقارنوا بينها وبين سعي البشرية الحثيث للتوافق ولاحترام الرأي الآخر. وإن الدساتير المختلفة لا تعتبر دساتير إلا إذا حوت كل القيم والتطلعات وحقوق الأقلية وانتفت فيها كل صور التمييز العرقي والديني وبسبب النوع وأضحى الناس سواسية أمام القانون ، تجلس السلطة الحاكمة ومعارضوها في مبنى واحد متساويين في الحقوق. ثم إن الأستاذ المحترم راشد وهو يورد هذا الوعيد للأخ د/عمر القراي مسئول أن عاجلا أو آجلا عن إعادة النظر في أسلوبه وتجنب مثل هذه التصريحات والتلميحات ، لأنه وضح جليا أنها الحافز والمشجع الأساسي للجماعات المتطرفة والمنفلتة التي لا تراعي القيم وحقوق الآخرين. حتى أصبح الغدر عندهم ديناً وشريعة ، أكثر من ذلك أصبحت المطالبة بإعادة النظر في المناهج القائمة على إلغاء الآخر ، وعدم الاعتراف به ورميه بعبارات التوعد والحث على جهاده ليس إعادة النظر فحسب بل المطالبة بإلغائها أضحت سافرة ولا يلبث أن تصبح موضوع حرب ومنع لأن البشرية لا يمكن أن تصرف الجهد والمال على ملاحقة ومطاردة الإرهاب وتفقد الضحايا الأبرياء من النساء والأطفال ومؤسسات تعليمية كبيرة _ علمت أم لم تعلم _ عملها الأساسي إعداد تفريخ وتخريج الارهابيين وماذلك إلا للجمود وعدم معرفة متطلبات العصر وحاجة وطاقة إنسانه ، ثم وهو الأستاذ راشد - عندما أشار للأخ د/ عمر القراي ولصاحبه الباشمهندس وأورد عبارة (سردب) لم تسعفه المعاصرة ودراساته أن يقف عند حكم المحكمة العليا (الدائرة الدستورية) التي أبطلت مهزلة قضاة المخلوع نميري في حق الأستاذ محمود محمد طه وبرأت ساحته. وكأنه بذلك التجاهل متمترس في موقعه ولم يغادره قيد أنملة ، وأنه يريد أن يسود ويستمر العهد الغابر ، عهد الظلام والظلاميين وأن يمنع الفكر والمفكرين ، وتقهر المحاولات الجادة لإعادة النظر في الكثير ، والذي يراه الأستاذ راشد من المسلمات عكس الأستاذ بكداش الذي يرى (الدين الإسلامي كغيره من الديانات التوحيدية مواجه اليوم في ظل التحولات العالمية الواسعة النطاق بعدة تغيرات وتبدلات جذرية في إطار تحديد مواقف واضحة وجلية من ضرورات عصرية راهنة وإعادة النظر في كثير ومعظم المسلمات السابقة على ضوء تلك الضرورات). فلنتأمل معاً: الأستاذ بكداش ، والأستاذ صاحب فكرة الحرق ، هذا الوجود الأجنبي الكبير في بلدنا الحبيب ، ولنسأل أنفسنا عن سبب ذلك ، متذكرين أننا قد نلنا استغلالنا قبل أكثر من نصف قرن ، مستصحبين نذارة الأستاذ محمود محمد طه: (قد يجلو الاستعمار اليوم أو غداً ثم لا نجد أنفسنا أحراراً ولا مستقلين وإنما متخبطين في فوضى مالها من قرار). تحققت النذارة تماما وأصبحنا معرضين لإشفاق الصديق ، وزراية العدو ، حيث لا يوجد بينهما موضع كرامة لنفس الكريم كما قال: الأستاذ محمود محمد طه. وعبركم جميعاً: الأستاذ بكداش ، وكل القراء ، أقول للأستاذ راشد: إن الأخ د/ عمر القراي وكل اخوانه تلاميذ الأستاذ محمود محمد طه قد تربوا على نهج سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وعايشوا أستاذهم الذي علمهم أن يختلفوا ويحاربوا الفكر لا صاحبه ، بل أكثر من ذلك صاحب الفكر يجب أن يحب ، لأنه غاية في ذاته وقد قال عن د/ الترابي: أفكار الترابي موضع حربنا أما شخصه فموضع حبنا ، وخير دليل على ذلك طلب الأستاذ محمود من تلاميذه الذين كانوا في جلسة منعقدة عندما ورد خبر وفاة الأستاذ الأمين داؤود وهو المعارض الأشهر للفكرة - قراءة الأخلاص وبإخلاص ، على روحه: (فهو الآن أحوج ما يكون إلينا) بتعبيره. لصالح المسلمين ، ولعونهم على مواجهة الحقائق التاريخية ، وتلبية لدعوة الأستاذ بكداش ، وللطفرة المادية الهائلة - التي وحدت العالم ، وأوشكت أن تلغي الزمان فإن على المسلمين: خاصة الذين نهلوا من العلم المادي ، أن يفيقوا وينتبهوا ويعطوا الدين الأهمية اللازمة والمرجوة ، ولا يتركوه لمن يسمى برجال الدين ، فإنهم قوقعوه ، حتى أصبح لا أثر له في الحياة المعاصرة ولا للجانب الآخر المتمثل في شكل الإرهاب ، الذي أصبح بين يوم وليلة بعبع العالم ، وإذ اختم هذه المداخلة عوداً على بدء ، فإن الفكرة الجمهورية للأستاذ محمود محمد طه عمل متكامل واجتهاد مقدر ، وأني لأرجو أن يجد فيها الأستاذ بكداش وكل من استحرت شمس الحياة الحديثة تحت مضجعه ضالته ، فإنه بات من المؤكد: المشروع الإسلامي - أزمة تطور حضاري-

http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=47584

Post: #869
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-04-2008, 02:42 AM
Parent: #1



عندما يضحك التاريخ ...كتاب جديد للاستاذ الصحفى حيدر طه
==========
وعند المقارنة بين جعفر نميري والصادق المهدي ومحمد عثمان الميرغني وحسن الترابي وعبد الخالق محجوب باستثناء جون قرنق، نجدهم جميعا من أبناء الجيل الثاني في الحركة السياسية السودانية بعد " جيل أول" كان ممثلا في رموز ساطعة مثل إسماعيل الأزهري وعبد الله خليل والشيخ على عبد الرحمن وأحمد خير المحامي والدرديري محمد عثمان ومحمود محمد طه، نجد بونا شاسعا في الاستعداد الطبيعي أو المكتسب لخوض المعارك السياسية أو لتولي الرئاسة عبر التأهيل والتدريب والبيئة والتهيئة والظروف، وفرقا بعيدا في الوسائل والأدوات التي استخدمها كل منهم في الوصول إلى مركز النفوذ السياسي. وقد يكون جعفر نميري مختلفا عن الآخرين في الاستعداد والتأهيل والظروف والوسائل والأدوات، بل في المراحل والأهداف والشعارات والنهايات.




http://www.maalinews.com/
_________________

Post: #870
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-04-2008, 04:45 AM
Parent: #1


خواطر من زمن الانتفاضة (7)

المجاعة في غرب السودان عام 1984.. أزمة دارفور الراهنة... و" القفص الآيديولوجى" !!

د. إبراهيم الكرسنى
[email protected]

لدى قناعة راسخة بأن معظم الأمراض الاقتصادية والاجتماعية التى يعانى منها السودان في الوقت الراهن قد بذر بذرتها الأولى جعفر نميرى منذ أن بدأ "قائدا لمجلس قيادة ثورة مايو" يسارية التوجه وإلى أن إنتهى بة المطاف "إماما للمسلمين " متحالفا مع مجموعات الهوس الديني . فقد أسست مايو، بشموليتها الخانقة وسياستها الاقتصادية الخرقاء، لنظام الحزب الواحد ولدولة الفساد المالي والإداري. لقد وجد رأس المال الطفيلي رحما خصبا في نظام مايو، الذى سن كل القوانين والتشريعات الكفيلة بحمايته إلى أن نما و ترعرع، مرويا بدماء شهداء الوطن الذين ضحوا بأرواحهم رخيصة دفاعا عن مصالح الشعب، بدءا بشهداء ود نوباوى، مرورا بشهداء يوليو 71، شهداء حركة حسن حسين 75 ، وشهداء يوليو 76، وإنتهاءا بتعليق الفكر على أعواد المشانق فى الوقفة البطولية الأسطورية للشهيد الأستاذ محمود محمد طه.



http://www.sudaneseonline.com/news24.html
_________________

Post: #871
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-04-2008, 01:01 PM
Parent: #1


ثقافة ثقافة ثقافة
اعداد واشراف: د. وجدي كامل
مدخل
المحجوب.. القامة والمعنى
سوف نعود كثيراً للتحية والاعتراف. نحتفي بذكرى المحجوب في ذكرى رحيله السادسة والعشرين وهو الذي تميز عن العديد من أبناء جيله وتوازي مع محمود محمد طه وعبد الخالق المحجوب واسماعيل الازهري وعلي عبد الرحمن.. وغيرهم في فضيلة الكتابة والتوثيق للافكار والتجربة. (موت دنيا) (نحو الغد) (الديمقراطية في الميزان) (قصة قلب) (قلب وتجارب) (الفردوس المفقود) (مسبحتي ودني) تلك بعض اهداءاته للذاكرة الثقافية الوطنية وهي وغيرها من اسهامات تستحق النظر بعين الانتباه



http://www.mafhoum.com/ar/ar_index.htm


http://72.14.205.104/search?q=cache:NG76flhEwTkJ:www.ma...ct=clnk&cd=274&gl=us

Post: #872
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-04-2008, 01:02 PM
Parent: #1



خواطر من زمن الانتفاضة (12)

بيني ... وبين الأستاذ محمود محمد طه ... والوالدة "نفيسي بت عسمان"

د. إبراهيم الكرسنى
[email protected]

تعود علاقتي بالإخوة الجمهوريين إلى بداية السبعينيات من القرن الماضي ، حينما كنا حينها فى بداية حياتنا الجامعية . لقد جمعتنى الصدفة المحضة عند دخولي كلية الإقتصاد ، جامعة الخرطوم ، مع أخوة أفاضل من أبناء كسلا ، دخلنا معاً إلى كلية الإقتصاد ، ولاختزال علاقتي قوية ومستمرة مع العديدين منهم إلى يومنا هذا . كان المدخل إلى هذه العلاقة هو الأخ الفاضل عبد الإله محمد الحسن ، أستاذ الإقتصاد لاحقاً بجامعة الخرطوم ، والذي ينطبق عليه بحق المثل القائل " رب أخ لك لم تلده أمك "، فكان ولايزال نعم الأخ العزيز ، متعه الله بالصحة والعافية وله تحية الإعزاز والإكبار .



قدمني الأخ عبد الإله ، والذى تعرفت عليه بحكم السكن فى داخلية واحدة " البركس " ، لبقية العقد الفريد من أبناء كسلا : محمد أحمد محمود ، بشير محمد إدريس ، مصطفى عبد الرحمن ، هاشم صالح ( أدروب ) ، عمر بخيت ( خال عبد الإله ) ، وبقية الإخوة من أبناء كسلا، حتى الذين يدرسون منهم فى الكليات الطرفية بالجامعة، كالزراعة والطب . حولت معرفتي بهؤلاء الإخوة الأفاضل مجرى حياتي تماماً ، حيث كنت قليل الإهتمام بمسائل الفكر والسياسة ، حتى دخولي جامعة الخرطوم . كنت حتى ذلك الوقت أهتم بأمور الرياضة أكثر من أي شيء آخر ، وكنت " هلالابى على السكين " !! وأذكر أنني أرسلت " جواباً " إلى حارس الهلال العظيم سبت دودو ، وأنا لازلت فى المرحلة الوسطى ، وطلبت منه إرسال صورته إلىٌ. دهشت حقاً حينما رد السيد سبت على رسالتي، لأنني لم أتوقع أن تصله أصلا، وحتى إن وصلته ، لم أكن أتوقع أن يقم حارس الهلال العظيم بالرد على شخص لا يعرفه، ناهيك عن أنه ليس سوى "ولد فنطوط ساكت من أولاد الأقاليم"!! ،لم يقم السيد سبت بالرد على فحسب ، بل ذهلت ، عندما وجدت صورة داخل الرسالة للسيد سبت، وهو فى كامل زيه الهلالي البديع، مثبت للكرة بين أقدامه، مذيلة بتوقيعه فى خلفها، مصحوبا بكلمات لطيفة، للأسف ما عدت أذكرها الآن !! كنت أحتفظ بهذه الصورة المفخرة إلى أن أتت عليها " عصا الترحال " اللعينة، فصرت لا أدرى حتى أين توجد الآن !! لم أكن مشجعاً لكرة القدم فقط ، بل كنت ألعب فى الفريق الأول للمدرسة الثانوية ، بل وحتى ضمن سداسي المدرسة ، وفريق نادي البركل الرياضي بدورى كريمة ... فتأمل !!



وجدت فى أبناء كسلا نعم الإخوة والأصدقاء ، وبالأخص وجدت فى الإخوة عبد الإله محمد الحسن وبشير محمد إدريس ومحمد محمود إهتماماً بقضايا الفكر ، لم ألمسه من قبل فى حياتي ، بهذا القرب . تصادف دخولنا جامعة الخرطوم بداية عهد النظام المايوى، وما تبعه من حراك سياسي وفكري شمل مساحات واسعة من الساحة السودانية . كنت عندها أميل إلى اليمين ، بحكم الموروث الثقافي والديني الذى شكل خلفيتي الفكرية والإجتماعية فى ذلك الوقت ، حيث إننى أنتمى إلى أسرة دينية معروفة فى شمال السودان ، سوف أتطرق لها فى الوقت المناسب ضمن هذه السلسلة . لقد حول هذا " الثالوث " مجرى حياتي تماماً. فعن طريقهم تلمست طريقي نحوالقضايا الفكرية بمختلف مشاربها ، ولكن بالأخص قضايا الفكر التقدمي . كنا نهتم بكل ما تصدره المطابع، من داخل و خارج السودان، ونلتهمه إلتهاماً . كانت لنا جولات شهرية ، عندما تتوفر "المصاريف" ، على مكتبات العاصمة المثلثة ، و" أكشاكها " كذلك ، لإقتناء الجديد من الإصدارات للإطلاع عليها ، ثم عقد حلقات نقاش حول محتوياتها . لذلك كان الفكر هو مدخلي إلى الموقف، السياسة، عكس تجربة بعض القيادات السياسية، التي كان الموقف فيها هو المدخل إلى السياسة !!

لقد قرأنا ، ودرسنا، بصفة شخصية، معظم الإصدارات التقدمية فى ذلك الوقت ، وفى مختلف فروع العلم ، وضروب المعرفة . حينما تعود بى الذاكرة إلى أيام الزمن الجميل ، لا أكاد أصدق بأننا قد قرأنا لمفكرين عظام بدءا بهيجل ، مرورا بابن خلدون وماركس ،وتولستوي ، وقرا مشى ، وكولن ويلسون ، وإنتهاءا بمحمود محمد طه ، والكثيرين غيرهم ، ونحن لم نزل طلاباً فى جامعة الخرطوم !! يالها من فترة مفعمة بالكسب المعرفي !!



بدأت معرفتي بالإخوان الجمهوريين خلال تلك الفترة ، حينما كنا نعقد جلسات حوار مسائي ، نحن الأربعة ، مع الأخ أحمد المصطفى دالي ، له التحية والتقدير ، ومعه شخص أو أثنين آخرين ، حول الفكر الجمهوري فى ركن قصي ب" قهوة النشاط " ، بالقرب من قسم الجغرافيا حالياً ، بعيداً عن مواقع " الخلط " المعروفة بتلك القهوة الشهيرة . كانت حوارات جادة وممتعة ومفيدة فى ذات الوقت . وكان ذلك قبل قيام " أركان النقاش "، بصورتها المعروفة حاليا، و التى كان للإخوان الجمهوريين فضل تأسيسها ثم إنتشارها ، ليس على مستوى الجامعات والمعاهد العليا فقط ، وإنما على مستوى السودان بأكمله . إنني أعتقد بأن تلك الحوارات قد ساهمت، ولو بدرجة بسيطة ، فى بلورة فكرة " أركان النقاش " المعروفة الآن فى الأوساط الطلابية فى جميع الجامعات السودانية . إن كان هناك فضل واحد يذكر للإخوان الجمهوريين على مجمل الحركة الفكرية والسياسية فى السودان، فهو نجاحهم فى تحويل مجرى الصراع السياسي من ساحة المعارك ب " السيخ "، إلى ساحة المعارك " الفكرية " ، التي لم تسلم هي الأخرى من " سيخ " الجماعة ، الذي أصاب معظم الإخوة الجمهوريين ، ولكن القدح المعلى كان من نصيب الأخ أحمد دالي . صحيح أن تنظيم الجبهة الديمقراطية قد رفع شعار " إحلال الفكر محل الإثارة "، بعد أحداث الفنون الشعبية بقاعة الإمتحانات بجامعة الخرطوم فى عام 1968 م ، الإ إنه لم ينجح فى تحويله إلى واقع ملموس كما فعل الإخوة الجمهوريين ... وهنا يكمن الفرق الجوهري بين مرحلة " الشعارات "، ومرحلة الفعل الناجم عن دراية و معرفة !!.



لقد أكسبنا الحوار مع الإخوة الجمهوريين العديد من المعارف والمفاهيم الجديدة ، أضافت هي الأخرى بعداً عميقاً للدين الإسلامي الحنيف وجعلت من فهمنا له أكثر إستنارة وعصرية ، وفوق هذا كله، فقد إكتسبنا منهم أدب الحوار مع الآخر المختلف عنك والمخالف لك فكرياً وسياسياً، دون أن يفسد ذلك للود قضية !! لقد كان شعار الإخوة الجمهوريين فى ذلك الوقت ، " الحرية لنا ولسوانا " ، شعاراً مثالياً جاذباً ، وبالفعل لم يفسد الإختلاف الفكري ، وإختلاف الرأي ، مع الإخوة الجمهوريين العلاقات الودودة والحميمة التي جمعتنا بهم ، وإلى يومنا هذا . فى ذات الوقت الذي أفسدت فيه إختلافات الرأي، معظم علاقات الود التي كانت قائمة ، حتى بين من ينتمون إلى مدرسة فكرية واحدة ... فتأمل !!



قمت ب " تجنيد" شقيقى الأكبر ، سعد ، أثناء دراستي بجامعة الخرطوم، حيث عرفته بالإخوة الجمهوريين الذين إنتمى لهم حتى وقتنا الراهن . وقد قام الأخ، سعد، ب "تجنيد" أخونا الأصغر، خليل، والذي ترك هذا المسار السياسي تماماً، كما أعتقد، بعد إعدام الأستاذ، ومهزلة ما سمى ب “الاستتابة"، كما سنرى لاحقاً. إذن فقد كان لجميع أشقاء الأسرة ، فيما عدا أكبرنا ، علاقة ما بالفكر الجمهوري والجمهوريين ، حيث تم تصنيفي من قبلهم فى " خانة " صديق ، فى الوقت الذي أعتقد أن علاقتي بهم هي أعمق من ذلك بكثير ، حيث أعتبر نفسي حليفاً فكرياً لهم . لأنني مقتنع تماماً بأن السودان لم يتضرر طيلة تاريخه الحديث، أكثر من " مجموعات الهوس الديني "، كما يسميها الإخوة الجمهوريين ، أو " تجار الدين " ، كما يحلو لي تسميتهم ، التي سعت وأقامت الدولة الدينية ، من فوق أسنة الرماح ، غير عابئة بالاختلافات الدينية أوالعرقية أوالإثنية أوالثقافية بين أبناء وبنات الوطن الواحد . لذلك تجدني دائماً من أكثر المنافحين ضد قيام دولة دينية فى السودان ، ومن أكثر المتمسكين بشعار " الدين لله والوطن للجميع " !!



لم تجمعني بالأستاذ محمود محمد طه علاقة شخصية ، على الرغم من حضوري لمعظم ، إن لم نقل جميع ، محاضراته التي كان يلقيها في الجامعات ، وبالأخص في جامعة الخرطوم . وقد حضرت بعض لقاءات الأخوة الجمهوريين بمنزلهم العامر بالحارة الأولى بمدينة الثورة ، وإن كانت قليلة ونادرة، و فى حضور الأستاذ محمود ، إلى أن غادرت السودان للدراسة في الخارج . لكن تلك العلاقة شابها نوع من الفتور بعد أن أعلن الجمهوريون تأييدهم السياسي ، وبلا حدود لنظام جعفر نميرى، تحت زعم أنه قد وقف حاجزاً، أو سداً منيعا، بين " الطائفية " وبين الشعب السوداني ، حيث أعتبر الإخوة الجمهوريين بأن أكبر مهدد للسودان والسودانيين هي الطائفية . كنا نختلف معهم جملة وتفصيلاً في هذا الموقف الذي دفعوا ثمنه غالياً، كما سيتضح لاحقاً.



حينما رجعت إلى السودان نهائياً في منتصف العام 1982 م ، قادماً من إنجلترا بعد أن أنهيت دراستي العليا بها ، أخبرني أشقائي ، وبعض " أصدقاء " الجمهوريين برغبة الأستاذ في مقابلتي . كان واجب فارق السن والمقام والاحترام والمكانة الفكرية يوجب على الذهاب لمقابلة الأستاذ، ناهيك عن العلاقة التي أصبحت تربطه بأسرتنا، من خلال أشقائي.لكن الخلاف السياسي المدفوع بعنفوان الشباب حال تماماً دون إتمام تلك الزيارة ، حيث كان الأستاذ والإخوة الجمهوريين في قمة تحالفهم السياسي ودفاعهم عن النظام المايوى في ذلك الوقت . لم أتشرف بلقاء الأستاذ بصورة شخصية إلا بعد خروجه من السجن في منتصف ديسمبر 1984 م، وقبل إعدامه بحوالي خمسة أسابيع!! وأعتقد أنني كنت سأكون حاسراً إلى اليوم إن لم أقم بزيارة الأستاذ وقتها، لأقدم واجب " التهنئة " بمناسبة خروجه من السجن ، بعد معارضته لقوانين سبتمبر الغبراء !! بمعنى آخر بعد أن أصبحنا " أخوان ولاد قفص سياسي واحد " ... فتأمل !! سوف أتطرق لهذه المقابلة بالتفصيل في سياق حديثي عن اعتقال واغتيال الأستاذ الشهيد ضمن الحلقة الثانية من هذه السلسلة.





أعود الآن لعلاقة والدتي المرحومة، نفيسة عثمان محمد بابكر، أو " نفيسي بت عسمان " ، كما يحلو لأهل شبا مناداتها ، بالأستاذ محمود محمد طه . فقد كانت، رحمها الله رحمة واسعة وأحسن

إليها وجعل الجنة مثواها ، إمرآة صنديدة ومستنيرة, كما سيتضح في ما بعد. فهي، مثلي تماما، قابلت الأستاذ مرة واحدة في حياتها. الفرق بين لقاءينا له هو، أنها قد أمضت معه يوما كاملا، في الوقت الذي لم امضي معه سوي سويعات قليلة !! لكم أن تتأملوا مدي تعثر خطي !! أمضت والدتي- عليها رحمة الله – ذلك اليوم في معية الأستاذ محمود بمنزل الإخوان الجمهوريين الكائن بالحارة الأولي بمدينة الثورة ،بعد أن حضرت إليه خصيصا من قرية شبا لمشاورته في أمر اسري هام يتعلق بزواج شقيقي سعد. حينما تمت هذه الزيارة، كنت لا أزال بانجلترا، لكنني سمعت عن أخبارها و كذلك عن الهدف من ورائها، ولكنني لم ألم بتفاصيلها، إلا بعد رجوعي إلي السودان في منتصف عام 1982م، نسبة لصعوبة وسائل الاتصال في ذلك الوقت!!



كان أول ما قمت به بعد رجوعي من انجلترا، هو سفري إلي قرية شبا لمقابلة الأهل، وبالأخص الوالد والوالدة، عليهما رحمة الله. لقد أطلعت علي تفاصيل زيارة الوالدة إلي الأستاذ محمود أثناء تواجدي لفترة قصيرة في "البلد"، حيث كنت أود أن أعود إلي الخرطوم بأسرع فرصة ممكنة لاستكمال إجراءات تعييني كمحاضر بقسم الاقتصاد، وما يتبعه من جهد ووقت لتوفير وسائل الاستقرار لأسرتي الصغيرة ومباشرة عملي بصورة رسمية. كانت الوالدة مهمومة دائما بزواج الأخ سعد، حيث طالت فترة خطوبته لبنت خالنا الجمهورية زينب البشير عثمان، زوجته وأم أولاده لاحقا، والتي توفيت فيما بعد، وهي في ريعان شبابها، عليها الرحمة وعوضها الله فسيح جناته عن شبابها الغض.



أصبح رد الأخ سعد، عند سؤال الوالدة له عن توقيت زواجه، ردا محفوظا بالنسبة للوالدة ، وهو أن الأستاذ لم يأذن له بعد!! لم تكن الوالدة مقتنعة بهذا الرد لأن الأخ سعد قد كان، و لا يزال، جمهوريا "على طريقته الخاصة"، على حد وصف أديبنا الطيب صالح لصديقه "منسي". لهذا قررت الوالدة السفر إلي الخرطوم خصيصا للقاء الأستاذ ، ولتسمع من" اضانو " الرد في هذا الموضوع الحيوي الهام بالنسبة لها.

بدأت أسئلتي للوالدة عن موضوع زواج الأخ سعد، أثناء "قعدتنا" المفضلة في "التكل" وهي تعد " القراصة " للفطور، بالسؤال الذي كانت تتوقعه مني، وهو كيف كانت رحلتك إلي الخرطوم ولقائك بالأستاذ وموضوع زواج سعد ؟ حكت لي الوالدة بسعادة غامرة عن لقائها بالأستاذ، ومدي الترحاب والكرم والاحترام الذي وجدته منه شخصيا، وكذلك من بقية تلاميذه . وكذلك حكت لي بالتفصيل عن اليوم الكامل الذي أمضته في معيته ... حكت لي عن نوعية وكيفية أكلهم ، وعن كيفية جلوسهم داخل المجلس ، طريقة وأسلوب حديثهم ونقاشهم ، الهدوء والأخلاق العالية التي يتمتع بها الأخوة الجمهوريين .الخ.خ . باختصار فقد حكت لي كل ما علق بذهنها من تفاصيل ذلك اليوم “ التاريخي " في حياتها، ما عدا موضوع زواج الأخ سعد. باغتها ساعتئذ بالسؤال ، " طيب يايما الأستاذ قال ليك شنو في موضوع زواج سعد " ؟



تنهدت الوالدة قليلا ثم ردت ، " والله يا ولدي ما سعلتو " !! سألتها " كيف يا يُمة وأنتي ده الموضوع الموديكى من البلد " ؟ ، فردت ، " والله يا ولدي الراجل ده تقول عندو" طيلسان" !! وكلمة " طيلسان " هذه هي لغة الوالدة الخاصة التي تعبر بها عن حالة تعتري الإنسان حينما يقع تحت تأثير إنسان آخر، يفقد فيها الأول اللب والشعور، بفضل وقع " طيلسان " الأخير عليه !! هي في اعتقادي مرتبة من مراتب التصوف، وبالتالي تصبح " طيلسان " حالة وليست كلمة !! يعيشها الإنسان وهو في حالة انجذاب صوفي كامل، أو نحو ذلك !! أعدت عليها السؤال مرة أخرى . تنهدت هي، مرة أخري كذلك، ووصفت لي المشهد كالتالي، " أول ما دخلنا رحب بينا محمود، والجماعة المعاهو، ترحيب شديد خلاس ،بعد داك قام محمود سعلني عن كل الأهل، حتى إنت البعيد في لندن سعلني منك ومن أحوالك "، قالتها بصيغة تعجب !! ثم واصلت الحديث، "بعدين محمود قعدلو فوق كرسي وباقي الناس كانوا قاعدين في الواطة .. اها سعد أخوك مشي " وسوسلو " في " اضانو" ... آبعرفو قالو شنو ؟! بعد داك هم انشغلو في السوا البيسوا فيها ديك لامن اتغدينا والواطة مغربت ... قمنا قلنا أخير نمشي نرجع لي بيت محمد، " شقيقي الأكبر الذي رافقهم في تلك المهمة “، في بحري. ودعناهم ومشينا ... والله العظيم تصدق انو محمود أبي ما يرجع لامن وصلنا محل التكسي، " شارع الثورة بالنص "، ووقفلنا التكسي و بعد ما ركبنا ، حتن ودعنا " !!

فقلت لها ، " يوم كامل يا يما تقضيهو مع الراجل وما تقضى غرضك منو، وما تسأليهو ؟ ! " ، فردت على ، " نان أنا من الصباح قعد أقولك في شنو ! أنا أقولك الراجل عنده " طيلسان " ، ترجع تقول لي مالك ما سعلتيهو ؟! " . تكاد تلك اللحظات تكون من أجمل وأروع ما روته لي الوالدة العزيمشاهد،شاهد ، وما أكثرها . فقد لخصت لي شخصية الأستاذ محمود الفريدة والمتفردة بلغتها الخاصة. ومنذ ذلك الحين كان إعجابها الأسطوري بشخصية الأستاذ محمود ودفاعها المستميت عنه، حتى عند تكفيره وبعد

استشهاده.

تصوروا معي امرأة قاطنة في شمال السودان ، وتعيش في وسط محافظ تماماً ، وفوق ذلك تعيش وسط عائلة هم " مشائخ " خلاوى البلد ، ثم يأتي من يتهم فلذات أكبادها بالردة والخروج عن الدين ؟!! هذا ما سوف أرويه لكم، مع ما دار بيني وبين الأستاذ في لقائي الوحيد به، في الحلقة القادمة بإذن الله.


from Sudanile.com

Post: #873
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-04-2008, 01:13 PM
Parent: #1


كوبر.. ذاكرة سجن.. (3)

كان الطبيب الشفيع خضر القيادي الشيوعي يغوص بجسده في الأريكة العتيقة والفخمة بحجرة الاستقبال في منزله ويتطلع الى الأوراق التي كانت على الطاولة، أوراق ذاكرة سجن كوبر ذلك المعتقل الذي صار جزءاً من حياة أعداد لا تحصى من البشر، وتحول الى ما يشبه كائناً يسكن في الخيال، لقد كان الاعتقال الطويل بالنسبة إليه شيئاً قبيحاً وانتهاكاً فظاً للآدمية يحتوي آلية لتحطيم الانسان ويسد الطريق أمام تطور وعي الشخص بنفسه وعالمه، ولكنه كان أيضاً مدرسة لتعلم التاريخ والفلسفة واللغات والفيزياء الى جانب الطهو وعزف العود والتلحين واخراج المسرحيات، وفرصة نادرة يخاطب فيها جوهر الانسان جوهر انسان آخر في ظروف تغيب فيها صراعات الحياة الخارجية وحساباتها، ويخاطب فيها المعتقل أخاه السجان، ويخاطب السجان أخاه المعتقل.لقد دخل كوبر حوالى العام1981 حتى أطلق سراحه على أيدي الجماهيرالتي اقتحمت الأبواب صبيحة السادس من أبريل وكان قد نقل الى سجن شالا بالفاشر لمدة عام ثم أعيد ثانية، وكانت الطائرة تأتي أسبوعياً من الخرطوم الى الفاشر حاملة معها تأييد اعدام شخص أو أكثر، وقبل يوم من وصولها يبدأ محكومو الاعدام يكثرون الصمت والاختفاء، وكان صوت الطائرة وهي تستعد للهبوط في المدينة يسمع له دوي مرعب في السجن، عندها يختبئ كل محكوم في زنزانته فلا يعود يراه أحد حتى تحين ساعته. وللمشانق وقع خاص على النفوس يختلف من شخص لآخر، ومن ذلك أن أحد المحكومين في كوبر وضع في زنزانة الاعدام التي يدخلها الشخص ليقضي فيها آخر لياليه في الحياة، ولكنه لم يكن متوتراً أو مرعوباً، لقد كان رجلاً شاعراً أو حافظاً للأشعار اذ ظل يترنم بمقاطع من الدوبيت طيلة ليلته تلك، ويقال إن ترنيمته لم تتوقف الا لنطق الشهادتين، ولمشنقة كوبر صوت لا يبرح ذهن من يسمعه، حينما يجذب الجلاد ذراع آلة الشنق وتنفتح الكوة بسرعة فائقة تحت الجسد.
وجدران السجن الحجرية تلوح كسجل حي لأناس كانوا هنا ذات يوم، لقد وجد في زنزانته الضيقة بالغربيات اسم حارس المرمي الأسطورة سبت دودو يور، وأخبره رفيق أنه وجد اسم والده محفوراً على جدار في بعض أنحاء السجن فذهبا معاً وكتب اسمه جوار اسم والده، وكان بعض الضباط الجدد يمنعون هذا التدوين التذكاري على الحيطان، ولكن الضباط القدامي كانوا يتفهمون الأمر، وربما كانوا مفتونين به سراً.

اعدام محمود محمد طه
عندما عاد من شالا الى كوبر وتم تحويله للمديرية بدل الغربيات وكان السجن ممتلئاً بالجمهوريين، كان الشفيع محتجزاً في المديرية ومحمود في الغربيات، وبحكم علاقته الوطيدة مع الجنود طلب زيارته فسمح له، وفي مساء الخميس السابع عشر من يناير وقبيل يوم واحد من اعدام الرجل دخل عليه في زنزانته وجلس معه فترة طويلة، كانا يجلسان على برش ويأكلان تمراً كان عندهما، وتحدث محمود عن أفكاره وعن الهوس الديني والمتاجرة السياسية بالدين، وقال انه يرى انهيار النظام في غضون أسابيع أو أشهر، وأخبره أن جماعته الشيوعيين أصدروا بياناً (ارفعوا ايديكم عن محمود)، وبدا له محمود رجلاً ثاقب النظرة ومن طينة نادرة، رصيناً رابط الجأش. وفي طريق العودة للمديرية أخبره العسكري أن أمراً (بطالاً) سيجري فيما يبدو اذ أتي جند كثيف من خارج السجن، وحينما وصل الى العنبر وجد النميري يتلو تأييد حكم اعدام محمود على التلفاز.
وكان قسم المديرية ملاصقاً لحوش الطوارئ الذي أسماه النميري ساحة العدالة الناجزة، وفيما كانت اجراءات صارمة تنتظم السجن تلك الليلة صمم المعتقلون في المديرية على رؤية الرجل غداً صباحاً وهو يمشي ليواجه مصيره، وهكذا راحوا ينقبون الجدار الحجري طيلة الليل، وكان أبو بكر الأمين صاحب الجهد الأكبر حتى تمكنوا من خلع أحد الحجارة الضخمة من مكانه وانفتحت لهم كوة سرية تطل على ساحة العدالة الناجزة.

سير محمود الى مصيره
وفي منتصف نهار الجمعة الثامن عشر من يناير سار محمود بثبات نحو المشنقة، وكان رجلاً نحيل البدن كبير السن يمشي متمهلاً، وكانت الساحة ممتلئة بأنصار إعدامه الذين يهتفون: زنديق زنديق يا محمود..لا إلحاد ولا شيوعية.. وكان مغطى الوجه فأمر القاضي المكاشفي طه الكباشي بكشف وجهه- ليرى الناس يشتمونه كما روى أحد حراس السجن حينها - وفي اللحظة التي كشف فيها عن وجه محمود صمت الناس كلهم صمت القبور، كمايصف الشفيع وفي لحظة واحدة أخذ كل المعتقلين يهتفون بصوت واحد: شهيد شهيد يا محمود.. فاشي فاشي يا كباشي..سفاح سفاح يا نميري.. وبحلول ظهيرة تلك الجمعة أمر كباشي بالتنفيذ، ولف حبل المشنقة الغليظ حول رقبة محمود.
وكان ذلك الصباح قد شهد اعدام عدد من الناس منهم الواثق صباح الخير، وقطعت أيادي البعض من خلاف، وحمل الحراس تلك الأيادي وساروا فوق الأسوار وهم يرفعونها ليراها الناس.

أمواج الانتفاضة
كانت ارهاصات الانتفاضة تأتيهم من الحزب وهم داخل المعتقل، كانت البلاد تغلي في الخارج وكانوا يتابعون أولاً بأول تلك الأصداء، وفي فجر السادس من أبريل شعروا بتلك الحركة غير الاعتيادية في محيط السجن، حركة في كوبري القوات المسلحة وفي سلاح الاشارة المجاورين، وفي اللحظات التي كانوا يسمعون فيها بيان المشير سوار الدهب على التلفاز، انطلقت هتافات تشق عنان السماء، لقد كانت أمواج الناس تحيط بالسجن، وحاول أحد الحراس اطلاق أعيرة نارية في الهواء فانتهره المعتقلون فما كان منه الا أن ابتسم وراح يتفرج على الناس الذين راحوا يتسلقون الأسوار العالية ويقفزون الى الداخل في مشهد درامي، وصعد المعتقلون على سقوف العنابر فرأوا الجموع، وكانت هناك مقطورة تقف جوار ساحة العدالة الناجزة، وكان الناس يحملونها كالريشة ويحطمون بها باب العدالة الناجزة ويهتفون: شعب أكتوبر يكسر كوبر.. شعب أكتوبر يكسر كوبر.. ودخل الجميع الى السجن، وكانت بينهم زوجة محجوب شريف الذي كان يقف بين الحشود ويلقي قصائده.

http://www.rayaam.sd/News_view.aspx?pid=155&id=10926

Post: #874
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-04-2008, 11:43 PM
Parent: #873


(أجراس الحرية) في حوارها مع البروفيسور عبد الله أحمد النعيم:

علمانية الدولة لازمة لمستقبل الشريعة في المجتمعات الإسلامية

أنا أدعو لفصل الدين عن الدولة وليس لفصل الدين عن السياسة

أنا لا أدعو الي إعتماد المرجعية البشرية العقلانية علي حساب المرجعية الدينية

الإسلام يتسامى بكرامة الانسان الى قمم أرفع من الخطاب المعاصر لحقوق الانسان

أجرته: لبنى عبد الله

* لماذا يتخوف الناس في الدول الإسلامية من المفهوم العام للعلمانية، وهل فهمك أنت للعلمانية يختلف عن هذا الفهم العام، وهل أنت حقاً تدعو إلى العلمانية؟

- للإجابة عن هذا السؤال يجب أن أوضح أن عبارة الدولة الإسلامية لا يصح استخدامها إلا مجازاً بقصد القول أن غالبية سكانها من المسلمين، ولا يمكن للدولة نفسها كمؤسسة أن تكون إسلامية، الدولة كمؤسسة لا تستطيع الاعتقاد في أي دين ولا أن تكون متدينة، فبحكم طبيعتها كمؤسسة لا تقدر على العمل الديني ولا تكوين النية اللازمة لصحة العمل دينيا؛ لذلك فالدولة دائماً غير دينية، مهما زعم البعض أنها إسلامية، ولكن الأفراد الذين يعيشون فيها هم الذين يمكنهم الاعتقاد والتدين بالنية الخالصة اللازمة لصحة إسلامهم.

وعند الحديث عن العلمانية نلاحظ أن هناك مفاهيم عديدة ومتنوعة للعلمانية ومتفاوتة في علاقتها بالدين، كما نرى مثلاً في كتاب عبد الوهاب المسيري (العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة- جزئين- دار الشروق 2002 م) بعض هذه المفاهيم المتطرفة في عدائها للدين، وتحاول إقصاءه عن الحياة العامة، وأخرى معتدلة في ذلك، بل داعمة وداعية لدور الدين في المجتمع، وأعتقد أن عامة المسلمين، وأنا منهم، يتخوفون من العلمانية المتطرفة، وهي تمثل رأي الأقلية حتى في الدول الغربية التي توصف بأنها علمانية، مثل بريطانيا وإيطاليا وألمانيا والولايات المتحدة وروسيا اليوم، وحتى لدى غالبية الرأي العام في فرنسا.. ففي تلك الدول وغيرها في مختلف أنحاء العالم يفهم غالب الناس العلمانية بأنها التمييز بين السلطة السياسية للدولة والسلطة الدينية في المجتمع، وهي لذلك علمانية الدولة وليست علمانية المجتمع بإقصاء الدين عن الحياة العامة، وأنا أوضح كل هذا بالتفصيل وأدعمه بالبينات بمصادرها في كتابي (الشريعة وعلمانية الدولة) الذي صدر أولاً باللغة الأندنوسية في يوليو 2007 وسيصدر باللغة الإنجليزية في مارس 2008، كما يجري إعداد طبعته العربية الآن.

أنا لا أدعو إلى اعتماد المرجعية البشرية العقلانية على حساب المرجعية الدينية، بل على العكس، فأنا أدعو لعلمانية الدولة، بمعنى حيادها تجاه المعتقدات الدينية من أجل مستقبل الشريعة في المجتمعات الإسلامية، وذلك يتحقق بالفصل المؤسسي بين الدين والدولة وليس بين الدين والسياسة، من أجل ضمان الظروف اللازمة لإمكانية التديّن الصادق والحماية من دواعي النفاق والغرض عندما يستخدم الحكام سلطة الدولة لفرض رأيهم على الآخرين. هذه المعادلة تقتضي التمييز الدقيق بين الدولة والسياسة، حتى يمكن الفصل بين الدين والدولة مع تداخل الدين والسياسة.. فالدولة هي استمرارية المؤسسات مثل أجهزة القضاء والأمن العام والدفاع والخدمة المدنية والتعليم والسلك الدبلوماسي، والسياسة تتمثل في الحكومة القائمة في أي وقت معين، وهي متغيرة وتفصيلية في تمثيلها للمصالح البشرية المتصارعة، ولذلك يجب أن تخضع لضوابط الدستور والحقوق الأساسية لجميع المواطنين.

علمانية الدولة بمعنى حيادها تجاه المعتقدات الدينية أصلح لمستقبل الشريعة من تمكين الحكام لفرض آرائهم وخدمة أغراضهم باسم الإسلام، فصل الدين عن الدولة يحمي الشريعة من أهواء الحكام ويضعها لدى المسلمين، كل على مسئوليته الشخصية.

لا يتسع المجال هنا للتفصيل الذي سيجده القارئ في الكتاب، ولكن يجب تأكيد أنه لا يمكن عملياً إبعاد المعتقدات الدينية عن السياسة والحياة العامة.

إن سلوك الناخبين وكذلك القائمين على مؤسسات وأجهزة الدولة يتأثر بمعتقداتهم الدينية الخاصة، إلا أن ذلك لا يجعل الدولة نفسها دينية، أو إسلامية في حالة السودان، وإنما تؤكد حقيقة هذا الارتباط الدائم بين الدين والسياسة ضرورة تميز الدولة كمؤسسة يتشارك فيها جميع المواطنين على اختلاف أديانهم ومعتقداتهم عن الإسلام كدين يختلف المسلمون أنفسهم في فهمه، حتى في إطار المذهب الواحد. فبما أن سلوك الحاكم إنّما يعبر عن فهمه هو للأحكام الشرعية وهو مجال اختلاف واسع ومتشعب بين المسلمين، فلا يجوز له ادعاء قداسة الإسلام لعلمه وعمله البشرى الناقص.

* على حد قولك "إن إضفاء القداسة على المؤسسات وممارساتها تقليد سياسي قديم منذ أن قال فرعون (أنا ربكم الأعلى) وحتى الدعوة المعاصرة (لتحكيم الشريعة في الأوضاع القانونية" هل أطروحتك ترمي إلى نبذ هذه القداسة الملتبسة بالبرامج الكلية كمثل أي علماني.. أم أنّ جوهر أطروحتك هو تلطيف لهذه القداسة ورفع الغلظة الأيديولوجية عنها؟

- أنا في سبيل رفع القداسة عن أي فكر أو عمل بشري، وخصوصاً عندما يدّعي له أصحابه قداسة الدين باسم الدولة الإسلامية، ولكن أقول بهذا من منظور مرجعية الدين الإسلامي نفسه وليس استناداً على مجرد العقلانية البشرية، أنا كمسلم أعتقد أن القداسة تحق لما هو إلهي، وليس للفهم والعمل البشري، وبما أن كل فهم للشريعة هو فهم بشري لذلك يجب أن تنتفي القداسة عن هذا الفهم البشري للشريعة، وأستطيع مناهضة جميع البرامج الكلية أو الشمولية لأنها دائما ظالمة ومحتومة الفشل، ولكن ذلك يصعب عليّ كمسلم إذا كان المشروع الشمولي يلتحف قداسة الإسلام، وعندما يظهر لي أن الأمر هو مجرد زعم بشري، يمكنني مناهضته مثل أي عمل بشري آخر..

و نلاحظ هنا أن كلمة "دولة" لم ترد في القرآن، وإنما هي ضرورة عملية، تعارف عليها البشر على مدى التاريخ في جميع الحضارات. إلا أن شكل وطبيعة الدولة تختلف حسب السياق التاريخي والواقع السياسي لكل مجتمع. مع التفاوت بين المجتمعات الإسلامية اليوم لاعتبارات مختلفة، فإن مفهوم الدولة الغالب في العالم الإسلامي بما في ذلك السعودية وإيران والسودان، قائم على النموذج الأوربي للدولة الوطنية الذي أدخلها علينا الاستعمار، ولم تحدث منذ الاستقلال أي دعوة جادة لتغيير هذا الوضع، ولا يمكن ذلك في الواقع الدولي الراهن. فمن العجب العجاب إدعاء البعض أنهم يحققون الهوية الإسلامية على ذلك النموذج الغربي، فهذه مغالطة كبيرة.

وحقيقة الأمر أنه لا يوجد نموذج إسلامي للدولة، وإدعاء هذا النموذج باطل من الناحية النظرية، كما لا يمكن تحقيقه عملياً في أي مكان، فكما قلت أعلاه، لا يمكن لأي دولة أن تكون إسلامية، وأي زعم بتطبيق الحكام للشريعة إنّما هو تطبيق ما تزعمه الصفوة الحاكمة. الدولة لا يمكن أن تكون إسلامية وإنما هي مؤسسة بشرية دائماً، ولا تستحق أن نضفي عليها قداسة الإسلام، وكل ما تشرعه الدولة من قوانين وتنفذه من سياسات لا يمكن أن يكون هو الشريعة الإسلامية، بل إرادة الحاكم السياسية. فالمبدأ الشرعي تصح له هذه الصفة عندما يمارسه المسلم طوعا وبالنيّة الصحيحة، وتنتفي عنه صفة الشرعية عندما يفرضه الحاكم قسراً من خلال مؤسسات الدولة.

* هل تعتقد أن تطبيق المفهوم العام للشريعة يتعارض مع حقوق الإنسان وإلى أي مدى؟

- إجابتي عن هذا السؤال تتكون من شطرين:

أولاً، أي تطبيق للشريعة الإسلامية من خلال أجهزة الدولة بهذه الصفة أي باعتبارها الواجب الديني على المسلم يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان ومقتضيات الحكم الدستوري الديمقراطي؛ لأن ذلك يكون دائماً وفق فهم الحكام للشريعة، وفيه تمييز ضد المسلمين الذين يخالفوهم الرأي كما هو إسقاط لحقوق المواطنة لغير المسلمين.

ثانيا، تطبيق الشريعة من خلال الممارسة الاجتماعية بين المسلمين خارج إطار مؤسسات الدولة إنما يكون وفق فهمهم واعتقادهم في الأحكام الشرعية، وهذا مجال للاختلاف و التفاكر والحوار بين المسلمين. على هذا المستوى أرى أن في الفهم التقليدي لأحكام الشريعة مخالفة لمقتضى الحكمة والعدل من المنظور الإسلامي، وهو لذلك يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان كما أفهمها وألتزم بها كمسلم. فالتمييز ضد المرأة وضد غير المسلمين ومصادرة حرية الاعتقاد في حكم الردة هي من نماذج انتهاك مبادئ العدل والكرامة الإنسانية من المنظور الإسلامي، كما هي انتهاك لحقوق الإنسان.

وأنا شخصيا ألتزم بمنهج الأستاذ محمود محمد طه في الإصلاح الإسلامي الذي يحقق الفهم الصحيح للإسلام اليوم. ولكن هذا لا يمنعني من النظر في أي منهج آخر في الإصلاح الإسلامي يحقق الغاية التي أنشدها في رفع الاضطهاد عن النساء وغير المسلمين، وحفظ الحريات العامة لجميع المواطنين.

وخلاصة الأمر عندي أن الإسلام نفسه يتسامى بكرامة الإنسان إلى قمم أرفع مما هو معروف في الخطاب المعاصر بمبادئ حقوق الإنسان. إلا أن الفهم السلفي التقليدي للشريعة الإسلامية بين المسلمين اليوم يخالف المرجعية الإسلامية كما ينتهك حقوق الإنسان.

*هل يمكن حل التعارض بين الإسلام كما هو عند المولى عزّ وجل ثم النبي صلى الله عليه وسلم والإسلام كما في فهم البشر؟ بمعنى من يحدد هذه المرجعية؟ أليس هم البشر؟

* تتصاعد الإنسانية في فهم وممارسة الإسلام من الواقع البشري بين الناس إلى نهايات الإسلام المطلقة عند الله سبحانه وتعالى، كما تفيد الآية: "إنا جعلناه قراءنا عربياً لعلكم تعقلون، وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم".

والإشكال هو أن بعضنا ينسب كمال الإسلام في تناهياته عند الله سبحانه وتعالى إلى فهمه هو البشري والقاصر، ودليلي كمسلم إلى الفهم الصحيح والمتصاعد للإسلام هو النبي عليه الصلاة والسلام لأنه معصوم وإذا أخطأ صححه القرآن. وعندما التحق النبي صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى أصبح كل ما تم بعد ذلك من تحاور أو طرح أو حتى إجماع على أحكام الشريعة هو مجرد جهد بشري قابل للخطأ والهوى الإنساني.

ولكن بما أن المرجعية من الناحية العملية هي للبشر في هذه الحياة الدنيا فيجب أن يكون الأمر بين المسلمين وخارج إطار مؤسسات الدولة التي تضمن الحقوق والمصالح على أساس الجهد البشري الذي لا تتحقق له القداسة الدينية. وفي هذا الإطار يتحاور ويتفاكر المسلمون في حرية تامة وصدق وقبول كامل لحق الخطأ بلا إرهاب ولا تقييد للرأي المعارض، وذلك لكي يعيش كل مسلم على حسب علمه وعمله المسئول عنه أمام الله.

هذا هو غرض دعوتي لعلمانية الدولة، توفير الضمانات لكل مسلم ليلتزم بأحكام الشريعة كما يفهمها ويعتقد بها هو ويحاسب عليها أمام الله سبحانه وتعالى، وتبقى شئون الإدارة والحكم وفق القانون العام من مرجعية المواطنة بين جميع المواطنين.

* مفهوم الدولة كمصطلح لديكم يقول بأنها نسيج متشابك من السلطات يقوم بالتوسط بينها والبرامج وفض النزاعات.. ألا يصادم ذلك القول بأن الدولة هي جهاز واحد يعبر عن سلطة (مصالح) مجموعة من الأفراد وليس كل الناس؛ بمعنى أن الدولة ليست ذات طابع ينطوي على المصلحة العامة؟

الإجابة:
كما سبق من القول يجب التمييز بين الدولة والحكومة.. فالدولة هي النسيج المتشابك من السلطات أو المؤسسات التي يتم من خلالها فقط توفير الأمن والقضاء، وتوفير الخدمات للمواطنين وضبط الإنفاق العام وما إلى ذلك.. فبحكم طبيعة مهامها تمثل الدولة الجانب الأكثر استقراراً وتروياً في عمليات الحكم، بينما تكون الحكومة القائمة نتاجاً للتنافس السياسي اليومي على تحديد وتطبيق السياسات العامة.. فالحكومة هي التي تحكم من خلالها مجموعة من الناس، والقائمون على أمور الدولة يتبعون فهمهم البشري في إنفاذ سياسات معينة وفق الضوابط الدستورية والمحاسبة القانونية والسياسية، وبهذا فمن المؤكد أنه يوجد اختلاف بين البشر في فهم المصلحة العامة مثلاً في تنمية موارد الثروة وتوزيعها والسياسة الخارجية وتوفير الخدمات، هذه المسائل يختلف حولها الناس على اختلاف الرؤى حول متابعة المصلحة العامة. والمطلوب هو حماية مؤسسات الدولة عن الرأي والغرض الضيق الذي تخدمه الحكومة أو الذي ينفذه الموظف باسم الدولة. فمثلاً قد يقوم ضابط في الإدارة المحلية بمنع نوع من السلوك أو يصادر عقاراً بفهمه هو بأن ذلك للمصلحة العامة، ولكن لابد من الاحتفاظ بالحق الدستوري على مستوى الدولة ليستطيع المتضرر اللجوء للقضاء في مواجهة أي عمل حكومي ضد مصلحته هو، وهذه المعادلة الدقيقة والصعبة تختل تماماً إذا سمحنا للقائمين على مؤسسات الدولة مثل القضاء والأمن العام الزعم بأن ما يقومون به من أعمال هو بمقتضى حكم الإسلام نفسه، ولتفادي هذا الخلط الخطير نقول بأن كل أمور الدولة والحكومة هي دائما عند البشر الخاضعين لسيادة الدستور والقانون، على أساس مرجعية المواطنة، ولا تكون أبدا مقدسة لأنها حكم الإسلام.. فالدولة والحكومة خاضعتان لحكم الدستور والقانون، ولكن لمؤسسات الدولة استمرارية وثبات في خدمة جميع المواطنين وليس فقط إسناد الحكومة القائمة.

* ما الخطر من الدولة المتلفعة بالدين برنامجياً وسياسياً إذا صبّ كل ذلك في صالح الناس على مختلف أديانهم وأعراقهم وفي الخير والتقدم للجميع؟

* لا يمكن لأي مؤسسة بشرية أن تحقق الحياد والمساواة وحقوق المستضعفين وهذا هو خطر جوهري في زعم الدولة الدينية، هنالك من يدعي أن الدولة الدينية خالصة من الفساد والغرض والهوى وأنا (عبد الله أحمد النعيم) أقول من يزعم هذا إما مضلل لنفسه أو مخادع للناس، لا يمكن أن يتم ذلك لبشر وأنا أصر على الاحتفاظ بالطبيعة البشرية للدولة، وإذا ادّعت الدولة بأنها دينية فلن يكون هنالك فرصة للمصادمة والمعارضة لأي سياسة حكومية. وإذا نفيت صفة الدين عن الدولة فذلك يوفر للمواطن فرصة في أن ينازع في أي أمر بدون إرهاب ديني. وفي نفس الوقت تبقى فرص الطرح السياسي للجميع، المسلمين وغير المسلمين في إطار المواطنة وليس العقيدة الدينية.

* كثير من الحركات في العالم الإسلامي تستخدم اللغة الدينية لتصل إلى السلطة، وبعضها صار دولة كما في إيران، وبعضها تطالب بحقوقها بلغة الدين ومفاهيمه.. هل يمكن رفض ذلك بمجرد أن هذه المفاهيم دينية؟

هذا السؤال يمكنني من توضيح ما أعني بقولي بضرورة فصل الدين عن الدولة مع ارتباط الدين بالسياسة.. الشطر الأول من هذه المعادلة يعني عدم نسبة قداسة الدين لأعمال موظفي الدولة في المؤسسات المختلفة مثل القضاء وتنظيم الاقتصاد. ولكن يحق للمسلمين الاعتماد الذاتي على عقائدهم الدينية في المجتمع.. فإذا أرادوا أن يتم تطبيق أي حكم شرعي من خلال أجهزة الدولة فعليهم تقديم الحجج الداعمة لذلك من غير الاعتماد على مرجعيتهم الدينية، وهذا ما أسميه مرجعية المواطنة والمنطق الوطني العام.

ولتوضيح المعنى المقصود لنأخذ نموذج الربا مثلاً، فهو موضوع هناك خلاف في تعريفه وترتيب تبعاته. فأنا كمسلم محرم عليَّ دينا أن أتعامل بالربا كما أقبل تعريفه أنا على مسئوليتي الشخصية، وإذا فعلت فأنا محاسب على ذلك أمام الله، سواء منعت الدولة التعامل بالربا أم أجازته، ولكن إذا أردت أن يحرم القانون العام التعامل بالربا فعليَّ أن أقدم هذا المقترح من خلال التنافس السياسي بشرط أن أقدم له الأسباب الموضوعية التي يمكن لجميع المواطنين قبولها أو رفضها على أساس مرجعية المواطنة وليس لأن الربا حرام شرعاً عليّ أنا كمسلم. فالتحدي الذي يواجهني كمسلم هو أن أبين حكمة وعدالة تحريم الربا من غير استدعاء عقيدتي الدينية لدعم موقفي لأن غيري لا يشاركوني هذا المعتقد الديني، فإذا تم منع الربا قانوناً على هذا الأساس غير الديني فيمكن تغيير القانون في المستقبل إذا ثبت ضعف حجتي المدنية في الواقع العملي. وهذا غير ممكن إذا كان أساس المنع هو الزعم الديني.

May 5th

Post: #875
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-05-2008, 03:30 PM
Parent: #1


خواطر من زمن الإنتفاضة (13)

بيني وبين الأستاذ محمود محمد طه ... والوالدة " نفيسي بت عسمان " (الحلقة الأخيرة)

د. إبراهيم الكرسنى
[email protected]

كنت فى طريقي إلى منزل الإخوة الجمهوريين بأم درمان أتأمل في شخصية ومواقف هذه الشخصية الفذة . عندما أيد الأستاذ " ثورة مايو "، وهو السبب المباشر لعدم ذهابي لمقابلته في السابق، فقد أيدها بحماس وقناعة وشرف، وكما يقول أهلنا الطيبون، " الواضح ما فاضح " !! وحينما عارضها لاحقاً عارضها أيضاً بحماس وقناعة وشرف ، بل وقدم روحه الطاهرة فداءاً للشعب السوداني . إنه شخصية واحدة فى رجل واحد، وليس عدة شخوص في رجل واحد ، كحال معظم قياداتنا السياسية، التي تبدل جلدها، كما الحرباء، وفقا لمتطلبات الموقف السياسي !!



ذهبت إلى الثورة بعد إطلاق سراح الأستاذ مباشرة، وقبل أن يصدر الأخوان الجمهوريين " منشورهم " الذي أسموه " هذا... أو الطوفان!!! " ، والذي أعتقد أنه قد شكل مرحلة فاصلة فى صراع قوى الإستنارة مع مجموعات الهوس الديني ، ليس على المستوى الفكري فقط ، وإنما على المستوى السياسي كذلك . أعتقد أن هذا المنشور، بالإضافة إلى المرافعة المقتضبة التي أدلى بها الأستاذ داخل “ المحكمة / المهزلة "، قد شكلا آخر طلقات " المدفعية الثقيلة " ضد قيام الدولة الدينية في السودان. وحينما تعطل " مدفع " قوى الإستنارة ، بإستشهاد الأستاذ ،فقد أتيحت الفرصة بالكامل لمجموعات الهوس الديني لفرض الدولة الدينية على الشعب السوداني ، من فوق أسنة الرماح !! أكد فرض الدولة الدينية من فوق فوهة البندقية، بأن الأستاذ محمود قد كان بالفعل القلعة الواقية للشعب من نيران مجموعات الهوس الديني ، مما أضطرها لهدم تلك القلعة بالمدفعية الثقيلة حتى تتمكن من فتح الطريق المفضي إلى قيام الدولة الدينية فى نهاية المطاف!! وقد كان لهم ما أرادوا بعد أن تواطئوا مع جعفر نميرى. وبالتالي فقد صار النميرى سدا بين قوى الإستنارة وبين الشعب السوداني، بدلا من أن يكون سدا بين الطائفية و الشعب، كما تنبأ بذلك الأستاذ محمود... فتأمل !!؟؟



وصلت منزل الأخوان الجمهوريين بالثورة عصر أحد أيام النصف الثاني من شهر ديسمبر 1984 م. لا أتذكر بالفعل من الذي ذهب معي في ذلك الوقت. حينما دخلت المنزل، وجدت الأستاذ جالساً على كرسي، بينما تلاميذه و" حيرانه " جالسون على الأرض ، وهو بالطبع تقليد متبع راسخ عند الأخوة الجمهوريين، يدل على مدى إحترامهم وتوقيرهم للأستاذ. . حينما رآني الأستاذ انتصب واقفاً بقامته الفارعة ، وهو يرتدى " عراقي وسروال، ويتلفح ثوباً ". كانت ملابسه بيضاء ، ناصعة البياض ، وكأنه كائن ملائكي ، ثم أبتسم إبتسامة عريضة ، تذكرتها بتفاصيلها حينما شاهدت إبتسامته الصبوحة فى وجه جلاديه لحظة استشهاده . حييت الأستاذ تحية حارة ، ورد هو بأفضل منها ، حينما قدمنى له أحد تلامذته ، والذى لا أذكر أسمه الآن للأسف الشديد . أحسست بأن الأستاذ يعرفني منذ سنين ، وأعتقد أن هذا الإحساس ينتاب كل من تتاح له فرصة لقاء هذا الرجل الفذ . ولكن لهذا الإحساس سبب آخر . فقد كان شقيقي الجمهوري، سعد، يشبهني إلى درجة كبيرة، كلانا يعطى ملامح من الآخر لدرجة أن بعض الناس يخلطون فيما بيننا عند النظرة الأولى، وبالأخص في فترة الشباب. أذكر بهذه المناسبة حينما كان الأخ سعد يحضر فى إجازته السنوية من بور تسودان ، حيث كان يدرس فى مدرستها الثانوية ، كانت أهم توجيهات الوالدة، رحمها الله، له هو ضرورة تقديم واجب العزاء فيمن قضى نحبه من أهالي البلد وهو بعيداً عنها، بعد أن تقوم بحصرهم . أتذكر تماماً أن سعد يغفل راجعاً بعد فترة وجيزة لا تتناسب مطلقاً وعدد الوفيات التى ذكرت له ، فتبادره الوالدة بسؤال فى صيغة تعجب ، " ما شاء الله يا ولدى تراك خلصت بدرى " !! يرد الأخ سعد ، " والله يا يمه مشيت لى ناس فلان وفلان بس وجيت راجع " ، فتسأل بدورها بتعجب، " مالك يا ولدى ما تميتم " ؟ ! فيرد عليها الأخ سعد ، " والله يا يمه ما تميتم عشان الخيل تجقلب والشكر لى إبراهيم " !! ، بمعنى آخر كان الأخ سعد يقول بأنه لا فائدة من سعيه، حيث كلما يهم بمغادرة منزل العزاء، يقول له أهله، " بارك الله فيك يا إبراهيم " !!



لذلك لم أندهش حينما تولد لدى إحساس بأن الأستاذ يعرفني منذ سنين ، نسبة للطف غير المعهود الذى يقابلك به، و الذي يفوق لطف السودانيين عند إستقبالهم لضيوفهم . حينما هممت بالجلوس أرضاً ، أمسك الأستاذ بيدي وأصر على الجلوس بجانبه على أحد الكراسي ، التى كان قد أحضرها أحد تلاميذه . حينما جلست بجانب الأستاذ لم يتولد لدى إحساس بالإختلاف أو التفرد عن بقية من هم جلوس على الأرض ، ولا ينبغي لي ، ولكن ما إنتابنى فى تلك اللحظة هو الإحساس بأننى في مرتبة " روحية " متقدمة، ولو قليلاً ، عن بقية الآخرين ، وإن كان ذلك لمجرد شرف الجلوس بجانب الأستاذ . سألنى الأستاذ عن أحوالي وأحوال أسرتي وعن أخبار الوالد والوالدة وبقية الأهل بشبا .



عندها تولد لدى إحساس غريب، وكأنني أعرف هذا الرجل معرفة شخصية لسنوات طويلة خلت.وأحسست بألفة وحميمية تجاهه ، وبإنجذاب روحي غير عادى، وأنا في حضرته ، ذكرني ب " طيلسان " الوالدة العزيزة ، عليها رحمة الله، عندما إلتقته . بعد أن أديت واجب تحية خروجه من السجن ، والذي أمضى فيه قرابة العامين ، أذكر أننا تجاذبنا أطراف الحديث فى مواضيع عديدة ، ولكن ما علق بذهني هو نقاشنا حول قوانين سبتمبر الغبراء ، والتى أدخل الأستاذ السجن بسبب معارضته المبدئية والشرسة لها . أعتقد أن الأستاذ محمود قد علمنا جميعاً درساً عميقاً فى التأييد والمعارضة للأفكار والبرامج والمواقف السياسية . لقد علمنا أن نكون واضحين في الفكر حينما نؤيد وأن نكون أكثر وضوحاً من الناحية الفكرية حينما نعارض !! لقد إنطبق على موقف الأستاذ من قوانين سبتمبر بيت الشعر القائل :



إذا كنت ذا رأى فكن ذي عزيمة فأن فساد الرأي أن تترددا !!



وعندما كثر التردد عند قادتنا، كان هذا هو المدخل لدولة الفساد التى قضت على الأخضر واليابس في البلاد أو كادت !! أذكر جيداً ما قاله لي الأستاذ حول قوانين سبتمبر ، حيث قال ، " تعرف يا دكتور كل شر جواهو في خير، وربما أراد الله خيراً من وراء فرض النميرى لهذه القوانين ... إنشاء الله تبقى سبب عشان البلا يزول من البلد " !! كان ذلك قبل حوالي الثلاثة أسابيع من إستشهاده، وحوالي الأربعة أشهر من الإطاحة بالنظام المايوي ... فتأمل !!



لم أكن مقتنعاً برأي الأستاذ فى ذلك الوقت ، أو حتى عند لحظة إستشهاده ، بقرب إنفراج الأزمة، ولكنني لم اقتنع بزوال البلاء إلا عندما تمت الإطاحة بنظام مايو تماماً بإنتصار إنتفاضة أبريل المجيدة، وحينما تغنى الأستاذ وردى برائعة محجوب شريف ، " بلا وإنجلى " !! حينها فهمت تماماً " رؤية " الأستاذ فى زوال البلاء من فوق أرض السودان، وعن جماهير شعبه، بعد ما يقارب السبعين يوماً من إستشهاده !! فيا لها من رؤية تفسر عقوداً من الفواصل الروحية بيني وبين الأستاذ !!

وحينما هممت بالخروج قبيل صلاة المغرب بقليل ، أخذ الأستاذ بيدي إلى خارج المنزل ثم ودعني وداعاً حاراً عند باب عربتي ، قبل أن يغفل راجعاً إلى داخل المنزل ، ولكن بعد أن تأكد تماماً من أن العربة قد غادرت الحدود الجغرافية للمنزل ،وهو المهندس العالم تماماً بتلك الأمور. لا أذكر أنني قد مررت بموقف مشابه، إلا حينما قمت بزيارة العارف بالله الشيخ عبد الرحيم البرعى ، شيخ الزريبة ، عليه رحمة الله ورضوانه ، والتى سوف أروى تفاصيلها فى مناسبة أخرى بأذن الله . حينما أقارن موقف هاتين القمتين الروحيتين بمواقف زعماء " دينيين " آخرين ، لم يقوموا حتى بواجب الوداع عند باب المنزل ، حينما قمت بزيارتهم فى منازلهم بصحبة عدد من الإخوة ، يتأكد لي تماماً الفارق الكبير بين المواقف الروحية المتأصلة فى الإنسان المتدين بحق ، وبين المواقف " المتمسحة " بالدين، عند السياسي بحق ... ويا له من فارق !!



ظلت حرارة وداع الأستاذ تسرى فى روحي ودمى منذ ذلك الحين ! وأعتقد أن هذه “ ترهات " لا يفهمها إلا أهل التصوف !! ولا زلت أذكرها حينما أتذكر الأستاذ، أو حينما تمر ذكراه العطرة سنوياً علينا ، والتى سوف أفرد لها حلقة خاصة من هذه السلسلة بإذن الله . ما كنت أعتقد بأن الأستاذ سوف يودع الدنيا بأكملها بعد وداعي له بنحو ثلاثة أسابيع فقط ، وكنت سأكون حاسراً بقية عمري كله لو لم أقم بمقابلة الأستاذ ، ولو لبرهة قليلة، مثل تلك التى شرفني بها وأمضيتها فى معيته ، قبل إستشهاده، و التى يكاد وقعها على يعادل عقودا من الزمن !! أصدر الأخوة الجمهوريين منشورهم ذائع الصيت ، " هذا ... أو الطوفان!! " بعد فترة وجيزة من زيارتي للأستاذ، والذي أعقبه إعتقاله مرة أخرى، ومن ثم إستشهاده ، على نحو ما هو معروف . لكن ما يتمنى من هذا الحدث هو الموقف الذي تعرضت له الأسرة، جراء ما خلفه من مواقف درامية، وبالأخص ما تعرضت له الوالدة العزيزة، عليها رحمة الله ورضوانه.

أعقب إستشهاد الأستاذ إعتقال معظم الأخوان الجمهوريين فى جميع أنحاء البلاد ، حضرها وريفها على حد سواء . بل فى حقيقة الأمر لقد قام بعض الأخوان بتسليم أنفسهم إلى السلطات المختصة بعد التنفيذ مباشرة . وقد كان من ضمن المعتقلين أشقائي، سعد وخليل ، الذين تم ترحيلهم من شبا إلى سجن مروى ، التى يفصلنا عنها نهر النيل العظيم . وما يتمنى أكثر ليس موقف أشقائي فقط ، لأنه قد تم باختيارهم، وهم فى كامل وعيهم ، ولكن ما يهمنى فى حقيقة الأمر هو موقف الوالدة العزيزة ، عليها رحمة الله ، لأنه كان قد فرض عليها تماماً .



تم إعتقال أشقائي بتهمة الردة والخروج عن الملة !! حينما يتم إتهام أحد بالردة فى قرية نائية من قرى السودان ، فإن هذا يعنى فى واقع الأمر ، إتهامه بالكفر الصراح . فلكم أن تتخيلوا موقف والدتي العزيزة، عليها رحمة الله، حينما تم إتهام فلذات كبدها بالكفر . لم يكن أحد فى شبا بأجمعها يصدق بكفر سعد وخليل ، ليس لمعرفتهم الشخصية بهما ، وما يتمتعان به من أخلاق رفيعة وسمعة طيبة ، ليس داخل قرية شبا وحدها ، وإنما على نطاق المنطقة بأكملها ، حيث إنهما أحفاد الشيخ أحمد الكرسنى ، " تور الجبل " و " راجل البركل " الذي مدحه حاج الماحي فى قصيدته المشهورة " التمساح " ، أو " يا رحمن أرحم بى جودك " ، حيث قال :



شي لله يا راجل البركل يا قايم بالليل ما بتكسل

يا عايم بالله توكل قول للدود من بلدي أتفضل

وحيث تغنى بمآثره الروحية الشعراء والفنانين ، حينما تغنى بأحد تلك المآثر الفنان عثمان اليمنى فى أغنيته " إنبقت طابت "، حيث قال :



يابا ود الكرسنى الحر جات حرارتا نيران جمر

يندهوك فى المالح المر يا بطل تصلح وما بتضر



كان كل أهالي شبا يتساءلون فى ذلك الوقت، هل يمكن أن يأتي حين من الدهر يتشكك فيه أحد فى إسلام أحفاد مثل هذا الرجل ؟ ومن من ؟ من قبل رجل لم يعرف عنه التدين أو الصلاح أو التصوف أو حتى الصدق فى لحظة من حياته !!



لقد كان الموقف برمته قاسياً على النفس، وبالأخص على نفس الوالدة العزيزة، رحمها الله. ولكن أقسى المواقف على نفسها كان كما روته لي بنفسها، حينما ذهبت إلى مروى لمقابلة أشقائي بسجنها. لقد صادف ذهابها فى ذلك الوقت ذهاب والدة أحد أشقياء المنطقة، التي كانت تود زيارة إبنها المعتقل بسجن مروى بتهمة القتل . وحينما وصلن إلى إستقبال السجن كانت لحظة القسوة والذهول .فقد أتى السجان بذلك الشاب ، مكبلاً بالأغلال ، لمقابلة والدته ، ثم رفض طلب الوالدة لمقابلة فلذات كبدها بحجة أن هناك أمراً مشدداً من السلطات بعدم السماح بمقابلتهم ؟ !! ماذا كان يعنى ذلك فى واقع الأمر ؟ دلالة هذا الموقف تعنى بأن " الجرم " الذي إرتكبه أشقائي هو أكبر بكثير من جريمة القتل ... فتأمل !! . وهنا تظهر قوة شخصية والدتي، عليها رحمة الله، ورجاحة عقلها. فقد تقبلت المسألة برضاء تام، ثم إنتظرت تلك المرأة حتى نهاية وقت الزيارة ، فرجعت معها ، " الحجل بالرجل " ، إلى " الحلة " !!، لم تبدى أي تبرم أو إستياء ، كما لم تبدى تلك السيدة الجليلة أي نوع من الشماتة هي الأخرى !! ما أعظمهن من أمهات!!



لقد ظلت الوالدة العزيزة تدافع عن الأستاذ بشدة، وعن مواقفه، وعن " صلاحه "، بكل ما أوتيت من قوة ، وكذلك عن موقف أبنائها ... فى تلك الأيام العصيبة ، وحتى وفاتها . قبل مغادرتي الخرطوم متوجهاً إلى شبا ، لرؤية أشقائي ، ولدعم موقف الوالدة، رحمها الله، ولتعزيز صمودها ، طلب منى الأخ العزيز الدكتور عبدالله أحمد النعيم ، له التحية والإحترام والإجلال ، التريث قليلاً حتى يفرغ من الإتفاق غلى الصيغة النهائية لموضوع " الإستتابة " ، مع السلطات المختصة ، لكيما أحمله معي للتوقيع عليه من قبل أشقائي، بإعتبار أنه الموقف الموحد للأخوة الجمهوريين على نطاق القطر بأكمله . وبالفعل فقد إنتظرت حتى حملت وريقة " الإستتابة " معي ، ومن ثم غادرت إلى " البلد " .



وصلت قرية شبا وقد هالني، بل أذهلني، صمود الوالدة العزيزة، عليها رحمة الله. على الرغم مما كانت تمر به من ظرف حرج، إلا أنها أبدت ، على الأقل أمامي ، رباطة جأش، و بسالة، كانت مصدر إعجابي وفخري . ولكن ما أذهلني حقاً هو رفض الأخ سعد التوقيع على" وثيقة الإستتابة " فى بادئ الأمر. فقد كان الأخ سعد ، ولايزال كما أعتقد، جمهورياً " على طريقته الخاصة" ، على حد وصف أستاذنا الطيب صالح لصديقه " منسي "، كما أسلفت القول فى الحلقة السابقة !! ولكن بعد جهد جهيد، وقع الأخ سعد أخيراً على "وثيقة الإستتابة"، وتبعه الأخ الخليل فى التوقيع، ومن ثم تم إخلاء سبيلهما، بعد أن تم إرجاعهما إلى " حظيرة الدين " !! و لكن أي دين و أي حظيرة؟! بعد أن كانت " القصة " على لسان بعض سكان" الحلة " هي " كفر ولاد كرسني " ، أصبحت بعد توقيع وثيقة " الإستتابة "، "رجوع ولاد كرسني للدين "... فتأمل !! حينما يسلط الله بعض " جهلاء " الأمة عليها ، حينها تختل كل الموازين ، وبالأخص الدينية والأخلاقية والإجتماعية منها !! من هنا يأتي موقفي المبدئي الرافض للدولة الدينية، وتحت أي مسمى أو ذريعة كانت، ليس من ناحية فكرية وحسب، ولكن من تجربة شخصية وأسرية عشتها واقعاً معاشاً مريراً.



لقد أعجب الجميع بموقف الوالدة العزيزة ، رحمها الله ، أيما إعجاب، وبالأخص لبعد نظرها وصمودها ومواقفها الباسلة حيث كانت تقول لهم ، بينما كانت أزمة أبنائها فى أوجها ، " والله الكافر يا هو النميرى دا ... مو محمود ... والله الكلام البقول فيهو دا كلو كضب ... عاد أنا مو مشيتلو فى بيتو وشفتو "!! أعتقد أنها كانت تسترجع حينها " قصة الطيلسان" تلك !!



لذلك وحينما أختار الله إلى جواره هذه المرأة الصنديدة، نفيسي بت عسمان ، رحمها الله رحمة واسعة و أدخلها فسيح جناته، رثيتها بأبيات، نشرت من قبل بصحيفة "الخرطوم" الغراء، حينما كانت تصدر من القاهرة، إرتأيت إعادة نشرها هنا بمناسبة الذكرى الحادية عشرة لرحيلها عن هذه الفانية ، والتي ستصادف السابع والعشرين من أبريل الجاري ، وكذلك بمناسبة يوم الأم الذي مر علينا قبل أيام قليلة.



في رثاء المرحومة

الوالدة العزيزة



نفيسى بت عسمان

عليكم الله شوفو نفيسي بت عسمان وكان شفتوها شفتو ملايكة الرحمن

مرةً راسي فوق إيمانا زايدي أمان وضل إيمانا عاد مو غطى كل بكان

وضلاً بادي من تنقاسى لا عن نورى لمدرمــان

وحات أسم الله شامل الدنيا لا عن مسقط السلطـــان

وجيها الصافي ديمة مندى نداهو يسيل يبل الصحراء والخـيران

وعيونن لامعة ديمة تضوي تشوفها تقول سما الســـودان

مرةً شايلى هم الناس صغير وكبير وقاسى تفرز الحبان من الجــيران

إيدا طويلي للمحتاج محل ما كان وخيرا كتير يشبع للبيجيها جعــان

ديمة تشوفا عند الدوكى تعوس فى الكسرى والقراصة للضيفــــان

لا بتكلى لا بتملي لا زهجن عليكى يجى بسيمتك ديمة كاسي الوش تزيدو أمان

مرة ً ما بتعرف الخوف ، تشيل السيف كل الشافا قال من أشجع الفرســان

تدافع ديمة للمظلوم وكل الناس ، حقوق " جادين" مقدسة زى حقوق " رغمـــان "(1)

أماني الليلة عاد ما إتهز كل محتاج وأماني إتيتمو الأطفال وفقدو حنـــان

يدخلو البيت كواريكن تجيك في إضنيك يمه نفيسي زيدي الكسرى والتبـــــان

يمين ديك ساعة مناك كل يوم ، تملحي فى الصحانه الجد كبيرة ما بيشلا بكان

تشيلي تغرفي من غير حد ، تخسمى فى الخلق من جم عليكم الله يا الحبـــــــان

عليكم الله كان درتو الزيادة تجو ، والحلل الكبار مليانة ديمة بتغلى للصرمـــان

يغشاها الغريب والجار ، وكل الجاكى فوق إيمانو زدتى أمــان

يدخلو عليكى بإطمئنان ، يحلفو عديل شافو ملاك فى شكل إنســــان

صبحت يتيم يما نفيسي بعد ما كنت كلى حنــــــان

وما إتيتمت يما براى يمين إتيتم الســــودان

هو السودان بلاكم كيف ؟ يمين بس صحراء بس.. قــيزان

طريتك يما يوم العيد طريت قعدتنا فى الحيشـــــان

طريت الو نسى نص الليل حجاكى يطول كلامك أصلو ما سلطــــان

طريتو تمودنا والقنديل جنايناً تحكى للتاريخ عن الفرســـان

أهلنا الديمه شايلين لى هموم الناس يفرجو كربة الضايق ويزيدو أمــــان

خلاويهم تضوي الليل وديمه ملانى بالحيــران

عاد ما هم شيوخ الفقرا عاد من جم ، سلوكن أصلو هو القــرآن

وزولة ً جاى من ناس ديل سعيدي واحلالا كمــــــــان

والجبل الحواكى سعيد سعادة ً زى عريس فرحــــــــــان

....

رقدتي مع جدودي الجد ، ومع الصالحات خصوصاً .. فاطنى بت شنــــــــــــــــــــــان (2)

صلاحك بان فى يوم الوقفة يوم عرفات رويحتك ماشى يوم الرحمة للرحمــــــــــــن (3)

صلاحك بان فى طوفك عاد على الحبان من بدريي لا عن فاطني وليد كبدك غشيتي كمان(4)

.....

أرقدي إرتاحى من غير هم وبالك ما يكون مشغول من تالانا من كل شان

وناس " شبا " ما بقصرو عاد وقفو معاك وشايلنك يمين بالله فى الأحضان

وردو جميلك المعروف ، وكل زول قال نفيسي دى هول الناس فى كل بكـــــان

أرقدي إرتاحى يما خلاص ، بناك شامخ ما بتهزا بى ساهل فى كل زمــــــــان

أرقدي ... نفيسي بت عسمان وكان شفتوها شفتو ملايكة الرحمـــــــــــــن

...................................................

(1) جادين سعيد من الأقليات التى لا تملك أرضاً زراعية بمنطقة " شبا " ، ومحمد أحمد رغمان أبن عمة الفقيدة .

(2) المرحومة فاطمة أحمد عبد الحميد الكرسنى ، توفيت قبل الفقيدة بفترة وجيزة للغاية ، وقد دفنتا جنباً إلى جنب بمقابر جبل ود الكرسنى .

(3) توفيت المرحومة صباح السبت وقفة حجاج بيت الله الحرام بجبل عرفات فى التاسع من ذى الحجة لسنة 1416 ه الموافق 27 أبريل 1996 م .

(4) إبنتا الفقيدة الأولى تعيش بمدينة " رأس تنورة " بالمملكة العربية السعودية والثانية بمدينة الدامر بالسودان .

إبراهيم الكرسنى

الجمعة 3 مايو 1996 م

مسقط سلطنة عمان

كما قام برثائها الأخ العزيز، والشاعر الجمهورى المطبوع، الأستاذ العوض مصطفى ، له التحية والإعزاز والتجلة، بقصيدة معبرة أود نشرها هى الأخرى . كما يجب التنويه هنا بأن الأخ العوض كان قد إلتقى المرحومة عند زيارتها لى بمدينة مسقط فى عام 1995.





أخى الحبيب إبراهيم



تحيتى ومحبتى



يودع الإنسان الإحبة ، يعتصره الألم ... وتتولى الوالدة مقدمة الركب ... لا يجد الإنسان معها فكاكاً من هذا الألم ... تنبشه الأيام ... فيخرج دموعاً نفرغ من خلالها أحزاننا فى عالم ملؤه الحزن ... وهذه مشاركتى فى فقد أحس بأنه فقدى ... فقليل اللحظات التى قضيتها مع المرحومة حفرت صورتها داخلى ... لك حار عزائى وللأسرة المكلومة .





يا إبراهيم قريته رثاك للوالدة الحبيبـــــــــــــــة

ويا جبار كسور الناس تخفف ها النصيبــــــــــة

تثبت للقلوب مكلومة كفكف صوت وجيبـــــــــه

ويا الصلاح تبارو نفيسة .. جاياكم غريبــــــــة

بتعرفوها كان شفتوها زينة وكيف عجيبـــــــــة

سودانية من أقدامها تب لا عن سبيبــــــــــــــــه

بتعرفوها قدامية فى الحارة وقريبـــــــــــــــــــة

وكان شفتوها روقة فى الكلام راسية وأديبــــــــة

موية النيل هناك ساقاها من عكرابة طيبــــــــــه

ومن خصب الجروف روحاً ترفرف زين خصيبه

بتعرفوها لا بتضارى .. لا بتدى الحبيبـــــــــــــة

وصالحة صلاحا لا بيندس ، ولو هين نصيبـــــــه

ومن وسط الخلوق معروفة عطايا ونجيبــــــــة

أصبر يا سعد أمك مشت داراً رحيبــــــــــــــــة

وأمك يا الخليل ببراها حب الناس معشش فى قليبه

ويا البنوت أمسكن – فى العقاب دايماً – دريبـــــه

ويا محمد عزاكم فيها راحت لى حبيبــــــــــــه

ويا إبراهيم زيارته ليك ترد الروح تجيبـــــــــه

والموت أصله حق فوق الرقاب يا خوى ضريبة

أبرد يا الكريم ناراً يوج فى الجوف لهيبــــــــه

ويسر للولاد صبراً على فقد الحبيبـــــــــــــــة

وللجيران وللحبان مبارين عنقريبــــــــــــــــه

وأنزله فى المقامات العلية العاجى طيبـــــــــه

دروباً ساهله ما تلاقيها فيها ولا كريبـــــــــــه

العوض مصطفى

مسقط – الجمعة 17/5/ 1996 م



ألا رحم الله الوالدة العزيزة نفيسة عثمان محمد بابكر و الأستاذ محمود محمد طه و أحسن إليهما و أسكنهما فسيح جناته مع الصديقين و الشهداء وحسن أؤلائك رفيقا... آمين يا رب العالمين.



د. إبراهيم الكرسنى

18/4/2007

Post: #876
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-05-2008, 08:45 PM
Parent: #1


اسحاق احمد فضل الله
شهادة منصور خالد
‬والإسلام الذي‮ ‬يريده الرجل‮ - ‬ومن الصعب المعجز ايجاز الف وثمانين صفحة في‮ ‬كلمات‮ - ‬هو إسلام‮ ‬يوجزه اهداء الكتاب فالسيد منصور خالد‮ - ‬وهذه ايام النواح على محمود محمد طه‮ - ‬يهدي‮ ‬كتابه الى ثلاثة من الرجال‮.. ‬محمود محمد طه‮.. ‬واسلامه النموذج المطلوب



http://www.alintibaha.sd/writerdetails.aspx?colID=411
__

Post: #877
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-05-2008, 10:49 PM
Parent: #1


هل ينسخ القتل الرحمة؟
حوار بين لا إكراه في الدين وآية السيف
الثلاثاء 30 مارس 2004 15:34
رشيد الخيُّون

عندما يتعلق الأمر بالإنسان وتفسيره أوتأويله للقرآن الكريم يصبح الفارق كبيراً بين نصوص السلام والتسامح وبين نصوص السيف والقسوة، وما يفرق بينهما هو الحدث والزمن، ولو كانت النصوص تكمل بعضها البعض ما ظهر الناسخ والمنسوخ. والأخطر من هذا أن يُأخذ النص المقدس مجرداً عن الزمنية والظرفية ونعني به "أسباب النزول"، وما يتعلق بالناسخ والمنسوخ، الذي جُمع كلاهما في القرآن فأصبح حمال وجوه (حسب حديث نبوي ووصية لعلي بن أبي طالب)، يجد فيه الجميع حججاً وأدلة. فمَنْ يعلن السلام والتسامح يجد لأحجيته عشرات الآيات، ومَنْ يلوح بالسيف والتكفير يجد لأحجيته نصوصاً أيضاً.

لكن هناك ما هو أصل وما هو طارئ، فالأصل في القرآن هو "لا إكراه في الدين" والطارئ هو "فأقتلوا المشركين حيث وجدتموهم"، وهي الآية المعروفة بآية السيف (شذت سورتها التوبة أو براءة أنها خالية من البسملة). لأن المعلن في قبول الإسلام هو العقل والنظر وكلاهما يتقاطعان مع الإكراه ويتفقان تماماً مع الحرية. أما ما يتعلق بأمر القتل أو تشريعه فهو علاج لحالة طارئة ومؤقتة لا تتعدى الحرب القائمة بين مشركي قريش والمسلمين. ورغم ذلك فالآية لا تجيز القتل في كل الأحوال، على طريقة أصحاب الأحزمة الناسفة والمتفجرات الهائلة اليوم، يقول نصها الكامل :"فإذا إنسلخ الأشهر الحُرُم فأقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم وأحصروهم وأقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وأتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم"(سورة التوبة، الآية الخامسة). ومع زمنية الآية وحدودها المكانية إلا أن فقهاء القتل لا يميزون بين الأزمنة والأمكنة، فمكة غير نيودلهي وكابول، ولا يميزون بين الشهور الُحرُم وغير الحُرُم، ولا يتركون لضحاياهم مجالاً، فإن خيروا بين الطاعة أو الموت بإنفجار لا يبقي من أبدانهم قطعة عظم ولحم، لختاروا الطاعة على أية حال كانت! ورغم ذلك أن فقهاءً عرفوا بتسامحهم وسعة فقهم، مثل الإمام أبي حنيفة النعمان، أجازوا أخذ الجزية حتى من مشركي غير العرب! وكيف الحال إذا وجدنا في القرآن أكثر من سبعين آية تؤثر التسامح وحرية الرأي نسخها فقهاء التشدد والقسوة بآية السيف؟ نأتي عليها بالتفصيل مع المعذرة لكثرة ما سنرده لاحقاً من نصوص.

المعروف أن ما بين فترة الإسلام النبوية بمكة (13 عاماً) وفترته المدنية (عشرة أعوام) هو ما بين الدعوة والدولة أو ما بين الدين والسياسة. والدعوة بسريتها وعلنيتها المكية حققت قاعدة إسلامية أو أصلاً إسلامياً جوهرهما ما عرفه الشيخ السوداني المقتول محمود محمد طه بآيات "الأسماح"(الرسالة الثانية في الإسلام). والشيخ المذكور أعدمته سلطات جعفر النميري بمباركة حزب حسن الترابي بتهمة الردة في يناير 1985، لمعارضته قوانين (سبتمبر 1983) القاضية بتطبيق الشريعة الإسلامية، حين قال عنها: "شوهت الشريعة وشوهت الإسلام".

لم تحتج الدعوة الإسلامية، وأي دعوة دينية، إلى العنف وآيات السيف مثلما تحتاج إلى "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها، وتوكل على الله، إنه هو السميع العليم"(الأنفال 62). لكن طارئاً طرأ على مسار الدعوة فأُعلن الجهاد وهو حالة سياسية لا دينية، حالة دفاعية في بداية الأمر، ثم أجتهد فيه مَنْ اجتهد فكانت الفتوحات، التي اختلف حولها المسلمون بين مؤيد ومعترض، حتى أوقفها الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز (ت101هـ)، وقرارات هذا الخليفة لها قوة قرارات الخلفاء الراشدين، فقد وصفته المصادر الإسلامية بالخليفة الراشدي الخامس.

والسؤال هل أكره المسلمون أحداً بمكة على الإسلام؟ لم يحصل هذا لأنها دعوة دينية وفكرية تعتمد القبول الطوعي بمبادئها، وليست دولة وسياسة تكره رعاياها على دينها وعقيدتها! وهذا هو الفارق الأساسي بين الفترة المكية والفترة المدنية. كثرت في الأولى آيات الأسماح، وكانت في مقدمتها آيات سورة "الكافرين" الست، ولنتمعن بما فيها من سعة فضاء الاختيار والحرية "قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، ولا أنا عابد ما عبدتم، ولا أنتم عابدون ما أعبد، لكم دينكم ولي دينِ".

نزلت هذه الآيات، حسب الواحدي "أسباب النزول"،في جماعة من قريش اقترحوا على النبي محمد أن يقبل لهم وله إتباع الديانتين. لكن هذه الآية المكية الأصل لم تنسخها آية: "ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض" (الأنفال 67) المدنية، لأن الآية الأخيرة كانت جواباً لحالة طارئة لا تستقر وتدوم عليها الإنسانية مثل استقرارها ودوامها على آيات الاختيار وحرية الرأي والدين، فمنطوقها يدور حول الموقف من أسرى بدر. جاء في تفسيرها: للمبالغة في قتل الكفار (تفسير الجلالين). وجاء في أسباب نزولها: "أن رسول الله استشار في أسري بدر، فقال المسلمون بنو عمك أفدهم، قال عمر: لا يا رسول الله أقتلهم، قال: فنزلت هذه الآية" موافقة لرأي عمر. فقتلوا ما عدا العباس بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحرث قبل منهم الفداء.

أما الآية التي يؤكد ظاهرها نسخ آيات الاختيار، وهي "ومَنْ يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين"(آل عمران 85) فأنها وإن أرجأت الموقف من الذي اختار غير الإسلام ديناً إلى الآخرة، فأن آية الله محمد حسين فضل الله يتحفظ على نسخها للآيات التي اعترفت لأهل الأديان الأخرى بالوجود، ومنهم المجوس والصابئة المندائيون. قال: "نتحفظ على هذا الجواب لأن مدلول هذه الآية لا يتنافى مع مدلول تلك، حتى نفترض نسخ الثانية للأولى، لأن الظاهر إرادة الإسلام بمعناه المصطلح"(من وحي القرآن). ونقول لأن ذلك الاختيار هو الأصل وما عقبه كان فرعاً، وضع لأمر طارئ، والأصل المقبول عند البشر هو "لا إكراه في الدين"، فالحرية أصل في الإنسان مثلما الإباحة أصل في الدين والفقه، ثم أخذت المحرمات تدخل لمستجدات في الحياة. غير أن المفسرين وعلماء الناسخ والمنسوخ نسخوا كل آية أو ميل في القرآن للرحمة والتسامح بآية السيف وهي الآية الخامسة من سورة "التوبة": "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم"، حتى جعلوها أصلاً. ولنرى ماذا فعل علماء الناسخ والمنسوخ في آيات الرحمة والتسامح أو آيات الأسماح على حد عبارة الشيخ المقتول محمود محمد طه؟

الآيات التي نسختها آية السيف هي، حسب "الناسخ والمنسوخ" لهبة الله البغدادي (ت410هـ): آية "لا إكراه في الدين"(البقرة 256)، "لا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلونكم فيه"(البقرة 191)، "يسئلونك عن الشَّهر الحَرام قتال فيه"(البقرة 217)، "وإن تولوا فإنما عليك البلاغ"(آل عمران 20)، "فأعرض عنهم وعظهم"(النساء 63)، "ومَنْ تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً"(النساء 80)، "فقاتل في سبيل الله لا تُكلف إلا نفسك"(النساء 84)، "فأعرض عنهم"(النساء 81)، "فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً"(النساء 90)، "ما على الرسول إلا البلاغ"(المائدة 99)، "قل لستُ عليكم بوكيل"(الأنعام 66)، "فمَنْ أبصر فلنفسه ومَنْ عميَ فعليها وما أنا عليكم بحفيظ"(الأنعام 104)، "وما جعلناك عليهم حفيظاً وما أنت عليهم بوكيل"(الأنعام 107)، "قل أنتظروا إنا منتظرون"(الأنعام 158)، "إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لستَ منهم في شيءٍ إنما أمرهم إلى الله"(الأنعام 159)، "خُذ العفو وأمر بالعُرف وأعرض عن الجاهلين"(الأعراف 199)، "وإن كذبوك فقل لي عَملي ولكم عملكم"(يونس 41)، "أ فأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين"(يونس 99)، "فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومَنْ ضل فإنما يَضل عليها وما أما عليكم بوكيل"(يونس 108)، (وأصبر حتى يحكم الله بيننا"(يونس 109)، "إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل"(هود 12)، "فإنما عليك البلاغ وعلينا الحِساب"(الرعد 40)، "ذرهم يأكلوا ويتمتعوا"(الحجر 3)، "فصفح الصفح الجميل"(الحجر 85)، "وأعرض عن المشركين"(الحجر 94)، "وجادلهم بالتي هي أحسن"(النحل 125)، "ربكم أعلم بكم أن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم وما أرسلناك عليهم وكيلاً"(الإسراء 54)، "قل مَنْ كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مَداً"(مريم 75)، "فلا تعجل عليهم"(مريم 84)، "وإن جادلوك فقل الله أعلم بما تعملون"(الحج 68)، "أدفع بالتي هي أحسن"(المؤمنون 96)، "وأن أتلو القرآن، فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومَنْ ضل فقل إنما أنا من المنذرين"(النمل 92)، وقالوا لنا أعملنا ولكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين"(القصص 55)، "ومَنْ كفر فلا يحزنك كفره"(لقمان 23)، "قل لا تسألون عمّا أجرمنا ولا نسأل عمَّا تعملون"(سبأ 25)، "وتولَّ عنهم حتى حينٍ، وابصر فسوف يبصرون"(الصافات 178-179)، "فأعبدوا ما شئتم من دونه"(الزمر 15)، "فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعملون"(الزخرف 89)، "قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله"(الجاثية 14)، "وما أنت عليهم بجبار"(ق 45)، "وفي أموالهم حق للسائل والمحروم"(الذاريات 19)، "فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون"(الطور 45)، "فصب صبراً جميلاً"(المعارج 5)، "وأهجرهم هجراً جميلاً"(المزمل 10)، "فمهل الكافرين أمهلهم رويداً"(الطارق 17)، "أليس الله بأحكم الحاكمين"(التين 8)، "لكم دينكم ولي دين"(الكافرون 6).

الآيات المنسوخة بآية "أقتلوهم.." مشحونة بالرحمة، المجادلة، الصبر، التواضع، التفكر الحرية والإنسانية، فماذا يبقى في الدين لو عُطلت هذه الآيات من عملها؟ يجمع الشيخ البغدادي بقوله "كل ما في القرآن مثل أعرض وتولى عنهم، وذرهم وما أشبه ذلك فناسخه آية السيف"(الناسخ والمنسوخ، ص202). ويجمع أيضاً "كل ما في القرآن من خبر الذين أوتوا الكتاب، والأمر بالعفو عنهم فناسخه: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر"(المصدر نفسه). فمثل هؤلاء العلماء يبررون للحجاج بن يوسف الثقفي سفكه للدماء لأنهم أخلوا الدين من العفو والرحمة واللين.

وقف المعتزلة أمام هذه الظاهرة القرآنية، أي اختلاط الناسخ بالمنسوخ، وكثرة الوجوه، وما يرتبط بزمان وحدث محددين فأوجدوا الحل في مقالة "خلق القرآن". والفارق بين أن يكون القرآن كلام الله أو مخلوق من مخلوقاته هو تنزيه الله عن التشبيه والوصف. فلو كان القرآن كلام الله لكان قديماً بقدمه، ولقدم لا يكون إلا لله، وكيف يكون لله تعالى ما هو من صفات وأفعال البشر وهو الكلام، وكيف تقبل كلمات الله التفسير والتأويل وهي المنزلة من اللوح المحفوظ؟

وحتى لا نحمل مقالات المعتزلة أكثر مما يلزم فهم مؤمنون بالله والإسلام وشيوخهم كانوا فقهاء ونساكاً، ويؤمنون بالقرآن ككتاب سماوي، كذلك مثله التوارة والإنجيل، لكنهم يؤمنون أن الكلام السماوي مخلوق من الله وينزل كإيحاء، مثل أفكار وجوابات على ما يعترض النبي من مستجدات، لا كلام الله على الحقيقة. تتجاوب مقالة المعتزلة في خلق القرآن، إلى حد ما، مع حديث الرواة والمؤرخين حول طبيعة الوحي الذين أكدوا أن الوحي يتم فيما يتم كحلم يقظة أو منام. غير أن بعض الباحثين الجادين ذهب إلى تعيين هدف المعتزلة من القول بخلق القرآن، تلك المقالة التي باركها الخليفة عبد المأمون (ت218هـ) بقوة، أنه للتأثير في قدسية النص من أجل التناغم مع العقل، وفسح المجال للتفسير وتعطيل النصوص غير الملائمة للزمن.

والأمر قد لا يخص المسلمين حسب في إشكالية زمنية النص وحمله الوجوه، ففي التوراة هناك آيات سيف ومنها قتل المرتد. وقد يستغرب مَنْ يقارن بين إفراط السيد المسيح بالدعوة إلى المحبة والتسامح والسلام وبين وما ورد في الإنجيل "لا تظنوا أني جئت لأحملَ السَّلام إلى الأرض، ما جئت لأحمل سَلاماً بل سيفاً"(متي 10/34). وليس لديَّ العلم الكافي فيما إذا أتكئت محاكم التفتيش والحروب الصليبية في القرون الوسطى بأوروبا على هذا النص، فنصبت المقاصل وأُشعلت محارق للهراطقة والمرتدين. قادني إندهاشي من أن يكون للسيد المسيح سيف وهو الحالم بالسلام إلى إستفسار أكثر من رجل دين مسيحي، أطلعني أحدهم على كتاب تفسير الإنجيل كتبه الأب يوشع داوود أسقف كنيسة مدينة حديثة قديماً (غرب العراق) وقرأ لي بالسريانية (الكتاب من مخطوطات مكتبة جامعة كامبرج): "إن السيد المسيح يسمى ملك السلام، وليس لسلامه حدود، لكنه قال هذه العبارة مشيراً إلى الإنقسام الذي سيحصل بعده بين المؤمنين وغير المؤمنين. فالأبناء يؤمنون بالمسيح ويتركون دين آبائهم فيصبح الخلاف سيفاً بينهم. ولا يتعدى معنى العبارة غير التنبأ بالمستقبل". ومع ذلك لم يخفف هذا التفسير أو التأويل من دهشتي، وظلت فكرة استفادة بابوات محاكم التفتيش من هذا النص تجول في ذهني، مثلما يستفاد الآن شيوخ مسلمون من آية السيف، ويضعون وراءهم الكم الهائل من آيات المحبة والسلام.

http://www.lebanese-forces.org/vbullet/showthread.php?t=6648&page=2
_________________

Post: #878
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-06-2008, 04:16 AM
Parent: #1


25-11-2006, 01:00 pm
وبخصوص السينما ...لست فقيهة...لكنني أومن انطلاقا من قناعاتي الشخصية بأنها لا يمكن أن تكون حلالا ولا حراما...تماما كما السكين...فقد نستعمله في القتل...أي في الإفساد...أو في أعمال المطبخ مثلا ...أي في الإصلاح

كلمات قوية وجميلة وجدت لها أصداء في نفسي .. بالمناسبة المقولة ( تنتهي حرية كل فرد عند حدود حريات الآخرين ) . هذه المقولة تناقلها الناس عن شهيد الفكر الأستاذ محمود محمد طه ، الحق أن الكثير من كلماته تناقلتها الألسن والأقلام وأذكر أن أحد الكتب التي كتبها الدكتور مصطفى محمود كان يحتوى على الكثير من كلمات الأستاذ محمود محمد طه ، وكتاب الدكتور مصطفى محمود نفسه كان مهداء الى الأستاذ محمود محمد طه . أتابع كتاباتك بشغف أخت صالحة رحوتي .
إبتسام التريسي أعجبتني العامية السورية .. إفتقدتها وإفتقدت أيمن زيدان وروائع مثل ( الجوارح و الكواسر ) . أفكر في مقال عن الدراما السورية والأصداء الكبيرة التي خلقتها وتخلقها في الأقطار العربية عامة والسودان بصفة خاصة ، حتى أنها كسرت حكر الدراما المصرية على الشاشة البلورية . إتساءل وأنا أعيش خارج حدود الوطن العربي وقد طالت غربتي حتى أن اليأس بدأ يتسلل الى الخلايا العربية ، هل لا زالت سوريا ( تنتج الدراما الخالدة ) وبيروت ( تحارب إسرائيل ) والخرطوم ( تقرأ المعوزتين ) ؟ لن أقول مصر تكتب بصراحة ( كفاية ) . أرجو أن لا يزعل الإخوة المصريين فهذه مجرد دعابة . أقرأ هذه الأيام في الرواية الملحمة ( لون هارب من قوس قزح ) للرائعة منى الشيمي .
شريف صالح ما أروع شغبك يا طيب القلب

Post: #879
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-06-2008, 01:11 PM
Parent: #1



--------------------------------------------------------------------------------

from sudanile


اولاد العوضية


يقع حي المرابيع في مدينة كوستي على ضفة النيل الابيض الغربية. تحيط بالحي المستشفي من الجهة الغربية والسكة حديد والنقل النهري من الشرق اما من ناحية الشمال فيحاصره السوق الذي تمدد بلا حياء قاضما اجزاء عزيزة منه . من الناحية الجنوبيه فهناك بيوت الموظفين التى تتفاوت في مساحاتها وان كانت تتفق في اشكالها والوانها البيضاء.

سكان الحي اغلبهم من الدناقلة والمحس بحكم العمل في السكة حديد والنقل النهري كما ايضا هناك الجعليين والشايقية ولكن اللافت هو وجود الهنود والاقباط الذين يعملون في مجال التجارة وخاصة تجارة الاقمشة. كان الهنود والاقباط وقليل جدا من الاغاريق- تقريبا يعدون في اصابع اليد الواحدة- درر كوستي من حيث حسن الخلق والتعامل الكريم والمشاركة في الافراح والاتراح والهم الوطني.

سكن هذا الحي الأستاذ الشهيد محمود محمد طه وايضا سكنه المرحوم الأستاذ يونس الدسوقي صاحب مكتبة الفكر الشهيرة، ومن الذين كانوا يترددون عليه المرحوم السيد عبد الرحمن المهدي زعيم طائفة الأنصار والمرحوم الأستاذ عبد الرحمن الوسيلة سكرتير عام الجبهه المعادية للاستعمار.

زاوج حي المرابيع مابين التجارة ونشرالمعرفة والتنوير فقد تأسست اول مدرسة ابتدائية للبنين وبعد عدة سنوات مدرسة اخرى للبنات في مدينة كوستي في هذا الحي. عندما بدأ مؤتمر الخرجين بفتح عددا من المدارس الأهلية لتستوعب المزيد من طلاب الوطن كان لهذا الحي قصب السبق في انشاء المدارس وايواء طلاب المعرفة .كان يقع منزل المرحوم احمد عبد القادر- الذي كان يشترك مع قريبه وشريكه احمد كوكو في شركة الأحمدين التجارية التى كانت ركيزة وعماد تجارة كوستي بما تملكه من قشارات ومعاصر زيوت وتجارة جملة رائجة ورابحة- في الطرف الاقصي الغربي للحي ولا يفصله عن جامع كوستي الكبير إلا شارع الاسفلت الرئيسي.

كان هذا البيت هو عبارة عن مربوع كامل او كما نقول عشرة كاملة مقسمة الى عدة بيوت لابناء وبنات السيد احمد عبد القادر .
هذا البيت الكبيركان بمثابة جامعة او مدرسة عريقه في شكله الخارجي وتقسيماته الداخلية التى تتسم بالبراح والسعة والطمأنينة كان ومايزال يرفل في لون قشيب رغم تكالب وتداعيات صروف الدهر الطبيعية وغيرها!.

كنا عندما نأتى لنلعب ونحن مازلنا ايفاع لهذا البيت العامر كانت تسبقنا اشواقنا لمقابلة اترابنا واصدقائنا الذين كنا لا نملهم ولا يملونا بل تتجدد محبتنا وتتوثق روابطنا باستشراف العاب جديدة مع اصطحاب القديمة منها. كنا نلعب الكرة والبلي وبوليس وحرامية!! وكابويات!! وايضا كنا نلعب السلم والثعبان والليدو وعندما كبرنا قليلا كنا نلعب الشطرنج. كنا نعامل بسجية سمحة وكرم فياض وكأننا افراد اصلاء من الأسرة. كانت احيانا تمتد فترة مكوثنا في بيت العوضية وخاصة ايام العطلات المدرسية لساعات طوال.

واذكر ايضا في كثير من الاحيان كنا نأتي لنلعب في وقت الظهيرة والشمس تحرق الاخضر قبل اليابس! بالرغم من ذلك لم نسمع من أي فرد من هذه الأسرة ( شيلو اهلكم يا اولاد.. تعالوا العبو بعدين).........أو مثل( يااولاد النطارة دي بتجيب ليكم السحائي. امشو تعالو العبو بعد الواطة تبرد)............بل كنا نسمع عذب وحلو الحديث مصحوب بكل عبارات الترحيب والدعوة لدوخول الغرف والبرندات إتقاء نيران الشمس الحارقة. هذا المعاملة الكريمة شاهدناها من عميد الأسرة المرحوم السيد احمد عبد القادر الذي كان دائما يصر ان يكون مقعده بالقرب من السائق- الكشيف- ويأمره بإيقاف السيارة –البولقا- لتحيتنا والسؤال عن أسرنا. ايام الخميس عادة كانت لها نكهتها الخاصة، فقد كانت سينما كوستي في تلك الفترة تقدم افلام رعاة البقر والافلام الجاسوسية خاصة افلام جيمس بوند وظورو وغيرها من الافلام التي كانت تجذبنا. كان اولاد العوضية بعضهم في عمرنا وبعضهم اكبر منا والبعض الآخر اصغر-وكلنا في المرحلة الابتدائية- كانت مهمة الكبار منا ارسال اخوتهم الاصغر خاصة الزين وانور والمرحوم عوض لمتجرهم في السوق في اواخر العصريات لاخبار المرحوم التجاني احمد كوكو او المرحوم ابراهيم احمد عبد القادر او اي شخص في المتجر برغبتهم في الذهاب الي السينما بعد اخباره بان الفيلم اليوم كذا ... فيعطوهم الموافقة مصحوبة بالمال اللازم . نظل نحن في الانتظار بفارق الصبر فقد كان لا يبعد المتجر عن البيت كثيرا وعندما نشاهدهم وهم فرحين نعرف ان الأمر قد سار على احسن مايكون، فتغمرنا البهجة والسعادة. لا اذكر ولو مرة واحدة انهم منعوا او خيبوا ظنهم!! كان الدخول للسينما في حد ذاته حدث فريد فقد كان الدخول عادة الى اللوج الدرجة الثانية وكنا نحن نذهب معهم فبتذكرة واحدة يدخل اثنين واحد كبير وواحد صغير وكنت دائما الكبير الذي يشاهد الفيلم مع احد اولاد العوضية الأصغر . اما كيف يتم ذلك الأمر فهو قد رتب قبل وصولنا الى ساحة السينما! المدهش ان الموظف المسؤول في مراقبة الباب كان دائما يبتسم عندما يشاهدنا ولا ينبت ببنت شفة.

الجاذبة ايضا لنا في هذا البيت هو توفر مجلات ميكي وسمير وسيوبرمان وطرزان والوطواط والصبيان زائدا مجلداتها التى كان الحصول عليها يعد من المستحيلات في تلك المدينة.. كانت في تلك الفترة هي حياتنا التى لا يمكن ان نعيش بدونها !! في رجعتي الاخيرة للسودان بعد انقطاع 16 سنة وجدت الكثير من اصدقائي القدامى اولاد العوضية قد غادروا الى الخليج. اما الذين فضلوا البقاء فلم تغيرهم عاديات الزمان وتداعياته فالاريحية ونقاء النفس والوفاء هي أصائل طبعهم وشيمهم. فسلام ومحبة لاولاد العوضية خالد ،عادل، شمس الدين،مبارك،جمال،الزين،أنور،والمرحوم عوض.
عمر عبد الله محمد علي

مونتري-كلفورنيا


Post: #880
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-07-2008, 01:18 AM
Parent: #1







24 ابريل, 2007

كوستى - حى المرابيع

ها قد رحل "السمبر" عن نيمة مسيكة!!

عبدالله عثمان

هوى أم عمرو جدد العمر فى الهوى فها أنا ذا بعد أن شبت فيه يافعا

كتب الأستاذ عمر عبدالله محمد على بهذه الصحيفة الغراء "سودانايل" حديثا طيبا عن أسرة عريقة "آل العوضية" بحى المرابيع بكوستى وهى أسرة جديرة بكل الإحترام والتقدير ولامزيد لمستزيد على ما أورد الأستاذ عمرـ غير أن الحديث عن "حى المرابيع" العريق ذو شجون، وقد أصبحنا نحن، أبناء ذلكم الحى، الذين تشتتنا فى المنافى، نجتر مثل هذه الأحاديث كثيرا لأنها مصدر سلوى وعزاء لنا كبيرين. كيف لا وهى تذكرنا بالوطن الأم الذى نتوق له كل حين.

تكاد تكون صلتى الفعلية بحى المرابيع الذى ولدت فيه قد أنقطعت منذ حوالى 30 عاما، غير أنه لا يكاد يمر يوم الاّ وأجدنى مساقا لتذكر الكثير من أحداثه وشخوصه، أكاد أسير يوميا فى شعابه العتيقة وكأنى أصافح وجوه كريم أهله صباح مساء، فالحى آثر، جد آثر وهو مثال للتعايش السلمى، بين الأعراق المختلفة، فى ذلك الوطن الحبيب الغريب، إذ يسكن وسكن حى المرابيع أقوام مختلفو الأعراق والسحنات منهم الأرمن والأقباط والأغاريق والنيجيريين والشوام والهنود والأحباش واليمن وغيرهم وغيرهم وتعايشوا جميعا فى محبة ووئام رغم إختلاف أديانهم وثقافاتهم.

إحتضن هذا الحى المدرسة الهندية ومدرسة الأقباط كما أحتضن الخلاوى. وقد مرت على هذا الحى قمم سوامق من البشر، ذكر منهم الأستاذ عمر، الأستاذ محمود محمد طه، والأستاذ المرحوم يونس الدسوقى، فعلى سبيل المثال، لا الحصر، سكن فى هذا الحى القاص المعروف د. مصطفى المبارك وشقيقه الأكاديمى والإعلامى د. خالد المبارك – قرأت له منذ أيام، فى الرأى العام الإلكترونية، عن شاب من حى المرابيع، فى قناة تلفزيون فرنسية إسمه راشد سعيد من أبناء هذا الحى، ومنه أيضا الصحفى خليفة حسن بلة وللإعلامى الراحل د. سيداحمد نقدالله وشائج واصلة بهذا الحى. كذلك، لا بد وأن نذكرالإعلامى الشهير المرحوم الفريق إبراهيم أحمد عبدالكريم "نسائم الليل" ولقد كانت للشاعر إبراهيم العبادى صلات حية بهذا الحى العريق، كذلك وللشاعر الجيلى عبدالمنعم علائق مصاهرة فى هذا الحى أيضا. وقد لا يذكر هذا الحى، فى هذا المجال، الاّ وتتبادر للذهن ذكرى الفنان الراحل إبراهيم الجاك العجيل، وهو من قدامى عازفى الموسيقى بالسودان وقد تخرجت على يديه أجيال وأجيال فى هذا المضمار. فى ذات المنحى وفى مقابلة للإذاعى محمد سليمان مع الراحلة الفنانة عائشة الفلاتية، حكت أن إيقاع التم تم نشأ وترعرع فى كوستى، وقد علمت من بعض أهلى أن "التومات" المعروفات بذلك الإيقاع كن يسكن حىّ المرابيع، فى مكان جامع المحسن عثمان موسى الحالى،. وفى مجال الرياضة نشأت بهذا الحى أندية عريقة، على رأسها المريخ، أشهر فرق المنطقة الرياضية، وأعتقد أن قد لعب له من النجوم الكابتن عمر النور الذى ذاع صيته مع فريق الزمالك القاهرى، ومن أندية الحى فريق الشعلة ولقد لعب لهذا الفريق الشهيد الرائد الفاتح خالد وتربطه عديد الوشائج بهذا الحى، وهو قد أعدم فى إنقلاب 28 رمضان الشهير، وفيه أعدم من أبناء الحى الرائد بابكر عبدالرحمن نقدالله وقد سمعت بشهيد ثالث من أبناء الحى فى ذات المأساة ولكن ضاع على إسمه الآن. من رياضىّ الحى كذلك، المدلك الشهير المرحوم فاروق دين. من أندية الحى الثقافية والإجتماعية نادى كوستى العريق وقد لعب دورا كبيرا فى حياة المدينة الثقافية والرياضية والفنية والتعليمية، كذلك نادى العمال والذى لايقل شأنا عن نادى كوستى.

رغم صغر حجم الحى، الاّ أنه حوى عددا من المدارس وثلاثة مساجد، لعل أعرقها جامع الخليفة مكاوى حامد الركابى، وقد عرف عن الخليفة مكاوى أيضا شديد صداقته للأستاذ محمود محمد طه شأنه فى ذلك شأن الدكتور جرجس عياد إسكندر والذى كانت له عيادة مشهورة بالحى، وجرجس هذا بجانب كونه طبيبا فقد عرف عنه أهتمامه بعزف الموسيقى وعلم الفلك وهو من قدامى الغردونيين. مما يذكر لدكتور جرجس أيضا، أن عيادته كانت ملاذا لفقراء المرضى الذين يجدون فيها العلاج شبه المجانى أو المجانى، وذات الشأن تجده فى جامع الخليفة مكاوى، فى زمن صارت فيه المساجد مكانا للتباهى، ظل جامع الخليفة مكاوى ملاذا لغمار الناس، ولا يرتاده علية القوم، وفى معظم الأحوال ما تختم فيه صلاة الظهر أو العصر بوجبة غداء سودانية بسيطة فى تركيبها الا أنها كبيرة فى معناها، وقد حكى لى الأستاذ عمر عبدالله قصة عن الخليفة مكاوى تستحق أن تسجل بمداد من نور. والقصة هى أن نساء أثيوبيات، مغلوب على أمرهن، جار عليهن الزمان فأخذن يتكسبن أجرهن كيفما أتفق، يعشن على هامش هذا المجتمع وهن آمنات على أرواحهن وأموالهن. حدثت فى ذلك الزمان أحداث الجزيرة أبا، فخشيت هؤلاء النسوة على أنفسهن فألتجأن لجامع الخليفة مكاوى، فأمر الخليفة أبناءه بأريحية عرف بها أن يكرموا مثوى هؤلاء النسوة الغريبات حتى تنجلى هذه القارعة وقد كان. كذلك كان الحى متكأ لعدد من دور الطرق الصوفية والروابط والجمعيات العرقية والجهوية، ولعل من أميز ما فى ذلكم الحى أن بيوتاته ظلت مفتوحة مثل الداخليات للكثير من طلاب الأرياف الذين لا تمكنهم ظروفهم من إرتياد مدارس حكومية تتمتع بنظام الداخليات. وقد إشتهر الحى بجانب ذلك بسماط الإفطارات الرمضانية التى كانت تبسط فى الشوارع لكل الطراق خاصة المسافرين بالقطارات وغيرها، وكذلك ظللت تتميز المناسبات الإجتماعية فى الحى العريق بطابع خاص، للحد الذى قال فيه ظريف المدينة "بكاء فى المرابيع، ولا عرس فى ......" وليست العبرة هنا فيما يقدم من مأكل أو مشرب، وهو فخيم ولاشك، ولكن السر فى الإريحية التى يقابلك بها أهل المرابيع فتجعلك تشعر وكأنك فرد منهم، وكثير من الكوستاويين الذين التقيتهم، من غير أهل المرابيع، يقولون ما معناه "أن شيئا ما فى ذلك الحى يشدنى اليه" وبالطبع لا أحد يعرف ما كنه ذلك "الشىء"!!! ولعله نفس "السر" الذى حكى لى به راحل من قدامى المرابعيين عن أن الأفندية الذين كانوا يأتونهم من بقاع السودان المختلفة ويتخذون هذا الحى مسكنا، يعجبهم الحال للحد الذى يذهبون فيه – حسب عبارته – للكجور ليسهل أمر مقامهم فى هذه البقعة!!

وقد لايفوتنى هنا التنويه بالدور الجليل الذى لعبه المربى المرحوم التجانى محمد خير – شقيقه القطب الإتحادى المعروف الزعيم الطيب محمد خير- فى التعليم الأهلى بالمدينة ولعل الشارع الرئيسى فى الحى مسمى بإسمه، بجانب المدارس المعروفة. ولعل فى هذا المنحى أيضا يجدر بى أن أذكر الأستاذ فايز عبدالرحمن عبدالمجيد، فهو ممن قد نشأوا فى هذا الحى العريق، فقد تميّز بتاريخ جليل فى مهنة التعليم، وهى مهنة قد ورثها من آله آل طه ثم بالتدريب، وهو بجانب كونه معلما فقد كان موسيقارا أيضا ومن أعلام المدينة، ومما يحمد له أيضا شقه لطريق بكر، تهيبه كثيرون غيره، إذ إنخرط منذ صبى باكر فى سلك "الأخوان الجمهوريين" تلميذا للأستاذ محمود محمد طه ولعله بذلك أول من شق هذا الطريق فى ذلكم الحى العريق، ثم أن فائزا لايزال مثالا للجد والمثابرة إذ لا يزال يتحصل العلم الآن فى واحدة من أعرق الجامعات الأمريكية بواشنطون العاصمة. يضاف الى ذلك أن منزله وزوجه الدكتورة أسماء محمد الحسن، مثله مثل منازل حيه القديم المرابيع، مفتوحا هنا فى واشنطون بذات القدر، حتى لقب فائز بـ "عمدة واشنطون". وعلى ذكر واشنطون فإن من وجوه "المرابعيين" فيها المحاسب جمال صالح، والناشطة فى العمل الإجتماعى عفراء سند – وأعتقد أن الناشطة فى العمل الإجتماعى أيضا أمل الطيب عبدالله يعقوب قد سكنت مع والدها فترة بالمرابيع – كذلك ثلة طيبة من أبناء آل يعقوب وآل زروق وآل الخير على الخير، وهم جميعهم قلوبهم وبيوتهم مفتوحة وبالطبع هذه الجبلة سمة لازمة "للمرابعيين" فقد رأيتها ولمستها فى بيوتات قدورة الجاك ومرتضى عبدالرحمن وآل على الأمين التى فتحوها بالعاصمة الخرطوم لكل آل كوستى، ثم عشتها بنفسى فى دار كمال كولو وعبدالعظيم ديلوكس والفاتح محمد يس وهم بعد طلاب أيفاع فى بونا بالهند، فى دار بابكر محمد بابكر بمكة، وأمير محمد محمد نور بأبى ظبى، وحاتم جحا بأكرا فى غانا، فى شقة محمد عثمان بابكر بموسكو وبيت عمر عبدالله وأنور سيد إبراهيم بلندن، وهذا قليل من كثير.

وقد يكون مناسبا، الاّ أختم قبل أن أتذكر وأترحم على كرام أهل هذا الحى الذين رحلوا عن هذه الدار، وخاصة الشباب منهم الذين ماتوا فى الغربة، ومنهم على سبيل المثال، لا الحصر، الراحل أسامة محمد عثمان الفرانى والذى أستشهد بالعراق أثناء حرب الخليج الأولى، عباس الطيب الخاتم والذى قتل فى حادث حركة بأمريكا، عمر حسن بابكر والذى توفى فجأة ببلغاريا، النذير أبوزيد وعمر مصطفى يوسف "أبوشيبة" وقد إنتقل كلاهما بالسعودية، ومن الشباب الذين لهم صلة مصاهرة بالمرابيع نذكر الراحل عمر سمساعة والذى توفى فجأة بنيروبى وقد كان فى طريقه لعمله بساحل العاج، كذلك نسيبه بشير محمد بشير والذى إنتقل بألمانيا، يضاف اليهم الشاب على سيداحمد بشير والذى أغتيل غيلة بالمغرب، وأترحم كذلك وأعزى الأستاذة ليلى الصادق جحا وزوجها الأستاذ عبدالقادر الشيخ فقد فقدا إبنا شابا توفى فجأة منذ أيام بنيويورك. لهم جميعا المغفرة والرضوان ولآلهم حسن العزاء.

التحية لأهل هذا الحى الكرام وأحب أن أذكر بعضهم هنا، بسبيل من التبرك لا الإستقصاء، آل زروق، آل تكلا، آل فرج، آل كبيدة، آل عتمورى، آل أبوقمزة، آل قلاديوس، آل مركب على الله، آل عكاشة،آل خيرى وأقربائهم آل فقيرى، آل أبوقبالة، آل قلبجى، آل بانقا، آل صادق محارب، آل كبوش، آل جحا، آل ابوالعلا، آل عكاشة، آل بركة،آل مجلع، آل بامسيكة،أل تبيدى آل الرزم، آل كابوس، آل يمنى، آل العبادى، آل جميل، آل العقاب، آل مقلد، آل يسى وآل ساتى وآل شلقامى ونخص بالذكر إبنهم نصرالدين شلقامى والذى ألف كتابا رائعا عن مدينة كوستى منذ ربع قرن تقريبا.

أبناء هذا الحى تميزوا بالتفتح، منذ عهد باكر، فلعله من قبل أن نوّلد بدأ أبناء هذا الحى فى الإغتراب البعيد لأوربا وقتها، فقد سمعنا ونحن أيفاع بأسماء مثل بشير محمد أحمد بشير ومحمد يوسف ناصر وعبدالرحمن الطيب على طه، ثم لاحقا موسى محمد موسى وعمر حسن بابكر وغيرهم هاجروا فى زمان مبكر ثم تلتهم الآن أفواج من أبناء وبنات هذا الحى تشتتوا فى أربع أركان الدنيا يحييونها بحياتهم الثرة التى تشربوها فى ذلكم الحى وحيهم بعد يموت موتا بطيئا فقد رأيته منذ عشر سنوات تقريبا ليوم واحد فقط فهالنى أن قد رحل "السمبر" عن هامة "نيمة مسيكة"!!


_________________

Post: #881
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-07-2008, 02:36 PM
Parent: #880



--------------------------------------------------------------------------------

from sudanile




النُخَب الإنقاذية المُتأسْلِمة !

من أين أتى هؤلاء ؟ وإلى أيّ دوامة إنحدروا ؟

(الحلقة الأولى)

أحمد الأسد/باحث/اقتصادي
[email protected]

[email protected]

مكن إنقلاب يونيو 89 طغمة من العسكريين والمدنيين من الإستيلاء الفوقى على السلطة بدعوى الحاكمية لله وإعادة بناء دولة يثرب الرسالية. وأمسكت نخب الإنقاذ بمفاصل جهاز الدولة عسكرياً وأمنياً وأحكمت قبضتها على الوسائط الإعلامية والموارد المالية والمراكز المؤسسية والمنابر الدينية والنظام التعليمى والخدمات الأساسية.



أصابت ضربة الإنقاذ القاضية قوى المجتمع السودانى يمينها ويسارها بشلل إرتعاشى إستعصى علاجه على الأمصال التقليدية: الإنقلاب المضاد والعصيان المدنى والإنتفاضة المحمية بالسلاح وإسترداد السلطة بإستنفار الجماهير وبأضعف الإيمان حصراً – الصحوة الإسلامية لتجييش إحتياطى الطوائف الدينية. إستخدمت الإنقاذ وسائل بطش وقهر ورثت بعضها من الإنظمة الشمولية السابقة وأنتقت أفظعها فتكاً من ممارسات سلطات عربية إسلاموية. وإستنجدت الإنقاذ بنخب قياداتها المفعمة بالحقد والكراهية ونزعات الهوس الدينى وأستعانت بنخب المتعلمين والمتاجرين بالدين وأفرغت مرافق الدولة والمجتمع من رأس المال البشرى المكتنز تاريخياً بالمعرفة والكفاءة وحسن الأداء. ولم يقتصر التفريغ وإعادة الشحن - تسريعاً لمهمة التمكين - على محاور المراكز المُسيٍّرة للدولة والمؤسسات بل تفشت أورامها فى أوصال الأحزاب السياسية والهيئات المهنية وهياكل الإدارات (شراء الهاربين من أحزابهم وبناء نقابات المنشأ وتنصيب المؤهلات الولائية وتعيين الولاة وإنتقاء مديري المؤسّسات العامة ومجالس الهيئات التعليمية والإعلامية).



من أين أتى هؤلاء؟



من أين أتى هؤلاء؟ سؤال صاروخى أطلقه الروائى الطيب صالح، تناثرت نيازكه فى فضاء الدجل السياسى والهوس الدينى والعهر الإعلامى. لم يجد ذلك السؤال إجابة شافية حتى هذه اللحظة ! توفرت فى البيان الأول وعضوية مجلسى الثورة والوزراء إجابات جزئية صاعقة. الحاكمية لله والإسلام هو الحل والحكم بما أنزل الله ... وتكشفت وجوه يعرفها الناس بسيمائها : عسكر متأسلمون وعلماء سوء جاهلون وسدنة أنظمة بائدة وأزلام جهوية جاهزة للإيجار. تشبع أغلب هؤلاء بفقه الضرورة وتتلمذوا على عبدة النصوص وإستبطنوا شعارات جوفاء خاوية الوفاض لم تؤهلهم لإستنباط برنامج دنيوى أو أُخروى.لجأوا لإغراء بسطاء الناس بنعيم الاَخرة. تساقط رفاق الدرب الإنقاذى وتمزقت أقنعة مشروع الإسلام الحضاري وتبدلت بعد نيفاشا وأبوجا مواقع الأعداء والحلفاء وصّدع الكذب إدعاءاتهم وأمسكت طقمة متسلطة بمفاصل الدولة والمجتمع. هل هبطت سرايا هذه الطقمة من الفضاء؟ لقد تخلقوا فى رحم المجتمع السودانى وخرجوا من بطون بطرانة : العشائر والقبائل والطرق الصوفية والطوائف الدينية والفئات والطبقات الإجتماعية والأحزاب السياسية. إنحدرت غالبيتهم من مناطق الشمال والغرب وتمازجوا فى الوسط . هل نشأت فصائل المتأسلمين السودانيين من خلايا جزعية تميزت بخصائص لم تتوفر لنخب رصفائهم من الأجياال الموازية؟ وإذا ما تقبلنا – إفتراضاٌ - مقولات تقاطع معتقداتهم الوحدانية مع أيديولوجية النخب اليسارية الملحدة فبماذا نفسر نزعاتهم الإقصائية أزاء نخب الملل الإسلامية الأخرى؟ إنهم منشأة فئات منعزلة الوشائج فى المدن الكبرىمنبتة الصلات فى الأرياف وعديمة التواجد بالأصقاع المهمشة.



كيف تمكنت هذه الطقمة المتأسلمة – على مرأى ومسمع من قيادات الطائفتين الغالبتين وحزبيهما – من الإستيلاء على زمام السلطة وإقصاء غالبية القوى الوطنية والإنفراد بدست الحكم فى مواجهة عزلة إقليمية ودولية ومنازلة عسكرية وسياسية فى حلبتى الصراع الداخلى والخارجى ؟ كيف تمكنت هذه الطقمة - حتى بعد تشظى الإنقسامات فى قمة تنظيمها والتقاطع فى توجهاتها العقائدية – كيف تمكنت من مواصلة هيمنتها لما يقارب سبعة عشرة عاماَ؟ إنهم جزيئات من شرائح الطبقة الوسطى فكيف تمكنوا من تفكيك الكيانات الإقتصادية والإجتماعية والمهنية لشرائح طبقية أقدم وأرسخ منهم بنية وخبرة (الطرق الصوفية والكيانات القبلية والأحزاب الطائفية والتنظيمات النقابية والهيئات المهنية والفصائل اليسارية)؟ أضع فيما يلى تحت مجهر القراء إجابات على الأسئلة المطروحة أعلاه للفحص والتدقيق:



1- تلقت النخب الإسلامية السودانية منذ نشأتها فىأوآخر الأربعينيات أبجديات توجهاتها السلفية من تنظيم الأخوان المسلمين المصرى الذى بدأ عام 1928 كحركة إصلاح إسلامية ثم تحول للعمل السياسى عام 1938. (د/كمال السعيد حبيب – الحركة الإسلامية من المواجهة الى المراجعة ص: 12). والجدير بالذكر أن البراعم الأولى لنخب الأحزاب الإتحادية والرموز التاريخية لليسار السودانى أنفلقت فى أرض حركة التحرير المصرى وأنبتت خلايا جزعية متباينة، ولكنها تجزرت فى تربة الوطن وإرتوت من روافد التعدد العرقى والدينى والحضارى. فعلى الرغم من الإستقطاب الطائفى (أنصار/ختمية) وتبنى النخب السياسية لتوجهات متعارضة فرضتها ظروف الصراع بين دولتى الحكم الثنائى تمكنت نخب الأحزاب من إستنباط توجهات إقتصادية/إجتماعية وإرتياد مسالك عقائدية مكنتها من إجتذاب قواعد جماهيرية من أعراق وفئات وطبقات متعددة. وفى الوقت الذى تبنى فيه الحزبان الكبيران مناهج ومرجعيات الصوفية الإسلامية وفقاٌ لتوجهات طائفتى الختمية والأنصار، عمد رواد الحركة الوطنية الى إستحداث مناهج وبرامج وثـّقت التواصل بين المقاصد الدنيوية والأخروية دون إقصاء او تخصيص أو إستعلاء على ملة أو فصائل عرقية . لم تتضمن برامج ولوائح هذين الحزبين شروط عقائد إقصائية أو خطوطا حمراء تقيد حرية الإنتماء، إلا ما أفرزه واقع الصراع الطائفى والحزبى من تنافر عقائدى وتوجهات عدائية.



2- نشأت النخب المتأسلمة فى بوتقة الحركة الوطنية السودانية المتمركزة فى المدن الكبرى للشمال والوسط والغرب وحاولت تسويق بضاعتها العقائدية فى أوساط الزعامات الطائفية وتسللت بخطابها السلفى الى أتباع الطرق الصوفية ولم تجد قبولأ. وحينما فشلت مساعيها لدى السيديين عبد الرحمن المهدى وعلى الميرغنى توددت دون جدوى الى رحاب محمود محمد طه (أسماء فى حياتنا – يوسف محمد يوسف) . ولا يجد المدقق فى نشأة ومسار الحركة الوطنية منذ إنطلاقها من مؤتمر الخريجين الى فترة إنقسامها وتمحور نخبها تحت قطبى الطائفتين الدينيتن الختمية والأنصار – لا يجد المدقق أيّ أثر لفكر موثق أو إسهام سياسى إبتدرته النخب المتأسلمة. هنالك إدعاء تتمشدق به فئة من فقهاء الإنقاذ مفاده أن الحركة الإسلامية قد تخلقت فى رحم الحركة الطلابية وإشتد ساعدها كترياق مضاد لنفوذ اليسار الإلحادى (الحزب الشيوعى السودانى). ولكن هذا إفتراء يضحده خلو قوائم رواد وشهداء الحركة الطلابية من أى إسم لمتأسلم منذ إضراب طلاب كلية غردون التذكارية الى مذابح عبود فى جامعة الخرطوم . ولم ترصد فى قيادات المنظمات النقابية ولا فى إتحادات المزارعين خلال النصف الثانى للخمسينيات أسماء قياديين متأسلمين . فقد عاشت النخب المتأسلمة عزلة مجيدة خلال الفترة المذكورة بسبب عدة عوامل لا يحسب من بينها مواقف عقائدية أزاء إستغلال الدين او هيمنة الإستقطاب الطائفى . لقد كانت العوامل الرئسية التى أدت الى تلك العزلة - حسب رأى بعض المؤرخين: إستسلام النخب المتأسلمة لتقزم الإجتهاد الفقهى والإنكفاء الذاتى على الموروث السلفى والتستر بالطهر الزائف والتذرع بالزهد والورع العقائدى . هربوا بجلودهم من معارك المهنيين والطلاب والعما ل والمزارعين وعاشوا حالة بيات كفت عنهم شرور القمع الإستعماري وتسلط الأنظمة الرجعية وتداعيات الصراع السياسى ولجأوا الى جبل لم يعصمهم من طوفان الحركة الوطنية.



3- وفى الوقت الذى إهتدت فيه غالبية النخب السياسية الى توجهات قومية وبرامج قربتها من مقاصد الشعب السودانى ومسارات التحررالوطنى، تكلبت النخب المتأسلمة فى أبراجها العاجية متمترسة فى أُنموذج دولة القرن السابع الرسالية (يثرب). لم أعثر خلال تلك الفترة (1945 – 1950) على مواقف إتخذتها النخب المتأسلمة أزاء القضايا الساخنة آنذاك, خاصة إستقلال البلاد والتحرر الأقتصادى والتعدد العرقى والثقافى والدينى والوحدة القومية.



4- هنالك تشابه فى مسار النشوء والتطور التاريخيين لغالبية نخب الأحزاب السودانية حجبه عن أعين المدقق تصنيف غالبيتها الى طائفية وعقائدية ووسطية .... وحاليا جهوية وعرقية. لم يصب رحم الحركة الوطنية بالعقم وفق مخططات اللورد كتشنر، بل تواصل التلاقح الطبيعى بين القديم والحديث فى تزامن مع التلاقح الأنبوبى الذى أنجب طوائف وأحزاباَ ذات جينات وخصائص متباينة. ونسبة لتعدد الأعراق والديانات والمعتقدات (وثنية ووحدانية) المتجذر من تراكم وصراع وتداخل الحضارات والثقافات فى الداخل والوافدة من الخارج نشأت دويلات وثنية وإسلامية وتمازجت فى الجنوب والغرب والوسط والشمال والشرق عقائد وثقافات إسلامية عروبية/أفريقية بفعل التلاقح العرقى والتداخل الإقتصادى/الإجتماعى والحراك الجغرافى للمجتمعات البشرية. وقد كان التفوق الحضارى والتسلط الدينى من أهم العوامل التى خلَّقت نسيج مجتمعات الأقاليم السودانية المتميزة حاليا بالثقافة والتقاليد الإسلامية/العربية. وفى الوقت الذى لم تجد فيه الديانات الوحدانية (اليهودية والمسيحية والإسلام) منافذ يسيرة الى اقاليم سودانية أخرى ضعف تأثير الوحدانيّة على مجتمعات تلك الأقاليم. ونبادر - درءاَ لأى هجوم مضاد - الى إثبات حقيقة تاريخية هامة وهى: أن دخول الأسلام الى السودان من الشمال(مصر) ومن شمال أفريقيا (بلاد المغرب) ومن الشرق (الجزيرة العربية) ومن الغرب ( بلاد غرب أفريقيا) لم يكن بالسيف وحده، بل بفعل التفوق النسبى العقائدى والحضارى على الديانات الأخرى والسعى التوسعى لأستغلال الموارد المتاحة . كتب عدد من الرحالة والمؤرخين الفرنسيين فى غرب أفريقيا عن دخول افواج من زعماء القبائل والأرقاء فى الإسلام هروباً من قهر الديانات البدائية ونير النظم العبودية السائدة آنذاك. ولم يتمكن أغلب ملفقي الأحداث من تعتيم المقاصد الدنيوية (الماء والكلأ والأرقاء) التى تستر عليها غالبية الغزاة والوافدين لبقاع السودان بدعاوي إعلاء كلمة الله ونشر الحضارة والتقدم. ومن اللافت للنظر ان الذين دخلوا الإسلام فى مختلف بقاع غرب السودان كانوا أفارقة متأسلمين وليس عرباٌ متفقهين (راجع ما كتب د. أحمد ساكنجا عن دور فرتاك الجد فى نشر الإسلام فى بعض أقاليم غرب السودان).



أبناء كلية غردون



5. واجهت النخب المتأسلمة منذ نشأتها بنية تاريخية راسخة للإسلام السودانى المتميز بخصائص هجين عروبي/أفريقي إنبثقت مكوناته السلفية من العيسوية/المهدوية ومرجعيات الثورة المهدية وطقوس الطرق الصوفية المهجنة والمدجنة، بما فى ذلك طريقة الختمية النازحة من أقاصى آسيا إلى الحجاز ومصر ثم شرق وغرب السودان هذا بجانب البعث المهدوي المعاصر برعاية آل المهدى. ولابد فى هذا المنعطف من الإعتراف بتواتر إنشطارات الطوائف والملل الإسلامية وتشظى نزعاتها الإنقسامية منذ صدر الإسلام حتى اليوم بجانب التكاثر الأميبي فى نطاق الحركات الإسلامية المعاصرة. ولهذا تقاطعت بنية العقل الإسلامى المستنسخة من الحركة الإسلامية المصرية (ايديولوجية ألنخب المتأسلمة السودانية) مع متغيرات وخصائص الإسلام السودانى. فقد شرعت النخب المتأسلمة فى بث دعوتها المستنسخة من حركة الأخوان المسلمين المصرية فى أواسط الخمسينيات بشعارات إصلاحية فى مجتمع صد جيوش الخلافة العثمانية طراحة الإسلام السلفى ودحر فلول التسلط الخديوي وأنصهرت رؤاه العقائدية فى مواجهة دولتي الحكم الثنائى وإستقطاب الطوائف الدينية. ألف سكان المدن الثلاثة - خلال الأربعينيات - أهازيج شباب الختمية: شي لله يا مرغنى ... وأناشيد شباب الأنصار: نحن جند الإمام.... إلى أن رفعت ثلة من المتأسلمين أنشودة... حسن البنا حسن البنا ما غاب بطلعته عنا! تمحوّرت باكورة النخب المتأسلمة حول قيادات الرعيل الأول داعية لتطبيق الشريعة وتبنى الدستور الأسلامى دون إدرااك لتداعيات المعترك السياسي فى مجتمع متعدد الأعراق والديانات . وقد أحسن شاهد منهم وصف تلك المرحلة وإنحسارها:



"...لقد قاد حسن البنا الأخوان المسلمين بالطريقة التقليدية المتمثلة بشيخ يريده مريدون فأّتسمت قيادته بالقليل مما يمكن وصفه بالديمقراطية وكان هذا النحو من القيادة يستند إلى نظرية مفادها أن الشورى غير ملزمة، وبأنها لا تعدو أن تكون نافذة يطل منها صاحب الامر على الاَخرين ووسيلة لإقناعهم برأيه، ولكن سرعان ما أهملت هذه النظرية(...) ففى السودان مثلا قامت الحركة الإسلامية على أيدى شبان متقاربين عمراً وثقافة فلم يكن لأحدهم أن يدعي سبقاَ على الآخرين. كذلك فإن جميع الحركات الإسلامية المعاصرة ديمقراطية عمادها التنظيمى مجلس شورى ينتخب القائد ويحتفظ بحق محاسبته، فنموذجها إذاً نموذج ديمقراطى." (د. حسن الترابى – ندوة حوارات فى الإسلام: الديمقراطية، الدولة، الغرب – جامعة جنوب فلوريدا، ألولايات المتحدة، ص 34 - 1992).



بمثل هذه الهرطقات جادل عراب الإنقاذ صفوة من الأمريكيين والعرب المهتمين بالحركات الأصولية الإسلامية . كان ذلك عام 1992 فى منتصف السنة الرابعة من عمر الإنقلاب الإنقاذى. والعجيب فى الأمر أنه لم يقلل - بمثل هذا الإدعاء - من شأن الحركات الإسلامية السلفية والمعاصرة فحسب، بل أطنب فى الثناء على الحركة الأسلامية السودانية دون غيرها مدعياً بأن مشروعها الحضارى سيكون أنموذجاَ للدولة الرسالية فى العالم. والأدهى وأمر أنه فى سيا ق حديثه عن إكتشاف هويته الإسلامية فى إنكلترا تجرأ على إستكياش المنتديين بقوله:



" لا مفر من الإعتراف بأن الإسلام لم ينتشر فى السودان من طريق المهدية أو الشريعة أو المتدينين، ولكن من طريق جامعة الخرطوم: فقد كانت هذه الجامعة مهد الإسلام فى السودان بالرغم من أنها لم تنشأ لهذا ألهدف (...) هذه الجامعة لم تسم جامعة الخرطوم إلا بعد قتل غردون باشا . هكذا فلا حرج - حتى فى موقعنا الذى نحن فيه اليوم - بأن نوصف بأبناء كلية غوردن" _(نفس المصدر أعلاه – ص 91)".



6. أما فيما يتعلق بالجذور الطبقية لفصائل النخب المتأسلمة فلابد لنا من ذكر الاَتى: انجبت إدارة دولتى الحكم الثنائى - بعمليات قيصرية - شرائح من الطبقة الوسطى (عسكريين وإداريين وقضاة وفنيين ومعلمين وتجار) إستكفاءَ لمستلزمات إنشاء وتنمية مؤسساتها الإنتاجية والخدمية. كما إستثمرت دولتا الحكم الثنائى المال العام فى تسمين الطوائف والطرق الدينية وذلك بتوفيرالقروض وتخصيص الأراضى الزراعية والسماح لعرابي الطوائف المتناحرة بإستدرار الزكوات والصدقات والأتاوات من الأتباع والمريدين، مما وفر أنجع السبل وأسرعها للإستحواذ على التراكم الأولي - العيني والنقدي – وإستثماره فى إستزراع الفئات والطبقات الإجتماعية الحديثة. ومصداقا لإعترافات عراب الإنقاذ (الترابى) المذكورة أعلاه يتبين لنا أن باكورة النخب المتأسلمة لم تكن سوى شريحة إنسلخت من الطبقة الوسطى عبر إنقسامات أميبية عقائدية وسياسية تشرنقت فى حضّانات مؤسسات التعليم الإستعمارى (البريطانى/الخديوى). ولا بد لنا من أن ننفذ من تقاطع الرؤى المعترفة بالتفاوت الفئوى والطبقي فى نشأة وتطور المجتمع السودانى وتلك الناكرة لعوامل التمايز الإقتصادى والإجتماعي، لنقف على حقائق أساسية. فلقد كانت ولا تزال الطبقة الوسطى هى الأم الرؤم التى أنجبت كل شرائح النخب العقائدية والمهنية والسياسية الرائدة – على إختلاف مرجعياتها الدينية والأيدولوجية. ولهذا لا غنى عن التنقيب المضني للتعرف على القسمات المتداخلة والفارقة فىالنشأة والمكونات والتطور التاريخى لهذه النخب. هل يفيدنا- لدى قراءة تضاريس البنية الطبقية للمجتمع السودانى - مجرد الإكتفاء بإلصاق مسميات لفظية: الجماهير الشعبية والفئات المهمشة والقوى العاملة والبرجوازية الصغيرة والرأسمالية الطفيلية؟ وهل يجدي تصنيف التكوينات العقائدية الى طرق صوفية وطوائف وسلالات أشراف ؟ لقد ظلت نخب من شرائح الطبقة الوسطى الحديثة ممسكة بأعنة القوى الموجهة لتطور المجتمع منذ نشأة مؤتمر الخريجين مستخدمة قدرات فائقة على تغيير أقنعتها العقائدية والسياسية للإندراج فى سرايا الأنظمة التى إستولت على السلطة عبر صناديق الإنتخابات أو على ظهور الدبابات. يلاحظ أن بعض المهتمين بقضايا الحركة الوطنية يسلطون أضواء إهتماماتهم على وسائل الإستيلاء على السلطة وما تحققه الطقم الحاكمة من منجزات ظرفية دون إستقراء للتداعيات المترتبة عليها فى حياة المجتمع إخفاءٌ لدوافعها ومؤثراتها السالبة فى حياة مختلف الفئات والطبقات الإجتماعية. ولهذا كثيراً ما يشيدون بحسم وإخلاص(وصرامة ودغرية) العسكريين فى إدارة شؤون البلاد (النظم العسكرية) وطهر ونقاء المنتمين الى عترة آل البيت. يمكننا تصنيف شرائح الطبقة الوسطى حسب محاور مكوناتها الإجتماعية والمهنية خلال الخمسينيات إلى : صغار المنتجين الزراعيين والتجار والحرفيين والمهنيين والإداريين ...ألخ. هنالك فئات مقتدرة بين هذه الشرائح إتجهت بوعيها وإستنارتها لمقاصد ذاتية وضعت نفسها طوع توجهات زعامات طائفية أو حزبية أو سلطوية خارج محاور فئاتها أو طبقاتها. لابد للباحث أن ينقب تاريخياً عن أسباب إنقسام مؤتمر الخريجين وسعي الزعامات الدينية لإستقطات نخبه النابهة وتكريس جهودها فى إنشاء أحزاب تسنمت قياداتها رموز وراثية تتقاطع توجهاتها الدينية والإقتصادية مع تطلعات رواد الطبقة الوسطى . ولا يمكن إغفال نزوع بعض شرائح الطبقة الوسطى عقائدياَ وسياسياَ الى شق دروب وطنية أخرى للفكاك من أسر الهيمنة الطائفية. كانت حركة الأشقاء المقدمة الصدامية الأولى التى واجهت إستقطاب الطائفية خاصة تلك التى كلبت أظافر عدائها فى رقاب المراغنة وإندرجت - فيما بعد – تحت رعايتهم فى دوامة الحركة الإتحادية. هذا في الوقت الذى إستجارت فيه نخبة من قيادة الخريجين بالإنحياز لآَل المهدى وأسهمت تحت رعاية المهدوية المعاصرة فى تكوين الحركة الإستقلالية بقيادة حزب الأمة.



7. لعبت الطبقة الوسطى الحديثة عبرمنعطفات تاريخية متتالية عدة أدوار هامة فى نشأة وتطور الحركة الوطنية السودانية ، نتناول فيما يلى أهم مؤثراتها على الطوائف الدينية والأحزاب السياسية وحركات النخب السلفية والمعاصرة:



أ- نشأ جهاز الدولة الثنائى تحت إدارة متضادة الأهداف، (توسيع نطاق الهيمنة الإمبريالية البريطانية وتشبث الخديوية بإرثها التركى)، متعارضة الأديان، (الإسلام العثمانى والمسيحية الأوربية)، متباينة المستويات الحضارية (نظام إمبريالى رأسمالى وحطام الخلافة العثمانية شبه الإقطاعى). وعلى الرغم من حدة التناقضات الثانوية - فيما بين سلطتى الحكم الثيائى - حرصت كل منهما على إستئناس الزعامات الدينية والقبائل والنخب المتعلمة التي تواطأت مع الغزات وتوحدت مقاصدها للإطاحة بالحكم المهدوى. فقد طال التدجين الدينى والسياسى أجيال شهداء كررى وأم دبيكرات وأجتاح معاقل بعض الذين ألفت المهدية قلوبهم.



ب- كان لكل من دولتى الحكم الثنائى سياسات ووسائل متمايزة تناسقت إستراجياتها وتكتيكاتها لدى غزو البلاد وإلحاق الهزيمة بقوى الثورة المهدوية وتقاطعت فى فترات لاحقة بفعل تعارض مصالح الدولتين. فقد أتيحت للمراغنة سبل تحالف وثيق مع دولتى الحكم الثنائى وأعانوا الغزاة واستعانوا بهم ودجنوا بعض الملل الصوفية والقبائل بمختلف الوسائل الروحية والمادية لمحاربة المهدية وإزالة آثارها. كما تضافرت جهود سلطتي الحكم الثنائى فى توفير الوسائل الإقتصادية والإجتماعية والدينية والقانونية (أنظر الفقرة أعلاة رقم 6) لإستنبات براعم شرائح طبقية متباينة التوجهات من البيوتات الدينية الثلاث (المرغنية والمهدوية والهندية). وحينما أحست القوى المنتفعة بنفوذ دولتى الحكم الثنائى بمخاطر حركة نخب الطبقة الوسطى (مؤتمر الخريجين) وتداعيات إنحسار هيمنتها الإقتصادية والدينية عمدت الى تشجيع النزاعات الإنقسامية وإستدرجت مجموعات مميزة من الخريجين وإستقطبتها فى محاور قيادات أحزابها السياسية مكرسة أنقسا م الحركة الوطنية وتطويعها فى خدمة طوائف متنازعة دينيا وسياسيا. وفى الوقت الذى إحتد فيه النزاع بين زعامات البيوتات الدينية للإستحواز على ما يتيسر من المغانم الدنيوية فى تزلف فصامي لقطبيّ الإدارة الثنائية أو إنحياز باين لأحدهما، لم تتوان نخب الزعامات الدينية عن التشبث بخصوصية إستحقاقات تفويضها الديني وتجذر إنتمائها الى اَل البيت. وعلى الرغم من ذلك لم يقو سياج الهيمنة الدينية والإقتصادية والسياسية الذى ضربتة الطائفية المتدينة حول أتباعها ومريديها على صد شرائح الطبقة الوسطى من الإفلات والشروع فى بناء كياناتها الذاتية المتمثلة فى بواكير حلقات الأشقاء والجمهوريين وأنصار السنة والماركسين والإسلاميين. ولا مناص من الإقتناع بأن منشأ بواكير الحلقات المذكورة يتجذر من رحم الطبقة الوسطى، علما بأن عوامل داخلية وخارجية متعددة قد تحكمت فى تشكيل توجهاتها الأيديولوجية والسلوكية.



ج- يصنف غالبية رواد الفكر السلفيين ونفر من المفكرين المعاصرين مكونات المجتمع السودانى وفقاً لقوامة نخب متمايزة بإجتهاداتها الإقتصادية والإجتماعية والعقائدية تعتيما لشبكية علاقات الإستغلال والإستلاب السائدة فى مجتمعات القرن العشرين (العائلة والعشيرة والقبيلة والجهوية والأمة) تأسيساَ على فعالية التسيير والتخيير والرزق. ويناطح بعضهم طواحين الهواء إنكاراً لوجود طبقات مستغلة (بكسر الغين) فى مسار التطور التاريخى للمجتمع السودانى، بينما يقر البعض الاَخر بواقع الإنقسام الوظائفى (ملاك مستثمرون وفعلة ..ألخ). لقد تفاقم الإنقسام الفئوي والطبقي بوتائر متسارعة فى المدن وتشظي فى الريف مؤججاً بؤر التهميش القبلي والإقليمي. ويلاحظ أن غالبية شرائح الطبقة الوسطى التى إعتصمت بحبل الدين الإسلامي فى مناطق الشما ل الأوفر حظاٌ فى النموً، خاصة نخب أنصار السنة والجمهوريين والإسلاميين لم تقو بواكيرهم على إختراق سياج النفوذ الطائفي ولم تتجرأ على كشف علاقات الإستغلال الفئوي والطبقي المتوارثة تاريخياً فى بنية المجتمع السودانى. كان لبعض هذه الشرائح مبادرات لا يمكن إنكارها فى تعرية الدجل الطائفى وأساطير الغيبيات الصوفية. وقد تميزت - فى هذا الإتجاه - صفوة محدودة بتوجهاتها العقائدية الساعية لتحجيم النفوذ الطائفى، بينما جنحت بعض فصائل المتأسلمين وحفنة من نخب الأحزاب الطائفية الى تنصيب أزلام وهوابات طير ألبسوها أقنعة دينية زائفة. كان لتسلط وهيمنة مجموعات بشرية - مكنتها وسائل الفرز العرقى والدينى من تأسيس دويلات وثنية ومسيحية وإسلامية - اليد الطولى فى تخليق وولادة الفئات والطبقات الإجتماعية من رحم المجتمع السودانى القديم. كما تضافرت جهود إدارة الحكم الثنائى لإرساء لبنات الأساس لهياكل فئات وطبقات جديدة، وتجريف الشرائح القديمة الاَيلة للإضمحلال. كان ذلك بفعل المبادرات الإستثمارية فى بناء مرفقى السكك الحديدية ومشروع الجزيرة وما إصطحبهما من مناشط إنتاجية وخدمية . فقد أنشأت السكك الحديدية تجمعات سكانية جديدة وأعادت الحياة الى مدن نضب معينها ووفرت محاور وظائف قوامها إستخدام العمل المأجور وربطت بين مراكز الإنتاج والإستهلاك السلعى. كما أزاحت إختناقات علاقات الإنتاج والتبادل البدائية بإكتمال مشروعات الرى المنتظم (الجزيرة) وإدخال أنماط إقتصاد شبه إقطاعي شبه رأسمالي (المشروعات الخاصة).



هل تنزلوا من السماء؟

" من أين أتى هؤلاء ؟" نواصل تنقيبنا للإجابة على السؤال الصاروخى عن النخب المتأسلمة. نتساُءل هل تنزلوا هدايا من السماء ، كما أخبرنا الترابى عن البشير إذ قال لا فض فوه ساعة اللقاء الأول عشية الثلاثين من يونيو 1989 " إنه (أى البشير ) هدية السماء لأهل الأرض" أو كما فضح أمره حينما تفاصلا: "سلمته بيان الثورة فذهب الى القصر رئيساً وذهبت إلى كوبر حبيساً !!" هذه عبارة ثاقبة كتبها تحت صورة عمر البشير د. عبد الرحيم عمر محى الدين وهو شاهد عيان من أهلهم فى مؤلفه (الترابى والإنقاذ – صراع الهوية والهوى - فتنة الإسلاميين فى السلطة ص 51 دمشق, 20/12/2005). يقع هذا السفر فى 664 صفحة من الورق المصقول سجل فيها المؤلف تفاصيل أدواره المميزة ودوّن فيها معلومات موثقة عن الإنقاذ ومشروعها الحضاري حتى نوفمبرعام 2005.

تمويه الوعى الطبقي

وحينما نشير الى إنحدار النخب المتأسلمة من رحم الطبقة الوسطى، لا ننكر أن غالبية النخب القائدة للأحزاب الأخرى (مجموعات الإتحاديين والأمة وفصائل اليسار) قد إنحدرت من نفس الرحم. ولكن نسبةَ التّداخل فيما بين الطبقات الإجتماعية والحراك التاريخي لمكونات التركيبة السكانية والإضمحلال البطىء لهياكل المجتمعات القديمة، يواجه الباحث صعوبات تحول دون ترسيم الحدود متواصلة النمو والمتغيرات فيما بين الطبقات ألإجتماعية. وإذا أردنا تصنيف الأحزاب السودانية حسب معايير وعيها الطبقي يلاحظ أن أدبيات الأحزاب الطائفية تعمدت منذ نشأتها تمويه الوعي الطبقي لدى أتباعها بمبررات دينية (..سواسية كأسنان المشط ..) وإجتماعياً ( درء الفتنة بالتسامح ) وسياسياً (الدين لله والوطن للجميع ). هذا فى الوقت الذى أدمنت فيه النخب المتأسلمة تغييب وعي أتباعها بقناعات الحاكمية لله والتعمية العقائدية بترسيم حدود فاصلة بين المسلمين والكفار. لا يخفى على أحد إنسلاخ بعض الشرائح المستنيرة من الطبقة الوسطى وإندراجها فى خدمة الزعامات الطائفية، الأمر الذى يستدعي فحص حالات تقاعس القيادات النخبوية فى الأحزاب الأخرى (الإتحاديين والجمهوريين والأخوان المسلمين وفصائل اليسار) عن تبنى مفهوم الصراع الطبقى وإجلاء وعي أتباعها فى معارك التغيير الإقتصادى والإجتماعى.

لقد كان الإنقسام الطبقي ولا يزال ظاهرة ملازمة لنشوء وإرتقاء المجتمع السودانى منذ بداية مكوناته الأولية: العشائرية والقبلية والعرقية والدينية. إنقسمت المجتمعات السودانية الى سادة ورقيق فى الأنظمة الوثنية والمسيحية والإسلامية وإستندت مؤسسة الرق إلى مبررات تاريخية وعرقية وإقتصادية وإجتماعية ودينية ظل سوسها ينخر فى العقول حتى اليوم. ونشير فى هذا المنعطف الى مواقف أعيان أمدرمان الثمانين الذين رفعوا عريضة لسردار الجيش المصرى فى مايو 1898 يعترضون فيها على إنتزاع ما ملكت أيمانهم من الأرقاء الذكور للخدمة فى الجيش. وحينما أصدرت أدارة الحكم الثنائي صكوك تحرير الرقيق (1919) إعترض ألأعيان المميزون دينياً (زعماء الطوائف الدينية الثلاث) مطالبين بإعادة الأرقاء إلى إسيادهم، ومحذرين من عواقب تحرير العبيد (أنهيار الإنتاج الزراعى وزعزعة الأمن) وفك أسر الخدم (تفشي معاقرة الخمور الدعارة). فما كان من أدارة الحكم الثتائي إلا الإستجابة لرعبة زعماء الطوائف الثلاث والأعيان من التجار بإلغاء أحكام صكوك تحرير الأرقاء. وتكررت مواقف مماثلة عقب هزيمة إنتفاضة 1924 مؤكدة التمايز الإقتصادى والعرقى والدينى. وقد كان لنخب مؤتمر الخريجين السبق فى تنظيم المتعلمين من فئات الطبقة الوسطى كما كان لرواد الحركة النقابية فى إوآخر الثلاثينيات من القرن العشرين السبق فى إتخاذ مبادرة للتعبير عن أوضاع ومصالح فئات طبقية حديثة ( إضراب السكك الحديدية)

تسترت غالبية نخب الطبقة الوسطى على سلبيات الإنقسام الطبقي وفجور تفاقمه فى المجتمع السوداني ومجتمعات الجوار العربية والأفريقية طوال الفترات السابقة واللاحقة للإستقلال. وتراكمت غشاوات التعمية العقائدية والسيا سية إلى أن إنبرت شرائح من الوطنين واليساريين بإدبياتها الأيديلوجية وبرامجها الإقتصادية والإجتماعية إلى ساحات الصراع السياسى ساعية لإستنهاض الفئات الفقيرة فى المدن (المنظمات النقابية) وبؤساء الريف (إتحادات صغار المزارعين) والمهنيين والطلاب. وأمتدت بصيرة الوعي إلى المرأة فى المدن والريف. إرتعدت آنذاك فرائس النخب الدينية والسياسية وعبأت ذخائر فاسدة من مخزون الفكر السلفى والإمبريالى للهجوم على اليسار: التخريب الإقتصادى وإستيراد الفكر الأجنبى وإثارة الفتنة الإجتماعية وتأجيج نيران الحسد ...ألخ. إرتدت ذخيرة الطائفية الى صدور زعاماتها وهرعت أحزابها الى إنتزاع الريادة من اليسار مستخدمة قوانين الإستعمار (محاربة النشاط الهدام) وأستسلمت لتسلط الإنقلابات العسكرية. هل تنزلت سرايا اليسار من عوالم أخرى؟ أم تلقت فكراً شيطانياً من الخارج كما يدعون؟ لا ينكر أيّ عاقل إنحدار النخب المتأسلمة واليسارية من رحم الطبقة الوسطى كما لا يمكن إنكار ما أستوردته النخب السياسية من تجارب ومعارف المجتمعات البشرية (وثنية ودينية وعلمانية وملحدة). هذا بجانب ما أتيحت آنذاك من فرص تاريخية للتلاقح بين المكونات المحلية والخارجية لإستنباط ما يتيسر من المشروعات الحضارية. إهتداء بهذا المفهوم تمكن اليسار من قراءة تضاريس نشوء وتطور التكوين الطبقي فى تاريخ المجتمع السوداني، بينما ظلت النخب المتأسلمة منكفئة على سلفيات صدر الإسلام - يرتد إليها البصر خاسئاً وتصاب بمرج يحول دون إستشراف واقع المجتمع السوداني.

خارطة طريق الإنقاذ

نورد فيما يلي الإشارات الفارقة لخارطة الطريق الذى تنكبته النخب المتأسلمة لدفع المجتمع السودانىإلى مشروع الإنقاذ الحضارى:

1. . بدأ الرعيل الاول من النخب المتأسلمة بالدعوة للإسلام من منابر تغيرت مسمياتها (الأخوان المسلمون, ثم جبهة الميثاق الاسلامي, والجبهة الاسلامية القومية، والمؤتمر الشعبى العربى الاسلامى وأخيراُ حركة الانقاذ بشقيها المؤتمر الوطنى والشعبى). لم تفلح الحركة الإسلامية فى بناء جسور سالكة للتواصل مع الطرق الصوفية ولم تتمكن من إختراق متاريس الطوائف الدينية وأحزابها السياسية مما إضطرها الى مناطحة مؤسسات عقائدية وإجتماعية راسخة البنيان. ولقد إستغلت النخب المتأسلمة فى بداية الستينيات من القرن العشرين عوامل محلية وإقليمية وعالمية مكنتها من إجتذاب فئات طبقية محدودة من المتعلمين والمهنين والتجار والطلاب. ونسبة للأهمية المحورية لهذه العوامل فى فحص الظاهرة الإنقاذية نتعرض لها فيما يلى بقدر من الإيجاز:

أ. العوامل المحلية وأهمها تغلغل الثفافة الأسلامية العربية فى توجهات وتطلعات الشعب، خاصة فى الشمال والوسط والغرب، وإنحسار نفوذ الطوائف الدينية فى أوساط الأجيال الحديثة، والتقارب الاٌيديلوجى بين الحركات الدينية والقوى الإمبريالية الرأسمالية فى معاداة الإشتراكية والشيوعية، والتعاضد المادي والإعلامى بين المتأسلمين وقادة الأنظمة الرجعية الإقليمية والعا لمية. لقد تضافرت عوامل أخرى أعمق تأثيراً وهى: تكلس فكر الإجتهاد الديني لدى الزعامات الطائفية ونخبها السياسية والتعارض بين سلوكها الدنيويّ وتوجهاتها الدينية. هذا بالإضافة الى إفساح المجال لهجمة المتأسلمين السلفية وتمكينهم من إستغلال الدعوة الإسلامية ضد الخصوم السياسين ومحاصرتهم فى حلبة الصراع السيا سى.

ب. عجز الثقافة الدينية المهجنة فى حضّانات مؤسسات التعليم البريطانى/المصرى (كلية غردون ومعهد أم درمان العلمى والمدارس المصرية المتأسلمة والمتقبطنة) وقصورها دون مواكبة وعي وتطلعات الأجيال الحديثة المنبثقة من تعدد الأعراق والديانات. تصدت فصائل من يسار الطبقة الوسطى منذ نشوء مؤتمر الخريحين لمختلف التوجهات الدينية المهجنة بمقاومة جريئة ضد التسلط الطائفى كان أبرزها فصيل الجمهوريين بقيادة الأستاذ محمود محمد طه وجماعات الأشقاء التى إلتحمت بعض شرائحها مع رواد النهج الماركسى لتأسيس الحزب الشيوعى السودانى. لم يجنح اليسار فى مسار نشاطاته التنظيمية والسياسية والفكرية إلى إتخاذ مواقف عدائية ضد أيّ إنتماء عقائدي بل تفرد بإستنباط برامج ووسائل عمل أنارت الطريق أمام الجماهير لتوحيد قواها ورعاية مصالحها دون التعرض للإنتماء العقائدي او العرقى أو الجهوي. أنشأ اليسار النقابات العمالية وتحالف مع الختمي والأنصاري والمسلم والقبطى والوثتى. وأنشأ إتحادات المزارعين على نفس المنوال. ولكن حينما إستقوت النخب المتأسلمة بالفكر السلفي المستنسخ من تنظيمات الإسلاميين المصريين واقبلت منكفئة على ذاتها بجمود الإسلام السلفي عميت بصيرتها عن إستكشاف واقع المتغيرات فى العالم وفى الوطن. بدأوا بإقصاء ملل وطوائف المسلمين وجنحوا للعزل الدينى بإستعداء أهل الكتاب. وكفروا كل من سعى اليهم بوفاق عقائدي أو سياسي. وأنزلقوا بعد الإستيلاء على السلطة الى شق البلاد الى دار الحرب (الجنوب) ودار السلام (الشمال) وأججوا نيران حرب دينية يتواصل أوارها حتى الان.

ج. تقوقع رواد النخب المتأسلمة فى حلقات ضيقة حصرت إهتماماتهم فى التلفع بالشعائر الدينية والدعوة لإقامة دولة رسالية عجزوا عن طرح وسائل إنشائها وتوصيف نظمها الإدارية والإقتصادية والإجتماعية والقانونية. وحينما إحتدم الصراع الأيديولوجي والسياسي قبيل الإستقلال وإنطلقت القوى الوطنية بخيارات برامجها : الوحدة بين السودان ومصر – الإستقلال - سياسة تحرير لاتعمير- الإستقلال التام الهادف الى تحقيق التحرر السياسي والإقتصادي, إبتدرت النخب المتأسلمة نشاطها السياسي بالدعوة الى تطبيق الدستور الإسلامى وتحالفت قياداتها بذكاء إنتهازي مع قوى لم تتخذ من الإسلام توجهاً وتزلفوا الى الد أعدائهم عقائديا وسياسيا. إستعدوا الحزبين الكبيرين على قوى اليسار واستغلوا الفصام الديني/السياسي المتجزر فى عقلية قياداتها ودفعوها الى الإستنجاد بالدستور الإسلامي فى مسرحية المعركة الإنتخابية عام 1969. تصدر السيّد الهادي المهدي وفد حزب الأمة الى القاهرة للإستقواء بنفوذها المادي والسياسي ضد منافسه على رئاسة الجمهورية السيّد إسماعيل الأزهري الذى شق عصى الطاعة - آنذاك - على حلفاء حزبه التاريخين (الحكومات المصرية) وتوجه على رأس وفد نخبوى الى المملكة السعودية مستجيراً بعدائها للناصرية إستدراراً لعطائها المادي وإستنجاداٌ بقواها الدينية. حاول كل وفد تسويق بضاعته فى أوعية الدستور الإسلامى المستساغة لدى نظامين متوازيين سياسيا وإقتصاديا ودينيا. لم يكن الدستور الإسلامى أثتاء تلك الفترة سوى تفكيراُ رغائبياً وشعارات هلامية أطلقتها نخب متأسلمة متباينة العقائد والمقاصد. وعلى الرغم من تبعية النخب السياسية فى الحزبين للبيوتات الطائفية المنسوبة الى عترة اَل البيت لم ترصد ذاكرة الشعب السودانى أية توجهات نظرية أو عملية لإستشراف دولة سودانية ذات دستور إسلامى مكتوب. وقد تبين بما يدع مجالا للشك أن هرولة زعامات الحزبين الكبيرين الى ساتر الدستور الإسلامي لم يكن إلا تكتيكاٌ مرحلياٌ للخروج من مطب تاريخي حاصرتهم فيه قوى دفع متناطحة: ضجة اليمين المتأسلم المتشظية بشعارات الدستور الإسلامى وحتمية تطبيق شرع الله – من جهة - ومدافعات اليسار المستندة إلى واقع معطيات التحول الإقتصادى والإجتماع والعقائدي فى مجتمع متعدد الأعراق والديانات والأعراف – من جهة أخرى. وصلت الحركة الوطنية انذاك الى مفترق طريقين حاسمين: طريقان لا ثالث لهما - دولة إسلامية رسالية أو دولة حديثة قوامها المواطنة.

أستميح القارئ عفواَ إذا لم يجد إجابة شافية للسؤال الصاروخي: من أين أتى هؤلاء؟ لقد توصلت بعد تنقيب مضن إلى تصنيف النخب المتأسلمة فى عداد الشرائح المنحدرة من رحم الطبقة الوسطى وتبين لى أن بطون كل الطبقات الإجتماعية بطرانة. وتيقنت بأن شرائح الطبقة الوسطى فى المجتمع السودانى توالدت وتناسخت خلال نصف قرن من الزمان وتلاقحت مع متغيرات تاريخية متقاطعة (سطوة الأمبريالية الأوربية المتحالفة مع الخديوية المتأسلمة، أنقسام العالم الى كتلتين متصارعتين، تصاعد حركات التحرر الوطنى، صدامات الفرز العنصرى، تشظى النزاع الأيديولوجى، تفشى النزعات السلفية الدينية والقومية، تراجع الدولة الدينية أمام الزحف العلمانى وزحف أخطبوط الهيمنة الرأسمالية...العولمة...ألخ). لقد ظلت شرائح الطبقة الوسطى، بمختلف مكوناتها وتوجهاتها العقائدية والسياسية، رؤسا لرماح الحركة الوطنية كما كانت ولا تزال الأكثر عرضة للمتغيرات الداخلية والخارجية والأشد حرصاً على إستيعاب المؤثرات التحويلية, السالب أو الموجب منها. ولهذا لم تغالبنى أوهام البحث النظري ولم تدفعني غريزة إقصاء الاَخر لألصاق جميع أسقام ونقائص الطبقة الوسطى بجميع نخب المتأسلمين دون غيرهم من نخب الشرائح الأخرى. فعلى الرغم من إتساع نفوذ طبقتى العما ل والمزارعين فى مسار الحركة الوطنية، لم تتمكن بعض نخبها من تخطى سياج الرؤى العقائدية والدينية للطبقة الوسطى.

ولاشك أن النخب المتأسلمة قد تأثرت كغيرها من النخب الأخرى بالعديد من الثقافات السلفية والمستحدثة (مرجعيات الصوفية والطائفية ورواسب مناهج التعليم الإستعمارى وتوجهات التغيير الإقتصادى والإجتماعى) ولهذا لم تتورع النخب الإنقاذية المتأسلمة عن إعادة إنتاج سلوكيات فاقت خطايا ًالنخب السالفة كماً وكيفاً. منذ العام الثانى للإستقلال تصدر العسكر ثلاث إنقلابات طفح البيان الأول لكل منها بشعارات إنقاذية أدانت الفساد والفوضى وسوء إستخدام الموارد المتاحة وإتساع نطاق المحسوبية ...ألخ وحرَمتْ نشاط الأحزاب السياسية والهيئات النقابية والمهنية وقيدت الحريات العامة وأشركت فى أجهزة السلطة عناصر من نخب الأحزاب الموصومة بأدران الفساد ولم تتورع عن إرتكاب جرائم حرمتها فأنشأت منظمات سياسية ومهنية وإستحدثت أجهزة مساندة وحامية لأنظمتها القمعية. واللافت لأنظار الباحثين أن البيان الأول لكل من الإنقلابات الثلاث لم يلتزم ببرنامج بديل لما كان سائداً من حالات اللا- برنامج وأن القوى التى أتاح لها الشعب فرصة العودة الى السلطة بعد إسقاط النظامين الأول والثاني لم تتمكن من طرح برامج مدروسة. منذ الإستقلال تدافعت نخب الطبقة الوسطى فى حلبة الصراع السياسي مستهدفة الإستيلاء على السلطة بشعارات ظرفية خادعة: تحرير لا تعمير، تحرر إقتصادى وسياسى، إستقلال تام، ثورة ديمقراطية وطنية، دولة إسلامية ....ألخ.

ربما يستشف بعض القراء بين السطور إستدراجاً متعجلاً لإصدار حكم نهائى بإدانة النخب المتأسلمة لمجرد إنتمائها لشرائح الطبقة الوسطى أو محاولة لتبرئة الشرائح الأخرى من الخطايا والممارسات التى إرتكبتها طقم النخب المتأسلمة خلال سنين التمكين والهيمنة الإنقاذية. هل يستطيع أى مناكف إنكار الحقيقة المفجعة وهى أن النخب المتأسلمة قد تصدت بجرأة غير مسبوقة لإحتكار الدين وإستغلال الشعائر العقائدية لتجريد نخب الطوائف الدينية والملل الأخرى من أسلحتها التقليدية، وأضرمت نيران الحرب الدينية فى لجنوب (دار الحرب) وأبادت المسلمين فى الغرب والشرق، ثم أدارت ظهرها لحطام المشروع الحضاري: ثورة الإسلام السودانية. لقد أذهل نكوس شقى النخب المتأسلمة (الوطنى والشعبى) أقرب التابعين وخيب آمال المتطلعين للإستنجاد بالإسلام ديناٌ ودولة.

هنالك أسئلة صاعقة لا مناص من طرحها لكشف طبيعة نخب المتأسلمين وتشريح الخصائص الفارقة فى نشأتها وتوجهاتها ومقاصدها المغلفة بالخداع الدينى والحذق الإنتهازى. ولا يفوتنى أن أنبه القارئ إلى أننى قصدت تكريس الحلقة الاولى من هذا البحث للإجابة على السؤال: من أين أتى هؤلاء؟ وقد تبين لى أن الإجابة لن تكتمل دون التنقيب فى مسار ومآلات الحركة الإسلامية منذ دخول بعض نخبها فى حلبة الصراع السياسي وتورطها فى مأزق إستنساخ دولة يثرب الرسالية. ولا شك أن إسهام القراء فى الإجابة على هذا السؤال سيفضى الى سؤال أكثر تعقيداُ وهو: الى أى دوامة إنحدر هؤلاء؟

من وضع حجر الأساس لمنصة إنطلاق المشروع الحضارى للنخب المتأسلمة ومن عجن مونتها وضرب طوبها ومن شرع فى بنائها؟ ومن يسندها ويستند إليها وهى آيلة للإنهيار، بل من يجرأ على تقبل العزاء بعد مراسم الدفن؟ نواصل فى الحلقة الثانية الإجابة على هذه الأسئلة.




sudanile

Post: #882
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-07-2008, 03:00 PM
Parent: #1



--------------------------------------------------------------------------------

الجمعة 7 جمادى الآخرة 1428هـ الموافق 22 يونيو 2007م العدد (2457) السنة السابعة

كتاب اليوم

سعود البلوي
لئلا تعود محاكم التفتيش !
"محاكم التفتيش" سيئة الذكر والسيرة شيء يشبه الجنون. فخلال القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين كانت إسبانيا مثالاً للدولة السلطوية، تتحكم فيها الكنيسة بتعيين الأباطرة الذين يحكمون كـ"ظل الله في الأرض" ولذلك ظهرت "الهرطقة" كوصف لمن يختلفون مع الشروحات المحددة للنص الديني-الإنجيلي للكنيسة الكاثوليكية. وكانت مهمة محاكم التفتيش تلك البحث في ضمائر الناس وعقائدهم وتوجهاتهم للكشف عمّن يخالفون تعاليم (مصالح) رجال الدين المسيحيين، ولهذا عانى الفلاسفة والمفكرون إلى جانب العقائد والأديان والمذاهب الأخرى من بطش وجور لجان التفتيش، كما أن المسلمين في إسبانيا (الأندلس) قد اضطُهدوا أشد الاضطهاد نتيجة لها، بعد أن وعدهم الإسبان الجدد بالسماح لهم بممارسة شعائرهم والتعايش في ظل الحكم الجديد عقب سقوط مملكة غرناطة، إلا أن التعصب وروح الكراهية طغيا على تلك الحقبة التاريخية المظلمة فأصبح المسلمون وغيرهم ملاحقين في عقولهم وأجسادهم لا لشيء سوى اختلافهم الديني والمذهبي والفكري عما يريده رجال الكنيسة، وتشير بعض المراجع إلى أنه بلغ عدد ضحايا هذه الممارسات المتطرفة أكثر من ثلاثة ملايين مسلم وأجبر البقية على الهجرة خارج إسبانيا أو تبديل دينهم.
لا أظن أحداً في العالم يتمنى بالطبع عودة محاكم التفتيش ذات الصورة السوداوية المؤلمة. ولو تتبعنا تاريخ المرحلة التي نشأت فيها بذرة تكوين الكيانات السياسية العربية والإسلامية فسوف نجد بالضرورة مظاهر أخرى-وإنْ بصورة مختلفة- لمحاكم التفتيش. حيث كان بعض علماء الدين المسلمين وما زالوا يملكون وسيلة التأثير والسيطرة على المجتمعات ولذا ظهرت ردّات فعل ازدادت وتيرتها حدة ضد كل من يصرِّح برأي مخالف لصوت الفقيه. إذ إن العقل الفقهي المتشدد امتلك فعلياً السبل الفاعلة في الإلغاء والإقصاء للمخالف له رأياً فكان صوت الرأي المضاد ضحية تلك العقليات المتزمتة. ولو عدنا بالذاكرة التاريخية إلى الوراء قليلاً لوجدنا القهر والظلم والتشدد الذي نال المفكرين والمثقفين التنويريين أمثال علي عبدالرازق مؤلف كتاب "الإسلام وأصول الحكم" وكذلك طه حسين عن كتابه "في الشعر الجاهلي" الذي تفجرت أزمته بعد سابقه بأشهر خلال العشرينات من القرن الماضي. وامتدت هذه الأزمة متزايدة في وتيرة الحدة والتطرف لنرى بعدها بعشرات السنين الأزمة التي فجرتها محاكمة المفكر السوداني محمود محمد طه الذي أعدم عام 1985 بعد محاكمة صورية اتهم فيها بالارتداد عن الدين زيفاً. وبعد سنوات تمت قضية اغتيال الكاتب المصري فرج فودة عام 1992. أمر غريب فعلاً في الثقافة العربية الإسلامية أن تتم إعادة إنتاج المأساة بمنهجية منظمة. فمشاهد محاكم التفتيش الأوروبية التي رواها لنا التاريخ لم تكن درساً مفيداً لنا نحن المسلمين مع الأسف الشديد. بدليل ممارسة نفس الفكرة الإلغائية (التي تنطلق من عدم الإيمان بالتعدد الفكري والاختلاف) بطرق أخرى هي أقرب إلى الهوس منها إلى التعقل والتسامح، وكان المحك الرئيس فيها الرأي المخالف للرأي الفقهي على الرغم من أن النصوص التي ينطلق منها التطرف الديني قابلة للبحث عن أراء فقهية أكثر إنسانية وتسامحاً، إلا أن الفكرة السائدة هي الانطلاق من مبدأ: إذا لم تكن معي فأنت ضدي وإذا كنت ضدي فسوف تموت! هذه كانت المحصلة النهائية لهذه الثقافة المرتكزة على تقديس الذات وتضخمها وطمس احتمال وجود رأي آخر مختلف.
اليوم، ونحن نعيش أصعب الفترات التاريخية في زمن التجاذب بين الحداثة والتقليد، يقوم "التكفير" على مبادئ الإرهاب الفكري والجسدي اعتماداً على الفتاوى الدينية الموغلة في التشدد والتمحور حول الذات والتي تقود بالضرورة إلى محاكم تفتيش مجتمعية بدأت بالتصنيف ولا أدري إلى أين ستنتهي؟
فالإرهابيون الذين اكتوى الوطن والمواطن بتصرفاتهم غير الإنسانية اعتمدوا على الفتاوى التكفيرية للأنظمة السياسية بدايةً وما لبثوا أن ألحقوها بتكفير رجال الدين، ولكن الغريب حقاً أن يمارس بعض رجال الدين من العلماء الذين يعتقدون بأنهم "ربّانيون" إعادة إنتاج الفتوى ذاتها بحق بعض المواطنين! لا أفهم حقيقة هذا الخلط ولا أجد تفسيراً سوى أن كلا الرأيين ينطلقان من النقطة نفسها ويصبان في المصب ذاته. الاختلاف يجب أن نؤمن بأنه موجود وتهديد الاختلاف هو تهديد للوحدة الوطنية، وأهمية حماية الدولة لا تختلف عن أهمية حماية المجتمع، ويمكننا القول إنّ نظرية "العَقد الاجتماعي" تقوم على صون وحماية المصالح المشتركة بين الناس حين يتنازل الأفراد عن حقوقهم الطبيعية للدولة كي تنظّم هذه المصالح المشتركة للتعايش وفق مبدأي الحرية والمساواة. ولكن يتبادر إلى الذهن سؤال ملحّ: من الذي يملك حق التفتيش في ضمائر الناس وعقولهم ومحاكمتهم بناء على توجهاتهم وآرائهم وعقائدهم ومذاهبهم؟ ولا سيما نحن في زمن أتاح لنا فيه الظرف التاريخي انفتاحاً يمكننا من خلاله أن نبرهن فعلياً على ضرورة نبذ التزمت لا النكوص إليه. في وقت نحتاج إلى الكثير من العمل لصالح إنسانيتنا في هذا الوطن الذي يحتاج الكثير من العمل الفكري في سبيل رقيه ورفعته، وهنا أستطيع التأكيد على دور المثقفين (لا أشباه المثقفين) في هذه القضية. فالمثقف لن يستطيع العمل وسط بيئة غير مأمونة فكرياً يشعر فيها بالتهديد المستمر لعقله وجسده، فإلى جانب عدم التقدير الاجتماعي لما يقوم به يقابل اليوم بالتكفير والزندقة، ونحن نعلم تماماً أن هذه الاتهامات بقدر ما تسهم في عرقلة مسيرة التاريخ وإبطاء تقدم مسيرة الثقافة فإنها تمنح المتربحين منها قدراً لا بأس به من النفوذ والمصالح الذاتية التي لا تعود بالنفع إلا على أصحابها غير أنها لن تستمر إلى الأبد.
والوعي بالتاريخ قضية ضرورية للاستفادة من دروس الحياة كي لا نخسر إنسانيتنا في النهاية فندخل في نفق مظلم غير آبهين بالمستقبل لأجيالنا القادمة. فمنذ عصور ونحن ندور في ذات الحلقة المفرغة بل نعيد إنتاج المآسي التي تزداد حدة مع تقادم العمر الافتراضي لمجتمعاتنا.. ورغم ذلك لم تزل ثقافتنا في طفولتها الفكرية غير قابلة للانعتاق من زجاجة الماضي الذي أنتج محاكم التفتيش التي يصرُّ البعض على امتطاء صهوتها اليوم.

كاتب سعودي
17 : عدد التعليقات
التعليقات

سلمت يداك التي خطت هذا الكلام الجميل، ولكن لا حياة لمن تنادي فالمتزمتون هم الطبقة المسيطرة على كل مفاصل الحياة الاجتماعيه وهي الاهم ويليها مفاصل الحياة الاخرى. لقد ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي!
الاسم حسين جبران

يعجبني كثيرا أسلوب تفكير سعود البلوي وأتفق معه كثيرا، ولكنني أختلف اليوم معه في جزئية صغيرة وردت في مقاله تتعلق بمن أسماه "المفكر السوداني" محمود محمد طه. يبدو يا أستاذ سعود أنك لم تقرأ كتاب محمود محمد طه "الرسالة الثانية". المسلمون جميعا يعتقدون يقينا أن القرآن صالح لكل زمان ومكان إلا "المفكر السوداني" وأتباعه إذ يرون أن مضي أربعة عشر قرنا وما فيها من محدثات قد تجاوزت القرآن ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم كلها، فهم يرون أن ما "يفكر" به "مفكرهم" هو الرسالة الثانية التي تصلح لهذا الزمان، وما أتى به من شنيع القول أن الصلاة صلاتان: صلاة حركات وهي ما يمارسه عموم المسلمون، وصلاة أصالة في القلب وهي ما يمارسه "المفكر" وأتباعه فتغنيهم عن إضاعة الوقت والجهد (سبحانك ربي). ويبدو أيضا أن الأستاذ سعود لم يقرأ كتاب في الشعر الجاهلي لطه حسين في طبعته الأولى فقد حفل بالكثير من الأقوال الشنيعة منها أن بعض القرآن "منحول" مثله مثل بعض الشعر الجاهلي الذي يرى طه حسين أنه "منحول" من قبل متأخرين. ومع اختلافي في هذه الجزئية أتفق بصفة عامة مع فكرة المقال بل وأشيد بما ورد فيه من دعوة نحو انفتاح فكري لا يخل بثوابتنا العقدية. المشكلة هي في تفسير "ثوابتنا العقدية" وتعريفها عريفا جامعا مانعا.
الاسم فد العدوان

يريد الكاتب ترك الحرية لكل شخص بأن يقول ما يشاء دون وازع من دين ، حيث يتهم النصوص الشرعية بأن التطرف الديني ينطلق منها و يتهم من يريد حماية الدين و الذب عن عرضه بأنه يريد إقامة محاكم التفتيش ، وأقول أنا : أنه هناك ماهو أعظم من محاكم التفتيش وذلك يوم القيامة لكل من حارب الله و رسوله ودين الإسلام ، إنها نار تلظى يوم القيامة ، ولن ينفعه ما يسميه الإنفتاح الذي أتاحه الظرف التاريخي ( 11 سبتمبر ) فكل منا محاسب على كل كلمة يقولها ، وعلى كل منا أن ينجو بنفسه
الاسم فهد بن محمد الحمدان

اجرؤكم على الفتيا اجرؤكم على النار ... هل حوكم فقيه عندنا بسبب فتواه ؟ او هل منع من الفتيا ؟ لقد ترك لهم الحبل على الغارب فمن افتى مؤخرا ضد الليبرالية لم يعترض عليه ولم تستنكر فتواه من الفقهاء الاخرين رغم ما تحمله فتواه من تجني وجهل تام بالليبرالية التي لا هو ولا السائل كان يعرف حقيقتها ....الفتوى جاهزة ومن يستغلها موجود لكل من يخالفهم ....
الاسم عبدالرحمن المحفوظي

شكرا لهذا العقل التنويرى الرائع .أرجو الاتحرمنا من إشعاعاته .
الاسم alijohary

محمود محمد طه لم يتهم بالأرتداد زيفا بل زعم أن الصلاة مرفوعة عنه لأنه لا يأتي فحشاء ولا منكر,على اي حال أنا ضد محاكمة معتقدات الناس وضد الوصاية على الفكر
الاسم jaghoom

هذا كلام جيد إذا كان على ضوء قول الله ( ما كان لمؤمن ولا مؤمنة اذا قضى الله ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من امرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا ) وغير ذلك فلالالالالالالا
الاسم محمد عبدالله

مقال رائع تشكر عليه ايه الكاتب لكن يبدوا أنك اصبحت وحيدا أو من القلائل في الساحة الذين لا يزالون يمتلكون الشجاغة الفكرية في وقت انهزم فيه الكثير امام محاكم التفتيش
الاسم أحمد الفارس

الله كم انت رائع اية الانسان سعود.. شكرا اخي سعود البلوي على هذا التميز الفكري, والى الامام..
الاسم عبدالعزيز احمد

لايمكن مقارنتنا نحن بني الاسلام والمسلمين فيما يفعله اهل الكنيسة من النصارى ..واذا كنت تدعو لأن يفتح الباب على مصراعيه فهذا خطأ جسيم فنحن أمة لنا دستورنا وهو القرآن الكريم .وهناك حدود لاتسمح بنشر بعض من منشورات مايتسمون بالتنويريين..بل هؤلا دعاة لنشر منهج مخالف طالما لم يراعو فيه مانهى عنه الاسلام وتعاليمه .
الاسم براك خليف العصباني

سبحان الله .. ما هذا الغو والتطرف تجاه فتوى تتكلم عن حكم شرعي محدد . هذا الإيغال والمبالغة في تصوير فتوى من أحد العلماء وإرجاعها إلى عهد محاكم التفتيش غلو آخر في مقابل غلو الإرهابيين .. حقيقة نحن نعيش بين إرهابين ديني وليبرالي متطرفين . ونحن ننبذهما نحن أمة الوسط
الاسم أحمد

سيدي من حثك أن تتحدث عن مجاكم التفتيش في نسختها العربيه وذلك من وجهت نظرك طبعاً حيث وصمت بها صراحه من ذكرت بأنهم بعض علماء الدين المسلمين وهؤلاء يعلم الجميع أن دورهم في الحالات التي أوردتها أ قتصرعلى رد الحجة بالحجه والمنافحه بالقلم وليس بالسيف عن الاسلام ولم يكونوا في يوم من الأيام حكاماً حتى يقيموا المشانق لمن خالفهم والتى ذهبوا هم وليس غيرهم ضحية لمن يصح عليهم مثل ما تقول.والتاريخ خير شاهد على ذلك .فقط أحببت أن يزول الألتباس أما ما تطرقت اليه في الحديث عن أرباب الأرهاب وفتاويهم التكفيريه فهؤلاء لاعلاقة لهم بعلماءنا الأجلاء وانما هم مدعين للعلم والدين منهم براء فلماذا التعمبم وخلط الأوراق ورفض القبول بالرأي الأخر الى حد التطرف اي الاخر
الاسم محمد االحربي

هل تقارن دين الإسلام دين السماحة حتى مع من يختلفون معنا بالعقيدة بتلك الحقبة من الزمن حين تسلطت الكنيسة ؟ إن كنت منصفا فالإسلام هو الحل لجميع مشاكل العالم .. والوسطية هي مطلبنا .. وليس الغاء الدين كما يريد المتطرفون الليبراليون أو تمييع الدين أو التشدد فيه .. راجعوا الفتوى لأنها فتوى صحيحه من عالم جليل يعلم أن من يعمل بنواقض الإسلام يخرج من الدين وكذلك من يغلو ويتشدد ويفجر فهو أيضا في فتاوى مشائخنا خارج عن دائرة الإسلام الصحيح .. وقتل الأرواح المسلمة والمعهادين أيضا أمر آخر .. محاكم التفتيش في الغرب وليست في الإسلام الوسطي .. فلا تخلط وتأتي بشيء لم ولن يكون في مجتمعنا الإسلامي المحافظ الذي ما بدأ فيه المشاكل وكبرت إلا بعد فتح الباب على مصراعيه لكل من هب ودب في وسائل الإعلام المختلفة وبعض الأفكار المنتنة
الاسم يعقوب السهلي

سعود البلوي أعطاك الله قلما وفكرا قادرا على التحليل والاستنتاج ولكن للأسف بعيدا عن ثوابت ربانية ،، فأعد قراءة هذه الثوابت وقيّم كتاباتك في ضوئها،، لأننا ياسعود لسنا أمة تعتمد فقط على المنطق والتحليلات والاستنتاجات ،، بل لدينا ثوابت لا مجال للحياد عنها وإلآ فسنكون حينها ممسوخين بلا هوية لا في هذه الدنيا الفانية ولا في الآخرة الباقية.
الاسم أحمد

الكاتب يستعير مصطلحات الفرنسيين خلال فترتهم التي يطلقون عليها ( التنوير ) !! فهل عجزنا حتي عن مناقشة قضايا الخروج علي الثوابت في شريعتنا ( ونقلد الغرب ) حتي في هذه القضايا ؟؟ اسأل الله الهداية للكاتب وأمثاله !!
الاسم نوف محمد

اعتقد إن بعض المتدينين أعطوا صورة قاتمة جدا عن الإسلام بتحوليهم الاختلاف في الرأي إلى خلافات عقائدية قد تؤدي إلى التكفير و دائما ما يبنون آرائهم على الشك وقراءة النوايا. كل هذا يحدث بين المسلمين أنفسهم. فإذا كان المسلمين غير متسامحين بينهم, فكيف يتسامحوا ويتعايشوا مع الآخرين؟ شكرا على المقال الرائع
الاسم محمد الحربي

فلتسقط الاصنام البشرية ... لا احد يمتلك الحق بالتحدث باسم الرب ويدعي الحقيقة المطلقة مقال رائع
الاسم Mohammed Ali


http://www.alwatan.com.sa/news/writerdetail.asp?issueno=2457&id=971

Post: #883
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-08-2008, 01:39 AM
Parent: #1


علي سنكل:

1 يونيو 2007 في الساعة 9:20 م
معليش تاني أنا جيت ، لأنه سيرة الشهبد محمود محمد طه ذكرتني فاكس أرسله لي صديق قبل 10 سنوات ولازلت احتفظ به وقلت أنقله ليكم بالحرف :
( من الأفضل للشعب السوداني أن يمر بتجربة حكم جماعة الهوس الديني وسوف تكون تجربة مفيدة للغاية ، إذ أنها بلا شك ستبين لأبناء هذا الشعب زيف شعارات هذه الجماعة وسوف تسيطر هذه الجماعة على السودان سياسياً واقتصادياً حتى ولو بالوسائل العسكرية وسوف يذيقون الشعب الأمريين ، وسوف يدخلون البلاد في فتنة ، تحيل نهارها إلى ليل ، وسوف تنتهي فيما بينهم ، وسوف يقتلعون من أرض السودان اقتلاعاً . . . )

محمود محمد طه 1977 م

http://www.alfatihgabra.com/?p=103

Post: #884
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-08-2008, 03:25 PM
Parent: #883


كانت قد عقدت بمايو الماضى - 2007 - ندوة بفندق الهيلتون شارك فيها عدد كبير مما يسمى فى السودان الآن بالكتاب والمفكرين سميت بـ (الندوة العالمية حول فكر محمد أبوالقاسم حاج حمد) وممن شارك فيها السيد الصادق المهدى وحسن مكى وآخرون وبالطبع لم يبخلوا بعبارات الإطراء للراحل حاج حمد - رغم علم الجميع بأن كثيرا من أفكاره مأخوذة من فكر الأستاذ محمود محمد طه ولكن!!!!
فى هذه الدراسة يقدم البروفسير ابراهيم محمد زين المحاضر بالجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا ورقة ربما هى الوحيدة - مما أطلعت عليه حتى الآن - التى تشير - باستحياء - لما قد يكون أخذ من "الرسالة الثانية" لـ "العالمية الثانية"
---
العالمية الثانية وإعادة قراءة التاريخ الديني للإنسانية

بروفيسور/ إبراهيم محمد زين
1/ مقدمة
إن دراسة كتاب (العالمية الثانية) في إطار التطور الفكري لدى الأستاذ محمد أبو القاسم حاج حمد هو في الأصل دراسة لدينميات التطور في الفكر العربي الإسلامي في نهايات القرن العشرين، وهو فوق ذلك يعتبر العمل الأساسي له، تجسدت فيه طريقته الفريدة في التحليل والتركيب وبناء المسلمات الفكرية والجدال حولها، ومن ثم تأكيد القناعات الفكرية التي يجب أن تتجه إليها حركة الفكر وتدور حولها قضايا التغيير الاجتماعي.
لن نجانب الصواب إن قلنا إن أطروحة الكتاب الأساسية تندرج في معنى إعادة قراءة التاريخ الديني للإنسانية، وفق رؤية كلية تتوخى نقد المشاريع العربية والإسلامية الإصلاحية، ومن ثم تجاوزها وفق أطروحة تتبنى بديلاً حضارياً ينبني على أساس مبدأ قسمة التاريخ العربي الإسلامي إلى عالميتين: العالمية الأولى والتي تتميز بخصائص محددة ونهج واضح المعالم وتاريخ تشكل بكيفية أفضت إلى قيام العالمية الثانية كنتيجة منطقية ومكمل ضروري للعالمية الأولى. ويبقي منهج الجمع أو الدمج بين القرائتين هو العلامة المنهجية المميزة العالمية الثانية، لئن كانت العالمية الأولى قد افتتحها الوحي المحمدي بمنهج الجمع أو الدمج بين القراءتين في سورة (اقرأ) وتولى الرسول الكريم مقام الأسوة الحسنة فيها واقتضى ذلك التطبيق العملي فإن العالمية نهجها هو إعادة إكتشاف منهجية القرآن المعرفية القائمة على الدمج بين القراءتين: قراءة الوحي وقراءة الكون، وهذا التمثيل للمنهج هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة التي تمر بها الحضارة الغربية، فمأزق الحضارة الغربية الوضعي الذي يسقط قراءة الوحي ويتبنى قراءة أحادية مادية قد قاد البشرية إلى طريق مسدود لا سبيل للخروج منه إلا باتباع نهج الجمع بين القراءتين ودمجهما في قراءة واحدة يتوازن فيها فهم الطبيعة والغيب في تكامل يرد للمعرفة شموليتها التي تعبّر عن حقيقة الكائن الإنساني الذي يجمع بين الطبيعة والغيب، ويعبّر عن جدلية الغيب والطبيعة في وعيه الشامل بحقائق الأشياء من حوله. فإن كانت البداية العالمية الأولى هي بداية نزول الوحي في غار حراء بإعلان منهجية القرآن المعرفية المتمثلة في الأمر بالقراءة باسم ربك الذي خلق، والجمع بين تلك القراءة بالقراءة الثانية وهي: اقرأ وربك الأكرم، فهما قراءتان في كتابي الكون والوحي، فإن منهجية القرآن المعرفية التي ترد للإنسانية وعيها الحقيقي الذي سلبته إياه التطورات النكدة التي أفضت بالحضارة الغربية والتي ما آلت إليه من إفلاس فكري هو بالأساس يعبر عن قصور ذاتي في المادية الوضعية بداية العالمية الثانية قد تحددت مفاصل قيامها بقيام دولة إسرائيل والتي أنشئت على أنقاض العالمية الأولى والثانية وهو أن العالمية الثانية لا تقوم على النبوءة وإنما على الوعي القرآني المنهجي الذي حملته الرسالة المحمدية. ولقد لخصت سورة الإسراء تاريخ الإنسانية، حيث إنها نبهت إلى دورتي العلو والسقوط في التجربة الإسرائيلية، وقد صاحبت دورة العلو الأولى التي تبلورت فيها الدولة القومية على يد موسى عليه السلام، وبلغت قمة التمكين فيها في ملك داود وسليمان كنموذج ديني مقابل لدولة الاستكبار القومي التي قادها الفراعنة المصريون، وحينما جاءت العالمية الأولى والتي ورثت التجارب الروحية والفكرية الحضارية للأنبياء الأربعة والعشرون، بالإضافة إلى تجربة خاتم النبيين في المحيط الحضاري للعالم القديم، وصارت اللغة العربية وعقيدة التوحيد هي الناظم الذي يجمع تلك الشعوب المتعدد في إطار واحد، وكان ما كان من أمر سيادة هذه العالمية الأولى والمنجزات الحضارية التي أخرجتها للإنسانية، ثم وقع الأمر كما صورته سورة الإسراء بقيام دولة إسرائيل وإخراج الإنسانية من مأزقها المعرفي.
فالقرآن بهذه الكيفية هو المعادل الموضوعي للكون، وبناء القرآن اللغوي يعادل بناء الكون الطبيعي، وفهم هذه الجدلية لا يتم إلا بالوعي بمنهجية القرآن المعرفية القائمة على الدمج بين القراءتين، تلك هي معالم الأطروحة الأساسية التي أنجز معالمها وبيّن جزئيات مفاصلها حاج حمد في كتاب العالمية الثانية، فالهم المنهجي الفكري هو محوره الأساسي والعمل على فهم الكيفيات التي يمكن أن تتحقق بها النهضة العربية الإسلامية مثل الجانب العملي في مشروعه الفكري الذي يعرض معالمة حاج حمد يجمع بين قضايا اللغة والفن والفكر والتاريخ الديني والسياسي والفلسفة وقضايا النقد السياسي للعلم والماركسية العربية وكيفيات تفسير القرآن في نسيج واحد – بالطبع – ليس ثمة ناظم يجمع بينها سوى حاج حمد وطريقته الفريدة في التحليل والتركيب التأملي والاحتجاج، لكن لما كان السبيل العلمي لدراسته بقصد فهمه والتنبيه على ما بقي من مشروعه الفكري فاعلاً في توجيه الوعي الإنساني وتشكيله يقتضي التوفر على أطروحة واحدة ضمن نظامه الفكري والموسوعي، فإنني أزعم أن دراسته في إطار محاولة إعادة فهم وتقسيم التاريخ الديني للإنسانية تحتل موضعاً مركزياً في أطروحته الفكرية، ويمثل كذلك الجانب الحيوي من مشروعه الفكري أولاً، ثم بيان كيفية صياغته لأشكال النهضة، وأخيراً تقويم جهده العلمي على سبيل بيان ما تبقى فاعلاً وحيوياً من مشروعه الفكري.
2. مصادره الفكرية:
ما من مفكر إلا وتفصح مصادره الفكرية عن طريقته في التفكير وأولوياته في التعبير عن نفسه، ومن ثم فإن التوفر على بيان تلك المصادر والكيفيات التي صيغت بها ضمن أطروحة المؤلف الأساسية تكشف لنا عن معالم طريقته في التفكير والتعبير عن الحركة، والتعبير عنها بكيفية تجد القبول لدى تلك الحركة الفكرية.
والمصادر الفكرية بقدر أنها توفر حصاداً علمياً وفكرياً يتحرك من خلالها، وقدرته على صياغة هموم تلك الحركة، والتعبير عنها بكيفية تجد القبول لدى تلك الحركة الفكرية. والمصادر الفكرية بقدر أنها توفر حصاداً علمياً وفكرياً يتحرك من خلاله المؤلف كقارئ فطن في المستوى الأول هي كذلك المادة الأولية التي يعيد تركيبها حينما ينتهض ليأخذ لنفسه موقف المؤلف، وموقف المؤلف يعبّر عن هم علمي أملاه الواقع العلمي، ونجحت المصادر الفكرية في التعبير عنه بسبيل يفصح عن قصور ذاتي ينصب المؤلف نفسه رائداً لتجاوز ذلك القصور الذاتي، فالتأليف من خلال المصادر الفكرية يعني أهمية اكتشاف ذلك القصور الذاتي وصياغته في شكل معضلة فكرية أو على أحسن الأحوال على هيئة إشكالية فكرية.
يبدو لأول وهلة أن اكتشاف المصادر الفكرية أمر في غاية السهولة واليسر، إذ أن طرائق الكتابة المعاصرة تقتضي الإشارة إلى الدراسات السابقة ونقدها في شكل مقالة تتيح للقارئ أن يكتشف مسوغات هذه الدراسة الجديدة، لكننا لابد وأن نؤكد أن تلك الطريقة في الكتابة العلمية لا تفي بالغرض الذي نبتغيه من تركيزنا على أهمية المصادر الفكرية، فهي بهذا المعنى ليست فقط الدراسات السابقة التي أشار إليها المؤلف أو عمل على نقدها وتطويرها صراحة أو ضمناً، وإنما يضاف إلى ذلك ما سكت عنه المؤلف وأراد أن يقنع القارئ بعدم أهميته، وربما اتخذ في سكوته واعراضه منحىً استراتيجياً، بالطبع يستطيع القارئ الفطن أن ينفذ إلى ذلك المستوى ويبيّن موضع ذلك السكوت الاستراتيجي من أطروحة المؤلف الأساسية. فإن كان الحال كذلك فإن المصادر الفكرية يكون لها وضعية مركزية في فهم وتقويم المؤلف وإدراك أبعاد إعادة تركيبه لمصادره الفكرية، وبهذه الطريقة في إعادة اكتشاف المصادر المعلن منها وذلك الذي سكت عنه تستطيع أن تتحاور معه فيما يريد أن يقول وترك أمارات واضحة في قوله لا تحتاج منا إلى عناء وتأويل، وأن تحاوره كذلك فيما قصر عن بيانه وترك لنا الحبل في اتخاذ ما نريد من تأويلات، لكنه في ذات الوقت قد وضع إمارات خفية بإمساكها يتحول التأويل إلى تفسير متقن المعالم، وبلوغ درجة الإلمام لا يتأتى إلا لمن استطاع أن يدرك مستوى المصادر الفكرية للمؤلف.
الوضع النظري السابق له مميزات عديدة لإعادة وتقويم محاولة حاج حمد في إعادة قراءة تاريخ الإنسانية الديني وفق مبدأ قسمة التاريخ الديني للنبوة الخاتمة لعالميتين، لعل أكثرها بداهة وأولوية هو أن طبيعة أطروحته الأساسية تدعو للتأمل فيما أشار إليه بصورة عابرة من المصادر، وما سكت عنه ضمناً، على الرغم من ذلك الحضور الطاغي في اتجاهه في التحليل والتركيب لذلك المسكوت عنه، ولعل طبيعة النهج التأملي الذي توخاه حاج حمد هو وراء ذلك السبيل في بناء أطروحته، ومن ثم فإن إشارته العابرة لكلٍّ من سيد قطب ومحمود محمد طه تجعل لهما وضعاً مميزاً في طريقته في التحليل والفهم، وأن النعت الذي وصف به سيد قطب والطريقة التي أشار بها إلى محمود محمد طه تقع في دائرة ما وصفناه بالمسكوت عنه في نص حاج حمد، وسنكتفي بهذين المثالين للقيمة العلمية الفائقة لأيٍّ منهما في بيان المراد.
من الأسباب التي تدعونا إلى اتخاذ هذه الطريقة في النظر إلى أطروحة العالمية الثانية، أن صميم الأطروحة قائم على نهج تأويلي تأملي لا يخضع لكثير من استراتيجيات فهم النصوص التي استقرت عند علماء المسلمين، ولا يلتزم بالقواعد المرعية في فهم لغة العرب، ولكنه كذلك لا يقع في دائرة التأويل التأملية التي حاول بيان معالمها في تحليله ،تلتزم ببعض القواعد المرعية، لكنها تتخذ طريقاً جديداً في التأويل ينبني على إستراتيجية في فهم النص، مفادها أن القرآن ببنائه اللغوي معادل موضوعي للكون، ولذلك فإن السبيل القويم في فهمه هو محاولة اتخاذ نهج تأويلي يتبنى تلك الآليات في فهم النص، كما أقنع صاحبه أن يفهم، ومن ثم يقع التقويم بصورة هي أكثر موضوعية وحيدة ما لو أننا أردنا إسقاط أفهامنا على نصه، ثم قمنا بتقويمه على أساس ذلك الإسقاط، فنكون كمن أخطأ في الفهم أولاً ،وقادة ذلك الخطأ إلى خطأ مركب في التقويم، ومن ثم لا فائدة في تقويمه، ولا سبيل له من أن يمسك بدعوى إعادة النظر فيما قام به المؤلف.
ومن بداهة القول أن إمكانية أحداث حوار خلاق ومفيد مع تراث المؤلف وفق هذا النهج هو ضرب في عماية، ولما كنا نرى أن قرطسة الهدف الذي نصبو إليه تقع بالكيفية التي بيّناها، فإن الحوار الذي ستنعقد أواصره بين فهمنا وتقويمنا لنص حاج حمد، ومن ثم استخلاص معاني تجيب على سؤال ماذا بقي منه فاعلاً وحيوياً في حراكنا الثقافي والديني سيكون أكثر فائدة في شأن الفهم والتقويم، وما يترتب عليهما من حوار خلاّق يقود إلى خلاصات تجعل لأبي القاسم حاج حمد حضوراً معنوياً يفي بغرض استمرارية الحركة الفكرية في الحضارة العربية الإسلامية، وخصوصيات الدائرة المتعلقة بالسودان.
لابد من القول كذلك بأن الكتابين الأساسيين له هما: (السودان المأزق التاريخي وآفاق المستقبل) وكتاب (العالمية الثانية)، فقد انتقل حاج حمد في مشروعه الفكري من نقاش قضايا التشكيل التاريخي للإسلام والعروبة في نطاق الإنسانية وتاريخها الديني. ولا شك أن الحضور الفكري والثقافي الذي حصله في خارج السودان أوفر حظاً مما وقع له في السودان، لكن ذلك ليس عيباً فيه ولا في طريقة تفكيره، وإنما يعزى ذلك الخمول النسبي إلى إن أطروحة العالمية الثانية وما تبعها وترتب عليها بصورة مثيرة من جدل حول منهجية القرآن المعرفية اتخذ آفاقاً جدّ مفيدة في تطوير مفعولات الفكر الإسلامي المعاصر، ودفعها باتجاهات أكثر حيوية وثراء. ومن ثم لابد من النظر في مصادره الفكرية في هذا الإطار الواسع الذي جعل من خصوصيات التشكل الحضاري للعروبة والإسلام في السودان مدخلاً لفهم قضايا النهضة العربية في أفقها الإنساني الواسع، وترتب على ذلك النظر الفسيح لدى حاج حمد العمل على طرح العالمية الثانية كبديل للحضارة الأوروبية التي تدعي عالمية تفتقر خاصية الشمول الإنساني، وتنتقص من الإنسان موضعه المميز بين جدل الغيب والطبيعة، وبسبب ماديتها وفلسفتها الوضعية صار "لاهوت الأرض" هو قمة وعيها الإنساني.
فالمركزية الأوروبية الشاملة أدخلت الحضارة الغربية في مأزق جعلها تفقد زمام المبادرة، بالرغم من منجزاتها الحضارية الماثلة للعيان، وأسهمت تلك الحضارة في قيام دولة إسرائيل، والتي هي حسب تحليل حاج حمد تمثّل الخط الفاصل بين نهاية العالمية الأولى وبداية العالمية الثانية. ولا شك أن هذه المحاور التي اتخذها اقتضت نظراً تأملياً في مآلات الحضارة الإنسانية، ومحاولة فهم دينميات التطور والتشكل فيها، ومن ثم تتسع المصادر الفكرية لديه بصورة تصعب على الحصر.
ليس من سبيل لإنكار القول: بأنه قد اعتمد وبصورة واضحة على الترجمات العربية، ولم يرجع إلى مؤلفات باللغة الأوروبية إلا كتاباً واحداً Josef R. Royce لكن ثقافته الموسوعية وفهمه العميق لقضايا الحضارة الأوروبية في مستوى العلم والفلسفة والفن والتاريخ تجعلنا نؤكد على أن الذي سكت عنه في مصادره الفكرية أضعاف مضاعفة مما تولى ذكره صراحة، ولعل طبيعة الفكر والمنهج التأملي تقتضي نقل القرارات الفكرية خلال فترات طويلة من التدبر في بطون المؤلفات في شكل عصارة فكرية تأملية، بمبدأ كيفية الصياغة وبيان أساس التركيب الجديد، ومن ثم فإن الوضع النظري الذي انتهجناه أكثر فائدة وأبلغ غاية في تحقيق المطلوب.
لقد بيّن حاج حمد فيما أسماه "تقدمة" كمقدمة لكتاب العالمية الثانية - والتي يبدو أنه قد كتبها بعد تأليف الكتاب خلال وجوده في دولة الإمارات المتحدة – القضية المنهجية التي سيعالجها وهي جدلية الغيب والطبيعة، لكنه لن يناقشها بحسبانها قضية فلسفية محصة وإنما سيتولى تطبيق ذلك على التاريخ العربي الإسلامي من خلال القرآن الكريم.
يبدو كذلك من خلال السنوات الأربع التي كتب فيها العالمية الثانية قد حدثت تحولات عميقة في المنطقة، منها اتفاقية كامب ديفيد، واندلاع الثورة الإيرانية، وليس من قبيل الصدفة أن يكون أول من يرجع إليهم في تقدمة كتابه هو سيد علي جوادي، وينبهنا إلى أنه قد استفاد من نقاشات مفيدة مع العاملين بوزارة الخارجية في دولة الإمارات. ثم إن الدكتور رضوان السيد قد قرأ مخطوطة الكتاب، واقترح بعض الملحوظات القيمة، كل هذه الإشارات تفصح عن الحيز الثقافي الذي كان يتحرك فيه المؤلف، وأقل ما يمكن أن يوصف بها هو أن أطروحات رضوان السيد في فهم وتقويم التراث العربي الإسلامي لم تكن غائبة عنه. وكذلك أجواء الصراع الثقافي والديني بين الماركسية العرب والعلمانيين الليبراليين من جهة، وبين دعاة "العصرية" والسلفيين والأطروحات المختلفة في فهم وتقويم التراث التي أنتجها ذلك الحراك الثقافي والفكري، انعكست في المصادر التي اتخذها للتعبير عن المشاريع الفكرية المفارقة لطرحه لقضايا النهضة العربية الإسلامية، لذلك جاء بأطروحات صادق جلال العظم في نقد الفكر الديني، وعبد الله العروي في نقد الأيديولوجية العربية، ثم الجدل الذي أثاره صادق جلال العظم والردود التي قام بها السلفيون وغيرهم لنقض مقولته.
ثم انتقل إلى قضية الدين والعلم، وأطروحة مصطفى محمود في فهمه العصري للقرآن الكريم على يد الدكتور عاطف أحمد، ثم يختتم الجدل حول العلم والدين بالنظر في محاولة الدكتور خليل أحمد خليل في كتابه جدلية القرآن، ويفرد له مساحة معتبرة، ويفتتح استعراض رأيه قائلاً: "هذا الرجل يبدو في دراسته مؤمن القلب ولكن بعقل ماركسي"، ويبدو واضحاً أن تحولات الفكر الإسلامي في مواجهة العلمانية الأوروبية التي اتخذت الدين خصماً للعلم التجريبي لم ترق لحاج حمد، فتولى نقدها وتمحيصها وبيان مواضع الخلل في أطروحات أولئك الذين اتخذوا التفسير العصري للقرآن مخرجاً، وأولئك الذين تمسكوا بتلابيب القديم وعكفوا عليه، وأولئك الذين تولوا كبر اتخاذ موقف نقد كلي للتراث الديني. ومثلما تطورت اتجاهات وجودية في الحضارة الغربية كذلك انعكست هذه الاتجاهات في داخل الدائرة العربية الإسلامية حذو الفعل بالفعل.
لأمر ما أراد حاج حمد الربط بين محاولته في النظر إلى مشروع النهضة العربية في إطار جدلية الغيب والطبيعة، وبين أطروحة د. خليل، فأفرد لها مساحة أكبر من غيرها من المحاولات، واستخدم بعضاً من أجزائها في الرد على المخالفين له، وأبدى كلفاً واضحاً بطريقته في التحليل، وإن لم يتفق معه في النتائج التي توصل إليها.
يسعنا القول: بأنه رأي فيه بداية طيبة للتعبير عما أراد الذهاب إليه في أطروحة العالمية الثانية، من خلال استعراضه للدراسات السابقة في اتجاهات فهم القرآن والإجابة على سؤال النهضة العربية، وقد تابع الاستئناس بكتاب د. خليل. قال: "ذهب الدكتور خليل إلى مكة يحمل معه ثلاثين مرجعاً عربياً، واثنين وعشرين مرجعاً فرنسياً ،وبشكل جدلي دمج القرآن في الواقع والواقع في القرآن" ص 29، ثم يمضي في الإشارة إلى مقتطفات من كتاب د. خليل ليبني أبعاد منهجه في جدلية القرآن، ويعلق عليها بإسهاب لبيان مواضع الاتفاق والخلاف بينه وبين د. خليل، ولابد من القول بأنه لم يفعل ذلك مع إنه ممن أشار إليهم بهذا التفعيل والدقة، وربما نذهب في بادئ الرأي بالقول بسبب أن كتاب د. خليل يحمل عنواناً قريباً من كتابه، لكنه ينبّهنا على الفارق الجوهري بينهما رغم الاتفاق في طرائف التحليل وبعض المبادئ المنهجية قائلاً: من هذه الناحية تعتبر دراسة الدكتور خليل أول محاولة "تحليلية" عربية ضمن المنهج العلمي وفي عصر العلم للقرآن.. ثم يستطرد قائلاً: "وهي محاولة تجد جذوراً لها في آمال الاستشراق الحديث في الغرب لدى أرنولد توينبي "المؤرخ اللا أدري" ولدى علماء الدراسات الدينية المقارنة كـ(ريتشارد بيل) في كتابة (أصول الإسلام في التكوين المسيحي)، مع الفارق – طبعاً – بين الاستشراق الغربي والاغتراب الشرقي "لا يبدو واضحاً ذلك الفارق" ص55، الذي أشار إليه، لكن لنقل إن المراد هو وجود النزعة الإيمانية لدى د. خليل رغم ماركسيته ومحاولته الانتماء للتراث العربي الإسلامي رغم ثقافته الاستشراقية.
لذلك ينتهي به القول إلى وصف محاولة د. خليل "هذه المحاولة يمكن أن تعطي دفعاً حديثاً (علمياً) لمحاولات التأويل للقرآن استناداً إلى نسبية المخاطبة، وتقرير الظرف التاريخي للمحتوى، أي فهم المدلول الديني فهماً (غير مباشر) من خلال جدلية ذات مسرح تاريخي معين، ووعي مفهومي محدد" ص55. فهي لذلك أفضل بكثير – من ناحية منهجية – من تلك الأطروحات التي لم تراع هذا الموقف المنهجي العلمي – حسب رأي حاج حمد – ولذلك نبهنا إلى نتيجة ذلك هي (ومن ثم النزول بالنتائج إلى بيئة العصر، عوضاً عن التوفيق القسري لبعض الآيات مع وعي العصر المفهومي، وعوضاً عن التركيز على الرمزية بشكل مبالغ فيه. فالأستخدام الرمزي للقرآن من شأنه أن يعود إلى معاني مفارقة باستخدام مناهج متباينة).
هذا النص له قيمة خاصة علاوة على أنه بيان لمواضع الاتفاق بينه وبين د. خليل، إذ أنه قد نبّهنا على أهمية الاعتماد على معنى موضوعي وعدم الإغراق في الرمزية الذاتية التي تفقد النص معناه، وبالتالي يدور المعنى حسب وجهة المتلقي للنص لا حسب مراد المتكلم بالنص، وبتعدد المتلقين تتعدد الأفهام بصورة لا تنضبط، لأن طبيعة الاتجاه الرمزي في فهم النصوص تدعو إلى ذلك. صحيح أن حاج حمد قد رأى في تجربة د. خليل في النظر إلى القرآن شيئاً يستحق الاهتمام والنظر إليها بجدية واستخلاص القيم المنهجية التي اعتمدتها في دراسة القرآن، لكنه في ذات الوقت نبه على أنها من ناحية المواقف العقدية التي تبنى عليها المناهج لم تتجاوز أفق لاهوت الأرض، وبالتالي فقد قصرت عن استيعاب هم جوهري في جدلية الغيب.
إذاً يسعنا القول في شأن المصادر التي تحرك بها حاج حمد هي أنها تلكم المصادر التي وفرتها الكتابات الماركسية العربية في توطين الماركسية في العالم العربي الإسلامي، ومحاولة تحليل ذلك التاريخ واستشراق آفاق المستقبل فيه، وهذه الكتابات وتلك التي عملت على نقد الحضارة الغربية على وجه الإجمال، ونقد الماركسية ذاتها من وجهة نظر الحضارة الغربية، ثم ما خرج به حاج حمد من أن الماركسية ابن شرعي للتطورات المادية والعلمية التي حدثت في الغرب، وأن لاهوت الأرض هو النتيجة المنطقية لتلك الحضارة، ثم قراءات واسعة في الأدب الغربي وفنونه المختلفة، ونظر عميق في الفلسفة الغربية، ومتابعات ما يدور في العالم العربي والإسلامي، إضافة إلى نظرات ثاقبة في التاريخ الإسلامي والتراث الكلامي والفقهي. ولا شك فوق كل ذلك نظر عميق في القرآن الكريم قائم على أساس فهم كل مرامي القرآن ومقاصده، وتتبع لموضوعاته في نسق كلي قائم على أساس مبدأ أن القرآن معادل موضعي للكون، ومن ثم يكون النظر إلى آياته واتساقه التعبيرية وفقاً لذلك المبدأ. ويسعنا الذهاب إلى أن حاج حمد قد أعطى د. خليل وكتابه (جدلية القرآن) وضعاً مركزياً في تحليله وبيانه لمنهجية القرآن المعرفية ومبدأ العالمية الثانية لفهم مسألة النهضة.
وما من أحد يتابع المشهد السياسي والثقافي في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين إلا ويتعجب لذلك السكوت الاستراتيجي عن محاولات فكرية جريئة، وكان لها صدى واسعاً في العالم العربي الإسلامي، أولها كتاب ظلال القرآن لسيد قطب وما تفرع عنه من أبحاث مثل معالم في الطريق، والمستقبل لهذا الدين، وخصائص القصور الإسلامي ومقوماته. ثم مؤلفات محمود محمد طه في الرد على مصطفى محمود في تفسيره العصري، وفي كتابه عن الصلح مع إسرائيل وفهمه للمشكلة الفلسطينية، وأخيراً في كتابه الرسالة الثانية. ولا أحسب أن حاج حمد لم يطلع على هذه المؤلفات، وأنها كذلك لم تثر اهتمامه، وهو قارئ فهم ولا شك أن هذه المؤلفات أثارت اهتمامه، خاصة وأنها تقع في دائرة أطروحة العالمية الثانية التي قد يخطئ الناس في فهمها على أنها الرسالة الثانية لمحمود محمد طه في نسق جديد، وأن حديثه عن المنهج القرآني ونقد الحضارة الغربية وإعلان إفلاسها المنهجي والروحي، وأن مستقبل الإنسانية رهين بالإسلام، والتأكيد على الوحدة العضوية للقرآن وتطوير منهج التصوير الفني للقرآن وتطبيقه بصورة علمية في شكل تفسير موضوعي في مشاهد القيامة، ثم تطبيق ذكر المنهج في تفسير ظلال القرآن في طبعته الأولى في مجلة (المسلمون) ثم الانتقال بمنهج الظلال إلى العمل التحريضي لبناء الدولة الإسلامية، واستئناف الحضارة الإسلامية، والقول بأن القرآن لا يفهم فقط بمعرفة اللغة العربية وقواعدها والمأثور من التفسير، وإنما يجب أن يضيف المفسر إلى عدته القدرة على الحياة في ظلال القرآن والانفعال به، ومن ثم تفتح له كنوز القرآن، ويفهمه كما فهمه الجيل القرآني الذي قاد الإنسانية بالقرآن في تجربة فريدة.
نقول مرة أخرى ما قرر حاج حمد أن يتبع نهج السكوت الاستراتيجي عن هذين المصدرين في تفكيره واهتمامه العلمي، والطريقة التي سوّغ بها موقفه في حق سيد قطب أولاً: بالقول بأنه لم يكن عضواً في أيٍّ من التنظيمات الإسلامية، وبالتالي لم تكن له صلة بجماعة الأخوان المسلمين أو غيرها من حركات التجديد، وأنه لم يدر في فلكهم أو يتأثر بأطروحاتهم في التجديد لعدم جدواها العلمي (لهذا السبب لم أنتمِ لأي من هذه الحركات التي تظل تردد بأن القرآن صالح لكل زمان ومكان ولكنها لم تقل لنا كيف؟ وكم رأيتهم يرفعون المصاحف في وجه خصومهم السياسيين كما رفعها جيش معاوية، ولكنهم كبعض رجال ذلك الجيش في علاقتهم بتلك المصاحف، فما معنى أن نحتكم لكتاب الله ونحن بعد أن نقرأه فلا يتجاوز حناجرنا). ثم يخفض من حدة نقده قائلاً: (لا أريد أن أشير إلى تنظيم معين، فقد قال الله كلمته فيه واندثر في طي النهاية والله يجزي بإحسانه من كان صادقاً منهم وكثير منهم صادقون).
إن الحكم بنهاية هذه الحركات واندثارها ليس صادراً عن خصومه فكرية، ولكنه مقتضى تحليله لواقع العالمية الأولى، فكل هذه الحركات الاصطلاحية والتجديدية تنتمي إلى مرحلة العالمية الأولى، وطالما أن فجر العالمية الثانية قد لاح في الأفق فلا معنى لنقاش أطروحات هذه الحركات، ويبدو ذلك الموقف أكثر وضوحاً في المبحث الذي عقده بعنوان: (لماذا فشلت حركة التجديد؟) ليقول في الإجابة على السؤال خاصة في حق حركة الإخوان دور ورثت حركة الأخوان المسلمين فيما بعد دور هذه القوى التجديدية وقد اتجهت بكل قواها إلى مخاطبة العقلية المتوسطة ضمن نفس الأسلوب التوفيقي الانتقائي، مع الاختلاف البيّن في مصادر التكوين الفكري فبعضهم صوفي تأملي (كسيد قطب)، وبعضهم سلفي كسيد سابق، وبعضهم مدافع بلا هوادة في كل الاتجاهات.
ثم يعلق على منهجية الإخوان في التغيير وأنها لم تتبع الأسلوب "العلمي" مما جعلها تنتمي إلى مخلفات العالمية الإسلامية الأولى، وتقتصر عن اللحاق بركب العالمية الثانية، ولذلك وصفهم بأنهم (فسقط الأخوان كآخر مظهر تجديدي في إطار العالمية الأولى). ورجع بنا القول للوقوف عند وصفه لسيد قطب بأنه "صوفي تأملي"، والذي يقرأ كتاب العالمية الثانية يجده يصف منهجه في الكتاب بأنه منهج تأملي، ومواقفه الكلية بأنها مواقف صوفية، لأن وصفنا حاج حمد بأنه صوفي تأملي فهو ينتمي إلى تلك المدرسة الفكرية، وطالما أنه لم يجعل جماعة الأخوان شيئاً واحداً في حساب المواقف الفكرية وطريقة التعبير عنها رغماً عن أنهم سياسياً ينتمون إلى نفس التنظيم، فهو يفصل بين مناهج تفكيرهم وانتمائهم السياسي. ومن ثم فإن زعمنا أثر سيد قطب عليه لن نجانب الصواب في ذلك، فهو في نقده للتراث الكلامي الإسلامي يتخذ ذات الموقف، وفي دعواه في اتباع منهجية القرآن في الفهم والأداء الحضاري لا يختلف كثيراً، لكن سيد قطب آثر اتباع المأثور من التغيير وتقرير الثوابت الحضاري، وحاج حمد أبعد النجعة في دعواه للعالمية الثانية، والتي اقتضت منه بعض المواقف العلمية من التاريخ الإسلامي تخرجه من دائرة من يلتزمون ثوابت الأمة ويدافعون عنها، وكذا الحال في فهمه للشريعة الإسلامية وكيفيات تطبيقها.
لن نجانب الصواب إذا ذهبنا إلى ذلك الأثر القوي لسيد قطب في تفكيره وتحليله، بل يمكننا القول لو أننا أخرجنا تلك النقاط المثيرة للجدل لكان هذا الكتاب بزخمه الثوري امتداداً لمدرسة سيد قطب في تفسير القرآن وتفعيله في حياة الناس، هذا السكوت الاستراتيجي ربما كانت له مسوغات كما بينّا من قبل، لكن لن يستطيع القارئ أن يفهم كتاب العالمية الثانية على الوجه القويم لو لم يكن له حظاً من ميراث سيد قطب الثقافي والديني، وأثره في توجيه الحركة الفكرية في العالم العربي والإسلامي على وجه العموم.
أما المثال الثاني للسكوت الاستراتيجي، فهو يخص محمود محمد طه. وعلى العكس من سيد قطب، فقد قام حاج حمد بنقده وبيان مفاصل الخلاف بين القول بالرسالة الثانية وأطروحة العالمية الثانية. قد يتعجب البعض لعدم ورود اسم محمود محمد طه، ولكن أشير إليه في حوالي ثلاثة مواضع، اثنان منهما بصورة واضحة، وموضح ثالث بصورة ضمنية.
جاءت الإشارة الأولى ضمن مبحث (الفارق بين التجربتين "العربية واليهودية")، وهي تتحدث عن معنى وراثة الكتاب في الوحي المحمدي ليقول: "فعلاقة من يلي محمداً بالكتاب ولا تكون علاقة نبوة ولا علاقة تجديد ولا علاقة رسالة ثانية ولا ثالثة وإنما علاقة توريث يتفاعل فيها وحي الكتاب مع شخصية العصر، حافظاً لاستمرارية الحكمة والمنهج الإلهي". فهنا يبيّن حاج حمد الفارق الجوهري بين التجربة الدينية اليهودية والتجربة العربية التي ختمها الوحي المحمدي، ومن ثم ختم كل رسالات السماء إلى الأرض، ومن بعد صار معنى الاستمرارية للتجديد الديني متخذاً منهجاً جديداً لم تعرفه التجربة اليهودية، ومن ثم فإن دعوى الرسالة الثانية هي دعوى تخطي فهم منهج التجربة العربية في شكلها الخاتم، صحيح ليست هناك إشارة واضحة لمحمود محمد طه، ولكن إذ ضمت هذه الإشارة مع الإشارة الثانية التي وردت في مبحث "المنهج والعالمية الثانية" حيث مرة أخرى لا يذكر محمود محمد طه بالاسم، ولكن يشير إليه ليبيّن الفرق بين منهج العالمية الثانية والرسالة الثانية قائلاً: (قد أغلق باب النبوة وجفت الصحف ورفعت الأقلام ولم تعد ثمة "رسالة ثانية" كما ادعى بعضهم في باكستان وفي السودان. وإنما عالمية ثانية تأخذ محتواها الجديد، لا من تطبيقات سلفية ومفهوم سلفي، ولكن من تجريد منهجي قرآني يهيمن على معاني التطبيق في المرحلة السابقة، ويحدد الأبعاد الأكثر أصالة للعالمية الثانية".
ثم أخيراً تأتي الإشارة الثالثة ضمن مبحث "الأفق التاريخي الجديد والظاهرة الإسرائيلية" والتي يبدو أنها تتعلق إما بكتاب محمود محمد طه الذي أصدره عشية النكسة 1967م، ودعى فيه الرؤساء العرب للصلح مع إسرائيل، أو ربما هي إشارة إلى الرئيس السادات بعد إبرامه لصلح كامب ديفيد فيما بعد حرب أكتوبر 1973م، وأحسب أنها موجهة إلى محمود محمد طه بسبب أنها تعالج القضية في مستواها المنهجي والتاريخي ولا تعنى كثيراً بالاتجاهات السياسية الآنية قائلاً: "إذن العلاقة العربية الإسرائيلية هي علاقة نفي وتضاد أبدية، ولا تقبل في حتميتها أي توسط أو معالجة. هكذا قدر الله الأمر وأوضحه قرآنياً منذ أن جعل ظاهرتي الوجود العربي والوجود الإسرائيلي متماثلين ومتقابلين". على الرغم من أن الإشارات التي وردت في حق محمود محمد طه تحتوي على نبرة عالية من السخرية وعدم الرغبة في الإشارة بالتعين، إلا أن أطروحة محمود محمد طه حاضرة في نص العالمية الثانية، فقد أخذت منها كثيراً من المعالم، وتبنت بعض خلاصتها العلمية، ولن نخطئ الرمية إن قلنا إن "العالمية الثانية" هي "رسالة ثانية" دون رسول يعلن عنها، لكننا نلاحظ أن حاج حمد قد عمل جاهداً لإخراج أطروحته من ما وقع فيه محمود محمد طه، لتكون دعوى الأخير تقع في دائرة القول الصوفي الشاطح، ومقالة حاج حمد هي مبدأ علمي في التحليل واكتشاف منهجية القرآن المعرفية، لعل من خبر التراث الفكري لمحمود محمد طه في الرسالة الثانية، أو طريق محمد، أو نقد التفسير العصري لمصطفى محمود، أو محاضرته عن الماركسية وغيرها من الرسائل يرى نقاط اتفاق كثيرة، لكن ما عمله حاج حمد في كتابه هو محاولة بيان نقاط الاختلاف الجوهرية بينه وبين محمود محمد طه، دون أن يعطيه ميزة الذكر بالاسم أو التنويه لمؤلفاته، ولعل في ذلك غرض خفي تغاباه حاج حمد وتركة للقارئ الفطن ليفهم تلك السخرية والحدة في التناول في إطار ما أسميناه بالسكوت الاستراتيجي.
لعل القصد الذي أردنا الانتباه إليه باتباع هذا السبيل في الإشارة إلى كلٍّ من سيد قطب ومحمود محمد طه، لعل الإجابة الأولية تتعلق بأن الفارق الجوهري بين من سكت عنهم على الرغم من صلتهم بموضوعه، بينما توسع في ذكر صادق جلال العظم، وأكثر من الإشارة إلى د. خليل أحمد خليل العلمي في التحليل، وإن انبنت على مبادئ علمانية، فهي قد توفرت على قدر من الموضوعية جعل حاج حمد يوليها تلك العناية الخاصة، وهي من ثم تمثل النقيضين "العلمي والعملي" للعالمية الثانية.
أما كتابات سيد قطب ومحمود محمد طه فهي تنتمي إلى ميراث نهايات العالمية الأولى، ربما يعتقد البعض أن لفظ "العلمية" ليس إلا سلاحاً أيدلوجياً يستخدم ضد الخصوم، كما فعل الكتّاب الماركسيون وماركس نفسه إزاء الكتابات الاشتراكية التي لا تتبنى النهج الماركسي، فصارت الاشتراكية العلمية في شكلها الماركسي هي الوحيدة الجدير بصفة "العلمية".
3/ كيفية صياغة أشكال النهضة:
حاج حمد هو أول من يثير الانتباه لتلك المسلمات التي تحرك من خلالها لصياغة سؤال النهضة ومحاولة الإجابة عليه. ولعل من أهم تنبيه المسلمات هو تنبيه لتقسيم مراحل العقل الإنساني إلى ثلاث مراحل، أولها العقل الإحيائي، ثم العقل الطبيعي، ثم العقل العلمي، وارتباط قيام العالمية الثانية بقيام دولة إسرائيل، وأخيراً مبدأ العالمية الثانية نفسه. اتخذه حاج حمد كواحدة من تلك المسلمات التي لا تحتاج إلى إثبات وإن عرضها بهذه الكيفية لا يعني مصادرة المطلوب، فلنقم باستعراض معالم كل واحد من هذه المسلمات على حدة، ثم نبيّن من بعد ذلك كيف استخدم هذه المسلمات في صياغة سؤال النهضة، ومن ثم اقتراح حل للمشكل العربي الإسلامي في إطار الحضارة الإنسانية العالمية والذي يقوم على مبدأ العالمية الثانية في إعادة تقسيم التاريخ الديني للإنسانية.
عليه الرؤية الكلية التي يقترحها لإعادة تقسيم التاريخ الإنساني الديني، تحل إشكالية النهضة العربية الإسلامية وفق إطار إنساني شامل يتخذ فيه العرب المسلمون مركز الصدارة، ولكنه بذلك يقوم على اكتشاف منهجية القرآن المعرفية، وبسبب تداخل هذه القضايا وارتباطها ببعضها البعض يجد القارئ لكتاب (العالمية الثانية) تكراراً للقضايا، إن لم يمعن النظر لحسب أن ذلك من فضول القول الذي يقع ممن لا يحسن التعبير عن ما في دخيلته، لكن الأمر ليس كذلك بل يمكننا القول أن صاحب (العالمية الثانية) قد بلغ قدراً عالياً في مقولاته الخطابية التركيبية من الإبانة.
ضمن تحريره لمبحث "منهجنا والعالمية الجديدة" ذكر أهمية هذه القسمة الثلاثية في التحليل، لكنه قدم بعض التعديلات التي حسبها جوهرية، ولكنني أرى أنها من باب التعديلات التي تقبل الإطار العام وتعيد تنظيم مفرداته وفق حاجيات جديدة، ولا تمس بأي حال من الأحوال الأصول الأساسية، لكن المثير للدهشة حقاً هو أن مبدأ العلمية هو الذي حدا به لقبول هذه القسمة الثلاثية للعقل، ومحاولة تعديلها في إطار منهجية القرآن المعرفية قائلاً: (في عصرنا الراهن تعتبر مسألة تحديد طبيعة المنهج التحليلي من أهم المسائل المطروحة، وقد ضاعفت الحضارة الأوروبية حساسية الأمر بنقدها المتوالي عبر تطوراتها التاريخية للأشكال السابقة من التفكير البشري) ليحدد صرامة تلك المراحل، فانتقد العقل "الطبيعي" مفهوميات العقل "الإيحائي" الخرافي ثم قفز إلى العقل "العلمي" في مرحلة متقدمة كاشفاً عن عيوب العقل الطبيعي ومفهومايته ومقولاته "ليصل إلى نتيجة مفادها": بذلك أصبحت معركة المنهج تطغى على تصنيفات البحوث نفسها، ليعتبر المنهج عنواناً ومقدمة لطبيعة البحث نفسه "فمن ثم يجد نفسه مطالباً ببيان المنهجية التي سيسلكها للاحتجاج لأطروحته قائلاً: "إن منهجنا وبلا أدنى شك يعتمد على نوع من الحكمة التأملية التي تربط بين قدرات العقل الذاتية باعتباره جملة وعي حساس، وبين مكنونات القرآن باعتباره الوعي المعادل للحركة الكونية في صدوره عن الله" ويذهب بتفصيل أكثر لتوضيح مقتضيات هذا الموقف المنهجي في تعديل فهمه للاتجاهات التي تلبس بها العقل الإنساني في مراحله الثلاث قائلاً: (نحن – إذن لسنا مع مبادئ العقل الطبيعي، كذلك لسنا مع العقل المجرد ضمن الاتجاهات الوضعية الضيقة، وإنما نؤمن بدمج القدرات العقلية جملة من الوعي الهائل بوعي الكتاب الكوني تلمساً لإدراك الأمور ضمن حقائقها وعلاقاتها).
قد تبدو هذه المقالة مما يقع في خانة الحالة الشاعرية الفائقة، أكثر من كونها احتجاجاً عقلياً، لكن من خبر طريقة حاج حمد في هذا الصدد، خاصة حينما يتعلق الأمر بمواقفه المبدئية، تبدو تلك الشاعرية الطاغية في طريقة احتجاجه، لكن ذلك لا يقلل من قيمتها الموضوعية، بل على العكس من ذلك قد يضفي عليها نوعاً من الحماسة والانتماء لما يريد أن يعلق بذهن القارئ.
لقد احتلت مسلمة العالمية الثانية وضعاً محورياً في أطروحة حاج حمد، ربما يكون القول فيها أنها مجرد مسلمة، بل يكون أكثر من ذلك حين نرى أنا تنتج عن اكتشاف منهجية القرآن المعرفية، وهي علاوة على ذلك المسلمة التي تلتقي عندها كل المسلمات الأخرى، ويبدأ بها التحليل وتنتهي عندها النتائج الرئيسة. ولذلك بدلاً من أن يخضعها للتحليل والنقد اتخذها مسلّمة أساسية في احتجاجه وفي نقده لقضايا التاريخ الديني والسياسي ومسائل التجديد وقضايا المستقبل ومآلات الإنسانية.
إن النقد الجوهري للحضارة الأوروبية الراهنة – حسب رأي حاج حمد – يكمن في ذهولها عن منهجية القرآن المعرفية التي تقوم على الدمج بين قراءة الكون والوحي، والبديل الحضاري الذي هو نقيض هذه الحضارة الأوروبية، ينتهض من أعماله لمنهجية القرآن المعرفية، فالإنسان بوعيه الكوني هو الرابط بين جدلية الغيب والطبيعة، وتحويل الإنسان إلى شيء من أشياء الطبيعة، وهو بالجملة إسقاط لجدلية الغيب من المعادلة. وإنسان العالمية الثانية وحده هو القادر على إحداث ذلك الدمج بين القراءتين، وإحداث حضارة قائمة على السلام لا على الصراع، ومن ثم تحل مشكلة المنهج في الحضارة الغربية وتخرج الإنسانية من مأزقها المعرفي، وتستشرف معنى العالمية الإنسانية الحقة التي تحقق السلام العالمي الذي عجزت الحضارة الأوروبية "التي تدعي العالمية" بسبب ذهولها عن المنهج الصحيح وقيامها على أساس الصراع.
ولعل المباحث التي عقدها فيما أسماه (الجزء الرابع) والذي أعطاه عنوان (باتجاه العالمية الثانية) تتبين فيه معالم هذه المسلمة على وجه الخصوص في مباحث "مقدمات على طريق العالمية الثانية"، وكذلك مبحث "خصائص العالمية الثانية". وإذا أخذنا واحدة من القضايا التي أولاها اعتباراً خاصاً هو التميز بين منهج العالمية الثانية والماركسية قائلاً أما الفارق بيننا وبينهم، أي بين المنهج القرآني لفهم مدلولات الحركة، وبين المنهج الماركسي، فيكمن في طبيعة فهمنا للظواهر الطبيعية كظواهر ذات محتوى إنساني كوني في إطار مقوماتها الطبيعية، وأن العلاقة الكلية التي تربط ما بين مجموعة الظواهر في سياق الحركة العامة هي علاقة كونية وليست بشرية، وأنها لا تقبل المصادفة ولكن التقدير الإلهي الذي ينفذ إلى كل التفاصيل في حياة الشعوب من خصوصيتها وموقعها إلى تركيبها واتجاهات حركتها، تلك إذاً العلاقة الفاصلة بين منهج الماركسية ومنهجية القرآن المعرفية، فالطريقة التي يحتج بها هي أشبه بالتقريرية، ربما بسبب أنه أراد أن يتخذ مما اعتقد أنه من مسلمات القرآن، مسلمات له لكن على سبيل الالتفات لبيان العلاقة الدقيقة على طريقة الفكر التأملي تجد بعض الملحوظات الجوانية، لكنها في مجملها لا ترقى – بالطبع – إلى طريقة الاحتجاج البرهاني.
وإذا انتقلنا للمبحث الذي عقده لبيان خصائص العالمية الإسلامية الثانية، يسترعي انتباهنا افتتاحية ذلك المبحث، والتي تأخذ قضية عودة بني إسرائيل إلى فلسطين كنقطة ارتكاز معطاة بسببها تنعقد الدلالات الأخرى في التحليل قائلاً (قد قضى الله أن تنتهي العالمية الإسلامية الأولى بعودة بني إسرائيل إلى فلسطين "المسجد الأقصى" وإنشائهم لدولتهم، وأمدهم الله كما قضى بأموال وبنين تتدفق عليهم من أرجاء كثيرة من العالم، وجعلهم أكثر نفيراً. ويبيّن لنا كيف أن قيام دولة إسرائيل كان إيذاناً بانتهاء دورة حضارية في المنطقة، ومن مظاهر انتهاء العالمية الإسلامية الأولى هي التحول نحو البدائل الوضعية والارتداد نحو الإقليمية وعناصر الانقسام داخل الأمة العربية، ثم محاولة إحياء الأصول الحضارية السابقة على الإسلام.
وللتدليل على ذلك ذكرنا حاج حمد: "كل هذه المظاهر ذات علاقات جدلية متفاعلة باتجاه الهزيمة الكبرى، فليس غريباً إذن أن يعلن الرئيس المصري برنامج للصلح مع إسرائيل وهو يخاطب الصحفيين مشيداً بحضارة مصر الضاربة في الجذور، ومتخذاً من الأهرامات الثلاثة خلفية لمظهره التلفزيوني". إذاً ليس عجباً أن تتداخل مسلمة العالمية الثانية مع رصيفتها قيام دولة إسرائيل ونهاية العالمية الأولى باكتشاف منهجية القرآن المعرفية، وليس ذلك بأية حال من الأحوال – على سبيل الاحتجاج الدائري، ولكنه يبيّن لنا الترابط في أطروحته، مما جعله يتخذ ما يحب أن يكون موضعاً للتدليل مقدمة أساسية في الاحتجاج.
لا شك أن النظر في كتاب العالمية الثانية – يحسب أن قيام دولة إسرائيل واحدة من المسلمات الجوهرية بسبب التحليل المستفيض للتجربة الإسرائيلية في التاريخ الديني للإنسانية، وإعطائهم وضعاً مركزياً في تطور تجارب البشرية، فإن كانت التجربة الإنسانية قد بدأت بمرحلة الفردية ثم انتقلت إلى مرحلة القومية، فإن تجربة بني إسرائيل قد لقيت عناية فائقة من القرآن – حسب رأي حاج حمد – ولذلك تولى دراستها بالتفصيل في تتبع دقيق لآي القرآن، ابتداءً بسورة البقرة ومروراً بالسور الأخرى مع التركيز على سورة الإسراء وسورتي النحل والكهف لاستنتاج نموذج ديني لمرحلة الدولة القومية، والتي تكون فيه دولة بني إسرائيل بمراحلها في التكوين على يد موسى، وفي العلو على يد داؤد وسليمان نموذجاً نقيضاً للدولة الفرعونية.
وقد تقرر – حسب رأي حاج حمد – في الدولة الإسرائيلية مبدأ الحكم بالحق: "والحق ليس هو التشريع وإنما مصدر التشريع أي أن يكون هذا المصدر قائماً في نفوسنا ليأتي تطبيقاً للتشريع على نسق الحكمة القابضة للخلق الكوني". ويرتب حاج حمد على هذا المعنى فهماً للعبادة والشريعة مرتبطاً بمنهجية القرآن المعرفية قائلاً: "فالتشريع ليس سوى تجسيد للمنهجية الكونية على مستوى الحياة البشرية في فلكها". فهذه المعاني المتعلقة بين التجربة الإسرائيلية التي تمتد من موسى عليه السلام إلى مجيء المسيح، ثم ختم الوحي الإلهي بالوحي المحمدي، وهذه المقارنات قصد منها إجراء تقابل في التجربتين، بحيث يكون ذلك تمهيداً لاستخلاص معالم العالمية الثانية "طبقاً لمنهجنا فإننا نفسر خلو التجربة المحمدية العربية من الآيات المعجزة برد أصول التجربة إلى (الرحمة الإلهية) في مقابل (الخير العربي) .. هنا يتضح الفارق النوعي في التعامل الإلهي مع تجربة الإيمان العربي، ومع تجربة الإيمان الإسرائيلي، فهو لم يحدث هنا تغييراً ظاهرياً في السنة الكونية، لا في حالة التأييد ولا في حالة العقاب، حتى أن إنزال الملائكة في بدر إلى جانب المسلمين أنفذه الله كحدث غيبي غير مرئي بالنسبة للبشر (إذاً فمحورية قيام دولة بني إسرائيل هي حلقة في سلسلة متلاحقة من المفاهيم والمضامين الدينية، وعدم القدرة على رؤيتها في هذا السياق الذي يجمع بين تاريخ إسرائيل كنموذج ديني للدولة القومية والعالمية الأولى، الديني يتمحور حول إعادة قراءة تاريخ التجربة الإسرائيلية في سياق الفردانية، والدولة القومية قيم العالمية. وهو كذلك يقتضي النظر في آيات القرآن الكريم وفق متوازيات بين التجربتين الإسرائيلية والمحمدية في عالميتها الأولى، ويقتضي أكثر من ذلك إعادة قراءة السيرة النبوية وفقاً لمنهج الجمع بين القراءتين، والذي يجعل من الغيب مقدمة تفسيرية ضرورية لذلك التاريخ، ومن ثم لابد من إعادة كتابة السيرة وفقاً لذلك النهج الذي حاول حاج حمد بيان معالمه. ولا تقف إعادة قراءة التجربتين عن طريق التوازي بينهما لإثبات أن ما حدث في تاريخ بني إسرائيل بين موسى وسليمان تحقق في مدى التجربة النبوية المحمدية، الذي أخرجه القرآن من فرديته إلى عالمية حبه، وبيّن مفاصل التجربة الدينية.
وفقاً لمنهج القرآن الكريم في الدمج بين القراءتين أقول إنه قد اقترح قراءة أعمق من مراحل الفردية الآدمية والقومية الإسرائيلية والعالمية الأولى، ثم قيام دولة بني إسرائيل كفاتحة للعالمية الثانية، والتي هي خاتمة التاريخ الإنساني حيث يبيّن كيف أن العالمية الثانية هي قمة التطور الروحي لدى البشرية، ليس بسبب الأفضلية ولكن بسبب شروط العصر القائمة على "المنهجية". ويؤكد هذا المعنى حاج حمد قائلاً: "إذن منهجيتنا هي منهجية القرآن التي نشأت منها التجربة المحمدية العربية، ولا ندعي أن ثمة جديد يضاف، سوى محاولة الوعي بالقرآن في إطاره المنهجي الكلي على نحو كوني شامل، بوصفه معادلاً للحركة الكونية وكل دلالاتها.. ولا يعود الأمر لنقص فهم وكمال فينا، وإنما يعود لطبيعة مقومات تجربتهم وخصائص تكوينهم التاريخي والاجتماعي "كفاتحة لعالمية إنسانية تنتهي عند قيام دولة إسرائيل الثانية حسب نبؤة سورة الإسراء، والتي عهد لقيام العالمية الثانية على أساس منهجية القرآن المعرفية، ولتحقيق السلام العالمي وإخراج الإنسانية من دورة الصراع والمناهج الوضعية المادية التي تسقط الغيب في جدليتها.
من كل ما ذكر نخلص إلى أن حاج حمد في إطار المسلمات مع بعضها البعض بدأ سؤال النهضة مرتبطاً بمآلات تاريخ العرب في ارتباطه بالعالمية الأولى، وبدأ بسبب اكتشاف فُهمت الدراسة على أساسه إشارة سورة الإسراء أن سؤال النهضة قائم على إنجاز فهم للقرآن في مستوى منهجية القرآن المعرفية، وإنجاز قاموس لساني للقرآن، حيث إن بناء القرآن اللغوي معادل للكون ولا يجدي فيه النظر التجريبي أو الخطأ القائم على تحنيط اللغة القرآنية في قواميس تخل بفهم معاني القرآن الكريم، وفي كل ذلك يريد حاج حمد أن يرتفع العرب المسلمون إلى مستوى منهجية القرآن المعرفية وهم يستشرفون بداياتها، ومن ثم فإن إعادة قراءة التاريخ الديني للإنسانية ليس فيه توفير حل لمعضلة النهضة لدى العرب المسلمين، وإنما به تحل مشكلة الإنسانية في مستوى العالمية الثانية.
4/ تقديم مشروعه الفكري:
لابد من القول بأن تقديم مشروعه الفكري هو بالأساس النظر إلى ما بقي فاعلاً في حركة الفكر من بعده، ولا يمتري بأن أطروحة منهجية القرآن المعرفية قد أثارت جدلاً علمياً كبيراً لم يتح لأية أطروحة مماثلة من هذا الجدل الشرس في تاريخنا الفكري المعاصر. وحينما عقد المعهد العالمي للفكر الإسلامي ندوته الشهيرة لتقويم كتاب (منهجية القرآن المعرفية) قبل طبعه، بدأ واضحاً أن الأطروحة في صميمها لا غبار عليها، بل إنها أداة للتحليل في غاية الفائدة، وأنها ستعطي مشروع إسلامية المعرفة زخماً معرفياً مرتبطاً بالقرآن الكريم، فحينما اعترض على الأطروحة د. محمد عمارة لم يعترض عليها كأداة للتحيل العلمي، وإنما اعترض على الترتيبات العلمية والخلاصات التي استنتجها حاج حمد، خاصة حينما تستخدم كأداة في إطار ملحمة العالمية الثانية، ولذلك لم يستطع المعهد العالمي للفكر الإسلامي طبع الكتاب وتبنيه في السلسلة المنهجية أو غيرها، وقام الشيخ طه جابر العلواني بتجديد الأطروحة وإعادة صياغتها في إطار مدرسة سيد قطب في التفسير، وطبعت بعنوان منهجية القرآن المعرفية، وتلقتها الحركة الفكرية الدائرة حول فكر المعهد بالقبول، لكن حاج حمد قام بنشرها كما هي نشراً خاصاً به، وعليه إن اتخذنا النقاش الذي دار حول الكتاب (منهجية القرآن المعرفية) في ندوة القاهرة نجد أن الأطروحة هي من أميز ما أنتجته الحركة العلمية في القرن العشرين، وإنها ستستمر في توجيه وتحريك حركة الفكر الإسلامي وشحذ همم قادة الرأي لإنجاز النظام المعرفي الإسلامي، وفقاً لتلك المنهجية وللانتفاع بالنقاش الدائر إلى مصاف الإنسانية لتقديم حلول لمأزقها المعرفي.
وكما أفضى بنا النقاش في شأن مصادر حاج حمد من أن أطروحة منهجية القرآن المعرفية هي في الأساس امتداد لمدرسة سيد قطب في التفسير، وإنها في هذا الإطار تضمن استمرارية الفكر الإسلامي الذي لا يصادق ثوابت الأمة العقدية والفكرية، ولكنها حينما تخرج عن فكر المدرسة يبدو واضحاً الانقسامات التي ستحدثها، وليس تجربة ندوة القاهرة إلا واحدة من تلك المنتديات، وليس معنى ربط منهجية القرآن المعرفية التقليل من جهد حاج حمد العلمي، بل والحق يقال إن حديث سيد قطب المتكرر عن منهج القرآن لم يكن سوى مجرد شعار كان ينتظر من يقوم بصياغته من ناحية منهجية، وذلك ما فعله حاج حمد، فتجاوز به الأفق المعرفي الذي نادي به سيد قطب، وهو كذلك قد استفاد كثيراً من محمود محمد طه، وإخراج أفكاره من صوفيتها الشاطحة.
لابد في الختام من القول بأن كتاب (العالمية الثانية) لابد وأن يقرأ مع كتاب (السودان المأزق التاريخي وآفاق المستقبل)، فمستقبل السودان الحقيقي المرتبط بمستقبل العروبة والإسلام – مرتبط بآفاق أطروحة العالمية الثانية.

Post: #885
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-08-2008, 03:29 PM
Parent: #884


السودان القديم والسودان الجديد !!(4-4)
د.عمر القراي

في الحلقات السابقة من هذا المقال ، تعرضنا لتصور الاستاذ محمود للسودان القديم ، وكيفية تجاوزه لتحقيق السودان الجديد ، وتصور د. جون قرنق للسودان القديم ، وطرحه لمشروع السودان الجديد. ثم ما اتفق عليه المفكران، من ان أهم مشاكلنا السياسية ، التي كرست السودان القديم هي دعاوى تطبيق الشريعة .. واهم ما يميز السودان الجديد ، فكرة الوحدة القائمة على تحقيق السلام والمساواة التامة على اساس المواطنة بين جميع السودانيين .. من أجل كل ذلك ، فاني ادعو الى قيام جبهة شعبية عريضة ، من اجل الحفاظ على السلام ، وترسيخ الديمقراطية ، واشاعة مبادئ حقوق الانسان . هذا اقل واجب ، تجاه وطننا ، وتجاه اخواننا في الجنوب ، يعينهم على اتخاذ قرار الوحدة في اطار السودان الجديد ، الذي يمكن بالمحافظة على المبادئ ، ان يضع قدمه على الطريق الصاعد ، الى مشارف الحرية ، والتنمية ، والرخاء.
هذه الجبهة العريضة ، تجمع كل مهتم بقضايا الوطن ، بغض النظر عن انتمائه ، ما دام يشجب الحرب ، و يتفق على وحدة السودان ، وسلامته ، ويؤمن بالديمقراطية ، والمبادئ الدولية لحقوق الانسان ، ويقر بالمساواة التامة بين جميع ابناء وبنات الشعب السوداني .. ثم هي ليست حزباً سياسياً جديداً ، أو تجمعاً لاحزاب سياسية قديمة ، أو قوى سياسية حديثة ، هدفها الوصول للسلطة . وانما هي جبهة شعبية ، ليس لها صفة حكومية ،لا تهدف الا الى بناء الوطن. وليس مطلوباً ، ولا متوقعاً ، من هذه الجبهةً ، ان تحل كل مشاكل السودان .. ولكن مطلوب منها ، أن توعي الشعب ، بهذه المشاكل ، وتسمع منه رأيه في حلها ، وتوصل صوته لمن هم في موقع أتخاذ القرار، وتربط بين السودان وبين المؤسسات الدولية ، وتكون العين الساهرة ،على أمن المواطنين وحريتهم . ثم هي فوق ذلك ، تجمع المعلومات ، وتعد الدراسات ، التي تشخص المشاكل ، وتحدد ابعادها، وتقترح الحلول ، وتنشروسط الشعب المعلومات ، بصورة تجعل كل مواطن ، يعرف تماماً ، ما يجري في بلده ، ويسهم بما يستطيع ، في دفعها الى الأمام .
وحتى تستطيع هذه الجبهة العريضة ، ان تؤدي دورها ، فاني اقترح ان تتكون في داخلها ، لجان متخصصة . منها على سبيل المثال لا الحصر :
1- لجنة قانونية : يكون من مهامها :
أ- متابعة تنفيذ اتفاقية السلام ، في كافة تفاصيلها ، والتوعية بشأنها في الشمال والجنوب ، من خلال اجهزة الاعلام المحلية ، والعالمية ، وتصعيد الاتصال بكافة المؤسسات الدولية ، بشأن أي خرق ، أو تباطؤ ، او تلكؤ في تنفيذ بنودها .
ب- مراجعة القوانين السودانية ، لتتناسب مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان ، ومبادئ الديمقراطية ، وتصعيد الاعلام في الداخل والخارج ، ليتجاوب مع أي خرق ، اومخالفة في هذا الصدد .
ج- فتح مكتب تابع لهذه الجبهة ، يستقبل شكاوى المواطنين ، بشأن المظالم ، التي لم يفصل فيها القضاء ، لانها لم تصل اليه ، أوفصل فيها بالانحياز للسلطة ففرط في حقوق الناس . ويمكن استلام الشكاوى كتابة ، والاستعانة بمحامين للنظر فيها ، واعادة صياغتها.. كما يمكن اعطاء فرصة للمواطنين المتضررين ، ان يتحدثوا عنها في وسائل الاعلام ، في برامج تخصص لهذا الغرض .
2- لجنة المنابر الحرة : يكون من مهامها :
أ- إنشاء وتنظيم منابر للحوار الحر ، في مختلف قضايا الوطن ، وذلك في دور التعليم من المرحلة الثانوية ، وفي الجامعات والمعاهد العليا . كما تقوم المنابر ايضاُ في دور المعلمين ، وفي الاندية الرياضية ، وغيرها من اماكن تجمع المواطنين .
ب- انشاء منبر ثابت ، في الاذاعة وفي التلفزيون ، ينظم الحوار بين كافة الاطراف ، سواء كانوا افراد او مجموعات أو احزاب .
ج- انشاء منابر للحوار في الاحياء تنظمها الادارة المحلية للمنطقة تناقش فيها بالاضافة الى المسائل العامة مشاكل كل منطقة ..
3- لجنة التعليم والإعلام : ويكون من مهامها :
أ- إلغاء الضوء على مشاكل التعليم ، من معلم ، ومدرسة ، وكتاب ، ووسيلة تعليم ، ومنهج .. واقتراح مناهج جديدة ، تناسب المرحلة الجديدة، وتتسق مع مبادئ السلام ، وتشجع الاخاء ، وتثمن والديمقراطية ، وتربط في التعليم في الشمال والجنوب.. وتستلهم من تراث السودانيين ، في كافة انحاء السودان ، مادة التعليم والتربية بالنموذج المجسد . كما تصر على الاستفادة من الخبرة التكنولوجية ، في مجال التعليم، على قدر طاقة البلاد الاقتصادية .
ب- إقتراح ان يكون التباين الثقافي ، في وضع المناهج التعليمية ، الاستراتيجية الجوهرية ، التي تستهدف التقارب بين ابناء الوطن ، ومراعاة ذلك في كافة مراحل التعليم ، منذ التعليم الابتدائي ، وحتى التعليم الجامعي ، خاصة الاختلافات اللغوية .
ج- اعادة النظر في قصور وسائل الاعلام الحالية الموجهة ، عن القيام بالدور الاعلامي ، الثقافي ، المطلوب . ووضع مقترحات محددة ، ببرامج تتصدى للمفاهيم الخاطئة ، وتعطي فرص للتنوع الثقافي . واعادة تاهيل معاهد الفنون والموسيقى والمسرح المختلفة ، التي بتطويرها تتطور وظيفة ومهمة الاعلام.
د- أعادة النظر في الجامعات والمعاهد العليا، كمعاهد تعليم ، ومؤسسات بحثية. وبحث الوسائل الممكنة لخلق علاقات وطيدة بينها وبين مؤسسات عالمية .. وأحياء المكتبات العامة ، في كل انحاء البلاد ، وتكوينها- ولو بالعون الذاتي والتبرعات- وتوفير كافة انواع الكتب المفيدة للجمهور ، والعناية الخاصة بالاطفال ، ورعايتهم ، وتعليمهم في مراحل قبل الدراسية ، بالوسائل المتطورة التي توسع الخيال .
4- لجنة اقتصادية : ويكون من مهامها :
أ- تجميع مساهمات متفاوتة من الاعضاء يتكون منها الصندوق الاساسي ثم تنظيم مقترحات مشروعات تقدم لجهات تمويل من المنظمات غير الحكومية .
ب- الحصول على المعلومات ، الخاصة بكافة اوجه النشاط الاقتصادي ، خاصة النفط ، وتبسيطها ، وتسليمها للشعب، حتى يعرف الجميع ، كيف تسهم هذه العائدات في بناء الوطن .
ج- تقديم مقترحات بدراسة مشروعات التنمية المتعثرة ، وتحديد اسباب الفشل وفرص الاصلاح ، ودراسة امكانية دور جديد للبنوك في التنمية .
د- الاتصال بجهات اجنبية عربية ، و أفريقية ، وعالمية ، حريصة على التنمية في السودان ، والتباحث معها حول مشاريع بنية تحتية ، اساسية كالسكة حديد ، والكبارى ، والطرق السريعة ، وآليات توفير المياه والكهرباء ، ووسائل الاتصال .
ه- دراسة قوانين الاستثمار، وتقديم مقترحات بتطويرها ، والاطلاع على الاتفاقيات مع الدولة الأخرى ، ومراقبة اي تفريط في مصلحة الوطن الاقتصادية .. ورفع الشكاوي عند وجود ادلة على الفساد ، او استغلال النفوذ ، او الثراء الحرام ، على حساب مصلحة الشعب . مع انشاء وحدات صغيرة ، لمراجعة مسائل اقتصادية عديدة ، مثل الاسعار، وسوق العمل وانشاء الجمعيات التعاونية ، وسوق الاسهم والسندات والنقد الاجنبي ..الخ ألخ
و- لجنة تنسيق : ويكون من مهامها :
أ- التنسيق بين عمل كافة اللجان ، وتوفير المعلومات عن العمل المشترك لكل لجنة ، وحفظ ملفات الكترونية ، باجندة وتفاصيل الاجتماعات ، ونتائجها . والسعي لتوفير منابر نشر الكترونية بغرض التواصل بين اعضاء اللجان في جميع انحاء العالم.
ب- الاتصال بين اللجان وبين الحكومة المركزية ، وتحضير الاجتماعات مع المسؤولين ، في مختلف اماكن السودان بالاضافة الى مقابلتهم في الخارج .
إن هذه الجبهة العريضة المقترحة ، ليست بديلاً عن الحكومة الانتقالية ، ولاهي ممثل للحكومة ، المنتخبة ، في المستقبل ، وانما يرجى ان تكون صوت الشعب ، الذي يدعم الحكومة ، اذا كانت في جانب الشعب ،ويراقبها ، وينقدها ، ويعارضها ، ويصحح مسارها ، اذا كانت غير ذلك .. فان الشعب السوداني ( لا تنقصه الاصالة وانما تنقصه المعلومات الوافيه وقد تضافرت كل العوامل لتحجبها عنه ) كما قال الاستاذ محمود في منتصف الستينات .
وقد كان السبب في تكرار اخطاء الحكومات المتعاقبة ، انعزال غالبية الشعب ، عملياً ، عن قضاياه ، وترك امره في يد قلة من السياسيين ، توجهه لمصلحتها ، وضد مصلحتة .. وهكذا عبر حياتنا السياسية ، ابعدت منظمات المجتمع المدني ، وعزلت عن أي دور فعال في واقع الحياة ، وحصرت مهمتها ، في العمل التطوعي ، الخيري ، المحدود وحتى في هذا المجال الضيق ، وجدت تعويق من الحكومات ، ومن الاحزاب ، ومحاولات عديدة ، لاستغلال مواردها ، لصالح بعض الاحزاب، او الحكام !!
إن التحدي الذي يجب ان ننهض له ، هو اشراك الشعب ، في توجيه مسار حياته نحو الافضل .. فلقد اشتهر الشعب السوداني ، بين شعوب المنطقة ، بانه شعب واعي سياسياً ، ولكن ظل هذا الوعي نظرياً ، عاطفياً ، استطاع ان يصنع ثورة اكتوبر، وانتفاضة مارس أبريل ، ولكنه لم يستطع أن يمنع سرقة تلك الثورات !! وذلك لأن وعيه السياسي ، لم يتسامى عن الرغبة العارمة في التغيير، الى المعرفة العملية بطرائق التغيير، التي تجعله يشارك بفاعليه في توجيه الواقع السياسي ، لمصلحته .. وهذا ما نسعى اليه ، منذ اليوم ، من اجل هذا الوطن العظيم ، الذي قدم المعلم العظيم ، نفسه فداء له .


صحيفة اجراس الحرية

May 2008

Post: #886
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-08-2008, 03:40 PM
Parent: #1


[size=24]فصل العرق عن الدولة
صلاح شعيب

يبدو أن هناك عدة إجراءات فصل، منهجية وأخلاقية الطابع، تحتاج أن تحدث في بلادنا الإسلامية والعربية والأفريقية حتى تستقر على مرسى آمن. فصل الدين عن الدولة وحده لا ينهي ازدواجية «المتخيل والواقعي» في العمل الحكومي. نستطيع أن نحيد «الانتماء الديني» في المفاضلات بين القيم الفكرية والبشرية التي تطور، أو تحط بالدولة، ولكن هذا «الفصل المحيد» لا يمثل نهاية المطاف، فما لم نتبعه بفصل آخر بين العرق والدولة، فإن الدولة العلمانية التي نقيمها سوف تواجه بأزمات وأسئلة مستمرة عن طبيعة قدرتها على حل اشكالات المجتمع.
إجراء الفصل الآخر المهم هو بين الذاتي والموضوعي، فالمسؤول الذي يفصل في تفكيره بين «أ» الدين والدولة و«ب» بين العرق والدولة، لا يستطيع أن يقدم شيئاً مفيداً لمجتمعه ما لم يتجرّد عن مطامحه الذاتية لصالح المصلحة العامة/الموضوعية التي تسهم في استدامة السلام الاجتماعي. أي أن يقدم المسؤول مصلحة الجماعة على ما له من مصلحة عارضة تتيحها وظيفته.
إذن، فإن هناك أزمة «مفصلة» للمسألة الإسلامية- العربية لا يقف حلها عند إجراء فصل واحد وترك آخر، وربما هذا ما يجعل الأزمة السودانية معقّدة بدرجة البساطة. وإذا انتهت أزمتنا لأن تأخذ «الشكل البسيط» فإن حلها في استقامة وعي الفرد وعمله.. لا شيء غير، غير أن الطريق لتحقيق هذه الاستقامة هو التقعيد نفسه!!
الدولة العلمانية الديمقراطية والتي هي الحل الصعب الذي جعل العرب والمسلمين يتلجلجون دون تطبيقه حرفياً وذلك بسبب الخوف من إرهاب رجال الدين والإسلامويين والسلطويين. ومع ذلك فإن العلمانية وحدها لن تحل المشكلة. فالدول العلمانية المتقدمة تعايش الآن مطالبات خصماً على رغباتها القديمة في السيادة على «أقلياتها الأثنية والدينية». وجوبهت الحكومات الغربية المتعاقبة بخطابات جديدة تبين ضرورة مراجعة تجاربها التاريخية من أجل تحقيق السلام والعدل والمساواة في التعايش حتى لو تطلب الأمر الاعتذار عن المظالم التي ارتكبت حين وظف العرق تلك الرغبات غير الإنسانية لإنشاء الدولة. وعلى أن يرفق هذا الاعتذار بتعويضات مادية وأدبية.
فالولايات المتحدة، كدولة علمانية، تعاني اليوم ضغطاً في هذا الاتجاه من أقلياتها لتغيير نمط تفكيرها في التعامل مع المكون المحلي، ولعل المرشح للرئاسة باراك أوباما، بوصوله المتقدم في هذا السباق الرئاسي، رفع الغطاء عن الجرح المتقيح العميق إن لم يكن قد بيَّن مواضع كل الدمامل في جسد التجربة الأميركية التاريخية. وحتى قبل تشيع وهج أوباما السياسي في فضاء الإعلام كان النبس بأهمية التغيير في سياسة الأكثرية البيضاء تجاه الأفارقة السود والهيسبان يتواصل كلما فرضت الأحداث أهميته. فتبعات أحداث كاترينا والتي أغرقت ولاية لوزيانا -ذات الأكثرية السوداء- وترادفت بتجاهل واضح من قمة الرئاسة الأمريكية وأجهزة الطوارئ الفيدرالية كانت من جوهر الأسباب التي أعادت صنع الجدل الغاضب حول الطبيعة المتحيّزة للأقلية البيضاء في معالجاتها للشأن القومي الأميركي.
في فرنسا، أو أوربا بشكل عام تعاني «الصورة القديمة» للديمقراطيات العريقة -والمحمية بأنظمة علمانية صارمة- هزات واضحة في مقابل التحولات الديمغرافية والاقتصادية التي ضربت هذه الأوطان ما جعل هناك قوميات جديدة، وأديان جديدة، وثقافات جديدة. وهذه القوميات تريد تنصيص حقوقها في الدستور وأن تتمثل في البرلمان، وأن تساوى حقوقها في العمل، وأن تشعر بالاعتراف بخصوصيتها، وما إلى ذلك من احتياجات دنيوية. ولكن تلبية هذا التمثيل يقوض -بمرارة يحسها البعض- كثيراً من الحقائق على الأرض، وحتماً ستكون على حساب الطبقات التي ظلت تحافظ على الشكل التقليدي التاريخي للعلمانية.
على أنه برغم هذه الاختبارات الصعبة التي تواجه علمانية الولايات المتحدة وأوربا، والتي أثبتت فاعليتها كنسق تنظيم متفق عليه للسياسة، وككابح للتحيز الديني لأي مسؤول سياسي/مهني، إلا أن صحة بيئة الحوار التي تتيحها العلمانية يشجع على قدرة شعوب هذه الدول في تجاوز الاختبارات والوصول إلى حلول ممكنة كما حدث لبعض القضايا التي كانت شائكة في الماضي. والمتوقع أن العمل بهذه الحلول سيكون حتمياً تحت ضغط متواصل لخطابات ونشاطات الأقليات.
وبالنظر إلى وجود نخب عقلانية داخل النخب المسيطرة أثنياً.. تتضامن مع مطالب الأقليات المتظلمة، وبالنظر كذلك إلى وجود وعي عام بهذه المظالم في المحافل الاجتماعية فإن الديمقراطيات العلمانية الغربية ستضطر إلى الاعتراف بالتقصير في حفظ حقوق الأقليات وتدارك الموقف قبل الانفجار.
ولكن حالتنا في العالم العربي والإسلامي، حيث لا توجد العلمانية التي تتيح الفرصة للحوار أو تعترف بالآخر الديني أو العرقي أو الثقافي، فإن المطالب الجديدة التي يرفعها ممثلو الأقليات الدينية والعرقية لا تجد الآذان الصاغية وربما جوبهت بـ«الأنكار البديع» أو «التحايل المشهدي» وبالكثير بـ«القمع القاطع» كما شاهدنا في أمر الاكراد وجنوب السودان ودارفور والبوليساريو وموريتانيا... إلخ.
إن أكثر الذين عمّقوا ضرورة إنجاز العلمانية بالمنظور الديني في العالم الإسلامي هو البروفيسور عبد الله أحمد النعيم، وقد زارنا الاسبوع الماضي وعمق لدينا فهم العلمانية، فمن جهة حضرنا محاضرته القيمة والتي أقامها قسم الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة جورج تاون العريقة بالعاصمة الأميركية، وانصب النقاش الذي عمه جمهور أميركي متنوع حول كتابه الجديد «Islam and The Secular State» ثم قمنا في «اتحاد الصحافيين بالولايات المتحدة» بإستضافته في نادي الصحافة القومي بواشنطن في حوار مفتوح للوقوف على مستوى اهتماماته الفكرية والقانونية والدينية، وحاججنا النعيم حول كيفية تبيئة العلمانية في مناخ ثقافي يرتاب من هذا المصطلح كما ارتيابه من الضبع.
وفي عطلة نهاية الاسبوع حاضر جمهور الجالية السودانية عن تطوير الشريعة الإسلامية في إطار المعاني العلمانية، وأخيراً حظيت بإجراء حوار معه لقراء «الصحافة» من أربعة أجزاء، وتطرق الحوار إلى مفهومه للعلمانية كما تحدث عن معظم القضايا التي تشغل الذهن السوداني. هذه النشاطات التي عمقها النعيم بمقولاته الثرة -والتي تتجه معرفياً وتنويرياً بمزاوجة بائنة بين قناعاته الدينية الراسخة ومعرفته الموسوعية- أعطتنا فرصة عظيمة للإستماع إلى وجهات النظر المختلفة عن مفهوم العلمانية على ضوء ما هو ماثل في واقعنا السياسي والاجتماعي والثقافي، ولعل في الحوار المنشور بالصحافة تعريفاً كاملاً عن رؤيته لأهمية العلمانية وبقية المواضيع المثارة. ولعلنا نتفق مع البروفيسور النعيم أن تحييد الدولة دينياً هو المخرج الإجرائي الأول الذي يعيد لها الاعتبار وللمواطنين الأمل والثقة في أنفسهم وفي إصلاح شؤون دولتهم ودينهم. فتجارب الدولة الدينية التي عايشناها في بلداننا لم تقم الدين ولم تقم الدولة، بل تكاد تنزع لتحطيم مركباتها التي ورثتها من المستعمر شذراً مذراً.
بيد أن الفصل الأهم الذي، كما نرى، يجب أن يسبق فصل الدين عن الدولة هو ضرورة الفصل بين العرق والدولة. وهذه الخطوة التمهيدية تتطلّب عقداً اجتماعياً جديداً بين المركبات الإثنية السودانية حتى تعمل العلمانية على صيانة نفسها به وصيانة الوجود السوداني الذي أصبح اليوم يميل «أولاً» للبحث عن ثمة عدالة لحياته قبل التفكير في دينية الدولة أو يهوديتها، فالناس تكاد اليوم أن تتحالف مع الشيطان في سبيل إخراجهم من جحيم دولة هجرتهم إلى بقاع الأرض وعذبتهم بالقهر والتنكيل وسلطت عليهم باستمرار سيوف التهديد.
ولا أعتقد أن تأسيس النظام العلماني وحده اليوم سيعمل على اجتثاث جذور المشاكل التي أفرزتها الدولة الدينية للانقاذ، كما أنه يجدر الذكر أن تجاربنا الماضية والتي لم تخلُ من بعض أنواع العلمانية أسهمت في الوصول إلى هذه التجارب الدينية ولم تستطع أيضاً أن تحقق قدراً في الفصل بين العرق والدولة، والمدهش أن النظامين العلماني والديني واللذين انبثقا من المؤسسة العسكرية والتجربة الديمقراطية في السودان لم يسعيا إلى تحييد العرق في واقع ممارسة الناس، ولحظنا كيف اتفقت النخب العلمانية والدينية على تعميق ربط العرق بالدولة للدرجة التي انمحت فيها الفوارق الايدلوجية للحكومات التي يحرّكها المؤمنون بالدولة الدينية والدولة العلمانية معاً. وهؤلاء المؤمنون يتوهمون أنهم بهذا «النسق الشموقراطي» سيجلبون الاستقرار لأنفسهم والدولة.
وربما ترينا تجربة الانقاذ أهمية الاعتبار لضرورة الفصل بين العرق والدولة قبل التفكير في الفصل بين الدين والدولة. إذ استطاعت توليفة نيفاشا «الشموقراطية» أن تسهم في خلق «وضع تعايش» لهؤلاء المختلفين منهجياً حول فلسفة الدولة بل ويبدون من الأعمال والتصريحات ما يؤكد استماتتهم للمحافظة على هذا النظام من دون إجراء إصلاحات جوهرية في بنيته.
إن جزءاً كبيراً من المشاكل التي تعاني منها مجتمعاتنا يتعلّق بالانحياز الاثني وسط النخب المسؤولة عن الدولة المركزية، وخلقت هذه الانحيازات مرارات وضغائن عرقية تحوّلت إلى مهدد مستمر لشعب الدولة ووجودها. وبغير ذلك فإنها لم تحقق السلام والاستقرار حتى في مجتمعات النخب الاثنية المهيمنة على الدولة. بل أدت هذه الضغائن إلى نشوء إنحيازات إثنية مضادة ضد الدولة وبعض المستضعفين المنتمين لاثنيات وتحميلهم وزر المسؤولية، برغم أن لا يد لهم في السلطة، وبالتالي تولّدت الحروب التي أودت بالعديد من أبناء السودان. والملاحظ أنها لم تمس هذه النخب التي تذكي في نار الضغينة الاثنية. ولقد بقي دور النخب المهيمنة على السلطة هو دفع الشباب إلى أتون الحرب في الوقت الذي ينعمون بالأمان والامتيازات، ولم يفكروا على الإطلاق بأن يكونوا قدوة لهؤلاء الشباب في قيادة المعارك بأنفسهم لمواجهة المتظلمين الذين يشهرون بأسلحتهم ضد الدولة.
فضلاً عن كل هذا، فإن الانحيازات في تركيز التنمية في المناطق التي يتحدر منها أصحاب القرار في الدولة، خلق فجوات في هائلة بين منطقة وأخرى. وأسهم هذا الوضع في حدوث الهجرات الجماعية نحو وسط السودان وبقيت أقاليم البلاد طاردة لأبنائها، وعانت، من ثم، شحاً في الكوادر التي يقوم عليها عمل التنمية الخدمية والصحية والتعليمية والاجتماعية والثقافية.
إن الكثافة السكانية لمدينة الخرطوم المترهلة لهو أكبر إثبات على هذا الفراغ في الكوادر المتدربة التي تعاني منه أقاليم السودان المختلفة، وما الهمس الدائر عن توطين سكان من دول الجوار إلا سبب لفشل تنموي سببه تجاهل النخب الحاكمة للأقاليم، وتركيز التنمية، على قلتها، في العاصمة المثلثة. وصحيح أن كل الأقاليم تعاني تردياً عاماً في هذه الخدمات التي يحتاج إليها المواطن، ولكن من السهل جداً قياس التفاوت بين إقليم وآخر، وبين التنمية البشرية التي حدثت لأهل إقليم وحال أهل آخرين، وبين فرص العمل في جهاز الدولة لأقاليم ما وأخرى، وبين تمهيد السبيل لأبناء عرقيات معينة لتنمية وضعهم في سوق العمل الخاص وأبناء عرقيات أخرى.
وهكذا ينهض هذا التفاوت المقنن شاهداً على أن النخب المسؤولة عن ديمقراطية الدولة، أو عسكريتها، أو علمانيتها، أو دينيتها، أو«شموقراطيتها» لم يسعوا -أو بالأحرى لم يحسوا بضرورة- فصل العرق عن الدولة، بل لا يرون أن من الأهمية بمكان فتح حوار حوله ويكادوا يجمعون على مقابلة الأصوات الاثنية المتظلّمة بمزيد من الانكار لحقائق الواقع.
إن العلمانية التي ينادي بها البروفيسور النعيم تعتبر حقاً مدخلاً من مداخل الحلول للأزمة التي تواجها الدول ذات الأغلبية المسلمة. وبوصفه أحد التلاميذ النجباء للشهيد محمود محمد طه فإنه يؤمن بأهمية نشدان العدالة الاجتماعية والتي تسهم العلمانية الديمقراطية في ترسيخها، حيث بأدواتها المختلفة ستوفر الحوار الصحي حول قضايانا ذات الصلة بالعرق وغير العرق، بل ونؤمن إيماناً قاطعاً أن الديمقراطية العلمانية قادرة على إتاحة واقع أفضل لكل السودانيين والمساهمة في تصحيح الأخطاء التاريخية كما فعلت وستفعل الديمقراطيات العريقة.غير أن تسويق هذه العلمانية الديمقراطية كونها الحل الأمثل والعاجل لأزمة المجتمعات الإسلامية، ونحن من بينها، ينبغي أن يرافقه طرح موازٍ لفصل العرق عن الدولة. ولعلنا نجد في الوضع السوداني الماثل كل الأسباب التي تحرض مفكراً صادقاً مثل النعيم الانشغال بأمر فصل العرق عن الدولة: ونأمل أن تكون أزمة العرق في البلدان الإسلامية عموماً وبلادنا كذلك واحدة من اسبقياته الفكرية، خصوصاً في ظل عدم الثقة من طروحات النخب المهتمة بأمر الإسلام في السودان.[/size]

http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=48040

Post: #887
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-08-2008, 08:06 PM
Parent: #1


أوثان في فكر الدعوات الإسلامية «٢ ـ ٢»

بقلم جمال البنا ١٤/١١/٢٠٠٧
كتبت في الجزء الأول من مقال الأسبوع الماضي عن مضامين تغلغلت في أفئدة الإسلاميين، وأصبحت «موثنة» مثل الماضوية والسلفية، وفي الجزء الثاني نستأنف عرض هذه المضامين:

٣ ــ السذاجة:

السذاجة طابع رئيسي للدعوات الإسلامية جاء نتيجة لإيمانها بالماضوية من ناحية التاريخ، ومن أنها تقصر كل ثقافاتها علي التراث الإسلامي، أي التفسير والفقه والحديث والأدب العربي كما يقدمه «الأغاني»، أما الدراسات الجادة التي قام عليها العصر الحديث، فهي لا تعني بها مطلقاً، فكيف يمكن أن يعالج أحد الشيوخ الربا إذا كان يجهل التطور الاقتصادي الحديث وظهور البنوك وظهور «الائتمان» إلي آخر الآفاق التي تفتحت أمام السياسات المالية،

وهل يمكن أن تقارن الربا في هذا العصر بالربا في عصر الرسول «هاء بهاء» كيف يمكن أن تدرس نظم الحكم دون أن تدرس تاريخ النظم التي حكمت العالم مثل ظهور وسقوط الإمبراطورية الرومانية، ثم الكفاح الذي قامت به شعوب أوروبا ووصولها إلي تحقيق مشاركة الشعب والتخلص من حكم الملوك، وحقهم الإلهي إلي حق الجماعات والجماهير،

كيف يمكن أن تفهم شيئاً في السياسة وهي لا تدرس الفكر الاشتراكي وما جاء به من نظريات وما أسفرت عنه تجربة الاتحاد السوفيتي من إنجازات وما وقعت فيه من أخطاء، إن من أكبر وجوه النقص في التاريخ العربي والإسلامي افتقاد المنهج وعدم إقامة الآليات، وهذا النقص هو الذي مكن معاوية بن أبي سفيان من أن يقلب الخلافة إلي ملك عضوض،

فلو أن عمر بن الخطاب مثلاً وهو إداري الدولة وضع مجلسًا تشريعيا من عدد محدد من الأعضاء، وله اختصاصات معينة، ومدة معينة، وطريقة معينة في التوصل إلي أعضائه، لو كان هذا المجلس قائمًا لما سيطر علي المدينة مجموعة من شذاذ الآفاق في عهد عثمان وقتلوه، بل لقد كان من الممكن ألا ينتخب عثمان أصلاً.

إخواننا في الدعوات الإسلامية لا يدرسون تجارب العالم في التنظيم السياسي وإذا درسوه فليس بنية الاستفادة منه، رغم أن الحكمة هي ضالة المؤمن، ولكنهم يدرسونه كجزء من المقررات الدراسية.

ولهذا فإنهم حتي الآن لا يمكن أن يدركوا درجة التعقيد الاجتماعي والقوي التي تؤثر علي العاملين فيه، والأثر المدمر للسلطة مع عدم وجود الحرية، وبالتالي عجزوا عن أن يحددوا الموقف في السياسة وفي الاقتصاد، والموقف من الملكية والفائدة، وهم يرفضون الديمقراطية والاشتراكية والفاشية، ولعل لهم حقاً ومبررًا بشرط التوصل إلي البديل المحكم، وهذا هو ما يعجزون عنه.

نتيجة لهذا فإنهم يتصورون أنهم يمكن أن يحكموا حكمًا يخلص من سوءات النظم السابقة، ولكن الحقيقة أن التخبط هو الذي ينتظرهم، ولم يكن ينقص بعض ضباط ٢٣ يوليو النية الحسنة،

ولكنهم ارتكبوا الموبقات وأخرونا مائة سنة إلي الوراء، لأنهم لم يكن لديهم نظرة محددة فتخبطوا، ولأنهم لم يؤمنوا بالحرية، والإسلاميون جميعًا لا يؤمنون بالحرية، فأخطأوا، وتفاقم الخطأ بعد الخطأ حتي أصبح كل شيء في مصر فاسداً، السياسة، الاقتصاد، الاجتماع، ولا ينتظرنا علي أيدي الإسلاميين شيء أفضل.

٤ ــ الحجاب:

الحجاب يعد وثناً ورمزاً للفكرة الذكورية عن المرأة التي حاول الإسلام أن يقضي عليها، ولكن المدة القصيرة لحكم الرسول «عشر سنوات في المدينة و١٢.٥ سنة حكم أبي بكر وعمر» لم تسمح بذلك، بل عادت مع الحكم العضوض ومع العصبية ومع الاستبداد، وهم يريدون أن يحكموا علي المرأة بالحجاب، فإذا التزمته فقد طبقت الفريضة وإذا أبدت شعرها فقد كفرت، لأن الحجاب فريضة مثل الصلاة والصيام، وأقصي ما يسمح به الحجاب هو الوجه والكفان، أما شعر الرأس فلا،

وهكذا استعرت معركة حادة حول شعر المرأة ! وأن إظهاره انتهاك لإحدي الفرائض، وعلامة علي عدم التزام المرأة الإسلامية، وآخر ما جاءنا في هذا الصدد هو ما ذهب إليه الدكتور صبري عبد الرؤوف أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر عن أن المرأة التي ترتدي الحجاب وتخلعه وتعود إلي ملابس السفور تكون قد خرجت عن دائرة الإسلام وأنكرت ما هو معلوم من الدين بالضرورة، فيجب إثناؤها،

فإن هي أصرت علي ما هي عليه تكون كافرة، وهذا الحكم المنكر الذي يخرج سيدة تقول «لا إله إلا الله» وتصلي وتصوم، ولعلها تكون أفضل أم وأفضل زوجة، ولعلها تضرب المثل في الالتزام بالجدية والإخلاص في العمل،

وقد تكون عالمة مثل مدام كوري أو مبرزة في أبحاثها، كل هذا لا يشفع لها إذا أظهرت شعرها، وتكون كافرة! وهذا الرأي الذي يرتكز إلي أن الحجاب من المعلوم بالضرورة، وإن كان يبدو جديدًا فقد ذهبت إليه المحكمة السودانية التي حاكمت محمود محمد طه وقضت عليه بالإعدام، وجاء من ضمن الحيثيات المبررة للحكم أنه «أنكر الحجاب وهو من المعلوم من الدين»، وهو ما ذهب إليه علماء مصر عندما وضع وزير التربية والتعليم زيا موحدًا للبنات في المدارس إذ كتبوا في مذكرة استنكار أن ذلك يخالف الحجاب وهو من المعلوم من الدين بالضرورة.

« إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً» (العكنبوت: ١٧.

في صميم أزمة البوسنة والهرسك كان رجال من السعودية يترددون في نصرة إخوانهم الذين يذبحون بلا رحمة لأن نساءهم لا يضعن الحجاب، وأخيرًا جدًا حاولوا النيل من سيدة جاءت من آخر الدنيا لتدافع عن الإخوان المسلمين الذين يحاكمون أمام محكمة عسكرية ظلمًا لأنها لا تضع حجابًا!

إن مما لا يتصور أن نفرض علي المرأة المسلمة في أوروبا وأمريكا في هذا العصر، وفي عصور آتية، أن تغطي شعرها، ومن شأن التمسك بهذه الشكلية الهزلية أن تصد عن الإسلام نفوسًا كنا سنقدم لها الهداية، وكانت ستقدم لنا العون والتأييد.

٥ ــ وأخيرًا تطبيق الشريعة:

ولو سألت أحدهم ما الشريعة ؟ لتملكته الحيرة، وقد يقول هي تطبيق الحدود، والحدود جزء صغير من قانون العقوبات، لأنها لا تضم إلا أربع عقوبات، وبقية العقوبات تعزيرية، أي يترك للدولة أو للقضاء تحديدها، وقانون العقوبات كله جزء من القانون، والقانون جزء من الشريعة، والشريعة بأسرها هي المكون الثاني للإسلام بعد العقيدة.

لا أتردد في القول إن الشريعة اليوم هي العدل والتنمية، وبقدر ما يتحقق العدل سياسيا والعدل اقتصاديا، وبقدر ما تتحقق التنمية التي ترفع مستوي المعيشة، وتكفل لنا الاستقلال الاقتصادي ـ نحقق الشريعة.

وقد يقال أين خصيصة الإسلام التي تميز عدالته وتنمويته؟

فأقول إنه ليس من المهم أن يكون هناك خصيصة، لأن الإسلام يريد العدل، وحيثما يكن العدل تكن الشريعة بتعبير ابن القيم، وأينما تكن الكفاية الاقتصادية تكن الشريعة، ومع هذا فإن الإسلام يضفي لمسة أخلاقية ومعنوية تميز العدالة والتنمية الإسلامية.

أما حكاية الحدود فإنها قضية جزئية، وإعمال الفكر في ضوء المستجدات وفي ضوء روح الإسلام ومقاصد الشريعة سيعطينا صورة عن الحدود تختلف عما في ذهن عامة الناس، فلم يأت الإسلام ليقطع الأيدي أو يجلد الأجساد، لقد جاء الإسلام بالعدل، وعندما ينتهك فرد ما هذا العدل، فإنه يعاقب بما يستحقه، أما إذا لم يكن هناك عدل، فلا حدود، فالحديث عن الحدود يسوقنا إلي العدل أيضًا.

الشريعة أعظم مما يتصورون، لأنها تتناول علاقة الحاكم بالمحكومين، الرجل بالمرأة، الغني بالفقير، وفي هذه كلها فإنها تندد بالظلم والأثرة وتدعو إلي العدالة والمساواة، وتستهدف إعلاء كرامة الإنسان وأن تكون العزة للمؤمنين،

وكيف تكون لهم وهم جهلاء ضعفاء، مستذلون للأغنياء والأقوياء والحكومات، هنا يظهر دور الشريعة، وأنها هي التي تقوم بالثورة الاجتماعية ـ السياسية ـ الاقتصادية لتحقيق العدالة وكفالة الكرامة.

Post: #888
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-08-2008, 11:34 PM
Parent: #1


قرار عبد الواحد الرجيم: الصفوة والوهن من فلسطين
د. عبد الله علي ابراهيم

تكاثرت اللعنات على الأستاذ عبد الواحد محمد نور أحد زعماء حركة تحرير السودان الدارفورية التي صبها عليه معظم الطيف السياسي بعد إعلانه فتح مكتب للحركة بإسرائيل. وأزعجني هذا الاتفاق على تبكيته لا لأنني أتفهم (ناهيك أن أتعاطف مع) قرار عبد الواحد الرجيم. ولكني خشيت أن يكون هذا الكورس اللاعن هو بعض حيلة صفوتنا السياسية الحاكمة والمعارضة (رسمياً) لطرد الأرواح البغيضة من جسدها من غير أن تقف عند البؤر التي تتوالد فيها هذه الأرواح وتستبد. وهذه البؤر عديدة. تطرقت في كلمة الأسبوع الماضي إلى واحدة منها وهي ما أسميتها بالمعارضين بلا حدود. وأعنى بذلك سيادة مبدأ أن تتحالف حتى مع إسرائيل - الشيطان لطلب حق مشروع لا تحتاج في بلوغه إلى هذا الدرك من الوضاعة. أما البؤرة الأخرى فهي الوهن الضارب أطنابه بين صفوتنا حيال القضية الفلسطينية. فتجدهم يروجون للصلح معها ويذكرون للمرحوم الأستاذ محمود محمد طه بعد نظره لدعوته منذ الستينات أن نتصالح مع إسرائيل. ويمجدون الرجل في نفس واحد لاستشهاده الرصين عند ما اعتقد أنه الحق. وتقتضي الكياسة، اتفقنا أو اختلفنا مع اجتهاد الأستاذ القديم عن قضية فلسطين، أن نترك للفلسطينيين تقدير ما يستحق أن يفتدوه. فقد اختلفت جمهرة واسعة من السودانيين مع الأستاذ حول إن كانت مثل عقيدته مما يستوجب الفداء. ولما وقف وقفته عند ما اعتقد أنه الحق امتثلنا له وجعلناه فينا شهيدا. وهناك بؤرة ثالثة من وارد الاغتراب السوداني في الجزيرة العربية. فقد استغربت دائماً لمنطق الطير الذي يناقش به مغتربون كثر مآل فلسطين. فتجدهم يستهينون بانتفاضة شعب فلسطين وحقه في أرضه السليبة بالنظر إلى أنواع العنت التي كبدهم لها فلسطينيون في مهجرهم. ولا أعرف بؤس استدلال (أو فحشه) أبأس من هذا السقط. وهو من ترهات الأفندي السوداني الذي اتسعت دائرته وهاجر مع حملته حيث هاجروا. فهم يكيدون لفلسطينيين الشتات بتبخيس فداء أهلهم في فلسطين المحتلة. وهذه لوثة لا يحتمل وزرها ونارهــا إلا أفندي حاقن. وبؤرة رابعة من بؤر وهننا حيال فلسطين هي تحويلنا للقضية الفلسطينية إلى قضية عربية إن صلح العرب صلحت وإن خابوا خابت. فإن سألتهم ما منطقكم للصلح مع إسرائيل قالوا "ياخي ما هم العرب ديل كلهم صالحوا. نحن مالنا. نحن ذاتو أفارقة" كأن الأفريقي خرعة أجوف لا ينزع إلى الحرية ولا يتعرف عليها عند غير الأفريقي. علماً بأن من أشد أنصار فلسطين في هذا الزمان الوخيم أفريقيين لا ترقى إلى شهادتهم الريب. وعلى رأسهم نلسون مانديلا وديسموند توتو أسقف كيب تاون السابق والحائز على جائزة نوبل في 1985. بل إن الكاتب النيجيري بول شوينكا، الحائز على جائزة نوبل في 1986، كتب عن عنت الإسرائيليين في 2004 على امتعاضه من مواطنيه من مسلمي نيجريا والإسلام ذاته. وقد قلت للينيّ الركب هؤلاء من السودانيين من مراقبي العرب إن من ترونهم عرباً ليسوا عرباً. إنهم أمة مضطهدة. وقد استوحيت هذه العبارة من الشاعر أحمد فؤاد نجم. وهناك بؤرة وهن أخرى استجدت بنزاع حماس وفتح الذي انتهى باقتسامهما المعروف للضفة والقطاع. وبدا للمصابين بالإنهاك من فلسطين منا أن في ذلك نهاية القضية. وهناك من يرد حرب الأخوة هذه إلى العرب "الأصلو ما فيهم فائدة." وهذه شنشنة عنصرية عرفناها.وغاب عن هؤلاء القاعدين أن صراع الإخوة ممارسة شائعة ومؤسفة حتى بين من لا يلقون الهول الأعظم مثل الفلسطينيين الذين ابتلاهم الله بخصم في علاقة "خاصة" مع دولة عظمى كأمريكا. وقد رأينا صورة من صراع الإخوة خلال نضال الجبهة الديمقراطية المتحدة في جنوب أفريقيا في الثمانينات حيث أوقعت السلطة البيضاء بين الرفاق بمساوماتها الفجة القاصرة القاصدة لتسودّ بتفريق الخصم. فلما استطال النضال وغاب عن مسرحه القادة المجربون في السجون تنازع أنصار الجبهة المتحدة مع جماعة آزابو في إقليم الترانسفال وإقليم الكيب ومع حزب الزولو، إنكاتا، في إقليم ناتال. وسال الدم الأفريقي بيد أفريقية والعنصريون البيض في نشوة من أمرهم. فلم يبتدع العرب جديداً في جهة تعثر النضال وتطاوله وتفرق المناضلين بعد اجتماع وتحول البنادق لصدور الأشقاء بدلاً من صدر العدو. ولا يذهب مثقال ذرة من النضال سدى. فقد تعثر نضال سود جنوب أفريقيا وطال لقرون ثلاثة منذ 1652 حين جاءهم المستوطنون البيض. وتكسرت النصال فوق النصال خلال نضالهم المعاصر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فقد قضت الحكومة العنصرية البيضاء في جنوب أفريقيا على جهاد الجبهات المتحدة في جنوب أفريقيا في 1960 و1985 وأهلكتها دون تحقيق أهدافها. وأذاقت "حربة الأمة"، وهو جيش تحرير جنوب أفريقيا، الأمرين. ثم عَنُفَت مع دول الجوار مثل موزمبيق وانجولا المتعاطفة والمعينة ودمرتها تدميراً حتى أملت عليها اتفاقات مهينة تنصلت بها رسمياً عن دعم كفاح سود جنوب أفريقيا. ولكن لم تزلزل هذه الخيبات يقين أولئك السود في حقهم ولم تفسد ذوقهم للحرية أو تطعن في استحقاقهم لها. ولم يكن بوسع هؤلاء السود نيل حكم الأغلبية في 1994 بغير هذه العزيمة التي امتثل لمنطقها القاهر الطغاة العنصريون بعد أن ماطلوا الحق طويلاً. ويستغرب ساسة الحيرة عندنا ركوب حماس لرأسها. ولكن وقفة حماس (اتفقت معها أو اختلفت)، التي أصلها ثابت في نضال فلسطين الطويل، تأتي أكلها حالياً. فلربما تطرفت حماس (بل ولربما شذت) ولكنه التطرف المحمود عند الأمريكيين أنفسهم. فهم يقولون لك أن تخطئ شريطة أن يكون خطؤك على الجانب الصحيح من المسألة. ومن ثمار هذه الوقفة اجتماع الرئيس كارتر بزعمائها منذ أيام ولم يهتم بالبناء أو البجيب الطوب. فقد اتهمه غلاة الصهيونية بمعاداة السامية منذ أصدر كتابه عن السلام أم الفصل العنصري وإسرائيل. ولكنه لم يلق لهم بالاً والتقى بحماس كطرف في النزاع لا مهرب من قراءة أفكاره. وقد استفتى صاحب برنامج على شبكة تلفزيونية هنا المشاهدين حول سداد خطة كارتر فأيدها أغلبهم. ومن مكافآت الاستقامة في النضال الفلسطيني العجيبة نشأة لوبي إسرائيلي في أمريكا كما جاء في جريدة النيويوك تايمز. ودعواه أنه ليس شرطاً أن تكون إسرائيل صحيحة في كل موقف وأنه من حق مؤيديها أن ينتقدوها متى كبت بلا غضاضة. وهذا تقدم نادر في بلد أصبحت قولة بغم عن إسرائيل جريمة شنعاء. كانت آخر أخبار عبد الواحد وأنا أكتب كلمتي هذه عنه أنه رفض لقاء وفد فيه عزيزنا الدكتور شريف حرير جاءه إلى باريس لينقل له ما اتفقت عليه كلمة بعض جبهات دارفور المختلفة. واستغربت لعبد الواحد يطلب من الفلسطينيين والإسرائيليين أن يكفوا عن الحرب ويجنحوا للسلم وهو الذي يستعلي لا على حكومة السودان (الخصم اللدود) بل على رفاق له يسعون بالسلم بين جباه دارفورية تناحرت حتى أفسدت مسألتها فساداً كبيراً. عشنا وشفنا من لا يصالح رفاقه في القضيـة يملأ فمـه بالدعوة إلى في قضية عرف فيها شيئاً وغابت عنه أشياء وأشياء.

http://www.rayaam.sd/Raay_view.aspx?pid=159&id=11106

Post: #889
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-09-2008, 00:03 AM
Parent: #1


ولقد ظلت دعوة الأستاذ محمود دائما لاعادة تعليم المتعلمين، ولاعادة كتابة التاريخ!! فالتاريخ يكتبه "من بيدهم القلم" كما هو معروف، فالشواهد القريبة، حتى التى شهدناها ونحن أحياء، تتعرض لتزييف مزر، أفلا يتبنى الإسلاميون الآن ثورة اكتوبر؟؟!! بلى!! انهم ليفعلون!! ويعدون دكتور الترابى فولتيرها!! وقد سمعت بأذنى شهادة حية من الراحل المقيم الأستاذ على عبد العزيز بالحلفاية، عن سبب انسلاخه من تنظيم "الأخوان المسلمين" وقتها، قال كان هو ضابط اتصال ينقل مجريات الأحداث لدكتور الترابى شخصيا، قال أنه لما "حمى الكوع"، ظل الأستاذ على ليلة كاملة لم ينم فيها، ما بين داخليات جامعة الخرطوم والمشرحة بمستشفى الخرطوم.. وفى الصباح كان عليه نقل تقرير للدكتور الترابى فسأل عنه فعلم أنه – وقد كان دكتور الترابى عائدا لتوه من فرنسا- فى قصور انسبائه بالملازمين (سكناهم قصور وضياع، وسياساتهم ضياع وقصور!!) قال لما دخل عليه، وجده حليقا متهندما بالـ " الروب دو شامبخ" الفرنسى الكامل، وموضوعة أمامه فاخر آنية الشاى والكيك!! والناس تموت "فى الجزء المقابل من سياج الحديقة"!! قال الأستاذ على أنه أحس فى تلك اللحظة أن ليس ذلك من يكون له زعيما!! ولكن دكتور الترابى، بعد أن خلع "الروب دو شامبخ" وأعتمر كوفية "عدة الشغل" سارع هو ونسيبه السيد الصادق المهدى "بعدما حلت للدعس"!! للصلاة "أئمة" على الشهيد أحمد القرشى طه، ثم ان قرية "القراصة" أقرب من مشرحة مستشفى الخرطوم!! قال النبى الكريم عليه السلام "أئمتكم شفعاؤكم!! فانظروا بمن تأتمون"..

الشكر أيضا لكل الذين شاركوا. أخص الأخ عمر54 ، وأما بخصوص موضوع مذكرة تحرير العبيد، فيمكننى فى عجالة أن أذكر ما كتب عنها دكتورخالد المبارك فى سودانايل ديسمبر2002 اذ قال: "ما أقوله هو أن الإدارة الاستعمارية اتخذت إجراءات إنسانية تحديثية مثل إلقاء الرق وتحرير الأرقاء ومثل تحريم الخفاض الفرعوني. نذكر أن قادة السودان الشمالي قدموا مذكرة للإدارة الاستعمارية تعارض تحرير العبيد. وفي موقف مؤازر قاد الأستاذ محمود محمد طه انتفاضة احتجاج علي تحريم الخفاض" انتهى
ثم رد الدكتور عمر القراى عليه فى نفس الاصدارة الأثيرية "سودانايل" بقوله:
((وما دام د. خالد المبارك يظن ان موقف الأستاذ محمود يشبه موقف هؤلاء القادة ، فلماذا لم يذكرهم بالاسم ، ويصفهم بالرجعية ، والتخلف ، كما وصف موقف الأستاذ محمود؟! ألأنهم هم الذين لا زالوا يملكون الصحف التي ينشر فيها د. خالد المبارك مفكرته السودانية البريطانية؟! أم لأنهم يملكون الأحزاب الكبيرة التي لا يود د. خالد المبارك أن يقطع فيها العشم؟!
ان المذكرة التي أشار اليها د. خالد المبارك ، رفعها السيد علي الميرغني ، والسيد عبد الرحمن المهدي ، والسيد الشريف الهندي ، رحمهم الله ، للحاكم العام البريطاني يطلبون منه اعادة النظر في قرار تحرير العبيد .. ولما كان زعماء الطائفية ، اصحاب اقطاعيات كبيرة ، فقد ذكروا في تلك المذكرة ، أن تحرير العبيد ، قد يؤدي الى فقدان العمال الزراعيين، ونقص المواد الغذائية!! هؤلاء اقطاعيون يدافعون عن مصلحتهم الإقتصادية والسياسية ، وهم اصدقاء للإنجليز يتوددون اليهم بما يطيل بقاءهم ، ويعود عليهم بألقاب "الشرف" التي منحها لهم المستعمر .. فهل يمكن لرجل عاقل ، أمين ، أن يقارن هؤلاء برجل واجه المستعمر فسُجن ، ثم حين أطلق سراحه ، انتقد المستعمر مرة اخرى ، وقاد ثورة استهدفت كسر هيبة الاستعمار ، بمعارضة قوانينه ، وتوضيح أسباب مقاومتها ، وهو في ذلك يستهدف حد سلطان الاستعمار من ان يتدخل في اخلاق الشعب وعاداته ؟!
لقد نعى الأستاذ محمود محمد طه، على هؤلاء الزعماء، تقسيم البلاد باسم الطائفية، وهاجمهم لتعاطفهم مع المستعمر، فقد جاء في بيان أصدره الحزب الجمهوري في 18/2/1946م (ياجماعة الأشقاء وياجماعة الأمة – أيها القاسمون البلاد باسم الخدمة الوطنية – أيها القادحون قادحات الاحن بين أبناء الأمة – أيها المذكون ثائرات الشر والتفرقة والقطيعة ، أيها المرددون النغمة المشئومة – نغمة الطائفية البغيضة – انكم لتوقرون أمتكم وقرا يؤودها ..
ياهؤلاء ، وهؤلاء ، أنتم تلتمسون الحرية بالانتماء الى المصريين فتتمسكون بأسباب رمام ، وأنتم تلتمسون الملك بالبقاء تحت الانجليز فتتهيأون لدور الهر الذي يحكي بانتفاخه صولة الضرغام .. أنتم تريدون ابقاء المصريين ، وأنتم تريدون ابقاء الانجليز ، فاذا اجتمعت كلمتكم فانما تجتمع على ابقاء المصريين والانجليز معا ..
ياهؤلاء ، وهؤلاء ، أنتم تتمسحون بأعتاب المصريين لأنكم لاتقوون على مواقف الرجال الأشداء ، وأنتم تتمسحون بأعتاب الانجليز لأنكم صورتم المجد في أخلادكم صورا شوهاء .. أنتم تريدون السلامة ، وأنتم تريدون الملك .. أنتم تضيعون البلاد لمّا تجبنون وأنتم تضيعون البلاد لمّا تطمعون .. أنتم تستغلون سيدا لايعرف ماتريدون ، وأنتم يستغلكم سيد يعرف مايريد ، والبلاد بينكم أنتم ، وأنتم ، على شفا مهواة ومهانة ..) راجع "معالم" – صفحة الجمهوريين بالانترنيت ..هذا هو موقف الأستاذ محمود من زعماء الطائفية ، وذلك هو موقفه من الاستعمار )) انتهى

وأمر الرق بالطبع موضوع فى غاية الحساسية، وينبغى الا ندفن رؤوسنا فى الرمال، لمجرد تلك الحساسية، وأن ندع العاصفة تمر، فينبغى مثلما دعا السيد الصادق المهدى "لأن نعتذر لأهل الجنوب عن مظالم كثيرة"!! ينبغى أن نجسد ذلك بالفعل فى وقت أصبحت فيه المشاعر الانسانية الراقية من تآخ، وتعايش سلمي، وحقوق متساوية الخ الخ.. هى العملة الجيدة التى تطرد العملة الرديئة المتمثلة فى مصالح الاقطاعيين الضيقة، ومعروف أن العامل الاقتصادى، كان هو أس نظام الرق!! ذلك لا يتم الا بما تدعو له الفكرة الجمهورية من تطوير للتشريع الاسلامى، فكلكم تعلمون أنه كثيرا ما يرد فى دروس التربية الاسلامية الحديث عن العبيد.. فمثلا الدرس عن الزكاة يبدأ هكذا: (تجب الزكاة على الحر المسلم...) وكلكم قد درستم ذلك ووعيتموه، وعى "الحر، المسلم البالغ الرشيد!!!"

والشيخ صديق عبدالحي رئيس مجلس الافتاء الشرعي فى سبيعنات القرن، المنصرم لتوه، ورد عنه مايلي فى كتاب الجمهوريين "المفتي والضحية وحكم الوقت":

((.. وممّا يزيد في برهاننا على صحة هذا التقرير أنّ الشيخ صديق نفسه – رئيس لجنة الافتاء، في احدي فتاواه لسائل معاصر، عام 1976، تحدث بعفوية شديدة عن الرّق، كعنصر من عناصر التعامل، التي يمكن أن تكون في مجتمع اليوم!! فقد قال هذا الشيخ عن كفارة الحنث باليمين للسائل (عليك اما أن تصوم ثلاثة أيام واما تعتق رقبة)!! أرأيتم الي أي حد يبلغ قصور الفقهاء عن الواقع الاجتماعي، وعن أصل الدين؟؟ ففي أصل الدين ليس هناك رق، وانما كان الرق في الشريعة الاسلامية لأنه ظاهرة من ظواهر المجتمع في الماضي، ولأنه لازمة من لوازم الجهاد الأصغر، الذي أوجبته المرحلة الماضية.. وأمّا الواقع الاجتماعي في أخريات القرن العشرين فيستحيل فيه وجود هذه (الرقبة) التي وضعها الشيخ كخيار ثان (للكفارة)، من غير مراعاة للحساسية، والانطباع السيء، الذي يتركه مجرد ذكر هذا الأمر، في المجتمع السوداني!!)) انتهى.
تلك هى مناهجنا، بل حتى أن أغانينا – التى لا تزال مسجلة بمكتبة الأذاعة، يأتى فيها ذكر هذا الأمر- صراحة وتلميحا- مثل ((غنى وشكرى يا أم "قرقدا" عليت))!!
ومثل: ((البى خالو أريتو يستر حالو!! خل الخالو فى جبالو!!)) وغيرها كثير!!!

وقد تابعت في رمضان برامج دينية وغيرها، في القناة الفضائية السودانية، تجعلك تحتار في أي عصر يعيش أهل السودان، تراوح طرحها ما بين دفع الجزية ـ ولاحظ أن البلاد تجرى فيها محادثات سلام ـ فهل من تسالم سيدفع الجزية ذليلا حقيرا مهانا، كما قال ابن كثير؟؟"!! ويتحدث البرنامج عن تقسيم الفيء "فى زمن أصبحت فيه بلاد المسلمين أنفسهم – بهوانهم على الله – فيئا!!" ويمضى البرنامج الي محاولات ما سميت بـ "منظمة الاعجاز العلمي في القرآن" بالتداوي بالقرآن من فقهاء لا يحسنون حتي تلاوة القرآن نفسه، وأرجو الاّ أكون قد أفتئت عليهم ولكن متحدثهم ومستضيفوه قد تلجلجوا في قراءته كثيرا!! أما برنامج في ساحات الفداء فأمره أعجب، فينشد منشدهم أشعار مثل
اخي خلف السدود
وبان عليه أثر السجود
لا تدعنا نستكين لظلم"العبيد"!!!
ولا يجدون أي حساسية من استخدام كلمة (عبيد) هذه أيا كان مقصد من ينشد، في مثل ذلك الجو!! أما السيدة مقدمة البرنامج فتعجبها عبارة قائدهم وهو يحثهم علي لقاء العدو قائلا: "شد قاشك وأي حشرة تلاقيك دوسها بالبوت!! آآ!! دوسها بالبوت!!" تكررها هي، المذيعة، ثم تأتي بها بصوت سعادة العميد نفسه والجنود يصرخون ويهللون!! ولعلها ليست طرفة، وانما تحكى واقعا مريرا، آن له أن يزول.. ما يتداول عن أهل حى أمدرمانى عريق، عرف أهله بالظرف وسرعة البديهة، مع دماثة الخلق والتميز فى كل شئون الحياة، هم سود البشرة، ولهم فى ذلك طرف يتداولونها فيما بينهم فى روح انسانية حقة، وتواضع بل سمه ان شئت -تعال "صوفى" محبب، يجبر المرء ليحنى رأسه اجلالا لهم: مما يتداولون أن فقيها جاءهم ليقرأ القرآن فى أحد بيوتات عزائهم، فتلا الفقيه الآية: وما ربك بظلام "للعبيد"!! فانبرى له أحدهم ((يا مولانا: ما عندك قرآن أحسن من دة؟!)) (آسف للسنسرة والا، فان عبارات الطرفة قحة وأعتذر عن ايرادها فى هذا المقام، ولكن ما أوردت لا يخل بمعنى ما أردت أن أقول). ويمكن فى أمر الرق هذا، أيضا، الرجوع لدورية حقوق الانسان السودانى، فى تقريرها عن الرق لعام 2000 فى الزيارات التي شارك فيها ممثلون لمنظمة التضامن المسيحي ومجموعة تمثل التلفزيون والصحافة الكندية - تحقيقات ميدانية ومقابلات مباشرة مع الضحايا-
ويجدر بى هنا أن أسجل حادثة لها دلالات من عدة أوجه، فقد حدث أنه فى سبيعنات القرن المنصرم أن جاء للسودان باحث أمريكى من أصل أفريقى، وقد أبدى اهتماما بالاسلام، فاهتم به طلاب الاتجاه الاسلامي وقتها، خاصة لما رأوا سعيه لمقابلة الاستاذ محمود محمد طه، فرأوا أن يدبروا له مقابلة مع الدكتور الترابى، ذهب ذلك الباحث الأمريكى لإفطار رمضانى على مائدة الدكتور الترابى، فذكر أنه لاحظ أن رجلا أسود البشرة يخدمهم، فسأل دكتور الترابى عن ذلك، فقال أن دكتور الترابى قال له ما معناه أنه من أولاد البيت، ولكن ذلك بالطبع لم يجز على فطنة الباحث الأمريكى، ولعل تلك الحادثة كانت هى سبب احجامه، احجاما تاما، عن "الاسلاميين"، ثم زار، بعدها، الأستاذ محمود محمد طه وحكى له ما كان من أمر الرجل، ثم علق للأستاذ بأنه اقتنع بأن دكتور الترابى "منافق"
Hypocrite
ولكن الأستاذ محمود قال له: لا!! لا تقل ذلك عن الرجل!!
في محاولة لحمل موقف الترابي على محمل حسن، وهذا يتسق بالطبع مع مقولة الأستاذ "ان شخصية دكتور حسن موضع حبنا، ولكن ما ينطوي عليه من جهل هو موضع حربنا"
كما قلت فى بداية حديثى، يجب الا نتعامى عن مثل هذه المسائل، ويجدر بنا أن نحرر مناهجنا، وعقولنا من كل إرث الماضى، فنحن، كمسلمين وغير مسلمين، جميعا فى مركب واحد، ولن تتم لنا نجاة بغيرما يطرح الأستاذ محمود، فإن ما يطرحه الأستاذ محمود لهو، هو الناطق عن المصحف اليوم!! وحري بالناس عامة، وبالمثقفين على وجه الخصوص، الأخذ بهذا الأمر بالجدية التى تناسبه. نعم!! هو قد يكون غريبا ولكن أليس البشارة بعودة الاسلام تقوم على الغرابة كما جاء فى الحديث النبوي "بدأ الاسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء!! قيل من الغرباء: قال: فئة قليلة مهتدية، فى فئة كثيرة ضالة" وفى رواية "من يحيون سنتى بعد اندثارها" وهذا ما يدعو له الأستاذ محمود: أن نعود (للمعين الصافى الذى استقى منه أبوبكر وعمر))!! على الناس الا ينكروا ذلك على الأستاذ محمود فيكونوا مثل "أهل الغرة بالله" الذين قيل فيهم: ((((ان من العلم كهيئة المكنون، لا يعلمه الا أهل العلم بالله... فاذا تحدثوا به لا ينكره الا أهل الغرة بالله!!)) ثم اختم حديثى بأن أهديكم جميعا إهداء الجمهوريين فى كتابهم:

جنوب السودان
المشكلة والحل

الإهـــداء :
الشعب السوداني الكريم ! !
إن قطرك الذي تسكنه ـ و هو السودان ، إنما
يمثل القلب في أفريقيا ! ! في العالم ؟ ؟
هو من حيث الشكل الجغرافي الذي يظهر به
علىالخريطة يشبه القلب ! !
و هو من حيث الموقع الذي يحتله من القارة
يشبه القلب أيضاً ! !
هذا القطر ، بشمالييه ، و جنوبييه ، يمثل الرجل الواحد ! !
هو يمثل الروح ، والنفس ، في البدن الواحد ! !
وطريق الروح، والنفس، في البدن الواحد، هو الوحدة،
والإنسجام، والتواؤم، وما هو بطريق التفرقة، ولا النشوز،
ولا الإعتراض ! !
فعلى المثقفين ، من أبناء الشمال، ومن أبناء الجنوب،
واجب عظيم هو توحيد شقي البدن الواحد بالفكر الثاقب
والعلم الصحيح ، والخلق القوي، الرصين، حتى تخرج من توحيد السودانيين : شماليين، وجنوبيين، قومية واحدة، خصبة، ذات خصائص متنوعة، ونكهة متميزة، يشحذ فكرها، ويخصب عاطفتها، الملكات المختلفة، المشرجة في تكوين الشماليين، والمشرجة في تكوين الجنوبيين،
كلٍ على حدة، وعلى السوية ! !
ليس لهذا الشعب غير الوحدة ! !
وليس لهذا القطر غير الوحدة ! !
كان على ربك حتماً مقضيا ! !

أملكيون أكثر من الملك.. رد على د. عبد الله علي إبراهيم

Post: #890
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-09-2008, 00:12 AM
Parent: #1



عفوا، فليست هذه دراسة نقدية متخصصة، وإنما هى "قول على قول" مع العذر، للرائع حسن الكرمى، على الإقتباس. لعله ليست من الصدف أن أهدانى الأستاذ عبداللطيف عمر حسب الله، قبل حوالىعقدين من الزمان، رائعة الشيخ بابكر بدرى "حياتى"، والآن يهدينى إبنه الباشمهندس محمود عبداللطيف كتابين رائعين عن "حكاوى أم درمان" للأستاذ شوقى بدرى "حفيد الشيخ" ، ويجدر بى هنا أن أسجل اعجاب الأستاذ محمود بتجربة الشيخ بدرى، فقد ورد فى إستهلال كتاب "الإسلام وإنسانية القرن العشرين" قول الأستاذ محمود: ((حيّا الله ذكرى الأستاذ الجليل، منشئ هذه المعاهد، وطيب ثراه.. فإن معاهد الأحفاد، مجال، كان ولم يزل، من مجالات الفكر الحر.. ولقد كان الأستاذ الكبير الشيخ بابكر بدري طفرة في وقته.. كان يتمتع بقدر كبير من حرية الرأي، ومن التقدم)) إنتهى
أنا كوستاوى المولد والنشأة، ولكنى أصبحت أمدرمانى الهوى، على قول العارف:
رأى البرق شرقيا فحنّ الى الشرق ولو كان غربيا لحنّ الى الغرب!!
هواى لأم درمان جعلنى، ومنذ زمن بعيد، شديد التعلق بأمدرمانيات الأستاذ شوقى بدرى، فى جريدة الخرطوم، ثم فى "الرأى الآخر" التى كان يرأس تحريرها الأستاذ النور حمد فى تكساس، وقد كان يشدنى اليه، ولا يزال، شديد إيمانه بـ "الزول" الأمدرمانى بخاصة، فالسودان عنده هو أم درمان!! أنا، مثل الأستاذ شوقى، أقف كثيرا، عند الدلالات الروحية لكون راديو "أم درمان" يقول لك "هنا أم درمان" سواء أكنت فيها، فى "عد الغنم" أو فى "كاب الجداد"، كأن السودان هو أمدرمان!! ويتغنى أهل "ربوع السودان" بـ "أم در يا ربوع سودانا"!! لكن "أمدرمان" الأستاذ محمود هى "السودان"، فالأستاذ محمود يؤمن بالسودان إيمانا لا حدود له، أقرأ معى رده على الباشا:
"أنا زعيم بأن الإسلام هو قبلة العالم منذ اليوم.. وأن القرآن هو قانونه.. وأن السودان، إذ يقدم ذلك القانون في صورته العملية، المحققة للتوفيق بين حاجة الجماعة إلى الأمن، وحاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة، هو مركز دائرة الوجود على هذا الكوكب.. ولا يهولن أحدا هذا القول، لكون السودان جاهلا، خاملا، صغيرا، فإن عناية الله قد حفظت على أهله من أصايل الطبائع ما سيجعلهم نقطة التقاء أسباب الأرض، بأسباب السماء.." إنتهى
إيمان الأستاذ محمود بالسودان مبنى على تجربة دينية صرفة، وبؤسس لها كذلك بمستفيض الأحاديث النبوية مثل ماورد فى شرح ابن كثير عن الآية "ثلة من الأولين، وثلة من الآخرين" "لن تكتمل ثلتنا، الا برعاة الإبل من أهل السودان" وحديث النبى الكريم عن أن هذا الدين ينصر آخر الزمان بـ "الجعد ذوو الجلاليب من وراء البحر" وغريب حديثه عن "أصائل الطبائع" (رحم الله السودان أرق أمتى قلوبا)!! وتجربة الأستاذ شوقى بدرى تجربة "شاعرية" قائمة على مخالطته للذين تشربوا بأصائل تلك الطبائع فطفق يتغنى بها، وفى التوحيد، ان الفرق بين التجربتين، هو إختلاف مقدار وليس إختلاف نوع، كما يقول الأستاذ محمود. والأستاذ محمود يقول أن "العارف" و"الشاعر" كلاهما يقطفان من شجرة واحدة، العارف يظل مهيمنا على تلك الشجرة من عل يقطف منها ما يريد ويضعه حيثما يريد، بينما الشاعر "يتشابى" لتلك الشجرة شأنه شأن"حاطب الليل" يصيب ويخطىء.
فى رائعة الشيخ بابكر بدرى "حياتى" تشدنى، بخاصة، قصته التى حكى عن سنين شدة كانت فى ام درمان، وذهاب الشيخ لقضاء بعض شأن مع أحد تجارها، فوجد الشيخ ذلك التاجر يصيب طعاما طيبا، ودعى التاجر الشيخ فتأبى الشيخ!! لم يرتض التاجر ذلك، وعدّه اهانة وظل يلح على الشيخ أن يعرف السبب!! ويلوذ الشيخ بصمت مهيب، حتى دارت الأيام دورتها، وجاءت سنينا أصابوا فيها بعض رخاء، فحكى الشيخ للتاجر، ليسرى عنه: ان ما منعه من تناول "طيب" طعامه، يومذاك، أن "الشيخ" كان فى حال إملاق شديد، وكانت له زوجة، شابة، حينها، وكانا يتقاسمان طعاما فقيرا، قليلا، وكانت الزوجة، الشابة، قانعة، راضية، فأبت نفس "الشيخ" أن يأكل "سمنا" و"دهنا" ثم يذهب و"يتجشأ" لها فى صدرها!!و لعل ثلاثة الأجزاء لو لم يكن فيها غير هذه، لكانت كافية، لترينا من هو ذاك "الشيخ" الجليل. فـ "زول" الأستاذ بدرى "الأمدرمانى" تكاد تنتظم حياته جميعها، هذه الجبّلة، التى تتأبى "التجشؤ" والآخر فى إملاق!! يطالعك ذلك والأستاذ شوقى يرتحل بك مع "زوله" من "أم سويقو" لكوبنهاجن!! الأستاذ محمود شديد الإعجاب ببيت المعرى:
فلاهطلت على ولا بأرضى سحائب ليس تنتظم البلادا
وهو كذلك كثير الإستشهاد بحديث الأشعريين، ولعلى لم أسمعه من غيره قط، على كثرة ما قرات: (رحم الله الأشعريين، إذا أملقوا، أو كانوا على سفر، أفترشوا ما عندهم من زاد وأقتسموه بينهم بالسوية، أولئك قوم أنا منهم وهم منى)، وهو، كذلك، يردد كثيرا من دارجة اهل السودان: "الما بحل رفيقو شن فايدة سبحتو وإبريقو"؟؟!! ويستشهد من "حقيبة" أم درمان بكثير أبيات فى التعلق بـ "أصائل الطبائع" مثل رائعة خليل فرح "نحن سوجو عروضن" ورائعة الأمدرمانى عبد المنعم عبدالحى – أنا امدرمان- وتكاد تكون كل "أمدرمانيات" شوقى بدرى تدور حول هذه القصيدة التى كان الأستاذ محمود يطلب السماع لها حتى سمع العالم فى 18 يناير 1985:
فيا سودان اذ ما النفس هانت أقدم للفداء روحى بنفسى!!
وقد يدهش كثير من الناس لواسع معرفة الأستاذ محمود بالتراث الشعرى والغنائى، وقد طلب مرة من الفنان الأستاذ عبدالرحمن بلاص أن يغنيه رائعة تراث الشايقية "وامغستى!! رحل تلوت الليل" وهى اغنية تفيض رقة وأصائل طبائع، كذلك معرفة الأستاذ بمدن وقرى السودان وأهلها، وبخاصة بقاع التصوف، مما قد يضيق الحيز هنا عن إيراد، حتى، بعض الشواهد. أما عند شوقى، فنرى شديد إعتزازه بأهل أمدرمان و"تقوقعهم" فى امدرمانهم، فتراه معجبا بأمدرمانيين سألهم فى الثمانينات وربما التسعينات: متى رأوا الخرطوم؟ فأجابوا فى ثورة أكتوبر!! وكما يثمن الأستاذ شوقى بدرى الدور الرياضى والإجتماعى لأندية أمدرمان، والسودان، الكبار المريخ والهلال والموردة، فإن الأستاذ محمود يثمن لذات الأندية ورصيفاتها أنها أخرجت السودانيين من "الأنادى للأندية"!! وان "أفنديتها" هم الذين أخرجوا الأستعمار بينما تجلبب رجال الدين بكساوى "عدم" شرف الإنجليز!!
لشوقى بدرى إعتزاز كبير بثورة أكتوبر وربما بالدور الأمدرمانى الكبير فيها، وله ملاحظة حصيفة أن الثوار فى أكتوبر رأوا أحد الغوغاء يريد أن يستغل المظاهرات ليسلب أحد بقالات اليونان، على ما أعتقد، فمنعه الثوار من ذلك!! قارن شوقى ذلك بما تم فى العراق من نهب حتى للمتاحف!! وللأستاذ محمود إعتداد كبير بثورة أكتوبر، أيضا، بوأ به الشعب السوداني الكريم مقعد الأستاذية بين الشعوب (راجع مقدمةكتاب لا اله الا الله) بموقع الفكرة الجمهورية، وبمناسبة العراق هذه، فقد قرأت فى كتاب "نيل الأوطار" مقارنه لطيفة بين النيل والفرات تشرح لما للنيل من مزايا لا تعد على الفرات – مع أن كلاهما من الجنة كما فى الأثر-
فى تراث الأستاذ محمود، غير المكتوب، قصص يضيق الحصر عنها، عن طيب شمائل السودانيين، وطيب أرومتهم، على إختلاف قبائلهم، ونحلهم، ومواقعهم الجغرافية فى السودان، ولكن شوقى يقصر كل القصص، وهى، بعد، من ذات الأديم، على اهل امدرمان، وقد يغرينى ذلك لتسجيل بعض ملاحظاتى عن السودانيين "اللذين لا يصدأون" كما عبرت د.ثريا العريض، فى بلدان مختلفة رأيتهم فيها، على ذات نهج الأستاذ شوقى بدرى. هل تصدقون مثلا، أن حلم بعض العراقيين ، بعد أن ينزلون المعاش، ان يشترى أحدهم تاكسيا فيوكل عليه سودانيا يديره له!! وتسأله: لم سودانيا بالتحديد؟ فيقول لك: لأنه لا يقشمر!! تسأل وما "يقشمر" هذه؟؟ فتعرف أنها لا يأكل أموالى!! ويحكون لك كيف يتركون أهلهم فى خلاءات، ومزارع، العراق مع الرعاة السودانيين وهم مطمئنون!! سمعت قصصا كثيرة من هذا القبيل، وتذكرت ما حكى لى الأستاذ عبداللطيف عمر، مرة، أنه قرأ فى مذكرات أحد جنرالات جيوش الحلفاء فى الحرب العالمية يحكى عن إحتفال حضره فى ليبيا شاركت فيه وحدات رمزية من جيوش الحلفاء، قال الجنرال أنه لاحظ لما مرت الوحدة السودانية أمام المنصة أنها قوبلت بتصفيق وإحتفال كبير!! فدهش ذلك الجنرال وتسآل فقيل له: إنهم وحدهم هم الذين كانوا لا يعتدون على أعراضنا!! بل يمنعون من يحاول ذلك!! فى الهند قرأت إعلانا لتاجر يعرض شققا ويفضل السودانيين فسألت بعض الطلاب عن السبب فقالوا لى الكثير، وأقله انهم، حتى، ولو سافروا فإن الهندى يضمن إن إيجاره سيصله، وفى الإسكندرية رأيت طبيبا صوماليا، يتخير شقق السودانيين ليودعهم زوجته وطفلها الذى يريده ان يتعلم العربية، إذ سيذهب الوالد لدراسة بإيطاليا، وهو، مطمئن لزوجته فى كنف صلاح دفع الله وإخوته!! وفى مدينة أمريكية صغيرة، تقوم بعض فضليات السودانيات بإدارة حضانة للأطفال، كان هناك تخوفا وترددا، فى بادىء الأمر، من جانب السكان المحليين لإيكال أمر أطفالهم لهؤلاء "السود الأغراب" ولكن لم يمض وقت طويل حتى أصبحت بعض الأمهات عندما يسافرن لا يجدن لأطفالهن ملجأ غير أحضان أولئك النسوة "السود الغريبات" وقد تجد طفلا فى "مولات" الأمريكان يرقص على إبقاع "كدى كدى" وينام عليه!!
لقد سكن الأستاذ محمود ام درمان منذ زمن بعيد، سكن فى بيت المال زمانا، ثم رحل لبيت جالوص، مثل سواد السودانيين، بالمهدية، الحارة الأولى، وقد كانت للحزب الجمهورى دارا معروفة بالموردة بأم درمان، وقد أجريت بالموردة فى عام 1971 أول زيجة جمهورية على مشروع "خطوة نحو الزواج فى الإسلام" الذى أسس له الأستاذ محمود، وقد دهشت لكونى لم أجد اى إشارة فى كتابى الأستاذ بدرى للأثر الكبير الذى أحدثته تجربة الأستاذ محمود فى "أمدرمان" الستينات والسبيعنات من القرن المنصرم، وهى الفترة التى أرّخ لها شوقى، فى معظم الكتابين. كنت أحب ان أقرأ له عن بعض الأسر الأمدرمانية العريقة التى لها علاقة، بصورة أو بأخرى، بالأستاذ محمود، ولعل فى الموردة نفسها أسر مثل أسرة العم الراحل محمد فضل محمد صديق، ولا تزال له بها دار معمورة ببنتيه نجاة وإعتدال وأسرتيهما وهن من أعلام أمدرمان عامة، والموردة بخاصة، وأسرة العم إبراهيم أحمد نصار، أطال الله عمره، وهو الذى تمت بمنزله، ولبنته الراحلة كوكب الزيجة آنفة الذكر، من الأعلام كذلك الراحل الفنان التوم عبدالجليل وفى العباسية أسرة العم عباس عيسى الحلو وزوجه أم مهل عبدالله الحلو وهم من أحفاد الأمير على ودحلو، وفى بيت المال آل الأمير أبوقرجة، آل الغول فى ودأرو، وآل حجاز فى أبىروف، عن الشاعر العارف الشريف البيتى، والشاعر أبوطراف النميرى والهادى نصرالدين فى ودنوباوى، عن آل شكاك وآل عبدالرحيم البخيت وعن الطبيب البلدى الفذ حسن خشم الموس وآخرين كثيرين. كنت أحب أن أسمع أكثر عن غريب قصص الشيخ غريب الله أبى صالح مثلا.

عموما قد أعجبت أيما إعجاب، بكتابى الأستاذ بدري عن "حكاوى أم درمان" رغم ما قد يأخذه بعض الناس على الصراحة المتناهية فى بعض أجزائهما، ولكن ذلك تاريخ على كل حال، وإن لم يتعود السودانيين بعد على تلك الصراحة. حتى الجانب الفكاهى "ديل مقانين!! غنماية ولا بابور بحر؟؟" وقصص كمال سينا عليه رحمة الله، وشخصية "باب الله" ملازم الإمام عبدالرحمن المهدى، وعلى فكرة فقد كنت أشارك فى هذا المنبر بإسم "باب الله"، صحيح هى الأحرف الأخيرة من إسم جدى بابكر والفاصلة الأخيرة من مركب إسمى الأول، ولكن كان، ولا يزال يأسرنى فى ذلك الإسم رمزيته، رمزية "باب الله" لإنكسار السودانيين، ودعاء القلب، وأرجو أن أكونه، فـ "هو" عند المنكسرة قلوبهم من أجله!!
كأنى بأم درمان، التى احبها الأستاذ محمود، وأتخذها مسكنا، قد تأبت أن يتم، ما تم فى 18 يناير، على أرضها، ولكنها عادت وأصبحت "مثوى" له، حسب شهادة الطيار فيصل مدنى صالح، فأستشهد "الأمدرمانى" العريق د.منصور خالد عبدالماجد، فى رائعته، عن ملحمة الأستاذ محمود، بأبيات الطوسى:
لم تبق "بقعة" غداة ثوى الإ وأشتهت انها القبر!!
إكرم بها من "بقعة" وإكرم بساكنها من ساكن!!
فيا "بهجة أمدرمانى" لك منى تعظيم سلام ... قيام!! جلوس!!

Post: #891
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-09-2008, 00:15 AM
Parent: #1


بخصوص موضوع امدرمان بين الاستاذ محمود و شوقي بدري .
في 1998 دعيت لمأدبة عشاء في منزل الزعيم التجاني الطيب بابكر بمناسبة حضور مصطفي خوجلي و شوقي بدري فكتبت في جريدة الخرطوم ( الدنيا دي الزول اصلو ما يقنع منها ، ما كنته في يوم من الايام متصور او متخيل انو في يوم من الايام يلموني مع البروفيسر مصطفي خوجلي ) و الحقيقه ان الحياه كثيرا ما تعطيني اكثر من ما استحق و ها انا مره اخري يلموني مع المفكر الاستاذ محمود محمد طه و لقد كان اخي الدكتور كمال ابراهيم بدري احد جلسائه و المستمعين اليه و كان معجبا به . استميح كل الجمهوريين عذرا لانني لم اكتب او اتطرق للاستاذ محمود لسبب بسيط لانني عندما غادرت السودان و انا في التاسع عشر لم يكن الفكر الجمهوري قد صار معروفا كما صار في الستينات و السبعينات . و الاستاذ محمود( من عندنا) فرفاعه هي مسقط رأس الكثير من ال بدري و قصص جدودنا و عماتنا و أعمامنا كانت تدور حول رفاعه . و لكم التحيه
شوقي

Post: #892
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-09-2008, 00:23 AM
Parent: #891



عبدالمنعم عجب الفيا
تاسسس الحزب الجمهوري سنة 1945م وكان حزبا سياسيا اول امره واخذ اسمه من دعوته الي قيام جمهورية رئاسية مستقلة في السودان،
لتكون خيارا وسطا بين دعوة الاتحاديين الي الاتحاد مع مصر تحت التاج المصري،ودعوة حزب الامة والانصار الي قيام مملكة سودانية
مستقلة، تحت التاج البريطاني.

وقد انتخب الاستاذ محمود محمد طه رئيسا للحزب .وكان الحزب صغيرا ومن اعضائه المؤسسين :منير صالح عبد القادر ،عبدالقادر المرضي
منصور عبد الحميد،ذون جبارة ،امين صديق ،محمد الفضل الصديق،ومحمد المهدي المجذوب. ويقال ان المجذوب كان اصغرهم سنا.
ويلاحظ ان بين هؤلاء الاعضاء ثلاثة شعراء ،هم ،المجذوب ومنير صالح ومنصور عبدالحميد.ويبدو انه ربطت المجذوب علاقة صداقة حميمة بمنير صالح، حيث وردت اليه اشارات في شعر المجذوب. بدا الحزب بالمقاومة بمواجهة الاستعمار الانجليزي علانية،وذلك في
في الوقت الذي اثرت فيه بقية الاحزاب اتباع اسلوب المهادنة والمذكرات.وكان الحزب يوزع المنشورات التحريضية باسمه ويقيم افراده الندوات والخطب الحماسية في المقاهي والاماكن العامة. فازعج ذلك سلطات الاحتلال الانجليزي ،فاعتقلت الاستاذ محمود وحمكت عليه بالسجن
عاما بتهمة اثارة الكراهية ضد الدولة،مع وقف التنفيذ وامضاء تعهد بعدم ممارسة النشاط السياسي،فرفض الاستاذ توقيع التعهد،وفضل السجن
فاودع سجن كوبر ،وكان ذلك سنة 1946 م. واثناء سجن الاستاذ محمود ،كتب محمد المهدي المجذوب،قصيدة :
المنتظر - نشرت بديوانه:"نار المجاذيب" حملت تاريخ:سنة 1946 م
ومما جاء في هذه القصيدة:

وطني وما رعيت وخالفت هدي الكتاب عمائم الاحبار
الدين مقود جاهل، اقباده سبح تسوخ بخطوه في النار
ما للمراغنة انطويت مكابرا يوم الخلاف ولا انا انصاري
اهلي علي الحب العميم وليلهم ليلي وشمس نهارهم لنهاري
* *
محمود قم واخرج بسيفك عادلا علما يؤم كتيبة الاحرار
* *

وقد افرج عن الاستاذ قبل ان يكمل العام بعفو من الحاكم العام. وبعد شهرين فقط من خروجه وقعت حادثة رفاعة،حيث سجنت امراة خفضت بنتها مخالفة قانون الخفاض الذي سنه الانجليز،فاستغل الاستاذ محمود الحادثة لتاجيج الشعور العام لمقاومة المستعمر وقوانينه،وخطب
خطبة عصماء في مسجد رفاعة ثم قاد جمهور رفاعة وهاجموا سجن الحيصاحيصا وخلصوا المراة.فقبض علي الاستاذ ومعه بعض اعضاء الحزب
وبعض المواطنيين . وكان المجذوب من بين المعتقلين .وقد سجل حادثة اعتقاله والتحقيق
معه ومحاكمته في قصيدة: سيدة رفاعة - ديوان :الشرافة والهجرة
وقد جاء فيها:
والقيت علينا في الليل شرطة وما هزنا سهد الحراسة والجبر
فيا حارسي مهلا بيمناك سنجة واضحك هل في الانجليز له صهر
واوسعه لوما فيصغي ويتقي مصيري ويغضي مل نظرته عذر
* *
يسائلني قاض عن الحزب عابسا ومن محنتي هذا الدعي له اجر
يقلب وجها ذا بريق يزمه حذاء وهل ومض الحذاء به كبر
اتسهر يا مولاي تحمي خواجة يعشيك من سلطانه الطبل والزمر
تسجل اقوالي واني شاهد عليك وحكمي الحكم واقترب الفجر

ويواصل في نفس القصيدة تمجيده للاستاذ محمود،قائلا:

ابايع محمودا علي الحق بيعة هي الصبر والرضوان في عقدها بدر
ابي الله ان تلقي هوانا مصونة وما ذنبها الا العفافة والطهر
حماها ابي الدين والعقل ثائر له منبر ما فيه خوف ولا ستر
تخطي اليها السجن والنار دونه ولم يجد انذار المفتش والزأر
لك النصر يا محمود والنور باقيا واعطيت ما اعطي بصائرنا الفجر
عرفنا رجالا قدرهم ليس قادرا وغيرك في السودان ليس له قدر

وقد حكم علي الاستاذ في هذه الحادثة سنتيتن،وبعد خروجه سنة 1948 اعتكف
في خلوة برفاعة لمدة ثلاثة سنوات.ثم خرج علي الناس بدعوته الجديدة للاسلام، سنة 1951 م.وعاود الحزب الجمهوري نشاطه وقد تحول من حزب سياسي الي حزب ديني.فتخلي عن الحزب معظم الاعضاء المؤسيين ومنهم المجذوب ومنير صالح عبدالقادر.ولم يتبقي مع الاستاذ سوي ،امين صديق وذو النون جبارة ومحمد الفضل.

ويبدو ان السبب الرئيسي لخروج المجذوب من الحزب ،هو تخلي الحزب عن خط المواجهة والمقاومة، وانتهاج الاسلوب السلمي في التغيير،ويكشف
المجذوب عن هذا السبب ،في نهاية قصيدته الطويلة:شحاذ في الخرطوم
التي كتبها سنة 1969م .حيث يوجه حديثه الي الاستاذ محمود قائلا:

يا ولد الهميم ايها العارف ساحمني
اقلني من بيعتي
كيف افتيت بخمود آية السيف ،كيف
والفساد ما تري ،
ابايع المختار خارجا مع الحسين !

والهميم هو جد الاستاذ محمود والمذكور في كتاب الطبقات.
وقد نشرت قصيدة شحاذ في الخرطوم سنة 1984 م في كتيب صغير.

* هذه لمحة سريعة عن حياة المجذوب وعلاقته بالحزب الجمهوري ارجو ان تكون قد كشفت عن جانب من سيرة المجذوب ،غير مطروق

Post: #893
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-13-2008, 03:35 PM
Parent: #1



البروفيسور عبدالله أحمد النعيم لـ«الصحافة»1 ـ 4
عاش الاستاذ محمود ومات على تجسيد قيمة التوحيد والصدق المطلق في الفكر والقول والعمل
حاوره في واشنطن: صلاح شعيب

البروفيسور عبدالله أحمد النعيم يعتبر وجها مشرفا للمفكرين السودانيين في المحافل الأقليمية والدولية، واستطاع ببحوثه وكتبه الفكرية القيمة حول الاسلام والمسلمين وحقوق الانسان وقضايا التحرر الانساني والقانون الدولي أن يقدم مساهمات ثرة في الجدل الدائر منذ فترة عن هذه المواضيع الشاغلة للذهن الاسلامي بشكل خاص والانساني بشكل عام. فوقا عن ذلك أسهم النعيم في ترجمة بعض الكتب من الانجليزية إلى العربية والعكس ولعل آخر اسهاماته في هذا المضمار نقله رواية البروفيسور فرانسيس دينق إلى قراء العربية»طائر الشؤم».
وفي المجال الأكاديمي، والذي استهل مشواره محاضرا في جامعة الخرطوم التي تخرج فيها، عمل بالعديد من الجامعات العربية والافريقية والاوربية والامريكية محاضرا واستاذا زائر وهو الآن استاذ القانون بجامعة ايموري بالولايات المتحدة منذ عام 1995. وظل على مدار العقدين الماضيين يسهم في مجال تخصصه «القانون» ويشارك بتقديم المحاضرات وأوراق العمل حول تلك القضايا الفكرية والسياسية التي إنشغل بإجلاء وجهة نظره حولها، وبالتوازي مع هذه المجهودات الاكاديمية الرفيعة شارك في العديد من المؤتمرات الفكرية حول العالم وانصب عمق مشاركاته داخل الولايات المتحدة التي استقر بها.
وبوصفه تلميذا وفيا لأستاذه محمود محمد طه، والذي قدم نفسه شهيدا في ميدان الفكر الديني والسياسي، لعب البروفيسور النعيم مع بعض تلاميذ آخرين للاستاذ دورا مقدرا في إبراز وتوضيح وتفسير مقولات مؤسس الفكر الجمهوري عبر العديد من الكتابات والندوات الثقافية.
وأخيرا صدر للنعيم كتابا جديدا حول العلمانية بالانجليزية ـ وترجم إلى ثماني لغات ـ وصاحب هذا النشر تلبية لعدد من الدعوات لتوضيح الفكرة الاساسية للكتاب وقدم إلى منطقة واشنطن بدعوة من قسم الدراسات الاسلامية والعربية بجامعة جورج تاون وقدم محاضرة هناك، وأعقبها بأخرى أقامتها مدرسة الجالية السودانية بالميرلاند بالتعاون مع الجالية السودانية .
«الصحافة» انتهزت فرصة تواجد البروفيسور عبدالله أحمد النعيم وأجرت معه هذا الحوار الذي تطرق لعدد من القضايا، فإلى الجزء الأول منه:
* نرجو أن تعطينا فكرة عن نشأتكم والعوامل التي قادتكم للانضمام لجماعة الاخوان الجمهوريين؟
ـ ولدت عام 1946 بقرية المغاوير التي تقع غرب النيل من شندي، وكانت طفولتي المبكرة في مدينة الخرطوم بحري، ثم عطبرة حيث كان والدي جنديا بالجيش السوداني ـ سلاح المدفعية. وكانت المرحلة الأولية من تعليمي بمدرسة عطبرة الشرقية الابتدائية، ثم عطبرة الاميرية في المرحلة المتوسطة، ثم مدرسة الاحفاد الثانوية بأمدرمان، وانتهيت بكلية القانون بجامعة الخرطوم، حيث تخرجت من القسم المدني عام 1970، وتم تعييني معيدا بكلية القانون وابتعاثي فيما بعد للدراسة العليا بجامعة كمبردج للماجستير وجامعة أدنبرة بأسكتلندا للدكتوراة في القانون، وعدت إلى السودان عام 1976 للعمل كمحاضر بكلية القانون بجامعة الخرطوم.
ولم يكن في طفولتي ونشأتي مايميزني عن أقراني، أو يؤهلني للإنتساب للاستاذ محمود فيما بعد. قضيت طفولتي وشبابي الباكر متنقلا بين عطبرة وقرية المغاوير وكانت بدايات تعليمي بخلوة الشيخ المأمون بالمغاوير، حيث حفظت بعض جزء عم من القرآن، ثم تنقلت في المراحل الدراسية المختلفة والاطلاع على الروايات ومتابعة الحوارات الفكرية خلال الستينات من القرن العشرين. كما أنني كنت مثل غيري من أبناء جيلي في حيرة من أمري..إذ كنت متنازعا بين عقيدتي كمسلم من ناحية وميلي للفكر التحرري اليساري من الناحية الأخرى. ولحرصي على استقلالي بأمر نفسي لم انتسب لجماعة الأخوان المسلمين ولا إلى التنظيمات الديمقراطية اليسارية في أي من المراحل الدراسية. واستمر الحال هكذا حتى السنة الثانية بجامعة الخرطوم حيث بدأت العمل في صفوف ما كان يسمى بالمؤتمر الديمقراطي الاشتراكي. ولم أجد في نفسي حماسا للمشاركة الواضحة في ذلك التنظيم الطلابي لأنه كان يعرف نفسه بمعارضة الإتجاه الاسلامي من ناحية والجبهة الديمقراطية من الناحية الأخرى، لكنه كان يفتقر للرؤية الفكرية والسياسية الخاصة به. وخلال العطلة الصيفية بين السنة الثانية والثالثة بجامعة الخرطوم تيسر لي الاستماع للاستاذ محمود محمد طه لأول مرة بنادي الخريجين بعطبرة وكانت تلك هي نقطة التحول الكبرى في حياتي وإن لم أكن واعيا تماما بذلك وقتها وعند عودتي لمواصلة دراستي بجامعة الخرطوم للعام الثالث واصلت حضور ندوات الاستاذ محمود بمكتبة «للهندسة المدنية» بعمارة ابن عوف بالسوق العربي بالخرطوم، ثم حضور الندوات التي كان يقيمها بمنزله بمدينة المهدية فيما بعد. وبذلك تواصل انتسابي لجماعة تلاميذ الاستاذ محمود محمد طه منذ عام 1968 ومشاركتي في العمل العام بين الاخوان الجمهوريين حتى استشهاد الاستاذ محمود محمد طه في يناير 1985 حيث غادرت بعدها السودان في ابريل عام 1985 للعمل كباحث ثم استاذ زائر بجامعة كلفورنيا، لوس انجلس ومواصلة العمل في مواقع مختلفة خارج السودان منذ ذلك الحين..
* إذن كيف كان وقع إعدام الاستاذ محمود محمد طه عليكم شخصيا وتاثير ذلك على الجماعة وفكرة تأسيسها وواقعها التنظيمي السياسي؟
ـ لقد كان استشهاد الاستاذ محمود محمد طه علي شخصيا فاجعة كبرى أكثر مما أقدر على التعبير عنها حتى اليوم. ولكنه أيضا الدليل القاطع عندي على حق وصدق دعوته وصلاح منهجه في الحياة فقد عاش الاستاذ محمود ومات على تجسيد قيمة التوحيد والصدق المطلق في الفكر والقول والعمل . وبما أن جماعة الاخوان الجمهوريين لم تكن حزبا سياسيا ولا حتى تنظيم لحركة أجتماعية فلم يكن اثر استشهاد الاستاذ محمود على هذه الجماعة إلا كما ينبغي أن يكون. فالشاهد على حق الفكرة هو في النموذج الكامل الذي قدمه الاستاذ محمود نفسه بحياته ومماته ولا غاية لتنظيم الجماعة ولا قيمة لواقعها السياسي أكثر من ذلك.
* ولكن هل تصنف الفكرة الجمهورية يا بروف كونها فكرة للإصلاح الديني أم كونها مشروع سياسي سوداني لمقابلة احتياجات سياسية أكثر من كونها دينية؟
ـ الفكرة الجمهورية كما يعرفها صاحبها وداعيها الاول الاستاذ محمود محمد طه هي السعي الجاد إلي بعث الاسلام واعادته إلى قوته لتغيير الانسان وترفيعه إلي مكارم الاخلاق والمسؤولية والرشاد فجوهر الفكرة الجمهورية هو الاسلام، وهو منهاج النبي عليه الصلاة والسلام في العلم والعمل، في العبادة والسلوك اليومي بين الناس ولأنها هي الاسلام فإن الفكرة الجمهورية تهتم بالقضايا السياسية ولديها مواقف واضحة ومحددة في كل مجريات الاحداث التي تهم المسلمين والبشرية جمعاء. ولكن ذلك لا يجعل الفكرة مجرد مشروع سياسي سوداني لمقابلة الاحتياجات السياسية للشعب السوداني فقط. فهذا المشروع السياسي هو ضمن مناشط العمل لتحرير الانسان من الخوف والجهل واعانته على تحقيق العبودية الكاملة لله وحده سبحانه وتعالي وهذا سعي سرمدي في هذه الحياة الدنيا وما بعدها إلى الأبد. والمجتمع الصالح، كما يؤكد الاستاذ محمود في كتابه «الرسالة الثانية» هو من أنجع الوسائل في تحقيق الحرية الفردية المطلقة وتلك هي غاية الفكرة الجمهورية لأنها هي غاية الاسلام وجميع الاديان ولأنها هي الاسلام فإن الفكرة الجمهورية ليست فقط محاولة في الإصلاح الديني وإنما هي المنهج والسبيل الأوفق عندي في إصلاح الانسان، من حيث هو أنسان ، فإذا انصلح الانسان واستقام على مكارم الاخلاق انصلحت بذلك جميع أحواله وأموره بما في ذلك مجريات السياسة والاقتصاد والعلائق الاجتماعية . وإن لم ينصلح الانسان بالتدين الصادق فلن تجدي المشروعات السياسية وحتى لو أجمع عليها الناس.
* إذن كيف ترون مصطلح «الاسلام السياسي»، وهل تعتبر الفكرة الجمهورية جزء منها، وفي حال الاتفاق ان هناك إسلاما سياسيا فهل هناك إسلام غير سياسي؟
ـ مصطلح الإسلام السياسي هو اشارة إلى مشروعات سياسية في المقام الاول وإن كانت تدعي قداسة الاسلام أو تزعم تحقيق غايات الاسلام في الحياة العامة . وبما أن الفكرة الجمهورية هي الاسلام عندي فإن مصطلح الاسلام السياسي لا ينطبق عليها. ولا يعني هذا ان هناك اسلاما سياسيا واسلاما غير سياسي، لأن الإسلام يهتم بالسياسة كأحد الوسائل لتحرير الانسان وإصلاح المجتمع كما سبق القول. وكما كان الاستاذ محمود محمد طه يؤكد بإستمرار فإن الحزب الجمهوري سابقا وحركة الاخوان الجمهوريون بعد ذلك لم تكن احزابا سياسية بالمعنى المألوف وإنما فقط وسائل في تنظيم الدعوة للاسلام وفق منهاج النبي عليه الصلاة والسلام. وكان الاستاذ محمود يؤكد أيضا أنه إذا إنصلح حال الناس أفرادا وجماعات فلا يهم من يتولى القيادة السياسية نيابة عنهم. وإذا لم ينصلح حال الناس في دخيلة ذواتهم وحقيقة معاملاتهم فلن يجدي أن يتولى قيادتهم من يدعى المنهجية الإسلامية في الحكم أو يزعم تحقيق غايات الاسلام في العمل السياسي.
* الاخوان المسلمون أو الجبهة الاسلامية أو الاتجاه الاسلامي في السودان يعتبر خصما أساسيا للفكرة الجمهورية وبذلوا مجهودا في منازلة الفكر الجمهوري وإغتيال قائده..مع ذلك هل يمثلون بالنسبة لكم جزء اساسيا من تيارات الفكر السياسي الاسلامي التي لا يمكن تجاوزها؟
ـ هذه المزاعم معروفة عن الاخوان المسلمين «بأي تسمية إتخذونها لأنفسهم» وقد دفع السودان وبعض المجتمعات الاسلامية الأخرى ثمنا غاليا لذلك التخبط الاهوج. وكما راينا في تجربة السودان عند نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين فإن بعض قيادات الاخوان المسلمين قد تنازلت عن مزاعمها السابقة من إدعاء تأسيس الدولة الاسلامية أو إعادة صياغة المجتمع وفق تصورهم هم لمقتضيات التوجه الحضاري الاسلامي المزعوم. وهكذا نرى أن هذه التنظيمات لا تبقى على حال واحد، بل هي تتغير بإستمرار من خلال عراك داخلي وصراع خارجي مع التيارات السياسية الأخرى. وكما كانت سنة التطور في الحياة دائما فالباطل يذهب كزبد السيل والصالح يبقى وينمو بقدر مقدرته على التصحيح الذاتي. وأنا لا أرجو لأي من قيادات الاخوان المسلمين أو غيرهم من الصفوة السياسية البقاء والفناء إنما أعلم تماما أن الباطلا لا يجوز إلا على نفسه، وإن المغامرات الهوجاء محتومة الفشل.
* مشروع الدولة الدينية في السودان تمثل في تجربتي أواخر ايام مايو وواقع الدول السودانية الحالية، كيف تقيمون التجربيتين وأثرها على مستقبل السودان..؟
ـ مشروع الدولة الدينية، أو مايسمى عندنا بالدولة الاسلامية، هو زعم باطل مفهوميا ولا أساس له من التجربة التاريخية ولا فرصة عملية في ممارسة المجتمعات الإسلامية ، كما أقرر من خلال عرض تاريخي وتحليل ممفهومي في كتابي «الاسلام والدولة العلمانية» الذي صدر باللغة الاندونيسية في يوليو 2007 وباللغة الانجليزية في مارس 2008 فالدولة هي دائما مؤسسة سياسية لا تقدر على التدين أو الاعتقاد في ذاتها، فالمقصود بهذا الزعم هو القول بأن القائمين على أمر الدولة يستغلون مؤسساتها وسلطاتها لتنفيذ فهمهم للدين.
وإذا ظهر الامر على حقيقته هذه فسنرى بوضوح خطل الزعم وخطره على مصالح الناس وقد دفع السودان منذ نهايات عهد مايو وإلى نهايات عهد الانقاذ الثمن الباهظ لهذه المغامرات الهوجاء كما سبق القول . وعلى فداحة هذا الثمن فإن أثر هذه التجارب الفاشلة سيكون لصالح السودان وصالح كافة المجتمعات البشرية في المستقبل القريب إن شاء الله لأنه سيكفينا عن مثل هذه الحماقات ويقودنا في سبل الخلاص بتصحيح سوء الفهم وردع سوء القصد والغرض.
* تقولون إن «مشروع الدولة الدينية، أو مايسمى عندنا بالدولة الاسلامية، هو زعم باطل مفهوميا ولا أساس له من التجربة التاريخية».. هل هذا يعني أن ليس من أهداف الفكرة الجمهورية تحقيق الشريعة الاسلامية في المجتمع المسلم وإذا كان تحقيق الدولة الدينية ليس من أهدافكم هل هذا ضمنيا يعني أن الهدف الاساسي هو تحقيق الدولة العلمانية؟
ـ من الضروري أن نميز هنا بين المجتمع المسلم والدولة الاسلامية المزعومة . كما رأينا في تجربة السودان فإن مزاعم الدولة الاسلامية إنما تنجح في إشاعة النفاق والفساد ولن تنجح الدولة في اي مكان على إقامة الشريعة بين الناس لأن الالتزام بأحكام الشريعة الاسلامية لا يكون إلا بالنية الخالصة والصدق في القول والعمل وذلك دائما هو حال المسلم في خاصة نفسه وضميره المغيب عن أجهزة الدولة.
وبما أن الفكرة الجمهورية هي الإسلام فإن منهجها في إشاعة الشريعة بين الناس هو منهج الاسلام القائم على العلم والعمل لدى كل مسلم لتغيير وإصلاح نفسه. فالفكرة الجمهورية تهدف إلى تصحيح إلتزام الإسلام لدى كل مسلم حتى يتحقق بذلك المجتمع المسلم وليس بإقامة دولة تزعم أنها اسلامية وتلك هي مغالطة وخداع للنفس وأرهاب للناس، وأرجو أن تذكر القارئ بالاطلاع على الفصل الاول من كتابي باللغة العربية على موقعي: www.law.emory.edu/fs.
* في حال المجتمعات ذات الاغلبية المسلمة هل نستطيع أيضا ان نفرق بينها ودولتها، وهل نستطيع أن نبعد قيام اركان هذه الدول على هدى من الشريعة الاسلامية ما دام أن غالبية المجتمع مسلمة.. ثم ماذا لو أن شعبا ما طالب عبر الديمقراطية بتديين دولته..؟
ـ التمييز بين الدولة والمجتمع ضروري في كل المجتمعات بما في ذلك المجتمعات ذات الاغلبية المسلمة وكذلك من المفيد التمييز بين الدولة والحكومة. فالدولة هي استمرارية المؤسسات مثل القضاء والتعليم والخدمة المدنية والخدمة الدبلوماسية، فهذه المؤسسات تلحق بسيادة الدولة ومصالح جميع المواطنين لذلك يجب ان تبقى مستقلة عن هيمنة الحكومة التي تختلف وتتغير حسب إرادة الناخبين في النظام الديمقراطي. وكما نرى في حالة السودان وغيره من البلدان الاسلامية فإن وجود أغلبية من المسلمين لا يعني إتفاقهم السياسي بل تختلف الفرق والاحزاب بين المسلمين، فالقول بان أغلبية المواطنين من المسلمين لا يعني بحال من الاحوال الاجماع على سياسة معينة وحتى لو حصل ذلك فهو على مستوى الحكومة وليس على مستوى الدولة..فالخيار الديمقراطي هو دائما للحكومة بصورة تقبل تغيير الحكومة في الدورة القادمة وهذا هو السبب في التمييز بين الدولة والحكومة، لأن الدولة تبقى في خدمة جميع المواطنين دائما على السواء بينما تأتي الحكومة أو حكومة أخرى وتذهب حسب خيار الناخبين. واستحالة تدين الدولة هي مسألة في جوهر الدين والدولة. الدولة مؤسسة لا تملك ولا تقدر على الاعتقاد الديني إطلاقا حتى لو اجمع جميع المواطنين على هذا المطلب والخيار الديمقراطي يعني أن حكومة منتخبة مثل ما نرى في تركيا الآن تملك التفويض لمتابعة سياسات يراها البعض إسلامية حسب رغبة الناخبين ولكن هذا لا يغير طبيعة الدولة التركية نفسها، وفي الدورة التالية قد يتم انتخاب حكومة اشتراكية أو محافظة/رأسمالية ثم تقوم بمتابعة سياساتها هي. فالحكومة تتغير والدولة تبقى.
* كيف تنظرون لمركبات الدولة السودانية إثنيا وثقافيا واجتماعيا..هل يجوز القول أن هناك أمة سودانية واحدة ذات ثقافات متعددة؟
ـ من قيم الاسلام وحكمه معرفة العلاقة بين الوسائل والغايات ووضع الامور في نصابها. ومن ذلك معرفة أن الغاية من ضبط وتنظيم شؤون المجتمعات هي توفير المناخ المناسب لانجاب الفرد الحر الكريم وأي وسيلة تهدد هذه الغاية النبيلة هي وسيلة فاسدة ومفسدة ومن ذلك الانشغال بأمور الامم عن غاية حفظ الكرامة للانسان وتوفير سبل الحرية والعدل والمساواة، فلا اعتبار عندي لأوهام القومية السودانية أو غيرها من الامم على حساب حرية وكرامة جميع الافراد والجماعات في سبيل سراب الوحدة أو أوهام المجد للامم فإذا نظرنا إلى الامر في هذا الاطار فسنجد أنه من الممكن التوفيق بين التعددية الاثنية والثقافية والاجتماعية في اطار القطر الواحد. وإذا انشغلنا عن قاعدة أن الانسان هو دائما غاية التنظيم الاجتماعي والسياسي فسوف نبدد الجهد في مطاردة أوهام الدولة والامة على حساب الغاية المرجوة من ذلك، فلا ضير من تصور الامة السودانية إلا إذا كان ذلك على حساب كرامة وحرية الانسان السوداني للانتماء لكل انماط التركيبات الاجتماعية سواء كانت إثنيا أوثقافيا. فكرامة الانسان هي الغاية والوحدة القومية لا تستقيم إلا مع الرعاية الكاملة لتلك الغاية.
* جاء في حديثكم أن «لا ضير من تصور الامة السودانية إلا إذا كان ذلك على حساب كرامة وحرية الانسان السوداني للانتماء لكل انماط التركيبات الاجتماعية إثنيا وثقافيا واجتماعيا» بيد أن هناك فرق بين تصور هذه الامة فكريا وتحققها على ارض الواقع..ألا ترون أن السودان بمفهوم الامة لم يتشكل بعد، وهل المظاهر المتحققة ألا ترونها تمثل وجها للثقافة العربية الاسلامية، بنما لا يوجد تأثير للثقافات الأخرى كما يشكو بعض الناس..؟
ـ هذا التصور الصحيح للأمة السودانية يكون على المستوى الفكري حتى يتحقق على أرض الواقع إلا أن العلاقة بين النظرية والممارسة هي سجال وتفاعل بين الفكروالعمل بحيث يكشف الفكر الواعي عن عيوب الممارسة ثم يتبع العمل لتصحيح الخلل على أرض الواقع. ومن هذا المنظور فإن مفهوم الامة السودانية لا يزال في مجال التكوين والتداول بين الخطأ والصواب. وفي حقيقة الامر هذا التداول والتطور هو حال جميع الامم حتى في الدول المستقرة والتي لا تزال أبدا في محاولة مستمرة لتعريف نفسها وتحديد هويتها إلا أن الصراع حول هوية الامة أكثر حدة في الدول النامية مثل السودان مما هو في الدول المتقدمة ومن مظاهر هذا الصراع في حالة السودان أن مقومات الثقافة العربية والإسلامية اكثر هيمنة على مظهر الامة السودانية من المقومات الاخرى، وهذا خلل كبير وقصور في تحقيق حق المصير لجميع قطاعات الشعب السوداني. فالمطلوب هو تصحيح التصور النظري والممارسة العملية حتى تجد الثقافات الأخرى نصيبها في تشكيل الهوية القومية للسودان كأطار لوطن يمثل جميع السودانيين. ولكن يجب أن نرى ذلك الجهد في إطار التكوين والتحولات المستمرة في صياغة الهوية القومية، وليس كخيار صارم بين الهوية الافريقية والهوية العربية الاسلامية، وكذلك يجب أن نرى ما يسمى بالهوية الافريقية أو العربية الاسلامية على حقيقتها المتنازعة والمتغيرة بإستمرار، فكل هوية هي دائما في حراك وتحول، ولا تبقى على حالة واحدة. كذلك يجب أن نرى تنوع الهوية وتعددها في حالة الفرد الواحد والجماعة. فأنا سوداني وذلك يعني أني أفريقي ومسلم وأتحدث العربية وأتفاعل مع قضايا التحرر الافريقي والعربي وكذلك أنتمي إلى حركة حقوق الانسان العالمية ومناهضة الاستعمار والسعي لتحقيق التنمية الشاملة وكل ذلك في تساند وتعاضد مع أناس من مختلف أنحاء العالم.
* أراك قدمت نفسك كأفريقي أولا على غير عادة أغلبية معتبرة من السودانيين الذين يقدمون عربيتهم على أفريقيتهم كأنك توحي بأن عروبتك ثقافية وليست جينية بقولك إنك تتحدث العربية..؟
ـ نعم أنا أفريقي مسلم وأتحدث باللغة العربية وهذه هي الحقيقة الظاهرة والموضوعية فغالبية أهل شمال السودان ليسوا عربا عرقيا وإن كنا ننتسب للثقافة العربية .بل أنا لا أرى أي قيمة حضارية في الانتساب للعروبة التي لم تدخل التاريخ إلا عن طريق الاسلام ، فالعروبة عنصرية ضيقة والانتساب للاسلام هو القيمة الحضارية الانسانية فيكفيني أني مسلم وحقيقة تكويني العرقي الجيني هو أفريقي تماما ومع هذا فأنا لا أعول على الهوية العرقية ولا الثقافية بصورة تستبعد ابعادا أخرى لكياني ووجداني كأنسان مشغول بقضايا التحرر وحماية حقوق الانسان وأقف في ذلك مع من هو عربي وأوربي وهندي وصيني ما دام يشاركني هذه المواقف.ومن هذا المنطلق في فهم هويتي الافريقية وثقافتي العربية وتنوع انتماءاتي ومشاركاتي في الحياة العامة فأنا أدعوا إلى تجديد وتصحيح مفهوم السودان بين السودانيين ليكون شاملا لجميع الاعراق والثقافات التي ينتمي إليها أهل السودان حسب رؤيتهم الذاتية لأنفسهم وليس كما تصنفهم الصفوة الحاكمة. وتصحيح وتجديد مفهوم السودان ليس هو سودان جديد وإنما يقوم على نفس السودان وفقط يدعوا إلى إعادة صياغة المفهوم سياسيا وإجتماعيا.


http://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=48245[/size]

Post: #894
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-14-2008, 02:02 PM
Parent: #1


البروفيسور عبدالله أحمد النعيم ل*«الصحافة»2 - 4
لا أجد فرقاً يذكر بين مناورات ما يسمى بالمعارضة السياسية السودانية ومناورات النظام
حاوره في واشنطن: صلاح شعيب
البروفيسور عبدالله أحمد النعيم يعتبر وجهاً مشرفاً للمفكرين السودانيين في المحافل الإقليمية والدولية، واستطاع ببحوثه وكتبه الفكرية القيمة حول الإسلام والمسلمين وحقوق الإنسان وقضايا التحرر الإنساني والقانون الدولي أن يقدِّم مساهمات ثرّة في الجدل الدائر منذ فترة عن هذه المواضيع الشاغلة للذهن الإسلامي بشكل خاص والإنساني بشكل عام. فوقاً عن ذلك أسهم النعيم في ترجمة بعض الكتب من الإنجليزية إلى العربية والعكس ولعل آخر اسهاماته في هذا المضمار نقله رواية البروفيسور فرانسيس دينق إلى قراء العربية «طائر الشؤم».
وفي المجال الأكاديمي، والذي استهل مشواره محاضراً في جامعة الخرطوم التي تخرج فيها، عمل بالعديد من الجامعات العربية والأفريقية والأوربية والأمريكية محاضراً واستاذاً زائراً. وظل على مدار العقدين الماضيين يسهم في مجال تخصصه «القانون الدولي» ويشارك بتقديم المحاضرات وأوراق العمل حول تلك القضايا الفكرية والسياسية التي إنشغل بإجلاء وجهة نظره حولها، وبالتوازي مع هذه المجهودات الأكاديمية الرفيعة شارك في العديد من المؤتمرات الفكرية حول العالم وانصب عمق مشاركاته داخل الولايات المتحدة التي استقر بها.
وبوصفه تلميذاً وفياً لأستاذه محمود محمد طه، والذي قدّم نفسه شهيداً في ميدان الفكر الديني والسياسي، لعب البروفيسور النعيم مع بعض تلاميذ آخرين للأستاذ دوراً مقدّراً في إبراز وتوضيح وتفسير مقولات مؤسس الفكر الجمهوري عبر العديد من الكتابات والندوات الثقافية.
وأخيراً صدر للبروفيسور النعيم كتاب جديد حول العلمانية بالإنجليزية -وترجم إلى ثماني لغات- وصاحب هذا النشر تلبية لعدد من الدعوات لتوضيح الفكرة الاساسية للكتاب وقدم إلى منطقة واشنطن بدعوة من قسم الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة جورج تاون وقدم محاضرة هناك، وأعقبها بأخرى أقامتها مدرسة الجالية السودانية بالميرلاند بالتعاون مع الجالية السودانية.
(الصحافة) انتهزت فرصة وجود البروفيسور عبدالله أحمد النعيم وأجرت معه هذا الحوار الذي تطرّق لعدد من القضايا، فإلى الجزء الثاني منه:

? كيف تقيمون عمل الحركات السياسية المسلحة، هل تكتسب مشروعية عملها من خلال فشل الدولة في تلبية احتياجات من يمثلون؟
* القاعدة الأساسية في سياسة أمور الامم والشعوب هي أن العنف لا يجدي إلا في مضاعفة المعاناة وجلب الخسائر على أصحاب كل قضية وبخاصة على النساء والأطفال والمستضعفين بينهم إلا أن الدفاع عن النفس والعرض والكرامة ليس عنفاً، بشرط أن يكون ذلك في أضيق الحدود وفقط من أجل حمل الاطراف المتشددة على التفاوض الذي من خلاله يمكن التوفيق بين المصالح المتصارعة. ولأننا لا نرى دائماً أن اللجوء إلى العنف حتى باسم الدفاع عن النفس إنما هو تسويف لفرص الحوار والتفاوض والتي لا بد منها في نهاية المطاف فإني اتشكك دائماً في نوايا قيادات الحركات المسلحة.
وحتى لا يصرِّف القارئ قولي هذا بأنه تعميم غير مفيد فأنا أقول بالتحديد أن قيادات الحركات السياسية المسلحة في دارفور مثلاً عليها واجب التفاوض بالطرق السلمية وصحيح أن بعض قيادات الحكومة تراوغ وتتحايل لتجنب التفاوض الحاسم. إلا أن هذا لا يعفي قيادات الحركات المسلحة من واجب التفاوض فهناك فرق بين اللجوء للعمل المسلح طلباً للتفاوض والتذرع بضيق فرص التفاوض لتبرير استمرار العمل المسلح. والسؤال لقيادات الحركات االمسلحة في دارفور هو لماذا تدعو وتسعى من وراء المعارضة للحكومة، وكيف تختلف عن القيادات السياسية التقليدية؟ كيف نعرف ان القيادات الجديدة لن تستغل قضية المستضعفين في دارفور في خدمة الصفوة كما فعلت القيادات السا بقة؟
? المعارضة السياسية السودانية.. على اعتبار أنكم طرف أصيل فيها من ناحية مقاومة مشروع الدولة الدينية فكرياً.. كيف تقيمها؟
* لا أجد فرقاً يذكر بين مناورات ما يسمى بالمعارضة السياسية السودانية ومناورات النظام الراهنة فكل أطراف الصراع على السلطة في السودان هي مجرَّد فصائل وقيادات متناحرة على نفس المكاسب الضيقة وبنفس الوسائل العقيمة. فلدى التحليل العلمي والموضوعي لحقيقة الصراعات السياسية في السودان منذ الاستقلال سنجد أن نفس القيادات تتناوب أدوار الحكومة والمعارضة في دوامة مفرغة وذلك على حساب استقرار وتنمية البلاد وسلامة وكرامة المواطنين. فما يسمى بمشكلة الجنوب أو مشكلة دارفور الآن هما أعراض لنفس المرض وهو غياب المذهبية الواعية وتدني مستوى المسؤولية لدى قيادات الشعب السوداني ولكل من هذه الأعراض سماته الخاصة ومواصفاته المحددة إلا أنها لن تجد الحل إلا بإقامة المذهبية الواضحة وتحمل المسؤولية في تأسيس العمل السياسي على مبادئ الحكم الدستوري الديمقراطي داخل الأحزاب نفسها حتى تكون قادرة على تحقيقه على مستوى القطر.
? تفضلتم بالقول إنه «لا أجد فرقاً يذكر بين مناورات ما يسمى بالمعارضة السياسية السودانية ومناورات النظام الراهنة فكل أطراف الصراع على السلطة في السودان هي مجرد فصائل وقيادات متناحرة على نفس المكاسب الضيقة وبنفس الوسائل العقيمة..» كأنك تستطرد على ما قاله الاستاذ محمود إن الشعب السواداني عملاق ويتقدمه أقزام؟
* كان الأستاذ محمود يقول بعد ثورة أكتوبر 1964 إن الشعب السوداني عملاق يتقدمه أقزام، والمؤسف والمحزن أن هذا القول لا يزال صحيحاً في حق القيادات السياسية الراهنة. بل أن هذه القيادات لا تزال لنفس الافراد والذين ما زالوا على نفس التخبط والقصور وعدم الكفاءة، إلا أن المجال مفتوح في كل يوم لجميع أفراد الشعب السوداني لتقدم وتحمل مسؤولية قيادة نفسه في المكان الاول وتحريرها من الخوف والجهل وذلك هو السبيل الوحيد لتصحيح حال قيادة الأمة جمعاء، فعلى الشعب السوداني العملاق أن يعلم الخلاص من قيادة الاقزام له إنما هو في قيادته لنفسه بنفسه.
مشكلة الجنوب هل هي جزء من الصراع الديني في السودان أم يمكن النظر إليها بوصفها تجل لمظاهر صراع التركيبات الاثنية السودانية؟
* أعتقد فيما يسمى بمشكلة الجنوب أننا نجد بعداً دينياً وهو كذلك طرف من تعقيد التركيبات الاثنية والثقافية ولن يكون حل هذه المشكلة بإذابة الفوارق الدينية والثقافية بين الجنوب والشمال، أو في الجنوب، أو في الشمال.. وإنما يكون الحل بتأسيس الحكم الدستوري الديمقراطي الذي يمكن جميع السودانيين من التفاوض المستمر وتقاسم السلطة والثروة بين جميع القطاعات والشرائح وليس في مساعي الوحدة مخرج للجنوب ولا للشمال على حساب حرية وكرامة الإنسان السوداني في كل أنحاء القطر.
? ما هي مساهمات الجمهوريين في حل مشكلة دارفور كجزئية ملحة في إطار الصراع السوداني الكبير؟
* لا أتحدث أنا باسم أستاذي محمود محمد طه ولا ينبغي لي ولا أملك حق الحديث باسم الاخوان الجمهوريين وإنما أقول عن نفسي وعلى مسؤوليتي الشخصية أن حل مشكلة دارفور يقتضي حفظ الأمن أولاً وإيقاف نزيف الدم، ثم التفاوض بين جميع الأطراف. وبما أن النظام القائم في السودان اليوم هو أحد هذه الأطراف فلن يقدر على ضمان الشروط المطلوبة للحل السلمي بدون تدخل المجتمع الدولي. إلا أن المجتمع الدولي ليس أميركا ولا بريطانيا وهي دول استعمارية كما نرى في العراق في الوقت الحاضر وليس أي من الدول الاوربية الأخرى أو الافريقية هي المجتمع الدولي وإنما المجتمع الدولي المقصود عندي هو كافة الدول مجتمعة شريطة أن تعمل من خلال المؤسسات والمنظمات الدولية وهي الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي. صحيح أن هناك بعض المشاكل والعقبات الواضحة في عمل هذه المنظمات الدولية ولكن لا سبيل إلا من مواصلة الجهد لحل تلك المشاكل وتجاوز العقبات من خلال هذه المنظمات نفسها. وبما أن أهل السودان قد فشلوا في حل مشاكلهم عن طريق التفاوض السلمي فمن واجب وحق المجتمع الدولي التدخل كمجتمع دولي مؤسسي وليس بتدخل دول معينة، سواء كانت غربية أم شرقية أو أفريقية. فتدخل الدول الأخرى هو دائماً لخدمة مصالحها هي، والمطلوب هو تدخل المجتمع الدولي ككل من خلال مؤسساته المشروعة.
? قلت إن «المجتمع الدولي ليس أميركا ولا بريطانيا وهي دول استعمارية كما نرى في العراق في الوقت الحاضر وليس أي من الدول الاوربية الأخرى أو الافريقية هي المجتمع الدولي وإنما المجتمع الدولي المقصود عندي هو كافة الدول..» ولكن عملياً نعرف هيمنة أميركا وأوربا على القرار الدولي: كما أن مفهوم المجتمع الدولي الذي تدعو إليه لا يتحقق عمليا على أرض الواقع في ظل عالم النظام العالمي الجديد..؟
* صحيح أن الولايات المتحدة وحلفائها في اوربا لا يزالون يهيمنون على القرار الدولي ولكن ذلك هو الحال لقصورنا نحن في العالم الثالث عن النهوض لتحمل المسؤولية في قيادة أنفسنا والمجتمع الدولي كذلك، فكما هو الحال بالنسبة للشعب السوداني العملاق الذي يتقدّمه أقزام فلن تتنازل الدول الكبرى عن هيمنتها إلا إذا نهضت الشعوب الأخرى بمسؤوليتها عن نفسها، فكما قال المفكر الإسلامي مالك بن نبي بأن الاستعمار هو النتيجة للقصور الداخلي وليس هو السبب للقصور الداخلي ومع أن التحدي يبدو كبيراً علينا اليوم بأكثر مما نقدر عليه إلا أن هذا هو فقط بسبب ضعف ثقتنا في أنفسنا وقصور همتنا ولنا في هذا المجال المثل الرائع على انتصار الشعوب على الهيمنة الأجنبية حالة الهند تحت قيادة المهاتما غاندي، فعندما بدأ غاندي في المطالبة بخروج الاستعمار البريطاني من الهند وكان نضاله من أجل ذلك بالسبل السلمية فقط بدأ الأمر وكأنه في حكم المستحيل، ومع ذلك فقد تحقق ذلك عملياً وتحررت الهند وهي اليوم في عداد الدول العظمى، ها هو السبيل لتحقيق مفهوم المجتمع الدولي الذي أعنيه وهو السبيل لتحقيق النظام العالمي الجديد حقاً وليس مجرّد القديم في ثوب جديد» وهو كذلك السبيل لتحقيق تحرر السودان وجميع الدول النامية.
? أنت تقول بتحرر السودان والحركة الشعبية كانت تنادي بتحرره وحركات دارفور كذلك.. هل تعني أننا نحتاج إلى سودان جديد يجب القديم.. مماذا تريدون تحريرنا؟
* أقول مرة أخرى إني أتحدث عن نفسي فقط وليس باسم الاستاذ محمود أو الاخوة الجمهوريين وعن نفسي اقول إن الفكرة الجمهورية تدعو إلى تحرير الإنسان من الجهل والخوف بتصحيح التوحيد من خلال تقليد النبي عليه الصلاة والسلام فإذا تحرر الإنسان من الجهل والخوف فسيرى أن تعدد الهوية والانتماء الثقافي هو من طبيعة البشر وذلك لا يمنع التعاون والمشاركة في مواطنة البلد الواحد.
? كيف تقيّمون تجربة طالبان-تنظيم القاعدة والتحولات التي خلقتها على مستوى العالم؟
* ما سبق قوله عن الفشل الحتمي لتجارب الدولة الإسلامية في السودان ينسحب على تجربة الطالبان في أفغانستان ومزاعم تنظيم القاعدة الجهادي المتخلّف، كما ينسحب على المملكة العربية السعودية وإيران والسودان أيام الإنقاذ المزعوم. وأعيد هنا القول بأن مفهوم الدولة الإسلامية هو مغالطة ووهم لم يتحقق تاريخياً ولن يتحقق في المستقبل وأعيد القول كذلك أن العنف لا يخدم أي قضية. صحيح أن حق تقرير المصير ومناهضة الاستعمار والتسلط الاجنبي من المبادئ العامة المقررة الآن بصورة لا تقبل المغالطة ولا التسويف إلا أن هذه الغايات المشروعة لا تتحقق من خلال كبت الحريات وانتهاك كرامة الأفراد والشعوب أو العنف الأهوج الذي نراه الآن في أعمال الجماعات الإرهابية في فلسطين وأنحاء أخرى من العالم الإسلامي أو على مستوى العالم قاطبة.
? ولكن ماذا تقول عن تبرير الولايات المتحدة لإسقاط نظام طالبان والنظام العراقي وما صاحب الغزوين من انتهاك لحقوق الإنسان في هذين البلدين؟
* غزو أفغانستان والعراق انتهاك صريح للقانون الدولي وانتكاس في المجتمع الدولي إلى عهد الاستعمار التقليدي. ربما يكون غزو أفغانستان مجال خلاف موضوعي من منظور القانون الدولي ولكن لا مجال للشك على الإطلاق أن غزو العراق هو انتهاك صارخ لأهم قواعد القانون الدولي، بل هو تحدٍ كامل لإمكانية حكم القانون في العلاقات الدولية.
? وماذا كان موقفك أثناء غزو العراق بوصفك جزءاً من المجال الأكاديمي في الولايات المتحدة والذي قام نفر فيه بمعارضة شديدة للغزو؟
* لقد أسهمت بمقالاتي ومحاضراتي العامة حتى قبل بداية غزو العراق في مارس 2003 بأن هذا هو الاستعمار التقليدي الذي عانت منه المجتمعات الأفريقية والآسيوية، ومن قبلها المجتمعات الأخرى في مختلف أنحاء العالم.. فالتعريف القانوني العلمي للاستعمار هو اغتصاب حق الشعوب في السيادة عن طريق الغزو العسكري من غير مبرر قانوني، وذلك هو ما فعلته الولايات المتحدة وبريطانيا في العراق.. ويمكن الاطلاع على بعض هذه المقالات باللغة الإنجليزية في موقعي على الانترنت، وهو: www.Law.emory.edu/ aannaim.
إلا أنني كذلك في نفس المقالات قلت بأنه من واجبي كمسلم أن أقف في مناصرة القانون الدولي والدفاع عن السلام والتعاون في العلاقات الدولية وذلك لأني ألتزم بهذه المبادئ من منطلق ديني كمسلم بغض النظر عما تفعل الدول الأخرى، فإذا تنازلت أنا عن هذه المبادئ لمجرّد أن الدول الغربية الكبرى تنتهك سيادة الشعوب فسأكون قد سلّمت بأن الغرب هو الذي يحدد ويعرف القانون الدولي بحيث ينتفي وجود هذا القانون أو يبقى بحكم مواقف الدول الغربية.
وأضيف هنا أن الإدانة الدولية الكاملة لإستعمار العراق، حتى بين غالبية شعوب الدول الغربية نفسها، هو الدليل العملي لصحة وضرورة القانون الدولي ولزوم السلام والتعاون في العلاقات الدولية.. وهكذا نرى أن انتهاك الولايات المتحدة لهذه المبادئ قد أسهم في تأييد نفس المبادئ رغم أنه كان في بداية الأمر انتهاكاً صريحاً لها.
? هناك اتجاهات إلحادية عربية نشطة بعد مثول تجربة الانترنت كما ان هناك منصرين مسلمين جدد سواء في السودان أو العالم الاسلامي، كيف ترى مستقبل هذه المضاعفات في بنية الوجود الإسلامي؟
* مبدأ لا اكراه في الدين هو أساس إمكانية أن يكون المرء مسلماً، فالايمان يقتضي بالضرورة المنطقية إمكانية الكفر. لذلك لا بد أن يكون اعتناق الإسلام كدين عن طواعية وحرية كاملة في الاختيار، سواء كان ذلك بقبول الإسلام أو رفضه. من عقيدتي كمسلم أن الله سبحانه وتعالى هو القادر الأوحد على محاسبة البشر على معتقداتهم الدينية، وذلك بالنص الصريح والقاطع لعشرات الآيات في القرآن. كما أن القرآن يفترض امكانية الإسلام ثم الارتداد تكراراً ومع ذلك لا يذكر أي عقوبة في هذة الدنيا «الآية 137 من سورة النساء». وهذا يعني أنه لا يصح ديناً معاقبة المرء على الردة في هذه الحياة الدنيا.
ومن هذا المنظور الاسلامي فإني أقول أولاً بأن من حق أي شخص أن يسلم عن حرية كاملة وطواعية بدون أدنى قدر من الخوف أو الطمع. ولذلك لا ضير اطلاقاً في اختيار بعض الناس الالحاد أو اعتناق بعض المسلمين للمسيحية أو غيرها من الأديان. في رأيي الشخصي أن إلحاد أو اعتناق اي دين غير السلام هو اختيار خاطئ، لكني أحترم تماماً حق أي انسان في أن يفعل ذلك في أي زمان ومكان، وأضيف كذلك أن ضمان حرية الاعتقاد هي من أهم الحقوق الأساسية لأنها تضمن لي حرية التدين كمسلم كما تضمن لغيري حق التدين بأي دين أو اعتناق الإلحاد فكيف أطالب بهذا الحق لنفسي إذا كنت أمنعه عن الآخرين. ولكني أيضاً أرى في ظاهرة الخروج على الاسلام دعوة للمسلمين في النظر إلى الاسباب. فإذا كنا نقدم الاسلام بصورة مغرية وجذابة كدين التسامح والعدالة والسلام، فسوف يعتنق الناس الاسلام ويبقون عليه بحرية وقناعة وليس خوفاً من عقوبة الردة أو العنف الفردي ممن ينصبون أنفسهم أوصياء على معتقدات الناس على عكس مقتضى المنطق وصريح نص القرآن.
? ولكن بعض الأئمة يرون أن المجتمع قد يتضرر من حرية الملحد أو المرتد ما يؤدي لافساد الأخلاق على حسب زعمهم، كيف يجوز حفظ حق الفرد والجماعة في الجتمع في هذا الخصوص؟
* نعم، هناك من يقول إن المجتمع قد يتضرر من حرية الملحد أو المرتد وأنا أقول إن الضرر الأكبر هو في إكراه الناس على الدين وهو ما يخالف صريح نص القرآن علينا كمجتمع أن نقنع الناس بالدخول في الإسلام والبقاء عليه عن طواعية ولكن لا يحق ولا يمكن أن نكرههم على الإيمان، ومحاولة الإكراه إنما تؤدي إلى النفاق حيث يعلن المرء الإيمان خوفاً من العقوبة أو العنف من البشر وليس عن قناعة ذاتية ومصلحة المجتمع هي في إشاعة نموذج الإسلام الحق في العدل والسلام والمحبة حتى نغري الناس بذلك وليس في الإكراه في الدين والمعتقد.

http://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=48303

Post: #895
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-14-2008, 09:53 PM
Parent: #1


السودان القديم والسودان الجديد !! (2-4)
د. عمر القراي

إن تعامل حكومات ما بعد الاستقلال، بعفوية ، وقصر نظر، مع هذه القضايا الحساسة – غياب المذهبية الرشيدة للحكم، والقوانين الإسلامية، وقضية الهوية – هو الذي شكل ما يمكن ان يسمى السودان القديم، والذي نطمع، ونطمح إلى تغييره . فلم يكن لحكومات الأحزاب التي جاءت مباشرة بعد خروج المستعمر، معرفة بالتنمية ، أو رغبة فيها ، وإنما كانت الحكومة فرصة لمساعدة المحاسيب ، على حساب الشعب .. وكان الخلاف، والتنافس السياسي على كراسي الحكم، كاف ليشغل المشغولين به، عن كل قيمة، ويدور بهم ، في حلبة صراع لا تنتهي .. ولم يستمع الأفندية ، الذين حققوا الاستقلال ، لنصيحة الشاعر أحمد محمد صالح حين قال :
يا قادة الرأي حققتم لنا أملاًُ قد كان قبل سراباً خلباً حلماً
كونوا جنوداً فللجندي حرمته لا تجعلوا للكراسي بينكم قيماً
فقد إهتموا بكراسي الحكم، للحد الذي أهملوا معه كل قضايا الشعب ، فرغم قصر فترتهم ، استقبل الشعب الحكم العسكري الاول، غير آسف على حكومة الاحزاب، الضعيفة، المضطربة ، المتناحرة .. ورغم ان نظام عبود قد بدأ بالاصلاحات الإقتصادية، ونال تأييداً كبيراً ، إلا انه أخفق في مواجهة القضايا الهامة، وضلع في تصعيد الحرب في الجنوب، في محاولة جائرة، لفرض التعريب والأسلمة ، باءت بالفشل ، وخلفت مرارات في النفوس .. ثم ان النظام في الشمال، آل الى صور من الفساد ، تجرأ الشعب على نقدها، واظهار الضيق بها . وحين نقد الطلاب في جامعة الخرطوم ، ممارسات النظام ، وتظاهروا ضد سياساته في الجنوب، وتدخل البوليس لقمع حركتهم، اندلعت ثورة أكتوبر، واطاحت بالحكم العسكري الاول ..
لقد كانت ثورة أكتوبر، إجماع شعبي فريد ليس له نظير ، فقد شل تماسك الجماهير ووحدتهم السلطة، ومنعها من استعمال العنف .. وكان يمكن لولا غياب مذهبية الحكم، ان يدخل بها السودان عهد عزته وكرامته .. فالشعب الذي ضاق بالفساد ، وتطلع الى الصلاح ، لم يكن يملك فكرة التغيير، وان ملك رغبة التغيير. ولهذا استطاعت قوى الطائفية ، ان تسرق الثورة، وتضغط على حكومة جبهة الهيئات، حتى يضطر رئيس وزرائها، الى حلها، وتكوين حكومة حزبية .. وهكذا عادت الأحزاب الى الحكم ،دون الشعور بانها قامت بانقلاب مدني ، ودون ان تستفيد من التجربة السابقة ، فلم تحرص على الديمقراطية التي رفعت شعارها، وتعاملت معها بعفوية، وعدم إكتراث ، ثم انها لم تفعل شئ في مجال التنمية.
وعلى حساب ضعف الأحزاب التقليدية، برزت الحركة الإسلامية باسم جبهة الميثاق الإسلامي، وبدأت تستقطب بشعارات تحكيم الشريعة الإسلامية، شباب الأحزاب، وتعبأه ضد خصومها التقليديين من الشيوعيين .. ففي عام 1965م أفلحت جبهة الميثاق، في دفع الاحزاب الى حل الحزب الشيوعي، وكانت تحرج زعماء الاحزاب، بمخاطبة جماهيرهم بان زعمائهم الدينيين، لا يريدون تطبيق الشريعة الإسلامية . ولقد كانت الدعوة الى تطبيق الشريعة الإسلامية، خدعة سياسية، تريد جبهة الميثاق ان تصل بها للحكم، رغم انها لا تملك القاعدة الجماهيرية التي تبرر ذلك .. لقد عبر أبيل ألير عن تلك الفترة، بقوله ( كانت حمى الدستور عالية . ووجهت الأحزاب القائمة على الطائفية الأمة ، والحزب الاتحادي ، وحزب الشعب الديمقراطي بتحد هائل من جبهة الميثاق الإسلامي . وتم تحت ضغط نفوذها دفع الأحزاب الشمالية السابقة ، عدا الحزب الشيوعي ، للتقدم بمقترحات لتحقيق نوع من الدستور الإسلامي ، وحتى الزعماء في قدر ومكانة المرحوم اسماعيل الأزهري ، والمرحوم محمد أحمد محجوب، برغم سعيهما الحثيث لإقامة دولة علمانية ، تم اجبارهما لمساندة مطلب الدستور الإسلامي. أصر النواب الجنوبيين الذين كنت اتحدث باسمهم في لجنة مسودة الدستور وضغطوا بشدة من اجل دستور علماني. لكن دون فائدة ...برزت العديد من المشاكل مثل قضايا تاريخ العلاقات بين الأقليمين العرقية ، الثقافية، والتطور الإجتماعي والاقتصادي غير المتكافئ . برزت كل تلك القضايا، واصبحت اسس وحدة القطر بذلك في خطر. كانت الحجة المؤيدة للدستور الإسلامي تقول بأن غالبية سكان الشمال مسلمين وكان أحد مخاطر ذلك الإقتراح امكانية معارضته باثارة المسألة العرقية . إن فرض التجانس الديني يدعو الى رد فعل عرقي كقوة مضادة وموازنة ... وفي ديسمبر 1968 حزمنا حقائبنا وانسحبنا من اللجنة . وبذلك قد توصلنا لمقاطعة لجنة مسودة الدستور للمرة الثانية خلال عشرة أعوام .) ( فرانسيس دينق: صراع الرؤى –نزاع الهويات في السودان. ترجمة عوض حسن. ص 146 -147).

ومن الاساليب التي دفعت بها جبهة الميثاق الأحزاب لتأييد موضوع الدستور الاسلامي قضية حل الحزب الشيوعي .. فقد بررت حله، بما نسب لشاب في ندوة بمعهد المعلمين العالي، اساء فيها للبيت النبوي الكريم . وكانت الرسالة التي اشاعتها جبهة الميثاق، هي ان السودان يحتاج للدستور الإسلامي، حتى نحمي عقيدتنا. ولم تستطع الاحزاب ان تعارض، رغم ان ذلك إقتضى تعديل الدستور، و مخالفة قرار المحكمة العليا .. وحتى الجنوبيين، الذين حدثنا ابيل ألير فيما نقله عنه فرانسيس دينق، انهم انسحبوا من لجنة الدستور، لم يستطيعوا مقاومتها .. كما كان الحزب الشيوعي معترضاً على مؤامرة حله ، ورافضاً لاغلاق دور حزبه ، لكنه لم يكن يملك الجرأة ، على الخوض في الابعاد الدينية، التي أدت الى تلك الصورة المؤسفة . ولم يكن قادراً على توعية الشعب بها ..
ورغم ان السيد ابيل ألير لم يذكر الجمهوريين، الا انهم هم الذين قاوموا جهالة الدستور الإسلامي .. فقد أصدر الحزب الجمهوري منشوراً بتاريخ 21/11/1965م بعنوان " استغلال الدين للاغراض السياسية أضر بالدين ، وباخلاق الأمة من دعوة الإلحاد السافرة " ومما جاء في ذلك المنشور ( طالعتنا الصحف بخبر عن الطالب شوقي محمد علي يقول انه " سيطلق سراحه بعد ان يتم أخذ أقوال السيدة سعاد الفاتح كتابة ، وبعد ارساله لمستشفى الامراض العصبية ، بناء على طلب السيد فتحي حسن كاشف محامي المتهم الذي قدم طلباً للمحكمة قال فيه ان المتهم مصاب بمرض عصبي، وكان يتعالج في مستشفى الأمراض العصبية " ، ومعنى هذا ان جميع أقوال واعمال المسئولين في هذا البلد، قد انبنت على قولة طالب غير مسئول شرعاً ، ونحن لم نكتب الآن لنقرر هذه الحقيقة المؤلمة ، فان محاسبة المسئولين ، غير المسئولين، سيجئ بها يوم ، تجف من هول سؤاله أسلات الألسن ، وانا لذلك اليوم لمنتظرون .. فلينتظروا ، ولكننا كتبنا لنبين للشعب الآتي :
1- الحزب الجمهوري يدعو لتطوير بعض صور الشريعة الإسلامية ، التي جاءت وهي تحمل سمة "الموقوتية" ، لتصبح أقدر على حل مشاكل عالم اليوم ، فتصبح بذلك أدخل في أغراض الاسلام ، لأن أغراض الإسلام هي التشريع للمجتمع في مستوى مشاكله ، ومستوى امكانه ، ومستوى مجتمعنا الحاضر ، من جميع الوجوه ، غير مستوى مجتمع اسلافنا .
2- جميع الهيئات الإسلامية ، وعلى رأسها الاخوان المسلمون ، يعارضون رأي الحزب الجمهوري في التطوير، ويرون ان جميع صور الشريعة الإسلامية الواردة فيها النصوص القطعية لا تحتاج منا الا الى التطبيق من جديد لتحل مشاكل عالمنا الحاضر على أتم الوجوه .
3- ومع ذلك ، فان جماعة الأخوان المسلمين ، مجاراة منها لحكومة أكتوبر الأولى ، أعطت المرأة حق التصويت وحق الترشيح ، على قدم المساواة مع الرجل .
4- جماعة الأخوان المسلمين قدمت أمرأة شابة ، هي السيدة سعاد الفاتح ، لتحاضر طلبة معهد المعلمين العالي في بعض شؤون المرأة المسلمة ، كما بلغنا، وقد وقع الحادث المشئوم في تلك المحاضرة .
5- من حق الشعب المسلم ان يسأل هذه الجماعة من أين جاءت بعملها هذا الذي تنسبه للاسلام بتشريعه الحاضر؟) ( منشورات الحزب الجمهوري للفترة 1964-1969م)
وفي اتجاه نقد الدستور، واظهار تناقضاته ، بغرض توعية الشعب، بمعارضته كتب الجمهوريون ( وهذا الدستور الذي بين يدي الجمعية التأسيسية الآن ، والذي تسميه جريدة الميثاق دستورياً اسلامياً ، لا يستحق ان يسمى دستوراً ، على الإطلاق ، فهو قد تغول على أصل الحقوق الأساسية تحت ستار محاربة الشيوعية ، وتغول على استقلال القضاء ، ثم هو مثل من التناقض المحزن .. ففي المادة الأولى يقول " السودان جمهورية ديقراطية اشتراكية ، تقوم على هدى الإسلام" وفي المادة نمرة 113 يقول " الشريعة الاسلامية هي المصدر الاساسي لقوانين الدولة " وفي المادة نمرة 114 يقول " يعتبر باطلاً كل نص في أي قانون يصدر بعد اجازة هذه الدستور ويكون مخالفاً لاي حكم من احكام الكتاب والسنة الا اذا كانت تلك المخالفة قائمة في جوهرها قبل اجازة الدستور" ونحن نقرر هنا أن ليس في الشريعة الإسلامية – الزكاة ذات المقادير- اشتراكية وليس في الشريعة ديمقراطية .. ومن ثم فان في هذه المواد تناقضاً يجعل الدستور حبراً على ورق .
وتناقض آخر ، على سبيل المثال، في المادة نمرة 18 " تكفل الدولة للوالدين الحق في اختيار التعليم الذي يريدونه لابنائهم " وفي المادة 22 " تعمل الدولة على تحقيق العدالة الاجتماعية في الإقتصاد وتحرير المجتمع من الظلم والاحتكار والربا وعلى توجيه النهضة الاقتصادية بالتخطيط العلمي الدقيق بما يضمن زيادة مضطردة في الانتاج تحقق الاكتفاء الذاتي وتكفل العيش الكريم للمواطنين وبما يمنع الاستغلال الاقتصادي ويحقق توزيع الدخل القومي توزيعاً عادلاً بين المواطنين " . هذا مجرد انشاء جميل ، ولم يقصد منه غير ذلك ، والا فكل من أوتي ادنى بصر بالأمور يعرف ان التخطيط الاقتصادي الدقيق يعني اعداد فنيين بأعيانهم ، كما ، وكيفاً ،فأنت لا بد لك من ان تخرج مهندسين معماريين ، وميكانكيين ، وكهربائيين ، وزراعيين ، ولا بد لك من اطباء بيطريين ، وبشريين . ولا بد لك من كافة الفنيين ، لتخرجهم باعداد مرسومة ، فاذا قلت كما قالت المادة نمرة 18 " تكفل الدولة للوالدين الحق في اختيار التعليم الذي يريدونه لابنائهم " فإنك تكون أحد رجلين .. أما رجلاً لا يعني ما يقول ، حين تتحدث عن التخطيط الاقتصادي ، أو رجلاً لا يفهم ما يقول .. أقرأ ان شئت المادة نمرة 14 " تسعى الدولة جاهدة لبث الوعي الديني بين المواطنين وتعمل على تطهير المجتمع من الإلحاد ومن كافة صور الفساد والانحلال الأخلاقي " تجد انشاء جميلاً يروقك ، وقد يكسبك بسرعة الى جانب مشروع الدستور .. ولكن قف ، واسأل ، كيف يتم للدولة " تطهير المجتمع من الإلحاد ومن كافة صور الفساد " ألسنا نعرف جميعاً أن اجهزة الدولة كلها فاسدة ؟ ألسنا نشكو من هذا الفساد في الوزراء ؟ وفي الخدمة المدنية ؟ وفي النظام الحزبي ؟ أم هل ننتظر ان نجني من الشوك العنب ؟؟ ) ( محمود محمد طه : الدستور الإسلامي ؟ نعم .. ولا !! 1968 م ص 47-49 ) .

لقد جاءت مايو، بمثابة انقلاذ للبلاد، من مؤامرة الدستور الاسلامي المزيف ، واوقفت نزيف الدم في الجنوب ، بعقدها لاتفاقية أديس ابابا ، وطرحت برنامج الاصلاح الزراعي، واقامت مشاريع التنمية ، ففرح بها الشعب، وغنى لها شعراؤه وفنانوه .. وبفضل التفاف الشعب حولها، نجحت مايو في صد التآمر ضدها، فهزمت الطائفية والشيوعيين ، وقهرت تجمع الشيوعيين والإتجاه الإسلامي، في الفترة بين 1970-1973م . وحين تآمرت الطائفية وغزت البلاد من الخارج ، دحرتها مايو في عام 1976م .. ولكن الجماعات الإسلامية، والاحزاب الطائفية، دارت حول مايو، وضللتها، وساقتها للمصالحة عام 1977م .. وبموجب تلك المصالحة ، دخلوا في الحكومة، واخذوا يستغلون امكاناتها، لخدمة اجندتهم، ثم عاودوا من داخل اجهزة الحكومة، طرح برنامجهم القديم للدستور الإسلامي، وحاولوا تنفيذه من خلال حكومة مايو .. فبوحي منهم، وتضليل، أعلن نميري قوانين سبتمبر، وسماها القوانين الأسلامية . وحتى ينسجم مع التوجه الجديد، الذي يخدم مصالح القوى المتخلفة، تراجع عن اتفاقية السلام ، وقطع أيادي الفقراء، وهو يعلن المجاعة في عام 1984م ، واقام محاكم العدالة الناجزة ، وزودها بغير المؤهلين من اعضاء الجماعة الاسلامية .. فلم ينل الشعب على أيديهم الا السيف والسوط ، فشعر الناس بالهوان، وتجرعوا الذل ، وعانوا من الفقر والفاقة .. وفشلت مشاريع التنمية، تحت ضربات الفساد، ولم يبق من مايو التي إلتف الشعب حولها من قبل، الا اسمها .. واشتعلت الحرب في الجنوب من جديد ، ونشأت حركة جديدة أكثر وعياً بالصراع ، ومتطلبات النجاح فيه، من الانانيا، سمت نفسها الجيش الشعبي لتحرير السودان.. وبرز في قيادتها رجل عرف الشمال كما عرف الجنوب، وفهم التيارات السياسية ومواقعها المختلفة في خريطة الوطن، فطلب القيادة بحقها من الوعي، والتجرد، والتضحية فاجمع عليه الثوار في الجنوب، واحترمه الاحرار في الشمال ، ذلك هو الدكتور جون قرنق دمبيور .
ومنذ انضمامه للحركة ، بدأ د. جون يضع الاسس النظرية لها، والتي اعتمدت على قراءة صحيحة للسودان القديم ، مكنته من طرح بديل دقيق للسودان الجديد . ومع تصاعد حركة الهوس الديني، بقيادة نميري وحلفاؤه من الجماعات الإسلامية في الشمال، تصاعدت مقاومة الحركة الشعبية في الجنوب، وامتدت الى مناطق أخرى للمهمشين .. وكانت الساحة في الشمال خالية، الا من مواجهة الجمهوريين، الذين أصدروا منشوراً ، رسموا فيه الخطوة الأولى نحو السودان الجديد .

د. عمر القراي
أجراس الحرية

Post: #896
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-15-2008, 08:38 AM
Parent: #1


السودان القديم والسودان الجديد !! (3-4)

إن تصور د. جون قرنق للسودان الجديد، انما هو تصور لوحدة السودان . ولكن الوحدة التي ينشدها تختلف من الوحدة التي يقوم عليها السودان القديم، تلك الوحدة التي كانت تقوم على سيطرة القبائل التي تنسب نفسها الى الجذور العربية، وتركيز الثروة والسلطة في يدها، وتهميش كل القبائل الاخرى، ذات الاصول الافريقية، وفرض الوحدة من منطق القوة المركزية التي لاتحفل بالاقاليم البعيدة .. ان الوحدة التي تقوم على عدالة توزيع السلطة والثروة ، والمشاركة المتكافئة ، والاعتراف الكامل بحق المواطنين في بلدهم، لا يمكن ان تفرض بالقوة، وانما هي منسجمة تماماً، مع ما انتهت اليه الحركة الشعبية ، من اعطاء المواطنين الجنوبيين حق تقرير المصير ..

لقد نظر د. جون الى تاريخ السودان الضارب في القدم ، فوجد انه عبر كل الأزمنة، كان يقطنه اناس تجمع بينهم سبل الحياة، ويختلفون في ثقافتهم، ومعتقداتهم، وتراثهم.. ثم نظر الى حاضر السودان، فوجد ان القبائل التي تقطنه في الشمال، والشرق، والغرب، والجنوب، تختلف كما كان يختلف اسلافهم، وان جمعت بينهم نفس الارض.. هذا التنوع الراسخ القدم ،الباقي حتى اليوم، هو الذي مد د. جون بفكرة السودان الجديد، الذي يتحول فيه التنوع الى مصدر اثراء، يغني الوحدة ويغذيها .. لقد طرح د. جون مفهوم حكومة الوحدة الوطنية، قبل اتفاقية السلام الشامل بعدة سنوات، فقال ما يمكن ترجمته كالاتي ( نحن أيضاً نطرح مقترح ثالث لا يتحدث عنه الناس كثيراً . نحن نقول : دعونا نكون حكومة وحدة وطنية يكون فيها الجبهة القومية الاسلامية ، ونحن، وبقية اعضاء التجمع الوطني الديمقراطي ممثلين . عندما افكر في هذه الكلمات حكومة الوحدة الوطنية ، هذه كلمات جيّدة . انها جذابة بشكل عاطفي ولكن عن اي وحدة نتحدث ؟ هل نعني نفس الاتجاه الذي كان متبع منذ عام 1956 م أم هل نفترض ان اننا نسير في اتجاه آخر؟ مرة أخرى مع التجمع الوطني الديمقراطي الذي يقول لا لأي مفاوضات مع حكومة الجبهة القومية الاسلامية وكون الحركة الشعبية لتحرير السودان عضو في التجمع وهي تقترح حكومة وحدة وطنية قد يظن الناس انه هذا تناقض . ولكن حكومة الوحدة الوطنية في اذهاننا نحن الذين اقترحناها في نيروبي تفترض عدة اشياء : 1- الدين والدولة منفصلان عن بعضهما البعض لانك لا يمكن ان تتحدث عن حكومة وحدة وطنية عندما يكون الدين والدولة غير منفصلين وهذا مطلب اولي للحركة الشعبية لتحرير السودان. 2- رفع الحظر عن الاحزاب السياسية أي اعادة نظام حزبي تعددي . هذا يتطلب من الجبهة القومية الاسلامية اذا وافقت على حكومة الوحدة الوطنية ان تقوم بالغاء كل القوانين الدينية التي سنها نميري والتي سنتها الجبهة الاسلامية القومية والا لن تكون هنالك حكومة وحدة وطنية ) (رؤية السودان الجديد : اشكالية الوحدة والهوية : خطاب د. جون في القاهرة 1998م . تحرير د. الواثق كمير ص 81-82 ). لقد كان د. جون واعياً بان أهم دعائم السودان القديم القوانين الاسلامية المزعومة .. وكان يعلم انها هي العائق الاساسي امام الوحدة الرشيدة، وهي من ثم ، المانع لقيام حكومة الوحدة الوطنية، التي يمثل فيها كل الشعب ، بمختلف فئآته، وكياناته، وثقافاته، ولهذا لم يتوانى في مقاومتها بكل سبيل.

وحين اعترض د. جون على القوانين الاسلامية، باعتبار انها فرض قناعات مجموعة واحدة على عدة مجموعات اخرى تختلف معها في المعتقد، اعترض عليها الاستاذ محمود محمد طه باعتبار انها لا تمثل أصل الدين الاسلامي، وان مثلت فروعه التي ناسبت المجتمع البشري في القرن السابع الميلادي.. ذلك ان اصل الدين الاسلامي، انما يقوم على حرية الاعتقاد، والمساواة التامة بين اصحاب المعتقدات المختلفة. وحين وقف الاستاذ محمود محمد طه ، أمام محاكم البغي والعدوان ، التي ابتدعها المخلوع نميري ، متهماً باثارة الكراهية ضد الدولة ، كان يعلم انه يمثل صوت الشعب السوداني ، بعد ان استطاعت الحكومة بالترغيب والترهيب ، ان تقهرالمعارضة في الشمال ، وتحتوي اطرافها ، وترفع شعارات الاسلام ، لتخضع بها الشعب ، وتجمع حولها المهووسين تمهيداً للقضاء على المقاومة في الجنوب . فاعترض الاستاذ على قوانين سبتمبر، وطالب بالغائها، تمهيداً للحل السلمي لمشكلة الجنوب، فاعاد بذلك الى الأذهان ، موقفه التاريخي ، حين وقف بنفس القوة ، في وجه الاستعمار الانجليزي ، قبل اربعين سنة ، متهماً بنفس التهم، وكان قد اعترض على سياسة الانجليز وقصور المثقفين الوطنيين عن مواجهة قضية الجنوب!!
ولقد كانت قضية الجنوب ، هي العامل الثابت ، في كلا الموقفين ، العظيمين . فقد لخص منشور " هذا أو الطوفان " الذي جرت بسببه المحاكمة في الثمانينات ، التي اعدم على اثرها ، موقف المناهضة لحكومة نميري، في :
1- إلغاء قوانين سبتمبر ، لتشويهها للاسلام ، واذلالها للشعب ، وتهديدها للوحدة الوطنية .
2- حقن الدماء في الجنوب ، واللجوء الى الحل السياسي السلمي .
3- إتاحة فرص التوعية والتربية للشعب .
كما حوت مقاومة الاستعمار في الاربعينات ، التركيز على مشكلة الجنوب أيضاً . ففي 11/2/1946 م صدر منشور عن الحزب الجمهوري ، جاء فيه (ما سكوتكم عن الجنوب ايها السودانيون- ما سكوتكم!؟ تعالوا فاتركوا هذا العبث السخيف – هذه المذكرات والوثائق – هذا التحالف والاتحاد – وواجهوا الحقائق المرة، فالجنوب مشكلتنا الأولى، والسكوت عنه مزر بكرامة السودانيين أبلغ زراية .. وإن سكوتكم عن الجنوب أيها السودانيون، لييئس منكم الولي، ويطمع فيكم العدو.. الجنوب ارضكم .. والجنوبيون أهلكم .. فإن كنتم عن أرضكم واهلكم لا تدافعون فعمن تدافعون؟... ولتخسأ تلك السياسة التي تركت اخواننا الجنوبيين يعيشون في القرن العشرين حفاة عراة مراضا جياعا بمعزل عنا....أيها السودانيون ان الإنجليز ليرمون الى جعل الجنوب مهجرا بريطانيا، ومزارع بريطانية على غرار كينيا ويوغندا، ولكن الحزب الجمهوري، الذي يسعى الى تحقيق وحدة السودان، أولا وقبل كل شئ ، يقف اليوم امام صخرة الجنوب ، وقد عقد النية على ازالتها عن طريق الوحدة ، بالغ ما بلغ امرها، ونحن اذ ننوء بأعباء هذا الطريق الوعر، ليس لنا من عتاد غير الشعب السوداني، اليه نتجه، وبه نهيب، وله ندعو بالهداية الى صوت الحق ، من بين هذا النعيق، الذي يزحم الأفق)( منشورات الحزب الجمهوري : الجنوب 2 )

وفي مقال له عن مشكلة الجنوب في الخمسينات يقول الاستاذ محمود (فعلى الذين فدوا رحمة الله، وعلى الذين فدوا الا يجعلوا دماء موتاهم تهراق في غير طائل، هذا هو الواجب .. علينا جميعا من شماليين وجنوبيين، الا نجعل دماء موتانا في قضية الجنوب تهراق في غير طائل، وذلك بالحرص والعمل الجاد، في سبيل حل المشكلة، وفي سبيل خدمة مواطنينا في كلا الأقليمين.. ونحن حتى الآن، لم نقم بهذا الواجب..نحن، حتى الآن مشغولون بالعداوة لبعضنا البعض، بأكثر من شغلنا بالعمل على تنمية اقليمينا، وعلى توعية مواطنينا...) ( منشورات الحزب الجمهوري : الجنوب 3)

وكان من الممكن ان ان تكون انتفاضة مارس /أبريل ، بداية عهد جديد ، يضع فيه السودان قدمه ، على الطريق الصاعد ، لو لا ان القوى الحزبية التقليدية ، أفرغت الانتفاضة من محتواها ، وزيفت مبادئها ، وسرقت زخمها ، كما فعلت من قبل بثورة اكتوبر المجيدة . وبلغ من فشل الاحزاب ، الكبيرة ، بعد الانتفاضة ، انها عجزت حتى عن الائتلاف ، وانشغلت بالصراعات حول المكاسب المالية ، عن قضايا الوطن ، في الشمال والجنوب . واستمرت الحكومة المنتخبة بقيادة السيد الصادق المهدي ، دون ان تلغي قوانين سبتمبر، أو توقف الحرب في الجنوب !! وحين لاحت بادرة السلام ، في اتفاق الميرغني – قرنق 1988م رفضتها الحكومة ، التي كانت وحليفتها الجبهة الاسلامية ، تعدان للسودان ، القوانين الاسلامية الجديدة !!
في تلك الظروف ، لم تكتف الجبهة الاسلامية، بالتحالف مع الحكومة ، فقررت ان تنفرد بالسلطة ، فكان انقلاب يونيو 1989م . ولقد كان الجبهة الاسلامية ، منذ ان كان اسمها جبهة الميثاق الاسلامي ، تدعي ان تطبيق القوانين الاسلامية، سيحقق للشعب الأمن، والخير والسلام . وحين فشلت وسقطت حكومة نميري ، زعم الترابي وقد كان مستشاره ، انه لم يكن يشاوره ، واعتبر ابعاده ، السبب الاساسي في فشل المشروع الاسلامي !! ولكن هذه المرة ، لم تجد تلك الحيلة ، لأن الجبهة الاسلامية انفردت وحدها بالحكم ، ورفعت مرة اخرى الشعارات الاسلامية ، وزعمت انها ستحقق المشروع الحضاري ، وسمت نفسها حكومة الانقاذ الوطني !! ولم يجد الشعب ، على يديها ، الا القهر، والبطش ، والفقر، والجوع ..
ولقد صعدت حكومة الجبهة ، الحرب في الجنوب ، واجبرت الشباب في الشمال ، بالقوة ،على التجنيد تحت مظلة الدفاع الشعبي ، ورفعت شعار الجهاد ضد المواطنين السودانيين في الجنوب ، وفي جبال النوبة ، فاحرقت القرى ، وقتلت عشرات الآلاف ، ونزح اضعافهم من اوطانهم . وبدلاً من ان يوحد المشروع الحضاري السودانيين ، أدى الى انقسام الجبهة نفسها ، بين الشعبي والوطني !! ولم يكن الشعبي حريصاً على الشعب، ولا الوطني مشغولاً بالوطن ، وانما من جراء صراعهما ، من اجل مصالحهما ، أشعلا الحرب في دارفور بين ابناء الاقليم الواحد .. ورغم تضحية كثير من السودانيين ، في الشمال ، في مقاومة نظام الجبهة ، الا ان العبء الاكبر، والأقدر ، تولته الحركة الشعبية لتحرير السودان ، بقيادة د. جون قرنق ، التي بذلت ما بذلت ، لتسمع صوت المقهوريين من أبناء السودان للعالم ، ولتسوق الحكومة الى مفاوضات السلام ..
فلئن قدر الله لهذا الشعب ، بعد كل هذه الحروب ، ان توقع إتفاقية السلام ، رغم تردد الحكومة فيها ، وخشيتها من نتائجها ، ومحاولاتها للتنصل عنها .. فقد قدر للاستقلال من قبل ، ان يعلن عام 1956م من داخل البرلمان ، رغم ان الحزبين اللذين كانا يشكلان الحكومة والمعارضة ، كان يدعو احدهما لوحدة وادي النيل ، تحت التاج المصري ، والآخر للانتداب تحت التاج البريطاني !! ولم يكن الاستقلال، الا مطلب الشعب، الذي جرت به يد القدرة الالهية ..
ولقد بدت الحكومة، بعد الاتفاقية واصرار الحركة الشعبية على تطبيقها، اكثر دبلوماسية ، واوعى بالواقع السياسي الدولي، الذي فرض دخول القوات الدولية في دارفور .. ولكن مازال تطبيق الدستور، وتطبيق الاتفاقية لم يتم، بما يحقق التحول الديمقراطي المنشود. بل ان حزب الحكومة يسعى الى ان يضم تحت جناحيه الحزبين الكبيرين، فتتجمع نفس الكتلة القديمة التي طرحت الدستور الاسلامي المزيف ، وحلت الحزب الشيوعي وطردت نوابه المنتخبين. ان هذا الاتجاه الخطير الذي يهدد وحدة البلاد بما ينفر منها ويهدد تطورها بسيادة الفكر المتخلف الذي يمنع التحول الديمقراطي وتحقق السودان الجديد ، لا بد من مواجهته وتعريته في هذه الظروف . ولكن ذلك يحتاج الى تضافر جهود تيار عريض يستشعر هذه المسئولية الوطنية في هذه المرحلة الحرجة من تاريخنا السياسي . ولا يستبعد ان ينضم الاحرار في الحزبين الكبيرين الى هذا التيار الوطني خلافاً لقياتهما التقليدية . إن العالم ينظر الى الشعب السوداني ، اليوم ، وسيحكم عليه غداً.. وسنعتبر جميعاً كباراً لو استطعنا ان نحافظ على وحدة السودان ، وننقله من حالة القهر، والضعف ، والتمزق ، والاحتراب ، الى حالة الاستقرار، والحرية ، والتقدم .. أو نعتبر جميعاً صغاراً ، لو فرطنا في وحدة السودان ، وضيعنا السلام ، بسبب اطماع الافراد ، وتخلف الجماعات المتحجرة ، وطمع القاصرين، الجهاة في الاستحواذ على السلطة !!
د.عمر القراي

صحيفة أجراس الحرية

Post: #897
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-15-2008, 05:56 PM
Parent: #1


السودان القديم والسودان الجديد !!(4-4)
في الحلقات السابقة من هذا المقال ، تعرضنا لتصور الاستاذ محمود للسودان القديم ، وكيفية تجاوزه لتحقيق السودان الجديد ، وتصور د. جون قرنق للسودان القديم ، وطرحه لمشروع السودان الجديد. ثم ما اتفق عليه المفكران، من ان أهم مشاكلنا السياسية ، التي كرست السودان القديم هي دعاوى تطبيق الشريعة .. واهم ما يميز السودان الجديد ، فكرة الوحدة القائمة على تحقيق السلام والمساواة التامة على اساس المواطنة بين جميع السودانيين .. من أجل كل ذلك ، فاني ادعو الى قيام جبهة شعبية عريضة ، من اجل الحفاظ على السلام ، وترسيخ الديمقراطية ، واشاعة مبادئ حقوق الانسان . هذا اقل واجب ، تجاه وطننا ، وتجاه اخواننا في الجنوب ، يعينهم على اتخاذ قرار الوحدة في اطار السودان الجديد ، الذي يمكن بالمحافظة على المبادئ ، ان يضع قدمه على الطريق الصاعد ، الى مشارف الحرية ، والتنمية ، والرخاء.
هذه الجبهة العريضة ، تجمع كل مهتم بقضايا الوطن ، بغض النظر عن انتمائه ، ما دام يشجب الحرب ، و يتفق على وحدة السودان ، وسلامته ، ويؤمن بالديمقراطية ، والمبادئ الدولية لحقوق الانسان ، ويقر بالمساواة التامة بين جميع ابناء وبنات الشعب السوداني .. ثم هي ليست حزباً سياسياً جديداً ، أو تجمعاً لاحزاب سياسية قديمة ، أو قوى سياسية حديثة ، هدفها الوصول للسلطة . وانما هي جبهة شعبية ، ليس لها صفة حكومية ،لا تهدف الا الى بناء الوطن. وليس مطلوباً ، ولا متوقعاً ، من هذه الجبهةً ، ان تحل كل مشاكل السودان .. ولكن مطلوب منها ، أن توعي الشعب ، بهذه المشاكل ، وتسمع منه رأيه في حلها ، وتوصل صوته لمن هم في موقع أتخاذ القرار، وتربط بين السودان وبين المؤسسات الدولية ، وتكون العين الساهرة ،على أمن المواطنين وحريتهم . ثم هي فوق ذلك ، تجمع المعلومات ، وتعد الدراسات ، التي تشخص المشاكل ، وتحدد ابعادها، وتقترح الحلول ، وتنشروسط الشعب المعلومات ، بصورة تجعل كل مواطن ، يعرف تماماً ، ما يجري في بلده ، ويسهم بما يستطيع ، في دفعها الى الأمام .
وحتى تستطيع هذه الجبهة العريضة ، ان تؤدي دورها ، فاني اقترح ان تتكون في داخلها ، لجان متخصصة . منها على سبيل المثال لا الحصر :
1- لجنة قانونية : يكون من مهامها :
أ- متابعة تنفيذ اتفاقية السلام ، في كافة تفاصيلها ، والتوعية بشأنها في الشمال والجنوب ، من خلال اجهزة الاعلام المحلية ، والعالمية ، وتصعيد الاتصال بكافة المؤسسات الدولية ، بشأن أي خرق ، أو تباطؤ ، او تلكؤ في تنفيذ بنودها .
ب- مراجعة القوانين السودانية ، لتتناسب مع الاعلان العالمي لحقوق الانسان ، ومبادئ الديمقراطية ، وتصعيد الاعلام في الداخل والخارج ، ليتجاوب مع أي خرق ، اومخالفة في هذا الصدد .
ج- فتح مكتب تابع لهذه الجبهة ، يستقبل شكاوى المواطنين ، بشأن المظالم ، التي لم يفصل فيها القضاء ، لانها لم تصل اليه ، أوفصل فيها بالانحياز للسلطة ففرط في حقوق الناس . ويمكن استلام الشكاوى كتابة ، والاستعانة بمحامين للنظر فيها ، واعادة صياغتها.. كما يمكن اعطاء فرصة للمواطنين المتضررين ، ان يتحدثوا عنها في وسائل الاعلام ، في برامج تخصص لهذا الغرض .
2- لجنة المنابر الحرة : يكون من مهامها :
أ- إنشاء وتنظيم منابر للحوار الحر ، في مختلف قضايا الوطن ، وذلك في دور التعليم من المرحلة الثانوية ، وفي الجامعات والمعاهد العليا . كما تقوم المنابر ايضاُ في دور المعلمين ، وفي الاندية الرياضية ، وغيرها من اماكن تجمع المواطنين .
ب- انشاء منبر ثابت ، في الاذاعة وفي التلفزيون ، ينظم الحوار بين كافة الاطراف ، سواء كانوا افراد او مجموعات أو احزاب .
ج- انشاء منابر للحوار في الاحياء تنظمها الادارة المحلية للمنطقة تناقش فيها بالاضافة الى المسائل العامة مشاكل كل منطقة .
3- لجنة التعليم والإعلام : ويكون من مهامها :
أ- إلغاء الضوء على مشاكل التعليم ، من معلم ، ومدرسة ، وكتاب ، ووسيلة تعليم ، ومنهج .. واقتراح مناهج جديدة ، تناسب المرحلة الجديدة، وتتسق مع مبادئ السلام ، وتشجع الاخاء ، وتثمن والديمقراطية ، وتربط في التعليم في الشمال والجنوب.. وتستلهم من تراث السودانيين ، في كافة انحاء السودان ، مادة التعليم والتربية بالنموذج المجسد . كما تصر على الاستفادة من الخبرة التكنولوجية ، في مجال التعليم، على قدر طاقة البلاد الاقتصادية .
ب- إقتراح ان يكون التباين الثقافي ، في وضع المناهج التعليمية ، الاستراتيجية الجوهرية ، التي تستهدف التقارب بين ابناء الوطن ، ومراعاة ذلك في كافة مراحل التعليم ، منذ التعليم الابتدائي ، وحتى التعليم الجامعي ، خاصة الاختلافات اللغوية .
ج- اعادة النظر في قصور وسائل الاعلام الحالية الموجهة ، عن القيام بالدور الاعلامي ، الثقافي ، المطلوب . ووضع مقترحات محددة ، ببرامج تتصدى للمفاهيم الخاطئة ، وتعطي فرص للتنوع الثقافي . واعادة تاهيل معاهد الفنون والموسيقى والمسرح المختلفة ، التي بتطويرها تتطور وظيفة ومهمة الاعلام.
د- أعادة النظر في الجامعات والمعاهد العليا، كمعاهد تعليم ، ومؤسسات بحثية. وبحث الوسائل الممكنة لخلق علاقات وطيدة بينها وبين مؤسسات عالمية .. وأحياء المكتبات العامة ، في كل انحاء البلاد ، وتكوينها- ولو بالعون الذاتي والتبرعات- وتوفير كافة انواع الكتب المفيدة للجمهور ، والعناية الخاصة بالاطفال ، ورعايتهم ، وتعليمهم في مراحل قبل الدراسية ، بالوسائل المتطورة التي توسع الخيال .
4- لجنة اقتصادية : ويكون من مهامها :
أ- تجميع مساهمات متفاوتة من الاعضاء يتكون منها الصندوق الاساسي ثم تنظيم مقترحات مشروعات تقدم لجهات تمويل من المنظمات غير الحكومية .
ب- الحصول على المعلومات ، الخاصة بكافة اوجه النشاط الاقتصادي ، خاصة النفط ، وتبسيطها ، وتسليمها للشعب، حتى يعرف الجميع ، كيف تسهم هذه العائدات في بناء الوطن .
ج- تقديم مقترحات بدراسة مشروعات التنمية المتعثرة ، وتحديد اسباب الفشل وفرص الاصلاح ، ودراسة امكانية دور جديد للبنوك في التنمية .
د- الاتصال بجهات اجنبية عربية ، و أفريقية ، وعالمية ، حريصة على التنمية في السودان ، والتباحث معها حول مشاريع بنية تحتية ، اساسية كالسكة حديد ، والكبارى ، والطرق السريعة ، وآليات توفير المياه والكهرباء ، ووسائل الاتصال .
ه- دراسة قوانين الاستثمار، وتقديم مقترحات بتطويرها ، والاطلاع على الاتفاقيات مع الدولة الأخرى ، ومراقبة اي تفريط في مصلحة الوطن الاقتصادية .. ورفع الشكاوي عند وجود ادلة على الفساد ، او استغلال النفوذ ، او الثراء الحرام ، على حساب مصلحة الشعب . مع انشاء وحدات صغيرة ، لمراجعة مسائل اقتصادية عديدة ، مثل الاسعار، وسوق العمل وانشاء الجمعيات التعاونية ، وسوق الاسهم والسندات والنقد الاجنبي ..الخ ألخ
و- لجنة تنسيق : ويكون من مهامها :
أ- التنسيق بين عمل كافة اللجان ، وتوفير المعلومات عن العمل المشترك لكل لجنة ، وحفظ ملفات الكترونية ، باجندة وتفاصيل الاجتماعات ، ونتائجها . والسعي لتوفير منابر نشر الكترونية بغرض التواصل بين اعضاء اللجان في جميع انحاء العالم.
ب- الاتصال بين اللجان وبين الحكومة المركزية ، وتحضير الاجتماعات مع المسؤولين ، في مختلف اماكن السودان بالاضافة الى مقابلتهم في الخارج .
إن هذه الجبهة العريضة المقترحة ، ليست بديلاً عن الحكومة الانتقالية ، ولاهي ممثل للحكومة ، المنتخبة ، في المستقبل ، وانما يرجى ان تكون صوت الشعب ، الذي يدعم الحكومة ، اذا كانت في جانب الشعب ،ويراقبها ، وينقدها ، ويعارضها ، ويصحح مسارها ، اذا كانت غير ذلك .. فان الشعب السوداني ( لا تنقصه الاصالة وانما تنقصه المعلومات الوافيه وقد تضافرت كل العوامل لتحجبها عنه ) كما قال الاستاذ محمود في منتصف الستينات .
وقد كان السبب في تكرار اخطاء الحكومات المتعاقبة ، انعزال غالبية الشعب ، عملياً ، عن قضاياه ، وترك امره في يد قلة من السياسيين ، توجهه لمصلحتها ، وضد مصلحتة .. وهكذا عبر حياتنا السياسية ، ابعدت منظمات المجتمع المدني ، وعزلت عن أي دور فعال في واقع الحياة ، وحصرت مهمتها ، في العمل التطوعي ، الخيري ، المحدود وحتى في هذا المجال الضيق ، وجدت تعويق من الحكومات ، ومن الاحزاب ، ومحاولات عديدة ، لاستغلال مواردها ، لصالح بعض الاحزاب، او الحكام !!
إن التحدي الذي يجب ان ننهض له ، هو اشراك الشعب ، في توجيه مسار حياته نحو الافضل .. فلقد اشتهر الشعب السوداني ، بين شعوب المنطقة ، بانه شعب واعي سياسياً ، ولكن ظل هذا الوعي نظرياً ، عاطفياً ، استطاع ان يصنع ثورة اكتوبر، وانتفاضة مارس أبريل ، ولكنه لم يستطع أن يمنع سرقة تلك الثورات !! وذلك لأن وعيه السياسي ، لم يتسامى عن الرغبة العارمة في التغيير، الى المعرفة العملية بطرائق التغيير، التي تجعله يشارك بفاعليه في توجيه الواقع السياسي ، لمصلحته .. وهذا ما نسعى اليه ، منذ اليوم ، من اجل هذا الوطن العظيم ، الذي قدم المعلم العظيم ، نفسه فداء له .
د.عمر القراي

Post: #898
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-16-2008, 10:55 PM
Parent: #1


لألأء ثغرك لا يزال يفتّر
فينا يعلمنا الصرامة
أبسمت أن ريعت حمامة؟
أصحكت إذ ورثوا الندامة ..؟
وتحرّق الجلاد من ويل ابتسامة؟
لا تبتئس فأنا أجيبك صارخا
هذه علامات القيامة


ام المفاجات (الصحفي هاشم كرار يروى من قلب صحيفة الايا...هيد محمود محمد طه)

Post: #899
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-16-2008, 10:56 PM
Parent: #898


وابتسم الأستاذ محمود محمد طه فى وجه الموت


محمد الحسن محمد عثمان
قاضى سابق
[email protected]


ما أحوجنا فى هذه الايام ان نسترجع ذكرى رجال من قادتنا من الذين ضحوا بارواحهم ثباتا على المبدأ وتضحيه من أجل الوطن ونحن فى أيام يتوارى فيها القاده حتى عن اتخاذ موقف او الثبات على مبدأ ماأحوجنا لاستعادة سيرة رجال فى قامة محمد أحمد الريح الذى رفض الاستسلام وظل يقاتل حتى ضرب المبنى الذى كان بداخله فانهار عليه المبنى ولم ينهار الرجل.

ومثل شباب الحركه الاسلاميه حسن ورفاقه فى دار الهاتف الذين قاتلوا فى دار الهاتف وهم جوعى فاستمروا فى المقاومه رغم حصارهم وقذفهم بالدانات ولم يستسلموا الابعد ان نفذت ذخيرتهم … وعبد الخالق محجوب الذى تهندم للموت وكانه ذاهب لعرس.
وفاروق حمد الله الذى فتح صدره للرصاص وقال الراجل بيضربوا بقدام… وبابكر النور الذى ظل يهتف وهو يضرب بالرصاص عاش كفاح الشعب السودانى … ورجال الانصار الذين قاتلوا فى شرف فى 76… واولادنا السمر فى الجبهه الشرقيه الذين ضحوا من أجلنا ولانعرف حتى اسماؤهم وكانوا على استعداد لمواصلة الدرب لولا خيانة قياداتهم السياسيه.
انه الشعب السودانى سيستعيد يوما سيرته الاولى وسيتجاوز قادته الأقزام ويزيل كل هذا العبث الطافى.

ومحمود من القاده النادرين الذين عاشوا ماأمنوا به لم يكن فكرهم فى جانب وحياتهم فى جانب آخر…ولو كان قادتنا من أمثال محمود لارتفع صوتهم فى احداث ميدان المهندسين فمحمود كان منزله من الطين فى الحاره الأولى الثورة لم يكن له قصر فى الاسكندريه او شقه فاخره فى القاهره تجعله يختبىء ويفقد صوته عندما تقتطع مصر جزء من وطنه حلايب وشلاتين أو يتوارى عن الانظار عندما يغتال المصريون اطفالنا ويكشفون عورات نساؤنا فى القاهره ….لم يشبع محمود فى الطعام فقد كان نباتيا واختلف مع الذين نادوا على التركيز على افكار الرجل وليس اعدامه وماقيمة الفكر اذا لم يصمد صاحبه ويقبل التضحيات فى سبيله وهل كان الفكر سيلقى كل هذا الزخم ويصمد اذا انهار صاحبه وتاب فى مواجهة الموت … وهل كان الجمهوريين من تلامذته سيرفعون صوتهم اذا انكسر معلمهم …. واين الاب فيليب غبوش الذى هدده نميرى بالاعدام فقال كما ورد على لسانه (قلت ياود يافيلب احسن تلعب بوليتيكا) فلعب الاب فليب بوليتيكا وتاب على روؤس الاشهاد فكسب حياته وضاع فكره .. ويبقى اننى ليس جمهوريا ورايت الاستاذ محمود لاول مره فى ساحة المحكمه كانت الساحه السياسيه فى عام 85 مائجه بعد أحداث اضراب القضاه فى83 وخروج نميرى من هذه المواجهه مهزوما واعلانه بعدها لقوانيين سبتمبر فى محاوله منه لتشتيت الانظار عن تراجعه ومن ناحيه اخرى كان نميرى مرعوبا من الثوره الايرانيه التى اطاحت بالشاه رغم حماية امريكا له فارعب نميرى المد الاسلامى واراد ان يلتف عليه ويتقدم هذا المد …واصدر الاستاذ محمود محمد طه منشور هذا …. او الطوفان

وقد ذكر الاستاذ فى هذا المنشور ان قوانيين سبتمبر جاءت فشوهت الاسلام فى نظر الاذكياء من شعبنا وأساءت لسمعة البلاد فهذه القوانين مخالفه للشريعه ومخالفه للدين
وفى فقره اخرى: ان هذه القوانين قد هددت وحدة البلاد وقسمت هذا الشعب فى الشمال والجنوب وذلك بما اثارته من حساسيه دينيه كانت من العوامل الاساسيه التى ادت لتفاقم حرب الجنوب وطالب الاستاذ بالغاء قوانيين سبتمبر وحقن الدماء فى الجنوب واللجؤ للحل السياسى والسلمى.

تم القبض على الاستاذ محمود وتقديمه لاحدى محاكم العداله الناجزه وقاضيها المهلاوى وهو شاب صغير السن كان قاضيا بالمحاكم الشرعيه وهو قريب النيل ابوقرون مستشار رئيس الجمهوريه وأحد مهندسى قوانيين سبتمبر وكان المهلاوى يعوزه الإلمام بقانون الاجراءت الجنائيه وقانون الجنايات وهذا مايفسر ارتباكه فى ذلك اليوم عندما مثل امامه الاستاذ محمود الذى احضر لمجمع المحاكم بامدرمان ومعه مجموعه مدججه بالسلاح احاطت بالمحكمه … كان الاستاذ يرتدى الزى الوطنى وفى الصفوف الاماميه كان المحامين الوطنيين الذين اعتدنا رؤيتهم فى مثل هذه المحاكمات السياسيه متطوعين مصطفى عبد القادر فارس هذه الحلبات (شفاه الله) وامين مكى مدنى والشامى والمشاوى وعلى السيد وآخرين
استمع المهلاوى ومن ربكته نسى ان يحلف المتحرى مع انه الشاهد الوحيد وارتجل الاستاذ كلمته الخالده التى ردد فى بدايتها رايه فى قوانيين سبتمبر كما جاء فى المنشور واضاف: أما من حيث التطبيق فان القضاة الذين يتولون المحاكمه تحتها غير مؤهلين فنيا وضعفوا اخلاقيا عن ان يمتنعوا عن ان يضعوا انفسهم تحت سيطرة السلطه التنفيذيه تستعملهم لاضاعة الحقوق واذلال الشعب وتشويه الاسلام واهانة الفكر والمفكرين واذلال المعارضين السياسين ولذلك فانى غير مستعد للتعاون مع أى محكمه تنكرت لحرمة القضاء المستقل ورضيت ان تكون اداه من ادوات اذلال الشعب واهانة الفكر الحر والتمثيل بالمعارضين السياسيين (وماأشبه الليله بالبارحه ياأستاذ) وشكر الاستاذ المحاميين الوطنيين للتطوع عن الدفاع عن الجمهوريين واضاف ان الجمهوريين سيتولون مباشرة قضاياهم بانفسهم

واصدر المهلاوى حكما باعدام الاستاذ محمود

فحين يسود الرعب والوهن
ويبطىء الشهود والقضاء والزمن
ينفلت القاتل والمقتول يدفع الثمن

أيدت محكمة استئناف العداله الناجزه الحكم وايده نميرى الذى قال انه بحث فى كل كتب الفقه فلم يجد للاستاذ مخرجا وهذا لا يعقل فكيف رجع نميرى فى ايام معدوده كل كتب الفقه ونميرى لا تمكنه مؤهلاته العقليه من قراءة كتاب المطالعه الاوليه بدون ان يخطىء عشرات الاخطاء.

جاء يوم 18/1/1985م يوم التنفيذ تقاطر المئات نحو بحرى واغلبهم كان يعتقد ان الاعدام لن يتم لاسباب شتى وبعضهم بين مصدق ومكذب لكل هذه المهزله ان يعدم بشر لاصداره منشورا .. اوقفت العربات للقادمين من الغرب عند خط السكه حديد وساروا على الاقدام متجهين نحو سجن كوبر …. دخلت ساحة الاعدام بسجن كوبر وهى ساحة واسعه فى مساحة ملعب كرة قدم ووجدت مجموعه من الناس جلست على الارض فى الجانب الشرقى وفى الجانب الشرقى كانت منصة الاعدام تنتصب عاليه فى الجانب الجنوبى منها صفت كراسى تحت المنصه مباشره فى الصف الاول مولانا فؤاد الامين رئيس القضاء والمكاشفى طه الكباشى رئيس محكمة استئناف ما أطلق عليه المحاكم الناجزه وبجواره الاستاذ عوض الجيد مستشار رئيس الجمهوريه ومولانا النيل ابو قرون مستشار رئيس الجمهوريه وبجوارهم مولانا محمد الحافظ قاضى جنايات بحرى ومولانا عادل عبد المحمود وجلست فى الصف الاول وكنت اقرب الى المنصه وفى الصفوف الخلفيه ضباط شرطه وسجون… وعلى الحائط الغربى وعلى مسافه من المنصه اصطف الجمهوريين المحكوم عليهم بالاعدام كانوا يلبسون ملابس السجن ذقونهم غير حليقه يبدوا عليهم التشتت وكانوا مقيدين …رجال الامن منتشرين والشرطه باسلحتها منتشره فى المكان …كان هناك رجل طويل القامه بصوره ملفته اسمر اللون يحمل شنطه فى يده يقف خلف المنصه مباشره ونفس هذا الرجل رايته فى المحاكمه … المكاشفى كان يتحرك متوترا ويتبسم حتى والسن الذهبيه تلمع فى فمه .

احضر الاستاذ محمود محمد طه يرتدى زى السجن مقيد الرجلين مغطى الوجه بغطأ احمر… اقتيد حتى سلم المنصه حاول السجانان الممسكان به مساعدته فى الصعود الى المنصه ولكنه لم يعتمد عليهم تقدمهم وبدأ يتحسس السلالم بقدمه ويطلع درجه بعد درجه

انتصب الاستاذ محمود واقفا فوق المنصه وهو مغطى بالغطأ الاحمر … تلى مدير السجن من مكرفون مضمون الحكم وتلى أمر التنفيذ ….الاستاذ محمود ذو 76 سنه واقف منتصب .. حبل المشنقه يتدلى بجواره …قرىء عليه أمر تنفيذ الاعدام عليه ويمسك المكاشفى بالميكرفون ليسمع الاستاذ آخر كلمات فى هذه الدنيا فيسب الاستاذ محمود ويشير اليه فى كلمته بهذا المرتد الذى يقف امامكم .. وتستمر الكلمه زمن والمكاشفى يزبد ويرقى .. يطلب السجان من الاستاذ محمود ان يستدير يمينا .. ويستدير الاستاذ ويواجهنا تماما يتم كشف الغطاء عن وجه الاستاذ .. يبتسم الاستاذ وهو يواجه القضاة الذين حكموا باعدامه ابتسامه صافيه وعريضه وغير مصنوعه .. وجهه يشع طمأنينة لم أرها فى وجه من قبل …قسماته مسترخيه وكانه نائم …كان يشوبه هدوء غريب …غريب ..ليس فيه ذرة اضطراب وكأن الذى سوف يعدم بعد ثوانى ليس هو … والتفت الى الجالسين جوارى لارى الاضراب يسودهم جميعا .. فؤاد يتزحزح فى كرسيه وكاد يقع ..عوض الجيد يكتب حرف نون على قلبه عدة مرات .. والنيل يحتمى بمسبحته فى ربكه (النيل تعرض لاتهام بالرده فى عهد الانقاذ وتاب) كان الخوف والرعب قد لفهم جميعا والاستاذ مقيد لاحول له ولاقوه …ولكنه الظلم جعلهم يرتجفون وجعل المظلوم الذى سيعدم بعد لحظات يبتسم !!التف الحبل حول عنق الاستاذ محمود كان مازال واقفا شامخا (قيل ان الشيخ الترابى حضر مره قطع يد سارق فاغمى عليه) وسحب المربع الخشبى الذى يقف عليه الاستاذ وتدلى جسده (وكذب من قال انه استدبر القبله) هتف الرجل طويل القامه الواقف خلف المنصه .. سقط هبل .. سقط هبل ردد معه بعض الفغوغاء الهتاف .ويحضرنى صلاح عبد الصبور فى ماساة الحلاج

صفونا .. صفا .. صفا
الاجهر صوتا الاول والاطول
وضعوه فى الصف الاول
ذو الصوت الخافت والمتوانى
وضعوه فى الصف الثانى
أعطوا كل منا دينار من ذهب قانى
براقا لم تمسسه كف
قالوا صيحوا زنديق كافر
صحنا زنديق كافر
قالوا صيحوا : فاليقتل انا نحمل دمه فى رقبتنا
صحنا:فاليقتل ان نحمل دمه فى رقبتنا

كان هناك من هتف من بين الجمهور شبه لكم .. شبه لكم
تم القبض عليه وتم ضربه اما رئيس القضاء اوقفهم مولانا محمد الحافظ (عرفت من الاستاذ بشير بكار الدبلوماسى السابق انه هو الذى هتف) خرج الحضور من القضاة عن طريق سجن كوبر….وعندما مروا بزنزانات المعتقلين السياسيين كان هتافهم يشق عنان السماء

محمود شهيد لعهد جديد … لن ترتاح ياسفاح … مليون شهيد لعهد جديد … لم يغطى على هذا الهتاف حتى أزير الطائره التى يقودها فيصل مدنى وحملت جثمان الشهيد لترمى به فى وادى الحمار (وهذا حسب ماتسرب لاحقا) وكان محمود شهيد لعهد جديد .. وسقطت مايو

بعد 76 يوما من اعدام الاستاذ

هادئا كان آوان الموت
وعاديا تماما
وتماما كالذى يمشى
بخطو مطمئن كى يناما
وكشمس عبرتها لحظة كف غمامه
لوح بابتسامه
قال مع السلامه
ثم ارتمى وتسامى
وتسامى……وتسامى

Post: #900
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-17-2008, 02:57 PM
Parent: #1


البروفيسور عبدالله أحمد النعيم لـ(الصحافة)«3 - 4»
الإسلام هو الأقدر من الفكر الفلسفي على تحقيق الاشتراكية
حاوره في واشنطن: صلاح شعيب

بروفيسور عبدالله أحمد النعيم يعتبر وجهاً مشرفاً للمفكرين السودانيين في المحافل الإقليمية والدولية، واستطاع ببحوثه وكتبه الفكرية القيمة حول الإسلام والمسلمين وحقوق الإنسان وقضايا التحرر الإنساني والقانون الدولي أن يقدِّم مساهمات ثرّة في الجدل الدائر منذ فترة عن هذه المواضيع الشاغلة للذهن الإسلامي بشكل خاص والإنساني بشكل عام. فوقاً عن ذلك أسهم النعيم في ترجمة بعض الكتب من الإنجليزية إلى العربية والعكس ولعل آخر اسهاماته في هذا المضمار نقله رواية البروفيسور فرانسيس دينق إلى قراء العربية »طائر الشؤم«.
وفي المجال الأكاديمي، والذي استهل مشواره محاضراً في جامعة الخرطوم التي تخرج فيها، عمل بالعديد من الجامعات العربية والأفريقية والأوربية والأمريكية محاضراً واستاذاً زائراً. وظل على مدار العقدين الماضيين يسهم في مجال تخصصه »القانون الدولي« حيث يعمل الآن استاذا للقانون بجامعة ايموري بالولايات المتحدة، وشارك بتقديم المحاضرات وأوراق العمل حول تلك القضايا الفكرية والسياسية التي إنشغل بإجلاء وجهة نظره حولها، وبالتوازي مع هذه المجهودات الأكاديمية الرفيعة شارك في العديد من المؤتمرات الفكرية حول العالم وانصب عمق مشاركاته داخل الولايات المتحدة التي استقر بها.
وبوصفه تلميذاً وفياً لأستاذه محمود محمد طه، والذي قدّم نفسه شهيداً في ميدان الفكر الديني والسياسي، لعب البروفيسور النعيم مع بعض تلاميذ آخرين للأستاذ دوراً مقدّراً في إبراز وتوضيح وتفسير مقولات مؤسس الفكر الجمهوري عبر العديد من الكتابات والندوات الثقافية.
وأخيراً صدر للبروفيسور النعيم كتاب جديد حول العلمانية بالإنجليزية -وترجم إلى ثماني لغات- وصاحب هذا النشر تلبية لعدد من الدعوات لتوضيح الفكرة الاساسية للكتاب وقدم إلى منطقة واشنطن بدعوة من قسم الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة جورج تاون وقدم محاضرة هناك، وأعقبها بأخرى أقامتها مدرسة الجالية السودانية بالميرلاند بالتعاون مع الجالية السودانية.
(الصحافة) انتهزت فرصة وجود البروفيسور عبدالله أحمد النعيم وأجرت معه هذا الحوار الذي تطرّق لعدد من القضايا، فإلى الجزء الثالث منه:
* هل انتهت فاعلية التنظيم في الحزب الجمهوري، وهل يعاني الحزب من أزمة قيادة وهل لا زلت جمهوريا وتصنف هكذا..أم أنك تجاوزت الفكرة الجمهورية فكريا؟
ـ الحزب الجمهوري لم يكن حزبا سياسيا في يوم من الايام وإنما هو إطار تنظيمي لتقديم نموذج النبي عليه الصلاة والسلام كمنهاج في التربية الذاتية واشاعة العدل والسلام بين الناس وقد عاش الاستاذ محمود على ذلك النموذج ومات عليه وبذلك قدم التجربة العلمية المعاصرة والدليل العملي على صحة هذا المنهاج وحياة وفكر الاستاذ محمود متوفر للجميع وليس وقفا على تلاميذه الذين يعرفون بإسم الاخوان الجمهوريون فكل من اقتنع والتزم بممارسة المنهاج النبوي كما قدمه الاستاذ محمود معاشا في الدم واللحم فهو جمهوري، وكل من تنازل عن تلك القناعة والالتزام فليس بجمهوري حتى ولو كان في يوم من الايام من قيادات حركة الاخوان الجمهوريون بالسودان. هذه هي القاعدة التي ارى بها بحيرات الايام والتجارب الشخصية لكل من اطلع أو يمكنه الاطلاع على فكر وحياة الاستاذ محمود محمد طه.
أما عني شخصيا فانا تلميذ للاستاذ محمود وارجو أن أكون أهلا لهذا الشرف العظيم في حقيقة حالي واقوالي واعمالي جميعها. وحسب علمي وجهدي وقناعتي الشخصية فأنا لم أتجاوز الفكرة الجمهورية ولا ينبغي لي، وإنما كل محاولاتي أن أكون صادقا وامينا في اتباع هذه الفكرة قدر جهدي وطاقتي .. فكل همي أنني دون هذه القامة لانها غاية سرمدية لا تنتهي ولأنها هي الاسلام. فقولي بإني لا يمكن أن اتجاوز الفكرة الجمهورية هي قولي.. أرجوا أن ابقى على الاسلام حتى يتوفاني الله.
* قلت سابقا أن «الفكرة الجمهورية لا تقدم منهج اتفاق حول كل القضايا» ولكنك في ذات الوقت تؤكد أنها منهج الطريق النبوي، هل هذا يعني أن الفكرة الجمهورية هي مبادئ عامة أكثر من كونها منهج تفكير مساعد في فهم تفاصيل الواقع...؟
ـ الفكرة الجمهورية هي دعوة للإسلام ويصح في حقها ما يصح عن الإسلام، وفي الإسلام المبادئ العامة وفيه كذلك منهج تفكير وعمل يساعد المسلم في فهم تفاصيل الواقع. ومعلوم أن كبار الصحابة قد اختلفوا في كثير من الأمور الكبرى التي واجهت مجتمعهم الأول بعد انتقال النبي عليه الصلاة والسلام إلى الرفيق الأعلى، كما جرى في أمر ما يسمى بحروب الردة حين خالف عمر أبي بكر في قوله بوجوب قتال القبائل التي منعت الزكاة عن بيت المال. وكما هو الحال في الإسلام، فإن المبادئ العامة تعين على تقريب وجهات النظر حتى أن الخلافات بين المسلمين إنما تكون في مدى محدود وبطريقة تعين على تحقيق الاتفاق من خلال الحوار الموضوعي المؤدب وسعة الصدور على احتمال الخلاف في المكان الأول. وهذا صحيح في حق الفكرة الجمهورية كما هو صحيح عن الإسلام نفسه.
* برغم تأكيك هذا إلا أننا نلاحظ أن وجهات النظر بين الاخوة الجمهوريين حول بعض المسائل الفقهية والسياسية تختلف بين شخص وآخر. ألا يطرح هذا الاختلاف سؤالا حول قدرة الفكرة الجمهورية في إعطاء منهج راسخ في معالجة مشاكل الواقع، خصوصا وأنك تقول إنها تتبع الطريق النبوي الصحيح ؟
ـ بما أن الفكرة الجمهورية هي الإسلام كما قلت فإنها لا تمنع تلاميذ الاستاذ محمود من الاختلاف حول بعض القضايا، بل من المتوقع الخلاف بين الجمهوريين لأن تحقيق الأصالة في إطار تقليد النبي عليه الصلاة والسلام هو الغاية المطلوبة لتلاميذ الاستاذ محمود، فبما أن الاصالة والفردية هي الغاية فإن الفكرة الجمهورية لا تقدم منهجا للأتفاق حول كل القضايا وإنما منهجها هو منهج لإحترام الرأي الآخر والسماحة والسعة لبعضنا البعض عندما يكون بيننا اختلاف الرأي، فليس العبرة بالاتفاق السطحي تفاديا لمظهر الاختلاف، وإنما هي في تنظيم مناهج الحوار الودي والتفرد في معارج الحرية الفردية.
* هناك جدل متواصل حول الفكر الماركسي في أعقاب نهاية تجربة الاتحاد السوفيتي، كقارئ للفكر الماركسي هل ترى أن الماركسية تحمل الاجابة على أسئلة الصراع الانساني..وهل تفرق بين النظرية والممارسة لتخلص إلى القول ـ مثلا ـ أن الماركسية ستظل اضافة جذرية للفكر الانساني وتبقى نظرية علمية لم يتم تجاوزها حتى الآن؟
ـ الفكر الماركسي هو أحد الروافد للفكر الفلسفي والسياسي الانساني بصورة عامة، وله في ذلك مساهمات مفيدة كما أجد فيه نقاط ضعف عميقة وخطيرة من المنظور النظري..وقد ظهر بصورة واضحة لدى الممارسة العملية في الاتحاد السوفيتي وغيره من الأنظمة الماركسية خلال القرن العشرين، وقد كان من الخطا الزعم بأن الفكر الماركسي يقدر منفردا على حل جميع المشاكل التي تواجه البشرية وكذلك من الخطأ اليوم رفض كل ما يتعلق بالفكر الماركسي كأنه باطل مطلق لا يقدر على المساهمة في حل المشاكل. فمساهمات ماركس في فهم علائق الانتاج وطبيعة الصراع الطبقي مقبولة عندي إلا أني أعارض رفضه للدين وتضحيته بالفرد في سبيل الجماعة فالفرد عندي هو الغاية والمجتمع من اهم وسائلها.
* قلت إن النظام الاشتراكي المقصود عند الأستاذ محمود يساهم في الاستجابة لضروريات الحياة، هل هناك علاقة لمرجعية الاشتراكية في الفكرة الجمهورية بالإسلام أم أن الاستاذ وظف الفكر الاشتراكي في سياقه الفلسفي الحديث ..؟
ـ في اعتقادي إن الإسلام هو الأقدر من الفكر الفلسفي على تحقيق الاشتراكية، بل إن الاشتراكية عندي لا تحقق إلا من خلال الإسلام. ففي التعريف البسيط والمباشر، الاشتراكية تعتمد على استعداد الإنسان على استهلاك أقل مما ينتج، كما تعتمد على إقامة الإنسان نفسه رقيباً على سلوكه في السر والعلن بدلا من الاعتماد على رقابة ومحاسبة أجهزة الدولة التي تتعرض لعوارض الفساد والغرض. والتربية الدينية هي الأقدر على ضمان هذه الشروط لتحقيق الاشتراكية أكثر من الفكر الفلسفي.
هناك جوانب عديدة لهذه المسألة لا يمكن معالجتها في هذا المجال الضيق، ولكن يمكن الإشارة بإيجار إلى أمرين قد يتبادرا إلى ذهن القارئ. أولاً الإسلام المقصود في هذا الحديث هو القوة الفاعلة الكبرى في تحقيق مكارم المعاملة بمنهج النبي عليه الصلاة والسلام، في صدق وإخلاص، وهذا لا يكون بإكراه الأجهزة الرسمية فيما يسمى بالدولة الإسلامية. ولهذا فأنا (عبد الله أحمد النعيم) أعارض مفهوم الدولة الإسلامية لأنه يتعارض مع منهج النبي عليه الصلاة والسلام في التربية. والأمر الآخر هو أن هذا لا يعني الاستغناء عن الدولة نفسها أو رفض أي دور للأجهزة الرسمية.
فللقانون والقضاء والإدارة وأجهزة الأمن دور هام في تحقيق الاشتراكية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية على أن يقوم كل ذلك على قاعدة التربية الدينية الخاصة والخالصة. فالاعتماد على أجهزة الدولة في غياب التربية هو عبث لا يجدي لأن التربية هي أساس عمل تلك الأجهزة. فإذا قامت التربية على منهج النبي على الصلاة والسلام في العبادة والعمل في خدمة الناس فيمكن لأجهزة الدولة القيام بدورها الصحيح.
* كأنك بهذا تقول إن الاشتراكية فكرة سابقة على المناهج العلمية الحديثة، كما أن ردك يوحي بأن الاسلام لا يتناقض مع الاشتراكية.؟
ـ فكرة الاشتراكية لم تبدأ بالماركسية ولم تنته معها ولا تعدو الماركسية أن تكون أحد المناهج أو المداخل على الاشتراكية وقد فشلت التجربة الماركسية السوفيتية إلا أن ذلك ليس فشل لمفهوم الاشتراكية نفسها وأعتقد أن المنهج الديمقراطي أقدر على تحقيق الاشتراكية والمحافظة عليها من المنهج الشمولي لرأسمالية الدولة الذي كان ساريا في الاتحاد السوفيتي والصين الماووية.
* وكيف ترون مسألة البنوك الاسلامية التي قدمها الاتجاه الاسلامي كأجتهاد فقهي وما هو موقفك من الربا بوصف أنه محرم بنصوص من القرآن الكريم؟
ـ أبدأ بتكرار القول إني لا أتحدث بإسم الاستاذ محمود محمد طه ولا ينبغي لي ولا نيابة عن الجمهوريين وإنما فقط أصالة عن نفسي وعلى مسؤوليتي الشخصية فأنا عبد الله النعيم أقول بأن فكرة البنوك الاسلامية هي خدعة كبرى وتحايل على تحريم الربا من أجل تكديس الاموال والثروات في أيدي قيادات الاسلام السياسي وفي خدمة مآرب ذلك المشروع، وقد جلبت فكرة البنوك الاسلامية أوخم العواقب السياسية والاقتصادية على السودان بالتحديد منذ ادخال هذا النظام الربوي المستتر في نهاية العقد السابع من القرن لعشرين وأنا أقول كذلك إن تحريم الربا هو الحكم الشرعي الواجب على كل مسلم ومسلمة ولكن هذا لا يعني تحريم الدولة التعامل مع البنوك وبيوت الاعمال..على هذا الاساس على الدولة عدم التدخل في هذا المجال وللمسلم الالتزام بواجب تجنب الربا في تعاملاته وحسب فهمه لمعنى ومدى تحريم الربا شرعا.
* كتابك الجديد يعزز أهمية العلمانية في واقع المجتمعات الإسلامية، والبعض من المفكرين السلفيين يعتبرونها تتعارض مع الإسلام وأنها بضاعة مستوردة نشأت في سياق تاريخي مختلف عن واقع المسلمين ... هل هناك استنادات من القرآن الكريم والسنة النبوية تؤكد ضرورة فصل الدين عن الدولة ..؟
ـ كما كان الأستاذ محمود طه يؤكد باستمرار فإن العبرة هي في فهم النص وليس في توهم وجود نص قطعي لا يقبل الاختلاف في الفهم. صحيح أن الآية 7 من سورة آل عمران تقول أن من القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب، لكن القرآن لا يحدد ما هي هذه الآيات المحكمات كما أن البني عليه الصلاة والسلام لم يحددها في السنة. فأي الآيات محكم وأيها من المتشابهات هي في مجال الفهم والاختلاف بين المسلمين، مثل موضوع تفسير كل القرآن والسنة النبوية المطهرة.
وحقيقة الأمر في الدولة هي أولا أنه لا يوجد نص قطعي بوجوب الدولة الإسلامية ولا بضرورة فصل الدين عن الدولة. وأكثر من ذلك، فإن مفهوم الدولة لا يرد في القرآن على الإطلاق ولا مرة واحدة. كما أن القرآن دائما يخاطب الفرد المسلم والجماعة المسلمة، ولا يخاطب مؤسسة أو هيئة يمكن وصفها بأنها الدولة، ولا يستقيم عقلا أن يخاطب القرآن غير الإنسان المكلف شرعا. لذلك فنقرر أن حجة من يدعو إلى ما يسمى بالدولة الإسلامية أو يعارضها إنما تقوم على فهم نصوص وملابسات موضوعية في أمور تنظيم شئون السياسة والحكم والقضاء وما إلى ذلك. هذه الحقيقة واضحة في غياب أي خطاب عن الدولة الإسلامية بين علماء المسلمين على مدى التاريخ قبل القرن العشرين، وإن مفهوم الدولة الذي تقوم عليه دعاوى المودودي وسيد قطب وغيرهم ممن ابتدعوا مفهوم الدولة الإسلامية في أواسط القرن العشرين هو مفهوم أوروبي للدولة الاستعمارية التي تقوم عليها أحوال المسلمين اليوم. وأنا أقبل ضرورة الدولة في إدارة أمور المجتمعات الإسلامية كغيرها من المجتمعات الإنسانية على مدى التاريخ البشري، وإنما يقوم اعتراضي على وصف الدولة بأنها إسلامية لأن هذا القول يزعم قداسة الإسلام لمؤسسة هي بالضرورة بشرية وهي بذلك عرضة للخطأ والظلم وعن ذلك يتسامى الإسلام.
ولعله من المفيد أن نشير إلى الآيات 44 إلى 47 من سورة المائدة التي كثيرا ما تساق للدليل على وجوب الدولة الإسلامية. والسؤال هنا من هو المخاطب بهذه الآيات وغيرها من النصوص المتعلقة بالحكم بالعدل والقسط. بحكم طبيعة القرآن والإسلام نفسه، فهذه النصوص إنما تخاطب الفرد المسلم والجماعة المسلمة، في إقامة ما أنزل الله في حكم أنفسهم أولاً، فإذا فعلوا فسوف ينعكس ذلك على إدارتهم لأمور الدولة. ولكن بما أن الدولة هي جهاز مشترك لجميع المواطنين، فإن إتباعها لأحكام الإسلام إنما يكون من خلال أخلاق وأعمال القائمين على أداء المهام والأدوار المختلفة، وليس من خلال توهم أن الدولة أو أجهزتها يمكن أن تكون إسلامية بصورة مباشرة. وكما يجري التفصيل في كتابي عن علمانية الدولة، فمن الضروري التمييز بين الإسلام كدين والدولة كمؤسسة بشرية حتى لا يقع التضليل على المسلمين بأن أعمال الدولة هي الإسلام نفسه، مما يجعل المعارضة السياسية للحزب بالحاكم خروج على الإسلام
* قلت أنه لا ينبغي الحكم على المجتمعات الإسلامية بما عليه الآن في إطار حديثك عن الصراع بين السنة والشيعة .. ولكن يبدو أن هذا الصراع سيؤثر على مستقبل المسلمين نظرا للمد الشيعي الذي وجد مساحات للعمل في أفريقيا والعالم العربي.. وماذا تقول عن المظالم التاريخية التي يشكوا الشيعة أن السنيين اقترفوها في العراق وأجزاء أخرى من العالم العربي..؟
ـ ما قصدت إلا القول إن الاختلاف بين المذاهب السنية والشيعية وحتى داخل كل مذهب مسألة قديمة وطبيعية، ولن تنتهي ولكن يجب التمييز بين هذا والصراع السياسي بين قطاعات الصفوة الحاكمة التي تنتسب للمذاهب السنية أو الشيعية، وهو صراع يجري بين الصفوات الحاكمة التي تنسب إلى نفس المذهب السني أو الشيعي، كما نرى اليوم فى السودان و إيران، كما يحدث بين اهل المذاهب المختلفة. وقد كانت هذه الصراعات كذلك على مدى التاريخ الإسلامي، وفيها تعرض بعض أهل السنة للظلم من الشيعة، وكذلك تعرض بعض الشيعة للظلم من أهل السنة. فقولي أنه يجب أن نفهم هذه الظواهر والصراعات، مذهبية كانت أو سياسية، كمسائل تتعلق بالطبيعة البشرية وكيف أن «كل قوم بما لديهم فرحون» كما يخبرنا القرآن. وهذا قائم الآن بين الدول العربية فيما بينها، رغم ان الحكام فيها ينتسبون للمذاهب السنية.
فبدلا من توهم أن الاختلاف المذهبي أو الصراع السياسي يمكن أن ينتهي تماما، على كل منا أن يركز على تقصيره هو في فهم الإسلام والالتزام بأخلاقه السمحة، وأن تتسع صدورنا للاختلاف ونقيد شهواتنا في السلطة والجاه... فإذا فعلنا أمكننا ان نضيق من شقة الخلاف وأن نرفع الظلم عن بعضنا بعضاً عندما نختلف سياسياً. فليس المشكلة في الاختلاف ولا في الصراع، وإنما في التشدد والفجور في الخصومة، والذي يكون حتى بين أعضاء الجماعة السياسية الواحدة كما نرى الآن بين قيادات الجبهة القومية الإسلامية في السودان.
* التجربة التركية، هزيمة النخبة العلمانية في الانتخابات الاخيرة..ثم عودة حزب العدالة والتنمية الاسلاموي للسلطة هل هذه مؤشرات على فشل العلمانية في تركيا ورغبة نحو البرنامج الاسلامي..؟
ـ التجربة التركية الراهنة هي تصحيح لمفهوم الدولة العلمانية ومراجعة لتطرف الجمهورية الاتاتوركية، فحزب العدالة والتنمية يقبل ويلتزم بمبدأ الدولة العلمانية في تركيا ولذلك لا يمكن اعتبار استمراره في الحكم هزيمة أو فشل العلمانية كما يقول سؤالك وهنا نميز بين رأي وفهم الصفوة الاتاتوركية في الدولة العلمانية على المنهج الفرنسي والفهم الاصح للدولة العلمانية في كتابي عن «علمانية الدولة» فصل كامل في تقييم التجربة التركية وهو نقد للتطرف العلماني بنفس القدر الذي انتقد به مفهوم الدولة الاسلامية..

http://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=48475

Post: #901
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-17-2008, 11:54 PM
Parent: #1


كيف نوفق بين حرية المعتقد في القرآن وحد الردة في السنة




لا إكراه في الدينتعتبر قضية الردة من المواضيع الخلافية التي اشتد حولها النقاش في السنوات الأخيرة وذلك لصدور فتاوى وأحكام قضائية – بل وتهديدات مؤخراً - عديدة تعلن ردة بعض المفكرين والأدباء المسلمين. ولذلك شن الغرب حملات تشهير ضد الإسلام بصفته ديناً يعتدي – بزعمهم - على أعلى قيم العصر وهي الحرية. وإشكالية حد الردة في الإسلام تكمن في كون القرآن الكريم يدعو إلى حرية المعتقد بصورة واضحة لا تحتمل اللبس ولا التأويل: (وقل الحق من ربكم، فمن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر). ولكن السنة النبوية الشريفة توجد بها أحاديث تدعو إلى قتل المرتد، وهناك أيضا قضية حروب الردة. فكيف نوفق بين حرية المعتقد من جهة وحد الردة من جهة أخرى؟ يطرح الشيخ الدكتور طه جابر العلواني في كتابه الذي يحمل عنوان «لا إكراه في الدين» اجتهاده في إشكالية حد الردة، التي يخشى الكثير من علماء الدين المعاصرين الاجتهاد فيها والجدير بالتذكير أن معظم علماء الدين المحافظين والتقليديين ينتقدون اجتهادات بعض المفكرين المعاصرين في موضوع حد الردة نظراً لأنهم، كما يقولون، مجرد مثقفين لم يتخصصوا في الشريعة الإسلامية ولا يملكون الأدوات العلمية لجعل اجتهاداتهم تكتسب أية مصداقية. ومن هنا تكمن أهمية هذا الكتاب، لأن مؤلفه ليس مجرد مثقف عادي أو مفكر إسلامي غير متخصص، بل شيخ أصولي وعالم دين عراقي حاصل على الدكتوراه في أصول الفقه من جامعة الأزهر عام 1973. وهو عضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وعضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، ورئيس جامعة قرطبة بالولايات المتحدة، والرئيس السابق للمجلس الفقهي لأمريكا الشمالية. ومصدر قوة هذا البحث أنه لم يخضع للمؤثرات الليبرالية في تفسير مفهوم الحرية، بل استعمل المنهج الإسلامي الأصيل في التعامل مع الخطاب القرآني والنبوي.

ويعترف العلواني بحساسية الاجتهاد في هذا الموضوع وخطورته، إذ يشير في المقدمة أنه أعد مسودة هذا الكتاب عام 1992 ولكنه تردد في نشره خوفاً على علاقات المعهد العالمي للفكر الإسلامي في أمريكا الذي كان يرأسه آنذاك مع بعض المؤسسات الدينية المحافظة في العالم العربي. ولكنه بعد تركه رئاسة المعهد، وتقدمه في العمر، قرر نشر هذا البحث الجريء خوفا من كتمان العلم رغم ما قد يسببه له من إحراج شخصي مع تلك المؤسسات. ومن دون شك أن مثل هذا الاعتراف مؤسف للغاية، ويصور بدقة البيئة المحيطة بحرية الاجتهاد والبحث العلمي في القضايا الدينية.


الشيخ الدكتور طه جابر العلوانيويشير العلواني إلى أن حد قتل المرتد أصبح في حكم المجمع عليه رغم مخالفته لآراء فقهاء كبار لهم وزنهم مثل عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإبراهيم النخعي، وسفيان الثوري، وغيرهم. ولذلك فهو يشكك في دعوى الإجماع. ولولا تحديات الحضارة المعاصرة التي جعلت النقد والمراجعة خطوات منهجية لها صلاحية مطلقة في تناول أي شيء بالنقد والتحليل لما فُتح ملف الحديث والجدل حول هذا الموضوع في العصر الحديث منذ جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده مروراً بمحمود شلتوت ومحمد أبو زهرة إلى حسن الترابي وغيرهم في وقتنا هذا.

ويستعرض العلواني أشهر قضايا الردة في العقود الثلاثة الأخيرة. فيتطرق إلى قضايا محمود محمد طه، وسلمان رشدي، وفرج فودة، ونصر حامد أبو زيد، وحسن حنفي، ونوال السعداوي، وأخيراً الأفغاني عبد الرحمن عبد المنان. وبسبب تلك القضايا – يقول العلواني - اشتد هجوم الغرب على الإسلام كدين متهم بهدر حقوق الإنسان. ويتساءل العلواني - بذكاء – قائلا: لو كان حد الردة قائما ومطبقا في بلاد المسلمين كلها، هل كان أولئك الذين تبنوا تيارات فكرية إلحادية أو مناقضة للإسلام ثم عادوا من أنفسهم ودون تدخل قضائي ليكتشفوا هويتهم، ويتبنوا من جديد نهج الإسلام، هل كان هؤلاء اليوم أحياءً يدافعون عن الإسلام؟ وهذا السؤال الجوهري هو ما دفع العلواني لدراسة حد الردة. وهو يؤكد أن قضية البحث الأساسية هي الردة الفردية المسالمة بمعنى: تغيير الإنسان عقيدته بطريقة مسالمة ليس فيها رفع للسلاح أو خروج على الجماعة أو دعوة لهدم الإسلام.

ثم يناقش العلواني حقيقة الردة في القرآن الكريم. فيسرد ويفسر الآيات المتعلقة بهذه القضية. ومن ذلك يتضح أن حرية العقيدة في القرآن أحيطت بسائر الضمانات القرآنية التي جعلت منها حرية مطلقة لا تحدها حدود، وأن القرآن المجيد لا يحتوي على حد للردة أو عقوبة دنيوية لها، لا إعدام ولا دون ذلك، ولم يشر لا تصريحا ولا على سبيل الإيماء إلى ضرورة إكراه المرتد على العودة إلى الإسلام، وأن العقوبة على الردة هي عقوبة أخروية موكولة إلى الخالق لقوله تبارك وتعالى ?ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون?.

ويتناول العلواني قضية الردة في السنة النبوية حيث يشير إلى أنه يستحيل عقلا وشرعا أن يأتي في السنة النبوية - الثابتة الصحيحة - شيء يناقض مبادئ القرآن الكريم، فضلا عن أن ينسخه. وإذا كانت مبادئ القرآن الكريم قد حددت بوضوح إطلاق حرية الاعتقاد، وأحاطتها بسائر الضمانات، وجعلت جزاء المرتد لله تعالى في الدار الآخرة، فلا يتوقع من السنة أن تأتي على خلاف ذلك. خاصة وأن هذا الأمر لم يرد في آية واحدة، أو اثنتين، بل جاء في ما يقارب مائتي آية بينة وكلها متضافرة على تأكيد حرية الاعتقاد. ونطالع سردا لعدد من وقائع الردة التي حدثت في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم قبل وبعد الهجرة إلى يثرب لنخلص منها أن الرسول لم يقتل مرتدا أو زنديقا طيلة حياته إلا في حالة كونه مرتكبا لجريمة أو محاربا.

ثم يعرض العلواني للسنة القولية وأشهرها حديث «من بدل دينه فاقتلوه» فيورده بكل طرقه ومتابعاته وأقوال العلماء فيه. ويخلص العلواني إلى أن هذا الحديث حديث آحاد يعد في المراسيل في الغالب، ولا يؤخذ على إطلاقه ومعناه الحرفي، بل يرتبط بواقعة محددة وهي مؤامرة اليهود التي ذكرها القرآن الكريم «وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون» بهدف تحطيم الجبهة الداخلية للمسلمين وزعزعة ثقتهم بدينهم، خاصة من هم حديثو عهد بالإسلام. وبدون مثل هذا التقييد، يؤدي الأخذ بهذا الحديث على إطلاقه إلى نسخ أو إيقاف العمل بما يقرب من مائتي آية قرآنية كريمة نصت على إطلاق حرية الاعتقاد، ونفي الإكراه على الدين، وعدم ترتب أي عقوبة على مبدل دينه في الدنيا إذا كان مسالماً ولم يرتكب جرائم أخرى كما ذكرنا سابقاً. وهذا ما لا يقبله العقل. ويستشهد المؤلف كذلك برد الرسول على من اقترح عليه قتل بعض المنافقين: «لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه».

ثم يناقش العلواني مذاهب فقهاء جميع الطوائف الإسلامية ليخلص إلى أن هؤلاء الفقهاء كانوا يعالجون جريمة مركبة غير التي نعالجها اختلط فيها السياسي والقانوني والاجتماعي بحيث كان تغيير المرتد دينه يصاحبه خروج على المجتمع والقيادة السياسية والنظم التي تتبناها الجماعة.

أما بخصوص حروب الردة، فيؤكد العلواني أنها كانت سياسية في المقام الأول. فهي لم تكن بسبب الامتناع عن أداء الزكاة فقط، بل لإلزام مواطنين هددوا وحدة الأمة وسيادتها واستقرارها على الخضوع للسلطة الشرعية.

ويخلص العلواني في نهاية بحثه القيم إلى أن الإنسان المكرّم المستخلف المؤتمن أكبر عند الله وأعز من أن يكلفه ثم يسلب منه حرية الاختيار، بل إن جوهر الأمانة التي حملها، والتي استحق بها القيام بمهمة الاستخلاف، إنما يقوم على حرية الاختيار التامة الكاملة: ?لا إكراه في الدين?.

أخر خبر تفتح باب النقاش الجاد الملتزم حول هذا الموضوع لقرائها الذين نتمنى عليهم ردودا مختصرة وذات معنى وعلى الخير والمحبة دوما نلتقي .
{mosextranews off}

http://www.akherkhabar.net/index.php?option=com_content...view&id=24&Itemid=40

Post: #902
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-17-2008, 11:55 PM
Parent: #901


شاكر النابلسي: العلمانية ستنتصر في العالم العربي وجرائم الإرهاب هي النزع الأخير للأصولية




د. شاكر النابلسيتوقع المفكر الليبرالي الامريكي من أصل أردني شاكر النابلسي انتصار العَلْمانية في نهاية المطاف في العالم العربي، معتبرا أن العَلْمانية هي الحل الأمثل لإقامة دولة ومجتمع ديمقراطي.

وقال في حديث نشرت صحيفة الأيام البحرينية أجزاءا منه وينشره موقع آفاق كاملا إن "جرائم الإرهاب التي ترتكب هذه الأيام ما هي إلا النزع الأخير للأصولية، ودليل على كسح العَلْمانية ومبادئها للعالم العربي".

لكن النابلسي استدرك بالقول "إن الدولة الدينية القائمة الآن في إيران وفي غزة، هي شرط من شروط تحقيق التجاوز إلى الدولة العَلْمانية كما سبق وقال الفيلسوف هيجل. فلا بُدَّ أن نمر بمرحلة الدولة الدينية لكي نتجاوزها إلى الدولة العَلْمانية. وأنا أنتظر بشوق كبير حكم حركة الإخوان المسلمين في مصر وغير مصر، لكي نستطيع تجاوز الدولة التي سيقيمونها إلى الدولة العَلْمانية وبدون ذلك فلن نحقق التجاوز المنشود".

واستبعد النابلسي أن تتحقق شراكة حقيقية بين الإسلامويين والعَلْمانيين في إدارة شئون الدولة، قائلا "من الصعب أن تتحقق مثل هذه الشراكة، في ظل سعي الإسلامويين لإقامة دولة دينية. أما إذا تخلّوا عن هذا المطلب، فالشراكة ستكون مثمرة".

وفيما يلي النص الكامل للمقابلة:

1- ما مفهوم العَلْمانية لديك؟ وكيف تراها؟
العَلْمانية تعني فصل الدين عن الدولة، وإبعاد رجال الدين عن العمل بالسياسة وعدم السماح للأحزاب الدينية بالعمل. وكل هذا من أجل مصلحة الدين، لكي يبقى المقدس (الدين) بعيداً عن المدنّس (السياسة). حيث – على مرِّ العصور – استفادت السياسة من الدين وأُضرَّ الدين بمجامعة السياسة، فكسبت السياسة وخسر الدين على مرِّ العصور. وكذلك، من أجل أن يُحاسب السياسي على فعله السياسي ولا يحتمي بمظلة الدين من الحساب والعقاب. فرجل الدين الذي يجمع بين الدين والسياسة من الصعب معارضته أو محاسبته.

والحال، أن عملية فصل الدين عن السياسة أهون في المذهب الشيعي منها في المذهب السُنيّ. فالهيئات الشيعية نشأت مثل نشوء الكنيسة، والتراتبية في الهيئات الشيعية شبيهة بالتراتبية الكنسية، بحيث بقيت كلا التراتبيتين منفصلتين عن الدولة.

على عكس الهيئات السُنيّة التي اندمجت في الدولة منذ عهد الخليفة معاوية بن أبي سفيان. وبهذا استعملت الدولة الهيئات السُنيّة أكثر من استعمالها للهيئات الشيعية التي ظلت خارج نطاق الدولة العربية الإسلامية. وهكذا يخيّل لنا، أن فصل الدين عن الدولة في المذهب السُنيّ المندمج كليةً في الدولة، أصبح من سابع المستحيلات، نتيجة لاندماج الدين بالسياسة والسياسة بالدين، وزوال الحدود بينهما والقيود منهما، بحيث أصبحنا لا نُفرّق بين ما هو من الدين وما هو من السياسة.

وتلك هي الحيلة التي تفوّق بها الحكام العرب منذ عهد معاوية بن أبي سفيان إلى الآن، وتجلّت في تحويل الحاكم إلى ظل الله على الأرض، وتحويل "بيت مال المسلمين" إلى "بيت مال الله"، بحيث لا يصرف الحاكم منه إلا بأمر من الله، ولا يتلقى أمر الله غير خليفته وخليفة نبيه على الأرض، كما قال معاوية بن أبي سفيان منذ 1400 سنة. وهذا ما يؤكده الداعية الأصولي أنور الجندي ويطلق عليه "مفاهيم الإسلام" في كتابه (الإسلام والدعوات الهدامة، ص271-293)، حيث يؤكد ضرورة دمج الاقتصاد والسياسة والاجتماع بالدين، وهي الخطوة الأخيرة نحو إقامة دولة الخلافة الإسلامية، حيث يندمج الدين (حسب المذهب السُنيّ) بالدولة كليةً، كما يقول المفكر اللبناني عادل ضاهر في كتابه (أولية العقل، ص 210).

أما الترجمة العربية لكلمة "العَلْمانية" - بفتح العين وليس بكسرها- فهي حديثة في الأدبيات السياسية العربية. وهي نسبة إلى العَالم وليس إلى العلم؛ أي إلى الدنيا التي نحياها. والعَلْمانية ليست واحدة، بل هي عدة عَلْمانيات، وحالها كحال الديمقراطية. فالعَلْمانية الفرنسية تختلف عن الألمانية، وعن الإنجليزية، وكذلك عن الأمريكية، وعن الكمالية التركية.

وعلى العموم، فالعَلْمانية ليست قالباً واحداً، ولكنها عدة قوالب. والأهم من هذا كله، أن لا عداء بين العَلْمانية والدين. ولكن العداء بين العَلْمانية ورجال الدين. ولذلك، فرجال الدين هم الذين رموا العَلْمانية بالكفر والإلحاد، وليس الدين نفسه. يقول الشيخ يوسف القرضاوي: "إن الدعوة إلى العَلْمانية بين المسلمين معناها الإلحاد والمروق من الإسلام" ("الصحوة الإسلامية بين الجمود والتطرف" 1984، ص112)، وتتكرر هذه العبارة عدة مرات في كتاب القرضاوي الآخر (الحل الإسلامي فريضة وضرورة). ورجال الدين الذين قاوموا العَلْمانية، كانوا يدركون أن العَلْمانية تحرمهم من مميزات سياسية اجتماعية ومالية وثقافية كثيرة، وتحصر مهمتهم في الدعوة والإرشاد الديني فقط، وبين جدران المساجد.

وبذا، لن يعود رجال الدين نجوماً سياسية أو إعلامية، ويفتون بكل صغيرة وكبيرة كما هم الآن، مما سيحرمهم من امتيازات كثيرة لدى السلاطين. أما الدين فهو باقٍ. بقي الدين في فرنسا وفي جميع أنحاء أوروبا وكذلك في أمريكا، بل ازداد عدد الكنائس، وإن قلَّ المصلون. فالعَلْمانية لا تنكر الله، ولا تتطاول على أديان التوحيد. وأن كان هناك بعض الفلاسفة والمفكرين العَلْمانيين في الغرب والشرق أنكروا الألوهية، فذاك شأنهم، ولا يلزموا بهذا النكران الآخرين.

ونلفت النظر، إلى أن رجال الدين ليسوا وحدهم الذين أنكروا العَلْمانية واستنكروها، ولكن هناك أيضاً بعض المفكرين الليبراليين العقلانيين كمحمد عابد الجابري المفكر المغربي المعروف، وصاحب "تكوين العقل العربي"، الذي طالب عام 1990، وعلى صفحة مجلة "اليوم السابع" التي كانت تصدر في باريس، بإلغاء كلمة "عَلْمانية"، وسحبها من قاموس الفكر العربي.

2- هل يمكن أن تتحقق شراكة حقيقية بين الإسلامويين والعَلْمانيين في إدارة شئون الدولة؟ وهل هناك فرصة للتعايش والتزاوج بين الطرفين؟
من الصعب أن تتحقق مثل هذه الشراكة، في ظل سعي الإسلامويين لإقامة دولة دينية. أما إذا تخلّوا عن هذا المطلب، فالشراكة ستكون مثمرة. فالدولة الدينية هي دولة الحاكمية لله التي قال بها المفكر الباكستاني/الهندي أبو الأعلى المودودي، مؤسس حزب "جماعت إسلامي" الهندي الباكستاني، وأخذها عنه سيّد قطب ومحمد قطب. بمعنى أن الله هو الذي يضع دستور هذه الدولة، وكافة الأحكام والقوانين. أي أن رجال الدين – وهم فقهاء الدين وحماته، والعَلْماء هم ورثة الأنبياء – هم الذين سيحكمون فقط، لأنهم وحدهم هم العليمون والقادرون على تفسير الأحكام الدينية وتمييزها. كذلك، فإن الإسلامويين، لا يقرون نظام الأحزاب والتعددية، ويعتبرون أن "حزب الله" ؛ أي أن حزبهم هم، هو الحزب الوحيد المرخّص له بالعمل السياسي، وإن كانت هناك أحزاب دينية أخرى فهي تنضوي تحت مُسمّى "حزب الله".

وهناك فتوى لحاكم إيران الديني علي خامئني تقول بأن "معارضة الحكومة الإسلامية كفر بالله".

كذلك، فالإسلامويون، ينكرون عدم التفرقة بين المواطن والمؤمن، ويصرّون على هذه التفرقة، ويعتبرون أن المواطن هو المسلم فقط. وكل هذه المباديء ينكرها العَلْمانيون، الذين يؤمنون بأن المجتمع والدولة لا يصبحان ديمقراطيين إلا إذا سادت العَلْمانية. فالديمقراطية شرطها العَلْمانية. ولا ديمقراطية بدون عَلْمانية. لأن العَلْمانية هي التي تساوي بين جميع المواطنين بالحقوق والواجبات، بغض النظر عن جنسهم ومذهبهم ودينهم وعرقهم، وذلك هو لُب الديمقراطية وعقلها.

3- كيف يمكن للعَلْمانية إدارة الدولة الإسلامية المبنية على أيدلوجيات؟ وهل بإمكاننا خلق عَلْمانية إسلامية؟
لا يمكن للعَلْمانية أن تدير دولة إسلامية كإيران الآن مثلاً. كما أن الدولة الإسلامية ليست مبنية على عدة إيديولوجيات. الدولة الإسلامية أحادية الجانب. بمعنى أنها تدار من خلال مفهوم ونظام ديني واحد. وأعتقد بأن العَلْمانية العربية هي عَلْمانية إسلامية حين تطبّق حرية الفكر والعقيدة ومساواة الرجل بالمرأة في الحقوق والواجبات، وبالتعددية الحزبية، وبمداولة السلطة، ومساواة كافة المواطنين بالحقوق والواجبات بغض النظر عن دينهم وجنسهم وطائفتهم وبالعدل.

ولا مجال في العَلْمانية للحاكم "المستبد العادل" الذي قال به جمال الدين الأفغاني. فالعدل أساس الإصلاح. والحاكم المستبد يعدل بالاستبداد، والحاكم العادل يستبد بالعدل. ولو لم يكن كمال أتاتورك عادلاً لما استطاع إسقاط الخلافة عام 1924.

وقد شهدنا تطبيق العَلْمانية الإسلامية في عهد حكم البويهيين والسلاجقة في القرن العاشر والحادي عشر الميلادي وما بعده فقط، حين كان الخليفة العباسي هو الخليفة الديني، والسلطان البويهي أو السلجوقي هو سلطان الدنيا. وهذا أول فصل حقيقي في تاريخ الدولة الإسلامية بين الخليفة والسلطان، أو بين الدين والدنيا.

4- هل ترون في إرساء مبادئ الدولة العَلْمانية حلاً لمحاربة الإرهاب والتطرف؟ وكيف يمكن للعَلْمانية الحفاظ على المعتقد الديني دون المساس بتشريعاته وأحكامه حين تسيطر على مفاصل الدولة؟
الإرهاب في العالم العربي لم يقم لغاية دينية ولكنه قام لغاية سياسية. والإرهابيون لا يريدون بإرهابهم تطبيق الإسلام المطبق جيداً في كثير من الدول العربية. الإرهابيون يريدون السلطة السياسية، وهم غير مؤهلين لها بتاتاً. هل تعتقد بأن ابن لادن أو أيمن الظواهري يصلحان أن يكونا حاكمين لدولة في العصر الحديث. ربما ينفعان لحكم دولة كدولة طالبان، أو لدولة ما في القرون الوسطى. وما سعي الإسلامويين في أفغانستان والعراق وفلسطين ومصر وغيرها إلا طمعاً بالحكم.

وسوف يخسر الإسلام بحكمهم الشيء الكثير. فالأخبار من غزة التي حكمتها وتحكمها "حماس" حتى الآن، تقول بزيادة نسبة الجريمة، والسرقة، وخطف النساء، والاعتداء على الممتلكات، وقلة المصلين في المساجد، وانتشار البطالة، وانتشار تجارة التهريب.

5- في إحدى مؤلفاتك، ذكرت بأن القرن الحادي والعشرين سيشهد تجاذب بين دعاة الدولة الدينية ودعاة الدولة العَلْمانية، وتيقنت بأن التيار العَلْماني سيتغلب في النهاية. هل ما زالت مؤمناً بأن التيار العَلْماني سينتصر؟ وعلى ماذا يستند الدكتور النابلسي بانتصار العَلْمانية ؟
سبب هذا التجاذب هو اقتراب العالم العربي أكثر فأكثر من العَلْمانية غير المُعلنة أو ما أُطلق عليه (العَلْمانية المقنّعة). فلو نظرت حولك في المغرب والمشرق العربي، فسترى أن أجزاء من العَلْمانية مطبّقة، وهي الأجزاء التي تكفل بقاء السلطة بيد من هم في السلطة الآن. هذا جيد، لأن الخطوة التالية ستكون البدء في مساواة المرأة بالرجل.

وقد تمَّ تطبيق هذا في كثير من أنحاء الوطن العربي، وكذلك في بعض دول الخليج. وسبب تغلّب التيار العَلْماني في العالم العربي في النهاية، هو كون العَلْمانية حتمية تاريخية، وكأس لا بُدَّ من شربها، وإن كانت مُرَّة، بل شديدة المرارة بالنسبة للإسلامويين. العالم كله تعولم والأصولية في العالم كله تتقزم. والقرن الحادي والعشرون هو قرن العولمة في العالم العربي.

وما جرائم الإرهاب التي ترتكب هذه الأيام إلا النزع الأخير للأصولية، ودليل على كسح العَلْمانية ومبادئها للعالم العربي. والي الآن ومنذ أن تأسست جماعة الإخوان المسلمين في 1928؛ أي بعد مضي ثمانين عاماً، لم تستطع هذه الجماعة إقامة دولة دينية إلا في قطاع غزة. وانظر إلى موقف العالم منها، والمصير الذي انتهت إليه؟

كذلك، فإن المجتمع العربي متعَلمن إلى حد كبير. فالحدود الشرعية – رغم كل هذا الزعيق والطبل الأصولي – غير مُطبَّقة إلا في دولة عربية واحدة فقط، من ضمن أكثر من عشرين دولة. ونسبة المحجبات في العالم العربي لا تتجاوز العشرة بالمائة، ونسبة من تزوجوا بأربع نساء لا يتجاوزون الخمسة بالمائة. والعالم العربي ساوى في معظمه بين الرجل والمرأة، حتى في دول الخليج، وإن لم تكن هذه المساواة تامة وكاملة كما نريدها حتى الآن، ما عدا دولة واحدة، وذلك بسبب ظروفها الدينية والتاريخية والسياسية، التي لا تسمح لها بتخطي خطوطٍ حمراء معينة.

وبدون تشريع مدني واضح، يتجه المجتمع العربي بحكم حتمية التاريخ ومنطق العصر، ومسار العالم إلى العَلْمانية، وهي برأيي "عَلْمانية توحيدية"، وليست عَلْمانية كافرة وملحدة، كما يُطلق عليها رجال الدين في هذه الأيام. فالعَلْمانية الملحدة لم تُوجد حتى في فرنسا، ولا في أية دولة غربية، وإنما وُجدت في ثلاث دول فقط، وهي الاتحاد السوفيتي المنهار والمكسيك وكوبا.

إن قولنا بانتصار العَلْمانية أخيراً، ناتج عن كوننا نرى في العَلْمانية الحل الأمثل لإقامة دولة ومجتمع ديمقراطي. ولقد جرّب الآخرون في الشرق أنظمة غير النظام العَلْماني فماذا كانت النتيجة؟ إن العَلْمانية لا يمكن لها أن تأتي أُكلها إلا بالديمقراطية. فلقد كان الاتحاد السوفيتي السابق نظاماً عَلْمانياً ملحداً، ولكنه لم يكن ديمقراطياً، فكانت عَلْمانيته ناقصة وغير مفيدة، فانهار.

كذلك الحال مع النازية والفاشية والماوية. وفي العالم العربي، هناك دول عَلْمانية ولكنها ليست ديمقراطية. لذا، فإن عَلْمانيتهم مزيفة وعبارة عن قشرة ذهبية لخواتم من تنك وزنك، يفتضح أمرها من أول حكّة. فمن الممكن أن يتمَّ تحديث صناعي وعلمي في ظل الديكتاتورية العَلْمانية، كما جرى في فرنسا في عهد نابليون الثالث، وفي ايطاليا الفاشية، وألمانيا الهتلرية، وروسيا الستالينية، ومن الممكن أن تتمَّ إقامة ديكتاتوريات عَلْمانية معادية للدين كما تمَّ في المكسيك والاتحاد السوفيتي وكوبا، ولكن لا ديمقراطية بدون العَلْمانية.

6- ذكرت في إحدى مقالاتك: "لا نظام سياسياً دينياً يمكن أن يحكم ويسود في هذا العالم العَلْماني، بعد أن تعلْمَن العالم" . كيف بنيت أن العالم متجه للعَلْمانية على الرغم من وجود دول دينية قائمة، وجماعات أصولية استطاعت الوصول لحكم الدولة عبر الانتخابات العامة؟
في العالم هناك دولة دينية واحدة فقط، وهي إيران. ولكن هذه الدولة الدينية تحكم الشعب الإيراني بالحديد والنار والقهر. والحرس الثوري الديني الإيراني (باسدران) هو الحاكم الفعلي في إيران. ويتألف - حسب تقديرات المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن- من 350 ألف عنصر. وهو يذيق الشعب الإيراني القهر إلى الحد الذي أصبح معه الشعب الإيراني أكبر مستهلك للحشيش والأفيون في العالم حسب تقارير الأمم المتحدة، وذلك نتيجة لحجم الظلم والقهر الذي تمارسه الدولة الدينية ممثلةً بالحرس الثوري عليه.

وطبقا لتقرير المخدرات العالمي عام 2005، الذي أصدرته الأمم المتحدة عن مدمني الأفيون في العالم، توجد في إيران أعلى نسبة من المدمنين في العالم، إذ أن 2.8 في المائة من السكان الذين تزيد أعمارهم عن 15 سنة مدمنون على نوع من المخدرات. والي جانب إيران، توجد دولتان فقط في العالم تتعدى نسبة المدمنين فيهما 2 % وهما موريشيوس وقيرغيزستان.

وإذا ما وضعنا في الاعتبار أن عدد سكان إيران يصل إلى 70 مليون نسمة، وأن بعض الإدارات الحكومية الإيرانية، تعتقد أن عدد المدمنين يصل إلى 4 ملايين شخص، فإن ذلك يضع إيران على قمة عدد السكان المدمنين في العالم على المواد المخدرة، بما في ذلك الهيروين. فهذه هي الدولة الدينية التي تسعى الفصائل الدينية الإرهابية في العالم العربي إلى إقامة مثيل لها.

إلى جانب ذلك، ومن الناحية الدينية، فإن الأرقام التي أذاعها رئيس الشؤون الثقافية في بلدية طهران، الشيخ محمد على زام، مؤخراً، عن نسبة الالتزام الديني لدى الشعب الإيراني، وخاصة الطلاب والشباب، فيما يتعلق بأداء الصلاة والإباحية الجنسية والإدمان على المخدرات، أحدثت نوعاً من الصدمة والدهشة والذهول لدى المراقبين والإسلاميين خارج الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأثارت قلقاً شديداً على مستقبل التجربة الإسلامية في القرن العشرين، ودفعتهم للتفكير، وإعادة النظر في مخططاتهم الحركية، وبرامجهم للحكم في المستقبل.

فقد كان الإسلاميون في أواسط القرن الماضي يتجادلون فيما بينهم حول الطريقة الفُضلى لإقامة المجتمع الإسلامي، وفيما إذا كانت التربية قبل مرحلة السلطة ، أم السلطة قبل مرحلة التربية ؟ وجاءت الثورة الإسلامية في إيران في نهاية السبعينات لتحسم ذلك الجدل الطويل، بعد انضمام قطاعات واسعة من الشعب الإيراني إلى المشروع الإسلامي، وخضوعها لقيادة رجال الدين، ودعمهم في إقامة حكم إسلامي.

وكان ينتظر أن يواصل رجال الدين الذين استلموا السلطة في إيران أسلمة ما تبقى من المجتمع والقضاء على جذور الفساد والانحلال والانحراف، إلا أن الأرقام التي أذاعها المسئول الثقافي الإيراني، وكشف عنها خلال مؤتمر صحفي، يُعدُّ الأول من نوعه من حيث الشفافية والصراحة والنقد الذاتي، أشارت إلى تراجع نسبة الالتزام الديني لدى غالبية الشعب الإيراني وخاصة الشباب حيث تجاوزت نسبة غير المصلين الثمانين بالمائة، وتجاوزت نسبة الإباحية الجنسية الستين بالمائة، وبلغت نسبة المدمنين على المخدرات عشرين بالمائة، وهي أرقام مرعبة حقا في مجتمع إسلامي تحكمه حكومة دينية، وتسيطر فيه على وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتلفزيون، ويوجد فيه حوالي نصف مليون رجل دين!

ورغم أن الحكومة الإسلامية بذلت عناية فائقة في إعداد برامج دراسية دينية للأطفال منذ نشوئهم في المدارس الابتدائية وغيرها، إلا أن حصيلة تجربة عقدين من الزمن كانت ابتعاد الشباب والطلاب عن الدين بنسبة عالية جداً. كما قال أحمد الكاتب في بحثه (لماذا يتراجع الإيرانيون عن التزام الديني؟).

من ناحية أخرى، يقول الكاتب الإيراني جاسم الحلوائي في سلسلة مقالات تحت عنوان (سنوات بين دمشق وطهران)، إن العواقب الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية لسيطرة رجال الدين على السلطة في إيران كثيرة، ومنها بعض المعطيات ذات الدلالة الهامة، وهي مستقاة من دراسة للدكتور أمان الله قرابي، الخبير الاجتماعي والأستاذ الجامعي، تتناول معالجة ظاهرة البغاء التي تشمل 300 ألف من بنات الشوارع في طهران وحدها، وتتراوح أعمارهن بين 11 إلى 18 عاماً. وفي الوقت الذي يؤكد فيه الباحث، بأن الظاهرة تشير إلى ضعف القيم الدينية في المجتمع ( في استطلاع أجرته الصحف الرسمية الإيرانية، تبين أن 85% ممن ولدوا بعد الثورة لا يمارسون الشعائر الدينية)، إلا أنه يؤكد بأن أسباب الظاهرة اقتصادية بالأساس. فهناك أربعة ملايين عاطل عن العمل.

والبلد بحاجة إلى مليون فرصة عمل جديدة سنويا، في حين إن ما يتحقق هو من 400 إلى 500 ألف فرصة. وتبلغ البطالة من 20 % إلى 27% في أوساط الخريجين. وهناك تسعة ملايين عازب وعزباء، بينهم 5.5 ملايين من العازبات. ويوجد خمسة ملايين مدمن مخدرات، ويعيش مليونان من سكان طهران في ضواحيها حياة بائسة (صحيفة "ميهن"، عدد 96، 2006).

والعدالة التي ينادي بها رجال الدين ليلاً ونهاراً كانت نتيجتها، وهم في قيادة السلطة لأكثر من ربع قرن، زيادة الأغنياء غناً وزيادة الفقراء فقراً في إيران، حيث "يعيش أكثر من نصف الشعب الإيراني تحت خط الفقر، وتفتك البطالة بأكثر من عشرين بالمائة من الشعب الإيراني. ويتعاطى ثمانين بالمائة من الشعب الإيراني المخدرات، حسب آخر تقرير دولي نشر، كما ذكرنا سابقاً.

إن الاتجاه الحامل للمشروع الحداثي مقصر في صراعه الفكري مع الأصولية، لأنها هي التي تمثل بمشروعها الديني العتيق والظلامي خطراً فعلياً على الإسلام. وهذا ما برهنت عليه التجارب الأصولية الثلاث الإيرانية، والسودانية، والأفغانية. فإيران الأصولية شجعت الإيرانيين على ترك المساجد خاوية حيث 75 ٪ من الشعب و86 ٪ من الطلبة تركوا الصلاة. وقد تكون الجمهورية الإسلامية أول دولة مسلمة تبيع المساجد المهجورة، فهل بعد هذا الإفلاس إفلاساً؟

إن انتصار الأصولية في إيران، كان تدشيناً للعودة بالعالم الإسلامي إلى القرون الوسطى.

والحال، أن معارضي ثورة 1979 الخمينية، لو كانوا منطقيين مع أنفسهم بما فيه الكفاية، لاعتبروا هذه الثورة خطوة حاسمة لتجاوز الإسلام التقليدي والأصولي للانتقال إلى الحداثة، تطبيقاً لمبدأ فلسفة التاريخ الهيجلية: "التجاوز شرط التحقيق".

7- ما مستقبل الدول الإسلامية القائمة؟ وهل باستطاعتها الصمود نحو ما أسميته "المد العَلْماني"؟
لقد سبق وأجبنا على هذا السؤال، وهو أن الدولة الدينية القائمة الآن في إيران وفي غزة، هي شرط من شروط تحقيق التجاوز إلى الدولة العَلْمانية كما سبق وقال الفيلسوف هيجل. فلا بُدَّ أن نمر بمرحلة الدولة الدينية لكي نتجاوزها إلى الدولة العَلْمانية. وأنا أنتظر بشوق كبير حكم حركة الإخوان المسلمين في مصر وغير مصر، لكي نستطيع تجاوز الدولة التي سيقيمونها إلى الدولة العَلْمانية وبدون ذلك فلن نحقق التجاوز المنشود.

8- سؤالي الأخير، هناك من ينتقد شاكر النابلسي، ويوجه اليه انتقادات لاذعة، تخرج عن اللياقة في بعض الأحيان.. برأيك هل هذا النقد نابع من خصومة أم مقارعة وصراع للفكر العَلْماني؟

الانتقادات التي تعتبرها لاذعة، هي أهون الشرور الأصولية. وهي أهون من الانتقادات الأصولية التي وُجهت إلى من هم قبلنا من الليبراليين. إقرأ ما قالته وما فعلته الأصولية بطه حسين، وعبد العزيز الثعالبي (مؤسس الحركة الوطنية بتونس)، ومنصور فهمي، وعلى عبد الرازق، وخالد محمد خالد، وفرج فوده، وحسين مروة، وفرح أنطون، وغيرهم. لقد أعدمت الأصولية السودانية بقيادة حسن الترابي المفكر الإسلامي محمود محمد طه عام 1985 في عهد "أمير المؤمنين" جعفر النميري، لأنه نفى إمكانية قيام دولة دينية، وقتلت الأصولية المصرية فرج فوده (صاحب الحقيقة الغائبة) عام 1992 ، بسبب مناظرة فكرية بينه وبين محمد عمارة في معرض الكتاب الدولي بالقاهرة، وأنكر فيها فوده إمكانية قيام الدولة الدينية. وحاولت الأصولية المصرية قتل نجيب محفوظ عام 1994. وحديثاً كفّرت الأصولية السعودية وطلبت محاكمة اثنين من الكتاب الليبراليين السعوديين (عبد الله العتيبي ويوسف أبا الخيل). إذن، فنحن في خير عميم الآن، إذا ما توقف العدوان الأصولي عند حد الشتم، والسباب البذيء، والاتهامات الباطلة فقط. والحال، أن هذه التصرفات كلها نتيجة لإفلاس الأصولية، وعدم مقدرتها على مقارعة الفكر بالفكر، لجهلها التام بواقع الفكر الإنساني المعاصر.
فلا يوجد في العالم العربي رجل دين أو "فقيه" يستطيع الوقوف أمام مفكر أو فيلسوف شرقي أو غربي. ولقد طالب المفكر التونسي العفيف الأخضر الشيخ راشد الغنوشي الأمين العام لحركة "النهضة" الإسلامية التونسية بالحوار على إحدى الفضائيات، أو في قاعة من قاعات الجامعات، إلا أن الأخير رفض، خوفاً من انكشاف سطحية وتهافت الفكر الأصولي. والأصولية لا تردُّ على الفكر بالفكر، لأنه لا فكر لديها، ولكنها تردُّ على الفكر بالنار، والأحزمة الناسفة، وكاتم الصوت، والسياط، والسكين، والسيارات المفخخة، وبالسباب، والتكفير، وتُهم الإلحاد، وذلك أضعف الإيمان!

عن آفاق



http://www.akherkhabar.net/index.php?option=com_content...ew&id=1283&Itemid=31

Post: #903
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-18-2008, 05:00 AM
Parent: #902


مدرسة السقوط
أو الأبناء الذين أكلوا ثورتهم
بلى ياصديق ..
عشنا وشفنا عصر الردّات وزمن الجزْر ، وسمعنا الثورات التى أكلت بنيها وجماعات تسرق الثورات ومدرسة " الشباب" المشاغبين ، والأبناء يأكلون ثورتهم و"أمّتهم" وأمَتهم ، ينتبذون بها زمكاناً قصياً ثم يغتابونها و"يصلبونها فى جميزة البنك" –حقوق محمد محى الدين- ثم يمشون فى جنازتها ..
ألم يكتب ع.ع. أبراهيم الشهر المنصرم عدّة مقالات عن من ينعون ثورة اكتوبر ويسومونها الهوان؟؟

دعنى أسوق محكيّتين كدليل أعتباطى ترويان عن تيار أو مدرسة تخوض مع الخائضين فى وحل الردّة أياه.

مشهد تاج السر الحسن..

كنا جماعة فى شتاء 1985 الحزين – كونه أخذ شهيد الفكر- فى معيّة أستاذنا الوارف الدكتور عبدالمحسن صالح (خضّرالله ضُراعه) فى منزله بمدينة أم درمان ، الصديق منيف عبدالباقى وبدرالدين (لا أذكر أن كان معنا الصديق كباشى ، أم اعتذر عن الحضور) وشخصى وكانت الدعوة أحتفاء بأربعتنا. وكان أن التحق بالدعوة باكرا الشاعر تاج السر الحسن ، شاعر آسيا وافريقيا (هل نشر تاج السر الحسن أيضا مع الشاعر الفذ على عبدالقيوم؟) . ولعلّ الصديق عبدالمحسن رأى أن يعرّفه بمجموعة يفتخر بتدريسها كما ذكر فى تلك الجلسة.
المهم دار النقاش عن ساس يسوس والشعر والاكتوبريات ونميرى وأستوزاراته للنخب وسارع تاج السر بتأكيد الأشاعة التى سارت حينها بين الناس أنه كان مصطفى لأحد وزارات الثقافة وأن نميرى تحدّث معه حول نيّته فى استوزاره وكيف انه رفضها الخ..
وحين أستبدّ بنا نخْب أكتوبر الميمون وسلافها و"فخر ذاك الجيل!" قلنا نكافئ لحظتنا سماع نشيد "آسيا وأفريقيا" من خشُم سيدو ...غير أن الخشم كان معتّتاً وصديدياً.. كان تاج السر يخرج مجموعة أوراق من جيب جلبابه بيدٍ ويمنع بيده الأخرى نسائم الحوش الذى نتوسطه من أطفاء نار الشمعة التى تتوسّط أحد التربيزتين بعد أن أنطفات الكهرباء. واصبح يعدنا بقراءة قصيدة "طازه" وحارّة كتبها من توّه . حلف بدينو وأيمانو الاّ يقرأ آسيا وأفريقيا لأنه ببساطه لن يتشرّف بقراءة تلك القصيدة الناشز. وكنا ، صديقى منيف وشخصى نكيل له كيلا يستحقّه جملة بعد اخرى حتى فاض الكيل .
اقترحنا عليه ، والعواطف الأكتوبرية مجروحة تطلب ثأرا، بأن يدخّّل تلك القصيدة الدافئة فى موضع آخر. فلا شأن لنا بها ولاتلزمنا من بعيد أو قريب بعد أهاناته الشخصية لثورة أكتوبر، وأقتطفنا فى كيل غضبنا المضرى المستشرى بالطبع من"هام ذاك النهريستلهم حسنا" و"القيود اشتعلت جدلة عرس فى الأيادى" والقمح والتمنّى وكل جمايل ودالمكى الستينيّة المبذولة والتى التقطها ودالمكى بعدسة عقل حسّاسة وشفافه حينها.
همّ تاج السر بأنصراف سريع حين أنسرف الكيل وأنفضّ السامر باكرا ونحن نطمّن أستاذنا على ما لا يد له به.

و ..عبدالكريم الكابلى ....

أظنه فى صيف 1998 حينما أستضافته الجالية السودانية فى تورنتو فى جلسة استماع تحدّث فيها عبدالكريم الكابلى عن ثقافة سودانية ون ويى one-way مستقيمة وعرجاء فى آن ، وغنى لها بالعود من الشمال والغرب والشرق كناية عن تعددها .. وضِمن السائلين أبتدرته متسائلا وفى البال أغنيته السياسية المسوّسة (هل من اغنية غير سياسيّة؟) "مسكين القمر" والتى كانت صدىً فنياً باهتا ورخيصا لنبيح كلب أذاعة أمدرمان (جركاس؟؟) الصباحى ضد معارضة الفنادق وكان أبناء الوسط العربسلاميين حينها يُخرَجون أفواجا من العمالة "للصالح العام" ويدخلون أفواجاً فى بيوت الأشباح ودم التنظيف العرقى فى جبال النوبة لما يجف بعد.
كان يتبرّج فينا الكابلى متثقّفا ويختال وهو الذى يتقدّم أحتفالات الأنقاذ السنوية والتعبوية والجهادية.
سألته : أين الكابلى الذى أمامنا من "هبّت الخرطوم فى جُنح الدجى ؟" وأينه من القابضين على الجمر من رفاقه محمد الأمين وابو عركى؟ وأينه من آسيا وأفريقيا و"باندونغ" والملايو وكل الكلمات والمشاهد الفنية السينمائية التى نستدعى بها نيم ثورة أكتوبر ومتاريسها وركوض الأقدام فى ساحة القصر وحقل النار (الواحة التى حضنت روح نصّار) ، روينا ورودتك دم ثوار، شتلنا فضاك هتاف أحرار، وشلنا الشهدا مشينا ونهتف ... الرصاص لن يثنينا.. ... الرصاص لن يثنينا.. شلنا تلك المشاهد معنا فى جميع المراحل الدراسية والمظاهرات وطبقناها فى انتفاضة "بيان بالعمل" – شكرا هاشم صديق الصمد –
قلت له أينك من:
"أى صوت زار بالأمس خيالى
طاف بالقلب وغنى للكمال
واشاع النور فى سود الليالى
واذاع الطهر فى دنيا الجمال"
واضح أننى قد افسدت على الجميع سعادتهم فهمو يصفّقون بين رده على بدون لباقه بين الزبد وقلّة الأدب والبلاغة حول حبّه للمراة السودانية والتغنّى لها وخلافه ، و"رفس" المايكرفون بيده التى كانت تلعب فى الفضاء بلا وجهة محددة وقال أنه لا يفخر بآسيا وافريقيا ولن يغنيها فهى من طيش الشباب وزمن الضياع .. وحين شعر مقدّم الجلسة بان وقار الكابلى قد ذهب طلب استراحة..

فى زمن الأنحسار الأجتماعى الثقافى الكوكبى والمحلّى يتغرّب المنتج من حصاده والجسد من روحه الاّ من رحم ربى من ذوى الأفق البعيد.

هذان دليلان جزافيان من كثير فى الخاطر فأصحاب الصمود والرفاق يولّون الأدبار واحد واحد - ترا أنحنا مسردبين فيها أبدا ان شاء الله .

مودتى
الفاضل الهاشمى

http://sudaneseonline.com/forum/viewtopic.php?t=2042&post...8ad71d4dd16a8098de08

Post: #904
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-18-2008, 05:06 AM
Parent: #1


شغل" الكبار".

الأخ محمد سيدأحمد
تسألني لماذا سكت قلمي عن مؤاخذة عبد الله علي ابراهيم على ما اعتبرته في مقام التواطوء السياسي مع نظام الإنقاذ و على هجومه على قرنق و على محمود محمد طه بينما أنا آخذ على محمد المكي ابراهيم إنكاره لشعر شبابه؟
قبل مباشرة الإجابة تلزمنا وقفة عند الإضمار الماثل في ثنايا العبارة: " مواقف كبارنا".فضمير الجماعة يغطي مجمل أعلام حركة الحداثة في السودان بدون فرز.أعني بدون فرز بين المبدعين( في حزب الفن) و الناشطين السياسيين ـ ولا يغيب على فطنتك أن حكاية " حزب الفن " دي دايرة ليها جكـّة براها فاصبر علي ـ.
أقول : أن عبارتك " كبارنا" تبيّت إضمارا لا يفرز بين كبار مبدعينا و كبار ساستنا.و ربما أمكن تفسير غياب الفرز بتداخل الحدود بين الممارسة الإبداعية و الممارسة السياسية عند عدد من مبدعينا الذين يتعاطون السياسة و عدد من سياسيينا الذين عرّجوا على أرض الإبداع في لحظة من لحظات مسارهم السياسي ، ناهيك عن ميل المؤسسة السياسية الطبيعي للإنتفاع بالثقل الإعلامي للمبدعين حين تتبدّى فرص تكريسهم ـ بشكل أو بآخر ـ كأيقونات سياسية في مقام" شاعر الشعب" أو " فنان الأمة " أو " صوت الجماهير" إلخ.
و اللبس بين" حزب الفن" و حزب السياسة باب كبير في كتاب التاريخ السياسي الحديث ، ربما لأن هذا التاريخ الذي تأسس ضمن ملابسات النضال ضد المستعمر، إنما انكتب في السودان بأقلام أشخاص كانوا يمارسون السياسة كنوع أدبي( رومانتيكي) مثلما كانوا يمارسون الخلق الأدبي كنوع سياسي ( طوباوي )فقبل" القيود" التي " اشتعلت جدلة عرس في الأيادي " كتب إدريس جمّاع في ديوان " لحظات باقية" عن طغيان الحاكم العام البريطاني الذي مسخ البلاد سجنا كبيرا للوطنيين:
"
طغى فأعدّ للأحرار سجنا و صيّر أرضنا سجنا مشاعا
هما سجنان يتفقان معنى و يختلفان ضيقا و اتـّساعا ".

إلى آخر كلام الشعراء لو كان لكلامات الشعراء آخر.
ولو جاز لي القول بأن حركة العمل العام السياسي قد استفادت كثيرا من طاقة المبدعين الأدباء و حماسهم الوطني ، فمن الصعب الإقرار بالعكس.
بل أن عادات الخلق الأدبي المنخرط طوعا في ضرورات العمل العام السياسي قد ساهمت ـ بطريقة أو بأخرى ـ في إفقار الممارسة الأدبية و حجبها عن التوغل في دروب المغامرة الوجودية للكاتب كذات ناطقة عن فرادة النفس المبدعة.
ترى هل يصلح هذا الكلام كتفسير لكون أدباء السودان ظلوا ـ لأجيال ـ يحتفون بصيغة الـ " نحن" و يتجاهلون صيغة الـ " أنا" ؟
هل يصلح هذا كتفسير لكون كتاب السودان ظلوا ـ لأجيال ـ ينطقون عن جسد الـ " أمة " الخيالي أدبا يحجب جسد " الزول" الفرد و يغمطه و يزدري به، بل و ينفيه من ملكوت الواقع الحي الحيوان؟
و هل يمكن القول بأن كل هذا الإحتفاء المفرط بصورة الـ " نحن" المجيدة ما هو إلا مكيدة بائسة من طرف أولاد المسلمين للهرب من مواجهة شقاء صورة الـ "أنا" المقهور المسحوق المدمّم؟
و هل يمكن تفسير حظوة كاتب كالطيب صالح بدون التأنـّي عند حساسيته الأدبية عند تقاطع نص الجسد و جسد النص؟ و بدون الإشاره إلى خروجه من مقام جسد نص الجماعة،الذي هو مقام نص جسد الجماعة الحضرية العربسلامية المتصلب المعسّم الذي" لا تملك الخمر لبه و لا يثقب سمعيه اليراع المثقّب"؟(البارودي)
مندري؟
لكن لو عدنا للتعارض بين حزب الفن و حزب السياسة ضمن المشهد السوداني للمسنا بسهولة أن أهل السياسة إنما يلجأون لأرض الفن حين تضيق بهم أرض السياسة أو حين تنبهم أمامهم دروبها. و الأمثلة كثيرة. فأكثرنا لم ينس لحظات القهر البوليسي الحالكة بين 1972و 1973 التي كابدها الديموقراطيون المتعاطفون مع الشيوعيين السودانيين.في تلك اللحظات انكمش كل حضور الأدب السياسي الواسع للحزب الشيوعي السوداني المستشري في المشهد العام منذ " ثورة اكتوبر 64، انكمش لبضعة وريقات تحوي كلمات محجوب شريف،كلمات شاعرات وقفن سدّا باسلا ضد طوفان البروباغاندا الإنتقامية التي غمرت الإعلام الرسمي و طالت بعض أعلام الأدب و الفن الغنائي و المشهدي و محقت كرامتهم و سحقتها سحقا في بعض الحالات. كان الناس يتناسخون كلمات محجوب شريف العنيدة تلك بحدب و يمرّرونها خلسة، من يد ليد، كمثل شمعة ممنوعة بأسها الرمزي مجدول من بساطة شكلها الشعري و من هشاشة وسيطها المادي، مرة منسوخة بالكربون و مرات منسوخة، بتضامن أكثر من يد، على ورق الدفاتر المدرسية الرخيص. و في منتصف السبعينات تبنّى الحزب الشيوعي استراتيجية إستغلال أشكال العمل العام المشروع لتنظيم المقاومة السياسية ضد نظام النميري. في ذلك الزمان لعب المبدعون الديموقراطيون المتحركون في مجالات الفن الغنائي و الفن التشكيلي و الأدب و المسرح دورا كبيرا في صيانة " جبهة" الإبداع بعيدا عن متناول أجهزة البروباغاندا المايوية.و قد جاءت وثيقة الحزب " نحو حساسية شيوعية تجاه الإبداع و المبدعين"، و التي صاغها قلم عبد الله علي ابراهيم( قومسير الحزب السياسي المتفرغ لـ " جبهة الأبداع")، جاءت تحمل تعريف الحزب الشيوعي للعلاقة مع المبدعين و لدور "جبهة الإبداع" ضمن مشهد العمل العام السياسي الذي يهيمن عليه
" كساد الردّة".و قد توصّلت ورقة " نحو حساسية.." (في أبريل 1976)،و
" بإطمئنان"، إلى الإقرار بأن " جبهة الأدب و الفن إجمالا ، تتخطى حاليا الإنعكاس الخصوصي للردة وسطها. فهي تبطل سياسيا مشروع الردة الديماغوغي الذي افترض، و ما يزال ،تطور هذه الجبهة في غير شروط الحرية..".و في الوثيقة توجيه للشيوعيين بمظاءرة المبدعين و دعمهم في وجه السلطة السياسية، بناءا على قولة ماركس: " الشعراء بحاجة إلى فيض إعزاز". و قد قرأت للصديق الفنان صلاح حسن عبد الله في موقع " سودان أرتيستس غاليري" أن الحزب الشيوعي أصدر جزءا ثانيا من و ثيقة " نحو حساسية" و أن الصديق الفنان أحمد البشير الماحي ساهم في إعداد جزء ثالث من نفس الوثيقة في الفترة التي غادر فيها عبد الله الحزب الشيوعي في نهاية السبعينات.

و" إعزاز" المبدعين في منظور الحزب الشيوعي إنما ينبني ـ من جهة أولى (جهة لينينية) ـ على مبدأ العناية بـهذه الـ " جبهة" ذات المردود السياسي النوعي الثمين في بلد كالسودان، قدرة مبدعيه على بناء علاقة ثقة مع الناس تفوق بمراحل قدرة سياسييه. و من الجهة الثانية، فعناية الشيوعيين بالمبدعين و إعزازهم إنما تقوم على بداهة القربى العضوية لقوم تمخض عنهم رحم واحد هو رحم حركة اليسار في السودان.ذلك ان معظم الكتاب و الفنانين في حركة الثقافة الحديثة إنما شبّوا (و شابوا) في ظل الخطاب الطوباوي اليساري الذي استنبته الشيوعيون السودانيون و صانوا لبُعده المحلي جسورا و أنفاقا متنوعة مع حركات التحرر العالمية ،و هو حال تشهد عنه "حفريات" الذاكرة الديموقراطية في تجربة الشعب الذي ما زال يطرب لـ " تحية آسيا و أفريقيا"( و إن تملص عنها شاعرها و مغنيها كما روى الفاضل الهاشمي).
إعزاز المبدعين ما هو إلا واحد من دروس العمل السياسي الحديث التي بذلها الشيوعيون السودانيون لحلفائهم، مثلما بذلوها لخصومهم، في المؤسسات السياسية السودانية.ورغم أن نظام النميري كان هو أول من ثبّت " إعزاز" المبدعين في أداء مؤسسات الدولة إلا أن نظام النميري لم ير في إعزاز الدولة للمبدعين أكثر من بُعد المكيدة السياسية ذات العائد السياسي السريع ، كون الدولة البوليسية تنتفع بالتكريم الدوري للمبدعين ، من جهة أولى، في ترميم التردّي اللاحق بصورتها كدولة ديكتاتورية عسكرية دموية، مثلما تنتفع بع، من جهة ثانية، في رشوة رموز الحركة الإبداعية بالأوسمة و الأنواط و العطايا و المناصب التي يجود بها رئيس الدولة بشكل دوري.ولم يغب على المبدعين السودانيين في عهد النميري أن النظام الذي كان يوسّمهم بأوسمته المدمّمة إنما يفعل ذلك لإختلاس شيئ من رصيد الإعزاز العفوي الطبيعي الذي يتمتعون به وسط السودانيين، مثلما لا يغيب علي المبدعين الذين تداهنهم مؤسسات نظام الإنقاذ الراهنة في هذه الأيام غاية الإستخدام الأداتي لرصيد شعبيتهم بين الجماهير.
و سلطات نظام الإنقاذ ـ في نهاية تحليل ماـ لم تفعل أكثر من مواصلة تقليد مداهنة المبدعين الذي استنته سلطات نظام النميري.
لكن " إعزاز " المبدعين لم يعد شأنا يخص المتربعين على سدة السلطة وحدهم، فالمعارضون في ساحة السياسة السودانية انتبهوا لضرورة مقاربة المبدعين و مخاطبتهم في الشأن الأبداعي كشأن إجتماعي ذي عواقب سياسية.و ليس من مثال أنصع من مثال الصادق المهدي الذي تجشم مشقة إجتراح " مشروع قومي للفن التشكيلي" في المنتدى الذي نظمته مؤسسة أروقة للثقافة و الفنون بالتعاون مع الإتحاد العام للتشكيليين السودانيين و جمعية التشكيليين السودانيين و المجلس القومي للثقافة و الفنون في 5 مارس عام 2003.و أنتباه مؤسسة سياسية تقليدية كحزب الأمة لحضور المبدعين في نسيج العمل العام السياسي يعبر عن نقلة نوعية جبارة في أسلوب عمل هذا الحزب الذي قيل أنه أشاح بوجهه متوجسا من طلب العضوية الذي قدمه محمد عبد الحي.تلك الواقعة ـ لو صحّت ـ فهي بلا شك حسرة مؤلمة لمحمد عبد الحي (افتحوا حراس سنار أبواب المدينة)، لكنها في منظور حزب الأمة
" طبزة" سياسية كبرى.
و في الورقة التي قدمها، يخاطب الصادق المهدي التشكيليين السودانيين" في موضوع مشروع قومي للفن التشكيلي في ظل مشروع ثقافي قومي للسودان" و يقول:
"منذ حين تعاظم في ذهني ان نجاة السودان من التردّي رهينة بمولد ثان مبرّأ من عيوب المولد الأول. و في كتابي ".."[ الصادق المهدي، السودان و حقوق الإنسان، دار الأمين ـ القاهرة 99ـ ـ ترجمة عبد الرحمن الغالي"] تناولت شروط المولد الثاني في كافة المجالات.ههنا سوف أتناول الجانب الثقافي عموما و أركز على الفني منه.خطابي هذا المساء يقع في ثلاثة أقسام:
القسم الأول : متعلق بمشروع قومي ثقافي.
القسم الثاني:يتناول الشبهات حول الدين و الفن.
القسم الثالث: يرسم الطريق نحو مشروع قومي للفن التشكيلي في ظل المشروع القومي الثقافي"( أنظر"جهنم" رقم 23 ـ أبريل 2004).
و تفاكير الصادق المهدي تملك ان تتجاوز منطقة إعلان النوايا الطيبة و شبهة مداهنة المبدعين المهتمين بالتشكيل لو استطاع حزب الأمة ان يوفر لها الكوادر المبدعة التي تتولى تجذيرها في تربة الحوار الفكري الدائر بين السودانيين حول دور الإبداع في دفع أسئلة الديموقراطية و التنمية الإجتماعية في السودان.السؤال الذي لا يملك أحد الإجابة عليه حاليا،ـ و هو سؤال يتجاوز أهل حزب الأمة ليشمل كل القائمين على المنظمات السياسية السودانية ،هو: ما مصلحة السياسي الحالي في صيانة محل حقيقي للمبدع داخل الآلة السياسية السودانية ؟و لو شئت قل: ما مصلحة المبدع السوداني في مرافقة السياسي الذي لا يوليه اعتبارا إلا حين تستفحل الأزمة و تنبهم دروب السياسة فيصير في مكان حرج من الوزّة و يتوكّل و " يفتح خشم البقرة".أي و لله "خشم البقرة" فتحه نفر من أعلام السياسة السودانية و وجدوا فيه أبيات محمد عبدالحي الشهيرة في هويولوجيا التمازج و استغنوا بها عن قراءة بقية أثر الشاعر و تناسوا ان عبد الحي شاعر(" و الشعراء قليل") خارج حدود الفضاء السياسي لـ :" العودة إلى سنار"


و قد جرّتني ملابسات المناقشة التي ثارت حول دعوة نظام الإنقاذ لعدد من أعلام الإبداع السوداني لفعاليات " الخرطوم عاصمة الثقافة العربية"، إلى الخوض في موضوع الفرق بين المبدع و السياسي ضمن مشهد العمل العام الذي يجمعهما.فقد أثارت تلبية الطيب صالح وابراهيم الصلحي ( و آخرين) لدعوة " هؤلاء الناس" حفائظ نفر واسع من مثقفي السودان المعارضين لنظام الإنقاذ، فاستهجنوا و استعاذوا و فيهم من عيّر الطيب صالح بالخيانة عديل. و في هذا السياق كتب عادل عبد العاطي، الناشط الشيوعي السابق ،متخذا هيئة من يدافع عن الطيب صالح ، بينما هو يصفي حساباته القديمة مع رفاق الأمس،كتب بأن الطيب صالح ليس وحده يحمل عار التواطوء مع " هؤلاء الناس"، لأن شخصية قيادية يسارية في وزن سكرتير الحزب الشيوعي قد انخرطت في زفة " الخرطوم عاصمة الثقافة العربية".و قد جاء عنوان بوست عبد العاطي في منابر الأسافير الآتي:
:" ما رأي من جرّموا الطيب صالح؟ نُقُد في فعاليات عاصمة الثقافة".
و قد علقت حينها على اللبس الماثل في عنوان عبد العاطي الذي يضع المبدع و السياسي في سلة واحدة.
"و قد أدهشني وضع عادل عبد العاطي لكل من الطيب صالح و نقد في موضع المقارنة.و ذلك رغم أن عادل بخبرته السياسية و الادبية يعرف الفرق الكبير بين طبيعتي دوريهما.فالطيب صالح مبدع ينطق عن فرادة نفسه و أصالتها الوجودية، بينما نقد كادر سياسي ينطق عن ارادة المنظمة السياسية التي فوّضته. و لو مات نقد غدا فان منظمته السياسية ستفوض غيره ليواصل الحديث باسمها،اما لو مات الطيب صالح غدا فلن يكون هناك في الوجود من يمكن أن يواصل الحديث باسمه.و فرادة الطيب صالح حظوة ما بعدها حظوة كونها تخلّقت على قاعدة المصداقية الابداعية المجانية التي لا تأبه بالكسب المادي الشخصي (و التي لا يأبه بها أهل السياسة). و هذه الصفة تكسب سلوك المبدع ثقلا خاصا يميزه عن السياسيين من كل المشارب. و في هذا المنظور تتأسّس شرعية المبدعين كـ" أقلية ساحقة" في مواجهة السلطات السياسية و غير السياسية. وفي تحليل نهائي ما، يبدو لي أن الفرق بين الطيب صالح و نقد لا يغيب على فطنة عادل عبد العاطي ، و أغلب الظن أن الاخ عادل عبد العاطي قد سعى لاستخدام الطيب صالح لنيل بعض الكسب السياسي بالطعن في المصداقية الاخلاقية و السياسية لخصومه السياسيين في أرض اليسار السوداني الذي يمثله نقد. و الطيب صالح في هذا المشهد ليس سوى" شاشة" يسقط عليها خصوم السياسة السودانية حزازاتهم و تظلّماتهم أمام الجمهور الحاضر في الصالة بذريعة الطيب صالح.أو قل أن الطيب صالح يصبح رهينة يتخاطفها الخصوم السياسيون و يبتزّون باسمها عواطف الجمهور الاعزل من النقد ، كونهم استشعروا أن الجمهور قمين باتباع المدافعين عن رموزه الابداعية العزيزة كلما شعر بأن هناك خطرا يتهددهم .."(أنظر " دليل الفالح في استخدامات الطيب صالح"، سودانفورأول دوت أورغ).


شغل الــمُـصانـِِع:
محمد سيدأحمد،
لنقفل، مؤقتا، قوس الأستطرادات في عواقب ضمير الجماعة الماثل في عبارتك " كبارنا"، و لنرجع لبقية الكلام في الفرق بين عبد الله علي ابراهيم و محمد المكي ابراهيم.
لو رغبت في إجابة بسيطة لقلت لك أن الفرق بين عبد الله علي ابراهيم و محمد المكي ابراهيم هو أن عبد الله لم يكتب " امتي"(وقد"لا ينبغي له").و هذه ـ في نظري الضعيف ـ إشادة عالية بقدر" شاعرنا"ـ و لو شئت قل هي :" فيض إعزاز" عديل ـ و ذلك دون ان تكون إقلالا من شأن عبدالله السياسي.
ذلك أن الشاعر ساحر يخلّق المعاني تخليقا من فرادة روحه و من قلقها الوجودي قبل أن يجود بها ـ و" الجود قطعا في الجلود" ـ للفقراء والغاوين و أبناء السبيل، أبناء الشعب، فتسكّن الأفئدة الملتاعة و أيهان.
ذلك أن الشاعرـ " ذلك المحسن حيّاه الغمام" ـ يبرّنا بحياته حين يفتح صدره ليطعمنا من لحمه ويسقينا من دمه حتى تكون لنا( و لهُ) " حياة أبدية".
ذلك أن الشاعر خارج معارض لكل الأنظمة السياسية و غير السياسية مثلما هو أيضا صنايعي مخترع خامته لغة موجودة بين اللغة المتاحة وتلك الكامنة في رحم المجهول ، لغة يعرف كيف يَئـِر لنارها في لحم الخاطر حتى يكون الدفء في القلوب اليتيمة فنحيا و نهزم الفقر بأي وسيلة و.. أيهات.
محمد سيد أحمد،
لو قبلت إجابة بسيطة فقل أن محمد المكي ابراهيم ( بتاع "أمتي") شاعر ـ " و الشعراء قليل" في نظر مولانا الأمين علي مدني ـ بينما عبد الله علي ابراهيم سياسي يتمتع بـ "حساسية شيوعية " تجاه الممارسة الشعرية. عبد الله ناشط سياسي "مساوم" و" مُصانِع"( و لو شئت ضف " مشاكس") من طينة الرجال البراغماتيين كبابكر بدري أو الشيخ أبوالقاسم أحمد هاشم أو " فيدل كاسترو" بينما محمد المكي ابراهيم شاعر من نسل الأمين علي مدني و" أرتور رامبو" و " شي غيفارا" و غيرهم من المجانين الذين لا يخافون الله و لا خليفة المهدي زاتو.و الشاعر بعشوم " مابوالف كان صغير ربّوه" كما تعبّر حكمة الأهالي.فماذا يا ترى أصاب "شاعرنا" شاعر" أمتي"(أمتنا؟) حتى استكان و نام هذه النومة الطويلة في دهاليز الشعر الدبلوماسي قبل أن يوقظه مرض بولا ،العملاق السوداني، و يذكّره بقيمة شعر " أمتي"؟..( أنا جاييك يا شقليني لحكاية الشعر الدبلوماسي بتاع ناس أدونيس و وزير الداخلية "الشيراكي" دومينيك دوفيلبان )
المهم يازول
محمد المكي ابراهيم (بتاع "أمتي" و أشياءا شيقة أخرى) شاعر " بلا قيد و لا شرط".و الشاعر " بلا قيد( و بلا أجندة خارج اجندة الكتابة الإبداعية) رجل مشاتر و " مجنون" ( جن الأمين علي مدني )، وشتارته غير مأمونة العواقب كونه ينساق وراء اللعب بالكلمات و لا يبالي بما قد يصيب أهل التشاشات في سوق النزاع السياسي.طبعا المشكلة مع الشاعر المجنون هي أنه لا يجد من يصدقه لو عن له أن يترك جنونه و يتلبس لبوس الرصانة. و الرصانة في الشاعر أشنع من السرج على الكلب.و يبدو ان جنون الشاعر هداه ـ في لحظة جذب ـ إلى الخوض في ماء الرصانة الذي يحيط بـ : "الفكر السوداني" فأوقعه ذلك في شر أعماله. بينما عبد الله علي ابراهيم، الذي أنفق عقدا من عمره" تحت الأرض"، متفرغا للعمل العام داخل المؤسسة الحزبية اللينينية، رجل سياسي لا يعرف اللعب إلى قلبه سبيلا. عبد الله سياسي يتوسل للعمل العام بوسيلة الباحث الأكاديمي و بحساسية الناشط اللينيني الذي يعجم أدواتهو يعرّف اولوياته و ينبري لا يلوي على غيرها.و عبدالله يقيم بيننا ضمن قلة من السياسيين السودانيين المتمكنين من وسيلة اللغة و العارفين بفنون القول .و هو لا يني ينقـّب ويقلّب صفحات المتاع الشعري صفحة صفحة و يفاوض الكلم كلمة كلمة بسبيل الوقوع على:
"إفتح يا سمسم"...
تلك الكلمة السحرية التي تسحر الجمهور و تفتح مغاليق الواقع السوداني.
و في مساره الطويل خبر الرجل أكثر من كلمة سحرية ابتداءا من " يا عمال العالم و شعوبه المضطهدة اتحدوا" لـ " الصراع (الطبقي) بين المهدي و العلماء" ،مرورا بصيانة الهويولوجيا العربسلاميةفي مواجهة (أو في مقارنة مع) الهويولوجيا الأفريقانية، لغاية رد الإعتبار للميراث الحقوقي للقضاء الشرعي.و من الضروري التنويه إلى أن مسار عبد الله ـ و تقافزه ـ بين كلماته السحريات ارتهن دوما بالسعي الجاد لفهم و تحليل ملابسات الواقع السياسي السوداني من موقع المراقب و الباحث الميداني.و هذه ميزة لا تتوفر في الكثيرين من أهل الأدب السياسي في السودان.و لا عجب فعبد الله يرتاد أرض العمل العام السياسي دون أن ينسى أدوات الباحث الميداني مثلما هو يركّب نصوصه السياسية دون ان يهمل هم التعبير الأدبي "والتعبير نصف التجارة"كما جاء في الأثر .


محمد سيدأحمد،
لو قبلت بتعريفي لعبد الله كسياسي فذلك يجعلنا نحاكمه محاكمة السياسيين.
و في هذا الأفق فـ " هجوم " عبد الله على قرنق أو على محمود محمد طه إنما ينطرح كحديث سياسي يخاطب خصومه السياسيين.و في هذا المشهد
" السياسي" فأنت مطالب بتفصيل قولك لأبعد من مجرد تلك العبارة العجولة التي أطلقتها في حق عبد الله لمجرد أنه حضر مؤتمر الإنقاذ الأول أو كتب يدافع عن هوية العربسلاميين أو أيّد عمر البشير أو هاجم جون قرنق.و لعبد الله ـ و لغيره ـ الحق في تناول قولك بالنقد أو بالتأييد و كل حشاش يملا شبكتو.و في نهاية تحليلي أشك في أن عبدالله يحتاج لدفاع أو لتبرير يمكن أن يصدر من جهة غيره. فالرجل موجود في ساحة المناقشة السياسية كل يوم و هو يدافع عن اطروحاته بكفاءة يحسد عليها.و أنا شخصيا اتفق مع عبد الله في بعض تفاكيره و أختلف معه في بعضها الآخر. لكن شرح خلافي مع تفاكير عبدالله ـ السياسية (و الجمالية)، ومع تفاكير آخرين غيره، ليس في قائمة أولوياتي الراهنة.و لو كنت أنت يا صديقي مستعجلا على تصفية حساب عبدالله علي ابراهيم فدونك الرجل و نصوصه مبذولة لكل من يرغب في التصدي لها. و سننتفع جميعنا بكل نقد " بنـّام "(و هو النقد البنـّاء الهدّام) يطال تفاكير عبدالله المركبة، سيّما و أننا نقرا كل يوم في كلامات الحانقين على عبدالله من مختلف المشارب (و المآكل) نصوصا لا علاقة لها بالنقد ،ناهيك عن نصوص " أولاد العرب" الخارم بارم التي لا علاقة لها بـ"كلام العرب" و لا "كلام الطير" و لا حتى بأي كلام.


قلت ان عبد الله سياسي، وبحكمة السياسي الواعي بقدر نفسه و العارف بسعة ماعونه توصّل لموقف المصانع المساوم كخيار سياسي، و هو موقف غير مريح فداحته ووعورته تملك أن تثني أشجع أبطال المسرح السياسي السوداني، إلا أن عبد الله الذي لا ينشد الراحة زاهد في منصب "أشجع أبطال المسرح السياسي"، و لو شئت الدقة لقلت بانه الأشجع بين ذلك النفر الذي يعرّف في التقليد المسرحيي بعبارة "ضد البطل"( "آنتي هيرو")
Anti hero

على صورة الشيخ أبو القاسم أحمد هاشم، مؤسس معهد أمدرمان العلمي، الذي وقع عبد الله في سحر شخصيته الوطنية المغايرة و انتفع به ، كـ " ضد البطل" ، في التأسيس لمفهوم " نقد الذهن المعارض" ضد الصورة الأيقونية البسيطة للبطل الوطني التي لا تستغني عن صورة " الخائن الوطني".و إختصار التاريخ لمجرد " إذاعة ذكر الأبطال و تحقير الخونة" هو ، عند عبدالله زوغان عن " الشوف الشامل" في الظاهرة التاريخية.و " ادراك " الشوف الشامل"( و الحقوق محفوظة للشاعرة عائشة بت الملازمي) لا يكون بغير " ذكرى المصانعين" من نوع" ضد البطل" " ممن لن تكتمل معرفتنا بالأبطال بغيرهم، فضلا عن عدم جواز التاريخ ـ كعلم ـ إلا بهم" ( جريدة الصحافة 5 ـ 4 ـ 1980 أنظر " عبير الأمكنة " دار النسق 1988)


.و أظن ان جذور موقف المصانعة عند عبد الله تعود لسنوات ما بعد أحداث يوليو الدامية التي تكشف للرجل فيها أن الحزب القوي المتجذر في تربة المجتمع السوداني، الحزب الذي صنع " ثورة أكتوبر" والذي كان الإعلام الغربي و العربي يوصّفه بصفة " أقوى حزب شيوعي في المنطقة" قد انمسخ بين يوم و ليلة دامية لحفنة من الناشطين المعزولين المطاردين المضطرين للحياة تحت الأرض.
و لوكان لعبد الله أن يبقى في حصن المؤسسة الحزبية لبقي آمنا و لما كلفه ذلك جهدا.فهو كان يحتل منها موقع حظوة كمشرف على جبهة الثقافة في الزمن العصيب. و أغلب الظن انه كان سينمسخ إلى نوع من أيقونة لينينية للبطولة أو نوع من شيخ ثوري حكيم يحفظ تجارب الحزب و يوزّع النصائح للشباب الناهض مقابل آيات التبجيل و الرضاء العام و هو مرتاح في صدفة المؤسسة الحزبية.فالحزب درع عالي الكفاءة يحمي أهله كما الحصن الحصين.لكن عبد الله فضّل المخاطرة و المشاجرة مع خلق الله في العراء.و مرق للتلاف يناكف خصومه و يثير حفائظهم بأدواته النقدية الفتاكة و لا يوفـّر حتى حلفاء الآيديولوجيا و المتعاطفين معه من تقدميي الطبقة الوسطى " الهاربين " في الغابة من عسف الصحراء، فيتحرّش بهم،و يهجوهم هجاء غرائب الإبل و يزعزع طمأنينة الأعيان و الوجهاء بين عشائر التقدم، فكأنه يبذل الجهد الجهيد ليبقى مخلصا لموقف " شِقِتـّت" الشقي الذي " كان يمسح رجله بالزيت و يعرض للناس في "درب الترك" فإذا اتسخت بالغبار جعل ليلهم أظلم من سجم الدواك".(من "الإهداء" الذي صدّر به عبدالله كتابه الأول" الصراع بين المهدي و العلماء")


اختار عبد الله " الشقي"، " حنك البليد البوم"، المخاطرة و المشاجرة في منطقة" المصانعة"و "المساومة" الحرجة و ظهره مكشوف للمؤججين من هواة الضربات السهلة بين رفاق الأمس الذين صاروا يصمونه بوصمة الخيانة و الإرتزاق و يكفنون في ثوبه "ميته" معارضتهم الطقوسية و هم في مأمن داخل حصن الرضاء الغوغائي العام.لكن "الفولة ابتمّلي و الفلاتة بجوا"،و ترجمتها في لغة " أولاد أمدرمان": الحساب ولد.
أقول أن انخراط عبد الله في خيار المصانعة و المساومة قديم و سابق بسنين لمساومته و مصانعته مع نظام الإنقاذ.. فالمصانعة في الأصل موقف دفاعي.بل هي ـ في تجربة الحزب الشيوعي السوداني مكيدة استراتيجية أصيلة ، بدونها ما كان لهذا لحزب " الطليعي"(إقرأ : الصفوي) الصغير عدديا أن يبقى و يقيم على كل هذا البأس الرمزي الذي يتمتع به، " حدّادي مدّادي"، وسط قطاعات واسعة من السودانيين المتعاطفين مع أطروحاته دون ان يجرهم التعاطف للإنخراط في الحزب كعضوية منظمة. و ضمن استراتيجية الدفاع تمكن الشيوعيون السودانيون في أكثر من مناسبة ،من استثمار قوة خصومهم المهاجمين و تحريف إتجاهها و تملكها كوسيلة في رد الأذى السياسي عن جسم الحزب المعنوي و المادي.
و في هذا يحفل ادب الحزب بلقيّات مقدّرات مثل رد فعل الشيوعيين السودانيين على الهجمة المركّبة التي كابدها الحزب، من داخله و من خارجه في نفس الوقت ، في منتصف الستينات، و القوم مازالوا سادرين في إجترار مجد الحزب بعد ثورة أكتوبر 1964.فقد فوجئ الشيوعيون السودانيون بحل الحزب الشيوعي المصري عام 1965 تحت تأثير الصعود الثوري للناصرية ضمن ملابسات الحرب الباردة.و قد ارتفعت أصوات تقدمية تتساءل عن ضرورة حزب طليعي ماركسي لينيني في مجتمع كمجتمع السودان.و برزت في تلك الظروف " الدعوة الى تكوين حزب اشتراكي و حل الحزب الشيوعي و دمجه في ذلك الحزب الذي ما زال في طور التكوين، و إنشاء تنظيم في داخله يسمى " القلب الثوري"(أنظر محمد سعيد القدال، معالم في تاريخ الحزب الشيوعي السوداني، دار الفارابي 1999، ص 173)و في نفس الوقت تم استهداف وجود الحزب من خارجه فيما عرف ب" حديث الإفك في معهد المعلمين" ، حين وقف طالب، أعلن انه ماركسي ، في ندوة نظمتها جبهة الميثاق الإسلامي حول موضوع البغاء،" و قال إن الزنا كان يمارس في بيت الرسول".."و فجر الحديث مشاعر غاضبة وسط جمهور الطلبة " .." كما اصدرت رابطة الطلبة الشيوعيين بيانا وضحت فيه ان الطالب ليس عضوا في الحزب الشيوعي".."و يبدو أن الأحزاب السياسية قررت استغلال الحادثة لتصفية حساباتها مع الحزب الشيوعي" (القدال، 153)
و قد تميز رد فعل الشيوعيين على حادثة طالب معهد المعلمين(نوفمبر 1965) الذي استغلته الأحزاب اليمينية لحل الحزب و منع نشاطه و للتخلص من نواب الحزب في البرلمان.تميز بذكاء سياسي كبير،فقد قام الشيوعيون بتنظيم دفاعهم على محورين ، محور قانوني و محور سياسي. فعلى المستوى القانوني " رفع الحزب الشيوعي ثلاث قضايا دستورية، الأولى ضد تعديل الدستور ،و الثانية ضد قرار الحل، و الثالثة ضد طرد النواب. و أدى رفع القضايا الدستورية إلى نقل الأزمة من إطار التهريج باسم الدين و وضعها في حجمها السياسي" (القدال 159). و على المستوى السياسي تمكن الشيوعيون من أستنفار شبكة واسعة من الشخصيات و المنظمات و الهيئات الحزبية و النقابية، ليس للدفاع عن الحزب الشيوعي، و إنما للدفاع عن الديموقراطية.فانتشرت مسيرات الإحتجاج في مدن الأقاليم " و بلغت المسيرة في العاصمة 60 ألفا"( القدال 159).و قد استفاد الماركسيون المتمسكون بمفهوم الحزب اللينيني الطليعي من زخم التضامن الشعبي حول الحزب للتخلص من دعاوى خصومهم الذين كانوا ينادون بحل الحزب و دمجه في الحزب الإشتراكي الجديد.
محمد سيدأحمد
كما ترى فشجون الحديث عن دروس الحكمة الدفاعية للشيوعيين السودانيين طويلة، لكني لست بصدد بحث تراث " غريزة البقاء" في مشهد حزب الشيوعيين السودانيين، و إنما جرني لهذا الإستطراد إهتمامي بتقصي أصل مسلك المصانعة و المساومة عند قيادي شيوعي من عيار عبد الله علي ابراهيم.و أظن ان المصانعة عند عبدالله هي المرحلة الأولى من المساومة، فالمصانع شخص محاصر و ظهره للحائط و أولويته كسب الوقت الضروري لطرح مادة المساومة، و المساومة عملية تعليمية غايتها تفهيم الخصم القوي بمصلحته في الإبقاء على الخصم الأضعف.و على أثر المساومة تتم المفاوضة و هكذا.
و قد استرعى انتباهنا فترة الصمت الطويل نسبيا الذي التزم به عبد الله أثر خروجه من الحزب الشيوعي في نهاية السبعينات .أذكر انني عند وصولي لفرنسا بعدها بحوالي عام سألني بولا: " و عبد الله عامل كيف؟" في معنى: عبد الله رأيه شنو؟ فقلت له شيئا مثل: عبد الله عامل ميّت..أعني ميتا كما الثعلب الذي يتظاهر بالموت حين يحس بالحصار يضيق عليه في مسد ضيق.و أظنها فترة تشاغل عبد الله فيها بشاغل البحث الأكاديمي و تراجع السياسي ليفسح المجال للباحث في الثقافة الشعبية و وقائع الشأن الثقافي العام.و أظن أن عبد الله قد بدأ ينظّر لمفهوم المعارض المساوم مع مطلع الثمانينات حيث أتاحت له الملابسات مسافة حرية مريحةفي التفكير و في التعبير باستقلال عن رفاق المؤسسة الحزبية التي هجرها و مسافة عمل عام مواتية بالنسبة لأجهزة النظام السياسي المايوي التي لم ينخرط فيها.كانت تلك أيام الثعلب المتظاهر بالموت و و العدو من ورائه و العدو أمامه.و لا أعرف بعد إن كان عبد الله قد ساوم ثمن مسافة الحرية التي حصل عليها من رفاق الأمس و كم دفع مقابل النجاة من طوائل " معارضة التأجيج و الفضح السياسي" ، فعبد الله لا يسهب في الحديث عن ملابسات خروجه من الحزب.لكنه بالمقابل لا يتردد في شرح و تبرير موقف المعارض المساوم الذي داوم عليه في ثمانينات عهد النميري و واصله في تسعينات عهد الإنقاذ.و هو شرح و تبرير موضوعه " نقد الذهن المعارض" كما جاء في عنوان مقدمته لـ " عبير الأمكنة".( الصادر عن دار النسق، 1988)
كتب عبد الله عن مساهمته بالكتابة في صحف نظام النميري في 1980 ، و هي النصوص التي جمعها في كتابه " عبير الأمكنة"،
"كتبت هذه الكلمات مساوما.
كتبتها في صحيفة هي لسان حال الحزب الفردي الحاكم.. الإتحاد الإشتراكي سيء السمعة. و كانت المعارضة الرسمية لنميري لا ترى بشكل عام صواب الكتابة في مثل هذه الصحيفة لإلتزامها الحرفي بسياسة النظام " رضينا أم أبينا". و في هذا الموقف صواب كثير و خطل كثير أيضا. فالتزام الصحيفة بسياسة النظام و حجرها على كل نقد له مما لا يحتاج إلى بيان.غير أن هناك مساحة للحركة ما تزال و لا ينبغي ان تلغى جزافا. و لنتذكر ان الحركة الثقافية، الرازحة مثل غيرها تحت ترسانة القوانين المعادية للحريات ـ واصلت في الصحف المؤممة تطوير أفضل تقاليدها و هو الصفحات و الملاحق الثقافية و الأدبية".."و بهذا فقد كتبت هذه الكلمات في الحيز الذي سمح به النظام. بالأحرى كتبت هذه الكلمات في الحيز الذي يفرضه، بإطلاق، صدور صحيفة ما حتى على نظام موسوس مثل نظام نميري.
و كتبت هذه الكلمات معارضا في المعاني التي ذكرتها آنفا. و هي معارضة قد استهون خبرها المعارضون المعتمدون لنظام نميري. و خطرها عندي أخطر لأن ثمارها عي الثمار المؤكدة التي نحملها معنا كتقليد فكري بعد زوال الطغيان لنستعين به في إعادة بناء الوطن في مثل الذي نحاول الآن.و هو تقليد يقوم على تنمية الحس بالملاحظة ، و النفاذ إلى الدقائق بالكشف المحيط للظاهرة للوقوف على نطاح الجدل فيها. و هذا التقليد شرط أول في معرفتنا بقسمات الوطن و اعلان باكر محبتنا له. و من شأن هذا الأداء الفكري أن ينزل بمعارضتنا من خفوق الشعار إلى رؤوس التفاصيل الشائكة الملهمة، و أن ينقلها من التباكي إلى الفعل. و سيغيرنا ذلك تغييرا كبيرا حين يحررنا من قلة الحيلة المستعان عليها بشراسة التعبير إلى التعبير المزلزل، المغير فالمنجز. و حينها تكون الكتابة شفاء في الوطن لا تشفيا منه".


و لو تفحّصنا مصانعة عبد الله فهي محيرة حين ننظر إليها من مشهد المصانع الكلاسيكي الذي يلجأ للمصانعة كمكيدة تيسر " الفايدة" و الكسب الشخصي السريع.فهي مصانعة بلا فائدة ، مصانعة " حاصل فارغ". ذلك ان عبد الله الذي يعتبره بعض خصومه من " عملاء" نظام الإنقاذ لم يقبض ثمنا يليق بـ " عميل" من عياره الثقيل النادر.فهو لم يتول أي من تلك المناصب، ذات الفائدة، التي يتقاتل من أجلها بعض التقدميين السابقين ( ناس خالد المبارك و الشوش و منو و منو) ممن انبطحوا تماما أمام نظام الإنقاذ.و حتى طلبه بتصديق لاصدار صحيفة لم ينجح في الحصول عليه من سلطات نظام الإنقاذ. فما معنى هذه المصانعة التي لا تعود على صاحبها بأي منفعة مادية؟
و لو تفحّصنا مساومة عبد الله فهي ليست مساومة الناطق الرسمي باسم مؤسسة جمعية حزبية أو عرقية أو دينية، إنها مساومة فرد ناطق بالأصالة عن ذاته ، لا بغرض الحصول على منافع فردية و إنما للحصول على شروط افضل لممارسة تكاليف العمل العام.و هذا الواقع يمسخ عبد الله لمقام ذلك الرجل الواحد الشجاع الذي يصنع أغلبية("إيميرسون" كان ما نخاف الكضب).و عبد الله بيننا رجل أغلبية،أو هو على اسوأ الفروض: " أقلية ساحقة".
لكن صبر عبد الله الطويل على شبهات المصانعة و على وحشة المساومة ، ضمن مشهد السياسة الدامي، يحيرني و لا أجد له تفسيرا مقنعا.لماذا يعرض عبد الله نفسه لمكاره موقف " ضد البطل" و البيزنيس البطولي السهل في متناول يده في أي لحظة شاء؟
هل يمكن تلخيص أمر عبدالله بأن المسألة برمتها ليست سوى تعبير ملتو عن مكابدات شاعر " مجنون" مُحبَط ضل طريقه إلى أرض السياسة ؟و هل انمسخ شاغل الشعر عند عبدالله، الشاعر السرّي ، إلى نوع من إنشغال سياسي عصابي يصعّد الممارسة السياسية لمقام الهاجس الشعري؟ مندري؟، لكن فضاء العمل العام السياسي كان سيفقد الكثير لو كان عبد الله قد استغنى بصناعة الشعر عن صناعة السياسة. و" رزق المساكين عند (الشعراء)المجانين" كما تعبّر حكمة شعبية من تحريفي.

شغلنا كلنا


http://sudaneseonline.com/forum/viewtopic.php?t=2042&post...8ad71d4dd16a8098de08

Post: #905
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-20-2008, 06:32 PM
Parent: #904


الجزء الرابع والأخير 4-4
بروفيسور عبدالله أحمد النعيم

بروفيسور عبدالله أحمد النعيم يعتبر وجهاً مشرفاً للمفكرين السودانيين في المحافل الإقليمية والدولية، واستطاع ببحوثه وكتبه الفكرية القيمة حول الإسلام والمسلمين وحقوق الإنسان وقضايا التحرر الإنساني والقانون الدولي أن يقدِّم مساهمات ثرّة في الجدل الدائر منذ فترة عن هذه المواضيع الشاغلة للذهن الإسلامي بشكل خاص والإنساني بشكل عام. فوقاً عن ذلك أسهم النعيم في ترجمة بعض الكتب من الإنجليزية إلى العربية والعكس ولعل آخر اسهاماته في هذا المضمار نقله رواية البروفيسور فرانسيس دينق إلى قراء العربية »طائر الشؤم«.
وفي المجال الأكاديمي، والذي استهل مشواره محاضراً في جامعة الخرطوم التي تخرج فيها، عمل بالعديد من الجامعات العربية والأفريقية والأوربية والأمريكية محاضراً واستاذاً زائراً. وظل على مدار العقدين الماضيين يسهم في مجال تخصصه »القانون الدولي« حيث يعمل الآن استاذا للقانون بجامعة ايموري بالولايات المتحدة، وشارك بتقديم المحاضرات وأوراق العمل حول تلك القضايا الفكرية والسياسية التي إنشغل بإجلاء وجهة نظره حولها، وبالتوازي مع هذه المجهودات الأكاديمية الرفيعة شارك في العديد من المؤتمرات الفكرية حول العالم وانصب عمق مشاركاته داخل الولايات المتحدة التي استقر بها. وبوصفه تلميذاً وفياً لأستاذه محمود محمد طه، والذي قدّم نفسه شهيداً في ميدان الفكر الديني والسياسي، لعب البروفيسور النعيم مع بعض تلاميذ آخرين للأستاذ دوراً مقدّراً في إبراز وتوضيح وتفسير مقولات مؤسس الفكر الجمهوري عبر العديد من الكتابات والندوات الثقافية. وأخيراً صدر للبروفيسور النعيم كتاب جديد حول العلمانية بالإنجليزية -وترجم إلى ثماني لغات- وصاحب هذا النشر تلبية لعدد من الدعوات لتوضيح الفكرة الاساسية للكتاب وقدم إلى منطقة واشنطن بدعوة من قسم الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة جورج تاون وقدم محاضرة هناك، وأعقبها بأخرى أقامتها مدرسة الجالية السودانية بالميرلاند بالتعاون مع الجالية السودانية.
(الصحافة) انتهزت فرصة وجود البروفيسور عبدالله أحمد النعيم وأجرت معه هذا الحوار الذي تطرّق لعدد من القضايا، فإلى الجزء الرابع والأخير منه:
* قيم الليبرالية الغربية بدت في حالات تمدد أكبر في ظل التأثير السياسي والثقافي والاقتصادي للولايات المتحدة وأوروبا، هل تمثل هذه القيم التي أثبتت فاعليتها حتى داخل البلدان الشيوعية نهاية لتاريخ الصراع الانساني للبحث عن قيم للتعايش وهل تؤمن بتيئة هذه القيم على مستوى العالم الاسلامي، خصوصا حرية نقد الاديان وحمايتها وحماية حقوق المثليين وحرية اقامة المعابد الدينية؟
ـ أولا لا اقبل أو ارفض المبادئ لانها غربية أو إسلامية أو لنسبتها لهذه الحضارة او تلك وإنما أدعم ما أراه حقا وأعارض ما أراه باطلا بغض النظر عن الجهة التي ينسب لها المبدأ.. وكذلك أرى أنه لدى البحث المتروي في أعماق التجارب الانسانية التاريخية والمعاصرة فإننا سنجد أن المبادئ المنسوبة اليوم للولايات المتحدة أو الغرب أو الشرق، الاسلام أو المسيحية أو غيرها من الاديان والفلسفات هي في الحقيقة خلاصة التجارب البشرية المتنوعة والمتفاعلة مع بعضها البعض في كل زمان ومكان.
ومن هذا المنطلق فاني أقف مع حقوق الانسان والقانون الدولي مع العدل والسلام مع التنمية والعدالة الاجتماعية ، وكل ذلك من خلاصات التجارب البشرية، وليس بمقتضى نسبة هذه المبادئ لأي من المجتمعات الانسانية دون غيرها من المجتمعات . فحرية الاديان وحق النقد والتعبير هي من المبادئ الأصولية عندي كمسلم إلا أن هذه القيم غير مطلقة ولا تفهم وتمارس بمعزل عن السياق التاريخي . فحقوق الانسان هي ما اجمعت البشرية عليه من خلال حوار الثقافات والحوار الداخلي في كل مجتمع، ولكنها دائما مقيدة بحقوق الآخرين . فحرية الدين والمعتقد لاي شخص مقيدة بضرورة احترام حقوق الآخرين في الكرامة والمعتقد أيضا. والقول بأن الحرية الجنسية مثلا من حقوق الانسان لا يعني أنها كذلك لمجرد أن المجتمع الامريكي والاوربي طالب بذلك.
فالمطالبة بهذا الحق وطريقة تعريفه وعلاقته بحقوق الانسان القائمة اليوم هو مجال للحوار والنقد حتى تقبله أو ترفضه المجتمعات الانسانية على مدار الكوكب. فإذا تم قبول الحق أو رفضه فذلك لإجماع الانسانية على هذا الحكم، وليس لأن المجتمعات المتقدمة ماديا قد قبلت هذا الحق وفرضته على باقي المجتمعات الاخرى. واضيف هنا أن الصراع الانساني والاختلاف هي الصفة اللازمة للطبيعة البشرية وستبقى كذلك حتى يوم القيامة فمن العبث والصلف القول بان الليبرالية الغربية هي نهاية التاريخ..فالصراع والاختلاف كان منذ بداية التاريخ وسيبقى بين البشر، وذلك قبل أن تكون هناك ولايات متحدة أو بريطانيا أو فرنسا أو السعودية أو الصين وستكون بعد أن تنتهي كل هذه الدول وتزول حضاراتها...
* كانت لديك تجربة في ترجمة أعمال للبروفيسر فرانسيس دينق..طائر الشؤم وخلافه، كيف تثمن فكر دينق وكيف تنظر لعمله الروائي داخل حقل الرواية الافريقية والسودانية..؟
ـ أنا أكاديمي في مجال القانون بخاصة، ومعرفتي بالادب محدودة للغاية، كما أن معرفتي بفكر وأدب الدكتور فرانسيس دينق غير كافية بحال من الاحوال ..ولكن من حدود ما أعرف فإني أعتقد أن الدكتور دينق قد قدم مساهمات قيمة للغاية في مجالات القانون والانثربولوجيا ودراسات الهوية والسلام على المستوى الافريقي والسوداني بخاصة. ولعله من دواعي محن السودان المتواصلة بأن افكار خيرة ابناءه وبناته، مثل الدكتور فرانسيس دينق غير معروفة لدى غالبية المتعلمين السودانيين. وقد كانت ترجمتي لرواية «طائر الشؤم» محاولة مني في التعريف بفكر وأدب الدكتور دينق بين قراء العربية في السودان والمنطقة العربية عموما.
* إذن ما هو الاستنتاج الذي خرجت به من قراءة ثم ترجمة رواية «طائر الشؤم»..؟
ـ لقد حرصت على ترجمة رواية طائر الشؤم بخاصة لأنها تتعلق بجوهر صراع الهوية وأزمة القومية السودانية وهي قضايا مرتبطة بالحرب الأهلية في دارفور كما في الجنوب، فترجمتي لتلك الرواية كانت مساهمة في الحوار القومي السوداني وليس فقط لنقل ادب وفكر انساني إلى القارئ العربي والسوداني بخاصة.
* اتفاقية نيفاشا مثلت منعطفا جديدا في واقع السودان وافرزت حقائق جيدة على مستوى العمل السياسي السوداني بإعتبارك خبير في مجال القانون كيف تقيمها ؟
ـ لا أعتقد ان الاتفاقيات في حد ذاتها كافية لتغيير الواقع أو إفراز حقائق جديدة في العمل السياسي في اي مكان. فإذا وعيت القيادات السياسية وعرف عامة الشعب أن الحرب لا تجدي وانه لا بد من التفاوض والتعاون لتحقيق السلام الشامل والعادل وتواصلت هذه المعرفة والوعي مع إرادة التغيير فيمكن أن تقوم الاتفاقيات بدورها في توفير الاطار القانوني والمؤسسي للعمل المتواصل لتحقيق أهداف الاتفاق. فأنا كقانوني سوداني أرى اتفاقية نيفاشا كبداية ممكنة لتحقيق السلام في السوداني لكني أعرف أيضا ان هذا لا يكفي إذا لم يكن تعبيرا عن ارادة السلام لدى عامة الشعب السوداني ومحور العمل الدائب من جميع القيادات السياسية السودانية فالسؤال عندي هو ماذا فعلنا باتفاقية نيفاشا منذ ابرامها وكيف نواصل الجهد لجعل السلام حقيقة معاشة وليس مجرد امان في الحبر على الورق..؟
* بدت أيران بخلفيتها الشيعية قوى جديدة في منطقة الشرق الأوسط وهناك تمدد للفكر الشيعي في البلدان الاسلامية ..هل سيكون الصراع في المستقبل بين الفكر السني والفكر الشيعي؟
ـ كما سبق القول فإن الاختلاف هو سنة الله سبحانه وتعالى في البشر ولن ينتهي بحكم نصوص كثيرة في القرآن، وقد بدأ الاختلاف بين المسلمين يوم توفى النبي عليه الصلاة والسلام، ونتج عن ذلك ما يسمى بالجماعات الشيعية والسنية خلال قرون عديدة وفي مواقع مختلفة ..وقد تداولت هذه الجماعات الغلبة فيما بينها في مختلف انحاء العالم الاسلامي على مدى التاريخ، بما في ذلك بعض الدول كمصر وتونس المعروفة الآن بانها سنية والتي كانت الشيعة الاسماعيلية هي الغالبة فيها ايام الدولة الفاطمية في شمال افريقيا. وكذلك الحال في اليمن وانحاء من الجزيرة العربية، وفي إيران التي كانت غالبية اهلها من السنيين قبل أن تتحول إلى الشيعة الاثني عشرية.
لذلك لا ينبغي الحكم على مستقبل المجتمعات الاسلامية بما عليه اليوم، وليس الامر هو غلبة فريق دون آخر، فهذا المنظور البسيط ـ مثل تمييز السودانيين بين الهلال والمريخ ـ لا يليق ولا ينطبق على القضايا الكبرى التي تواجه المجتمعات الاسلامية والانسانية جمعاء اليوم وفي المستقبل. فالسؤال عندي ماذا تفعل المجتمعات السنية بسنيتها وماذا تفعل المجتمعات الشيعية بشيعيتها في الماضي والحاضر وفي المستقبل..؟
* ولكن كيف يتم وضع حد للخلافات المذهبية بين السنة والشيعة والتي أهدرت الكثير من الارواح والاموال وهل من الممكن تقديم مساهمة فكرية في هذا الجانب..؟
ـ هناك خلافات عديدة وواضحة بين السنيين والشيعة من المسلمين كما توجد الخلافات بين قطاعات مختلفة في كل فريق، فمثلا نجد الشيعة الزيدية هم أقرب إلى السنينيين منهم إلى فرق شيعية أخرى، وفي هذا المجال فالمطلوب هو مواصلة الحوار الفقهي بين كل قطاعات المسلمين بطرق موضوعية وودية وسلمية فهذا ما كان بين هذه الجماعات في صدر الاسلام وما ينبغي أن يكون الحال الآن وفي المستقبل..إلا أن هذا الجانب الفقهي والفكري يختلف عن التنافس والتنازع بين هذه الدول في المنطقة العربية وعلاقتها بإيران وهذه صراعات سياسية حول مطامع الثروات والنفوذ السياسي تكون في مختلف المواقع وللعديد من الاسباب، وقد كان ذلك النوع من الصراع السياسي بين مصر والسعودية حول اليمن أيام عبد الناصر كما كان بين الكويت والعراق ايام صدام حسين وهذا يشير إلى الصيغة السياسية لهذه الصراعات أكثر من انطلاقها من الاختلاف العقائدي كما كان الصراع السياسي ولن ينتهي ذلك في الحاضر ولا المستقبل، فوحدة المسلمين لم تتحقق منذ أن إلتحق النبي عليه الصلاة والسلام بالرفيق الأعلى.المهم هو تأسيس مبادئ الخلاف الموضوعي والتفاوض على الخلافات السياسية بدون اللجوء إلى العنف بدلا من التمني بالوحدة التي لم ولن تكون.
سياسة التعريب والتعليم العالي كيف تنظر إليها بوصفك كنت محاضرا بجامعة الخرطوم؟
لقد كانت سياسة التعريب كارثة كبرى على التعليم العالي في السودان لانها فرضت بطريقة عشوائية ومتسلطة في غياب الامكانيات والوسائل اللازمة لمعالجة القضايا التعليمية الكبرى..فما دام ظللنا في تبعية للغرب في مجالات العلوم الطبيعية والاجتماعية والمجالات التقنية فلا بد لشبابنا من المقدرة على دراسة هذه المواد في اللغات الاوربية والتعامل مع الوسائل العلمية في البحث بتلك اللغات فالتعريب انما يكون بتنمية قدراتنا على انتاج المعرفة والمساهمة في تطوير العلوم وليس بقرارات فوقية عشوائية ومتعسفة ..محنة التعليم العالي في السودان هي أحد الخسائر الفادحة التي عانى منها السودان تحت وطأة الدولة الشمولية الدينية وأملي ان نكون قد وعينا هذا الدرس حتى لا ننكرر امثال هذه التجارب الهوجاء.
* هل هناك مساهمات للفكر الامريكي الحديث في الاجابة على الاسئلة العالمية لفتت نظرك؟
ـ لا أرى أن هناك فكر امريكي شامل ومتميز عن غيره من التيارات الفكرية في جماع الفكر والجهد البشري العام. فيمكن الاطلاع مثلا على انتاج المفكرين في مجالات الفلسفة والعلوم الاجتماعية أو غيرها من المجالات ومنهم من هو امريكي الجنسية أو ينتمي إلى غير ذلك من بلاد العالم ..ويمكن قياس تلك المساهمات بمعايير المجال العلمي نفسه وليس على أساس انتساب الباحث لهذا البلد أو ذاك.
ولكن ما يمكن أن يقال في هذا المجال ان السؤال هو كيف توفر الظروف والمناخ الذي يعين على الانتاج الفكري والعلمي المتقدم وسنجد في ذلك أن الولايات المتحدة من انجح بلاد العالم في دعم وتطوير الابداع والعلمي بضمان الحريات العامة وتنمية الامكانيات المادية والمؤسسية لتنمية وتطوير المناهج الفكرية والعلمية. فأين نحن في السودان وباقي انحاء العالم الاسلامي من هذا المستوى وحقيقة الامر أن تخلفنا الراهن هو بسبب عجزنا عن معايشة قيم الاسلام في التسامح والتفكير العقلاني.
* ولكن معظم تيارات الفكر الامريكي متواطئة مع المشاريع الامبريالية للولايات المتحدة..؟
ـ اختلف معك في هذا الرأي فالفكر الامريكي يتنوع من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين وكل المراحل والدرجات بين هذا وذاك. كما هناك من الفكر الامريكي ما خاطب ويخاطب قضايا التحرر ويناهض مشاريع الامبريالية العالمية وأعتقد كذلك أن البيئة الامريكية تساعد على وجود مفكرين وناقدين للتجربة التاريخية الامريكية بأكثر مما هو موجود وممكن في العالم الاسلامي عموما والمنطقة العربية بالتحديد..وهكذا فإني أختلف معك في كل اطراف السؤال المطروح..فغير صحيح أن جميع تيارات الفكر الامريكي متواطئة مع المشاريع الامبريالية. وغير صحيح أن الفكر الامريكي يفتقر للجانب النقدي والناقض للتجارب التاريخية إلا أننا لا نطلع على أغلب جوانب وانتاجات الفكر الامريكي إلا فيما يتعلق بالمنطقة العربية والصراع الفلسطيني الاسرائيلي أو المسائل الاسلامية عموما. وحتى في ذلك المجال الضيق نميل إلى ملاحظة ما يوافق رأينا ورؤيتنا للمسائل ولا نرى سعة وتنوع الانتاج الفكري الامريكي على حقيقته. وكذلك نتأثر بالعرض الاعلامي الضيق والمغرض ونعتمد على «FOXNEWS» و «CNN» و لا نشاهد «CSPAN» و « NPR»
* هل يمثل المحافظون الجدد الذين نشطوا خلال إدارة الرئيس بوش مقابلا موضوعيا للاصولية الاسلاموية؟؟
ـ من يسمون بالمحافظين الجدد أو الاصوليين هم تيارات فكرية وسياسية انتجتها ظروف موضوعية معينة في سياق تاريخي محدد. ولا اعتقد أنه من الممكن الحديث الموضوعي عن هذا التيار أو ذاك بأعتبارها ظواهر ثابتة ودائمة بل هي تيارات فكرية وسياسية ومؤقتة ومحدودة كما أن هناك تنوعا وخلافا بين مختلف اعضاء هذا التيار وذاك بحيث يصعب تصنيفهم جميعا بصورة قاطعة تميزهم عن غيرهم من المفكرين والناشطين ..فلا المحافظة هي وقف على المحافظين الجدد ولا الاصولية هي وقف على الاسلاميين ففي الليبراليين من هو محافظ في بعض المسائل وبين العلمانيين من هو اصولي في ضيق افقه وضعف فهمه للمسائل.
* كان للاساذ محمود محمد طه مساهمة فكرية لحل أزمة الشرق الأوسط..إلى اي مدى يمكن التنبؤ بمستقبل هذه الازمة..؟
ـ لقد أثبتت الاحداث بصورة قاطعة صحة وحكمة تحليلات ومقترحات الاستاذ محمود محمد طه حول قضية الشرق الاوسط ، وإذا إطلعنا اليوم على كتابات الاستاذ محمود حول هذه المسائل في منتصف الستينات من القرن العشرين فسنجدها نظرة مطلع على الاحداث اليوم وكأنها ماثلة أمامه. والمحزن في الامر أن الامور كانت ستنتهي إلى السلام العادل اليوم لو كانت النصيحة التي قدمها الاستاذ محمود قد وجدت القبول يوم أن قالها. ولكن لا يزال من الممكن إتباع تلك النصيحة والعمل بها لتخيف الضرر الذي وقع على القضية الفلسطينية وعموم حال الدول العربية.. وإذا لم يقبل العرب تلك النصيحة الحكيمة فسوف يواصلون في دفع الثمن الغالي وتبديد الجهد والارواح والاموال في مطاردة الاوهام والسراب. وأقول بضرورة الاعتراف بإسرائيل والتفاوض معها اليوم لتحقيق القدر الممكن من المكاسب للشعب الفلسطيني ثم الانصراف إلى إصلاح الحكم الديمقراطي والتنمية الشاملة ..فكما قال الاستاذ محمود منذ أكثر من ربع قرن فإن اسرائيل ليست المشكلة وإنما المشكلة هي أن العرب لا يزالون على قشور من الاسلام وقشور من الحضارة الغربية العلمية المادية . وقد قال الاستاذ محمود إن اسرائيل هي الكرباج الذي يقود العرب إلى الاسلام الصحيح الذي يربي النفوس ويصلح العقول ..فلنا أن نفهم حقيقة ما قال ونعمل به أو نواصل تحمل الهزائم والمهانة والمذلة بتبعيتنا العمياء للغرب حتى بين من يزعمون بعث الاسلام فينا..فالاستعمار لا يزال في العراق اليوم وسيبقى بصورة مختلفة في مختلف انحاء العالم الاسلامي ما دام بقينا نحن على قشور من الاسلام وقصور من الحضارة العلمية المادية ..هذا هو قولي في أمر مشكلة السرق الاوسط وجميع المشاكل الكبرى التي تواجه المجتمعات الاسلامية في كل مكان..
* ولكن قد يقول قائل يا دكتور أن تأسيس اسرائيل تم بناء على الفكر الصهيوني لأرض الغير..فكيف يتم الاعتراف بها..؟
ـ حقيقة وجود اسرائيل كدولة تعود إلي ظروف الحرب العالمية الثانية وانحسار الاستعمار في منطقة الشرق الاوسط مع نهاية الامبراطورية ونشأة الدول في هذه المنطقة فلم تكن الاردن موجودة قبل أن أن يخلقها الاستعمار البريطاني الذي شكل العراق وكذلك الاستعمار الفرنسي الذي انتج لبنان وسوريا فإذا أمكن مراجعة بدايات دولة اسرائيل وفكرة تأسيسها فإن ذلك ينطبق على جميع دول المنطقة العربية أيضا.
وإسرائيل الآن دولة ذات سيادة دولية وعضو في الامم المتحدة ومعترف بها من جميع دول العالم ما عدا بعض قليل من الدول العربية ..حتى بين الدول العربية اليوم فليس هناك أدنى شك في قبولها جميعها لوجود اسرائيل وحقها في البقاء كدولة مستقلة ذات سيادة فالقول بعدم الاعتراف بإسرائيل هو مغالطة وعناء طفولي لا يخدم القضية الفلسطينية ولا قضايا التحرر والاستقرار في المنطقة العربية عموما. فالسياسة الحكيمة هي التعامل مع الواقع كما هو بدلا من الاسترسال في الاحلام والاماني أن يكون الحال كما نرجو وليس كما هو حقيقة على الارض.
صحيح أن الدول الغربية تتعاطف مع حق اسرائيل أكثر مما تفعل مع حقوق الفلسطينيين وهذا أمر يعود إلى عدد من العوامل والاسباب منها الشعور بالذنب لما حدث لليهود ومنها كذلك مقدرة اسرائيل على تقديم نفسها كحليف موثوق به للدول الغربية في المنطقة العربية، والسؤال عندي هو لماذا تنتظر من الدول الغربية الاستعمارية نصرة القضية الفلسطينية ..؟ لقد ناصبت الدول الاوربية العداء للعرب والمسلمين منذ وقت طويل وغزت واستعمرت الدول العربية وكذلك فعلت الولايات المتحدة ولا تزال تفعل اليوم في العراق ومع كل هذا لما نستغرب اضاعة العالم الغربي لحقوق الفلسطينيين ولماذا تنتظر الدول الغربية غير ذلك...؟ وأهم سؤال عندي هو ماذا نفعل نحن العرب والمسلمين في نصرة القضية الفلسطينية وحفظ حقوق الفلسطينيين..جميع الدول العربية اليوم، جميعها وكل واحدة منها معتمدة تماما على الغرب في اقتصادها وفي تسليح وتدريب وتأهيل اقتصادها وفي تسليح وتدريب قواتها المسلحة. هل ننتظر من الغرب أن يمكننا من هزيمة اسرائيل وازالتها حتى نقيم دولة فلسطين الحرة..؟ هذا لن يكون ونحن أضعف من تغيير هذا الواقع ومع ذلك نخدع انفسنا بالاماني الساذجة.

http://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=48532

Post: #906
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-20-2008, 06:39 PM
Parent: #905


مع اقتراب الانتخابات..
العمل الجبهوي ومحطات التحالفات السياسية
عداد: عمرو شعبان صالح

تعتبر ظاهرة التحالفات السياسية في الساحة السودانية من أبرز الظواهر وأكثرها انتشاراً وتمتلك رصيداً تاريخياً يكاد يكون مقارباً لتاريخ تكوين الدولة السودانية الحديثة، وهو ما يجعلها ظاهرة جاذبة للإنتباه في سياق التجربة الوطنية السودانية ومن الملاحظ أن أدب التحالفات والعمل الجبهوي، كان ينشط في فترات مصادرة الديمقراطية كتعبير عن وحدة العمل المعارض في مواجهة الأنظمة الحاكمة وبنيتها الأحادية مما يقود للقول إن ظاهرة التحالفات السياسية السودانية مثّلت وما زالت، قمة النضج السياسي في الحزبية السودانية، ولعل أبرز نموذج لهذه التحالفات «التجمع الوطني الديمقراطي» الذي ضم معظم ألوان الطيف السياسي السوداني ومؤسسات المجتمع المدني السودانية ونقاباته، كل هذا الزخم فتح الشهيّة في محاولة لسبر أغوار هذه الظاهرة في خضم بحر السياسة المتلاطم الأمواج بفعل المتغيّرات المحلية والإقليمية والدولية وما تلقيه من ظلال على هذه الظاهرة ومحاولة استنتاج حول التحالفات المستقبلية لوطننا الذي لا تزال سفينة استقراره تبحث عن معادلة حلٍّ مع أمواج الواقع المتمرِّدة.
في ظل أسئلة حول الملامح التاريخية لهذه الظاهرة ومدى نجاحها، حملت «الصحافة» أسئلتها وراحت تبحث واستهدفت أعضاء أحزاب سياسية وناشطين ومهتمين فكانت الحصيلة:
? المهندس هيثم جمع الله- المكتب السياسي- الحزب الوحدوي الديمقراطي الناصري:
هنالك دوماً سؤال يفرض نفسه عند الحديث عن التحالفات السياسية: هل هي غاية في حدِّ ذاتها أم وسيلة لتحقيق الحد الأدنى أو إيجاد الحد الأدنى من حلول مشتركة لقضايا الوطن؟ أي هل هي رغبة جامحة فقط في التحالفات وهواية أم العكس؟ إن الإجابة في اعتقادي تمثل مدخلاً مناسباً لتفكيك هذه الظاهرة في السياسة السودانية.
فإذا نظرنا لتاريخ التحالفات القائمة في السياسة السودانية، نجدها تعبِّر عن غاية في ذاتها لتحقيق مآرب المكونين لها، أي التحالفات. وليس لأهداف التحالف المتمثِّلة في برنامج الحد الأدنى والذي يمثّل أيضاً مساهمة المكونين له عبر حوار داخلي عميق وديمقراطي أي تحقق أهداف لا تمثّل ما تواضع عليه التحالف ككل. والدليل، أن كثيراً من التحالفات تتصدّع وتنقسم بمجرّد أن يلوح في الأفق كرسي السلطة، وهذا دليل واضح على غايته -التحالف- الذاتية، والأمثلة على ذلك تتعدد.
? إذاً، هل ينطبق هذا على التجمع الوطني الديمقراطي؟
= التجمع الوطني، تجمع قوى الانتفاضة، تحالف الجبهة الوطنية... إلخ، فتحالف الجبهة الوطنية أفضى للمصالحة مع النميري، ودخل الاتحاد الاشتراكي، برغم وجود قوى في الاتحاد الاشتراكي لها رأي في الاشتراكية نفسها. لكنها رأت أن الدخول يحقق مصالحها وأهدافها فدافعوا عنها، وانقلبوا عليها عندما تبدّلت مصالحهم وعادوا في أوقات أخرى وكفّروها -أي الاشتراكية-، كذلك تحالف قوى الانتفاضة، لم يستفد من التحالف السابق له المتمثّل في الجبهة الوطنية لذا تكررت الأخطاء برغم تحقق الهدف الظاهر بسقوط نميري، ويبقى الهدف الخفي المتجدد دوماً وهو الصراع على السلطة. ولكن هذه المرّة عبر الانتخابات وبالوصول للكراسي عادت الكرة. ائتلافات داخلية تعضد التمسك بكراسي السلطة فيتم لفظ البعض وانقلاب على الشرعية، وهكذا استمرت الدائرة المفزعة المعروفة في السياسة السودانية، تحالف جديد ضد الشمولية ينشد الحرية ثم ينقلب أصحابها عليها. وينشدون العدالة وهم أبعد ما يكونون عنها. والدليل على ذلك أن هناك تحالفاً قام من أجل اسقاط نظام شمولي ثم فاوضوا ثم دخلوا في السلطة فرادى، وعضّدوا مواقفهم في السلطة، أي أن النظام الشمولي والذي كان قيام هذا التحالف رد فعل على انقلابه على الشرعية الديمقراطية أصبح أولئك شركاء له في السلطة وهكذا.
وما يدهش في الأمر أن هنالك أحزاباً تشارك في السلطة وتتحالف في المعارضة لاسقاط نفس السلطة التي تشارك فيها في الوقت ذاته، وهذا يعني بالتأكيد تضاربا في الأهداف وفي المفاهيم وفي الوسائل، وهذا إن دلَّ فإنه يدل على تخلّف القوى السياسية وعدم المنهجية العلمية في قراءة الواقع قراءة صحيحة وبالتالي وضع الحلول الصحيحة للمشكلات.
? في تقديرك ما هو الحل من أجل الوصول لصيغ تحالفية سليمة، خصوصاً وأن الانتخابات قد اقتربت كثيراً؟
= في تقديري أن الحل للخروج بصيغ تحالفية سليمة تمثل استجابة لمطلوبات الواقع في ظل تقارب للرؤى السياسية بين أحزاب سياسية، يتمثّل هذا الحل في الجنوح نحو العلمية كصفة ملازمة للتطوّر نحو الأفضل في إطار النظر لكل المشكلات السياسية من أجل الاستفادة من الأخطاء السابقة. مع ذلك أعتقد أن مسألة التحالفات هي جزء من عملية الجدل الاجتماعي والذي يمثّل قانون تطوّر المجتمعات في الاشتراك في معرفة المشكلة ووضع الحلول وتنفيذ هذه الحلول، بالعمل وهذا لن يتأتى إلا في ظل واقع ديمقراطي داخل التحالف نفسه بإبداء الرأي بحرية والمساهمة في تنفيذ الحل برغبة صادقة وأكيدة تحرّكها الدوافع الوطنية أو الإرادة الوطنية الصادقة.
الأستاذ الكاتب الصحفي بالزميلة الأيام تاج السر مكي:
أشهر تحالف في تاريخ السياسة السودانية الحديثة هو تحالف الاستقلاليين في الجبهة المعادية للاستعمار الذي ضم الحزب الشيوعي وحزب الأمة والحزب الجمهوري، وما تجدر الإشارة إليه أن الحزب الجمهوري الاشتراكي يختلّف عن الحزب الجمهوري أو الجمهوريين، فالحزب الجمهوري الاشتراكي نشأ من زعماء القبائل، وكان هؤلاء بمثابة أول تحالف سياسي في مواجهة الاتحاديين. وعموماً داخل الجبهة هناك أحاديث كثيرة.. حيث تحدّث حزب الأمة عن تكوين علاقة خاصة مع الإنجليز والاستقلال على شاكلة «الكمنولث» على غير موقف الشيوعيين، وحزب محمود محمد طه الذي تحدّث عن استقلال مطلق. انتهت هذه الجبهة بمجرّد إعلان الاستقلال وعلى العكس، أصبح الحزب الشيوعي أقرب للاتحاديين والجمهوريين، وأصبح موقفهم مستقلاً، وداخل الاتحادي الديمقراطي الذي نشأ من طائفة الختمية ودعاة الاتحاد مع مصر بما فيهم الأبروفيون، والذي يمكن تصنيفهم مجموعة من نخبة مثقفة، متأثرين بالاتجاهات الغابية، وأصبح في النهاية حزب الشعب والاتحادي الديمقراطي، ولا يمكن قول ذلك على حزب الأمة، برغم تكوينه التكنوقراط والأنصار، ولتكوينه تمت مخاطبة السيد عبد الرحمن المهدي وعبد الله خليل والشنقيطي وغيرهم، وتكون حزب الأمة بشرط أن يكون على رأسه صديق المهدي وعبد الله خليل، وأخيراً محمد أحمد المحجوب.
كذلك في عام 1956م تحالف حزب الأمة مع حزب الشعب الديمقراطي، وتكوّن ما يسمى «بحكومة السيدين» واستمرت حتى انقلاب نوفمبر 1958م. ويبدو أنه تحالف للوصول للسلطة وليس له أساس برنامجي لأنه بمجرّد استيلاء العسكريين على السلطة، جاء ما يشبه التأييد من السيد عبد الرحمن والسيد علي وسرعان ما حدثت الخصومة عندما تم اعتقال القيادات السياسية في حزب الأمة وحبسهم ومنهم عبد الله خليل، نقد الله، أحمد سليمان، عبد الخالق محجوب، أزهري وشاخور مشجع المريخ. والحديث عن 1958م مرتبط كما قال عبود بالتعليمات التي جاءته من وزير الدفاع، أي أن هناك اتهاماً عاماً أن الإنقلاب تسبب فيه حزب الأمة لأن تحالفه مع الشعب كان مهدداً بالانهيار، وعلى الرغم من انتهاء العلاقة بين الانقلاب وحزب الأمة إلا أن الشعب أيَّد بوثيقة شهيرة «كرام المواطنين» وموقعة بعدد كبير من القيادات متوهمين أن انقلاب عبود شبيه بعبد الناصر خاصة في حماسة الانقلاب لتعريب الجنوب وأسلمته.
عموماً، في أثناء فترة الحكم العسكري كانت هنالك جبهة عريضة ضمت الاتحاديين والشيوعيين وحزب الأمة، لكنها لم تستمر، فقامت أكتوبر 1964م وتحالف الحزب الشيوعي مع حزب الشعب، وبصفة عامة فإن الخلاف الرئيسي بين حزب الأمة وحزب الشعب كان هو قبول المعونة الأميركية، كذلك كانت هناك العديد من التحالفات أبرزها التجمع الاشتراكي الديمقراطي كذلك الاتحاد النسائي واتحاد المزارعين واتحاد العمال، ولم يتم الاستفادة من هذه التحالفات بسبب مقاطعة حزب الشعب للانتخابات، ولكن هنالك كيانات وتحالفات على شاكلة تحالف الشيوعيين والديمقراطيين والذي برز في جامعة الخرطوم وعرف باسم «الجبهة الديمقراطية»، وقبل ذلك برز في الجبهة المعادية للاستعمار، كذلك نشأ تحالف بعد حلّ الحزب الشيوعي وتكوين جبهة الدفاع عن الديمقراطية وانضمت لها أحزاب صغيرة وكيانات وجمعيات وتنظيمات مستقلة، وشرائح من الحزب الاتحادي الديمقراطي، لكنها لم تشكِّل كياناً مستقلاً لعدم وجود برنامج سوى القضية المحددة قضية الدفاع عن الديمقراطية، كذلك تكوّنت جبهة الهيئات وهو تحالف بين النقابات، بعد ذلك جاءت فترة ما بعد أكتوبر بدون تحالفات، وانقسم حزب الأمة إلى كيانين بقيادة الصادق المهدي، وكيان بقيادة الإمام الهادي، وكان سبب الخلاف حول دور الإمام السياسي، وتشكّلت تحالفات مؤقتة بين الاتحادي وبين الصادق المهدي، ثم بين الاتحاديين وبين حزب الأمة جناح الإمام من أجل تكوين الحكومة «ائتلاف»، في هذه الأثناء شرع في تكوين الحزب الاشتراكي في كيانات بسبب نشاط الحزب الشيوعي، وفكرته لم تستمر.
من ثم قامت مايو، وتكوّنت تحالفات عديدة للمعارضة بين الأمة والاتحادي من تحالف الجزيرة أبا، أثناء وجود الشريف الهندي وجبهة الميثاق ثم كيانات متعددة باعتبار أنها ما يسمى الجبهة الوطنية، ولم يشارك فيها الحزب الشيوعي، وجاء انقلاب يوليو 1976م وأحداثه المعروفة، وبعد ذلك العديد من المناهضات السياسية العادية..
وأخيراً تكوّن التجمع الوطني الديمقراطي، وهو تحالف يضم حزب الأمة والاتحادي والشيوعي والنقابات. وعلى ضوئه اندلعت الانتفاضة، وبعدها تم تحالف جزئي بين كل القوى السياسية في دائرة الخرطوم «الصحافة» لاسقاط حسن الترابي، وقد كان ذلك.
في تقديري، أن أهم تحالف ضم القوى السياسية هو التجمع الوطني الذي تكوّن بعد انقلاب 1989م وهو الأهم لسبب بسيط لأنه اشتمل على مراجعة كاملة للنشاط السياسي في الفترة الديمقراطية، وأبرز عيوبها وهشاشتها، كما ولأنه ضم كتحالف لأول مرة حركة جنوبية شاملة، وكالعادة بدأ يتفتّت، وبرغم ذلك ترجع له القيادات السياسية من وقت لآخر. وآخر حديث قاله السيد الصادق في ندوة المفصولين وكان يتحدث عن نيفاشا، فقال «لقد أعددناها في مؤتمر القضايا المصيرية أسمرا، وهو المؤتمر الأساسي الذي نوقش فيه ماضي ومستقبل السودان، فالتحلل من اتفاقية نيفاشا يُعد تراجعاً كبيراً جداً.
? ألا ترى أن التجمع الوطني بوثيقته التاريخية والتي يقال إنها في خبر كان، يمثِّل نقطة تحوّل تاريخية في مسار التحالفات السياسية السودانية، مما يدفع في اتجاه المحافظة عليه ودفعه للعمل خصوصاً في ظل ظروف المرحلة الحالية، على أساس أنه يمثّل قمة النضج السياسي للعقل السياسي السوداني؟
= أ. تاج السر مكي: التحالف في التجمع الوطني، وضعه مختلف، فقد أعاد السياسيين لمراجعة كل عملهم بل أعمالهم السياسية وغفلتهم تجاه التنوّع الكثيف في التقانات والمسائل العرفية والتهميش، وساعد في ذلك وجود الحركة الشعبية كجزء منه، وكذلك وجود تمثيل للجيش سواء «عبد العزيز خالد» أو القيادة الشرعية، وهذا يحدث لأول مرة في تاريخ السياسة السودانية. من ثم فإن قراءة التحالفات القادمة في تقديري هي تحالفات «مشاريع سياسية» أكثر من أن تكون تحالفات للحكم، أي أنضج بسبب أهمية المرحلة. وفي تقديري أن هنالك تحالفاً قد ينشأ بين الاتحادي وحزب الأمة، فقد أكثر السيد الصادق الحديث عن الوسط، وأرى من الممكن أن يستحوّذ على خانة اليمين الإسلامية، منفردين وأرى كذلك من الممكن أن يتحالف الحزب الشيوعي مع الحركة الشعبية، بالإضافة إلى أحزاب صغيرة تمثل اليسار عموماً، بالإضافة لحركة تحرير السودان «دارفور» وجبهة الشرق، ولكن ذلك رهين بشروط كثيرة تغيّر صورة هذه التحالفات.
عموماً، ما زال الإسلاميون يراهنون على تحالف مع الحركة الشعبية اعتماداً على فكرة اقتسام السلطة والمسألة برمتها رهينة بالحراك السياسي القادم.
د. حيدر ابراهيم- مدير مركز الدراسات السودانية:
لا أرى مثل هذه الظاهرة في سياستنا السودانية، لغياب الحد الأدنى والمشترك، فعند الحديث عن أي ظاهرة في الدولة السودانية الحديثة، يمكننا أن نقسّمها إلى حقب الديمقراطية، وحقب الديكتاتورية أو العسكريات أو الشموليات. والشموليات يمكن تحديدها بفترات مختلفة، والديمقراطيات كذلك، فهناك ديمقراطية ما بعد الاستقلال والتي كان لها مهامها المختلفة. وديمقراطية أكتوبر وما بعد أكتوبر بمهامها المختلفة أيضاً، كذلك ديمقراطية ما بعد انتفاضة «مارس أبريل» 1985م بمهامها المغايرة.
أما بخصوص التحالفات فأنا لا أرى تحالفات سياسية ذات وزن، باستثناء ما يحدث في الانتفاضات الشعبية، أي أن الشيء الذي يجمع الأحزاب هو موقفها ضد الديكتاتوريات لكن بعد سقوط الديكتاتوريات تعجز عن عمل برنامج يكون متوفراً فيها البديل، لذلك اكتوبر حدث لها ما حدث والانتفاضة في «مارس أبريل» كذلك حدث لها ما حدث.. إذاً، ليس هنالك تحالفات قائمة على برامج بل تكون على أساس شعارات، على شاكلة «لا لحكم الفرد» و«لن يحكمنا العسكر»... وهكذا، وهذا بالتأكيد لا يمثل تحالفاً، هذا يمثل عملاً تعبوياً وحشداً للناس فقط.
عموماً، يمكن أن نتوقّع ما تسميه أنت تحالفات هي لن تكون تحالفات أيضاً، هي ستكون ضرورات خوض الانتخابات في شكل جبهات، هذا ما سيحدث، ولكن عندما نأتي إلى التحالف والذي أصر على الزامية قيامه على «برنامج حد أدنى» مكوّن من برنامجين أنت برنامجك فيه كذا، وأنا برنامجي فيه كذا، ونحن نلتقي في كذا، يمكن في هذه الحالة فقط قيام تحالف. وبشكل عام التحالفات أنا أضعها دوماً بين قوسين لأنني غير مقتنع بالمصطلح، فهي وقتية ومؤقتة وكثيراً ما يكون فيها قدر من الانتهازية لتجاوز مرحلة معينة معاً، ومن ثم ليس هنالك تحالفات بالمعنى الصحيح، فالأحزاب تعمل بالقطاعي، أو بسياسة رزق اليوم باليوم، وهذا ليس تجنياً على الأحزاب، وإلا ما كان حدث ما حدث، بالطبع التحالف الذي يؤمّل فيه هو تحالف اليسار، لأنه يمثل القوة الأساسية، والمفترض هذه القوى هي التي تبادر به إلا أن العكس هو دائماً ما يحدث، فهي تقف حجرة عثرة في طريق قيامه كالحزب الشيوعي فهو برغم رفعه لشعار «وحدة القوى الثورية» كما هو أكثر التنظيمات السياسية التي تتحدّث عن العمل الجبهوي، لكن في نفس الوقت هو أكثر القوى السياسية التي لم تحاول أن تنقل هذا الحديث من جانبه النظري إلى الجانب التطبيقي والعملي والواقعي. إن تحالف ووحدة اليسار هو تحالف مهم لأنه وليد كتلة كبيرة من الأحزاب الصغيرة والأفراد ومن التيارات ومن الأفكار والاتجاهات، وهو التحالف الذي نحتاجه فهو تحالف حقيقي وبرنامجه غائب، البرنامج المتضمّن للتنمية وللديمقراطية الحقيقية، والديمقراطية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية هذا هو الغائب عندنا الآن. فقد جرّبنا القوى السياسية والأحزاب فترات طويلة، وقد حكمت سواء فترة قصيرة أو طويلة، لكنها حكمت وهذا هو المهم، البرنامج الذي يحتاج أن يلتف الناس حوله والمراد تطبيقه، هو ما يسمى بالبرنامج الغائب، هو برنامج القوى الحديثة، برنامج التغيير، لأن السودان بعد «52» عاماً في حاجة حقيقية ليحدث فيه نوع من التغيير بمقومات ثلاثة ديمقراطية حقيقية وتنمية وسلام، لأن ذلك يقود لشكل من شكال الوحدة الوطنية التي يمكن من خلالها تكوين دولة وطنية حديثة، وهذا في اعتقادي الحلف الوحيد المطلوب وهو غائب حتى الآن.
? د. حيدر هل ينسحب ما قلته سابقاً عن التحالفات على التجمع الوطني الديمقراطي برغم ما حملته وثيقته التاريخية في مؤتمر القضايا المصيرية «أسمرا 1995م»، وما أكدته من نضج العقلية السياسية السودانية؟
= د. حيدر: التجمع الوطني الديمقراطي دفن وثيقته وقتلها. وهو يمثل شكلاً من أشكال العجز السياسي الكامل، لأنه كان ينقصه المصداقية والجدية في التعامل مع الأطراف الأخرى، والتجمع تاريخياً يمثّل أحد سلبيات العمل السياسي المعارض حقيقة، ولقد كانت لديه الفرص الجيدة، وكان يمكن أن يكون معارضة وبديلاً للنظام في السودان، لكنه أكثر شكل مناقض للعمل الجبهوي لأنه كان عبارة عن قوى سياسية موجودة بجوار بعضها البعض، لكنها كانت متوازية غير مندمجة بحيث تكون لديها رؤية واضحة.
أنا كشخص عاصرت التجمع الوطني لسنوات طويلة في القاهرة، فليس من الممكن أن يكون كياناً سياسياً وليس لديه مقر، وليس لديه صحيفة وليس لديه ميزانية، ولا عضوية.. كل ذلك غير موجود، لذا أنا أعتقد أنه كان أحد أوهام السياسة السودانية وللأسف أضاع من عمرنا أكثر من خمسة عشر عاماً وفي النهاية وجدناه موجوداً في البرلمان، وهذه فرصة لتقديم التحيّة للأستاذ «علي محمود حسنين»، لأنه رفض أن يكون ديكوراً في برلمان لا يمثّل فيه شيئاً.. التجمع داخل البرلمان وموافق بهذا، بل ويشارك في احتفالات انقلاب الانقاذ، الذي كان يعمل ضده، كل ذلك بدون مقابل فالانقاذ لم تقدم تنازلات حقيقية، كما أن هنالك فَرقاً في أن تجعل هذه التنازلات حقاً أصيلاً لك أو أن تكون هبة يمكن لمانحها في أي لحظة أن ينتزعها منك. النظام يقول تحول ديمقراية، لكنه في أي لحظة يمكنه ضرب الصحافيين ويمكنه فصل الطلاب أي يمكنه أن يقوم بكل ما هو ضد مسألة التحول الديمقراطي لأنه أصلاً هبة، وبالتالي في أي لحظة له الحق في انتزاعها وسحبها، وواضح أن التجمع عاد بلا أسس ولم يعد يمثل قوى ضاغطة، والانقاذ تتعامل معه بازدراء شديد، وأنظر للطريقة التي يتعامل بها المجلس الوطني -على سبيل المثال- في موضوع الاستجوابات، عضوية التجمع أنفسهم يشتكون من ذلك، بالفعل كان التجمع الرديف للانقاذ وعليه يمكن أن نقول نحن كمعارضين عانينا من الانقاذ وعانينا أيضاً من التجمع لأنه ولّد في الناس قدراً كبيراً من الإحباط.
? أخيراً، د. حيدر.. ومن خلال الرحلة الطويلة لتاريخ التحالفات السياسية في السودان وعلى ضوء سلبياتها وايجابياتها هل يمكن استنتاج مؤشر علمي يمكن من خلاله قراءة قيام تحالفات مستقبلية في السودان؟
= حقيقة، منحتني فرصة أن أسألك هل للسودان مستقبل؟ أي مستقبل يمكن أن تعنيه، هل الواقع الموجود اليوم يبشر بشيء اسمه مستقبل، لا يجب أن نكون خياليين، أي مستقبل لبلد اسمه السودان، هل هناك مستقبل لسودان موحّد بعد عمليات الخصخصة والرأسمالية الطفيلية الموجودة الآن؟ هل هناك مستقبل لاقتصاد سوداني يقوم بعملية تنمية وتوزيع عادل؟ هل هناك مستقبل لتعليم حقيقي ينتج إنساناً سودانياً مسلّحاً بالمعرفة وبأشكال التعليم التي نراها الآن في العالم، في ظل فقر ونسبة انحلال وايدز ومخدرات.. كل ذلك يتم تحت مشروع إسلامي حضاري يعني الأساس فيه اكمال مكارم الأخلاق؟! من هنا يمكنني القول إن الانقاذ مثّلت نهاية تاريخ الدولة والمجتمع السوداني. إن المستقبل في نظري كارثة ستقع في أي لحظة. ونحن في انتظار وقوعها، وليس في انتظار النجاة منها بل في انتظار وقوعها ثم بعد ذلك نتحدّث عن ما بعد الكارثة، وأي حديث عن أن الكارثة لن تحدث هو حديث هراء ومجرّد أضغاث أحلام، وبالتالي أنا لا أرى أي مستقبل للسودان في ظل ما نراه يومياً.
الكاتب الصحفي الأستاذ الحاج وراق- الأمين العام السابق لحركة القوى الديمقراطية الحديثة (حق)، تحدث قائلاً:
ظاهرة التحالفات ظاهرة قديمة في السودان وحتى الاستعمار في السودان، جاء على شكل تحالفات كذلك الثورات والدويلات التي قامت هي تحالفات كتحالف الفونج والعبدلاب، كذلك المهدية، حديثاً وجدت الجبهة الاستقلالية، والجبهة الاتحادية، وأسهمت هذه التحالفات في استقلال السودان، وبشكل عام فالنظم الديكتاتورية تصدّت لها تحالفات نظام عبود ونظام نميري وفي عهد الانقاذ نشأ التجمع الوطني الديمقراطي -كتحالف يضم معظم القوى السياسية، من ثم يمكن القول إن هناك تاريخاً للتحالفات في السودان، لكن أبرز عيوب هذه التحالفات أنها لم تصمد لانجاز مهامها التاريخية، فمثلاً التحالف القبلي في المهدية بعد الوصول للسلطة تصدّع، كذلك تبعثرت الأحزاب بعد تحقق الاستقلال، مما فتح الباب للانقلابات التي شهدتها السياسة السودانية، كذلك الجبهة الوطنية تصدّعت في فترة نميري، والتجمع أيضاً كان فيه العديد من المخاوف بين أطرافه.
بشكل عام فإن التحالف يعد اتجاهاً رئيسياً في السياسة السودانية، كذلك الاتجاه للتبعثر أيضاً اتجاه رئيسي في السياسة السودانية.
? هل يمكن رسم ما يسمى بخارطة طريق للوصول لتحالفات نموذجية وناجحة في تحقيق أهدافها؟
= الحاج وراق: يمكن القول بمبادئ أساسية تسهم في انجاح التحالفات:
أولها: المراهنة على قضية حيوية من أجل الشعب، كتصفية الشمولية وتحقيق الاستقلال الوطني.
ثانيها: أن يكون تحالفاً مبدئياً، بمعنى المتفق عليه معلن، والمختلف عليه معلن، والحدود بين المتفق عليه والمختلف عليه واضحة ومعلنة.
ثالثها: الواجبات والمسؤوليات الواقعة على أطراف التحالف معلنة.
رابعها: التعامل بأخلاقية لتحقيق أهداف التحالف المعلنة.
خامسها: الديمقراطية في طرح القضايا ومناقشتها، وذلك يعد جزءاً من الشفافية، وقد كان ذلك أحد أسباب تبعثر التجمع.
سادسها: أن يكون مفتوحاً لدى الشعب ليراقب أداءه وخلافاته ويراقب قيادته.
إذا توافرت هذه الشروط يمكن للتحالفات أن تنجح، وإذا لم تتوفر فإن ذلك يقود للفشل والتبعثر، ويجب استيعاب أن أي تحالف يستبطن اختلافات في التقاليد التنظيمية المختلفة، وثقافة مختلفة، وآيديولوجية مختلفة، لذا يحتاج لسعة الأفق والصدر.
عموماً، فإن التحالفات تطرح حالياً باعتبارها أحد أدوات تصفية الشمولية ولا يعني ذلك تصفية المؤتمر الوطني بل مصادرة وتصفية النهج الشمولي، ومن ثم فإن هذا ما يخيف المؤتمر الوطني في موضوع التحالفات، لذا تجده حريصاً على عدم قيام تحالفات في الساحة السياسية، ومن ثم فإن كان حريصاً على تحول سلمي وآمن، عليه أن يدرك ضرورة تصفية نهجه الشمولي والاحتكاري ويتوحّد مع التيار الرئيسي في السودان من أجل وحدته وأمنه وسلامته، وإذا كان المؤتمر الوطني يخاف من الإقصاء فعليه إذاً أن ينشيء قانوناً للانتخابات يقوم على التمثيل النسبي.. فذلك خير للبلد وله.. بذلك فقط يضمن وجوده.

http://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=48476

Post: #907
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: Hani Abuelgasim
Date: 05-22-2008, 03:02 PM
Parent: #1

أ. عبدالله عثمان

تشكر على هذا المجهود المقدر أمضيت بعض الوقت أقرأ الاستطلاع في أول البوست، لاحظت أن معظم الفتيات اللواتي تم استلاطع آرائهن لا يعرفن عن الأستاذ شيئا وهو أمر مخيب ومحبط جدا.


وأيضا شكرا لإيرادك الورقة التي أعددتهامنذ سنوات بعنوان مصرع القداسة على أعتاب السياسة ضمن توثيقك لما كتب عن الأستاذ محمود ولو ضمنيا ..
Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!

Post: #908
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-23-2008, 04:19 PM
Parent: #907



مفاكرة الجمعة
نحو نظرية جديدة للمعرفة
الشيخ عمر الأمين أحمد
اشكالية استلاف المصطلح للمرة الأخيرة ناقشنا فى حلقتنا الماضية إضاءات هامة ومفصلية حول عملية استلاف مصطلح (علم) ومصطلح (عقل)، فباينتنا غرابة تصريف كلمة (علم) على النماذج اللغوية الأوروية ـ كاللغة الإنجليزية مثلاً ـ إلا بعد إجراء عملية استبداله بآخر هو مصطلح (معرفة). فالمصطلح (علم) فى اللغة الإنجليزية لقيط يتيم الأبوين لا تعرف له اشتقاقات. فالكلمة الإنجليزية (ساينس) و تعنى (العلم) لا تسلك سلوك أختها الكلمة (نوليدج) ذات التصريف الإنجليزى الأصيل، فالفعل المضارع (نو) وترجمته (يعرف) يقع ضمن تصريف نستنتج منه أصالة هذا المصطلح فى اللغة الإنجليزية. أما المصطلح (ساينس) فلامضارع أو ماضى له فظهر ككلمة دخيلة على القوالب اللغوية الإنجليزية تحتاج لعملية توليف و ترقيع تخرجها تماماً من حظيرة المصطلحات ذات الأصل الإنجليزى الأصيل. و مما أراه محتاجاً للمزيد من التركيز، هو عودة على بدء التركيز المصطلحى ببذل المزيد من الشروحات مما سبق لى تنزيله فى مفاكرات سابقة بعنوان (أهى اسلامية للمعرفة أم اسلامية للعلم)، عالجت فيها شأن التفريق بين العلمى والمعرفى، وله فى هذه الأطروحة جيوب أخرى يتداعى فيها شأن التفريق بين مصطلحين آخرين هما (العقل والذهن). تعريفات ومصطلحات 1/ المعرفة : و نعنى بها ذلك الكم المتحصل من المعلومات المستخرجة من ممارسات الإنسان و معايشته مع المجتمع و مع الطبيعة . و أسلوبها الأساسى هو الإستنباط المعلوماتى عن طريق الإلتصاق بالطبيعة وبالمجتمع لمعالجة ذلك الكم المعلوماتى باختبارات عن طريق الصواب والخطأ . وتؤدى المعرفة فى أقل مقاديرها الى عدم تكرار الخطأ مرة أخرى. فى حين أنها إذا ما توفرت منها مقاديرغزيرة ومتنوعة ، فربما يؤدى ذلك الى تراكم ربما يؤدى الى نجاح فى انجاز مشاريع على درجة عالية من الكفاءة. و تعمل المعرفة وفق هذا الفهم فى مجموعة من الأبعاد منها البعد الفرى و يختص بالتجريب على نطاق الفرد بوصفه وحدة تحقيق معرفى ذات استقلالية تامة و محترمة من حيث سعة فى التجريب تختص بالمزاج والخيارات الفردية التى ربما لا تؤثر فى خيارت الجماعة بصورة مباشرة. ومنها كذلك أبعاد معرفية لمجموعات بشرية تتمايز باختلاف البيئة المجتمعية أو الطبيعية التى تعيش فيها. و يمكن ملاحظة تباين معرفى واضح مركب على هذه التمايزات فنقول : معرفة بدائية أو معرفة طفولية أو معرفة معاصرة أو معرفة عصرية. بل ويمكننا أن ننسبها الى أقليمية أو إثنية مثل أن نقول : معرفة هندية أو يمانية الخ من التمايزات ذات الخصوصية مما يمكن أن تتميز به أى من تلك المجموعات. ومنها كذلك أبعاداً معرفية عامة ومشاعة تختص بالتجريب على عموم البشرية نتيجة لأسباب مختلفة، ربما تكون لعوامل إقتصادية أو أخرى ثقافية. وتتحقق المعرفة فى كل هذه الأبعاد الثلاثة أعلاه بما يجعلنا نستل استلالاً مصطلح ( معرفة علمية ) رغبة فى أن لا نخلطه مع أى منها من أجل مزيد من التخصيص، فنعتبر العلم ــ رغم أنه معرفة فى نهاية أمره ــ فهو بالتأكيد معرفة ذات خصوصية و تفرد درجة القول باختلاف نوعى بينه وبين مطلق المعرفة درجة القول إنه كامل التحرر من البدائية و الطفولية أو الجهوية و التحضر الخ .. مما تتميز به المعرفة مما أسلفنا قوله. وسنبرزفيما يليه كيفية استلال مصطلح (علم) و خصوصيته وتمنعه على الذهن. 2/ العلم : ويمكن أن نعرفه تجاوزاً بأنه (معرفة). لكنها مميزة بكونها قد تم الثبت منها بأن تم اختبارها والبرهنة على صحة مقولاتها ومن ثم تعميمها كمعلومات صحيحة لا يلتبث إليها الشك ولا يعتورها خوف من الخطأ. والعلم وفق هذا الفهم واجب أمر تمييزه عن المعرفة فى التصاقها بالحيوى و الطبيعى . فالعلم بعد البرهنة على مقولاته يصبح محلقاً أعلى من المعرفى كتجريد للحقائق فى شكل مقولات علمية تقع خارج التداخل المعرفى العشوائى ، بل يقتضى أمره الإعتبار بارتفاعه عن البيئة ــ مجتمعية كانت أم طبيعية ــ ليصير حاكماً عليها أكثر من كونه خاضعا لها، فليس هو تقليل من شأن الأرض أن تعرفنا لاحقاً على أنها ليست مركز الكون الجغرافى ، بقدر ما كانت تلك حقائق جعلتنا نتراجع عن اعتبار خاص لأمومة أرضية لنا نحن البشر ، الى اعتراف بأننا فى الأرض أكثر ضآلة من هذا الإدعاء المعرفى العريض الذى تراجع أمام عناصر الإثبات و البرهنة العلمية. وتجريد الحقائق العلمية يؤكد دواعى تحليقها أعلى المعرفة و تفريدها ، فيتحول العمود المثبت على الأرض الى مجرد خط بين النقطتين ( أ ، ج ) ويصبح الوتر المشدود بزاوية من قمة العمود الى الأرض هو الخط ( ب ، ج ) و قاعدتة ( أ ، ب ) هى قاعدة (مسلة) قدماء المصريين باعتبار الوتر هو الظل الواقع على الآرض ، فتتحول هذه الصورة المعرفية الملموسة الى تجريد لا تقتصر على طريقة لضبط ارتفاع العمود وضبط ظلاله بقدر ما هى ( حساب للمثلثات ) غض النظر عن وقوعها على (مسلات ) أو (جملونات ) أو خلاف ذلك من قيم تطبيقية يمكن استخراجها بسهولة تبعاً لعلم تم تجريده وتحريره بعد ذلك يسمى علم حساب المثلثات. كذلك تتحول عند تجريدها العلمى مجموع برتقالات ما عند ( صابر) و ما عند (مفيد) عدد عشر برتقلات الى معادلة رقمية كالآتى 6: + 4 = 10 حيث تصير 6 و 4 و 10 مجرد أرقام مجردة لا على معان معرفية تطبيقية، بنفس القدر الذى تصير فيه الدورة الدموية فى علم الأحياء رسومات بيانية لنسق منتظم من أوعية حاملة حمولة توصيلية أو حمولة ترجيعية بصورة مقارنة لا تميز ما بين القط والأرنب و الأسد و الناموسة والإنسان. عليه يكون العلم مصطلح لما نتأكد من بلوغ أمر صحته درجة اليقين، ويستند الى براهين غير ذات التباس. و هو فى تجريده وتحليقه موضوع بمعزل عن تجريبيتنا. فعلوم الكيمياء و الفيزياء و البايولوجيا مثلاً، لا تكتسب مشروعية وجودها بحكم أنها عمل ومعرفة بشرية، فهى كاملة الوجود بمعزل عنا ، علمنا بها أم لم نعلم. فهى ذات أصول ناموسية كونية لا نمتلك إزاءها سوى تلقي أخبار أو التشرف بالتعرف عليها من خلال ارتفاع قامتنا الى مقام متعال كمصحح وحاكم لا يتقيد بمعرفيتنا، بل بأصوله من القوانين الكونية الناموسية الأكبر و الأكثر إحاطة من تجريبيتنا المعرفية البسيطة الساذجة المتنطعة. ونشير فى ختام تلخيصنا لعلاقة ناشبة بين المصطلحين (معرفة وعلم) أن المعرفة بما هى تجريب وعمل يقع ما بين البدائى المتخلف و بين المتحضر المعاصر، يشير السهم الذى يوضح وجهة سريانها أن اتجاهها من أسفل الى أعلى، فهى متصاعدة متى ما تجنب الإنسان تكرار أخطائه. أما العلم ومن خلال تصحيحه للمفاهيم المعرفية كشأن كروية الأرض فسهم اتجاهه يشير الى تنزله من أعلى الى أسفل. فالعلم متنزل والمعرفة متصاعدة. وقبل أن ندلف الى تلخيص وتعريف لمصطلح عقل ومصطلح ذهنية، أظن أنه ينبعى علينا إحسان تأويل أصولهما و مكوناتهما الأولية. وقبل ذلك فلا بد من فك الإشتباك بارجاع الديون الى أصحابها الأصليين بقول فصل حول عملية الإستلاف والتى لا تشكل اتهاماً للأوروبى يدمغه بالقيام بها، إذ لا يستقيم له استحداث قوالب لغوية جديدة دون أن تبدو مصطنعة، بقدر ما يقوم بما قام به فعلاً من استدراج للمصطلح لعملية ترقيع لغوية كما فى الكلمة (بوليس) ذات الأصل الأوروبى الذى تم استلافه عربياً فخرجت منها عبارة كقولك (رواية بوليسية ). وذلك ترقيع يتيح القول بعبارة مثل (هذا تفكير بوليسى) مع ذلك تستعصى هذه (البوليسية) أن تستجيب لتصريف يستخرج منها أفعالاً للمضارع أو الماضى أو الأمر. لكن يبدو أن صاحب الإستلاف هو المترجم الوطنى الغرير الذى يظن لغشامته أن (العلم) هو ترجمة صحيحة للكلمة (ساينس) وأن أصولها و مرجعياتها اللغوية أوروبية، فصار عنده (العلم) مولود كمصطلح ـ وبالتالى كوجود وفعالية ـ فى بيئة أوروبية خالصة. وليس ذلك إلا بسبب عماء علمى و معلافى، قاده إليه تبدل مرجعيات المناهج التعليمية بعد الحقبة الإستعمارية، كان من الطبيعى أن يسود بعد أن تيتم جراء ذلك العقل وهام على وجهه مفتقداً البيئة الصالحه لنموه. ويبدو أن تيتم ظاهرة العقلانية وكان السبيل لاستحداث وسائل ومناهج جديدة بعد استعمار العالم برمته ـ ومنه الشرق ـ بواسطة قوة السلاح الأوروبى الفتاك. و ليس ذلك سوى إفساح للدروب لأجل استحداث وسائل ومناهج جديدة للتعليم منبتة الجذور، دون أى اعتبار لمناهج ملغاة لم تجد ما يكفى من الفرص لنمو طبيعى و مستقر، فانطبق عليها المثل الشعبى (جدادة الخلا الطردت جدادة البيت). فمصطلح (عقل) بائن الغرابة على كافة اللغات الأوروبية، وذلك ناتج طبيعى لانعدام البعران (ومعناها جمع بعير) فى كل القارة الأوروبية، وبالتالى انعدام فعل (التعقيل) نتيجة انعدام ما (يعقل) به هذه البعران كما أسلفنا القول فى المفاكرة الماضية. فالعقال ذو نشأة عربية صرفة، ومن تصريفاته الكبرى (العقل)، وما تمت نسبته إليه كإصطلاح لا يخرج عن كونه ناتج من نتائج عملية (التعقيل) هذه والتى يراد بها الدلالة على تربيط وتكتيف آلية التفكير ألا وهو (الذهن). والتكتيف هنا لا يؤدى الى حجر عملية التفكير بقدر ما يؤدى الى ضمان مراقبة الذهن بكابح يمثل آلية أخرى تسمى (العقل)، ويقصد به الذهن نفسه، لكنه فى هذه الحالة مكتف (بتقوى) تمنعه من موارد التهلكة. أنظر لقوله ـ جل وعلا ـ ألم أعهد اليكم يا بنى آدم ألا تعبدو الشيطان إنه لكم عدو مبين (( وان اعبدونى هذا صراط مستقيم(( ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً أفلم تكونوا تعقلون( سورة يس. فبنو آدم هنا يفكرون بلا أدنى ريب أو شكوك. و لا ينتفص من استحقاقاتهم التفكيرية هذه أنهم اتجهوا الى عبادة الشيطان، وتتمثل فى التفكير بطريقة تقود الى التجافى عن موارد الفلاح، فيتجافون عن (تفكير آخر) يدعوهم الى ما يخرجهم من هذا التضليل (الشيطانى) والذى هو فى معناه و مبناه يمثل الذهن غير (المعقول) الذى لا يفسح مجالاً لذهن معقول يتأدب فيطرق السمع للرحمن، فى منهج للتلقى الطوعى مقابل ومضارع لمنهج الشيطان. و ما نستنتجه مباشرة من هذا الخطاب أن العقل لا يقوم بعملية التفكير على إطلاقها مما يؤدى الى حالة تنقيص لموجبات المعرفة السليمة وفيها كامل استحقاقات التجريب، خطأ أو صواب. لكننا إن (عقلنا) أى كتفنا و قيدنا ذهنيتنا، فسنتعرف الى ما هو مكفول لنا من تجريب يجنبنا المزالق الخطرة كالمزالق الشيطانية. وذلك قول يخرج العقل من الذهن المطلوق السراح خروج الشعرة من العجين، ويحوله الى تالى له مقيد ومكبل بمنهج معطى ومضاف كخبر من أعلى الى أسفل لا يتضمنه المعرفى بصحبة ورفقة الذهن المطلوق السراح. أنظر الى قوله ـ جل وعلا ـ بلسان سيدنا الخضر لسيدنا موسى ـ عليهما السلام ـ (وكيف تصير على ما لم تحط به خبراً). ومما هو تخليط فى ترجمة هذا المصطلح، فقد صارت الكلمة (عقلانية) ترجمة للكلمة الإنجليزية (راشونال) و التى يقولون بها دائماُ كترميزالى التفكير المستقيم ذو المنطق المقبول على نطاق الإتزان و الحكمة وهو مصطلح يشير فى نهاية أمره الى حالة انسجام مع المنطق السليم وهو نفسه (الحكمة) ومنها (الفلسفة)، وكلاهما إحكام للبدايات و النهايات التفكيرية الى المنطق السليم و الموزون. وما يبدو فى الحق أن المصطلحين ( عقلانية و راشونال) قريبان من بعضهما البعض درجة التداخل. لكن الحق نفسه يقتضى حسن الفرز، فالحكمة ناتج معرفى قد يؤدى الى (العلمنة) مع ذلك فقد تخطئ العلم وقد تصيبه. وهى و إن اصابته أو أخطأته فذلك لا يغير من صفة كونها (عمل) و (تجريب) بشرى، فيه تجريب مفضى الى الخطأ و فيه تجريب يصيب الصواب. وكلتا التجربتان ـ المصيبة و المخطئة ـ معرفة هى بلا أدنى شك ذات فائدة معتبرة . وقد يكون مقبولاً كذلك التقرير أن (تجربة خاطئة) قد تقود الى الحكمة، إذ أن تجريب الخطأ والصواب هو منهج معرفى مؤكد ومضمون النتائج، ومن ذلك ما يكثر ترديده كقول قرأته للأستاذ الشهيد محمود محمد طه لا أدرى له من مصدر غيره يقول فيه: (كل تجربة لا تورث حكمة، تكرر نفسها). أما فى مقام (العلم) فلا يسمح بأى هامش من الخطأ. فما نعتبره (العلم) فذلك لا ينبغى أن يكون موصوفاً إلا بالصحة المطلقة التى لا يعتورها أدنى قدر من الإنتقاص. فبقدر ما بامكاننا القول بعبارة (تجربة خاطئة لكنها مقبولة) فلا يمكننا أن القول بعبارة (علم خطأ)، فالكلمتان فيهما من التناقض ما يجعل هذه العبارة مقززة ومقرفة، تثير الريبة و الإشمئزاز. وتمايز العلم و المعرفة هو نفسه تمايز العقل والذهن، حيث يرتبط العقل بالعلم برباط وثيق. نفس الرباط يقع بين الذهن والمعرفة. و ذاك سادتى موقف عظيم يحتاج لإفراد خاص، أمنى النفس بإثارته في المفاكرة القادمة ـ إن شاء الله ـ والله من وراء القصد وعليه التوكل إنه نعم المولى و نعم النصير.

http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=48823

Post: #909
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-24-2008, 05:01 AM
Parent: #1


ها أنت ذا تعلو على كل الهمم ....متنسما أعلى القمم
متوسدًا نبضَ الدقيقةِ والحقيقةِ... و الشعور
في الحس والمعنى تدور...
نَحنُ الغيابُ وأنتَ ذا كلَ الحضُور
ما انفك نورك في قلوبِ ألعاشقيك.. ماانفك آ يُكُ في الصدور
نحنُ الغيابُ وأنتَ ذا كلَ الحضُور
هذه العذراء حبلى تنتظر.... أزعجت صيحاتها صمت القبور
راحيل تبكي زغبها الجوعى ...قد هدها الصبر الطويل ماذا أقول لها وكلُ القَوْلُ بعدك صار زُورْ ماذا أقولُ.. إذا انزوت أفكارنا ... وتوسدت صمت القبور
ماذا أقول لها.. وكلُ القول قولك ياأبي .. لم تترك لنا شيئا نقول
وما عُِلمْتَ حرفاً من شِعر وما ينبغي شعراً تَقُولْ
اصدح بأمرك ياأبي اصدح بأمرك في القدر
واحشد حضورك في الغمام
واسري بنا في منتهاك
في ليلة القدر الختام
واجمع بها في جمعتك ...أرواحنا
في ليلة الفجر السلام
مَنْ للجياع !مَنْ للعراِة بِغير مأوى؟..مَنْ ِلأبناء السبيل!
من يوقف النزف الحريق ؟ من يطفئ الفتن الجسام ؟
من غيركُ ... ؟ هل نحنُ غيركُ ننتظر؟ صبراً...صبراً جميلْ جميلْ... صبراً جميل
عوض الله الفادني

Post: #910
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-24-2008, 05:06 AM
Parent: #909


د. عبدالله على ابراهيم: " لمن عسى يحتاجون لتوضيح"
الصلح مع اسرائيل ليس "هرجا" ولا "وهنا"
عبدالله عثمان
جامعة أوهايو – أمريكا
==
"وكيف ترى ليلى بعين ترى بها سواها وما طهرتها بالمدامع"
(الى روح العم عباس عيسى الحلو– الأمير – الذى رحل عن دنيانا منذ أيام. لا أزال أذكره: عينان شاخصتان فى محراب الأستاذ محمود محمد طه، كهلا، ذا أرث ونحن أيفاع ولا أرث لنا، ثم لا نبذل بذله!! "عين" بصيرته رأت أن "رايته" – أى كان لونها - قد نصبت "حدا بيت الجالوص" فنبذ الجاه ويمم شطرها وأخذ ينشد مع منشد القوم عندنا "قلوب العارفين لها عيون ترى ما لا يراه الناظرون". نصح مع الجمهوريين أهله الأنصار فى أحداث الجزيرة أبا المشئومة، ثم فى أحداث 1976، لم تقيده عصبية أو طائفية بأن يخرج الى الشارع حاملا كتب الجمهوريين "هذا هو الصادق المهدى"، "الصادق المهدى: القيادة الملهمة والحق المقدس" وغيرها. ذلك عقل "العالم" وهو الذى عناه الأستاذ محمود بـ "العقل الغير متأثر بالرغبة" ولذلك سأعود لاحقا...
عزاؤنا: الوالدة أم مهل عبدالله الحلو، أختى أمانى عباس، زوجها د. عبدالرحيم الريح محمود، أخوانى وأخواتى الجمهوريين أن عينا عم عباس قد ذهبتا الى "أب أرحم" كما تجىء عبارة الأستاذ محمود. عينا عم عباس فى "عيون ونهر، فى مقعد صدق عند مليك مقتدر")
====
عينان نضاحتان:
عبدالله الطيب، العالم النحرير، رجل تعبق لغته الثرة بأريج القرآن الذى بسّطه وحبّبه لعوام الناس فأحبوا القرآن وأحبوا عبدالله لحبهم للقرآن. عبدالله أحب محمودا لأنه يشم فيه شميم "خلق القرآن" فـ "شجاه مصابه" فأنهمرت ملكته الفريدة شعرا تسير به الركبان ويكتب فى صحائف الذهب:
قد شجانى مصابه محمود مارق قيل، وهو عندى شـهـيد
وطنيّ مجــــــاهد وأديــب منشئٌ، فى بيـانه تجـويد
وخطـيـبٌ مـؤثر ولــديـه سرعـة الـرّد والذكاء الفريـد
أما عزيز التوم، صاحب العبارة الجذلة والروح الوثّاب، فقد أعداه هو الآخر الحال، حال من ذهب الى ربه ثابت الجنان، راضيا،وهو حال، لا شك، يعدى صاحب كل ضمير، فبكى محمودا بدالية تتقاصر دونها كل دالية، كيف لا وهى قد صدحت بالحق وللحق ممجدة قيم الرجال:
يامـاشـيا ثبت الجـنان كأنمـا نوديت من ذي الوعد لا المتوعد
يامـن عـرفت الله معرفة النهي وشـققت صـفو تهجـد وتعبد
أقسـمت يامحمـود أنك ملحـد بقـرار مخـتل العقـيدة ملحـد

أكتفى بهاتين العينين "الثرتين" والا فالعيون كثيرة: عالم عباس، عادل الباز، عبدالله الشيخ "أجراس الحرية"، عبدالله الشقلينى، عبدالله بولا، عبدالقادر الكتيابى، عمر الكارب، عبدالعظيم الحسن، عبدالله الحسن المحامى وغيرهم وغيرهم ....
تذكرت عقل عم عباس "الغير متأثر بالرغبة" وأنا أطالع مؤخرا مقالا نشر بالرأى العام للأستاذ د. عبدالله على ابراهيم "ع. ع" بعنوان قرار عبد الواحد الرجيم: الصفوة والوهن من فلسطين. عجبت للأستاذ الدكتور وهو يذهب ليصور لنا إجتهادا فريدا مثل إجتهاد الأستاذ محمود محمد طه فى أمر الصلح مع إسرائيل بأنه "وهن صفوة" ورجيم فى ذلك، وقد وصفه من قبل فى منبر للصحافة بأنه "هرج" وعرّف الهرج بأنه "حيلة طبقية واجتماعية الهدف منها التضليل" فلنرى من يضّلل من؟!!!
أصدر الأستاذ محمود كتابا "مشكلة الشرق الأوسط" و"التحدى الذى يواجه العرب" وعلى هداهما وبإشرافه كتب تلاميذه الجمهوريون كتيب "أصطلحوا مع أسرائيل" وكتيبات أخرى نحت نفس النحو الذى ترّفع عن التدليس، وتمويه الحقائق، وتمليق الشعور، ودغدغة العواطف النواضب، فقد اشتملت جميعها على استقراء تاريخى للمشكلة، ثم تبيين لضعف العرب الذين لا يصنعون الآلة ولا يحسنون استخدامها، فأبانت تمسك العرب بقشور الإسلام وقشور الحضارة الغربية وتفريطهم فى اللباب، ثم خلصت الى أن اسرائيل، ولضعف العرب الآنى، لا يمكن رميها فى البحر: إذن فما المخرج؟ ذهب الأستاذ محمود لحل علمى على مرحلتين، حل عاجل وحل آجل إشتملا على تبويب وتقعيد موضوعيين وكل ذلك مدّون فى منبر الفكرة الإسفيرى فليطالعه من يشاء. www.alfikra.org
ثم لنرى ماذا قدّم الأستاذ "ع. ع"، فبمطالعتنا للقاءه مع منبر جريدة الصحافة – المنشور على الشبكة الإثيرية – وبمقاله فى الرأى العام المشار اليه عاليه، نرى أنه لم يقدم غير عبارات طنانة وألفاظ ومعميات مثل "الوهن" و"الهرج" و"النفايا" وما الى ذلك ظنا منه أنه يمكن أن يملأ بذلك فراغ فكر بين فى أطروحته التى لا تقوم الا على عواطف متأثرة بالرغبة والرهبة كليهما. وهذا حديث قد يطول.
ثم بغير ما مبرر، وبتعسف إعتدنا عليه من الرجل، يذهب "ع. ع" مشككا فى "إستشهاد" الأستاذ محمود محمد طه ويخلص الى أنه كانما فرضه "الرجل" عليهم فأرتضوه، يقول ذلك بينما يذهب الكاتب نفسه فى مبحثه "الشريعة والحداثة" مستسخفا موقفه من المشاركة فى موكب لتأييد إعدام سيد قطب وعدّ ذلك "عارا عظيما".. لا أدرى ما هى معايير الأستاذ "ع. ع" للشهادة فهو يمنحها ضمنا لسيد قطب ولعبدالخالق على الطرف الآخر وهو يهدى له مبحثه المشار اليه عاليه مثمنا سيره فى طريق الشهادة "ذلك طريق إخترت أن تذهب أنت فيه وبقيت أنا" ويمنح ذات الشهادة للدكتور قرنق – منبر الصحافة المشار اليه عاليه – يمنحها لكل هؤلاء ويضن بها على الأستاذ محمود أول سجين سياسى وأصلب من قاوم الإستعمار عندما كان القضاة الشرعيون يتجلببون بجلاليب الشرف!! الأستاذ محمود الذى سجن دفاعا عن شرف وعرض المرأة السودانية فى "حادثة رفاعة" والذى قدّم نفسه فداءا للشعب السودانى عندما قطّع إمام آخر الزمان أوصال بؤساءه بيينما مترفيه من الإسلاميين يتطاولون فى البنيان، هذا الرجل يضن عليه الدكتور "ع. ع" بالشهادة!!! فلمن تمنح إذن؟؟
والألقاب هذه التى يمنحها الدكتور من "جرابه" لكل من أرتضى تجده بها شحيحا فى مقام الأستاذ محمود، فلقد يمنح الدكتور ألقابا ضخاما للراحل أبوالقاسم حاج حمد(لو ما الزمان كان ليل) ثم لا يشير للأستاذ محمود، فى ذات المقال، الا بـ "المرحوم" - وهى كلمة رغم برائتها الا أن لها ظلال نفسية سلبية لا تخفى على أحد - او يسميه تارة "المنشق الغردونى" أو فى مقال آخر بـ "محمود أفندى طه"!! ثم من هو حاج حمد هذا؟؟ ليست لى عداوة شخصية مع الرجل ولكن الرجل لا يعدو أن يكون تلميذا غير مخلص للأستاذ محمود محمد طه. حاول كثيرا دفع هذه التهمة عن نفسه ولكن "المريب" لم يزد على أن قال خذونى. كتب عن تلك "التلمذة" دكتور محمد عمارة ثم أخيرا بروفسير إبراهيم محمد زين (راجع أعمال ندوة حاج حمد – هلتون الخرطوم).
وفى مقال آخر ينعى فيه الكاتب البروفسير عون الشريف قاسم، بمنحه ذات الألقاب، ثم يحشر إسم الأستاذ حشرا لينال منه ويخلص لأن عونا نفر من "العصبة" (ولها ظلال العصبية) بينما أرتضاها الأستاذ، وقد لا يغيب عن الدكتور كتب الجمهوريين فى البروفسير عون والتى ذهبوا فيها ليصورون كيف أن الرجل أرتضى ان يضع "علمه" فى خدمة السلفيين يستغلونه كمخلب قط للنيل من الجمهوريين.
ثمة مقال آخر يذهب فيه للإشادة بالمرحوم الشيخ الجزولى – قاضى المحكمة العليا الأسبق - وكيف أن قد صلى لروحه السمح التقدمى بمقابر حلة حمد الخ الخ ولقد عجبت للعبارات إياها وكأنه يريد أن يأتى بعكس ما كتب به الجمهوريون عن شيخ الجزولى وبحثه الذى قدمه لـ "سمنار المرأة" بالدويم (1975) والذى وصفه الجمهوريون بأنه "تخلف" عن العصر و"قصور" عن الشريعة (راجع: المنشور السادس بمناسبة عام المرأة العالمى عام 1975 قانون وقضاة الاحوال الشخصية قصور عن الشريعة وتخلف عن العصر: حول بحث الشيخ الجزولى نائب رئيس المحكمة العليا لسمنار المرأة والتنمية بالدويم: الأخوان الجمهوريين) ولقد يزداد عجب المرء والأستاذ الدكتور يصف شيخ الجزولى بالروح "السمح" التقدمى وشيخ الجزولى رئيس لجهاز يصرح أحد مرؤوسيه فيه (الشيخ صديق عبدالحى) لسائل يسأله فى الإذاعة السودانية عن "الكفارة" فيجيب، وفى بلد تتعدد فيه الأعراق و"الحساسيات" بأن (تعتق رقبة) ... هكذا!! ثم لا نسمع لحس شيخ الجزولى التقدمى ببنت شفة، ألم يكن شيخ الجزولى أولى بالنصح من د. منصور خالد الذى ذهب دكتور عبدالله ليعطيه درسا فى تلكم المسائل حين نصحه أن "يستوثق أنه قد نقى لغته من مصطلح الميزة العرقية الذي نفرت نفسه منه. فهذا مصطلح خبيء دسّاس مثل العرق، لو استلفنا من قاموس للعرق بغيض. وهو باق في مطاوي الثقافة المستعلية لا يزول" (ومنصور خالد 11 سودانيزأونلاين)
يمكن للمرء أن يتابع الكثير من ذلك، خاصة وان الرجل لا يكاد يكتب الا والأستاذ محمود حاضرا فى ذهنه، وتراه، فى كثير من الأحيان، متعسفا تعسفا لا يدانيه تعسف "كبير المكابراب" (عبدالله الطيب: من نافذة القطار) للنيل من الأستاذ وتلاميذه فلننظر له مثلا وهو يكتب عن "شيبون" ولدد الخصومة وما الى ذلك ثم يدلف فجاة ليشير للجمهوريين – فى غير ما موجب – بأنهم "عتالة نصوص" .. ويعجب المرء لرجل يقيم فى محراب الاكاديميا الغربية ثم ينعى على الناس استخدام النصوص. إن تحدث عن الدب "تيدى" لابد هو حاشر إسم الأستاذ، وإن سلق منانا بالسنة حداد فليكن اسم الأستاذ حاضرا، وإن زار دار الشيخ الجعلى بعطبرة فالأستاذ أمامه على الباب ولا بأس من التنويه بما قد يحمل أوجها من "مفارقة الشرع"، والأستاذ محشور ما بين "قدو قدو" اسماعيل عبدالمعين وظلم الغردونيين لقضاة الشرع، إن تحدث عن حسن سلامة، أو رقصة العجكو، عن الأمين داؤود او "قوالات" منصور خالد فلا يضير كثيرا أن يغشى "المرحوم" ببعض عبارات قد يظن أنها تدعه "يتقّلب فى مرقده" كما تقول دارجة الساكسون، ولكن لا ضير، فستكتب شهادتهم ويسألون.
قد يحار المرء عن أى "ع. ع" يكتب؟؟ هل عن عبدالله العائد "الى الدين بعد طول اهمال" كما تجىء عبارته، الفانى فى محراب لاهوت الحداثة "الترابى" المستسخف لموقفه من إعدام سيد قطب، أم عن "عبدالله" المتّوله فى شيخه الأستاذ عبدالخالق محجوب، عنه "عرّاب" الحداثة أم عن عبدالله "حفيظ" التقاليد الذى يريد أن يعيد الحياة للقضاء الشرعى ببيت طاعته و"عبيده" وا"لإماء" (الشريعة والحداثة) عن عبدالله الصارخ فى برارى أثيوبيا "وا أسلاماه" أم عبدالله المتغزل فى "حسان تلك الهضبة "وقد اثمرت منهن النهود والأرداف" كما "نخل السيد خضر على مصطفى بقرية عتمور بدار الرباطاب" (منبر الجالية الأمريكية) وهم ذات الأحباش الذين استل لهم الكاتب من قبل، استلالا، بيتا من "ميمية" مدثر البوشى إزراءا وتقبيحا. مهما يكن من أمر فإننا ومهما ضقنا بـ "سخائم" الرجل فلن نبلغ ان نقول له ما قاله للسيد نور الدين منان "من أين أتى هؤلاء"!!! (الصحافة) او أن نذكره بما قاله محمد التوم التجانى – نديد الأمهات الذى ينذرنا بتكسير الضلوع (الرأى العام) أو نقول له كما قال هو لأحدهم "......." بتاع فنيلتك!!!

=====

ينشر هذا المقال بصحيفة أجراس الحرية صفحة المنبر الحر – صفحة 8
السبت 23 مايو 2008

Post: #911
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-25-2008, 02:23 PM
Parent: #1


مايو (إتولد) وعاش ثم مات
تقرير: التقي محمد عثمان

يحكى ان اصدقاء الشاعر الراحل علي عمر قاسم كانوا يسخرون من مطلع قصيدته الشهيرة (مايو إتولد.. قالوا النجوم زادت عدد). عبر اخذه في آخر الليل الى منتصف حوش السمر ، مشيرين الى السماء قائلين له (حدد لنا اين الزيادة في هذه النجوم)، وسواء اجابهم الشاعر ام ابدى امتعاضه وانصرف الا انه كان صادقا تجاه الحقيقة التاريخية (مايو إتولد) فما عرف بثورة مايو انطلقت فجر الخامس والعشرين من مايو 1969م بتدبير من تنظيم الضباط الاحرار بقيادة العقيد جعفر محمد نميري لتستمر في الحكم حتى 6 ابريل 1985م.
ومرت مايو باربع مراحل في سنى عمرها الستة عشر، امتدت الاولى بين مايو 69 ويوليو 1971م، حين تسنمها الشيوعيون وغنوا لها (يا حارسنا ويا فارسنا.. كنا نفتش ليك زمن وجيتنا الليلة كايسنا)، الى ان اودعتهم السجون والمقابر فكتبوا عنها (مرة شافت في رؤاها حيطة تتمغى وتفلع في قفا الزول البناها. طيرة تأكل في جناها)، وتمضي مايو في مسيرتها الظافرة ، كما يقول قائدها، الى المرحلة الثانية بعد 19 يوليو 1971م، يتقدمها التكنوقراط والمنشقون من الحزب الشيوعي مرددين (تحسبوا لعب) لتنتهي هذه المرحلة بلقاء اللواء جعفر نميري والسيد الصادق المهدي بمدينة بورتسودان في 1977م، وتوقيع اتفاق المصالحة الوطنية ، وتستمر هذه المرحلة حتى اصدار قوانين سبتمبر 1983م، وتسنم الاسلاميون قيادة الامور في حقبة المشير الإمام التي تنتهي في ابريل 1985م، عبر انتفاضة شعبية كان شعارها « (بلاء) وانجلي»..
وعلى كل فإن مايو تقترب الان من سن الاربعين اذ تكمل اليوم 39 عاما من عمرها (ان كانت الاعمار بالمدد)، واصدر المشير جعفر نميري بيانا قال فيه (الاخوة الثوار الاحرار ابناء وبنات ثورة مايو الشرفاء احييكم واحيي عبركم جماهير الشعب السوداني الابي واهنئكم واهنيء الشعب السوداني الوفي باعياد الثورة المجيدة اعادها اليه علينا والسودان يرفل في حلل القوة والعزة والنصر)، وقطعا بان هذا الخطاب القادم من ازمنة قديمة لا يمنعنا من اقرار موت مايو وان تشبثت بالبقاء ، فقط الدكتور اسماعيل الحاج موسى يفرّق في حديثه معي امس بين الميت في مايو والحي منها فبحسبه: (مايو كتنظيم سياسي حاكم - الاتحادي الاشتركي- فهذه انتهت ولكن فكرها وتوجهاتها ونهجها في التعامل مع قضايا الوطن فهذا حي)، مضيفا (مايو تاريخ وانجازات ماثلة في الارض).
وقبل ان تدلي بتوضيحاتها حول (التجربة الايجابية الوحيدة في التجارب السياسية السودانية)، كما وصفتها، تكشف عن الموقع الذي تتحدث منه بقولها (انا لدي ولاء شديد جدا لهذه التجربة رغم خروجي عن التنظيم في عام 1999م، بسبب عودة المشير جعفر نميري في اطار التصالح مع النظام القائم»، لتمضي بعدها الاستاذة آمال عباس في تبيان تفوق مايو المتمثل في الرؤى الواضحة وميثاق العمل الوطني الذي عملت به، مشيرة إلى ان مايو «كانت نقلة في تفكير الانساني عبر التربية السياسية التي وفرتها وأظهرت للناس ما هو الحكم وما هي عضوية اللجنة الشعبية ومجلس الشعب وتحديدها في الميثاق لكيف يحكم السودان وبمن» ، مؤكدة ان لمايو رؤية «تحتاج لها اليوم وإلى يوم القيامة»، منوهة بمدرسة مايو في التربية السياسية والتنظيمية التي قادت المواطن لأن يعرف أكثر من انتمائه البدائي ويجيد الكلام السياسي المنظم.
وهنا يشير الدكتور الحاج موسى إلى اهتمام مايو بالجوانب الثقافية عبر اهتمامها بمهرجانات الثقافة التي دأبت على تنظيمها ، وإلى الجوانب الاعلامية عبر تطوير جهازي الاذاعة والتلفزيون، وجعلهما يبثان لكل ارجاء الوطن. متنقلاً لتعداد مآثرها في مشاريع التنمية من لدن كنانة والرهد مروراً بالمعالم الاساسية في الخرطوم من ناحية العمران وانتهاء بالبترول الذي كان الفضل فيه لمايو «وطورته الانقاذ».
لا ضير في أن تكون لميت مآثر، ولكن هل يقر المايويون بموت مايو، في خطابه الذي قرر فيه «تعليق الاحتفال بأعياد الثورة المجيدة هذا العام للظروف الأمنية التي تمر بها البلاد» ، يدعو المشير نميري أنصاره إلى «النزول إلى القواعد والالتصاق بالجماهير واعادة بناء التنظيم واحكام نظمه ولوائحه وتوسيع مواعين التمويل والعمل على اثراء الساحة السياسية باللقاءات والندوات والمؤتمرات» ،مما يعني أن المشير يريد أن يمضي قدماً، الأستاذة آمال عباس تتجاوز السؤال وتقول: لمايو كثير من الايجابيات التي يجب استصحابها، منادية بتحديد الايجابيات بلا عصبية.وحين اصر على سؤالي حول «العوامل التي جعلت مايو تموت» تجيبني بعد أن تضع تعديلاً طفيفاً على السؤال «ما هي العوامل التي جعلت مايو تلكأت» ثم تدلف إلى القول «أولاً القطاعات التقليدية لم تفهم مايو في اطارها الفكري الكبير وانما كجهة أخذت منها السلطة، فالاحزاب التقليدية دخلت في صراع مع مايو من هذا المنطلق، ثانياً أسلوب المعارضة المستحدث في حمل السلاح والارتماء في احضان الأجنبي ولجوئها إلى التضييق على الشعب بشراء السلع ورميها في البحر، ثالثاً ان مايو لم تلتزم بميثاقها وعلى رأس ذلك انها لم تلتزم بقيادة القطاع العام والاقتصاد، رابعاً انها لم تستطع تحويل ميثاق العمل الوطني إلى قناعات فكرية لعضويتها، خامساً الطامة الكبرى المصالحة الوطنية في 7791م لأنها لم تتم على اساس واضح واستفادت منها جبهة الميثاق ونخرت في النظام، سادساً الجريمة الكبرى وخطيئة النظام الكبرى إعدام محمود محمد طه» ، ومع ذلك لا تنسى آمال أن تجدد دعوتها بالجلوس على الارض ودراسة تجربة مايو والاستفادة من ايجابياتها الكثيرة.

http://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=48922

Post: #912
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-25-2008, 02:27 PM
Parent: #911


قراءة في اتفاق التراضي الوطني (1-3)
د. عمر القراي

الاتفاق الذي وقع قبل أيام، بين حزب الأمة القومي وحزب المؤتمر الوطني، وسمي اتفاق التراضي الوطني، جاء مخيباً لآمال كثير من المثقفين، الذين كانوا يحترمون السيد الصادق المهدي، وكثير من أعضاء حزب الأمة الحريصين على مصلحة الحزب ومصلحة الوطن.. ولقد كان السيد الصادق يطمئن أعضاء حزب الأمة، الذين اعترضوا على التقارب بين حزب الأمة والحكومة -ولم يقبلوا بدخول ابن زعيمهم الذي يقود المعارضة للنظام، في جهاز أمن ذلك النظام- بأن الاتفاق مع الحكومة لن يتم، إلا إذا غيّرت الحكومة من سياستها، والتزمت في أدائها بالاتفاقية وبالدستور.. ولما طال الأمد، ولم يبدو شيء من ذلك، ولم يطق السيد الصادق مع البعد عن (كرسي) الحكم صبراً، هرع إلى الاتفاق، دون أدنى اعتبار لرأي اتباعه ومريديه.. ولعل أعضاء حزب الأمة الصادقين، تأكدوا الآن، أن زعيمهم كان يخدعهم، واأن الاتفاق لا جديد فيه، غير التمهيد لدخول حزبهم (الديمقراطي) العريق، في جلباب هذا النظام الشمولي العتيد!!
ولقد كان من أبرز اعتراضات السيد الصادق المهدي، على اتفاقية نيفاشا، زعمها بأنها تريد أن تحل مشاكل كل الوطن، ثم إنها وقعت فقط بين طرفين، فما هو زعم اتفاق التراضي؟! ولماذا لم يصر السيد الصادق، على أن يكون الحوار بين كل الأطراف، حتى يجيء الاتفاق شاملاً، بدلاً من تكرار نفس الخطأ، الذي صرّح بأن الحركة الشعبية، قد وقعت فيه؟! والحق ان السيد الصادق كان في عجلة من أمره، لأنه إنما يسابق الأحزاب الأخرى، وخاصة الحزب الاتحادي على السلطة، التي لا يثق في أن حزبه يمكن أن يوصله إليها، دون تحالف مع حزب المؤتمر الوطني.. وفي سبيل تلك السلطة الزائلة، تجاهل السيد الصادق تاريخ حزبه في معارضة النظام، وإدانته للسيد مبارك الفاضل، حين خرج ولحق بالنظام من قبل، ثم رجع بخفي حنين، بل تجاهل ما كان يصرح به مراراً، من أنه لن يضع يده، في يد النظم الشمولية.
إن ما سمي باتفاق التراضي الوطني، هو في الحقيقة اتفاق ثنائي، بين حزبين، لا توجهه إلا مصالح أفراد فيهما، ولا علاقة له بالوطن من قريب أو بعيد.. ذلك أن ما يرزح تحته الوطن من مشاكل، إنما حدثت في الماضي، بسبب حزب الأمة، واستمرت في الحاضر، بسبب المؤتمر الوطني!! فحزب الامة، تحت قيادة السيد الصادق، في فترة حكمه الأخيرة (1986-1989م) استمر في حرب الجنوب، ورفض اتفاقية السلام، التي وقعها السيد محمد عثمان الميرغني مع الراحل قرنق. بل قام باعتقال بعض اساتذة جامعة الخرطوم، واتهمهم بالعمالة، بسبب زيارتهم للحركة الشعبية في أمبو بأثيوبيا، وتفاوضهم معها حول السلام!! والسيد الصادق هو أول من سلح القبائل العربية في دارفور، واغراها بمساندة حكومية على الاعتداء على القبائل الأخرى.. كما سلح القبائل العربية في منطقة ابيي المشتعلة الآن، مما جعل تلك القبائل تعتدي في مجازر بشعة على قبائل الدينكا، في منطقة الضعين. وحين كتب الاستاذان عشاري وبلدو كتابهما (مأساة الضعين) صودر الكتاب واعتقلا بسببه، في ظل النظام الديمقراطي الذي كان السيد الصادق على رأسه!! والمؤتمر الوطني أكمل ما بدأه حزب الأمة، وزاد عليه أن ضم هذه القبائل بعد ان زاد تسليحها، الى الدفاع الشعبي، واعطاها صبغة حكومية، مكنت لها من الاعتداء الآثم، الذي حول دارفور إلى مأساة عالمية، أدت الى تدخل القوات الدولية فيها، وهي الآن توشك ان تدخل أبيي.. أما كان اشرف للحزبين وأوقع في وجدان الشعب ان يعترفا في وثيقة الاتفاق بدوريهما في ماسأة دارفور قبل أ ن يطرحا تصورهما للحل؟!
تناقضات الاتفاق:
جاء في مقدمة الاتفاق (إدراكاً من الحزبين لأهمية الحوار بوصفه الوسيلة الفعالة في معالجة القضايا والمشكلات الوطنية.. واستلهاماً لتطلعات الشعب السوداني في التحوّل الديمقراطي والسلام العادل الشامل.. وسعياً نحو حشد الطاقات وتكامل القدرات للارتقاء بالوطن نحو آفاق الحرية والديمقراطية والشورى والسلام والعدالة والتنمية والاستقرار والكرامة والرخاء والعيش الكريم انعقدت اللجنة المشتركة بين الحزبين وعقدت ستة عشر اجتماعاً امتدت لعدة أشهر...) (السوداني 21/5/2008م). فإذا كان هذا الحوار، يستهدف التراضي الوطني، وهو قد تم بغرض حل مشاكل الإنسان السوداني، وتوفير العدالة والتنمية والكرامة له، فلماذا لم يطلع الشعب على هذا الحوار؟! لماذا لم يكن الحوار علنياً، ومنقولاً عبر وسائل الإعلام، من أجل المصداقية والشفافية، ليرى الشعب هل حقاً تحاور الحزبان حول همومه ومشاكله، أم تحاورا حول مصالحهما الذاتية الضيقة؟! وهل كان الحوار حقاً (تراضيا) (وطنيا) أم كان (تراضيا) (شخصيا) باع فيه السيد الصادق حزبه، وتاريخة السياسي، وقبض الثمن؟! وما معنى (الارتقاء بالوطن نحو آفاق الحرية والديمقراطية والشورى)؟! فإذا كانت الديمقراطية هي الشورى في فهم الحزبين، فماذا لم يكتفيا بكلمة بواحدة دون حاجة للتكرار؟! وإذا كانت الشورى ليست هي الديمقراطية فعلى أيهما اتفقا؟! أم كتبت كلمة (الديمقراطية) ارضاءً لحزب الأمة، وكتبت كلمة (الشورى) ارضاء للمؤتمر الوطني، وكلاهما لا يقصدان في الحقيقة أياً منهما؟!
جاء تحت موضوع الثوابت الدينية:
1-2): حرية العقيدة والضمير.
1-3) التزام قطعيات الشريعة.
1-4) التسامح في الإختلافات الإجتهادية.
1-5) التعايش السلمي بين الأديان) (المصدر السابق).
إن هذه الفقرات جميعها متناقضة، ولا يمكن أن تقوم في أي مجتمع في وقت واحد. وذلك لأن قطعيات الشريعة، لا يمكن أن توافق على حرية العقيدة. ولو كانت الشريعة الإسلامية توافق على أن يعتقد كل شخص ما يشاء، لما قام الجهاد، وأحكم السيف في رقاب المشركين حتى يسلموا، وفي رقاب أهل الكتاب حتى يعطوا الجزيّة عن يد وهم صاغرون. قال تعالى في حق المشركين (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم). وقال في حق أهل الكتاب من المسيحيين واليهود (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزيّة عن يد وهم صاغرون). وقال في حق الكفار عموماً (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب). وقال النبي صلى الله عليه وسلم (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإن فعلوا عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وأمرهم إلى الله). هذه هي نصوص الشريعة القطعية في التعامل مع غير المسلمين، فماذا سيفعل السيد الصادق والمشير عمر البشير بها؟! هل يتفقان على تطبيقها ومحاربة المسيحيين والوثنيين من المواطنين السودانيين؟! أم انهما لن يستطيعا ذلك، وإنما أتوا بها هنا من باب المزايدة السياسية، ودعوى الاتفاق على الثوابت؟! أليس في مجرد القول بالالتزام بهذه القطعيات، مخالفة ظاهرة لحرية العقيدة والضمير، التي نص عليها هذا الاتفاق؟! أليس فيها استفزاز مقصود لغير المسلمين، واشعار لهم بأنهم مواطنون منبوذون، سيشن عليها تحالف حزب الأمة والمؤتمر الوطني الحرب الدينية، متى ما استطاعا ذلك عملياً؟! وهل يمكن أن يكون كل هذا من ضمن التراضي الوطني، الذي ينبغي ان يشمل كل السودانين مسلمين وغير مسلمين؟!
والتعايش السلمي بين الاديان لا يتم بتراضٍ زائف، وانما سبيل تحقيقه، هو الاحتكام لإحدى مرجعيتين لا ثالث لهما: أولهما اصول القرآن، التي وفرت حرية العقيدة، لكل انسان، في قوله تعالى (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). وهذا المستوى من الاسماح منسوخ بالشريعة، التي أحكمت آيات القتال التي أشرنا إليها أعلاه، ولا يمكن تطبيق الاسماح وهو أصل ديننا إلا بتطوير الشريعة.. ومن أجل تطوير الشريعة، لا بد من بعث الآيات المنسوخة، واحكامها، لتقوم الدعوة بالتي هي أحسن، بدلاً عن الجهاد، ويقوم الاسماح بدلاً عن الإكراه، وهذا ما دعا له الأستاذ محمود محمد طه دون سائر علماء المسلمين.. وثانيهما المرجعية العالمية لمواثيق حقوق الإنسان، التي نصت في كافة تلك المواثيق على حق كل إنسان في أن يعتقد ما يشاء.
ومن قطعيات الشريعة، عقوبات الحدود في قطع يد السارق، ورجم الزاني المحصن، فهل سيطبقها تحالف الحزبين؟! أم انهما يعلمان انها لا يمكن ان تقوم، الا على خلفية من العدل الاقتصادي والاجتماعي، ليس محققاًً اليوم؟! ومنها أيضاً قتل المسلم، اذا غير دينه، فقد ورد في الحديث (من بدل دينه فأقتلوه)، وعلى هذا الفهم، ما زالت الردّة موجودة في قانون العقوبات السوداني، ولقد اكد على بقائها هذا الاتفاق العجيب، حين نص على ايجاد قانون يحكم على اجتهادات المفكرين، وذلك حيث جاء (يكون القانون حكماً في الاختلافات الاجتهادية)!! هذا مع انه كان قد نص على (التسامح في الاختلافات الاجتهادية)!! (المصدر السابق). فما معنى دخول القانون، ليجرم اجتهاد شخص، ما دام هنالك تسامح في اختلاف الاجتهادات؟! وحتى نتصور مبلغ السوء في هذا الاتجاه، الذي التقى عليه هذان الحزبان، يمكن ان نفترض ان د. الترابي، قد أذاع اجتهادات عديدة، مثل قوله بجواز زواج المسلمة من مسيحي، أو امامة المرأة للرجال، أو تصريحه بأن الحور العين هن طالبات الجامعة الإسلامية، أو غيرها مما نسب إليه من اجتهادات مؤخراً.. فإذا لم يوافق تلاميذه القدامى في المؤتمر الوطني، على هذه الاجتهادات، فإنهم بدلاً من حواره حولها، واثبات باطلها للناس، يلجأون الى ذلك القانون، الذي يكون حكماً على الاختلافات الاجتهادية، ليحكم لهم على اجتهاد شيخهم بالبطلان، ثم ما يترتب على ذلك من عقوبة على المجتهد، ربما كانت مادة الردّة نفسها؟! أرأيت كيف تأخذ هذه الاتفاقية العجيبة بالشمال، ما منحت باليمين؟!
تجربة المجرّب
في المثل السوداني يقولون: «من جرّب المجرّب حاطت به الندامة».. وقد جاء في نص اتفاق التراضي الوطني (4-6 احترام العهود والمواثيق) (المصدر السابق). ولقد وقع المؤتمر الوطني مع الحركة الشعبية، اتفاقية السلام لعام 2005م، ووقع على الدستور الانتقالي.. وقد حوت هاتان الوثيقتان، كافة الحقوق الأساسية، التي يمكن أن تحقق العدل والمساواة والتحول الديمقراطي، فهل إلتزم المؤتمر الوطني، داخل حكومة الوحدة الوطنية، بتنفيذ هذه الاتفاقيات؟! فإذا كانت الاجابة بنعم، وان المؤتمر الوطني قد نفذ كل الاتفاقيات، وتحقق السلام والحريات، والتحول الديمقراطي، فما الداعي الى اتفاقية التراضي الوطني هذه؟! وإذا كان المؤتمر الوطني، لم يلتزم بتنفيذ الاتفاقية، رغم أنه قد أشهد عليها المجتمع الاقليمي والدولي، ورغم ان عدم تنفيذها، قد يؤدي الى اشعال الحرب مرة أخرى، مما قد يدفع بالتدخل الدولي الشامل، فما الذي يجعله يلتزم باتفاقه مع حزب الأمة، الذي حوى نفس الاشياء التي وقع عليها من قبل، ولم ينفذها؟! هل يظن السيد الصادق ان المؤتمر الوطني سينفذ الاتفاق لأن هنالك نصاً فيه يقول: «احترام العهود والمواثيق»؟! إن ما يسعى إليه المؤتمر الوطني، هو أن يورّط السيد الصادق، ثم يلفظه اذا اختلف معه، أو يبقيه تابعاً ذليلاً اذا لم يجرؤ على الاختلاف معه.. وكان يمكن لتجربة السيد مبارك الفاضل، ان تكون عظة للسيد الصادق، فتبعده عن هذه الصفقة الخاسرة، لولا ان الطمع يعمي ويصم!!
لقد أقنع السيد الصادق اتباعه، بأنه لم يدخل مع المؤتمر الوطني في هذا الاتفاق، إلا لأن المؤتمر الوطني وعد بالإلتزام باتفاقية السلام، وبالتحول الديمقراطي، وهذا خلاف الحق.. فلقد سبق للسيد الصادق، ان عقد اتفاقاً مع حكومة الانقاذ الوطني، حتى قبل أن توقع اتفاقية السلام، وحين كانت تصعد عملياتها العسكرية في الجنوب، تحت شعارات الجهاد.. وفي ذلك الوقت صرّح بأنه سار الى اتفاق جيبوتي، وهو يظن انه سيصيد (أرنباً)!! فإذا به يصطاد (فيلاً)!! ولكن سرعان ما اكتشف انه رجع خال الوفاض، وان جماعة الانقاذ قد خدعوه، فقال «لقد عقدنا مع الانقاذ (نداء الوطن) عام 1999.. وحقاً وصدقاً صفينا وجودنا الخارجي، ووضعنا السلاح، ونبذنا العنف، ودخلنا مع النظام في تفاوض جاد لتحقيق المطالب الوطنية المشروعة. لم يبادلنا النظام حقاً بحق، ولا صدقاً بصدق، بل عاملنا بالمناورة، والمراوغة...) (بيان السيد الصادق للشعب السوداني: سودانايل 7/6/2004م) حتى اضطر السيد الصادق في ذلك الوقت، لوصف حلفاء اليوم بقوله: «المؤتمر الوطني وحكومته ظلا أسيرين لشعارات فارغة ربطت الإسلام بالدكتاتورية والقهر والنهب» (المصدر السابق). فلماذا صدقهم الآن بعد تلك التجربة المريرة؟! هل تريدون الحق؟ أن السيد الصادق المهدي لا يهمه ان يطبق هذا الاتفاق أو لا يطبق، ولا يهمه ما ورد فيه بشأن السودان، وانما يهمه هو ان يقبض الثمن، تحت مسمى تعويضات آل المهدي!! ألم يرد في هذا الاتفاق تحت بند تهيئة المناخ (3- تنفيذ توصيات هيئة الحسبة والمظالم)؟! وما هي توصيات تلك الهيئة، التي يهتم بها السيد الصادق حتى يجعلها بنداً من بنود التراضي، ألم تكن تعويضات آل المهدي؟! وليت هذه التعويضات التي باع من أجلها السيد الصادق مبادئ الحزب، حين يقبضها يوزعها على أهلنا البسطاء من جماهير الأنصار في الجزيرة أبا فإن حالتهم لا تسر صديقاً ولا عدوا!!


http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=48917

Post: #913
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-25-2008, 02:40 PM
Parent: #1


إلا قليلا
طبقة رسوبية !
كمال حنفي

نهايات أنظمة الحكم مثل نهايات الانسان لا يدرى نظام ماذا يكسب غدا و لا يدرى نظام بأىّ أرض يموت ... يشهد على ذلك نظام الحكم الذى أتى فى مثل هذا التاريخ و اليوم : الأحد 25 مايو ! نظام مايو طوال فترة خدمته و بقائه و تقلباته و تقاطعاته الاقليمية و الدولية واجه عددا من السيناريوهات التى تصلح نهايات سياسية ... لكن كانت تلك السيناريوهات تبدأ بمشهد مايو المردوعة ثمّ تنتهى بمشهد مايو الرادعة ! النظام بدأ اشتراكيا فحشد كل من ينطق بالاشتراكية لمحاربة غير الناطقين بها من القوى الرجعية و التى حصرها بالإسم (الأمّة و الاتحادى الديمقراطى و الاخوان المسلمين) و بنى حسابات مواجهاته على هذا الحصر ! كانت أول المواجهات الدموية مع تلك القوى فى جزيرة أبا و حى ود نوباوى الذى شهدت امدرمان أيضا فيه معركة ضارية بمقاييس ضراوة تلك الأيام ! و الثانية كانت مواجهات الانقسام بين الثورييّن الاشتراكين أنفسهم و التى خرج فيها الرئيس نميرى من معتقله مستحقّا جائزة الرؤساء فى القفز العالى بعدما قفز سور القصر ! شهد النظام بعدها انتفاضة شعبان الطلابية المسنودة بالجبهة الوطنية (القوى الرجعية) ... ثمّ حركة حسن حسين التى استلم فيها العاصمة صباح ذات جمعة و سلّمها فى ضحاها ... و بعدها بأقل من عام عمل مسلّح من محمد نور سعد و من ورائه الجبهة الوطنية تتنكّر فى ثياب مرتزقة و التى سيطرت على شوارع العاصمة و لم تسيطر على ميكروفون الاذاعة ! استطاع النظام تصفية من غير العسكريين الهادى المهدى و عبد الخالق محجوب و الشفيع أحمد الشيخ و محمد صالح عمر و جوزيف قرنق و عباس برشم وعبد الاله خوجلى و عبد الله ميرغنى ... و محمود محمد طه ! استدار النظام مثلما يستدير الزمان فأصبح اصدقاؤه هم الاخوان المسلمون و اعداؤه الشيوعيون ! لم تأت نهاية مايو الا حين عجز النظام الذى اعتاد على الردع من اخراج مسيرة الردع !

http://www.rayaam.info/Raay_view.aspx?pid=0&id=12379

Post: #914
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-26-2008, 05:18 PM
Parent: #1


الرحيل المفاجئ لـ د.جون قرنق، أين كنت وقتها، كيف كان تأثير الخبر عليك؟
< حقاً كان الحدث زلزالاً، كنت في بريتوريا، وكان هنالك فريق من أبناء وبنات الحركة يتلقون تدريباً دبلوماسياً في بريتوريا تحت إشراف حكومة جنوب إفريقيا بمساندة بعض جامعاتها تمهيداً لانتمائهم لوزارة الخارجية، وكنت هناك لإلقاء محاضرة أدرجت في البرنامج، وجاءني الخبر، لم أصدق، ثم تأكدت منه. كان حدثاً مؤسفاً محزناً، وحتى الآن لا أريد أن أصدق أن رجلاً بحجم الدنيا قد رحل عن الدنيا.
> لم ترثه برغم هذا الحزن الكبير فدموعك عبر القلم أبلغ، عندما توفي محمود محمد طه ذهبت تبكيه بالورق فلماذا كان جون قرنق استثناءً؟
< جون قرنق يحتاج إلى أكثر من مقال، وأنا أعد كتاباً، صحيح أنه كتاب يتناول اتفاقية السلام ولكنه في الحقيقة يتناول دور جون قرنق في اتفاقية السلام.

http://www.almshaheer.com/modules.php?name=Stories_Arch...ve&sa=show_all&min=0

Post: #915
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-26-2008, 05:21 PM
Parent: #914


عترت اليوم على ما أظنه ترجمة تركية لكتاب الرسالة الثانية معروضة للبيع في أحد المواقع:

http://www.tulumba.com/storeitem.asp?ic=zBK336244IH098

Post: #916
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-26-2008, 05:41 PM
Parent: #1


Re: هيئة علماء السودان (التقييم: 1)
بواسطة بازوكا في الأربعاء 14 مايو 2008

من الذى اختاركم علماء للسودان ... كما قال الشهيد الاستاذ محمود محمد طه ... والله فعلا علماء للسلطان ..وحساب الاخرة حساب عسير ....والعزة للسودان

بازوكا...


http://www.almshaheer.com/modules.php?name=News&file=co...&mode=&order=&thold=

Post: #917
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-26-2008, 05:43 PM
Parent: #1


ضرب بالرصاص في الخرطوم واعلان حظر التجوال (التقييم: 0)
بواسطة Anonymous في السبت 10 مايو 2008
اين الحكومة هى عبارة عن عصابة تحمى نفسها فقط وهذه الفتنة الجديدة زرعها هذا النظام الجائر الخبيث وهذا ما زرعه وعليه تحمل تبعاته والشعب السودانى برى مما يحدث وحركة العدل والمساواة هى جزء اصيل من هذا النظام والكتور خليل كان هو المسئول الاول عن تجييش الشباب للجهاد فى الجنوب ولخلاف بين اعضلء هذه العصابة على السلطة والمال الذى سرقوه اختلفوا هناتحضرنى كامة الشيخ المرحوم محمود محمد طه عندما حكموا عليه بالاعدام قال لهم حكمتم السودان جزئيا الان وستحكموه كاملا وستدمروه كاملا وهذا هو الطوفان ونفس ما قاله الشيخ يحدث الان الشعب السودانى لم ينتخب هذه العصابة لكى تحكمه وهذا فخار يكسر بعضو عاى الشعب رص الصفوف لدحر هذه العصابات التى تسعى لتمزيق نسيجه الاجتماعى والشعب برىء من هذه الخلافات وهذه الحكومة لاتمثل اهل السودان ابدا وعليها ان تذهب غير ما سوف عليها والتحية للشعب السودانى الفضل

http://www.almshaheer.com/modules.php?name=News&file=co...&mode=&order=&thold=

Post: #918
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-31-2008, 09:22 PM
Parent: #1


شاهد على العصر يحكي ذكرياته في أيام حكم النظام المايوي
خلف الله الرشيد رئيس القضاء الأسبق: محاكم العدالة الناجزة عجلت بزوال شمس حكم النميري
الإسلاميون بايعوا النميري كأمير للمؤمنين وقتل محمود محمد طه خطأ وظلم
الشيوعيون دمروا الاقتصاد السوداني بتأميم البنوك والشركات لكن النميري انتهى من حزبهم



جلس اليه ـ عبدالوهاب موسى:
مولانا خلف الله الرشيد ولد في 1930م درس ما قبل الجامعة بمدني والثانوي بحنتوب ثم القانون بجامعة الخرطوم، عمل مساعد قضائي في الابيض وسنجة والقضارف ثم قاضي درجة اولى بشندي ثم صار كبير مستشاري وزارة العدل، وتلقى الدراسات فوق الجامعية بلندن وكامبردج وهو اول سوداني يتقلد موقع المحامي العام في اعوام 1967م حتى 1969م، ثم عين في عهد حكومة مايو رئيساً للمحكمة العليا والقضاء.
تحدث إلينا في هذه المساحة كشاهد على العصر في عهد حكومة مايو التي يرأسها آنذاك المشير جعفر نميري.. فتحدث بدون (فلترة) وقال العجب العجاب وحكى بدون تردد فماذا قال؟!



* حكومة نميري تقلبت في اتجاهاتها الفكرية والسياسية فتارة كانت مايو الشيوعية وفي اخرى كانت اسلامية وغير ذلك.. لكن بين هذه المراحل المتعددة لمايو كانت هناك محطات؟
مشكلة مايو الاساسية أن مجلس الثورة ليس له تفكير سياسي معين فهم ـ أي الاعضاء ـ كانوا يقولون إن الحكومات السابقة كانت فاسدة وإنهم يبحثون عن حكومة غير فاسدة ولكنهم في نفس الوقت غير منسجمين وظلوا هكذا حتى حل نميري مجلس الثورة وأصبح هو رئيس الجمهورية.
* لكن الشيوعيين كانوا محطة أساسية في بداية مايو؟
نميري في الفترة الأولى سيطر عليه الشيوعيون لحين قيام حركة هاشم العطا، وبعدها قتل نميري الشيوعيين وانتهى من الحزب الشيوعي، وكنت وقتها رئيساً للقضاء والمحكمة العليا.
* كأنك تقول إن الشيوعيين لا تأثير لهم في حكومة نميري؟
يا ابني في الفترة الأولى الشيوعيون سيطروا على الحكومة وعملوا أشياء لكنها أثرت سلباً على الاقتصاد السوداني وضمنها تأميم البنوك والشركات.
* ماذا عن قوانين الشريعة في عهد نميري؟
قوانين الشريعة عورضت بشدة من الكثيرين لأنه لازمها تقييد للحريات وآخرون عارضوا القانون الجنائي آنذاك.. فالاخوان المسلمون استغلوا نميري وحققوا أهدافهم على حسابه.
* قطعاً نميري له إيجابياته.. أليس كذلك؟
نميري كان مهتماً بالسيادة الوطنية ولم يربطنا بتحالفات أجنبية وحتى الآن نميري له نزعة وطنية واذكر آنذاك أن القذافي ما كان ـ مبسوطاً ـ من نميري وحسين هبري حاكم تشاد وحاربهما، فالنميري كان يحترم القضاء رغم أن مجلس القضاء العادل كان يرأسه رئيس الجمهورية وينوب عنه رئيس القضاء وهو المشرف على النظام القضائي.
* لكن هناك بقع سوداء في حكم النميري والنظام المايوي من بينها محاكم العدالة الناجزة؟
محاكم العدالة الناجزة ما كانت صورة مشرفة وهي من المسائل السلبية التي أودت بحياة مايو.
* بحكم قربك من نميري هل كان ناصرياً يا مولانا؟
نميري كانت له ميول ناصرية لكن أغلبها كان شعارات غير عملية.
* انجازات لمايو ونميري؟
النميري كان مهتماً بتسليح الجيش وكان يمنحه الكثير من العناية ونصح بأن يُنتبه للبنى التحتية، ولكن كانت أولوياته بناء البرلمان وقاعة الصداقة وفندق قصر الصداقة كأشياء يخلد بها اسمه، ولم ينتبه للسكة الحديد إلا في أواخر أيامه واهتم بالسكة الحديد، رغم أنه في البداية شرّد العمال.. في مايو السلع كانت غير ـ مطلوقة ـ والمعيشة كانت «كويسة».
* ماذا عن بيعة نميري كأمير للمؤمنين؟
الإسلاميون ساقوا نميري وبايعوه هناك أميراً للمؤمنين لأنه كان يدين للمتصوفة وزار أبوحراز وأم ضواً بان وكانوا دايرين يعملوا ليه نائب كأمير للمؤمنين عشان يسيطروا عليه.
* في رأيك من الذي قتل محمود محمد طه.. وهل كان قتله حق؟
أنا قلت وقتها إن قتل محمود محمد طه خطأ رغم أنني كنت لا اتفق معه سياسياً، والقتل خطأ لأنه لم تُوجه له أية تهمة.. لأن قانون 1983 ما فيه حد الردة فيه خمسة حدود ولم يتم الاتفاق على حدي البغي والردة أي ما في قانون يحرّم الردة.. فكانت التهمة الموجهة هي إثارة الكراهية ضد الحكومة ومحكمة الاستئناف قبلت القضية وقالت يحاكم بالردة، فقلت لهم أية محاكمة بدون سماع للمتهم فهي باطلة (لأن الله تعالى قال لإبليس مالك لا تسجد)، وقلت لهم سماع أقوال المتهم حق إلهي.. وقلت لهم المحاكمة باطلة، لكن المحكمة الدستورية ألغت الحكم واعتبرته ظلماً، ولكن كل الظلم ارتكبه الإسلاميون لأن المحكمة التشريعية التي قضت بتكفير محمود محمد طه ليست لها صلاحية أن تصدر الحكم والفتوى.
* البعض كان يقول إن النميري ظالم ويبطش بأعدائه؟
النميري كان حاسماً وكان يتخذ القرار ويتابعه.. كان لا يحب الاستفزاز وأن يتفلسف عليه الآخرون.. وكان يسمع كلام من يصلحه لكنه لا يريد التحدي.
* هل كانت لكم تجارب في نقل الخبرات والتواصل مع الآخر على مستوى القضاء؟
أرسلنا وفد صداقة مع مصر ولكن لم نأت بخبراء منهم فقط جئنا بخبراء لصياغة القوانين ولم نرسل أناساً يتدربون ولم يأتنا مدربون.
* دستور ناجح في عهد مايو؟
دستور 1973 هو أفضل دستور في نظام مايو لأنه اخضع الدولة لحكم القانون، ولكن الخطأ الذي وقع فيه نميري هو عدم إشراك كل المعارضة في المصالحة التاريخية 1977م.
* ما هي العبرة من تاريخ مايو الطويل الذي حكم البلاد؟
مشكلتنا الأساسية نحن السودانيين إذا درسنا تاريخنا السياسي نجده معتمداً على الشعارات فقط، فالأحزاب كانت تناضل من أجل طرد المستعمر ولكن لم يكن لها برنامج كما أن الأحزاب أيضاً لم تأخذ الفرصة الكافية وحتى الديمقراطية غير مفهومة بالصورة الحقيقية، فالشورى أعم من الديمقراطية، كذلك على الجميع أن يعترفوا بعاداتهم المحلية، فنحن لا نريد آراء فلسفية بقدر ما أن المطلوب دراسة المجتمع ومعرفة أحواله، ويجب ألا نتقيد بالنظريات وأيضاً أرجو الرجوع إلى الله فهو أهم شئ والواجب أيضاً محاربة الفساد بالتربية.
* هل كنت مؤمناً بالانخراط في نظام مايو؟
نعم، أنا اشتركت في نظام مايو وكنت عضواً بالاتحاد الاشتراكي وعضواً بالمكتب السياسي.



**

http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=10056&bk=1
_________________

Post: #919
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 05-31-2008, 09:23 PM
Parent: #918


امرأة من زمن النميري..
بدرية سليمان تدقق في دفاتر مايو
لــم انتمِ إلى مايـــو لأننــي أكـره الاشتراكيــــــة
حرمت من العمل بوزارة الخارجية لأنني كنت اتحادية..
الترابي لم يضع حرفاً واحداً في تشريعات سبتمبر ولا علاقة له بها من قريب أو بعيد..
مايو كانت دولة مؤسسات ونميري رجل دولة حقيقي..



بدرية سليمان.. اسم تردد في اكثر من مكان وزمان داخل مؤسسات الدولة في السودان خلال الثلاثين عاماً الماضية.. الا أن ارتباط صاحبة هذا الاسم بنظام الرئيس الاسبق جعفر محمد نميري جعلها لدى الكثيرين موصوفة بالمايوية. وهو الشئ الذي نفته نفياً قاطعاً اثناء الحوار الذي اجرته معها «الوطن» في اطار توثيقها لهذه الفترة.. وظلت تؤكد طوال زمن الحوار و«بشدة» على أن علاقتها بمايو لم تكن اكثر من ارتباط وظيفي مهني «بحت» وأن دورها لم يتجاوز حدود مواصفاتها القانونية التي اهلتها لشغل العديد من الوظائف العليا، ومن بينها عملها كمستشار قانوني برئاسة الجمهورية.. والحوار بطبيعة الحال تطرق إلى جوانب أخرى للاستاذة بدرية سليمان تبتعد كثيراً من دائرة وجودها داخل أضابير مايو وما صاحب تلك الفترة من قرارات وتفاعلات و«انفعالات» مازالت تداعياتها تتردد حتى اليوم في السودان، ومن بينها يكفي فقط أن نذكر ما اتفق الناس على تسميته بقوانين سبتمبر وتصر الاستاذة بدرية على اطلاق صفة «التشريعات الاسلامية» عليها وما بين هذا ذاك كان الحديث التالي:



* حوار: هويدا الشوية *
* أنت من بين عدد من النساء اللائي كان لهن حضوراً متميزاً داخل مؤسسات مايو.. ما هي حدود علاقتك مع هذا النظام طيلة تلك السنوات؟
ليست لدي اية علاقة بمايو..
* الجميع يعرف أنك كنت واحداً من أعمدة مايو.. فلماذا تنكرين الآن؟
(؟؟؟).. دعيني اقول لك واكرر أنني لم تربطني بمايو أية علاقة سياسية.
* إذن ما هو نوع العلاقة التي سمحت بوجودك داخل القصر الجمهوري في تلك الفترة؟
مثل غيري عقب تخرجي في جامعة القاهرة فرع الخرطوم بكلية القانون، حاولت في البداية الالتحاق بوزارة الخارجية الا أنني فشلت في تحقيق هذه الرغبة.
* لماذا؟
لأنني كنت أقود تنظيم رابطة الطلبة الاتحاديين داخل الجامعة وكان هذا كافياً لابعادي من أية وظيفة بالخارجية.
* ثم ماذا؟
بعدها التحقت بالعمل بوزارة العدل كمستشار وكنت ثاني امرأة تعمل في هذه الوظيفة بالسودان وتدرجت حتى وصلت إلى رئاسة الجمهورية كرئيس لإدارة التشريع والشؤون القانونية في العام 1982م.
* هل يعني هذا أنه لم تكن لديك أية ميول سياسية في تلك الفترة؟
أنا كرست كل جهدي في العمل المهني القانوني بحكم تخصصي وخبرتي في هذا المجال.. وعملي في رئاسة الجمهورية لم يكن في أي يوم من الأيام له علاقة بالجوانب السياسية.
* لماذا تجهدين نفسك لرد تهمة العمل مع نظام مايو؟
بالعكس، العمل الذي قمت به ليس فيه ما يشين، بل أنني اعتز به جداً.. من الذي لم يعمل مع مايو؟ كل الشعب السوداني فعل وأنا واحدة من هذا الشعب.
* ما الذي منعك إذن من المشاركة في نظام نميري ومؤسساته السياسية وعلى رأسها الاتحاد الاشتراكي؟
كنت ومازلت اكره كلمة (الاشتراكية) ومعلوم أن مايو أتى بها الشيوعيون، لذلك لم افكر يوماً ما أن يكون لي أي دور سياسي في حكومة نميري.
* وإن كنت تنفين أية علاقة سياسية لك بمايو، إلا أنك أحد (عرابي) قوانين سبتمبر.. ماذا تقولين في ذلك؟
أولاً أنا لا أسميها قوانين سبتمبر، بل التشريعات الاسلامية هو الاسم الحقيقي لهذه القوانين لأنها مستمدة من القرآن والسنة.
* ولكنها صدرت في سبتمبر 1983م لذلك تعرف الناس عليها بذلك الاسم؟
هذا ليس صحيحاً فهذه التشريعات لم تصدر في سبتمبر، فهي مجموعة قوانين بلغت 15 قانوناً من بينها: قانون المعاملات المدنية وقانون أصول الأحكام القضائية وقانون الاجراءات المدنية وقانوني العقوبات والاجراءات الجنائية اضافة إلى القوانين الخاصة بالنائب العام والقوات المسلحة والشرطة والزكاة والضرائب وغيرها.. ومع ذلك لا يعرف منها إلا قانون العقوبات الجنائية!
* ما هي مساهمتك بالتحديد في هذه القوانين؟
كنت عضو اللجنة الفنية التي قامت بإعداد هذه القوانين وصياغتها قبل أن تقدم للمصادقة عليها.
* ومن هم الأعضاء الآخرين؟
النيل ابوقرون ومولانا عوض الجيد محمد أحمد..
* وأين كان د. الترابي من هذه القوانين وكان يشغل وقتها منصب مستشار الرئيس نميري للشؤون القانونية؟
للحقيقة والتاريخ أن د. الترابي لم يكن له أيه علاقة بهذه القوانين من قريب أو بعيد وأنا اقول هذا الحديث ود. الترابي وكل الذين كانوا بالقصر موجودون.. تستدرك.. واذكر أن المرة الوحيدة التي حاول فيها د. الترابي التدخل أن عدداً من الجهات الحكومية تقدمت بمذكرة لاستثناء السفارات والأسواق الحرة من منع استيراد الخمور واستخدامها من قبل هذه الجهات. وبحكم منصبه كمستشار قال لنا ارفعوا مذكرة للرئيس.
* وماذا قال الرئيس؟
رفض بشدة أية استثناءات وقال إن الذي يريد أن يعمل في السودان عليه القبول بهذه القوانين والالتزام بها.
* الكثيرون أعابوا على قوانين سبتمبر سوء التطبيق الذي صاحب الكثير من القضايا التي خضعت لأحكامها خاصة تلك المتعلقة بالجرائم الحدية.. كيف ترين ذلك؟
إذا تحدثت عن دوري فإنه لم يتجاوز مرحلة الإعداد والصياغة القانونية.. والحديث عن التجاوزات التي حدثت في تطبيق قانون العقوبات مبالغ فيه.
* يقال إن عدد الأيدي التي تم قطعها بموجب تلك الأحكام تجاوز مجموع حالات القطع التي شهدتها الدولة الاسلامية منذ دولة الرسول «صلى الله عليه وسلم»؟
هذا حديث لا أساس له من الصحة ومبالغ فيه وقصد منه التشويش على هذه القوانين ومحاربتها..
* الواقع وربما السجلات تقول بذلك فلم تنكرين؟
* دعيني اقول لك إن للقاضي سلطات تقديرية يمكنه استخدامها حسب الظروف الموضوعية لكل قضية ولا استطيع أن اصدر رأياً حول أي حكم صدر بموجب التشريعات الاسلامية.
* ومقتل محمود محمد طه هل كان أيضاً بناءً على هذه السلطة التقديرية؟
محمود محمد طه استوفت قضيته كل الشروط اللازمة للحكم الذي صدر بحقه.. والرئيس نميري رفض كل محاولات إيقاف تنفيذ الحكم التي قام بها عدد كبير من القيادات السودانية حينها ومع ذلك فقد استشار في تنفيذ هذ الحكم عدداً كبيراً من علماء الدول الاسلامية وعلى رأسهم الشيخ يوسف القرضاوي وعدد من علماء مكة والأزهر الشريف.* كانت محاكمة سياسية؟
بل كانت حكماً بالردة تمت استتابته وقع فيه ثلاثة أيام مثلما قالت الشريعة والعلماء إلا أن محمود لم يرجع ونفذ فيه الحكم.
* هل أنت نادمة على مشاركتك في هذه القوانين؟
بالعكس أنا اعتز بهذه المشاركة واعتبرها شرفاً لي.
* بعيداً عن قوانين سبتمبر وبعد كل هذه الفترة كيف تصفين جعفر محمد نميري؟
نميري كان رجل دولة حقيقياً ويعتمد على المؤسسية في ادارة الحكم.
* هل تعتقدين أن لمايو انجازات تحسب لمصلحتها؟
نعم.. والدليل على ذلك الاستقرار الأمني والاقتصادي الذي صاحبها طيلة 16 عاماً من عمرها، وما ميز مايو عن غيرها من الحكومات في السودان، الديمقراطية منها والعسكرية أن جعفر نميري كان يعتمد على التكنوقراط في تكوين حكوماته المتعاقبة.

http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=10056&bk=1
___

Post: #969
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 07-01-2008, 00:20 AM
Parent: #919



الديمقراطية والشريعة و(كعب أخيل) في اتفاق مشاكوس! ـ

عرمان محمد احمد
[email protected]

تروي القصة السودانية الشهيرة ان (البصيرة ام حمد) قالوا لها ان العجل ادخل رأسه في القلة ولم نستطع إخراجه، فنصحتهم بقطع الرأس..! ولما عادوا وقالوا لها ان رأس العجل مازال في القلة بعد قطعه قالت لهم أكسروا القلة..! ويبدو ان حكومة (الإنقاذ الوطني) تسير في مشاكوس علي نهج (البصيرة ام حمد) لمعالجة قضية جنوب السودان ..!! ـ

لقد انتهت الجولة الثانية، من مفاوضات مشاكوس، دون إبرام اتفاق تكون له صفة إلزام قانونية تضمن تنفيذه علي ارض الواقع، فيما يتصل بقضية اقتسام الثروة والسلطة، التي جري بحثها في هذه الجولة. ومع ذلك فالشيء الإيجابي الوحيد الذي خرجت به مشاكوس(2) هو الإتفاق علي وقف العدائيات، و تمديد إتفاق وقف اطلاق النار، الذي ابرم قبل انعقاد المفاوضات، ويرجي من الطرفين الالتزام به وعدم نقضه كما حدث في السابق..!! وقد اقتضى (إنقاذ) مفاوضات مشاكوس (2) التي شارفت علي الانهيار التوقيع على (مذكرة تفاهم) بين حكومة الخرطوم وحركة قرنق، تحت ضغوط وسطاء(الإيقاد) الأفارقة ورعاتها من الأمريكيين والأوربيين.. وقد حوت (ورقة التفاهم) الجديدة، الكثير من العموميات، مثل الحديث عن «الاعتراف بالسيادة الوطنية للسودان» مع ان السودان قد تم الاعتراف به كدولة مستقلة ذات سيادة منذ ان نال استقلاله عام 1956.. كما نصت ورقة التفاهم علي«تقاسم السلطة، وعناصر هياكل الحكم» إضافة لاكثر من خمسة عشر بندا تتحدث عن«الحفاظ علي حقوق الإنسان والحريات الأساسية في الفترة الانتقالية كحق الحياة.. والحريات الشخصية.. ومنع الرق.. ومنع التعذيب.. والحق في قضاء عادل» الي اخر النصوص المنقولة من المواثيق الدولية دون تحديد الآليات اللازمة لتنفيذها..! كما نصت ورقة التفاهم علي «اعادة صياغة الدستور بواسطة لجنة تضم كل القوى السياسية المسجلة وغيرها» وعلي « اجراء انتخابات عامة نزيهة ومراقبة» ولكن بدون تحديد موعد وجدول زمني لتلك الانتخابات، التي قيل انها ستجري خلال (الفترة الانتقالية) وهي ايضاً فترة مجهولة الموعد!! ـ

وتكوين لجنة غير مستقلة عن الحكومة لإعادة صياغة دستور التوالي الحالي (تضم كل القوى السياسية المسجلة وغيرها) امر لا يعول عليه، ذلك لأن (القوي السياسية المسجلة وغيرها) غير معترف بها أساسا من جانب اطراف مشاكوس، بدليل استبعادها من المفاوضات، كما ان هناك عبرة لمن يعتبر في تكوين الحكومة للجنة إعداد (دستور التوالي) الذي تتحدث (مذكرة التفاهم)عن تعديله الآن وإعادة صياغته، بعد إجازة معظم مواده بـ(الاجماع السكوتي) عام 1998!! و بالنظر الي سجل الحركة والحكومة، في مجال حقوق الإنسان، فأن التوقيع علي ورقة تفاهم تتحدث عن الحفاظ علي حقوق الإنسان والحريات الأساسية، في الفترة الانتقالية، لا معني له، والا فان الحريات والحقوق المشار اليها لاتسلب كما هي الحال الحاضرة، ولا تمنح بـ(مذكرة تفاهم) بهلوانية بين الحركة والحكومة، وانما هي حريات وحقوق طبيعية للإنسان كالماء والهواء والغذاء.. والسلام الحقيقي يقتضي إلغاء (دستور التوالي) الحالي، وصياغة دستور إنساني جديد، يصون ويكفل تلك الحريات والحقوق عملياً لكل اهل السودان. ـ

ونصت (مذكرة التفاهم) كذلك على «تكوين مؤسسات تشريعية، من مجلسين بتمثيل عادل، للمواطنين في الجنوب، و التأكيد على ان تكون الخدمة القومية والوزارات ممثلة للسودانيين، لا سيما لمواطني جنوب السودان بشكل منصف.» ولكن (ورقة التفاهم) عجزت عن تحديد نسب التمثيل الذي تتحدث عنه، والتي كانت محل خلاف كبير في المفاوضات، وهكذا يتضح ان وريقة التفاهم التي وقعها الطرفان، تحاول فيما يشبه المهزلة معالجة الفشل في إحراز المفاوضات لأي تقدم يذكر فيما يتصل بالقضايا الرئيسية، ومع ذلك فقد نادت (ورقة التفاهم) بإجراء حملة إعلامية للترويج لاتفاق سلام مشاكوس في كل أنحاء العالم..! وعقب التوقيع قال الدكتور (غازي العتباني) رئيس وفد الحكومة السودانية في المفاوضات: «هذه خطوة جديدة ربما تكون صغيرة لكنها مهمة على طريق التوصل الى حل للصراع في السودان»!! ومن الواضح ان (غازي العتباني ) لايأبه في الصراع الذي يتحدث عنه، لمهددات الوحدة الوطنية، واحتمالات تقسيم السودان، التي اطلت برأسها في اتفاقية مشاكوس، بيد ان (العتباني) وقبيله شديدو الحرص علي السلطة والمناصب التي كانت محور الخلاف في مفاوضات مشاكوس(2).. وعلي ضوء هذه المعطيات يمكن القول بأن مصير برتكول السلام (من الخارج) الذي جري توقيعه مع (حركة قرنق) في مشاكوس، لن يكون أفضل حالاً من مصير اتفاقية الخرطوم للسلام (من الداخل) التي وقعتها الحكومة الحالية عام 1997مع مجموعات (مشار) و( اريك طون) و(كاربينو) ورفاقهم..!! وإذا كان التوقيع علي مذكرة (تفاهم) في مباحثات مشاكوس الأخيرة خـطوة صغيرة، كما قال رئيس وفد المفاوضات الحـكومي، فإن الحـديث عن نجـاح جــولة مشاكــوس (2) والترويج له، بسبب التوقيع علي مذكرة عديمة الأثر القانوني لا يعدو ان يكون مجرد تضليل إعلامي! ـ

رأس الدولة بين حق المواطنة والشريعة! ـ

لقد تعثرت الجولة الثانية في مفاوضات مشاكوس لعدة أسباب، منها تشبث الجماعة الحاكمة بكراسي الحكم، وعدم استعدادهم لاقتسام السلطة مع الحركة الا بشروطهم، التي تعني منح الطرف الأخر مناصب ديكورية، وسلطات وهمية، علي نحو ما حدث مع جماعات (رياك مشار) و(امين التجمع) السابق (مبارك المهدي) ومن هم علي شاكلتهم! ومنها ايضاً المزايدة السياسية بشعارات الشريعة برغم تبخر (المشروع الحضاري) كله في الشمال والجنوب، وركوع حكام (الإنقاذ الوطني) للولايات المتحدة وانصياعهم للأمر- كـان! ـ



أزمة مفاوضات مشاكوس(2) تعكس بجلاء الأزمة الفكرية، التي تعاني منها جماعة الجبهة الحاكمة الآن في السودان، باعتبارها إحدى جماعات الإسلام السياسي،التي تتناقض أفكارها وتصوراتها وفهمها للدين، مع الواقع السياسي والاجتماعي المعاصر، وهي أزمة ظلت تعيد نفسها ويتكرر إنتاجها بصور مختلفة، ففي بداية أمرهم وفي منتصف الستينات، كان دعاة (المشروع الحضاري) الحالي ينادون بما أسموه الدستور الإسلامي، وقد سقط ذلك الدستور إبان مداولات اللجنة القومية للدستور الدائم للسودان !! وعن بعض ملابسات سقوطه يحدثنا محضر مداولات تلك اللجنة في مجلده الثاني على النحو التالي :ـ

«السيد موسى المبارك: جاء في مذكرة اللجنة الفنية نبذة حول الدستور الإسلامي في صفحـة (7) أن يكون رأس الدولة مسلما، أود أن أسأل هل لغير المسلمين الحق في الاشتراك لانتخاب هذا الرئيس ؟» ـ

«السيد حسن الترابي: ليس هناك ما يمنع غير المسلمين من انتخاب الرئيس المسلم، الدولة تعتبر المسلمين وغير المسلمين مواطنين، أما فيما يتعلق بالمسائل الاجتهادية فإذا لم يكن هناك نص يترك الأمر للمواطنين عموما، لأن الأمر يكون عندئذ متوقفا على المصلحة، ويترك للمواطنين عموما أن يقدروا هذه المصلحة، وليس هناك ما يمنع غير المسلمين أن يشتركوا في انتخاب المسلم، أو أن يشتركوا في البرلمان لوضع القوانين الاجتهادية التي لا تقيدها نصوص من الشريعة.»

«السيد فيليب عباس غبوش: أود أن اسأل ياسيدي الرئيس، فهل من الممكن للرجل غير المسلم أن يكون في نفس المستوى فيختار ليكون رئيسا للدولة ؟»

«الدكتور حسن الترابي: الجواب واضح ياسيدي الرئيس فهناك شروط أهلية أخرى كالعمر والعدالة مثلا، وأن يكون غير مرتكب جريمة، والجنسية، وما إلى مثل هذه الشروط القانونية.»

«السيد الرئيس: السيد فيليب عباس غبوش يكرر السؤال مرة أخرى.»

«السـيد فيليب عباس غبوش: سؤالي يا سيدي الرئيس هـو نفس السؤال الذي سأله زميلي قبل حين – فقط هذا الكلام بالعكس – فهل من الممكن أن يختار في الدولة – في إطار الدولة بالذات – رجل غير مسلم ليكون رئيسا للدولة ؟»

«الدكتور حسن الترابي: لا يا سيدي الرئيس»

كعب اخيل في إتفاق مشاكوس هو ان غير المسلم الذي كفل له هذا الإتفاق الحق في ان يكون رأساً للدولة بموجب (حق المواطنةً) لا يمكن ان يكون مسؤولاً عن تطبيق (الشريعة) في الدولة الإسلامية المفترض ان يكون علي رأسها، وقد تجلي هذا الأمر بوضوح عند مناقشة موضوع الرئاسة الدورية، و سلطات نائب رئيس الجمهورية، حيث رفض وفد الحكومة، مطالب الحركة في هذا الخصوص، كما رفض منحها النسبة التي تطالب بها في مقاعد الحكم والإدارة، حتي تتمكن من المشاركة الفعلية في السلطة علي ارض الواقع، ويعود ذلك الي عدم اقتناع اهل الجبهة الحاكمة، بالمساواة بين المسلمين وغيرهم، فيما يتعلق بالولاية العامة، وممارسة السلطات بصورة فعلية، فضلاً عن عدم اقتناعهم المبدئي بالديمقراطية، كأساس لتولي السلطة العامة، وهذا ما دعاهم لتنفيذ إنقلابهم العسكري علي الحكم الديمقراطي عام 1989! ـ

وبرغم اختلاف الظروف والملابسات تكرر في مشاكوس ذلك التناقض الفكري الذي يشوب مواقف جماعات الإسلام السياسي في السودان، عندما يصطدموا بأرض الواقع .. فكما تبدي ان غير المسلم لا يمكن ان يكون رئيسا للدولة الإسلامية حسب إجابة الدكتور الترابي علي سؤال الأب (فيلب غبوش) ابان مداولات اللجنة القومية للدستور الدائم للسودان في الستينات، ظهر ايضاً شيطان التفاصيل الكامن في بروتوكول مشاكوس الحالي، بعيد توقيع (تلاميذ الترابي) علي عمومياته النظرية، وذلك من خلال رفض الحكومة لمقترح الرئاسة الدورية، باعتبارها الوسيلة العملية، التي يمكن ان يتولي بموجبها الجنوبي غير المسلم رئاسة الجمهورية، بل ورفضت الحكومة ان يكون الجنوبي غير المسلم نائباً لرئيس الجمهورية وفقاً للتصور الذي تطالب به الحركه، كما رفضت ان تكون للحركة سلطات حقيقية في ادارة دفة الحكم..! وهكذا نقضت الحكومة في مفاوضات مشاكوس الثانية ما تم التوقيع عليه في مفاوضات مشاكوس الاولي، ومن المفارقات ان فكرة التنازل عن تطبيق الشريعة في الجنوب او فصل الجنوب علي نهج (البصيرة ام حمد) كـانت ايضاً من بنات أفكـــار(الترابي) التي حملها تلاميذه وحواريوه -الذين جارواعليه- معهم الي مفاوضات مشاكوس..! وبطبيعة الحال هناك الكثير من الإتفاقيات والعهود التي وقعت من قبل مع اهل الجنوب، و نقضها ساسة الشمال قبل ان يجف مدادها، وآخر تلك الإتفاقيات كان اتفاقية (السلام من الداخل) الموقعة بين الحكومة الحالية، و جماعة (رياك مشار) عام 1997..! وبعد كل أولئك هـاهي مفاوضات مشاكــوس (2) تتمخض عن ورقة تفاهم فضفاضة، وغير ملزمة قانوناً، و مشحونة بعموميات لـذر الرماد في العيون!! واذا كان موضوع اقتسام السلطة والمناصب قد ادي الي انقلاب جماعة الجبهة علي بعضهم البعض فيما سمي بـ(انقلاب القصر) فلا غرو ان يختلفوا مع الحركة الشعبية في مشاكوس(2) حول ذات الموضوع ولا يتفقون البته..!! ـ

وبعد هذا هل هناك من يحلم، بأن تحتكم جماعة (ثورة الإنقاذ) الي (الديمقراطية) حسب مـا ورد في مذكـرة تفاهم مشاكوس(2) وتعمل علي إجراء (انتخابات عامة نزيهة ومراقبة) تؤدي في نهاية المطاف الي مغادرتهم لكراسي الحكم، التي قفزوا عليها من عل بوسائل غير ديمقراطية؟! ـ

عرمان محمد احمد

نوفمبر, 2002



http://sudaneseonline.com/sudanile2.html
__________

Post: #920
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-01-2008, 04:14 PM
Parent: #1


بين ذبح محمد طه وقتل الاستاذ محمود



د. أسامة عثمان

نيويورك





هكذا قد انقضى أكثر من شهر على مصرع الأخ محمد طه محمد أحمد ولم نسمع أن الشرطة قد توصلت إلى شيئ قد يقود إلى معرفة الجناة وليس في تصريحات وزير الداخلية ما يدعو للاطمئنان، وقبل ان يدخل الحدث شيئا فشيئا في عالم النسيان دعونا نحاول قراءة دلالة الحدث ونتخذه مدخلا لتقديم مقترح قد يسهم في إيقاف نذر ما قد يكون الحدث بداية له.

كتب عن محمد طه محمد احمد الكثير، وعبر الجميع عن فجيعتهم إما لمعرفة شخصية بالقتيل أو لبشاعة الشكل الذي تم به الاغتيال وإمعانه في التوحش والبربرية أو لأن الحدث يعتبر نتيجة منطقية لسياسات قادت إليه وقد تقودنا إلى مآل مظلم إن لم يتم تدارك الأمور.

أما أنا، فقد كانت فجيعتي للأسباب الثلاثة مجتمعة حيث تعود معرفتي بالأخ محمد طه إلى أيام مروي الثانوية عندما كانت تعج بنشاط طلابي كثيف يتوزع بين الأخوان المسلمين والجبهة الديمقراطية وتنظيم الاشتراكيين العرب، كان محمد طه عروبي الهوى معجبا بعبد الناصر والعقاد وطه حسين يقرأ ويلتهم كل ما يأتي من مصر بشراهة وكان الطلاب النابهون يتوزعون بين التنظيمات الثلاثة وكان من المتوقع أن ينضم محمد طه إلى تنظيم الاشتراكيين العرب لميوله العروبية ولكنه فاجأ الجميع ذات يوم حين أعلن انضمامه لتنظيم الأخوان المسلمين وأحسب أن ذلك يعود لروح تمرد وثورية كامنة في نفسه أزكتها الاخبار التي كانت تأتينا من جامعة الخرطوم وبطولات أعضاء الاتحاد الذي يقوده الاسلاميون في مواجهة سلطة مايو فيما عرف بحركة شعبان 1393 هجرية أو حركة أغسطس 1973 ميلادية وليس شعبان 1973 كما تجدها في بعض الكتابات. كنا نتسقط أخبار تلك الأحداث وننظر إليها بإجلال من أقاليمنا النائية.

كان انضمام محمد طه للاخوان المسلمين كدخول عمر بن الخطاب إلى الإسلام حيث رجحت به كفتهم وعلا صوتهم وصار صوت محمد طه وجداله يسمع في كل مكان ولم يعرف محمد طه التدرج في أسر الاخوان المسلمين وسلمهم التنظيمي فصار بعيد انضمامه مسؤول التنظيم السياسي ولم يقطع خياره السياسي الذي كان بعيدا عن خياراتي ماكان بيننا من صلة قوامها تبادل الكتب والمجلات المصرية التي يعز العثور عليها في ذلك الصقع النائي.

ما من شخص كانت له صلة بجامعة الخرطوم في الفترة من 1975- 1985 إلى وقد شاهد محمد طه في ركن نقاش أو ندوة أو شاهده يعلق جريدة "أشواك" فلقد ظل على صلة دائمة بالجامعة حتى بعد أن تخرج منها.

صرت التقيه مصادفة بعد أن فارقنا الجامعة في لقاءات قصيرة وعابرة ولكنها ذات دلالة ومفيدة انتقي منها هنا بعض مواقف ربما يكون في ذكرها فائدة.

عاد إلى الجامعة ذات يوم وعلق في شجرة النشاط خطاب فصل صدر في حقه ممهورا باسم النائب العام "حسن الترابي" حيث أنه كان قد التحق مستشارا قانونيا بالديوان عقب تخرجه والحق بديوان المراجع العام وقد كان يجاهر بانتقاد النائب العام الذي كان رئيسا لما كان يعرف وقتها بلجنة تنقية القوانين لتتوافق مع الشريعة الاسلامية وكان ينعي على اللجنة بطئها في الأمر وخوفها من نميري!. لا شك أن ما من أحد كانت له صلة بالجامعة في الفترة المذكورة إلا وله قصه مع محمد طه.

قابلت محمد طه راجلا، كعادته، ذات يوم في أحد شوارع حي الرياض في أيام الانقاذ الأولى في فترة كان مغضوبا عليه فيها وابعد من صحيفة الانقاذ التي كان يكتب فيها متخفيا في أيامها الأولى لمناصرة الانقاذ وهي لا تزال في المهد.

عرضت عليه أن أوصله بسيارتي إلى حيث يريد فوافق وانطلق في الحديث دون مقدمات وكان متبرما من كل شيئ ومضي محللا لحدث الساعة إلى أن قال: "لن ينصلح حال هذه البلاد إلى بعد طلوع الروح، وكان يشير بذلك إلى الدكتور حسن الترابي الذي كان بين الحياة والموت في كندا بعد الضربة المعروفة التي تعرض لها، ومضى متبرعا لي بالكثير من المعلومات ليدلل على أن مأساة الحركة الإسلامية والسودان عموما سببها الأول حسن الترابي ثم أصدر كتابا بعد ذلك بقليل لم يذكر فيه، لدهشتي، شيئا مما صرح به دونما سؤال في تلك الرحلة! انزلته أمام أحد المنازل في الرياض عليه لافتة مكتوب عليها اسم مؤسسة ما للانتاج الإعلامي سألته ما سر كثرة الأسماء الإعلامية في هذه الأيام ففاجأني بقوله: دعك من اللافتات فكلها بيوت أمن! ومضى شارحا ان ارتباط الأمن بالإعلام يضر بالإعلام والأمن معا ولم يكن سعيدا كصحفي بهذا الارتباط فقلت له أوَ لم تتخفى أنت نفسك تحت اسم "محمد أحمد جنقال" تماهيا مع الكذبة التاريخية للانقاذ وكنت تمجد الانقلاب وتحاول ترسيخ الإنقاذ؟ فقال بربك هل في هذا الاسم اختفاء وإن كنت قد اختفيت وراء هذا الاسم لدى الكثير فقطعا لا استطيع إخفاءه ممن لهم صلة بمروي ومدرستها فالجميع يعرفنا بأولاد جنقال، قلت على كل حال إن اسلوبك يدل عليك مهما كان المسمى.

ومرت سنوات لم أقابل محمد طه بعدها حتى التقيته قبل بضع سنوات في إحدى ساحات المحاكم التي كثر تردده عليها. كان يوما مشهودا صحبت فيه أحد الأصدقاء الذي كان قد رفع دعوى في قضية نشر ضد الاستاذ كما حسن بخيت سويت لاحقا خارج المحكمة. ربما كان ذلك اليوم مخصصا لقضايا النشر ما أن غادر الأستاذ كمال قفص الاتهام حتى ظهر محمد طه ليحل محله ليمثل أمام القاضي في دعوى رفعها ضده الدكتور مصطفي عثمان أسماعيل وزيرالخارجية وقتها بسبب مقالات نشرها محمد طه في جريدته انتقدته وانتقدت سياسته واشتملت على اتهامات متعلقة بالمال العام وتبديده. ولقد كان مسار الجلسة وخلاصتها حدثا بكل المقاييس وكنت أحسب أن محمد طه سيفرد لوقائع المحكمة ومرافعة القاضي الصفحة الأولى من جريدته في اليوم التالي ولكنه أوردها كخبر عادي دون تعليق. لقد كانت الحيثيات التي قدمها القاضي في تلك الجلسة متميزة وأدهشني القاضي حقا في عهد شهدنا فيه بعض القضاة من الشباب الجهادي في عهد الإنقاذ يدخلون قاعة المحكمة بزي الدفاع الشعبي ويصدرون أحكاما قد تصل إلى حد الإعدام. بدأ القاضي حيثياته بتعريف جامع مانع للشخصية العامة في مقابل الفرد العادي مستشهدا بأساطين القانونيين ثم طبق تعريفه على وزير الخارجية فانطبق عليه تماما. ثم مضى في تفصيل مطول عن الدوافع في بناء أركان الجريمة فخلص بعد استعراض مقنع إلى أن المحكمة لم تر دافعا شخصيا وراء النقد الذي ورد في الصحيفة حيث لم يكن بين الشاكي والمدعى عليه من تنافس أو تخاصم في أمر شخصي وخلص من ذلك إلى أن ليس للمتهم من دافع، فيما ترى المحكمة، غير المصلحة العامة وإلى أن ماكتب في حق المدعي مما أورد ممثل الاتهام من نوع "إن مصطفي عثمان هو أفشل وزير خارجية منذ استقلال السودان" ليس حقيقة مطلقة وإنما يدخل في عداد الرأي وليس على الرأي حجر بحسب القانون والدستور. ثم مضى القاضي في حيثياته في مناقشة أمر تبديد المال العام وإشارة المتهم إلى أن الوزير يصرف بدل السفرية ويقيم في منزل السفير ويتنقل بسيارة السفارة فكيف يستحل ذلك المال العام. قدم الاتهام مكتوبا من مدير الشؤون الإدارية والمالية في وزارة الخارجية يشهد فيه بأن السيد الوزير كان يرد لخزينة الوزارة بعد عودته من الخارج بدل السفرية إن لم يكن قد انفقه في رحلته. قلل القاضي من قيمة هذه الشهادة بل استبعدها تماما لأنها صادرة عن مرؤوس للمدعي وبالتالي هي مقدوح فيها. ومضى أكثر من ذلك إلى القول بأن المتهم قد استدل على ما يقول بما ورد على لسان سفير السودان في الدولة المعنية في مقالات منشورة في الصحف وترى المحكمة أن ذلك المصدر مصدر حسن لأنها لا ترى سببا في التشكيك في صحة ما أورد شخص على قدر من المسؤولية جعلت الدولة تعينه سفيرا ووزيرا فيما ما مضى وذكر أن مما يحمد للمتهم انه لم يستشهد على قوله بمن يعارضون الوزير وحكومته وإنما جاء بأدلته ممن هم في معسكر حكومة الوزير. ثم قال القاضي: لكل تلك الأسباب ولتيقن المحكمة من حرص المتهم على توخي المصلحة العامة في مجموعة المقالات موضوع الاتهام رأت المحكمة رفض الدعوى وإخلاء سبيل المتهم, ولا أدري إن كان السيد الوزير قد حاول الاستمرار في التقاضي لمرة أخرى، وربما آثر الأخ محمد طه عدم التعليق تحسبا لملاحقة قد تستمر في مستوي آخر من التقاضي.



سودت الصحف بمداد كثير بعد جريمة ذبح الأخ محمد طه الكثير منها يحمل الحكومة، بل الدولة في عهد الانقاذ، قدرا من المسؤولية فيما حدث بخلق وتشجيع النهج الاقصائي الذي يقود إلى إلغاء الآخر حتى إن كان ذلك بتصفيته جسديا في إطار خلفية من التكفير والتجريم في جو مفعم بالهوس الديني وخطاب الغلو. اتبع أهل الإنقاذ نهجهم الثابت في الصمت والتجاهل على الرغم من خطورة الاتهام والتجاهل هو النهج الذي يردون به على الاتهامات المتكررة عندما يتعلق الأمر بالفساد والمحاباة وإهدار المال العام مما يجعل المرء يتسآل عن جدوى حرية الصحافة ومعاناة الصحفيين التي قد تقودهم إلى حتفهم دونما يحدث ذلك تغييرا في موقع أحد أو تقديمه لمحاسبة.

ما من زعيم أو سياسي أو صحفي أو مفكر إلى وكان قد أدان وشجب واستبشع جريمة ذبح الصحفي محمد طه محمد أحمد وذلك بغض النظر عن الموقع السياسي أو الفكري وأكد الجميع على مبدأ حرية الرأي وحرية الصحافة ولكن حتى نستشعر أن من قالوا بذلك يعنون ما يقولون دعنا نضعهم على المحك فالقول ينبغي أن يؤكده العمل.

في اعتقادي أن لحدثين اثنين مهمين دلالة كبرى في مسار تاريخ السودان الحديث ومسألة الحريات وممارسة السياسة ولن يستقيم الأمر إلا بعد الوقوف عندهما مليا وتقييمهما وتقييم مواقف الجميع استنادا على مواقفهم من هذين الحدثين. أول الحدثين هو قضية حل الحزب الشيوعي السوداني وطرد نوابه المنتخبين من البرلمان وعدم الاستجابة لقرار المحكمة الذي أبطل القرار. فالحدث ملئ بالدلالات من حيث دراسة الملابسات التي قادت إليه والنهج الذي اتخذ لتهييج الشارع ثم المكايدة السياسية وما قادت إليه وعدم الامتثال لأمر القضاء ودلالة ذلك في الحياة القضائية والسياسية. على الجميع أن يحددوا لنا رأيهم في الحدث بعد مرور أكثر من أربعين عاما عليه. أورد دكتور الترابي في أكثر من مرة أن حل الحزب الشيوعي كان إجراء دستوريا لا حرج فيه ولقد ظل يكرر هذا الرأي حتى مفاصلته مع الانقاذ ولا ندري إن كان قد اهتدى إلى غير هذا الرأي بعد محنته مع من جاء بهم. أما السيد الصادق المهدي فقد اشيع أنه قد أرسل في بداية التسعينات لسكرتير الحزب الشيوعي السوداني رسالة أقر فيها بخطأ حزبه في تلك القضية وخطأ موقفه الشخصي نأمل أن يكون ذلك يكون صحيحا وليته جاهر بهذا الموقف واثبته للتاريخ وهو لا يزال لاعبا أساسيا في الحياة السياسية في السودان. ما هو موقف بقية أهل السياسة والحكم في هذه القضية الجوهرية لا شك أن الكثيرين يعنيهم أن يسمعوا رأي الرئيس البشير ونائبيه والدكتور إبراهيم أحمد عمر وغير ه من رجال حزبه، ما هو رأي أستاذنا الحبر يوسف هل يتفق مع رأي السيد صادق عبد الله عبد الماجد الذي ظل يردد ما كان يقوله في عام 1965 بحزافيره عندما استضافه عمر الجزلي مؤخرا في برنامج توثيقي.

الحدث الثاني المهم هو قتل الاستاذ محمود محمد طه بدعوى الردة أو محاربة الدولة أو الزندقة أو ما شئت من التهم. أننا لن نثق في سياسي أو مفكر أو صحفي أو زعيم يكلمنا عن حرية الرأي وحرية التعبير أو الحرية الدينية وهو ممسك بأن يقول لنا صراحة ما هو رأيه فيما حدث صبيحة يوم الجمعة 18 يناير 1985 في ساحة الاعدام في سجن كوبر(يسميها البعض ساحة العدالة!) كما كتب كثيرون إنا نعتقد أن محمد طه محمد أحمد قد ذبح هو أيضا في ذلك اليوم، فتصفيه الخصم الفكري أو السياسي وان اتخذت شكلا قانونيا حتى وإن كان صوريا في مثل محاكمة الاستاذ محمود لاتختلف عن تصفية صحفي باختطافه من منزله وجز رأسه وإلقائه في العراء.

دعونا نستعرض بعض آراء من عبروا عن رأيهم في هذه القضية: سئل الرئيس جعفر نميري عن إن كان نادما على قتله الاستاذ محمود فأجاب أن "محمودا كافر وزنديق ومرتد وأنه ليس نادما على التصديق على اعدامه ولو بعث من جديد لامر باعدامه مرة أخرى" هذا رأي واضح لا لبس فيه وفيه تحمل للمسؤولية وليس محاولة للاختباء خلف عبارات من نوع "إن حل الحزب كان أمرا دستوريا" كما رأينا قبلا، أو أن هذا" أمر محكمة وليس بوسعي التعليق" كما سنرى لاحقا. ربما كان نميري صريحا فيما قال لأنه يدرك أن قوله ليس مما يعتد به حاليا أو لسبب يتعلق بقواه العقلية وتأثرها بعامل السن! ولناخذ سياسيا آخر قبل أن نعرض لرأي الثور الأسود في أكل الثور الأبيض.

ذكر الدكتور حسن الترابي في حوار مع أمينه النقاش نشرته صحيفة الأهالي بتاريخ 1 مايو 1985 في رد على سؤالها: لماذا وافقتم على إعدام زعيم الحزب الجمهوري الشيخ محمود محمد طه؟

أجابة الدكتور كانت اشبه بالمرافعة حيث قال " لأن الشيخ طه مرتد، واصبح قاعدة للغرب، لأنه يريد أن يجرد المسلمين من فكرة الجهاد، كما يريد أن يدخل الماركسية والرأسمالية والليبرالية الغربية في بطن الاسلام، كما جعل من نفسه إلها ينسخ أركان الشريعة، كما ظل يدعو للصلح مع إسرائيل منذ الخمسينات وأيد نظام نميري في قتل الانصار في أبا وقتل الشيوعيين ثم عارض مبدأ تطبيق الشريعة الإسلامية وأحسب أنه قد لقي جزاءه" ثم اردف ردا على سؤالها الثاني: هل معنى ذلك أنك تطالب بإعدام من يخالفونك الرأي؟ "هنالك طبعا فرق بين المخالفة في الرأي وبين الردة الدينية السياسية والعمالة للغرب وإسرائيل"

هذا هو رأي الدكتور حسن الترابي في عام 1985، هل يا ترى أجرى الدكتور مراجعة لهذا الرأي بعد خلوته الأخيرة في سجن كوبر التي صرح بعدها بآرائه الفقهية ومن بينها عدم قتل المرتد؟ ماذا يقول بعد ان صدر عليه حكم بالردة من بعض الجماعات وفي مثل هذه الاحكام تستوي جماعات الغلو مع محاكم الغلو وغلو الحكام، نتمنى أن نسمع للدكتور حكمه الحاضر في "الردة الدينية والسياسية والعمالة للغرب وإسرائيل" .

كتب السيد الصادق المهدي في كتابه عن الإسلام في السودان بضعة اسطر عن الحركة الجمهورية التي سماها في شيئ من السخرية "الحركة الطاهوية" لم اقع له على رأي في مسألة الردة وإعدام الاستاذ محمود تحديدا نرجو أن نسمع رأيه في هذه القضية الاساسية فهي محك ومقياس، فيما نرى، لمصداقيته الفكرية والسياسية.

في مقابلة متميزة أجراها الصحفي ضياء الدين بلال مع الصحفي محمد طه عندما حكمت عليه بعض الجماعات بالردة وطالبت باعدامه وربما كانت ضالعة في تصفيته من يدري ونتائج التحقيق لم تظهر بعد، وأعاد نشرها بعد مقتله، كان محمد طه قد عبر فيها عن رأيه في مسألة الردة حيث قال ردا على سؤال ماذا تعلمت من الفكر الجمهوري غير الاحتجاج؟ " الفكر الجمهوري به إضافة مهمة جدا ألا وهي تأكيده على فكرة العدالة الاجتماعية، فحياة الجمهوريين وحياة الاستاذ محمود فيها كثير من الزهد، محمود كان بيته من الجالوص، وفيهم الكثير من حياة الأشعريين، ولولا بعض شطحات محمود محمد طه لاتبعه كل السودانيين... فهو قدوة في السلوك"

هل أنت حزين لاعدامه؟

"شوف دا سؤال خطير، وأنا زي ما بتمنى لنفسي الهداية...كذلك كنت أتمنى لمحمود الهداية... وهذا ما قاله شيخ أبو زيد كذلك.."

الاجابة غامضة هل تعتقد أن اعدامه كان خطأ؟

" والله دا قرار محكمة وليس بوسعي التعليق"

لم يقتنع الصحفي اللحوح بهذه الاجابة الهروبية ولاحقه بسؤال آخر: بناء على الحيثيات التي اعدم على إثرها وأنت القانوني ماذا تقول؟

" لعادل إبراهيم حمد إجابة ذكية هي أن محمود لم يكن طارحا نفسه كبطل ولكن كصاحب دعوة...." ومضى النهج الهروبي دون الإجابة على السؤال المحدد ولماذا الاستشهاد بشيخ أبو زيد وعادل إبراهيم حمد وكلاهما حي يرزق يمكن أن يعبر عن رأيه في أكثر من منبر؟ ألم أقل لكم أن الإجابة عن هذه المسألة هي مربط الفرس كيف صار محمد طه فجأة مراوغا وجميع إجاباته في المقابلة قبل وبعد هذا السؤال في غاية الوضوح والمباشرة. تحدث عن "قرار محكمة" ويعلم وهو القانوني الحاذق أن القضاء السوداني قد برأ نفسه من سبة تلك المحكمة عندما أصدر أمرا لاحقا في العهد الديمقراطي أبطل فيه قرار محكمة المكاشفي تماما كما برأ القضاء نفسه من مهزلة حل الجمعية للحزب الشيوعي فأصدر حكما ببطلان ذلك القرار أدى لاستقالة القاضي بابكر عوض الله كما هو معروف, بالطبع لا نتوقع إجابة من محمد طه وهو بين يدي الله ولكن نتوقع من الأحياء من أهل الفكر والصحافة والسياسة أن يقولوا لنا رأيهم في هاتين المسألتين حتى يكون لحديثهم عن حرية الرأي والتعبير معنى عند من يستمع إليهم ليت الصحافيون يجعلون السؤال عن هاتين المسألتين سؤالا ثابتا في كل مقابلة تجرى مع أحد الزعماء أو المفكرين أو رجال السياسة. نسأل الذين هتفوا في ساحة الاعدام، وفيهم أساتذه جامعة، وهو يشاهدون جسد الاستاذ محمود معلقا في الهواء "لقد سقط هبل" وعادوا إلى الجامعة يهللون ويكبرون واشاعوا جوا من الارهاب لن ينسى.

لقد كتب الكثير عن اسهام الحكومة والدولة في إشاعة جو الهوس الديني والفكري والتمكين للفكر الاقصائي بل طالب البعض بمحاكمة البعض كمسؤلين مباشرين عن جريمة القتل النكراء ولا نريد أن نجرم أحدا ولكن نذكر الجميع بمسؤلياتهم تجاه الوطن والمواطنين بسبب موقفهم المهادن في أحسن الظروف لأصوات التطرف والغلو إننا لا نستطيع أن نفهم كيف تصدر جماعات احكاما تكفيرية وتطالب بما تسميه إقامة الحد أو إنفاذ أمر الله في أفراد يخالفونهم الرأي بل يرصد بعضها الجوائز لمن يأتيهم برأس أحد الذي ورد اسمائهم في القوائم ولقد أوردت الصحف مؤخرا شيئا من ذلك ولم نشاهد تحركا لوزير الداخلية أو الشرطة للتحري في الأمر أو إيقاف أصحاب هذه التصريحات. إن من شأن هذا الصمت المتواطئ أن يخلق الجو المناسب لإلغاء الآخر الذي يتم التعبير عنه بصور تتفاوت في الشكل وليس في المضمون، إننا نشاهد توحدا في الرسالة عندما يكتب محمد طه مثلا في صفحة الوفاق الأولى " ما في تاني مكانة لفكر علماني" نقلا عن النشيد المشهور الذي يتردد باستمرار في ساحات الفداء، ثم يشرح في مقاله كيف أن الأمة قد حسمت أمرها ووجهتها وأن الفصل الأخير في تاريخ السودان قد كتب ولقد رفعت الأقلام وجفت الصحف، ثم تجد رأس الدولة يردد أمام جمع من الجمهور وعبر الاثير وهو في حالة نشوى "مافي تاني مكانة لفكر علماني"، ثم يأتيك من يصدر قائمة بإقامة الحد على فلان وعلان بتهمة العلمانية وتضم جهة الفتوى مفتى شاب يفتح له التلفزيون القومي وقتا كبيرا للخوض في أمور الدين والأمة ولم يسآله أحد عن ارتباط اسمه بهذه الفتاوى التي يجرمها القانون حتى في نسخته الانقاذية. كيف يسأل ألم يقل الرئيس نفسه أن لا مكانة لفكر علماني؟ ألا يرى من يرددون هذه الأقوال بأن هنالك صلة وإن لم تكن مباشرة بين ذلك وبين ذبح محمد طه؟ هل هم على استعداد للقيام بخطوات معلومة لتنقية الجو وتفعيل القوانين ومحاربة الغلو أم أنهم ينتظرون حتى يذبح شخص آخر ليعلنوا إدانتهم وشجبهم للحادث البشع المعزول؟ا



د. أسامة عثمان

نيويورك



http://www.sudaneseonline.com/ar/article_5802.shtml

Post: #921
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-01-2008, 04:50 PM
Parent: #1


قراءة نقدية لخطاب المهدية الجديدة
الصادق المهدي في آخر تجلياته
أبكر آدم إسماعيل
القاهرة ـ يناير 2001م
====


مقدمة:

تهدف هذه الورقة إلى تقديم قراءة نقدية لخطاب المهدية الجديدة، الذي هو خطاب الصادق المهدي، وفي آخر تجلياته، كتاب العودة، الذي صدر مؤخراً، وقامت جريدة الحياة بنشره مسلسلا في أكثر من عشر حلقات، وفي توقيت متوافق مع تحركات الصادق المهدي لدرجة قادت بعض الناس إلى إطلاق إشاعات حول تواطؤ تم بينه وبين الجريدة. ومهما يكن من أمر، فهذا جزء من طرائق عمل أجهزة الإعلام العربية في التعامل مع الشأن السوداني، الذي يعتبره البعض انحيازا تقليديا لخطاب المركزية ذات التوجهات الإسلاموعربية.

على أية حال، فكتاب العودة، هو في رأينا تلخيص لعناصر الخطاب المهدوي الجديد. وهو في الواقع شكل من أشكال الترحُّل النصي لمقولات سابقة، إذ أننا وجدنا أن أغلب المقولات الرئيسية هي إعادة إنتاج لأفكار الصادق المهدي السابقة، وكتابه "تحديات التسعينات" بالخصوص.

ولأن الكتاب لم يقم على منهج واضح في تسلسل موضوعاته، وهو أقرب إلى الجالوص منه إلى العمارة، وتكثر فيه التكرارات، وخاصة المقولات المنفستوهاتية، لذلك، فإننا سنحاول الإمساك بالأفكار الجوهرية والمقولات المفصلية (النمطية) والعناصر الأساسية، ومن ثم تفكيك كل منها وإرجاعه إلى حقله الفكري الأيديولوجي، وأساسه الموضوعي ـ الإجتماعي التاريخي؛ أي أن نقدنا يقوم على منهج وصفي تحليلي.

من ملاحظاتنا، أن الصادق المهدي قد زين خطابه بمقولات تصور الأشياء بشكل لا يتسق مع واقعها في كثير من الأحيان، وعلى أساس هذه الصور، استلف المنفستوهات الطافحة فوق الأزمة السودانية وألحقها بآليات، فصلها مثل "قمصان عامر" وألبس كل عامر قميصه (وعامر هنا موديل صوري قابل للتغيير باستمرار حسب ما رغبة الصادق المهدي وما يقتضيه التكتيك). وحتى أن المهتمين والمراقبين بدأوا يتساءلون من فرط (عقلانية) "الأطروحة": إذا كان الأمر كذلك، فما هي المشكلة إذن؟

طبعا الصادق المهدي شخص ذكي، ولديه القدرة على (اصطناع) المنطق الشكلي في حلبة اللامنطق (السياسة السودانية). ولما للأمر من أهمية قصوى تتعلق بمصير ومستقبل شعب في لحظات فارقة، فإننا ـ كما كنا دائما ـ نسعى إلى تفحض دقيق لهذا (المنطق)، إنطلاقا من شكنا المنهجي في المقولات السياسية عامة، ولمفارقة هذا (المنطق) وتلك (العقلانية) للواقع. وبالتالي ليس أمامنا إلا إعادة النظر في الخطاب بالاحتكام إلى السيرورات التاريخية، وإرجاع المقولات إلى منطلقاتها ودوافعها؛ المصالح والرغبات التي تحركها، أهدافها وغاياتها، ومواقع قائليها في حلبة الصراع. هذا لأننا نسلم بأن أي خطاب هو في الواقع تعبير عن أيديولوجيا وأي أيديولوجيا هي بالمقام الأول تبرير مصالح (مادية أومعنوية أو الإثنين معا) في حلبة الصراع التي هي (بنية/بنيات اجتماعية محددة).

ملاحظة أخرى، أن الخطاب المعني هنا، قد شُيّد ليشمل مجالات تأثير متعددة ومتباينة، لأنه في الأساس خطاب سياسي يعتمد على الاعتقادات أكثر من اعتماده على البراهين، ويعتمد أيضا على أساليب اللعب على المجاهيل والغوامض؛ فستقوم استراتيجيتنا في هذه الورقة على تقديم مقارابات نظرية وتعريفات وتحديد لبعض المصطلحات الضرورية، وأيضا على مقاربات تاريخية نتسلح بها وعلى أساسها نتفحص مقولات الخطاب المعني بالنقد.
مقاربات نظرية وتعريفات:

الخطاب:
هو سلسلة من العبارات/المقولات/المفاهيم، الإشارات/الدوال، التي تصدر عن منتج للخطاب وتستند على/ تستثمر رأس مال رمزي للتعبير عن أيديولوجيا محددة في حلبة الصراع الاجتماعي، ليصل إلى مجال تأثير محدد في البناء الإجتماعي. ومن هذا التعريف، تصبح العناصر الأساسية للخطاب هي: المنتج، رأس المال الرمزي، الأيديولوجيا ومجال التأثير في البناء الاجتماعي.

رأس المال الرمزي:
هو مفهوم مرتبط بنظام الاستعدادات والتصورات عند أفراد المجتمع يؤسس للقبول بأي مقولة أو ممارسة لـ(سلطة). فالإنتماء الديني ـ في مجاله ـ مصدر لرأس المال الرمزي والإنتماء للحضارة السائدة مصدر له في مجال تنافس الحضارات، وكذلك أوضاع مثل الغنى، الشرف، المركز الاجتماعي/موقع القوة. وعلى مستوى الدولة، وبحسب بيير بورديو "يعود كل شيء إلى تمركز رأس مال رمزي من السلطة المعترف بها والذي يظهر، على الرغم من كل النظريات عن الدولة كشرط، أو على الأقل، كشيء مرافق لكل الأشكال الأخرى حتى لو كانت هذه الأخيرة، على الأقل لفترة من الزمن. فرأس المال الرمزي يعني أية خاصية (لأي نوع من رأس المال الفيزيائي أو الاقتصادي أو الثقافي أو الاجتماعي) عندما تدرك من قبل الفاعلين الاجتماعيين ويعترف بها وتعطى قيمة (مثلا الشرف في المجتمعات المتوسطية..)، وبالتحديد، إنه الشكل الذي يأخذه أي نوع من رأس المال عندما يدرك من خلالفئات الإدرات التي هي نتيجة لتقسيمات أو تعارضات مسجلة في بنية توزيع هذا النوع من رأس المال (قوي/ضعيف، كبير/صغير، غني/فقير، مثقف/جاهل.. إلخ). يستنتج بأن الدولة، التي تستحوذ على وسائل لفرض وتلقين مبادئ ثابتة عن الرؤية والتقسيم المتوافقة مع بناها الخاصة هي المكان المفضل لتمركز وممارسة السلطة الرمزية"[1].

الأيديولوجيا:
هي كما يعرفها د. نعمان الخطيب: "مجموعة من الأفكار الأساسية التي تنبثق من العقائد والقيم المتصلة بتراث حضاري معين، لتصور بصفة شاملة ما هو كائن وما سيكون. وترسم بذلك حركة الجماعة السياسية وتحدد ملامح أهدافها"[2] أما عند بولانتزاس فـ"... لا تتكون الأيديولوجيا من منظومة من الأفكار والتصورات فحسب، بل تنصب على سلسلة من الممارسات المادية والأعراف والعادات وأسلوب الحياة، وتختلط كالأسمنت مع بنية مجموع المماراسات الاجتماعية بما فيها روابط الملكلية الاقتصادية والتملك، وفي تقسيم العمل الاجتماعي داخل علاقات الإنتاج. كما لا تستطيع الدولة إعادة إنتاج وتوطيد السيطرة بالقمع والعنف العاري لوحدهما. وإنما تستعين بالإيديولوجيا لإضفاء الشرعية على العنف.."[3] ويؤكد إريك فروم: "أن التحليل النفسي يستطيع أن يبرهن أن الأيديولوجيات هي نتاج بعض الرغبات، الميول والغرائز، والمصالح والحاجات، وهي بمعظمها لا واعية، ولكنها تتمظهر (عقلانيا) بشكل أيديولوجي"[4] أي أن الأيديولوجيا هي في النهاية "الخطاب النسبي والخاص الذي يريد إيهامنا بكونه مطلقا وشاملا"[5] بحسب ديكومب.

إذن، بهذا المعنى، لا أحد بلا أيديولوجيا، مهما ادعى تبرؤه منها، بل التبرؤ نفسه يصبح شكل من أشكال ممارسة الأيديولوجيا (!).


البناء الاجتماعي:
هذا موضوع مترامي الأطراف، ولكن بقصد الاختصار، نعرفه بأنه: شكل الوجود الاجتماعي ـ أي التراتبية الاجتماعية (Social Stratification) ونظامه؛ أي العلاقات التي تحكمه والمحتوى الثقافي داخل الأطار التاريخي، أي الطابع العام للشكل والنظام الإجتماعيين. وإذا نظرنا إلى البناءات الاجتماعية القائمة في عالمنا الراهن، يمكن أن نقسمها إلى قسمين رئيسيين في حدود ما يخدم غرض البحث هنا.

1ـ بنية المجتمع البرجوازي الرأسمالي: هو مجتمع طبقي بالمعنى المادي للطبقة. أي أن شكل الوجود الاجتماعي يقوم على تراتبية اجتماعية رأسية متمايزة. أساس الفوارق هو علاقات الإنتاج. ويتجلى ذلك في ثلاث طبقات رئيسية: الطبقة الارستقراطية، الطبقى الوسطى/البرجوازية، والطبقة العاملة. وينقسم النظام الاجتماعي البرجوازي انقساما واضحاً إلى بنيتين: بنية تحتية أو القاعدة الاقتصادية، وبنية فوقية قوامها أجهزة الدولة ومؤسساتها والأيديولوجيات المرتبطة بها[6]. وأبرز سمات هذه البنية الاجتماعية هي:

ـ هيمنة علاقات الإنتاج الرأسمالية.

ـ الوعي الطبقي هو المحرك للصراع.



2ـ بنية المجتمعات ماقبل البرجوازية/ماقبل الرأسمالية:

ويمكن تقسيمها إلى شكلين:

أ/ المجتمعات (ماقبل الرأسمالية) التقليدية:

وهي المجتمعات القرابية (قبائل، قوميات، طوائف، عصبيات) ووجودها الاجتماعي يخفي طبقيته الرأسية في أشكال أفقية من مراكز وهوامش لا تكون الهيمنة في أساس الفوارق فيها لعلاقات الإنتاج فحسب، وإنما تتداخل الأبعاد الأخرى؛ العرقية، الدينية، المذهبية.. إلخ. "ولا يعرف النظام الإجتماعي هنا التمايز الواضح بين البنيتين التحتية والفوقية، بل الغالب فيها هو تداخل عناصرهما بصورة تجعل نظام المجتمع برمته عبارة عن بنية كلية واحدة مما يخفي الصراع الطبقي، وبالتالي ضعف الوعي الطبقي. وأبرز سمات هذه البنية هي:

ـ هيمنة العلاقات الطبيعية (القرابة، العصبية، القبيلة) والعلاقات الإيديولوجية (الدينية، الطائفية، والمذهبية..).

ـ سيادة (الوعي الفئوي)[7] (العصبية القبلية، التعصب الطائفي، التضامن الحرفي/أو الإقليمي أحياناً).



ب/ المجتمعات ماقبل الرأسمالية المشوهة: التراتبية المزدوجة:
هي الطابع العام لمجتمعات الدول التي صنعها الاستعمار، المكونة من مجتمع أو مجتمعات قرابية متعددة أُلبست شكل الدولة الحديثة، فصارت لا هي تدار بالشكل الذي يتناسب وبنيتها وإمكانيات تطورها الداخلية، ولا هي استطاعت تغيير بنيتها لتتناسب مع شكل الدولة الحديثة، فأصبحت حقلا من التناقضات الرأسية الطبقية، والأفقية الإثنية الثقافية (الكلية)، وهو ما نسميه تناقضات المركز والهوامش. أي أن التراتبية الاجتماعية ذات طابع مزدوج، فصعود الفرد يحدده البعد الرأسي المتعلق بعلاقات الإنتاج وفي نفس الوقت يحكمه وضعه الإثني الثقافي (القرابي) في الوضعية/الدولة.



الدولة:
بحسب ماكس فيبر "الدولة هي هيئة بشرية تطالب بنجاح باحتكار الاستخدام الشرعي للعنف الفيزيائي في أرض محددة... ]وهي بحسب بورديو[ شيء مجهول (X) (للتحديد) تطالب بنجاح باحتكار الاستخدام الشرعي للعنف الفيزيائي والرمزي على أرض محددة وعلى مجمل المجموعة السكانية المرتبطة بها"[8]. ]ومن تطبيقاتها لهذا المعنى في الحقل الثقافي أنها[ "تحاول توحيد السوق الثقافية واللغوية، وجعل الثقافة المهيمنة ثقافة وطنية مشتركة وشرعية وشاملة ورفض اللغات والثقافات الأخرى كلغات وثقافات محلية... وفرض مبادئ الرؤية والتحليل أو التصنيف التي تتوافق مع مصالحها الخاصة (عن طريق المدرسة والتربية ومادة التاريخ تحديدا وتنشر أسس (الدين المدني) والمفترضات المسبقة الأساسية للصورة (الوطنية) عن الذات"[9] وهناك تعريفات أخرى كثيرة[10].



اقتصاد الريع والخراج:
الريع ـ بحسب الجابري ـ هو "الدخل النقدي أو العيني الذي يحصل عليه الشخص من (ممتلكاته) أو من (الأمير) وبصفة منتظمة ويعيش منه دون الحاجة إلى القيام بعمل إنتاجي. فكل دخل خام (هبات الطبيعة، أعطيات الأمير) لا يبذل فيه صاحبه جهدا إنتاجيا ولا هو نتيجة استثمار هو "ريع" سواء كان مصدره من داخل البلد أو من خارجه... ]أما الخراج فـ[ نقصد به ليس فقط ما تعنيه هذه الكلمة في استعمال الفقهاء المسلمين بل نقصد به جميع ]ما تأخذه الدولة[ ... كجباية ... "الخراج" هنا ما يفرضه الغالب على المغلوب من ذعائر وأتاوات وضرائب، دائمة أو مؤقتة، سواء كان الغالب أميرا أم قبيلة أم دولة، وسواء كان يتولى أخذ ذلك بنفسه أم كان يحصل عليه بواسطة ملتزمين ووسطاء من أي نوع كانوا، سواء كان المغلوب أتباعا ورعايا للغالب أم كانو أجانب، قبائل أو شعوباً أو دول. والفرق بين مفهوم "الخراج" كما نستعمله هنا وبين مفهوم "الضريبة" بالمعنى الحديث هو أن هذه تؤخذ باسم المصلحة العامة وبنوع من الرضا وتتحدد بقانون ويدفعها الجميع حاكمين ومحكومين.."[11] وبهذا المعنى لا نستطيع أن ندعي أن ما يمارس في السودان هو (ضرائب)، أو ننفي خلفيات تاريخية:

السودان: الدولة الإعتباطية:

السودان القائم اليوم، هو امتداد للامبراطورية التي أسسها محمد علي باشا (الاستعمار التركي ـ المصري) بعد غزوه للمنطقة ابتداءاً من عام 1820م، وقد امتدت الامبراطورية "من حلفا شمالا حتى جنجا في البحيرات جنوباً، ومن ودّاي (تشاد) غرباً إلى هرر (إريتريا) شرقاً... وشملت الامبراطورية دولاً وقبائل ومناطق مختلفة كانت تمر بمراحل متباينة من التطور الاجتماعي، ولكنها ضُمت كلها في كينونة سياسية واحدة شكلت أساس الدولة السودانية الحديثة مع بعض الحذف الذي اقتضاه التطور السياسي وتوازن القوى في المنطقة. فهي كينونة سياسية فرضتها احتياجات مصر في القرن التاسع عشر، وتوازن القوى الدولي، والأهداف البعيدة للإمبريالية، ولم تكن نتيجة للتطورات المحلية لتلك المجتمعات. ثم فُرض على تلك المجتمعات إيجاد صيغة مشتركة للتعامل. وجاءت السياسة الإدارية والاقتصادية للحكم التركي ـ المصري لتعقد كثيرا من مسار تطورها"[12]. كانت تلك المجتمعات المتباينة (ونشدد هنا على المعنى النسبي التاريخي) مجتمعات ما قبل رأسمالية قرابية، أغلبها ينتمي إلى نمط العشيرة الأبوية، وبينما وصل بعضها في تطوره التاريخي من الناحية السياسية إلى مرحلة المملكة/السلطنة (مروي القديمة، الممالك المسيحية (علوة، المقرة)، ثم بعد، الممالك ذات الطابع الإسلامي (الفونج، الفور، المسبعات)، فقد ظل بعضها في طوره القبلي، وأخرى ـ ربما ـ في طور العشيرة المتجولة (؟). أما فيما يختص بعلاقات الإنتاج، فقد كان لكل مجموعة نمط يتناسب مع مستوى تطورها التاريخي وبيئتها الطبيعية، وتكاد تكون جميعها في مرحلة الاقتصاد الإكتفائي بدرجات متفاوتة "فنجد الملكية المشاعية القبلية للمراعي في حزام السافنا، وملكية الأرض على ضفاف النيل في أواسط السودان، وقد امتزج في بعض تلك الأنظمة أنماط إقطاعية وشبه إقطاعية. كما نجد عمل الرقيق الذي يمثل الشكل الشرقي للعبودية، الذي هو جزء من العشيرة الأبوية"[13]. هذا الأساس، هو الذي حكم التطور التاريخي للدولة السودانية: وفي الوقت الذي ما يزال فيه التباين قائماً حيث "يوجد في المليون ميل مربع التي تشكل مساحة جمهورية السودان الحالية 570 قبيلة ويستخدم قوس قزح القبلي هذا 595 لغة... وقد أعاد الباحثون تصنيف هذه القبائل في 56 أو 57 فئة إثنية على أساس الخصائص اللغوية والثقافية والخصائص الإثنوغرافية الأخرى.."[14] فقد آلت مركزية السلطة إلى الكيان الإثني الثقافي الإسلاموعربي الذي هو شكل نموذجي لنمط العشيرة الأبوية الاستبدادية التي تعي وتمارس الإقتصاد الطفيلي (الريع العشائري على مستوى "الاقتصاد الجزئي" والخراجي على مستوى "الاقتصاد الكلي = اقتصاد الدولة") (راجع تعريف الريع والخراج)، وتقسيم العمل العبودي (علاقات الإنتاج)، والثقافة التي تعيد إنتاج نفسها على أساس المقدس. وقد نشأت وتطورت هذه المركزية ضمن نشأة وسيرورة الدولة (الحديثة)، حيث تم تشكّل البنيان الإجتماعي المشوه (المجتمع السوداني) ذو التراتبية المزدوجة: أي أن الترقي إلى قمة الهرم الاجتماعي/الاقتصادي/السياسي تحكمه قوانين جدلية المركز والهامش، أي التعارضات الرأسية (الوضع الطبقي) والأخرى الأفقية (البنيوية) = (الوضع الإثني الثقافي) داخل الدولة التي هي في نفس الوقت "الهيئة البشرية التي تطالب باستمرار باحتكار الاستخدام الشرعي للعنف الفيزيائي والعنف الرمزي".

وقد كان للدولة التركية ـ المصرية دورا تأسيسيا وعميقا في تشكيل هذه الوضعية ولكنها عجلت في تكوين مضاداتها بسبب أسلوبها النهبي الميال للعنف مما أدى إلى قيام الثورة المهدية. عنه أنه الخراج بعينه لماذا كانت الثورة (مهدية)؟

الإسلام في السودان وتضخُّم الوعي الأسطوري:

إن دخول وانتشار الإسلام في السودان قد ارتبط بظروف تاريخية معينة، فالغالبية العظمى من الناقلين للثقافة (العربية الإسلامية) للسودان، عبر تلك القرون المتتطاولة، كانو في الواقع من الأعراب، الذين يمثلون القبائل والفئات الهامشية في الجزيرة العربية والمناطق الأخرى من الامبراطورية الإسلامية. وهم بذلك لم يكونوا ذوي (علم) بالإسلام، فكان من الطبيعي أن ينقلوا معهم الطابع الأسطوري، ليضيفوه إلى مخزن الأساطير المحلية. وبمرور الزمن، تفاعل هذا المخزون، ثم دخلت (المدرسية) في الأنماط الصوفية، التي هي الأخرى ذات طابع أسطوري في الأساس، وتعقدت المسألة بكون غالبية صوفية السودان هم من الطبقات الدنيا أو الهامشية بين الصوفية في مراكز الحضارة الإسلامية، فكان من الطبيعي أن تكون النتيجة تضخم الوعي الأسطوري، ويمكن الرجوع إلى "طبقات ود ضيف الله" للوقوف على جانب من مدى هذا التضخم.



الثورة المهدية:

لأي ثورة ظروفها الموضوعية. والظروف الموضوعية لقيام الثورة المهدية معروفة لحد كبير، أما محدداتها فهي في محل (جدال). ولا شك في أنها ثورة مكتملة ولا تضاهيها في الجسارة إلا القليل من الثورات. ولكن لماذا اتخاذها الشكل الديني الاسطوري المتمثل في فكرة (المهدي المنتظر) التي لم تفلح في مراكز الحضارة الإسلامية؛ مجال إنتاجها الأصلي؟؟

يعزي د. سمير أمين ذلك إلى الوضعية الهامشية للمجتمع السوداني، على مستوى الإطار الحضاري العربي ـ الإسلامي وعلى مستوى التفاعلات الحضارية الحديثة[15]. ويذهب أبو القاسم حاج حمد[16] إلى رأي مشابه، والصادق المهدي ضمنا في قوله "كان ]السودان[ قطرا مغمورا ليس له شأن فحققت له ]المهدية[ الشهرة والتعريف"[17]. ويمكن أن نضيف إلى ذلك أنه في المجتمعات ما قبل الرأسمالية عموما، يعظم دور الدين، (أيا كان هذا الدين) وأن المحددات والمحركات في مثل هذا النمط من البناءات الاجتماعية من الراجح أن تكون ذات طابع ديني. أما أن تكون (مهدية) فهذا يفسره تضخم الوعي الأسطوري في واقعنا. وإذا رجعنا إلى مفهوم رأس المال الرمزي فهو قد يتركز في (الصوفي صانع الخوارق) لذلك وجدت فكرة (المهدي المنتظر) الطريق ممهدا، وأضفى إليها (المهدي) المصداقية بممارساته. ولكن المهدية نفسها، التي صارت أساسا أيديولوجيا لمعتقديها تحولت إلى رأس مال رمزي أعاد إنتاجه (السيد) عبد الرحمن المهدي عبر آلية الوراثة، وقام باستثماره لتحقيق أهدافه الخاصة، التي هي في الأساس مصالح مادية ومعنوية تتناقض مع (مبادئ المهدية الأم)، وقام بإعادة بناء (عشيرة أبوية استبدادية)، "مقدسة"، ليضيفها إلى رصيد البلاد. ثم أورثها بعد لحفيده الصادق المهدي عراب المهدية الجديدة التي نحن بصددها هنا بنية الصراع في السودان:

مع نشأة وسيرورة الدولة السودانية، وتشكل الوضعية التاريخية (جدلية المركز والهامش)، ومن خلال التناقضات الاقتصادية والسياسية والجيلية والإثنية الثقافية والتحولات التي تمت مثل توسيع أشكال الحياة المدينية وتوسع قاعدة التعليم والإنفتاح على العالم، ومن ثم تطور وعي الهوية ووعي المصلحة، تطورت بنية الصراع في السودان وانقسمت إلى مستويين:

أ/ مستوى فوقي: مستوى الصراع حول كراسي السلطة: وهو صراع داخلي في حقل الثقافة الإسلاموعربية السائدة وكياناتها الإجتماعية، وعلى أساس "ثوابتـ"ها من أجل الاستمرار في السيطرة على جهاز الدولة من قبل العشائر الارستقراطية التاريخية (البيوتات الطائفية، الزعامات الصوفية، الزعامات القبلية) ومن أجل ارتقاء سلم التراتبية من قبل "الطبقات" أو الشرائح الأدنى في الكيان الإسلاموعروبي والقوى الحديثة المتواطئة معها أيديولوجيا.

ب/ مستوى الصراع الإثنى الثقافي بأبعاده الإقليمية، أي صراع الهويات (الصراع الكبير، صراع الكليات ضد كليات، أو بنيات تصطدم ببنيات)، وبعبارة أخرى، صراع المركز والهامش، الذي تطور إلى حرب أهلية قائمة على مستويات وعي متفاوتة. ولكن الشعار العام المضاد، في جوهره، هو رفض الهيمنة الإسلاموعروبية والمطالبة بإعادة بناء الدولة السودانية على أسس مغايرة. وهو ما نسميه (التحول التاريخي) أي الإنتقال من جدلية المركز والهامش إلى (جدلية التنوع داخل الوحدة).

وقد ظلت الصراعات حول المستوى الأول (أ) تغطي على جوهر الصراع في السودان. ولم يتم الإنتباه إلى ذلك إلا مؤخرا وخاصة بعد ظهور الحركة الشعبية لتحرير السودان
المهدية الجديدة؛ مشروع الصادق المهدي الأيديولوجي:

المهدية الجديدة هي تأسيس على البناء الذي أقامه الجد عبد الرحمن المهدي، الذي يسميه الصادق: الدعوة الثانية، وآخرون، المهدية الثانية. وهو بناء يتكون من:

1/ كيان الأنصار كمؤسسة دينية مرتبة بشكل هرمي يقوم على أساس قرابي باصطفاف الناس في قبائل تحت الشيوخ، واصطفاف الشيوخ تحت الوكلاء. ويتم التواصل مع قمة الهرم (الإمام والعشيرة المهدية) عبر المناديب، وهم مبعوثون دوريون إلى الوكلاء والقبائل. وقد تم ويتم استثمار (الراتب) وخاصية الوراثة كرأس مال رمزي ومحاور للتماسك العاطفي الضروري لعمل الأيديولوجيا، ومن ثم التحريك السياسي (الإشارة). والواقع أن كيان الأنصار هو كيان طائفي ـ ديني محافظ أشبه بالفيدرالية الإثنية منه إلى أي شيء آخر ويعيد إنتاج نفسه من خلال إعادة إنتاج علاقات القرابة والجهل كآليات تسمح للوعي الأسطوري بالإستمرار في إعادة إنتاج نفسه، ومن ثم التغطية على التناقضات الموضوعية في الحياة الاجتماعية بـ"الوعي المزيف". وعلى أية حال، فقد أثبت هذا الكيان عدم قدرته على التمدد في مجالات مستنيرة نسبياً.

2/ حزب الأمة: كمؤسسة سياسية هو في الواقع كيان الأنصار مطعما ببعض المثقفين/الأفندية، ومعظمهم من الإنتهازيين الذين يقايضون الطائفة بمؤهلاتهم لتقوم بتوصيلهم إلى قمة الهرم السياسي/الإجتماعي/الاقتصادي.

3/ دائرة المهدي: كمؤسسة اقتصادية، هي مؤسسة تمثل شكل من أشكال الإقطاع السوداني. إذ تقوم علاقات الإنتاج بين (السيد) و(الأتباع) على نمط (خليط من القنانة والعبودية)، فـ(الأتباع/الأقنان/العبيد) يقومون بالعمل الإنتاجي، وتكون الملكية (وسائل الإنتاج) للسيد؛ مالك الأرض وما عليها من موارد، على أن (يعلفهم) بالحد الأدنى من المعيشة مادياً و(يرعاهم) (روحياً): يعدهم بالجنة. وهذا من جانب آخر مثال واضح لنمط الأقتصاد الريعي العشائري ذي القاعدة العبودية الذي لم يتغير في جوهره حتى الآن.
أركيولوجيا الثروة:

مات الإمام المهدي، ولم يكن (يملك) ـ تقريبا ـ إلا سيفه الذي قدمه (السيد) عبد الرحمن المهدي للملك جورج ملك بريطانيا عدو المهدي الأول عربونا للولاء والإخلاص[18]. والمعروف ـ أيضا ـ أن الإمام المهدي، كان نجارا يأكل من عمل يده عملا بالحديث الشريف: "ما أكل ابن آدم قط طعاما خيرا من عمل يده".

وحتى عهد الخليفة، يقر (السيد) عبد الرحمن المهدي قائلاً: "لم يكن ما لدينا من مأكل وملبس يفوق شيء مما لدى عامة الأنصار..."[19]، ولكن في أيام الحكم الإنجليزي، تبدل الحال. إذ كان "أول المستفيدين من سياسات الحكم الإنجليزي هو السيد عبد الرحمن المهدي... ]فقد[ منحته الحكومة مقاولة تجهيز أخشاب لخزان سنار الذي شُيّد لري مشروع الجزيرة. ومن خلال استثمار رأس المال الذي كسبه ]من عمل الأتباع[ من هذه العملية وضع الأساس لنشاطه الاقتصادي الواسع إنطلاقا من زراعة القطن في جزيرة أبا... وبالإضافة إلى هذه الجزيرة وأراضيها الواسعة في النيل الأبيض ـ ]التي استولى على جزء منها من الأهالي وحولها إلى ملكيته بتواطؤ مع الحكومة الإنجليزية. المذكرات:18: 56[، كان السيد عبد الرحمن يملك مشاريع أخرى مولتها الحكومة بتكلفة بلغت 28000 جنيه... وفي الجزيرة نفسها بلغت مساحة الأراضي التي كان يديرها في 1931م حوالي 9600 فدانا. وبالإضافة للأرباح الكبيرة التي حققتها له الزراعة، علينا أن نضيف الزكاة، التي كان يجمعها من الأنصار منذ سنة 1919م سنويا وكذلك الهدايا التي كان يقدمها له أثرياء الأنصار. وهكذا أصبح السيد عبد الرحمن في عام 1935م من أبرز أغنياء السودان بكل المقاييس. وفي حالة السيد عبد الرحمن لم ينحصر الدعم في المشاريع الزراعية والمساعدات المالية فقط... ولكن الفنيين الزراعيين والمهندسين التابعين للحكومة قدموا له مساعدات كبيرة في تخطيط القنوات واستغلال الأراضي وتركيب الطلمبات. وهكذا، من خلال مثل هذه الأساليب قامت الدولة الكلونيالية بمساعدة السيد عبد الرحمن في بناء قاعدته الاقتصادية ليقود المهدية التي ورثها عن أبيه إلى طور جديد. هذه (المهدية الجديدة) أكدت قدرتها على قيادة جموع الأنصار، ولكنها كانت مجردة كلية من محتوى المهدية الأصيل المعادي للكلونيالية. وفي هذا الخصوص يشير نقد الله إلى القصص الشعبية التي تقول إن السيد عبد الرحمن استطاع تنظيف أراضي الجزيرة أبا من الأشجار وزراعتها عن طريق استخدام الأنصار، الذين كان يقول لهم أن كل واحد منهم يقطع الأشجار من شبر من الأرض ويزرعه سيعوضه الله نفس المساحة في الجنة..."[20].

ورث الصادق المهدي هذا البناء، وهو يجلس الآن على قمته، يأكل من ريعه، ويلعب البولو ويترفه، ثم يأتي لـ(يحجِّي) الناس عن (العدالة، الديمقراطية، الشمولية، والشمولية الإثنية... إلخ). وبالإضافة لكل ذلك، من هو الصادق المهدي؛ منتج الخطاب؟ فبناءاً على تأكيدات إريك فروم، وطالما أن الأيديولوجيات ـ في جانب من جوانبها ـ عبارة عن (رغبات) وبنى (لاواعية) (نزعات)، وهذه من محدداتها: الوضع والتربية، فلنتفحص منتج الخطاب حتى لا تتأشكل علينا تداخلات النزعات والبنى اللاواعية في ما سيأتي:
منتج الخطاب:

خلفيات النزعة التنظيروية التجريدوية:

ولد الصادق المهدي عام 1936م، في كنف العشيرة المقدسة، تحت جناح جده عبد الرحمن المهدي لحظة بلوغه قمة الوجاهة الاجتماعية/الاقتصادية ـ وهو طبعا يملك الدينية ـ وبروز طموحه في "القيادة السياسية للمثقفين" (المذكرات:18: 13) ومن ثم السعي "بالتدريج للوصول إلى سودان مستقل تكون له ولأسرته فيه السلطة السياسية الكاملة" (نفس المرجع: ص17). وكان من المفهوم أن يتم إعداد الصادق لمهام الوراثة. و(السيد) عبد الرحمن يعرف جيدا مفاتيح المستقبل. وفي رحلة الإعداد هذه تم زرع الرغبات والحاجات الإضافية إلى رغبات وغرائز ومصالح من هم عاديين من الناس. فإبن العشيرة (سيد) منذ ميلاده، زعيم في طور التكوين، يأمر فيطاع، يشير إلى أي شيء فيصبح ملكه (بوضع الإشارة، على وزن وضع اليد ـ ذلك القانون الذي تم بواسطته الاستيلاء على الكثير من أراضي شعب السودان)، هو لا يلعب سكّج بكّج مع (رفاقه ـ إن جاز التعبير) في المدرسة أو الحي! فهم يعملون له ألف حساب، لأنهم يعرفون وضعهم (الطبقي) من هذا (السيد) (المقدس)! وهو أيضا يشعر بذلك، وربما يدركه. كان متفوقا في (حفظ الكتب والنظريات)، فسار في الطريق إلى الحد اللازم للمهمة التي (خُلق) من أجلها: أن يحكم الناس. قبل سنين الدراسة، وأثنائها، وبعدها، لم يعمل أي عمل سوى رئيس حزب، ولما بلغ الثلاثين من عمره، عمل رئيس وزراء. ولهذه أناخ أخطر رجال الدولة السودانيين (المحجوب)؛ وبانت بعض خصائصه للناس:

أ/ معرفته بالواقع (بُرجعاجية ـ بتعبير صحافة الديمقراطية الثالثة)، (فهو يعرف سكج بكج، ولكن من مشاهدة الملازمين (الخدم) لها أو من حكاية حكاها له أحدهم؛ وسياحية على شاكلة: "بعد تخرجي من الجامعة في بريطانيا أحسست بالغربة التي اتصلت أثناء سنين التعليم لدرجة آليت على نفسى ألا أغادر السودان مرة ثانية!... كان هذا عام 1958م. وصح هذا العزم لنحو عشر سنوات بقيت أثناءها داخل السودان مترحلا داخله إلى أن طفته مرتين"[21] ثم بعد ذلك إنضافت إلى وسائل المعرفة بـ(الواقع) التقاريروية الحزبية، على شاكلة (دراسة وتوصيات الورشة زودتني بمادة استفدت منها وكتبت ورقة بعنوان: ... إلخ)، وليست المعرفة السياحية والتقاريروية عيبا في حد ذاتها، ولكن العيب في اعتماد أن تكون هي المصدر الأساس ويُظن بأنها أو يتخذ منها الطريقة المثلى (أو على الأقل الكافية) للمعرفة بـ(الواقع)؛ وهو في ذلك ضحية وضعه، فلسوء حظه أن المعايشة وإحساس المساواة المتبادل هو شرط أساسي من شروط المعرفة الحقيقية بالناس. وهذه مشكلة الرؤساء الأزلية، فحتى (أبناء التراب) عندما يصيرون رؤساء ينفصمون عن الواقع.. فما بال الذي ولد رئيساً!). ولكن مشكلة الصادق المهدي لا تتوقف عند هذا الحد.

ب/ تعامله مع الأفكار يتم بطريقة تجار الملجة: أولاً؛ حسب المواسم وحسب "الماشي في السوق"، وهو في الغالب لا يعنى كثيرا بطريقة الإنتاج ولا بالفائدة للناس، وإنما بما سيكسبه في ملجة السياسة السودانية. في الستينات، أيام المد الإشتراكي والإبداع الرأسمالي، خرج الصادق المهدي على الناس بدعوى السندكالية (Syndicalism) وهي مذهب أنتجه البعض في الغرب الرأسمالي: ويعرّف بأنه مذهب ثوري يسيطر العمال بموجبه على الاقتصاد والحكم عن طريق الإضراب العام، أو هي ـ السندكالية ـ نظام اقتصادي يملك فيه العمال مختلف الصناعات ويديرون شئونها، أما المعنى الثالث، ونرجح أن هذا ما كان يقصده الصادق المهدي؛ أنها نظرية في الحكم مبنية على قاعدة التمثيل النقابي، لا على قاعدة التمثيل الإقليمي/الجغرافي. الصادق المهدي يدعو إلى هذه النظرية ولكنه لم يسأل نفسه ـ والغريبة لم يسأله أحد في ذلك الوقت! ـ عن أي نقابة سيرأس حتى يصبح رئيسا للوزارة؟ لأنه حتى ذلك الوقت لم يسمع أحد أنه له عملا (أو ينويه) غير رئيس حزب أو رئيس وزراء، وحتى ذلك الحين لم يسمع الناس بنقابة إسمها "نقابة رؤساء الأحزاب" أو "نقابة رؤساء الوزراء"، أضف إلى ذلك استهلاكه الراهن لمصطلحات مثل التنمية المستدامة (Sustained Development) والديمقراطية المستدامة.. إلخ.
/ موقعه الأيديولوجي:

يقول د. منصور خالد: "لا يعد الصادق المهدي مجرد عضو نمطي ضمن الصفوة الشمالية، بل نموذجها الأصيل. وبما أن هذه الصفوة الشمالية ظلت مقتنعة بسموها وتفوقها الإثني، الثقافي، وبالفضيلة الكامنة فيها، فإنها بذلك لا تشعر بوخذ الضمير في سلوكها بفرض نفسها وصيا وموجها للآخرين..."[22] وتتجلى هذه الوصائية في كثافة استعمال الصادق المهدي لكلمة "ينبغي". وبالرغم من اتضاح ملامح الشخصية الاسبدادية في ممارسته القائمة: الإمساك بزمام كل شيء، فهو المفكر، رئيس الحزب والإمام والناطق الرسمي لدرجة أنه يطابق شخصه بـ"الحزب" ـ وهذه حقيقة يحاول إنكارها دوما بإدعاءات التجديد والاهتمام المستمر بالهيكلات، إلا أن الإعتراف يغافله في مقولاته: ففي صفحة 134 من كتاب العودة، يقول أن "أحد المواطنين... كتب في جريدة الخرطوم... يدعو لمنهج علمي لتقويم القادة والزعماء، واقترح المقاييس الآتية ]وأورد المقاييس العشرة ثم قال[ بهذه المقاييس ينال حزب الأمة تقديرا إيجابيا" بالرغم من أن المقاييس المفترضة لا تتكلم عن الأحزاب وإنما عن الزعماء، ولكنه يطابق بين الحزب والزعيم (وهذا ما هو حاصل في حزب الأمة بالفعل في الوقت الراهن).

وكل هذا على بعضه، قد يساهم في إضاءة الجوانب المتعلقة بالسيكولوجية/النزعة التنظيروية التجريدوية التي يلاحظها الناس في خطاب الصادق المهدي.
نقد الخطاب:

أ/ القضية الفكرية:

1ـ التأصيل والتحديث:

في الفصل العاشر، تحت عنوان البطاقة الفكرية لحزب الأمة، يلخص الصادق المهدي ملفاته الفكرية، وفي مقدمتها قضية التأصيل والتحديث. وتحدث عن التأصيل وقسمه إلى "تاصيل منكفئ" و"تأصيل مستنير"، وعرفهما باختصار، ولكنه سكت عن "التحديث"! لماذا يا ترى؟ هناك احتمالات عدة:

ـ أن يكون الصادق المهدي قد نسي الموضوع.

ـ أن يكون ظن أن التحديث هو التأصيل المستنير؛ أي أنهما مترادفان (Synonyms).

ـ أن يكون اكتشف تناقضا جوهريا بين مفوهم التحديث والتأصيل (يشوشر) على خطابه التأصيلي، فسكت.

ـ أو يكون لدى الصادق المهدي قصورا معرفيا بالتحديث والحداثة.

ولقد قمنا بالبحث والإستقصاء في كتاباته السابقة علنا نعثر على إضاءة ما، وفي الفصل الثامن من كتابه "تحديات التسعينات" ـ ذي الطابع (الفكري) ـ عثرنا على بعض التفاصيل الإضافية التي يمكن إدراجها في سياق ما أسماه بالتأصيل المنكفئ والتأصيل المستنير ضمن المحاولات الشكلانية في سبيل (نسف) العلمانية. وعلى أساس النتائج التي توصل إليها خط "نهج الصحوة أو النهج التجديدي"[23]. ويمكن أن نفهم من هذه المحاولات موقفه الضمني من "التحديث".

ومهما يكن من أمر، فإن هناك حقيقة هي؛ أننا لا نتكلم في فراغ تاريخي، والتحديث ـModernization ـ في السياق التاريخي الراهن، سواء بالمنظور الجدلي، أو بالمنظور البنيوي، هو فعل الحداثة ـ Modernity ـ التي هي الأساس الفلسفي/النظري القائم على قواعد أهمها:

1/ مشروعية الإبتكار/ الإبداع/ الخلق، ومن ثم اتخاذ المستقبل معياراً والتوجه إليه هو الدافع.

2/ العلمانية: بمعنى اعتماد نسبية المعايير على مستوى المعرفة والممارسة الإجتماعية، والقطيعة (بالمعنى العلمي/التاريخي/النسبي) مع البنى الفكرية الأسطورية والدينية الإطلاقية ـ أي جعلها مقيسة وليست مقياساً. ومن ثم القطيعة مع مشروعية الأسلاف وبناهم الإجتماعية، أي جعلها موضوعا للتحويل بمعايير المستقبل.

وبهذا المعنى، فإن التحديث لا يعني التأصيل (الرجوع إلى أصل) المستنير بأي حال من الأحوال، بل هو النقيض البنيوي له ولأي تأصيل آخر. وإذا اكتفى الصادق المهدي بـ"التجديد" كان سيكون متسقا أكثر مع أسس خطابه الفكري، فالتجديد هو باختصار "إضافة عناصر أخرى إلى نفس البنية (الأصل) وبشروطها؛ وبالمعنى المبتسر جداً: تغيير شبابيك وطلاء الجالوص.. إلخ. بينما التحديث هو تفكيك بنية قديمة (الأصل) وإعادة إنتاجها في بنية جديدة مقترحة (أكثر تقدما) وبشروط البنية الجديدة. وبالمعنى المبتسر: إقامة عمارة مكان الجالوص.

غير أن الشيء المهم هنا هو أن "الحداثة" كمعطى تاريخي، هي المرجعية الفلسفية للأفكار (العزيزة) التي (يدعيها بالمجان) خطاب التأصيل المستنير، وهي؛ الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والتعددية، ..إلخ إلخ، التي هي نتاج سيرورة الحداثة التاريخية. ولم تستمد مشروعيتها لا من البنى الفكرية للأسلاف (الأصل) ـ البنى الفكرية الأسطورية والدينية الإطلاقية، ولا من البنى الإجتماعية لهؤلاء الأسلاف (الأصل) ـ العشائر الأبوية الاستبدادية، بل هي نتاج كفاح ضد هذه البنى، وأن ما تحتله من حيز هو مقدار ما هدمته من هذه البنى وهي لا تتقدم في الفراغ، وإنما على حساب هذه البنى نفسها.

أما دعوى "التنوع البشري الخلاّق" التي أطلقتها اليونيسكو، وأخذها الصادق المهدي ليحاجج بها حول (بديهة) أهمية مراعاة الإنتماء الديني، فهي في الأساس صادرة من موقع العقلانية، وتنتمي للحقل الفكري للحداثة والعلمانية، إعمالا لمبدأ النسبية الذي يسلم بعدم نفي الآخر وإنما "تحديده" ومبدأ مساواة الخصوصيات (ومنها الدينية) كشخصيات اعتبارية أمام الدولة أو الجهاز المسيطر الذي يشمل بأحكامه الجميع و"يطالب باحتكار العنف الفيزيائي والرمزي" ويفترض فيه الحياد ـ وهذا المبدأ يتكلم عن الأديان بشكل عام وليس الإسلام أو الأديان السماوية أو ما يسميه فقهاء الدساتير السودانية "كريم المعتقدات" فحسب، وإنما تسلّم بالمساواة المبدئية بين "اللاة" و"الله"، و"المهدي" و"الكجور". ولا نحسب أن الصادق المهدي صادق في (إيمانه) بمبدأ "التنوع البشري الخلاق"، فهذا مجرد تجلٍّ لطريقة تجار الملجة. وعلى أساس هذا التحليل، يصبح ما أسماه الصادق المهدي بـ"الموقف الصحيح"، وهو فعلا موقف صحيح، بالنسبة لقضية الدين والدولة، المستمد من مطالب العلمانيين وغير المسلمين في السودان، ومنفستو "اليونيسكو"، لا علاقة له به وإنما هو مجرد "كلام منفستوهات" على وزن "كلام جرايد"، والعلاقة بين الصادق المهدي و"الموقف الصحيح" علاقة غير حقيقية، لأنه يستعمل هذا الأخير هنا منبتاً عن سياق بنيته الفكرية وغاياته السياسية.

2/ قضية الديمقراطية:

لا نظن أن أحداً قد استعمل كلمة الديمقراطية وأدعى (إنتسابها إليه؛ فهو الأصل طبعا!) مثلما فعل الصادق المهدي، الذي يقرر أن: "الفرق الأساسي ]بين الديمقراطية والشورى[ هو وجود أو غياب مؤسسات" (العودة:146)، على أساس أن "الشورى قيمة إيمانية غير مصحوبة بمؤسسات... أما الديمقراطية فقد بلورت مؤسسات" (نفسه:146)، وهو يبدو متأكدا هكذا، وقاطعاً، حتى أنه لم (يتحرفن) ويقول مثلاً: (أهم الفوارق) أو (أحد الفروقات الأساسية)، فهل صحيح أن الفرق الأساسي ـ لاحظ الأساسي هذه ـ هو وجود أو غياب مؤسسات؟؟

للإجابة على هذا السؤال، لابد أولا من تعريف المؤسسة، وهي ببساطة، وحسب القاموس:

Institution is:

… long-established custom, practice, group, etc. e.g. marriage is a sacred institution



أي هي عادة، ممارسة أو جمعية راسخة. هكذا بكل بساطة. ومجلس العشيرة، أو مجلس القبيلة، أو أهل الحل والعقد أو مجلس الشورى، كل هذه أشكال قائمة لمؤسسات الشورى، بل يذهب هاني الدرديري في رسالته العلمية التي نشرها بعنوان "نظام الشورى الإسلامي مقارنا بالديمقراطية النيابية المعاصرة" إلى ما معناه أن الدولة في الحضارة الإسلامية هي مؤسسة الشورى ـ بغض النظر عن التجاوزات التي حدثت. (الدرديري،1991، بدون عنوان ناشر). والشورى ـ عموماً ـ ليست مجرد "قيمة إيمانية" كما يقرر الصادق المهدي، بل هي في جوهرها ممارسة تاريخية ملازمة لبنية إجتماعية معينة هي "بنية العشيرة الأبوية الاسبتدادية" بغض النظر عن (الدين الذي تتبناه هذه العشيرة المحددة)، وهي بالنسبة للإسلام ممارسة مستصحبة في الأساس، مع بعض التعديلات التي اقتضاها الاستصحاب، من الجاهلية. إذن، هذا ليس أساس الاختلاف أو التناقض في رأينا. ولتقصي تفاصيل القضية فلنستمع إلى شهادة د. حيدر إبراهيم: "ارتبط مفهوم الديمقراطية مع فكرة الشورى في الفكر الإسلامي المعاصر ضمن محاولات التجديد والمعاصرة، ولكن هذه المحاولة تدخل في إشكالية أساسية تنعكس على كل المجهودات التأصيلية والاجتهادات، خاصة حين يسعى المفكرون والمنظرون الإسلاميون عموما إلى إستخدام أدوات ومناهج إسلامية أصولية. فالرجوع إلى القياس أو الرأي أو الاستصحاب، لا يحل التناقض، لأن مفهومي الديمقراطية والشورى ينتميان إلى بنيتين فكريتين مختلفتين، ولهما عناصر وجزئيات ومكونات مختلفة ومتباينة، وتطورت ضمن سيرورات تاريخية وظروف اجتماعية مختلفة تماما، لذلك يظل إنتزاع مفهوم من سياق بنيته الفكرية عملية معقدة، وفي بعض الأحيان تضر بالإثنين، إذ يفرغ من مضمونه الأصلي، وفي نفس الوقت يصعب دمجه أو تمثيله في البنية الأخرى. ونعتمد هنا على التعريف الأنثروبولوجي الذي يقول بأنه لابد للبنية أو الهيكل من أن يكون نظاما، أي تراص العناصر، بحيث يكون كل تغير في عنصر ما تغيرا في كل العناصر الأخرى"[24].

وبالرغم من ذلك، فالصادق المهدي لا يقر بوجود تناقض في الأسس النظرية بين الشورى والديمقراطية، وهو على هذا الأساس يقول "إننا ندعو للديمقراطية ونعتقد أن كل التوجيه المطلوب والتوازن المراد يمكن أن يضما في ميثاق وطني ملزم للجميع في نصوص الدستور الملزمة" وعلى أساس "التأصيل المستنير" الذي ينسفه هذا التحليل، فالديمقراطية عند الصادق المهدي "ينبغي أن تؤصل اجتماعيا وثقافيا لتلائم ظروفنا، لتصبح متجذرة في حياتنا السياسية" (العودة:148) وهو هكذا يتبنى الأجراء المقلوب، فبدلا من أن نوفق أوضاعنا الاجتماعية والثقافية وظروفنا لتتلاءم مع الديمقراطية (أي نقوم بتحديث أنفسنا بالقيام بتحولات جذرية في المجتمع) ـ لأن المشكلة في (أوضاعنا) وليست في الديمقراطية، (يؤصلها) الصادق المهدي! وإذا تأصلت الديمقراطية وتلاءمت مع ظروفنا (بنية العشيرة الأبوية الاستبدادية) فإنها بالتأكيد لن يبقى من ديمقراطيتها شيء يذكر، إلا الهياكل بلا مضمون، وهو بالضبط ما يريده ويمارسه الصادق المهدي سواء في حزبه أو حينما يحكم السودان.

وبمثل هذا (المنطق) يرقد الحجر والبيضة في أمن وأمان! بعد أن تم تجريدهما من هويتهما؛ تجريد الديمقراطية من مضمونها وتحويلها إلى مجرد هياكل (تسمى مؤسسات) وإلباس (الأخت الشورى) بنطلون جينز للخروج بها إلى سوق العصر! وإخفاء التناقض، بالضبط كما يحدث في "حزب الأمة الجديد"!

وما ينطبق على الديمقراطية، ينطبق على أطروحة حقوق الإنسان بالكامل، ولا داعي للتكرار.

وإنطلاقا من هنا ـ الأسس الفكرية ـ يستمر الصادق المهدي في خلق الإلتباسات: ففي حديثه عن علاقة الدين بالدولة يرفض مبدأ فصل الدين عن الدولة/السياسة بحجة أن "الدين يدخل في الحياة، والسياسة جزء من الحياة. والمؤمن بدين لا يستطيع أن يستمر مؤمنا ويطرد دينه من حياته" وهذا شكل نموذجي للتلبيس! فأولا؛ لم يقل أحد في علاقة الدين بالدولة الديمقراطية بأن يطرد المؤمن دينه من حياته وإنما ألا يفرضه على حياة الآخرين. وثانياً، إذا كان الصادق المهدي يقر بأن السياسة (جزء) من الحياة، فلماذا لا يكون الدين ضمن أجزائها الأخرى؟ ولنحلل مقولته لنعرف كيف يصنع الالتباس:

1/ السياسة = جزء من الحياة (معادلة الحقيقة)

2/فصل الدين عن السياسة = طرد الدين من الحياة. (معادلة الإلتباس)

لأنه يجعل من:

3/ فصل = طرد (معادلة التلبيس)

4/ السياسة = الحياة (معادلة التناقض)

وضمن ألعوبة الألفاظ يتم إخفاء التناقض، ويقوم هو بإخفاء الإلتباس باستعمال متلازمة "ينبغي" فـ"المبدأ الذي ينبغي إقراره في هذا الصدد، أن المؤمن مهما استهدى بدينه ينبغي ألا يحاول إخضاع الآخرين له. وأن يحترم التعددية الدينية". هذا هو (المبدأ) العلماني، وهو صحيح ولم ينزل من السماء وإنما نشأ نتيجة سيرورات تاريخية وتجارب، وهو أساس التطبيقات في الدول العلمانية، والتجربة البشرية تقول أنه لم يتم تطبيق هذا المبدأ إلا حين تم فصل الدين عن الدولة/ السياسة. ونحن نطالب الصادق المهدي بإيراد مثال واحد طُبّق فيه هذا المبدأ في الدول غير العلمانية، والإسلامية بالذات خلال القرون الأربعة عشر التي مرت وفي التجربة المعاصرة حتى يكون كلامه (موضوعيا) وقابلا للإقناع. أما الإتكال على "ينبغي" فلا يحل المعضلة، ثم قوله أن الدولة لا تستطيع أن تعمل وكأن الدين غير موجود.. ]و[ أنه لا يمكن إلغاء الوجود الحركي للدين في المجتمع" فهو تحصيل حاصل وتقرير بديهة، بل الدولة لابد أن تعمل على تحديد الدين في حدوده أولا، ومنع المتدينين من محاولة إخضاع الآخرين لأديانهم. وهنا تتجلى الذهنية الإطلاقية: فهو يفهم مسألة الفصل القائمة على مبادئ النسبية فهما دينياً مطلقا ويعبر عن هذا الفهم باستعمال كلمات مثل (طرد، إلغاء،..إلخ) هذا عوضا عن ما بهذا الإستعمال من شبهة استغلال سياسي لتهييج المشاعر.

أما محاولته للاستدلال على "تدّين" أهم ثلاث دول علمانية، بالإشارة إلى كنكردات (عهود) الدولة الفرنسية مع الكنيسة الكاثوليكية، وظهور الصليب في العلم البريطاني، ووجود اللوبي اليهودي ووجود النص "توكلنا على الله" في الدولار، فهي من جانب تلغي إطلاقاته في (طرد، إلغاء، ..) ومن جانب آخر تؤكد أن من يتابع الشكلانية تفضي به إلى السذاجة. فالحقيقة أن الدين في هذه الدول المذكورة قد وُضِع في حدوده بفعل السيرورات التاريخية والتحولات الاجتماعية التي أدت إلى ترسيخ العلمنة وفصل الدين عن الدولة وتجاوز الأشكال الاستبدادية في أنظمة الحكم إلى غير ما رجعة، وأن الدين بعد هذا (التحديد) الطويل، سلّم وتحول إلى مواطن عادي ضمن مواطني الدولة وليس الدولة أو فوقها. وهذه قيمة لم يفهمها المنظرون الإسلاميون بعد. وأن هذه الأشكال/الأدوار الرمزية، مجال الدين الحقيقي، التي ذكرها الصادق المهدي تنتمي إلى حقيقة أخرى، هي أن (الدين)، في المجتمع البرجوازي/الرأسمالي، بالفعل، "بنية فوقية". وأن "البنية التحتية" التي هي علاقات الإنتاج هي المهيمنة في بنية الدولة، لذلك لا يستطيع الدين أبدا أن يدّعي أنه الدولة ـ فهو يعرف قدر نفسه جيداً.
ومشكلة الفكر الإسلامي عموماً أنه لم يتم حتى الآن تشكل بنى إجتماعية قادرة على إعادة طرح (الإسلام) خارج سياق بنية العشيرة الأبوية الاستبدادية وعلاقات الإنتاج الريعية الخراجية. أي أن التنظير في هذا المجال يتكل على "ينبغي"، وحتى على مستوى "ينبغي" هذه، تظل المشكلة في السودان أن مسئولية الرفض تقع على عاتق الدين (المختار) الإسلام وعلى الثقافة المختارة الإسلاموعربية، وفي الإثنية المستعلية المسيطرة الإسلاموعروبية التي يمثل الصادق المهدي نموذجها الأصيل. فهي الجهة التي تناقض شروط "ينبغي" التي يحاول الصادق المهدي أن يقنعنا بها عن طريق التقريرية الإعتباطية. ثم يأتي بعد ذلك ويطالب أن لا يحاكم الإسلام والعروبة! والسؤال هو: لماذا يحاكم الإسلام والعروبة في السودان؟ فبالإضافة لما ذكرنا سابقاً فالمحاكمة ليست فقط بسبب ممارسات الإنقاذ التي يريد الصادق المهدي أن يجعل منها كبش فداء، بل بسبب ممارسات الصادق المهدي وأسلافه أيضا. وثم أنه ليس فقط لأن الإسلام إسلام والعروبة عروبة، ولكن لأنهما ـ بكل بساطة ـ يحكمان الناس وبالقوة، وبالتالي، على الحاكم أن يتوقع المحاكمة من المحكومين. وهذه بديهة، فالناس في زامبيا أو نيكاراقوا لا يحاكمون الإسلام ولا العروبة. ولكن ـ من جانب آخر ـ فمستجدات العصر هي التي صارت تحاكم كل شيء.
3/ قضية التنمية:

التنمية المستدامة:

يقدم الصادق المهد\ي تحت هذا العنوان طرحا جاء متماسكا نظريا في مجمله. والسبب في رأينا يرجع إلى تخليه عن أسلوب التلبيس الديني الذي ظل يمارسه في طرح القضايا الأخرى. وذلك ـ من ناحية أخرى ـ لسبب جوهري هو أن الصادق المهدي لا يسلم بوجود نظام إقتصادي إسلامي، فـ"على صعيد الاقتصاد: نزل الوحي بمبادئ عامة للاقتصاد مما لا يختلف عليه الناس مثل التعمير، والتكافل، ومنع الاستغلال وغيرها، ولا يوجد نظام إقتصادي بأجهزته وضوابطه لتحقيق هذه المبادئ ]والحقيقة أنه يوجد نظام إقتصادي إسلامي هو أقتصاد الريع والخراج الذي ظل يمارس على مدى تاريخ (الحضارة الإسلامية)، ولا يزال، وإن إختلفت بعض عناصره، والصادق ينكره لأنه يجرد الإسلام من تاريخه، حين تقتضي الضرورة، أي أنه يجعل منه مجرد كائن إبستيمولوجي ويتعامل معه على هذا الأساس[، الأجهزة والضوابط، أي النظام الإقتصادي الذي يوافق مقاصد الشريعة ]إذا فُهمت بأنها المبادئ العامة التي نزل بها الوحي تصبح تقرير بديهة لا تخص الدين فحسب[ هو من وضع البشر"[25]. وكان بالتالي، أن وضع التنظير للتنمية في موضعه الصحيح، ولم يحشرها في التأصيل المستنير باعتبارها (كائنا وضعيا) بالجملة والتفصيل، ولم يفصلها بالتالي عن سياق البنية الفكرية الحديثة عموماً، والتنظير الحديث "الوضعي ـ العلماني" خصوصا، باعتبارها تحولا اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا.

ولكن إذا نظرنا إلى الجانب الآخر ـ العملي ـ تبرز تناقضات الصادق المهدي مع خطابه في الواقع. فنحن لا ننمي الفراغ، وإنما هناك واقع (أصل) قائم وبه إشكالات جمة (التخلف). والصادق المهدي يتناول بالنقد جزءا من هذه الإشكالات، وقد اكتفى بنقد أنظمة الحكم الشمولية، وإلقى باللوم على الأنظمة "الديمقراطية"، ولم يتطرق إلى البنى الإجتماعية الإقتصادية! وبالتأكيد، فالوصف والتشخيص الصحيحان للواقع يسوقان إلى المعالجات الصحيحة والتطبيقات الصحيحة للتنظيرات الصحيحة. وكما ذكرنا سلفاً فإن الدولة السودانية هي وضعية تاريخية، وصفناها بأنها بنية مركز وهامش لمجتمعات ما قبل رأسمالية يسودها نمط العشيرة الأبوية الاستبدادية واقتصاد الريع العشائري على مستوى (الاقتصاد الجزئي) والخراج على المستوى (الاقتصاد الكلي) مع استمرار القاعدة العبودية في تقسيم العمل وعلاقات الإنتاج. والسبب في إخفاق الأنظمة "شمولية كانت أم ديمقراطية" في إقامة التنمية يرجع في الأساس إلى إشكالات هذه البنية الاجتماعية/الاقتصادية التي تتناقض مع التنمية، بل وتتجه سالبا في أغلب الأحيان، خاصة بعد اكتمال سيطرة العشائر الطائفية والصوفية والقبلية ـ المحافظة بطبيعتها ـ على جهاز الدولة وتحالفها مع البيروقراطية التي يقودها أبناه هذه العشائر. وتمتلك العشائر المذكورة وسائل الإنتاج وخاصة الأكثر تطورا، وتحرسها الأجهزة النظامية والبيروقراطية التي تكافئ نفسها بالغنى من الخراج (ريع الدولة) المسمى (الضرائب) التي تؤخذ من المواطنين ولا ترجع إليهم، أو في أفضل الأحوال منقوصة نقصا فادحا، أي أن البيروقراطية والنظامية، صارت تعطل دورة الإقتصاد التي أنشأها النظام الإنجليزي بتوجهه شبه الرأسمالي الذي يأخذ من الناس الضرائب ويقدم لهم الخدمات التعليمية والصحية ويقيم البنى الأساسية (أدوات الري، الطرق، السكة الحديد، التلفون.. إلخ إلخ) وهذا يعني أن النظام الاقتصادي قد تغير وعاد إلى أصله الريعي الخراجي بعد الإستقلال بواسطة (التأصيل المستنير الذي كان يسمى السودنة)، ولم يعد هناك بالتالي تنمية ولا يحزنون! لذا لن يحدث تغيير وتنمية ـ حقيقيين ـ ما لم يتغير الوضع من خلال تغير ترابط المصالح القائم اليوم،
أي تغيرات جذرية في الأسس التي تقوم عليها الدولة والبنى الثقافية/الاجتماعية/ الاقتصادية، وخاصة أنماط المؤسسات مثل "دائرة المهدي". لأن "تحرير الإقتصاد" ـ إذا سلمنا بمبدأ الرأسمالية ـ يتطلب تحرير العبيد/الأقنان/الأتباع ليصبحوا عمالا (أحرار) في سوق العمل. وتحرير الأرض ووسائل الإنتاج من قوانين العشيرة الأبوية، وتحرير العقول من ثقافة احتقار العمل (عند السادة) واحتقار العمل اليدوي والحرفي الذي يعتبر (عمل العبيد) في الثقافة الإسلاموعربية المهيمنة في السودان وتحرير الآخرين منها وتحرير المرأة من قيود الفكر الديني خاصة، وتحرير أشياء أخرى كثيرة، وما لم يحدث ذلك، أو على الأقل يجري العمل عليه، فلن تقوم للتنمية أية قائمة.

وخلاصة القول في الجانب الفكري، أن الصادق المهدي يمارس "التشبُّح" الفكري بوضع رجل في التقليد والأخرى في الحداثة، ويمارس التلفيق بنزع المقولات من سياق البنى الفكرية التي نشأت فيها ولزقها في أخرى بآلية أقرب إلى التقريرية الاعتباطية. وكما يظهر لنا من التحليلات أعلاه أن التناقض في خطابه الفكري يعكس تناقض وضعيته الاجتماعية؛ فهو رجل تعليمه ووسائل حياته حديثة، ويعيش على ريع مؤسسة غاية في المحافظة والتقليدية. وكما أنه يكسب "رزقه" (بدون عمل) فهو أيضا يكسب نظرياته (بدون عمل) ـ أي بطريقة وضع اليد. فهو حتى الآن، رغم كلامه الكثير، لم يمتلك شجاعة الأستاذ محمود محمد طه لتأسيس منهج للتأصيل المستنير (كنسخ الناسخ بالمنسوخ مثلا، الذي ضحى من أجله الأستاذ بحياته) نكافئه عليه.


ب/ القضية السياسية:

1ـ الخروج (تهتدون):

لم الخروج؟ والإهتداء إلى ماذا؟؟

يقول الصادق المهدي: "كانت هجرتي نتيجة للاستقطاب الحاد النافي للآخر المفضي إلى الاستئصال المغذي للاستئصال المضاد... ]ويفصّل ذلك بأن[ سياسات النظام ـ في ذلك الوقت ـ أدانت القوى السياسية الرئيسية في الشمال وخوّنتها، وعمقت المواجهة مع قوى المقاومة في الجنوب وكفرتها، واتخذت سياسات إقليمية ودولية توسعية، فأدى ذلك كله إلى تكوين تحالف عريض ضد النظام، تحالف سوداني، إقليمي ودولي"، وإذا حللنا الجزء الأول من المقولة بتاليه تصبح المعادلة كالتالي:

1/ النظام "المشروع الحضاري" = استئصال (معادلة الفعل الخطأ)

2/ تحالف سوداني إقليمي دولي "مقررات أسمرا للقضايا المصيرية" = الاستئصال المضاد (معادلة رد الفعل الصواب)

3/ الصادق المهدي "برنامج تفلحون" = تهتدون "معادلة التواطؤ الأيديولوجي"

والمعادلة الثانية إذا قرأنا تفاصيلها نجد فيها "برنامج وضعية دولة التنوع داخل الوحدة" ونجد ملامح تشكل "كتلة تاريخية" لاستئصال وضعية تاريخية متفسخة؛ "جدلية المركز والهامش" والوضعيتان المذكورتان نقائض تاريخية شرط تواجدهما التعاقب وليس التزامن، لذلك كان النظام منسجما في منطق إدانته للقوى السياسية الرئيسية في الشمال ـ كجبهات مركزية ـ وتخوينها لأنها في لحظة بدت حاسمة اختارت موقفا تكتيكيا مع نقيضها التاريخي: الهامش. ولكن الصادق المهدي كان له موقف آخر قائم على التواطؤ الأيديولوجي المباشر مع النظام، فعمل على:

أ/ هداية حزب الأمة إلى "الصراط القويم"، بدفعه للكف عن المضي في برنامج التحالف لأنه سيؤدي، لو قدر له الإنتصار، إلى تغيير أساسي يضر بمصالح الصادق والقوى التكتيكية في نهاية المطاف، وبالمكاسب التاريخية للكيان الإسلاموعروبي عموما بتجريده من بعض امتيازاته غير المشروعة.

ب/ هداية النظام إلى تغيير أساليبه، وتكتيكاته بالابتعاد عن سياسة التشدد واللجوء إلى سياسة النفس الطويل، للحفاظ على الوضعية التاريخية التي يستمد منها الكيان الإسلاموعروبي امتيازاته، خاصة وأن أي تغيير جذري للنظام سيحمل معه توازنا جديدا للقوى (وضع الحركة الشعبية كمعنى رمزي لقوى الهامش، وصورة أيديولوجية في ذهن الصادق للكتلة التاريخية) يخشاه الصادق المهدي والنظام بالطبع.

وسواء كان الصادق المهدي قد خرج بتخطيطه الخاص أو بالتواطؤ مع النظام (كما تذهب بعض التحليلات والتخريجات)، فإن المسألة تبقى هي هي؛ فالدور الذي لعبه الصادق المهدي كان في مصلحة النظام ومصلحة التوجه الإسلاموعروبي في السودان ـ وهذا أمر عادي، فهو بخروجه قد حقق (أو ساهم في تحقيق) الأمور التالية:

أولا: ساهم الصادق المهدي في إقناع الأنظمة العربية بالتهديد الذي تواجهه هيمنة الكيان الإسلاموعروبي في السودان، ومن ثم تخفيف العداء للنظام، وتهيئة المناخ لاستعادة النظام لعلاقاته العربية تدريجيا. وبالتالي أنقص التحالف السوداني الإقليمي الدولي جزءا إقليميا وأضافه في نفس الوقت إلى النظام.

ثانيا: أرجع خطاب الأزمة إلى حلقة قديمة، بتصوير الصراع وكأنه صراع فوقي حول كراسي السلطة، أو آليات الوصول إليها، وصارت المناظرات تجرى بين الصادق المهدي والترابي، وهما في الواقع جبهتين في سياق أيديولوجي واحد، وبذلك أضعف الصادق الجزء السوداني من التحالف ضد النظام.

ثالثا: نقل العلاقات بين حزب الأمة والحركة الشعبية إلى العداء بعدأن كان حزب الأمة "يدعو كل المليشيات القبلية في كردفان ودارفور والأجزاء الأخرى لبلادنا أن توقف فورا عداءها ضد الجيش الشعبي لتحرير السودان، وأن توجه أسلحتها صوب العدو المشترك ]النظام["[26].

ويمكننا أن نقرأ مواقفه من الجانب الآخر من الصورة، أي مواقف الإنقاذ. وإذا رجعنا إلى خارطة الصراع التي حددنا ملامحها سابقا، فإننا نرى أن الصراع بين الإنقاذ والصادق المهدي هو في مجمله صراع المستوى الفوقي حول كراسي السلطة، وليس فيه تناقض قومي أو أيديولوجي أساسي باعتبارهما من حقل أيديولوجي واحد "المركزية الإسلاموعروبية" والخلاف بينهما في آليات التنفيذ وكيفيات الممارسة وأولويات المصالح الفئوية. وقد تغيرت المواقف فيما بينهما حسب المراحل التي مرت بها الإنقاذ.

ففي مرحلة التمكين، كان هم الإنقاذ الأساسي توطيد موقعها (التمكين) في السلطة والدولة والاقتصاد، ومن الطبيعي أن يكون موقفها عدائيا من الصادق المهدي الذي انقلبت عليه. وهذه هي المرحلة التي استقوى فيها الصادق بالحركة الشعبية.

بعد أن مكنت الإنقاذ نفسها وحزبنت الدولة وزادت التناقضات بينها والآخرين مما أفرز الضغوط، الداخلية والخارجية، ولأجل توازن ما، لجأت إلى مرحلة الاحتواء، احتواء آثار ممارساتها ومغازلة القطاعات التي تقع في هامش مجال تأثير خطابها الأيديولوجي المتشدد بتوسيع مواعينها والتأرجح بين التشدد والاعتدال.

بعد "مؤتمر أسمرا وقراراته حول القضايا المصيرية" اتجهت للاستقواء بجبهات المركزية الإسلاموعروبية المعارضة، وكان أقربها الصادق المهدي، فبات من الطبيعي أن يقوم بدور الـ(Buffer) في تقسيم العمل الأيديولوجي للمركزية الإسلاموعروبية في حلبة الصراع المحتد. وبعد أن أنجز مهمته التي ساعدته في إنجازها ظروف بتغيرات في الوضع الإقليمي، وتراجعات التجمع بسبب الإشكالات الداخلية (التناقضات الأيديولوجية، اتخاذ بعض التنظيمات من التجمع مظلة تخفي تحتها إنشقاقاتها الداخلية وعجزها عن العمل، هذا بالإضافة لعامل الزمن بإطالة أمد الأوضاع التحالفية دون تحقيق تقدم = جمودها) انتقل الصادق إلى مرحلة أخرى، هي مرحلة العودة أو ما أسماه "تفلحون".

2/ العودة (تفلحون):

يقرر الصادق المهدي أن النظام صار يقبل بجوهر المبادئ المطلوبة لاتفاق سلام عادل:

المواطنة أساسا للحقوق الدستودرية والتعددية الدينية والثقافية (ويفسره بـ) الانتقال من هيمنة دين واحد وثقافة واحدة والدولة المعبرة عن ذلك إلى التعددية الدينية والثقافية والدولة المعبرة عن الجميع على أساس المواطنة ... والاستفتاء أساسا للوحدة الطوعية.

وجوهر المطلوب لتحول ديمقراطي: التعددية الفكرية والسياسية ومراجعة هيكل الدولة. وإحلال دولة الوطن ـ كما يقول.

وكل هذا مبني على تقرير مشكوك في صحته أن واقعا جديدا خلقه نضالـ"نا" (ويمكن تأويل الضمير هنا إلى عدة معاني) وأن النظام، الذي نراه كل يوم، تعامل معه والتطورات الداخلية والإقلمية والدولية في الفترة 1995ـ1998م، وبالتالي، صار يقبل المبادئ. وهذا الواقع يمكن قراءته من منظور آخر مرتبط بتحليلنا لتطورات الإنقاذ وتطورات مواقف الصادق المهدي:

ـ فخروج الصادق المهدي والدور الذي لعبه في المجال العربي، والتحول في الموقف المصري من النظام، وبروز تناقضات التجمع، والحروب الإقليمية بين الجيران وجمود الموقف الدولي عموما تجاه القضية السودانية مؤخرا، والإنشقاق الذي حدث في الإنقاذ وإنقسامها إلى تيارين والإجراءات التي اتخذت ضد الترابي، وهو انقسام أساسه في الواقع الوسائل والمصالح وليس المبادئ، وكان من نتائجه تنفيس الغضب لاعتقاد الكثيرين من الناس أن الترابي هو المسبب الأكبر للمشاكل، والتغطية بالتالي على جوهر الصراع.

وبالتالي، كان كل ذلك تحسين في وضع النظام، وفي مصلحة الكيان الإسلاموعروبي، واستراتيجية المدى الطويل. لذا، يمكن رد قبوله ـ أي النظام ـ للتفسير الإسلاموعروبي لـ"السلام العادل" و"التحول الديمقراطي" الذي يتفق مع تفسير الصادق المهدي الذي يرمي إلى تفادي أي تغيرات حقيقية للوضعية القائمة للدولة السودانية، وذلك لأنه في هذا الوقت بالذات فإن ميزان القوى يميل لمصلحته والصادق المهدي يريد أن يسرع لاستغلال هذه الفرصة "التاريخية" أي أن موقف الصادق المهدي والنظام موقف تكتيكي من قضية السلام العادل. ولكن المدهش حقيقة أن الصادق المهدي لا يكتفي بنسب هذه المبادئ لنفسه ويقسمها لجيرانه بل ويؤكد أن أن هناك رؤية مغايرة وينسبها للحركة الشعبية! والناس يعرفون أن هذه المبادئ التي ذكرها وسماها جوهر المطلوب، هي مطالب قديمة ظلت تقدمها جبهات الهامش وبعض القوى اليسارية والليبرالية وظلت تقاتل من أجلها جبهات في مقدمتها الحركة الشعبية، وهي بالذات التي ساهمت بالقدر الأكبر في عملية فرض هذه "المبادئ/المطالب" على طاولة النقاش والمنفستوهات رغما عن "نهج الصحوة". ولكن الصادق المهدي يقوم بالإستيلاء عليها هكذا بطريقة وضع اليد، ولا يكتفي بإدعاء مكليتها فحسب وإنما يوزعها على النظام بل وينفيها عن صناعها وملاكها الحقيقيين وينسب إليهم ضدها!! وهكذا، بمثل هذه الفبركة، تصبح الصورة معكوسة: فأصحاب المطالب الذين يقاتلون من أجلها يصبحون بـ"منطق" الصادق المهدي ضدها. والجهات المعنية بالمطالبة تصبح هي صاحبة المطالب/المبادئ!! هذه مفارقة غريبة وكأن المسألة كلها مسرح مخرجه الصادق المهدي، وكأن الجمهور ليس هو الجمهور. وقد يحسب البعض أن وراء ذلك المكر الشديد ـ وهذا أمر وارد في عالم السياسة ـ ولكننا نرجح أن ذلك يعود إلى شخصية "الطفل المدلل" الكامن تحت إهاب الصادق المهدي ـ الذي يحسب أن مجرد رغبته في الشيء تجعل منه ملكا له! يا صادق يا مهدي، أن هذه المطالب/ المبادئ لم تتحقق لأن هناك جهة تاريخية قائمة تمارس الأحادية الدينية والثقافية والشمولية..إلخ وليس هناك سببا واحدا يدعو الآخرين لرفضها ـ لأنها مطالبهم ـ إلا إذا كنت تعتقد أن هؤلاء يعانون تخلف (وراثي)، ولكنك أول المطالبين ـ بفتح اللام ـ بهذه المطالب.

وأيضا "إذا ساء فعل المرء ساءت ظنونه": فالجهة المتعودة على العيش فوق رؤوس الناس واستغلال عرق جباههم، الجهة المتعودة على ممارسة الهيمنة والتهميش والإقصاء والأحادية والشمولية (بمعناها الجوهري) لا تستطيع تصور "المساواة"؛ فقاعدة فهمها هي "أما أن تهيمن أو يهيمن عليك = ومن لا يظلم الناس يظلم (التي تدرّس في المدارس الثانوية)!"، وهكذا الصادق المهدي مسكون بهاجس "الهيمنة المضادة"، الذي إنطلاقا منه يفصل قميص الشمولية الإثنية ويزركشه بالألفاظ المتشددة ليصبح "الإنقلاب الإثني" ـ وهذا مجرد تحول لفظي لموقف مسبق يصف كل محاولة لمقاومة الهيمنة الإسلاموعروبية بـ"العنصرية" التي لم تعد مناسبة بعد انضمام أبناء الشمال الإسلاموعربي إلى حركات الهامش ـ ثم يتبنى موقفا من شيء لا وجود له في الواقع كبقية المخلوقات الابستمولوجية (الغول، البعاتي، الشكلوتة، الإنقلاب الإثني.. إلخ) بينما الحقيقة الواقعة أن هناك شمولية إثنية وحيدة قائمة في السودان هي الشمولية الإثنية الإسلاموعروبية التي يجلس الصادق المهدي على قمتها، ويعترف بها بشكل استهبالي "نعم كان لثقافة المركز في السودان هيمنة": يموه هيمنة الحاضر بـ"كان" ويموه عن كيانها الإثني الذي يمارس الشمولية الإثنية بـ"ثقافة المركز" ويسكت عن الطرف المهيمن عليه الذي هو في الواقع 55 مجموعة إثنية ثقافية. ولنفترض على سبيل الجدل، أن السلطة آلت إلى المجموعات، فبأي منطق يسمى ذلك شمولية أو إنقلاب إثنى؟! وما هو المعيار الذي على أساسه توضع المجموعة الإثنية الإسلاموعربية في مقابل 55 مجموعة إثنية أخرى؟ المعيار طبعا هو مبدأ اللامساواة النابع من الاستعلاء التاريخي والهيمنة القائمة في الواقع. ولكن حتى لو افترضنا أن الصادق المهدي يريد أن يقول أن هذا الإنقلاب سيقوم به الدينكا بقيادة جون قرنق، فهذا مجرد تصور يشف عن شيئين:

الأول: احتقار الصادق المهدي للوعي السياسي للدينكا ولجون قرن باعتبارهما جهات قاصرة عن فهم التاريخ. وبالتالي ستكرر أخطاء الاسلاموعروبية في السودان، أو قاصر عن الفهم في كل شيء فتقلدها.

والثاني: المكر الأيديولوجي: وهو سلوك في أغلبه لاواعي، يهدف إلى مبدأ فرق تسد، من خلال تخويف الجماعات الإثنية الأخرى من "عدو" نظري ومصطنع، والتمويه عن الـ"عدو" القائم بالفعل، وبالتالي سد الطريق أمام/ أو تأجيل قيام كتلة تاريخية قادرة على خلق التوازن الضروري ـ في القوة والوعي ـ لتحقيق مشروع التحول التاريخي في السودان.
تحليل معادلات الصراع:

أ/ المعادلة التي يصنعها الصادق المهدي للصراع على أساس الموقف من مبادئ/مطالب السلام العادل والتحول الديمقراطي لأسباب مؤقتة، سواء كانت حقيقية أو متوهمة:

الصادق المهدي = المبادئ/المطالب (استنتاج نظري)

النظام = يقبل (مجبر)

التجمع = يماحك (ليس هناك تبرير واضح)

الحركة الشعبية = تغاير (وليس ترفض فحسب، بل تخطط للإنقلاب الإثني)



يصبح قطبي التناقض هما الصادق المهدي والحركة الشعبية، وهذه نتيجة صحيحة في مضمونها، خاطئة في شكلها وتبريرها. ولكن إذا قرأناها بتفسير مبادئ السلام العادل والتحول الديمقراطي تفسيرا جوهرياً بمعنى ضرورة التحول التاريخي من وضعية جدلية المركز والهامش المأزومة إلى جدلية التعدد داخل الوحدة، مع الوضع في الاعتبار قانون الصراع الذي يقول "أن أي تغير جوهري/ أساسي لا يقوم إلا رغما عن أشياء قديمة قائمة"، تصبح المعادلة كالتالي:

الحركة الشعبية = التحول التاريخي (صاحب المطالب والمصلحة الأكبر)

التجمع = يقبل (صاحب مصلحة)

النظام = يرفض (متضرر)

الصادق المهدي = يغاير (المتضرر الأكبر)

وفي هذه المعادلة يبدو النظام في موقع أقرب نسبيا للتحول من الصادق المهدي، وذلك لأنه:

أولا: من الناحية النظرية، النظام أقرب نسبيا إلى الحداثة منه إلى التقليد باعتبار وسائل كسبه ومجال كسبه ذي الطابع المديني في المقام الأول، وهذا يعني قدرته على المنافسة والاستمرار في مجال التحول.

ثانياً: ارتباط مصالحه بتوجهات أقرب نسبيا إلى الرأسمالية منها إلى الريع الخراجي (بسبب الطابع المديني العام).

ثالثاً: بعد إنجاز (التمكين) تحولت الدولة إلى عبء أكبر من كونها مصدرا للكسب بعد التدهور الشامل، وهذا ـ في رأينا ـ ما جعل الترابي يبتعد ويستعد لدور جديد ومواجهة احتمالات أخرى.

إذن لماذا يرفض النظام التحول التاريخي؟

أولا: لطبيعته الأيديولوجية وموقعه المسيطر نسبيا

ثانيا: للتغيرات التي ذكرناها سابقا التي صبت في مصلحته، ولم يعد مضطرا بالدرجة الكافية لتقديم تنازلات جذرية.

ثالثا: لم تتشكل القوى البديلة بعد، بعد أن ضعف التجمع.

رابعا: هامش المناورة: فموقف النظام المبدئي من قضية الحرب والسلام مختلف جذريا، وأساسه الإيمان بالإنفصال بين الشمال والجنوب، وإنفراد التحالف الإسلامي العريض المكون من الحركات الإسلامية بجبهاتها العديدة مع قيادات حزب الأمة والإتحادي الديمقراطي بالسيطرة على دولة الشمال الإسلاموعربية. والنظام يعلم أنه ـ في هذه الحالة ـ لن تكون هناك معارضة جدية في المدى القريب، ثم أن الموقف الدولي سيتغير كلية تجاه الدولة الإسلاموعربية التي ستقوم في الشمال وسيتعامل معها ضمن سياق الدول العربية ـ الإسلامية.
ويتضح من ذلك أن قبول النظام الذي يتحدث عنه الصادق المهدي هو في الواقع قبول شكلي تكتيكي مثلما قبل من قبل مبادئ الإيقاد وظل التفاوض المباشر ـ الذي يعطيه الصادق المهدي أهمية قصوى ـ مستمرا، ولكنه لم يُحدث أي تقدم. وإذا قرأنا هذا مع واقع توصل الحركة الشعبية إلى إتفاق مع التجمع (بما فيه حزب الأمة في مرحلة تهتدون) على قرارات مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية، فإن ذلك دليل على أن النظام والصادق المهدي هم الذين يرفضون مبادئ "السلام العادل" بالمعنى الجوهري، أي التحول التاريخي للدولة السودانية. ومن الأساليب التي يتبعها الصادق المهدي إيراد أسانيد سماعية مثل "قال لي الرئيس اليوغندي موسفيني أن قرنق يريد كذا وكذا" في مسائل ليس فيها سرية أو تحتاج إلى شهادات من موسيفيني مثل أن قرنق يريد "تغيير هوية السودان أو أفرقته" ولكن ذلك رغبة منه للإيحاء بوجود مؤامرة في موضوع ليس سريا لأن مسألة تغيير هوية السودان أصبحت مسلمة في كل المنفستوهات بما فيها المنفستوهات التجريدية للصادق المهدي نفسه، أما مسألة أفرقته، فهذه أطروحة مثلها مثل احتمالات عروبته أو أسلمته، ومذكور حتى من الصادق على سبيل الاحتمالات، أليست (أو) تعني الاحتمال؟ ولكن المغزى الضمني هو (إقصاء) الاحتمالات الأخرى لهوية (السودان) في ذهن الصادق عبر صيغ الاستنكار هكذا.

وبعد أن يقوم الصادق المهدي بإلباس نقيضه ـ الحركة الشعبية، قميص "الشمولية الإثنية"، يعود لصيغة "كلمة الحق التي يراد بها الباطل"، يقول "المجموعات الوطنية السودانية مهما كانت ثقافاتها وانتماؤها الإثني تستطيع أن تتطلع لأية مراكز تريدها ما دامت تحترم حق المواطنة للآخرين بالوسائل الديمقراطية، ولكن المرفوض أن تتطلع إلى السلطة بالقوة تحت أي شعار أيديولوجي" (العودة:5) هذا الكلام صحيح في الإطار النظري، ولكن الواقع أن التطلع إلى السلطة لا يتم في الفراغ، والمنطق هو أنه إذا توفرت الوسائل الديمقراطية والفرص العادلة فلا نعتقد أن هناك مجموعة وطنية تتطلع إلى السلطة بالقوة إلا إذا كان لديها (أوهام استعلائية)، وهذا ينطبق على مجموعة واحدة فقط في السودان هي المجموعة الإسلاموعروبية. ثم أنه إذا كانت هناك جهة تحتكر السلطة وتمارسها شموليا، ولا تزال لا تؤمن إلا بالقوة فما هي الوسائل البديلة للقوة لمقاومتها؟ ثم ما السبب الذي يجعل الصادق المهدي يمنح حق "الاستفتاء أساسا للوحدة الطوعية" للجنوب فقط دون أبيي والأنقسنا وجبال النوبة طالما المشاكل هي من نفس النوع؟

تقول الفقرتان (ط) و(ي) من نداء الوطن[27]:

ط/ إكمال تلك الإجراءات في فترة إنتقالية قدرها أربعة أعوام، في نهايتها يستفتى جنوب البلاد بحدوده عام 1956م ليختار بين وحدة طوعية بسلطات لامركزية يتفق عليها أو الإنفصال.

ي/ معالجة قضيتي جبال النوبة والأنقسنا بما يحقق مطالبهم في القسمة العادلة للسلطة والثروة ]والقسمة العادلة للسلطة والثروة عبارة عن تكرار لفقرة عامة هي الفقرة (ز)[، في إطار السودان الموحد.

وهذا يؤكد إزدواجية معايير الصادق حول ما يدعيه حول السلام العادل.
الإخفاء والإظهار

في كيفية تفصيل الرؤى والاستراتيجيات والأجندات:

بعد أن فصّل الصادق المهدي الرؤى إلى اثنتين في البداية لتناسب نظام الكفتين وأقطاب التناقض: إلى رؤية المبادئ والرؤية المغايرة للحركة الشعبية، عاد ليقسم "الساحة السودانية الآن إلى ثلاث رؤى اساسية تتصارع:

ـ الثقافة المركزية ودولتها الشمولية، وهي رؤية ما زال يوجد من يتمسك بها وإن عدل من أساليبه ]فإذا تعاملنا هنا مع كلمة شمولية بمعناها الجوهري، فإن هذا بالضبط هو موقع الصادق المهدي[.

ـ رؤية المواطنة المتساوية وتعايش الأديان والثقافات والوحدة الطوعية والتحول الديمقراطي. ]وهذا يتناقض جوهريا ـ كما بينا سابقا ـ مع الأساس الفكري والأساس الموضوعي للصادق المهدي الذي يستمد منه مصالحه ووضعيته، ولكنه (يتسلبط) لاحقا في هذه الرؤية عن طريق منهج التقريرية الاعتباطية الذي ينتهجه كثيرا[

ـ رؤية الإنقلاب الإثني ودولته الشمولية الجديدة. ]افتراضية["

وبعد هذه الترسيمة، يقفز إلى ما يسميه صراع الأجندات:

في الفصل السادس من كتابه ـ العودة ـ يوزع احتمالات التحالف والمواجهة بين القوى السياسية السودانية على اربعة أقسام (أجندات)؛ وطنية، حربية، شمولية، وتدويلية، وينسب لنفسه ـ بالطبع ـ الأجندة الوطنية، ويكرر في مقدمة "أمورها الأربعة" و"نقاطها السبع" التي هي تفاصيل الأمور الأربعة: للسلام العادل والتحول الديمقراطي. ويقرر بأن التسليم بهذه المبادئ (النقاط) يعني فتح صفحة جديدة تسمح بتحقيق تطلعات الشعب المشروعة، ويقرر أيضا أن الحريات الأساسية وتمكين القوى السياسية من تنظيم صفوفها لتمارس دورها المشروع والتسليم بالاحتكام للشعب لحسم الخلافات السياسية وبالتداول السلمي الانتخابي للسلطة يعني إلغاء أي مبرر لحمل السلاح ]ويبقى بالتالي[ اتخاذ التفاوض المباشر وسيلة لتحقيق تطلعات الشعب.."

إذن هذه هي النتيجة التي أراد التوصل إليها بعد كل تلك التفصيلات.

ولكن من المقصود بهذا الكلام؟ المقصود طبعا الجهات التي تحمل السلاح: الحركة الشعبية، التحالف، والتجمع (افتراضا)، ويستضمن هذا الكلام، إذا قرئ مع تقرير سابق بأن النظام صار يقبل جوهر المبادئ المطلوبة للسلام العادل والتحول الديمقراطي، يبقى في كفة السلام الصادق والنظام. ومن واجب الجهات الأخرى أن تأتي إلى المفاوضات المباشرة (المفترضة). وهكذا فبالإضافة لتجلي النزعة التصوراتية التجريدة التي تجعل من الأمر وكأنه اختلاف بين جهات تتصارع على إناء فارغ وحول من سيملأه أو كيف يملأ هذا الإناء الذي هو الدولة! وتصبح المطالبة بإلقاء السلاح لمجرد الإقرار بإعلان مبادئ (أي النظرية الهبنقية) مثله مثل بقية الإعلانات، والتي استمر التفاوض على أساس آخرها لعدة سنوات دون الوصول إلى شيء. هكذا يظهر تحيز الصادق المهدي الإيديولوجي للنظام، فالنظام غير مطالب بإلقاء السلاح بالرغم من أنه يسيطر على الدولة ويعيد صياغة كل شيء بالقوة وهو في نفس الوقت "يتفاوض"!: والصادق المهدي يعرف (ولو نظرياً) أن "توازن القوى" أمر ضروري لأي "إتفاق عادل". وبالنسبة للسلام العادل والتحول الديمقراطي هو أمر أكثر ضرورة من كل النظريات. فلماذا يصر الصادق على تجريد أحد أطراف الصراع من مصدر قوته الوحيد المعترف به؟ إذن السلام العادل عند الصادق المهدي ليس هو "السلام العادل"، ثم أن ما ذكره هو مجرد نقاط مُختلف حول تفسيراتها اختلافا كبيرا، ويمكن لأي أحد أن يتبناها نظريا ويبقى بالتالي الضمان الوحيد لتحقيقها في الواقع هو توازن القوى. ومن ضمن وسائل هذا التوازن حمل السلاح الذي يسميه الصادق المهدي الأجندة الحربية، كأنما الحرب حفلة لأكل البوظة!! يجعلها الناس أجندة بمزاجهم!! والغريبة أنه ينسب هذه الأجندة للحركة الشعبية دون الجهات الأخرى التي تحمل السلاح، ومن ضمنها الأجندة الحربية التي تحكم السودان لزمان طويل والتي تطورت إلى "أجندة جهادية" تجد دعما من بعض الجهات العربية والإسلامية!

عندما يأتي دور النظام، يفبرك المسألة بطريقة ماكرة، يقسم فيها النظام إلى لوبيات، ينسب إلى بعضها الأجندة الشمولية، والبقية طبعا الأجندة الوطنية، و"الدبابين" ليسوا أجندة حربية ولا يحزنون! وهو بهذا يبرر "تفلحون"، ويبرر شمولية النظام في نفس الوقت. أما في الحركة الشعبية فلا توجد لوبيات يمكن أن يوجد من بينها من يتبنى الأجندة الوطنية، فهي حربية جملة وتفصيلا، وهنا يتجلى أحد مضامين خطاب المركزية؛ "الإقصاء الرمزي"، فهم، أينما كانوا لا يخلون من الوطنية، أما الآخرون فليس فيهم احتمال لوبٍ واحد وطني: "فكلهم في الهم بلوة"!
الاستراتيجيات:

وبنفس الطريقة التي يتبعها في تفصيل الرؤى والأجندات، على المقاسات التي يريد أن يلبسها لنفسه وللآخرين، يقرر أن هناك استراتيجيات تحكم آليات التفاوض، وحددها في استراتيجيتين:

أ/ استراتيجية تهدف لأفرقة الشأن السوداني، وتحجيم دور الشمال داخليا، وإبعاد الشمال الأفريقي إقليميا؛

ب/ استراتيجية تعترف بالواقع السوداني العربي الافريقي وتطلع إلى تجاوز مظام الماضي...إلخ

ولكنه يسكت عن أهم استراتيجية:

أـ1/ الاستراتيجية الأزلية: استراتيجية الأسلمة والاستعراب "السودان جسر العروبة والإسلام إلى أفريقية" وهي الاستراتيجية التي يتبناها الصادق المهدي والنظام، وتتبناهم جهاتها، وإن كان يرجع الفضل لأحد في ابتداع آلية تتناسب مع هذه الاستراتيجية، فإنه يرجع إلى الصادق المهدي بمساهمته في "تخليق" "المبادرة الليبية ـ المصرية"، أو ما يسمى بـ"المبادرة المشتركة"، التي يضعها الصادق المهدي كآلية أساس، لما أسماه بالحل السلمي الشامل، ويكثر من مقارنتها بالإيقاد، المعترف بقصورها الذي يتمثل في:

1/ حصر أطراف المفاوضات في النظام والحركة الشعبية.

2/ حصر القضية محل النزاع في منظور شمال ـ جنوب.

ولكن الصادق المهدي لا يتكلم عن مزايا الإيقاد، وهي:

1/ ركزت الإيقاد على القضايا الجوهرية محل النزاع. وطرحت القضية بوضوح بالنص على علمانية الدولة أو تقرير المصير. وبهذا أغلقت باب المناورات بالمنفستوهات والتخريجات التي تنتهج أسلوب المداورة في قضية الدين والدولة مثلما يفعل الصادق المهدي بتمويه القضية في جملة "المواطنة أساسا" التي تحتمل التأويلات الواسعة.

2/ ترتيبها للأولويات منطقي، إذ أنها لا تفترض وقف إطلاق النار الشامل قبل التوصل إلى اتفاق سلام شامل.

أما المبادرة المشتركة، فمن إيجابياتها:

جمع أطراف النزاع السوداني، (وهذه قد لا تعدو عن كونها نقطة شكلية)

أما سلبياتها فهي:

أ/ تضع وقف إطلاق النار الشامل في أول بند من بنودها. (وهذا يتطلب إجراءات مثل: تهيئة المناخ، وبناء الثقة، وتحديد مدى زمني للوصول إلى اتفاق أو إعلان فشل المفاوضات المباشرة، وهذه أمور بالغة التعقيد، ويمكن للنظام أن يتلاعب عليها بسهولة كما حدث بالفعل).

ب/ تسكت عن تقرير المصير، (يعني تراجع القضية وتجاوز لمسلمة أصبحت أمرا واقعا لدى كافة أطراف الصراع في السودان.)
والصادق المهدي بعد أن (دبّس) التجمع في "المبادرة المشتركة"، عاد للمنطق الشكلي باللعب على المجاهيل المطعمة بالسخرية قائلا: "والغريب أن الحركة الشعبية وهي تقود إصرار الفصائل على منع برنامج المبادرة المشتركة ما لم ينفذ النظام السوداني إجراءات بناء الثقة، وما لم يتم التنسيق مع مبادرة الإيقاد ]وهي تفاوض النظام منفردة في نفس الوقت[". وطبعا، بالمقارنة بين المبادرتين نكتشف زيف هذا المنطق، فالصادق يلعب على إمكانية جهل القارئ بمحتويات المبادرتين، فالسبب الواضح في المطالبة بإجراءات بناء الثقة أو ما يسمى بتهيئة المناخ ـ سواء جاء من التجمع أو من قبل الحركة الشعبية هو وضع بند الوقف الفوري لإطلاق النار ووضع آلية مراقبة في البند الأول في المبادرة المشتركة، بينما الإيقاد ليست في حوجة إلى كل ذلك لأن وقف إطلاق النار يأتي بعد إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام في ظل "توازن ما للقوى". أما مسألة تفاوض الحركة منفردة فهذا يرجع في الأساس لرفض النظام لإضافة أطراف أخرى، لأن استراتيجيته تقوم على حصر القضية في منظور وسياق (شمال ـ جنوب)، ويسميها "مشكلة الجنوب" وهذا مرتبط بما ذكرناه سابقا حول موقف النظام المبدئي القائم على رؤية الإنفصال. أما مسألة رفض الحركة (في السر) لتوسيع الإيقاد، فهذا تخريج سيء من الصادق المهدي لخطابه (فيا ترى كيف عرف الصادق المهدي بهذا السر الكبير؟)، ثم أنه ليس للحركة أية مصلحة في ذلك، فالتجمع هو حليفها ووجوده يقويها بأقصى درجة ممكنة، ولكنها رغبة الصادق المهدي في إلباس الحركة الشعبية قميص اللوم بمناسبة وبدونها لأنها حاضرة دائما في ذهنه في صورتها الرمزية المخيفة، كمثال للنقيض الإيديولوجي/التاريخي، ورحم الله امرئا عرف نقيضه الإيديولوجي.

وهكذا، لعب الصادق المهدي دوره وعاد إلى حقله الإيديولوجي بعد أن ساهم في إمكانية استمرار الوضعية التاريخية المأزومة، أي تعليق إمكانية الحلول الحقيقية وقرّب النظام من هدفه الرامي إلى فصل الشمال. عاد والتقى بالجبهة الإسلامية لمواصلة العمل في توحيد جبهة الكفاح الداخلية (الإسلاموعروبية) من أجل البقاء في موقع "المطالبة باحتكار الاستخدام الشرعي للعنف المادي والرمزي" بعد أن وصل الاستخدام غير الشرعي إلى مداه وأنتج مضاداته:

وقد يجمع الله الشتيتين بعدما
يظنان كل الظن ألا تلاقيا
والحقيقة أن ما بين الشتيتين مجرد حماقات سلطة، ولكنهما في الهم شرق. وإن ما هو جوهري ليس في الكلمات التي تصاغ في المنفستوهات بقدرما هو في الخلفيات والمرجعيات الموضوعية/ التاريخية التي هي قادرة على جمع الشتيتين بعدما يظنان كل الظن ألا تلاقيا.



الهوامش:

--------------------------------------------------------------------------------

[1] نقلا عن د. علي سالم: بيار بورديو (6) نظام الاستعدادات والتصورات، الدولة: اكتشاف بورديو للبعد الرمزي، مجلة أفكار معاصرة. ويشرح د. علي سالم مفهوم رأس المال الرمزي بقوله: يعني رأس المال الرمزي القبول أو الاعتراف بسلطة من يملك مزايا أكثر.. وأن رأس المال الرمزي مرتبط بأهمية الموقع المحتل أو بالقيمة المعطاة من قبل الناس، أو بالتسمية المعطاة لشيء. ومما لا شك فيه أن هذه القيمة تتعلق بإنظمة الاستعدادات والتصورات للأشخاص المتوافقة مع البنى الموضوعية القائمة.

[2] نعمان الخطيب؛ الأحزاب السياسية ودورها في أنظمة الحكم المعاصرة، ار الثقافة للنشر والتوزيع، 2 شارع سيف الدين المهراني، 1983م، ص 167.

[3] نيكولاس بولانتزاس؛ نظرية الدولة، ترجمة ميشيل كيلو، دار التنوير للطباعة والنشر، بيروت، 1987م، ص 25.

[4] إريك فروم؛ أزمة التحليل النفسي، ترجمة طلال عتريسي، الطبعة الأولى، المؤسسة العامة للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، 1988م، ص50.

[5] ديكومب؛ الذات والآخر، (نعتذر عن ضياع بقية تفاصيل عنوان المرجع).

[6] محمد عابد الجابري، نقد العقل العربي 3: العقل السياسي العربي محدداته وتجلياته، الطبعة الأولى، المركز الثقافي العربي، المغرب، 1990، ص 17.

[7] المرجع السابق، ص 28.

[8] د. علي سالم؛ المرجع السابق، ص126. ويخلص بورديو في تحليله إلى أن الدولة تعتبر نتيجة لعملية التوافق بين البنى الموضوعية والبنى الفكرية أو نتيجة العلاقات المباشرة العفوية اللاواعية بينهما. أو أنها نتيجة للواقع أو الشروط الاقتصادية والاجتماعية وبعبارات أخرى، ليست مفهوما مقدسا، أو جوهرا قائما بذاته، وإنما مفهوم له بعد اجتماعي، وبهذا ففهم الدولة يكون من خلال القطيعة مع نظرية الجواهر أو الحقائق المطلقة ومن خلال العودة، بالتالي، إلى المنطق التاريخي والسيرورات التاريخية.

[9] نفسه، ص129.

[10] يعرف ماركس الدولة بأنها"أداة أو آلة لخدمة البرجوازية، أو كجسم طفيلي مخيف". أما دوركهايم فيعرفها بأنها "جهاز من المجتمع يؤدي إلى إقامة علاقات من التضامن بين أعضائه ويراقب تربيتهم... أو كأجسام اجتماعية لها صفة التحدث والتصرف باسم المجتمع أو كبنية مميزة عن بنى أخرى (أو أنظمة) تتضمن التوازن الاجتماعي بمجمله، أو كشكل للسلطة محدد بالصراعات الطبقية الاقتصادية والسياسية والأيديولوجية، وبعلاقات الإنتاج، أو كشكل يلعب دورا أساسيا في تكوين علاقات الإنتاج. (بولانتزاس) نفسه، ص132.

[11] الجابري، المرجع السابق، ص48.

[12] محمد سعيد القدال؛ تاريخ السودان الحديث 1820ـ1955م، مطابع شركة الأمل، 1993م، ص53.

[13] المرجع السابق، ص16.

[14] د. شريف حرير ود. تيرجي تفيدت؛ السودان الإنهيار أو النهضة، ترجمة مبارك على عثمان ومجدي النعيم، الطبعة الأولى، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، 1997م، ص 19.

[15] د. سمير أمين، مقال، ، مجلة المستقبل العربي، عدد

[16] أبو القاسم الحاج حمد، السودان: المأزق التاريخي وآفاق المستقبل: جدلية التركيب، المجلد الأول، دار ابن حزم للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت، 1996م.

[17] الصادق المهدي، السودان إلى أين: إعلان الجهاد المدني، دائرة الإعلام الخارجي، حزب الأمة، 1993م، ص7.

[18] مذكرات الإمام عبد الرحمن المهدي، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، 1996م، ص7.

[19] المرجع السابق، ص28.

[20] د. تيسير محمد أحمد؛ زراعة الجوع في السودان، ترجمة محمد علي جادين، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، 1994م، ص37.

[21] الصادق المهدي؛ كتاب العودة: من تهتدون إلى تفلحون، القاهرة، 2000م، ص1.

[22] نقلا عن د. فرانسيس دينق: صراع الرؤى ونزاع الهويات في السودان، ترجمة عوض حسن، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، 1999، ص387.

[23] الصادق المهدي؛ تحديات التسعينات، شركة النيل للصحافة والطباعة والنشر، القاهرة، 1990م، ص 126.

[24] حيدر إبراهيم علي، التيارات الإسلامية وقضية الديمقراطية، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1996م، ص 139.

[25] الصادق، تحديات، مرجع سابق، ص 127.

[26] حزب الأمة؛ الحرب والسلام، البيان المشترك بين حزب الأمة والحركة الشعبية والجيش الشعبي لتحرير السودان، بتاريخ 17/2/1990م، ص 6.

[27] حالة الوطن؛ التقرير الاستراتيجي السوداني الأول 1999ـ2000م، مركز الدراسات السودانية، 2000م، ص89.

Post: #922
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-01-2008, 04:52 PM
Parent: #921



قضية الخفاض بالسودان
تاريخ الأخطاء وفرص التصحيح

قصي همرور - مارس 2008

إن الكتابة عن قضية الخفاض تحتوشها الصعاب، وذلك لعدة أسباب، منها أن القضية تختزل في طياتها قضايا مجتمعية شائكة، تنعكس على الفرد والأسرة والجماعة والدولة، بصور ومستويات شتى، وبالتالي فإن الحديث عنها يقتضي التعامل الموزون مع كافة هذه الانعكاسات.. من الأسباب أيضا أهمية السياق الذي يفيد فيه الحديث المسهب عن القضية، وهي الآن تشهد في السودان مرحلة جديدة نسبيا من مراحل المواجهة، فيها ظهور لحركة وعي متكافلة وإيجابية، وفيها أيضا صور من المواقف والقرارات غير الحكيمة، بحسن نية وبسوئها، من أطراف النزاع المختلفة.. أحد الأسباب أيضا يكمن في انشغال شخصي بالقضية، سببه الإحساس بمسؤولية تجاهها، كإنسان صاحب رأي في قضية إنسانية، لكن الرأي الذي لا يتبعه اتساق في العمل لا ينفع، بل يضر، ومن هذا المنطلق فهذه الورقة أضعف الإيمان، كجهد المقل في سبيل هذه القضية المهمة جدا.. ولا أزعم أن في هذه الورقة فتحا فكريا أصيلا، أو حلا ناجزا للمشكلة، بل فقط أشارك القارئ بما يردني في الأمر، عله يكون مفيدا.. تتزامن هذه الورقة أيضا مع ذياعة البرنامج العالمي ضد الخفاض (بشتى أشكاله حول العالم)، والذي دشنته مؤخرا منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، بهدف معلن هو تقليل عدد ضحايا الخفاض في العالم بنسبة 40% بحلول عام 2015، مع العمل على إنهائه كليا خلال جيل واحد من الآن.
أنطلق في مكتوبي هذا من أرض التأييد لموقف الفكرة الجمهورية من هذه المسألة، لكن ليكن واضحا أن رأيي هنا لا يمثل سوى فهمي لموقف الفكرة، ما يعني أني مسؤول عنه مسؤولية مباشرة.. إني، ببساطة، لا أريد أن يحمل غيري مسؤولية ما قد يظهر من قصور فكري في هذا المكتوب، بيد أني أيضا لا أريد أن أدعي ما قد يظهر فيه من قاعدة فهمية حصيفة مستمدة من تاريخ الفكرة الجمهورية، في القول والفعل، المتعلق بهذه القضية، فاستنادي على هذه القاعدة الحصيفة لا يعني أني سأحسن استعمالها وأخرج بنتائج جديدة متسقة معها، لكني بالطبع أرجو ذلك.خريطة هذا المكتوب ستكون كالأتي: بداية تأسيسية بفذلكة تاريخية عامة لموقف الجمهوريين من قضية الخفاض في السودان، ومقارنة عامة باتجاهات أخرى، يليهما تحليل عام لما يمكن أن نستخرج من نتائج معيارية عامة، ثم أخيرا طرح خطوط عريضة لما نرى أن يكون عليه خط العمل العام في سبيل المواجهة الناجعة لهذه القضية في سياقنا المعاصر.

فذلكة تاريخية

ظهر قانون الخفاض في السودان الانجليزي/المصري في ديسمبر 1946، بصورة فوقية من السلطة، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية نفاذ وثيقة الأطلنطي التي تكفلت بتقرير المصير للشعوب المستعمرة الجاهزة للاستقلال .. عارض الجمهوريون القانون منذ صدوره، واتهموا الاستعمار بأنه لم يسن القانون اهتماما بالمرأة السودانية، بل لإذلال الشعب السوداني وإظهاره بمظهر الشعب المتخلف الذي لمّا يستحق تقرير المصير بعد.. كانت الملابسات السياسية التي ظهر قانون الخفاض نتيجة لها واضحة للمتابعين، وبما أن عادة الخفاض كانت متأصلة في الشعب السوداني حينها، ومربوطة لديهم بالعرض والشرف، فقد كانت مخالفته لهذا القانون متوقعة ومحسوبة، بل ومرغوبة من قِبل الاستعمار لتكون له دليلا أمام المجتمع الدولي على تخلف الشعب السوادني.. وقد عمل الاستعمار على تطبيق هذا القانون بشدة وغلظة، ليستثمر غرضه السياسي منه لأقصى ما يمكن.
أما الجمهوريون فقرروا استثمار هذا القانون لمصلحة الشعب السوداني، ليملأوا فراغ الحماس فيه ضد الاستعمار لينهض الشعب على المستعمر الدخيل الذي يريد "تمدينه" بصورة فوقية.. لكن الجمهوريين، حين أرادوا استثمار هذا القانون، كانوا أيضا حريصين منذ البداية على توضيح منهجهم، وأنهم ليسوا بصدد الدفاع عن عادة الخفاض بل هم ضد تغييرها بالقوانين الفوقية الصادرة من حاكم لا يبغي مصلحة الشعب فعلا، لأنه غريب في الأصل عن هذا الشعب ومفاهيمه، وتاريخ وجوده في ذلك المنصب منذ بدايته يسطر سيرة القهر والاستغلال.. أصدر الجمهوريون بيانهم الأول بخصوص هذه الحادثة، وقالوا فيه:"لانريد بكتابنا هذا أن نقف موقف المدافع عن الخفاض الفرعوني، ولانريد أن نتعرّض بالتحليل للظروف التي أوحت به لأهل السوان، والضرورة التي أبقته بين ظهرانيهم إلى يومنا هذا – ولكننا نريد أن نتعرض لمعاملات خاصة، وأساليب خاصة، وسنن خاصة سنتها حكومة السودان، أو قل، ابتدعتها ابتداعا وأرادتنا أن ننزل على حكم ابتداعها إرغاما (...) من الآيات الدالّة على سوء القصد، في هذه الأساليب، إثارة مسألة الخفاض الفرعوني في هذا الظرف.. وأساليب الدعاية التي طرقتها له، والطرق التي ارتأتها مناسبة لإبطاله، والقضاء عليه، ولقد جاءت هذه الآيات دليلا واضحا على التضليل المقرون بسبق الإصرار".

كان موقف الجمهوريين واضحا وقويما موثقا منذ البداية، ولا يضيره اليوم محاولات بعض المثقفين تشويهه ووصفه بالرجعية، منذ نهاية ستينات القرن الماضي وحتى هذه الألفية الجديدة، وهم – أي هؤلاء المثقفون – الذين لم يستطيعوا فهمه جيدا، برغم وضوحه، أو لم يقاوموا إمكانية تسجيل نقاط سياسية، متوهمة، تنفعهم في صراعهم الفكري مع الجمهوريين.. المسألة ببساطة هي هكذا: دخل الانجليز السودان منذ عام 1898، فلماذا لم يثيروا قضية الخفاض بهذه الصورة إلا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وبداية نفاذ وثيقة الأطلنطي؟
وهكذا فقد صعّد الجمهوريون قضية الخفاض، كقضية اجتماعية، إلى مستوى العمل السياسي، بدون أن تصدر منهم شبهة تأييد لعادة الخفاض، وما هذا إلا لأنهم يملكون منهجا مغايرا لمحاربة هذه العادة، وغيرها من العادات الضارة التي تكتنف الشعب السوداني، كغيره من الشعوب.

"حين ناهض الأستاذ محمود محمد طه، قبل نصف قرن من الزمان، اتجاه السلطات البريطانية لإصدار [قانون الخفاض]، ذكر، ضمن ما ذكر، حينها، أن الانجليز ليسوا أحرص منا على صحة بناتنا ومستقبل حياتهن.. كما ذكر أن العادات الضارة لا تحارب بسن القوانين وتطبيقها، وإنما تحارب بالتعليم وبالتوعية وبالأخذ الجاد بأسباب النهضة الشاملة.. وقال بالتحديد إن على الانجليز، إن كانوا صادقين فيما يزعمون، أن يسارعوا بفتح المدارس في كل أرجاء القطر، ودفع القطر نحو النهضة الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، بدل العمل على تجريم الأميين على عادات ورثوها من آبائهم وأجدادهم".

في سبتمبر 1946، ظهرت أولى نتائج القانون، فقد اقتيدت سيدة شابة في رفاعة، في غسق الليل وبإزار النوم، للسجن لأنها خفضت بنتها.. اقتيدت السيدة كمجرمة لأنها مارست عادة اجتماعية غائرة ومتوارثة في بيئتها، ولم تجد من التعليم والتوعية ما يثيرها لمخالفتها (بل إن مخالفتها في تلك البيئة كانت تقود لنتائج اجتماعية فادحة عليها وعلى ابنتها معا، فالسيدة لم تخفض ابنتها إلا حرصا عليها في الأساس، حسب فهمها).. وضعت السيدة في سجن عمومي، هو الوحيد في رفاعة (فلا يوجد سجن للنساء).. حينها اتصل الأستاذ محمود محمد طه وثوار رفاعة بالمفتش الذي حكم عليها محتجين، فاعترف بعدم صلاحية السجن للنساء في رفاعة وأطلقها بضمانة، لكنه بعد عودته للحصاحيصا أمر بإعادة الفتاة للسجن!
من تلك اللحظة تداعت الأحداث وتصاعدت، وعُرفت في التاريخ السياسي السوداني بثورة رفاعة، ولا نريد هنا المضي في تفاصيل الثورة، لأننا غير معنيين بها مباشرة هنا، ويمكن العودة لتفاصيلها في مصادر أخرى .. ما يهمنا هنا هو تأكيد الحيلة السياسية القذرة التي أرادها الاستعمار من هذا القانون، وتأكيد أن ثورة رفاعة لم تقم تأييدا لعادة الخفاض، بل قامت نضالا ضد وصاية المستعمر الدخيل.. إثر تلك الأحداث انتبه كثير من المثقفين ومتابعي السياسة لخطورة القانون، وتجاوبوا مع موقف أهالي رفاعة والجمهوريين، فجاء في إحدى افتتاحيات جريدة الرأي العام، في أكتوبر 1946، الآتي:

"أصبح واجبا لزاما علينا أن ننبه الحكومة، على ضوء ماحدث أخيرا، في أول تجربة لتطبيق هذا القانون، إلى الخطر الذي ينجم من التسرع في تطبيقه، وإلى النكبه الاجتماعية الخطيرة التي ستتعرض لها المرأة السودانية عند تطبيق هذا القانون عليها (...) هناك خطر جسيم لا بد من التنبيه عليه، ذلك أن المرأة السودانية الشريفة الحرة لم تتعرض حتى الآن إلى محنة السجن بحكم حياتها الاجتماعية التي تنأى بها عن مواطن الجريمة، وقانون الخفاض بوضعه الحالي سيخلق عقابا لجريمة سوق تتعرض لها بالتأكيد كرائم النساء السودانيات اللواتي لا يرين ان في الخفاض جريمة بحكم ما يسيطر على عقولهن من سلطات العادات والتقاليد المتبعة، ومعنى هذا انه من المحتمل جدا أن يتعرض لسطوة القانون هذا النوع من السودانيات المحصنات، ويقينا أن إلقاء هؤلاء في السجن، بغض النظر عما يثيره في رجالهن وذويهن، فإنه من ناحية النظرة الاجتماعية المحضة يقضي على سمعتهن وكرامتهن قضاء مبرما (...) إذن فالعقاب بالسجن لمثل هذا النوع من النساء لا يعد إصلاحا وتهذيبا لنفوسهن ولا يردع غيرهن، وهذا هو الغرض من سجن المجرم".

بعد تلك الأحداث مضت عقود من محاولات التوعية التي قاد طليعتها جمع من النساء المتعلمات السودانيات (ونخص بالذكر الاتحاد النسائي)، وغيرهن أيضا (كالشبكة السودانية للقضاء على ختان الإناث التي تأسست مؤخرا عام 2002)، وأثمرت شيئا من الوعي، خصوصا مع زيادة نسبة السوادنيات المتعلمات ومستوى تعليمهن، إلا أن العادة ما زالت مستوطنة عند الشعب السوداني، فوسط كل الأحداث التاريخية والمستجدات المعاصرة بقيت نسبة المخفوضات لليوم 90% من السودانيات القاطنات في الشمال والوسط ضمن الفئة العمرية بين 15 و 49 عاما، وفقا لإحصاءات منظمة اليونسيف .. تقل هذه النسبة، لنفس الفئة العمرية، في الشرق إلى 87%، وفي دارفور أكثر إلى 65% (لا توجد حتى الآن إحصاءات للجنوب).. أما الإحصاءات الأكثر خطرا فتقول إنه في عام 1990 كان النساء من نفس هذه الفئة العمرية، في عموم السودان، يؤيدن استمرار عملية الخفاض بنسبة 79%، ثم ينقسمن إلى نصفين تقريبا بين مؤيدات لاستمرار الخفاض الفرعوني ومؤيدات لاستمرار الخفاض الذي يسمى بالسنة .. ما تدل عليه هذه الإحصاءات بوضوح هو أن المزيد من التوعية ورفع مستوى المرأة التعليمي ما زال مطلوبا بشدة، وقد تضافرت عوامل شتى، منذ الاستقلال وحتى اليوم، لحجب أغلبية الشعب عن مسيرة الوعي.. بهذا فإن حملات التوعية التي جرت في هذه الفترة وأثمرت لم تستطع نشر المد الوعيوي بصورة كافية لأسباب عدة، تتعلق بمسائل لوجستية وسياسية أكثر من تعلقها بمنهجية التوعية (وإن كانت هذه أيضا بحاجة للتطوير دوما).
كان خطأ الاستعمار في إصدار قانون الخفاض واضح، وما زال، من الناحيتين الاجتماعية والسياسية، كما قد مرت على السودان قوانين فوقية كثيرة منذ قانون 1946، وتراوحت بين منع الخفاض الفرعوني أحيانا ومنع جميع أشكال الخفاض الأخرى أحيانا، والتجاهل أحيانا أخرى، لكنها جميعا فشلت في التأثير الواضح على مدى الممارسة وأشكالها.. وقد استجاب بعض المفكرين الغربيين لدروس التجربة بعد سنوات، إذ يرد في كتاب الأستاذ إبراهيم يوسف عن ثورة رفاعة حديثا للبروفيسورة ألين قرونبوم، في كتاب لها عن الخفاض "بعد خمس سنوات من البحث الميداني عن فشل الغربيين في التعامل مع عادات المجتمعات الشرقية مثل عادة الخفاض، حين حاولوا التعامل معها بالقوانين بدون أي اعتبار للعوامل الأنثروبولوجية".
في بداية ثمانينات القرن المنصرم، قامت جامعة الأحفاد بحملة مناهضة للخفاض، وكان أن أقيم يوم توعية ودراسات عامة للموضوع في الجامعة نفسها، حضره الأستاذ محمود محمود طه ومجموعة من تلاميذه، وعاد منه مستاء من الصورة التي يحاول بها المثقفون والمثقفات التعامل مع هذه القضية الحساسة، بصورة تقليدية للأسلوب الغربي القديم، جليب المستعمر، في التعامل معها، وكانت هذه هي الحادثة التي خرج إثرها كتيب الجمهوريين عن الخفاض الفرعوني (أكتوبر 1981).. وفي الفترة الأخيرة، تحت حكم جماعة الإنقاذ الوطني، نحا الكثير من عموم أهل اليسار العريض، داخل السودان وخارجه، إلى تصعيد هذه الحملة ضد الخفاض الفرعوني بنفس الصورة الغربية القديمة وأكثر، بالتشنيع بها ثقافيا، كعمل شيطاني، في مواجهة خيال البسطاء من ممارسيها (الذين لا يحسبون أنهم يؤذون بناتهم ولا يرضون أن يوصفوا بذلك)، وبتحريض المؤسسات الغربية على السلطة في السودان بسبب هذه العادة (وليت السلطة الحالية كانت هي من اخترعت هذه العادة، أو أنها من يمكن أن توقفها)، وبمخاطبة أجهزة الحكم لإصدار قوانين فوقية لإبطال العادة أكثر من مخاطبة الشعب منهجيا لتوعيته بمضار العادة.. إن ظلال الهدف السياسي المقصود من هذه الحملة، في تشديد الضغط العام على الحكومة الحالية على شتى الأصعدة، واضح، والعيب ليس فيه، إذ من المؤكد أننا هنا لا نشير لعدم أهمية مواجهة قضية الخفاض، واضطهاد المرأة عموما، على المستوى السياسي كما الاجتماعي، لكننا نشير لضرورة الحكمة في التعامل والتحليل الاجتماعي الواقعي للبيئة السودانية، حتى حين الفعل السياسي.
إلا أن الاتجاه الأخطر هو ما آلت له الحكومة الحالية في السنوات الأخيرة، فهي قد دعمت هذه العادة بوسائل عدة، قصدا أو بغير قصد؛ إذ قامت بإفساح سبل الدعاية لمؤيديها في أجهزة الإعلام الرسمية، وهي اتجهات ترويجية للخفاض باسم الدين، لتضع قداسته درعا لعادة اجتماعية ضارة (و هي عادة تمارسها شعوب عديدة متباينة الأديان، حول العالم وفي السوادن نفسه).. المؤسسات الدينية المدعومة، ماديا وإعلاميا، من الحكومة يتخذ كثير منها موقفا مؤيدا للعادة، برغم الموقف العام المذاع للحكومة في معارضة الخفاض وتصريحات وزير الصحة عام 2003 في اتجاه الوعود بمحاربة الحكومة للعادة بالقانون والتوعية معا، ففي مايو 2005 صدرت فتوى عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لرئاسة الجمهورية تقول إن "ختان السنة مستحب وواجب، وإذا تم فهو فعل مأجور".
أثارت مؤخرا قصة الطفلة انعام، التي ماتت في ديسمبر من عام 2005 جراء التهاب حاد نتيجة لخفاضها، موجة إعلامية كبيرة مناهضة للعادة، بصور شتى، ليس من جانب أجهزة الإعلام الرسمية في الدولة، بل من جانب قنوات التعبير الحديثة التي صارت بمتناول الكثير من فئات المجتمع خارج إدارة الدولة، خصوصا منتديات الحوار والصحف الالكترونية في الانترنت.

قراءة تحليلية

إن قضية الخفاض لهي أحد الأمثلة القوية على ضرورة التعامل العلمي الرصين مع واقع التراث المحلي في عملية تغيير مثالبه، بدون التعرض غير الحكيم وغير مدروس الجرعات، للعقل الجمعي للشعوب في قضاياها الحساسة التي تحتاج مبضعا ماهرا، يعالج الجروح دون تشويه الجسد، فهناك مسائل في تراث الشعوب تقوم على أسسها نواة مجتمعاتهم، كالقوانين والعادات المرتبطة بالعلائق الجنسية في المجتمع، ولهذا تظهر حساسية المجتمعات تجاه التغيير فيها أكبر من حساسيتها تجاه القضايا الأخرى بكثير، ويكفي أن ننظر لتاريخ الغرب الحديث لنعرف كيف أحدثت الاتجاهات الجديدة، والتي ظهرت تدريجيا، في التعامل مع علائق الجنس، تغييرا واضحا لصيغ تلك المجتمعات، في كل أنماط تفكيرها وممارساتها، فلم يعد الغرب بعد سقموند فرويد وويلهيلم رايخ وسيمون ديبوفوار كما كان، بل ولم يعد العالم كله كما كان.. لكن، هل يعلم الناس مقدار التسلط الذكوري على جسد المرأة الغربية اليوم، مما تجلى ويتجلى يوميا للآن في صور الرقابة الذاتية للمرأة لتطابق مواصفات النظرة التسليعية لها في المجتمع الغربي الذكوري، ما أتى بصور جديدة من الأمراض والآلام الجسدية والنفسية التي تعانيها المرأة في الغرب اليوم جراء ضغوط المجتمع على جسدها ونمطي حياتها وتفكيرها؟ الغرض من ذكر هذا هو أن الموضوع معقد ومتشابك، ويتصل بقوانين المجتمع التي يفرضها على أفراده من الجنسين، وبالتالي فإن الحكمة تقتضي أن نعمل على حل مشاكلنا في سياقاتها، لا باستيراد حلول اجتماعية من مجتمعات مغايرة.
هل قضية الخفاض قضية عاجلة؟ نعم! وأليس وضع المرأة في السودان عموما، عبر تاريخه، موسوم بالاضطهاد والتجني؟ بلى! وهل ينبغي أن نقوم بفعل ينهي هذه الأزمة بأسرع ما يمكن؟ بالتأكيد! لكن الحديث هنا عن السؤال الصعب.. عن "كيف؟".. أدناه سنحاول عرض تحليل قد يفيد في الإجابة على هذا السؤال.

لمحة من التاريخ

إن الخفاض موروث من تاريخ قهر الجماعة للفرد، والذي كان ضروريا في بدايات تاريخ المجتمع من أجل الحفاظ على نسيجه، وقد كانت الغريزة الجنسية أولى الغرائز التي جرى تنظيمها بصرامة شديدة، ذلك لأنها مربوطة بمسألة الغيرة الجنسية الموروثة عند البشر منذ بدايات التطور، ونجدها ماثلة لليوم في مجتمعات الحيوان.. وهنا يحسن التطرق لمسألة فكرية مهمة، مرتبطة في أذهان كثير من اليساريين بأصل الغريزة الجنسية، ومن تحليلها الخاطئ تظهر بعض المنهجية الخاطئة اليوم في التعامل مع القوانين المرتبطة بالجنس في المجتمع، كما هو الحال في قضية الخفاض.
يرى فريدرك إنجلز، والماركسيون من بعده، ومن تأثر بهم عموما، في مسألة الغيرة الجنسية ورغبة الاستحواذ بالشريك الجنسي دون الآخرين أنها ظهرت في المجتمعات البشرية بعد ظهور الطبقات والصراع على وسائل الإنتاج، ما أدى لإنتاج نظم اجتماعية تنظم العلاقة الجنسية بصورة أكثر حزما مما كانت عليه في المجتمعات المشاعية، وذلك لغرض حفظ المصالح المادية للطبقات والفئات المتناحرة، والتحكم في الإنتاج البيولوجي للمرأة من قبل مؤسسي المجتمع الأبوي.. حقيقة الأمر أعمق من هذا التحليل، وهي أن الغيرة الجنسية ظهرت قبل المجتمعات البشرية بكثير، منذ مرحلة المجتمعات الحيوانية، وصور الغيرة الجنسية واضحة جدا في المجتمعات الحيوانية، خصوصا تلك القريبة للإنسان في سلم التطور (كالقردة العليا والحيوانات الداجنة، ثم الثديات عموما)، وقد ورثها البشر متأصلة فيهم بمجرد ظهورهم على سطح المعمورة، رجالا ونساء، ولهذا كانت أهم أسس تشكيل قوانين مجتمعاتهم (ولكل مجتمع قانون، حتى في الغابة)، منذ بداياتها، لأن تنظيمها كان السبيل الوحيد لقيام المجتمع، والتاريخ يرينا صورا متعددة في أشكال هذا التنظيم الجنسي، وذلك مما لا ينفي أهمية التنظيم بل يشير إلى تنوعه واختلافه بحسب البيئة والتجارب الموروثة المتعددة التجليات (حتى في نفس مراحل الإنتاج المجتمعية، بخلاف ما يشير له إنجلز من أن تعدد شكل التنظيم الجنسي يعود أصلا إلى المرحلة التاريخية الإنتاجية للمجتمع).
نستمر بعد هذا فنقول إن القهر الجنسي على الفرد في المجتمع تم على الجنسين، لكنه في المجتمع الأبوي كان على المرأة أكثر، لأنها مخزن النسل الذي كان هناك حرص على وضوح سلسلته، كما ان استثمار المرأة كان، وما زال، في العلاقة الجنسية أكبر من استثمار الرجل فيها، فالمرأة هي التي تتحمل نتائج الممارسة الجنسية ليوم واحد على مدى تسعة أشهر من الحمل، وبعدها أكثر من ذلك من الرضاعة والعناية المباشرة بالطفل، وكل ذلك يجعلها في حالة استنزاف وقت وطاقة عظيمين ((وهْنـًا على وهن))، ما يجعلها ضعيفة ومعتمدة جدا على من حولها في تلك الفترة، خصوصا رجال الأسرة والقبيلة الذين يوفرون الغذاء والمسكن والحماية لها، فمعظم النساء الأخريات يعشن عموما تحت وطأة نفس الاستنزاف.. لأسباب كهذه، وهي كثيرة ومتشابكة، كان قانون المجتمعات الأبوية حاسما تجاه الممارسة الجنسية للمرأة أكثر منها للرجل، وساعيا لضبطها بكل الحيل الممكنة، فكان الخفاض إحدى تلك الحيل.. هناك أيضا عوامل ثقافية أخرى ساهمت في توطين العادة على مدى التواريخ المتوارثة، مثل ضرورة مرور الأفراد – رجالا ونساء – بطقوس تتطلب نزيف الدم كشرط وعلامة للانتماء العشائري (والطقوس الدموية معروفة في القدم).. عليه يتضح أن مشكلة الخفاض تكمن في الملابسات الاجتماعية التاريخية التي أدت لظهوره وبقائه.

الأثر النفسي

هناك قضية مهمة أخرى تتعلق بفهم أثر الخفاض على المرأة، فبالرغم من الأضرار الجسدية التي تصحب العادة غالبا (وهي تتفاوت حسب الظروف البيئية التي تجري فيها العادة)، إلا أن الضرر النفسي هو الأعظم، فالحق أن الألم الجسدي في عملية الخفاض له ما يشبهه، شبها غير قليل، في عادات شعوب كثيرة تمارس على الرجال أيضا، مثل وشم الجسد كاملا بالآلات الحادة، والتي تؤدي لإفراز كميات خطرة من الدم ولتلوث الجروح لمراحل قد تصل للموت، وعادة الوشم هذه ممارسة كثيرا عند عدد من القبائل الافريقية المعاصرة، وبطقوس متنوعة تفيد ضرورة مرور الفتيان بهذه التجربة ليصبحوا رجالا في نظر مجتمعهم القبلي، ما يشكل ضغطا نفسيا يجعل الفتى وأهله يصرون على العادة رغم خطورتها.. هذا علاوة على أن الألم الجسدي الذي يواجهه الذكور في عملية الختان، بالأدوات البدائية، معروف، ويؤدي لمضاعفات صعبة قد تؤدي لعاهات مستديمة أحيانا كثيرة، وربما لأخطر من ذلك.. لا نقصد هنا بالطبع استسهال الآلام الجسدية المزمنة للخفاض، إنما نقصد فقط أن الألم الجسدي ليس ما يميز عادة الخفاض، برغم خطورته، خصوصا في الظروف البيئية البدائية.
الأثر النفسي الغائر عند الفتاة المخفوضة هو أن الخفاض إعلان لدونيتها الإنسانية، وكأنه يقول لها ان أهميتها، في نظر المجتمع، ليست في وعيها أو مشاعرها أو قيمها أو مهاراتها، بل في جسدها، كما هو إعلان للشك في قدرتها على العفة وحفظ قيم مجتمعها بوازع شخصي، برغم أنها موكلة منذ البداية لحمل عبء شرف الأسرة والقبيلة.. بهذا فإن المرأة واجهة عِرْض الأسرة، وهو مقام خطير، وفيه فخر (فهذه المجتمعات تفخر أكثر ما تفخر بعفة نسائها وشجاعة رجالها)، لكن الفتاة رغم ذلك مصدر شك من البداية، بدليل أن عفتها تحتاج لضمان الخفاض! بهذا فإن المجتمع يضع المرأة في وضع "الجسد" المشكوك فيه والمحذور منه من البداية، ويعلن لها أنها تحت الوصاية الغليظة، والرقابة المشددة، لضمان الأخلاق، سواء التزمت بها بوازع شخصي أو بدونه.
وعليه يتضح أن الخفاض في الأساس ليس المشكلة، بل هو نتيجة من نتائج المشكلة، أما المشكلة الأصلية فتكمن في نظرة المجتمع للمرأة، وإعادة إنتاج هذه النظرة عبر الأجيال حتى من قِبل النساء الكبريات اللائي مررن بنفس مراحل المحنة وتقبلنها بعد ذلك كضرورة اجتماعية، ومن ثم نرى اليوم كثيرا منهن أكثر إصرارا من الرجال أحيانا على خفض البنات الصغيرات، وهي أعمق مراحل الاضطهاد تلك التي وصلنها جدّاتنا السودانيات، حيث يصبح المضطـَّهد نفسه حارسا أمينا لأسباب اضطهاده، لأنه لم يعد يعرف احتمالا آخر للحياة خارج مؤسسة الاضطهاد.. من هنا يستبين أن حل مشكلة الخفاض يكمن في حل مشكلة المرأة عموما بإزالة الظروف التي أدت لظهور العادة، فالطبيب الماهر يعالج أصل المرض ولا يعالج أعراضه الظاهرية فقط.. ويجب أن نعرف أن محاربة عادة الخفاض لا تعني بالضرورة محاربة اضطهاد المرأة عموما، فهناك مجتمعات، تاريخية ومعاصرة، لم تعرف نساؤها الخفاض، لكن عرفن الاضطهاد جيدا وما زلن يتعرضن له يوميا.. في بادرة من بوادر الفهم الأوضح لهذه المشكلة، تقول الدكتورة ناهد فريد طوبيا:

"إن ما قيل عن الخفاض في العشر سنوات الأخيرة [أي من 1985 إلى 95]، وخاصة من قبل الإعلام الغربي والمنظمات الدولية، قد خلق جوا من الحساسية تجاه الموضوع من قبل بعض الجهات المختصة في مجتمعاتنا. فقد تعامل الغرب مع ظاهرة الخفاض وكأنها اكتشاف لوباء خطير قاموا وحدهم بالاستدلال عليه ثم حولوه إلى موضوع الساعة في الأوساط الدولية للمرأة بمساعدة الإعلام الغربي. كما صوروه على أنه دليل واف على بربرية وبشاعة بعض المجتمعات المتخلفة بل أصبح دليلا ضمنيا على تخلف العرب والمسلمين والأفارقة في آن واحد".

وتواصل الدكتورة بعد ذلك في سرد المضار النفسية والجسدية لموضوع الخفاض، مصطحبة أثر الضغط والفهم المجتمعي الذي يجعل من الصعب تغيير هذه العادة في المجتمع بعصا سحرية، سواء كانت في شكل قانون رادع أو تناول صفوي لا يقترب كفاية من واقع الأهالي، وتقول إن اختيار ممارسة هذه العادة يكون أحيانا تضحية في سبيل إمكانية البقاء المجتمعي، إذ أن الفتاة تفقد فرصتها في الزواج ومن ثم فرصتها في الحياة في مجتمع لا قيمة فيه للفتاة بدون زواج، فالمشكلة مجتمعية قبل أن تكون طبية، ولهذا لا بد من مواجهتها مجتمعيا لا طبيا فقط، ولا يكون التغيير الاجتماعي بإصدار القوانين الفوقية.. تقول ناهد:

"أما من الناحية النفسية والجسدية (للمرأة السودانية) نفسها وإمكانية نمو الوعي بحقوقها ومطالبها بأعضاء جسدها فذلك صعب دون خلق ذلك الوعي من الخارج. فالمرأة السودانية لم تعرف في تاريخها القريب أي حالة أخرى يمكن أن تكون عليها سوى أن تكون مخفوضة (...) إذن يجب أن نعود للتفكير في كيفية تغيير مفاهيم العائلة الموسعة والجماعة ولا نكتفي بأساليب الإقناع الفردي العقلاني فهو ضعيف أمام ضغوط الجماعة. يجب أن نوجه مجهوداتنا لخلق لغة تخاطب مع المجتمع ككل وإيجاد فوائد لدعواتنا تعود على الجماعة وليس على الفرد فقط ذلك بجانب مخاطبتنا أيضا لعقلية الفرد المثقف المتميز الذي يستطيع أن يساهم في التغيير".

يمكن القول ان الفرق الزمني بين تاريخ دراسة الدكتورة ناهد أعلاه واليوم جعل هناك صورة مجتمعية جديدة نسبيا، تتطلب تعاملا مختلفا بعض الشيء، كما يمكن أن نقول نفس الشيء عن موقف الجمهوريين في إطاره الزمني السابق (والجمهوريون دعوا لاستمرار تجديد مستويات التعامل، وساهموا فيه)، إذ الواقع اليوم يشير لأن الكثير من المجتمعات المتعلمة نسبيا في السودان قد خطت خطوات طيبة في تجاوز موضوع الخفاض وصارت تتجه لتركه بالنسبة لأجيالها المعاصرة، لكن هذا لا ينطبق بعد على أغلبية سكان السودان في معظم المناطق البعيدة عن تأثير تيار التوعية الاجتماعية.. تصبح هناك إذن حاجة لخطة عمل عامة جديدة نسبيا، ضمن خطة العمل الكبيرة في التغيير الاجتماعي عموما، وفي تغيير وضع المرأة خصوصا.

خطوط عريضة للعمل

هنا سنعرض اقتراحات عامة لما يمكن أن يكون عليه العمل، بتشجيع وتطوير حملات التوعية التي بدأت فعلا منذ زمن وما زالت مستمرة، وحصر الاتجهات القانونية الفوقية التي تضر أكثر من نفعها، وعرض مسارات جديدة تستحق الاعتبار.
نحن بحاجة، بجانب حملات التوعية لمضارالخفاض، لتوفير الخدمة الصحية المناسبة للأسر التي تصر على تنفيذه، حرصا على سلامة البنات ومن أجل تخفيف الضرر عليهن لأقصى حد ممكن، ونحتاج التدريج في مسألة المنع القانوني لهذه الممارسة، حتى لا يؤدي العسف القانوني غير المصحوب بتوعية ملائمة إلى نتائج عكسية لا تخدم مصلحة ضحايا الخفاض.. ليست هذه دعوة لجعل الخفاض متاحا بسهولة في مرافق الصحة في البلاد، ولا لمباركة الدولة له أو السكوت المتواطئ عليه.. هي دعوة لاستثمار مرافق الصحة وأجهزة الدولة في تعليم الشعب ليترك عادة الخفاض بسرعة، لكن حين تكون هناك حالات إصرار على إجرائها فلا أقل من أن نوفر سبل هذه العملية في مناخ طبي، بأدوات معقمة وأيدي متدربة وحريصة على تخفيف ضرر العملية لأقصى ما يمكن، من أجل مصلحة البنات، ويجب ألا يكون هناك قانون تجريمي للعادة يقود الأسر المصرة عليها لإجرائها بسرية، بعيدا عن أعين القانون، فهذا مما يضاعف احتمالات إجرائها في ظروف غير آمنة طبيا، ببيئات ملوثة، تضاعف من ضررها على الضحية.. المنطق هنا هو نفس منطق الطبيب الماهر حين لا يستطيع استئصال المرض تماما بعد، فهو يعمل على تخفيف الألم على المريض قدر المستطاع، ريثما يستطيع استئصاله، والمريض هنا ليس ضحية الخفاض فقط، بل المجتمع ككل.
لم لا نعمل من أجل توفير بيئة وأدوات طبية أكثر صحية في عملية الخفاض ما دمنا لا نستطيع إيقاف هذا الأمر فيها بالسرعة المرجوة؟ أوليس هذا من المصلحة المباشرة لضحايا هذه العادة؟ وبهذا العمل يمكن التقرب أكثر لهؤلاء الناس، وإحصائهم بدقة (خصوصا الضحايا)، لتوعيتهم القريبة بسيئات وأخطار العادة.. يسمى هذا الاتجاه عالميا بـ"تطبيب الخفاض"، وله مؤيدون ومعارضون، ومن المؤكد أنه مثير للاحتجاج بين بعض مناهضي الخفاض في السودان، خصوصا وهو مماثل لأحداث جرت في مصر في العقد الماضي واستمرت للآن، فقد كان الخفاض يجرى في المستشفيات في مصر منذ سنين (نسبة المخفوضات 97% من الفئة العمرية المذكورة سابقا)، إلا أن ضغوط بعض الناشطين المحليين لحقوق المرأة والطفولة، وبدعم المنظمات الدولية، جعلت الخفاض ممنوعا قانونيا الآن بمصر، فثارث أيضا ثائرة الأوساط المحافظة فيها وقامت بردود فعل مضادة.. برغم أن لدينا رأي عام بخصوص ما يجري هناك إلا أن ما نقوله اختصارا هنا إن ما يجري بمصر من الأحداث شبيه بما يجري بالسودان، بحكم أن عادة الخفاض متأصلة في مواريث شعبي البلدين، لكن اختلاف الأوضاع السياسية والاقتصادية والمدنية يجعل من الصعب الحكم على إحدى التجربتين مقارنة بجارتها، ولهذا نفضل في هذا السياق حصر الحديث على السودان، فهذه القضية على العموم لها ملابسات خاصة داخل كل الثقافات التي تمارسها حول العالم، في عموم افريقيا والشرق الأوسط كما في بعض مناطق آسيا.
إن ما يقلق معارضي هذا الرأي – أي تطبيب الخفاض – أنه قد يساهم في توطين الخفاض أكثر، بتمويه مساوئه وتثبيط المسيرة الاجتماعية لإزالته، لكننا نرى من الواقع، ومن الإحصاءات المذكورة آنفا، أن هذه العادة لا يمكن توطينها في السودان أكثر مما هي عليه الآن فعلا (فنسبتها العامة لم تتغير طيلة العقود الماضية)، وعلى العموم فالشعوب لا تتشجع لممارسة العادات كهذه حين يصير إجراؤها متوفرا في ظروف أكثر أمنا صحيا، فممارسو هذه العادة لم تردعهم المخاوف الصحية طيلة تواريخهم، فهم قد مارسوها قديما في ظروف صحية أسوأ وبنسبة أخطار ووفيات أعلى، لكنهم كانوا، وما زالوا، يخافون أكثر من العواقب الاجتماعية إذا لم يمارسوها، فالأمر عندهم أخطر من مجرد صحة البعض لأنه يتعلق بصحة نسيج المجتمع ككل، حسب فهمهم.. الرعاية الصحية الرسمية للخفاض لا يمكن أن تساهم في تشجيعه ما دام خط التوعية مستمرا قويا وفعالا، بل هي فقط تقلل من خطورته على الطفلات، وتنقذ بعضهن من الموت (كقصة انعام).. تقول اليونسيف إن أقل من 1% فقط من ضحايا الخفاض في السودان يتعرضن له تحت ظروف طبية آمنة، ما يعني أن الأغلبية الساحقة تتعرض له تحت ظروف وخبرات طبية سيئة، كما تقول إن الممرضات المتدربات، من اللائي يمارسن هذه العملية بطلب الأسر (بعيدا عن المرافق الرسمية)، أكثر ميلا لإجراء نوعي الخفاض الأخف من الفرعوني، بخلاف الخافضات الشعبيات غير المتدربات واللائي يملن أكثر للفرعوني وبأساليب أسوأ طبيا، وهن الأغلبية.
ما نريد تأكيده أن اتجاهنا هذا ليس فيه تشجيع للخفاض على الإطلاق، لكنه تعامل مع الواقع، فهذه العادة تمارس اليوم على الأغلبية العظمى من الطفلات والفتيات السودانيات، وعدم توفير المناخ الصحي لهذه الممارسة لا يعني سوى إنكار الواقع وتسبيب المزيد من الضرر لضحايا العادة.. أكثر من ذلك فإن اقتراب المرافق الرسمية من عامة الشعب يصنع ثقة بين بسطاء الناس ومتعلميهم في تلك المرافق، ما يتيح فرصا أكبر للوصول لممارسي هذه العادة مباشرة ونصحهم، نصحا بليغا ملحاحا، وتوعيتهم بعواقب العادة، كما فيه رصد لضحايا العادة لمتابعة مشاكلهم الصحية المستقبلية الناتجة عن مضاعفاتها، ومن ثم تخفيفها بقدر الإمكان (خصوصا في ظروف الولادة للمخفوضات فرعونيا)، بصورة تخطيطية مدروسة تصطحب حكمة الممارسة الصحية وحكمة التوعية الاجتماعية معا.. بهذا الأسلوب تستطيع مرافق الصحة التكافل مع المجتمع المدني المحارب لهذه العادة، بتوفير الإحصاءات والمعلومات عن الخفاض وأماكن كثافته الديمغرافية، ودراسة عقلية ممارسيه للخروج باستراتيجيات أكثر فاعلية في محاربته، على مستوى الأسر ومستوى الجماعات.. إن القضية عامة وشاملة، وتتطلب تبعا لذلك اعترافا عاما وشاملا، وتعاملا شفافا، من جانب جميع المؤسسات الاجتماعية ذات الصلة بالقضية، وأولها مرافق الصحة ومنظمات المجتمع المدني.
وبالنسبة للقانون العقابي، فمن الواضح أن ليس من مصلحة ضحية الخفاض عقاب والديها، أحدهما أو كلاهما، إلا إذا كانت الحالة عبارة عن رغبة مضمرة ومقصودة لتعذيب الطفلة وتشويهها، ومن غير المعقول أن تكون هذه نظرتنا للمجتمعات السودانية الكثيرة التي تمارس هذه العادة.. كما ان عقاب من يقوم بتنفيذ عملية الخفاض كأجير من طرف الأسرة أيضا غير منطقي، فهذا الأخير لا يقوم سوى بتلبية رغبة الأسرة، ولولاها لما كان له سلطان.. علاوة على ان هذا النوع من العقاب يتطلب إمكانيات رقابية شديدة للدولة لا يملك السودان ربعها، ومن الخير له ذلك، فأي دولة تضطر لمراقبة جماهير الشعب داخل بيوتهم هي دولة فاشلة على التحقيق.. بعض الآراء ترى حرمان الأسرة من الطفلة (أي أخذها منها وتربيتها بعيدا عنها، عقابا للأسرة) إذا ثبتت ممارسة الخفاض، وهذه أيضا عقوبة غير منطقية، فنحن نجعل من الطفلة المخفوضة ضحية للحرمان من البيئة الأسرية أيضا، فصارت مشكلتان على كاهلها بعد أن كانت واحدة.. هذا علاوة على أن إمكانيات السودان الاقتصادية الحالية تجعل من الخيال توفير الضرورات اللوجستية لمثل هذا "العقاب" الأخير، لأن ملايين الطفلات السودانيات سيتم اقتلاعهن من ذويهن، بموجب هذا القانون، وتعهدهن من جانب الدولة الفقيرة.. القانون العقابي ببساطة، بجميع أشكاله، لا ينفع مع مشكلة الخفاض في السودان الآن.
التقنين المانع لهذه العادة يمكن أن يأتي في مرحلة متقدمة، بعد أن يصبح واضحا أن هناك رأي شعبي عام، غالب في الريف والحضر على أن هذه العادة ضارة، وتقل ممارستها لنسبة 25% أو أقل.. حينها يمكن منع ممارستها بالقانون باعتباره تجسيدا لوعي الأغلبية العظمى للشعب، ودرءا لممارسات مجموعة قليلة لا تستجيب لمد الوعي بعد كل هذا، وعلى العموم فإن حركة التوعية الاجتماعية دينامية الخصائص، فهي إن استطاعت إقناع خمس الممارسين للخفاض اليوم بضرره، مثلا، فإن هذه النسبة ستبدأ بالتزايد بعجلة تسارعية لتصل لغيرهم بسرعة أكبر بكثير من التي بدأت بها.. نفس هذا الاتجاه يمكن أن يقال عن التعامل مع أشكال أخرى من اضطهاد المرأة والطفل في السودان، فالعمل الأول يكون باتجاه التعليم والتوعية العامة، الأجدى أثرا، حتى إذا بقيت فئة قليلة من الشعب لا تستجيب للمد الوعيوي فحينها تُمنع بالقانون.. أما تجريم هذه الممارسات بالقانون اليوم فيعني أن أغلبية الشعب مجرم في نظر الدولة، وليس هذا بالوضع الصحي في علاقة الشعب، أي شعب، مع دولته، من أي النواح أتيته.. إن القانون يصبح فاعلا في التغيير الاجتماعي حين يكون الشعب على قدر كاف من الوعي الذي يجعله يحترم القانون، ويشارك في صنعه وتطبيقه، لمعرفته بالمصلحة الفردية والجماعية في هذا النشاط.. أغلبية الشعب السوداني اليوم لم تصل لهذا المستوى من العلاقة بالقانون، بسبب عوامل شتى، كضعف الاستقرار السياسي والاقتصادي وضعف شبكات المجتمع المدني، وأهم من كل هذا نقص المعلومات الوافية، الضرورية للتوعية، بين أغلبية الشعب.
هنا يستحسن، للمزيد من التمحيص، أن نتطرق لمواقف المنظمات العالمية بخصوص الموقفين أعلاه (تطبيب الخفاض ومنعه بالقانون).. تقف اليونسيف ومنظمة الصحة العالمية ضد تطبيب الخفاض، لنفس الأسباب التي ذكرنا آنفا، كما تدعو هيئة الأمم المتحدة الحكومات عموما إلى اتخاذ خطوات رسمية وقانونية لتوعية الشعوب توعية واسعة النطاق ومتعددة السبل لترك الخفاض، وأيضا تدعو لاتخاذ خطوات لمنع الخفاض قانونيا، لكنها لا تحدد نوع تلك القوانين وعقاب من يخالفها.. من ناحية أخرى فإن اليونسيف تدعو اليوم، بعد تجارب عدة، للتوعية الصبورة غير الإجبارية للشعوب لترك العادة (نلاحظ هنا التناقض الواضح بين ما تدعو له هيئات الأمم المتحدة بمنع الخفاض قانونيا وما تدعو له من التوعية غير الإجبارية، فالقانون العقابي وعدم الإجبار لا يمكن أن يكونا خطين متسقين في نظام واحد إلا لو اعترفنا ضمنيا بأن القانون لن يجد الاحترام المطلوب ولن يجد مساحة واقعية للتطبيق).. نقول هنا إننا بالطبع نتفق مع هذه المنظمات في قضية أهمية دور الحكومات في مناهضة الخفاض بدعم حملات التوعية وتسخير أجهزة إعلام الدولة لذلك، لكننا، كما هو واضح، لا نتفق معها في عدم تطبيب الخفاض وفي منعه بالقانون، خصوصا بالسودان، وقد ذكرنا أسبابنا للاثنين أعلاه بصورة وافية.. ما نريد الإشارة له هنا هو أن منظمات الأمم المتحدة تركز على دور القانون بطبيعتها لأنها تتعامل مع الحكومات أكثر من تعاملها مع المجتمع المدني (والحكومات تتحدث لغة القوانين)، فهيئات الأمم المتحدة لا تمارس أنشطتها في أي بلاد بغير تنسيق مع حكوماتها أولا، ما يجعلها تضطر للحديث مع الحكومات بلغة القانون، أما المجتمع المدني فيشمل نواح ثقافية/دستورية أكبر من القانون بكثير، ولهذا فإن عمل المنظمات المدنية المحلية قد يكون أكثر حكمة من توجيهات هيئات الأمم المتحدة أحيانا، ومن المعروف تاريخيا أن هيئات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية تتبنى مواقف شاملة لعلاج القضايا المتعلقة بشعوب متعددة حول العالم، فهي لا تصنع استراتيجيات خاصة لكل شعب حسب سياقه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، ولهذه فمواقفها كثيرا ما تكون توفيقية عامة أكثر من كونها عملية تفصيلية، وهو أمر واضح في تناقض مواقفها المذكورة أعلاه.. إن السودان من أسوأ حالات انتشار الخفاض في العالم، ما يعني أن وضعه متميز، فهل يعقل أن نرسم له استراتيجية حل عامة مشابهة لتلك التي نرسمها، مثلا، لكينيا وتنزانيا واليمن؟ لأن هذا هو ما تفلعه هذه المنظمات حين تضع استراتيجيات عالمية كهذه، لا مجال فيها لاعتبار خصائص المشكلة في البلدان المختلفة.. لا نريد بهذا أن نهدم مصداقية هذه المنظمات، فهي تؤدي دورا مهما، ولكن يجب ألا نجعل لآرائها واقتراحاتها قداسة في غير موجب، فالتجارب السياقية لكل شعب، حسب ظروفه الخاصة، تسمح للكثير من أهله الواعين بأن يتوصلوا لحلول أكثر حكمة وعملية لمشاكلهم من تلك المقترحة من هذه المنظمات.
وعلى العموم فمن الواضح أن الخط العام والأهداف مشتركة، ويبقى التباين فقط في تفاصيل الاستراتيجيات المتبعة للوصول لهذه الأهداف.. لهذا نصر، بناء على استنتاجاتنا، على موقفنا من تطبيب الخفاض والمنع القانوني، خصوصا في ظروف السودان الحالية، ويتغير موقفنا بتغير هذه الظروف التي دعت له.. وعلى العموم أيضا فمن الواضح في تقاريرها أن المنظمات العالمية هذه تعول أكثر على الحركة الاجتماعية وقدرتها على التغيير وسبله، وعلى أن التغيير الأقوى يكون عندما يأتي من داخل المجتمع وليس بالقوانين الفوقية، وعلى أن تكون هذه القضية مرتبطة مباشرة بعموم قضايا حقوق المرأة والطفولة وليس بمعزل عنها، وهو ما نعول عليه أيضا.. الصحيح عندنا هو العمل على نطاقات ثلاث:

1. توعية الأوساط الممارسة لعادة الخفاض لأن الغرض منها، كما تتصور تلك الأوساط، لم يعد مخدوما، وأن المفاهيم السابقة التي قالت بجدواه خاطئة، ومن ثم فهو لا يأتي اليوم بغير الألم والمزيد من المشاكل الاجتماعية.. هذا الاتجاه يختص بالخطاب الاجتماعي الشامل، وباستثمار تأثير الزعامات المحلية في وعي الشعوب، مثل الرسالة التي وقع عليها حوالي 30 من زعامات الطرق الصوفية في السودان، عام 2004، والتي تجرد الخفاض من أي مشروعية دينية، من أجل إزالة وهم الارتباط لدى ممارسيه بالدين .. لهذا الاتجاه العام في العمل الاجتماعي الكبير أثر مشهود وتجارب يمكن التعلم منها، فقد أعلنت جراءه بعض القرى والبلدات في غرب افريقيا التزامها جماعيا بترك الخفاض.
2. توعية الأسر للأضرار الجسدية والنفسية البالغة للخفاض وتشجيع هذه الأسر على مواجهة مفاهيم المجتمع المتخلفة من أجل صحة بناتها.. من المهم ألا نتجاهل قدرة الأسرة على الوقوف في وجه المجتمع أحيانا كثيرة، كما من المهم أن نستثمر شبكة العلائق الأسرية في مشروع التوعية نفسه، فتأثير الأسر بعضها على بعض قوي وفعال، والأسر الواعية تستطيع أن تؤثر على آراء الأسر الأخرى من حولها في الحياة العامة.
3. آخر النطاقات، وأوسعها، هو تبني برنامج كبير، متعدد الأنشطة والمجالات، لتوعية وتعليم المرأة في السودان بصورة شاملة لإعدادها لمواجهة جميع صور الاضطهاد، داخل الأسرة وخارجها.. يجب أن يكون واضحا لنا أن القضية الأساسية هي قضية المرأة ككل، منذ طفولتها المبكرة، وأن العمل الذي لا يتكامل مع الاتجاه العام للقضية محكوم عليه مسبقا بالفشل.

وفي النطاق الثالث هذا يكمن الصراع الكبير الذي تحسم نتائجه ما يكون عليه الشكل العام للمجتمع، ولهذا فهو يشتمل على أصعدة متعددة، من أهمها، في نظرنا، إعادة تنظيم علائق العمل داخل الأسرة، نواة المجتمع، وإعادة التقييم المنصف لإنتاج المرأة، داخل وخارج محيط الأسرة، مع وجوب مشاركة الرجل لها في جهد رعاية الأطفال، وما إلى ذلك من المقاربات التي تعيد للمرأة كرامتها المعنوية والمادية في المجتمع، فالواقع المعاش أن عمل المرأة الإنتاجي، في الأسرة وفي المجتمع، لا يقل قيمة عن عمل الرجل، إن لم يزد عليه، لكن أنظمة الاقتصاد الرأسمالي المعاصرة تجعل قيمة الأعمال التي يقوم بها الرجال عادة أكبر من تلك التي يقوم بها النساء عادة، كما انها، بالاشتراك مع ثقافة المجتمع الأبوي، تعمد لإبقاء النساء بعيدا عن مواقع صنع القرار التنموي (الاقتصادي/اجتماعي والسياسي) وعن وسائل إعادة تقييمهن أنفسهن لدورهن التنموي المستدام، قديما وحديثا، وبالتالي يصبحن محصورات في نفس الأعمال المهمشة والمستمرة برتابة تضعف قدرتهن على التجديد الخلاق.. يكفينا، دليلا على كل هذا، الإحصاءات التالية من الدول النامية:

• تمثل مساهمة المرأة الإنتاجية 66% من ساعات العمل في العالم، بينما تكسب فقط 10% من الدخل العالمي وتمتلك فقط 1% من الممتلكات على مستوى العالم.
• تقضي النساء في المتوسط 6.5 ساعة أسبوعيا في سحب وحمل الماء.
• في المتوسط تعمل المرأة 63 ساعة في الأسبوع في الأعمال مدفوعة وغير مدفوعة الأجر، مقارنة بالمتوسط بين الرجال حيث يبلغ 50 ساعة في الأسبوع.
• تقضي المرأة الريفية في إنجاز الأعمال المنزليه 8 أضعاف الوقت المبذول من الرجل.
• تصل نسبة الأسر التي تعولها امرأة حوالي 21% وترتفع في بعض المناطق الي 33%.
• تشكل المرأة 80% من منتجي الغذاء بافريقيا بينما تتلقى 2% إلى 10% فقط من الخدمات الإرشادية.

خاتــــمـة

وبعد، فإن الرأي المعروض هنا قد يستدعي ردود فعل متفاوتة، لا نستطيع التنبؤ بمستوياتها، لكن حسبه أنه طرح يسعى لحل عملي جوهري لهذه المشكلة، ضمن إيمان راسخ بأن هذه العادة إلى زوال بلا شك، لكن يبقى العمل من أجل إسراع زوالها.. من غير البعيد أن يقول البعض، لسبب أو لآخر، بأن هذا الرأي يعتبر مهادنة زمنية في قضايا المرأة الملحة، وهي غير قابلة للتجزئة.. الإجابة عليهم هي أن قضايا المرأة فعلا ليست عرضة للتجزئة، لكنها عرضة للترتيب الأولوي الحكيم، كسائر قضايا التغيير الاجتماعي الواعي الذي يتبنى خط الثورة المتزنة (فلا هو بطيء متردد ولا هو عجول مضطرب).. ليتنا نستطيع الاستيقاظ غدا لنجد جميع مشاكلنا الاجتماعية قد حلت، بقوانين فوقية أو بغيرها، لكن ذلك من غير مشاهد الواقع المعاش الذي لا بد لنا من التعامل معه.
بهذا الاتجاه المعروض هنا نرى أن الخفاض يمكن التخلص منه في مدة لا تتجاوز الجيل الواحد فعلا في السودان (بخصيصة الحركة الدينامية المذكورة آنفا)، كما هو الطموح العالمي الذي ظهر مؤخرا بصوت هيئة الأمم المتحدة، في إطار التخلص من جميع أشكال اضطهاد المرأة قريبا جدا، إذ هذه المدة هي التي سيصبح فيها الجيل القادم في صدارة الحركة الاجتماعية في البلاد، فإن كان مسلحا بالمعرفة والوعي الكافيين فذلك سيعني بداية عهد جديد للمرأة، وعهد جديد للمجتمع ككل، فتموت عادة الخفاض موتا طبيعيا.

هوامش وإحالات

Post: #923
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-01-2008, 05:12 PM
Parent: #1


نقلا عن سودانايل

محمود


إبراهيم جعفر

[email protected]

محمود بصَلّي مع النّجوم

مرّاتْ يَعَاينْ

من شَبَابِيْكْ الغِيُومْ

يلَمْلِمْ النَّدْ والطّرِيْقَه

يمَدِّدْ الشَّوْقْ لي التِّخُومْ

ولَمَّنْ حماماتَ الْمَغَارِبْ

يَهْدِلَنْ: حيْ يا قَيٌومْ!

يشربْ الشّايْ في الحَدِيْقَه

والزّمانْ عاشِقْ يرُومْ

طينةْ انْسَانْ في الحَرِيْقَه

تْرٌوقْ وتِذَّارَفْ علُومْ

***

محمٌودْ ينَازِلْ في الضَّرِيْمْ

بَسْ غَشْوَه من بَرْد اليَقِيْنْ

تخَدِّرٌو وكاس النّدِيْمْ

يَلْفَاهٌو بي الوَعْدَ الْقَدِيْمْ


الجمعة 20\2\2004

الأحد 22\2\2004

* من مجموعة قُول ليّا وين مارِقْ وِحَيْدَكْ؟!

Post: #924
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-02-2008, 03:24 PM
Parent: #923


رأي
إجحاف القراي وتراضي الصادق المهدي(1)
محمد عيسي عليو

لا أنفي أني من المتابعين لمقالات د. عمر القراي ، لما فيها من الاعجاب والاستعجاب، ويأتي استعجابي دوماً عندما يتناول أمرا يتعلق بالسيد الصادق، فهو ينفذ إليه مباشرة دون أدنى دبلوماسية، وكأن القراى «محرش» أو موكل من جهة خصصته في السيد الصادق المهدي ... لقد تناول د. القراى إتفاق التراضي في حلقة أولى من ضمن ثلاث حلقات.. وكان لي من التعليق رغم أن حلقاته لم تنته بعد، وذلك لسببين، الاول أن القراى قال زبدة حديثه في السيد الصادق في حلقته الأولى، والسبب الثاني فإني مسافر لجهة يصعب الحصول على صحيفة «الصحافة» فيها، فخشيت إن عدت أجد أن الموضوع قد فقد بريقه.
وليسمح لي د. القراى بالتعليق.. لقد قال القراى في صدر مقاله إن إتفاق التراضي الوطني، جاء مخيباً لآمال الكثير من المثقفين الذين كانوا يحترمون السيد الصادق المهدي، وكثير من أعضاء حزب الأمة الحريصين على مصلحة الحزب ومصلحة الوطن.
أولاً: أسأل القراى هل يمكنه أن يعرف لي من هم المثقفون وكيف عثر على إحصائياتهم التي من خلالها علم أن آمالهم قد خابت؟ ثم هل هم شريحة قائمة بذاتها، ثلة منفصلة عن القوى السياسية الحزبية التي نعرف آراءها جميعاً ومنطلقاتها، أم هم ينتشرون في كل الأحزاب؟ ولا شك أن هناك فئة مثقفة لا تنطلق من أى من الأحزاب، وهي على قلتها وحسب ما لمسناه من بعض كتاباتهم يميلون وحريصون على الوفاق الوطني والتراضي الوطني، وأي مسمى يجمع السودانيين على كلمة سواء.. فأين مثقفو القراي الذين خاب أملهم في الصادق المهدي؟!. اما حديثه عن أعضاء حزب الأمة والذين يقول إن الاتفاق خيب آمالهم، نقول إن هذا الاتفاق مرَّ على كل مؤسسات الحزب الرئاسية والتنفيذية والسياسية، ولم يشذ فرد في رفضه حتى الآن... صحيح هناك تحفظات ذكرت في جلسات التداول، وهذا شيء طبيعي، ولكن الجميع أيد الاتفاق إذن من أين لك بهذه المعلومة ؟! إلا اذا كان حديث أشخاص قابلهم القراى بالمصادفة لهم اعتراضاتهم هذا ممكن، ولكن هؤلاء قد فوضوا مؤسسات الحزب، وهي التي اتخذت القرار، فأين الديمقراطية إن لم نلتزم بها، إلا اذا كان القراى يتشكك في الديمقراطية، او يتشكك في إن حزب الامة ليست لديه مؤسسات منتخبة تتخذ القرار.
ولكن فلنتابع القراى، وقد خرج من الموضوع برمته، وهو التراضي، الى موضوع ابن رئيس الحزب الذي قال انه دخل ضابطاً في جهاز الأمن، هذا الموضوع كما يعلم الجميع، فإن مؤسسات الحزب اتخذت فيه قرارا منذ أكثر من ثلاثة شهور، والتزم به المعنى بالأمر، وأيده رئيس الحزب الذي كان خارج البلاد بكل رحابة صدر، فما علاقة ذلك بالتراضي الوطني؟ هل إذا ابن القراى اتخذ قراره بأن يعمل في مجال الأمن وهو بالغ راشد، أيحق للقراى أن يرفض ذلك البتة ! هل يريد القراى ان ينكأ الجراح التي اندملت ليجدد عذابات الآخرين؟ هل نقول إنها سادية القراي أم هي قذف السهام في كل اتجاه، كنت اعتقد أن الأمر مقارنة علمية لنظريات فكرية علمية. إلا أن القراي ذهب بعيداً. ثم قال القراى إن السيد الصادق لم يطق البعد عن كرسي الحكم صبراً فهرع إلى الإتفاق دون أدنى اعتبار لرأى اتباعه ومريديه، دي كبيرة يا دكتور..!! ما بالك بشخص بإمكانه الدخول في حكومة الانقاذ في الاسبوع الأول من قيامها، ثم يصبر عشرين حجة، ثم تقول إنه لم يطق صبراً الجلوس بعيداً عن كرسي الحكم، ثم القراي يستكثر كلمة اعضاء الحزب، بل لمزيد من التحقير يدلف الى كلمة أتباع، فهو لا يرى للحزب مؤسسات، بل يرى أن الحزب هو الصادق والصادق هو الحزب.. ولو ذهبت في تحليلاتك هذه لخدعت الكثيرين ثم يكتشفون ذلك ولو بعد حين.. ولا أدري أين سيذهبون بكتاباتك.
ثم يكرر القراي المنوال الالتفافي في محاولة منه لكسر عنق الحزب، عندما يقول إنه تمهيد لدخول حزبهم في جلباب النظام الشمولي العتيد.. طيب يا دكتور تدفع كم إذا لم يدخل حزب الامة جلباب المؤتمر الوطني؟.. في تقديري أقل شيء يمكن أن تدفع به إذا تحقق أنك قد ظلمته، هو أن تدفع بيديك مبايعاً الحزب غسلاً للإثم الذي حاك في صدرك، ومحواً للبهتان الذي رميت به إخوتك في الوطن، وحتى لا يراودك تعذيب الضمير. وحتى لا ندخل في مهاترات أن الصادق المهدي قبض الثمن، نذهب الى التحليل الآخر، وهو أن هذا الاتفاق ثنائى، ونحن نقول لظروف بلادنا لم نمنع أى طرفين يوقعان إتفاقا ثنائياً، ولكن نقول ضرورة عرضه على الآخرين، وهذا ما فعله إتفاق التراضي الذي التزم بالمؤتمر الجامع الذي سيناقش الاتفاق وغيره، حتى يصل السودانيون الى كلمة سواء.
ثم هذه المرة يخرج القراي خارج الحلبة مطروداً لمخالفته المتكررة في الخروج من صلب الموضوع، وهو التراضي، ليذهب إلى التهجم الشخصي خارج قانون اللعبة، حيث يقول دون ادنى مقدمات إن الصادق المهدي سلَّح القبائل العربية في دارفور عام 1986م.
وصدقني يا قراى لو كنت في مقام الصادق المهدي لفتحت بلاغا ضد شخصكم، وستدان بعدم وجود إثبات الاتهام حتى لو استعنت ببلدو وعشاري كما ذكرت.. والطامة الكبرى والكذب الصراح للقراى عندما قال إن الصادق المهدي سلَّح القبائل العربية في أبيي المشتعلة الآن، مما جعل تلك القبائل تعتدى بمجازر بشعة على قبائل الدينكا في منطقة الضعين.. قل لي بربك أين الضعين من أبيي؟ الضعين يا دكتور تقع في جنوب دارفور، وأبيي تقع في جنوب كردفان، والمسافة بينهما مئات الكيلومترات، فكيف تسليح العرب في أبيي يؤدي الى هجوم الدينكا في الضعين.
نحن فعلاً محتاجون لدروس الجغرافية في ثالثة اولية مرة أخرى، أين تقع بابنوسة ويامبيو وود سلفاب والقولد، حتى نعرف أين تقع أبيي من الضعين.
ويذهب القراي في قوله إن المؤتمر الوطني واصل سياسة الصادق المهدي، إذ ضم القبائل العربية في دارفور الى الدفاع الشعبي وزاد تسليحها، وهذه القبائل تمكنت من الاعتداء الآثم الذي حول دارفور إلى مأساة عالمية، كل القبائل العربية في دارفور مرة واحدة، سبحان الله..!!
لا أدري أين سيقف القراى في اتهامه للقبائل العربية، مرة يقول القبائل العربية في أبيي، ومرة ثانية القبائل العربية في الضعين، وثالثاً القبائل العربية في دارفور؟! يا إلهي القراي لم يستثن احداً، ولم يبق له إلا أن يقول القبائل العربية في النيجر.
أخى القراى إن كنت تقصد القبائل العربية في الضعين، فدونك الضعين، ويمكنك الذهاب اليها وستجد قهوة ود القراى هناك ترحب بك، وسيطوف مناديبها معك شمالاً. وستجد أن قبائل دارفور التي اضطهدت من جراء الحرب، هي الآن في حماية أهلك القبائل العربية في الضعين، وإذا جُلت في جنوبها اى جنوب الضعين، ستجد أكثر من مائتي ألف جنوبي نزحوا اليها من عشرات السنين، وهم في أمان سلام. وليس من رأى كمن سمع، لقد سمعت لبلدو وعشاري، والأمانة العلمية تدعوكم للنظر بالعين، وإلا تكون غير عادل، والمظلومون منك سيقابلونك يوم المحشر العظيم، فماذا انت وقتها قائل لهم.
وفي المقال القادم إن شاء الله سأكتب عن الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم، الذي نسخ به القراي السيد الصادق المهدي من ملة المعتدلين، إلى ملة المتطرفين.. وإلى لقاء. ===
التعليقات

1/ ابوركشة - (السودان) - 2/6/2008
الاستاذ المحترم محمد عيسي ماكنت اود ان تعلق علي هذا الرجل النائب الكبير للمرتد محمود محمد طه...ان انكر علي ابن الصادق فان اسرة القراي الكبيرة تنكر عليه جمهوريته واتباعه لمحمود..حلال عليك حرام علي الاخرين...انا حضرت وقت صلاة جماعة في مناسبة معه ..فا نكر بشدة صلاة الجماعة وقال ماهي من الدين(. تصور هذا وضع رجل يحافظ علي امر جماعة في حياته كلها)ووالله ان تركه صلاة الجماعة حدث امامي ولو سالته لاينكر بل هو علي يقين...القراي جاء موتورا مغبونا حتي اسرته الكبيرة لايزور صلة رحم ولايعرف له صلة رحم فهو قطع ارحامه جميعا ارجوك لا تتعب نفسك ...؟ وترد عليه واتركه يلهث ...؟

http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=49355

Post: #925
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-02-2008, 03:32 PM
Parent: #1


قراءة في إتفاق التراضي الوطني (2-3)


الغموض والتضليل :
لقد جاءت معظم بنود إتفاق التراضي غامضة، بغرض التضليل عن حقيقة ما ترمي اليه ، حتى تجوز على جماهير حزب الأمة وعلى عامة الشعب . وفي سبيل ذلك ، جنح الاتفاق الى التركيز على قضايا ليست من أولويات المشاكل العديدة التي يعاني منها الوطن . ومن ذلك مثلاً جاء تحت بند تهيئة المناخ ( تكوين لجنة لمراجعة أسماء الشوارع والمنشآت لتعميم الرمزية القومية) !! فهل مشكلتنا هي أسماء الشوارع ؟! بل هل مشكلة الشوارع نفسها هي اسماؤها ؟! أم ان الشوارع متسخة وضيقة وغير مرصوفة ، وغير مضاءة، وليس بها مجار للأمطار ولا يجد من يقف بها مواصلات ؟! إن بعض الشوارع الآن مسماة باسماء شخصيات إسلامية قديمة، لا يعرف كثير من السودانيين عنها شيئا،ً وبعضها إطلق عليه اسم شبان من الجبهة الاسلامية، لا يعرفهم الشعب السوداني ، قتلوا في حرب الجنوب ، واعتبروا شهداء، فهل يريد السيد الصادق ان يغير هذا الوضع ، ام يضيف عليه اسماء من رموز المهدية ؟ ولقد حكم حزب الامة بعد الاستقلال ، وفي الحقب التي تلته ، فلماذا لم يسم الشوارع ، باسماء قومية ؟! واذا كانت الرموز الوطنية ، مخالفة للسيد الصادق ، فهل ستقوم لجنته المقترحة ، التي لا نعرف من هم اعضاؤها ، بتسمية الشوارع بهذه الاسماء، التي تعارض الصادق، وتعارض المؤتمر الوطني ، فنرى شارعاً باسم الاستاذ محمود محمد طه ، أو د. جون قرنق، أو الاستاذ عبد الخالق محجوب ؟!
وكلما اقتربت الاتفاقية من القضايا الحساسة ، التي لا يريد المؤتمر الوطني ، حتى مجرد ذكرها، يرتفع معدل التعميم فقد جاء ( النظر في اطلاق سراح المحكومين سياسياً في جميع انحاء الوطن ) (الرأي العام 21/5/2008م) . فلماذا النظر بدلاً من إطلاق سراحهم فوراً ؟! الا يمكن ان تكون الحكومة لجنة لتقوم بهذا ( النظر) ، ثم تقرر بعد ذلك ، انهم يستحقون البقاء في الحبس ؟! ثم هل توافق الاتفاقية ، على ان اعتبار تعاطي السياسة ، بما فيها المعارضة السياسية ، جريمة حتى تطلب ( النظر) بدلاً من اطلاق السراح الفوري ؟ ثم لماذا لم تتم الاشارة للمعتقلين السياسيين دون محاكمة ، وتطلب اطلاق سراحهم ، اثناء الاحتفال بتوقيع اتفاق التراضي الوطني ؟!

ولأن هنالك قضية مطروحة حول ضرورة المساءلة والمحاسبة ، ولأن هنالك قضايا مرفوعة من المواطنين ضد شخصيات محددة ، قاموا بتعذيبهم في بيوت الاشباح ، فقد جاء في اتفاق التراضي الوطني ( الإسراع في تكوين آلية للحقيقة والمصالحة والانصاف للوقوف على تجاوزات الماضي عبر الحقب وبيان حقيقتها وافراغ النفوس من مرارات الماضي ) !! (المصدر السابق) . فلماذا الحديث عن ( آلية) وليس لجنة تحقيق ؟! ولماذا ذكرت العبارة (المصالحة) قبل ( الإنصاف) ؟! هل رأيتم كيف اعاد الاتفاق موضوع ( عفا الله عما سلف) في استحياء وتضليل ؟! ثم كيف يحدث ( افراغ النفوس من مرارات الماضي ) دون القصاص أو العفو؟! واذا كانت نفس السيد الصادق ، سوف تفرغ من مراراتها بتعويضات آل المهدي، فلم يحدثنا البيان ، كيف ستفرغ مرارات من شردوا من وظائفهم بالاحالة للصالح العام، وكيف تفرغ مرارات من عذبوا في بيوت الاشباح حتى الإعاقة ، ومن قتل أهلهم ، واغتصبت نساؤهم في دارفور؟! أم ان السيد الصادق يريد لكل المتضررين ان ينسوا ما لحق بهم ، ويصالحوا الحكومة ، لأنه هو فعل ذلك ؟! ألم نقل مراراً ، ان هذا الرجل يدور حول نفسه، ولا يرى الا مصلحتها ؟!

مأزق دارفور :
إن اكبر ما يدلل على ان اتفاق التراضي ، انما هو مجرد خداع للشعب ، ما ورد بشأن دارفور. جاء عن ذلك ( ان جذور الإختلال الأمني بالمنطقة تعود الى ما قبل الاستقلال ولكن ظل التفاقم في مرحلة ما بعد الاستقلال وحتى الآن بسبب التنافس على الموارد الطبيعية والزعامات الإدارية والمظالم السياسيةالمتراكمة مثل فرط المركزية في الإدارة والحكم وخلل التوازن التنموي والخدمي والاضطراب الامني في دول الجوار ... زاد الاستقطاب السياسي الحاد والتصعيد في الآونة الأخيرة والتدخلات الخارجية من تفاقم الأزمة الأمنية ) ( المصدر السابق). إن حجة الصراع على الموارد ، قد ذكرها بعض الأكاديميين ، ثم تلقفها المؤتمر الوطني ، وهي لو بررت الصراعات البسيطة ، المتفرقة ، بين المزارعين والرعاة ، فانها لن تبرر الحرب الشاملة ، التي استخدمت فيها الأسلحة المتقدمة .. والدفع بهذه الحجة ، معروف ولا جديد فيه ، ولكن الجديد هو الاعتراف بالمظالم السياسية ، وهو اعتراف ينقصه الصدق، وتنقصة الشجاعة .. والا فمن هو الظالم ، ومن هم المظلوم، في احداث دارفور ؟! واذا عجز هذا الاتفاق ، ان يسمي الاشياء باسمائها ، ويحدد المسئولية ، فهل يتوقع منه ان يحل مشكلة دارفور ؟! ولقد اقترح الاتفاق لحل المشكلة ، اتفاق لوقف اطلاق النار، يطور الاتفاقات السابقة – حصر القوات ونزع سلاح مليشيات القوى العفوية في المجتمع ) !! ولم يخبرنا هذا الاتفاق بنوع وقف اطلاق النار، الذي يريده ، وكيف سيطور الاتفاقات السابقة ؟! واذا كان السيد الصادق المهدي ، الذي يزعم انه مهتم بدارفور، ومتعاطف مع أهلها ، لوشيجة علاقتهم الطيبة بالمهدية ، وبسبب ان معظمهم كانوا من الأنصار، يعجز عن ذكر اسم الجنجويد ويسميهم ( القوى العفوية) ، ارضاء للحكومة ، فهل يمكن ان يظل بعد ذلك محترماً ، عند أهالي دارفور، او مرجواً ليسهم في حل مشكلتهم ؟! إن ابسط مستويات التعاطف الانساني، وأقل درجات الإلتزام الأخلاقي ، تفرض على كل حر، شجب الممارسات الوحشية، التي قامت بها قوات الجنجويد، والتي كانت ترعاها ، وتسلحها ، وتحميها ، حكومة الانقاذ ، وليس دون تقرير هذه الحقائق اعتبار للحق والعدل .

جاء في اتفاق التراضي ( لقد شكلت اتفاقية أبوجا الموقعة في مايو من عام 2006م خطوة نحو الحل لم تكتمل بسبب عدم توقيع بقية الفصائل عليها والتدخلات الاجنبية وتشظي الفصائل غير الموقعة غير ان كافة الجهود الوطنية يجب ان تبذل لاستكمال عملية السلام والاستقرار) ( المصدر السابق) . ولم يسأل المتحالفان أنفسهما لماذا لم توقع بقية الفصائل على اتفاقية ابوجا ؟ ولم يطرحا تحفظ تلك الفصائل ، ويجيبا عليه ، بما يطمئنها ويحثها على التوقيع . وما دام الاتفاق قد دعا الى الحوار الدارفوري ، وذكر ( حوار وتراض أهل المنطقة من خلال مشاركتهم في إدارة الشأن العام بعدالة وشفافية ) ، فلماذا لم يقم حزب الأمة بادارة هذا الحوار ، وينظمه لابناء دارفور المنتمين للحزب ، وغير المنتمين ، وبناء على نتائج ذلك الحوار، يتفاوض مع المؤتمر الوطني ، حول قضية دارفور ؟! أليس ذلك أكرم لحزب الأمة، من ان يتبنى رئيسه ، وجهة نظر المؤتمر الوطني ، ويهمل صوت أهالي دارفور؟!

ومن الحلول التي اقترحها اتفاق التراضي ، ووقع عليها رئيسا الحزبين ( اطلاق سراح المعتقلين لاسباب سياسية بأزمة دارفور) ( المصدر السابق). فهل يشمل هذا العفو المعتقلين من أعضاء حركة العدل والمساواة ، الذين لم يشاركوا في الهجوم على أمدرمان ؟! أم ان اولئك يشملهم ما جاء في خطاب السيد رئيس الجمهورية ، في نهار نفس يوم توقيع اتفاق التراضي الوطني ؟! وذلك حيث قال ( أي زول ينتمي الى العدل والمساواة لا يصبح في بيته لازم يتم قبضه والتحفظ عليه ... ما بنعرف لا طالب ولا عامل ولا موظف ...) ( الصحافة 21/5/2008م) ؟!

لقد فرح أهالي دارفور، بدخول القوات الافريقية والأممية ، لتحميهم من هجمات الجنجويد، ولكن هذا الاتفاق العجيب ، يريد ان يغير دور القوات الدولية ، ومهمتها ، وفق رؤية جديدة ، بخلاف الاهداف التي وضعتها لها الامم المتحدة ، وذلك من خلال خلق تجمع لقوى سودانية، يسوّق دولياً لدور جديد لهذه القوات، يجعلها تقف محايدة ، فلا تضرب الجنجويد المعتدين على أهالي دارفور!! جاء في الاتفاق ( ان القوات الافريقية الأممية المشتركة بموجب قرار مجلس الامن رقم 1769 والتي وافقت عليها الحكومة تكون محايدة بين اطراف النزاع وتكون مهمتها قاصرة على حماية المدنيين ومراقبة وقف اطلاق النار وتأمين الاغاثات والاشراف على متابعة ما يتفق عليه اطراف النزاع السودانية ويعمل الطرفان على تسويق هذه الرؤية دولياً ) ( المصدر السابق) . ومعلوم ان مثل هذه الرؤية ، لو كانت تتفق مع واجبات القوات، كما حددها القرار الدولي، فانها لا تحتاج الى تسويق . وهي ان كانت مخالفة لذلك، فلن يستطيع الحزبان تسويقها دولياً ، أو بين اطراف النزاع .. ومصلحة الحكومة وحزبها ، في ان تقف القوات الاممية مكتوفة الايدي ، بدعوى عدم التدخل ، فلا تضرب الجنجويد ظاهرة ، ولكن ما هي مصلحة السيد الصادق في ذلك ، غير ارضاء الحكومة ، لتوقع معه هذا الاتفاق ، ولو كان على حساب ابناء دارفور .

ولمزيد من التضليل ، والقاء صبغة دينية على هذا الاتفاق الخائر، تحتوي على ارهاب روحي وتضليل للبسطاء ، وصف السيد الصادق اتفاق التراضي الوطني ، بانه سفينة نوح ، في اشارة مقصودة ، الى تشبيه نفسه ، بنبي الله نوح عليه السلام !! والذي نراه هو ان موقف السيد الصادق المهدي، وقد خالف اجماع الشعب السوداني ، بما فيه الشرفاء من ابناء حزب الامة وكيان الانصار ، يشبه موقف ابن نوح ، الذي خالف أباه والعقلاء من قومه ، واتبع الغاوين فغمره الطوفان ، وحين يقع الندم ، ويدرك السيد الصادق الغرق، يلتمس له هذا الشعب المغفرة ، فيقول بلسان حاله ، ما قاله نوح عليه السلام بلسان مقاله ( رب ان ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت احكم الحاكمين ) !! وعند ذلك يسمع ارباب القلوب، من أودية الغيوب ، قول العزيز المتعال ( أنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألن ما ليس لك به علم إني اعظك ان تكون من الجاهلين ) !!

د. عمر القراي

Post: #926
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-02-2008, 03:44 PM
Parent: #1


بين مزمار محمود وصليل سيف الجلاد!

صراع الرؤى الإسلامية حول مفاهيم الثقافة والجمال في السودان (1)

عبد الجبار عبد الله*

توطئة


كان في تصوري المبدئي أن أتناول مادة هذه الدراسة في دفعة واحدة عبر كتابة مطولة تأتي على الموضوع كله من شتى جوانبه وتشعباته كما يتوقع في دراسة يطمح فيها القارئ إلى الوقوف على كيف يكون التقابل الصارخ الحاد بين رقة وعذوبة ألحان المزمار وصليل وقعقعة السيوف التي تصطك لها الأرواح قبل الأسنان وكيف يكون صراع الرؤى حول مفاهيم الثقافة والجمال في تراث وفكر الشهيد محمود محمد طه من جانب وفي عيون وفكر خصومه وجلاديه الذين زهدوا كدأبهم في الفكر والحوار واختزلوا طريق الخلاف المضني الطويل، بحبل المشنقة القصير وحد السيف والحرابة من الجانب الآخر. ولكني آثرت لأسباب عملية –يخصني الجزء الأعظم منها- التأني في دراسة الموضوع وتناوله، وتقسيمه إلى حلقات متصلة، تنشر عبر هذا الموقع، وتتاح لها فرصة الإفادة والإثراء بالنقاش والحوار التفاعلي مع القراء، كي تصل إلى هدفها وتحقق غرضها وهي أكثر وثوقاً واطمئناناً إلى ملامستها كافة جوانب الموضوع الذي تناقش، واستيفائها دون تعجل لشروط ومتطلبات البحث العلمي. بهذه القناعة، وحرصاً مني على الإسهام الجاد في إحياء ذكرى اغتيال الشهيد محمود محمد طه، وتأمل معاني ذلك الاغتيال، أبدأ بنشر الحلقة التمهيدية الأولى من هذه الحلقات. وآمل أن تلاقي هذه الفكر ة، هوى في نفوس القراء المكدودين مثلي والموزعين بين شتى هموم الحياة ومشاغلها التي يصعب الفوزفي خوض سباق ماراثوني أعرج معها.

رحلتي إلى الجحيم!

في لفحة نهار يوم صيفي قائظ الحر من عام من عام 1984، اختطفتني إحدى عصابات الأمن إلى مكاتب "القسم العقائدي" بمقر جهاز الأمن العام. وبعد تحقيق متوتر لئيم مقتضب، أحلت إلى زنازين السجن الداخلي –التي عرفت لاحقاً وعلى المستوى العالمي ببيوت الأشباح، سيئة الذكر في بدايات هجمة الإنقاذيين الغاشمة على الحياة والإنسان وحقوق الإنسان- وهناك طال أمد إقامتي، وعرفت كيف للإنسان أن ينام نوم الديك حرفياً، مع هبوط كل طائرة محملة بالسودانيين القادمين من ليبيا يومي الاثنين والخميس إن لم تخني الذاكرة في مطار الخرطوم. كنت حينها أشفق على الزنزانة الصغيرة الضيقة التي لا تزيد مساحتها على بضعة أمتار تكفي لتمديد القدمين، حين تغص بعدد كبير يستحيل جلوسهم على الأرض ناهيك عن التفكير في الإغفاء أو النوم. عندها تمضي الساعات الطوال ونحن نرفع رجلاً وننزل أخرى مثل طيور الرهو والبجع، ولا يكون ثمة مهرب في نهاية الأمر من نوم الديك، حين تتهادى الساعات السلحفائية الثقيلة، وحين يسري التعب والإنهاك في خلايا ومسام الجسد الجوعان المكدود، بطيئاً وقاتلاً كسريان السم.

أما معتقلو الطائرات الليبية المجني عليهم، الذين ذاقوا الأمرين كما يقول محمود، وعانوا أشد ألوان التحقير والعذاب على يد جلادي الأمن، فكان معظمهم من أبسط بسطاء السودانيين الذين ضاقت بهم الحياة في بلادهم، فذهبوا إلى ليبيا حيث امتهنوا مهنة الرعي أو عملوا في أشغال البناء وخطوط أنابيب النفط وخفر المباني وغيرها من المهن التي لا تتطلب كثير خبرة ولا تأهيل. وكان معظمهم أمياً حتى لحظة انتقاله إلى سجن كوبر حيث فك منهم من فك الحرف ومحا أميته هناك. وصادقت الكثير منهم من داخل الزنازين وأنشدنا وغنينا ومثلنا معاً في الليالي التي أقمناها داخل السجن لمختلف المناسبات الوطنية لاحقاً، ونشأت بيننا أجمل العلاقات التي يستطيع السودانيون خلقها في عز صحراء العبث والعدم. كان اعتقالهم بالعشرات والمئات جريمة كبيرة بحق مدنيين أبرياء ما عرفوا للسياسة سبيلاً ولا وعياً ولا حماساً.

وحين رأيت الفوج وراء الفوج يأتي ويمر عبر زنزانتي إلى سجن كوبر، وأنا وحدي الذي كتب عليه أن يحمل "صخرة سيزيف"، يجوع عمداً وينام نوم الديك مرتين في كل أسبوع على الأقل، قررت أن أبدأ إضراباً منفرداً عن الطعام. وبررت رفضي تناول الطعام بطلبين تقدمت بهما إلى مسؤولي الأمن. أولهما استعادة كتبي التي صودرت مني لحظة اعتقالي –كان بينها الأعمال الكاملة لشكسبير ونسخة مترجمة إلى الإنجليزية من القرآن الكريم- وثانيهما تقديمي إلى محاكمة عادلة وإدانتي أو إطلاق سراحي فوراً. فيما يتعلق بمطلب استرداد الكتب، كنت جاداً وعازماً على الموت من أجلها إن دعا الأمر. وبالفعل نجحت في استعادة 8 من جملة 13 كتاباً منها، مرفقة باعتذار مكتوب من ضابط في جهاز الأمن عن بقية الكتب التي لم يعثروا عليها. كان اسم ذلك الضابط "جلال" فيما أذكر. أما المطالبة بالمحاكمة أو إطلاق السراح، فلم تكن سوى مناورة تكتيكية مني، كان هدفها تحقيق حلم "الترقية" السريعة إلى سجن كوبر والتخلص من جحيم زنزانتي اللعينة، وأنا الزاهد في حلم الحرية بعدما رجموني به من شتائم واتهامات عويصة يندى لها الجبين، تؤكد جميعها طول إقامتي في السجن.

عودة إلى زنزانة الأمن اللعينة تلك، كنت قبل دخولي إليها قد قرأت تعريفاً للكاتب الفرنسي الكبير هونريه دو بلزاك، ورد في معجم أدبي أنيق رصين متخصص في سير الشخصيات الأدبية العالمية جاء فيه كناية عن معاناة بلزاك في حياته الفقيرة المعذبة "كان بلزاك يسكن في بيت لا يوجد فيه إلا بلزاك نفسه"! لا أورد هذا التعريف تنطعاً أو تلميحاً إلى رغبة سرية منى في مضاهاة نفسي ببلزاك، ولكنها لعنة الأمكنة البائسة الشقية، التي صورت لي بيت بلزاك الخاوي من كل متاع الدنيا ومباهجها، إلا من ساكنه، قصراً دافئاً مرفهاًِ ومخملياً حسدته عليه، وأنا حبيس زنزانتي البائسة الخاوية إلا من بلاطها الخشن الذي كنا ننام عليه مباشرة دون فرش أو لحاف حين لا تهبط الطائرات الليبية، أو "تطب"علينا مجموعة جديدة من المعتقلين الداخليين. في مثل تلك الحالات الهادئة كنت برفقة اثنين آخرين مستديمين، أحدهما سوداني مختل العقل يدعى إبراهيم، وآخر مجزوم يدعى محمدو من جمهورية مالي. وحتى لحظة خروجي منهما، كنت قد استأنست من وحشة المكان بحضورهما، ولكني كنت في الوقت ذاته، حزيناً لوجودهما في ذاك المكان الغريب، ومنشغل التفكير دائماً بطبيعة تلك المؤسسة الشريرة التي تطال مخالبها الشرسة حتى أمثال إبراهيم ومحمدو. بالمناسبة كانت المرة الأولى والوحيدة في حياتي التي ألعب فيها أوراق "الكوتشينة" مع ابراهيم، وكان يفوز علي دائما، ويعقبها في كل مرة بضحكة مدوية ومترعة بنشوة الانتصار والفرح وهو يصيح في وجهي وأذني بعبارة "كيشا ... كيشا ... كيشا".

ولعنة الأمكنة البائسة الشقية نفسها، هي التي أحبطت لاحقاً حلم "ترقيتي" إلى سجن كوبر. وكان تشبثي بذلك الحلم، تشبث الموعود بالانتقال من كوخ تعيس كئيب إلى فندق مهيب فخم من فنادق الخمس نجوم! ولكن هيهات وليس أمام الظمآن سوى سراب الصحراء. فقد طار قلبي من الفرح، حين استعدت كتبي المسروقة، مصحوبة بقرار الانتقال أخيراً إلى "كوبر". وبعد دهليز وراء الآخر، وانحناء وركوع وقيام، عبر الأبواب والمنافذ الضيقة التي شقت عبر الجدران الحجرية السميكة العتيقة، دلفت أخيراً إلى حيث يريدون إنزالي. وكان حظي كالحاً حين ذهبوا بي إلى قسم "الورشة". وهي ورشة بحق كانت تستخدم لهذا الغرض، إلى أن اتسع عدد السجناء والمعتقلين وفاض بهم السجن، فما كان من بد من التوسعة على "عباد الرحمن" فكانت نعم الورشة، وكنا نعم العباد!! هندسياً كانت مثل كل ورش النقل الميكانيكي والسكة الحديد وغيرها، مصممة من عنبرين طويلين ماهلين، شيدا من السيخ والحديد والأسلاك، وسقفا بصفائح الزنك الحارق نهاراً والبارد برودة الثلج في زمهرير الشتاء ليلاً.

ونظراً لنقص المراتب والأسرة التي تسد حاجة كل "عباد الرحمن" المعتقلين، فقد لفت نظري لحظة دخولي مباشرة، أن عدداً كبيراً من الأسرة كان يسع الواحد منها لسجينين بدل الواحد! كيف؟ أرجو ألا يشتط بكم الخيال إلى أسرة الـ double bed)) في داخليات البركس وغيرها من داخليات جامعة الخرطوم ومعهد الكليات التكنولوجية سابقاً. فالمقصود هنا أن "عباد الرحمن" ينقسمون كيفما اتفق إلى "طبقتين"، بعضهم يتمدد كما البشر العاديين فوق سرير مفروش بملاءة نظيفة على الأقل، وإن كانت مهلهلة ومهترئة وعفا عليها طول "السهك" والانبطاح. أولئك هم المحظوظون من أبناء "الطبقة العليا" الذين أنعمت عليهم الورشة بفيض رزقها وكرمها المعطاء. أما أبناء "الطبقة السفلى" فهؤلاء هم أهل الدرك الأسفل من الجحيم، ولم يكن أمامهم من بد سوى الانبطاح كيفما اتفق تحت السرير، على ملاءة أو بطانية أو بدون. قلت وأنا أدخل القسم واستسلم لقدري الذي لا مفر منه: "إن كان حظك بين أبناء "الطبقة السفلى" فمن الأحرى بك أن تتمرن من الآن على مد اللسان طويلاً من بوابة القسم، حتى تتقن فن لهاث الكلاب التي ترقد تحت الأسرة والعناقريب عادة في البيوت، عندما يشتد بها هجير حر الشمس! تأملوا بالله عليكم لحظة، ما كانت تفعله "شريعة الكيزان" بعباد الرحمن، الذين ورد ذكر إكرام كل واحد منهم وإعزازه ورفع منزلته في كافة نصوص القرآن الكريم! ولكن عفواً .. يا سادتي للخطأ الفادح، إذ كنا في واقع الأمر فئراناً وصراصير وجرذاناً في عيون الكيزان المستبدة الصلفة بحكم التربية والتكوين السياسيين. فأين مزمارك العذب، أين أنت من كل هذا يا محمود؟ لقد كنت رجلاً من غير ذاك الزمان.. كنت فيهم غريب الوجه واليد واللسان... فكيف لا يكفروك ويصلبوك ويقتلوك؟! طوبى لروحك .. طوبى للغرباء كما قال المسيح.

مشاهدات حية من جوار ساحة العدالة الناجزة

ولما شرعنا في الولوج الوئيد التدريجي إلى صلب موضوعنا الرئيسي، فقد كانت "الورشة" مجاورة لما كان يعرف باسم "ساحة العدالة الناجزة" سيئة الذكر، التي تعيد للأذهان رعب وذكريات مقصلة سجن الباستيل الرهيب. ففي تلك الساحة كانت تنفذ أحكام الإعدام وتجز الرؤوس وتكسر الأسنان وتفقأ العيون، تقطع الأيادي ويصلب المحكومون بأحكام الحرابة. لم تنفذ أحكام فقأ العيون ولا كسر الأسنان بالطبع، لكنها المكان الذي خصص لهذه الأغراض، وحتى لحظة خروجنا من السجن في السادس من أبريل 1985، كان أحد المحكومين في انتظار تنفيذ حد السن بالسن عليه. من هناك ومن أمام عيوننا مباشرة كانت تمر طوابير الرعب والوحشية والبربرية المريعة كل أسبوع تقريباً. والمثير للسخرية في تلك الطوابير، أن أبسط المحكومين وأدناهم وعياً وتعليماً كان يتقدم الطابور وهو على علم بمدى عبثية ولا معقولية تلك المؤسسات والقوانين التي تحيل المجرم الحقيقي بحق بلد بكامله، إلى قاض ومفت وجلاد، وإلى خصم وحكم في آن، يدعي لنفسه حقاً وتكليفاً إلهياً بتقويم السلوك الاجتماعي. ولا أشك لحظة في أن الشاعر محجوب شريف هو من استعار من أولئك المحكومين في إحدى "حضراته الشعرية" المسكونة بحب الناس ومعرفة خلجات ومكنون نفوسهم، ما كان يردده كل واحد لنفسه سراً وهو أمام الطابور من عزاء شخصي للذات:

"حليلك بتسرق سفنجة وملاية

وغيرك بيسرق خروف السماية....

تصدق في واحد بيسرق ولاية؟!!"

وفي عيون ووجوه وضحكات وابتسامات أولئك الذين كانوا يقادون إلى ساحة "عدالة الإخوان الناجزة" رأيت سخرية وهزءًَ بتلك المسرحية الهزلية السخيفة، الباعثة على الغثيان والضحك رغم مأساويتها ووحشيتها. وفي وجه كل واحد من المحكومين، رأيت شيئاًَ من سخرية وفلسفة بطل رواية "الغريب" للكاتب والفيلسوف الفرنسي البير كامو. فقد كانوا مثله في زهدهم عن الدفاع عن أنفسهم، أمام طائلة عبثية وكوميديا لامعقولية القوانين والمؤسسات الاجتماعية التي جرمتهم وأدانتهم. وعلى رغم الحواجز الشاهقة وتجهم ملامح الطابور الدموي، تبادلنا الضحكات والابتسامات وكلمات الوداع الأخيرة، مع عدد من المحكومين بالقصاص –بمن فيهم المحكومون بعقوبة الإعدام- وهم يقطعون خطواتهم الختامية المفضية بهم إلى الموت. ولم يكن غريباً أن يفلت أحدهم من أمام الطابور ليخطف سيجارته أو "تخميسته" الأخيرة من أحد أصدقائه الواقفين منا وراء سياج الورشة، علماَ بأننا كنا نشكل دائماً جمهور المودعين الأخيرين إلى مسرح العرض الدموى.

وما هي إلا لحظات تتلى فيها الإدانة والمصادقة القضائية عليها، فيعقبها ذلك الصوت المدوى الذي يصم الآذان، فتسقط على إثره الجثة هامدة في جب بئر المشنقة المظلمة. عندها تتحول السخرية والنكات على عبثية الوجود كله، إلى غصة حنظلية المذاق، يصعب على الحلق ابتلاعها أو احتمال مرارتها. وفي خلايا الجسد المستباح المصعوق، تسرى رعشة وحمى غريبة، لا يعرف مصدرها حين يخلد الواحد منا إلى فراشه. وأنى لك النوم والكوابيس المفزعة، وأنت ترى إنساناً مر من أمامك سليماًَ معافى يهز الجبال قبل لحظات، ولم يخرج من "مسلخ العدالة" إلا وقد تحول إلى رميم أو حطام إنسان مبتور الأوصال، أو خرج منها محمولاً على آلة حدباء بعد أن حولوه إلى جثة هامدة لا حراك فيها! من هناك مر الواثق صباح الخير، وبعده عشرات ... عشرات آخرون، قبل أن يمر منها أخيراً المفكر الشهيد محمود.

عندما استيقظت على مقام محمود

من القراء التمس المعذرة إن أطلت في الوصف والتقديم، ولكن كان من المهم جداًَ أن أرسم صورة الأجواء القانونية والسياسية والنفسية والأخلاقية التي أحاطت بمحاكمة الأستاذ وتجريم فكره وتعليقه على حبل المشنقة قبل تصفيته جسدياًَ والتخلص منه مرة واحدة وإلى الأبد... ولكن هيهات. وقبل أن تكون هذه الكتابة شهادة من داخل السجن على ما جرى قبيل الإعدام وفي عشيته وصبيحته، أستشعر من خلالها أولاً وقبل كل شيء، واجباً فكرياً وأخلاقياً معاً، إزاء الكشف عن تلك المؤسسة الظلامية الغاشمة، التي استلهمت عقلية "محاكم التفتيش" من أضابير وتجاويف القرون الوسطى، واستنهضت تقاليد القمع الفكري والسياسي كلها –برصيدها الإسلامي والمسيحي معاً- لتستخدمها أداة وسيفاً مسلطاً على رقاب خصومها السياسيين والفكريين، بل لتشطب بها الإسلام كله بضربة لازب واحدة، فلا تبقى منه سوى حد العقوبة والسيف.

كان ذاك هو فحوى المحاكمة المهزلة التي شاهدناها وتابعنا تفاصيلها من داخل السجن. وكان ذاك هو مضمون "الاستتابة" التي سخر منها محمود قبل غيره، أيما سخرية ومضى سامقاً فارع القامة والطول إلى أعواد المشنقة، مستعيداً بذلك في لحظة تاريخية غريبة مفارقة، صورة تلك المحاكمة المهزلة التي تعرض لها الحسين بن منصور الحلاج، وما أعقبها من صلب وجلد وحز للرأس وتقطيع للأوصال، بعد أن أدانه قضاة بوزن وفقه "مهلاوي ومكاشفي" ذلك الزمان بتهمتي الزندقة والإلحاد اللتين وجهتا إليه. وللمفارقة فقد كانت تلك أيضاً دولة بوليسية يحكمها العسس وسواري ليل بغداد عام 301 ه. ولم يكن جرم الحلاج إلا أن له عقلاً مفكراً وأنه أبصر ما لا يبصره الآخرون من خلال فلسفته ورؤيته الصوفية الشفيفة القائمة على فكرة الإيمان بوحدة الوجود التي يرقى فيها الإنسان في علاقته بربه إلى مرحلة نورانية روحانية من "الحلول". وما جرم الحلاج إن عجز قصور عقول أعضاء محكمة التفتيش تلك عن تأويل قوله شعراً:

أنا من أهوى ومن أهوى أنا

نحن روحان حللنا بدنا

فإذا أبصرتني أبصرته

وإذا أبصرته أبصرتنا

وإلى أعواد المشنقة تقدم محمود واثقاً، ثابت الخطى وباسماً، لا لجرم ارتكبه سوى عقله المفكر وقدرته على رؤية ما لم يره الآخرون –سيما خصومه المتشددون من ذوي البصيرة المسدودة- كما سنرى من خلال دراستنا لجانب واحد فحسب من تراث فكره المتصل برؤيته للثقافة والفنون في سياق ريادته لحركة التجديد الفكري الديني وانتمائه إلى الاستنارة والحداثة من مواقع الفقه الديني نفسها.

ذاك محمود، ذاك ثوبه البسيط الناصع البياض، ذاك إبريق مائه وتلك فروته.. ذاك زهده وطهره وطهارته ... كيف تقتلوه؟ رأيت كل ذلك حيث كان في لحظاته الأخيرة، من زنزانة مقابلة لزنزانته، كانت قد حشرتنا فيها حشراً سلطات السجن التي أفرغت قسم الورشة بكامله حتى لا نشهده مباشرة وهو يتقدم طابور الإعدام. عندها كنت أهتف مع المحتجين وأشاركهم هز جدران السجن وأركانه بأصواتنا التي عانقت أصوات آلاف المتظاهرين والمحتجين في شوارع وبيوت كوبر المحيطة بالسجن. ولكنني بين نفسي كنت قد أدركت مقام الرجل، صحوت من غفوتي وغفلتي في إمعان النظر إليه مبكراً. لحظتها اجتاحني نهم عارم لكل ما كتب وقال، وندمت ندماً ما بعده على عدم زيارتي لحلقات إنشاده وحواره التي كان يقيمها بانتظام في منزله في بداية مدينة الثورة بأم درمان وأنا الغادي والرائح عبرها كل يوم! تلك هي اللحظة التي يشعر الواحد منا أن ثروة عظيمة قد تبددت وتسربت من بين أصابعه، دون أن يدري قيمتها أو يفيق من غفلة الحياة وتفاصيلها اليومية العابرة ليفتح عينيه على كنوز الذهب.

عادة قبر الرموز!

وإن كانت قد نازعتني منذ ذلك الوقت رغبة في قراءة فكر محمود كله والكتابة عنه، فقد تآكلت روحي سنيناً وسنين، حسرة على استهانة بلادنا كلها، دولة وشعباً ومؤسسات، وتفريطها المستفز في تراث ومكانة أعظم مفكريها وعلمائها ومثقفيها ومبدعيها في كافة المجالات. أين بالله تكون مكانة العشرات والعشرات من أذكى وأنبغ بنات وأبناء السودان من الشعراء والأدباء والفنانين والعلماء والباحثين النوابغ في مختلف المجالات، لو أنهم كانوا ينتمون إلى جنسيات أخرى، وأنجزوا ربع ما أنجزوه في بلد آخر وواقع آخر.. غير واقعنا نحن وغيربلادنا نحن؟ إلى متى هذه الخيبة المبينة وإلا متى نظل نقبر الرموز وهم أحياء وأموات؟! وبعض التجاهل يصدر عن "طيب خاطر وحسن نية" سودانيين. وبعضه ناشئ وقائم في ضعف أو غياب المؤسسات الثقافية نفسها، وكامن في ظاهرة الانقطاع في ممارستنا الثقافية واعتمادها على الظرفية وعادات المشافهة السيئة. وفي ظل واقع كهذا، كثيراً ما يعتمد الإبداع الفكري والثقافي على المبادرة الذاتية، بكل ما يحيط بها من ظروف حياتية ضاغطة ومكابدات عنيدة مع معركة توفير الحد الأدنى الضروري لحياة المفكر والمبدع، الذي يسعى مثل غيره إلى تحقيق شرط وجوده البيولوجي أولاً قبل أن يشطح إلى سماوات الإنسانية والإبداع!

كل هذا مفهوم ومن الممكن بل من الواجب معالجته. ولكن بعض الإهمال لئيم ومقصود ومتعمد، ويستمد لؤمه وقبحه من قبح وبدائية تقاليدنا السياسية السيئة، التي تربي الأفراد على بناء حاجز نفسي آيديولوجي سميك، يحجب البصيرة ويسد البصر، ويدفع الفرد في كثير من الأحيان، إلى تقديم الانتماء الحزبي السياسي الضيق، على المصلحة الوطنية العامة. ومن هذا الباب فما أضخم تراث الكيد السياسي البائر في حقل تقييم الفكر والإبداع. ولئن كانت الممارسة السياسية للجبهة الإسلامية "مشاترة" ومفارقة في كل شيء، لدى إصدارها قاموساً للشخصيات السودانية، حذفت منه بجرة قلم واحدة أسماء وقامات لا يستقيم للقاموس نفسه أن يحمل صفته تلك بدونها إلا إن كان قاموساً خاصاً بشخصيات من جزر القمر أو الكناري –شملت القائمة المحذوفة محمود محمد طه، فاطمة أحمد إبراهيم، عبد الخالق محجوب، الأمير عبد الرحمن نقد الله، الشفيع أحمد الشيخ- وغيرهم من الأسماء التي يطعن غيابها في قيمة القاموس، وفي نواياه ومحصلته، إن كانت تلك هي المشاترة العمياء بعينها، فما الذي يفسر سلوك برنامج توثيقي تلفزيوني قومي مخصص هو الآخر للتوثيق لحياة الشخصيات السودانية؟ أشير هنا إلى برنامج عمر الجزلي "أسماء في حياتنا" الذي لفت نظري فيه تلك العين الآيديولوجية الفاحصة في اختيار الشخصيات التي يوثق لها ويقدم. صحيح أن جعفر نميرى مثلاً كان اسما في حياتنا، ولكن أي اسم؟ مقابل ذلك تلاحظ غياب شخصيات كثيرة، هي التي تحمل وتعبر عن اسم البرنامج بمعناه الإيجابي بحق. دون أن أخوض في التفاصيل أسأل عمر الجزلي: ألم يكن مصطفى سيد احمد مثلاً اسماً كبيراً في حياة ملايين السودانيين ووجدانهم حتى بعد رحيله؟ وما هو المعيار الذي يحدد أن فلاناً أو علاناً كان اسماً في حياتنا نحن المفترى علينا؟ قبل ذلك، استضاف عمر الجزلي جعفر نميري فهل تذكر أن يستضيف محمود، أم أن هذا الأخير يندرج تحت قائمة "نكرات في حياتنا" المخبوءة في مكان ما بين أضابير الجزلي؟

عودة إلى أهمية دراسة تراث محمود وإسهامه الحداثي التنويري، فلا يزال من واجبنا حتى الآن، أن ننهض بهذه الدراسة كمفكرين ومثقفين، وأن نبين حجم الخسارة الفادحة التي ألحقها خصومه وجلادوه بثقافتنا وفكرنا وبحركة التجديد في الفكر الإسلامي كله. وما لم ننهض نحن بهذا الواجب فمن ننتظر أن يقوم به بالوكالة عنا؟ من جانبي كنت ولا أزال أطمح للقيام بهذا الواجب على مستوى أكاديمي مؤسسي، أضطلع فيه بتناول فكر وفلسفة محمود التنويرية، تناولاً مقارناً بفكر التيار الأصولي المتشدد، الذي ترضع اليوم من أثدائه كافة الحركات الإرهابية الناشطة على نطاق العالم، من السودان وحتى أفغانستان. ولتكن هذه الحلقة والحلقات التي تليها، المخصصة لدراسة جانب محدد من فكر وتراث محمود، ترجمة عملية لبعض هذه النوايا.




*عبدالجبار عبد الله

ناقد صحفي ومترجم
محاضر سابقا بجامعة الخرطوم وجامعة أمدرمان الأهلية 1994-2000 في علوم الترجمة

http://www.sudaneseonline.com/sections/kitabat_naqdiya/pa...ljabbari_mizmar.html
_________________

Post: #927
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-02-2008, 05:15 PM
Parent: #926


في ظلام غيبة الوعي
أشياخ التكفير .. أساتذة جامعات؟! (1-5)
د. عمر القراي

) إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هيناً وهو عند الله عظيم(
صدق الله العظيم
اطلعت مؤخراً، على كتيب بعنوان ( فتاوي العقيدة والمذاهب)، مؤلفه هو د. عبد الحي يوسف. ولقد لفت نظري في البداية، ان كاتبه مشار إليه بلقب (الدكتور) بدلاً من )الشيخ)!! كما ان الكتاب ليس فيه اسم الجهة التي أصدرته، أو دار النشر التي طبعته، ووزعته، الأمر المخالف لكل نظم المسؤولية، في التوثيق العلمي.. وحين اطلعت على الكتيب، وجدت انه ملئ بالفتاوي المتطرفة، التي تجنح للتكفير، والإثارة، والتحريض، والاستعداء على فئات مختلفة من الشعب السوداني.. مما يعد جهلاً بحقائق الدين، واستهتاراً بالدستور، وباتفاقية السلام، التي ارتضت التباين الديني، والفكري، والثقافي، والسياسي.. وأقرت مبدأ الحق في العيش الكريم، لأبناء الوطن الواحد، رغم اختلاف أديانهم، ومعتقداتهم..
ولقد افتتح الكتاب، بكلمة للناشر- الذي لم يورد اسمه - جاء فيها (وهذه المجموعة تمثل نماذج منتقاه لبعض الأسئلة التي وردت إلى موقع شبكة المشكاة الإسلامية وأجاب عليها فضيلة الشيخ الدكتور عبد الحي يوسف رئيس قسم الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم)!! ولم يوضح لنا الكتيب، لماذا قدمت هذه الأسئلة لذلك الموقع بالذات، ولا عن اي جماعة إسلامية، يعبر ذلك الموقع، الذي يفخر بنشر فتاوي التكفير، ولماذا قدم الموقع الأسئلة للشيخ عبد الحي، دون سائر الفقهاء والوعاظ، الذين درجوا على إصدار الفتاوي قبله..
ولقد كان من الممكن ان نتجاوز عن هذه الفتاوي الجاهلة، الحاقدة، البعيدة عن واقع العصر، لو انها صدرت من شيخ عادي، بسيط، لا يتجاوز علمه "متن العشماوية"، أو "ألفية ابن مالك"، وما شابهها من الحواشي والمتون.. ولكن ان تأتي الفتاوي المتطرفة، من شيخ بلقب (دكتور) في جامعة الخرطوم، ثم هو، رغم هذه العقلية، المسؤول عن الثقافة الإسلامية، في هذه المؤسسة العريقة، فأمر لابد من الوقوف عنده .. ذلك ان هذه الظاهرة الغريبة، انما تشير الى أمرين خطيرين: أولهما انتشار التيارات الدينية المتطرفة، التي تسيء إلى الإسلام أبلغ الإساءة، بما تعكسه من ممارسات إرهابية، تخالف جوهر الدين، وتشوه صورته، في نظر العالم.. ثم هي منسوبة بصورة أو أخرى، لحكومة الوحدة الوطنية، التي سمحت بها، رغم أن الحكومة تحاول جاهدة، تبرئة ساحتها، من تهم الإرهاب، وتصرح مراراً، بانها تسعى لإقرار السلام، في دارفور، كما أقرته في الجنوب، علها بذلك تمحو تهمة الإرهاب، وتدفع شبح تدخل القوات الدولية، التي دخلت دارفور، من التدخل في غيرها من بقاع السودان، وهي تعلم ان تدخل المجتمع الدولي، لا يبرره شئ مثل الإرهاب والعنف..
أما الأمر الآخر فهو تسرب هذه الاتجاهات الارهابية، التكفيرية، الى مؤسسات التعليم العالي، دون كفاءة علمية، ودون اعتبار للوائح، والنظم، ومعاييرالتعيين، في هذه المؤسسات.. مما أسقط هيبة الجامعات، وحد من قدرتها على المنافسة، في التقييم العالمي، وأثر سلباً على تربية، وتأهيل النشئ ، وأكد ما ظلت المنظمات الدولية لحقوق الانسان تردده، من ان ما حدث للتعليم العالي، في السودان، يرقى الى حد الانتهاك لحقوق الانسان..
داعية الفتنة.. كيف يفكر؟
والشيخ عبد الحي يوسف، لم يبدأ الفتنة بهذه الفتاوي العجيبة، وانما درج على تصدر كافة المناسبات العامة، التي تتعلق بأي موقف سياسي، أو فكري، ليحولها الى مأساة، بزرع بذور الفتنة، والفوضى، وتهديد أمن المواطنين.. فقد قاد مجموعة من الشبان، تهتف (الحد الحد للمرتد) أمام قاعة المحكمة، التي برأت المرحوم محمد طه محمد أحمد، من تهمة الردّة، التي حاول جاهداً أن يلصقها به!! وسبق أن هاجم معرض الأخوة المسيحيين، بجامعة الخرطوم، وحرض عليه، واستنكر وجوده، مما اثارسخط المتطرفين، فقاموا بحرقه، واهدروا بذلك، حق اولئك المواطنين، في التعبير عن معتقداتهم، وعرضوا ارواحهم للخطر، واتلفوا ممتلكاتهم!! ولقد كانت تلك الفتوى الجاهلة، مخالفة واضحة، لقوله تبارك وتعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين)، ولقوله تعالى (ولا تجادلوا أهل الكتاب الا بالتي هي أحسن).. ثم إنها مخالفة للدستور، واخذ للقانون في اليد، وكل ذلك لا يليق بالطالب الجامعي، فأعجب ان يقوم به الاستاذ الجامعي، داخل الحرم الجامعي!! ثم لا يساءل عما اقترف من جريمة التحريض!! لقد كان أجدر بالشيخ عبد الحي ان يعرض للافكار التي يختلف معها فيبين حقها من باطلها، ويمكن ان يحاور اصحابها فيهدي الله لنوره من يشاء ، ولكن اسلوب التكفير والاثارة وتحريض البسطاء، ليقوموا هم نيابة عنه، بما يدعي انه واجب ديني، حتى يكون هو بمعزل عن المساءلة القانونية، انما هو عمل ينقصه الصدق، وتنقصه المروءة!!
ولم يكن سبب تحريض عبد الحي، ضد المسيحيين، غضب مفاجئ، لم يستطع تمالكه، وانما يرجع الى ايمانه الراسخ، بعدم التقارب بين الاديان المختلفة!! فقد سأله أحدهم (كثر الحديث هذه الأيام عن التقارب بين الأديان فما صحة هذا القول؟ ) فاجاب عبد الحي (... فان الدعوة الى التقارب بين الاديان يراد من ورائها التسوية بين الحق والباطل والهدى والضلال والكفر والايمان..... فالتقارب بين الاديان بدعة ضلالة تولى كبرها الماسون ومن خدع بهم أو باع آخرته بدنياه) (فتاوي العقيدة والمذاهب - الجزء الأول صفحة 20).. ولو كان الشيخ عبد الحي، يعرف اقل القليل، عن الاديان، لعرف انها متقاربة لأن مصدرها واحد، وأصلها واحد، وغايتها واحدة .. أما مصدرها فهو الله سبحانه وتعالى، واما أصلها فهو كلمة التوحيد " لا اله الا الله "، واما غايتها فهي تجسيد كلمة التوحيد، في الخلق.. قال تعالى عن وحدة الأديان (شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي اوحينا اليك وما وصينا به ابراهيم وموسى وعيسى أن اقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم اليه الله يجتبي اليه من يشاء ويهدي اليه من ينيب)، ولقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (خير ما جئت به انا والنبيون من قبلي لا اله الا الله).. ولو كان الشيخ عبد الحي يعرف، لعرف ان من اسباب التقارب بين الاديان، ان ما جاء به القرآن، هو ما ورد في الكتب المقدسة قبله، قال تعالى (ان هذا لفي الصحف الأولى صحف ابراهيم وموسى).. وان الاختلاف وقع في الشرائع، قال تعالى (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا) لاختلاف الزمان، وحاجة كل زمان لما يناسبه من التشريع.. فالتقارب إذاً هو الاساس، والاختلاف فرعي، وهو لا يبرر التباعد، الذي افتعله الجهلاء، من اتباع الأديان، وليس ادل على ذلك من هذه الفتوى!!

ومن نماذج الفتاوي، التي تنطوي على النفاق، تحريم الشيخ عبد الحي، العمل في الأمم المتحدة!! فقد سألته إحدى النساء (بحكم عملي أخالط كثيراً من النصارى، نتناول الطعام سوياً أثناء العمل، اشاركهم في بعض الدعوات والحفلات في منازلهم وبعض الاماكن العامة فما مدى حرمة ذلك؟ مع العلم بأني التزم بالزي الاسلامي حتى في هذه الحفلات) فكانت اجابة عبد الحي ( فالحكم على عمل ما بالحل أو الحرمة يتوقف على معرفة ماهية ذلك العمل، وهل يندرج تحت التعاون على البر والتقوى أم التعاون على الإثم والعدوان؟ وها هنا أسئلة تستطيعين من خلال الجواب عنها معرفة حكم عملك في تلك الهيئة: هل الأمم المتحدة تنتصر لقضايا المسلمين أم العكس؟ هل هي في احكامها ونظمها تخضع لما انزل الله أم العكس؟...... أما مخالطتك لهم وانت أنثى فما ينبغي لك ذلك بل المطلوب من المسلمة أن تلزم حدود الاسلام بالا تخالط الرجال الا لضرورة أو حاجة، وحسبك ان تعلمي ان النبي صلى الله عليه وسلم منع اختلاط الرجال بالنساء حتى في المسجد وفي الصلاة، فاتقي الله في نفسك ودينك) (المصدر السابق ص (22-23)). هل كان الشيخ عبد الحي، صادقاً في هذه الفتوى، وهل هو مطبق لها في الجامعة، حيث الطلاب والطالبات في المعمل، وفي المكتبة، وفي الفصل، وفي فناء الجامعة، في حالة اختلاط؟ وهل يطلب الشيخ عبد الحي، من أي طالبة تسأله في الجامعة سؤالاً، أن تخاطبه من وراء حجاب؟! وهل ركب عبد الحي، يوماً، المواصلات العامة، أو ركب الطائرة، وجلست بقربه امرأة، فترك المركبة في الحال؟! واذا كانت الأمم المتحدة، لا تخضع في أحكامها، ونظمها، لما انزل الله، فمن أولى بان يقال له ذلك، موظفة بسيطة، أم حكومة السودان، التي تتعامل، وتتعاون، وتستلم المعونات من الأمم المتحدة؟!
====
في ظلام غيبة الوعي
أشياخ التكفير .. أساتذة جامعات؟! (2-5)

تكفيره للحركة الشعبية
لقد ورد السؤال كالآتي: (مارأي الشرع في انضمام رجل مسلم الى الحركة الشعبية كتنظيم سياسي مع العلم ان قيادتها لم يكونوا مؤمنين؟ ) فاجاب الشيخ عبد الحي (فلا يجوز لعبد يؤمن بالله واليوم الآخر ان ينضم لحركة تعادي الإسلام وأهله سواء ن كانت الحركة الشعبية أو غيرها من الاحزاب الإلحادية والعلمانية التي تجاهر بعدواة الاسلام أو تكون برامجها مشتملة على الدعوة الى إقصاء الدين عن الحياة... والحركة الشعبية على وجه الخصوص لم تخف في يوم من الأيام عداوتها للإسلام وأهله واعلنت مراراً عن نيتها وسعيها لإقامة ما يسمونه بالسودان الجديد يعنون بذلك سوداناً علمانياً لا مكان للدين فيه، كما انهم قد بدت البغضاء من افواههم تجاه كل ما يمت للعروبة بصلة، وما فتئوا ينادون بان سكان السودان الأصليين هم الزنوج وأن العرب الجلابة ليسوا الا غزاة الى غير ذلك من الترهات التي يبثونها ويدندنون حولها مراراً وتكراراً، وان المرء لا ينقضي منه العجب حين يرى منتسبين الى الاسلام يسارعون فيهم لنيل عرض من الدنيا قليل يبيعون من اجله دينهم ويوادون من حاد الله ورسوله فاذا عوتبوا يقولون "نخشى ان تصيبنا دائرة" وهم يجهلون حكم القرآن الواضح "يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم ان الله لا يهدي القوم الظالمين") (فتاوي العقيدة والمذاهب: د. عبد الحي يوسف صفحة 24-25)
إن فتوى الشيخ عبد الحي، لا عبرة بها، من حيث الفهم الديني السليم. ذلك ان الحركة الشعبية، قد حاربت بشرف، وحين جنحت للسلم، حق على محاربيها، ان يجنحوا له أيضاً، نزولاً عند قوله تبارك وتعالى (وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله انه هو السميع العليم).. ولأنه في أصل الدين، فان الانسان حر ان يختار الاسلام او يختار غيره.. قال تعالى في ذلك (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)!! ومن احترام الاسلام لانسانية الانسان، بغض النظر عن معتقده، فقد أمر بحسن معاملة غير المسلمين، قال تعالى (ادع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ان ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين)، وقال جل من قائل (ولا تجادلوا اهل الكتاب الا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون)!! فاذا قال الشيخ عبد الحي ان هذه الآيات منسوخة، وان الآيات المحكمة هي آيات القتال، فليسأل نفسه لماذا أنزل الله، هذه الآيات الانسانية الرفيعة، اذا كانت لن تطبق مطلقاً؟! لقد أنى للمتصدرين لأمر الإسلام، أن يعلموا أن النسخ إنما هو إرجاء، وليس إلغاء.. وان الآيات التي تدعو للسلام، والمودة، والحسنى بين المسلمين وغير المسلمين، هي أصل الدين، وهي صاحبة الوقت اليوم، ولا بد من بعثها، ومعيشتها، حتى لا يتناقض ديننا مع حياتنا، فيقبل الشيخ عبد الحي، ان يكون زعيم الحركة الشعبية، نائباً لرئيس الجمهورية، ومسؤول عن كل البلد، في حالة غياب الرئيس، ومسؤول عن المؤسسات التابعة لرئاسة الجمهورية، بما فيها مجمع الفقه، الذي يعمل عبد الحي موظفاً فيه، ثم هو وكل اعضاء تنظيمه، يعتبرون مع كل ذلك، في نظر عبد الحي كفاراً!! أما كان الأجدر بعبد الحي، ان يستقيل اولاً، عن كل مؤسسات الحكومة، ويعلن معارضته لها، لأنها والت الكفار، ولم تتبع الآية التي اوردها لنا، في حديثه أعلاه، وهي قوله تعالى (يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)، قبل أن ينصرف عن هذا الواجب المباشر، الى تكفير الذين انضموا للحركة الشعبية ؟!
ولو ترك الشيخ عبد الحي، أمر التكفير جانباً، وفضل تقبل الفهم، لشرحنا له كيف ان الآية التي اوردها ومثيلاتها، آيات فروع، تنزلت عن الأصل، مناسبة لطاقة المجتمع في الماضي، حيث العرف السائد قد كان القتال.. واما العرف اليوم، فهو السلام، ونحن مأمورون باتباع العرف، إذا لم يخل بغرض من أغراض الدين.. قال تعالى (خذ العفو وأمر بالعرف واعرض عن الجاهلين).. هذا العرف، انما يدعونا الى احسان معاملة المسيحيين، التزاماً بآيات الأصول، مثل قوله تعالى (ولتجدن اقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى ذلك بان منهم قسيسين ورهباناً وانهم لايستكبرون)!! ولو انشغل الشيخ عبد الحي، بالتفكير، عن التكفير، لدعوناه ليتأمل، قوله تعالى (ان الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) !!
أما من حيث الفهم الانساني، فان هذه الفتوى جريمة نكراء، لانها مخالفة تبلغ حد الاستهزاء بالدستور، وباتفاقية السلام، ثم هي خطيئة لا تغتفر، في ميزان الديمقراطية وحقوق الانسان، حيث حرية الاعتقاد، حق راسخ، نصت عليه كل الاتفاقيات والمواثيق الدولية، ثم انها بالاضافة لكل ذلك اثارة للبسطاء، والمضللين باسم الدين، ليأخذوا القانون في أيديهم، فيثيروا الفوضي ويقتلوا زعماء الحركة الشعبية، أوالمتعاونين معهم!! ولقد حدثت مثل هذه الفتن، من قبل، في يوم الاثنين المشؤوم، وأزهقت فيها أرواحاً بريئة، دون ذنب ، فلماذا يريد عبد الحي ان يكررها ؟! ثم ان الدعوة لعدم التعاون مع الحركة الشعبية، بعد توقيع الاتفاق معها، نكوص عن العهد، وخيانة للاتفاق (وان الله لا يهدي كيد الخائنين)!! ومن هنا، يجب عدم السكوت على هذه الفتوى الحمقاء، او قبولها باعتبارها مجرد رأي ديني، من حق الفقهاء اشاعته بين الناس.
وحين حرض الشيخ عبد الحي، المواطنين المسلمين، على عدم موالاة اعضاء الحركة الشعبية، أورد الآيات التي تحذر من ذلك، وتعتبر المسلمين الموالين للنصارى مثلهم، كقوله تعالى (يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فانه منهم ان الله لا يهدي القوم الظالمين ) !! والمواطنين الذين يحذرهم الشيخ عبد الحي، لم يوقعوا اتفاقية السلام، وانما وقعها قادة حكومة الإنقاذ الذين أوقفوا الحرب.. فهل يقصد الشيخ عبد الحي - بايراده لهذه الآية - بان رجال الإنقاذ خرجوا عن الدين، واصبحوا مثل النصارى؟! وإذا كان هذا هو رأيه الخفي، في قيادات الحكومة، فلماذا يتعامل معهم، ويأتمر بأمرهم، وهم في رأيه قد خرجوا على أمر الله ؟! أليس في هذا نفاقاً، لا يبقي لأحد ديناً ولا يذر؟! إن خطورة مثل إشاعة هذه الفتاوي الجاهلة، هي ان يسمعها بعض البسطاء، المضللين، فيعتدوا حتى على من كانوا قادتهم في الجماعة الاسلامية، من رموز الحكومة، بحجة أن عبد الحي قد قال انهم مثل أهل الكتاب، لأنهم موالين لهم وشركاء معهم في حكومة واحدة!!
تكفيره للجمهوريين
ولقد كفر الشيخ عبد الحي الجمهوريين، دون ان يناقش افكارهم، ودون ان يحاورهم فيها، وظن من الشذرات، التي بترها عن قصد، من هنا وهناك، ان امر تكفير الاستاذ محمود، والجمهوريين، بداهة لا تحتاج حتى ان يتردد في اطلاقها، ولذلك يقول: (فان الفكر الجمهوري الذي كان داعيته والمنظر له الهالك المذموم "محمود محمد طه" فقد حوى جملة من المصائب والطامات تجعل الحكم عليه بيناً... إنكاره لأمورقد علمت من دين الاسلام بالضرورة كوجوب الحجاب على المرأة ووجوب الزكاة واباحة تعدد الزوجات.... سوء ادبه مع الله وانبيائه ورسله ودينه وقد طفحت بذلك منشوراته ومؤلفاته..... بلغ من زندقته وفساد عقله ان ظن ان احكام الاسلام موقوته وان اختلاف الزمان يأتي على اصلها.... واذا تبين مروق هذه الفرقة من دين الاسلام فانه لا يحل لمسلم أن يتزوج من نسائهم لقوله تعالى "ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم" ولو استبان لزوج ان إمرأته تعتنق هذا الفكر لوجب عليه فراقها إن لم تتب، لقوله تعالى "ولا تمسكوا بعصم الكوافر" ولا يحل لمسلمة كذلك أن تتزوج رجلاً يعتنق هذا الفكر، لقوله تعالى "ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم")(المصدر السابق ص 28-33).
ولو كان الشيخ عبد الحي، يملك من الورع، ما يجعله ينقل من كتب الجمهوريين، نقلاً صحيحاً، غير مبتور، لناقشنا الحجج التي اوردها، في فتواه البائسة. ويمكن لمن اطلع، على كتب الاستاذ محمود، ان يدرك دون عناء، ان معظم ما أورده عبد الحي، مزور، ومحرف، ومبتور بقصد، حتى يعطي فهماً معاكساً.. ونحن هنا، نكتفي بمثال واحد، مما أورد، لندلل على كذب هذا الشيخ !! فقد كتب عبد الحي (رابعاً: سوء أدبه مع الله وانبيائه ورسله ودينه وقد طفحت بذلك منشوراته ومؤلفاته حيث وصف رب العالمين جل جلاله بالحقد حين يخلد الكفار في النارفقال في كتابه الرسالة الثانية ص78 "وما من نفس إلا خارجة من العذاب في النار وداخله الجنة حين تستوفي كتابها من النار وقد يطول هذا الكتاب وقد يقصرحسب حاجة كل نفس الى التجربة ولكن لكل أجل قدر ولكل أجل نفاد، والخطأ كل الخطأ في ظن ان العقاب في النار لا ينتهي إطلاقاً فجعل بذلك الشرأصلاً من أصول الوجود وما هو بذلك، وحين يصبح العقاب سرمدياً يصبح انتقام نفس حاقدة) (المصدر السابق صفحة 30).
أما النص الحقيقي فهو كالاتي (وما من نفس الا خارجة من العذاب في النار وداخلة الجنة، حين تستوفي كتابها في النار، وقد يطول هذا الكتاب، وقد يقصر، حسب حاجة كل نفس الى التجربة، ولكن، لكل قدر أجل، وكل أجل الى نفاد. والخطأ، كل الخطأ، ظن من ظن أن العقاب في النار لا ينتهي إطلاقاً، فجعل بذلك الشر اصلاً من أصول الوجود، وما هو بذاك. وحين يصبح العقاب سرمدياً يصبح انتقام نفس حاقده، لا مكان فيها للحكمة، وعن ذلك تعالى الله علواً كبيراً) (الرسالة الثانية صفحة 104-105)
وحذف الشيخ عبارة (وعن ذلك تعالى الله علواً كبيراً)، وانهاء النص عند كلمة "حاقدة"، ليصل الى غرضه المبيت، في اتهام الاستاذ بما ذكر، بالاضافة الى دلالته على ضعف الاخلاق، والكذب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا يكذب المؤمن)، انما يدل ايضاً على عدم الأمانة العلمية، وضعف التدريب في مجال البحث العلمي، الذي يقتضي الرجوع الى المراجع، ودقة التوثيق.. وهو ما يفترض ان يكون الشيخ قد حصل فيه على درجة الدكتوراة، التي يفضل ان يوصف بها، دون ان يملك ابجديات مقدماتها!!

اجراس الحرية

Post: #928
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-04-2008, 08:42 PM
Parent: #927


[size=24]صباح الخير يا حكام أفريقيا السابقين والحاليين

لماذا تظل الأنظمة السابقة تطارد الأنظمة التي تليها..؟!
منقستو خاف من الإمبراطور الميت فدفنه تحت مكتبه
وزيناوي يلاحق منقستو - الحي الميت - في زيمبابوي
عيديد سمح بدفن جثمان سياد بري في قرية بعيدة بعد جهد جهيد!
أزهري طارد نظام نميري فسجن أبو الاستقلال.. ومات مهملاً بالمستشفى!



الأنظمة الجديدة في العالم الثالث أو «الرابع عشر» في الحقيقة تضيّع نص عمرها عندما تأتي للحكم بوسيلة أو بأخرى «ليس من بين هذه الوسائل صندوق الانتخابات» في الغالب - في ملاحقة من سبقها من الحكام لدرجة، أن النظام الجديد - المنقلب على انقلاب أو نظام ديمقراطي ينسى بنود ووعود «بيانه الأول»!
إننا وقبل أن نأخذ أمثلة لندلل على ما قلنا، فإن مناسبة هذا الحديث هي ما أعلنته الحكومة الأثيوبية الحالية برئاسة - الدكتور - مع وقف التنفيذ أو التخرج - ملس زيناوي، الذي قاد ثورة مختلطة «شعبية وعسكرية وقبلية»، ضد نظام منقستو هيلي ماريام، الذي حكم عليه في الأسبوع الماضي غيابياً بالاعدام..!
وغيابياً لأن منقستو ومنذ نحو 18 عاماً يعيش في العاصمة الزيمبابوية هراري، بناء على قرار دولي وأفريقي الشكل، وأمريكي بريطاني الأصل، ذلك لأن أمريكا وبريطانيا وربما إيطاليا - على خفيف - هي الدول التي اتخذت عام 1991 قرارين هامين في تاريخ أثيوبيا، إذ كان القرار الأكثر تاريخية وأهمية، قد اتخذه منقستو هيلي ماريام في منتصف السبعينيات من القرن الماضي عندما ألغى النظام الإمبراطوري التاريخي الذي حكم أثيوبيا لمئات السنين..!
كان القرار الأمريكي الغربي المذكور، الذي أنهي حكم منقستو عام 1991، هو أن يتسلم الرئيس زيناوي، والذين معه، من قادة تحالف هش - يشبه تحالف المؤتمر الوطني القوي مع عناصر ومجاميع حزبية ضعيفة ومنقسمة على أحزابها، أن يستلموا الحكم في أثيوبيا، وأن يقيموا انظاماً جمهورياً ديمقراطياً على قياس أثيوبيا، ووفقا لمقتضيات الحال فيها..!
كان القرار الثاني الصادر من - مؤتمر لندن - الأمريكي البريطاني الايطالي الغربي، هو أن تستقل أريتريا بعد حربها الطويلة ضد الاستعمار الأثيوبي لها..!
وكان توقع أهل القرار ذاك، هو أن تصل أثيوبيا- زيناوي، وأريتريا - أفورقي - وهما أقارب بالقبيلة والحدود والجغرافيا والفكر الماركسي الماوي - إلى الوحدة - الطوعية - في المستقبل، وألا تكون أثيوبيا الدولة الكبرى، والقائدة أفريقيا ودينياً، دولة مغلقة، وبلا إطلالة على البحر الأحمر..!
طبعاً فيما بعد، وحتى يومنا هذا، أتت رياح ذاك الاتفاق بين زيناوي وأفورقي بما لا تشتهي السفن الغربية، أو حتى الأفريقية أو الأثيوبية الأريترية، حين نشب خلاف حدود بين الشريكين في زمن النضال ضد منقستو، وأدى الخلاف إلى طرد أثيوبيا - زيناوي - من سواحل البحر بمنطقة عصب، بل وإلى قفل أثيوبيا الكبرى - 65 مليون نسمة في مقابل إطلالة واسعة على البحر الأحمر لدولة لا يتجاوز عدد سكانها الـ «6» ملايين نسمة على أفضل التقديرات، حيث خارجها الآن كلاجئين ونازحين وهاربين ما يزيد عن نصف هذا العدد..!
إن الباحثين عن سبب الصراع بين أفورقي وابن خالته أو عمته - زيناوي - عليهم أن ينظروا لسواحل البحر الأحمر، ولا شيء سواه، إذ إن التاريخ قد يعيد أثيوبيا للاطلالة البحرية، ولكن بموجب أحد أمرين، إما بالاتفاق مع حاكم أريتري غير أفورقي، أو باجتياح أريتريا وإعادة استعمارها من جديد..!
ولقد قلنا إن الأنظمة الجديدة تلاحق من سبقها في الحكم، وتهدر وقت الشعب وقدراته، وذلك في مناسبة القرار الأثيوبي الجديد بالحكم على منقستو هيلي ماريام بالاعدام..!
ولقد سبق منقستو بديله زيناوي، وأصدر قراراً بإعدام الإمبراطور هيلاسلاسي معنوياً، حيث أصيب انقلاب منقستو في منتصف السبعينيات بالدهشة والأحساس بالغين والظلم والاحتقار..!
ذلك ووفقاً للروايات الأثيوبية لأن الإمبراطور هيلاسلاسي كان هو الذي ربى منقستو في قصره، إذ كانت أمه الأمهرية تعمل في القصر الإمبراطوري، بينما كان والده - الأرومي - يعمل في وظيفة ما بالدولة الإمبراطورية، ويدين بولاء شديد للامبراطور، الذي كان مقدساً عند معظم الأثيوبيين والامهرا خاصة..
يوم موت الإمبراطور هيلاسلاسي الذي حشره منقستو في سيارة - فلكس واجن بالية - ليبعده من القصر ليموت داخل السيارة، أو على مقربة منها، اتخذ منقستو - المهووس - قراراً عجيباً، وهو أن يدفن الإمبراطور هيلاسلاسي تحت تربيزة مكتبه.. «أي مكتب منقستو بالموقع الرئاسي»..!
كان ولا يزال التفسير لذلك القرار العجيب الذي نفذه منقستو بالفعل مجهولا، وهو العسكري الأحمر، الماركسي الادعاء، والديكتاتوري النزعة، والذي انتهج الخط الماركسي ليلاحق الماركسي الآخر، سياد بري، الذي كان يدعمه الاتحاد السوفيتي ضد هيلاسلاسي الغربي الانتماء..!
عقب وصول زيناوي لحكم عام 1991، قام بحفر مكتب سلفه منقستو، ليجد جثة الإمبراطور هيلاسلاسي تحت مكتب منقستو بالفعل، وليتم دفنها على نحو يليق بالإمبراطور، الأمر الذي خلق نوعا من التهدئة، وبعض الود بين ملس زيناوي - التيجراوي القومية - وقومية الأمهرا التي حكمت أثيوبيا من خلال الأباطرة - منليك - وهيلاسلاسي- وما بينهما من أباطرة وملوك، كانوا قد انتزعوا السلطة أصلاً من الإمبراطور يوحناس - الذي قتله الخليفة عبد الله التعايشي، إثر خلاف شهير بينهما..!
إن الإمبراطور يوحناس، ذاك هو جد الرئيس الحالي ملس زيناوي، أو على الأقل هو آخر أباطرة الحبشة التيجراي، والذين عاد أو أعيد إليهم الحكم، ولو باسم مختلف تحت زعامة زيناوي الذي استبدل الاسم الامبراطوري بالاسم الجمهوري..!
عودة لموضوع الملاحقات بين الحكام القدامى والجدد في أفريقيا على الأقل نتوقف اختصاراً عند المحطات الآتية..
ونبدأ بأنفسنا «أي السودان» عقب انقلاب عبود عام 1958 - 1964م، نشطت مخابرات نظام نوفمبر في ملاحقة زعامات الأحزاب الحاكمة - الأمة.. الاتحادي بصورة رئيسة.. فكانت الملاحقات.. وكان سجن الرجاف.. وكانت مصادمات المولد بين عبود والأنصار..!
* عقب ثورة أكتوبر الشعبية 1964 - 1969 - رفع الشيوعيون وحكومتهم الانتقالية شعار - التطهير واجب وطني - وهو شعار القصد منه ملاحقة الخصوم النوفمبريين - ومن حالفهم..!
* أما نظام مايو 1969 فكان من أكثر الأنظمة التي أهدرت وقتها ووقت الشعب ومصالحه وأمواله ومقدراته في ملاحقة الخصوم القدامى والجدد.. ليبدأ النظام بمحاربة وقتل نصفه - الشيوعي - بعد أن حارب خصمه الأنصاري في أبا وود نوباوي، لينتهي النظام بمحاربة - الجمهوريين - ليغتال زعيمهم الشيخ محمود محمد طه، الذي طالما أبدى هو وأعوانه نوعاً من التعاطف مع نظام مايو، وهو موقف أملته مواقف الحزب الجمهوري التاريخية ضد الطائفية، وغيرها من مكونات الأمة، المراد التمرحل لأجل استبدالها بمفاهيم دينية ووطنية عصرية، وفقاً لرؤية الجمهوريين..!* بعد سقوط نظام نميري 1969 - 1985 - جاءت الفترة الانتقالية العسكرية الطابع، ومداها عام واحد، لتكون الأقل ملاحقة لمايو ورموزها إلا في مسألتين - هما الفلاشا - وبيع البترول - ليأتي النظام الديمقراطي 1986 - 1989 - ويغرق في مشاكل حاضره إلى أن ينتهي به الأمر عند نظام الانقاذ 1989م، حتى يوما هذا، حيث لا يمكن القول بأن النظام الانقاذي كان الأقل إهداراً للوقت والجهد والمال في محاربة الماضي، بل وفي خلق واقع جديد ومعقد ليصبح الصراع مع الحاضر وفي الحاضر أكثر منه ضد الماضي، الذي سبق الانقاذ..!
وأفريقياً هذه ملامح من عمليات إهدار الوقت في ملاحقة الماضي.
* يوغندا طرد نظامها الجديد برئاسة ملتون أبوتي وبعون من تنزانيا في نهاية السبعينيات، طرد الرئيس السابق عيدي أمين، وأهدر وقتا طويلا في ملاحقته، هو وأعوانه، حيث عاش ومات في السعودية، ولكنه كان ملاحقاً رغم صمته المنقفل عليه، إذ إن الحكومة اليوغندية في عهدي أبوتي والرئيس الحالي موسيفني - كانت يطاردها شيطان عيدي أمين، لدرجة رفع عدد أعضاء بعثة الحج اليوغندية بسبب - حجاج المخابرات - الذين عليهم الوقوف - على حال عيدي أمين وليس «الوقوف على عرفة»..!
* وسياد بري 1991 - 2008 - طورد من جانب الجنرال عيديد، حتى مات سياد بري في المنفى بنيجيريا، ليسمح عيديد بأن يدفن الرجل وفي صمت شديد داخل الصومال، وفي منطقة نفوذه القبلي - بقربهري - على الحدود مع كينيا..!
ولكن مالنا نذهب بعيداً هكذا.. ألم يمت مؤسس السودان المستقل، ورافع العلم اسماعيل الأزهري في مستشفى عام نتيجة - اليوم أو الاهمال - وليذاع خبر وفاته بقرار من نميري في نشرة الساعة الرابعة المخصصة للوفيات، وليقال إن المدرس السابق أزهري، قد مات اليوم..!
حيث مُنع الشعب السوداني من الاشتراك في تشييعه، بل وألقي القبض على بعض من شيعوه، أو اشتركوا في تشييعه، وبين هؤلاء للتاريخ، صديقنا وزميلنا الصحفي ناشر - الخرطوم - الباقر أحمد عبد الله، الذي كانت واقعة اعتقاله في مايو يوم رحيل ودفن الأزهري، نقطة التحول في حياته، ولعمره المديد بإذن الله، حيث وقف الباقر يومها وفوق المقابر، ليرثي الزعيم وليدفع الثمن..!![/size]

http://www.alwatansudan.com/index.php?type=3&id=10289&bk=1

Post: #929
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-05-2008, 05:51 PM
Parent: #1




AM

سعودة المجتمع السوداني دق ناقوس الخطر

أمجد إبراهيم
[email protected]

الملاحظ في الفترة الماضية تزايد ملحوظ لارتداء النقاب السعودي (واعني ما أقول بكلمة سعودي لأنني لا اعتبره إسلاميا) من قبل النساء السودانيات بلونه الأسود الداكن، وانتشار ظاهرة عدم المصافحة في الأيدي بين الرجال والنساء حتى بين الأقارب. ومنع النساء من أداء العديد من الأعمال بحجة حفظ كرامتهن في بلاد مات فيها أكثر من مليوني شخص في حرب أهلية دامية وحرمت العديد من النساء من العائل مما اضطرهن للقيام بالعديد من الأعمال. مثل العمل في الطرمبات والمطاعم. كما أن الألسن تتناقل العديد من المواقف الحادة داخل العديد من الأسر بالحجر على حرية المرأة وممارسة ضغوطات كبيرة على سلوكها وانسانيتها..
أورد هنا بعض من مظاهر هذه الأزمة التي تعصف بالمجتمع وخطورتها و تجذرها فيه بصورة ملفتة حتى وسط المتعلمين، و يعود ذلك إلى الانتشار الواسع لمذهب أنصار السنة في السودان (وهو مسمى للهروب من الاسم الأصلي ذو الدلالات السياسية وهو المذهب الوهابي السائد في السعودية). حيث أن كتيباتهم توزع مجانا داخل السودان وبكميات هائلة في ظل عدم وجود أي نشاط ثقافي لمجموعات ثقافية وسياسية أخرى تنشر وعي متحرر ومتقدم على المجتمع. وتعمل على نشر فكر ديني متسامح في ظل دولة متشددة دينيا في المقام الأول.
الإشكال الرئيسي في تحليلي لقبول هذا التيار المتشدد هو قدومه من السعودية بالذات، وبما أنها هي مركز الديانة والثقافة فهناك نظرة رومانسية لها على أنها مركز الدين الصحيح في الوعي الجمعي السوداني، و ما عداها هو هرطقة وتجديف. الإشكال هنا نفسي لحد بعيد فمن تحليل د. الباقر العفيف لمسألة الهوية السودانية في ورقته الشهيرة (قوم سود ذوو ثقافة بيضاء) ، نجد أن السودان يوجد في هامش الثقافة العربية، وهناك سعي دائم من الهامش للتشبه بالمركز و نقل ومحاولة إعادة إنتاج هذا المركز في الهامش حتى يتشبع به، لذا نرى انعاكسات هذا المركز (متمثلا في الدول العربية المختلفة) المتعددة في الهامش (الذي يمثله في هذه الحالة السودان)، مثلا نرى أن هناك في السودان حزب البعث عن بعث العراق كما هناك ممثلين لحزب البعث السوري، و هناك اللجان الثورية من ليبيا، ، هناك ممثلين للحزب الناصري المصري.. الخ من الأمثلة، بينما لا نجد مثل ذلك الانعكاس من الواقع السوداني في تلك الدول.
عندما يصل الأمر للشأن الديني نجد تجليات هذا التحليل ظاهرة في النموذج السعودي للتدين، الذي ينتشر بسرعة كبيرة داخل المجتمع السوداني، و لذلك نجد أن العديدين مدفوعين إليه لان النموذج التديني للسعودية هو الأصل بالنسبة لهؤلاء بحكم وجود مركز الديانة هناك فكل ما يحدث في السودان من تدين متسامح هو انحراف عن النموذج يستوجب التقويم، و قد أتاحت لي الانترنت و الحوارات العديدة مع الكثير مع الأهل تلمس ذلك جليا، بل أن البعض عاد بعد عطلات قصيرة في السعودية بهذا التفكير ويدافعون عنه دفاعا مستميتا من نفس منطلق أن ذلك هو النموذج الصحيح وأننا في السودان عارضين برة النقارة كما يقول أهلنا.
هناك عامل آخر و هو انحسار المد الصوفي بعد أن جفت موارده و تحول الأطفال إلى المدارس وبعدهم عن مؤسسة الخلوة في التعليم الأساسي مما خلق فراغا دينيا تمددت فيه قوى الإسلام السياسي المتطرفة على حساب الطرق الصوفية المتسامحة، و توسع الفكر الوهابي السعودي في السودان مستفيدا من أجواء الحرية و التسامح في الوطن على الرغم من اختلاف البلدين. و مستفيدا من الدعم اللا محدود من السعودية مما سهل حركة منتسبيه خاصة و أن الأوضاع في الفترة الأخيرة صديقة لهم حيث لا تضاد واضح بينهم و بين الحركة الإسلامية التي تعتبرهم حليفا يمكن تفعيله بسهولة عند الدق على وتر العاطفة الدينية و هذا ما كان يحدث دائما في الانتخابات الطلابية في الجامعات. و لكن يبدو أن السحر قد بداء ينقلب على الساحر فقد زاد عدد متبعي هذا الفكر بشدة و انفتحت شهيتهم للعب دور سياسي بعد أن كانوا يتظاهرون بالزهد حيال الدنيا، و انتقل الوهابيون السودانيون من مرحلة الكمون إلى مرحلة الفعل السياسي حتى ضد حلفاء الأمس و قد أدى موقفهم السياسي هذا إلى خسارة تيارات الإسلام السياسي لانتخابات جامعة الخرطوم على الرغم من الأغلبية الميكانيكية لها في تلك الساحة. هناك ظاهرة أخرى و هي تزايد عنفهم اللفظي و الشخصي في الشارع السوداني، و نشوء جماعات دينية مناوئة ضدهم تستخدم أساليب أكثر عنفا منها الهجوم المسلح على المساجد في ظاهرة لم تكن موجودة مطلقا في السودان، و نجد تناسبا طرديا بين تزايد عددهم و ذلك العنف مما يبشرنا بطالبان جديدة في السودان إذا لم نولي الأمر الانتباه اللازم، و من مظاهر الاهتمام بالشأن السياسي ذهاب شيخ الهدية إلى مفاوضات نيفاشا الأخيرة. و نزاعه مع نائبه على من يتولى الزعامة بعده و هو صراع سياسي في المقام الأول مهما حاول الكثيرين إسباغ القداسة عليه.
هناك تغيير في استراتيجيات و أولويات التيار الوهابي السوداني فبعد أن كان يستهدف بعدائه الطرق الصوفية و يدعو إلى تكفيرها و مهاجمتها في معاقلها كمناطق كسلا، و استهداف مناطق جبال النوبة باعتبارها مناطق عذراء يسهل الدعوة فيها، و كما وجه سهامه تجاه عطبرة باعتبارها معقل لليسار، نجده في سودان الإنقاذ يستهدف الجامعات و المدن الكبيرة و من يذهب إلى السودان يتلمس هذا جليا في تزمت العاصمة الواضح مقارنة بالأقاليم التي تكون متحررة غالبا، هذه الأقاليم تمثل عمق الثقافة و الهوية السودانية المتحررة و المتسامحة، مما خلق واقعا معكوسا عن المنطق إذ أن المعروف أن المدن الكبرى و العواصم في مختلف الدول تكون في الغالب أكثر تحررا من الأرياف و القرى. هناك عامل آخر ساهم في انتشار المذهب الوهابي و هو عودة أبناء المغتربين من السعودية إلى الدراسة في السودان بما يحملونه من مفاهيم و مسلمات وهابية تحدو بهم إلى تكفير المجتمع من حولهم مما حذا بهم إلى الانخراط في التنظيمات التي تسعى لإرجاع هذا المجتمع إلى جادة الصواب، و من الملاحظات الملفتة للنظر أن أبناء المغتربين العائدون من دول الخليج الأخرى يكونون أقل تشددا نسبة للمجتمعات المنفتحة نسبيا التي عاشوا فيها، و بالطبع فان هذه الظواهر ليست مطلقة و لست هنا بصدد إصدار أحكام نهائية بل هي ظواهر ينبغي الوقوف عندها و تأملها. لان تأثيرها قد يتعدى نطاق متبعيها حتى يصل إلى السلطة نفسها و هذا ما شهدناه جميعا عندما أصدر السيد مجذوب الخليفة قرارات منع النساء من القيام ببعض الأعمال و المهن.
لقد دخل الدين الإسلامي سلميا بعد هزيمة جيش عبد الله بن أبي السرح حربيا على أيدي رماة الحدق من أجدادنا على التخوم الشمالية مع مصر، وبعد ذلك ساهم المتصوفة في نشر الدين سلميا، لذلك نجد أن التدين السوداني غلب عليه طابع التعايش مع الموروث الثقافي للحضارة السودانية الضاربة في القدم، و قد نشاء عن ذلك تدين صوفي متسامح تمثل في تقديم المتصوفة لنموذج سلوكي ايجابي متواضع للتدين زاهدا في المتاع الدنيوي ثر بالقيم المعنوية مما حذا بالكثيرين لإتباعه حتى صار دين الدولة السودانية دون أن تسفك نقطة دم واحدة، هذا النموذج الفريد ساهم مساهمة حقيقة في تشكيل النموذج الديني و الاجتماعي في السودان، مما خلق دولة متماسكة دون شطط و دون حروب دينية بين طوائف متعددة كالتي عرفتها المجتمعات الإسلامية الأخرى.
إن النظر للنموذج السوداني للتدين على انه انتصار لرسالة الدين الأساسية في حرية الدين و المساواة و الدعوة بالحسنى، هو من أهم شروط إعادة بناء الدولة السودانية الحديثة لتناغم ذلك الضرب من التدين مع المزاج السوداني و الذي تطور بالكثير من التجارب و التعايش. و للأسف لم يتعلم السودانيون احترام و تقدير ما أنتجته ثقافتهم المشتركة بعد، بل أنهم يهرعون دائما لما ينتجه المركز الثقافي لهويتهم المفترضة حتى و أن جلب عليهم ذلك الويلات، و لان التاريخ ولوع بتكرار نفسه فقد تماهت قوى الإسلام السياسي السودانية مع مثيلاتها المتطرفة في الدول العربية المجاورة في السعودية و مصر، لتغتال مفكرا سودانيا مسالما استنبط عصارة الإسلام السوداني المتميز في عبارة (الحرية لنا و لسوانا) و هو الأستاذ محمود محمد طه انزل الله علي روحه شآبيب الرحمة و الغفران، في مسرحية سيئة الإخراج قبل أكثر من عشرين عاما، في تنكر واضح لمزاج السودانيين المسالم و في هرولة غير منتظمة تجاه مناهج متطرفة تسفك الدماء حول العالم يوميا.

Post: #930
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-06-2008, 00:39 AM
Parent: #929


الذكرى الثامنة عشر

--------------------------------------------------------------------------------


المصدر: جريدة الحرية فى الخامس والعشرين من نوفمبر

-------------------------------------------------------------
الذكرى الثامنة عشرة لاستشهاد الاستاذ محمود

منظمات حقوق الانسان العربية والعالمية تحتفل بيوم الحرية والفكر يوم حقوق الانسان

بقلم: ابراهيم يوسف

القوى السياسية تدين

قوانين سبتمبر ومحاكمها

كان سبب محاكمة الاستاذ محمود واغتياله هو نقده لقوانين سبتمبر في منشوره الشهير «هذا او الطوفان» الذي مما جاء فيه «وجاءت قوانين سبتمبر 1983 فشوهت الاسلام في نظر الاذكياء من شعبنا وفي نظر العالم واساءت الى سمعة البلاد فهذه القوانين مخالفة للشريعة ومخالفة للدين» ومواجهته لمحاكم القصر العشوائية اذ وجهت له تهمة نقد قوانين سبتمبر فواجهها بقوله «انا اعلنت رأيي مرارا في قوانين سبتمبر 1983 من انها مخالفة للشريعة وللاسلام اكثر من ذلك انها شوهت الشريعة وشوهت الاسلام ونفرت عنه يضاف الى ذلك انها وضعت واستغلت لارهاب الشعب وسوقه الى الاستكانة عن طريق اذلاله ثم انها هددت وحدة البلاد هذا من حيث التنظير

اما من حيث التطبيق فان القضاة الذين يتولون المحاكمة تحتها غير مؤهلين فنيا وضعفوا اخلاقيا عن ان يمتنعوا عن ان يضعوا انفسهم تحت سيطرة السلطة التنفيذية تستعملهم لاضاعة الحقوق واذلال الشعب وتشويه الاسلام واهانة الفكر والمفكرين واذلال المعارضين السياسيين ومن اجل ذلك فإني غير مستعد للتعاون مع اي محكمة تنكرت لحرمة القضاء المستقل ورضيت ان تكون اداة من ادوات اذلال الشعب واهانة الفكر الحر والتنكيل بالمعارضين السياسيين» انتهى

وحين كان الاستاذ قد اغتيل بسبب نقده لقوانين سبتمبر ومواجهة لقضاتها فان القوى السياسية والاحزاب الدينية الكبيرة بعد الانتفاضة قد جهرت بادانتها لقوانين سبتمبر كما ان القضاء المستقل بعد ان استرد موقعه قد طهر ساحته مما نسب اليه من حكم سياسي وليس قضائيا حسب تعبير المحكمة العليا في القضية الدستورية التي صدر فيها الحكم بتبرئة الاستاذ بتاريخ 18/11/1986م في القضية الدستورية نمرة ع/ق د/ 2/ 1406

ولكل ذلك فان قوى التجمع التي برزت احتجاجا على الحكم الجائر وقادت المعارضة والانتفاضة حتى اجتاح النظام «الطوفان» كانت هي وسائر القوى المستنيرة الحرة تحتفل بالاستاذ محمود كشهيد للفكر وللحرية ولكن لما حلت ببلدنا كارثة الشمولية المتدثرة بالدين اصبح الفكر يتيما في بلدنا الحزين ووئدت الحريات ولم يكن هناك متنفس لمنظمات حقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني بل ان النقابات اجتاحها الاجماع السكوتي وفي هذه البيئة قد توقف الاحتفال بالاستاذ في السودان ذلك البلد الذي يعزه الاستاذ وقد فداه وقدم له من الفكر الاصيل والمواقف المشرفة ما يشرف السودانيين على اختلاف آرائهم لو كانت نظرتنا قومية تقدر القيمة وتكبر العطاء ولا تصادر الآخر وتئد الاختلاف

وقد كان مسلمو السودان بطبيعتهم الصوفية يعترفون بالآراء ولا يغمطون حق الرأي المخالف ولذلك امكن التعايش السلمي مع الاديان الأخرى، ومع اصحاب كريم المعتقدات فصوفيتنا مثلا كانت تغلب عليها الطريقة القادرية ولكن لما برزت السمانية بنفحة بارزة لم يتحرجوا من الاعتراف بها اعترافا بالعطاء واكبار للقيمة اين كانت ونبذا للتعصب

كان هذا هو شأن مسلمي السودان قبل ان تغزوهم وافدات الهوس الديني والاسلامي السياسي والارهاب

وفي الوقت الذي وقفت فيه الاحتفالات في بلدنا الحزين فان الاخوة العرب عامة والاخوة المصريين خاصة ظلوا يحتفلون بالاستاذ بمواقفه المشرفة فقد قامت في القاهرة ندوة عن «حقوق الانسان في الوطن العربي والتي حضرها لفيف من كبار المفكرين ورجال القانون والسياسة والادب في العالم العربي وقد ذكرت مصادر القاهرة بأن الحشد الذي شهدته الندوة يعد من اكبر التجمعات العربية التي حضرت الى العاصمة المصرية منذ اوائل السبعينات» وقد مثل فيها السودان «ومن اهم التوصيات التي خرجت بها الندوة هي اعتبار يوم استشهاد المفكر محمود محمد طه يوما لحقوق الانسان في الوطن العربي»

كان الاستاذ فتحي رضوان رئيس المنظمة العربية لحقوق الانسان قد قال عن موقف الاستاذ «ويشرف المواطن العربي ان يوجد من بين اخوانه في هذا الوطن من يواجه طغيان الحكام بثبات ورباطة جأش رافضا ان يتعاون مع هذا الطراز من المحاكم والقضاة وان يتمسك برأيه حتى حينما يصل الامر بالتهديد بالموت»

كما ان مركز دراسات حقوق الانسان بالقاهرة كان يحتفل بالاستاذ ويعرض شريط حديث الاستاذ في المحكمة ويقدم احد المحامين السودانيين ليشرح خلفيات المحاكمة مثل الاستاذ طه ابراهيم وكذلك مركز الدراسات القانونية لحقوق الانسان والاستاذة الفضلى عطيات الابنودي لما شاهدت شريط المحاكمة وهي المخرجة السينمائية البارزة قد اخرجت فيلما تسجيليا عن المحاكمة بعنوان «القتلة يحاكمون الشهيد»

كما قالت في مجلة القاهرة «هانذا مواطنة مصرية اعمل كمخرجة سينمائية احس بعد كل هذه السنوات بأن الاستاذ محمود محمد طه وافكاره اصبحا ملكا لنا وليس للسودايين فقط او لما كان يسمى بحركة «الاخوان الجمهوريون» لقد اصبح ملكا لكل من انتمى الى الثقافة العربية الاسلامية ملكا للمسلمين وغير المسلمين في اوطاننا المتحدثة باللغة العربية ثم هو اولا واخيرا ملكا للتجربة الانسانية جمعاء» كما انها نشرت كل حيثيات المحاكمة بمجلة القاهرة ـ مجلة الفكر والفن المعاصر ـ وقد قدمت المجلة الحيثيات بكلمة التحرير التي جاء فيها الحديث عن توافق «الامام» نميري والجبهة الاسلامية القومية وعرابها د الترابي «فكانت النتيجة قتل الرأي المسالم والفكر المستنير في حادثة تحمل العبر لا للسودان الشقيق وحده بل لكل بلاد العرب التي يراد لها ان تبقى في غياهب الظلام وعصور الجهل والقتل وكبت حرية الرأي والتعبير الذي هو حق طبيعي لكل انسان على هذه الارض التي ارتوت بدماء محمود محمد طه الزكية وهو يكتب صفحات من النور في طريق حرية الفكر والاستنارة» القاهرة يناير 1994م

ولم تخرج السودانيين عن وصمة الصمت عن الاحتفال وقيمه وعبره ومواقفه في ظل الشمولية الا مجموعة «حق» التي بادرت واقدمت فاخترقت المحاذير والمعوقات فاحتفلت بالاستاذ يناير عام 2001م وقد جاء في كلمة امينها العام الحاج وراق عن الاستاذ انه قد «كان مثالا للسلام والرحمة والرحمة بالاحياء والاشياء ما امتشق سلاحا ابدا سوى سلاح الفكر فجاء اغتياله نموذجا صافيا من غير لبس او تشويه لاغتيال حرية الفكر والضمير» كما جاء فيها ان «ابتسامة الشهيد الاستاذ محمود محمد طه ستظل عنوانا لنهضة حرية التفكير في مواجهة ايدلوجيا التكفير» «واننا لنرجو في هذا اليوم يوم ذكرى اغتيال الاستاذ محمود ان تتوحد وتتحرك مؤسسات المجتمع المدني كما توحدت وتحركت عقب اغتياله للضغط لالغاء القوانين المقيدة للحريات»

وكان الاحتفال تجربة ناجحة ومشجعة دلت على ما يختزنه الشعب السوداني من اكبار للاستاذ بل حزن على التفريط في نصرته مما يجعل الاحتفال السنوي هو اقل ما يجب في حق الرجل والمباديء وحق انفسنا علينا كمواطنين في عالم الالفية الثالثة

ولذلك كان احتفال يناير 2002م على قصر وقت التحضير احتفالا ناجحا اقامته المجموعة السودانية لحقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني: مركز عبد المجيد امام ـ مركز التنمية البشرية «الفنار» جمعية التنوير الثقافية ـ مركز الدراسات السودانية ـ نشطاء حقوق الانسان كما شاركت في النشر والاحتفال كل الصحف السودانية الحرة وكان مخططا ليوم الاحتفال الختامي الذي تبناه الطلبة بمسرح نشاطهم بجامعة النيلين ان يكون احتفالا رمزيا بعد ان اوفت الصحف كل الجوانب والتفاصيل وان يكون قوميا انتظمت للمشاركة فيه جل الوان الطيف والشخصيات الوطنية والشخصيات الصحفية والفكرية والمهتمون بالعمل العام ومآلات الحرية

وكان الاحتفال حول مبدأ الحرية والفكر حول مبدأ الاستاذ محمود «الحرية لنا ولسوانا» اذ ان تقديس الاستاذ للحرية وتجسيدها في حياته بمثابرته الصميمة الخالية من العنف ونصرته للمستضعفين وللمباديء كان «نموذجا صافيا» يحرك حماية الحرية وقداستها في صدر كل حر ولكن في الوقت الذي كانت تقام فيه الاحتفالات في مختلف اصقاع العالم وحتى البعيدة مثل امريكا وبريطانيا فإن حكومة الانقاذ غلبت طبيعتها على تطبعها الذي كانت تمليه الضغوط والمراقبة الخارجية ومراجعة سجلها في حقوق الانسان فاذا بمحسوبيها في نقابة المحامين وفي جامعة النيلين يفضحونها ويحرجونها فيعترضون على اقامة الاحتفال بذرائع مضحكة مبكية مما عرض مواقفهم لسخرية الصحف وكذلك امن النظام ووزيره الديني

وقد صاح الاخ الاستاذ محمد طه محمد احمد منبها قومه لو كانوا «يسمعون الصايح» صاح فيهم ليتذكروا دستورهم وليتذكروا ما عليه العالم بعد حرب الارهاب وموقفه من مصادرة الحرية وحق التعبير فقال «ثم لماذا تتراجع السلطة لارضاء شرائح صغيرة تتحرك بعواطفها فقط كشأن بعض الجماعات الدينية التي تتناسى ان في البلاد دستورا يجب ان يحترم وان السودان ليس معزولا عن العالم وليس مستعدا لتلقي الضربات التي تلقاها الملا عمر في افغانستان من الداخل والخارج ان العالم يتغير وكما قال الرئيس البشير في المؤتمر الصحفي المشترك مع الرئيس اليوغندي موسيفني قال الرئيس البشير «نحن نعي جيدا المتغيرات في العالم بعد احداث سبتمبر»

ورغم العوائق الرسمية فان دفقت روح الحرية وروح الاستاذ قد وفقت طلبة المؤتمر الوطني نفسه بجامعة النيلين نفسها ليقيموا ندوة عن فكر الاستاذ وكان من المتحدثين الاستاذ محمد طه محمد احمد الذي نبه في نفس الندوة لحالة الهدوء وحالة الامن التي كانت سائدة وقد قامت الندوة التي تحدث فيها جمهوري ايضا في نفس الساحة التي كانوا يزعمون ان الاحتفال بها سيخل بالامن فكانت الندوة برهانا على ان الفكر والحوار لا يهددان الامن الا في ذهن من يسقط تعصبه هو على الآخرين من المتعصبين والمهووسين او من ترعبهم الحرية

واحتفال السنة الماضية على ضيق فترة تحضيره قد كان نموذجا ناجحا ومشجعا مما يجعل فرصة احتفال يناير 2003م اكبر واوسع وقد كان هذا طموح اللجنة منذ العام الماضي اذ يمكن ان ترعى الاحتفال المنظمات العربية خاصة ومركز دراسات حقوق الانسان بالقاهرة لم يكتف بالاحتفال بل اقام مؤتمرا لمنظمات حقوق الانسان العربية وكان موضوع المؤتمر ما هو السبب في صفوية حقوق الانسان في المنظمات العربية وقد انتهت المناقشة الى ان السبب هو ان الفهم التقليدي للدين هو فهم ضد حقوق الانسان ولذلك كانت حقوق الانسان صفوية وليست شعبية وانتهى الامر بالمؤتمر الى التوصية بدراسة اي محاولة تجديد وحمايتها بل رشح رئيس المركز للمؤتمرين كتاب الرسالة الثانية للاستاذ كما نشر المركز عددا من مجلة رواق عربي نشر فيها ثلاثة مواضيع عن فكر الاستاذ وذكر في مقدمته انهم اعطوا هذه المساحة لفكر الاستاذ لانه فكر تجديدي لم يجد الحماية والنشر

كما ان المنظمات العالمية لحقوق الانسان والعالم كله بعد احداث سبتمبر اصبح يبحث عن وجه الاسلام «السلمي» «التقدمي» مما يظهر ان فكر الاستاذ محمود كان دفاعا مسبقا عن الاسلام بابرازه لوجه الاسلام السلمي في فكره وتجسيده للسلام مع الاحياء والاشياء في حياته وبمناهضته للهوس والجمود مما يجعل الاستاذ مفخرة للسودانيين على اختلاف آرائهم بما قدم من فكر سوداني اصيل وانساني رفيع

والمحتفلون بالاستاذ وبمبدئه «الحرية لنا ولسوانا» يستظلون بالآية الكريمة «وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» وبعد ان شوه الهوس الاسلام عالميا فما هو موقع المنسوبين للاسلام الذين يحفلون بحكم محاكم الردة؟

واخيرا فان الشعب السوداني شعب شجاع يعشق الشجاعة والصدق وقد جسد الاستاذ الشجاعة في قمة اسطورية مما خلق تلاحما وجدانيا بين الاستاذ والشعب به تمكن الشعب من اكتشاف زيف المحاكمة مهما تسترت بالدين ولذلك ظل الشعب السوداني ليلة التنفيذ في السودان وفي المهاجر ظل ساهرا مع الاستاذ وفى ضحى التنفيذ عندما حضروا لاخذ الاستاذ لمنصة المشنقة التي حولها الاستاذ الى منبر يعلن فيه كتابه الاخير «تعلموا كيف تموتون» فعندما ارادوا ربط يديه قال لهم دعوا يدي لاحيي بهما الشعب فقالوا اوامر!!

وكما قال الشاعر عن وصية الاستاذ الاخيرة

على منصة الاعدام يكتب الوصية

وصية للاحرار ان يسهروا على الحرية

وان يكون الدين دربهم الى الحرية

وان يكون الخبز زادهم الى الحرية

ون يكون وقتهم وقوتهم حرية

فمن لم يمت على مصارع الحرية

عيشته دنية ميتته دنية

وصية موثقة منسوجة صدقا وحقا من حبال المشنقة

ويسألونه قبل الصعود للمنصة هل تريد ان تقابل القاضي فيجيبهم وهل هناك قاض؟

وهناك ابيات ابي تمام التي نشرها الدكتور منصور خالد ايام التنفيذ ومنها:

وقد كان فوت الموت سهلا فرده اليه الحفاظ المر والخلق الوعر

فاثبت في مستنقع الموت رجله وقال لها من دون اخمصك الحشر

غدا غدوة والحمد نسج ردائه فلم ينصرف الا واكفانه الاجر

تردى ثياب الموت حمر فما دجا لها الليل الا وهي سندس خضر

مضى طاهر الاثواب لم تبق روضة غداة ثوى الا اشتهت انها قبر


Post: #932
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-07-2008, 05:14 PM
Parent: #930


نداء لطلبة جامعة الخرطوم ولرفاقي في الحركة الشعبية:

فلنطفئ نار الفتنة في البلاد!

د.حيدر بدوي صادق
[email protected]

بالأمس، 6يونيو 2008، أريقت دماء في جامعة الخرطوم. أراقها من ظلوا يريقونها منذ تدنس هذا الحرم المقدس بأفكار وأقوال وأفعال من غابت عنهم سطوة الحجة الناصعة، قوة الفكر الناضج والقول الحق، فلجأوا للعنف وسيلة لمداراة عجزهم الأخلاقي. ظلت تهزم هؤلاء قوة الحق فظنوا أنهم سيهزمون الآخرين بالقوة الباطشة. منطق القوة عند هؤلاء تداعي بهم للتآمر على الشعب، وتضليله، والكذب عليه، والاستيلاء على السلطة بليل!!
أريقت دماء طلبة من دارفور، دارفور التي أمدتهم بأعداد مقدرة من كوادرهم الباطشة، يوم ضلل هؤلاء باسم الدين وسيقوا إلى الموت زرافات ووحدانا. أراق دماء طلبة دارفور طلبة يزعمون أنهم حماة الإسلام، وأنهم، بزعمهم، حماة للعروبة!! لقد أصبحت عنصرية هؤلاء، إضافة إلى هوسهم، سافرة، كرابعة النهار!! أريقت دماء طلبة من دارفور ليترسخ في الأذهان قول الأستاذ محمود محمد طه عن أن الهوس الديني كان، دوماً، يهدد أمن ووحدة البلاد. واليوم، كما بالأمس، يتهدد البلاد شر مستطير يتمظهر أكثر ما يتمظهر في الهوس الديني المستحكم في تلافيف الحركة الطلابية هذه الأيام. على القارئ أن يتخيل طلبة علم يستخدمون أسلحة وسوائل نارية في داخل الحرم الجامعي ومن على أسطح عالية، بصورة سافرة! عليه أن يتخيل حرباً في عمق الخرطوم، في قلبها، يديرها طلبة مسلحون، والدولة تتغافل عن هذا الشأن الخطير!
وفي حادثة أخرى، في يوم آخر، هو يوم الأربعاء، 29 مايو 2008، وأثناء انعقاد لقاء لجميعة "انفينيتي،" تناول طالب من منسوبي حركة "حق،" بكلية العلوم، جامعة الخرطوم، موضوع إستواء الرحمن على العرش رافعاً قارورة ماء ليضرب بها مثلاً يقرب به فهمه للطلبة. وكانت هناك جمهرة من الطلبة من منسوبي الوهابية وما يسمى بالحركة الإسلامية يشاركون في الركن.
كشأن المغرضين دائماً، رأي الطلبة المهووسون في الأمر فرصة لتعزيز أجندتهم الانتخابية. فما كان منهم إلا أن أصدروا منشوراً طالبوا فيه الطالب بأن يعتذر خلال أربعة وعشرين ساعة، كأنه لم يعتذر في التو، أثناء إدارته للركن!! ودون أن يسمح هؤلاء الطلبة المهووسون حتى لمهلتهم نفسها بالانقضاء، حملوا أسلحتهم البيضاء وراحوا بطاردون هذا الطالب الأعزل، الذي لم يعنف بأحد، ولم يصدر منه غير رأي فطير أحاله الطلبة المهووسون إلى أمر خطير! وتوالت المنشورات التي تكفر الطالب مما دعاه للإنزواء خوفاً من آلة الهوس الديني المدمرة، السافرة، الماكرة.
طلبة جامعة الخرطوم يتهيأوون هذه الأيام للتصويت لانتخابات إتحاد طلبة الجامعة. وإن عرف السبب بطل العجب!! هذا حال اليوم، وكانه الحال يوم كنت طالباً في جامعة الخرطوم (1980-1985). شهدت تلك الفترة تصاعداً لمشروع الهوس الديني في الجامعة وفي البلاد أدى إلى استشهاد الأستاذ محمود محمد طه ولانتفاضة الشعب ضد الهوس في أبريل. ثم انتكسنا بعد الانتفاضة، ليتحقق ما تنبأ به الاستاذ محمود محمد طه، فكان الطوفان.
من كانوا لحمة وسداة مشروع الهوس في جامعة الخرطوم يوم كنت طالباً فيها أصبحوا لحمة وسداة مشروع دولة الهوس الديني كما هو معلوم. تسمت هذه الدولة بالمشروع "الحضاري" وظنت أنها ستجتاح الأرض وما عليها، ومن عليها، وبأن أميركا قد دنا عذابها. ويعلم الجميع الآن أن تلك الدولة استحالت إلى مستعطف لأميركا لترضى عنها بما يغضب الله (من بيع للكرامة في أسواق الاستخبار وغير ذلك من أفانين التلهف لنيل رضا دولة الاستكبار العظمى!!).
في هذا المقال الموجز أتساءك: أين الأجهزة المسؤولة عن "أمن" المواطن، عن أمن الطالب الذي يتهدده الموت في هذه الساعة؟ أين جهاز الشرطة؟ بل أين جهاز "الأمن،" الذي لا يعرف مواطنو هذا البلد الكريم عنه غير الترويع والتعذيب والتقتيل والتشريد والحط من كرامة المواطن؟
بحسب الدستور الانتقالي فإن مهمة جهاز الأمن هي جمع المعلومات ذات العلاقة بأمن المواطن والبلاد وتوفيرها لمنفذي القانون ومتخذي القرار. أو يعقل أن جهاز الأمن لم يتوفر على معرفة ما دار في الجامعة، وهو الذي خاض في أخض خصوصيات السودانيين، فقام حتى بين الزوج وزوجته، كان ذلك بالتهديد، بالترغيب، بالتشريد، أو بالتعذيب؟! أو يعقل أن يترك جهاز الأمن وجهاز الشرطة والنيابة العامة "أمن" البلاد لثلة من المتهوسين، يا خذون القانون بأيديهم، ويروعون الطلبة، ليهددوا أمن البلاد برمتها؟ أولا يدري المسؤولون في هذا الجهاز أن التهاون في الجرائم العنصرية، والإرهاب باسم الدين، والتهديد بالقتل، في أعقاب غزو أم درمان يعني التفريط الكامل في أمن البلاد؟
لأبنائي وبناتي في جامعة الخرطوم أقول لا خير في الجامعة إن لم تستحيل إلى مشعل من مشاعل النور! وليعرف أبنائي الطلاب وبناتي الطالبات، بانهم وأنهن، لن يرتقوا أو يرتقين، إلى منازل التشريف بغير التي هي أحسن! وليقرأوا معي قول الكريم المتعال "أدع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن." وليقرأوا معي أيضاً قوله تعالى "قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر." وليقرأوا معي الحكمة الكامنة في قول النبي، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، أن "الدين المعاملة،" أي أن أصل الدين في المعاملة الحسنة، لا التهريج بالنصوص. وليقرأوا معي قول الكريم، الشاخص في البيان "إنك لا تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء." هناك متسع، عند الله، الواسع، في أرض الله الواسعة، للجميع! وقد سميت الجامعة "جامعة" لأنها تجمع بين المختلفين في الفكر والرأي، ثم هي تحتفي بالاختلاف، لأن الاختلاف هو رافعة الابداع والتجديد، لو أحسن توظيفه. فلنتحاجج بالحسنى، ولنجعل جامعة الخرطوم مشعلاً حقيقياً من مشاعل النور، بعد أن أذاقنا خريجوها من الفشل ما أصبح معه هذا الفشل مرضاَ عضالاً، ومادة للإدمان المستحكم!! جيلكم هذا يجب أن يتعلم من أخطاء جيلنا، حتى تقوموا إعوجاجنا، بالتداول السلمي للرأي، لعلنا نستقوي بكم كحملة لمشاعل النور، لا للعصى والمدي، فنمارس، معكم وبكم، بفضل استنارتكم، برشد وحكمة، فضيلة التداول السلمي للسلطة!!
أما لرفاقي في الحركة الشعبية فإنني أقول لا خير يرجى في المؤتمر الوطني، شريكنا في الحكم، إن لم يطفئ نار الفتنة في الجامعة (وهو الأدرى بها إذ لم يأت إلى السلطة الغاشمة إلا على سلاسل متتالية من الفتن الباتعة التي صنعها بعض من أصبحت تتفلت من بين أصابعهم اليوم ناصية الأمور). ولا خير في الحركة الشعبية إن استمرت في شراكة مع شريك لا يأبه لأمن الوطن والمواطن، شريك لا يجيد غير المكابرة والمرواغة والتضليل، ولا يعرف غير خيانة العهود عهداً حاكماً!
إن لم تتدخل سلطة الدولة لكبح جماح الهوس الديني في جامعة الخرطوم، فإنها ستحترق كما احترقت أبيي. وسيظل ما يقوم به أدعياء الإسلام فيها خرقاً للدستور الانتقالي ولاتفاقية السلام الشامل من أي الوجوه أتيته. ذلك لأن حماية حق الإنسان في التعبير، وحق الإنسان في الحياة، لهو لب الدستور وروح الاتفاقية برمتها. ومن يتعاهد على حماية حق الحياة وحق الحرية، ثم ينتهكمها، أو يحمي من ينتهكمها، فهو مجرم أفاك. ومن يشارك مجرماً أفاكاً في الحكم، فهو مجرم أفاك، من حيث يدري ولا يدري!!
أطالب رفاقي في الحركة الشعبية أن يتداولوا شأن جامعة الخرطوم في هذه الأيام الحرجة التي تمر بها البلاد في نفس السياق الذي تتم فيه معالجة أمر أبيي. ذلك لأن جامعة الخرطوم، في ظل الاستقطابات الحادة التي تمر بها اليوم، هي أبيي الشمال!! وليتذكر الجميع بأن الهوس الديني ترعرع في جامعة الخرطوم، فشب عليه فتية مهووسون، ثم جاءونا على ظهر الدبابات، فأدخلوا البلاد في فتنة ليلها كنهارها، ونهارها كليلها. فكان الطوفان!
علينا في الحركة الشعبية، كشركاء في الحكم، أن نمارس الحكم، أي أن نكون فاعلين في توفير الأمن للمواطن، وإلا فإن تجميد الشراكة مع شريك يرعى الإرهاب ويحميه، لهو أوجب واجب أخلاقي نقوم به !!
هذا، أو، الطوفان، من جديد!!

Post: #933
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-07-2008, 11:35 PM
Parent: #1


عن الطيب صالح
عصمت العالم


التحق بهيئة الاذاعة البريطانيه فىالفتره من 1952 الى 1956...كان يزامل الدكتور حسن عباس صبحى .. والذى وقتها كان يحضر للماجستير.. ووقع الاعتداء الثلاثى على مصر..

رفض حسن عباس صبحى اذاعة النشرة التى فيها الخبر...وقدم استقالته احتجاجا..وطلب من الطيب صالح مساندته وان يستقيل فرفض بحجة ان هذا قطع عيش ..!! يا للهول..وعاد حسن عباس صبحى للسودان وهو كان فى امس الحاجة للتواجد فى بريطانيا لمشكلة نظره لكنه رفض .واشتغل بالتدريس فى السودان وبعثته الجامعة الاسلاميه لتحضيرالكتوراه..وبعثته لجنه من كتاب اسيا وافريقيا الى موسكو لعلا ج بصره.. الموقف الثانى تصريحه وهو يعمل بهيئة الاذاعة البريطانيه بقسم الدراما بان فقراء المسلمين يعيشون على نقود الدراما..!! اشارات عجيبه.. ثم انتقل للعمل مديرا لوزارة الاعلام بقطر...وكان رجاء النقاش مراسلا للدوحة فى القاهره..اتى به ... الى الدوحه... وقد كشف دكتور ثروت اباظة الرابط الادبى بين رجاء النقاش والطيب صالح بان رجاء يقبض ثمن مايكتبه فى اشاره ذكية تطعن بوضوح فى مقدرات الطيب صالح الفنيه..!! هذه المقابله تمت 1986 بتلفزيون سلطمة عمان...وعندما سئل الطيب صالح عن هذه الموضوع فى ايام زيارته لسلطنة عمان .... ذكر بانه لم يرد لانه اصل لا يعرف دكتور ثروت اباظه....وقد واصل دكتور ثروت اباظه حملته ضد الطيب صالح فى الصحف المصريه( قراتها ..لم احتفط بها)
ثم موقف افادته هو شخصيا اعنى الطيب صالح عندما اتصلت به اساتذاة الادب الانجليزى باربره برى فى باريس الساعه 1 صباحا تتطلب منه تعليقا على اعدام محمود محمد طه تملص بانه فى موقع حساس فى اليونسكو.ولا يريد ان يعرض نفسه لمواقف اخرى. .وذكر لم ينم ليلتهاوهو صاحى الى الصباح..هذا ما اورده هو عن نفسه فى مجلة المجلة..بقلمه.

Post: #934
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-07-2008, 11:42 PM
Parent: #1



في عدم سوية السيرة السياسية للجمهوريين
عبد الودود منصور الرباطابي
[email protected]

كثيراً ما يتذكر المرء قصة " الإغراء الأخير للمسيح" Last temptation of Christ وهو يراجع ما يكتبه بعض أتباع المفكر "السوداني" الراحل محمود محمد طه خلال الفترة الأخيرة. ووجه الشبه كما لا يغيب عن فطنة القارئ هو الفراق البائن بين الصورة الحقيقية لزعيم الطائفة المقصودة والصورة التي عكف الأتباع على رسمها له بعد "مماته" لضرورات تجاوز الفقد الجلل الذي ألم بهم. هذا رغم أن كاتب قصة الفيلم الشهير – وهي قصة على أية حال- لم يشأ أو يجرؤ أن يمضي بالإفصاح إلى نهايته حيث عرض الأمر وكأنه طائف من حلم انتاب السيد المسيح وهو على الصليب. وشد ما يعجب الاحتفاء المشتط الذي شارك فيه بعضُ غير يسير من التيارات السياسية السودانية الأخرى والتي جعلت من الرجل سيد شهداء الفكر على الأقل بالنسبة للسودانيين خلال ربع القرن الأخير أو نحوه. والحق أن الثبات الذي أبداه الرجل والجسارة التي بدا عليها في خواتيم أيامه تؤهله لينال حظاً من ذلك. فالذي يراجع الكلمات التي واجه بها "الأستاذ" هيئة المحكمة التي بدت وكأنها تأتي من غياهب التاريخ البعيد لا يملك إلا أن يزيده في الاحترام والتقدير. بيد أن الثبات عند الممات لا يؤهل صاحبه لينال المكانة المتميزة والتقديس Divinity الذي يسعى أتباع محمود الآن ليوصموه به. هذا وليس بعيد عنا الثبات المنقطع النظير الذي أبداه الرئيس العراقي الراحل صدام حسين أمام ذات الظروف تقريباً. هذا فضلاً عن الكثير من البواسل السودانيين الذين فقدوا أرواحهم بذات الثبات أمام المقاصل والدروات العسكرية.
أما التاريخ السياسي للأستاذ محمود ومع احترامنا الكامل لأتباعه فإن الراجح أنه لا يختلف كثيراً عن تاريخ السياسيين الذين شاركوه اللعبة السياسية طوال الفترة التي تلت الاستقلال السياسي للسودان. بمعنى أنه لا يخلو من الأغراض السياسية والمناورات المعلومة. ولا يحتاج كاتب المقال أو غيره كثير عناء ليثبت مثلاً كيف أن الجمهوريين قد احتفوا بمقدم انقلاب مايو 1969 والذي جاء (في لحظة تاريخية دقيقة كانت الأحزاب الطائفية وقوى الهوس الديني تتهيأ فيها لفرض دستور يسمى "الدستور الإسلامي" ، ويهدف لتمكين تلك الأحزاب من فرض حكم شمولي يتلفح برداء الإسلام، ليصادر حرية الشعب ويهدد وحدته الوطنية، فأعلن الجمهوريون تأييدهم لحركة مايو باعتبارها قد حالت بين الشعب وبين فتنة كبرى كانت لتودي باستقرار الوطن والشعب، رغم إدراك الأستاذ محمود للطبيعة المرحلية لمايو ، ولقصورها عن شأو الحكم الصالح الذي ظل يدعو له طوال حياته. وقد ظل تأييده لمايو ملتزما بهذه المرجعية التي تأسست عند قيامها، لم ينحرف منه إلى الدخول في أجهزة مايو أو مشاركتها في تقلباتها السياسية) علماً بأن العبارة بين الأقواس منقولة بالحرف عن الموقع الالكتروني للجماعة. والعبارة نفسها تفضح بالطبع موقف الجمهوريين من ما أسموه " التقلبات السياسية لمايو" طوال الفترة التي سبقت المصالحة الوطنية والتي تتضمن بالطبع المجازر الفظيعة التي ارتكبتها مايو بحق العديد من القوى السياسية السودانية الأخرى. بل أن المخطوطات السياسية للجمهوريين كانت تحاول أن تجد لمايو العذر فيما ذهبت إليه من بطش بكل القوى الأخرى من غير الجمهوريين. هذا في الوقت الذي وجد فيه الرواقيون الجمهوريون الحرية شبه المطلقة في الترويج لأفكارهم دونما مقارعة حقيقية إلا في نطاق ضيق داخل الجامعات. هذا باستثناء اعتقال يبرره حتى الجمهوريون أنفسهم لقادتهم في ديسمبر 1976م نتيجة إصدار أغضب السلطات الدينية السعودية الحليفة لمايو آنذاك!
وقد ظل الجمهوريون للأسف على ذات الجانب من قضايا الشارع السوداني حتى نهاية العام 1984. ويذكر الكثيرون ممن تلقوا تعليمهم الجامعي في السنوات القليلة التي سبقت محاكمة الأستاذ محمود كيف أن الجمهوريين قد دافعوا عن مايو في العديد من أركان النقاش التي كانوا يديرونها خاصة في جامعة الخرطوم. وقد تفنن الأستاذان محمد المصطفى دالي والقراي في الاستهزاء بالعديد من التحركات السياسية التي كانت تقوم بها القوى الوطنية الأخرى وتنادي بإسقاط مايو إلى الحد الذي دفع كليهما إلى السخرية حتى من مشاركة بعض طالبات الجامعات في المظاهرات ضد مايو في شوارع الخرطوم. والكلمات للأسف ما زالت ترن في آذان الكثيرين ممن تسكتهم المصالح الحزبية الآنية الآن من أن ينطقوا بالحق تجاه محاولات التقديس والتأليه (في الصفات) التي عادت لتنطلق من جديد.
وقد فات الأستاذ وجماعته للأسف إدراك الطبيعة الحقيقية لنظام مايو في الوقت المناسب. وظنوا واهمين أن بإمكانهم إزالة الخطر عن أنفسهم بمجرد كتابة المنشورات التي تستجدي الإمام النميري أن يستفيق من غفوته واستلاب عقله الذي يقوم به خصومهم السياسيين والفكريين. ولو أن محموداً التزم منهاجه الذي سوّد به صحائفه جميعها تقريباً " الحرية لنا ولسوانا" لكان له حظاً أوفر في أن يجد له حلفاء يمنعون عنه حبل المقصلة ولو حتى حين. ولكنه لم يفعل. أما أتباعه فقد شغلهم ما توهموه من مكانة لزعيمهم من أن يروا الخطر المحدق به رغم الأصوات التي انطلقت تنبههم إلى ذلك عبر أركانهم. ولكنها للأسف وجدت آذاناً صماء. ولم يستفق الجمهوريون إلا بعد فوات الأوان. أنظر إلى العبارة التالية ألا توحي لك بذلك. يقول الموقع الالكتروني للجمهوريين: " وفي يوم الثلاثاء 8 يناير 1985م أصدرت المحكمة المهزلة حكمها المعد سلفا بالإعدام على الأستاذ محمود وتلاميذه الأربعة، لتغطى سماء البلاد موجة من الحزن والذهول. " هل انتظر الجمهوريون طوال الفترة من مايو 1969 وحتى يناير 1985 ليعلموا أن أحكام مايو تعد سلفاً؟؟؟ وغني عن التذكير هنا الإشارة إلى أن الحكم لم يكن غير "معارضة للسلطة وإثارة للكراهية ضدها" رغم أن خبثاء مايو قد حولوه إلى حكم بالردة بعد أن تيقنوا من أن محمود على استعداد لتقمص دور الضحية/المخلص حتى آخر نفس بدنياه من خلال الكلمات التي أدلى بها بالمحكمة الأولى. حتى إذا صعدت روحه سعد تلاميذه " بالابتسامة الوضاءة التي لفتت الأنظار فانفتحت بموقفه الأسطوري هذا ، وبابتسامة الرضا تلك ، دورة جديدة من دورات انتصار الإنسانية على عوامل الشر في داخلها وفى الآفاق."
أما وقد كان ما كان فإنه حري بنا أن تذكر ما أدلى به الأستاذ عبد اللطيف رفيق الأستاذ محمود أمام عدسات التلفزيون عند الاستتابة الشهيرة والتي أتوهم أنها كانت كالتالي:
- محمود وين يا عبد اللطيف.
- محمود مضى.
- مضى وين يا عبد اللطيف.
- مضى إلى حال سبيله.
- حال سبيله وين؟ مات؟
- الموت سبيل الأولين والآخرين.
هو ذاك الموت سبيل الأولين والآخرين. ولا يظنن ظان أن هذه المقالة جاءت لتنال من محمود. كلا إنها تنصفه. هو آدمي مثلنا جميعاً. والآن حيث هو الآن لا يستحق منا إلا الإنصاف والترحم عليه. وأسوة بما ذاع من قول لاستأذنا عبد الله الطيب رحمه الله فإننا نسأل الله له اللطف.

Post: #935
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-08-2008, 11:56 PM
Parent: #934


انتقد سوداني يعمل استاذا في جامعة اميركية العلمانيين المسلمين، وقال انهم "رفضوا الاعتراف بسقوطهم." ودافع عن الاسلامويين. واعلن انه هو، نفسه، "انهزم امامهم، بعد ان استقال من الحزب الشيوعي السوداني، وكان مسؤولا فيه".
وقال ان العلمانيين "مثل اغبياء ابرياء، يخدعون انفسهم بالاعتقاد بأن التطور لا يحتاج الى تضحيات كثيرة." واضاف: "بدلا من ان يفكروا تفكيرا عميقا في تصادم العلمانية مع الثقافة الاسلامية، لاموا كل شخص الا انفسهم على الخيارات السيئة التي اختاروها".
جاءت هذه الآراء في كتاب جديد اصدره د. عبد الله على ابراهيم، استاذ تاريخ مشارك في جامعة ميسوري الاميركية. اسم الكتاب: "هذيان مانوي: التجديد الاسلامي والقضائية الثنائية الاستعمارية في السودان".
ركز الكتاب على التطورات القضائية في السودان منذ سنة 1898، عندما غزت بريطانيا السودان، مع مصر، وحولته الى مستعمرة بريطانية مصرية، الى سنة 1985 عندما سقطت حكومة الرئيس نميري العسكرية، بعد ان حكمت لست عشرة سنة.
قسم ابراهيم الكتاب الى ستة اقسام. تناول في الأول بداية القوانين المدنية التي وضعها البريطانيون، ثم تحدث عن المواجهات التي استمرت اربعين سنة تقريبا بين القضاء المدني والقضاء الشرعي، مسجلاً مراسلات مهمة بين كبير القضاة (الشرعي) والسكرتير القضائي (المدني).
وتناول بعد ذلك سنوات ما بعد الاستقلال، وحكم الاحزاب السياسية، وميلها نحو اسلمة القوانين المدنية، حسب شعار "الدستور الاسلامي"، وحكم جعفر نميري العسكري الذي استمر ست عشرة سنة، وتقلباته بين اليسار واليمين، ثم اعتماده الشريعة. وخصص صفحات لمحمود محمد طه، الزعيم الديني صاحب "رسالة الاسلام الثانية" الذي اعدم خلال حكم نميري بتهمة الخروج عن الاسلام، وكذلك للدكتور حسن الترابي الذي قاد الاسلاميين لأكثر من عشرين سنة، حتى اوصلهم الى الحكم بعد انقلاب عسكري، وأخيراً تناول "القضاء الموحد" الذي اسسته الحكومة الاسلامية الحالية، خاتمة بذلك مائة سنة تقريبا من المواجهة بين القضاء المدني (الاوروبي)، والقضاء الشرعي (الاسلامي).
الشيوعية والشريعة
اضاف ابراهيم الى هذه الفصول التاريخية مقدمة وخلاصة طويلتين (عشرين في المائة تقريبا من الكتاب)، فيها آراء مثيرة، ومعلومات شخصية.
في جانب المعلومات الشخصية، كتب عن انتقاله من الشيوعية الى الشريعة. وقال: "استقلت، في سنة 1978، من الحزب الشيوعي السوداني، بعد عشرين سنة تقريبا من العمل المكثف الذي آمل ان يكون جديرا بالتقدير. عملت كطالب نشط، وعملت في المجال الثقافي".
لماذا استقال؟
يقول: "انتقدت عدم قدرة الحزب الشيوعي على التغلب على كارثة سنة 1971، عندما قاد انقلابا فاشلا ضد حكومة نميري العسكرية، اليسارية في ذلك الوقت. وبعدها اعدم نميري عبد الخالق محجوب، سكرتير الحزب، و الشخصية الجذابة، والقارئ الجيد، والمتكلم الجيد". ويضيف: "نظر الحزب الى نفسه كضحية، ولا يزال، ومال نحو الغضب المتزايد بدلا عن التأمل في نفسه".
ولهذا، فان "بحث الحزب عن الانتقام قلل من قدرته على ان يعود كحزب سياسي مختلف، كما كان. وفقد رغبته في دراسة نفسه، والعالم حوله. وصار حزبا عاديا يشترك في صراعات الصفوة المميتة".في نفس السنة استقال ابراهيم من الحزب الشيوعي، وتوفي والده. وكان ذلك سبب زيارته للمحكمة الشرعية، لأول مرة، لتسوية ورثة والده. وفتحت زياراته عينيه على شيئين:
اولا، مناظر الفقر والبؤس داخل المحاكم الشرعية: "اطفال منبوذون، وعائلات فقيرة، ونساء اسيرات زواجات لا يقدرن على الخروج منها الا بأذونات من ازواجهن".
ثانيا: نظرات الاستعلاء من جانب القضاة والمحامين المدنيين للقضاة الشرعيين، مثل عبد الله صالح، محامي (مدني)، وصديق منذ ايام المدرسة المتوسطة في عطبرة، و"شيوعي جيد". قال انه يحمل رخصة المثول امام المحاكم الشرعية، لكنه لم يفعل ذلك أبدا.
وفي السر، قال له شيوعي سابق: "نحن مع الرجال والنساء الذين لا يحتاجون لمساعدتنا. لماذا لا نساعد البؤساء الذين ينتظرون من المحاكم الشرعية ان تنصفهم"؟
كل ذلك أثر على قناعاته، إضافة إلى تأثير والده، الذي كان عاملا نقابيا في السكة الحديدية في عطبرة. لكنه اصيب بخيبة امل من مؤامرات النقابيين والسياسيين، حتى الشيوعيين. ولهذا، نصح ابنه ان يبتعد عن هؤلاء، وان يقدم نصائحه من على منبر جامع.
ويقول ابراهيم ان كتابه هذا هو "فرصة لأن اعترف بهزيمتي على ايدي الاسلامويين. هزيمة بعد قتال طويل ضدهم عندما كنت نقابيا نشطا، وناشرا، وكاتب روايات، واكاديميا، وصحافيا، منذ ان دخلت جامعة الخرطوم في بداية الستينات.. وإنه فرصة لاعيد ثقتي، كحداثي لا ينكر تغربه وراديكاليته، في امكانية تحقيق وجود علماني داخل نظام اسلامي. واتهم "العلمانيين المسلمين" بانهم "فشلوا فشلا واضحا" في تأسيس "تقليد علماني داخل الاسلام".
وقال ان الاسلاموية يمكن النظر اليها "كامتداد علماني اكثر من ان تكون معادية للعلمانية"، وان التجديد الاسلامي يمكن النظر اليه كنتاج للوطنية، ومرتبط بها ارتباطا قويا".
الدين والهوية
واستشهد ابراهيم بآخرين انتقدوا العلمانيين:
اولا، جون اسبسيتو (مدير مركز الدراسات الاسلامية والمسيحية في جامعة جورجتاون) الذي حذر من "انحياز العلمانيين" عند تناولهم الاسلام وبقية الاديان، وقال ان كتابات بعض العلمانيين عن الاسلام صارت "مثل نعي، مثل تسجيل تاريخ شيء يموت".
ثانيا، ديفيد كوديل (مؤلف كتاب "نحو نظرية تحليل نفسي قانونية") الذي قال ان العلمانيين ينظرون الى دور الدين في حياة الانسان وكأنه "انحياز يجب ان يوضع جانبا، بدلا من اعتباره دورا لا بد منه".
ثالثا، لويس برينار (مؤلف كتاب"الهوية الاسلامية والتغيير الاجتماعي في افريقيا جنوب الصحراء") الذي أشار إلى عدم نزاهة العلمانيين الذين يكتبون عن الاسلام في افريقيا. ويؤمن مؤلف الكتاب بأنه يوجد شيء اهم من الشيوعيين، والاسلاميين، والعلمانيين، وهو: الحرية. إنها لا تحتاج الى نظريات وفلسفات، لأنها شيء بديهي، وفطري، وطبيعي. ولأن الانسان اما حرا، او ليس حرا. لا يوجد شيء اسمه نصف حرية، او ربع حرية.
لهذا، لا يوجد فرق بين كل من يشترك في حكومات غير حرة، او يؤيدها، او يطبل لها: شيوعي، او اسلامي، او علماني. لكن، يوجد فرق بين هؤلاء، وبين الذي يعارضون هذه الحكومات الظالمة.
----------------------------
ملاحظة
* المؤلف.. من هو؟
ولد ابراهيم سنة 1942 في القلعة، عمودية جيلاس، مركز مروي، في شمال السودان. ونال بكالوريوس، وماجستير من جامعة الخرطوم، ودكتوراه من جامعة انديانا. وعمل استاذا في جامعة الخرطوم، ثم زميلا في جامعة نورث ويستيرن الاميركية، قبل ان يلتحق بجامعة ميسوري.
ومن كتبه عن السودان: «العين الحارة للرباطاب» و «صراع المهدي والعلماء» و«الديمقراطية والثقافة في السودان» و «فرسان كنجرت: تاريخ الكبابيش» و "الشريعة والحداثة" و «النهضة والمقاومة في ممارسة الحزب الشيوعي».
" الشرق الأوسط_ 25 يوليو 2007 "

Post: #936
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-09-2008, 00:32 AM
Parent: #935


الحزام السوداني.. نحو افريقيا

قصي همرور
فبراير 2008
(نشرته جريدة الأحداث على جزأين، في 11 و18 من مارس 2008)

لم يتسن لي الاطلاع على كتاب "الحزام السوداني" الصادر عام 2005 عن مركز عبدالكريم ميرغني الثقافي، لصاحبه عبدالهادي الصديق، إلا أواخر العام الماضي، وبلغني بعدها بقليل خبر انتقال الكاتب عن دنيانا، فحزنت لكوني لم أسمع بمفكر معاصر مثله إلا بعد وفاته.. لا علم لي أيضا بحجم ما أثاره الكتاب في الساحة الثقافية السودانية، بيد ان عدم لمسي لهذه الإثارة، وسط الساحات التي أتابعها، لمؤشر لأن الكتاب لم ينل ما يستحقه من الحفاوة اليوم.
إنه من أثمن الكتابات السودانية التي قرأتها، وفيه ارتياد واضح لدرب فكري ما زال بكرا على عموم الساحة الثقافية السودانية.. درب سلكه قلة قليلة من قبل وأدلوا فيه بما أدلوا، لكن هذا الكتاب له ما يميزه بالتأكيد.. في هذا العرض الموجز أرجو أن أساهم في الدعاية له.

الحزام: جغرافيته، تاريخه ومزاجه

يبدأ الكاتب بوصف ما يعنيه بالحزام السوداني، فيقول إنه "المنطقة الممتدة أفقيا من المحيط الأطلنطي غربا إلى وادي النيل والبحر الأحمر حتى هضاب الحبشة شرقا. تلك المنطقة التي يقطنها السودان من ذوي السحنة (السودانية) وهي إلى الجنوب من المنطقة التي يقطنها (البِيضان) في الجهات الشمالية من افريقيا المتاخمة لشواطئ البحر الأبيض المتوسط".. يرمي الكاتب إلى توضيح الوحدة التاريخية والثقافية لأهل هذه المنطقة، وتأثير الإسلام على هويتها هذه، خصوصا الطرق الصوفية، إذ يقول إن هذه الوحدة التاريخية والثقافية تجعل أهل هذه المنطقة أقرب لبعضهم من الصورة العامة المتواترة اليوم، وإن الثقافة المشتركة فيها، الممتدة بالإسلام ومعه، متشابهة ومتشربة بالإرث الصوفي.. تنداح نتائج هذه الوحدة التاريخية والثقافية على الظروف الموضوعية المعاصرة بين شعوب وبلدان الحزام السوداني.
لكي نساهم أكثر في التعريف بهذه المنطقة نقول إن وصف "السودان" كان قد أطلقه العرب على هذه المنطقة تمييزا لشعوبها، بلونهم، عن شعوب شمال افريقيا "البيضان"، وقد تضاءلت رقعة التسمية هذه عبر التاريخ حتى وصلت اليوم للحدود الجغرافية السياسية لدولة السودان، لكن الكاتب يعيد إحياء هذا المسمى بمداه العريض، أي الشريط الممتد من شرق القارة لغربها.. بخلاف المسمى فإن ما يربط هذا الحزام جغرافيا معروف في التصانيف البيئية بالمنطقة السودانو/ساحلية، كما هو وصفها لدى برنامجي الأمم المتحدة للتنمية وللبيئة .. تتعرف هذه المنطقة بيئيا بتشابه كمية الأمطار السنوية وطول مواسمها وأنواع النبات فيها، وهي محصورة بين جنوب الصحراء إلى خط العرض 14 شمال خط الاستواء (تقريبا).. تضم المنطقة، من الناحية السياسية، عدة دول اليوم، كالسنغال ومالي والنيجر وتشاد والسودان وارتريا، وغيرها.
يسيح بنا الكاتب في الآفاق التاريخية/ثقافية للحزام، فيتطرق للموروث الإسلامي الافريقي الذي تشكل فيه عموما عبر الطرق الصوفية واندماجها مع ثقافات شعوبه الأصيلة المتشابهة، رغم تنوعها، بسبب تأثرها بالبيئة المشتركة والعلاقات الاقتصادية والسياسية المتواصلة منذ قديم الزمن، فصار الإسلام عموما في المنطقة جزءا لا يتجزأ من ثقافتها، راسخا فيها.. يشير الكاتب للكثير من الأمثلة التي تنازلت فيها الشريعة الإسلامية لصالح التقاليد المحلية، لتوطين الشعور الإسلامي كتحول وجداني جديد، ويحلل براعة وحكمة مشايخ الطرق الصوفية في الدعوة الدينية في المنطقة، حيث عاشروا شعوبها معاشرة لصيقة، وصاروا منهم، واتخذوا من ثقافاتهم المحلية وسائل جديدة للدعوة للإسلام، بتسامح وتعايش، فقبلهم الناس وارتاحوا لهم، وما يظهر من ذلك لنا حتى اليوم في تقاليد وطقوس الصوفية المشتركة على مدى الحزام (برغم ما لحق بالطرق الصوفية نفسها اليوم من صور التسلط والتعصب التي لا تشبه إرثها).
يشير الكاتب أيضا للسمات المشترك للعديد من الممالك التاريخية التي ارتبطت بالإسلام في الحزام، كحضارات غانا ومالي وبرنو وسونغهاي بجانب الفونج وسنار، كما ينتقد على مدى الكتاب التشويه التاريخي المتعمد الذي مارسه الاستعمار الأوروبي لتاريخ المنطقة، كونه إحدى أدواته المشهورة (فرّق تسد)، وكونه أضر بحصيلة قرون من المساهمة التنموية المتبادلة بين شعوب المنطقة.
في صور تفصيلية لدراسات الحالات يتناول الكاتب تأثير اتجاهين إسلاميين على المنطقة، وتأثيرها عليهما، هما المذهب المالكي والطريقة التجانية، غير أنه في ذلك المسار لا بد أن يذكر شتى المذاهب والطرق الأخرى التي تعرض بعضها لبعض في المنطقة.. يثير أيضا دور الحركات الجهادية التي قامت في الحزام كصورة من حركات التحرير الافريقي التي واجهت الدخول الأوروبي المشؤوم للقارة.. هذه الحركات التي تنسب للشيخ عثمان دان فوديو، والحاج عمر تال الفوتي، وساموري توري، ومحمد أحمد (المهدي)، ورابح فضل الله.. يتعرض لعلاقات الشبه الكثيرة في تكوين تلك الحركات المستمد من تراث المنطقة الديني، والعلاقات السياسية واللوجستية لبعضها ببعض.
إلا أن من أجمل فصول الكتاب ذاك الذي سماه "المزاج السوداني"، ففيه يمحص أسرار الثقافة الفنية المشتركة، والتي تتجلى أكثر ما تتجلى في ثقافات الموسيقى والرقص ووسائلهما على مدى الحزام (خصوصا السلم الموسيقي الخماسي)، بيد أنها لا تخفى أيضا في الجوانب الأخرى، من طقوس المناسبات الاجتماعية من أعراس ومآتم وولادات، وتنصيب حكام ومشايخ، وأفراح أعياد دينية وموسمية، وأحاجي شعبية، إلى ما يتجلى حديثا في طابع الإنتاج الأدبي والدرامي، مسرحيا وسينمائيا وقصصيا.. كمثال نورد مقتطفات من الفصل حول شخصية اجتماعية لكل منا ألفة معها:

"تلك هي شخصية القريو، والتي اتخذت صفة مشتركة وأسماء متعددة ومختلفة في بقية المناطق من الحزام. وظاهرة (القريو) تنتشر في منطقة غرب افريقيا وهي خليط من شخصيتي المؤرخ والمغني. ويطلق عليها بلغة الماندينغ (جيلي)، وبلغة الولوف (جويل). ولعل جميع هذه المترادفات والتي تحمل صفة وظيفة واحدة قد جاءت من التعبير العربي (جال) (يجول) فهوي (جيلي) أو (جوالا) وتعني في النهاية (المغني) الجوال أو التروبادور (...) أما تحوير معنى الكلمة من المغني الجوال إلى المادح الجوال فقد تمثلت في إطلاق لفظ (الجيلي) كما في لغة الماندينغ ذلك المادح الصوفي الذي يجول القرى ليمدح الرسول والأولياء الصالحين والشيوخ (...) وامتدت ظاهرة القريو عبر الحزام السوداني حتى وصلت إلى الحبشة ويسمى هناك العزماري (...) لقد برزت ظاهرة القريو في الإقليم السوداني منذ زمن بعيد حيث ظهر (القريو) كمغني للبلاط الملكي في مملكة غانا القديمة (...) فالقريو أو الجيلي أو مادح السلطان برز لأول مرة كمؤرخ حافظ لتاريخ الملوك والممالك".

ومن بعد كل هذا لا ينسى الكاتب أن يخصص فصلا لآفاق الوحدة وإشكالية الخلاف بين شعوب الحزام السوداني اليوم، فيتطرق بالتلخيص لدراسات حالات من السنغال (مشكلة الكازامانس) ومالي والنيجر (مشكلة الطوارق) و نيجريا، وغيرها، ويختمه بآراء موجزة عن "إشكالية الخلاف رغم إمكانية الوحدة" و"إمكانية الوحدة رغم إشكالية الخلاف".




منهجية التحليل وأصالة الطرح

في كتابات سابقة لنا بخصوص ضرورة الالتفاتة الجادة لإرثنا الافريقي العام، سياسيا وأنثروبولوجيا، ذكرنا أن هناك كتابين، ننصح بهما كل افريقي مهموم بقضية القارة.. الكتاب الأول هو "الأصل الافريقي للحضارة" لصاحبه العلامة السنغالي شيخ أنتا ديوب ، والكتاب الثاني هو "كيف قوضت أوروبا تنمية افريقيا" لصاحبه الدكتور الشهيد والتر رودني ، الافريقي الكاريبي قاطن قـَيانا، وصديق دكتورنا جون قرنق، في الحس وفي معنى المشوار الفكري الوعر.
قيمة هذين الكتابين، في نظرنا، هي أنهما يؤطران لبداية استقراء تاريخي محلي، بعيون محلية افريقية، ليست أوروبية أو امتدادا لها.. يختلف الكتابان في مجالي تناولهما السياقي والموضوعي، لكنهما يتكاملان في القضية العليا.. لسنا على توافق تام مع أي منهما، لكن نحتفي بهما كثيرا.. ما يؤكده لنا الكتابان أن أثر الاستعمار الثقافي/سياسي، الذي جرى معظمه لنا خلال القرنين الماضيين، كان كبيرا، وما زال، في الجوانب الاقتصادية والسياسية، لكن أثره على مؤسساتنا الثقافية أعظم وأجل، ما جعلنا لليوم منبتـّين بصورة محزنة، فلا نحن أصبنا شيئا أصيلا من حضارة المستعمر ولا بقيت صلتنا قوية بجذورنا الثقافية التي كانت قبل مجيء المستعمر.. بهذا فقدنا، حتى اليوم، حق التطور الطبيعي لفلسفاتنا الاجتماعية وأدواتنا وتقنياتنا الحضارية الإنتاجية.
مشكلتنا تبدأ من هنا، وما يحاوله ديوب ورودني، في كتابيهما المذكورين، هو إخراجنا من هذه الحفرة التي لن تفيدنا الفرفرة من داخلها، ما دمنا داخلها في النهاية، بغض النظر عما إذا كان بإمكاننا أن نجعل تلك الحفرة "مكندشة" ومؤثثة بأثاث "كولونيالي" فاخر، وبها بعض الكتب الكلاسيكية والحديثة، و"كمان" فيها خدمات تلفون وانترنت.. ليس بإمكاننا أن نتطور فعلا إذا كانت مرجعيتنا الفكرية، وأدواتنا وتطلعاتنا المنهجية، مستوردة في مجموعها مما وراء البحار.. هذا القول ليس ضد الاستفادة التلاقحية من ميراث البشرية حول الأرض، إنما هو ضد المسيرة العمياء خلف خطوات الأوروبي أو ابن جزيرة العرب، بدون الالتفات لاحتمالات أكثر مواءمة لبيئتنا الطبيعية والمجتمعية.. بالتأكيد ليس ديوب ورودني وحدهما في الساحة الثقافية الفكرية من العاملين على إجلاء هذا الأمر، لكن ما يميز الكتابين تخصصهما في المسألة التاريخية التي تبيّن أصول الداء المعاصر، بمنهجية مصقولة وتحليل حصيف.. بيد أن كلا الكتابين لا يقدم بديلا فكريا يصلح لبـِنـَة بناء وترميم للمؤسسات الثقافية المحلية، فمثل هذا البديل نجده عند غيرهما، مثل ما نجد من إنتاج الأستاذ محمود محمد طه، كصرح فكري سوداني أصيل، متشبع بالإرث الافريقي الصوفي ومتمكن من ثقافة عصره في الاجتماع والاقتصاد والسياسة، ونجد أيضا ما يبعث الأمل في أمثال طرح السودان الجديد وفي مانفستو كوش.
لنفس الأسباب التي ننصح من أجلها بقراءة كتابي ديوب ورودني ننصح أيضا بقراءة كتاب "الحزام السوداني"، فهو طرح غريب على الساحة السودانية المعاصرة، يمتاز بجرأة لا تـُحفّز الثورة الثقافية إلا بمثلها، ويمتاز أيضا بمنهجية تحليلية تاريخية ملفتة للنظر – حتى لمن لا يتفق معها – وبمبادرات فكرية أصيلة، محترمة، في توصيف الداء وبعض الدواء.

تحفظات مختارة

برغم إعجابنا بالكتاب فلنا عليه تحفظات، نذكر طرفا منها أدناه، ولعل أهم مافي الكتب الجميلة أنها تحرض فيك جذوة التفكير، ولا تريح العقل من ولوج أرض النقد والحوار – الداخلي قبل الخارجي – سواء أتفقت معها أم لم تتفق، وفي حالة هذا الكتاب فقد نجد فيه ما يثير عظيم الإعجاب كما نجد فيه ما يثير أدوات النقد الموضوعي الكامنة في كل قارئ، لكن المؤكد هو أن أحدنا لن يخرج من قراءته بخفي حنين.
إحدى النقاط التي لم يوفق فيها الكاتب، في نظرنا، كانت في حديثه عن تاريخ العلائق الأولى للعرب المسلمين مع أهل منطقة السودان، ومنها الرق، وبرغم ان بعض الظروف الاقتصاد/سياسية في الأرض تدعم ضرورة نظام الرق، على سوءاته، في المراحل التاريخية القديمة (خصوصا بفترات الحروب)، ولذا مارسته كل شعوب المعمورة، إلا أن الكاتب نحا أكثر من اللازم للاتجاه الذي يمنح العرب المسلمين وصف "المتحضرين" مقابل "الأقل حضارة" بالنسبة للأفارقة السود، في لقاءاتهم الأولى مع بعضهما، ونحن نرى غير ذلك، كما نرى أن انتصارات العرب الحربية لم تعن تفوقهم الحضاري وقتها، ولنا على هذا أمثلة من التاريخ، فالشاهد أن هناك شعوبا كثيرة هزمت شعوبا أعظم حضارة منها لنفس سبب أن تلك الشعوب كانت أكثر حضارة! تمكن المغول في مراحل تاريخية من الانتصار الكاسح على جيرانهم الصينيين، وقد كان الأخيرون حينها في قمة حضارتهم، أما المغول فكانوا أهل حياة بدوية قاسية، غير متحضرين.. استطاع المغول ذلك لأنهم كانوا أكثر مراسا على الحرب كأسلوب حياة، بل كنهج اقتصادي، فكان جميع رجال المغول جنودا مرتاضين على الحرب وخشونة مأتاها، في حين كانت الصين وقتها ذات دعة في العيش، ما جعل المجتمع الصيني أكثر تخصصا واستقرارا، فكان منهم التجار والعمال والمزارعون والإداريون والجنود (فكانت الجندية تخصصا لنسبة من الرجال)، لذا كانوا ضعيفين أحيانا أمام المغول الذين اعتادوا كلهم على حياة الترحال والخشونة والقتال والنهب الدوري.. يشبه هذا ما جرى للمصريين أيضا حين غزاهم العرب أيام عمر بن الخطاب، فقد كان العرب حينها على غير حضارة، وكانوا مشحونين بعاطفة الدين الجديد الذي وحّدهم، كما كانوا أهل بداوة وشظف عيش وقتال، وكان المصريون حينها شعبا زراعيا، مرتبطا بالأرض والتخصص المهني والاستقرار، فلم يقو على الجيوش العربية المسلمة.. نفس الأمر حدث للممالك الإسلامية بعد ذلك مع التتار.. صحيح أن الصينيين كانت لهم كرّتهم على المغول في فترة لاحقة، كما كانت للمسلمين على التتار، لكن العبرة هنا في أن سجل الحرب يشهد بحقيقة مراحل تاريخية انتصر فيها الشعب غير المتحضر وسيطر، وقد كان هذا ما جرى للمصريين، وللنوبة أيضا (لحد ما)، مع العرب المسلمين حينها.. بعدها تغلغل الإسلام في الحزام السوداني سلميا، كما هو معروف.
من النقاط الأخرى التي تحفظنا عليها ما نحا له الكاتب من التمجيد الزائد لحركة المهدية في السودان (ضمن تمجيده للحركات الجهادية في الحزام).. ما نراه أن المهدية لعبت دورا تاريخيا ما كان ليلعبه غيرها، وقد كانت إحدى البذور الهامة لدولة السودان بحدودها الجغرافية المعاصرة، إلا أن المهدية لم تكن خيرا مطلقا على السودانيين، والتاريخ يمدّنا بمرارات تجرعتها بعض شعوب البلاد منها، خصوصا تلك التي عارضتها واختارت الولاء لطوائف دينية أخرى، وقد مارست المهدية سبي النساء والرجال من القبائل المسلمة التي أنكرتها، كالكبابيش والشكرية والجعليين، ما حدا ببعضهم للتضرع للمسيحيين لإنقاذهم، حين قال الحردلو الشكري: "أولاد ناس عزاز متل الكلاب سوّونا.. يا يابا النقس، يا الانكليز ألفونا"، والنقس هو النجاشي ملك الحبشة (منصور خالد. "السودان: أهوال الحرب وطموحات السلام". ص101).. وعموما نرى أيضا أن الكاتب أحيانا احتفل كثيرا بنقاط تاريخية غير جوهرية، وتجاهل أخرى جوهرية جدا.. والحديث ذو شجون، لذا نقف هنا ونشكر الكاتب المرحوم على هذا الذي ورّثنا له زرعا طيبا في بستان الثقافة السودانية.

Post: #937
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-09-2008, 05:44 PM
Parent: #936


لا للهوس الديني * *

لا ضلال ولا تضليل باسم الدين

تعليقات في السياسة الداخلية

فليتواصل النضل ضد هستيريا التكفير والهوس الديني واهدار الدماء

يسهم في تحرير هذه الصفحة هذه المرة عشرات الكتاب والمفكرين والقادة السياسيين البارزين والعلماء بمختلف انتماءاتهم السياسية ومدارسهم وطوائفهم الدينية، وقفة مشهودة تتسم بعمق المعرفة والجرأة في الرأي والجسارة في الموقف والجهر بقولة الحق والدفاع عن شرف الكلمة وصدقيتها، دفاعاً عن الديمقراطية وحرية الرأي الآخر، وقيم الدين القيم ضد التشويه والابتذال، ودرءاً للفتنة، ومنازلة شجاعة لهستيريا الانفلات والهوس السياسي باسم الاسلام. وكشفاً وتعرية للدثار الذي يغطي المصالح الذاتية باسلام من صنع الكهنوت.

في هذا الحيز نرصد اسهام بعض هؤلاء في الندوات والصحف المختلفة وغيرها ... وسنتابع ذلك في أعدادنا القادمة، بهدف ان تصل الحملة ضد الارهاب الفكري باسم الدين إلى نتائجها الطبيعية. وهي: اولاً: كشف ادعاء من يتحدثون كذباً باسم الاسلام وهم يدافعون عن الباطل والسلطان الجائر، والحكم الزائل، ولكي لا تتكرر مثل هذه المسائل التي تفتح الباب لكل من هب ودب ان يوزع التكفير دون دراية أو وازع وعن جهل وبقصد الدوافع والمنفعة الخاصة أو الطبقية والفئوية وغيرهامن الدوافع الدونية والدنيوية. ثانياً: تقديم هولاء للمحاكمة ان كانت السلطة صادقة في انه ليس لها يد في ما قام به هؤلاء. وفي هذا الجانب يستوجب على الحادبين وكافة القانونيين دعم الدعوة الشجاعة التي تقدم بها د. محمود الشعراني المحامي في 8/7/2003 ومتابعة سير القضية ضد مصدري الفتوى. (هيئة التحرير).

* في ندوة اقيمت في جامعة الخرطوم تحدث فيها عدد من الأساتذة من بينهم نازك محجوب المحامية، والأستاذ يوسف حسين عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي والأستاذ كمال الجزولي المحامي، كشفوا باسهاب المخطط الذي يستهدف جوهره الهجوم على الديمقراطية وعرقلة الحل السياسي الشامل وأعلنوا تضامنهم ومساندتهم التامة للقوى الديمقراطية في معركة الانتخابات. وقال الصحفي المخضرم الأستاذ محجوب عثمان حاول بعض الذين أصدروا الفتوى التقليل من آثارها ومخاطرها بالحديث عنها انها صدرت قبل عامين أو ثلاثة، وسواء صح هذا الدفع أو لم يصح فان خطر هذه الفتوى وطبيعة (الفتنة) فيها ما زالت قائمة. وتشكل انذاراً باننا مقبلون على مرحلة كتلك التي عاشتها جمهورية مصر قبل سنوات والتي ابتدأت بفتاوي التكفير ثم تبعها وترتب عليها سيل من الاغتيالات المعروفة..الخ (الأيام 9 يوليو 2000). وفي البيان الذي أصدرته مركزية الجبهة الديمقراطية، في 6 يوليو 2003 أكدت ان التكفير يستهدف إيقاف مفاوضات السلام والحل السلمي الشامل ضمن أهدافه الأخرى، كما ذكر الكاتب خالد فضل – الأضواء 9/7/2003 مستفسراً كيف يجوز لأستاذ جامعي يتقاضى أجراً من والد طالب يجلس أمامه فيلغي هذا الطالب ويكفره ويطلب وقف أي تعامل معه. أما الأستاذ حسن بشير كاتب العمود الشهير بالأيام فقد ورد في مقاله الرصين – 6/7/2003، ما هي الصفة لهم في مجال الفتاوي الدينية ثم يخلص إلى ان (الكتلة) التي افتت هي كتلة سياسية وليست كتلة دينية وكل ما ذكرته ليس له علاقة بالفتاوي الدينية بل ينحصر في إطار الصراع السياسي. والدكتور مرتضى الغالي صاحب العمود الساخر يورد في ذات العدد ان هذه الفتوى تطلق الفتنة من عقالها وتشكل خطراً حقاً على التعايش السلمي في السودان.

* وفي حديث الشيخ عبد المحمود ابو الأمين العام لهيئة شؤون الانصار لصحيفة الوفاق 8 يوليو 2003 جاء، ان التكفير السياسي إرهاب فكري واصدار الفتاوي من حق المجمع الفقهي فقط. وقال الشيخ حسن ابو سبيب القيادي البارز في الحزب الاتحادي الديمقراطي في ذات العدد من الصحيفة، لا يجوز تكفير من نطق بالشهادتين وتكفير مسلم بهذه البساطة، وهي فتوى سياسية أكثر منها دينية لأنها اقترنت بانتخابات الطلاب. كذلك يقول القيادي بالحزب الاتحادي الديمقراطي المهندس محمد فائق، انها فتوى سياسية صادرة من حزب له رأي سياسي مسبق في الذين صدرت بشأنهم الفتوى وان الاسلاميين الآن أصبحوا في مفترق الطرق والبلاد على اعتاب حقبة جديدة وهم لا يستطيعون دخولها بما يقنع الشعب، لذلك لجأوا لأسلحتهم القديمة ومنها التكفير واهدار الدماء. (ذات العدد في الصحيفة).

ويرى عبد الرسول النور القيادي البارز في حزب الأمة، من الصعب ان لم يكن مستحيلاً تكفير المسلم، ويحذر من ادخال المسائل السياسية وخلطها بالمسائل الدينية لأنه يأتي بمردود ضد السلام الاجتماعي والاستقرار في البلاد. وليس من الاسلام في شئ ان يكفر المسلم المسلم الآخر بأي ذريعة سياسية.

وكتب السيد عوض على الله – الأيام 7/7/2003، الرجل الجالس على مقعد في مقهى لا حجر عليه، ان ابدى رأيا متصل بعباد الله وشؤون الدنيا، فهذا حق طبيعي، ولكن ان يجلس قوم يتدثرون برداء الدين ويصدرون فتوى تحرم الانتماء إلى تنظيم بدعوى انه يدعو إلى الاشتراكية والشيوعية وتلصق بالمنتمين اليه تهمة الكفر والارتداد عن الدين الحنيف فهذا نذير شر مستطير. السلطات المختصة يركبها الجن الأزرق عندما تعقد المعارضة اجتماعاً ولا تكثرت لمصير العديد من الشباب الذين كفرتهم هذه الفتوى.

وكتب د. محجوب هارون، الصحافة 9/7/2003، ان فتوى المجموعة الصغيرة المسماة من بعض العلماء والشيوخ، تطرح قضيتين كبيرتين يجب أخذهما مأخذ الجدية وكامل المسؤولية، ذلك انه يلزمنا ان نحدد مواقفنا بمنتهي الوضوح حتى نقدم للإنسانية ملامح نموذج اسلامي في سياق إنساني عريض، القضية الأولى هي استسهال الفتوى في قضية قطع فيها الاسلام بجلاء بلغ حد اباحة حرية الكفر حيث من شاء فليكفر.

وقال الصفحي الناشط في منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان فيصل الباقر، ان هذا زمان التفكير لا التكفير، فقد انتهى إلى غير رجعة زمان التكفير ونحن نعيش عصر احترام التعددية والديمقراطية والسلام واحترام حقوق الإنسان في التفكير وحقه في التعبير وهي حقوق أصيلة كفلتها المواثيق الدولية والإقليمية المتعلقة بحقوق الإنسان (الأيام 8/7/2003).

أما الصحفي صاحب العمود المضئ (آفاق ورؤى) محمد موسى حريكة أورد – الأيام 8/7/2003 لم يتسرب استخدام (الدين) كعامل سياسي في تصفية الخصوم وبذلك الشكل المؤسسي إلا في عام 1967 بعد حادثة معهد المعلمين العالي الشهيرة والتي قادت إلى حل الحزب الشيوعي باختراق واضح للدستور وتكريسه لتصفية المناوئين سياسياً. وفي الثمانينات من القرن الماضي يعتبر المفكر محمود محمد طه رمزاً في مقارعة مؤسسة الاسلام السياسي والتي أخمدت انفاسه بحبال المشنقة في محاكمة (الردة) الشهيرة عام 1984، ويستيقظ الآن وبعنف في نسيج هذا المجتمع وفي الألفية الثالثة فتاوي الردة والتكفير وهي تشق طريقها للنيل من الأفراد وصولاً لتلك الحالة الشمولية في تكفير المؤسسات والتنظيمات السياسية.

في الأيام 20/7/2003 أكد السيد ماجد يحيى القوني ان الجبهة الديمقراطية تحترم الأرث العقائدي والثقافي للمجتمع السوداني ولا يمكن الاساءة لهذه المعتقدات بأي حال من الأحوال، وتاريخ الجبهة الديمقراطية يؤكد حرصها على احترام المعتقدات الشعبية يدل عليه الفصل من عضويتها لكل من يشذ عن السلوك العام ... وحادثتي جامعة الخرطوم والسودان توضحان ذلك. ان جريمة تكفير الآخرين يمكن تجاوزها وعَييَّا، ولكنه يؤكد اصراره على سذاجة المبررات التي دفعت اولئك لإصدار الفتوى.

وقال د. حيدر إبراهيم – الصحافة 12/7/2003، أما في الاسلام فلا يملك بعد الرسول (ص) أي فرد أو فئة سلطاناً دينياً، وهنا يتساوى الناس في كسبهم وأخذهم في الدين من اصوله دون واسطة او وصاية من أحد. ولقد خرج الشيعة فقط من هذه القاعدة بفكرة الحاكمية ودور المشايخ والحوزات الدينية.. لذلك علينا ان نتحاور في السياسة بلغة السياسة فقط. ويمكن ان اصف الخصم بانه رجعي أو طائفي، أو حتى عميل، ولكن من الخطر والحماقة ان أصف الخصم السياسي بالكفر والالحاد.

وقال الأستاذ تاج السر مكي – الأيام 6/7/2003، لم يتخل الحزن عني، بل صاحبه غضب عظيم وانا أقرأ اسماء من شاركوا في تلك الملهاة وهم ممن دفع لهم شعب السودان مالاً وجهداً، ينتظر ان يتدفق علمهم رداً للجميل لكن أراهم قد تنكبوا الطريق وها هم يردون الجميل عقوقاً وجرعات من السموم القاتلة.

وكتب الأستاذ مامون عيسى المحامي – الأيام 21/7/22003، ليس هناك كيان أو تجمع أو هيئة رسمية ذات شخصية اعتبارية حسب التعبير القانوني تسمى هيئة علماء السودان، فالأمر لا يعدو ان يكون مجرد مليشيا تجند موسمياً كلما جد خطب وادلهم أو ضاق خناق على الإنقاذ وهات يا تفصيل فتاوي حسب الطلب والمقاس. كل من التحى وتعمم ووضع على منكبيه ملفحة يمكن ان يفصل فتوى سواء كانت مجموعة أو فرداً.

وأدلى بدلوه دكتور منصور خالد – الصحافة 16/7/2003 قائلا، حملات التكفير في حد ذاتها ليست جديدة في خارطة الاسلام السياسي المعاصر، من جمهورية افغانستان الاسلامية إلى جمهورية ابسيرديستان (Absordistan) الاسلامية والأخيرة تطلق عليها اطالس الجغرافيا اسم جمهورية السودان. فمنذ ان اقتسر النظام الراهن حكم السودان أعضل داء البلاد خاصة بعد تقسيم الوطن الواحد إلى دار حرب ودار سلام وجعل أهله اصنافاً تتمايز بالديانة، فيها المسلم والكافر والمشرك، ذلك التصنيف المختلق وما تخللته من ريب خبيثة الأصل. نكاد نلمح وراء هولاء الشخابين جماعة في النظام تتناصر بالخداع وتتوالس على الخصوم، تلك الجماعة ما فتئت تهرج بين الناس لتوقد نار الفتن بوعي كامل. لا تفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله، وانما هو ترهيب لعباده. فعند هولاء الرهبوت خير من الرحموت.


http://www.midan.net/nm/private/almidan/m1983/midan1983.htm

Post: #938
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-09-2008, 07:08 PM
Parent: #937


اجحاف القراى وتراضى الصادق المهدي (2-2)
محمد عيسي عليو
في المقال السابق تحدثنا عن اتهام القراي في أن هذا الاتفاق ما هو إلا محاولة لدخول حزب الامة في جلباب المؤتمر الوطني، وتحدثنا عن بهتان القراي في حق القبائل العربية سواء في أبيي أو الضعين أو كل القبائل العربية في دارفور، أكدنا له ان هذه كلها تهم مردودة، وهي لا تنطلق إلا من عدم معرفة أو حسد، أو تجنيد من جهات لهدم أحد أركان الدولة السودانية.
لم نشئ أن نخرج من الموضوع كما خرج القراي، وندافع عن التهم الشخصية الموجهة للسيد الصادق المهدي ومنها انه قبض ثمن التراضي الوطني وان دخول ابنه بشرى في جهاز الامن احدى المقدمات، وفي هذه الحلقة نواصل ردنا على القراي في حلقته الاولى قراءة في التراضي الوطني.. يقول القراي لماذا لم يطلع الشعب على هذا الحوار؟ ولماذا لم يكن علنياً ومنقولاً عبر وسائل الإعلام!
يا سبحان الله يا أخي القراي متى كان هذا الحوار سرياً، لم يسل القراي هذا السؤال إلا لحاجة في نفسه واما ان يكون القراي خارج الشبكة سواء كان مريضاً أو مسافراً أو غائباً عن الدنيا لفترة، ربما يكون في خلوة صوفية، أخي القراي لقد بدأ هذا الحوار علناً جهاراً نهاراً فوق الارض وتحت السماء على نور القمر وضوء الشمس في صباح يوم من ديسمبر 7002م حيث كون الحزب خمس لجان من ضمنها لجنة للمؤتمر الوطني واعلنت اسماء اللجنة والمؤتمر الوطني اعلن اسماء لجنته وبدأت الجلسات والاعلام السوداني كان متابعاً، تخللت تلك الفترة مؤتمرات صحفية، واخيراً اعلن الاتفاق على الملأ وخرجت الصحف في اليوم التالي بكل تفاصيله. أين السرية إذن في كل مراحل هذا الاتفاق، طبعاً يا أخي القراي وكما تعلم انه يستحيل اثناء الاجتماعات اخطار الناس بكل شئ، أي تفاوض في الدنيا لا تعلن كل تفاصيله في وقته وهذا شئ معروف.. العبرة بخواتيم الاجتماعات وهو ما اعلن لكم وهو ما سيعرض في المؤتمر الجامع.
يخرج بنا د. القراي الى فلسفة قديمة تتجدد يتساءل عن كلمتي الشورى والديمقراطية واللتان وردتا في صلب الاتفاق فهو يقول لماذا كرر الاتفاق كلمة الشورى والديمقراطية، اذا كانت الديمقراطية هي الشورى في فهم الحزبين لماذا لا يكتفيان بكلمة واحدة دون حاجة الى التكرار ،واذا كانت الشورى ليست هي الديمقراطية فعلى أيهما اتفقا أم كتبت الديمقراطية ارضاءاً لحزب الأمة وكتبت الشورى ارضاء للمؤتمر الوطني وكلاهما لا يقصدان في الحقيقة أياً منهما.
حقيقة القراي يريد ان يرجع بنا الى العصور البيزنطية، البيضة من الدجاجة أم الدجاجة من البيضة، وهو يريد ان يعرف ماذا يقصدان بالتكرار أم هو يشكك في مصداقية الطرح أم يرى ان الديمقراطية هي غير الشورى والشورى غير الديمقراطية، الذي يعرف الديمقراطية ويعيشها لا يرى فيها اختلافاً عن الشورى.. وهذا موضوع طويل يا دكتور، ولكن ما نستطيع ان نقوله هنا وفي هذا الزمن الذي نعيشه وما يعنيه الاتفاق ان الديمقراطية هي الجامعة والشورى احدى كلياتها، يمكن لكل حزب ان يتشاور دوماً مع اعضائه أو اتباعه كما يحلو للقراي ان يردد، ويمكنه ان يتشاور مع الاحزاب الاخرى في اجتماعات متصلة، ولكن الديمقراطية هي الفصل في اتخاذ القرارات وهي التي تعطي شهادة البراءة، فما الغضاضة في ايراد كلمتي الشورى والديمقراطية في الاتفاق.
هنا نأتي للفلسفة الدينية التي يحاول بها القراي اخراج الصادق المهدي من ملة المعتدلين الى المتطرفين، اذ يقول ان قطعيات الشريعة لا يمكن ان توافق على حرية العقيدة ولو كانت الشريعة الاسلامية توافق على ان يعتقد كل شخص ما يشاء لما قام الجهاد واحكم السيف على رقاب المشركين حتى يسلموا وفي رقاب اهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون. واستدل في هذا بآيات تبيح قتل الكفار.. هنا نقول للآخرين لأن القراي عارف كل شئ ولكنه واضح جداً يميل إلى الجدال وهذا ليس مكانه ولا وقته ولكني اقول فقط وبكل قوة ان قطعيات الشرعية الاسلامية لا تختلف مع حرية العقيدة، وفي زمن النبي صلى الله عليه وسلم اعلن صحيفة المدينة وهي التي حددت وجوب التعايش بين المسلمين واليهود في المدينة المنورة، وعندما جاءه وفد النصارى من نجران استقبلهم هاشاً باشاً ومد إلى قائدهم مسنده ليتكئ عليه، وما أمنا مارية القبطية إلا تمازج للتعايش بين المسلمين وغيرهم والآية الكريمة تقول «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين، إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين واخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم ان تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون» الممتحنة الآية 8-9.. لقد استدليت يا دكتور بكل آيات السيف لماذا لم تستدل بهذه الآية، لا فرق بينك وبين الذي تلا الآية لا تقربوا الصلاة.. ولم يتم وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون» فالقراى لا يريد من الصادق المهدي إلا أن يكون كأسامة بن لادن أو كالقراي. لا يا سيد القراي هناك محطة وسطى أرجو أن ترخي لها سمعك وأذنك ولو دنيت لها بحق تطلب الحكمة لما خالفتنا كثيراً وسنثبت لك أن قطعيات الشريعة، تسمح بحرية العقيدة من أراد أن يؤمن ومن أراد أن يكفر،
الأخ القراي يمعن في الاستفزاز ويقول ان النواحي الدينية التي وردت في الاتفاق استفزاز مقصود لغير المسلمين واشعار لهم بأنهم مواطنون منبوذون سيشن عليها تحالف حزب الامة والمؤتمر الوطني الحرب الدينية. هذا تخويف من القراي غير مبرر ولم يرد في الاتفاق ولن يرد في أي اتفاق يكون حزب الامة طرفاً فيه فليطمئن الجميع. واذا كان هذا هو فكرنا لماذا لا نقوم بذلك من زمان أننتظر حتى يولد ما يسمى المؤتمر الوطني ثم نتحالف معه لقتال غير المسلمين، إذن لكان عملناها مع الاخوان المسلمين ومن زمان! هذه فرية كبرى من أخي القراي لا تصدقوها، يريد ان يخرجنا بها خارج الحلبة، واذا أخرجتنا ما هو بديلك؟ حزب الأمة هو صمام الأمان لك ولغيرك بحق اذا أردت استقرار وطنك.. كدي روق المنقة شوية وحط الكرة تحت، خلي الناس تلعب معاك.
لكن القراي رجع للحق في حيثيات حلقته عندما قال التعايش السلمي بين الاديان لا يتم بتراضٍ زائف وانما سبيل تحقيقه، هو الاحتكام لإحدى مرجعيتين لا ثالث لهما أولهما أصول القرآن التي وفرت حرية العقيدة، لكل انسان، نقف معك لحدى هنا. القطعيات التي قصدت في الاتفاق هي اصول القرآن التي ذكرتها يا دكتور أما قطع اليد ورجم الزاني اذا اختلفت معنا فيها فيكون لك كلام تاني، ولكن السؤال ما هي الضوابط التي بموجبها نقطع ونرجم، والاجابة هي كم يد قطعت منذ زمن النبي وحتى نهاية زمن الصحابة الأربعة وكم نفس رجمت بحد الزنى في كل تلك الأزمان، لا تتعدى أصابع اليد، إذن يجب أن لا نرفض المبدأ الإلهي ولكن يجب ان نركز على الضوابط.
لقد قفزت فوق كثير من استفزازات القراي لأني لو تابعتها ستخرجني من طائلة الموضوع ولكني اشير الى نقطة اخيرة وفيها يكرر القراي اهاناته الى اعضاء حزب الامة، عندما يقول لقد اقنع السيد الصادق المهدي اتباعه بأنه لم يدخل مع المؤتمر الوطني في هذا الاتفاق إلا لأن المؤتمر الوطني وعد بالالتزام باتفاقية السلام وبالتحول الديمقراطي وهو يأخذ على الصادق المهدي انه وقع مع المؤتمر الوطني اتفاق جيبوتي والانقاذ تصعد عملياتها في الجنوب. طبعاً استفزاز القراي مستمر باستمراره بلفظ اتباع الصادق المهدي، أما استفزازه الآخر فهو يحاول ان يحرض علينا النوبيين بأننا سعيدين بضرب الجنوب، لماذا لا يفسر اتفاقنا في جيبوتي محاولة لايقاف الصراع المسلح في الجنوب أقلب الصفحة يا دكتور هل يعقل ان تكون في اتجاه واحد طول عمرك.
ان حزب الأمة في الخمسينات ليس هو حزب الأمة في الستينات وحزب الأمة في الثمانينات ليس هو حزب الأمة في القرن الواحد وعشرين، التطور سمة من سمات الحياة لا شك ان القراي يؤمن بالتطور، ولكنه مع حزب الأمة فالأمر مختلف عند القراي.. صدقني لو حضرت معنا جلسة واحدة في المكتب السياسي لحزب الأمة لتغيرت رؤيتك، لا تظلمنا أرجو أن تتابع التطور في حزب الأمة، إذا فعلت ذلك، من يدري لعلك تكون في يوم من الأيام أحد أقطاب هذا الحزب العريق كما ذكرت في مقدمة مقالك.

==
التعليقات

1/ ابو ركشه - (السودان) - 9/6/2008
حضرة الاستاذ عليوة شكرا لمقالك القوي وتفنيدك لكل ادعاءات هذا الرجل الذي لم يعرف حقا ولا باطلا مال حيث القوة تميل والدليل علي ذلك اذا ما عرفته معرفة شخصية تجده بهذه الصفة وايات السيف التي اوردها ..هذا غريبا جدا الا اذا اراد الرجع عما يعتقده لانه لايؤمن بايات السيف باعتبارها ليست الاسلام ولكن الاسلام القران المكي هو الاسلام الذي يدعو له المرتد محمود محمد طه والقراي نعرفه كما تعرف اقرب الناس اليك وربما يجهل العامة من هو القراي الذي عاد من اميركا قريبا بعد مكث كل العمر في الخارج من 1990من الاعوام الماضية وانظر في زواج الجمهوريون واختلاطهم ومصادمتهم للقران ..وقطعهم للارحام ..وهذا اعرفه واعايشه الان وانا اكتب هذا المقال بالذات لمدعي الدين القراي ... القراي يؤمن بالخرافة ولايؤمن بايات السيف ويؤمن بقران مكة ولا يعترف بقران المدينة مصائب كثيرة لايعلمها الله جلبها لنا المرتد محمود محمد طه ..وجزيت خيرا عليو علي ما تفضلت به وان كنت انا غير حزبي ..ولا انتمي لحزب معين والله شاهد علي قولي هذا

http://www.alsahafa.sd/Raay_view.aspx?id=49733

Post: #939
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-11-2008, 01:13 PM
Parent: #938


زفرات حرى

الطيب مصطفي

بين عبد الله علي إبراهيم ومنصور خالد



نقطع ما بدأناه حول الظاهرة الفرعونية المسماة بمعمر القذافي لنتيح المجال للمقال المدهش الذي خطه (الحفار) بروف عبد الله علي إبراهيم وأعني بكلمة (الحفار) التي استعرتها من الأخ الأستاذ صديق محيسي ـ رد الله غربته ـ أن بروف عبد الله لا يجارى من حيث قدرته على الغوص في الوثائق و(نبش) الماضي البعيد لإقامة الحجة وتقديم الدليل ودعم المنطق الذي يسوق به أفكاره ورؤاه وهذه ميزة لا تتوافر كثيراً في المجتمع السوداني بما فيه مجتمع المثقفين والنخب.



أعيد نشر هذا المقال منوهاً إلى أن الاستشهاد بالقصة التي رُويت في المقال عن محمود محمد طه لا تعنى بأي حال رأياً إيجابياً أو تقديراً أكنه للرجل الذي لا يختلف رأيي فيه عن القرار الذي أصدرته حوله المحكمة التي قضت بردته.



أود أن أطمئن بروف عبد الله بأن الوثائق التي ذكرها في مقاله باتت معلومة لدينا وأظن أن بروف عبد الله يقصد بعبارته (وسيكون من الطريف بالطبع أن يستجوب نبيل رفيقاً شيوعياً متى استدعته الانتباهة ليشهد لها) أظنه يقصد الأستاذ محمد إبراهيم نقد الذي لا نعلم ما إذا كان سيستجيب للشهادة ويفضح د. منصور خالد الذي وشى به للاستخبارات الأمريكية عندما كان طالباً في كلية الخرطوم الجامعية أو سمها جامعة الخرطوم!!



مقال بروف عبد الله علي ابراهيم



يمثل الأستاذ نبيل أديب عبد الله المحامي الدكتور منصور خالد في قضية إشانة السمعة التي رفعها ضد جريدة الانتباهة. ومع أن للمحاماة أعرافها في خوض القضايا إحقاقاً للحق بغض النظر عن رأي المحامي في طبيعة المتهم أو التهمة إلا أنني استغربت شيئاً ما أن يكون نبيل طرفاً في القضية لسببين. أما السبب الأول فهو رأي نبيل (الذي هو أميز من يكتب هذه الأيام عن مادة إشانة السمعة وحرية التعبير) أن هذه التهمة من مثبطات النقاش الوطني ومبطلات دوران الرأي في الشأن العام، فلو وقع لي حديث نبيل أديب فهو على الحجة التي ترى في دعوى إشانة السمعة مصادرة للحق في انتقاد الحكام.



وبدا لي من عرضه الجيد لهذه المادة أن قانوننا يكفل هذا الحق لأنه استثنى من الحماية كل مشتغل بالعمل العام. وبدا لي أن نبيلاً ميال لأعراف القانون الأمريكي حول القذف دون سواه لأنه لا يتطلب من شانئ المشتغل بالعمل العام أن يثبت صحة أقواله عنه. فلو طالبناه بمثل هذا الاثبات لعطلنا النقاش الحر لأن الوقائع كثيراً ما خفيت. وهكذا يرخص القانون الأمريكي للمعلقين على رجال الشأن العام ونسائه حق الخطأ في إيراد الوقائع طلباً لليقظة تجاه أدائهم ومساءلتهم باستقامة لا تهدأ أو تكل. فمن مستحبات الأمريكان أن تخطئ. طالما أخطأت. على الجانب الصحيح من المسألة. وليس هذا الترخيص دعوة للسفه بإطلاق القول على عواهنه بالطبع. فالصحف من جانبها تأخذ هذه الطلاقة القانونية بجدية ومهنية تفلفل فيها قصصها فلفلة فلا تخرج الواحدة منها للنشر إلا بعد تمحيص لا يترك شاردة ولا واردة.



أما السبب الثاني فهو أن نبيلاً، مثل كل اليساريين من جيلي، ترعرع على ذائعة عمالة منصور للأمريكيين التي هى موضوع القضية موضوع الحديث. وصحيح القول أن الانتباهة لم تبتدع تهمة هذه العمالة وإنما اتبعت الشيوعيين فيها حذو النعل بالنعل. وهى عبارة تعلمناها من حبيبنا صلاح أحمد إبراهيم. ولم نسأل جيل منصور من رفاقنا الشيوعيين على ما قالوا عن منصور خالد برهاناً. وكان آخر شائنة لمنصور من الشيوعيين بهذه العمالة في كتابهم الذي قوموا فيه اتفاقية أديس أبابا ٢٧٩١م. ثم أسقطوا التهمة بالتقادم وبغير شرح حين أعادوا نشر الكتاب بالقاهرة في التسعينات. ووصفت هذا الاختلاس الثقافي في وقته بـ »خفة اليد الثورية«. ووجدت الأستاذ محمد إبراهيم نقد في كتاباته قبيل خروجه من المخبأ عاتباً على رفاقه الذين تطفلوا على نص الكتاب. وسيكون من الطريف بالطبع ان يستجوب نبيل رفيقاً شيوعياً متى استدعته الانتباهة ليشهد لها.



لو عامل الناس منصوراً بالمثل لما خرج من محاكم إشانة السمعة لحظة واحدة فالقذف سليقة تجري على قلمه. وليس ذلك لأن منصوراً سيئ الطوية بل لأنه خريج مدرسة التفاصح العربي التي تطغى فيها محسنات اللغة وبديعها بصورة تصبح الوقائع نفسها عرضاً. فاللغة عند أهل هذه المدرسة ليست حالة من الوعي بل هى لتسويد صحائف »في متونهن جلاء الشك والريب«. فقد وصف منصور الدكتور خالد المبارك مدير معهد الموسيقى والمسرح في آخر السبعينات وأوائل الثمانينات، في كتابه »المخيلة العربية« بأنه من المرابطين في ثغور مايو يأكل تمرها عن آخره قبل أن ينقلب عليها ويرميها بالنوى. وأنه التحق بجوقة المايويين مديراً لمعهد الموسيقى والمسرح، وأنه صوّت لصالح دعوة الرئيس نميري في وجه اعتراض بعض الأساتذة وكانت عقوبة هؤلاء المعترضين الفصل بتهمة الشيوعية. عقاب مايويتك يا منصور! لقد كنت طرفاً في هذه القصة كعضو بمجلس المعهد الاكاديمي. وأشهد الله ما رأيت في حياتي، وقد بلغت هذا المبلغ من العمر، رواية لواقعة افترسها سوء النية وشح النفس كمثل رواية حادثة معهد الموسيقى والمسرح، وقد أخذها منصور بذبابتها عن الشيوعيين لم يحقق فيها بصورة مستقلة فيسأل المعاصرين لتتكافأ فصاحته ووقائعه.



أما أدق من نظر في فلتان منصور عن الملاحقة القضائية بإشانة السمعة فهو المرحوم الأستاذ محمود محمد طه وتلاميذه. فقد وقف الاستاذ وحواريوه بمحكمة بورتسودان العام ٥٧٩١ متهمين بإشانة سمعة القضاة الشرعيين. فقد كان نظم الجمهوريون معرضاً لهم بالمدينة ووضعوا بخط كبير على ملصق عبارة للأستاذ عن هؤلاء القضاة بعد حكمهم عليه بالردة في ٨٦٩١م قال فيها إن قضاة الشرع (أذل من أن يؤتمنوا على الأحوال الشخصية. لأنها أخص وأدق القوانين لارتباطها بحياة الأزواج والزوجات والاطفال. وفي كلمة واحدة ـ العرض.) وزادوا بكلمة أخرى من الاستاذ »متى عرف القضاة الشرعيون رجولة الرجال وعزة الأحرار وصمود أصحاب الأفكار«.



ولما انعقدت المحكمة قرأ السيد أحمد سليمان المحامي (الجمهوري) للشاكي ما كتبه منصور عن القضاة الشرعيين في كتابه »حوار مع الصفوة« (٤٧٩١ وجاء فيه: »نريد وقد خرجتم من سلطانكم المشروع كقضاة أنكحة وميراث. نريد أن نسمع حكم الاسلام في الإمام الكاذب والوالي الظالم والوزير السفيه. نريد حكمه في السفاه السياسي الذي نعيشه اليوم وهو سفاه شيوخ ولا حلم بعده. شيوخ يرتدي بعضهم قفطاناً مثلكم ويتمنطق بحزام مثلكم ويضع على رأسه عمامة كشأنكم.« وسأل المحامي الشاكي إن لم يكن كلام منصور هذا إساءة للقضاة الشرعيين. فرد الشاكي سلباً معتذراً لمنصور بأنه من أصحاب الطموح السياسي يكتب ويسخر لا غير.« فتدخل السيد بدر الدين السيمت المحامي قائلاً: السيمت: يا مولانا سفاه الشيوخ الذي لا حلم بعده، شيوخ يرتدي بعضهم قفطاناً مثلكم، هل هو إساءة أم غير إساءة؟



الشاكي: لفظ ما مهذب.



ثم استجوب الأستاذ محمود الشاكي بنفسه لفترة طويلة. وأنكر الشاكي أن مقالة منصور مما يشين القضاة. ثم عاد السيمت فسأل الشاكي إن كان قد علم أن منصوراً قد هاجم محكمة الردة التي قضت بردة الأستاذ في ٨٦٩١. ثم عرض عليه نصاً آخر من منصور يقول: »من بين رجال الدين هؤلاء طائفة قضاة الشرع. ما كنت أود أن اتناولها بالحديث لو اقتصرت على أداء واجبها كموظفين يتقاضون رواتبهم من مال دولتهم الذي تجبيه من ريع بيع الخمور«.



أما المعاملة التفضيلية لمنصور لأنه يقذف ولا معقب على قذفه فقد جاءت في لحظة دقيقة في دراما المحكمة. فقد وقف سكرتير الثقافة بنادي الخريجين ببورتسودان، الذي انعقد فيه معرض الجمهوريين، شاهداً للاتهام، فسأله السيمت:



السيمت: هل سمعت بالدكتور منصور خالد؟



الشاهد: شغال شنو؟



السيمت: أنت أستاذ في التربية والتعليم والسكرتير الثقافي لنادي الخريجين ولا تعرف الدكتور منصور؟



الشاهد: مش الوزير؟



السيمت: هل تعلم أن الدكتور منصور خالد هاجم القضاة الشرعيين؟



الشاهد: لا أذكر.



السيمت: طيب أذكرك. ده كتاب (حوار مع الصفوة) للدكتور منصور خالد (يقرأ عليه نصاً منه). هل الكلام دا فيهو إساءة للقضاة الشرعيين؟



الشاهد: فيهو إساءة.



السيمت: هل تعرف الأسباب البيها القضاة الشرعيين اشتكونا نحن وما اشتكوا منصور خالد؟



الشاهد: لا أعرف.



السيمت: هل تفتكر لأنو منصور خالد وزير ونحن ضعيفين.



الشاهد: جايز أكون عندهم ضدو قصة.



وقصة قصة قصة ولسه لسه لسه: إن عقلي موزع بين أمرين فنصفه العاقل يؤمل أن يتصالح منصور والانتباهة على حد أفكار نبيل، رفيق الصبا اليساري، الرصينة عن فساد فكرة إشانة السمعة بالنسبة للمشتغل بالشأن العام، وأن يصحب ذلك تحريض على الصحف أن ترتفع بمهنيتها لكي لا تبتذل هذه الرخصة حتى بلغت الشكاوى منها »٠٥١« شكوى في بحر العام المنصرم. ونصف عقلي المجنون يريد للمحكمة أن تنعقد ليرى عامة الناس صفوتهم لا كما يريدون لأنفسهم أن يراهم الفراجة من غمار الناس كل في صغائره زعيم. أو كما قال حبيبنا محمد المهدي المجذوب.






http://alintibaha.sd/index.php?option=com_content&task=...gory&id=8&Itemid=154

Post: #941
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-14-2008, 03:24 PM
Parent: #1


جمعية الامة الوطنية الخيرية .... الصادق المهدي وشركاؤه

--------------------------------------------------------------------------------

في ختام ندوته بالسفارة السودانية في القاهرة، لتسويق اتفاق التراضي بين حزب الامة والمؤتمر الوطني، وفي معرض رده علي الاسئلة التي طرحت عليه ، وردت عبارة تستحق التوقف امامها ، والتأمل فيها، وتحليلها، لما لها من دلالة خطيرة للقائمين علي الشأن السياسي السوداني ، وعلي اذن المحللين السياسيين..فقد قال سيادته بالحرف الواحد ( ليس للحزبين الموقعين علي الاتفاق اي مصلحة فيه )) هذه العبارة علي سذاجتها فهي خطيرة، ولا يمكن ان تصدر عن رجل مبتديء في السياسة ناهيك عمن احترفها طيلة حياته. فانك ان اخذت هذه العبارة علي كل الوجوه، ومع ابداء حسن الظن في كل كلمة تصدر عن زعيم حزب،، وحزب ليس بالهين، حزب عريق كحزب الأمة، فانها تعطيك نتيجة كارثية، فلنبدأ بتعريف المصلحة حتي نصل الي مدلولها الخطير، فالمصلحة تعني فيما تعنية (الفائده، الغاية، الطائل، المدلول..الخ) فأذا اخذنا ايا من هذه المعاني والصقناه في مكان المصلحة التي ورد ذكرها في رده،سوف تقرأ كالاتي)ليس للحزبين الموقعين علي الاتفاق اي ..... فيه) اذا كيف يمكن ان يكون مقبولا من وجهة نظر السياسة التي انبنت في معناها الحرفي والمعنوي، علي انها وسيلة لتحقيق مصلحة، او غاية، او فائده سوي كان لممارسها او للمجتمع والدولة التي تمارس فيها، عندها نجد ان الصادق بعبارته هذه قد جرد نفسه من اي صفة سياسية تتيح له انتاج فوائد او مصالح ، وهذا حقه الاصيل، اما ان يجرد الطرف الاخر في الاتفاق (المؤتمر الوطني) من هذه الصفة فهذا ما جانبه فيه التوفيق،كان الاجدي لو حصر الرد في ما يخصه ويخص حزب الأمة فالمعلوم ان المؤتمر الوطني حزب يقوم بكامله علي المصلحة، وفيه رجال برعوا في ايجاد المصالح والاستفادة منها للدرك الذي باتو يبحثون فيه عن مخلفات ونفايات الاحزاب الاخري وتحويلها الي مصلحة مفيده لهم ولسياساتهم. وتحضرني هنا مزحة سياسية انطلقت ابان قوة الانقاذ (ان جماعة من الناس ذهبت الي عرافة لتسألها عن عمر الانقاذ الافتراضي، فقالت لهم هناك الرقم 6 فهو ثابت وهناك الرقم واحد متحرك ، فهو اما 16 او 61 ولحسم هذا الامر اوعزت اليهم بمراجعة شيخ العرافين ابليس، فذهب وفد لمقابلة ابليس، ولما طرقوا بابه خرج اليهم ابنه الصغير فسألوه عن الوالد، فأجابهم بانه في دورة تدريبية في الدفاع الشعبي.). وبرغم كل هذا يريد زعيم الجمعية الخيرية، بهذا التصريح ان يقنعنا بانه قد فاوض فيما لاطائل فيه،، لمصلحتنا نحن، وهو بهذا يرشح نفسه ليكون ولينا الرشيد، ولكن سيادته نسي انه حتي لوائح وقوانين جمعيات النفع العام، تتيح لمنسوبي تلك الجمعيات الاستفادة مما يتوفر لديها من اموال او وسائل تفضي الي تحقيق فوائد خاصة، وهو بذلك خالف كل النواميس والقوانين والشرائع التي قدمت المصلحة العامة والخاصة في انجاز اي اتفاق او عمل (فكيف نستفيد نحن مما لا طائل فيه)، ومن ناحية اخري فخطورة مدلول هذه العبارة في ان حزبي المؤتمر الوطني والامة القومي امضيا الساعات والايام والليالي يتناقشان ليتفقا اخيرا فيما لا فائده من ورائه ، وهذا يعني ان كل هذا الزمن والاموال العامة اهدرت فيما لا غاية مرجوة منه، وهو امر لا بد من تدخل المراجع العام ، ووزارة الرعاية الاجتماعية ليتخذا فيه اجراءا حازما، والوقوف بصلابة في وجه استغلال المال العام فيما لا طائل فيه.
هذا التصريح والتصريح الذي سبقه في وصف وتصنيف السياسين في السودان بالبعر والدر اصبحا مدخلا لمعرفة وتحليل شخصية الامام الجديدة، وهي شخصية لم يوفق في تسويقها حتي الان، وقد دلت عبارتيه السابقتين بان المعلومات السياسية والاقتصادية لدي السيد/ الصادق اضحت في حاجة الي عملية تحديث لتواكب العصر، فهو لا زال يعيش في زمن الدر الذي اصبح بدون فائدة اقتصادية تذكر، وبات احدي وسائل الزينة للنساء فقط، في حين اصبح البعر عنصرا اقتصاديا مهما، فهو يدخل في كثير من الصناعات ذات التقويم الاقتصادي العالي، كصناعة الاواني، والاسمده العضوية، وصناعة الاسمنت، وهندسة تنسيق المناظر الجميلة، الامر الذي غاب عنه وجعله يصنف نفسه من حيث لا يدري مجرد زينه، اللهم الا اذا احسنا فيه الظن وفرضنا جدلا انه صنف نفسه ضمن البعر..يبدو ان بعض امراض العصر قد انتقلت من الانسان الي السياسة، فهكذا اعراض لا يمكن تصنيفها الا تحت المسمي الطبي (باركنسون) فأذا كان الجمهوريون قد وصفوا الامام في الماضي بعدم القدرة علي صعود القوز الاخضر، فانه بات اليوم لا يقوي علي صعود قوزا يابس..
_________________

Post: #943
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-15-2008, 04:35 PM
Parent: #1



[size=24]القراي واعوجاج الرأي (1)

محمد الامين أحمد عبدالنبي
[email protected]

ـ مدخل أول:

قال البحتري:

على نحت القوافي من مقاطعها.. وما على اذا لم تفهم البقر

ـ مدخل ثاني:

يحكى أن نفراًمن بني أمية قد ضاقوا ذرعاً من الحسين بن علي فقالوا لمعاوية بن أبي سفيان: إنا نرى أن الحسين بن علي قد صار له شأن كبير فدعنا نقضي عليه فقال لهم: بل جادلوه الحجة بالحجة أمام الملأ، فدعوه الى مناظرة فصاروا يحدثونه ويسألونه وكان يرد عليهم بكل أدب واحترام لآرائهم فقام اليه المغيرة بن شعبة وأساء اليه والى نسبه وفي ختام المناظرة قال: أما أنت يا ابن شعبة فان مثلك كمثل باعوضة نزلت على بعير فلما أرادت ان تطير قالت له أيها البعير استمسك فإني ذاهبة عنك فقال لها البعير فهلا علمت بك وانت حالّة علي حتى استمسك وانت عني ذاهبة).

إن قضايا الوطن السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية الشائكة والمتداخلة تمثل همّا حقيقيا للإمام الصادق المهدي؟ ما هي مقومات الوحدة الوطنية؟ كيف يحكم السودان؟ كيفية استدامة التنمية والديمقراطية والسلام؟ مكافحة الفقر؟ الرعاية الاجتماعية؟ مستقبل السودان في ظل العولمة؟ كذلك فان قضايا الإسلام والديمقراطية وحوار الحضارات وكيفية التعامل مع التراث والاصل وكيفية التعامل مع العصر والحديث والوافد كيف يتم إنزال المبادئ الاسلامية في الحكم والاقتصاد والاجتماع؟ كيف ندعو إلى الإسلام؟ كيف نحقق توحيد أهل الملة؟ كيف نتعامل مع الآخر كيف نتعامل مع المستجدات ـ الارهاب ـ العولمة ـ البيئة ـ المياه ـ التطرف... الخ ما هي الديمقراطية الأنسب في العالم الدعوة لمبادئ الحكم الصالح.. وقضايا الكيان الأنصاري في تجديد أفكاره وتطوير تنظيمه وتأهيل كوادره. ان هذا الهمّ الكبير يجعله لا يركن ولا يلتفت الى سفاسف الأمور وضعاف النفوس ولا يرى كائناً من كان أن يحيده عن هدفه الاساسي في الحياة وبحثه عن الحقيقة والكمال هذا بالاضافة الى أن الحبيب الامام يتحلى بأدب جمّ وسلوك قويم يعصمه عن الرد على أي كلام من أي انسان كما ان للوقت عنده قيمة لا يضيعه في الجدل والتلاعب بالألفاظ فقد ظل على الدوام يقدم رؤاه وأفكاره ومبادراته بكل شجاعة وتجرد ولا يضره اذا لم تفهم البقر ولا يهتم بالباعوض.

فمسيرة هذا الكيان ماضية لا تستجيب الى سهام د. القراي ومن شايعه أمثال د. محمود شعراني وغيره التي تنطلق من قوس الغيرة والحسد والكراهية (كل ذو نعمة محسود) والتي تنبع من الأفكار الممجوجة والمعششة في عقولهم وسويداء قلوبهم، فلّوثت كلامهم وكتاباتهم. هذه مقدمة لابد منها وقبل الولوج الى مقال الدكتورعمر القراى (قراءة في اتفاق التراضي الوطني) بصحيفة الصحافة فليسمح لي القارئ الكريم التعرف على المرجعية الفكرية التي ينطلق منها كاتب المقال بعد ان تعرفنا على سلوكه الشخصي تجاه الأنصار وحزب الأمة وشخص الأمام.وذلك لأهميتها في تحديد منطلقات الرجل في نقده لأي فكرة أو مشروع، الملاحظ أن هذا التفشي والتجريح هو أحد سمات هذه المدرسة (الجمهورية) أو النسخية (نحتاً عن نسخ القران المدني) أو الطاهوية (نسباً لمؤسسها محمود محمد طه) والتي تقول إن للاسلام رسالتين: الرسالة الأولى: كانت في عهد الرسول الكريم وصحابته وهي الرسالة السلفية القاصرة على القران المدني التي تصلح للقرن السابع الميلادي أما الرسالة الثانية فهي رسالة للأخوان الجمهوريين التي جاء بها محمود محمد طه والتي تصلح للقرن العشرين وهي الرسالة الخاتمة.

الامام الصادق المهدي تصدى لهذه الفكرة كغيرها من الأفكار التي تشوه الاسلام وفندها وناقش أفكار محمود محمد طه بكل صدق وأمانة وبادراك لماهية الاسلام والأفكار الدخيلة (لمعرفة رأي الحبيب الأمام في الجمهورية طالع مستقبل الاسلام في السودان اكتوبر 1982م) ومع ذلك كان للحبيب الامام رأي واضح ومنشور في حد الردة وفي عدم شرعية اعدام محمود محمد طه وفي قوانين سبتمبر المسيئة للاسلام وكانت قواعد حزب الأمة تقيم حماية لأنشطة الجمهوريين وذلك حفاظاً على حرية إبداء الرأي وبالمقابل كانت الاساءة والمناشدة للطاغية نميري (أحمر التوجه) بضرب الأنصار في الجزيرة أبا وودنوباوي فقد أجرى الاستاذ عبدالله جلاب الاعلامي المايوي المعروف حواراً مع الاستاذ محمود محمد طه بتاريخ 11/12/1972م (المصدر موقع الجمهوريين بالانترنت) جاء فيه (ان هذا العهد" العهد المايوي" قد قوض الأحزاب الفاسدة وقد ضرب الطائفية ضربة كسرت شوكتها ولكنها لم تقتلع من جذورها) وقال مشيداً بالنظام المايوي (ان النظام الحاضر يجد تبريره الكافي في انه منذ البداية سار في اتجاه تصفية الطائفية بصورة لم يسبق لها مثيل في العهود السابقة ولا يمكن لهذا الشعب ان يدخل عهد كرامته ومن ثم ديمقراطيته إلا اذا تخلص من النفوذ الطائفي وليس الطائفية تنظيماً فحسب وانما عقيدة ولا تحارب العقيدة بالسلاح وان حورب التنظيم بالسلاح وانما يجب أن يسير مع السلاح الذي اضعف التنظيم الطائفي نشر الوعي بالدعوة الى الاسلام الصحيح).. انتهى.

ما يدهش حقيقة الجمود الفكرى والانبتات المعرفى والتعامل مع ما طرأ على الساحة من تغيرات جذرية وجوهرية بمعيار ومنهج رجعي خطه شيخه الأول "محمودمحمدطه"اختيار نفس العبارات وتكرارها بشكل كربوني دون التفريق بين حزب الأمة "التقليدي" في بداية السبعينات والآن وكيان الأنصار "الطائفي"والآن والاعتقاد مع الجزم على عدم تطور الطائفية والواقع الآن يقول لكل ذو بصر وبصيرة ان هنالك مؤسسة حديثة ذات آليات متطورة تدير أمور الأنصار باسلوب حضاري تستعين بالتقنية والوسائل الحديثة لتوصيل رسالتها تسمى هيئة شؤون الأنصار كيان حديث يخضع لكل اجراءات المؤسسات المدنية والدينية كما ان هنالك تطوراً غير مسبوق في اروقة حزب الأمة على مستوى فكره وتنظيمه وأنشطته واهتماماته وقواعده لا ينكره الا من بعينه رمد اذ كل معالم الطائفية التي تحدث عنها الاستاذ المهندس في السبعينات ومازال يكررها د. القراي ود. شعراني انتهت فالظاهر ان الجمهوريين في نوم عميق فلم يستطيعوا ان يطوروا الحزب ولا الأفكار ولا المنهج فصارواكالببغاء.

في مقاله بصحيفة الصحافة مارس د. عمر القراي هوايته في نقده اللاذع لحزب الأمة والتشفي من قيادته فقد رد عليه الاستاذين الجليلين محمد عيسى عليو وصديق الأنصاري بشيء من الموضوعية وهذا ما جعلني أدلو بدلوي عسى أن نزيل بعض اللبس عن ما أثير حول التراضي الوطني وقراءة د. القراي المعوجة والمتحاملة على الحبيب الامام وكراهيته المتوارثة كما انه لم يأت بجديد بل استغل الفرصة للصق الحبيب الامام بتهم وهو برئ منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب. إذاً فان شهادة د. القراي في الحبيب الامام وحزب الأمة مجروحة ولا يؤخذ بها لأنها وليدة غبن ومرارة .

يقول د. القراي (ان التراضي جاء مخيباً لآمال الكثير من المثقفين وكثير من أعضاء حزب الأمة الحريصين على مصلحة الحزب ومصلحة الوطن). هل يقصد الدكتور بالمثقفين الذين ناصروا نميري وسلطانه والانقاذ وجبروتها مثقفين آثروا السكات عن تجاوزات الحكام والانضمام للمداحين وحارقى البخور والمطبلين للسلطة أي المثقفين القريبين من السلطة فهؤلاء ليسوا بمثقفين على حد وصف الروائي المصري رؤوف مسعد وبذلك يكون قد هزم التراضي هؤلاء وعمل على فطامهم من المخصصات لذا كان يجب أن يخيب آمالهم. أما المثقف المهموم بمشاكل مجتمعه ووطنه الباحث عن بدائل ناجعة لأزماته الذي يمثل بوصلة هادية للحلول. والذي يقدم النقد والحجج والنصيحة للسلطان عندما يحيد عن الدرب فهذا بكل تأكيد سوف يجد ضالته في التراضي والمثقفين (خشم بيوت) فقد جاء وفد من أساتذة جامعة الخرطوم قبل التوقيع على التراضي للحبيب الامام مباركين الخطوة وداعمين لموقف حزب الأمة ما هو تصنيف هذا الوفد بجهاز ثقافميتر القراي؟ . أما ادعاء ان التراضي خيب آمال أعضاء حزب الأمة فهذا اصطياد في الماء العكر وتطفل خبيث . إن أعضاء حزب الأمة (الرجعيين والتقليديين والطائفيين)هم الأحرص على مصلحة الحزب والوطن وقد انتخبوا أجهزة تنظيمية وفوضوها لتحقيق أهداف الحزب وانفاذ مصالحه؟ وهم ملتزمون بقرارات هذه المؤسسات والوفود والبيانات والاتصالات التي تؤيد وتبارك التراضي خير دليل على عدم صحة كلام د. القراي.

ما ذكره عن أن ابن الامام ضابط في الأمن وعن عدم بعد السيد الصادق عن كرسي الحكم وعن اتفاق الميرغني قرنق 1988م وتسليح القبائل العربية في دارفور 1986 وغيرها من القضايا التي حشدت وحشرت في الموضوع (التراضي الوطني) تدل على أن هذا الجمهوري قد وضع نفسه أمام خيارين ثالثهما مر ربما انه لم يطلع على اراء حزب الأمة حول هذه القضايا التي أثيرت أكثر من مرة.. أو انه اطلع عليها ولم يفهم ما جاء فيها وهذه مشكلة الدكتور أو ان المحرك الأساس لأفكار القراي التشفي وحشد الشبهات لكي تكون حاضرة في مسيرة نقده وهذه من صفات د. القراي الذى لم يقل قط أحسنت وانما اسأت وبنفس العقلية كان التعاطي مع التراضي وزعمه أن بنوده غامضة بهدف التضليل ولم يحدد أين الغموض هل في الثوابت الدينية أم الوطنية أم مبادئ الحكم الراشد أم السلام العادل أم يقصد بنود تهيئة المناخ أم دارفور والمطلوب عمله أم هي بنود الانتخابات وأحسبها هي لأنه لم يناقشها في قراءته من قريب أو بعيد لسبب بسيط لأنه لا ناقة له فيها ولا جمل (شهر ما عندك فيهو نفقة ما تعد أيامه). أما فرية أن الاتفاق ركز على قضايا ليس أولوية في مشاكل البلد كتكوين لجنة لمراجعة الشوارع لتعميم الرمزية القومية هذه النقطة تشير لأمرين: الأول ان الاتفاق لم يدع شاردة ولا واردة حتى الأمور الصغيرة التي لا تمثل أولوية آنية (واحتمال تشكل اولوية في المستقبل) في نظر القراي وهذه محمدة تحسب للتراضي لأنه اهتم بصغار القضايا (النار من مستصغر الشرر) الأمر الثاني ان هذه القضية جوهرية وتمثل أحد أبعاد الصراع في السودان ـ صراع الهوية ـ والتهميش واعادة النظرفى ابراز المكنون الثقافي والاجتماعي للسودان والتعبير الصادق عن الرمزية السودانية القومية فهذه اشارة ذكية للاتفاق تصب مع غيرها من المراجعات الكثيرة في معين ازالة الشقة بين الفرقاء السودانيين. ما ورد عن آلية للحقيقة والمصالحة والانصاف والوقوف على تجاوزات الماضي وبيان حقيقتها وافراغ النفوس من مرارات الماضي يعكس مدى تحميل الدكتور النصوص فوق طاقتها وليّ عنق الحقيقة فما هو الفرق ما بين (آلية) بمعناها الواسع و(لجنة) بمعناها الضيق؟ يمكن أن تكون هذه الآلية عبارة عن لجان للتحقيق والمصالحة المهم الهدف الأساسي هو تحقيق العدالة الانتقالية ليدخل السودان مرحلة جديدة متجاوزاً سلبيات الماضي.. أما الجدل حول تقديم المصالحة على الانصاف والعكس فهذه تذكّر بالجدل البيزنطي البيضة أم الجدادة ؟ ما هي قيمة المصالحة بعد أن يأخذ الشاكي حقه؟ ما جرى في لجان الحقيقة والمصالحة في جنوب أفريقيا 1989م على سبيل المثال هو اعتراف الجلادين بالجرائم التي ارتكبت والاستماع للضحايا واشهار معاناتهم امام الملأ ويتم بعد ذلك العفو والتصالح اذاً الانصاف اكمال عملية المصالحة واعطائها البعد العدلي والقانوني ولكن هذا الجدل من سمات الفكر الجمهوري (ايجاد تفاسير ومعاني لكلمات وعبارات غير المتعارف عليها كالنسخ الذي يعني عند الجمهوريين ( الغاء القران المكي زماناً للقران المدني زماناً) مخالفاً للتعريف الشائع لدى عامة المسلمين (تعطيل الحكم الشرعي بدليل شرعي آخر) وغيره من الكلمات (الاسلام ـ الايمان ـ السنة ـ الاصول ـ الفروع .... الخ) من تحفظات الدكتور حول هذه النقطة نجده يميل للقصاص والتعامل بالمثل دون ضابط أو وازع وهذا يضاعف المأساة وهذا ما ظل الأمام الصادق يحذر منه (الفشة غبينتو خرب مدينتو) وقيل عندما نادت القوى الهندية المعارضة (العين بالعين) قال المهاتما غاندي (ان هؤلاء يريدون تحويل الهند الى شعب من العُورُ) وهذا لا يتنافى مع مبدأ المحاسبة بل الحبيب الامام يطالب ان تتم محاسبة من الاستقلال وقد اعترف عن أخطاء على الملأ وفي صفحات الجرائد بل طالب باعتذار شمالي للأخوة الجنوبيين كل هذه المواقف لتصفية الحياة السياسية في البلاد.

قد استعرض د. القراي ما ورد بشأن دارفور في وثيقة التراضي بشيء من الاختزال والغرض وقد تناسى ولم ينس البند (3 ـ 3) الذي ينص على الآتي زاد الاستقطاب السياسي الحاد والتصعيد في الآونة الأخيرة والتدخلات الأجنبية من تفاقم الأزمة الأمنية فانعكس ذلك على الحالة الانسانية فأدخلها في قائمة الأجندة الوطني والاقليمية والدولية) والبند (3 ـ 4) الذي ينص (ان التصعيد العسكري بين أطراف النزاع لحسم أزمة دارفور لا يؤسس لحل دائم بل يوغر المشاعر الاثنية والقبلية والجهوية ويكرس لحرب أهلية) أليس هذه ادانة واضحة لنظام الانقاذ وتحميله مسؤولية أزمة دارفور. أما عن اتفاق وقف اطلاق النار الذي يطور الاتفاقات السابقة أحيل الدكتور الى بنود وقف اطلاق النار التي أبرمت في أنجمينا وأبوجا وقد فات على الدكتور أن القوى العفوية ليس هي الجنجويد فحسب وانما النهب المسلح - حرس الحدود ـ الدفاع الشعبي ـ المجاهدين ـ الدبابين وغيرها من المليشيات التي ساهمت في اشعال نار دارفور أما أن التراضي لم يحو تحفظ فصائل دارفور حول أبوجا فهذا هراء مردود فدونك نصوص التراضي (3 ـ 2) التنمية في دارفور (3 ـ 3) الحل العسكري لا يجدي (3 ـ 6) اتفاقية ابوجا لا تمثل الحل (3 ـ 7) نزع سلاح المليشيات (3 ـ 8 ـ 2) اطلاق سراح المعتقلين (3 ـ8 ـ3) اعادة النظرفى الادارات الانتقالية (3 ـ 9) اللاجئون والنازحون (3 ـ 10) التعويضات (3 ـ11) المشاركة في السلطة والثروة لأهل دارفور (3 ـ12) الادارة الأهلية (3 ـ14) الحل السياسي لدارفور (3 ـ 15) المحاسبة وتحقيق العدالة حول جرائم دارفور.

أما عن لماذا لم يقم حزب الأمة بادارة الحوار الدارفوري وينظمه ابناء دارفور المنتمين للحزب فقد تعمد د. القراي ذر الرماد على العيون وحجب جهود حزب الأمة في حل أزمة دارفور ولكن نذكر ببعضها لعل الذكرى تنفع القراي فقد طاف الحزب جميع ولايات دارفور ومعسكرات النازحين وابرم اكثر من اتفاق مع القوى السياسية السودانية (وثيقة القوى الوطنية لحل أزمة دارفور) ومع الحركات المسلحة ومع الحكومة التشادية ومع الحكومة السودانية وسجل حضوراً فاعلاً فى كافة الفعاليات التى عقد لحل الازمة وظلت قيادات الحزب ومازالت تتابع عن كثب ما يجري في دارفور والمساهمة في تقريب وجهات النظر والمحافظة على النسيج الاجتماعي منهم على سبيل المثال لا الحصر ـ محمد عبدالله الدومة المحامي مساعد الرئيس ـ محمد عيسى عليو مساعد الأمين العام ـ اسماعيل كتر ـ الفريق صديق محمد اسماعيل ـ هذا بالاضافة لجهود السيد رئيس الحزب، ود. ادم موسى مادبو نائب الرئيس والسيد الأمين العام كما ان حزب الأمة ينظر الى أزمة دارفور كأزمة وطن لا تعني أهل الأقليم فحسب وانما أهل السودان جميعاً من هنا كان اهتمام حزب الأمة البالغ بهذه القضية عقد الندوات وورش عمل والزيارات والمؤتمرت الصحفية ووضح رؤيته للحل لمعظم المهتمين بهذا الملف في المجتمع الدولي والاقليمي واذا قرأ الدكتور البنود المتعلقة بدارفور بتجرد بعيداً عن الغشاوة لتأكد له انها تمثل رأي وصوت أهالي دارفور أما عن دور القوات الدولية فما ذكر في التراضي ضمن الدور الذي نص عليه القرار 1769 ولكن للدكتور رأي آخر ان تكون هذه القوات منحازة وغير محايدة تضرب طرفا وتناصر طرفا آخر من الذي يتاجر بقضية دارفور اذاً؟. ولنا عودة
[/size]


from sudanile june 14 2006

Post: #944
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-16-2008, 04:01 PM
Parent: #1


في وداع عثمان حسين الفنان
تعانق الدين والفنون في شفاء النفوس وترقيتها
د. محمد محمد الامين عبد الرزاق
[email protected]
إن اكثر ما يميز العمل الفني ، ويجعله آسراً هو قوة الالتقاء بين الفكرة والواقع علي أرضية اللحن المنسق المهذب .. والوسيط اللحني هو الذي يبعث المتعة داخل النفس ، ويجعلها تتفاعل مع المعاني المنسابة مع الفكرة بصورة تلقائية لا فكاك منها .. وهذا هو السبب في التوجيه النبوي بترتيل القران وتلحينه ، فقد جاء في الحديث من لم يتغن بالقرآن فليس منا) وجاء أيضاً ما أذن الله لشئ إذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقران )..
إن التناسق والانسجام بين الفكرة واللحن والواقع، تجده ملازماً لجميع أغنيات الفنان عثمان حسين .. ولأن الواقع الذي تنطلق منه الكلمات مشترك بين جميع السودانين لتشابه العادات والتقاليد والبيئة ، فقد وجدت هذه الأغنيات تفاعلاً متفرداً عند كل رجل وكل إمرآة .. فكأن الفنان عثمان حسين قد لامس بحسه الفني مشاعر كل أنسان ، ودفع في نفسه قدراً من الهدهدة والراحة النفسية ، مما جعله مديناً له ، وهو لايجد ما يكافئ به هذا الدين الانساني ، ولعل هذا هو السر في تدافع السودانين علي اختلاف مشاربهم يوم التشيع لتقديم شئ من الواجب انطلاقاً من ذلك الحب الدفين .. أكثر ما لفت انتباهي مشاركة النساء في التشيع ، فقد جاءت في المقدمة السيدة تابيتا بطرس وعند لحظة الدفن اصطفت بعض النساء خلف الرجال حتي انتهت المراسم ، وهذه الظاهرة الحضارية ليست أمراً عفوياً ، وإنما هي نابعة من إحساس إنساني عميق .. فكأن الفقد فقداً عاماً يخص كل فرد وليس اسرة الفقيد وحدها .. إن النساء، بهذا الموقف العملي، قد أوصلن الرسالة بوضوح: لن يكون وداعنا لأحبائنا، بعد اليوم، بالصراخ والعويل أمام بوابات المنازل..
لقد تغنى الاستاذ عثمان حسين بكلمات الشاعر إسماعيل حسن في بواكير أعماله ( عارفنو حبيبي وعارفني بحبو * دا حرام عليكم تقيفوا في دربو * حارمني ليه ؟
ليه والله بحبو ) ويقول فيهاياالناسين ضميركم وما خايفين عذابو* يوم الحق هناك يا الواقفين في بابو * يوم يسألكم الله يا الناسين حسابو * حارمني ليه ؟ ليه والله بحبو ) ويقول وين درب السعادة يا الباكين لحالي * دلوني عليها انا ساهر ليالي * حتي لو بعمري او بالروح مالي).. ونحن نجيب على هذا السؤال القديم بأن السعادة تتحقق عند من يعرف ما هي مشكلته ويعرف وسائل حلها، إذن دربها هو البحث في الاتجاهين.. عندما تتابع هذه الأغنية مع اللحن تجدها نموذج لتكامل عناصر الابداع الفني ، فالمشكلة هي مشكلة كل إنسان في ذلك الزمان خاصة المرأة ، والأداء يعبر عن الحال بأبلغ ما يكون .. لذلك كانت هذه الأغنية علي عهدها علي لسان كل محروم من الحقوق الشرعية .. والحرمان ليس له سبب في أغلب الأحيان سوى الجهل والعادات والتقاليد المورو ثة .. ولشدة ارتباط تلك الأغنيات بالواقع داخل المنازل صارت أكواب الشاي تسمي (عثمان حسين)..
وفي مثال أخر تجد أن الحس الإنساني الرومانسي في كلمات الشاعر عوض أحمد خليفة قد طغى علي الحس العاطفي ، فالشاعر يعبر عن تفاعله المتدفق مع الجمال رغم علمه بأن الطريق الي المحبوب ليس فيه بصيص أمل ولا قسمة من قلبي من أجل المحبة وهبت ليك شعر الغزل * مع إنو قدامي الطريق انا عارفو يا السمحة انقفل ).. وبتفس القدر تظهر هذه المعاني في أغنية من أجل حبي لبازرعة: (حبيبي سامحتك لحبي ما لأجلك * للمعاني الكنت انظم فيها حولك * والحقيقة كل أملي أبقى جنبك * أصلي بعدك ما هويت ولا حتى قبلك).. فكأن الشاعر يبحث عن قيم ومعاني الوفاء، فإذا قصرت عنها قامة المحبوب ،فستظل هي الهدف، ويسنمر من ثم التغني بها كقيمة إنسانية رفيعة.. في المقابل تبرز مدرسة التسامح عند الشاعر السر دوليب: (مسامحك يا حبيبي مهما قسيت عليٍ * قلبك عارفو أبيض وكلك حسن نية) وهي مدرسة قاعدتها ليس بالإمكان أفضل مما كان.. ولذلك تتم تنمبة ما كان عبر منهج التسامح، والمداومة على الحب (داوم على حبي واسأل على قلبي ما تفكر ما تفكر تنساني).. إن هذا التنوع في القيم والمعاتي والتجربة، التي تدور حولها أغنيات عثمان حسين هي التي تجعل تلك الألحان باقية مع الأيام، يطرب لها الشباب جيلا بعد جيل..
إن الجموع التي حضرت التشيع كان لسان حالها يردد : ( طرفي اذا تأمل في حسان المواكب * وضياء الكواكب والبدر المكمل * برضي اراها دونك * بل وحيات عيونك * انت لطيف وأجمل ).. وقد صار فناننا (لطيفاً) بدخوله عالم الارواح البرزخية اللطيفة ، و(أجمل ) بما تركه لنا من الحان نرتاح بها من هجير الحياة المعاصرة .. علي خلفية هذه المقدمة ندلف إلي شئ من الفكر حول الاسلام وعلاقته بالفنون وأثر ذلك في ترقية النفس البشرية نحو مقام انسانيتها ..
ما هي الفنون ؟
الفنون هي عبارة عن وسائل التعبير عن مكلة التعبير في الانسان .. وملكة التعبير في الانسان أعمق من مجرد أنها عمل فكري ، وهي في الحقيقة الحياة .. إن مكلة التعبير في الانسان هي الحياة .. وكل حي معبر ، حتي في الحيوات الدنيا .. وتعبيره بالحياة في الحياة هو حياته نفسها .. ولذلك فإن الحي عندما يأكل او يتناسل أو عندما يفر من الالم ، ويحاول تحصيل اللذة ، هو في كل أولائك معبر .. هومعبر في حياته بحياته وهو كليته تعبير .. ولكننا لا نطلق عبارات الفنون علي الحياة في درجاتها الدنيا ، حيث تعبر بكينونتها كلها، وأنما نطلقها علي وسائل التعبير عن مكلة التعبير في الذهن البشري ، في الفكر .. الانسان حيوان مفكر ، هذا التعريف أصح من القول بأن الانسان حيوان ناطق ، وذلك لآن جميع الحيوانات ناطقة، وبالفكر ارتفع الانسان عن الحيوان ارتفاع مقدار وليس ارتفاع نوع .. فالانسان في اطواره السابقة قبل ان يكون معبر باللسان، كان يعبر بلسان حاله .. ثم صار يعبر بلسان المقال بعد دخول الفكر في المسرح ، وبذلك أصبح منقسماً بين التعبير القديم بلسان الحال وبين التعبير الذي جد بظهور الفكر وهو لسان المقال .. في هذا المستوي يبرز دور الفنون في أن ترتفع بعقل الانسان ، وتزيد من حيله ، وتوسع من خياله ، وتضبط فكره وتدققه ، وتفتح ينابع عاطفته الي الحد الذي يجعل تعبيره بلسان المقال في مساواة لتعبيره بلسان الحال .. فكأن العقل والجسد في كفتي ميزان ... الجسد لا يخطئ وإنما يعبر عن مكنوناته في انسياب تلقائي ، ونحن بوسائل التعبير والتمرين ، نحاول أن نرفع عقولنا الي درجة الانضباط الذي به لا تخطئ ، حتي لكأننا نهدف الي ان نوزن كفتي الميزان، الاجساد والعقول .. هذا هو موضوع منهاج الاسلام العلمي المعروف بالسنة النبوية ، فالاسلام والفنون هنا يشتركان في أنهما اسلوبا تعبير للحياة بهما يزيد عمقها واتساعها ، بيد أن أسلوب الاسلام أشمل وأعمق وأبعد مدي من أسلوب الفنون .. وقد وردت الاشارة الي الأسلوبين في الآية الكريمة ({سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ })
فالفنون تعني بأيات الأفاق وأيات النفوس ، ولكنها تركز علي آيات الآفاق ، أما الإسلام فإنه يركز علي آيات الآفاق ويتخذها مجازاً الي آيات النفوس وعنايته بهذه خاصة في آخرياته مراقيه أكبر وأعظم ..
يقول الاستاذ محمود محمد طه في كتابه ( الإسلام و الفنون): (وغرض الموسيقي من اللحن المنغم ، المتسق ، المهذب الحواشي ، أن توجد في داخل النفس البشرية ، نوعاً من التنغيم ، والاتساق والتهذيب ، يحل محل التشويش ، والنشاز ، الذي يعتمل فيها ..هذا هو السر في الراحة التي تجدها النفس عند الاستماع الي قطعة من الموسيقي الراقية ، ومع ذلك فإن الموسيقي ، في جميع مستوياتها قاصرة عن تأدية هذا الغرض إلا لفئة قليلة جداً من الناس .. وهي حين تؤديه إنما تؤديه في حدً ضيق جدا، وذلك يرجع لسببين رئيسين ، أولهما : ضيق نطاق الاصوات الذي تعمل فيه الموسيقي ، اذا ما قورن بالاصوات من الحركات التي هي موروث النفس البشرية في منازلها المختلفة التي أوردنا اليها الاشارة .. وثانيهما هو أن الموسيقي لا ِبترويض النفس وتدريجها ، حتي تسطيع أن ترتفق بالموسيقي الراقية فتحقق بسماعها قدراً من التنغيم الداخلي ، والمواءمة ..).
لا بد أن نؤكد في ختام هذه الكلمة، أن الفنون حلال في أصل الإسلام بل مطلوبة، ولكن بعض صورها محرمة في الشريعة السلفية.. السبب في التحريم هو أن الناس كانوا حديثي عهد بالإسلام ، فحرم الرسم والنصوبر والنحت حتى لا ينبعث حنين في داخل النفوس إلى عهد عبادة الأصنام.. واليوم انتفت هذه العلة ، بل صارت الفنون تدل على عظمة الخالق وابداع خلقه، ولذلك انتهت الحرمة بزوال مسبباتها..
السؤال هو: كيف نجعل من الفنون أوعية نستقي من خلال ابداعها المعرفة بمشاكل النغوس ، وبوسائل علاجها ؟؟ وأخيرا الرحمة والمغفرة لفقيدنا عثمان حسين، وفي الله عوض عن كل فائت

Post: #945
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-17-2008, 12:52 PM
Parent: #1


حين تعجز الكلمة !!
إن ما بلغه العنف في الجامعات ظاهرة مؤسفة، تدل على مبلغ تدني الوعي العام، وعلى خواء مناهج التعليم في مختلف المراحل، من القيم الانسانية المتقدمة والرفيعة، وعلى تراجع هذه المعاهد من أهم واجباتها، في ان تقدم للمجتمع رجال ونساء ناضجين واحرار، برئت نفوسهم من الأحقاد ،وأرتفعت عقولهم عن الجهالات والتخلف .. فاذا فقدت الجامعة الأمن، واصبح الطلاب، والاساتذة ، يخشون على أنفسهم من الاعتداء في أي لحظة، وتحولت ساحاتها الى أوكار للتآمر والجريمة، بدلاً من أن تكون منارات للعلم والتوعية، وقبل الطلاب على انفسهم، وعلى جامعاتهم، ان يصبح السيخ والمدى والعصي وسائل التعبير، بدلاً عن الحجة والمنطق والاقناع ، فقد فشلت هذه الجامعات في رسالتها، وأصبح على المجتمع الاخذ بيدها، والتدخل لاصلاح ما لحق بها، من خراب .. لقد نقد عدد من الكتاب الجامعات ، من حيث ضعف التحصيل الأكاديمي، وذلك حين تقدم حوالي مأتين من الخريجيين، لامتحان وزارة الخارجة ، ولم ينجح منهم غير أربعة ، أو خمسة !! ولقد عزا بعض الباحثين والتربويين ذلك الى تدخل السلطة سياسياً في الجامعات، وابعاد الاساتذة والإداريين، من ذوي الخبرات والكفاءة ، ووضع اللوائح والنظم التي تدعم سيطرة السلطة ، بدلاً من حرية التعليم الجامعي . ثم ان القبول نفسه ، لم يعد تنافساً على أسس علمية، بقدر ما أصبح يقوم على الولاء السياسي.. فلقد كان الطلاب المنظمين مع حزب الحكومة، يتجندون مع الدفاع الشعبي ، ويسافرون للجنوب ، ومن يعود منهم يلحق بدفعته دون امتحان، على اساس انه قد قام بعمل ديني مقدس ، يبرر له ويكمل، كل نواقصه الأخرى !! والذين يتخرجون من هؤلاء ، يتم اختيارهم كمعيدين ليحضروا الماجستير والدكتواره ، فتمنح لهم هذه الدرجات العليا ، كما منحت شهادة التخرج ، بغير نجاح .. وهكذا يعتلون المناصب العليا ، وينالون الامتيازات الكبيرة ، في الجامعات نفسها ، بغير حق، فيزيح هؤلاء الاساتذة المصنوعين الاساتذة الحقيقيين، ومع تعاقب هذا الوضع طلية سنوات الانقاذ، تدنى المستوى العام بهذه الدرجة التي نراها اليوم .. هذه هي خطة الحكومة للسيطرة على الجامعات ، وهي على ما بها من شر وسوء، انما ضحت بأهم ما يملك الوطن ، في سبيل المصالح السياسية الضيقة .. وبعد ان احكمت السلطة سيطرتها على إدارة الجامعة، وحجمت دور القلة من الاساتذة غير الموالين لها، وحلت النقابة المنتخبة ، حاولت السيطرة على الطلاب ..
ولقد كان وجود الحركة الإسلامية كبيراً وسط الطلاب قبل ان تصل الى السلطة ، ولكنها بدأت تفقدهم كلما استمرت اخطاءها ، التي يعجز اعضاء التنظيم ، من الدفاع عنها امام زملائهم من الطلاب .. ولقد كان زخم الحركة الاسلامية الطلابية، يعتمد في الاساس على العامل الديني الفعال وسط الطلاب . وحين انقسمت الحركة الاسلامية، الى شعبي ووطني بسبب المصالح الدنيوية ، ظهر للطلاب حتى الموالين عموماً للحركة الاسلامية ، مبلغ المفارقة الدينية .. فكان لابد للمؤتمر الوطني، ان يحافظ على عضويته في الجامعات ، خاصة بعد ان فقد الاتحادات في الجامعات الكبرى ، وأصبح التحالف ضده استراتيجية مجربة في اسقاطه ، رغم الدعم المادي، الذي توفره له السلطة السياسية .. ولما لم يكف الدعم المادي، اصبحت السلطة تدعم المؤتمر الوطني، حتى حين يمارس العنف كوسيلة لارهاب الطلاب، وافساد الجو العام، حين يتأكد انه لن يكسب الانتخابات.. وهذه هي المشكلة الحاضرة، ذلك ان العنف الطلابي، الذي يمارسه الاتجاه الإسلامي ليس جديداً ، ولكن الجديد، انه يمارسه الآن، بأمكانية دولة ، ضد طلاب عزل، يحتاجون الى سيادة حكم القانون، حين يدافعون عن أنفسهم ، امام زملائهم من طلاب المؤتمر الوطني.

ففي جامعة الجزيرة ، في بداية هذا العام ، قتل الطالب معتصم حامد ابو القاسم، وقد كان في السنة الرابعة كلية هندسة الحاسوب. وكان معتصم -وهو من طلاب الجبهة الديمقراطية- يقيم ركناً للنقاش، ينقد فيه المؤتمر الوطني ، حين تسلسل احد الطلاب المعروفين كمؤتمر وطني ، وطعنه من الخلف بمدية اردته قتيلاً. وفي اعقاب تلك الأحداث، وما تبعها من مصادمات وملاسنات بين الطلاب ، تم اعتقال عدد من الطلاب والطالبات، بواسطة رجال الأمن. وعن ذلك جاء ما يمكن ترجمته كالآتي (قامت قوات الشرطة والأمن في مدينة مدني ، بولاية الجزيرة باعتقال 40 طالباً من جامعة الجزيرة الأسبوع الماضي . الطالبات .... ضربن بواسطة كل من رجال الشرطة والأمن . الطلاب ....... عذبوا بوحشية . ضباط الأمن بمدني قاموا بالتحديد بتعذيب الطالب علي محمد علي الذي شهد تعذيب مجموعة من زملائه ,,,,, المنظمة السودانية لحقوق الإنسان بالقاهرة تطالب بصورة خاصة برلمان ولاية الجزيرة ولجانه الدستورية والتشريعية والقضائية بالتأكد من التزام لجنة أمن الولاية والشرطة وقسم الأمن والسلطات الأخرى المعنيّة بسيادة حكم القانون , يجب ان يحافظ والي الولاية على السلامة العامة بالتأكيد على الاحترام التام للحرية الاكاديمية خاصة حق الطلاب في ممارسة حرية التعبير وسلامة الحرم الجامعي من اقتحام الشرطة والأمن ) ( المنظمة السودانية لحقوق الانسان –القاهرة 22 يناير 2008م).

وقبل أيام ، قام اعضاء المؤتمر الوطني في جامعة الخرطوم، يساندهم انصار السنة، بتكفير احد زملائهم من طلاب تنظيم حق ، واهدار دمه ، بحجة انه تحدث عن الآية ( الرحمن على العرش استوى ) وحاول يشرح الاستواء .. وسواء أكان الطالب يدلي برأيه، او يشرح آراء غيره ، وسواء ان اخطأ في هذا الشرح أو اصاب ، فلقد كان الاتجاه الديني السليم هو محاورته ، ومجادلته بالتي هي أحسن ، حتى يتضح له ملبغ خطأه ، بدلاً من الاسراع في التجريم والتكفير .. ولم يقف الامر عند هذا لخطأ البيّن، وانما قام اعضاء المؤتمر الوطني ، وهم مسلحون بالسيخ والعصي والمدى ، بالهجوم على ركن نقاش يقدمه اعضاء حق ، وطلبوا من الطلاب ان ينسحبوا من هذا المكان ، حتى يعتدوا على طلاب حق ، وحين رفض طلاب من دارفور الانسحاب، اعتدوا عليهم بالضرب المبرح، الذي ساق الى اصابات خطيرة ، تعالج الآن في المستشفيات ..

ومنذ ان سمع الناس بالعنف في الجامعات، كان وراءه الاتجاه الإسلامي .. ففي الستينات افتعل الاسلاميون غضباً عارماً، واعتدوا بالضرب على الطلاب، في احتفال أقيم في قاعة الامتحانات في جامعة الخرطوم ، بدعوى ان الرقص الذي كان يمارسه الطلاب والطالبات حرام !! وبعد مضي سنوات ، كانوا هم رواد الحفلات ، ومنظميها في الروابط الأقليمية .. ولقد كانت استراتيجية الاتجاه الإسلامي، هي الحديث عن الديمقراطية، وزعم الدفاع عن حقوق الطلاب، وعن استقلال الجامعة . ولكن حين يقترب موسم الانتخابات، ينسون كل ذلك، ويركزون على الفوز بكل سبيل. ابتداء بالوعود الكاذبة بأنهم سيحيلون الجامعة الى جنة، لو قدر لهم الفوز، وانتهاء بالاعتداء بالضرب على افراد التنظيمات الأخرى، ممن يشعرون بان لهم خطر عليهم !!

ولقد كانوا يعتمدون على الندوات واللقاءات السياسية، التي يلهبون فيها حماس الطلاب بالمايكرفونات العالية، التي يغلقونها وينصرف الجميع، بعد انتهاء الندوة او اللقاء .. وحين بدأ الجمهوريون بانشاء ركن النقاش، كأسلوب جديد على الجامعة، يعطي الطلاب فرصة في الحوار المباشر، حاول اعضاء الاتجاه الإسلامي، محاربة تلك الظاهرة الجديدة بكل سبيل . وبدأوا بالاعتداء على مؤسس الركن الأخ د. احمد دالي، بالضرب، بغرض ارهابه، وحين لم ينجح هذا الأسلوب، اخذوا يسحبون عضويتهم من الركن.. ولكن ذلك لم يؤثر، بل اصبح الركن اكثر هدوءاً ، وترسخت فيه ضوابط الحوار، والالتزام بعدم المقاطعة والموضوعية .. ثم اخذ بعض اعضائهم بعد فترة، يرفضون الانصياع الى رأي التنظيم، ويحضرون الركن، في هذه الاثناء ترسخ الركن وأصبح معلماً بارزاً من معالم الجامعة، يلقى فيه اعضاء الاتجاه الاسلامي الهزائم المنكرة . ولقد جعلهم الركن في وضع صعب ، فهم اذا ناقشوا فيه هزموا وضحك عليهم الطلاب، واذا بعدوا عنه ، طاردهم الطلاب بالحجج التي كانت تساق ضدهم، وعيروهم بتهربهم من الحوار في ركن الجمهوريين .. وحين تم تحالف التنظيمات ضد الاتجاه الإسلامي لاول مرة، وسقطوا في الإنتخابات عام 1979م، شعروا بأن ما حدث لهم كان بسبب ركن الجمهوريين، فاستهدفوا الأخ دالي بقصد اغتياله .. وحتى يظهر الموضوع كحادث، نتج عن مشاجرة، جمعوا حوالي اربعين شخصاً من الذين كانوا يدربونهم على (الكاراتيه)، وهجموا على حوالي ستة من الاخوان الجمهوريين، شغلوا سائرهم ، لينفرد معظمهم بالأخ دالي، فاوسعوه ضرباً حتى كسروا أضلاعه، وشجوا رأسه ، واوشكوا على قتله ، لولا تدخل الحرص الجامعي.. ومن هؤلاء (المجاهدين) الذين حاولت مجموعة منهم اغتيال فرد، من هم اليوم يتقلدون أرفع المناصب في الحكومة ويتحدثون في المحافل الدولية باسم هذا البلد المنكوب !!
وفي اليوم التالي قام الركن في مواعيده، وكان موضوعه نقد الاعتداء الآثم الجبان، وعجز الإسلاميين عن الحوار، ولجوءهم للعنف لاسكات صوت الرأي .. ولم تستطع حركة الاتجاه الإسلامي ايقاف ركن النقاش، بل تبنت التنظيمات الاخرى الفكرة ، وبدأت تظهر اركان نقاش أخرى غير ركن الجمهوريين، حتى اضطر الاتجاه الإسلامي نفسه لاقامة ركن نقاش !! وتوسعت اركان الجمهوريين في الجامعات الاخرى، بل خرجت لشوارع العاصمة والمدن الأقليمية ..

ولم تكن محاولة إعتداء الاتجاه الإسلامي، قاصرة على الجمهوريين، وانما اعتدت مجموعة مكونة من خمسة أفراد، على الأخ عثمان حمدان ، وقد كان عضواً بارزاً في الجبهة الديمقراطية، مما اضطره ان يرقد في المستشفى لفترة طويلة اضاعت عليه العام الدراسي . واعتدت مجموعة من أربعة من الإسلاميين ،على الاستاذة آمال جبر الله ، الناشطة في الجبهة الديمقراطية ، في ذلك الوقت . وكنا ندين هذه الاعمال، ونصفها بالجبن ، وبمفارقة الدين، الذي لا يسمح بمهاجمة الجماعة للفرد ، والمسلحون على العزل ، او عدد من الرجال على إمرأة واحدة ، وهم يرددون صيحات الجهاد !!

إن على طلاب الجامعات، ان يدركوا ان قضية الحرية ، ليست قضية حزب معين، وانما هي قضية الكرامة الانسانية ، فيجب الا يتم التنازل عنها .. والحرية لا تتجزأ ، فان لم يتحدوا اليوم في الدفاع عن حق طلاب تنظيم حق ، ليقيموا نشاطهم ، فلن يستطيعوا الدفاع عن حق انفسهم .. ويجب ان يعلموا ان قوتهم في توحدهم ، ضد قوى الظلام هذه، حتى تبعد بالوسائل السلمية الديمقراطية، من كل موقع ..

لقد اجتمع المثقفون في الخرطوم ، عقب تكفير د. الترابي، ورفعوا مذكرة للحكومة، تدين هذا العمل، نشرتها الصحف في حينها، ولم تتعرض المذكرة لآراء الترابي، ولم تقل انها توافق عليها اوتخالفها ، وانما ادانت التكفير من حيث المبدأ ، واتخاذ الشعارات الدينية، كوسيلة لتصفية الخصوم السياسيين . ولما كان المبدأ واحداً، فان واجب المثقفين اليوم، أن يشجبوا بقوة، ما يجري في جامعاتنا من عنف، وان يرفضوا ما يتم فيها من تكفير باسم الدين ، مهما كانت اسبابه ، فان الطلاب في هذا العمر، انما يتعلمون من الحوار والنقد، لا من التكفير والإرهاب ..

إن على اساتذة الجامعات، ان يناقشوا اداراتها ، في وضع لائحة سلوك للطالب الجامعي، يوقع عليها عند القبول ، تمنعه من ممارسة العنف ، مهما كانت مبرراته داخل الحرم الجامعي، على ان توقع اللائحة عقوبات صارمة ، تصل لحد الفصل، بسبب سوء السلوك ، لكل من يشارك في اعمال العنف ..

إن حكومة الوحدة الوطنية ، بشقيها ، يجب ان تعيد النظر في علاقة الحكومة بالجامعات والمعاهد العليا .. فما دامت البلد تتطلع للمزيد محادثات السلام ، ومادامت تسير نحو الانتخابات ، والتحول الديمقراطي ، فيجب على المؤتمر الوطني ، ان يغير اساليبه ، استعداداً للمرحلة المقبلة ، فان الاعتداءات والضرب والبطش، واستخدام اجهزة الدولة لقمع المعارضة السياسية، داخل الجامعات لن يفيد، ما دامت كل الاحداث ، يمكن ان تنقل للعالم، عن طريق منظمات حقوق الانسان المحلية والاقليمية والدولية .. واذا كانت الحكومة تردد انها تسعى بكل سبيل لايقاف نزيف الدم في دارفور، ويعتدي الطلاب المنسوبين لحزبها على ابناء دارفور، فيسيلون دماءهم في وسط الجامعة في عاصمة البلاد ، فلا تفعل شيئاً ، ولو مجرد ادانة هذا العمل ، فكيف تلوم بعثة الامم المتحدة على اصراها على المزيد من تدخل القوات الدولية ، أو تلوم المندوب الامريكي على قطع المحادثات التي كانت تستهدف تطبيع العلاقات مع أمريكا ؟!
د. عمر القراي


Post: #946
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-17-2008, 10:38 PM
Parent: #1



الأخ إسماعيل
كمال رجل طيب وعيبه الكبير لا ينفذ لجوهر الأشياء وإنما تجده يراوح مكانه في السطوح وسبب إحتواء الإسلاميين له إنزلاقة كبيره إرتكبها سنة 1980 عند ما كان الدكتور أحمد المصطفي دالي يقدم ركن نقاش في كلية الطب معلق كمال لدالي والله يادالي أنا بعتبرك زي ود أبو قبورة فصفق لكمال كل الكيزان في ذلك المنبر وكانت القضايا المطروحة في المنبر من الجدية بمكان بحيث لا تسمح بأي نوع من الهذر ومنذ تلك اللحظة سار في ذلك الطريق وربما يكون كمال مفتون بدراسة الطب التي حجبت الكثير من الأطباء عن الوعي الفكري وجعلت غالبية كبيرة منهم تتجه لتمجيد وتمكين الأخوان المسلمبن من جامعة الخرطوم والسودان إلا من رحم ربي

الأخ / بكري هل تسمح لي أن أكون سبباً لتواجد د/ كمال عبد...لقادر (كلامات) بيننا

Post: #947
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-17-2008, 10:51 PM
Parent: #946


والحق يقال ، أنني تمنيت وظللت أتمنى أن تكون لي طولة بال احمد دالي ، قد رأيته يقف في ركن النقاش أمام مقهى النشاط لأكثر من خمس ساعات متتالية لا يمك ولايكل ، لا يشرب ولا يأكل ، يستمع بأدب ويرد بأدب ، وقد رأيته مرة يتلقى الصفعة من أحد الصفيقين من زملائه بالجامعة ، لكن دالي لم يتحرك ولم يشغل باله بهذا الموضوع ، وقد تلقى ذلك الصفيق انتقادات الآخرين وسخطهم ولعناتهم وانسحب مخذولا يجرجر خيبته الفكريه وإفلاسه ، لا أظن أن الأخ دالي عضو في البورد ، لكن حقيقة الأخ ياسر الشريف يذكرني دائما بدالي ، وإضافة لسعة الصدر فإن ياسر مجامل وكريم وقد رأيته يوزع دعواته لزملاء البورد لزيارته في ألمانيا ، ثم أنه ذكر أنه يسافر ليزور العوائل السودانية ، أضف إلى كل ذلك أن ياسر مطلع ومثقف ويؤمن بألأهمية القصوى للتنوير والتثقيف والتربية ، ياسر يستحق الترشيح ، وأخونا بكري رجل كريم وصدره رحب لكنه صاحب البيت ، فهو سيقف دون أن يشارك ضيوفه في الأكل الدسم الذي يعده لهم ويراقب إذا الملاح خلص يجيب زيادة وإذا اللحم ما موزع مظبوط يملأ يده ويضعها أمام المظلوم في التوزيع ، ويحلف بالحرام على ضيوفه أن كلوا ، ويكلف الأولاد بملْء الأباريق وجيب الصابونة يا ولد وكب لي عمك ده
الترشيح لأخونا ياسر الشريف وعنوان البوست والله خدعنا كلنا لدرجة أنني فكرت أن أنافس بنصفي الآخر

wad Qasim

مسابقة أجمل صدر فى البورد!!!

Post: #948
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-19-2008, 10:25 PM
Parent: #1


علي عثمان... الانفتاح على الجميع
تقرير: التقي محمد عثمان
«اهلا بكم سمحين ومتسامحين» عبارة ترحيبية اطلقها الدكتور عبد الله علي ابراهيم، عقب انتهاء اعمال المؤتمر العام التنشيطي للمؤتمر الوطني اواخر العام المنصرم، وهو يتناول كلمة علي عثمان محمد طه نائب رئيس المؤتمر الوطني في الجلسة الختامية التي جاءت فيها دعوته الى وطن عملاق يتقدمه حزب عملاق، مستلهما فيها ملاحظة الاستاذ محمود محمد طه من ان الشعب السوداني شعب عملاق يتقدمه اقزام، مما عده الدكتور عبد الله تسامحا وانفتاحا على الآخر يجب ان لا يمر دون الوقوف عنده. ويبدو ان الانفتاح على الآخرين صار خصيصة لدى نائب الرئيس تتضح ملامحها كل يوم، ففي المؤتمر العام للمؤتمر الوطني بولاية الخرطوم الذي عقد تحت شعار «حزب عملاق لوطن عملاق» المستلهم من حديثه السابق، تحدث علي عثمان في الجلسة الختامية عن ضرورة الاهتمام بمحاورالرعاية الاجتماعية للعناية بالشرائح الضعيفة من الارامل والفقراء ورعاية البعد الاجتماعي، مشيرا الى ان تحقيق هذا الجانب من شأنه ازالة الحقد الطبقي الذي يؤدي الى تفكك الاسر، مما عده مراقبون اقترابا من الشيوعيين عبر استخدام اخص مصطلحاتهم ومن ثم طرائق تفكيرهم، فيما يتعلق بتحقيق العدالة الاجتماعية عبر ازالة التفاوت الطبقي. وكان علي عثمان رحب في مؤتمر الحركة الشعبية الاخير بأطروحة السودان الجديد اذا كانت تعني التنمية واستدامة السلام في السودان، مؤكدا وسط حفاوة بالغة من المؤتمرين بثاني اثنين من صانعي السلام على اهمية ان يلتقي الجميع في سودان موحد. ولعله من المفيد ان نتتبع شيئا من مسيرة الرجل وبعضا من سيرته لنستجلي خلفيات الانتقال الى تحمل المسؤولية الاكبر التي تقتضي الالتقاء بالآخر. ويجدر بنا ان نقف في محطات: المحطة الأولى: عرف علي عثمان الحركة الاسلامية منذ تفتح وعيه السياسي في المرحلة الثانوية، وصار ملتزما فيها وعرف دروبها وتدرج فيها الى ان اصبح رجلها الثاني، ويشهد له معاصروه بالالتزام الصارم بالتنظيم وبمقتضيات العمل فيه سواء كان ذلك سرا او علانية الى ان اجتمعت لديه كل خيوط ادارة الحركة. ومما يروى عن قيامه بتمام عمل الحزب ان الدكتور حسن الترابي في زيارة له الى العاصمة البريطانية لندن عندما سئل عن حال التنظيم في غيابه؟ اجاب انه لا خوف طالما ان علي عثمان موجود. وقطعا فإن هذه الاحاطة بحزب حقق اختراقات كبيرة في الحياة السياسية السودانية اتاح لطه معرفة وتأهيلا قل نظيرهما لسياسي سوداني. المحطة الثانية: عرف علي عثمان جهاز الدولة السودانية منذ يفاعته فهو طبقا لما ذكره الخبير الاستراتيجي الدكتور صلاح بندر في محاضرته بمنبر الصحافة قبل اربعة اعوام، يعتبر اكثر سياسي سوداني التصق بجهازي الدولة التنفيذي والتشريعي، ولم يبرح طوال سني دراسته وانخراطه في العمل العام شارعي النيل والجامعة الا لفترة وجيزة قضاها في سلك القضاء بمدينة الابيض بإقليم كردفان، ويحدثني امس بالهاتف مولانا الطيب محمد سعيد العباسي الذي كان رئيس محكمة استئناف غرب السودان في منتصف السبعينيات عن فترة الخمسة شهور التي قضاها معه علي عثمان عاملا قضائيا، انه كان غاية في دماثة الاخلاق والادب الجم، ثم يروي لي موقفا حدث لعلي عثمان مع رجل مرور عقب مخالفة مرورية صغيرة لم يكن فيها مخطئا فاقتاده رجل المرور الى القسم ولم يعترض علي عثمان او يبرز بطاقته القضائية، وانما ذهب معه وهناك اعترض الضابط المسؤول على جندي المرور وكيف سمح لنفسه ان يحضر قاضيا الى القسم تتيح له بطاقته وصفته وضعا غير هذا، والقصة بما فيها من طرافة توضح في وجه من وجوهها التزاما صارما باحترام اجهزة الدولة. المحطة الثالثة: عرف علي عثمان المجتمع السوداني في جميع صوره فهو نشأ في اسرة بسيطة تعيش مع غمار الناس في الاحياء الشعبية، وحتى بعد ان تدرجت به الحياة ظل محتفظا بسكنه بامتداد الدرجة الثالثة واتاح له ذلك ان يكون ملما بدقائق الحياة الشعبية وبتعقيدات تكوين المجتمع السوداني وبتنوعه وتعدده، مما يعني قدرة على قبول الآخر والتعامل معه، ومما مدح به الاستاذ حسين خوجلي حكومة الانقاذ ذات مرة انها جعلت من تولي ابناء غمار الناس مناصب السفراء والمواقع العليا في الدولة امرا ممكنا. المحطة الرابعة: عرف علي عثمان العمل السياسي حتى قبل ان يتولى زمام وزارة الخارجية ايام كان يقوم بزيارات خارجية خاصة بحزبه، لكن اكثر تجربة صقلته وعمقت رؤيته لقضايا الداخل والخارج كانت هي الفترة التي قضاها مفاوضا بنيفاشا لمدة عام في مواجهة زعيم الحركة الشعبية الراحل الدكتور جون قرنق، وقد مثلت مفاوضات السلام مزادا دوليا، بحسب تعبير الصحفي علاء الدين بشير، للافكار والمصالح والشخصيات مما جعل كثيرين يعتبرونها تجربة حقيقية لعلي عثمان في فهمه لحقائق القوة في العالم وكيفية التفاوض. ولا شك فإن تجربة نيفاشا جعلت منه محط انظار العالم لحل جميع القضايا الشائكة، وعلى رأسها ازمة دارفور وتداعياتها، وهنا لا بد من الاشارة الى الاختراق الكبير الذي حققه في ابوجا عبر تفاهمات اجراها مع نائب وزيرة الخارجية الاميركية السابق روبرت زوليك، جعلت التوقيع على ابوجا ممكنا، وايضا مما يضئ حول معرفة الرجل بتعقيدات الواقع الدولي الجديد حديثه الشهير ببروكسل أمام مسؤولين في الامم المتحدة والاتحاد الاوربي عن امكانية نشر قوة حفظ سلام دولية في دارفور في وقت كانت تتشدد فيه عناصر متنفذة في الحكومة في رفض اي حديث عن قوات اممية في دارفور، ليتضح لاحقا انها كانت مساومة ذكية من طه، اراد بها تخفيف الضغط الدولي على حكومته وفي نفس الوقت ضمان تقليص عدد القوات وخفض مستوى تفويضها الى الفصل السادس من ميثاق الامم المتحدة.

http://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=50250

Post: #949
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-21-2008, 11:13 AM
Parent: #1


بقلم: شتات
وهذه لوحة ..
(إن العبرة البالغة التي انفرجت عنها أذيال الحرب العالمية الثانية تجد تعبيرها في الحقيقة الكبرى وهي أن القافلة البشرية في كل صقع من أصقاع هذا الكوكب ، قد اقتلعت خيامها وأخذت في السير وهي في كل خطوة من خطوات السير ، تصنع التاريخ وتصنعه على هدى جديد ، فبعد أن كان التاريخ يمليه في أغلب الأحيان على تلاميذه ومسجليه الملوك ، والسلاطين ، وقواد الجيوش ودهاقن السياسة ، وأرباب الثروة وهم يتصرفون في مصير الإنسان ، أصبح يمليه عليهم الآن رجل الشارع العادي ، المغمور ، وهو يبحث عن كرامة الإنسان ، حيث كان الإنسان)





وهذه لوحة أخرى ..
(إن العلم التجريبي الذي نشاهده قد رد مظاهر المادة المختلفة ، إلى أصل واحد ، فإذا لم ترتفع قواعد الأخلاق البشرية إلى هذا المستوى فترد إلى أصل واحد ، فأن التواؤم بين البيئة الطبيعية ، وبين الحياة البشرية ، سيظل ناقصاً وسيبقى الاضطراب مهدداً الحياة الإنسانية على هذا الكوكب بالعجز ، والقصور ، في أول الأمر ، ثم بالفناء والدثور ، في آخر الأمر ..
وما هي الأخلاق؟؟ هي ، في سبحاتها العليا ، حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة! ولذلك قال المعصوم ((حسن الخلق خلق الله العظيم)) ومن حسن التصرف في الحرية الفردية المطلقة تركك ما لا يعنيك ومما لا يعنيك اللحظة المقبلة ، واللحظة الماضية ، ولا يعنيك إلا اللحظة الحاضرة ، فإذا ملأتها بالعمل المثمر المتقن ، ثم سرت بحياتك جميعاً مشتغلاً ، فقط ، بالواجب المباشر ، محسناً له ، جهد طاقتك ، فأنك تحرز وحدة شخصيتك ، وتنتصر على الخوف ، والقلق ، وتحقق ، مع نفسك ، السلام. وتكون حياتك بركة عليك ، وعلى الإنسانية جميعاً )


وما أكثر اللوحات ..

ولكن ..

نعلم بأن الفكر الجمهوري سير تخلع فيه النعال .. وتحسر الرؤوس .. لأنه سير في الوادي المقدس ..
وسياحة في أودية الحق ..
فهل نكتفي بجمال اللوحات ؟
هل نكتفي بحكم الوقت وحتمية التاريخ ؟
هل نستسلم لهذا الخدر اللذيذ ؟



خلق الجمال
سؤال تردد كثيراً ..

وكنت قد طرحته في معيَّة الأخ العزيز الدكتور النور حمد والأساتذة الأعزاء أحمد دالي واسماعيل
وحبيب الله بخيت وعثمان عبدالقادر في الرياض ..
اتفقنا واختلفنا وتفرقت بنا السبل في مجاهيلَ شتى ..
ولكن يبقى السؤال قائماَ ما بقيت الإجابة غائبة ..
وهو سؤال للتأمل أتمني ألا ينحرف بجمال هذا البوست ..

ولك التحية يا مريم يا ابنة الرياحين والقابضين على جمر الحقيقة ..

Post: #951
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-23-2008, 03:12 AM
Parent: #949


فلنكسر دائرة العنف! درءاً للفتن!!

بسم الله الرحمن الرحيم

" بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون " صدق الله العظيم

إلى الشعب السوداني

إن الهجوم المسلح، وغير المتوقع، الذي قامت به حركة العدل والمساواة على أم درمان، في العاشر من مايو ٢٠٠٨ ، قد كان من أعظم فوائده أن أعطى الناس تصورا مقربا لآثار الحرب على أهلنا في إقليم دارفور مما جعل رفض العنف، وعدم قبوله كوسيلة للتغيير، هو الرأي السائد بيننا جميعا .. وكان من أعظم خسائره أن أزهقت الأرواح، من المهاجمين والمدافعين، من أبناء الوطن الواحد .. وإن استطاعت القوات النظامية للدولة صد الهجوم، إلا أن الحادثة، في ذاتها، قد شكلت تحّولا جديدا وخطيرا في الصراع حول السلطة في السودان .. فلأول مرة في تاريخ السودان الحديث، تحاول حركة جهوية أن تتجاوز مطالبها الإقليمية، وتتحرك في اتجاه السيطرة على السلطة المركزية في عاصمة البلاد بقوة السلاح .. وبهذا التطور الجديد في مسار الصراع تزداد أزمة الحكم في بلادنا صعوبة وتعقيدا .. ويلوح لنا في الأفق مصير قاتم من النزاعات المسلحة التي ما زالت تدور في إقليم دارفور، وتلك التي بدأت تطل برأسها في جنوب البلاد ..

ونحن إذ نوجه نظر شعبنا إلى هذه النذر من الشر المستطير، نرجو له أن يستيقن أننا اليوم نجني عاقبة تسليم أمرنا لقادة سياسيين، أدخلوا البلاد في دائرة مستمرة من العنف، ونصبوا من أنفسهم أوصياء علينا .. وهم قد ظلوا يصطرعون بالمؤامرات وبالعنف وبكل سبل الخداع والاستغلال للوصول إلى السلطة، والخلود فيها دون اكتراث منهم لحرياتنا أو لحقوقنا في العيش الكريم .. ولذلك، فإن بلادنا لن تخرج من هذه الدوامة الشريرة إلا إذا علمنا أننا جميعا نملك حقوقا متساوية، في إدارتها، واستغلال مواردها، وأن اتفاقنا على النهج السلمي المبني على حرية الرأي هو أقصر الطرق لحل مشاكلنا، مهما كان مبلغها من التعقيد .. كما علينا، أيضا، أن نعمل ونجتهد بالوسائل السلمية لتحقيق هذه الأهداف النبيلة، بممارسة حقنا الطبيعي في تأكيد سيادتنا على بلادنا، وعدم تركها تتمزق على أيدي النرجسيين، والوصوليين، والعنصريين، والمتطرفين!!

ما زلنا أسرى لدائرة العنف المزمنة!

وكما أشرنا سابقا، فإن أس مشكلة بلادنا هي حكامها .. ولعل الذي يتأمل في فترة الحكم الوطني، ما بعد الإستقلال وحتى اليوم، لا يرى إلا نسقا واحدا من الحكومات المتأرجحة، بين وضع حزبي طائفي، يدعي الديمقراطية ونشر العدل والرخاء، وآخر إنقلابي عسكري، يدعي إنقاذ البلاد من تسيب الحكم المدني، وحماية الوطن من مطامع الخونة والأعداء .. وفي كل مرة يحدث فيها تغيير مدني أو عسكري يتطلع الشعب لإحلال الصلاح مكان الفساد .. ولكن ما أن يمر الزمن حتى يخيب الرجاء! وتظهر حقيقة الحكام! ويصاب الشعب الصبور بالإحباط وخيبة الآمال! فحكامنا من طينة واحدة، لا يجمعهم سوى حبهم للسلطة والتشبث بكراسيها! وهم قد فشلوا في إحلال السلام في البلاد، لأنهم يفتقرون إليه في نفوسهم! وكما قيل: فإن فاقد الشئ لا يعطيه! فانظروا إليهم! إن كانوا عسكريين، وصلوا للسلطة بالعنف، وبالعنف حرسوها! وإن كانوا مدنيين، كونوا الجيوش لاسترداد سلطتهم المغتصبة بواسطة العسكريين! وهكذا تدور بنا دائرة العنف في تبادل ممل للأدوار بين المدنيين والعسكريين دون تأثير كبير من الشعب على مجريات الصراع ..

الحركة الإسلامية تصل الى السلطة بقوة السلاح!!

ومن المؤكد لدينا، ولكل الشعب، أن حكم الإنقاذ، الذي جاء نتيجة الإنقلاب العسكري، والذي نفذته الحركة الإسلامية، بقيادة الدكتور الترابي، كان هو الأعنف في تاريخ الحكم الوطني .. و هو، على الإطلاق، من أسوأ تجارب الحكم الوطني التي مرت علينا .. فذاكرة الشعب ما زالت حية بالإعدامات دون محاكمات، والإعتقالات لمجرد الخصومة السياسية، والإرهاب الديني، والفصل والتشريد من العمل للآلاف من العاملين وإبدالهم بالموالين، وممارسة التضليل بإسم الدين والسيطرة على الإعلام، ومعاداة الدول المجاورة وتهديد الدول العظمى، حتى صنفنا لأول مرة في تاريخنا كدولة راعية للإرهاب .. وهذا قليل من كثير.. ولو شئنا أن نسترسل في ذكر سوءات ذلك النظام لأخطأنا في العد .. غير أننا يجب أن نذكر أن من أسوأ أعمال الإنقاذ تحويلها للصراع بين الشمال والجنوب إلى حرب دينية .. وبإسم الدين فرض على الناس، قسرا، الإستعداد للغزوات .. وبإسم الجهاد زج بالآلاف من الشباب في تلك الحرب .. فاستشرى العنف في الجامعات .. وتفاقمت حرب الجنوب .. وظهرت الحروب في الغرب والشرق .. وسفكت الدماء السودانية .. ولكن الإنقاذ لم تهتم!! فقد كان خطابها الرسمي، وفي قمته، يروج لإراقة الدماء! بل كل الدماء!! ولأن الإنقاذ أسست على العنف، فانها أكلت حتى شيخها ومربي بنيها! ثم حدث الإنقسام العظيم!! وسقطت الحركة الإسلامية!! وتشتت!! وسقط مشروعها المزيف للدولة الدينية!! واضطرت حكومة الإنقاذ، بسبب حرصها على سلطانها، أن توقع اتفاقية نيفاشا مع الحركة الشعبية، وأن تتحول إلى مرحلة حكومة الوحدة الوطنية .. وبالرغم من أن الستار قد أسدل على تلك الفترة المظلمة من حكم البلاد، إلا أن الكثير من ممارسات الإنقاذ وقوانينها المتعارضة مع حقوق الناس ما زالت سارية المفعول، مما يعد خرقا واضحا للإتفاقية، وعاملا مساعدا في إستمرار دائرة العنف، ومعوقا للسلام والإستقرار!!

لماذا نترك بلادنا تتمزق بفعل الطامعين في السلطة؟

إن بلادنا اليوم تمر بمرحلة خطيرة .. فوتيرة النزاعات الجهوية والقبلية المسلحة قد ازدادت حدة .. وأصبح إستعمال القوة هو الأسلوب المباشر لحل مشاكلنا .. وكما ذكرنا آنفا، فإن هذا الأسلوب كان دائما هو الخيار الأول في الصراع حول السلطة بين القادة السياسيين والعسكريين .. ولذلك، فقد ترسخ في أذهان الناس أن التغيير لايتم بغير قوة السلاح! وهذا خطا أساسي في فكرة التغيير! ويكفي للتدليل على هذا الخطا أننا سلكنا طريق الحرب الطويل لحل مشكلة الجنوب، ولم نجن إلا إهدارا للوقت والأموال والأنفس .. وفي خاتمة المطاف عدنا إلى طاولة الحوار والمفاوضات! ولذلك فليس من الحكمة أن نكرر نفس التجربة لحل المشاكل في دارفور .. فنحن مجمعون على أن لدارفور قضية ترجع في أساسها إلى أن الإقليم ظل متخلفا في التنمية والخدمات الأساسية .. وقد تفاقمت المشاكل في عهد حكومة الإنقاذ بسبب النزاعات التي اندلعت بين الجماعات المسلحة، وبين القوات التابعة للحكومة والحركات المتمردة .. وصارت القرى مهجورة خرابا .. وشرد الناس إلى معسكرات النزوح .. ولقد فشلت الحكومة في توفير الأمن لمواطنيها، مما عرض مشكلة دارفور للتدويل .. وتعقدت المشكلة بصورة أكبر، بسبب رفض الحكومة لقرارات المحكمة الجنائية الدولية، وبسبب تعنتها ووضعها للعراقيل أمام دخول القوات الدولية، التي دعا إلى تشكيلها مجلس الأمن الدولي، لحماية المواطنين العزل في دارفور ..

إن الواقع الراهن في دارفور، يحتم علينا أن نعترف بأن المشكلة قد اتسعت حتى عبرت حدودنا وصارت قضية عالمية .. وهي الآن تحتاج إلى مزيد من الحكمة والتنازلات الكبيرة، من كل الأطراف المشاركة في معادلة الصراع، وعلى رأسها حكومة الوحدة الوطنية .. ونحن نرى أن البداية الضرورية لحل مشكلة دارفورهي اتفاق جميع الأطراف المتحاربة على الإيقاف الفوري لإطلاق النار في كل بقاع الإقليم .. وعلى الحكومة الحالية يقع العبء الأكبر، حيث عليها: (١ العمل على تسهيل دخول القوات الدولية والمعدات اللازمة لها، وذلك لمراقبة الهدنة بين المتحاربين، وتوفير الأمن والحماية والعون الإنساني للمواطنين (٢ الموافقة على التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية لإعادة الثقة لأهل الإقليم (٣ الإلتزام الجاد بالتفاوض كوسيلة، لا بديل عنها، للوصول للحل النهائي لمشكلة دارفور.. أما الذين يحملون السلاح من أهل دارفور، فعليهم أن يعلموا أن استمرارهم في الحرب هو مزيد من الخراب لبلدهم، ومزيد من العذاب لأهلهم .. فالحرب طريقها مسدود! والحرب لا تلد إلا الحروب .. ولن يصل الناس الى حل مقبول لدى الجميع الا بالتفاوض والحوار ..

حكم الشعب بواسطة الشعب ومن أجل الشعب

وفي سبيل التحول إلى الحكم الديقراطي، فإن بلادنا مقبلة على الإنتخابات المنصوص عليها في اتفاقية السلام (يناير ٢٠٠٥ .. فإن اتسمت هذه الإنتخابات بالنزاهة والشفافية وتوفير الأمن للمواطنين أثناءها ، فسوف تنتقل البلاد إلى وضع سياسي مستقر، وإلا فإن نتائجها ستصير وقودا محركا لدائرة العنف، التي سترجعنا إلى نفس الحالة المتكررة من الصراع الساذج حول السلطة ..

ومهما يكن من الأمر، فإننا على ثقة تامة بأن الشعب، وحده، هو الذي يستطيع كسر دائرة العنف، التي ما زالت تهدد وحدة البلاد .. وأنه، وحده، هو الذي يمتلك مفتاح الحل النهائي والشامل لمشكلة الحكم في البلاد .. وبفضل الله وبفضل كل الإخفاقات والنجاحات للحكم الوطني، فإن وعي الشعب قد ارتفع .. وأصبح الشعب مستعدا ليملي إرادته على الحاكمين في كل شئون الحكم! ونحن متأكدون من أن الحل العبقري سوف ينبع من الشعب السوداني بتجاوزه لكل الخلافات القبلية والجهوية والدينية .. وسيتم الإستقرار السياسي في البلاد بالتوافق على دستور الحقوق الإنسانية.. وهذا الدستور أساسه حرية الرأي لكل فرد من أفراد الشعب!! وهو الضمان الوحيد لتصحيح الممارسة الديمقراطية في الحكم .. وحين يتم لنا ذلك، سوف لا نخشى أن يحكمنا من يحكمنا! فمن أعماق هذا الشعب، وبإذن الله،، حتما، سوف يأتي الصالحون!!

والله هو الحافظ لهذه البلاد من كل الشرور .. وهو الهادي إلى سواء السبيل ..



الجمهوريون - التنظيم الجديد

٢٢ يونيو ٢٠٠٨



from sudanile

Post: #950
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-23-2008, 03:02 AM
Parent: #1


أبا الوليد بن رشد ومحمود محمد طه .. كاد أن يكون نفس المصير

رأفت ميلاد


فلم المصير .. يحكى قصة الوليد بن رشد ومحرقة تكميم الأفواه .. بواسطة المتشددين المستفيدين من سلطان الدين .. لإمتلاك الدنيا .. وليس الآخرة ..
وجعلوها سياط على رقاب المفكرين وكل من يسأل .. وكله بإسم الله .. بجيش من اللصوص أو المستلبين .. المسيرين بالعنف اللفظى .. كالأنعام ..

وما أشبه الأمس باليوم ..
رحم الله الأستاذ محمود محمد طه .. وكاد مصير إبن رشد أن يكون مصيره لولا صحوة الضمير .. والإنتباه الى موضع الداء .. الشيئ الذى لم تراه أعيننا ولا زال البعض عمىّ البصر والبصيرة ..

وكما قال المثل الإنجليزى الذى ردده محمود محمد طه فى الستينات من القرن الماضى:

In the abnormal society the abnormal is normal

فلم المصير والمخرج المفكر يوسف شاهين .. عافاه الله وشفاه .. وليكون المصير عبرة ليصحى الضمير ويبدل المصير


أبا الوليد بن رشد ومحمود محمد طه .. كاد أن يكون نفس المصير

Post: #952
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-24-2008, 01:24 AM
Parent: #1


ابوبكر محمد الامين


وداعا مولانا القاضى بابكر القراى




رحل عن دنيانا ظهيرةالثاني والعشرين من يونيو مولانا القاضي بابكر أحمد القرّاي إثر علة لم تمهله طويلاً
عاش الراحل فيما بين مدينتي عطبرة والخرطوم وطاف السودان من خلال عمله كقاضي وفي اعقاب الإنقلاب المشئوم في 30 يونيو تعرض الراحل ومجموعة كبيرة من القضاة الى الفصل من الخدمة ضمن مسعى السلطة لإخضاع القضاء.
ولم يكن الراحل ممن يتركون ميدان المعركة فثبث في قلب الصراعات يقود مع زملائه العدول معركة التنظيم الصبورة فكان من بين قادة القضاة الذين فضحوا زيف ادعاءات الانقلاب في حقل الحقوق والعدالة ومن هذه المنزلة الملهمة انطلق الى ساحات العمل المعارض وأهدى الى حركة الناس المظلومين وقتاً وجهداً بدنياً وفكرياً سواءً في عمله وجهده الفذ ضمن تنظيمات المفصولين وفي اللجنة القومية أو في لجان الحقوق بالعاصمة والأقاليم أو في هيئة الدفاع عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية أو في مجلس ادارة منظمة سودو أو في غيرها مما يمكن أن يقيده حصر.
لذا لم يكن من الغريب أن يشيعه جمع كبير متباين المشارب والاتجاهات لكنه كان موحد الحزن والأسى عميق الشعور بالفقد الجلل. كان هناك الاتحاديون والشيوعيون والأنصار وكان الجمهوريون يسيرون بالتهليل وكان هناك سمانية وقادرية وقوىً ديمقراطية وبعثيون ومنظمات وأهل الحي بين القضاة والمحامين والناشطين كل يعزَي ويعزى.
كان الراحل رجلاً صبوراً هادئاً ومتزن العبارة ، كان حسه بالعدالة يهديه الى اقناع الناس بالموقف الأصوب وكان فكره عنواناً للنضج والمسئولية وكان قلمه يستقبل قبلة البسطاء لأن قلبه كان موغلاً في الزهد والنزاهة وقد عاش فقيراً لايملك من حطام الدنيا شيئاً ولا كان يرغب.
أذكر الآن من خضم الذكريات أنه لمّا فرغ من صياغة قانون النقابات المقترح قال أن غاشية اعترته فرأى وكأن عطبرة تمور وتعود لسابق سيرتها، قلت أن أهل البصيرة بالماضي يرون من خلل حجب الأيام القادمات .. فبالله هل كانت دمدمة ؟!
ستكون الدمدمة يا قرّاي!
ونعاهدك
وستبقى ذكراك
العزاء الحار لأسرتك الصغيرة وللأهل والعشيرة وللجيرة والأصدقاء والمعارف والزملاء وصبراً جميلا
ولاحول ولاقوة إلا به

رحيل... القاضى بابكر القراى ... زعيم المفصولين ونصير...ضعفين فى السودان ...

Post: #953
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-24-2008, 03:24 AM
Parent: #1

[size=24]فى ندوة تجديد الفكر الديني وبناء السلام
دعــوة لتقــريب الشــــقة بين الأديان

رصد : الصحافة
أقام المركز العالمي لثقافة السلام يوم الإثنين 16/6/2008 بمركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية ندوة حول رؤية المركز العالمي لثقافة السلام لتجديد الفكر الديني ، كخطوة على طريق المواكبة لإنسان العصر الحالي وتعرضت الندوة في سياق الطرح لآراء المفكرين والعلماء المجددين على إختلاف مناهجهم . تحدث الاستاذ عبد المؤمن ابراهيم في ورقته عن تطور وعي البشر من مرحلة الميثالوجيا مروراً بمرحلة الفلسفة الى مرحلة الأديان التي جاءت لمعالجة قضايا الإنسان التي افرزها هبوط سلفه الأولين حيث كان الصراع والعداوة والفساد نتاج طبيعي للهبوط وكان العنف سِمة أساسية من سمات المجتمع البشري منذ بدايته ، و اضاف ابراهيم من هنا يجب علينا أن نعي حقيقة أن العنف ليس أصلاً في الدين وإنما كان ضروره إقتضاها الوضع الإنساني في ذلك الوقت ،والدليل على ذلك أن الدين في حد ذاته فضيلة وقيم رفيعة تهدف إلى خلق الإنسجام الداخلي في النفس البشرية وإعدادها لإحياء قيم السلام والتسامح. ثم تحدث مفصلاً في أديان التوحيد الثلاثة باعتبار أن لديها منهجية تطورية من اليهودية الى المسيحية ثم الاسلام ، وبإعتبار أن أتباعها هم الأكثر عدداً بين سكان العالم 75% والذين حافظوا على إرثهم الديني حتى الآن ، مقارنة بالأديان والثقافات الأخرى التي تمثل 25 % مثل اديان شرق آسيا بالرغم من أنها أديان أرضية أي من صنع الإنسان بمعنى أنه هو الذي بادر بالسعي نحو الإله وليس العكس ، ولاحظ ابراهيم أن أتباعها يعيشون في سلام وإنسجام على إختلافهم ، مشيرا الى أن الأديان الإبراهيمية مصدرها جميعا واحد وهو الله سبحانه وتعالى إله العدل والمحبة والسلام الذي كتب على نفسه الرحمة والذى غايته من إرسالها اصلاح النفس البشرية كما ورد في جميع الكتب المقدسة ، مبينا ملاحظة مهمة وهى أن أتباعها كانوا الأكثر عنفاً في علاقاتهم مع بعضهم البعض وفي علاقاتهم مع أصحاب الأديان الأخرى . وقال انه ومن هنا يجب علينا الإعتراف بأن هنالك مايستوجب النظر بعين المسؤلية والتأمل بعين العقل في هذا الشأن، ويجب أن يكون هذا من أولويات المجددين في الفكر الديني وأن هذه المسؤولية تقع أيضاً على عاتق الجميع من علماء وأدباء وفلاسفة، مؤكدا ان هذا لن يحدث إلا عبر جعل الفكر الديني مواكبا لتطور هذه المجالات ، وتحدث عن تحديات التجديد مقسما اياه الى تجديد انسيابي مثل الحركات التي يكون منهجها التجديدي في إطار الفكرة ذاتها ويكون تلقائيا مع تطور الوعي البشري (حقوق المرأة في الإسلام تحديدا) وانقلابي والذي دائما ما يتسم بالغرابة والجِدة والحداثة ودائما ما يقابل بالرفض مثل موقف فرعون من موسى (عليه السلام)، والاسرائيليين من عيسى (عليه السلام)، وقريش من محمد (صلى الله عليه وسلم) . ثم دلف الى تفصيل التجديد في الاسلام شارحاً عملية التوفيق بين النقل والعقل الى مراحل التجديد عبرتاريخ العالم الاسلامي مرورا بالتجديد السلفي الذي يعتبر إستخدام العقل والتفكير بدعة ، وضرورة العوده إلى عهد النبوة ، ثم تحدث عن تراجع العقل في العالم الاسلامي أيام المتوكل والقادر والذي تَوَّجه الامام الغزالي بهجومه الكاسح على الفلسفة ورفضه للسببية وأتمّه ابن رشد بعجزه عن ربط الحقيقة الدينية بالحقيقة الفلسفية ، وحديثاً في السودان حركة محمود محمد طه التجديدية التي أفرزت منهجاً مختلفا أوضح أن رسالة الإسلام كانت على مستويين مكي ومدني . ثم بعد ذلك تحدث عن انتقال العقلانية من الأندلس الى فرنسا ثم اوروبا الغربية حيث ترجمت فلسفة أرسطو من العربية الى اللاتينية الأمر الذي أدى الى مواكبة الفكر الديني المسيحي للتجديد والحداثة وتراجع الفكر الديني الاسلامي، ثم بعد ذلك مضى بالقول إلى أن منهجية التجديد تقوم على الزمان والمكان وواقع الانسان في مشروع الأديان ، ثم أشار الى ضرورة الحرية والديمقراطية والسلام كنتائج وأسباب للتجديد، ودعا الى مشروع تجديدي يجمع بين الدين والفلسفة والعلوم والى مشروع فكري يقرِّب الشقة بين الأديان الابراهيمية على وجه الخصوص وبقية الأديان عموما. وقال إن التجديد في السودان يجب أن يخاطب قضايا الوحدة والتعايش السلمي بين الأديان والأعراق والثقافات ، ومن هنا يأتي ربط قضية تجديد الفكر الديني بالسلام بإعتبار أن الدين هو حياة البشر والسلام أيضا حياه لا غنى عنها. وفي نهاية الطرح كان حديث المعقبين عن ضرورة ترسيخ مفهوم المساواة بين الرجل والمرأة في الإسلام ونبذ العنف داخل الجماعات الإسلامية وبينها وبين أصحاب الأديان الأخرى ، وعلق آخرون على إشكالية توطين الحداثة بما فيها من حرية وإعتراف بحقوق الإنسان وطالب البعض بتكوين آلية تجمع شتات الجماعات الداعية للتجديد في الفكر الديني للوصول إلى سلام كوني يقود جميع البشر إلى عالم يسوده الأمن والسلام والاستقرار[/size]

http://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=50474

Post: #954
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-24-2008, 03:31 AM
Parent: #953


للموتى دور سياسي
ناس أوربا يفعلون أشياء غريبة مثلاً إحدى القرى في إيطاليا اختارت شخصاً متوفياً ليكون عمدة عليها.. وبما أننا في السودان نقلدهم إيه رأيكم نطبّق هذه العملية سياسياً، بالذات لأننا أنجبنا سياسيين خطرين جداً مثل المحجوب ومحمود محمد طه وعبدالخالق محجوب.. وواحد اخونا في القسم السياسي أخبرني أن عدد السياسيين الراحلين يعادل عدد السياسيين العايشين ولو صدق كلامه هذا إيه رأيكم «تاني نعمل مجلس سيادة أو استشاري نصفه من الراحلين ونصفه من الحاليين».

http://www.alsahafa.sd/News_view.aspx?id=50307
_____

Post: #955
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-26-2008, 04:22 PM
Parent: #1


«الرأي العلم الثقافي» يطرح الاسئلة الصعبة في اشكاليات النقد الروائي السوداني (1-2)
اشكاليات النقد الروائي في السودان

أجرته: رحاب محمد عثمان
الرواية فن مراوغ تسعى لاحتواء التناقضات الحادة في الواقع والمجتمع وهي مرآة المجتمع ومهمتها تجسيد الانسان في صراعاته الاجتماعية المختلفة ما دعا بعض المعاصرين ان يطلق عليها ديوان العرب المعاصر. والنقد فن التميز بين الاساليب لمعرفة الغث من السمين ومطالب بان يكون استكشافاً لعملية الابداع وروحها وبدايتها الكامنة، والنقد ضرورة من ضرورات حياتنا الابداعية، وهو في حد ذاته عمل ابداعي موازٍ. فإن كانت البدايات الأولى للأدب الروائي السوداني لم تكن متزامنة مع نشأة وتطور القصة القصيرة والشعر الا ان الرواية استطاعت اللحاق بركب هذه الفنون الأدبية وتطورها وأفسحت لها مكاناً في دائرة النشر واحتلت مكانتها في خارطة إبداعنا السوداني من خلال ما صدر من كتب، واطلع عليها القارئ منشورة فقط في الصحف والمجلات.. ومن ثم اتسع الاهتمام بها لدى القراء.. إلا ان الملاحظ ان هناك ندرة في المنتج النقدي المكتوب عن الرواية وخاصة الدراسات والبحوث التي تلاحق بواكيرها ثم مسيرة تطورها. إلا من محاولات معدودة لا تتجاوز أصابع اليد واجتهادات مقدرة لعدد من النقاد. ما هي المراحل التي مرت بها الرواية السودانية خلال مسيرة تطورها؟! وهل يوازي المنتج النقدي للرواية من كتب ودراسات ما كتب من روايات منشورة ومطبوعة؟ ولماذا تركزت غالبية المقالات والدراسات النقدية علي أدب الطيب صالح؟ ما هي سمات وشروط الناقد الذي يتوفر على نقد الرواية؟ كيف ينظر النقاد للأصوات الجديدة والاصوات النسائية التي ظهرت على خارطة الرواية السودانية سيما في الخمس أعوام الأخيرة؟ الروايات السودانية التي كتبت في مناخات واجواء غير سودانية وبلغات غير عربية، هل يمكن اضافتها للمنجز الابداعي السوداني؟ ما هي أبرز الاقلام النقدية فلي الرواية وأبرز الروايات السودانية التي ظهرت حتى الآن؟! وإلى أي مدى استطاعت الرواية السودانية مواكبة التحولات السياسية والاجتماعية؟! هذه الاسئلة والمحاور حاولنا ان نجيب عليها من خلال استطلاع النقاد والمختصين فماذا قالوا؟! بدايات الرواية السودانية الناقد د. أحمد الصادق احمد تناول مسيرة الرواية السودانية وتطورها بداية برواية «انهم بشر» للراحل خليل عبد الله الحاج في عام 9591م: ويرى د. احمد ان تجربتنا في كتابة االرواية قصيرة نسبياً إلا ان القصة سبقتها بوقت مبكر، وشهدت فترة الستينات منجزاً روائياً بظهور الطيب صالح وروايته «عرس الزين» في العام 3691م ونشرت في مجلة الخرطوم وفي عام 6691م نشرت رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» في مجلة «حوار» وبعدها روايتي ابو بكر خالد «كلاب القرية»، والقفز فوق الحائط القصير» واستوعبت الروايتان الاحداث السياسية ما بعد اكتوبر 3691م حتى فترة الديمقراطية الثانية. في عام 9691م طبعت روايتان باللغة الانجليزية «اجمل أيامهم» للصحافي السر حسن فضل، ورواية «في انتظار فجر الخلاص» للدكتور تاج السر محجوب التي تناولت احداث الجزيرة أبا وبدايات مايو. تطور السرد وظهور النقد الموازي ويواصل احمد صادق متحدثاً عن فترة السبعينيات التي شهدت ظهور أهم صوت روائي لتطور السرد في السودان هو ابراهيم اسحاق الذي اصدر في العام 9691م وروايته «حدث في القرية» واخرج عام 2791م «اعمال الليل والبلدة»، ورغم ان بداياته كانت عادية إلا انها كشفت عن امكانات كامنة لكاتب سيكون له مستقبل في الرواية بدليل روايته الأخيرة «وبال في كلمندو» التي وصل فيه لاقصى درجات الجمال في الكتابة السردية ومن حيث اللغة وعلاقات الشخوص ودهشة الأسلوب، ونحت اللغة الروائية. كما شهدت فترة السبعينات أيضاً بداية ظهور النقد الموازي للكتابات الروائية وشهدت تطوراً هائلاً للكتابة النقدية، وتحول التيار النقدي من فن الشعر والفلسفة والتاريخ إلى الكتابة عن السرد والرواية والاهتمام بالحكاية الشعبية، وكانت مجلة «الثقافة السودانية» منبراً للدراسات والمقالات النقدية وظهر من خلالها النور عثمان ابكر، ومحمد المكي ابراهيم الذي تناول رواية «الخنق» لشوقي بدري ولم يكن الناس يعرفونه، وظهر الصوت النقدي الشهير عبد القدوس الخاتم وكان مهتماً بأدب الطيب صالح وله دراسات في الشعر والأدب العالمي، جمال محمد احمد ايضاً كان له اهتمام بالرواية وكتب عن الطيب صالح، ومن الضروري ان نذكر شهادة للتاريخ بلسان الطيب صالح نفسه في لقاء اذاعي بأن أول من قدمه للقارئ العربي هو جمال محمد احمد وليس رجاء النقاش. وظهرت بعد ذلك اقلام نقدية سودانية عبر مجلة «الدوحة» القطرية التي كان يرأس تحريرها ويكتب فيها د. محمد ابراهيم الشوش، والنور عثمان ابكر، والطيب صالح نفسه نشر روايته «مريود» و«الرجل القبرصي» في مجلة «الدوحة»، المرحوم سامي سالم كتب كثيراً عن الطيب صالح وابو بكر خالد وأطلق على روايته «التيار السياسي في الرواية السودانية باعتباره ناشطاً سياسياً يسارياً وظهر ذلك من خلال كتاباته الروائية، وكان مثقفاً من طراز رفيع. ويؤكد احمد صادق أهمية هذه الاشارات السريعة لبدايات النقد الروائي لأي ناقد ليشتغل عليها وتنطلق منها دراساته، وإلى أي مدى كان العمل الروائي متابعاً للتحولات الاجتماعية والسياسية في السودان. ويضيف: من الضروري الإشارة إلى ان المنجز الروائي كان ضعيفاً ومتباعداً، خلاف ما حدث في العقدين الاخيرين من صدور عدد هائل من الروايات والمجموعات القصصية. قلة المنتج النقدي الناقد والمترجم عز الدين ميرغني الذي يمارس حفرياته في النصوص العربية والاجنبية عبر المجلات والصحف السيارة سألته عن قلة المنتج النقدي في الرواية السودانية، فعزا ذلك إلى ضعف الرواية السودانية في انتاجها وفي جودتها، وصعوبة فن الرواية الذي يحتاج إلى مهارة كتابية عالية، والناقد عموماً هو متلقي ذو ذوق خاص ومعرفة بدروب السرد، وهذا الذوق الخاص هو هبة والمعرفة والدراي اجتهاد، والنقد الروائي حسب متابعاتنا في الملاحق الأجنبية قليل ونادر وهو تخصص التخصص لان الرواية لا تدرس إلا في الجامعات الراقية، وقد التفت إلى السرد وعلومه مؤخراً وخاصة في المغرب العربي، وفي جامعاتنا لا توجد جامعة واحدة تخصص مواد للرواية وتخلو مكتباتها من اقسام للرواية، ولذلك يصبح النقد والنقد الروائي عموماً قليلاً ونادراً لصعوبة مواكبة المناهج النقدية الحديثة خاصة من أصلها الأم بسبب ضعف اللغات الأجنبية، والناقد والروائي الذي لا يجيد لغة اجنبية تصبح ثقافته النقدية والسردية ممعنة في المحلية. ويرى عز الدين ميرغني ان النقد ما عاد التفافاً حول النصوص وانما امتلاك المفتاح للدخول من عدة أبواب وعدة قراءات، وما عاد النقد ترفاً اكاديمياً انما هو ابداع لا يملكه إلا القادر والموهوب. تركيز النقد على أدب الطيب صالح: سألت عز الدين ميرغني: لماذا تركزت جل المقالات والدراسات النقدية على أدب الطيب صالح، ألان البعض يعتبره الأدب الشرعي والسقف للأبداع الروائي في السودان؟ فأجاب بأنه يرى الأمر خلاف ذلك ويضيف: يعتقد كثيرون بأن الطيب صالح لم يوف حقه من الدراسات في السودان كما حدث في المغرب وغيرها، حين قدمت العديد من الاطروحات الجامعية والبحوث حول ابداعه الروائي عندما امتلكوا المفتاح للدخول لعالم الطيب صالح الروائي. إلا أنني أرى ان التحدي والمحك لأي ناقد ان يكتب عن «رواية غير معروفة»، وعظمة النقد ان تخرج برواية غير مشهورة للعلن. وأعدت طرح السؤال على د. أحمد صادق الذى أكد ان الطيب صالح سيظل الأب الشرعي للرواية السودانية وإن كانت مقولة «سقف الرواية السودانية» لا تعجبه. ويوضح قائلاً: الطيب صالح كان استثناء وكان محظوظاً آنه خرج من السودان باكراً ونحن نحاول ان نتلمس الطريق لبناء دولة وطنية ولما بدأ صوته يظهر للعالم لم ينافسه آخرون لاسباب موضوعية وجوهرية. إلا ان حقبة التسعينات وما بعدها ساهمت في ظهور اصوات شبابية كتبوا روايات مدهشة وجميلة واستطاعوا ابراز ومواكبة التحولات الاجتماعية والسياسية التي تحدث في السودان عبر نصوصهم الروائية، ومن الظلم محاكمة هؤلاء وفقاً لذاكرة منجز الطيب صالح - وبالتالي عالم الكتابة يتسع للجميع، وحركة الكتابة الروائية والسردية متواصلة ومستمرة، ولكل زمن كتابه وسراده ونقاده بالضرورة، وعلى الاكاديميين والنقاد ان يقولوا قولهم في تقييم النصوص السردية وتقدير درجة الابداع.. وعلينا بقليل من الحكمة الا نتعجل الاشياء ولا نتعامل بالانفعال العاطفي. الذات والموضوع في «7» روايات الروائي ابراهيم اسحاق تحدث في إحدى محاضراته عن تجربته النقدية لسبع روايات سودانية قائلاً: في السبعينيات تجرأت على اصدار احكام لا أدري مدى صحتها على الروايات التي وجدتها أمامي يومئذ للروائيين خليل عبد الله الحاج، ابو بكر خالد، ابراهيم الحاردلو، مختار عجوبة، فضيلي جماع . تحدثت عن الذات والمحيط الانفعالي لسبع روايات سودانية عن الذات والمحيط الانفعالي للروائي ومدى تناجشهما في النص ثم ابتعدت عن البلد فلم اقرأ إلا رواية واحدة لكل من محمود محمد مدني وامير تاج السر. وخلال المحاضرة يعرب ابراهيم اسحاق عن اسفه واعتذاره للاجيال الجديدة في الرواية السودانية لعدم متابعته وإلمامه بما كتبوه وتمنى الا يكون هناك صراع أجيال، وشكوى من الكتاب الجدد بانهم مهملون، وان «الديناصورات» يسدون عليهم الآفاق. ودعا كبار الادباء ان يقوم كل بدوه لمد حبال التواصل وسد الفجوات بين الاجيال الروائية. وفي ذات السياق يتطرق الروائي ابراهيم اسحاق إلى احجام النقاد من الروائيين والكتاب إلى الكتابة النقدية عن زملاؤهم ويرى ان ذلك احد اشكاليات النقد الروائى ويرجع ذلك لعدة أسباب: كل المطلوب هو النزاهة والانصاف والعلمية في تناولهم لاعمال زملائهم، كثير من النقاد يعدون دراساتهم النقدية كرسائل اكاديمية عن مجمل العطاء الثقافي، ثم يقتطفوا منها بعض الأجزاء للملاحق الثقافية في وقت تعاني فيه الصحافة الأدبية من الاضطهاد والغبن، ثالثاً: ليس هنالك الحافز المادي الذي يحتاج إليه الناقد كي يرهق ذهنه في البحث والكتابة. ويضيف: وقد شهدت السنوات الأخيرة هجرة عدد من النقاد المتخصصين منهم عبد اللطيف على الفكي في كندا، ومحمد الربيع محمد صالح في قطر فضيلي جماع في لندن، وآسيا وداعة الله في الرياض. والاكاديميين لعلهم لا وقت لهم رغم اطلالتهم من وقت لآخر. مثل د. محمد المهدي بشرى، د. هاشم ميرغني، د. احمد الصادق احمد، وبشير ابراهيم اسحاق في ذات الوقت إلى اجتهادات النقاد عبر الملاحق الثقافية مثل احمد عبد المكرم، ومحمد اسماعيل «الخرطوم»، نبيل غالي «الحياة» مجذوب عيدروس «الصحافة»، عيسى الحلو في «الرأي العام». ولا يفوته ان يثمن تجربة الروائي والناقد د. مختار عجوبة عبر كتابه «بدايات القصة القصيرة في السودان» ووصف دراساته بالانصاف حينما يكتب عن فرانسيس دينق وعيسى الحلو، وليلى أبو العلى، وبثينة خضر مكي. حركة نقدية ضعيفة المنتج النقدي الروائي هل يوازي ما كتب ونشر حتى الآن من روايات اذا قلنا ان بدايات الرواية السودانية كانت في الاربعينيات برواية «تاجوج» عام 8491م؟ يجيب على السؤال اثنان من النقاد: مصطفى الصادق صوت نقدي مهم، وله اسهاماته عبر الصحف، كما قدم عدداً من الاوراق العلمية في مؤتمر الرواية السودانية الذي ينظمه مركز عبد الكريم ميرغني ضمن فعاليات جائزة الطيب صالح للابداع الروائي، يقول الصاوي: على النقاد ان يعترفوا ان هناك منتج روائي كمي متواتر ولم تستطع الحركة النقدية مواكبة هذا الانتاج، ويصبح السؤال: أين الخطأ، هل لدينا الناقد الذي يكتب بشكل جيد؟ هل الصحافة الأدبية تفتح ابوابها للنقد؟ هناك نقاد لديهم كتابات محكمة وجاهزة لا يرتعون بها للصحافة ولا تقرأ من قبل كل الناس كما قال عيسى الحلو مع غياب المجلة الادبية المتخصصة.. هل استطعنا ان ندخل الرواية وهمومها في حراك الاعلام؟! ويعتقد الصاوي ان من اشكاليات النقد وليس الفقد الروائي فحسب عدة اسباب ضمنها الشلليات، مجالس النميمة الثقافية، والانصراف بقضايا لا تصب في صميم العمل الابداعي. د. احمد الصادق انجز عدداً من الدراسات النقدية عن رواية ليلي ابو العلا «المترجمة»، وروايات السر حسن فضل ود. تاج السر عباس، وفرغ مؤخراً من نقد وترجمة رواية «اجنحة من غبار» لجمال محجوب وهي تحت الطبع حالياً. يرى احمد الصادق ان الكتابة النقدية حول السرد تطورت تطوراً كبيراً لكنها لا تقارن بالمنتج في المركز الاوروبي والغربي، ونحن نحاول ان نتقاطع مع هذا الانتاج في آنيته ولحظته، لكن هذا يعتمد على مقدرة الفنان في ردم هذه الفجوة. محمد احمد المهدي ومحمود محمد طه وقد فسر تاريخ السودان تفسيراً سردياً برؤية نبيلة وصادقة، وليلي ابو العلا في إحدى رواياته تنقل القارئ إلى اجواء السودان حيث «السخانة» وقطوعات الكهرباء وثرثرة النساء في مجالس النميمة، و«الجكس» داخل الجامعات. الناقد مصطفى الصاوي قدم ورقة علمية عن الأدب السوداني في المنفى خلال فعالية مؤتمر الرواية السودانية قبل عامين بمركز عبدالكريم ميرغني وهو يرى ان هذه جدلية الداخل والخارج، فالغربة الأولى عندما تكتب باللغة الأخرى؟ وهذه موجودة عند جمال محجوب كيف تكتب وتعبر عن وطنك وانت خارج عنه؟ هل ستقول هذه الرواية السودانية في المنفى؟! أحمد حمد الملك يقول: «وطني هو حقيبتي» هذا مجاز.. ويعتبر الصاوي الروايات التي صدرت في الخارج لروائيين سودانيين من ال،، الروائي السوداني لأنها سودانية الملامح وعبرت عن اهتمام الداخل. الأصوات الشبابية والنسائية في الرواية: الاصوات الجديدة، والاصوات النسائية التي ظهرت في الرواية، في الخمس اعوم الاخيرة من خلال جائزة الطيب صالح للابداع الروائي هل تعتبر صدى وتطوراً طبيعياً للحركة الروائية في السودان؟ د. احمد صادق يعد الرواية النسائية السودانية تطور طبيعي لتاريخ الكتابة ويدلل على ذلك بقوله: ملكة الدار محمد أول روائية سودانية كتبت «الى قصصها عام 0691م ونشرت بمجلة القصة عام 3691م وتزامنت روايتها «الفراغ العريض» مع صدور رواية «انهم بشر» لخليل عبد الله الحاج، وزعم انه لم يكن هناك تواصل او تسلسل تاريخي متراتب الا ان الروائيات السودانيات حتى اصغر من اميمة عبد الله ركزت على ارث روائي نسائي في مقابل صوت ذكوري مهيمن. عز الدين ميرغني يرى ان الصوت النسائي ضعيف في السودان والمنشور قليل لا يتجاوز اصابع اليد، وهذا الضعف مرده صعوبة النشر التي تواجه المرأة والرجل معاً، والولوج لعالم الرواية تتهيبه النساء، ولكن هذا لا يمنع وجود أصوات نسائية لها جرأة ومقدرة على الكتابة وانتاج عمل روائي جميل. وعن الاصوات الشبابية في الرواية يقول عز الدين ميرغني: يحمد لجائزة الطيب صالح انها اخرجت للعالم اصوات روائية جديدة واعمال جيدة استوقف شروط الرواية وحفرت عميقاً في الوجدان والمجتمع السوداني، واخرجت كنوز المعرفة السودانية التي ما زالت بكراً. ? الناقد مصطفى الصاوي يؤمن على حديث عز الدين ميرغني ويؤكد ان الجائزة احدثت حراكاً ثقافياً وأدبياً ممتازاص وطرحت الاسئلة الصعبة عن بدايات الرواية وفقدها وفنونها، كما افرزت روائيين مثل منصور الصويم، محمد بدوي حجازي، الحسن البكري على الرفاعي وغيرهم. ومن الروايات النسائية يقر بوجود ما يسمى الأدب النسائي ويصف القائلين بنفيه «بالمكابرة» ويؤكد ان هناك حركة نسوية، الموجة الأولى والثانية والثالثة انعكست على الانتاج الادبي. ويضيف الصاوي: الروائيات بثينة خضر مكي، وزينب بليل بوعي منهن يعترفن بأن الكتابة النسائية ليست «أدب اظافر طويلة» وان كتابتهن تماثل روايات الرجال، ولكن عندما تطلع على رواياتهن تجد الرؤية النسوية مهيمنة.. هناك اصوات مبشرة وواعدة وأعتبر الروايات التي كتبت باقلام نسائية تيار داخل الرواية السودانية.


http://www.rayaam.info/News_view.aspx?pid=207&id=14424

Post: #956
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-26-2008, 04:56 PM
Parent: #1




أخبار اليوم» تجرى حواراً شاملاً مع زعيم الحزب الشيوعى محمد ابراهيم نقد (1-2)
بتاريخ 15-6-1429 هـ
القسم: الحوارات
لديّ مخاوف من التحكيم الدولي حول أبيي.. لكني لست متشائماً
لايجب أن يكون لنا مأخذ على «التراضى» والمثل يقول «هذا راضى وهذا راضى ايش دخلك ياقاضى»
لهذه الاسباب نخشى الدولة الدينية والخلافات فيها لاتنتهي مثل «تار ابوبكر الصديق»
حاورته: نهلة عبد الرحمن
يظل الاستاذ محمد ابراهيم نقد من القيادات السياسية الوطنية التى عرفت بمواقفها الوطنية طيلة مراحل الصراع السياسي فى السودان وعبر القضايا الوطنية المطروحة ولعل هذا ما اشار اليه الرئيس عمر البشير رئيس الجمهورية وهو يمدح الحزب الشيوعى السوداني الذى يتزعمه الاستاذ محمد ابراهيم نقد
فى هذه المساحة اجرت معه اخبار اليوم حواراً شاملا تناول فيه قضايا البلاد الملحة وقد تطرق الحوار لقضية ابيي ،واتفاق التراضي الوطنى وتداعياته والمخاوف المثارة حوله ،والهجوم على امدرمان ،والحديث عن الدولة الدينية فى السودان ومخاوف الشيوعيين منها فالى تفاصيل الحوار
{ كيف تنظر الى اتفاق خارطة ابيي وهل يمكن أن تضع حداً للنزاع القائم حول حدود المنطقة؟؟
عموماً أن لست متشائماً وليست هناك مخاوف من التحكيم الدولى ولكن نسأل اين الخلل واعتقد أنه فى اتفاقية نيفاشا والتى يفترض أن تكون فيها اطراف بصفة مراجع حتى ولو خارج قاعة التفاهم ليكونوا مرجعية لوحدث اشكال فأنا اعتقد أن هذا هو الخلل الخاص لموضوع ابيي وهو اغلب المشاكل التى سوف تنشأ من الاتفاقية وأنا ليس رجل قانون ولا عملت فى الخارجية حتى اقول اننى حضرت معاهدة معنية او مفاوضات وكيف تعيد الصياغه عشرات المرات وكيف جلست اللجنة المختصة من الفنيين ولكن أغلب المشاكل التى نشأت حتى الآن حول الاتفاقية فاذا اخذنا موضوع ابيي كمثال فانا مثلا لا اشكك فى معرفة وفد الحكومة بالسودان ولا فى وفد الحركة بالسودان بالذات فى موضوع الجنوب ولكن ابيي فيها طرف ثالث وهو قبائل المسيرية بذلك كان لابد من اخذ رأي الاخرين حتى اذا ما اخذ جميعه على الاقل سوف يكون هامش فى الاخر أن فى هذا الموضوع يرجى الرجوع لكذا وارقى الاتفاقيات فى العالم لديها مرجعيات هذا هو الخلل الرئيسى طيب فى هذا الوقت نشأت المشكلة والطرفان لم يقدرا على حلها فهل يمكن فى كل مرة ان تأتى باطراف نيفاشا فى كل مرة والاتفاقية لم تحدد أن تكون لجنة مرجعيات لذلك اخشى عندما نختلف فى التنفيذ اى تنشأ مشكلة فى كل بند من بنود الاتفاقية وبدل البحث عن الحل تتوقف المفاوضات ونحن الان مقبلين على فصل الخريف وهناك تحركات من آلاف البشر والانعام ماذا نحن فاعلون فى هذه الفترة.
{ برزت مخاوف من مسألة التحكيم الدولى هل لهذه المخاوف مايبررها ؟؟
رد باستغراب حاجة غريبة جداً المساهمة الاقليمية والدولية هى العملت الاتفاقية مثلا فى السوق بقولوا دا البائع ودا المشترى ودا الضامن بمعنى اى اختلاف فى الاتفافية يرجع له الى الضامن يبقى المخاوف من التحكيم الدولى ليس فى محلها . فاذا ابديت المخاوف من المجتمع الدولى يجب أن نوسع العمل الاجتماعى الاستشارى بمشاركة الحكومة والدينكا والمسيرية والحركة الشعبية والمؤتمر الوطني فتحدث مناقشة يمكن نجد حلا
{ أن المؤتمر الوطنى يقول بتنازله عن تقرير الخبراء اوجد نص التحكيم الدولى والحركة تقول ان الاتفاقية لن تلقى التقرير كيف تقرأ ذلك ؟؟
بصرف النظر عن من الذى اوجد نص التحكيم الدولى وأنا لا اعرف الى من يشكى المؤتمر الوطنى فهو طرف فى الاتفاق الثنائى فانا اعتقد أن الاتفاقية تحوي بعض النصوص التى ترجع بها للمجتمع الدولى واي اتفاقية تحوى هذا النص ومافى مفر من ذلك وخير البر عاجله وبقدوم فصل الخريف سوف تتضخم المشكة اكبر لان الناس لديها مصالح ومشاكل مثل هذه مثل مشاكل حصوة الكلي تتزايد كل مرة لكن لو عولجت بالسرعة بالتحكيم الدولى او الاقليمى وهى لا تخرج من اطراف نيفاشا
{ ماهو مأخذكم على اتفاق التراضى الوطنى بين الامة والوطنى؟؟
هل يجب أن تكون لنا مآخذ فهذا اتفاق بين الامة والوطنى والمثل يقول هذا راضى وهذا راضي ايش دخلك يا قاضى اذا الطرفين راضين أنا لا ادخل فيما لا يعنيني فهذه مسألة خاصة بحزب الامة والمؤتمر الوطنى
{بدأ الحزب الشيوعى متوجسا من اتفاق التراضى الوطنى ويعتبره تحالف ثنائى ما تعليقك؟؟
ليس صحيحا مايقال أن الحزب الشيوعي بدأ متوجسا بالعكس طرحنا هذه المسألة فى قيادة الحزب ونوقشت على اعتبار أن حزب الامة من حقه أن يتفق مع اىة جهة لكن فى الفترة السابقة كان فى مشاورات فى كل القضايا بين الاحزاب السياسية وكان متوقعا أن الامة يخطر الاحزاب بأن هناك مفاوضات مع الوطنى قد تصل الى اتفاق بمعنى أن جيرانكم مشوا خطبوا لولدهم دون علمكم بالضبط ما قالوا ليكم اعزمونا ولكن سمعوا الزغاريد وماعارفين الحاصل شنو بالضبط هذا ما اخذناه علي الامة فنحن لا نتوجس اطلاقا من أي اتفاق ونحسم امرنا بهل الاتفاق يعنينا او لا يعنينا
بعض الشيوعيين قد يكونوا توجسوا لكن عندما طرح هذا الموضوع فى الهيئة الحزبية فى سكرتارية اللجنة المركزية قلنا هذا شأن خاص بحزب الامة ومن خلال الممارسة سيتضح أن كان مافيه ايجابى اوسلبى ايضا هناك اشخاص فى حزب الامة قد توجسوا
{ هل يمكن أن يتحول التراضى الى قومى ويثبت فعاليته وسط الجماهير؟؟
ليس بالضرورة مثلا جارتك عزمت ناس اهلها ممكن تلوميها تقولى ليها كان تعزمى كل الناس ما تفتكرى أن السياسة تختلف عن حياة الناس اليومية
{ هواجس الدولة الدينية عادة تطارد الشيوعيين مجددا بعد اتفاق البشير والمهدي لماذا؟؟
نحن عشنا تجربة نميرى واعدام محمود محمد طه وقطع الايدي وتطبيق الشريعة لا نخشى الدولة الدينية كحزب ولكن الدولة الدينية باستمرار تثير الخلافات الدينية حتى ولو بين السنة والشيعة وعندما تبدأ الخلافات الدينية تكون مثل (الحبن) كلما يبدأ يعاود و(يتاور) مرة اخرى اى مثل تار ابو بكر الصديق فالدولة الدينية لاتشكل هاجساً بالنسبة لنا فنحن ننظر لها من ناحية التضييق على الحريات وتجربتها فى السودان جعلت دكتاتورية نميري تصل الى مداها النهائى فهو فجر الانتفاضة نحن فى السودان لا نخشى اى دولة دينية يسارية ديكتاتورية برلمانية كل انواع الحكم عشناها ونستطيع أن نقاومها جميعها
{ الحوار الثنائى بين الشيوعي والوطنى لماذا توقف؟؟
توقف لانه فى اثناء الحوار حدث اشتباك بين الطلبة وقتلوا احدى الطلاب فى جامعة الجزيرة فما ممكن نحن هنا نحاور وهم هناك يحملون سكاكين فطلبنا منهم ايقاف الحوار لان هذا شئ مؤسف فالقاتل والقتيل طلاب وعزيزين على اهلهم وزملائهم وخسارة على البلاد لكن بالرغم من ذلك كان لازم للقضاء أن يأخذ مجراه فلماذ لانتعاون كى ننهى العنف من الحركة الطلابية فانا اعتقد ان المشكلة تكمن هنا يعنى لا يكفى أن نحزن او نطالب بقصاص او ننتقم أن الاوان أن نتعاون جميعا لاقناع الطلاب بالتخلى عن العنف فى الجامعات
{ صدر تصريح من الرئيس البشير فى الصحف ذكر فيه أن الشيوعيين غير مرتاحين فى الحوار معهم بدليل انهم اوقفوا الحوار عندما قتل طالب جامعة الجزيرة ما تعليقك على حديث السيد الرئيس؟؟
ابدأ أنا انفى هذا الحديث واذا عادوا اليوم وطلبوا مننا استئناف الحوار سوف نستأنف الحوار معهم
{ بدأ نقد اكثر هجوما على مواقف الحركة الشعبية الاخيرة بشكل جعل البعض يردد مقولة أن نقد اصبح ملكيا اكثر من الملك بم ترد على ذلك ؟؟
سألنى صحفى قال لى سلفاكير يتخبط والحركة تتخبط قلت له الاثنين يتخبطوا وفى النهاية سوف يرجعون الى مثل هذا الكلام والناس الذين التقيتهم من الحركة ناقشتهم وقلت لهم أنه مامن المصلحة كل مرة والثانية يوقفوا المحادثات فانا لم اهاجم الحركة واعتقد انها محتاجة لان تتطول نفسها ولا يمكن أن نتهمها بانها غير صبورة فهى صبرت على الحرب فنص الاتفاقية موجود والوسطاء موجودين وهناك اكثر من مجال لحل المشكلة وفى النهاية اتحلت عقدة هذا زعلان ودا طلع ودا ما اجتمع والمشكلة مازالت قائمة وأنا افتكر أن ناس الحركة ماكان من المفترض أن يكون صدرهم ضيف
{ لم يصدر الشيوعي موقفا واضحاً من هجوم حركة العدل والمساواة على امدرمان لماذا ؟؟
كان رأينا واضحا وقد اخرجنا بيان صحفى صبيحة الاحداث يوم الاحد 11 مايو 2008 وابرزنا فيه رأينا وهو أن ما حدث من صراع مسلح امر مؤسف خاصة عندما يروح ضحيته ابناء الوطن الواحد سواء من القوات المسلحة او من القوات النظامية او القوات الاخرى او ابناء دارفور او مواطنى مدينة ام درمان اكرر أن مشكلة دارفور لا تحل بالنزاع المسلح او بنقل الصراع من دارفور الى ام درمان او الى اىة مدينة فى الاصل نحن ضد استمرار الحرب فى دارفور نفسها لذلك نحن نصر على قيام الحوار الدارفوري - الدارفورى بصورة ديمقراطية واشراك كافة قوى المعارضة باحزابها وتنظيماتها المختلفة صغرت ام كبرت مع المؤتمر الوطنى والحركة الشعبية للتشاور فى الحل الديمقراطي العادل لقضية دارفور والتلكؤ فى عقد مثل هذه اللقاءات الجامعة هو ماجعل القضية تتصاعد بهذه الصورة ولا اري ضرورة الاستجابة لمطالب اهل دارفور المتمثلة فى الاقليم الواحد التعويضات العادلة ومحاكمة من اجرموا فى حق اهل دارفور ويجب أن لا تتخذ الحكومة الاحداث زريعة لحجر الحريات واشعال الحرب بين السودان وتشاد
{ على الرغم من اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الا أن الاوضاع الهيكلية والتنظيمة للاحزاب لا تزال ضعيفة مما يؤكد عدم استعدادها لخوض الانتخابات ماقولك؟؟
فى الاسابيع الماضية شكلنا لجنة الانتخابات وعقد اجتماع لكل الاحزاب حول قانون الانتخابات وزودنا اعضاء الحزب فى البرلمان ونحن اكثر الاحزاب احتياجا للاستعداد المبكر لاننا لا نملك المال ولكن ليس بالضرورة أن يكون الاستعداد معلنا فهو فى الحزب فى الداخل والاستعداد سوف يأخذ مداه عندما يحدد تقسيم الدوائر فنحن لسنا غافلين عن موضوع الانتخابات ولكننا لا نملك المال اللازم لذلك نعوض قلة المال بتحسين التنظيم والعمل المنظم فانا لا املك الحق فى التحدث عن استعداد الحزب الاخرى مايهمنى هو الحزب الشيوعي


http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=14950

Post: #957
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-26-2008, 05:00 PM
Parent: #956


-: أيها الدول الغربية لقد انكشف المستور
بتاريخ 10-6-1429 هـ
القسم: لماذا؟/على يس
[email protected]
إن ما أفشى به عشر من اسرار ومعلومات حول عدوان حركة خليل ابراهيم على ام درمان يؤكد بدءاً ان الدول الغربية ينطبق عليها المثل الذي يقول (اسمع كلامك اصدقك اشوف عمايلك استغرب) وهذا تأكد من خلال ما قاله عشر من ان الحركة قد عقدت اجتماعات بالعاصمة التشادية مع مجموعة من السفراء الغربيين من بينهم السفير الامريكي حيث تم اخطارهم بنية الحركة القيام بعمل عسكري داخل الخرطوم للاطاحة بالحكومة السودانية.
وهذا يؤكد ما يقال عن ان الدول الغربية حينما تصطدم المبادئ بالمصالح فانهم يرمون بالمبادئ بعيدا ويأخذون بالمصالح.
الراحل محمود محمد طه كان شعار حزبه (الحزب الجمهوري) يقول (الحرية لنا ولسوانا)، اما هؤلاء فان الحرية لهم وحدهم وليست لسواهم، فهم يتحدثون عن ان مبدأهم الاساسي يرفض الاستيلاء على السلطة بالقوة اي عن طريق الانقلابات العسكرية الا انهم يقبلون ان تقوم حركة متمردة بغزو الخرطوم والاستيلاء على السلطة وتصفية عدد من رموز الحكم والمعارضة لا لشئ الا لان مصلحة هذه الدول الغربية التقت مع مصالح هذه الحركة الغوغائية.
واذا ما تحدثنا عن عدالة هؤلاء فاننا نضرب مثالا لهذه العدالة بما يحدث في فلسطين السليبة فاسرائيل تحتل الارض وتنكل باهلها وتواصل قتلهم الكبير والصغير وتسومهم سوء العذاب بوتيرة يومية دون ان نسمع لا أقول كلمة استنكار بل كلمة (عتاب) رقيقة على هذه الفظائع التي ترتكبها حليفتهم المدللة اسرائيل.
والمحزن والمبكي ان اصحاب الارض المحتلة والعرض المنتهك هم في شرعهم (ارهابيون) والمغتصب برئ وحمل وديع.
فهل بعد كل هذا يستطيع هؤلاء القوم المخادعون ان يقنعونا بانهم اهل ودعاة للحرية والديمقراطية وحقوق الانسان؟


http://www.akhbaralyoumsd.net/modules.php?name=News&file=article&sid=14859

Post: #958
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-26-2008, 05:11 PM
Parent: #1


في وداع عثمان حسين الفنان

د.محمد محمد الأمين عبدالرازق
العلاقة بين الإسلام والفنون في معالجة النفس البشرية
ان اكثر ما يميز العمل الفني، ويجعله آسراً هو قوة الالتقاء بين الفكرة والواقع على ارضية اللحن المنسق المهذّب.. هذا الوسيط اللحني هو الذي يبعث المتعة داخل النفس، ويجعلها تتفاعل مع المعاني المناسبة مع الفكرة بصورة تلقائية لا فكاك منها.. وهذا هو السبب في التوجيه النبوي بترتيل القرآن وتلحينه، فقد جاء في الحديث: "من لم يتغنَّ بالقرآن فليس منا"، وجاء أيضاً: "ما أذن الله لشئ إذنه لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن".
إن التناسق والانسجام بين الفكرة واللحن والواقع، تجده ملازماً لجميع اغنيات الفنان عثمان حسين، ولأن الواقع الذي تنطلق منه الكلمات مشترك بين جميع السودانيين لتشابه العادات والتقاليد والبيئة، فقد وجدت هذه الأغنيات تفاعلاً متفرداً عند كل رجل وكل امرأة، فكأن عثمان حسين قد لامس بحسه الفني مشاعر كل إنسان، ودفع في نفسه قدراً من الهدهدة والراحة النفسية، مما جعله مديناً له، وهو لا يجد ما يكافئ به هذا الدَّين الإنساني، ولعل هذا هو السر في تدافع السودانيين على اختلاف مشاربهم يوم تشييع جثمانه لتقديم شئ من الواجب، انطلاقاً من ذلك الحب الدفين. اكثر ما لفت انتباهي مشاركة النساء في التشييع، فقد جاءت في المقدمة السيدة تابيتا بطرس، وعند لحظة الدفن اصطفت بعض النساء خلف الرجال حتى انتهت المراسم.. هذه الظاهرة الحضارية ليست امراً عفوياً، وإنما هي نابعة من احساس انساني عميق، فقد كان الفقد فقداً عاماً يعني كل فرد وليس اسرة الفقيد وحدها.
لقد تغنى الأستاذ عثمان حسين بكلمات الشاعر اسماعيل حسن في بواكير أعماله "عارفنو حبيبي وعارفني بحبو** دا حرام عليكم تقيفوا في دربو** حارمني ليه؟ والله بحبو" ويقول فيها: "يوم الحق هناك يا الواقفين في بابو** يوم يسألكم الله يا الناسين حسابو** حارمني ليه؟ ليه والله بحبو"، ويقول: "وين درب السعادة؟ يا الباكين دلوني لحالي** دلوني عليها انا ساهر ليالي* حتى لو بعمري أو بالروح مالي** حارمني ليه؟ يه والله بحبو".. عندما تتابع هذه الأغنية مع اللحن تجدها نموذجا لتكامل عناصر الإبداع الفني، فالمشكلة هي مشكلة كل انسان في ذلك الزمان خاصة المرأة، والأداء يعبر عن الحال بأبلغ ما يكون، لذلك كانت هذه الأغنية على عهدها على لسان كل محروم.. والحرمان ليس له سبب في أغلب الأحيان سوى الجهل والعادات والتقاليد الموروثة.. ولشدة ارتباط تلك الأغنيات بالواقع داخل المنازل صارت اكواب الشاي تسمى (عثمان حسين).
وفي مثال آخر تجد ان الحس الإنساني في كلمات الشاعر عوض أحمد خليفة قد طغى على الحس العاطفي، فالشاعر يعبر عن تفاعله المتدفق مع الجمال رغم علمه بأن الطريق إلى المحبوب ليس فيه بصيص أمل ولا قسمة: "من قلبي من أجل المحبة وهبت ليك شعر الغزل** مع إنو قدامي الطريق انا عارفو يا السمحة انقفل"..
وعندما تستمع إلى اغنيات الشاعر حسين بازرعة، تجد انها تناولت كل ما يجيش بالنفوس من احاسيس، وتفاعلت مع تفاصيل حياة كل انسان في طرف من اطرافها:
"في حياتي قبلك انت عشت قصة حب قاسية
لسه ما زالت في قلبي ذكرياته المرة باقية
لما هليت في وجودي قلت بيك سعادتي بادية
لكن انت هدمت املي بعد لحظة ندية هادية"
ان الجموع التي حضرت التشييع كان لسان حالها يردد: "طرفي اذا تأمل في حسان المواكب* وضياء الكواكب والبدر المكمل* برضي اراها دونك بل وحياة عيونك انت لطيف وأجمل".. وقد صار فناننا (لطيفاً) بدخوله عالم الأرواح البرزخية، و(أجمل) بما تركه لنا من ألحان نرتاح بها من هجير الحياة المعاصرة.
على خلفية هذه المقدمة ندلف على شئ من الفكر حول الإسلام وعلاقته بالفنون وأثر ذلك في ترقية النفس البشرية نحو مقام إنسانيتها.
ما هي الفنون؟
الفنون هي عبارة عن وسائل التعبير عن ملكة التعبير في الإنسان.. وملكة التعبير في الإنسان أعمق من مجرد انها عمل فكري، فهي في الحقيقة الحياة. إن ملكة التعبير في الإنسان هي الحياة، وكل حي معبر، حتى في الحيوات الدنيا، وتعبيره بالحياة في الحياة هو حياته نفسها. ولذلك فإن الحي عندما يأكل أو يتناسل أو عندما يفر من الألم، ويحاول تحصيل اللذة، هو في كل ذلك معبر. معبر في حياته بحياته وهو كليته تعبير, لكننا لا نطلق عبارات الفنون على الحياة على درجاتها الدنيا، حيث تعبر بكينونتها كلها، وإنما نطلقها على وسائل التعبير، عن ملكة التعبير في الذهن البشري، في الفكر. الإنسان حيوان مفكر، هذا التعريف اصح من القول بأن الإنسان حيوان ناطق، وذلك لأن جميع الحيوانات ناطقة، وبالفكر ارتفاع الإنسان عن الحيوان ارتفاع مقدار وليس ارتفاع نوع.. فالإنسان في أطواره السابقة قبل ان يكون معبرا باللسان، كان يعبر بلسان حاله، ثم صار يعبر بلسان المقال بعد دخول الفكر في المسرح، وبذلك اصبح منقسماً بين التعبير القديم بلسان الحال، وبين التعبير الذي جد بظهور الفكر وهو لسان المقال. في هذا المستوى يبرز دور الفنون في ان ترتفع بعقل الإنسان، وتزيد من حيله، وتوسع من خياله، وتضبط فكره وتدققه، وتفتح ينابيع عاطفته إلى الحد الذي يجعل تعبيره بلسان المقال في مساواة لتعبيره بلسان الحال. فكأن العقل والجسد في كفتي ميزان.. الجسد لا يخطئ وإنما يعبر عن مكنوناته في انسياب تلقائي. ونحن بوسائل التعبير والتمرين، نحاول ان نرفع عقولنا إلى درجة الانضباط الذي به لا تخطئ، حتى لكأننا نهدف إلى ان نوزن كفتي الميزان؛ الأجساد والعقول.
هذا هو موضوع منهاج الإسلام العلمي المعروف بالسنة النبوية، فالإسلام والفنون هنا يشتركان في انهما اسلوبا تعبير للحياة، بهما يزيد عمقها واتساعها، بيد ان اسلوب الإسلام اشمل وأعمق وأبعد مدى من اسلوب الفنون، وقد وردت الإشارة إلى الأسلوبين في الآية الكريمة "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق أو لم يكف بربك انه على كل شئ شهيد".
فالفنون تعنى بآيات الآفاق وآيات النفوس، ولكنها تركز على آيات الآفاق، اما الإسلام فإنه يركز على آيات الآفاق ويتخذها مجازاً إلى آيات النفوس، وعنايته بهذه خاصة في أخريات مراقيه اكبر وأعظم.
يقول الأستاذ محمود محمد طه في كتابه (الإسلام والفنون):
"وغرض الموسيقى من اللحن المنغم، المتسق المهذب الحواشي، ان توجِد في داخل النفس البشرية، نوعاً من التنغيم، والاتساق والتهذيب، يحل محل التشويش، والنشاز، الذي يعتمل فيها. هذا هو السر في الراحة التي تجدها النفس عند الاستماع إلى قطعة من الموسيقى الراقية، ومع ذلك فإن الموسيقى، في جميع مستوياتها قاصرة عن تأدية هذا الغرض الا فئة قليلة جداً من الناس.. وهي حين تؤديه انما تؤديه في حد ضيق جداً، وذلك يرجع لسببين رئيسين، اولهما: ضيق نطاق الأصوات الذي تعمل فيه الموسيقى، اذا ما قورن بالأصوات من الحركات التي هي موروث النفس البشرية في منازلها المختلفة التي اوردنا إليها الإشارة. وثانيهما: هو ان الموسيقى لا تملك منهاجا يقوم بترويض النفس وتدريجها، حتى تستطيع ان ترتفق بالموسيقى الراقية فتحقق بسماعها قدراً من التنغيم الداخلي، والمواءمة..".
لا بد ان نؤكد في ختام هذه الكلمة ان الفنون حلال في اصل الإسلام، والتحريم الذي ورد في الشريعة السلفية لبعض الفنون السبب فيه هو ان الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام، فحرمت الشريعة الرسم والصورة والنحت حتى لا ينبعث حنين في داخل النفوس إلى عهد عبادة الأصنام، والآن اختفت هذه العلة بل صارت الفنون تدل على عظمة الخالق وإبداع خلقه.. ولذلك انتفت الحرمة بانتفاء اسبابها.

http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147530336&bk=1

Post: #959
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-26-2008, 05:16 PM
Parent: #958


العنف وفقدان الذاكرة المؤسسي:

د. عبدالباسط ميرغني
كأي حدث جلل من شأنه أن يقطع روتين الحياة اليومية، جاءت أخبار استباحة مدينة أم درمان، وسادت متفرقات العنف اللفظي، لتعيد طرح الأسئلة المهمة حول العنف والعنف المضاد في مجتمعنا المعاصر. من الصعب الحديث عن العنف كظاهرة سياسية أسرية مجتمعية في غياب الأرضية والبيئة الحاضنة لنمو العنف، وهي ذات العوامل التي تطرقنا لها عند تناولنا سايكولوجية العنف وملامح تدمير الذات في مقالات سابقة. وما زلنا عند رأينا بأن تلك العوامل تتمثل مفاهيمها الاقتصادية والاجتماعية العامة وتتمحور في: غياب العدالة الاجتماعية، تفشي الإفقار والحرمان، التهميش، والإقصاء المنهجي، وقد ذكرنا حينئذِ بأن كل هذه الضغوط قمينة بخلق شرخ يؤدي للانقسام عن منظومة القيم السائدة، وتناقض القيم المعلنة مع واقع الحال، والحرمان من الكينونة المرتجاة.
وها هي الأحداث تأتي مسرعة لتؤكد بأن العنف حقيق بأن يفرز سلوكه وعاداته وتقاليده وقيمه في المجتمع، وأول ما يبدأ هذا السلوك يبدأ خافتاً في النفوس، ولأن ذاكرة المجتمع انتقائية يطفو عليها ما هو متفجر ومشحون ومتوتر، ويلف النسيان ما هو عقلاني ومنطقي ومتروٍّ، وهذا بلاوعي يساوي بين السبب والسببية. وقد ذكرنا بأن العنف لم يأتِ من فراغ، فاستباحة مدينة أم درمان كانت قبل ميلاد العنف بزمن طويل، فكل من ساهم في تأجيج نيران الحرب والصراع الإثني والطائفي والجهوي ساهم من حيث لا يدري في صناعة العنف. الحروب الأهلية في منظورها الختامي هي حروب عبثية ليس فيها منتصر أو خاسر.
تؤكد الحياة اليومية أن السلوك العدواني يؤرخ لفشل العقل في استنباط ذاكرة راتبة مما يجعلنا نعيد إنتاج الأزمة بتكرار رتيب. نعيد سرد الأحداث برتابة لنعيش مكسورين مقهورين مهزومين، نتعجل القفز لمرحلة ما بعد الصدمة، ونهمل تفكيك مفردات العنف الانتقامي في حالة الهزيمة، وهذا نتاج طبيعي لثقافة التعصب وضيق الأفق المدمر في الحياة اليومية اللاسوية. نعلم أن الحقد هو من أحقر المشاعر الإنسانية ونمارسه دون مواربة، وهذه ما يعرف بمرحلة اختبار السجية، حالة أن نجعل المذنب يموت بذنبه، حالة أن نساوي بين الجلاد والضحية، نغرق في براثن الهوس الغريزي للنزعات العدمية، الحكاية والحدث وما يفرضانه من شكل مميز في الذاكرة وجروحها، ومن ثم يتطور تجاه الفئات المستضعفة في المجتمع معبراً عن غرائزه اللاسوية، وهذا ما يفسر الهلع والجشع الذي يرتبط بالثروة والسلطة، وهما بمثابة المادة الخام لصناعة الغضب وإثارة السلوك الانفعالي، فما يسمى بصراع الهيمنة على مقاليد الأمور. حتى لا نحجم القضية بتعبير (الأمن القومي) تمعن في تاريخ النزاعات نراها ماثلة في مناطق تشكو من غياب التنمية (الجنوب – الغرب - الشرق)، وهذه قضية سياسية تصب في مفهوم العدالة والمساواة، كما تتأثر سلباً بالنظرة القاصرة التي سادت معظم المفاهيم البالية في الهيمنة والإذلال وعدم احترام الحقوق، وهي ذات الرؤية الكولونيالية في سياسة كسر العظم؛ تلك التي شكلت الصراع حول النفاذ إلى، والسيطرة على الموارد الطبيعية، وأضحت مصدراً ثابتاً للنزاعات طوال التاريخ البشري. وكما هو مدرك تماماً فإن التنافس على السلطة، كان ولم يزل، أحد العناصر التي أدخلت متلازمة جديدة فى التنمية الإنسانية عرفت بالإفقار والحرمان الإنساني، وتركت قطاعات ضخمة من المواطنين ضحايا لنذر العنف الاجتماعي بينما يبقى الناس العاديون فى المدن في حالة غبن صارخ خارج مدى التمتع بالحريات المدنية والسياسية.
بقراءة نفسية تتأكد الرؤية القائلة بأن نزعة الهيمنة تعتبر بمثابة نوع من السيطرة العرقية وطمس الهوية والشخصية الوطنية؛ نذكر إصرار الإنجليز في إجبار المواطنين على إنكار سودانيتهم كقومية والتمسك بالقبيلة كمرجعية عصبية، سياسة المناطق المغلقة، وتطور هذا السلوك بفتح الباب كمدخل للتنافس على الموارد والدفاع عن مصالح ما وراء البحار من خلال كسر التماسك النفسى لأفراد الأمة. وانظر عدوانية الاستعمار البريطاني في محاربة السلوك المسالم للمهاتما غاندي في الهند، ومحاربة داعية الحقوق المدنية مارتن لوثر كنغ في أمريكا، التنكيل بقادة ثورة 1924م، والبطش بأول إضراب سياسي لطلاب كلية غردون بالخرطوم في 1931م، ومآلآت ذلك العنف وأثره اللاحق في تصاعد الوعي الوطني، وتصاعد الحركة الوطنية، مما أدى لتنظيم حركة الخريجين وتأسيس مؤتمرهم.
وفي فترة لاحقة انظر للتردي السياسي والنكوص الشنيع في اغتيال خصلة التعايش الفكري في شخص المفكر محمود محمد طه، ثم أمعن النظر في سياسة كسر العظم للقوى المناهضة لسياسات الإنقاذ في مراحلها الأولى التي تعورف عليها ببيوت الأشباح، وأمعن النظر مرة أخرى لما يجري الآن من حركة الوعي بالحقوق المطلبية والعنف الممارس في قمع تلك الحركات المطلبية المشروعة المسالمة في مهدها بعنف غير مبرر لا يتسق مع اتفاقية السلام الشامل التي كفلت حق التعبير والتجمع السلمي، مما يوضح الفارق والتناقض بين القيم المعلنة والواقع (كل شخص له الحق في حرية التعبير-1-6-2- 7 الخصوصية - حقوق الإنسان 1-6)، هذا الواقع يعطي رسائل سالبة تفهم بأنه لا أمل في التداول السلمي للسلطة، وإنما تأخذ عنوة. مثل هذا الابتسار لاتفاقية السلام الشامل يؤدي الى تفاقم الإحباط والغضب والشعور بالغبن الذي ربما ينفجر في بركان عنف مدمر أكثر حدة من استباحة أم درمان في صباح ذلك اليوم المشؤوم، هذا مما يستوجب اليقظة والارتقاء بالمقومات الثقافية لتفسير ظاهرة العنف السياسي بعد ثلاثة أعوام من توقيع اتفاقية السلام الشامل.
إن تنظيم آليات الذاكرة تساعد في السيطرة على العنف على الصعيد الوطني، ولا يتأتى ذلك في مرحلة سيادة الأفكار الشمولية، بل هو من الاستحالة بمكان. لأن أصحاب الأفكار الشمولية سوف يتشبثون بما كسبوه في فترة غياب الحقوق وسيادة الولاء قبل المواطنة؛ تلك المكتسبات الرخيصة سوف تشحذ من آليات الدفاع التي تتوجه لتحطيم الآخر، وهذه المرجعية هي ما تحفز وتؤهل إنسان البدو والحضر في السودان، أن يعيشا بامتلاء يشحذ آليات الدفاع النفسي الذي يحصنهما من تدمير الذات، وإعمال الإبدال في السلوك، بما يحقق التماهي السايكولوجي والتوافق مع الواقع.
من جانب آخر، إن الخوف من فقدان الذاكرة ربما يفضي إلى الشعور بالكرب والإحباط وعدم الملاءمة والقلق أو التوتر لدى الأفراد، كما يؤثر على العلاقات مع الآخر، وهذا بدوره سوف يؤدي إلى فلذة من فلذات سلوك العنف والعنف المضاد، مما يتناقض مع مطالب المجتمع العريض التي تستوجب المؤازرة وفق أهدافه وعاداته، هذا ما يؤكد بأن العنف (سُلفة) مستحقة ودين واجب السداد. وبما أن المساواة قيمة مقدسة، حسب الدستور، والقيمة في حد ذاتها جزء من العرف غير المكتوب وهو ما يستبطنه كل فرد لبناء لغة موازية مختلفة وضرورية للتعرف على الذات وقوة الدافع للتعايش، نفس هذا المنطق الداخلي المتماسك يتوقع دورا فعالا للدولة يدرء خلق الفوضى التي تؤدي لاختلال معاني القيم، وإذا ضربت منظومة القيم فالفوضى والدمار لا محالة واقعان.. فهلا تنادينا من أجل ذاكرة مؤسسية في حياتنا العامة والخاصة؟.


http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147530578&bk=1

Post: #960
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-26-2008, 05:19 PM
Parent: #959


الدستور

الدستور: هو الذي يبين شكل الدولة ونظامها الأساسي ونظام الحكم فيها كما أن الدستور هو المنظم للسلطات العامة التشريعية والقضائية والتنفيذية من حيث تكوينها واختصاصها وعلاقتها ببعضها البعض.
إن الدستور هو الذي يقرر حقوق الأفراد وواجباتهم وحرياتهم (حقوق الإنسان) ويضع الضمانات الأساسية لهذه الحقوق والحريات.
إن الإسلام (أصول القرآن) بتطوير التشريع بالانتقال من آية إلى آية داخل المصحف تحقق كل ما ذكر عن الدستور بل الإسلام له منهج تعبدي يحقق ما تقدم بصورة لم يسبق لها في التاريخ. وذلك بالالتزام بعمل منهاج النبي صلى الله عليه وسلم في العبادة بصدق وإخلاص يجعل المواطن هو الرقيب على نفسه في أقواله وأفعاله وبالتالي يكون المجتمع الذي يتكون من الأفراد الذي يتبعون المنهج النبوي مجتمعاً مراعياً لحقوق الآخرين وملتزماً بواجباته وبالتالي لا يفرط في حقوقه ، ويعرف أن الحرية مسؤولية في القول والعمل ويعرف ان حريته تنتهي حيث تبدأ حرية الآخرين.
إن الإسلام في أصوله يوحد بين جميع البشر لأنه جاء يخاطب كل الناس (يا أيها الناس ، يا بني آدم) أما الشرائع فإنها تفرق بين الناس لأن كل رسول أرسل بتشريع يحل مشكلة من أرسل إليهم. (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (إبراهيم : 4).
أما الدين فيوحد بينهم وكلمة الدين هنا تعني التوحيد (لا إله إلا الله) وقال تعالى : (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ) (الشورى : 13).
إذن التوحيد هو الذي ما تحتوي عليه آيات أصول القرآن التي لم يقم عليها التشريع وهي مدخرة لوقتها وهذا السر في ختم النبوة وإنزال القرآن (الإسلام).
لأن كل ما أراده الله للبشر بالمصحف ولكن المصحف لا ينطق وإنما ينطق عنه من اتقى الله وعلمه الله مثاني ومعاني والقرآن . (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) الآية (طه : 114) (وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة : 282).
وتزعم أنك جرم صغير ** وفيك انطوى العالم الأكبر
يذهب المرء ويبقى ذكره الحسن (الحرية لنا ولسوانا).
ملحوظة راجع كتابة الرسالة الثانية من الإسلام للأستاذ محمود محمد طه.
الهادي حمد احمد علي
معلم بالمعاش


http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147530701&bk=1

Post: #961
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-26-2008, 05:21 PM
Parent: #960


المنهج الأصولي السلفي يشوّه الإسلام وشريعته
طه ابراهيم المحامي
القانون الجنائي للترابي نموذجاً (1 - 2)
في الثلاثة قرون الأولى للهجرة شمخ المسلمون العرب والمستعربون، وأشعلوا عقولهم، وشحذوا هممهم، وفجروا كل طاقات الإبداع لديهم، فكانت ثورة تشريعية كبرى جسدت فيما عرفت فيما بعد بمنظومة الشريعة الإسلامية، ثم بدأ الإنحدار الى التخلف والجمود لأسباب ليس هذا محلاً لذكرها، وعند اكتمال القرن الرابع للهجرة فقد المسلمون عرباً وأعاجم كل قدراتهم على التفكير، وضعف مستوى إدراكهم، وتحجرت عقولهم فبدأوا يجترون إبداعات السلف المتمثلة أساساً في اجتهادات الأئمة الأربعة الكبار، ومن حاول منهم ان يجتهد فإنه تقيأ سخافات لا يجوز ذكرها، ولهذا وصيانة لهيبة الإسلام والشريعة إتفق على تقرير قفل باب الاجتهاد، وعلى الناس ان يكتفوا بما قال به السلف، وإن عرضت عليهم مستجدات فعليهم عرضها على فقه السلف ومعاييره وأصوله، ومحظور الإتيان بأي فكر جديد أو إجتهاد مخالف لأنه سيوصم بأنه ضلالات وبدع وزندقة وكفر، ولم يكن الأمر خطيراً في ذلك الوقت لأنه عندما قفل باب الاجتهاد كانت كل الاجتهادات لاتزال في وسع الناس، ولكن قفل باب الإجتهاد أدى الى تجميد الشريعة، إذ تحجرت عقول الناس، وضرب عليهم الجمود، ومرت القرون والعالم يتغير خاصة في اوروبا، وتظهر حضارة جديدة، مختلفة نوعياً عن الحضارة التي شيدها المسلمون، فقد تطورت العلوم الطبيعية والإنسانية تطوراً هائلاً، واخترعت التكنولوجيا، وصاحب ذلك ثورات عارمة قادتها شعوب أوروبا للإنعتاق من سيطرة الكنيسة والخرافات، وصاحت الجماهير تنادي بالحرية والإخاء والمساواة، وجاء في قمة هذا النداء إعلان إبطال الرق بل وتجريمه، وتحررت المرأة من قيود العبودية للرجل، يحدث كل هذا والعالم الإسلامي (محلك سر)، يجتر اجتهادات الأئمة الأربعة التي صيغت بإقتدار حسب وسع مجتمعهم، سواء وسعه العقلي أو الإقتصادي أو الحضاري أو الإجتماعي لأن هذا هو حكم القرآن ان الله لا يكلف نفساً إلا وسعها.
جاءت الحملة الفرنسية الى مصر فأحدثت صدمة مدوية، وجاء محمد علي يرسل بعض مشايخ الأزهر الى أوروبا، فهالهم ما شاهدوه، وعاد الشيوخ الى مصر وهم على قناعة بوجوب أن تتحرك مياه الشريعة المجمدة فطالبوا بفتح باب الإجتهاد بأمل أن تلد أمة المسلمين ائمة جدداً يتجاوزون في قدراتهم على الإجتهاد ائمة السلف. لأن عصرهم أكثر علماً وتطوراً من عصور السلف، ولكن للأسف فإن الفقهاء العاطلين من أية قدرات عارضوا الدعوة لفتح باب الإجتهاد لأنهم لا يتصورون إمكانية تجاوز أئمة السلف، وعندنا في السودان عندما ولد لنا مجتهد مقتدر بغض النظر عن صحة اجتهاده هو الشيخ محمود محمد طه قتلوه.
ائمة السلف ولأن التكاليف التي جاء بها الإسلام جاءت على قدر وسع الناس في ذلك الزمان، كان من إبداعاتهم ان بدأوا بتحديد تلك التكاليف في القرآن والسنة والإجماع، وكان اقتداراً منهم ان استخدموا القياس على أحكام تلك التكاليف لأنها جميعها كانت تعبر عن وسع الناس، ولهذا صاغوا مقولتهم الشهيرة ان معيار صلاحية النص للتطبيق هو وروده بسند قطعي ودلالة قطعية أو إنه استخلص من هذه القطعيات ومتى ثبتت قطعية النص فإنه واجب التطبيق في كل زمان ومكان، ائمة السلف لم يتصوروا انه سيأتي يوم تتغير فيه حياة الإنسان تغيراً نوعياً عن الحياة التي كانت موجودة في زمانهم فهم لم يتصوروا انه سيأتي يوم يبطل فيه الرق، ولا يكون لديهم جواري وإماء، ولم يتصوروا ان الجهاد بالسيف سيبطل، ولم يخطر ببالهم ان يوماً سيأتي يسمح فيه بحرية الدين والعقيدة، فعندهم من بدل دينه أو فهمه لدينه يقتل، ولم يتخيلوا سيادة حرية التعبير أو حرية الفكر، أو أن تكون هناك مساواة خاصة بين الرجل والمرأة أو أن تصنف العقوبة الحدية بأنها تعذيب، لها كان تصورهم ان هذه النصوص ستظل واجبة التطبيق في كل زمان ومكان إلى يوم الدين، خاصة انهم كانوا يرون ان هذه النصوص تغطي كل ما ينزل بالإنسان، فالشافعي يقول في كتابه الرسالة صفحة 477 (كل ما نزل بمسلم ففيه حكم لازم أو على سبيل الحق فيه دلالة موجودة.. فالقول بغير خبر ولا قياس لغير جائز) ويوضح ذات القضية الفقيه إبن حزم في كتابه الأحكام في أصول الأحكام بقوله (وكل هذا يبطل ان يكون للعقل مجال في حظر أو إباحة أو تحسين او تقبيح وان كل ذلك مسطر فيه ما ورد من الله تعالى في وحيه فقط).
وتجدر الإشارة هنا ان ائمة السلف اعتبروا ان كل المنظومة صارت قطعيات لأنها صارت معلومة من الدين بالضرورة، وانها كلها جاءت وفق وسع الإنسان، ويقصدون بالإنسان هنا مطلق الإنسان لأنهم لم يتخيلوا ان الإنسان سيأتي عليه يوم لا يسافر بالإبل والخيل، ولهذا لم يتخيلوا إمكانية تغيير أحكام قصر الصلاة في السفر، أو انه لن يوجد رقيق يعتق ككفارة أو عقاب، أو إماء وجواري يشترين بدلاً من الزواج إلخ.
العقوبات عند عرب الجاهلية:
العقوبات عند العرب هي أعراف أفرزها وسعهم الإجتماعي والإقتصادي والحضاري والعقلي، فالعرب لم يتبنوا عقوبة السجن لأنهم قوم رحل، وحتى المدن التجارية القليلة التي نشأت كانت تديرها القبائل وفق الأعراف السائدة، إذ لم يكن في وسعها بناء مؤسسات عقابية او تمويلها - مبانٍ وحرس وإعاشة سجناء، هذا بالرغم من ان مؤسسة السجون كانت معروفة لدى الإمبراطوريات المحيطة بالعرب، وقصة صاحب السجن معروفة، ولهذا نجد ان السمة الأساسية في عقوباتهم انها تنتهي فور توقيعها، فالجاني يجلد أو يقطع أو يرجم وتسير القافلة، ولا يبقى أحد ليكون مسؤولاً عن الشخص الذي عوقب.
وتجدر الملاحظة هنا ان مجتمع العرب كان مجتمعاً عبودياً، يلعب الأرقاء فيه أدواراً مهمة في رعي الإبل، وفي شحن وتفريغ القوافل، وكان الرقيق متوفراً لأن غزو القبائل الأخرى واسترقاق أطفالها ونسائها كان عملاً ليس فقط مشروعاً بل يعد عملاً بطولياً يفتخرون به وينشرون المعلقات في الإشادة به، والغزو يعني ان تنهب الناس جهاراً نهاراً عنوة واقتداراً، وتسبي نساءهم وتحولهم الى إماء وجواري، ويسترق رجالهم، وكل هذا لم يكن يعد من الجرائم، فالجرائم عندهم هي الأفعال التي ترتكب خلسة وفي الخفاء، ولهذا يأنف الإنسان العربي الحر من ارتكاب مثل هذه الأفعال، ومن ثم كانت الجرائم في الأغلب الأعم ترتكب بواسطة الرقيق، والرقيق عند العرب كان يعتبر سلعة وشيئا، ولهذا فإن دله أو قطعه أو رجمه كان ضرورياً لردع بقية الأرقاء، أما العربي الحر إذا أراد أخذ مال فإنه يأخذه عنوة واقتداراً، ولهذا لم يضع العرب عقوبات القطع على جرائم أشد خطورة من السرقة كجريمة النهب أو خيانة الأمانة، وتبعتهم الشريعة في ذلك، فخائن الأمانة في الشريعة لا يقطع ومثله من يرتكب الإحتيال أو الإمتلاك الجنائي أو الإبتزاز.
ماهو أصل فكرة العقوبة؟
أصل فكرة العقوبة عند عرب الجاهلية وكذلك عن الأقوام البدائيين هو تطبيق مبدأ المماثلة الذي يفهمه العقل البدائي، والمماثلة هي ان تفعل في الجاني مثل ما فعله بالمجني عليه، ونموذجها عقوبات القصاص، وتماثلها عقوبة قطع اليد التي تمتد للسرقة أو اليد والرجل لقاطع الطريق، وهناك مصدر آخر للعقوبة هو وجوب إيلام الجاني والتشفي منه وردعه والإنتقام منه جراء ما فعله بالمجني عليه، ولهذا كانوا في كثير من الأحيان يستمتعون بتعذيب الجاني، مثل ما كان يفعل الرومان عندما يلقون بالمجرمين والكفرة الى السباع الجائعة في الكلزيوم (الإستاد) وهم يهللون ويتصايحون معبرين عن أقصى درجات البهجة والنشوة.
ونزل القرآن بمنهجه بأن لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ووجد القرآن بمنهجه بأن لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ووجد ان وسع العرب واعرافهم أفرزت عقوبات الجلد والقطع والقصاص والرجم، فلم يكونوا يطيقون إلزامهم بعقوبة السجن، فأقر العرب على هذه العقوبات خاصة وان عرب الجاهلية لم يكونوا يعرفون لماذا يرتكب الإنسان الجريمة، إذ يعتبرونها تعدياً مطلقاً من الجاني يستوجب العقاب الرادع، كما انهم لم يكونوا يعترفون للرقيق بأية كرامة فهو سلعة وشئ، ولهذا فإن إذلاله وإهانته بعقوبة الجلد لم تكن تشكل مصدراً للإحتجاج، بينما يستحيل عندهم ان تجلد انساناً حراً وإلا هبت قبيلته في وجهك لتمزقك إرباً، ولهذا قلنا بأن عقوبة الجلد كانت مخصصة لتأديب الرقيق أو من في وضعهم كالخلعاء والضعفاء ممن ليست لهم قبائل يحتمون بها.
دار الزمان دورات هائلة وتغير وسع البشر العقلي والحضاري والإجتماعي وعرف الإنسان لماذا يرتكب الإنسان الجرائم، ولهذا ابتدعوا عقوبات تساعد الجاني للتخلص من دوافع إجرامه، فحولوا السجون لكي تكون مؤسسات للإصلاح والتهذيب والتأهيل المهني، وأقاموا إصلاحيات للصبية، وابتدعوا أنواعاً عديدة من الخدمات الإجتماعية كعقوبات، وكذلك ابتدعوا الزام الجاني باداء أعمال يدوية في مواعيد تجعله فرجة لكل الناس، وهي أقسى أنواع العقوبات الإجتماعية، وصاحب كل ذلك الغاء نظام الرق والاعتراف للأرقاء بالكرامة والمساواة مما دفع الإنسان في مؤسساته الدولية بان يصدر مواثيق حقوق الإنسان التي تحرم الجلد باعتباره عقوبة أو معاملة تشكل تعذيباً فضلاً على انها مهينة وحاطة بكرامة البشر، وأدانوا عقوبات القطع والرجم والقصاص فيما دون النفس باعتبار انها عقوبات تشكل تعذيباً بشعاً، فضلاً على انها عقوبات لا انسانية ووحشية وحاطة بكرامة الإنسان.
هكذا أدى تغير وسع الإنسان الى صيرورة عقوبات عرب الجاهلية ليست في وسع الإنسان اليوم، أي ان الإنسان لم يعد مكلفاً بتنفيذها لأنها ليست في وسعه ومن ثم فإن حكمها صار منسوخاً وإن بقى رسمها في القرآن.
الشيخ حسن لم يلتفت الى كل ما حدث في تاريخ البشر طوال الألف عام الماضية، فهو لا يفكر لأن منهج الأصولية السلفية لا يسمح بالتفكير، هكذا رأينا حكومة طالبان، ومعهم شيخهم بن لادن كيف نفذوا بالحرف كلام السلف، عندما اتيحت لهم فرصة الحكم وتطبيق منهجهم، فالترابي لا يختلف عنهم مطلقاً، فهو مثلهم تماماً فقط هناك اختلاف درجة وليس اختلاف نوع في إطار الاختلافات التي عبر عنها الائمة الأربعة، أما الأصل فهو واحد انه وجوب تطبيق النصوص القطعية السند والدلالة في كل زمان ومكان.
ولابد أن أذكر القارئ بأن هذه القاعدة الأصولية لم ينزل بها سلطان من السماء، بل هي ابتداع من الفقهاء الأصولين السلفيين، وقد أخذوها من علم اللغة الذي يجعل معيار إعتماد اللفظ أو المعنى في اللغة هو وروده بسند قطعي ودلالة قطعية لدى المتحدثين باللغة المعينة، وعندها يصير اللفظ صالحاً في كل زمان ومكان يوجد فيها أناس يتحدثون تلك اللغة فكلمة أسد التي تشير الى حيوان محدد إعتمدت في اللغة لأنها جاءت بأسانيد قطعية، وكانت دلالتها مجمعاً عليها لدى المتحدثين باللغة، ومن ثم فإننا مثل عرب الجاهلية مانزال نطلقها على ذات الحيوان.
يجدر ان نلفت النظر بأن وسع الإنسان قد تغير تماماً بالنسبة للعقوبة ولكنه لم يتغير بالنسبة للجريمة إلا في حالات قليلة، فالقتل والسرقة والزنا والسكر وتسبيب الأذى والجراح وإتلاف عضو الإنسان وغيرها كانت جرائم، وهي لاتزال جرائم حتى الآن، أما الذي اختلف فهو العقوبة، فقد رأينا كيف طور الإنسان عقوبات اختلفت نوعياً عن عقوبات عرب الجاهلية لأن وسعه العقلي والحضاري والإنساني قد تغير واستوجب تغيير التكليف بالنسبة للعقوبة.
شيخ حسن يعود بالسودان ألف عام الى الوراء:
لقد كانت الشريعة الإسلامية من أكثر المنظومات القانونية سرعة في النمو والتطور، فقد كان الأئمة وأصحابهم وتلاميذهم يعملون كالنحل في تطوير الفقه، ومن أهم إبداعاتهم تطبيق منهج القرآن في الأخذ (بالعرف) باعتباره النموذج المعبر عن وسع الإنسان لدرجة ان الإمام الشافعي غير مذهبه في عشرات المسائل عندما انتقل من العراق الى مصر لأن الأعراف المصرية تختلف عن الأعراف العراقية، ثم نزل ليل دامس على نهار الشريعة فأوقف نموها وتطورها، وأعلن قفل باب الاجتهاد باعتبار ان ما تم صياغته هو الشريعة الصالحة لكل زمان ومكان، ومرت ألف عام، وفتح باب الاجتهاد وكان من المفروض ان يقوم علماء وفقهاء وأئمة الأمة بالتفرغ للاجتهاد لتغطية كل المستجدات التي ظهرت عبر الألف عام الماضية، ومن بينها مناهج البحث التي تطورت وكانت تقضي بالغاء منهج علم أصول الفقه، وتبني المناهج الحديثة وتطبيقها في الاجتهاد، ولكن الذي تأكد أن القوم أعجز من ان ينهضوا بهذه المهمة، خاصة وان عقولهم مكبلة بمنهج علم أصول الفقه الذي من نتيجته ان الشريعة هي الشريعة التي صاغها السلف باستخدام هذا العلم.
الشيخ حسن لم يخرج من حظيرة السلف، ولهذا عندما قرر صياغة القانون الجنائي لسنة 1991م تبنى كل ما قاله السلف عن العقوبات وشروط تطبيقها، أخذها (بضبانتها) ولم ينقص منها شيئاً.
وهي بصفة عامة كالآتي: الجلد، قطع اليد، القطع من خلاف - يد ورجل - القتل رجماً بالحجارة، الصلب بعد القتل، القتل بذات الآلة أو الوسيلة التي قتل بها المجني عليه، التغريب، السن بالسن والعين بالعين، الدية وهي تجب على الجاني والعاقلة ويقصد بها العصبات من أقرباء الجاني.
وأنا اسأل عقولكم وضمائركم هل هذه العقوبات لها علاقة بالوسع العقلي والحضاري والإجتماعي لإنسان القرن الحادي والعشرين؟ واسألكم أيضاً أليست آيات الوسع من القران؟ أليس الله سبحانه وتعالى فعال لما يريد؟ ويفعل ما يشاء في أي وقت شاء، وينسخ ما يشاء، ويبدل ما يشاء؟ هل تشكون ان الله سبحانه قضته مشيئته بنسخ أحكام آيات الرق وإن بقى رسمها؟ أتشكون في أن الله سبحانه وتعالى نسخ حكم آية السيف في سورة براءة رغم بقاء رسمها؟ هنالك خلل ما في عقيدة التوحيد عند السلفيين خاصة في قولهم بصلاحية القطعيات حتى قيام الساعة، وكأن الله سبحانه وتعالى ملزم بألا ينسخها استجابة لمنهجهم؟!
وتبلغ السلفية بالترابي درجة يرفض فيها الأخذ بما اثبت العلم الحديث صحته لأنه يتعارض مع اجتهادات السلف، وسنستعرض في المقال القادم عينات من اختيار الترابي.


http://www.alsudani.info/index.php?type=3&id=2147530729&bk=1

Post: #962
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-26-2008, 10:42 PM
Parent: #1


التسـامح الديني:
هل هو ممكنٌ بغير اجتهادٍ جديد؟
د. النور حمد


يقول العفيف الأخضر أنه لا سبيل إلى الخروج من حرب الديانات الدائرة اليوم إلا باعتراف المسلمين بالديانات التي سبقت الإسلام. ويورد العفيف الأخضر الآية: ((إن الذين آمنوا، والذين هادوا، والصابئون، والنصارى، من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون)) مشيرا إلى أن فقهاء العصور الوسطى هم الذين قالوا بأن هذه الآية منسوخة بآية ((ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخر من الخاسرين)). (1) غير أن النسخ ثابت، فآية السيف التي نصها، ((فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم)) نسخت كل آيات الإسماح، مثال آية، ((فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر)) أو آية ((وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر))، وغيرهما من آيات الإسماح العديدة. وتأكيدا للنسخ جاء الحديث النبوي القائل: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمد رسول الله)).

المشكلة إذن ليست في ما إذا كانت آيات الإسماح قد تم نسخها بآيات الجهاد أم لا، فهي قد نسخت بالفعل. كما أن الجهاد قد قام بالفعل وبه تمددت دولة المدينة لتصل أعماق أسيا شرقا ولتصل إفريقية غربا. فآيات الإسماح لم يعد لها الحكم منذ أن قال النبي الكريم، ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله)). المشكلة ليست إذن في ما إذا كان النسخ قد جرى أم لا. فهو قد جرى بالفعل. المشكلة هي: هل النسخ مستمر أبد الدهر، أم هو إجراء مرحلي اقتضاه الظرف التاريخي في القرن السابع الميلادي، وأن آيات الإسماح التي تم نسخها يمكن أن تكون لها عودة؟ هذا السؤال المركزي جدا، هو ما عالجه الأستاذ محمود محمد طه في كتابه، "الرسالة الثانية من الإسلام". والأستاذ محمود محمد طه مفكر إسلامي سوداني مجدد، أعدمه الرئيس السوداني الأسبق جعفر محمد نميري بتهمة الردة في 18 يناير 1985. وحادثة قتله تمثل، في حد ذاتها، أكبر الشواهد على انعدام أسس للتسامح الديني في العالم الإسلامي. فالذين أفتوا بردته وقادوه إلى حبل المشنقة إنما كانوا فقهاء دولة، استندوا على النصوص، وعلى سوابق عديدة في التاريخ الإسلامي.
جوهر فكرة الأستاذ محمود محمد طه يتلخص في أن النسخ ليس نهائيا، لأن آيات القرآن كما يراها تتبادل الحكم. فالذي نزل في البداية كان القرآن المكي، الذي يشير إليه الأستاذ محمود محمد طه بـ "قرآن الأصول". غير أن قرآن الأصول المكي قد جرى نسخه بـ "قرآن الفروع" المدني. فالأصل في الإسلام الإسماح والحرية والمسؤولية الفردية أمام الله تمشيا مع قوله تعالى: ((فذكر إنما أنت مذكر، لست عليهم بمسيطر)) وغيرها من آيات الإسماح العديدة. فالنبي مكلف فقط بالتذكير، وليس له أن يسيطر على المدعويين أو أن يكرههم على قبول الدعوة. غير أن هذا المستوى من الخطاب القائم على الحرية والمسؤولية قد تم نسخه بآية السيف، التي بناء عليها قال النبي الكريم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله)). فالثابت أن الجهاد قد شرع بعد أن جرى نسخ آيات الإسماح التي لم يستجب لها المجتمع المكي، الذي قاوم الدعوة وآذى النبي، وتآمر على حياته حتى اضطره للهجرة، هذا فضلا عن ما جرى من تعذيب أصحابه، الذين قضى بعضهم بسبب ذلك التعذيب الرهيب.

يقول الأستاذ محمود محمد طه لو كان النسخ سرمديا لأصبح خير ما في ديننا منسوخ بما هو أقل منه. وذلك يتعارض مع قوله تعالى: ((واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم)). ويقول أيضا، إن النسخ ليس تغيير رأي. فتغيير الرأي لا يجوز في حق الذات العلية. ولذلك، لم يبق إلا أن النسخ قد كان إرجاء. ويستدل الأستاذ محمود محمد طه على النسخ بالآية: ((ما ننسخ من آية أو ننسها، نأت بخير منها أو مثلها)). ويستدل الأستاذ محمود محمد طه على مجيء وقت الأصول اليوم ببروز المجتمع الكوكبي الراهن، الذي أصبح فيه السلام فيه والتعايش السلمي أمران لا مناص منهما. كما أصبحت كفالة الحقوق المتساوية للناس، بغض النظر عن الدين، أو العرق، أو اللون، أو الجندر، مطلبا بديهيا. ولذلك فإن الاجتهاد القادر على التصدي على تحديات عصرنا الراهن، فيما يتعلق بقضايا الحقوق الأساسية ـ وفق رؤية الأستاذ محمود محمد طه ـ إنما هو الاجتهاد الذي يتجه إلى بعث أصول القرآن المنسوخة، وليس الزعم بأن الشريعة الإسلامية المطبقة منذ القرن السابع الميلادي، صالحة لكل زمان ومكان. وفي هذا المعنى كتب الأستاذ محمود محمد طه:
((من الخطأ الشنيع أن يظن إنسان أن الشريعة الإسلامية في القرن السابع تصلح، بكل تفاصيلها، للتطبيق في القرن العشرين، ذلك بأن اختلاف مستوى مجتمع القرن السابع، عن مستوى مجتمع القرن العشرين، أمر لا يقبل المقارنة، ولا يحتاج العارف ليفصل فيه تفصيلا، وإنما هو يتحدث عن نفسه. فيصبح الأمر عندنا أمام إحدى خصلتين: إما أن يكون الإسلام، كما جاء به المعصوم بين دفتي المصحف، قادرا على استيعاب طاقات مجتمع القرن العشرين فيتولى توجيهه في مضمار التشريع، وفي مضمار الأخلاق، وإما أن تكون قدرته قد نفدت، وتوقفت عند حد تنظيم مجتمع القرن السابع، والمجتمعات التي تلته مما هي مثله، فيكون على بشرية القرن العشرين أن تخرج عنه، وأن تلتمس حل مشاكلها في فلسفات أخريات، وهذا ما لا يقول به مسلم. ومع ذلك فإن المسلمين غير واعين بضرورة تطوير الشريعة. وهم يظنون أن مشاكل القرن العشرين يمكن أن يستوعبها، وينهض بحلها، نفس التشريع الذي أستوعب، ونهض بحل مشاكل القرن السابع، وذلك جهل مفضوح)). إنتهى (2)

الشريعة الإسلامية المحكمة منذ القرن السابع الميلادي أمرت بقتال الكفار حتى يسلموا، كما أمرت بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا، أو يقبلوا دفع الجزية عن يد وهم صاغرون. وقد فسر ابن كثير ((صاغرون)) بقوله: ((أي ذليلون حقيرون)) (3). أيضا تأمر الشريعة الإسلامية المحكمة منذ القرن السابع الميلادي بقتل الذي يبدل دينه، ((من بدل دينه فاقتلوه)). أكثر من ذلك، فإن الشريعة الإسلامية تأمر بقتل المسلم نفسه، إن هو ترك الصلاة! ولا ننسى أيضا أن الشريعة الإسلامية المحكمة منذ القرن السابع الميلادي قد أقرت الرق، وأقرت معه التمتع بالإماء، بغير عقد زواج. كما أنها لم تساو النساء بالرجال في الحقوق، وجعلت الرجال أوصياء على النساء. وكل ما تقدم لا يعيب الشريعة الإسلامية في شيء في ذلك الظرف التاريخي، ويرى الأستاذ محمود محمد طه أن كل ما جرى ذكره عاليه كان تشريعا إلهيا من لدن عليم خبير. وهو تشريع كان مناسبا جدا لذلك الوقت. ولذلك يقول الأستاذ محمود محمد طه، إن الإسلام ليس بحاجة لمن يعتذر عنه، لكونه قد استخدم السيف في القرن السابع الميلادي. وذكر في ذلك الصدد أن الإسلام قد استخدم السيف كما يستخدم الطبيب المبضع، وليس كما يستخدم الجزار المدية. كل ما في الأمر، أن القول باستخدام السيف اليوم، ومحاكمة الناس بالردة اليوم، وانتقاص حقوق الناس بسبب العقيدة، أو العرق، أو اللون، أو الجندر، أمر معيب ولا يجب أن يلصق بالإسلام في عالم اليوم.

التعايش السلمي وحوار الطرشان:

بعد هجمة الحادي عشر من سبتمبر 2001 في نيويورك، كثرت المؤتمرات التي تنعقد تحت مسميات حوار الأديان والتسامح الديني. غير أن من يشارك في هذه المؤتمرات، ممن يحلو لهم بأن يسموا أنفسهم "علماء الإسلام" لا يملكون زادا يمكن أن يشاركوا به في موائد الحداثة، سوى اجتهادات فقهاء الحقب السوالف. وهي اجتهادات لم تعد تسمن أو تغني من جوع، في مواجهة تحديات الحاضر. فالعلماء الذين تندبهم الجهات الإسلامية الرسمية ليشاركوا في هذه المؤتمرات لا يؤمنون أصلا بما تواضعت عليه الحضارة المعاصرة فيما يتعلق بالتعايش. فهم رغم دعاوى الإعتدال والوسطية التي يدعونها، متطرفون تكفيريون، لا يختلفون في شيء عن جماعة القاعدة وجماعة طالبان. هذا إضافة إلى كونهم مدفوعين لهذه المؤتمرات بواسطة الأنظمة السياسية العربية التي توظفهم ضمن منظومتها القمعية الشاملة. فحين أحس الغرب أنه قد أصبح بحاجة ماسة إلى تأسيس ديني للسلام في الإسلام، أوعز ـ من فرط غفلته ـ لهذه الأنظمة التي يرعاها بأن تحرك علماءها تجاه ما يريد، فحركتهم! ولا غرابة إذن إن كان عطاء هؤلاء "العلماء" في كل تلك المؤتمرات عطاء بالغ الضآلة، ألأمر الذي جعل منها مجرد مناسبات روتينية لتبادل المجاملات، والابتسامات الصفراء.

ما يحتاجه العالم الإسلامي اليوم هو اجتهاد جديد مستند على أصول القرآن وجوهر رسالة الإسلام المتمثلة في السلام وفي المسؤولية الفردية. ومثل هذا الإجتهاد لا يكون بغير الخروج عن إطار أحكام الشريعة السلفية في ما يخص شؤون حرية الإعتقاد، وحرية الرأي، وسائر الحقوق الأساسية، ليستند على أصول القرآن التي تلتقي في الإطار العام بما تنص عليه الدساتير، والديمقراطيات، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وحين عجز علماؤنا عن الخروج عن عقلية التجبر والسيطرة والكبت والمصادرة ذهبوا ليطالبوا بأن يستثنينا العالم من مقاييسه للحقوق الأساسية زاعمين أن لنا ((حقوق إنسان خاصة بنا))! وهكذا أصبحنا نسمع بمصطلح ((حقوق الإنسان في الإسلام))! وهكذا تحول الحوار في كل هذه المؤتمرات إلى مجرد حوار طرشان. فحقوق الإنسان ليست طلاسما مبهمة، وإنما يمكن تلخيصها في: حق الإنسان البالغ الرشيد في الاعتقاد، وفي التعبير عن رأيه، وفي السفر، والسفر بمفرده إن شاء، رجلا كان أم إمرأة، وفي قيادة السيارة إن شاء، رجلا كان أم إمرأة، وفي انتخاب حاكمه وعزله إن شاء. باختصار هي حقه في ألا تتم مصادرة حقه في الحرية على أساس العرق، أو الدين، أو الجندر، أو اللون، أو الطبقة الاجتماعية.

كيف يفكرعلماؤنا؟

علماؤنا لا يؤمنون، من حيث المبدأ، لا بالديمقراطية ولا بحقوق الإنسان! ويستوي في ذلك علماء السنة وعلماء الشيعة، وبلا فروق جوهرية تذكر. فقضية المواطنة وحق المواطنين قضية مركزية في بناء الدولة العصرية، ولكنها لم تلق اجتهادا يواجهها في مستوى التحدي الذي تطرحه. والذين جاءوا فيها باجتهاد نير، كالمجدد محمود محمد طه كان مصيرهم القتل. نحن لا نزال نقارب قضايا الحقوق الأساسية بأفق السلف، وبتشريعات الردة، وبفقه أهل الذمة. ويكفي أن نذكر هنا أن الدكتور حسن الترابي الذي يرى فيه البعض مجددا إسلاميا، لم يتردد أن يعلن إحتفاءه بإعدام الأستاذ محمود محمد طه، قائلا: ((لا أستشعر أي حسرة على مقتل محمود محمد طه .... إن ردته أكبر من كل أنواع الردة التي عرفناها في الملل السابقة)) (4)

أما الشيخ محمد الغزالي القيادي البارز في تنظيم الإخوان المسلمين، والذي يرفعه الكثيرون كنموذج للاعتدال، فقد وقف حين استدعته المحكمة بناء على طلب من فريق الدفاع لكي يقدم شهادته، التي أراد بها الدفاع أن تكون في مصلحة المتهمين، قائلا، إن فرج فوده مرتد، ويستحق القتل، ولكن الذين اغتالوه افتأتوا على السلطة (5). مضيفا أن الحاكم هو الجهة الوحيدة المنوط بها تطبيق حكم الردة على المرتدين، حتى لا يؤول الأمرإلى فوضى. وحين سأله فريق الدفاع عن حكم الإسلام في من يفتئت على السلطة، أجاب الشيخ الغزالي بأنه لا يعرف حكما في الإسلام على من يفتئت على السلطة. وهكذا يا عمرو لا رحنا ولا جئنا! فالشيخ الغزالي يرى أنه لا توجد في الإسلام عقوبة لمثل الفعل الذي قام به قتلة الكاتب فرج فودة، لأن فرج فودة كافر كما أفتى هو! وهذا يعني ضمنا أن الإسلام يقر مثل تلك الفوضى، وذلك بتطبيق منطق الشيخ الغزالي نفسه!

أما الشيخ يوسف القرضاوي فلم يخالف الشيخ الغزالي فيما ذهب إليه في تكفيره لفرج فوده وتجويزه قتله (6). والشيخ القرضاوي، أيضا يرفعه الكثيرون، رمزا للإعتدال، مع أنه قد أفتى هو الآخر بتكفير الكاتب حيدر حيدر، وتكفير راويته "وليمة لأعشاب البحر" (7) . أما في الكويت، فقد أورد الباحث خليل علي حيدر أن السيد، عبدالله العلي المطوع، أحد كبار الإخوان المسلمين الكويتيين، حين سئل إذا ما كان الإسلام يسمح للأحزاب القومية والعلمانية بممارسة نشاطها، أجاب بقوله: ((أما أن يكون في الدولة الإسلامية من يسمون أنفسهم بـ "مسلمين" ثم يقومون بأمور مخالفة للإسلام ومناوئة للدين والعقيدة فلن يقبل منهم ذلك أبدا)). (8) أما إسلاميو الجزائر فلا يختلفون عن إسلاميي المشرق العربي في شيء. فقد تبنت جبهة الإنقاذ على لسان أنور هدام أحد كبار قادتها إغتيال الجامعي الجيلاني اليابس، وذلك في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية. وقد أغتيل في الجزائر أكثر من ستين من المثقفين، بينهم الشاعر الطاهر جعوط. (9)

ولا يختلف حال الشيعة عن السنة في مسألة الحقوق الدستورية الأساسية. إذ يكفي أن نورد فتوى أية الله الخميني في حق الكاتب سلمان رشدي، وإهداره لدمه بسبب كتابه "آيات شيطانية"، ونضيف إليه ما رواه الكاتب أمير طاهري من أن الخميني قد ظل طوال حياته، ((يفخر بالفتوى التي أصدرها بقتل المفكر الإيراني أحمد كسراوي سنة 1947. ولما سئل الخميني عام 1979 عن سبب إصداره أمراً بإعدام المعارضين دون محاكمة أجاب: ((لأنهم مذنبون ولا حاجة لإضاعة الوقت في محاكمتهم)) (10)!!. أما الشيخ حسن نصر الله، الرمز الشيعي السياسي الأبرز في لبنان، فيؤكد على ما أفتي به الإمام الخميني. فقد أوردت وكالة رويترز للأنباء، على أثر نشر الرسوم الكارتونية المسيئة للنبي الكريم في الدنمارك، أن الشيخ حسن نصر الله قال: ((لو قام مسلم ونفذ فتوى الامام الخميني بالمرتد سلمان رشدي لما تجرأ هؤلاء السفلة على أن ينالوا من الرسول لا في الدنمارك ولا في النرويج ولا في فرنسا)). (11) أفلا يدل كل ما تقدم على أننا بحاجة ماسة إلى اجتهاد انقلابي يخرج أمر الدين ومستقبله تماما من قبضة هؤلاء؟. فأي غد ينتظرنا وهؤلاء هم علماؤنا وقادتنا؟ خاصة أن من بينهم من رفعته كبرى وسائل الإعلام عندنا بالأمس، ومن ترفعه اليوم، كرموز وأمل لخلاصنا من نير السيطرة الغربية؟

نزعة التكفير لا تعرف الحدود!:

يظن كثيرون أن التكفير والإخراج من الملة أمر يطال فقط أولئك الذين يأتون بآراء تشذ عن ما تواضعت عليه الأكثرية. كما يظنون أن هناك فهما للدين تتشاركه غالبية من الناس، يشذ عنهم بعضى الشواذ الذين يجب ردعهم. غير أن ذلك غير صحيح. فالتكفير والإخراج من الملة في تاريخ الثقافة الإسلامية، ظاهرة يمكن أن تلحق في غرابتها باللامعقول. ولربما لا يعرف أكثرية المسلمين، مثلا، أن الإمام أبا حنيفة النعمان قد تم تكفيره من قبل خصومه في الرأي! وأنه أستتيب في حياته بضع مرات! بل إن سفيان الثوري حين بلغه نبأ وفاة أبي حنيفة قال: ((الحمد لله الذي أراح المسلمين منه، لقد كان ينقض عرى الإسلام عروة عروة. ما ولد في الإسلام مولود أشأم على الإسلام منه)) (12)!! وهذه العبارة المروية عن سفيان الثوري رددها معه عدد من مخالفي أبي حنيفة، من كبار أهل الرأي. نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر، أيوب السختياني، ومالك، والأوزاعي، ووكيع، وجرير بن حازم، وإبن المبارك. كما جاء أيضا أن الإمام عبد الله قد روى بإسناده إلى حماد بن أبي سليمان أنه قال لسفيان: ((إذهب إلى الكافر إبي حنيفة، فقل له: إن كنت تقول: إن القرآن مخلوق فلا تقربنا)) (13). ورغم ذلك صار لأبي حنيفة أتباع عبر التاريخ الإسلامي، لا يقلون بحال عن أتباع مالك والشافعي وإبن حنبل وغيرهم من المجتهدين!

الشاهد، أنه ليست هناك قواعد ثابتة تحكم نزعة التكفير. فالتكفير سلاح جرى استخدامه بأشكال عشوائية مختلفة في أزمنة مختلفة، بغرض التخلص من الخصوم الفكريين. وهو بتلك الأوصاف سلاح يمكن أن يطال أي أحد، وبلا استثناء. ولذلك فالمخرج من ورطته لا يكون بغير إخراج مفرداته كلية من القاموس الحي، ووضعها، وإلى الأبد، في أرفف التاريخ. ولكن ذلك لن يتحقق بغير اجتهاد إنقلابي منفلت تماما من قبضة السلف، ومن سائر الأطر الظرفية التاريخية التي حكمت اجتهاداتهم وخياراتهم. وإلا فدون التسامح الديني خرط القتاد!

أما محاولة ترك الدين جانبا والإتجاه صوب "العلمانية" كما يرى بعض المثقفين المسلمين، فتمثل في نظري محاولة للسير في ذات الخط التاريخي الذي سارت عليه حركة فصل الدين عن الدولة، كما جرت في المجتمعات الغربية. فسيرنا في ذلك المضمار سوف يكون ضئيل المردود، كما أنه غير مطلوب أصلا، في ما أرى. فقضية الحرية كما عالجها الفكر السياسي والإقتصادي الغربي لم تثمر في نهاية مسارها سوى سيطرة مطلقة للمالكين، وقتلٍ ذريع للإنسان في الإنسان، وتبيان ذلك يطول. ما أراه هو ضرورة مواجهة قضية التحديث من داخل بنية ديننا نفسه، لا من خارجها. فارتداء الخوذة العقلية الغربية كما هي، غير ممكن في حالتنا، لأنه، وببساطة شديدة، لا يلمس الجماهير بأي تغيير. وأي تغيير لا يلمس الجماهير فسيكون تغيير فوقي لن يسفر في منتهاه إلا عن تكريسٍ للسلطة والثروة في أيدي النخب. هذا فضلا عن أن انعتاق الغرب نفسه، على علله الكثيرة، لم يكن ليحدث لولا أفكار مارتن لوثر، وجون كالفن، التي أعاد انتاجها وضخها في مجرى الرأسمالية المسيطرة اليوم ، الألماني ماكس فيبر.


http://www.dohamagazine.com/dohamagazine.pdf

pages 84 -87


المراجع:

1. العفيف الأخضر ـ الحوار المتمدن، العدد 1500 25-3-2006.
2. http://www.rezgar.com/search/Dsearch.asp?nr=1500
3. محمود محمد طه (1967) الرسالة الثانية من الإسلام. الكتاب متضمن في كتاب: نحو مشروع مستقبلي للإسلام: ثلاثة من الأعمال الأساسية للمفكر الشهيد محمود محمد طه. (ص. ص. 76- 77) (2001) الكويت: دار قرطاس والمركز الثقافي العربي ـ بيروت
4. إبن كثير ـ الجزء الثاني ص 332
5. صحيفة الوطن السودانية 30-4-1988
6. د. رفعت السعيد (1998) الإرهاب: إسلام أم تاسلم؟ دار سيناء:القاهرة.
7. د. يوسف القرضاوي (2000)الشيخ الغزالي كما عرفته، ص: 271-275 . وانظر أيضا: "أحكام الردة والمرتدين من خلال شهادتي الغزالي ومزروعة"، ص 298-300، للدكتور محمود مزروعة، طبعة خاصة بالمؤلف 1414
8. . العفيف الأخضر، http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?t=2&aid=8336 زيارة الموقع في 23-12-2006
9. خليل علي حيدر. (1998) إعتدال أم تطرف. الكويت:دار قرطاس
10. العفيف الأخضر، http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?t=2&aid=8336 زيارة الموقع في 23-12-2006
11. وكالة رويتر 2-2-2006
12. تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، (ص ص 370-371- 13).
13. المصدر السابق نفسه


http://www.dohamagazine.com/dohamagazine.pdf

pages 84 -87

Post: #963
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-27-2008, 04:42 PM
Parent: #1



Last Update 17 June, 2008 10:18:53 م

مواعيد سودانية

صلاح فرح
[email protected]

يصعب على من يحضر لأول مرة ندوات السودانيين أن يتخلص بسهولة من الانطباع الذي يستحوذ عليه إلى أن يوهمه بأن الشعب السوداني كسول... ذلك لتفشي ظاهرة عدم التزام المواعيد. ولعل المرء لا يحتاج إلى مجهود فكري كبير للوصول إلى العلاقة الموجودة بين هذا الانطباع وبين صفة «الكسل» التي تدل على الموصوف نفسه، وهو ما كان من شأنه أن يشجّع على ترسيخ هذا الانطباع في أذهان الآخرين.

وإذا سألت سودانيًا عن السر في هذه الظاهرة أجابك بمنتهى البرودة: «كانت المواعيد السودانية دائما هكذا، وستظل دائما هكذا»، وإن أنت أضفت أي تعليق، شزرك بامتعاض شديد، ثم كتم غيظه، وقال لك بمنتهى اللباقة والأدب: «أنت خواجة!».

حيرني كثيرًا أمر هذه الظاهرة، فإن أنت التمست تفسيرًا لها فعجزت وقلت: «ما تأخر من تأخر إلا اعتقادًا منه بأن الآخرين سيتأخرون .. وبالتالي فإن أي تأخير من جانب الآخرين يجد تبريره في هذا الاعتقاد» أخطأت، لأنّ ليس ذلك عذرًا، بل بالعكس كلما كان المرء متمدرسًا سهل إقناعه بضرورة التزام المواعيد.

قبل التعرض لضرورة التزام المواعيد، قد يكون من المفيد إيراد حادثة نموذجية لصديق كان قد دعي من طرف مجموعة سودانية لتقديم ندوة مسائية:

«قال صاحبنا: ما كدت أدخل مكان الندوة حتى ثبطت همتي؛ فقد وجدته خاليًا تمامًا. هممت بالجلوس، لكن وقعت عيني على ساعة حائطية ضخمة بدت كأنها ثبتت قبالتي قصدًا لأتمكن من حساب الزمن. دقت الساعة السابعة، لم يأت أحد، مرت ساعة، مضت أخرى، لا جديد... عند متم الساعة التاسعة ليلا ضاق صدري وثار البركان في رأسي؛ قررت الخروج، صرخت في قرارة نفسي: «لا ندوة ولا يحزنون!...»، لكنني ما كدت أصل الباب حتى شاهدت رجلين يتهيآن للدخول، وكلاهما حمل ترمس: أحدهما امتلأ شايًا بلبن، والثاني قهوة فهمت فيما بعد أنها كانت لزوم الندوة.



مرت الليلة سريعة. في النهاية تقدم أحد منظمي الندوة نحوي مرسلا ابتسامة مرتبكة، صافحني بحرارة، ربت على كتفي معتذرًا، قال:

- بلغنا أنك انتظرت طويلا هنا، وإذ نبلغك عميق أسفنا، نرجو منك الصفح والمعذرة. حقًا، إنّ ما لحقك من غبن ليستدعي منا الخجل، لكنك لو عاينت ما يستنزفه منا إعداد الشاي، والقهوة، واللقيمات من طاقات جبارة لبادرت أنت بالتماس الصفح والمعذرة عما أحطتنا به من شكوك طوال فترة انتظارك...»

بطبيعة الحال قد تكون هناك ظروف لا مناص منها وراء التخلف عن المواعيد، ولكنني لم أفلح لحد الآن في فهم السبب في تفشي هذه العادة السيئة في مجتمعاتنا. فإننا إن استمرأنا التخلف عن المواعيد، تخلفنا في جميع شؤون حياتنا، ذلك لأن التزام المواعيد دليل على الانضباط الذاتي، وفيه احترام واعتبار للآخرين.

الناس، في تعاملهم، يفضلون الشخص المنضبط لثقتهم في إمكانية الاعتماد عليه. فانضباطه في الزمن دليل على امتلاكه أمر نفسه، ومقدرته على التخطيط والتكيف مع الأحداث .. في حين أن من لا يلتزام بالمواعيد يدلل على أنه ضحية لمفاجآت الأحداث ولا يملك أمر نفسه، وأنه عاجز عن تحديد الأولويات في حياته الخاصة .. وبالتالي، هو لا يستطيع توقع الأحداث المحتملة أو التعامل معها أو تفاديها.

هنا يحضرني قول للأستاذ محمود محمد طه، في جلسة سلوكية حول مسألة التزام المواعيد، حيث قال: «المواعيد دين .. نحن ليه بنقول المواعيد دين؟! لأنو عدم التزام المواعيد يضعف الثقة بين الناس .. وإذا ضعفت الثقة ضعفت المعاملة .. والدين المعاملة... والعبادات جعل ليها أوقات لتعلم الناس مراقبة الزمن واحترام المواعيد...»

إذن، مسألة التزام المواعيد هي مسألة ثقة .. فمن عين موعدًا وجب عليه الوفاء به .. فالسبيل الوحيد لكسب ثقة الآخرين هو المداومة على الوفاء بأي التزام تجاههم .. وذلك يبدأ بالتزام المواعيد. إذ يثق الناس في من يلتزم المواعيد المحددة لأن كلمته محددة .. وفي المقابل، من يخلف المواعيد، إنما هو منافق لا اعتبار لكلمته لأنه «إذا وعد أخلف».. فطالما هو عاجز عن أن يحترم كلمته في أمر المواعيد، لا يمكن أن تكون كلمته محترمة في الأمور الأخرى! يضاف إلى ذلك أن التقيد بالمواعيد ليس مجرد واجب، وإنما هو أيضا من حسن الخلق، بل هو حرز للسمعه الطيبة، والنفوذ، والجدية .. فإذا كانت هناك فضيلة واحدة ينبغي مراعاتها، هي التزام المواعيد .. واذا كان هناك عيبًا واحدًا، ينبغي تفاديه، هو عدم التزام المواعيد.

Post: #964
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-29-2008, 03:12 PM
Parent: #1


دعوة لحماية المرأة من العنف وتكريس حقوق الإنسان


الدوحة - الوطن والمواطن

دعا متحدثون الى تكاتف المجتمعات لمحاربة ظاهرة العنف ضد المرأة، وتفعيل الوعي من خلال وسائل الاعلام للتنبيه الى خطورة الظاهرة، وسن وتطبيق تشريعات تحمي المرأة وتصون حقوقها، وتبين الاتفاقيات والمواثيق الدولية لتعزيز ثقافة حقوق الانسان وتكريس مبدا التكاملية والمساواة في هذه الحقوق، وخاصة اتفاقية القضاء على كل اشكال التمييز ضد المرأة «سيداو». جاء ذلك خلال ندوة «لا..للعنف ضد المرأة ..سناء الامين نموذجا»، وضمن الاحتفال بيوم المرأة العالمي، ونظم الندوة اعضاء سودانيز اون لاين «بورداب الدوحة» الاربعاء بمركز اصدقاء البيئة ونسقها، معاوية الطيب ورندا حاتم وأدارتها الاستاذة محاسن زين العابدين، رئيسة رابطة المرأة السودانية بالدوحة، وتحدث خلالها : الدكتور محمد سعيد الطيب :خبير في مجال القانون الدولي لحقوق الانسان، ناشط وباحث واستشاري في مجال حقوق الانسان مقدمة عن القانون الدولي وكان محور حديثه عن حقوق الانسان - اتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة - المعايير والآليات الدولية الخاصة بالعنف ضد المرأة - تقييم المعايير الدولية للعنف ضد المرأة من حيث القابلية للتطبيق والقضاء على الظاهرة. أما الاستاذة أسماء محمود محمد طه: قانونية مارست مهنة المحاماة لمدة 13 عاما، متخصصة في مجال اللغات، عملت بالولايات المتحدة الاميركية في المجال القانوني والاجتماعي، ناشطة ومهتمة بقضايا المرأة، فقد تحدثت عن وضع المرأة في الاسلام والممارسة والفهم الخاطئ لبعض التعاليم الاسلامية مما يساعد على تكريس ظاهرة العنف ضد المراة في المجتمعات الاسلامية، واعتبرت العنف ضد المرأة ظاهرة كوكبية، ودعت الى تطوير التشريع الاسلامي، وقانون الاحوال الشخصية، وتوعية المرأة بحقوقها، ومن جانبها، تحدثت دكتورة موزة عبدالله المالكي، معالجة نفسانية وكاتبة بصحيفة الراية القطرية، لها عدة مؤلفات مترجمة، حائزة جائزة دولة قطر التشجيعية، مشاركة نشطة في العديد من المؤتمرات والندوات العالمية، ناشطة في مجال حقوق المرأة، عن العلاقة بين الرجل والمرأة بعد الطلاق وحقوق المرأة وتأهيلها بعد الطلاق للاندماج في الحياة وقدمت ارشادات لمساعدة المرأة في للوقوف ضد العنف. وقدمت دكتورة أسماء عبد الحليم، محاضرة جامعية وناشطة ومهتمة بقضايا المرأة تعقيبا حول ما اورده المتحدثون وابتدرت حديثها بملاحظة هي ان حضور الرجال كبير في قضية تهم المرأة، ارتفاع الوعي في تناول قضية سناء التي اصبحت قضية رأي عام وقدمت نماذج للعنف ضد المرأة في الدول المتقدمة والعالم الثالث (يوغسلافيا، راوندا، دارفور) واستعرضت اتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة.

واستمع الحضور الى مداخلات هاتفية من الاستاذ علي محمود حسنين، نائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي د. سعاد ابراهيم عيسى ، ناشطة في العمل النسوي ومعتمة بقضايا المرأة .رئسة مجموعة «مبادرات» الراعي الرسمي لمشروعMobile Health Clinic والذي يعنى بصحة المرأة في المناطق الريفية. وخلص المتحدثون الى ضرورة حماية المرأة من العنف الذي يمارس ضدها، وتوافرالارادة السياسية لسن وتبني التشريعات التي تحارب الظاهرة وتعاقب مرتكبيها، وتطوير القوانين بما فيها قانون الاحوال الشخصية، وتبني ثقافة حقوق الانسان وادراجها في مناهج التعليم، وتكريس استقلال القضاء، وسيادة القانون، وان تعرف المراة حقوقها وتدافع عنها، ومساعدتها على التأقلم في المجتمع. وتضامن المشاركون في الندوة مع سناء الامين عوض الكريم محمد، وهي شابة سودانية أجبرها والدها على الزواج ممن لا تريده، وكان عمرها 17 عاما ، اما زوجها فقد تجاوز عقده الرابع، عاشت في جحيم لمدة عام ونصف العام، لان زاوجهما كان «معلقا»، بل كان مجرد ورقة ، فقد جهرت برأيها «افضل الموت على الزواج من هذا الشخص»، الزوج «المرفوض» شوه وجه سناء بـ «صودا كاوية» وتشوه وجهها بالكامل، وسقط شعرها وفقدت عينها اليسرى، وتحتاج لعمليات ترقيع وتجميل وعلاج قرنية للعين وعدسة وزراعة شعر ورموش. سناء الطالبة الجامعية، بدأت رحلة العلاج الصعبة، في الخرطوم وعواصم اخرى منها القاهرة.

الوطن القطرية 10 يونيو 2008


http://64.233.169.104/search?q=cache:9y0cio8yJM0J:www.a...n&ct=clnk&cd=3&gl=us

Post: #965
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-29-2008, 03:15 PM
Parent: #964


أبوبكر القاضي : هِرْ السودان يصول صولة الضرغام!!

أعلنت الحكومة السودانية، ممثلة في وزارة خارجيتها، عن طرد مبعوث المفوضية الأوروبية، والقائم بالأعمال الكندي، وقالت الخارجية السودانية يوم الخميس الماضي إنها أبلغتهما بأنهما أصبحا شخصين غير مرغوب بهما بسبب تدخلهما في شؤون السودان.

وقد استضافت قناة «الجزيرة» في حصاد الخميس، وزير الدولة بالخارجية الأستاذ علي كرتي، وسألته عن الأسباب الحقيقية لطرد الدبلوماسيين، وتوقعنا منه تقديم حيثيات قوية ومقنعة لهذا القرار «الجراحي الاستئصالي»، فتمخض الجبل فولد فأرا!!، قال علي كرتي إن سبب طرد الدبلوماسيين يعود إلى تدخلهما في الشأن الداخلي، وتمثل الخطأ في جانبين، إجرائي وموضوعي، أما الإجرائي فقد تمثل الخطأ في مخاطبة الدبلوماسيين (بخطابين بلغة واحدة)، جهاز الأمن في الخرطوم مباشرة في تجاوز صريح لوزارة الخارجية السودانية. أما الموضوعي، فإن الخطأ يتمثل في مخاطبتهما جهاز الأمن بشأن الأستاذ علي محمود حسنين القطب الاتحادي المعروف.

لماذا يدفع الدبلوماسيون الأجانب ثمن النزاع بين الخارجية وجهاز الأمن؟

المنافسة بين جهاز الأمن والخارجية هي موضة عالمية، ففي أميركا صمد كولن باول ومن بعده كوندوليزا رايس، صمدا بشراسة لأن تسود الدبلوماسية والحلول الدبلوماسية عبر وزارة الخارجية الأميركية بدلا من أن تسود العقلية الأمنية والحلول الأمنية، وقد انتقلت عدوى المنافسة المذكورة إلى مصر العربية، حيث نرى أن جهاز المخابرات ينشط خارجيا ويتولى ملفات على الصعيد الدولي والاقليمي ودول الجوار ويحولها إلى ملفات أمنية، في حين أنها ملفات دبلوماسية الأصل «مع وجود البعد الأمني»، ونعود إلى قضيتنا السودانية فنقول إن هذه مشكلة سودانية ـ سودانية بين الخارجية والأمن السوداني، دفع ثمنها دبلوماسيون أجانب من غير أي موجب، إنني أسأل: لماذا استلم جهاز الأمن مذكرات الدبلوماسيين؟ ولماذا لم يعتذر جهاز الأمن للدبلوماسيين ويقول لهم: فأتوا البيوت من أبوابها، عفوا، أرجو أن تخاطبونا عبر وزارة الخارجية، ولن يتم هذا الإجراء إلا في حال وجود توافق داخلي وتنسيق بين الخارجية وجهاز الأمن السوداني؟، فالأولى بالحكومة السودانية أن تحسن ترتيب أوضاعها الداخلية ولا تسقط قصورها على الآخرين، فالأمور لا تعالج بالحماقات والعنتريات الجعلية لأن الضرر في مثل هذه الأمور يقع على الوطن وعلى الشعب وليس على قطط الإنقاذ السمان، فالاتحاد الأوروبي هو أكبر داعم لسلام نيفاشا ودارفور.

السودان «ملطشة» التدخل الخارجي!!

يبدو أن وزارة الخارجية لا تستحي من الحديث عن «التدخل» في الشؤون الداخلية للسودان، فعلى يدي سلطة الإنقاذ، صار السودان «رجل إفريقيا الميت سريريا»، بعد أن كان رجل إفريقيا المريض، وهذا أمر لا يحتاج إلى برهان أو دليل، فهذا أمر تشاهده بدءا بمطار الخرطوم، حيث تدخل حاويات الأمم المتحدة البلاد بمخارج خاصة بالمطار دون تفتيش، فالحاويات الضخمة يا أستاذ علي كرتي أصبحت بمقام الحقيبة الدبلوماسية، أين السيادة السودانية في مطار الخرطوم؟، توجد القوات الدولية الآن وحسب اعتراف د.ريال مشار في 14 ولاية من جملة 26 ولاية سودانية، فأين السيادة يا سعادة الوزير؟

ملفات السودان في نيفاشا وأبوجا وأروشا وأسمرا وطرابلس والقاهرة والرياض، باختصار لدى دول الجوار والداني والقاصي، وفي كل هذه الملفات تتدخل الدول مباشرة في الشأن السوداني الداخلي وفي أدق التفاصيل الاقتصادية والأمنية والسياسية، فما الذي استجد يا أستاذ علي كرتي؟، لماذا الكارت الأحمر من أول وهلة؟ ولماذا لم تشملكم الروح الرياضية النهضوية السودانية السائدة هذه الأيام؟، كأنما الأستاذ علي كرتي في تحد مع نفسه لتسجيل أكبر الأرقام في طرد سفراء الدول العظمى، وقد سبق للخارجية السودانية طرد السفير البريطاني وطرد يان برونك ممثل الأمم المتحدة، وبهذا يضيف علي كرتي إنجازا إنقاذيا جديدا، طرد ممثل الاتحاد الأوروبي وكندا!، في إنذار مبطن للقائم بالأعمال الأميركي الفصيح في تحدثه بالعربية، إنها مناورة لها علاقة بمعركة الجنائية الدولية القادمة بعد انبطاح الحكومة في معركة القوات الأممية.

القضائية الباكستانية والسودانية.. ما أشبه الليلة بالبارحة؟!!

شعبك فداك يا أستاذ علي محمود حسنين، لفائدة قرائنا في الخليج فإن الأستاذ علي محمود حسنين الذي طرد بسببه الدبلوماسيين قد كان رئيسا لاتحاد طلاب جامعة الخرطوم KUSU، قبل أكثر من أربعة عقود من الزمان، وهو القطب الاتحادي العلم والداعي للمؤسسية داخل الحزب وهو رجل زاهد في المناصب والكراسي يأكل من عرق جبينه كمحام متميز، وهو من أشرس المقاومين للأنظمة الاستبدادية، وتحديدا نظامي «مايو والإنقاذ»، ففي عهد مايو، وإبان إضراب القضاة الشهير عام 1983، نظمت نقابة المحامين محاضرة (معارضة) بعنوان «استقلال القضاء»، كان من أنجح المتحدثين فيها الأستاذ حسنين، بشهادة أستاذنا العالم المؤدب دكتور عبدالله أحمد النعيم، والأمير الراحل طه إسماعيل أبو قرجة، فقد حضرنا هذه المحاضرة سويا ونقلنا تقييمنا للمحاضرة في جلسة الانطباعات بصالون الأستاذ محمود محمد طه. وفي عهد الإنقاذ كان للأستاذ علي محمود حسنين شرف المقاومة من داخل السودان، متحملا كافة المخاطر. الأستاذ علي محمود حسنين ليس له سجل في العنف والحركات المسلحة، وهو في العقد السابع من عمره، فإن كان لدى وزير العدل أدلة كافية للإحالة (بينة مبدئية)، فعليه إما تقديمه للمحاكمة، أو إطلاق سراحه.

وبالرغم من تسييس «الإنقاذ» لكل المؤسسات الحكومية، إلا أني أثق بنزاهة القضاء السوداني وعدالته، فالقضاء السوداني له ماض ناصع من النزاهة، ومن أراد أن يعرف سجل القضاء السوداني وماضيه فلينظر إلى سجل القضاء الباكستاني في هذه الأيام، فقد ترك لنا الانجليز في الهند وباكستان والسودان تراثا قانونيا وقضائيا مشتركا وثقافة واحدة، وخدمة مدنية متميزة، فإذا كانت المحكمة العليا هي المؤسسة التي التف حولها الشعب الباكستاني لاستعادة الديمقراطية والتخلص من حكم الانقلابيين والمؤسسة العسكرية، حيث حكمت المحكمة العليا ببطلان فصل رئيس المحكمة العليا في باكستان، كما حكمت بحق نواز شريف وشقيقه في العودة غير المشروطة، فإن تاريخ القضاء السوداني قد أنجز الآتي:

1 ـ في عهد أكتوبر حكم ببطلان حل الحزب الشيوعي وبطلان تعديل الدستور.

2 ـ في عهد مايو وحكم جعفر نميري أضرب القضاة ثلاثة أشهر عام 1983 وأجبروا النميري على الاعتذار الصريح للقضاة وإعادة القضاة المفصولين، وقد كان إضراب القضاة السبب الأساسي لكسر هيبة نظام مايو وسقوط نظام جعفر نميري.

3 ـ أبطلت المحكمة العليا حكم الطوارئ بردة الأستاذ محمود محمد طه، الذي أعدمه وصلبه جعفر نميري، وأعادت له المحكمة العليا اعتباره، وبذلك أصبح الأستاذ محمود أول شهيد يقتل ويحاكم بالردة بسبب أفكاره ومعتقداته ومكنونات ضميره، ثم يرد له اعتباره قضائيا.

فداك شعبك يا أستاذ علي محمود حسنين، وفداك روح الأزهري الكبير وروح محمد الأزهري الابن الطاهر النقي، وفداك الأستاذ سعد إبراهيم ياجي المحامي شريك المهنة والعمر، فقد قدمتما أفضل نموذج لمكتب محاماة هو مدرسة من مدارس العدالة، كما هو الحال عند أدهم وأبو الريس، وتجارب عبدالله الحسن وأبو شكيمة ومحمود الشيخ والحسين أحمد صالح والكارب ومدني، فالقضاء الواقف عندنا في السودان مفخرة كما هو القضاء الجالس، فإني أتحدى السيد وزير العدل أن يتكرم بتقديم الأستاذ علي محمود حسنين للمحاكمة الفورية، فإن قائمة المحامين التي ستدافع عنه ستفوق الألف، وعلى يقين بأن القضاء السوداني سوف يبرئه، وليدم القضاء «الجالس والواقف» رمزا لاستعادة الحرية والحقوق لشعوبنا في العالم الثالث، والتحية للقضاء في باكستان، والتحية لقضاتنا في السودان وشعبك فداك يا أستاذ علي محمود حسنين.


الوطن القطرية 27 اغسطس 2007

Post: #966
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-29-2008, 03:17 PM
Parent: #965


عماد موسى محمد : علمُ الوحي الذي لا يتبدل لا تُغيِّره النظريات المتبدِّلة!


استضاف برنامج «الجزيرة هذا الصباح» في فضائية «الجزيرة» الأسبوع قبل الماضي اختصاصية سودانية في علم النفس تقيم في لندن، هي د.ناهد محمد الحسن، طرحت ـ هداها الله ـ من خلال أجوبتها عن أسئلة مقدمة البرنامج رؤيتها في مسألة «تعدد الزوجات» استنادا إلى نظريات نفسية وفلسفية، واعتمادا على حديث هي لا تعرف درجته على الحقيقة، وردت التفسير الصحيح للآية القرآنية المُحكمة التي أباحت التعدد، مستنتجة ـ تبعا لذلك ـ اعتراضها على شرعية التعدد، طارحة الموضوع من زوايا متعددة ومتناقضة، من أبرزها المصطلحات المولدة من «الصراع» القائم في بيئات غربية بين الرجل والمرأة، ولم تنس في سياحتها المتنوعة تلك أن تذكر لنا ما أنتجته آلة الغرب الفكرية والقانونية نتيجة لهذا الصراع كميثاق «القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة» ـ سيداو ـ كما تحدثت عن معايير اختيار الشريك من جوانب نفسية وإنسانية، ودعمت ما تراه صحيحا من أفكار ورؤى بأقوال من الأناجيل وابن عربي والتاريخ والميثولوجيا!

وقبل أن ندلف إلى التفصيل في رد أقوالها لابد لقرائنا الكرام أن ينتبهوا إلى أن مجال العلوم الإنسانية عموما مجال رحب وواسع ترفده كثير من النظريات التي يفترضها واضعوها فيبنون عليها ثم يتضح بعد ذلك خطؤها وزيفها، هذا فضلا عن احتوائها على الأقوال الخرافية والنظريات الفلسفية والتاريخية الخاطئة عن نشأة الإنسان أو نشوئه وتطوره، كما في نظرية دارون التي هجرها كثير ممن تبنوها، هذا إضافة إلى نظريات علم الاجتماع وغيرها من العلوم الإنسانية التي تمد علم النفس بأفرعه المختلفة.

ولذلك انتبه بعض عقلاء المسلمين من نابهي المتخصصين في علم النفس لكثير من قواعده المخالفة للشريعة الربانية وللفطرة البشرية وللعلوم النفسية الصحيحة المنبثقة من هذا العلم، وكان من أوائل من لفت الأنظار إلى هذا في بداية دراستنا الجامعية العلامة البروفيسور «مالك بدري» اختصاصي علم النفس السوداني المعروف محليا وعالميا، والمحاضر في الجامعة الإسلامية العالمية في ماليزيا سابقا وباكستان ـ حاليا ـ حيث ألف كتابا بالانجليزية في هذا الباب سماه «معضلة علماء النفس المسلمين ـ عالم النفس في جحر الضب» أشار فيه إلى توافر علم النفس على كثير من النظريات والقواعد المخالفة بل المصادمة لأصول الشرع الحنيف كنظرية «فرويد» وغيرها، كما قدم رؤية نقدية شاملة لعلم النفس الغربي في «المؤتمر الرابع الذي أقامه المعهد العالمي للفكر الإسلامي في الخرطوم 1407هـ حيث وضع معيارا للمقبول والمرفوض في علم النفس حيث بنى معياره ـ كما نقل ذلك د.عبدالله الصبيح في مجلة جامعة الإمام عدد 22 ـ على «أن علم النفس هو في الحقيقة علم تجريبي وفلسفة وفن»، ويرى أن نقبل ما كان منه ضمن العلم التجريبي بشكل عام ولكننا نرفض خلفيته الفلسفية وبعض أساليبه وممارساته التي تتنافى مع ديننا «أما ما كان منه ضمن الفلسفة وهو ما تجده في النظريات العامة عن الإنسان وطبيعته فنرفضه، ولكننا لا نستنكف عن الاستفادة من بعض جوانبها المفيدة»

وقد وضع البروفيسور مالك بدري قاعدتين تحددان الموقف من علم النفس الغربي أولاهما انه كلما كانت المواد التي تأخذها من علم النفس الغربي اكثر اعتماداً على البحث التجريبي الميداني فإنها تكون أكثر قبولاً واتساقاً مع الفكر الإسلامي، وفي المقابل كلما كانت المواد اكثر اعتماداً على النظريات الأريكية Armchair Theories فإنها تزداد بعدا عن التصورات الإسلامية.

أما القاعدة الثانية التي أصلها: انه كلما كانت المواد النفسية الحديثة تدرس جانباً محدوداً من السلوك كدراسة الإدراك الحسي أو زمن المرجع أو الذكاء أو تأثير العقاقير العلاجية على السلوك كانت اكثر قبولاً من الناحية الإسلامية، وفي المقابل كلما كانت هذه المواد تهتم بالسلوك الإنساني العام فإنها تزداد بعداً عن المظلة الإسلامية.

لكن بعض المختصين النفسيين أثاروا اعتراضاً لطيفا وان قبلوا تأصيل البروفيسور عموماً، وهو أن التجارب المعملية النفسية هي استجابة لأطر ومسلمات فلسفية انطلق منها الباحث من حيث يشعر أو لا يشعر، وضربوا مثالاً على ذلك بالتجارب المعملية للمدرسة السلوكية، فربما ـ كما قالوا ـ تتوافر فيها جميع شروط البحث العلمي الجيد، لكنها مع ذلك ليست متحررة من تأثير بعض المسلمات الفلسفية، من ذلك حصر المدرسة المذكورة موضوع علم النفس في السلوك الظاهر فقط واهمال ما سواه من السلوك الإيماني الباطني وغيره.

وقد فصل د. عبدالله الصبيح في بحثه المذكور القول في الاشكالات التي واجهها علماء النفس المسلمون في محاولاتهم لتصفية هذه العلوم الإنسانية مما اعتراها من شوائب كثيرة فناقشوا المصطلح ونفوا ان يكون غرضهم هو «علم النفس الديني» وإنما هو إعادة صياغة المعرفة على أساس من علاقة الإسلام بها، وتأصيل هذا العلم «إسلامياً» وذلك بالكشف عن آيات الله وسننه في الإنسان ومعرفة المنهج الأمثل لحياته مما يحقق له السعادة في الدنيا والآخرة، ومعرفة اسباب انحراف الإنسان عن الحياة المثلى السوية، كما ناقشوا «نظرية المعرفة» التي تستند إليها العلوم الوافدة من الغرب ومدى اتفاقها مع المفهوم الإسلامي لنظرية المعرفة كما فعل د. جعفر شيخ ادريس الذي خلص إلى أن الإطار الذي تنطلق منه العلوم الإنسانية إطار الحادي مادي يؤمن بالمادة ويحصر مناهجه في المحسوس فقط، كما ناقشوا التعارض ـ إن وجد ـ بين ما ثبت عن طريق الوحي وما ثبت عن طريق هذه العلوم وانتقدوا ما يقع فيه كثير من المسلمين المختصين مما سموه بـ «التأويل والاسقاط» وهو ان يفسر الباحث نصوص الوحي من خلال نظريات ومفاهيم نفسية كتشبيه بعضهم أحوال النفس (المطمئنة والأمارة واللوامة) الواردة في القرآن بأقسام النفس الثلاثة في نظرية فرويد في التحليل النفسي (اللهو، والاناء، والأنا الأعلى)، وفي هذا ترويج لفكر فرويد رغم ان هذه النظرية رفضها كثير من الباحثين في الغرب ـ راجع المصدر السابق.

كما حذر هؤلاء العلماء من الوقوع في «التوظيف والاشتقاق» السلبي الذي يترتب عليه معارضة الحقائق العلمية الشرعية وغير الشرعية، كما يترتب عليه ان يحتوي المفهوم على «التناقض الداخلي» للنظريات والمفاهيم بحث يؤدي ذلك إلى رفضها.

أطلت النفس في هذه الجزئية حتى يكون التصور واضحاً في فهم نقدنا لبعض ما طرحته د. ناهد محمد الحسن في «الجزيرة» ثم ما طرحته كذلك في محاضرتها بمركز «أصدقاء البيئة» وقمت بالرد عليها هنالك باختصار لضيق الوقت الذي أذن لي بالحديث فيه، وكان ما طرحته هي في «المركز» تفصيلاً لما اختصرته في «الجزيرة» ولاحظت في محاضرتها ميلاً واضحاً للتأصيل الفلسفي الباطني الذي هو اقرب لمنهج الباطني الصوفي الفلسفي السوداني محمود محمد طه المقتول ردة في ثمانينيات القرن الماضي لذلك لم اتعجب لمباركة المحاضرة لفكر صاحب «الفكرة» ولا لثناء «بنته اسماء محمود محمد طه» على المحاضرة، فالطيور على اشكالها تقع، والناس كأسراب القطافي تشابه الظاهر والباطن.

وياللعجب: فقد كانت اول اجابة للدكتورة ناهد عن سؤال مقدمة البرنامج في الجزيرة عن عبارة ذكرتها الدكتورة عن مسألة التعدد كانت طرحتها في «النادي الاميركي بالخرطوم» والعبارة تقول «الانسانية تطورت من الوحدة الى التعدد وستعود مرة اخرى الى «الوحدة»! ثم طفقت الدكتور تبني على هذه الفرضية الضعيفة غير المؤسسة بأدلة يعلم علماء المسلمين بطلانها حيث زعمت انها قصدت بعبارتها تلك ما شرحه محيي الدين بن عربي. للحديث القدسي «كنت كنزا مخفيا فأحببت ان أُعرف فخلقت الخلق فبي عرفوني» ثم زعمت ان الصفات الالهية تتجلى بعظمتها وجمالها في النسل البشري نتيجة كل لقاء بين رجل وامرأة! وقد صدق القائل:

والدعاوى ان لم يقيموا عليها

بينات اصحابها ادعياء

فالعبارة الاولى دعوى باطلة وما بنيت عليه دعوى اخرى مثلها لان الحديث الذي ذكرته ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرف له صحيح ولا ضعيف كما قال ابن تيمية وشهد عليه الامام العجلوني بالوضع في كتابه الشهير «كشف الخفاء» حديث رقم 20016 وتبعه الزركشي وابن حجر العسقلاني والسيوطي في «اللآلي المصنوعة في الاحاديث الموضوعة» ثم ان وصف ابن عربي بهذا التفخيم فيه اعجاب في غير محله فالرجل معروف عند العلماء قديما وحديثا بأنه من اشهر الداعين الى العقيدة المخالفة للاسلام المسماة «وحدة الوجود» التي من ثمارها انكار تفرد الواحد الاحد بالوحدانية وصفات الجلال والكمال بل ويرى ان الكون كله ما هو الا مظاهر لعلم الله! وان الذين عبدوا الاصنام ما عبدوا في الحقيقة الا الله ولذلك - يا للحسرة- ترى الدكتورة ناهد ان النسل البشري ما هو الا تجليات لصفات الله! - تعالى عما يقولون علوا كبيرا - وقد رد العلماء في القديم والحديث على من دعا الى هذه العقيدة وبينوا مخالفتها للشرع والفطرة.

وابن عربي لا يختلف كثيرا عن الحلاج الذي قتل بسيف الشرع بل حكم عليه صوفية زمانه بالضلال والمروق عن الاسلام حيث دعا ابن عربي الى وحدة الوجود ودعا هذا الى حلول الله في خلقه تعالى عما يشركون فأين التأصيل العلمي المبني على قواعد العلم نظريه وتجريبه يا د. ناهد؟ ما علاقة هذا الكلام بالدليل الشرعي الصحيح او الدليل العقلي الصريح لانهما لا يتناقضان ابدا فما من دليل شرعي ديني عارضه دليل عقلي ابدا فكيف بدليلها الذي طرحته فلا هو دليل عقلي صريح ولا هي بنت علي دليل شرعي صحيح بل استدلت بكلام رجل من منحرفي الفلسفة الصوفية الباطنية يرى ان «خاتم الاولياء» افضل من خاتم الانبياء صلى الله عليه وسلم حتى قال عنه ابن تيمية «ومنهم من يدعي ان خاتم الاولياء افضل من خاتم الانبياء من جهة العلم بالله وان الانبياء يستفيدون العلم بالله من جهته كما يزعم ذلك ابن عربي صاحب كتاب «الفتوحات المكية» وكتاب «الفصوص» فخالف الشرع والعقل مع مخالفة جميع انبياء الله تعالى واوليائه كما يقال لمن قال «فخر عليهم السقف من تحتهم» لا عقل ولا قرآن! وكان الشيخ ابن تيمية قد قال العبارة السابقة لمن قرأ عنده الآية «فخر عليهم السقف من فوقهم» فقرأها «فخرّ عليهم السقف من تحتهم» فالتفت الشيخ وقال: «سبحان الله ألا عقل ولا قرآن»!

ونحن هنا نطرح نفس العبارة لمن قرأت مستدلة بفهم ابن عربي الباطني بالآية «أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما» فقرأت «السماء كانتا رتقا» فكسرت راء «رَتقا» وقرأت «كانتا» المستعملة للمثنى للسماء وقرأتها مفردة، فوقعت في تخبط في القراءة والاستدلال والفهم، لأن مقصودها أنه لما كانت السموات والأرض رتقا فكذلك البشرية كانت على الوحدانية ففتقت وصارت «تعددية» ثم ستعود إلى سيرتها الأولى «وحدانية» وما أدري هل ترضى ان يكون إمامها في فهم الدين والعمل به سيد المرسلين ام ابن عربي الذي خالف الشِرعة والفطرة والأنبياء والمرسلين والأولياء المتقين، وأخرجه صوفية زمانه من طريق المتصوفين.

ثم إن رب العزة والجلال ذكر لنا في كتابه ان خلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس وان خلقهما بهذا الإبداع والتقدير القائمين على العزة والعلم إنما هو دليل كذلك على قدرة الله على بعث عباده بعد ان كانوا رميما: «وضرب لنا مثلا ونسي خلقه..» إلى قوله «أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم، بلى وهو الخلاق العليم» (يس 78- 81).

وأن في خلقهما وغيرهما لآيات لأولي الألباب، فهل تستطيع الدكتورة ناهد ان تأتي لنا بدليل شرعي أو عقلي أو منطقي على صحة استدلالها بالدليل السابق وعلى حتمية عودة البشرية من «التعدد» الى الوحدانية؟ بل الدليل حجة عليها شرعا إذ ان الله الذي هو قادر على خلق السموات والأرض وتوسيع أرجاء السموات وبسط الأرض وخلق كل شيء من زوجين في إحكام بديع هو الذي شرع لنا التعدد واباحه لمن التزم بشروطه الشرعية فالتقت الخلقة الربانية مع الشِرعة الربانية فسبحانه من لطيف خبير «ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير»؟ «والسماء بنيناها بأيدٍ وانا لموسعون، والأرض فرشناها فنعم الماهدون، ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون،ففروا إلى الله انى لكم منه نذير مبين، ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين» (الذاريات 47- 51).

أرأيت يا د. ناهد كيف جلت الآيات الخمس السابقة الأمر لكل عاقل بأنه سبحانه جعل هذه العوالم العظيمة نعمة للإنسانية وتسخيرا لها ليفر العباد الى ربهم بطاعته وشكره وتذكّر نعمته لا بأن تضرب آيات الله بعضها بعضا وتعرض عن المعاني الصحيحة الى معان متعسفة لا دليل لها ولا أساس، ولذلك ونتيجة لهذا الفهم السقيم تفوهت المذكورة بعبارات لو مزجت بماء البحر لمزجته منها أنها عندما سئلت عن الحياة الزوجية السعيدة قالت: «الحياة الزوجية السعيدة هي ليست هبة الهية وانما نحن نشقى.. نحن ندافع حتى لا يحصل اختطاف في الحياة الزوجية» وهي هنا ما زادت على ان جعلتها صراع الغاب القائم على النظرية الباطلة «البقاء للأقوى»، وصدق القائل:

ولربما جهل الفتى أثر الهدى

والشمس بازغةٌ لها أنوار.

وللحديث بقية إن شاء الله

http://www.al-watan.com/data/20080214/innercontent.asp?val=writer1_1

Post: #967
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-29-2008, 03:22 PM
Parent: #966


آخر تحديث: الثلاثاء25/12/2007 م، الساعة 12:19 صباحاً بالتوقيت المحلي لمدينة الدوحة

حكاية البنت الأمريكية تشيري التي تبحث عن جذورها الإفريقية

أوراق من شيكاغو قبل طوفان القاعدة



بقلم: جهاد الفكي...

كان فصل الشتاء في ذلك العام قاسيا، لم تشهده المدينة - بشهادة أهلها - منذ اكثر من ستين عاما. الثلوج غطت الأرض المخضرة فأضحت كأنها حقل قطن ينتظر الحصاد . بلدية شيكاغو استغاثت بالحكومة الفدرالية لزيادة مخصصاتها لإذابة الثلوج إذ إن ما خصص لها من أموال نفد في الشهر الأول، وتلك لعمري ميزانية تعادل ميزانية دولة أو اثنتين من دول عالمنا الثالث.

في ذلك الشتاء الرهيب كان سيد البيت الأبيض الرئيس بيل كلينتون يلملم أغراضه ويتأهب لمغادرة المكتب البيضاوي بعد انقضاء فترة رئاسته الثانية، بينما كان سيد البيت الجديد جورج دبليو بوش وفريقه من النيوكونز يتأهبون لدخوله، بعد انتخابات ستظل هي الأشهر في تاريخ الولايات المتحدة لما شابها من لغط واتهامات بالتزوير.

كنت كعادتي استغل القطار(subway) من محطة كيدزي في شمال المدينة إلي الشارع رقم (63rd 63st) في جنوبها، ومن هناك استقل الأتوبيس لتكملة المشوار إلي منطقة ويسترن western كانت محطة الأتوبيسات علي غير العادة،تكاد تكون خالية من الركاب: ثلاثة أو أربعة من الزنوج الأمريكان المتدينين الذين يحرصون علي أداء صلوات يوم الأحد، بعد انتظار ليس بالطويل وصل الأتوبيس إلي محطة الشارع الثالث والستين. صعدنا بلا زحام وارتميت علي أقرب مقعد خلف المقاعد المخصصة للنساء، حيتني شابة أمريكية أفريقية وجلست علي المقعد الذي يلي مقعدي مباشرة، رددت عليها التحية، وواصلت القراءة في كتاب كنت أحمله معي للصحافية الأمريكية المخضرمة جوديث ميلر مراسلة نيويورك تايمز في القاهرة (God has nitity nine names) وترجمته إلي أسماء الله الحسني وعادة القراءة في القطارات والأتوبيسات هذه تعلمتها من الأمريكيين. فالكل يقرأ حتي لو لم يجد مقعدا يظل يقرأ وهو واقف. فهؤلاء قوم الزمن عندهم له قيمة وتقدير لا يهدرونه فيما لا يفيد. كانت ميلر وخلال فترة عملها كمراسلة للنيويورك تايمز بالقاهرة قد غطت الكثير من الأحداث بالمنطقة، وصورت بصورة مؤثرة في الفصل الخاص بالسودان لحظات إعدام الأستاذ محمود محمد طه زعيم الجمهوريين في 18 يناير 1985 من قبل نظام الرئيس السابق جعفر النميري وحلفائه من جماعة الإخوان المسلمين بزعامة الشيخ حسن الترابي. ميلر كانت حاضرة في ساحة سجن كوبر لحظة الإعدام، ولأن التاريخ ليس ببعيد وكنت أعيه تماما كأنه حدث اليوم تذكرت كيف أن الأستاذ تبسم ساخرا من جلاديه، ومضي إلي ربه في هدوء وسكينة، رفض في كبرياء وإباء الاستتابة مفضلا الموت عن التراجع فيما اعتقد وآمن به وأفني عمره في سبيل الدعوة إليه. قد يختلف الناس علي الدعوة الجمهورية ولكن ما لا يختلفون عليه موقف الأستاذ وثباته علي المبدأ. تذكرت أصوات بسطاء السودانيين تهدر من كل حدب وصوب في ساحة الإعدام لن ترتاح يا سفاح . لم تكد الأمريكية الأفريقية تستقر في مقعدها حتي فوجئت بها تجلس إلي جواري، أيقنت أنها تنوي فتح حوار معي، ذلك أن تجربتي مع الأمريكيين من أصول أفريقية انهم قوم ثرثارون خاصة إذا وجدوا من يصغي إليهم. قالت: يبدو أن هذا الكتاب الذي تقرأه مهم وممتع من عنوانه، وقبل أن انبس ببنت شفه أردفت قائلة: من أي بلد أنت؟ علي الفور رددت أبياتاً من قصيدة صلاح أحمد ابراهيم، قلت: من أفريقيا، من صحرائها الكبري وخط الاستواء.

شحنتني بالحرارات والشموس

وشوتني كالقرابين علي نار المجوس

لفحتني فأنا منها كعود الأبنوس

قالت: وهل أفريقيا كلها أصبحت قطرا واحدا؟

اندهشت حقا من سؤالها لأنني وخلال تعاملي مع الافروأمريكان الذين كانوا يسألونني عن بلدي، وأجيبهم بأنني أفريقي يكتفون بذلك الجواب ويبدون إعجابهم بالزعيم الجنوب أفريقي العملاق نيلسون مانديلا، وبنفرتيتي. وقلة منهم من الذين أصادفهم في المترو دعوني لحضور فعالية ثقافية بمتحف التراث الأفريقي،او بجامعة الينوي او بالداون تاون، وبعضهم تحدث معي عن ألبان أفريكان وجيل الآباء المؤسسين: أحمد سيكتوري، المعلم جوليوس نايريري، كوامي نكروما والزعيم باترس لوممبا الذي ترك حادث اغتياله الجبان غصة في حلق الزعيم مالكوم اكس حيث لم تخل خطبة من خطبه النارية من الإشارة إليه وتحميل الرجل الأبيض وزر ذلك الاغتيال الإنسان رخيص، وأحيانا يتشعب بنا الحديث إلي السينما والمسرح والأدب وسمبيني عثماني وول سونيكا والروائي اليوغندي واثنقو انقوقي وسنغور. ولكن مع ذلك فهؤلاء قلة كما قلت ولا يصادفهم المرء كل يوم.

قالت: معذورون، لأنهم لم يتلقوا قدرا وافيا من التعليم، خرجوا للعمل في سن مبكرة، فالظروف هنا لم تكن تسمح للكثيرين منهم بمواصلة تعليمهم. قلة خدمتها الظروف وكانت لديهم الرغبة والعزيمة في تغيير واقعهم المزري ففعلوا.

قلت: قومك يا هذي لهم من الفرص ما لو وجدناه نحن أبناء أفريقيا التعساء في الصومال والنيجر والسودان والجابون والسنغال لسارت بذكرنا الركبان ،إنما قومك أوقفوا التاريخ عند حقبة العبودية والاسترقاق يريدون محاكمة التاريخ.

قالت: علي مهلك وقبل ان تحاكمهم دعني أقول لك، نحن لا نريد أن نحاكم التاريخ، ولكننا نحاول التخلص من آثار تلك الحقبة الكئيبة في تاريخنا وتاريخ آبائنا وأجدادنا. فأنا مثلا لم اعش تلك الحقبة ولكن آثارها لا تزال باقية في. إن من يعيش تجربة الاسترقاق سيدي سيظل يعاني منها لأجيال، سيظل مطأطئ الرأس حسيره. إنها تجربة قاسية تلقي بظلالها علي حياة الإنسان وبالتالي تحكم كل تصرفاته في الحياة. ولأنك لم تعش هذه التجربة لن تشعر بمرارتها أبدا. لذلك أقول لك إن الأمريكيين الأفارقة في هذا البلد معذورون لانهم لن يتمكنوا من التخلص من عقدة الاسترقاق هذه ومهما حاولوا ستظل تحكم تصرفاتهم إزاء الآخرين. لم تقل لي من أي بلد أنت بالضبط؟

نحن جنوب مصر مباشرة البعض يربطنا بدول شرق أفريقيا والقرن الأفريقي. من السودان هل سمعت به.

وما أن نطقت باسم السودان حتي هتفت تشيري بأعلي صوتها، الله من السودان أنت؟ نعم من السودان هل زرته من قبل او سمعت به؟

لا لا لم أزره ولكنني بالطبع سمعت بالسودان وقرأت عنه الكثير،وأنا مهتمة جدا بتاريخه وأخباره. الأسبوع الماضي شاهدت فيلما في الكنيسة عن الرق عندكم: انه أمر مرعب ووصمة عار في جبين الإنسانية أليس كذلك؟.

شخصيا لم أشاهد تلك الأفلام ولكن ان كان ما تقولينه صحيحا فهو بلا شك وصمة عار علي جبين كل سوداني، ولن يستطيع أي عاقل أن يدافع عن ذلك.

لم تقل لي من أي منطقة من السودان أنت: من الجنوب أم الشمال؟

لن أجيبك قبل أن أعرف سر اهتمامك بالسودان.

أنا أدرس التاريخ في جامعة الينوي وكنت ابحث في مكتبة الجامعة عن مرجع معين وبالصدفة وقعت عيناي علي كتاب عن تاريخ السودان تصفحته فشدني فقررت استعارته، كان يحكي عن الحضارات القديمة في السودان: مروي وكوش ونبته ومن يومها وأنا شغوفة جدا بتاريخ السودان وبمتابعة أخباره. وربما من خلال بحثي عن أصولي الأفريقية أصل إلي حقيقة أن لي جذورا سودانية. الا تريد ان تقول لي من أي منطقة بالسودان أنت؟

وأنت رغم اهتمامك واطلاعك علي تاريخ بلدي لا تستطيعين التخمين، من أي منطقة أنا...؟

اعلم أن سكان الجنوب أصولهم أفريقية صرفة وسكان الشمال بعضهم عرب وبعضهم عرقهم مختلط فيه دماء أفريقية.

وكيف ترين الجالس لجوارك؟

أراك أفريقي الدم فلونك اسمر مثل لوني، ولا شك لدي أبدا انك أفريقي الدماء والانتماء.

نعم أنا كذلك.

تشيري كانت تحمل معها إنجيلها وأوراقا وكأي أمريكي أفريقي يعتقد بداهة ان الأفارقة عموما يدينون بالمسيحية واعتقدت المسكينة إنها وجدت صيدا ثمينا وأنها تستطيع تجنيدي لصالح كنيستها. بدا ذلك واضحا لي منذ استبدالها لمقعدها وجلوسها الي جواري وأيقنت انها من جماعة شهود الإله يهوه فهؤلاء لا يكلون ولا يملون من اصطياد الناس في المقاهي وفي أماكن عملهم وفي الجامعات والتحدث إليهم عن المسيحية. تركتها تحدثني عن المسيحية دون ان أقاطعها بكلمة واحدة، وبعد ان أنهت حديثها وخطبتها المطولة التي ختمتها بدعوتي للنزول معها في محطة أشلاند للصلاة في الكنيسة. سألتها ببراءة ما الذي يمكن أن يغري شخصا مثلي -نشأ في أسرة مسلمة كابرا عن كابر وتشرب بأدب القوم المتصوفة وشهد حلقات الذكر التي كان يقيمها السادة الختمية في دارنا، الا أنني وفي مرحلة لاحقة وجدت نفسي أميل إلي السادة السمانية مني إلي الختمية - وهذا لا ينفي حبي للسادة الختمية ومدائحهم ومكانتهم الخاصة في نفسي -خاصة بعد تعرفي إلي العالم الجليل والشيخ الورع البروفيسور حسن الفاتح قريب الله عطر الله ثراه، ولكني لا، نعم ما الذي يمكن أن يغري شخصا مثلي الي المسيحية؟ ولماذا افترضت بداية أنني مسيحي. لم اترك لها فرصة للحديث - كان الزمن وقتها يسمح لمسلم مثلي يعيش في بلاد العم سام ويتمتع بحرية ضنت بها علينا أوطاننا وسلبنا إياها حكامنا الذين يحكمون بالحق الإلهي بالاسترسال واستعراض عضلاته، لم يكن المسلم هناك متهما بسبب عقيدته ولا قيود عليه مثلما هو حادث اليوم بعد طوفان القاعدة - حيث اصبح المسلم هناك يسير إلي جنب الحائط - أردفت قائلا هل شاهدت فيلم مورغان فريمان ارمستيد المعروض الآن علي شاشات السينما؟ أجبت بالإيجاب. قلت ما الذي خرجت به من هذا الفيلم وأنت تبحثين عن جذورك الأفريقية؟ هل رأيت الأفواج الأولي للمهاجرين وهم يصلون صلاة المسلمين؟ هل أنت علي قناعة بأن الغالبية من المسترقين الأوائل كانوا يدينون بالإسلام وان تحولهم للمسيحية تم بعد وصولهم إلي هنا "أمريكا ؟ وافقتني علي كل ما طرحت، ولكنها بالطبع لم تعدم تبريرا لاعتناقها للمسيحية. قالت: أنا أيضا تربيت في أسرة مسيحية كما تربي أبي وأجدادي، يعني اعتنقنا المسيحية بالتوارث. تخيل انك طفل صغير وتم انتزاعك من حضن أمك وفرض عليك الذهاب إلي الكنيسة كل يوم أحد منذ ان كنت طفلا إلي ان أصبحت راشدا وتشبعت بالتعاليم المسيحية فماذا تصير؟ هذا ليس مقنعا لي ياتشيري فها أنت اليوم وبعد عشرات بل مئات السنين علي انتهاء حقبة العبودية والاسترقاق تتجهين لدراسة التاريخ فقط لمعرفة من أين جاء أسلافك الأولون، وما دام الأمر كذلك فلماذا لا تدرسين الإسلام لتعرفي لماذا اعتنق أسلافك تلك الديانة وما هو الشيء الذي ميز الإسلام عن غيره من الديانات الأخري؟. وأردفت هل قرأت شيئا عن الإسلام؟ أجابت بالنفي. وما الذي يمنعك عن ذلك؟ لم تكن تشيري تملك إجابة واضحة عن تساؤلاتي ولكن المؤكد انها ندمت علي جلوسها بالقرب مني. وعلمت منها فيما بعد وكما خمنت إنها تنتمي لجماعة شهود الإله يهوه وانها جندت وأدخلت العشرات في جماعتها ولكن حظها العاثر في ذلك اليوم رماها - كما يقول شيخنا الطيب صالح - مع فريسة في إهاب صياد. وعدتها ان كانت لا تمانع في قراءة بعض الكتب عن الإسلام بأنني علي استعداد لمدها بما تريد فوافقت بعد تردد. ظللنا نلتقي بصورة دورية في أيام الأحد، أهديتها ترجمة الأستاذ عبد الله يوسف للقرآن الكريم ومناظرات الشيخ أحمد ديدات مع القس شاروس وكتاباً عن الرق في السودان للدكتور سكينجه وغيرها من الكتب والأشرطة الإسلامية لكنك لن تهدي من تشاء.


http://www.raya.com/site/topics/article.asp?cu_no=2&ite...e_id=29&parent_id=28

Post: #968
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 06-30-2008, 06:20 PM
Parent: #1


اتفــــــاق التراضــي الوطـني (3-1)
د. أحمد إبراهيم أبوشوك
شهد شهر مايو 2008م حدثين سياسيين مهمين في تاريخ السودان المعاصر، كان لهما وقعٌ صاخبٌ على المشهد السياسي، حيث ارتبط أحدهما بالهجوم المسلح الذي شنته حرك

ة العدل والمساواة على العاصمة القومية، أمدرمان، بُغية إرسال إشارة إلى حكومة الخرطوم لتعيد النظر في ترتيب أولويات الحوار السياسي بشأن أزمة دارفور، وتجلى الآخر في الاتفاق الذي أبرمه حزب الأمة القومي مع حزب المؤتمر الوطني تحت مظلة "التراضي الوطني"، تعللاً بتنقية المناخ السياسي من شوائب الشمولية، وإعداد الشارع السوداني لخوض غمار المعركة الانتخابية القادمة. ونودّ في هذه الحواشي أن نلقي ضوءاً ساطعاً على حيثيات "اتفاق التراضي الوطني" الذي جرت مراسيم توقيعه بمنـزل السيِّد الصادق المهدي بحي الملازمين في 20 مايو 2008م، ونصحب ذلك بمواقف الرأي والرأي الآخر من تلك الحيثيات، ثم نأتي ببعض الملاحظات التحليلية على متون أطروحة التراضي، والمواقف المثمنة لها والقادحة فيها، علنا بذلك نسهم في تقويم موقف الطرفين، واندياح دائرة الحوار البناء على موائد السياسة السودانية وصُحفها السيَّارة التي تضج من آلام مخاض عسير لميلاد نظام ديمقراطي محفوف بالمخاطر.
حيثيات وثيقة التراضي الوطني
تتبلور وثيقة التراضي الوطني في سبع قضايا رئيسة، تشمل الثوابت الوطنية والدينية والحكم الراشد، وبناء الثقة وتهيئة المناخ السياسي لإحداث تدافع ديمقراطي، وحل قضية دارفور في إطار قومي خالٍ من أي ارتباطات أجنبية، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وكفالة الحريات العامة وتعديل القوانين المعارضة للدستور الانتقالي لعام 2005م، والإعتراف باتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) ومكاسبها للجنوب، ثم إخضاع بعض بنودها للنقاش وتحويلها إلى اتفاق قومي، وتثقيف الإتفاق بين الحزبين تثقيفاً قومياً يؤسس لقيام تراضي سوداني شامل. وضَّح السيِّد الصادق المهدي الظروف التي أفضت إلى التوقيع على وثيقة التراضي في خطاب جماهيري بمنطقة "ود النَيَّل" بولاية سنَّار، في 26 مايو 2008م، حيث قال: "إن حزبه تبنى محاولات كثيرة، وصارع بقوة إلى أن حصل على التجاوب الحالي"، لا بحثاً عن السُلطة، لكن سعياً إلى تراضٍ سوداني يسهم في تحديد مسارات الحكم وتقويم آلياته في السودان. (المصدر: الأحداث، 27 مايو 2007م). ويرى مناصرو التراضي في حزب الأمة أن الدعوة إلى "الجهاد المدني" قد حققت طرفاً من غاياتها المنشودة، علماً بأن الإنقاذ بدأت إقصائية، ثم اعترفت بالرأي الآخر، والآن انصاعت لمبدأ الحوار في نسق قومي يهدف إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، وهذا يعنى ضمناً الإعتراف بفشل النظام الشمولي كمنهج للحكم. ويثمِّن السيِّد الصادق المهدي هذا الموقف بقوله: "فكرة الإنتفاضة التي عملناها مع نظامي عبُّود والنميري في الظروف الراهنة ستدخل السودان في تعقيدات خطيرة جداً، فالقوات المسلحة ما عادت هي القوات المسلحة الوحيدة في الساحة، فهناك أكثر من مائة تشكيل عسكري، فإذا ما أدت الإنتفاضة كما تفعل دائما لخلق إضراب عام وفراغ سياسي كانت تملؤه القوات المسلحة، صار واضحاً بالنسبة لنا أن خلق الفراغ ستملؤه عشرات القوى المسلحة ذات الأجندة الضيقة والتحالفات الأجنبية. ولا أظن أن هناك وطنياً يفوت عليه مضرَّة هذا. لهذا فأنا أعتقد أن أفضل طريقة للتغيير صارت هي الإنتفاضة الانتخابية. ولدينا مصلحة في أن يتمَّ التغيير عبر الإنتخابات" (حوار مع صباح أحمد، آخر لحظة، 31/5/2008م). ومن وقائع هذا الحوار وأدبيات المنابر الإعلامية الأخرى لحزب الأمة يبدو أن قضية "الانتفاضة الإنتخابية" هي بيت القصيد الذي ارتكن إليه اتفاق التراضي الوطني حسب رؤية حزب الأمة القومي، ولا شك أن للمؤتمر الوطني أجندة أخرى في هذا السياق. وسأعود لقضية الإنتفاضة الإنتخابية في محور آخر، نسبقه بطرح السؤال المحوري عن الجديد في اتفاق التراضي الوطني، وموقف الرأي الآخر منه تثميناً وتجريحاً.
ما الجديد في اتفاق التراضي الوطني؟
طرح عدد من المادحين والقادحين في وثيقة التراضي الوطني هذا السؤال: ما الجديد في اتفاق التراضي الوطني؟ . فالأستاذ الدكتور الطيب زين العابدين يرى أن الإتفاق لم يأت بجديد في إطار الثوابت الوطنية التي تضمنها الدستور الانتقالي والاتفاقيات السابقة، بل إنه قدم بعض الحواشي وعرض مجموعة من المسائل الإجرائية، ويأتي في مقدمتها قضية الالتزام بقطعيات الشريعة واحترام العهود والمواثيق، وقومية الإعلام، والدعوة إلى تنفيذ توصيات هيئة الحسبة والمظالم، وتكوين لجنة لمراجعة أسماء الشوارع والمنشآت لتعميم الرمزية القومية، والتعاون بين حزب الأمة القومي والمؤتمر الوطني في تكوين بناء القطاعات الفئوية والطلابية والنقابية والمفوضيات.
وينظر الدكتور عمر القراي إلى الجديد في اتفاق التراضي من منظور خلاف أيديولوجي قديم بين الإخوان الجمهوريين والسيِّد الصادق المهدي، حيث يصف الفقرات الواردة تحت الثوابت الدينية، التي تنادي بحرية العقيدة والضمير، والالتزام بقطعيات الشريعة، والتسامح في الاختلافات الاجتهادية بأنها منطلقات متناقضة مع ذاتها، "ولا يمكن أن تقوم في أي مجتمع في وقت واحد. وذلك لأن قطعيات الشريعة، لا يمكن أن توافق على حرية العقيدة. ولو كانت الشريعة الإسلامية توافق على أن يعتقد كل شخص ما يشاء، لما قام الجهاد، وأُحكِمَ السيف في رقاب المشركين حتى يسلموا، وفي رقاب أهل الكتاب حتى يعطوا الجزيّة عن يد وهم صاغرون." وبهذه الكيفية الأصولية يرى الدكتور القراي أن موضوع الثوابت الدينية عمل قادح في شرعية القيم السياسية التي أرستها اتفاقية السلام الشامل، ولا يقدم أنموذجاً للتراضي الوطني، "يشمل كل السودانيين مسلمين وغير مسلمين"، بل هو خطوة نحو ديمقراطية تعاقدية، "يمكن أن يتم فيها تزييف كل القيم الديمقراطية، باتفاق الأطراف على هذا التزييف. وإذا قدر للاتفاق أن يسير مداه، وتوحُّد الحزبان في الانتخابات، فإن مادة الدعاية الانتخابية، ستكون إعادة مسرحية الدستور الإسلامي، وستوظف المساجد، وتؤلف الفتاوى، بأنه لا يجوز للمسلم، أن يعطي صوته لغير المسلم، كدعاية ضد الحركة الشعبية (قراءة في اتفاق التراضي الوطني، سودانايل يونيو 2008م). وحاول القراي أيضاً أن يربط هذا الإنحراف السياسي من وجهة نظره بانحراف مادي آخر يتمثل في تنفيذ توصيات هيئة الحسبة والمظالم، التي تهدف من وجهة نظره إلى "دفع تعويضات آل المهدي" التي باع من أجلها السيِّد الصادق مبادئي الحزب." لا جدال أن الدكتور القراي له الحق في أن يختلف مع السيِّد الصادق المهدي أيديولوجياً، وأن يجرح في شرعية بنود اتفاق التراضي لأنها شأن عام، لكن تفسيره لتنفيذ توصيات هيئة الحسبة والمظالم بتعويضات آل المهدي فيه شطط، لأن الاتفاق لم يصرح بهذا الأمر. نعم أن الدكتور الطيب زين العابدين قد وصف بند الحسبة والمظالم بالغموض، واجتهد في شرحه بأنه "دعوة لإعادة المفصولين سياسياً"، وعلق السيِّد الصادق المهدي على هذا البند في إطار سؤال طرحته عليه الصحافية صباح أحمد بأن الدعوة إلى رفع المظالم تعني "إطلاق سراح المعتقلين، وإلغاء المصادرات، ورد حقوق المشردين من الخدمة النظامية والمدنية". ولا أدري من أين أتى الدكتور القراي بقضية تعويضات آل المهدي في هذا السياق العام، هل اجتهد في تفسير عبارة "إلغاء المصادرات وأضاف إليها تلك الحاشية؟ أم استنبط ذلك من وقائع الحوار الذي دار خلف الكواليس بين طرفي الإتفاق، ولم تحمله إلينا بنود الاتفاق نصّاً؟ القضية محل نظر!
ويأتي موقف حركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق) متسقاً مع موقف الدكتور عمر القراي وأكثر تشدداً، لأن "حق" تنظر إلى قضية الثوابت الدينية وقطعيات الشريعة بأنها أداة لنسف الدعوة بقومية الإتفاق ووطنيته، وأنها خطوة "لقيام دولة دينية لا يمكن لها على الإطلاق أن تكون دولة ديمقراطية، بل لا يمكن لها أن تكون إلا طغياناً منفلتاً، ودكتاتورية شمولية إقصائية حتى النخاع، وشراً مطلقاً حتى النهاية، لأن الذين يقيمونها لا يحسبون أنفسهم بشراً، وإنما تجسيداً للإرادة الإلهية. إن الإتفاق ما هو إلا محاولة بائسة لإعادة الحياة للمشروع الحضاري الساقط، والذي تخلى عنه حتى أهله ذاتهم." وبذلك يخلص نشطاء حق إلى أن الإتفاق يهدف في المقام الأول إلى إلغاء نيفاشا، لأن السيِّد الصادق المهدي من وجهة نظرهم ينظر إلى نيفاشا بأنها "مؤامرة إقصائية" ضد القوى السياسية الفاعلة في الشأن السوداني، وينسجم هذا المسعى من وجهة نظرهم مع رغبة المؤتمر الوطني في التحلل من التزاماته الناشئة عن نيفاشا واستحقاقاتها. وفي ظل هذا التراضي الثنائي وبُعده القومي المزعوم يستطيع الطرفان إلغاء مواثيق نيفاشا، والعودة إلى أدبيات السودان القديم وإرثها السياسي الذي تجاوزه الزمن (سودانيزأولاين، 26/5/2008).
موقف نشطاء حزب الأمة من التراضي الوطني
يبدو أن موقف نشطاء حزب الأمة منقسم حول توقيع هذا الإتفاق، فيوجد معسكر المؤيدين الذين ينطلقون من فرضيَّة مفادها أن الحوار مع الآخر هو نهج الحزب الثابت، وأن القرار السياسي يتغير حسب تَغيرُ الظروف السياسية المحيطة بالواقع المعاش، وأن اتفاق التراضي جاء في ظروف تغيير سياسي، تتجسد في انتقال حكومة الإنقاذ من مربع الإقصاء إلى مربع سماع الرأي الآخر، ثم أخيراً إلى مربع الحوار البنَّاء الذي يهدف إلى تحقيق ثلة من الثوابت التي ناضل حزب الأمة القومي وجاهد من أجلها جهاداً مدنياً في الثمانية عشر عاماً الماضية، ومن الشخصيات البارزة في هذا المعسكر الدكتور عبد النبي علي أحمد، والدكتور إبراهيم الأمين، واللواء معاش فضل الله برمة ناصر، والأستاذ رباح الصادق. ويقف في المعسكر المعارض مجموعة من النشطاء، الذين ليست لديهم معرفة تامة ببواطن الأمور، وبما يدور خلف كواليس الحزب، فهم يصفون اتفاق التراضي بأنه قفزة في الظلام، تمت دون علم قواعد الحزب، وأنه يصب في وعاء تمديد عمر حكومة الإنقاذ، ولا يقدم إطاراً قومياً يجُبَ ما جاء في الاتفاقيات السابقة، بل يظل ثنائياً في طرحه، وأم الأثافي أنه يطعن في رصيد الحزب القائم الجهاد المدني والمسلح منذ أن بزغ فجر الإنقاذ، وزد على ذلك أنه اتفاق مُهِّر مع جهة ليست محل ثقة، "وقد أثبتت تقلبات الأيام وحال السياسة السودانية أن المؤتمر الوطني لم يف بوعد واحد قطعه مع الآخرين، أو ينفذ اتفاقاً أبرمه لحل مشكل البلد"، ويسخرون من حيثيات التراضي الوطني والمؤيدين لها، ويصفونهم بقولهم: "تبررون"، أي تبررون لما لا يمكن تبريره (لنا مهدي عبد الله، تبررون، سودانايل، 30/5/2008م). ويقف في هذا المعسكر الصحافية لنا مهدي عبد الله، والأستاذ أبو هريرة زين العابدين، والأستاذ خالد عويس. إلا أن الأستاذة رباح الصادق تصف أنصار هذا المعسكر بقولها: "واختلط لدى قواعده [أي الحزب] الوهم بالحقيقة، خاصة وهناك أفواه أدخلت شفاهها، بعضها في الداخل وبعضها في الخارج، وبعضها عن جهل، وبعضها عن غرض تستغل تأخر أو محدودية حركة الجهات المسؤولة داخل الحزب لتنوير الأعضاء، وهذا باب كبير للبلبلة ندعو الله أن يتداركه الأحباب." (صحيفة أجراس الحرية، يونيو 2008م). ونلحظ أيضاً أن هناك خلط في أذهان بعض المعارضين عندما يثمنون الإتفاق من الناحية التكتيكية، ويقدحون في شرعيته من الناحية الإستراتيجية، علماً بأن التكتيك يجب أن يكون تمهيداً لترسيخ القيم الإستراتيجية، وأن الخطأ الناشئ فيه يترتب عليه خطأ في الإستراتيجية نفسها، لذا فعليهم أما أن يؤيدوا الإتفاق ويمضوا في ركب الأولين، أما أن يرفضوه جملة وتفصيلاً، ويسجلوا بذلك موقفاً معارضاً للإتفاق، دون أن يؤثروا خيار "مسك العصا من الوسط".



http://www.alahdathonline.com/Ar/ViewContent/tabid/76/C...D/13303/Default.aspx

Post: #970
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 07-01-2008, 00:28 AM
Parent: #1


د. عصام عثمان الهادى
برز اهتمام كبير فى الاعوام الاخيرة فى منطقة جنوب شرق اسيا بموضوع ومضمون "الرسالة الثانية من الاسلام". ولعل المتصفح للمواقع المختلفة على الانترنت من تلك الانحاء يجد مايؤكد هذا القول متمثلا فى عدد كبير من الدراسات والمقالات التى تتناول او تشير او تعتمد على اطروحات "الرسالة الثانية
من الاسلام
".
وفى هذه المداخلة سأقوم بترجمة جزء يسير من ورقة قدمها استاذ القانون بجامعة الملايو بماليزيا الدكتور خو بو تيونج عن القوانين الاسلامية فى مؤتمر عقد فى شهر يوليو بماليزيا عن "دور المسيحيين فى عملية البناء الوطنى" وسأتبع ذلك بترجمة تعقيب المحرر بالاصدارة التى اوردت حديث د. تيونج.
وقبل ان أورد النص المشار اليه اود القول بأن هذه الترجمة من اجتهادى الشخصى ولا أزعم لها الكمال.. لذا فانى أرجو من كل من يود مراجعتها الاطلاع على النص الاصلى ( الصفحتان الثالثة والرابعة) فى التوصيلة المرفقة وابداء اى اقتراح بتصحيح ما يبدو غير مناسب من الترجمة.
الترجمة
"يقول الدكتور خو بو تيونج استاذ القانون بجامعة الملايو فى ورقته بعنوان "القانون الاسلامى والدستورية" انه مالم يتم تطوير الشريعة الاصولية فان موضوع معاملة غير المسلمين سيبقى دائما حجر عثرة يجعلها دونا عن احكام القانون المعاصر ومتطلبات القرن الحادى والعشرين" انتهى
ترجمة تعقيب المحرر
"تناول د. تيونج فى ابحاثه عن الشريعة الاصولية وفقا للفهم السائد فى العالم الاسلامى موضوع التمييز القائم على اساس الجنس والدين, ورأى فيه مقدمة لصدام بين حضارتين, الغربية بارثها المسيحى واليهودى من ناحية, والاسلام من ناحية اخرى.
الا ان الرسالة الثانية من الاسلام والتى يشير اليها د. خو بأنها الوجه الحقيقى للاسلام لاتعتمد التمييز على اساس الجنس او الدين, وان موجبات العدالة والمساواة فيها غير منقوصة.
ويعتقد أنه قد اصبح حتما على المسلمين فى جنوب شرق اسيا ان يتخلو عن الاصولية ويتجهو نحو الرسالة الثانية من الاسلام حتى يكون ممكنا تحقيق المساواة وحقوق الانسان" انتهى.

قرأت الحديث المشار اليه ثم كتبت هذه الرسالة فطالعنى قول الاستاذ للجمهوريين "أنتم غرباء الحق..ولكن غربتكم لن تطول..فأستمتعوا بها, من قبل ان تنظروا فلا تجدوا فى الارض الا داعيا بدعوتكم"


http://www.necf.org.my/html/newsletter-sep-oct2001/berita_sep-oct2001.pdf ]
_________________

Post: #971
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 07-01-2008, 00:34 AM
Parent: #970


الإنسان قادم إلى المدينة

ديوان شعر


أحمد مصطفى الحسين

الطبعة الأولى 1995




إهداء

إلى أبى وأستاذى محمود محمد طه
والى أبنائه "الجمهوريين" حيث كانوا وكيف كانوا


لقد جاءكم رسول، من أنفسكم .. عزيز عليه ، ما عنتم .. حريص عليكم .. بالمؤمنين ررؤف رحيم
صدق الله العظيم

تقديم
فى إعتقادى أن شرح الشعر يفسده. وذلك لأن هناك دائما مسافة بين اللغة كأداة للتعبير والتواصل وبين الجو النفسى للقصيدة. وهذه بديهية نعرفها من تجربتنا فى حياتنا اليومية العادية. فالكلمة الشفوية المباشرة تحمل لمتلقيها كثيرا من الأبعاد والمعانى ما لاتحملها نفس الكلمة إذا كانت مقرؤة. ولهذا ما أردت شرحا بهذه المقدمة ، ولست بارعا فيه ، ولكنى أردت أن أوضح الظرف النفسى الذى نشأت فيه قصائد هذا الديوان وانى لأرجو أن تسعفنى فيه كلماتى المكتوبة وحسبى ما يتلقاه منه القارى وما يثيره فيه.

لقد كانت علاقتى مع الشعر قديمة منذ طفولتى الباكرة وأفتتنت به كثيرا وخاصة فى مرحلة الدراسة الجامعية الأولى. ثم قيض الله لى أن أقابل الأستاذ محمود محمد طه بعد أن بلغت أزمتى الفكرية والحياتية مبلغا عظيما ، كنت فيه على عتبة الجنون وذلك عن طريق أخى وسمى وشيخى أحمد المصطفى دالى الذى كان يساكننى غرفتى فى الجامعة ولا يساكننى لأنه كان دائما فى الثورة وسريره خالي. وعن طريق أخى وشقيقى وشيخى وأحب أشقائى الى محمد المتوكل ( وهذا اسم متوكل عند ميلاده ) .وأحببت الأستاذ محمود وألتزمت فكرته وقصرت فى ذلك الحب وذلك الالتزام تقصيرا كبيرا. وكنت أتمنى ، وهذا دائى دائما، أن أبلغ بحبه فى حبه مقام تلميذه وأستاذى وشيخى حسن حجاز ولكن هيهات .. هيهات فذاك مقام حالت بينى وبينه حجب كثيرة من التنطع وحظوظ النفس.

ولقد أحببت الأستاذ محمود لأن مدخلى للفكرة الجمهورية كان ولايزال مدخلا روحيا ، فلقد قدمت الى الرسالة الثانية مباشرة من الجاهلية الثانية ، ودون أن أمر بالرسالة الأولى، فلم أكن أعرف كيف أصلى بل ولا كيف أتوضأ وتعلمت كل ذلك من كتب الفكرة قراءة ، ومن شيوخها تطبيقا. وقد وجه الاستاذ محمود أخى دالى حينما أعلنت التزامى باعطائى كتاب " تعلموا كيف تصلون " وكتاب " طريق محمد " قائلا ان أحمد جاء الينا من الجاهلية ( لا أذكر هل قال الثانية أم لا ) الى الرسالة الثانية. فبدأت محبتى الحقيقية للنبى عليه الصلاة والسلام بهذين الكتابين العظيمين. وأقول محبتى الحقيقية لأننى كنت قبل ذلك أجد فى نفسى محبة للنبى عليه الصلاة والسلام " وتكلب شعرة جلدى " ، كما كانت تقول والدتى عليها رحمة الله ، حينما تسمع ذكر اسم النبى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ، وكنت أشعر بخجل من هذا الشعور الفطرى والقشعريرة الخفيفة التى كانت تنتابنى ( شعرة جلدى كلبت ) حينما اسمع ذكر اسم النبى الكريم أوأقرأ له حديثا وذلك لأنه شعور كان لا يتناسب مع شخصيتى العلمانية وتكوينى الثقافى اليسارى حينها.

واحببت الأستاذ محمود لأننى كنت فى بداية التزامى أجد فى رؤيته ، مجرد رؤيته ، راحة تنحط بها أثقال ما كنت اشعر به من اضطراب وتمزق وحيرة وقتها . فكنت أخرج منه للجامعة لأعود مرة أخرى للثورة لأننى أفقد تلك الراحة بمجرد خروجى منه. فكنت أذهب وأرجع فى اليوم مرات عديدة ثم يستقر بى المقام فى نهاية المطاف فىركن دالى فى الجامعة حيث أجد راحة عظيمة فيه. ولا زلت أجد فى لقاء الاخوان ، كل الاخوان بقضهم وقضيضهم ، ما يهدئ بالى ويطمئن دخيلتى ويشعرنى بالانتماء الحقيقى……
ويكفينى به حسباً ويكفى فكره نسبا
ويكفى فكره داراً لنا.. أزلاً ومنقلبا

وكان ذلك الحب مدخلى لحب النبى الكريم ، وبسبيل منه، ولذلك قلت فى بداية هذه المقدمة أننى كنت أتمنى أن أبلغ فيه مقام أستاذى حسن حجاز وهيهات … هيهات فذلك مقام حسبى قطرة منه بل أقل. فقد أخبرنى الأستاذ خالد الحاج ، وأنا أستأذنه فى ايراد هذه القصة ،أن الاستاذ حسن حجاز ومحمد خير محيسى ، رد الله غربته كريما سليما ،اشتركا فى نقاش مع فقيه حول الاشتراكية والديمقراطية ، وكان ذلك بحضور الأستاذ محمود. وفى نهاية النقاش انتقد الأستاذ محمود اسلوبهما فى النقاش وضعف حجتهما، فدافع محيسى عن نفسه مجادلا بصحة موقفه ، فما كان من الأستاذ حسن حجاز الا أن نهض وبادر الأستاذ قائلا " تبت يا استاذ ".

لقد كانت تلك الفترة من أخصب فترات حياتى ،بل أخصبها على الاطلاق ، فكرا وسلوكا وشعورا وانتماء. بل إننى لأجزم أننى تعلمت من الاستاذ محمود ما لم أتعلمه فى طوال فترة تعليمى الرسمى. تعلمت منه أن العلم عمل وأن الشعور صدق. لقد عرفنى الأستاذ محمود بالنبى الكريم صلى الله عليه وسلم معرفة أنسانية فتحتنى على محبة النبى الكريم عليه الصلاة والسلام وجعلت محبتى له طريقا فكريا وحياتيا أستلهم فيه سنته طريقا للخلاص قدر إستطاعتى وأقصر فى ذلك كثيرا ... كثيرا بل وأسئ الأدب أحياناً.

ولأن تجربتى الوجدانية مع الفكرة الجمهورية وصاحبها أكبر من الشعر فقد تركت كتابة الشعر لفترة إمتدت من عام 1976 إالى عام 1983 ، حينما أعتقلت، بفضل الله على ، وهو فضل قصرت فى واجب الشكر عليه كثيراً ، مع زمرة كريمة من الاخوان الجمهوريين ، فى سجن كوبر بالسودان بسبب من اختلافنا كتنظيم مع النظام السياسى فى السودان فى ذلك الوقت. وقد تم اعتقالى بعد شهر تقريبا من عودتى من المملكة المتحدة التى كنت مبعوثا فيها من جامعة الخرطوم. وأمتدت فترة الاعتقال الى مدة عامين الا قليلا ، من منتصف مايو 83 وحتى ديسمبر 1984.

وفى السجن عادت إلى الرغبة فى كتابة الشعر. ولكنها عودة تغير فيها توجهى وتعقدت تفاصيلى وإهتماماتى وصار الشعر عندى تعبيرا عن حالة بسط أو قبض سلوكى لا تنفرج إلا بالكتابة. فأنا لا أتعمد الكتابة ولكنى أضطر لها إضطرارا. بل اننى لاشعر بالخجل أحيانا من كتابته ونادرا ما أقرأ قصائدى على الآخرين. ولكن الشعر يغلبنى فأكتبه حينا وأغلبه فأتركه حينا آخر. فاستاذنت الأستاذ محمود ، وأنا فى السجن ، فى العودة الىكتابة الشعر. وفى يوم خروجنا من كوبر سلمت عليه أمام منزله فأحتضننى قائلا "الشاعر" وحسبى بذلك اذنا أرجو أن أكون به مأذونا.

وكتبت فى السجن مجموعة من القصائد النبوية التى تحمل فيما أعتقد لونا جديدا من المديح النبوى وإن لم يكن متميزا بشكل خاص اللهم إلا فيما يتعلق بتميز التجربة نفسها عن غيرها. وكنت أقرأ تلك القصائد فى السجن على أستاذى سعيد الطيب الشائب ولا زلت أرسل اليه كل ما يعجبنى مما أكتب ، وهو رجل أحبه ولا أقول له ولا اسمعه الا ما يرضيه ويعجبنى تأدباً وحباً وتبركاً. كما اننى لا زلت ولن أنفك أرسل ما أكتب لأستاذى عبد الطيف عمر وتعجبنى تعليقاته وأقدرها. ولحن أخى الناجى بعضها ، فأضاف اليها من شفافيته وعمق لحنه أبعادا تجعلنى أشك أحيانا فى أننى كاتبها. ولحن كرومة واحدة منها، وهى " فى حجيرته " التى أسماها شيخ ابراهيم "الغاسلة" ، فأعطاها بلحنه الملائكى وصوته الدافئ البرئ أبعاداً مضيئة.

وبعد خروجى من المعتقل السياسى رزئنا بأحداث الهوس الدينى عقب تطبيق ما عرف فى السودان بقوانين سبتمبر 1983 والتى إنتهت بمحاكمة فكرية بل فى الحقيقة بمؤامرة إنسان رخيصة إنتهت بتنفيذ حكم الإعدام الظالم فى حق الأستاذ محمود وذلك فى يوم الجمعة 18/ ينائر 1985. ومن يومها لم يذق السودان عافية ولم أذق. فأرتبطت محبتى للسودان بمحبتى للأستاذ محمود بل هى منه. فكتبت فى هذه الفترة قصائدا تعبر عن هذه الحالة. وهى حالة تشتت وغضب وحزن ويأس وتمرد وغفلة غليظة ، ضمنتها ديوان صغير نشر فى الامارات بعنوان "أحزان الفتى الغافل" وديوان مخطوط بعنوان " أحزانى أحزان السودان ".

ثم أتفق لى أن زرت النبى الكريم فى مدينته المنورة فأكرمنى وأحسن وفادتى وحملنى بكل ما تحب نفسى من مشاعر الرضى والفرحة والقبول. وقد كانت هذه الزيارة بداية النهاية لفترة من الغفلة الغليظة التى ما فارقنى فيها حبى للأستاذ محمود وذكراه لحظة واحدة. ثم بينما انا فى هذه اللجة والحيرة دعانى النبى عليه الصلاة والسلام الى جنابه الطاهر. وهى دعوة أردتها وتمنيتها فرايت فى منامى اننى أجلس فى مكان معين بقرب قبر النبى عليه الصلاة وأتم التسليم وكنت حينها فى ابعد مراحل غفلتى الغليظة أثناء عملى فى جامعة الامارات بالعين. ثم لم ألبث أن جاتنى دعوة الى مؤتمر علمى عقدته جامعة الملك سعود بعد أن كنت قد تقدمت بورقة علمية لم أكن أظن أنها فى مستوى علمى مقبول. وذلك فى النصف الأول من عام 1993.

ولم يكن من عادة جامعة الامارات ان تسمح للاساتذة الوافدين فيها بالذهاب الى مؤتمرات الابعد مشقة وفى أضيق نطاق. وكنت قد شعرت حينما استلمت دعوة المؤتمر بأن هذه هى الدعوة التى أنتظرها من النبى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. فقدمت طلبا الى مدير الجامعة جاءتنى الموافقة عليه فى نفس اليوم مع قرار باعطائى تذاكر سفر على نفقة الجامعة مع المصروفات اليومية للرحلة. ثم قبل أن أتسلم تذكرة الجامعة جاءتنى تذكرة من السعودية شعرت حينها بأنها مرسلة من النبى الكريم فرفضت تذكرة الجامعة. وسافرت الىالسعودية لأول مرة فى حياتى ، وكنت فى حالة استحوال حقيقية جعلتنى لا أتابع مداولات المؤتمر الذى عقد فى مدينة القصيم فى جنوب المملكة العربية السعودية ، وهى منطقة جمع فيها كل الظلام الوهابى.

وتركت المؤتمر قبل جلسته الختامية وسافرت الى الرياض فى اليوم الثانى للمؤتمر حتى أتوجه الى المدينة المنورة لزيارة القبر النبوى الشريف حيث النور المفاض. وكنت قد أعددت جلبابا نظيفاً ، وملفحة "مغتربين" أنيقة ، وحذاء فاخراً ، ووضعتهم فى كيس مستقل ، وذلك لاننى كنت أنوى ترك حقيبتى مع شقيقى الأصغر حسين الذى يعمل فى الرياض واحمل فقط الكيس الذى أعددته معى الى المدينة. وكنت قد وضعت جلباب نومى وهو كجلاليب بيت الاخوان (أ) ، الذى كان يجمع زهاد الأخوان وعبادهم، مع سفنجة قديمة فى كيس آخر.

وفى الرياض استقبلنى أخى حسين فأعطيته حقيبتى وأغراضى وذهبت الى المدينة. وعند خروجى من مطار المدينة مباشرة قابلنى رجل وضى الوجه ودعانى الى سيارته وأخبرنى أنه يحب السودانيين لآنهم يحبون النبى عليه الصلاة والسلام ويحضرون دائما لزيارته. ثم أخذنى ودار بى فى أرجاء المدينة بحثا عن فندق قريب من المسجد النبوى الشريف وأصر ألا يأخذ أجرا الا بعد أن أخبرته انى مصر على هذا ووعدنى أن يأتى لأخذى فى جولة فى اليوم التالى لأزور الأثار الأسلامية فطلبت منه ألا يفعل لأننى أتيت فقط لأقضى ليلة ونهارا مع النبى عليه الصلاة والسلام.

ثم دخلت غرفتى فى الفندق وكانت الساعة السابعة والنصف مساء بغرض الغسل والذهاب للسلام على النبى عليه الصلاة والسلام. وكنت قبل زيارتى للملكة بفترة ليست بالقصيرة قد أصبت بالتهاب تورمت معه غدد العرق تحت ابطى بصورة مزعجة واحجام مخيفة ولكننى انشغلت عنها وأنا فى المدينة بفرحتى. وحينما دخلت الحمام ، خلعت ملابسى ،وأردت أن أبدأ بغسل تحت ابطىّ ، كما طلب منى الطبيب فاذا هى سليمة تماما لا أثر فيها ،أيما أثر، لاى ورم. فكدت أسقط من هول المفاجأة من حوض "البانيو"، وبدأت بالبكاء بصوت عالى ، وهرعت الى المرآة فى داخل الغرفة ، وأنا عارى تماما . وبدأت أتحسس تحت أبطى ونسيت ما كنت بصدده من تكلف الحضور بترديدعبارة الشيخ الجنيد " الله شاهد ..الله ناظر الى .. الله معى .. الله يرانى" .

ورجعت الى الحمام وأغتسلت وانا أبكى بصوت . ثم خرجت من الحمام لكى أرتدى جلبابى وأذهب الى السلام على النبى عليه الصلاة والسلام. فوجدت أننى أحضرت الكيس الذى فيه جلباب بيت الأخوان (أ) وذهبت حلتى الانيقة مع أغراضى الاخرى الى منزل أخى حسين ، فى الرياض. فشعرت أن النبى عليه الصلاة والسلام يريدنى هكذا. فلبست ذلك الجلباب المتسخ مع "سفنجتى" القديمة، لن يميزنى من يعرفنى عن دراويش الأرصفة كما أسماهم الدكتور مصطفى محمود . وذهبت للسلام على النبى عليه الصلاة والسلام ، رغم أن أصحاب الفندق قد أخبرونى أن المسجد النبوى يغلق عادة بعد صلاة العشاء وهو محروس بالشرطة. فذهبت رغم ذلك بنية السلام عليه من بعيد اذ لا يجوز أن أدخل مدينته ثم أنتظر حتى الصبح لأسلم عليه. وسألت بعض الناس بعد أن وصلت المسجد ، وقد أصبح بناء ضخا يحتل مساحة شاسعة، عن قبر النبى فكانوا يستغربون ويجيبون بأنهم لا يعرفون وذلك لأنه عندهم المسجد النبوى وليس القبر النبوى.

وفى صباح اليوم الثانى كنت فى المسجد النبوى مع الاذآن الاول. وبعد الصلاة التى لم أحضر فيها ولم أذق لها طعما ، وقد كانت أول صلاة لى منذ فترة طويلة. فقد كنت مشغولا بزيارتى للجناب النبوى الشريف. وبعد الصلاة وجدت نفسى مع المتجمهريين أمام القبر الشريف، وكانوا يتحدثون معه بعفوية ، بشتى أنواع اللغات متجاهلين ، تجار الدعوة ، وخبراء الدعاء امام القبر، وهم يعرضون خدماتهم فى تلقين الزائريين ما يجب أن يقولوه أمام القبر. ولم ألبث ان حملتنى الجموع الى خارج المسجد، وكنت قد انتابتنى وأنا أمام القبر ، حالة من البكاء المفاجئ وأنا فى جلبابى الألفى وسفنجتى ودون غطاء رأس .

وحينما وجدت نفسى خارج المسجد ، شعرت بأن هذه ليست الزيارة التى رأيت لها صورة ، ليست كاملة الوضوح فى منامى الذى ذكرته سابقا. وأنا أمام باب المسجد رأيت زقاقا ضيقا قادتنى قدماى فيه حتى وجدت نفسى على سياج القبر الشريف من ناحية اليمين. فجلست على مسطبة القبر جلسة شبيهة بتلك التى رأيتها فى منامى ولم يكن معى أحد ثم بكيت للنبى وبكيت … وبكيت … وبكيت. لقد قضيت معظم يومى ذاك باكيا. وشعرت بالنبى الكريم، شعورا حقيقيا ، وهو يهش فى وجهى ويرحب بى . ومما عمق هذا الشعور الروحى فى نفسى أن رائحة البخور فى القبر هى نفس الرائحة التى كنت أشمها فى غرفة الاستاذ محمود وأن المدينة نفسها تختلف فى سمتها وطعمها وطيبة أهلها عن بقية مدن المملكة، حتى وكأنها أم درمان. وبكيت وأنا أمام القبر و" تجرست له " وتحدثت معه دون اجراءات رسمية وبدارجية سودانية. وكنت كلما بكيت كلما شعرت بالراحة. وهى نفس الراحة التى كنت اشعر بها حينما أرى الاستاذ محمود ويحط يده على كتفى …
وأدخل فى حجيرته حزينا دامعا ارقا
يحط يدا على كتفى يزيل الهم والارقا
وكنت أحمل قصيدة للنبى واخبرته بذلك فى جلستى تلك ولم أكن أدرى وقتها كيف اسلمه هذه القصيدة . وفى تلك اللحظة بالذات حانة منى التفاتة فرأيت أمامى مباشرة رجلا يلقى بخطاب فى صندوق بريد أمام المسجد النبوى. وفى نفس اللحظة القى فى روعى أن أرمى القصيدة فى صندوق البريد ففعلت. وقضيت كل ذلك اليوم وأنا ابكى للنبى وأشكو له حالى وحال الاخوان. وصليت فى مسجده الظهر والعصر ، ثم ودعته ورجعت الى الرياض وغادرت بعدها للامارات. وقد كان لتلك الزيارة أثر كبير فى تجذير حب النبى فى قلبى. فكانت نفحتها وبركتها مجموعة من القصائد التى كانت تنساب وتنهمر على إنهمارا صباحا ومساء وفى أحوال عديدة. وضمنتها فى هذا الديوان. وإنى لأرجو بها حبه وقبوله ومدده وقربه و حضرته. أليس هو القائل: "أنا جليس من ذكرنى ". وهو أيضا القائل: "المرؤ مع من أحب ".
وانى لأارجو أن أكون من زمرة الذين يحبونه. وبسب هذا الرجاء فاننى أهدى هذه القصائد لكل الاخوان ، بدون فرز ، وأقصد بها تلطيف بعض ما تعكر من جوهم أخيرا ، فقد أهمنى ذلك وأحزننى كثيرا. والى عبد المطلب بله زهران ، الفياض، الذى علق فى حقه أحد الناس بأنك اذا صرت جمهوريا فانك تستطيع أن "تركب فى رأسه"، وهو كذلك فذلك امرؤ أمة وحده. وانه بسبب هذا التفرد، وفى هذا الموضع وهذه الأيام بالذات أخصه بهذا الاهداء. وأسأل الله أن يديم عليكم كلكم عافية الدين والدنيا.
أحمد مصطفى الحسين
الأردن/ فى يوم الجمعة 16/4/1999




أبيات على قبر النبى

أتيت إليك يا حبى
وأحمل كل أوزارى
وتعلم أننى عاصى
وأعرف أنك البارى

أنا فى حواك

أنت الغريب وقبلة الغرباء
فى صحبة النجباء والنقباء
أنت الحبيب تمدنا بلطائف
ودقائق عظمت على العظماء
أنت النبى حبيبهم ..وحبيبنا
وختام رحلة … آدم للياء
يا أيها المعصوم مبدأ نوره
وتجليات الذات بالاسماء

Post: #972
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 07-01-2008, 00:43 AM
Parent: #971



بسم الله الرحمن الرحيم
تفكيك التنظيم وتنظيم التفكيك: نحو رؤى جديدة لسودان جديد



د.حيدر بدوي صادق
د. محمد يوسف أحمد المصطفي

تمهيد: حول المصطلح وجدواه
نقصد بعبارة " تفكيك التنظيم"، تفكيك قوى السودان القديم، التي ساهمت كوجه (أو تنويع) سابق لحزب "الجبهة القومية الإسلامية " في خلق المناخ الملائم لنشأة وتخمر الرؤى الاقصائية الغاشمة الظالمة التي تتمثل الآن في نظام الترابي-البشير. وفي تقدير الكاتبين، فإن القوى التقليدية لم تكن إلا أنواعاً من الاستبداد، والرؤى الأحادية الوراثية، التي استغلت مشاعر أهلنا الدينية النبيلة لتأتي عن طريق صندوق الانتخابات. وحين تيسر لها ذلك فشلت، فشلاً ذريعاً، في أن تكون ديمقراطية. ففي عهدها حلت أحزاب سياسية وأقيمت محاكمات للرأي، سميت إحداها بمحكمة الردة. وفي عهدها كذلك استعرت وتفاقمت الحرب في جنوب البلاد الحبيب، وتكونت "مليشيات الدفاع الشعبي." وسمي المقاتلون في سبيل الأرض والعرض "بالخوارج".
لكل ما تقدم، يرى الكاتبان أن ما كان في السودان في العهود التي حكمت فيها القوى التقليدية، هو "انتخابات"، وليست ديمقراطية. ولهذا يرى الكاتبان ضرورة تفكيك هذه القوى، التي قد بدأت بفعل الوعي التراكمي وحركة التاريخ في السودان تتفكك، دون جهد يذكر من قوى المثقفين السودانيين الشماليين المتثاقلين.
هذا التفكك هو نتيجة لجهد مشتت وغير منظم من قوى السودان الجديد، باستثناء الحركة الشعبية لتحرير السودان، الحركة المنظمة الوحيدة من هذه القوى الجديدة التي صمدت بقوة لظلم الظالمين الشماليين في السودان في تاريخه الحديث، وهى تصارع قوى التشتت والانفصال. وهي الحركة الوحيدة التي حاول، ويحاول النظام الحالي، محاورتها باحترام، في حين احتقر ويحتقر القوى الشمالية التقليدية المفككة، بسبب فشلها الذريع في الماضي، وبسبب عجزها المريع في المعارضة الجادة الصامدة، ذات الرؤى والأهداف والمبادئ، والوسائل الواضحة، الحاسمة.
هذا التفكيك الطبيعي الناتج من حركة التاريخ في السودان، يجب أن يتبعه تفكيك منظم، بمعنى نقد منظم للقديم ينبني على رؤى جديدة، تبلورها القوى الجديدة، وتنتظم حولها، ونسمى هذا الأمر في هذا المقال بحرب الرؤى. و"حرب الرؤى" مصطلح جديد ساهم في بلورته وتوظيفه للشأن السوداني الدكتور فرانسيس دينق الأكاديمي والسياسي السوداني المعروف. ونود أن يتم تبني هذا المصطلح كبديل لمصطلح آخر، وهو مصطلح "الحرب"، هذه الكلمة الدامية.
و التداول الحر لرؤى "الحرب" والإقصاء القديمة لا يمكن أن تفضي إلا إلي تفكيك القديم، وإحلال الجديد مكانه. وقوى السودان القديم يجب أن تتفكك، ويجب أن تذهب رؤاها القديمة إلي غير رجعة. ويجب أن تحل محلها قوى السودان الجديد الحر المتسامح المتعدد الأعراق والثقافات، الواحد الموحد الأهداف والغايات. ولابد أن يتم تنظيم التفكيك في "حركة" جديدة من حركات التاريخ في السودان. ولنسم هذه الحركة ما شئنا، حركة القوى السودانية الجديدة، لواء السودان، حركة تحالف القوى الحديثة، المنبر الديمقراطي، ما شئنا أن نسميها. قد تكون التسمية مهمة، ولكن الأهم منها هو الرؤى المشتركة التي يمكن أن تصاغ من هذه "الحركة" التاريخية." ويجب أن تحمي هذه "الحركة" من الانكفاء الحزبي. فهي لن تكون، ولا يجب أن تكون "حزباً". وذلك لان "الحزب" يقيد ويحجر ويخلق رؤى أيديولوجية متزمتة. في حين أن "الحركة المنظمة"، المقصودة والمرتجاة هنا، تتعرض للقدر الأدنى من التنظيم، الذي يتيح الحوار في "منابر حرة" يرعاها ويطورها. وهي-أي هذه الحركة- بذلك منسابة، مرنة، حرة، وقابلة للتشكيل والتنظيم وفق مقتضيات كل مرحلة، ولهذا فهي تنظيم حر لثورة الحرية و"حركتها"، "الثورة الثقافية"، المفضية إلي "الثورة الفكرية"، المفضية بدورها إلي "حرب الرؤى" ثم "تلاقي الرؤى" نحو السودان الجديد الحر المتقدم نحو التنمية والحرية في اسمي معانيهما.


خطوات نحو تنظيم التفكيك
نبدأ، فنقرر بأن أولنا ينتمي إلي الفكرة الجمهورية، فكرة الأستاذ محمود محمد طه، الداعية إلي تمثل وإتباع منهاج النبي العربي محمد ( عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم)، وعضو مؤسس في حركة القوى السودانية الجديدة "حق"، والثاني عضو مؤسس في اتحاد القوى الوطنية الديمقراطية، ويلتزم التزاماً عميقاً بصيغة لواء السودان الجديد "لنج." وعلى الرغم من هذا، لا يحسب أيًا من الكاتبين أن انتماءه إلي أي من تلك الأشكال هو-جوهرياً- انتماء حزبي!
ولعله من نافلة القول الإشارة إلي أن اتحاد القوى الوطنية الديموقراطية هو-بصورة أساسية- اتحاد عريض لقوى وشرائح اجتماعية متنوعة واسعة حول برنامج عام للتحول الوطني الديموقراطي في بلادنا، ولذلك فإنه يجمع في عضويته مجموعات من مشارب فكرية ديموقراطية متعددة وعلى هذا النحو فهو ليس حزباً ذا أيديولوجية معينة! أما الفكرة الجمهورية، فكما تدل تسميتها، فهي "فكرة" وهي "جمهورية" تنشد تطبيق النموذج الفردي للنبي (عليه أفضل الصلاة والسلام) في حياة كل فرد على ظهر هذا الكوكب، وكونها "جمهورية" يعني بأن سلوك النبي، العربي الأمي، كان سلوكاً حضارياً سابقاً لعصره، وكان في ذلك كأنما هو قادم من القرن العشرين. فقد كان حراً كأسمى ما تكون الحرية؛ ديمقراطياً في مشربه، وهذا ما تنشده الجمهوريات الحديثة، ولذلك فإن هذه "الفكرة" تنشد النظام الجمهوري كنظام يناسب أهل السودان، وغيرهم. وهذا يعني استتباعاً أن الفكرة الجمهورية ليست حزباً، بل هي منهاج حياة لمن أراد الأخذ بها. وهذا ربما يفسر-جزئياً- استنكاف الجمهوريين عن العمل السياسي المنظم منذ استشهاد الأستاذ محمود محمد طه.

هذا التعريف الأولي بالكاتبين كان ضرورياً كمقدمة لتقرير التالي:
• لواء السودان الجديد (لنج) ليس حزباً بأي معيار من المعايير، وكذلك حركة القوى السودانية الجديدة (حق) لم تدع أنها حزب. وذلك لأن كليهما يمثلان "حركة" في طور التكوين تنشد رؤى جديدة لخلق سودان جديد.
• لواء السودان الجديد، بحكم أنه جاء إلي الوجود كاستجابة لمبادرة من قيادة الحركة الشعبية لتحرير السودان والجيش الشعبي لتحرير السودان من أجل تأسيس منبر ديمقراطي حر (مشترك) لقوى السودان الجديد لتبادل التجارب والقدرات العسكرية والسياسية، فقد استطاع تعبئة أقسام غير هينة من القوى المدنية التي لم تخبر العمل العسكري، والتي ترى رؤية الحركة الشعبية في شأن السودان الموحد الواحد القائم على العدل والمساواة والمرحمة والمودة بين سكانه.
• حركة القوى السودانية الجديدة "حق" هي حركة تلتقي مع لواء السودان الجديد (وكافة قوى السودان الجديد) في أن نظام الجبهة الأسلاموية العسكري يجب أن يذهب؛ وإن اضطر ذلك كل قوى السودان الجديد الحر(من جنوبه إلى أقصى شماله)، اضطراراً مراً، لمواجهته بجنس وسائله، بما فيها الوسيلة العسكرية الضاربة الحاسمة! وذلك ببساطة لأن الجبهة الأسلاموية هي التي اضطرت السودانيين الأحرار لهذا الخيار، أولاً لأنها أتت بحد السلاح، وثانياً لأنها طلبت المنازلة بلسان حالها منذ قدومها المشئوم بإقصائها الآخرين وقتلهم وتعذيبهم وتسريحهم من الخدمة العامة وحرق قراهم وغيرها من أشكال الإقصاء العسكري الفاحش والقهري. وتوج هذا الخيار الفاجر من قبل الجبهة الأسلاموية بدعوة صريحة بلسان مقالها. فقد نطقت أدواتها العسكرية -ممثلة في شخص الفريق البشير- بدعوة صريحة لأطراف المعارضة في الشمال لحمل السلاح والمقاتلة لتبيين الجدية في العمل السياسي المعارض!! فكان أن استجابت قوى السودان الجديد لدعوة البشير للمنازلة التي طلبها.
• ولأن قوى السودان الجديد في الشمال تسعي لأن تكون جادة، فقد سعت "حق" بجدية إلى تفعيل العمل السياسي الحر وفق رؤى جديدة تدعو للسلام، ولكن بالثمن الذي يستحقه هذا السلام من جهد وتضحية ومضاء وعزيمة في ميادين العمل السياسي المتنوعة. وأحد هذه الميادين هو "حرب الرؤى." و"حق" ترى أن ميدانها الأساسي والمؤثر سيكون في بلورة رؤى جديدة حول قضية قضايا السودان، قضية الهوية، وذلك لأن هذا المجال مجال خصب يؤدى تأطيره وتفعيله إلى خلق سودان جديد. و"حق" الآن في حالة حوار جاد، مع نفسها، حول جدوى العمل العسكري مما يليها، خاصة وأن هناك قوى جديدة أخرى (مثل الحركة الشعبية لتحرير السودان) تحمل ذات رؤى "حق" في مجملها، وتدافع في جسارة عن الأرض والعرض والحق. هذه القوى، بما فيها الحركة، البجا، التحالف، والفيدرالي الديموقراطي، تقوم بدورها التاريخي لنصرة رؤى السودان الجديد ومصالح قوى السودان الجديد، بعد أن عاثت قوى الظلم والظلام وإلاظلام فسادًا في جنوب البلاد وشمالها منذ استقلال السودان وحتى اليوم. وقد يفضي هذا الحوار الجاد-داخل "حق"-إلي تبني صيغة للعمل ترجح النشاط الفكري السياسي-الأخلاقي، ويكون هذا إسهاماً حقيقياً ومؤثراً في قضية القضايا بالسودان؛ قضية الهوية، وانعكاساتها على مسرح السياسة في السودان شمالاً وجنوباً! ويسوق هذا النوع من الحوار الجاد "حق" وغيرها من الحركات الجادة إلي اعتماد صيغة مرنة تسعي للآخرين، كما حدث وما أنفك يحدث في كثير من المواقع مع العديد من المسارات والتيارات ذات الرؤى المتقاربة.
• أضحي بينًا مما تقدم أن "لنج" و"حق" ليسا حزبين. بل هما رؤية واحدة تم تبنيها بواسطة مجموعتين وطنيتين. وقد تخلقت هذه الرؤية ونمت في داخل هاتين المجموعتين بصورة متماثلة بالرغم من استقلالهما عن بعضهما البعض! ولكون تجربة الإنسان السوداني الحر مع الظلم والظلام والظالمين واحدة فقد تشكلت هذه الرؤية المتماثلة بعرق ودم وصبر وتضحيات جسام، الشعب السوداني بها حقيق. ولكن هواة الكسب السياسي الرخيص، حتى في داخل هذه القوى الجديدة، مازالوا يعطلون تلاقيها والتحامها على طريق الحق والعدل. وهؤلاء مصابون بغشاوة وأنانية ظلتا علامتا الوسم للمثقف السوداني المتثاقل حتى اللحظة. وهؤلاء هم العقبة الحقيقية أمام توحيد عملية "تنظيم التفكيك"، التفكيك الذي أصاب البنية التحتية والفوقية للقوى السودانية التقليدية بفعل حركة وجدلية التاريخ في السودان الحديث منذ الاستقلال، وبفعل متثاقل متباطئ، أو متخاذل إن شئت، من المثقف السوداني.
• الكاتبان على قناعة تامة بأن "حق" و "لنج" هما أساساً حركتين، تشكلان منبرين حرين، لتداول الفكر والتحاور السياسي والتضامن حول مستقبل السودان وشروط نهوضه، وليستا بأي حال، منابر للكسب والتلهف والتهافت على السلطة والثروة والمجد الشخصي. وعليه فإن الحاجة دائماً على درجة بالغة من الإلحاح والجدية والتضحية من أجل الاستثمار الأقصى لهذا الطابع الإيجابي للصيغتين المتماثلتين.
• حوار الأفكار العقلاني والعلمي المصحوب بتبادل الخبرات الودود الذي تتيحه هذه المنابر الحرة والديمقراطية سيفضي، دون أدني شك أو ريب، إلي تفعيل العقل السوداني المشرئب إلي الخير والتقدم في مناخ معافى وإيجابي. فالإنسان السوداني (في قناعتنا) ذو وجدان سليم كريم، والوجدان السليم لابد وأن يستصحب فؤاداً سليماً، أو إن شئت عقلاً سليماً. والعقل السليم هذا لا يكون سليماً إلا في حركته الإيجابية المتمثلة في الإسهام النشط والمباشر في ما نسميه"حرب الرؤى". وهذا بالضبط ما تحاول أن تقوم به "حق" و"لنج" والعديد من قوى السودان الجديد.
• الشعب السوداني-بقدراته المتميزة و ملكاته المتفردة-قادر، في يقيننا، على أن يميز غشاوات الشر. ولهذا فعلينا، نحن المثقفين السودانيين، أن نضرب بعصانا بقوة في خضم التثاقف المتلاطم، مقصدنا في ذلك هو التنادي الحر والديمقراطي لتخليق رؤية مشتركة من خلال "حرب الرؤى"، المفضية بدورها إلي خلاصة الرؤى؛ وهي رؤية مجموع الشعب السوداني القائمة على الحقائق لا التصورات الوهمية، والمستقبلة مصير الأمة السودانية الموضوعي، وهو مصير فيه كثير من الخير العميم الوافر.
• على قوى السودان الجديد ألا تغتر أو تفرط في التفاؤل في ما قد تفضي إليه عملية "تفكيك التنظيم" هذه. فأقصي إنجازات هذه العملية لن تتجاوز كونها وسيلة لإسقاط النظام الظالم الغاشم الجاثم على صدر أمتنا، وإبعاد لوجوه وكيانات أذلت الشعب السودانى وأذاقته المر المرير. ويجب أن يكون هذا أدنى درجات طموح القوى الجديدة. ويجب أن تنأى هذه القوى بنفسها عن بناء الطموحات غير المشروعة للكسب الشخصي والمجد الذاتي، لان ذلك يعرض مشروع بناء السودان الجديد الذي نحلم به إلي خطر مستطير.
• أي تسويف أو تنازل أو افتئات على حقوق الشعب السوداني، خصوصاً من جانب القوى المتثاقفة الجديدة سيكون وخيم العواقب على من يسوف أو يتنازل أو يفتئت. فإن التفاؤل غير الجاد المؤسس على رؤية، وغير المشرب بتفاعيل "حرب الرؤى" التي سبقت الإشارة لها، لن يكون إلا من باب حسن النوايا، وحسن النية وحده لا يكفي لإسعاد الشعوب. والتفاؤل الذي لا تصحبه رؤية تؤدي إلي التغيير المنشود هو في ظننا تفاؤل عاجز وكسيح ولن يقود إلا إلي الفشل والإحباط، الذى يتلوه التسويف والتنازل والافتئات على حقوق شعبنا المشروعة.
• علينا أن نستعد لفهم وإدراك تعقيد ومشقة أمر التغيير المجتمعي، خصوصاً إن كان ذلك متعلقاً بشعب في عظمة وقامة الشعب السوداني. فليس بحسن النية وحدها، ولا بالكلام المنمق المعسول، ولا بالخطب المحتشدة بالمحسنات البديعية يتم التغيير وتتحقق طموحات الشعوب! التغيير سيكون -إن قدر له أن يتم في بلادنا- عبر استعدادنا المتحمس للغوص في داوخلنا كأفراد. فلننظر؛ ماذا قدمنا لشعبنا الذي قدم لنا الكثير؟ وهل ما قدمناه يليق بعطاء هذا الشعب المعطاء العظيم لنا، و ما بذله في سبيل إعدادنا وتأهيلنا؟ كيف يكون إسهام كل منا في مشروع النهوض الحضاري لأمتنا؟ فثمة حقل نستطيع الإسهام فيه بقوة وهو حقل "حرب الرؤى" الذي علينا -أفراد وجماعات- أن نوطن أنفسنا على البذل فيه كأفضل ما يكون البذل والعطاء. بهذا، وليس بأقل منه، نستحق شرف الانتماء لهذا الشعب وزمرة مثقفيه.
• الدكتور جون قرنق دي مابيور هو، على نحو ما فعل ويفعل، من أبرز مفجري هذا الحوار الحر الواعد، وذلك بنضاله وحماسته وصدق توجهه نحو سودان جديد واحد وموحد، في قارة أفريقية واحدة وموحدة. وهو بهذا المعني استتبع الحرب وسبقها بحرب الرؤى. وهو حين حمل السلاح لم يفعل ذلك إلا مضطراً "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم". فمن يأتيك في عقر دارك ويقتل أهل بيتك -أيها المتثاقل الشمالي- مهما كانت قدرتك علي التسامح، لن تملك إن كنت حراً، إلا أن تجابهه بشجاعة النضال ونضال الشجاعة! وهذا بالضبط موقف الدكتور جون قرنق تجسيداً لسودا نويته، وهو سوداني لحماً ودماً وعظماً ولساناً! ويتأكد ما سبق في مسلك الدكتور جون قرنق إزاء الحملة الجائرة عليه التي تتهمه بأمراض سدنة السودان القديم كالعنصرية والتعصب، وما إليها من معاداة للعروبة والإسلام!!! وعلى الرغم من ذلك، فإنه بكل صبر وأناة وسعة أفق وصدر رحيب يتعلم اللغة العربية، ويبدي حماسة -تعوز الكثيرين- لحماية حق المسلمين الجنوبيين في ممارسة دينهم ورعايته وتطوير أسباب ترسيخه عن طريق المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في السودان الجديد. وهو يرد بذلك السيئة بالحسنة، ويؤسس لأطر الحوار الفكري والتثاقف الحر بين أبناء الوطن الواحد. وفضلاً عن ذلك، فهو في سبيل إرساء الأسس المتينة للتعايش والتحاور في سودان التنوع الجديد لا يستنكف عن الجلوس إلي قوى ساهمت بصورة مباشرة أو غير مباشرة في إذاقته وأهله الأمرين، بل لا يستنكف أن يركب مع هذه القوى مركباً واحداً، يكاد بعضها أن يغرقه بدعوتها للمصالحة مع طغمة الجبهة الأسلاموية! هذا في وقت لم تنضج فيه أسباب وشروط هذه المصالحة. وأول هذه الشروط تسليم السلطة، وكل أدواتها للشعب وممثليه، وإلا فالطوفان الجارف الذي سيبقي الخير وما ينفع الناس، وسيذهب الزبد جفاءً.
• يجدر بنا أن نضيف إلي قولنا أن الدكتور جون قرنق أحد أبرز مفجري الثورة الثقافية، أن هناك شخصيات ساهمت ومازالت تساهم بتجرد وحماسة ودراية في هذا الصدد. نشير هنا إلي ذلك الرهط المتميز من أبناء "الشمال" الذين أدركوا قبل غيرهم أهمية المشاركة ذات الرؤى الوحدوية في هذه العملية. لن ينسى الشعب السوداني السماحة والتواضع والرؤية العميقة التي تعامل ويتعامل بها السيد محمد عثمان الميرغني مع الشأن السوداني. فهو بهذا النهج البديع يخطو خطوات مباركة نحو القوى الجديدة. لن ينسى الشعب السوداني أن هذا الإنسان مهيب السمت، المتجرد من حب السلطة السياسية المحضة، رغم أنها كانت في متناول يده يوم تهافت المتهافتون عليها، هو الذي صاغ مع الدكتور قرنق أساساً لاتفاق أجهضه التسويف والتخاذل والافتئات على حقوق الشعب السوداني السليبة. وسيذكر التاريخ، بأحرف من نور، للدكتور الصميم منصور خالد أنه بحسه الوطني الوحدوي النبيل، قد بنى وأسس مع أخيه الدكتور جون قرنق أساساً متيناً للثقة بين الشمالي والجنوبي. أما الأستاذ النبيل بشير بكار الدبلوماسي السوداني الصنديد الذى ضحي بماله ووقته، وكلف نفسه وأسرته رهقاً من أجل سودان جديد، وفي سبيل تكوين نواة فاعلة للقوى الجديدة بالخارج، يوم كان الكثيرون لا يعرفون للتضحية معنى، فلن يمحو دوره جهل الجاهلين من هواة الكسب السياسي الرخيص. هذه الثقة، التي بناها هؤلاء تنمو وتنضج الآن، وستكون العروة الوثقى التي منها سيجر النظام الحالي إلى سقوطه المحتوم، وسيبنى عليها رباط السودان الجديد. ولا نقمط أخوة آخرين ساهموا في تمتين هذه الثقة حقهم، ومن هؤلاء ياسر وياسر وعبد العزيز وبازرعة وعبد الباقي وخالد ومحمود ومالك والقائد يوسف كوة مكي وغيرهم ممن استجاب لنداء الثورة وحمل بذرة الوحدة وساهم بفعالية في غرسها علي ثرى الوطن.
• هناك قطاعات واسعة من الجماهير المهمشة التي استطاعت "حق" و "لنج" أن تصلها بالداخل وتربطها بمصير الثورة الثقافية المستعرة. ولكن هذا الربط سينفرط إن لم نمكنه ونعززه بـ "تنظيم التفكيك". فالقوى التقليدية في داخل السودان قد دخلت طوراً متقدماً في التحلل والتفكك، وما ركوب موجة الثورة من بعضها في الخارج إلا محاولة يائسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من كيانها! إزاء هذا الواقع، نقول؛ أنه يجب تنظيم هذه القطاعات الواسعة المهمشة وتمكينها من المشاركة الفعالة والنشطة في "حرب الرؤى". فحرب الرؤى هذه، في مناخ ديمقراطي حر معافى، هي أصل "الحرب" علي قوى الشر، وذلك لأنها حرب مسالمة، غير دموية، وحضارية، تحترب فيها الرؤى بتوادد و تراحم ، يحاكي حضارة وتوادد و تراحم و تسامح الشعب السوداني، وهذا التسامح سيكون أساسه احترام الرأي الآخر، بل وصيانته و حمايته لأنه ينطق عن نفسه إن كان حقاً أو كان باطلاً، وفي ذلك حماية لحق أساسي من حقوق الإنسان السوداني السليبة، وهو "حق الحرية"، الذي تتفرع منه أمهلت الحقوق. وبفضل الله على الشعب السوداني فقد قاربت دجات الوعي لديه الدرجات المرجوة له، في التمييز بين الرأي والرأي الآخر.

• حربنا الراهنة مع نظام الجبهة الأسلاموية هي،في جوهرها، حرب رؤى ارتدت -بصورة مؤقتة- رداءً مسلحاً! المقصد الرئيسي من هذا الشكل المسلح هو إجبار تلك الفئة الباغية على الجلوس كسيرة، صاغرة (كما تستحق) للنقاش والحوار والاحتراب الفكري وفقاً لأكثر الشروط إنسانية وتحضراً! أي إن هذا الحوار يجوز فقط بعد التجريد الكامل الناجز لهذه الفئة من كافة أدوات القهر والنهب والتدليس والقتل، وبالقوة القهرية إن كان لابد مما ليس منه بد. فالشعب السوداني الودود المتسامح لا يقاتل الظلمة من أجل القتال، وإنما من أجل إحلال الحق وتمكين العدالة وترسيخ المحبة وتعزيز المودة بين أفراده.
• ذهب في سبيل هذه الثورة، ودون هذا النهج، رموز للشعب السوداني شهداء على عصرهم ، هذا الأغبر. في مهابة وإباء وشموخ وبسمت ولسان ناطقين، نطقاً مفحماً، ذهب الأستاذ محمود محمد طه شهيداً متكلماً وحده يوم صمت الآخرون. فقد أبان شرور الهوس الديني وخطورة إدماء الجنوب في وقت كانت فيه جمهرة متواطئة متخاذلة من المثقفين السودانيين ترى أن في ذلك ترفاً. واليوم استبان الكل بأن ذلك لم يكن إلا الحق الحقيق. كان ذلك في يوم عجزت فيه الكثرة الغالبة من المثقفين عجزاً مخزياً عن قول النصيحة. كان الشهيد الأستاذ مناديًا في جلال و كبرياء بما ننادي به اليوم. ورغم ظلم الجلاد وهوس طغمة نميري الفاسدة (وهي نفس بطانة النظام الحالي، بل سداته ولحمه)، لقي الأستاذ مصيره مبتسماً ابتسامة ما انفكت تضيء حتى يومنا هذا. وعلى هذا الضوء، وضوء شهدائنا الآخرين من القوى المستنيرة نسير ونتقدم. وهذا الضوء يلهمنا القوة والصبر والإصرار على منازلة الظلم والظالمين لإحقاق الحق، حق الشعب السوداني في حياة كريمة رغده وحرة. وبهذا المعنى فالأستاذ محمود، وموقفه، يجريان منا مجرى الدم، ونرجو ألا يكونذلك إدعاءً زائفاً، فذلك الموقف -أن تبتسم للموت علي يد الفجّار- هو الحياة كلها والنبل كله، والعبودية لله في أسمى صورها، ليت قومنا يعلمون . ونرجو أن نحيا نحن المثقفين السودانيين في سبيل ما استشهد من أجله -من ضمن ذلك السودان وأهلوه الأبرار- وإلا فسنذل إلى أرذل العمر داخل وخارج وطننا.
• ندعو أن يكون التسامح الذي لاقي به الأستاذ محمود جلاديه ديدننا لقوى السودان الجديد، ولكن بعد أن تسلم قوى الظلام-في صغار-كل أسلحتها التي وظفتها في التنكيل والتقتيل والإذلال. وهنا يجدر بنا أن نذكر ما سطره الأستاذ محمود في الستينات عن الدكتور حسن الترابي، قائلاً عنه "إن شخص الترابي موضع حبنا ولكن ما ينطوي عليه من أفكار هو موضوع حربنا"، والحرب المقصودة هنا هي حرب الرؤى ذاتها التي ندعو لها اليوم!!! نعم هي "حرب الرؤى" التي لم نتقن استخدام أدواتها حتى اللحظة!! ليت الترابي أدرك يومها أن مثل هذه الحرب لا تخاض بالسلاح وإنما بالتي هي أحسن-كما يدعوه دينه الذي يدعيه. عوضاً عن ذلك، أعلن الترابي، هو وأدواته (غير الجديرة بالذكر هنا)، حربه الخاسرة ضد الأستاذ الشهيد، إلي أن ذهب الأستاذ محموداً في الأرض والسماء، وبقي الترابي وجماعته من سدنة الظلام مخذيين في الأرض والتراب. هذه الجماعة الغاشمة مدعوة اليوم إلي تسليم السلطة الآن، نعم الآن.. الآن.. الآن. وإلا فلينتظروا أن تقصف بهم قوى الخير الأرض، ويبقي بعد ذلك الخير كله: خير الشعب السوداني الذي ذهب الأستاذ محمود وهو مفعم بالثقة واليقين في أصالته وقدراته المتميزة، وإمكاناته المديدة لصنع التاريخ وصياغة المستقبل الوضاء لسكان كوكبنا من البشر. سيذهب هذا النظام لا محالة، وليشارك الجميع في ذهابه، حتى لا يستمر جني ا الحصاد المر للأداء المعطوب للطغمة الفاسدة الظالمة الفاجرة، حصاد الظلم والتقتيل والإذلال الذي طال أناساً شرفاء من أمثال الدكتور علي فضل ورفاقه الكواسر من الشهداء، والعميد محمد أحمد الريح وصحبه من المعذبين، وشهداء حركة رمضان الأبطال، الذين قتلوا في شهر الصيام من مدعي الدين الفجار، وقوافل البسالة والإقدام من شهداء الحركة الشعبية. مهر هؤلاء وأولئك عرس شعبنا الذي لن يتم إلا بذهاب دولة الفساد والظلام السائدة الآن في السودان، ورفرفة رايات الحرية والتسامح والمودة والحب والسلام.
مبتغي الشعب السوداني من الثورة الثقافية، أي من حرب الرؤى، التى حاولنا بلورة أولية لها هنا، هو تخليق كائن حي نابض بالحياة والتدفق كتدفق نيلنا سليل الفراديس؛ ونحن موعودون بالفردوس في سوداننا.. نسأل الله أن يتمم لنا نورنا، نور الحرية ، إنه نعم المسئول وخير مجيب. ولنواصل التنادي بفضله العميم على شعبنا السوداني الكريم، حتى نقيل به ويقيل بنا عثرته. ونحمده على ما آتانا من صمامة العزم على ما نحن فيه ماضون، وما نحن عليه مقبلون، والحمد له وحده رب العالمين

نقلا عن مسارات جديدة

Post: #973
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 07-01-2008, 03:57 AM
Parent: #972


الرأي الأخر … والرأي … في حديث عمر القراي

حتى لا نجعل من تفسير آيات السيف سيفاً مسلطاً على حركة الاجتهاد

مبارك على أحمد – الرياض
[email protected]

اطلعت كغيري من القراء على مقال للأستاذ / عمر القراي (بعنوان الإعلام والأقلام عند غير أهلها) وانتظرت أكثر من أسبوع لأرى من يتناول ما جاء في المقال سلباً أو إيجاباً وحسب متابعتي فلم أجد أحد يعقب عليه وهذا في تقديري يعود لأحد أمرين:

الأول: أما أن يكون ما جاء في المقال لا يستحق أن يسكب من أجله المداد باعتباره مقالاً ضحلاً من الناحية الفكرية وفقيراً من ناحية التناول السياسي الذي ورد فيه.

والثاني: أن يكون ما جاء في المقال لا يحتاج إلى تعقيب باعتباره مقالاً رصيناً شخص الداء وأتى بالدواء.

ولأن المقال يعنيني شخصياً باعتباري أحد المنتمين لفكر الصحوة العاملين على إيصاله للآخرين عبر كل الوسائل المتاحة فإنني قرأت المقال لأكثر من مرة وشد ما أحزنني تلك اللغة التي كتب بها المقال والتي عبرت عن حقد دفين وتشويه مريع وتعريض كبير لشخص في قامة السيد / الصادق المهدي. جاء المقال في تقديري وهو يفتقر لأبسط قواعد اللباقة في تناوله للموضوعات والتي يمكن اختصارها حسب ما أرى في الآتي:

لا يحق لأمثال الأستاذ / محمد إبراهيم نقد وكمال الجزولي الحديث عن الآخرين في الساحة السياسية إيجاباً ولا مغازلة الصادق المهدي بهدف إبعاده عن محيطه الإسلامي.

في مجال الاجتهاد أمام الصادق المهدي أحد خيارين لا ثالث لهما… إما أن يبقي على النصوص القطعية في القرآن الكريم وهذا يعني قتال الوثنيين والمسيحيين من المواطنين السودانيين… أو أن يتمسك بأطروحات الديمقراطية وحقوق المواطنة التي يتحدث عنها كثيراً.

الصادق المهدي غير مستوعب لمفهوم الديمقراطية والشورى وهذا هو السبب الأساسي في عجزه المتصل عن ممارستها.

البيعة التي تمت له مؤخراً تدل على مبلغ مفارقته للديمقراطية.

إننا إذ نتناول في هذا المقال ما جاء في حديث الأستاذ / عمر القراي واضعين في اعتبارنا ألا ننساق وراء ما ورد من مغالطات يكذبها الواقع ويدحضها الفعل السياسي اليومي في السودان وأن نجعل من هذه النافذة فرصة لإطلاع الأستاذ / عمر القراي وغيره على ما يطرحه أهل التأصيل الصحوي في السودان مستندين على مراجع فكرية في تناول قضايا مثل الاجتهاد والجهاد والديمقراطية والشورى والبيعة آملين أن نفتح للجميع واسعاً حاول عمر القراي أن يجعل منه ضيقاً مستنداً في مراجعه ومصادره على ما جاء من تصريحات بالصحف اليومية مستخفاً بعقل القارئ السوداني الذي يلتهم السياسة مع لقمة عيشه ويقتطع من فتات موائده ليشبع نهمه السياسي.

إننا نطلقها نصيحة نبتغي بها وجه الله إلى الأستاذ / عمر القراي وأمثاله أن تحركوا من المربع الجمهوري الذي أصبح في حكم التاريخ بل هو جزء يسير من حركة التاريخ السياسي والفكري في السودان لم تستطع حركته الجماهيرية أن تتجاوز صفوة معدودة بأصابع اليد الواحدة توقفت عن التفكير يوم ودع زعيمهم الراحل محمود محمد طه الفانية وسارت أقلامهم مداداً من دم أسود على كل ما هو غير جمهوري يعيدون ويكررون ما قاله الزعيم بصورة مملة كأنما يدعون حركة الزمن للتوقف وحركة الفكر للجمود عند محطة عفا عنها الدهر وأصابها البلى.

الصادق المهدي جهاد واجتهاد:-

لقد أكد الصادق المهدي غير مرة الالتزام بقطعيات الوحي (التي هي محددة للغاية) فالقرآن الكريم كتاب الله قطعي الورود ولكن كثيراً من آياته حمالة أوجه (منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات… الآية) وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في غير السنن العملية أغلبها ليست قطعية الورود وفي دلالتها أقوال وكتب الأحاديث الصحيحة (الصحاح الستة) ليست مبوبة حسب التسلسل الزمني وحتى بعد حسم مسألة صحة الورود فهناك نصوص متناقضة في ظاهرها مثلاً قال تعالى: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله) هذه الآية حجة للجبر وتؤكد التسيير قال تعالى: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر) هذه الآية حجة للاختيار وتؤكد التخيير فأي الآيات هي المحكمة؟

ورداً على ما أشار عليه الأستاذ / عمر القراي فيما يخص آيات السيف والجهاد في الإسلام فنقول أن الجهاد هو بذل الوسع كله لإعلاء كلمة الله – فالإنسان يغالب الشر في نفسه مجاهداً ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة مجاهداً ويغالب الجهل والفقر والمرض مجاهداً ويقاتل لكي لا يفتن في دينه دفاعاً عن نفسه جهاداً… إنه كل حياة المسلم… إنه رهبانية الأمة إلا أن هناك فهم ضيق للجهاد يجعل منه قتالاً هجومياً بموجب آيات السيف. قال الأستاذ/ سيد قطب: " إن في كتاب الله سورة هي التوبة تضمنت أحكاماً نهائية بين الأمة الإسلامية وسائر الأمم في الأرض " وقبل ذلك اعتبر ابن القيم الجوزية آية السيف الواردة في سورة التوبة الآية المحكمة الناسخة لكل ما عداها وفي هذا نقرر الآتي:

آيات السيف هي:

(أ) الآية (5) من سورة التوبة قال تعالى: (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم).

(ب) الآية (29) من سورة التوبة قال تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون).

(ج) الآية (36) من سورة التوبة قال تعالى: (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين).

إن الآية 5 من سورة التوبة سبقتها الآية 4 ونصها ( إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئاً ولم يظاهروا عليكم أحداً فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين). هذه الآية أعطت الأمان لأولئك الذين لم يكن اتصالهم بالمؤمنين عدائياً وأعقبتها الآية 6 ونصها (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون) هاتان الآيتان السابقة للآية 5 واللاحقة لها تؤكدان أن الآية الخامسة إنما تقرر حكماً يسري في ظرف معين أي أنها معنية بفئة معينة بدأت المسلمين بالعدوان وهمت بإخراجهم من ديارهم.

أما الآية 29 فالمقصود بها ليس كل أهل الكتاب بل فريق منهم له شروط ذكرتها الآية. قال صاحب المنار الشيخ/ محمد رشيد رضا تفسيراً للآية: " إنها تعني قاتل الفريق من أهل الكتاب عند وجود ما يقتضي وجوب القتال كالاعتداء عليكم أو على بلادكم أو اضطهادكم أو فتنتكم عن دينكم أو تهديد أمنكم وسلامتكم كما فعل الروم فكان سبباً لغزوة تبوك " .

أما الآية 36 فهي بنصها نفسه لا تأمر بهجوم بل تقول وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة مثل الآية: (ولا عدوان إلا على الظالمين) إن الفيصل في تبرير القتال واضح في الآية 13 من سورة التوبة قال تعالى: (ألا تقاتلون قوماً نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدأوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين).

إن في القرآن الكريم مائة آية موزعة على ثمانية وأربعين سورة تأمر بالعامل مع الآخرين بالتي هي أحسن مثل الآية (8) من سورة الممتحنة قال تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين) إن الدعوة إلى الله في الإسلام بالحسنى أما القتال فهو لرد العدوان قال تعالى: (أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير) إننا نلمس آثار هذا الاجتهاد في كتب السيرة النبوية فقد تناولت ما لا يقل عن ألف كتاب سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ومع أن بيعة العقبة كانت بيعة دفاعية إلا أن كثيراً من تلك الكتب تظهر النبي صلى الله عليه وسلم غازياً ومبادراً ومركزاً على واجبات القتال والحقيقة هي أن دور المغازي في نجاح الدعوة كان متواضعاً وفي حياة النبي صلى الله عليه وسلم كان القتال ما بين عامي 3هـ - 9هـ وكان عدد المقتولين في جميع الغزوات والسرايا 259 شهيداً من المسلمين و759 قتيلاً من غير المسلمين لتصبح الجملة 1018 بين شهيد وقتيل فقط.

إن حكمة النبي صلى الله عليه وسلم حققت أهم ثلاثة إنجازات للدعوة دون قتال وهي:

تأسيس دولة المدينة عام الهجرة دون قتال.

استمالة غالبية أهل الجزيرة العربية للدعوة عامي صلح الحديبية.

فتح مكة تم دون قتال.

إننا نقول إن مصلحة الإسلام في العصر الحديث تكمن في التسامح والتعايش مع حضارات الإنسان الأخرى وذلك للأسباب التالية:

مع أن المسلمين في أضعف حالاتهم سياسياً فإن الدين الإسلامي ينتشر بسرعة في كل قارات العالم بالقدوة وبالتي هي أحسن فهو في مناخ التسامح الديني أوسع الأديان انتشاراً في العالم.

بروز اتجاه جديد لبعض علماء الاستشراق في نظرتهم للإسلام يدعو للتعامل معه بموضوعية أكثر.

ثلث المسلمين اليوم يعيشون أقليات مع أغلبيات مغايرة وكذلك يعيش الباقون غالباً مع أقليات مغايرة ولا سبيل للتعامل في كل هذه الظروف إلا بالتسامح والتعايش.

إن جوهر التجديد في الإسلام يقوم على صلاحيته في كل زمان ومكان وإن التأكيد على الهوية الإسلامية المتميزة للأمة ضرورة وإن الإقبال على فتوحات الحضارة الحديثة باستيراد أشياءها واقتنائها واستنباط بعض مؤسساتها وشيء من نظمها شيء لا بد منه وإن فك الارتباط الوثيق بين الثابت والمتغير والتمييز بينهما بدأ واضحاً في كثير من المدارس الإسلامية كالمدرسة الفقهية السورية (د . محمد المبارك ، د . مصطفى السباعي ، د . الدواليبي ، و د . مصطفى الزرقا) ثم المدرسة الفقهية المصرية مع الشيخ/ محمد الغزالي في آخر أيامه و د . يوسف القرضاوي في كثير من أبحاثه و د. محمد سعيد العوا في كثير من اجتهاداته في الفكر السياسي. فالثابت فيه مسائل كثيرة مختلف عليها ، فهو قطعي الثبوت لكن تجدهم يختلفون في نوعية دلالته وهكذا نجمت مسائل المحكم والمتشابه – العام والخاص – الناسخ والمنسوخ – المطلق والمقيد . وترك الخلاف حول هذه الثنائيات مساحات واسعة للتأويل والتأويل المخالف وذلك في أوج حضارة الإسلام وعظمتها وإنك لتجد في قتال غير المسلمين تركيزاً عظيماً على القول بأن آيات الإعراض والصفح والتسامح قد نسخت بآيات السيف وأصبح التأكيد على غاية أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وأضحى السيف مسلطاً على الآخر في الداخل والخارج. فإما إسلام أو جزية أو قتال وتجاوز هذا المنظور مسألتي التدرج في التنزيل وأسباب النزول وفيهما لعصرنا هذا وسع مرغوب ويسر مطلوب ومن جهة أخرى تجد فقه القوة يؤكد على تضييق ماعون القوة والحكم ومؤسساته لصالح الحكم المطلق وفقاً لمنظور فقه المصالح وفقه الضرورة بمنهج توفيقي تبريري بين كليات الإسلام الذي كان يبعد بعداً متعاظماً عن تلك الكليات فالمقارنة بين آراء المورودي والغزالي وابن ماجة وابن خلدون في مسائل الخلافة وقضايا الوحدة السياسية خير شاهد لاستبصار الفرق الشاسع والبون العظيم في مقولاتهم نتيجة اختلاف البيئات التي أنتجت آراءهم.

إن دور العقل في التفسير والاستنباط وتحليل الروايات ودوره في التعامل مع الجوانب المتحركة من الشريعة دور هام في مجال المعاملات أي في المجال الاجتماعي – انه دور يقع التكليف به علي الأمة وتعطيله يدل على تقصير الأمة في القيام بواجبها ويؤدي إلى ما أدى إلية من واقع اجتماعي كريه . أن كتابنا واحد معلوم ومحفوظ النص ورسولنا واحد ومعلوم السيرة والهوية علينا أن نلتزم تماما بالقطعي ورودا والقطعي دلالة من الكتاب والسنة … أما الظني ورودا والظني دلالةً وما ليس فيه نص أصلاً فأمور اجتهادية غير ملزمة لنا – نعم هناك عوامل مستجدة اختلف المسلمون حول كيفية التعامل معها : أهل السنة قالوا بالتعامل مع المستجدات على أساس القياس والإجماع – الشيعة قالوا بمعرفة خاصة للائمة ولمراجع التقليد في غيابهم – الصوفية قالوا بان الصالحين ملهمون مكشوف لهم الحجاب مما يتيح لهم معرفة خاصة للتعامل مع كل الأمور وعلى الآخرين إتباعهم . لقد جادل المسلمون كثيراً حول تلك الأسباب . فمن قائل أن القياس غير صحيح لأنه لا تكون حالة مثل حالة أبداً وقائل أن الإجماع في واحد من الأمور غير القطعية لم يقع أبداً وقائل أن الأئمة المعنيين لم يوجدوا أصلاً وان القول بالكشف مختلف عليه .

إن عصرنا يمتاز بإلغاء المكان عن طريق المواصلات وإلغاء الزمان عن طريق الاتصالات مما يتيح لنا وسائل أفضل للتعامل مع هذه القضايا – الأسلوب الأمثل هو تحديد هيئة أو هيئات تشريعية ذات تفويض شعبي للتداول بشأن المستجدات لاتخاذ قرار بشأنها. هناك نظرة سلبية جداً نحو التعددية في المسائل الاجتهادية ينبغي أن تكون نظرتنا لكل أنواع التعددية المذهبية والفكرية الإسلامية إيجابية لأنها إحدى وسائل الحرية اللازمة على أن نلتزم في هذا الصدد بأمرين هما: التسليم بالقطعي وروداً والقطعي دلالةً من نصوص الإسلام والثاني تجنب التعصب لاجتهادنا الخاص والتعامل معه بقاعدة اجتهادنا صواب يحتمل الخطأ واجتهادكم خطأ يحتمل الصواب – هذه النظرية المرنة للتعامل المذهبي مع التراث المنقول مع العطاء الإنساني مع الاجتهاد الآخر هو المطلوب لإخراج أنفسنا من الانكفاء ومن التعصب الذميم.

التعددية فيما عدا وحدانية الذات الإلهية جزء لا يتجزأ من نظام الكون وينبغي التخلص من النظر إلى فرقة واحدة ناجية فمن كفر مسلماً فقد باء بالكفر أحدهما ومن اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد وليس من طلب الباطل فأصابه كمن طلب الحق فأخطأه. إن للإنسان عشرة مطالب أساسية تفتقر إلى إشباع متوازن وهي:

المطالب الروحية – الخلقية – العاطفية – المعرفية – المادية – الاجتماعية – البيئية – الجمالية – الرياضية والترفيهية. إن الإسلام دين الفطرة مستبين لتلك المطالب ومقر بضرورة إشباعها إشباعاً موزوناً وينبغي على المسلمين السعي للحقيقة اجتهاداً في ظروف الزمان والمكان المختلفة.

الدعوة المهدية في السودان سنية ومقولتها تجعل المهدية وظيفية هي وظيفة إحياء الكتاب والسنة بصورة ذات خصوصية تجيز لها تعليق العمل بالمذاهب وإبطال التفرق بين المسلمين عودة للكتاب والسنة – هذا موقفها النظري لكن موقفها من الخريطة الإسلامية الشعبية هو إنها جمعت ما تفرق بين التكوينات الإسلامية فهي ذات موروث شعبي تقليدي عريض وهي ذات طلائع فدائية متحمسة وهي ذات كوادر فكرية مثقفة لذلك يرجى أن يكون لها عطاء إسلامي داخل السودان وخارجه داعية لنهج إسلامي ملتزم ومستنير بأسلوب الحكمة والموعظة الحسنة.

الصادق المهدي ومفهوم الديمقراطية والشورى:-

إن في عالمنا العربي والإسلامي من يرى أن الديمقراطية جزء من غزو فكري ثقافي دخيل وهي مرفوضة في نظرهم إسلامياً بل الدعوة إليها دعوة للخروج من الدين – هذا هو موقف حركات الغلو الإسلامي ولهؤلاء نقول : من حيث المبدأ فان رفض المفاهيم والنظم بحجة أنها آتية من مصادر غير إسلامية موقف ينافي المبادئ الإسلامية والتجارب التاريخية قال تعالي ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ) . وقال تعالي ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) . ومنذ الصدر الأول إستصحب المسلمون نظما وممارسات وافدة مثل استخدام النقود – وسك العملة – وجباية الخراج وتدوين الدواوين وفي هذا الصدد قال ابن قيم الجوزية ( قال الشافعي لا سياسة إلا ما وافق الشرع قال ابن عقيل ( السياسة ما كان فعلاً يكون الناس معه أقرب إلى الصلاح وأبعد من الفساد وان لم يصنعه الرسول صلي الله علية وسلم ولا نزل به وحي وان أردت لا سياسة إلا ما نطق به الشرع فغلط ، وتغليط للصحابة فقد أحرق عثمان المصاحف وكان رأياً اعتمد فيه على مصلحة الأمة) ومضى يشجب هذا التضييق ويرمي أصحابه بأنهم جعلوا الشريعة قاصرة لا تقوم بمصالح العباد محتاجة لغيرها وسدوا على أنفسهم طرقاً صحيحة من معرفة الحق والتنفيذ له.

وهناك مقولة ثانية في العالم العربي والإسلامي ترى أن الديمقراطية لا تناسبنا وعندنا الشورى وهي أفضل منها وأكثر ملائمة لأحوالنا وهذا ما تقول به أكثرية نظم الحكم في البلدان العربية ولهؤلاء نقول: الشورى مبدأ سياسي عظيم كالعدالة ولكن العدالة لا تتحقق إلا عبر مؤسسات القضاء المستقل فما هي المؤسسة المماثلة للشورى؟ كل الحديث عن أهل الحل والعقد وعن استشارتهم حديث عام – الديمقراطية تتفق مع الشورى في نقاط عديدة: منع الانفراد بالحكم – إيجاد حقوق الإنسان – احترام سيادة القانون لكن الديمقراطية ملحق بها آليات ومؤسسات بتطبيق تلك المبادئ وهذا ما لم يتحقق للشورى.

نوعان من الناس حريصون على تأكيد الخلاف الجوهري بين الديمقراطية والشورى الأول: الذين يخافون الديمقراطية وآلياتها الملزمة ويريدون أن يواصلوا الانفراد بالسلطة تحت راية الشورى التي لا تلزمهم بمؤسسات وآليات محددة. والثاني: علمانيون يرون أن الإنجازات الإنسانية المعاصرة أغنت عن المفاهيم التراثية – ومجموعة ثالثة في محيطنا العربي والإسلامي ترى أن الديمقراطية غير مجدية في مجتمعات جاهلة مسكونة بالولاءات الطائفية والقبلية وبلداننا محتاجة لنظم حكم مستقرة وفاعلة لتحقيق أهدافها الوطنية مثل التنمية والتحديث والعدالة والتأصيل هذا ما تدفع به النظم الانقلابية التي تفرض إما وصايا يسارية أو يمينية.

إن حالة التردي التي آل إليها السودان بعد أن خضع لحكم استبدادي في 75% من عمر حياته المستقلة تعود بلا نزاع للشمولية والأيديولوجية بوجهيهما اليساري واليميني وفي عام 1989م أصدر السيد/ الصادق المهدي كتابه (الديمقراطية في السودان عائدة وراجحة) أوضح فيه كيف أن النظم الديمقراطية عجزت عن الدفاع عن نفسها لالتزامها بحقوق الإنسان وسيادة القانون بينما النظم الدكتاتورية استطاعت حماية نفسها مهدرة سيادة القانون وكرامة الإنسان.

الشورى والديمقراطية يشتركان في العالم العربي في صفة محددة هي أنهما غائبتان ومع الأضواء المسلطة عليهما فإن الشورى هي ديمقراطية زائد سقوف لا تخدش جوهرها والديمقراطية هي شورى زائد آليات توجب تطبيقها وللتماشي مع لغة العصر نتطلع للديمقراطية المسقوفة وجهاً من وجوه التحديث المؤصل بلغة جدلية الأصل والعصر ولكي تصير الديمقراطية مستدامة ينبغي أن تحقق توازناً ثقافياً فلا تكون غريبة في محيطها الاجتماعي. إن التحدي الذي تواجهه الحركة السياسية هو التجاوب مع هذه الحاجة لديمقراطية وتوازن – ديمقراطية ناجحة وحقيقية لأنه في غيابها سوف تتمدد نظم الحكم الأخرى الفاشلة والتي تستر عيوبها وراء أجهزة أمن قاهرة وأجهزة إعلام مضللة تلبس الباطل ثياب الحق وهما سلاحان ماضيان لا يتاحان للديمقراطية التي تجبرها طبيعتها إقامة أمن للمواطن لا عليه وإعلام شفاف يخدم الحق والحقيقة.

الصادق المهدي… والبيعة:-

ويسدر قلم الأخ/ عمر القراي في غيه ويربط ربطاً مخلاً بين قبول الصادق المهدي للبيعة ومبلغ مفارقته للديمقراطية وهو يستقي معلوماته الشحيحة من الصحف اليومية وهو لا يعلم أن مؤتمر هيئة شئون الأنصار المنعقد بالسقاي جاء ببيعة غير مسبوقة حيث تمت بيعة مؤسسية استجابت لتطلعات أكبر كيان إسلامي في السودان ليقدم الأنصار نموذجاً يجب أن يحتذى لكل الكيانات الأخرى فقد انتخب المؤتمر مجلس الشورى من 500 عضو صعدت المحليات إليه 315 عضو من جميع ولايات السودان المختلفة وانتخب المؤتمر مجلس الحل والعقد المكون من 40 عضو 16 منهم من الولايات الشمالية و 3 من الولايات الجنوبية و 4 للمرأة و 8 للفئات و 5 للعلماء و 2 للشباب و 2 للمجاهدين. وإنني لا أرى ثمة حرج في أن تتم البيعة على بيعة الإمام المؤسس المهدي التي قامت على الجهاد بمعانيه الواسعة التي ذكرناها في معرض هذا المقال وإنه لمن ضحالة الفكر وضيق الأفق وصف قبول هذه البيعة بأنها ردة عن الإيمان بالديمقراطية بل هي بيعة مؤسسية قائدها مفكر صحوي راشد وأتباعه هم الذين غرسوا تربة الإسلام الصحيح في السودان وأكسبته مميزات التسامح والسلام الاجتماعي.

أروع ما في مؤتمر السقاي هو أنه أعاد مؤسسة الإمامة إلى كيان الأنصار عبر ثمانية مليون أنصاري اختاروا خمسة آلاف لينوبوا عنهم في اختيار الإمام الجديد والآن مؤسسة الإمامة جاهزة للرد على أمثال عمر القراي حجة بحجة ومنطق بآخر وبالتي هي أحسن فإن لم يجد هذا المسلك فإن منطقاً فعلياً آخر ينتظرهم من خارج المؤسسة يمكن أن يردهم إلى الصواب وحينها ستدخل كل الفئران إلى جحورها لتختبئ في الديم الفوق أو التحت لا يهم.

المراجـــــــــع

* جدلية الأصل والعصر الصادق المهدي يونيو 2001م

* نداء المهتدين المصدر نفسه مارس 1999م

* الشورى والديمقراطية (رؤية عصرية ) المؤتمر الأول للفكر -القاهرة أكتوبر 2002م

* البيان الختامي للمؤتمر العام لهيئة شئون الأنصار ديسمبر 2002م

*مستقبل الثقافة العربية الإسلامية د. عز الدين عمر موسى- جامعة الملك سعود –الرياض

* قراءات في الفكر السياسي الإسلامي د. يوسف أيبش – د. ياسوشى كوسوجى




Source: http://www.sudaneseonline.com/sudanile2.html
___________

Post: #974
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 07-01-2008, 04:10 AM
Parent: #1


التحدي الذي يواجه العالم !!
إما المجتمع الكوكبي الإنساني الواحد ، وإما الاستعمار والحرب والدمار

(1) من (3)
سمُوها غزو العراق، وليس حرب الخليج الثالثة
الشعب العراقي لم يطلب من الإدارة الأمريكية تحريره من صدام، فهل من الديموقراطية أن تفعل باسمه ما لم يأذن به؟
فلتكف الإدارة الأمريكية عن دعوى توزيع الديموقراطية حول العالم

[email protected] بقلم: طه إسماعيل أبو قرجة

الشعب العراقي لم يطلب من الإدارة الأمريكية، ولا تابعتيها البريطانية والأسترالية، أن تحرره من حكم صدام. وهي لم تستطع أن تدَّعي ذلك، رغم أنها لم تتورع عن غمر العالم بسيل منهمر من الكذب الرخيص، المسيء إلى عقول الناس، يجترحه تنفيذيوها وعسكريوها على نحو مؤسف، دون أن يطرف لهم جفن، وكأنهم رجال عصابات أشرار، لا رجال دولة شرفاء.. يحاولون به كسب العالم في حين يخسرون أنفسهم.. ويصورون به أنفسهم صور الأخيار المتمدينين، فيسيئون إلى أنفسهم وشعوبهم أيما إساءة. ذلك السيل لم يكن أوله، ولا أسوؤه، تزوير مستندات للإيقاع بالعراق بأنها اشترت يورانيوم من النيجر. وهو تزوير فضحته المؤسسة الدولية للطاقة الذرية، مما دفع بأحد أعضاء الكونغرس الأمريكي إلى المطالبة بإجراء تحقيق في تورط مسئولين أمريكيين في ذلك التزوير.

بيد أن الإدارة الأمريكية حين حاولت، هي وتابعتيها، تبرير عدوانها على العراق بأنه عمل إنساني لتحرير الشعب العراقي من صدام، لم تستطع أن تصبر بعض الوقت حتى تجوز خدعتها على الناس، بل مضت في عجلة لتفضح نفسها وتؤكد ما يعلمه كل الناس بأنها إنما تهدف من الحرب إلى وضع النفط العراقي في قبضة أباطرة البترول الأمريكيين. فما بدأت الحرب حتى أعلن الرئيس الأمريكي أن عائدات النفط العراقي ستستغل، أول ما تستغل، لاسترداد نفقات هذه الحرب. عجباً!! الإدارة الأمريكية تحاول إيهام شعبها وكل شعوب الأرض بأنها تتبرع من منطلق إنساني محض لتخليص شعب العراق من صدام، ثم تعلن في ذات الوقت أنها ستكون المتصرف في عائدات النفط العراقي، بل وأنها ستحمِّل الشعب العراقي ثمن الحرب التي شنتها دون طلبه، ودون إذنه، وبها قتَّلته، ودمرت بنياته، وبيئته، باليورانيوم المستنفد وغيره من الأسلحة المحرَّمة دولياً وغير المحرمة- هذا إن كان في شِرْعَة الإنسانية أسلحة غير محرمة.

من أعطى الإدارة الأمريكية الحق في التصرف في عائدات النفط العراقي؟ أليس هذا هو الاستعمار المكشوف؟ أوتظن الإدارة الأمريكية أن الشعوب الأخرى، لمجرد أنها لم تستطع أن تصنع ما تسميه بالصواريخ الذكية، هي من الغباء بحيث تجوز عليها هذه الأحابيل؟ إن الإدارة الأمريكية قد أفصحت بإعلانها هذا عن أنها ليست أفضل من الجنرال منقستو، حاكم إثيوبيا السابق، وأحد أسوأ دكتاتوريي القرن العشرين. فقد قيل عنه أنه كان يقتل خصومه بالرصاص ثم يطالب ذويهم بثمن الطلقات المستخدمة في قتلهم.

إن مما يجب أن يعلمه أهل الأرض قاطبة أن الحرب التي تشنها الإدارة الأمريكية الآن على العراق ليست سوى ردة إلى عهود الاستعمار التقليدي الذي خرج منه العالم قبل عقود، وأن العراق ليس سوى الضحية الأولى، وأن العالم إن صمت اليوم عن ما يجري في العراق، فإنه سيفيق كل حين على غزو جديد، تنفذه إمبراطوريات المال الأمريكية، باسم الشعب الأمريكي، مستغلة الإدارة الأمريكية.

إن هذه الإمبراطوريات قد عوَّقت تقدم الديموقراطية الأمريكية والديموقراطيات الغربية لمئات السنين، وأفرغتها من مضمونها. ولكنها اليوم تريد أن تعود بالبشرية كلها إلى الوراء، إلى عهود الاستعمار التقليدي السافر، ونشر الألوية الأجنبية على أراضي الشعوب الضعيفة، ونهب ثرواتها، وإدخال العالم في دوامة جديدة من الحروب الطواحن، والكره، والدمار. ونحن لا نعلم مستعمراً أفصح عن رغبته الحقيقية للمستعمرين، ولكننا نعلم أن كل المستعمرين يتصورون أن الشعوب الضعيفة هي من الغباء بحيث يمكن أن تنخدع بأن الجيوش الأجنبية تأتيها لتحسن إليها وتنهض بعبء الشعوب المتقدمة، سواء أكانت بيضاء أو غير بيضاء، نحوها. والحق أن أجيالاً سمعت خلال القرن الماضي في آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية دعاوى جنرالات الإمبراطورية البريطانية التي كانت لا تغرب عنها الشمس بأنهم إنما قطعوا آلاف الأميال من بريطانيا لخدمة تلك الشعوب، تسمع الآن ذات الادعاء الفج الكاذب من آلة الإعلام الأمريكية الضخمة المستغَلة أصلاً لتضليل الناس، داخل أمريكا، وخارجها.

إننا في حقيقة الأمر أمام موجة جديدة من الاستعمار التقليدي. ولكن من حسن التوفيق أن هذه الموجة تجد الآن من الرفض والمقاومة داخل المجتمع الأمريكي والبريطاني بأكثر مما تجد من أي دولة أخرى، ومن أي شعب آخر. وبالرغم من أن خوف الدول من بطش الإدارة الأمريكية أمر مؤسف، إلا أن قوة الرفض الشعبي الأمريكي والبريطاني يخفف من الأسى، ويزيد من الأمل في أن تفتتح البشرية، في الأيام القريبة القادمة، دورة جديدة من دورات التاريخ على هذا الكوكب، تخلِّف بها الحرب، وتقلع بها عن العصبيات الوطنية، والقومية، والعرقية، والعقائدية، وتستبدلها بوشائج الإنسانية التي تربط بين كل أهل الكوكب، فتسقط بذلك اعتبارات اللون، واللغة، والعنصر، والعقيدة، والموقع الجغرافي، فيستبدل أهل الأرض قانون الغاب بقانون الإنسانية، ويحرصون على العدل فيما بينهم، ويأبون الظلم على غيرهم مثلما يأبوه على أنفسهم. ذلك هو عالم الغد المأمول، وذلك هو المجتمع الكوكبي، الإنساني، الذي سيكون مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائره بالسهر والحمى. وهذا هو مخاضه، وسآتي للحديث عنه لاحقاً.

ضرورة التمييز :
أمران ينبغي أن لا يلتبس وجه الرأي فيهما، وألا يتخذ أولهما ذريعة إلى الآخر: سوء نظام صدام، وسوء الغزو الأجنبي. هذا ينبغي أن يكون واضحاً لكل الدول ولكل الأفراد حول العالم. فمهما كان الرأي سيئاً في صدام، يجب أن لا نشك لحظة بأن العمل العسكري الذي اجترحته الإدارة الأمريكية ضد العراق (وتبعتها فيه الحكومتان البريطانية والاسترالية)، ليس سوى غزو أجنبي، لا يقل في سوئه عن غزو الاتحاد السوفيتي السابق لأفغانستان في سنة 1979، بل هو أسوأ منه لأن الدولة التي تقوم به هي اليوم، بلا منازع، الدولة الأقوى في العالم التي يقع عليها أكبر واجب أدبي وقانوني في ترسيخ دور المنظمة الدولية التي ارتضتها دول العالم قاطبة كمنظمة يناط بها حفظ الأمن والسلام الدوليين. كما يجب أن لا نشك لحظة أن هذا العدوان إن أسقط صدام، فلن يحرز ديموقراطية في العراق، وإنما هو في أحسن أحواله سيأتي بحكام جدد قاماتهم أضأل من الكراسي التي سيضعهم عليها، ليعطوا أباطرة النفط الأمريكيين ما يريدون، ويمتصوا هم البقية. وذلك ما فعلته أمريكا وبريطانيا نفسهما حين أسقطتا حكومة مصدق الديموقراطية في إيران سنة 1953 بتدخل عسكري مباشر، لتعيدا السلطة إلى الشاه، ليعطيهما ما كانتا تبتغيانه من عائدات النفط الإيراني، ظلماً، فأوصلتا بذلك إيران إلى الحالة التي هي فيها الآن.

إن عدم وضوح هذا الأمر قد ساق بعض الدول لتأييد الإدارة الأمريكية في غزوها العراق، أو للإحجام عن إدانتها، بسبب رأيها في نظام صدام، وانخداعها بالمهمة النبيلة التي تزعمها الإدارة الأمريكية بتحرير العراق. وبنفس القدر، فإن عدم وضوح هذا الأمر قد شلَّ تفكير كثير من الأفراد، فباتوا يتفرجون على الأحداث، ويتكهنون بنتائج الحرب، وما قد تستغرقه من وقت. وقد لعبت الإدارة الأمريكية لعبتها بإلهاء الناس بهذه المسائل عن عدوانها ومطامعها الاستعمارية.

وليس أدل عندي على التباس وجه الرأي عند الناس من انطلاء الاسم الذي أعطته الإدارة الأمريكية لغزو العراق على أكثرهم، بمن فيهم المعارضين لهذا الغزو: حرب الخليج الثالثة!! فذلك اسم مضلل، قصدت الإدارة الأمريكية أن تسبغ به على غزوها ذات الشرعية التي حظيت بها الحرب المعروفة بحرب الخليج الثانية، التي أخرج بها المجتمع الدولي العراق من الكويت مطلع عام 1991 بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يوجب على كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة القيام بالعمل اللازم للحفاظ على سيادة وسلامة كل بلد من بلدان العالم إن تعرض للعدوان.

النفط هو الدافع الحقيقي، والأهداف المعلنة ذرائع :
لقد حاولَت الإدارة الأمريكية أن تخدع المواطن الأمريكي والرأي العام العالمي بأنها تحارب في العراق لسببين نزيهين خيِّرين، أحدهما هو تحرير الشعب العراقي من صدام، وثانيهما هو تجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل التي تزعم أنها تشكِّل خطراً على الأمن القومي الأمريكي. بيد أن المواطن الأمريكي والرأي العالمي لم يفت عليهما أن هذه الحرب المؤسفة إنما تحركها رغبة استعمارية في الاستحواذ على النفط العراقي لصالح أباطرة النفط الأمريكيين، ولكنها تسوق ذرائع ومبررات أخرى بقصد التضليل.

وقد أوردت بعض وسائل الإعلام العالمية معلومات مفصلة تفيد أن بعض أركان الإدارة الأمريكية الحالية كانوا موظفين كبار في شركات النفط الأمريكية، مشيرة إلى أنهم قد انتدبوا من تلك الشركات إلى البيت الأبيض لتحقيق مصالح تلك الشركات من مواقعهم الجديدة. ورغم أن المسألة لا تحتاج إلى سجل وظيفي لدى أولئك الأباطرة، إلا أن مما يؤيد تلك المعلومات أن مجموعة شركات هالبيرتون التي كان يديرها ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي، حتى عام 2000، قد أعطتها الإدارة الأمريكية عقوداً لإطفاء حرائق في آبار النفط العراقي. وهذا يكشف أن هؤلاء لا ينطبق عليهم وصف "الصقور" بإزاء "الحمائم" على نحو ما حاولوا تضليل الناس، وإنما ينطبق عليهم أنهم مزيفو ديموقراطية ومستغلو مناصب عامة لتحقيق مصالح خاصة، وذلك عار الأبد. ومن أجل ذلك، سَرَت في داخل الولايات المتحدة موجة قوية من الاعتراض على هذه الحرب ترفع شعارات مثل: (لا لحرب البترول) و (ليس باسمنا) و (لا لمقايضة البترول بالدم) ونحو ذلك من الشعارات التي تكشف أهداف الحرب الحقيقية، وتعبِّر عن رفضها.

ولأن هذين الهدفين هما مجرد ذرائع، فإنهما لم يُعْلَنا على هذا النحو إلا قبيل اندلاع الحرب. ولابد أن الناس يذكرون جيداً أن الرئيس الأمريكي بوش كان قد أعطى الرئيس العراقي صدام حسين وإبنيه مهلة 48 ساعة لمغادرة العراق كوسيلة لتجنب الحرب، ولكنه حين شعر أن صدام قد يفقدهم ذريعة احتلال العراق بالاستقالة ومغادرة العراق، عاد ليقول أن الجيش الأمريكي سيدخل العراق في كل الأحوال حتى لو استجاب صدام إلى الإنذار وغادر العراق، وذلك للتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل. هذا بالرغم من أن التفتيش عن تلك الأسلحة ليس صلاحية الجيش الأمريكي، وإنما هو صلاحية اللجنة الدولية (UNMOVIC) والوكالة الدولية للطاقة الذرية، اللتين تعملان تحت رعاية مجلس الأمن الدولي، وهما المنوط بهما مباشرة التفتيش في كل الأحول، سواء أبحرب أو بدون حرب. ولا يفوت علينا أن مجلس الأمن إن كان قُدِّر له أن يجيز أي عمل عسكري ضد العراق من أجل التفتيش الفعال عن تلك الأسلحة، فإن ذلك العمل العسكري لن يكون من شأنه أن يخرِج مهمة التفتيش من يد اللجنة الدولية والوكالة الدولية ليضعها في يد الجيش الأمريكي أو أي جيش آخر.

ومن هنا يتضح أن الإدارة الأمريكية قد ارتكبت سلسلة من الأخطاء الفادحة، لا خطأ واحداً، حين أعلنت أنها من أجل تفتيش فعال عن الأسلحة في العراق ستضرب العراق بدون قرار من مجلس الأمن، بدعوى أن مجلس الأمن تخلى عن مهمته. فالخطأ الأول هنا هو أن الإدارة الأمريكية قد اغتصبت بذلك صلاحيات مجلس الأمن، وأصدرت حكماً منفرداً على العراق ونفَّذته. والخطأ الثاني، أنها أضعفت منظمة الأمم المتحدة برمتها حين اتهمتها بالتفريط في واجبها، رغم أن واجب أمريكا كدولة مؤسسة لمنظمة الأمم المتحدة، وكدولة أولى في العالم، بل وكدولة مقر، كان هو دعم منظمة الأمم المتحدة وتقويتها، لا إضعافها وإسقاط ما اكتسبته من هيبة وفعالية بعد انتهاء الحرب الباردة. أما الخطأ الثالث، فإن الإدارة الأمريكية واصلت مسلسل اغتصاب الصلاحيات، فاغتصبت لجيشها صلاحيات لجنة انموفيك (UNMOVIC) الدولية والوكالة الدولية للطاقة الذرية وصلاحية مجلس الأمن في الإشراف على تينك اللجنتين.

ومن المؤسف حقاً أن ذلك الخروج السافر عن الشرعية الدولية لم يجد التنبيه الكافي من القانونيين الدوليين، ولا من غيرهم، كما لم يجد الموقف الحاسم من دول العالم، ولا من الرأي العام العالمي. ويلاحظ الآن أن الإدارة الأمريكية تسعى إلى تبرير عدوانها على العراق بالإعلان عن العثور على أسلحة كيماوية أو مصانع لها. وهذا إعلان عديم القيمة، ليس لأن تقاريرها العسكرية عن العمليات الحربية كانت كاذبة وتطعن في صدقها وتسيء إلى صورة المواطن الأمريكي والبريطاني بإظهاره بمظهر الكذاب الأشر، ولكن لأن الجيش الأمريكي ليس هو الجهة التي يناط بها حق التفتيش أو الإعلان عن ملكية العراق لسلاح دمار شامل أو مصنع له.

إن المتابع للأحداث الجارية على الساحة الدولية يدرك بسرعة أن الإدارة الأمريكية قد قررت منذ انهيار الاتحاد السوفيتي أن تجعل من منظمة الأمم المتحدة مكتباً تابعاً لوزارة خارجيتها، تستصدر منه القرارات التي تسبغ الشرعية على سياساتها الرامية لحكم العالم بقبضتها الحديدية. وهي من أجل تحقيق هذا الغرض تمارس أفعالاً يندى لها الجبين. فهي تضغط على الأمين العام للأمم المتحدة ومساعديه وجهازه الوظيفي، وتوقف سداد التزاماتها المالية للمنظمة لتستصدر منها القرارات التي تبتغيها، بل وترشو الدول الأخرى الأعضاء في مجلس الأمن لتصوت معها، أو لتمتنع عن التصويت على أيسر تقدير، حتى أنها قد جعلت من عضوية مجلس الأمن باباً من أبواب المأكلة والرشا لبعض الدول، وبعض الحكام، بل وربما بعض المندوبين أيضاً. كل ما هنالك، أن لكلٍ ثمنه.

أعود لأقول أن الذرائع التي أطلقتها الإدارة الأمريكية لتبرير عدوانها على العراق يجب أن تناقش، لا لأنها شكَّلت الأساس السياسي والقانوني والأخلاقي (Ethical) الذي اعتمدت عليه في ذلك الغزو فحسب، ولكن لأنها، في جوهرها، ستشكل الأساس الذي يمكن أن تطلق به الإدارة الأمريكية يدها وآلتها العسكرية الضخمة لتغزو دولاً كثيرة وتفتك بشعوب عديدة حول العالم. وذلك أمر إن لم يتفطن له المواطن الأمريكي والمواطن العالمي منذ اليوم ويوقفه، فإنه سيفيق كل حين على غزوة جديدة للإدارة الأمريكية في ناحية من الأرض. فمن المفروغ منه أن "كل تجربة لا تورث حكمة، تكرر نفسها"، كما قال الأستاذ محمود محمد طه. فإن المجتمع الكوكبي، بما فيه المجتمع الأمريكي، إن لم يتعظ من تجربة غزو العراق ويواجه الإدارة الأمريكية بما يجب من حكمة وحزم، سيكون بذلك التقاعس قد أدخل نفسه حقبة من البلبلة المنكرة والشر المستطير.

أمريكا لا توزِّع الديموقراطية ، وهي ليست معنية بها :
وأبدأ بمواجهة الحجة الأولى المتمثلة في تحرير شعب العراق من حكم صدام، وأسوق بشأنها النقاط التالية:-
(1) إن الغاية لا تبرر الوسيلة. ولذلك فإن سوء نظام صدام حسين لا يبرر الغزو الأجنبي. فالغايات الصحيحة لا يتوسل إليها بالوسائل الخاطئة. كما أن الوسائل الخاطئة لا توصل إلى نتائج طيبة. والحق أن خطأ الوسائل يدل على خطأ المقاصد وينبيء بسوء النتائج.

(2) إن الحكومتين الأمريكية والبريطانية لم تكونا ديموقراطيتين حين تخلتا عن طرح مشروع قراراهما بشأن العراق على مجلس الأمن حين شعرتا بأن أغلبية مجلس الأمن ترفضه. ولذلك لا يمكن أن تنطلي علينا أكاذيبها بأنهما سيجتاحان العراق لتحرير الشعب العراقي ومنحه الديموقراطية. لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

(3) إن الحكومتين الأمريكية والبريطانية لم تكونا ديموقراطيتين حين اغتصبتا إرادة الشعب العراقي وقررتا تخليصه من صدام دون أن يطلب منهما الشعب العراقي ذلك. ولما كانتا بهذا الصنيع أيضاً غير ديموقراطيتين، فإنهما لم يقصدا منح الشعب العراقي ديموقراطية، ولن يستطيعا، لأن فاقد الشيء لا يعطيه.

(4) إن الحكومتين الأمريكية والبريطانية لا تباليان بالشعب العراقي، وإنما بمصالحهما. فحين غررتا بصدام عام 1979 ليحارب إيران ليوقف مساعي تصدير الثورة "الإسلامية"، أعانتا صدام على تقتيل الشيعة العراقيين المؤيدين لإيران. هذا على أيسر تقدير ما قاله المرجع الشيعي، الحكيم، في تبرير حياد الشيعة العراقيين حالياً.

(5) إن الأمر الذي كان مطروحاً على مجلس الأمن بشأن العراق لم يكن يتعلق بتحرير شعب العراق من حكم صدام، وإنما بتجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل. وذلك هو الأمر الوحيد الذي ظلت الحكومتان الأمريكية والبريطانية تسعيان إلى استصدار قرار من مجلس الأمن بشأنه. ولا جدال أن مجلس الأمن إن كان قُدِّر له أن يصدر قراراً يعلن به عدم تعاون العراق ويأذن فيه بعمل عسكري، فإن مثل ذلك القرار لا يمكن أن يعني إقصاء صدام حسين، لأن ذلك أمر داخلي لا يحق لمجلس الأمن التدخل فيه، وإنما هو قد يعني تفتيش أسلحة الدمار الشامل في العراق بالقوة، وإبادتها، ووضع مراقبين دائمين لضمان عدم إنتاجها مستقبلاً، ووضع أي شروط مناسبة تحول دون استيراد أي تكنولوجيا أو مواد تعين على إنتاجها. ومن هنا يتضح أن ادعاء الحكومتين الأمريكية والبريطانية بأنهما تهدفان إلى تحرير العراقيين من صدام ليس سوى غطاء دبلوماسي، ودعاية عسكرية أريد بها عزل النظام العراقي عن شعبه لتسهيل المهمة العسكرية أمام الجيشين الأمريكي والبريطاني. ومن حسن التوفيق أن تلك الدعاية السطحية لم تجز على أكثر العراقيين. وحتى الذين لم يقاوموا الجيش الغازي، إنما ينتظرونه ليخلصهم من صدام، ليتخلصوا هم من بقيته.

(6) إن العالم مليء بالحكام الدكتاتوريين الذين سطوا على السلطة في بلدانهم بحد السلاح، وأذلوا شعوبهم. وصدام حسين وحزب البعث هم نموذج لأولئك الحكام الجائرين، ونحن في السودان قد رزئنا بأسوأ أصنافهم. بيد أن تحرير الشعوب من شاكلة أولئك الحكام الفاسدين هو واجب الشعوب نفسها، لا واجب الدول الأخرى. وذلك لأسباب عديدة، أهمها أن هذه الشعوب بعد أن جلا عنها الاستعمار التقليدي نحو منتصف القرن العشرين، أخذت تتعلم كيف تحكم نفسها. وهذه الدكتاتوريات هي جزء من عملية التعلم نفسها. وهذه الشعوب ما زالت تتلمس طريقها، وتختزن الحكمة من تجاربها. والمرارات التي تكابدها في هذا الشأن هي ثمن تعلمها، وهو ثمن ضروري، بل هو لا غنى عنه، من أجل أن تدرك قيمة الديموقراطية، فتحرص عليها، وتحققها، وتحافظ عليها.

(7) إن الشعوب لا تُعْطَى الديموقراطية، وإنما هي تنتزعها انتزاعاً. ويوم تعرف جموعها قيمة الديموقراطية بمكابدة الدكتاتوريات، ستناضل من أجلها، وتنتزعها، ثم تحسن التصرف فيها، بحكم نفسها حكماً ديموقراطياً رشيداً. أما إن لم تعرف قيمة الديموقراطية، فإنها لا تستميت من أجلها.. وإن هي أعطيت لها دون أن تكون قد عرفت قيمتها، أضاعتها مرة إثر أخرى. ولعل نموذج السودان هو خير نموذج في هذا الشأن. فبريطانيا كدولة مستعمرة للسودان منذ عام 1898 قد مهدت، على نحو ما، لأن يحكم السودانيون أنفسهم حكماً ديموقراطياً بعد استقلالهم عام 1956، ولكن كانت النتيجة أن ملأوا أوعية الديموقراطية ببضاعتهم المزجاة.. ملأوا هياكل الديموقراطية -من أحزاب وانتخابات وبرلمانات وأجهزة حكم- بالطائفية والعشائرية، فأساءوا بذلك إلى الديموقراطية أيما إساءة، وباتت على أيديهم عاجزة عقيمة لا يصح تسميتها إلا بالدكتاتورية المدنية، وبسبب ذلك تواترت الانقلابات العسكرية. ومن أجل ذلك، فمن الخير للشعوب أن تتركها أمريكا ليستوفى كتابها من التعليم أجله، فتدرك قيمة الديموقراطية من خلال تجارب الدكتاتورية القاسية، فتبني ديموقراطيات حقيقية، وتسهر على حمايتها، وترقيتها. ذلك أمر لا معدى عنه، مهما طال أمده، ومهما فدح ثمنه.

إن الشعوب-كل الشعوب- هي مثل الأفراد، لديها حق الخطأ، لتتعلم من أخطائها. والديموقراطية في أدق وأرفع تعريفاتها، هي حق الخطأ.. هي حق أن نعمل ونخطيء لنتعلم من خطئنا كيف نصيب. ومع هذا، فإن الدول المتقدمة نسبياً في مضمار الديموقراطية، كأمريكا وبريطانيا، يمكنها أن تساعد الشعوب المتأخرة بوسائل شتى لتعينها على اختصار الطريق وتقصير أمد المعاناة بتحقيق الديموقراطية بسرعة أكبر. وهي يمكن أن تساعد الشعوب الضعيفة بوسيلتين أساسيتين.. أحدهما الإسهام في رفع الوعي عند الشعوب، لأن وعي الشعوب شرط لازم للديموقراطية.. وثانيهما الكف عن استغلال ضعف هذه الشعوب بنهب ثرواتها بشروط الاستثمار والتجارة المجحفة التي تبرمها مع حكوماتها الدكتاتورية الجاهلة، وبدفن النفايات النووية والكيماوية في أرضها بعد رشوة حكامها الفاسدين، وبإرهاقها بالديون التي تعطيها لتلك الحكومات الدكتاتورية وهي تعرف مسبقاً أنها ديون لا تذهب للشعوب وإنما لجيوب أولئك الحكام الفاسدين لينتهي بها المطاف في بنوك الدول الغنية ذاتها التي تستمر في تحصيل ما يسمى بخدمات الديون أبد الدهر، فتبقي بذلك الشعوب في براثن الجوع والمرض والجهل وقبضة الحكام الدكتاتوريين. ولا شك عندي أن دولة تجترح مثل تلك الفظائع في حق الشعوب الضعيفة لا يمكنها الادعاء بأنها تقاتل من أجل تحرير الشعوب.

( إن سجل أمريكا في الساحة الدولية لا يسمح لها بأن تدَّعي بأنها رجل محسن يطوف حول العالم، كبابا نويل، ليمنح الشعوب الديموقراطية. والحق أن سجل أمريكا يقول عكس ذلك. سجل أمريكا يقول أنها تسعى فقط إلى تحقيق مصالحها.. وحين تكون تلك المصالح ممكنة التحقيق تحت أنظمة دكتاتورية -وهي غالباً كذلك- فإنها تقيم تلك الأنظمة الدكتاتورية، وتحميها، وتسحق تطلعات شعوبها إلى الديموقراطية. أليست أمريكا هي التي تدخلت على نحو مباشر هي وبريطانيا بعملية أجاكس (Operation Ajax) لإسقاط حكومة مصدق الديموقراطية في إيران عام 1953 لتعيد الشاه إلى السلطة من أجل الاستحواذ من خلاله على النفط الإيراني؟ بل أليست هي التي تآمرت على سلفادور الليندي في تشيلي عام 1973 بعد انتخابه انتخاباً حراً لتطيح به بانقلاب عسكري على يدي سيء السمعة الجنرال بينوشيه؟ بل أليست هي التي ظلت تدعم أنظمة النفط في الشرق الأوسط على مدى أكثر من نصف قرن من أجل البترول؟

(9) ثم دعونا نناقش الأمور في أصولها!! ما هو الأساس الذي تقوم عليه سياسية أمريكا الخارجية؟ إنها إن كانت تقوم على فلسفة، فهي إنما تقوم على مساهمة أمريكا الوحيدة في الفلسفة البشرية-البراجماتية (Pragmatism).. أما إن كانت لا تستند على أي فلسفة، فهي إنما ترمي إلى أمر واحد، هو تحقيق المصالح الأمريكية في إطار التنافس الذي هو سمة ما تسميه بسياسة السوق، التي اعتبرها فوكاياما، أحد ألمع مفكريها المعاصرين، نهاية التاريخ. هل هنالك غير أحد هذين الأساسين لسياسة امريكا الخارجية (إن صحَّ أنهما ليس شيئاً واحداً)؟ اللهم لا!! وبالطبع ليست في البراجماتية ولا سياسة المصالح والسوق أي "يوتوبيا"، ولا إحسان، اللهم إلا الهبات (Benevolence) التي تُقدَّم للمسحوقين من أجل تخفيف الضرر الواقع عليهم من تلك السياسات نفسها، لا من غيرها، على غرار الـقـول السوداني المأثور (يفلق ويداوي)، وأحياناً من أجل ذر الرماد على العيون. هذا بطبيعة الحال لا ينفي أن هناك عدد كبير من المواطنين الغربيين الذين يمنحون أموالهم ووقتهم للضعفاء حول العالم تعبيراً عن تعاطف إنساني صادق عميق، كما هو لا ينفي وجود بذرة الخير حتى في نفوس أصحاب الشركات الكبرى الوالغة في دماء الشعوب. غير أن هؤلاء المتعاطفين الإنسانيين، على كثرتهم، لا يشكلون سياسة أمريكا الخارجية، ولا الداخلية، لأن تلك السياسة تشكلها حتى الآن مراكز صناعة القرار، وهي الشركات الضخمة المشهورة التي لا يهمها عموماً إلا المال والنفوذ، ولا ترحم أحداً، لا داخل أمريكا، ولا خارجها، والمواطن الأمريكي نفسه مكتوٍ منها، يجهد ليله ونهاره ليقابل فواتيره الشهرية. وأمثال هؤلاء المانحين الإنسانيين هم الذين يسيِّرون الآن المسيرات الضخمة في كل أرجاء الولايات المتحدة يعارضون غزو العراق، ليس لأنهم يحبون صدام، ولا العرب، ولا المسلمين، ولا الشرق أوسطيين، ولكن لأنهم ضد الحرب، والتقتيل، والاستحواذ على ثروات الشعوب الأخرى بالاحتيال والقهر وقانون الغابة.

وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن هناك حركة أمريكية نشطة آخذة في الاتساع ترمي إلى تصحيح الديموقراطية الأمريكية. وهذه الحركة ترى أن الديموقراطية الأمريكية الحالية صورية، ولا ينطبق عليها تعريف الرئيس الأمريكي الأسبق أبراهام لنكولن للديموقراطية بأنها (حكم الشعب، بواسطة الشعب، لمصلحة الشعب). فهي تراها الآن حكم الشعب، بواسطة الشركات الكبرى، لمصلحة أصحاب الشركات الكبرى. هي ترى أن الانتخابات الدورية رغم نزاهتها الإجرائية العالية ليست سوى وسيلة للإتيان بممثلي أصحاب النفوذ الاقتصادي ليديروا البلاد نيابة عنهم لا عن الشعب، وعلى النحو الذي يحقق مصالحهم هم لا مصالح الشعب. وقد قامت هذه الحركة في العيد الوطني للولايات المتحدة الأمريكية في 4 يوليو 2001 بتصميم ورفع علم أمريكي مغاير، استبدلت فيه النجوم الخمسين التي ترمز إلى الولايات بشعارات الشركات الخمسين النافذة التي تدير الولايات المتحدة لمصلحتها، باعتبار أن السياسيين والتنفيذيين في الإدارة الأمريكية ليسوا سوى ممثلين لتلك الشركات. وبالإضافة إلى هذه الحركة، هناك بالطبع الديموقراطيون الاشتراكيون الذين يرون أن الديموقراطية الأمريكية ستظل شكلية في ظل النظام الرأسمالي.

لعل هذا يكفي في مواجهة دعوى الديموقراطية الزائفة التي تذيعها الإدارة الأمريكية كمبرر لغزو العراق. والحق أن تصرفات الإدارة الأمريكية منذ بدء الغزو تغنينا عن الإفاضة في تأكيد أن ما تقوم به في العراق، بمساعدة الحكومتين البريطانية والاسترالية، هو استعمار مكشوف لا صلة له بالشرعية الدولية. وقد كان الضباط الأمريكيون منطقيين مع أنفسهم حين أنزلوا العلم العراقي من سارية مدينة الفاو العراقية ورفعوا مكانه العلم الأمريكي، قبل أن يتذمر العالم (وربما بريطانيا أيضاً التي لم يُرْفَع علمها بجانب العلم الأمريكي). كما أن منح عدد من الشركات الأمريكية عقوداً تتعلق بتأهيل قطاع النفط العراقي، وبإدارة ميناء أم قصر، وبإطفاء الحرائق يدلل على أن المسألة ليست سوى استعمار مكشوف. وعندي أن زيارة بلير، رئيس وزراء بريطانيا المزمعة هذا الأسبوع لأمريكا إنما للاحتجاج على الإجحاف الذي حاق ببريطانيا في قسمة غنيمة الحرب، رغم أنها فقدت بسببها بشرياً ودبلوماسياً وعسكرياً وأدبياً. فبلير وبوش ليسا عسكريين، ليلتقيا لمناقشة سير العمليات الحربية، كما هو معلن، وإنما هما يلتقيان لقسمة الموارد العراقية بينهما.

بهذا أفرغ لمواجهة الدعوى الأخرى المتصلة بتجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل.

ذريعة أسلحة الدمار الشامل :
غير خاف بالطبع أن التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق قد تعثر طويلاً. وهناك شعور عام لدى المجتمع الدولي بأن النظام العراقي كان يراوغ لوقت طويل، ولكنه في الشهور الأخيرة (بعد أن آلت مهمة التفتيش إلى لجنة انموفيك والوكالة الدولية للطاقة الذرية) أبدى مرونة وتعاوناً. وذلك ما أكدته تقارير رئيس لجنة انموفيك ورئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية المقدمة إلى مجلس الأمن. وقد جاء في هذه التقارير أن التفتيش لم يسفر عن دلائل تناقض إعلان العراق بأنه قد استجاب للقرارات الدولية ذات الصلة. وقد قال المفتشون أنهم بحاجة إلى بضع شهور للتأكيد بأن العراق خال من الأسلحة المحظورة.

وهذا الموقف الأخير من جانب العراق هو المهم. كما أن دوافع المراوغة والإحجام في الماضي يجب أن تجد التفهم. فالتفتيش عن الأسلحة على هذا النحو هو أمر جديد لم يصبح ممكناً إلا بعد انتهاء الحرب الباردة، وقد كان العراق أول تجربة في هذا الشأن. كما أن العراق ظل يشكو مما يسميه "سياسة الكيل بمكيالين"، مشيراً إلى أن هذا الإجراء لم يشمل إسرائيل التي تمتلك أسلحة أخطر وتقف معه في حالة عداء، وهو يقول أن الدوافع الأساسية للقرار كانت حماية إسرائيل. ومن المعلوم أن العراق كان مرتاباً من تصرفات ريتشارد بتلر رئيس اللجنة الدولية السابقة (UNSCOM)، واتهمه بالعمل لصالح وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وإسرائيل. وقد قادت تلك التعقيدات إلى استبدال لجنة أونسكوم بلجنة انموفيك في ديسمبر 1999. ولعل السيد روبن كوك، وزير الشئون البرلمانية البريطاني، قد ألمح عند استقالته من منصبه بسبب سياسة حكومة بلير المتعلقة بالعراق إلى أن أمريكا وبريطانيا لا يحق لهما وصف العراق بالتلكؤ في تنفيذ قرار مجلس الأمن القاضي بنزع أسلحته طالما أنهما تدعمان إسرائيل التي لا تزال ممتنعة عن تنفيذ قرار مجلس الأمن رغم 242 الصادر منذ نحو أربعين سنة.

ثم أننا لابد أن ننتبه إلى أن التكنولوجيا العراقية لتصنيع الأسلحة الكيماوية والبيولوجية هي تكنولوجيا أمريكية وبريطانية، منحت للعراق لضرب الإيرانيين خلال حرب الخليج الأولى. كما لابد أن ننتبه إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست في حالة حرب مع العراق، وليست بينهما عداوة تبرر القول بأن مثل تلك الأسلحة تشكل تهديداً على أمنها القومي.. اللهم إلا إذا كانت أمريكا تعمل لحساب إسرائيل. وهذا ما تنكره في العلن. وقد كان أحرى بالإدارة الأمريكية أن تبذل جهداً حقيقياً بين العرب وإسرائيل لتوصلهم إلى سلام دائم ونهائي وشامل، بدل أن تسعى لتقوية إسرائيل وإضعاف العرب، ومحاولة خداعهم في مثل هذه الظروف بإعلانات فارغة، كإعلانها الأخير عن ما تسميه خريطة الطريق، وكأنها تتعامل مع أطفال صغار. صحيح أن العرب قد دللوا على مدى أكثر من نصف قرن على أنهم خفاف العقول، بإدامتهم الصراع مع إسرائيل في محاولة لرميها في البحر، رغم أن المجتمع الدولي قد التزم بالمحافظة على وجودها وأمنها وسلامتها منذ قبولها مشروع التقسيم عام 1947، ولكن العرب يجلسون على آذانهم، ويحاول زعماؤهم منذ عبد الناصر بناء زعاماتهم بإطلاق صيحات الوعيد الفارغة ضد إسرائيل. كل ذلك صحيح، ولكن واجب الإدارة الأمريكية ليس استغلال ضعفهم، ومحاربتهم نيابة عن إسرائيل، وإنما واجبها هو مساعدتهم ومساعدة إسرائيل على الوصول إلى سلام. فكلهم أبناء عمومة في روح الحرب، مثلما هم أبناء عمومة بالدم، وأبناء عمومة في مفارقة أديانهم تتابعوا في سَنَنِها حذو النعل إلى جحر الضب الخرب. ذلك كان واجب أمريكا إن كانت مؤهلة له، وإن كانت مؤهلة لقيادة القافلة البشرية في هذا الظرف الدقيق.

مهما يكن، فإن العمل العسكري الذي أقدمت عليه الإدارة الأمريكية وتبعتها فيه الحكومتان البريطانية والأسترالية، هو عدوان، وتعدي على سيادة دولة، وغزو استعماري مكشوف، وخروج سافر عن الشرعية الدولية، وتقويض لدور منظمة الأمم المتحدة. وهو قد أوقف جهود لجنة انموفيك التي كان أعضاؤها يمارسون أعمالهم بالعراق على نحو مقبول لدى مجلس الأمن، وكان رئيسها مزمعاً العودة إلى العراق بعد أن قدَّم تقريراً إيجابيا إلى مجلس الأمن.

إن أمريكا التي كان من الواجب أن تبقى بمثابة الدولة الكبرى المتمدينة العاقلة التي تدعو الدول الأخرى إلى ضبط النفس، وتمارس من التأثير الإيجابي ما توقف به النزاعات الإقليمية والدولية، قد باتت بهذا الغزو خرقاء، طائشة، تشكل أكبر خطر على سلامة الشعوب وأمنها واستقلالها. وذلك أمر مؤسف، ودعوة بلسان الحال إلى عهد جديد من البلطجة الدولية، شعارها من غلب سلب.

بهذا أفرغ من الحديث عن بطلان ادعاءات الإدارة الأمريكية والبريطانية بشأن غزوهما العراق، وستكون الحلقة الثانية من هذا المقال عن الموقف الدولي المطلوب، من الحكومات، ومن الأفراد والمنظمات حول العالم.

Post: #975
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 07-01-2008, 04:17 AM
Parent: #974


التحدي الذي يواجه العالم !!
إما المجتمع الكوكبي الإنساني الواحد ، وإما الاستعمار والحرب والدمار

(2) من (3)
لابد من إعادة النظر في آلية اتخاذ القرار في مجلس الأمن الدولي
العالم لم ينتبه بما يكفي لخطر الموجة الاستعمارية الجديدة
على دول العالم أن تقاطع دول العدوان الثلاث دبلوماسياً وتجارياً حتى تجلو وتعوض العراق

[email protected] بقلم: طه إسماعيل أبو قرجة

لقد كان السيد كوفي أنان، السكرتير العام للأمم المتحدة، حصيفاً حينما ردّ بهدوء على اتهام نائب الرئيس العراقي إياه بأنه متواطيء مع أمريكا وبريطانيا في عدوانهما على العراق بقوله: (إن مما يدعو إلى السخرية أن يوصف مواطن مستعمرة سابقة، كشأني، بأنه متواطيء مع الاستعمار).

لعل وضع السكرتير العام لا يسمح له بأكثر من هذا القول الحصيف للتعبير عن القناعة المشتركة عند كل الناس، بمن فيهم المعتدين أنفسهم الذين يشيعون غيرها، بأن هذه الحرب ليست سوى استعمار. وقد سعيت إلى تبيين ذلك في الجزء الأول من هذا المقال، وحاولت تفنيد كل الذرائع التي ساقتها الإدارة الأمريكية لتبريره.

ومن هنا فقد وجبت مواجهة هذا العدوان الاستعماري، دون أدنى اعتبار لسوء نظام صدام ودكتاتوريته. فنظام صدام سيئ ما في ذلك أدنى ريب، لكن ينبغي أن يكون واضحاً أن إزاحته هي شأن الشعب العراقي وحده. كما ينبغي أن يكون واضحاً أن دول العدوان هي أخطر من صدام، على الشعب العراقي، وعلى الشعوب المجاورة (بما فيها الشعب الكويتي)، وعلى العالم بأسره. ذلك لأنها لم تقم بالعدوان لاستنقاذ الشعب العراقي كما تحاول تضليل الناس، وإنما لتحقيق مصالحها الخاصة على حساب شعب العراق، وسيادته على أرضه وموارده، وحقه في تقرير مصيره بنفسه. ومن أجل ذلك قلت في الجزء الأول من هذا المقال أن العراق ليس سوى الضحية الأولى. وهناك قائمة طويلة من الدول التي ستروح ضحايا لهذه الموجة الاستعمارية الجديدة، ليس في الشرق الأوسط وحده، وإنما في آسيا، وإفريقيا، وأمريكا الجنوبية. فإذا كان تبرير الغزو هو تحرير الشعب العراقي من نظام دكتاتوري، فإن الدول العربية الخمس عشرة التي تقول أمريكا أنها تؤيد عدوانها على العراق ليست دولاً ديموقراطية، وستكون في ذات القائمة التي تصدَّرها العراق.

إذا صح أن هذا العدوان هو بداية موجة استعمارية تهدد دول العالم الثالث، فإن دول وشعوب العالم تقف الآن أمام أحد خيارين: إما أن تنهض فوراً لمواجهة هذه الموجة الاستعمارية وكأن هذا العدوان قد ارتكب ضدها.. وإما أن تجلس وتنتظر دورها لتعطي عندئذ دول الاستعمار ما تريد وتظل سيادتها على أرضها ومواردها شكلية، وإما أن تدافع عن نفسها منفردة مثلما يدافع شعب العراق الآن عن نفسه منفرداً أمام هذه القوى الجبارة الباطشة الطائشة.

إذا اتضح ذلك، فقد اتضح أن مواجهة هذه الموجة الاستعمارية الجديدة هي واجب الناس في كل مكان. وأحب أن أقرر منذ الوهلة الأولى أن المواجهة التي أدعو دول وشعوب العالم إليها ليست هي الحرب والعنف، وإنما هي المواجهة السلمية القوية الفاعلة، التي سأشير إلى ملامحها العامة فيما بعد. وفي تقديري أن هذه المواجهة يجب أن تتم في مستويات خمسة:-
1- مستوى منظمة الأمم المتحدة.
2- مستوى المنظمات الإنسانية العالمية والمحلية.
3- مستوى الدول.
4- مستوى الشعوب حول العالم.
5- مستوى الشعوب في دول العدوان (أمريكا، بريطانيا، وأستراليا).

أولاً : مواجهة العدوان على مستوى الأمم المتحدة :
من الواضح أن الأمم المتحدة لم تتحرك بالسرعة المطلوبة. كما أنها حين تحركت بانعقاد مجلس الأمن لمناقشة الحرب بعد نحو أسبوع من بدئها، لم تكن في مستوى الفعالية المطلوبة. بل أن مجلس الأمن قد اتجه لمناقشة مسائل ثانوية، رغم أهميتها، كبرنامج النفط مقابل الغذاء. وغير خاف بالطبع أن مجلس الأمن لن يستطيع في هذه الأزمة أن يتخذ قراراً لا ترضاه الإدارة الأمريكية أو البريطانية، لأنهما ستستخدمان حق الفيتو. وقصارى ما يمكن أن يفعله مجلس الأمن هو إصدار قرارات يسيرة تتعلق بمعالجة الأوضاع الإنسانية خلال الحرب.

لقد أعادت مسألة العراق إلى السطح من جديد مسألة قديمة طالما شلَّت مجلس الأمن أوان الحرب الباردة، وهي مسألة الفيتو. فالفيتو رغم مبرراته الآنية، إلا أنه يشكِّل عيباً كبيراً في آلية اتخاذ القرار في مجلس الأمن، مما يوجب إعادة النظر في كيفية عمله، وتعديل ميثاق الأمم المتحدة على ضوء ذلك. وأقترح أن يتم تعديله آلية اتخاذ القرار في مجلس الأمن لتكون أكثر ديموقراطية، وأكثر عملية، وذلك على النحو التالي:-
1- إلغاء حق الفيتو الذي تملكه كل دولة من الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن (وهي أمريكا وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين) واستبداله بما يمكن تسميته بديموقراطية الكبار، (أو دعونا نكون أكثر واقعية فنسميها ديموقراطية الأعضاء الدائمين، لأن وصفهم بالكبار لا يليق بهم، خصوصاً في ضوء تصرفات الإدارة الأمريكية والبريطانية الأخيرة). فإذا طُرِح مشروع قرار للتصويت، تؤخذ فيه أولاً أصوات الأعضاء الدائمين، فإذا رفضته أغلبيتهم، سقط. وإذا أجازته أغلبيتهم، أخذت بشأنه أصوات الأعضاء غير الدائمين.. فإذا كانت أغلبية جملة الأصوات مع مشروع القرار، اعتبر مُجازاً من المجلس، ولا عبرة بالصوتين المعترضين من مجموعة الخمسة الدائمين.. أما إن كانت أغلبية جملة الأصوات ضده فيعتبر المشروع قد سقط. وهذا يعني أن يكون الفيتو هو اعتراض أغلبية الأعضاء الدائمين، وليس اعتراض أي واحد منهم.

2- يحسن أيضاً أن تضاف بعض الدول إلى قائمة الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن. وأقترح إضافة ألمانيا واليابان، اللذين أفقدتهما ملابسات الحرب العالمية الثانية هذه العضوية الدائمة. كما أقترح إضافة كندا وجنوب إفريقيا.

ليس من المتصور بالطبع أن تجرى هذه التعديلات الآن لتأهيل مجلس الأمن للتعامل مع الأزمة الحالية بصورة أكفأ، ولكن لابد منها لتأهيله للتعامل مستقبلاً مع القضايا الدولية بصورة أكثر كفاءة. والحق أن العدوان الحالي على العراق رغم أن مبعثه روح الظلم لدى إمبراطوريات المال الأمريكية إلا أن هشاشة آلية اتخاذ القرار لدى مجلس الأمن قد أعانت عليه.

ضرورة تصويت مجلس الأمن على مشروع قرار بشأن العدوان :
إن عجز مجلس الأمن بوضعه الحالي عن معالجة هذه الأزمة يجب أن لا يجره إلى مناقشة مسائل توحي بأن أغلبيته لا ترى بأساً من العدوان الأمريكي البريطاني على العراق. فأول ما يجب على مجلس الأمن فعله، هو العمل على إصدار قرار بعدم مشروعية العدوان، حتى وإن كان من المعلوم أن أمريكا وبريطانيا ستستخدمان الفيتو. فهذا يجب أن يسجل عليهما، للتاريخ. كما أن التصويت على مثل هذا القرار سيؤكد أن أغلبية مجلس الأمن تعتبر تصرفهما عدواناً غير مشروع. ويلاحظ أن الإدارة الأمريكية والبريطانية كانتا تسعيان إلى إجراء مثل هذا التصويت رغم أنهما كانتا تعلمان أن فرنسا وروسياً ستستخدمان حق الفيتو، وذلك حين كانتا تأملان الحصول على أغلبية داخل مجلس الأمن تبرران بها عدوانهما بأن تقولا أن أغلبية المجلس تؤيد عملاً عسكرياً ضد العراق. وقد جهدتا في الرشوة والترغيب والترهيب. ولكنهما حين أدركتا أن الأغلبية ضد مشروع قراراهما، تراجعتا عن فكرة طرحه للتصويت، واتجهتا إلى السلاح. والآن يجب أن يكون العالم أذكى من الإدارتين الأمريكية والبريطانية، فيطرح مشروع القرار، ليحظى بالأغلبية، ولتسقطه الإدارة الأمريكية والبريطانية بالفيتو.

على مجلس الأمن أن لا يتورط فيما يسمى بإعادة إعمار العراق :
على مجلس الأمن أن لا يقبل بالإشراف على ما يسمى بإعادة إعمار العراق، في حالة انتهاء العدوان الحالي بإزاحة نظام صدام. وذلك لعدة أسباب، منها:-
1- إن ثروات العراق وشئون العراق وإعادة إعماره هي اختصاص الشعب العراقي وحده.

2- إن وضع الدول تحت الوصاية الدولية والانتداب، على نحو ما كان الحال بعد الحرب العالمية الأولى، لم يعد لائقاً، ولا عادلاً. فليس هناك شعب من شعوب الأرض هو في حالة تبرر وضعه تحت الوصاية. فحتى رواندا التي يؤوفها التناحر العرقي الحاد، استطاع أهلها، بقليل من الاهتمام الدولي المتأخر، أن يحكموا أنفسهم بأنفسهم.

3- إن إخراج الأمور المتصلة بالعراق من يد الشعب العراقي إلى أي جهة أخرى، حتى ولو كانت مجلس الأمن، هو ثمرة شجرة سامة (Fruit of a poisonous tree)، كما يقولون. فهو ثمرة العدوان الذي عبَّر المجتمع الدولي عن إدانته ورفضه.

4- إن الإدارة الأمريكية تحاول تبرير عدوانها على العراق بأنه من أجل تحرير العراقيين من صدام وتمكينهم من إدارة بلادهم. وبالتالي، فهي إن استطاعت أن تزيح صدام، فعليها أن تخرج فوراً من العراق، ليباشر العراقيون حكم بلادهم بأنفسهم. وحتى لو أصرت على بقاء جنودها بضعة أشهر لحين إجراء انتخابات، فإن هذه الفترة ليست فترة إعادة إعمار، وإنما قصاراها تأمين الحاجات الضرورية من غذاء ودواء ونحوهما للشعب العراقي. ووفقاً للقانون الدولي، فإن تلك هي مسئولية أمريكا وبريطانيا لأنهما يحتلان الأرض ويجب أن ينهضا باحتياجات السكان الإنسانية، وهما يجب أن يقوما بذلك من مواردهما الخاصة وليس من أموال العراق. كما يجب عليهما أن ينفقا على ذلك من مواردهما إن كانتا صادقتين بأنهما جاءا في مهمة نبيلة لتحرير شعب العراق. أما إن أبتا، فإن ذلك يمكن أن يتم من خلال برنامج النفط مقابل الغذاء، وبالمعونات الدولية إن كانت لها ضرورة، وأي برنامج آخر.. شريطة أن تتابع سلطة عراقية انتقالية هذه الأمور نيابة عن الشعب العراقي ريثما يتم انتخاب سلطة. أما إعادة الإعمار، فأمر يباشره الشعب العراقي فيما بعد، من خلال سلطة منتخبة، وليس من خلال سلطة مؤقتة أو دائمة تنصبها الإدارة الأمريكية أو غيرها. فالسلطة العراقية المنتخبة انتخاباً حراً هي وحدها صاحبة الحق في تحديد مشاريع إعادة الإعمار التي يريدها العراقيون ببلادهم، وكلفتها، وجداولها الزمنية، وكيفية تنفيذها، وما إذا كان العراق بحاجة إلى شركات أجنبية لتنفيذ أي جزء من تلك المشاريع، واختيار تلك الشركات وفق القوانين العراقية، بالصورة التي تحقق مصلحة العراق. ولابد من القول هنا بأن مباشرة الإدارة الأمريكية التعاقد باسم العراق على المشروعات التي تدخل فيما تسميه إعادة إعمار العراق هي في حد ذاتها تهزم الدعاوى الأمريكية بأنها تريد تحرير شعب العراق. ذلك لأن شعب العراق إن كان غير قادر على إدارة أموره بغير صدام، فهذا يعني أن صدام- على سوئه- هو أفضل خياراته.

5- إن اتجاه بعض الدول الأوروبية، ومنها بكل أسف فرنسا، إلى توريط مجلس الأمن بأن يتولى الإشراف على ما يسمى ببرنامج إعادة إعمار العراق إنما تحركه الرغبة في استغلال مجلس الأمن ليتولى تقسيم ثروات الشعب العراقي على شركات الدول الكبرى بدل أن تتولى الإدارة الأمريكية وحدها قسمة ذلك السلب فتمنحه جله للشركات الأمريكية. هذا الاتجاه المؤسف يكشف عن جانب من تلاعب الدول الكبرى بالمنظمة الدولية واستغلالها لتحقيق أغراضها الخاصة المنافية لنص وروح القانون الدولي وأهداف المنظمة الدولية.. وهو اتجاه تحركه دوافع الطمع ذاتها التي ساقت الإدارة الأمريكية إلى استعمار العراق. ويلاحظ أن التخوف من أمريكا في هذا الشأن قد حمل بريطانيا ذاتها إلى المطالبة بإحالة برنامج إعادة إعمار العراق إلى مجلس الأمن. ولعل الحكومة البريطانية تريد هذه الأيام أن تقنع أمريكا بأن عدم إحالة هذا الأمر إلى مجلس الأمن يعني أنهما سيكونان بمثابة قوى مستعمِرة. ولا ندري ماذا ستفعل الحكومة البريطانية إن أصرت الإدارة الأمريكية على الاستحواذ على موارد العراق عبر ما يسمى بإعادة الإعمار: هل ستنسحب بريطانيا عندئذ من العمليات العسكرية باعتبار أن هذه العمليات تجرى لاستعمار العراق؟ أم ستواصل الحرب وترضي بالفتات الذي قد تلقي به الإدارة الأمريكية تحت أقدامها؟

6- إن وضع برنامج إعادة إعمار العراق تحت يد مجلس الأمن لن يعني غير إضفاء الشرعية الدولية على عمل سيء، وهو تكالب أمريكا وبعض الدول المتقدمة الأخرى، التي اشتركت في الحرب والتي لم تشترك، على موارد العراق، وتحديد احتياجات العراق على النحو الذي يروق لهم، بالكلفة التي تروق لهم، وبالشروط التي تحقق مصالحهم. هو يعني أن تستأثر الدول الغنية بموارد العراق دون أن تتحمل هي المسئولية، التي ستكون نصيب مجلس الأمن. إن على مجلس الأمن أن يحذر من أن يستغل لتحقيق هذا الغرض الدنيء. فإن من أسوأ فعائل البشر، استغلال الوسائل المشروعة لتحقيق الأهداف غير المشروعة.

إن البديل عن وضع برنامج إعادة الإعمار في يد مجلس الأمن هو أن يكون في يد الشعب العراقي بالطبع، متى ما تأهل الشعب العراقي لذلك باختيار حكومة وطنية بإرادته الحرة. أما إن أرادت الإدارة الأمريكية أن تغتصب حق الشعب العراقي وتضع هذا البرنامج في يدها، فعلى مجلس الأمن أن يبين لها خطأ ذلك وأن يحاول ردها عن ذلك، لا أن يحاول ارتكاب الخطأ بدلاً عنها، أو منازعتها السلطة على أمر لا يملكه أيهما، فيعطيها بذلك الحجج والمبررات.

باختصار، إذا أرادت أمريكا أن تحوز على موارد العراق وتتصرف فيها وتدير العراق بدلاً عن شعبه تحت ما تسميه بإعادة الإعمار، فلتفعل. فإن حقوق العراقيين إن ضاعت لبعض الوقت، فلن تضيع أبدا. ذلك لأن الوقت ليس ببعيد الذي يمكن أن يقاضي فيه العراق أمريكا وغيرها من الدول المعتدية ويسترد حقوقه كاملة.. بيد أن مجلس الأمن قد يضعف موقف العراق يومئذ إن اتخذ الآن موقفاً خاطئاً من هذه القضية. ويحسن القول أيضاً أن منظمة الأمم المتحدة إن كانت لا تُقاضَى الآن على أخطائها، فسيجيء قريباً إن شاء الله اليوم الذي تُقاضَى فيه على أخطائها من جانب الأشخاص الدوليين مثلما تقاضى الحكومات الوطنية اليوم من جانب الأفراد. هذا أمر قد يبدو لبعض الناس كضرب من الحلم، ولكن عليهم أن ينظروا قليلاً أبعد من أنوفهم.

ما يجب أن يكون واضحاً في هذا الصدد أنه ليس هناك أي مبرر لأمريكا لأن تغتصب حق الشعب العراقي وتتعاقد بدلاً عنه على ما تسميه إعادة إعمار العراق. الأمور الوحيدة التي يتحتم على أمريكا فعلها هي معالجة المشاكل العاجلة الناجمة عن حالة الحرب والاحتلال، كإطفاء الحرائق في آبار النفط، لما تسببه من أضرار اقتصادية وبيئية وصحية، ومواجهة الاحتياجات الإنسانية. وحتى هذه، عليها أن تقوم بها من مصادرها المالية الخاصة كما قلت، لا من موارد الشعب العراقي التي ليس لها حق التصرف فيها. كما لا أرى لمنظمة الأمم المتحدة فرصة للمشاركة في شيء من شئون العراق إلا المشاركة في أي إشراف دولي يرتضيه العراقيون على أي انتخابات أو استفتاء في العراق إذا انتهى نظام صدام.

ثانياً : المواجهة على مستوى المنظمات الإنسانية العالمية والمحلية :
إن للمنظمات الإنسانية العالمية والمحلية دوراً عظيماً حول العالم في رعاية الحقوق الأساسية للأفراد والشعوب. وهي لديها وزنها الأدبي وأساليبها في العمل. وهي تعرف دورها وقد بدأت تنهض به، واشعر بأنها ستعمل عملاً جيداً في الدفاع عن حقوق الإنسان العراقي، كحق الاستقلال وحق تقرير المصير وغيرها من الحقوق الجماعية والفردية التي انتهكت بهذا العدوان. وأعتقد أن هذه المنظمات يمكنها أن تحرك الضمير العالمي لاستنكار ورفع ما وقع من انتهاك لحقوق العراقيين بالعدوان الأجنبي المدمر. هذا بالطبع بالإضافة إلى أي مسائل أخرى تدخل في نطاق اهتمامها، كضرب العراق بالذخائر المحتوية على اليورانيوم المنضب التي ربما تسببت حتى الآن في نشر آلاف الأطنان من اليورانيوم المنضب في أراضي وأنهار العراق، تتسبب في السرطان وتلويث البيئة وتشويه الأجنة على مدى مليارات السنين. ويلاحظ أن منظمات حقوق الإنسان في العالم الثالث لم تتحرك حتى الآن بالفعالية التي تحركت بها المنظمات الدولية والمحلية الغربية.

ثالثاً : مواجهة العدوان على مستوى الدول :
يلاحظ أن أكثر دول العالم قد أوفت بالتزامها بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة وتعاونت على إخراج العراق من الكويت عام 1991. وهي قد تنادت يومئذ لأن العراق بلد ضعيف، ولكنها الآن تحجم لأن أمريكا قوية. وذلك أمر مؤسف بطبيعة الحال. ورغم ذلك، فإني لا أدعو الدول الرافضة للعدوان إلى مجاراة الإدارة الأمريكية في تهورها وإعلان الحرب عليها بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة على نحو ما جرى على العراق عند احتلاله الكويت. فعندي أن طريق العنف طريق مقفول، وهو لا يحل مشكلة، وإنما هو يفاقمها. وقد رأينا أن أطراف الحروب، الدولية والأهلية، يلجأون عادة بعد فشل الحرب إلى مائدة المفاوضات. وهذا يعني أن الذكاء البشري لو تقدم قليلاً، للجأ الناس إلى التفاوض والوسائل السلمية منذ الوهلة الأولى، بدون حرب. ومن أجل ذلك فإن مواجهة أمريكا وتابعتيها يجب أن تتخذ الوسائل السلمية منذ البداية، وحتى جلائهم عن العراق وتعويضهم العراقيين عن أي أضرار أحدثها عدوانهم.

إن الدول تدرك أن المواجهة المطلوبة ليست هي الشجب والإدانة والاستنكار، وإنما هي المواقف العملية المؤثرة التي تضغط على الإدارة الأمريكية والبريطانية لتردهما عن عدوانهما ومشاريعهما الاستعمارية. والدول تدرك أن المواجهة المثلى هي المواجهة الدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية، إلا أن بعضها يخشى قوة أمريكا الاقتصادية وعقوباتها، لا سيما أن بعض الدول تعتمد على القمح الأمريكي والمعونة الأمريكية الاقتصادية. هذا في حين أن البداهة تقرر بأن الشعوب لن تموت جوعاً بسبب إيقاف القمح الأمريكي أو غير ذلك من أشكال "المعونة" الأمريكية عنها. فقد ظلت الشعوب تأكل وتعيش من قبل أن تدخل أمريكا في خريطة العالم المعروف، ومن قبل أن يزرع القمح في أمريكا.. وهي ستظل تعيش بدون القمح الأمريكي، وبدون أي شكل من أشكال المعونة الأمريكية.

ومهما يكن، فإن الموقف المبدئي هو الذي يجب وقوفه، بصف النظر عن النتائج. والموقف المبدئي هو رفض انتهاك سيادة الدول، ورفض العدوان والاستعمار، والحرص على الشرعية الدولية، ومواجهة من يخرج عنها بالحكمة والحزم اللازمين. ويحسن أن أقول هنا أن أمريكا قد تستطيع أن تنهك دولة واحدة أو دولاً قليلة بحصار اقتصادي ودبلوماسي، ولكنها لا تقوى على مواجهة دول كثيرة. ودوننا تجربة الدول الإفريقية الضعيفة في كسر الحصار الجائر الذي فرضته أمريكا على ليبيا خارج إطار الشرعية الدولية. ماذا استطاعت أمريكا أن تفعل بالدول الإفريقية؟ إن أمريكا تستطيع أن تعادي دولاً قليلة، ولكنها لا تستطيع أن تعادي العالم. ومن هنا تنبع ضرورة اتخاذ مواقف جماعية من الدول، لا مواقف انفرادية من الدول. وهذا يعني أن تتخذ الدول مواقف متفق عليها في إطار المنظمات الإقليمية وروابط الدول.

إن خوف دول العالم، وهي متفرقة، من الإدارة الأمريكية قد أغرى تلك الإدارة بها، فراحت تطلب منها طرد الدبلوماسيين العراقيين من أراضيها. مع أن التصرف المنطقي هو طرد الدبلوماسيين الأمريكيين والبريطانيين والاستراليين من أراضي تلك الدول، لأن تلك الدول الثلاث ارتكبت عدواناً على العراق، وانتهكت سيادته، وخالفت ميثاق الأمم المتحدة.

أين نصرة المستضعفين ؟
لما رجع جعفر بن أبي طالب من الحبشة التي قضى فيها نحو خمس عشرة سنة مهاجراً، سأله النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أعجب شيء رأيته)؟ فأفصح عن عمق نادر، وأسفر عن قامة شماء، بأن حكى مشهداً يسيراً قصيراً، ولكنه عظيم الدلالة.. قال: (رأيت امرأة على رأسها مكتل–سلة- طعام، فمرَّ فارس فأذراه-أي دفعه عن رأسها- فقعدت تجمع طعامها ثم التفتت إليه فقالت له: "ويل لك يوم يضع الملك كرسيه فيأخذ للمظلوم من الظالم؟")، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (كيف تقدس أمة لا يأخذ ضعيفها حقه من شديدها)!!

فالأمم إنما تقدَّس بنصرة المظلومين، وكذلك الأفراد. ومن أجل ذلك، فإن البلطجة الرسمية التي تمارسها الإدارة الأمريكية والبريطانية ضد شعب مستضعف، يجب أن تجد المواجهة من دول العالم كله، ومن المنظمات، والأفراد، بالوسائل السلمية. وهي مواجهة يجب أن تبدأ منذ الآن، وتستمر حتى لو أسقط العدوان نظام صدام وأخذ المعتدون ينهبون الثروات، مباشرة أو تحت غطاء الشرعية الدولية. ولابد أن تتدارس الدول، وخصوصاً دول العالم الثالث (أو ما يسمى حالياً بدول الجنوب)، الخطوات المناسبة التي يجب أن تتخذها للضغط على الحكومات الثلاث المعتدية لتحترم المجتمع الدولي والقانون الدولي.

وأعتقد أن هذه الخطوات يمكن أن تبدأ بتخفيض التمثيل الدبلوماسي لدول العدوان الثلاث، بطرد بعض دبلوماسييها، وذلك كمقدمة لطرد جميع دبلوماسييها وإغلاق سفاراتها. ويمكن التلميح منذ الوهلة الأولى بأن هذه الخطوات يمكن أن تمتد إلى المقاطعة الدبلوماسية الشاملة. هذه الخطوات يجب أن تتم بصورة جماعية في إطار المنظمات الإقليمية والروابط الدولية، كمنظمات الوحدة الإفريقية، والرابطة الآسيوية، ودول عدم الانحياز، وغيرها. ويمكن في وقت لاحق طرح فكرة نقل مقر الأمم المتحدة من أمريكا بسبب خروجها السافر على الشرعية الدولية. وأعتقد أن أمريكا لا تستطيع أن ترد على ذلك بطرد ممثلي تلك الدول لدى منظمة الأمم المتحدة بنيويورك، وإلا تكون بذلك قد خرقت التزامها كدولة مقر ودخلت في أزمة مع المنظمة الدولية. غير أن هذا أمر يجب أن يدرس بعناية.

أما المقاطعة التجارية، فتشمل تعليق أي مفاوضات تجارية أو اقتصادية مع دول العدوان على نحو تفهم منه تلك الدول دواعي التعليق في غير لبس، مثلما فعلت المغرب قبل أيام قلائل مع أمريكا. بالإضافة إلى ذلك، يجب حظر استيراد السلع والخدمات من دول العدوان وكذلك سلع وخدمات الدول القليلة الأخرى المؤيدة للعدوان.. وإذا استحال الحظر لأي سبب، يجب وضع أي قيود على تلك السلع والخدمات، حيث أمكن ذلك. وحيث تقف عوائق قانونية أمام الحظر أو القيد التجاري، تنهض المقاومة الشعبية لمقاطعة تلك السلع والخدمات رغم توفرها في الأسواق. وسيرد الحديث عن ذلك لاحقاً. ولابد أن يتدارس الاقتصاديون شكل الإجراءات الاقتصادية الفعالة لإرجاع دول العدوان إلى الشرعية الدولية. ويمكن أن يتدارسوا في هذا الصدد كيفية التعامل في تجارة النفط وغيره من السلع الاستراتيجية، واستخدام عملات في التجارة الخارجية غير الدولار الأمريكي، كاليورو مثلاً، وسحب الأرصدة من المصارف الأمريكية، وتسييل الاستثمارات وتحويلها إلى أسواق أخرى مؤقتاً، رغم ما يؤدي إليه ذلك من انخفاض في أرباح المستثمرين بسبب ضعف الاقتصاديات الأخرى التي تتجه إليها تلك الأموال قياساً بالاقتصاد الأمريكي.



فرنسا وألمانيا وغيرهما مطالبون بالانحياز للشرعية والمبدئية وليس لمصالحهم :
لقد برزت فرنسا أثناء المجابهة الدبلوماسية التي سبقت العدوان كنصير للشرعية والشعوب. ورغم أن هذا موقف يليق بفرنسا، صاحبة الثورة الشعبية المجيدة التي ترسخ بها النظام الجمهوري في الأرض، إلا أن موقف فرنسا ربما أملته أساساً الرغبة في حماية مصالحها في العراق وبعض الدول العربية الأخرى، ومعرفتها بأنها لن تجني شيئاً إن هي أيدت أمريكا، لأن أمريكا تأكل وحدها. ذلك لأن فرنسا لا تولي اهتماماً لإنصاف الشعوب الفقيرة الضعيفة، وهي أرسخ قدماً في الاستعمار من أمريكا، ولا تتورع عن استغلال الشعوب.. وهي حتى الآن تنهب ثروات الشعوب في دول عديدة، وبخاصة في إفريقيا، كتشاد، والكونغو وكثير من دول غرب إفريقيا.. بل إن الحكومة السودانية الجاهلة الحالية قد مكنتها من نهب ذهب البحر الأحمر. وقد أفادتنا الصحف قبل حين أنها أعطتها امتيازاً على الذهب في شمال السودان من شندي حتى حلفا، وهي مساحة ربما فاقت مساحة فرنسا. ومثل هذه المواقف الفرنسية التي تتظاهر فيها بالدفاع عن حقوق الشعوب الضعيفة هي مواقف قديمة، منذ عهد ديجول. وهي تهدف أساساً إلى كسب تعاطف شعوب الجنوب كوسيلة لحفظ المصالح الفرنسية.

والحق أن فرنسا بموقفها الدبلوماسي الرافض للحرب على العراق قد كشفت عن ذكاء أكبر من الحكومة البريطانية التي تدفع الآن ثمن المشاركة في الحرب مثلما تدفع أمريكا، ولكنها وفق التخطيط الأمريكي لن تنال منها مغانم مثلما قد تنال أمريكا. ففرنسا قد كسبت تعاطف دول كثيرة، عربية وغير عربية، بموقفها الدبلوماسي السابق. وهي قد حققت مصالح مادية بسبب ذلك. فهي على سبيل المثال حصلت على النفط من الجزائر بسعر تفضيلي. ولكن يبدو أنها تريد الآن أن تحصل على شيء من أمريكا أيضاً بموقف دبلوماسي مغاير، ولكنه مغلف. فهي الآن تساوم أمريكا. وقد تناقلت وكالات الأنباء مؤخراً أن أمريكا منحت إحدى الشركات الفرنسية عقداً في العراق. ويلاحظ أننا لم نسمع حتى الآن عن عقد لشركة بريطانية. بيد أن زيارة بلير قد تكون لها نتائج في هذا الشأن.

وليس بمستبعد عندي أن تساوم فرنسا أمريكا على أن لا تمس أمريكا بمصالحها ولا عقودها النفطية في العراق، شريطة أن تتولى فرنسا تضليل أي مساع دبلوماسية دولية تهدف إلى ضغط أمريكا للرجوع عن عدوانها على العراق.. هذا إن لم يكن مثل هذا الاتفاق قد تم بالفعل. ويلاحظ أن فرنسا صرحت بأنها لا تؤيد احتلالاً عسكريا أمريكياً للعراق يدوم سنوات!! وهذا يعني أنها تؤيده لبعض الوقت. (أنظر صحيفة الشرق الوسط بتاريخ31/3/2003). إن فرنسا يجب أن تكون مبدئية ولا تتلاعب بعقول الشعوب كما تفعل الحكومتان الأمريكية والبريطانية. وفي تقديري، أن روسيا نفسها تكثر هذين اليومين من التصريحات المعارضة للحرب من أجل أن تضغط على أمريكا فتصل معها لصيغة تحمي بها مصالحها في العراق مثل فرنسا. فروسيا لا تختلف عن أمريكا، بل الحق أن الاتحاد السوفيتي نفسه كان دولة استعمارية.. كل ما هنالك أن جدوله الزمني الاستعماري كان، بصورة عامة، مؤجلاً وليس معجلاً كجدول الغرب، كما أن دبلوماسيته كانت تختلف.

من أجل ذلك، فإن دول العالم الثالث يجب أن تحذر من المناورات الدبلوماسية الأمريكية التي قد تنفذها عن طريق دولة كفرنسا، هي صديقة لأمريكا، وذات طمع مثلها، ولكنها تتلون من أجل تحقيق مصالحها، فتضلل شعوب وحكومات العالم الثالث. هذا يعني أن دول العالم الثالث يجب أن لا تسلم زمامها إلى دول كهذه، بل يجب أن تجدد الثقة بنفسها، فتحدد خطوات المواجهة الدبلوماسية والاقتصادية التي تراها مناسبة، وتنفذها. وهي يجب أن تحاول التنسيق مع فرنسا وألمانيا وغيرهما من الدول الأوربية وغير الأوروبية التي لا تساند العدوان، بيد أنها يجب أن تكون على جانب الحذر، وأن تمضي في سبيلها دون تأخير.

إن على دول الجنوب أن تعي بمخاطر الحرب الاستعمارية الحالية، وأن لا تنطلي عليها أحابيل الدول الغنية التي تجهد في إدامة تفوقها ولا تعرف إلى ذلك سبيلاً غير نهب ثروات الشعوب بالعدوان، والخداع، والدبلوماسية، والمعاهدات الدولية الجائرة التي تقبلها حكومات دول الجنوب دون تفكير، ولمجرد أنها آتية من دول الشمال المتحضر. والحق أن أكثر الدبلوماسيين والقانونيين والسياسيين من دول الجنوب لا يفعلون أكثر مما تطلبه منهم دول الشمال. بل هم يقيسون قاماتهم بمستوى إرضائهم لدول الشمال وترديد ما تقول وفعل ما تطلب.

هل أدعو بهذا إلى كراهية بين الشمال والجنوب؟ لا، ولكني أدعو إلى مواجهة سلمية قوية ومتحدة وفعالة لتوقف سياسة الأطماع الاستعمارية التي ستدخل شعوب الأرض قاطبة في حقبة جديدة من الكره والحروب والدمار. كما أدعو إلى يقظة دول الجنوب من حبائل دوائر صناعة القرار في دول الشمال. كما أدعو شعوب الشمال نفسها إلى تطوير ديموقراطياتها ليكون الحكم فيها لمصلحة شعوب الشمال لا لمصلحة دوائر النفوذ، وإلى أن تجبر حكوماتها على ترك شعوب الجنوب ودول الجنوب في حالها إن لم تكن تريد أن تتعاون معها بما لا ينتهك كرامتها ولا سيادتها على أراضيها. كما أنبه إلى أن الكراهية في حقيقة الأمر قد دعت إليها الإدارة الأمريكية والبريطانية بأبلغ لسان حين اعتدتا على العراق على هذا النحو البربري المدمر، فألقتا بذلك على عواتقنا عبء أن نعلو على الكراهية، وأن نعرف أن العدوان ليس سوى مظهر عملي لبؤس الفكر السياسي الغربي الذي آن له أن يخلي الساحة لمذهبية قادرة على إحلال السلام في الأرض. وسيجيء الحديث عن ذلك.

رابعاً : المواجهة على مستوى شعوب العالم :
أما شعوب العالم الرافضة للعدوان، وخصوصاً شعوب العالم الثالث، فيجب أن تدرك جيداً أن العراق ليس سوى الضحية الأولى، كما يجب أن تعين حكوماتها على اتخاذ خطوات المواجهة الدبلوماسية والتجارية والإعلامية، وأن تضغطها لاتخاذ تلك الخطوات بوسائل المقاومة السلمية إن هي تقاعست. وهناك حركة احتجاج على العدوان في دول كثيرة، ولكن تلاحظ فيها عيوب كثيرة، منها:-
1- الاحتجاج يكاد ينحصر في المسيرات. وحتى إن كانت هناك وسائل تعبير أخرى فهي ضعيفة. وحتى المسيرات تكاد تنحصر في عواصم الدول، أو أن تغطيتها إعلامياً تنحصر في العواصم.
2- الاحتجاج يميل إلى الإسفاف والإهانة. فعلى سبيل المثال خرجت مظاهرة في بنقلاديش تصور الرئيس بوش في صورة كلب. وهذا خطأ مبدئي، وخطأ تكتيكي. أما مبدئياً فلأن خلافنا مع الرئيس بوش يجب أن لا يسوقنا للحط من بشريته. وأما تكتيكياً فلأن المواطنين الأمريكيين الذين يعبرون عن رفضهم العدوان الذي ارتكبته حكومتهم بأقوى مما عبر أي شعب آخر حتى الآن، يجب أن لا نهين رئيسهم الذي انتخبوه يوماً، لأن في هذا إهانة لهم. وحتى إن فعل بعضهم فعلاً مماثلاً، فيجب أن نترك ذلك لهم.
3- الاحتجاج يميل إلى العنف، بتخريب الممتلكات، ومحاولة حصب سفارات دول العدوان بالحجارة أو غيرها، وكذلك حصب رجال الأمن الذين ينهضون لحماية هذه السفارات. وقد سبق أن قلت أن العنف كله خطأ، وهو لا يفعل غير أن يفاقم من المشكلات ويباعد بيننا وبين حلها. ونحن لن نصلح خطأ الإدارة الأمريكية والبريطانية، المتمثل في اعتمادهما على العنف، بتكراره. إن علينا أن نظهر رفضنا للعدوان، وأن نبرز الأسس القوية التي يقوم عليها هذا الرفض، وأن نظهر إجماعنا على الرفض، لكن بوسائل سلمية. هذا فضلاً عن أن التخريب يعود بالضرر على الشعب، وهو مجموع المتظاهرين أنفسهم. وهناك أمر هام، هو أن الدول ملزمة بموجب القانون الدولي بأن تحمي السفارات على أراضيها.. وبالتالي فإن محاولة اقتحام السفارات أو ضربها بالحجارة أو غيرها هو عمل يهدد التزام الدولة، ويضع المحتجين في مجابهة مع السلطة الوطنية، في حين أن الخطة يجب أن تكون خلق تقارب بين الشعوب وحكوماتها لخدمة قضية المرحلة.
4- ليس هناك مساحة للمثقفين، وبالأخص في وسائل الإعلام العربية، لكشف دعاوى دول العدوان. فقصارى وسائل الإعلام الآن متابعة أخبار الحرب. ومن أجل ذلك جاء الاحتجاج الشعبي خال من المضامين. فعلى سبيل المثال رأيت على شاشة التليفزيون مظاهرة في فلسطين تهتف بعبارات: (بالروح بالدم نفديك يا صدام)!! وهذا هتاف قد يقعد الناس عن مواجهة الاستعمار، بل هو قد يقعد الشعب العراقي نفسه. فصدام يجب أن لا يكون هو سبب المواجهة، ولا سبب ترك المواجهة.
5- إن المسيرات تبدو بلا هدف. وكما قلت آنفاً، فهي يجب أن تتجه، بصورة سلمية، لأن تضغط على الحكومات لتتخذ خطوات الضغط الدبلوماسي والتجاري والإعلامي المقترح أن تتخذه مجاميع الدول. والمظاهرات التي تخرج الآن في العواصم العربية للهتاف لا تخدم هذا الغرض. ومن المحزن أن القوى السياسية في العالم العربي قد أدخلت على الشعوب أسوأ نمط من أنماط التظاهر، وهو نمط الهتاف والتخريب الذي يمتص الشحنة العاطفية، فيشعر المتظاهر بعد يوم أو كثر من ممارسته بأنه قد أنجز مهمته. وعن عقم أسلوب التظاهر العربي، أورد قولاً ينسب إلى السيدة قولد مائير، رئيسة وزراء دولة إسرائيل السابقة. فيحكى أن الوزراء الإسرائيليين عبروا عن تخوفهم من انفجار الغضب العربي ضد إسرائيل عند حريق المسجد الأقصى عام 1968، فقالت لهم أنها تعرف العرب جيداً، سيخرجون إلى الشوارع بضعة أيام يهتفون ثم تنتهي المسألة. ولذا وجب أن يخرج الناس في مسيرات سلمية هادئة ذات هدف واضح، ويمارسوا صور المقاومة السلمية حتى يتحقق هذا الهدف. ويمكن أن يتفاكر الناس فيما بينهم حول هذه الوسائل مثلما يتفاكر الآن مناهضو الحرب في أمريكا وغيرها. ومن بين هذه الوسائل إقامة السلاسل البشرية لسد الطرقات، مثلما يفعل الغربيون الآن، على أن تكون الرسالة الموجهة للحكومات هي إغلاق سفارات دول العدوان الثلاث، وكأننا نقول لحكوماتنا: "إن الحياة تتوقف ما لم يغادر هؤلاء". ولابد أيضاً من مقاطعة منتجات وخدمات دول العدوان الثلاث، حتى تؤوب حكوماتها الشرعية الدولية. وتشمل المقاطعة عدم التعامل مع مصارف دول العدوان، حيث كان ذلك ممكناً.

إنَّ رفضنا للعدوان يجب أن لا يسوقنا إلى التحرش بمواطني دول العدوان الثلاث أو مواطني أي دولة مؤيدة للعدوان. وذلك لأسباب شتى، منها أننا يجب أن نكون ضد العنف من حيث المبدأ. ومنها أنه ليس من المروءة في شيء أن نتحرش بمواطنين قليلين أمنونا وعاشوا بيننا. ومنها أنهم ربما كانوا مثلنا ضد العدوان، بل ربما من أجل ذلك بقوا بيننا تعبيراً عن تضامنهم. وقد سررت أن كثيراً من الأمريكيين والبريطانيين والأوروبيين بقوا ببعض الدول العربية خلال هذه الأيام الصعبة إيماناً منهم بأن شعوب تلك الدول على درجة من الوعي تتفهم بها ما يدور.

إن مناصرتنا الشعب العراقي يجب أن لا تقوم بسبب روابط العنصر أو العقيدة، وإنما لأنه شعب بريء مستضعف وقع عليه ظلم وعدوان غير مشروع، وهي مناصرة يجب أن يجدها منا كل شعب يقع عليه عدوان. فقد أنى للبشر أن يخرجوا من خنادق العنصر والعقيدة واللسان وغيرها مما يفرِّق بينهم، فيصلوا بعضهم بوشائج الإنسانية التي تجمعهم كلهم، على اختلاف ألوانهم، وألسنتهم، وأقاليمهم، وعقائدهم، وحظوظهم من التعليم والتمدين.

إن المجتمعات الغربية التي خرجت لمعارضة حكوماتها قد دللت على أنها قطعت شوطاً طيباً في تجاوز هذه الأسس القاصرة للعلاقات بين البشر. والحق أنها قد دللت على ذلك منذ وقت مضى. وسأعرض لذلك لاحقاً، لكن أحب أن تتجه شعوب العالم الثالث ذات الاتجاه الذي يضع كل شعوب الأرض في خط واحد هو خط السلام فيما بينها ومواجهة حكوماتها التي تهدد السلام العالمي أو تنتهك حقوق الأفراد والجماعات والشعوب، سواء أكان داخل أوطانها أو خارجها.

خامساً : المواجهة على مستوى المواطنين في دول العدوان :
أما المواجهة من مواطني الدول المعتدية فقد بدأت مبكرة، وهي لا تزال مستمرة، وتجدد في أساليبها. وأريد أن أقول ما يلي في هذا الشأن:-
1- إن المعترضين على الحرب في دول العدوان الثلاث يجب أن يوضحوا لمواطنيهم أن الشعوب الثلاثة مسئولة عن الحرب ما لم ترفضها أغلبية كل شعب منها وتقوم بالخطوات الدستورية والقانونية اللازمة لإقالة الحكومة التي شنتها. وعلى المعترضين أن يسعوا لتحقيق هذه الأغلبية، ويكون ذلك هدفاً معلناً لهم. وعليهم تشجيع النواب البرلمانيين ليتحملوا مسئولياتهم.
2- إن مواطني دول العدوان يجب أن يعرفوا أن العدوان قد أقنع شعوب العالم الثالث بأن بعض الدول الغربية الكبرى قد افتتحت حقبة جديدة من حقب الاستعمار البغيض. وسيكون لذلك أسوأ الأثر على علاقات الشعوب وعلى السلام الدولي.
3- إن هذا العدوان هو عمل إرهابي لا يختلف عن العمل الذي قامت به منظمة القاعدة حين هدمت برج التجارة الدولي بنيويورك في سبتمبر 2001، بل هو أسوأ منه لأن ذلك قامت به منظمة إرهابية في حين أن هذا تقوم به دولة تزعم التمدين والبعد عن الهمجية. ولذلك فإن هذا العدوان أفقد الغرب التعاطف الذي كان يجده في حربه على الإرهاب. بل هو قد أفقد الغرب حق الحديث عن الإرهاب.
4- إن هذا العدوان قد غرس بذرة كراهية جديدة بين العراقيين بشكل خاص وبين أمريكا وبريطانيا عمرها أربعة مليارات سنة هي عمر آثار اليورانيوم المنضب والبلوتونيوم الذي تشتمل عليه الصواريخ والذخائر المستخدمة والذي سيظل يقتل العراقيين بالسرطان وغيره ويشوه أجنتهم إلى أن يأذن الله برفع ذلك عنهم. وعلى شعوب دول العدوان أن تضغط حكوماتها لوقف هذا العدوان فوراً وإرجاع هذه النفايات النووية فوراً إلى أمريكا للتخلص منها هنالك على النحو المناسب.
5- إن هذا العدوان سيعوق جهود تحقيق الديموقراطية في العالم الثالث. فمنذ الآن ارتفعت بعض الأصوات قائلة إن الديموقراطية التي تستعمر بها الشعوب لا نريدها. وهذا يعني أن دعاة الديموقراطية في العالم الثالث سيحتاجون وقتاً وجهداً لمعالجة الضربة القوية لمساعيهم التي تسبب فيها هذا العدوان الذي تقوده دول تصنف كدول ديموقراطية، مستغلة فيه اسم الديموقراطية.
6- إن التنفيذيين الأمريكيين والبريطانيين وعلى رأسهم الرئيسين بوش وبلير ومساعديهم قد مارسوا كذباً مفضوحاً وقبيحاً، فنالوا بذلك من صورة المواطن الغربي في أذهان شعوب الجنوب والشرق.
7- إن كثيراً من مواطني العالم الثالث يقدِّرون الساسة الغربيين، أمثال روبن كوك، والمواطنين الغربيين البسطاء الذين قدموا إلى العراق ليشكلوا دروعاً بشرية، لأنهم مبدئيون، انحازوا إلى ضمائرهم، وضحُوا في سبيل ذلك بمناصبهم، ووضعوا حياتهم في أكفهم. إن أمثال هؤلاء هم المنتظرون لخلق عالم جديد تسكنه بشرية واحدة تخلت عن أطماعها واستعلائها وأحقادها. وأعتقد أن المواطن الغربي يجب أن يحرص على أن يتولى شئون الحكم عنده مثل هؤلاء المخلصين، ويبعد الأفاكين الأشرار عن مواقع القرار.
8- إن مراقبة الحكام والاحتجاج على سياساتهم ومحاسبتهم يعد من أهم مقومات الحكم الديموقراطي، ووسيلة ضرورية لتصحيح أخطاء الساسة. بيد أنه يجب أن لا يكون عملاً موسمياً، بل عملاً دائماً ودؤوباً. وهو لن يكون كذلك إلا إذا انصرف إلى محاولة علاج العلة الأساسية، ولم يغفل عنها لينشغل بالأعراض. فمثل هذا الغزو هو مجرد عرض لمرض الفكر السياسي الغربي. وهناك أخطاء كثيرة، بعضها يجد الاحتجاج، وبعضها لا يجد. وسأتحدث في الجزء الثالث من هذا المقال عن علة الفكر السياسي الغربي، التي لابد من علاجها لإحلال السلام في الأرض. لكن يكفي هنا القول بأن المواطنين في الغرب عليهم أن ينشطوا في علاج الديموقراطية الغربية. وعلة الديموقراطية الغربية هي أن نسبة قليلة من المواطنين تستأثر بالثروة، وهي بسبب ذلك تستأثر بالسلطة، وتستغلها لتحقيق مصالحها هي، لا لتحقيق مصالح الشعب. ففي أمريكا، مثلاً، تفيد الإحصائيات أن 1% من الشعب الأمريكي يستأثرون بحوالي 70% من الثروة. هؤلاء هم الذين يحكمون أمريكا، ويصنعون القرار، ويأتون بالساسة من الحزبين الديموقراطي والجمهوري ليفوز من يفوز منهم في الانتخابات، ليباشر السلطة نيابة عن هؤلاء الأثرياء، لا نيابة عن الشعب الذي أدلى بأصواته في الانتخابات. وكل حزب من هذين الحزبين يخاف على مصيره أن لم يستجب لرغبات هؤلاء الأثرياء، كما أن كل سياسي يترشح للرئاسة أو البرلمان يخاف على مستقبله السياسي إن لم يحقق رغباتهم. وقد جعل هذا الأمر من الديموقراطية الأمريكية هيكلاً كبيراً بلا روح. ومن أخطر الوسائل التي تحتكرها هذه القلة وسائل الإعلام، وهي تستغلها لإلهاء الشعب، وتضليله، وصرفه عن الثقافة الحقيقية. ومن أجل ذلك، فإن أي حركة لتغيير المجتمع الأمريكي، أو أي مجتمع آخر، لابد أن تولي اهتماماً خاصاً بوسائل الإعلام.

يتبع/ 3

Post: #976
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 07-01-2008, 04:26 AM
Parent: #975


التحدي الذي يواجه العالم
بقلم طه أبوقرجة
إما المجتمع الكوكبي الإنساني الواحد، وإما الاستعمار والحرب والدمار
(3) من (3)
يجب إقامة العلاقات الدولية على القانون والعدل بدل القوة والمصلحة
ولمصلحة مجتمع كوكبي واحد بدل مصالح دول قومية متضاربة

حاولت في الحلقتين الفائتتين أن أبين بطلان ادعاءات الحكومة الأمريكية وأن أفنِّد ذرائعها للحرب، كما دعوت إلى مواجهتها وشريكاتها بالأساليب السلمية. ولم يكن ذلك نتيجة غفلة عن سوء نظام صدام، ولا مشايعة له لأنه حاكم عربي أو مسلم، وإنما عن قناعة بأن خطأ الدول المعتدية أكبر من أخطائه، وأن النهج الذي سنَّته هو أشد وبالاً على شعب العراق وعلى شعوب المنطقة وعلى السلام العالمي. وقد قلت هنالك أن نظام صدام سيئ ولكن سوئه لا يبرر العدوان، ولم أشعر بحاجة إلى التفصيل في سوئه، لأنه معروف. وقد لمست من الرسائل التي وردتني، ومن التعليقات التي طالعتها في بعض المنتديات، أن كثيراً من القراء فهم رأيي حول هذه الحرب. لكن بعضهم ربما فهم أن دعوتي لمواجهة العدوان مبعثها حسن ظني بنظام صدام أو نقص إدراكي بسوئه وخطره على جيرانه وعلى السلام العالمي. كما أن بعضهم يرى أن شعب العراق وغيره من شعوب المنطقة، بما فيها الشعب السوداني، قد رزئوا بأنظمة رديئة، قتلت معارضيها، وأضعفت شعوبها، وأذلتها، وبددت ثرواتها، وسدت كل سبل تغييرها من الداخل، فلم يعد من سبيل إلى تغييرها غير التدخل الأجنبي، رغم مثالبه. وبعض هؤلاء يرون أننا يجب أن نساند الجيوش الغازية معنوياً ليكتمل تحرير شعب العراق من صدام، كخطوة أولى نحو تحرير بقية الشعوب الرازحة تحت نير أنظمة مماثلة. وهؤلاء يسلِّمون للإدارة الأمريكية بمزاعمها حول مهمتها النبيلة نحو شعب العراق.

هذه الآراء حملتني على تعديل هذا الجزء من المقال الذي كنت أريد الحديث فيه عن المجتمع الكوكبي وعن مدنية السلام، لمزيد من الحديث حول الموقف من هذه الحرب. ذلك لأننا لن نسهم في خلق المجتمع الكوكبي إذا كنا لا نرى عيباً في سياسات الحكومات الوطنية الحالية، القاصرة، التي تجر المجتمع البشري جراً إلى حافة حرب لا تبقي ولا تذر.

كلا الطرفين مبطل، ولكن :
وأبدأ بتأكيد أمر لا يزال يحتاج التأكيد، هو أن هذه الحرب ليست بين طرف محق وطرف مبطل، وإنما هي بين طرفين مبطلين، أحدهما الحكومات المعتدية، وثانيهما نظام صدام. وكلاهما لا يهتم بشعب العراق، وإن ادَّعى غير ذلك. وللشيعة في مصادرهم حديث قدسي أراه ينطبق على هذه الحرب، يقول:- (الظالمُ جندٌ، أنتقم به، وأنتقم منه). وهم يرون أن أمريكا ظالمة الآن في موقفها، وهي مجنَّدة للانتقام من ظالم آخر هو صدام، وأن الله سينتقم من أمريكا بعد ذلك. وللسنيين في معجم الطبراني حديث مماثل:- (الظالمُ عدلُ اللهِ في الأرضِ، ينتقم به، وينتقم منه). وقد أشار بعض المفسرين إلى هذا الحديث في معرض تفسيرهم لقوله تعالى: (وكذلك نولِّي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون) سورة الأنعام/ 129.

هذا يعني أن علينا أن نرى باطل الطرفين، وأن نأخذ موقفاً من كليهما. وإنما دعوت إلى مواجهة أمريكا وشريكاتها لأسباب ثلاثة: أولها أن باطل أمريكا وشريكاتها في هذا الأمر أكبر من باطل صدام، وخطرهم أعظم من خطره. وثانيها أن باطلهم مغطى بمظهرهم الحضاري الكبير وبحديثهم عن الإرهاب وادعائهم الاضطلاع بالدور الأكبر في السلام العالمي، هذا في حين أن سوء صدام ظاهر. وثالثها أن خطر صدام قد ظل المجتمع الدولي يواجهه منذ عام 1990، بإخراجه من الكويت، وبإصدار ومتابعة تنفيذ القرارات الدولية التي تجرِّده من أسلحة الدمار الشامل وغير ذلك.

وإنما كان خطر أمريكا أعظم من خطر صدام لأنها مسئولة عن أفدح أخطائه وبصورة خاصة تهديده لجيرانه كما سنرى، ولأنها لا تحارب الآن من أجل مهمة نبيلة كما تدَّعي وإنما من أجل تحقيق مكاسب لها ولحليفتها الأساسية في المنطقة-إسرائيل. وأهم من ذلك، أنها بهذه المهمة النبيلة المدَّعاة قد سنَّت سنة سيئة هي عدوان الدول على بعضها بدعوى تغيير حكوماتها الجائرة، كما أنها أضعفت المنظمة الدولية، وجعلت العنف هو الوسيلة الأساسية لحل النزاعات الدولية رغم أنه وسيلة بادية القصور وعظيمة الخطر. وينبغي على كل من يريد تحديد موقف من هذه الحرب أن لا يغفل هذه الأمور. ولتبيين أن خطأ الإدارة الأمريكية وخطر حربها الحالية أكبر من أخطاء صدام وخطره، أسوق مزيداً من الحديث عن محورين من المحاور الثلاثة التي بررت بها الإدارة الأمريكية عدوانها الحالي، وهي: (1) المهمة النبيلة لتحرير شعب العراق، (2) خطر صدام على جيرانه. وقد تحدثت عن ذريعة أسلحة الدمار الشامل بما يكفي.

أولاً : مهمة الديموقراطية النبيلة ومحك الشيعة العراقيين :
إن تعاطف كثير من السودانيين مع حجة الإدارة الأمريكية بأنها قادمة إلى العراق في مهمة نبيلة هي تحرير العراقيين من صدام هو تعاطف مبعثه الرغبة في أن تقوم الإدارة الأمريكية بعمل مماثل في السودان، لتحريره السودانيين من نظام الإنقاذ، الذي لا يقل سوءاً عن نظام صدام. وذلك أمر سأتحدث عنه في حيز آخر، ولكني أحب هنا أن أرد كل من تنطلي عليه هذه الخدعة الماكرة إلى ما قلته في هذا الشأن في الجزء الأول من المقال، وخصوصاً إلى قولي بأن الأساس الفكري والأخلاقي (Ethical) الذي تقوم عليه السياسة الأمريكية لا يعترف بمثل هذه المهام النبيلة، ولا يعرف إلا المصلحة الخاصة التي تحقق على حساب الغير. هذا الأساس القاصر هو الذي أملى العدوان، وهو الذي أملى الاستعمار، وهو المسئول عن الضرر الذي تلحقه السياسة الخارجية الأمريكية وسياسة الدول الغربية الأخرى بالشعوب، وهو المحك الذي يتضح فيه عجز الحضارة الغربية الراهنة عن تحقيق السلام، وتبرز فيه الحاجة إلى مدنية جديدة يحب فيها الإنسان أخاه الإنسان ويؤثره على نفسه. وقد كنت احب أن يتطرق المناقشون إلى هذا الأمر.

بيد أن الناس إن لم يروا فساد البذرة التي أنبتت السياسة الخارجية الأمريكية، فقد يكون عليهم انتظار ثمرة هذا العدوان بعد الإطاحة بصدام. فحينئذ ستنفضح أمام أعينهم مزاعم تحرير الشعب العراقي. فالإدارة الأمريكية تعرف أن الشيعة يشكِّلون في العراق نسبة تتراوح بين 60% و65%، وهي لم تخض هذه الحرب لتمكينهم من السلطة عن طريق الانتخابات، بل هي لا تحتمل ذلك، ومن أجل ذلك أحجمت عن إسقاط صدام عام 1991 حين أخرجته جيوش الحلفاء من الكويت بهزيمة منكرة. وقد يتضافر عدم احتمالها تسلم الشيعة مقاليد الحكم مع دوافعها الحقيقية للغزو لتعتمد إحدى خطتين: إما محاولة حكم العراق مباشرة بواسطة أمريكيين، أو محاولة حكمه بطريق غير مباشر من خلال عراقيين ضعاف لا يهمهم إلا مظهر السلطة ينتشون به ويعطونها ما تريد وتحرسهم بجيوشها بعد أن تختارهم بالتعيين أو بانتخابات تشرف هي على تزويرها. وأي واحد من هذين الخيارين الصعبين سيفضح دعواها، كما سيجرها إلى حرب طويلة ومريرة مع شعب العراق، ستكون فيها وحدها، لأن بريطانيا بدت غير راغبة في التورط في العراق ثانية بعد إزاحة صدام.

ويبدو أن هذا الوضع المعقد قد اضطر الإدارة الأمريكية إلى إعادة النظر في خطتها الأساسية الرامية إلى حكم العراق بواسطة أمريكيين يتبعون مباشرة للبيت الأبيض إلى حكمه بواسطة وزراء أمريكيين لكل منهم أربعة مستشارين عراقيين، ثم إلى حكمه بواسطة حكومة عراقية مؤقتة تعمل تحت حاكم أمريكي بدعوى إشرافه على الجوانب العسكرية والأمنية. وهدف الإدارة الأمريكية، في تقديري، هو حكم العراق بواسطة أمريكيين أو عراقيين ضعاف بغرض إبرام اتفاقيات تعطي أمريكا أكبر حقوق ممكنة لأطول فترة ممكنة في العراق وخصوصاً فيما يتعلق بثرواته الطبيعية. وهي قد تحاول الحصول على بعض الحقوق بواسطة اتفاقية استسلام مع نظام صدام، خصوصاً أن التجارب قد دلت أن صدام ظل بغبائه المعهود يخدم المصالح الأمريكية على طول المدى من حيث لا يدري.

وطمع الإدارة الأمريكية هذا يوجب على العراقيين وأصدقائهم أن يضيقوا صلاحيات أي حكومة انتقالية، مهما كانت طبيعتها، فيحصروها في معالجة المشاكل الإنسانية الملحة الناجمة عن الحرب وعن الحصار الطويل الذي سبقها، وفي إرجاع النفايات النووية التي جلبتها الحرب إلى أمريكا، وأن يتركوا مشاريع إعادة الإعمار التي ينفق عليها من أموال العراق وكذلك مشاريع إعادة تأهيل قطاع النفط إلى الحكومة المنتخبة التي يؤمل لها أن تباشر أعمالها بعيداً بعض الشيء عن الضغط الأمريكي.

دكتاتورية صدام أم إبادة شعب العراق ؟!
بيد أننا لا نحتاج كل هذا الانتظار لنحكم على مزاعم الإدارة الأمريكية بأنها قادمة إلى العراق في مهمة نبيلة هي تحرير العراقيين من صدام. فأمريكا قد دللت بالحرب نفسها أنها لا تبالي بحرية الشعب العراقي، بل ولا بحياته. فالكبت والتقتيل الشنيع الذي مارسه صدام ضد شعب العراق لا يساوي شيئاً مما يتعرض له شعب العراق اليوم من إبادة طويلة المدى على يد الإدارة الأمريكية. ولا أعني ضرب المدنيين، ولا استخدام القنابل العنقودية، وإنما اعني ضربهم باليورانيوم المنضَّب الذي تحتوي عليه الصواريخ والقنابل وبعض الذخائر الأمريكية الأخرى. وهذه جريمة صمت عنها نظام صدام لأنه يخشى إثارة الشعب العراقي عليه في هذا الظرف، كما صمت عنها المجتمع الدولي، رغم أنها جريمة أعلنت الإدارة الأمريكية عن نية ارتكابها قبل اندلاع الحرب.

ولمزيد من التعريف بخطر هذا السلاح أحيل القراء إلى مقابلة أجرتها قناة الجزيرة بتاريخ 7/2/2001 وأعادتها بتاريخ 19/3/ 2003 مع البروفيسور الأمريكي دوج روكه، المختص في الفيزياء النووية، والمدير السابق لمشروع اليورانيوم المنضَّب بوزارة الدفاع الأمريكية، وإلى مقابلتين أخريين بتاريخ 2/11/2000 و 9/11/2000 مع بعض المختصين (وكلها بموقع الجزيرة على شبكة الإنترنت). فقد وردت حقائق مفزعة في هذه المقابلات عن نتائج قذائف اليورانيوم، منها أن 160,000 (مائة وستين ألف) من الجنود الأمريكيين الذين شاركوا في حرب الخليج الثانية في مطلع 1991 أصيبوا بالسرطان وغيره من الأمراض الناتجة عن التعرض لليورانيوم المستنفد (والتي يشار إليها إجمالاً بأعراض حرب الخليج)، وأن حوالي 8000 منهم قد ماتوا. وقد ذكر البروفيسور الأمريكي أن العسكريين الأمريكيين أخفيت عنهم الحقيقة لوقت طويل، ولم يدركوا إلا مؤخراً أن ما تعرضوا له كان بسبب اليورانيوم المستنفد. وقال أنه شخصياً مصاب بالمرض، وأن جسمه يحتوي على شحنة إشعاع تعادل خمسة آلاف الشحنة العادية في الجسم. كما قال أن منطقة البصرة قد باتت منذ 1991 مكاناً غير صالح للحياة، بسبب معدلات الإشعاع العالية الناجمة عن ضربها بصواريخ وقذائف تشتمل على اليورانيوم المستنفد. وأوضح البروفيسور الأمريكي أن الإشعاع الناجم عن اليورانيوم المستنفد يبقى لمدة 5/4 (أربعة نصف) بليون سنة، وألمح إلى أن استعماله يهدف إلى زيادة فعالية الذخائر في اختراق الدروع والتحصينات، كما يهدف إلى تخليص الولايات المتحدة من النفايات النووية الناجمة عن استخدم اليورانيوم داخلها للأغراض السلمية والعسكرية، وقال في هذا الصدد أن استخدام اليورانيوم في الذخائر هو جزء من خطة وزارة الصناعة الأمريكية في التخلص من النفايات النووية. وهناك كتب صادرة عن هذا الأمر، ومواقع بشبكة الانترنت يمكن الرجوع إليها. وحين ندرك أن أمريكا أسقطت حوالي 350 طن من اليورانيوم المستنفد في حرب تحرير الكويت ونرى ارتفاع معدلات السرطان في العراق بعد ذلك، وأنها الآن ربما أسقطت أكثر من 4000 (أربعة آلاف ) طن من اليورانيوم المستنفد، ندرك حجم مأساة الشعب العراقي، وعدم مبالاة الإدارة الأمريكية بحياته، بله حريته.

ثانياً : أمريكا شريك صدام في حروبه على جيرانه :
معلوم أن صدام شكَّل تهديداً على جيرانه. وهو يدفع الآن ثمن تهديده إياهم وتعديه عليهم. ففيما عدا سوريا (التي أعلنت مساندتها للشعب العراقي وليس لصدام)، فإن كل جيران العراق إما أعطوا دول العدوان تسهيلات عسكرية، أو وقفوا موقف المتفرج على صدام، المؤمل الخلاص منه. لكن يجب أن لا نغفل أن أمريكا هي التي ساقت صدام معصوب العينين إلى تهديد جيرانه والاعتداء عليهم، لتتمكن منه في نهاية المطاف. فهي التي حرَّكته عام 1980 لمحاربة إيران، بهدف وقف مساعي تصدير الثورة الإيرانية إلى بقية الدول الإسلامية حين بدأت بعض الجماعات تهتف (إيران إيران في كل مكان)، ووجهت الدول العربية بدعمه، حتى أن تلك الدول حبَتْه يومئذ بلقب "حارس البوابة الشرقية". وقد عملت أمريكا على تزويده خلال تلك الحرب (بطريقة مباشرة أو غير مباشرة) ببعض تكنولوجيا أسلحة الدمار الشامل ليستخدمها ضد الإيرانيين وضد شعبه. كما أغرته بغزو الكويت عام 1990 لتتخلص منه (وبُعَيد غزو الكويت قامت بمحاسبة سفيرتها في العراق أمام الكونغرس على فعلتها، لتتبرأ الدولة الأمريكية من الجريمة وتصورها كخطأ فردي وقعت فيه إحدى موظفاتها). خلاصة القول أن أمريكا شريكة صدام في جرائمه ضد جيرانه، ومسئولة معه عنها.. هي مسئولة عن التخطيط، وهو مسئول عن التنفيذ. إن خطر صدام على جيرانه يوجب ذهابه، ولكن أمريكا أخطر على جيرانه منه.. وذلك بنفس القدر الذي به أن خطر صدام على شعبه يوجب ذهابه ولكن أمريكا أخطر على شعبه منه. وكنت آمل ممن يؤيدون الغزو الأمريكي على العراق بحجة خطر صدام على جيرانه ألا يغفلوا أن أمريكا شريكة في ذلك الخطر، وأنها استغلت صدام وتلاعبت به مثل دمية.

العنف لا يحل مشكلة :
إن الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه أمريكا هو خروجها على الشرعية الدولية من أجل مصالح اقتصادية ومن أجل تأمين نفسها وحلفائها من خصومهم بتجريدهم من السلاح بالقوة. ومن الواضح أن أمريكا شرعت منذ نهاية الحرب الباردة في تجريد خصومها السابقين من قوتهم العسكرية. ورغم أن تقليل مصادر الخطر العسكري هو نتيجة مبتغاة لمصلحة الإنسانية قاطبة، إلا أنها يجب أن تتم بوسيلة مشروعة، ولغرض مشروع. والوسيلة المشروعة هي القانون الدولي كما تطبقه الأجهزة الدولية، وليس وفق الاجتهادات الفردية. والغرض المشروع هو إحالة البشرية كلها إلى القانون كوسيلة لحسم النزاعات بعد أن ظلت طيلة تاريخها تعتمد على القوة. لكن أمريكا شرعت في تجريد خصومها من السلاح بوسيلة خطأ ولغرض خطأ. فهي، من حيث الوسيلة، خرجت عن الشرعية الدولية في حالة العراق، كما تسعى للخروج عنها في حالات أخرى. وهي، من حيث الغاية، إنما تريد تجريد غيرها من السلاح لتحتفظ به هي وحليفاتها ليفعلوا ما يشاءون. ويمكن أن نلاحظ أنها رفضت التوقيع على معاهدة حظر الألغام، وعلى قانون محكمة الجزاء الدولية، وأنها ما تزال تطور في شبكة دفاعها الصاروخي، وفي أسلحتها.

هذا اتجاه خاطيء وعقيم. فالدول لن تتخلى عن السلاح إلا إذا قامت العلاقات على القانون الدولي الذي يحفظ حقوق الدول مثلما تحفظ القوانين الوطنية حقوق الأفراد داخلها. لكن إذا ظلت العلاقات تقوم على الأطماع والمناورات الدبلوماسية وإساءة استخدام النفوذ في الساحة الدولية وحسم النزاعات بالقوة المسلحة والاعتداء على سيادة الدول، فإن الدول ستلجأ إلى التسلح. وقد كان على أمريكا أن تستفيد من حادثة 11 سبتمبر 2001 فتعلم أن العنف أصبح لا يحتاج إلى دول، وإنما يمكن لأفراد قليلين إحداث أضرار هائلة تفوق طاقة الدول. ومعلوم أن تكنولوجيا الأسلحة الخطرة باتت شائعة، وفي متناول أيدي الكثيرين. وحين لم تفهم أمريكا من حادثة 11 سبتمبر، ساق لها الله رجلاً قالت أنه كان يخطط لضرب مدينة أمريكية بقنبلة "قذرة". رجل واحد يمكنه أن يدمِّر مدينة!! ماذا يعني هذا؟ إنه ببساطة يعني أن محاولة احتكار القوة والسلاح هي محاولة غير ذكية، وخطرة، ومحكوم عليها بالفشل. وقد كان على أمريكا أن تفهم ذلك وتسلك طريقاً آخر، لكنها لم تفهم حتى الآن. إن أمريكا تتحدث عن النظام الدولي الجديد، ولكنها لا تعرفه. فالنظام الدولي الجديد هو النظام الذي يقيم العلاقات الدولية على القانون والعدل والسلام، وليس على منطق الغابة، الذي هو سمة النظام الدولي القديم. إن أمريكا لم تفهم منطق العصر حتى الآن، وهي إن لم تفهمه ستخلي مكانها إلى دولة أخرى تفهم منطق العصر وتصاقبه وتحدو ركب البشرية إلى مدارج العدل والسلام، فالبيئة الكوكبية الحاضرة لا تحتمل سوى العدل والسلام.


الحضارة الغربية تفقد المشعل :
إن هذا الغزو غير المشروع، رغم أنه يحقق نتائج يبتغيها شعب العراق وجيرانه وكثير من الشعوب والدول، إلا أنه من الناحية الأدبية قد أفقد أمريكا زعامة العالم. ولما كانت أمريكا هي زعيمة الحضارة الغربية، فإن هذا الغزو قد أفل به نجم الحضارة الغربية، مؤذناً ببزوغ فجر مدنية جديدة قادرة على نشر السلام في الأرض. وهناك رمزية في هذا الغزو. فهو قد قامت به أمريكا، التي تمسك بمشعل الحضارة، ومعها بريطانيا التي سلمتها المشعل بعد نهاية الحرب العالمية الثانية. كما يلاحظ أن معهما أسبانيا، وأن قمة الحرب عقدت في الجزيرة البرتغالية. ومعلوم أن أسبانيا والبرتغال كانتا من أعظم الدول الأوربية في عصر الكشوفات الجغرافية التي تسلم الغرب خلالها ريادة القافلة البشرية واستلم مشعل الحضارة الإنسانية. إن أهل الحضارة الغربية قد أسقطوا من يدهم هذا المشعل اليوم، وسيلتقطه من بعدهم شعب يحمل فكرة قادرة على تأسيس مجتمع كوكبي تسكنه إنسانية واحدة تربط بينها فكرة العدل مثلما ربطت بينها وسائل المواصلات والاتصال التي بدا أن الحضارة الغربية لا تستطيع أن تعطي أكثر منها.

بيد أن بعض مواطني الغرب قد دللوا على وعي بالبيئة الكوكبية الجديدة ومقتضياتها بأكثر مما دلل مواطنو الشرق. ومساعي العولمة التي تحاول دول الغرب الآن أن تنجزها على حساب الشعوب الفقيرة لم تعارضها الشعوب الفقيرة ولا حكوماتها، وإنما عارضها المواطنون الغربيون وسيروا ضدها المسيرات في سياتل وفي إيطاليا وحيثما اجتمعت منظمة التجارة الدولية في الغرب. إن هؤلاء المواطنين الغربيين، الإنسانيين، الذين يرفضون ظلم الآخرين، هم الذين ينعقد عليهم الأمل في إصلاح الديموقراطيات الغربية وفي إجهاض مخطط غربي يرمي إلى الهيمنة على العالم، وإفقار شعوبه، وإبادتها-بوعي أو بغير وعي. وإذا تيسر إسقاط الحكام المخبولين الصغار أمثال صدام بواسطة شعوبهم أو بواسطة عمل خارجي، فإن أخطاء ساسة الدول الكبرى ذات الترسانات العسكرية الضخمة لا يمكن تصحيحها إلا من خلال شعوبها. ورغم أننا يجب أن نتعاون مع هؤلاء لتأمن البشرية غوائل الحكومات الغربية القوية التي تملك آلة دمار هائلة، إلا أن عدم الوعي بهذا الأمر ساق تنظيماً من تنظيمات الهوس الديني الإسلامية لاستعداء الغربيين برمتهم ضد منطقة الشرق الأوسط والعرب والإسلام، وذلك بتفجيرات 11 سبتمبر التي كانت ضد الأبرياء.

هؤلاء المواطنين الغربيين يجب أن نمد معهم الجسور، وأن نكوِّن معهم منظمات مدنية دولية تكون لها فروع في كل الدول، كخطوة إضافية نحو المجتمع الكوكبي. ومثل هذه المنظمات موجودة في كثير من بلدان الغرب، ومنها منظمة السلام الأخضر، التي تعنى بالسلم وبالبيئة وتقف ضد تدمير الإنسان بالحروب وغيرها وضد تدمير البيئة بالنفايات وغيرها. وهي تدافع عن أهل العالم الثالث بأكثر مما يدافع أهل العالم الثالث عن أنفسهم. وأعتقد أنه من المناسب أن تنتشر مثل هذه الجمعيات في العالم الثالث وأن ينتشر الوعي بأهدافها. إن هذه الجمعيات تؤكد أمراً له أهمية كبرى من أجل السلام العالمي، هو أن الغرب ليس ضد الشرق، وأن الشمال ليس ضد الجنوب، وإنما أكثر الحكومات هي ضد الشعوب، في الغرب والشرق والشمال والجنوب.

حكام العالم ليسو في القامة الخلقية المطلوبة :
إن الغزو قد دلل أيضاً على أن حكومات العالم ليست في المستوى الخلقي المطلوب. فحتى الآن لم تعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة اجتماعاً طارئاً لمناقشة هذه الحرب رغم أن ثلاثة أسابيع قد مضت عليها. وهذا يعني أن حروباً أخرى ستقع وأن دماراً سيحدث كي يتحرك الضمير العالمي وكي نعي بأن نظامنا السياسي والدولي متخلف يستوجب التغيير.


العرب والمسلمون :
ثمة أمر آخر شديد الأهمية، هو أن ما يحدث الآن في العراق هو نتيجة خطأ قديم ارتكبه العرب تحت قيادة جمال عبد الناصر يوم أخرج قضية فلسطين من إطارها المحدود إلى حلبة الحرب الباردة، وذلك حين أمم قناة السويس في 1956 بطريقة خاطئة استفزَّ بها الغرب وجلب عداوته على مصر وعلى العرب، فلم يجد غير الاحتماء بالاتحاد السوفيتي. ورغم أن الرئيس السادات أدرك استغلال السوفيت للعرب كما أدرك خطأ الموقف العربي المتمثل في عدم الاعتراف الرسمي بإسرائيل فابرم اتفاقية سلام مع إسرائيل في 1979، إلا أن أكثر العرب رفضوها، وقاطعوه. وقد كان صدام من أبرز قادة ما سمي عندئذ بدول الرفض. وقد بقي العرب على رفضهم الاعتراف بإسرائيل، وحين فقدوا الاتحاد السوفيتي لم يجدوا من يلتجئون إليه، فباتوا يتلقون الضربات وما لهم من مجير. إن كثيراً من العرب يتحدثون عن هذا العدوان باعتباره حرب تقوم بها أمريكا لصالح إسرائيل. وذلك صحيح إلى حد، ويمكن أن تلام أمريكا على ذلك. لكن الأمر المهم هو أن العرب لا يحق لهم لوم أمريكا على ذلك قبل أن يصححوا موقفهم من إسرائيل، بالاعتراف بها وقبول وجودها والاستعداد الجاد لحل مشكلة الحدود بينها وبين الفلسطينيين بالوسائل السلمية، والاستعداد للعيش معها في سلام. فموقف العرب الحالي من إسرائيل هو موقف غير عادل، وغير حكيم، ومخالف للقانون الدولي لأن العالم كله ملتزم بحماية إسرائيل التي أصبحت عضواً بالأمم المتحدة بعد أن قبلت مشروع التقسيم الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة سنة 1947 في حين رفضه الفلسطينيون وطفقوا يرددون من وراء جمال وعيده الفارغ برمي دويلة العصابات الصهيونية في البحر، وهو وعيد لم يرد به إلا بناء زعامته على المصريين وعلى العرب. ورغم أن بعض العرب قدم بعد أكثر من نصف قرن على نشوء المشكلة مبادرات تنطوي على الاعتراف بإسرائيل، إلا أن كثيراً منهم لا يزال يمجِّد اللاءات الثلاثة الخاطئة الفارغة: (لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل). ولعل صدام كان من أبرز هؤلاء، وهو لا قبل له بمحاربة إسرائيل، ولكنه التهويش الذي ساقه الآن لدخول حرب بدا فيها حتى الآن أضعف من المليشيات الصومالية التي واجهت الأمريكيين في مطلع التسعينات، وهو لم يزد على أن لوث أرض العراق باليورانيوم وعرَّض الشعب العراقي لمحنة كبيرة طويلة الأمد.

وما يقال عن العرب في أمر إسرائيل، يقال أكثر منه عن المسلمين، وذلك لأسباب شتى، منها أن المسلمين يقرؤون قوله تعالى على لسان موسى عليه السلام:- (يا قومِ ادخلوا الأرضَ المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين) سورة المائدة/21. إن على العرب والمسلمين أن لا يقنعوا باتهام أمريكا بالتآمر عليهم لصالح إسرائيل، بل عليهم قبل ذلك أن يصححوا موقفهم ويصلحوا أنفسهم. عندئذ فقط يمكنهم تصحيح موقف أمريكا وسوقها لإجبار إسرائيل على قبول حل سلمي وعادل ودائم بينها وبين الفلسطينيين وجيرانها الآخرين. أما الموقف الشعبي العربي والإسلامي الذي يتهم الحكومات بالضعف والتخاذل، فهو ينطلق من عاطفة وجهل بالمعلومات الأساسية. ولو قدِّر لبعض الجماعات المتحمسة المهووسة أن تمسك بالسلطة في البلدان العربية والإسلامية فإنها ستجر المنطقة إلى كوارث مثل الكارثة التي نزلت على العراقيين بسبب صدام. إن الوضع برمته يوجب التوعية الشعبية، وليس من سبيل لحل المشكلات بغيرها.

Post: #977
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 07-01-2008, 04:28 AM
Parent: #976


الأحداث الأخيرة توجب التعجيل بإنهاء قانون الغاب
الذي يحكم العلاقات الدولية

بقلم : طه أبو قرجة
1- واقعة العنف الأخيرة، التي جرت فصولها في الحادي عشر من سبتمبر الماضي (2001)، وراح ضحيتها أكثر من خمسة آلاف نفس بشرية، في مركز التجارة الدولي، والبنتاجون، بمدينتي نيويورك وواشنطون، بالولايات المتحدة الأمريكية، هي واقعة، على همجيتها ومأساويتها، يمكن أن نعتبرها هدية للبشرية المعاصرة برمتها، لتفهم منها مالم تستطع فهمه بدونها. فإذا فهمنا، نحن البشرية المعاصرة، ما ينبغي علينا فهمه، فإنه يرجى لنا أن نجعل من هذه الواقعة المؤسفة، واقعة العنف الأخيرة، في هذه الحقبة من حقب التاريخ البشري. وسيكون هذا الفهم هو الوفاء الحقيقي للضحايا الذين كتب عليهم أن يروحوا فداءاً لنا، جميعاً، في هذه الواقعة المؤسفة، وفيما كان قبلها. أما إذا لم نفهم، فإن هذه الواقعة، على همجيتها ومأساويتها، لن تعدو أن تكون مجرد نذير بين يدي نوازل تالية، يأخذ بعضها برقاب بعض، أخراها شر من الأولى. ونحن إنما سنفهم، إذا بحثنا في أسباب هذه الواقعة بعقول قوية، وواجهناها بخلق رصين. أما العقول القوية في هذا الإطار فتعني العقول التي تستطيع أن تنفذ إلى جوهر المشكلة فتدرك أصل أسبابها.. وأما الخلق الرصين فيعني أمانة الفكر، وشجاعة المواجهة، اللتين تعصمان صاحبهما من إنكار نصيبه من المسئولية، وتسوقانه للاعتراف بنصيبه من الخطأ، بلا مخاتلة، وتدفعانه للسعي لإصلاح خطئه، بلا مكابرة، ولا تردد.
2- معلوم، بالطبع، أن هذه الواقعة ليست الأولى التي نالت من الولايات المتحدة الأمريكية، في الفترة الأخيرة. فقد سبقتها أخريات. بيد أن معظم الوقائع السالفة، استهدف مصالح أمريكية فيما وراء الحدود الأمريكية. ولعل أكبر عملية عنف جرت داخل الولايات المتحدة، فيما سبق، هي عملية تفجير مبنى اتحادياً في مدينة أوكلاهوما في 1995، التي راح ضحيتها حوالي مائتي شخص. أما هذه الواقعة، فقد كانت جديدة، في أساليبها، وفي عدد ضحاياها. فهي قد استخدمت وسائل مدنية محضة لأغراض التدمير، بصورة غير مسبوقة. كما أنها حصدت أرواحاً كثيرة، وأحدثت خراباً واسعاً، بالبنى التحتية، وبالاقتصاد، فكانت بذلك أقرب إلى العمل الحربي منها إلى عمليات العنف المحدودة. وقد قال بعض المسئولين الأمريكيين أن أمريكا لم تواجه عملاً مماثلاً طيلة حربها الباردة مع الاتحاد السوفيتي السابق.
3- والحق أن في هذه الواقعة دلالة رمزية مزعجة، تلحقها بالنذارات. فهي قد نالت من مركز التجارة الدولي، الذي يعتبر رمز الحضارة الغربية الحاضرة.. والواقعة بهذا كأنما تقول لنا أن الخط الذي تسير فيه البشرية الآن، وهو خط الصراع والعنف والحرب، إنما يهدد بالدمار الحضارة كلها، وبالفناء البشرية نفسها. كما نالت الواقعة من البنتاجون، الذي يعتبر بمثابة عرين الأسد.. وهي بهذا تقول لنا أن الخط الذي تسير فيه البشرية الآن، من شأنه أن يفضي إلى وضع لا يكون فيه أحد بمأمن، وإنما ينال القويَ الدمارُ. هذه هي رمزية الواقعة، وهي عندي واضحة كل الوضوح، وإني لأرجو أن تكون واضحة عند من يباشرون إدارة الأمور، على نحو أفضل من هذا. ووقوع الواقعة بأمريكا، بما تملك من إمكانيات إعلامية، ووزن دولي، قد قيض لها أن تُصَوَّر، وتُعْكَس، ليراها الناس حول العالم، ويتابعوا أحداثها، وتطوراتها، وليكون عليهم واجب إزاء ما يحدث.
4- معلوم أن واقعة أوكلاهوما نفّذها مواطن أمريكي، من أصل أوروبي، ينتمي لجماعة مسيحية متطرفة. أما هذه الواقعة فقد نسبتها الأجهزة الأمريكية المختصة لمتطرفين إسلاميين، ذوي صلة بأسامة بن لادن، وبما يسمى بتنظيم القاعدة. وهناك تقارير من بعض الجهات الإسلامية شكَّكت في ذلك. ومن هذه الجهات، بل لعل على رأسها، صحيفة كيهان الإيرانية، التي نسبت الواقعة لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي، ولعسكريين أمريكيين متقاعدين، تضرروا من حرب فيتنام. وقد سمَّت تلك التقارير أولئك العسكريين، كما قالت أن السفارة الإسرائيلية بنيويورك قد وجَّهت الشركات "اليهودية" الكائنة بمركز التجارة الدولي بمغادرة المبنى قبل وقوع الواقعة، فلم يمت أي من موظفيها. وقالت تلك التقارير أن الأجهزة المعنية بالإدارة الأمريكية استدعت السفير الإسرائيلي للتحقيق معه في هذا الشأن، إلا أن أجهزة الإعلام الغربية عمَّت على الناس تلك الأنباء. (قيل لاحقاً أن غياب الموظفين اليهود ذلك اليوم سببه موافقة ذلك اليوم لعطلة يهودية). وقالت تلك التقارير أن هدف إسرائيل هو أن تُلْصَق الواقعة بالمتطرفين الإسلاميين، فتتحرك أمريكا وحلفاؤها لضرب بعض الدول الإسلامية، وضرب بعض الجماعات الإسلامية التي ظلت تقاتل في سبيل الحرية على نحو أقض مضاجع الإسرائيليين في فلسطين ولبنان، بحجة ضلوعها في هذه الواقعة، ولتجد إسرائيل تبريراً لعنفها بالفلسطينيين وغيرهم من العرب – قل المسلمين- في إطار صراعهم القائم منذ ما ينيف على نصف قرن. وقالت تلك التقارير أن إسرائيل نجحت في خطتها بالفعل، بسبب تأثيرها القوي على مراكز القرار الأمريكي، فلم تعدِّل أجهزة التحقيق عن انطباعها الأولي بأن العملية قام بها متطرفون إسلاميون، كما لم تبرِز وسائل الإعلام الأمريكية، والغربية، تلك الوقائع على النحو الواجب والمعقول. وقد حاولت تلك التقارير الاستفادة من التضارب البادي في ما أعلنته أجهزة التحقيق الأمريكية، كزجِّها بأسماء أناس مسلمين في المسئولية عن تنفيذ العملية، رغم أن بعضهم توفي قبل الواقعة بسنتين، ورغم أن بعضهم كان متواجداً خارج أمريكا لحظة الواقعة. كذلك قالت تلك التقارير أن قوائم المسافرين التي بادرت بنشرها شركات الطيران المالكة للطائرات التي نفذت بها العمليات لم تشتمل على أسماء الأشخاص الذين حمَّلتهم أجهزة التحقيق مسئولية تنفيذ العملية. (وهذه مسائل لا قيمة لها لأن المسافرين في الرحلات الداخلية لا يتم التحقق من هوياتهم، ولذلك ربما اتخذ بعضهم أسماء غير حقيقية). كما أشارت تلك التقارير إلى وقائع شتَّى، لدعم اتهامها جهات أخرى غير المتطرفين الإسلاميين، ومن ذلك قولها أن بعض منفذي العملية الذين كانوا يستهدفون الرئيس الأمريكي قد استخدموا شفرة سلاح الجو الأمريكي، وهي أمر عسير المنال للمتطرفين الإسلاميين، الذين لا صلة لهم بالجيش الأمريكي، والذين ليس لهم من علوم الطيران إلا بدايات بسيطة.
5- ربما كانت تلك التقارير "الإسلامية" خاطئة، ولا تهدف إلا لإثارة الغبار حول نتائج التحقيقات الأمريكية، احترازاً من خطوات الانتقام التالية في الحرب الطويلة المعلنة على الإرهاب، والتي لا يعرف أحد في العالم الإسلامي محتوى أجندتها بعد أفغانستان. لكن مهما تثير مثل تلك التقارير من ريب حول نتائج التحقيقات الأمريكية، فمما لا شك فيه أن جماعات الهوس الديني الإسلامية قد اتخذت من أمريكا خصوصاً، ومن الدول الغربية عموماً، عدواً أولاً لها منذ انهيار الاتحاد السوفيتي، قبل ما ينيف على عقد من الزمان. وقد نفّّذت هذه الجماعات هجمات عديدة على مصالح أمريكية، أو اتهمت بذلك، مما جعل اتهامها الآن بهذه الواقعة، ميسوراً. بل إن أكثر الناس، بما في ذلك المسلمون، أخذه كحقيقة مفروغ منها. ويلاحظ أن أسامة بن لادن نفسه لم يدن هذا العمل، وإنما أكَّد من جديد بأنه يستهدف المصالح الأمريكية داخل وخارج أمريكا، ولكنه نفى علمه بأن تكون هذه العملية، تحديداً، قد تمت على أيدي أفراد ذوي صلة به.
6- لقد استشاط الأمريكيون – حكومة وشعباً- غضباً من الواقعة، وشرعوا على الفور يتحدثون عن الانتقام، والقضاء على الإرهاب. ورغم أن المرء يشاطر الأمريكيين أحزانهم، ويتفهم دوافع غضبهم، إلا أن المرء يأمل أن تنقشع عنهم سحابة الغضب ليصفو لهم الفكر، ليهتدوا إلى جذور العنف، والتطرف، ليوجهوا معركتهم إلى المعترك الصحيح، حتى لا تضيع جهودهم وجهود حلفائهم هدراً، وحتى لا تستمر، وتتفاقم، دوامة العنف هذه.
7- يلاحظ أن دول أوروبا الغربية، وهي الحليف التقليدي لأمريكا، حين أكدت وقوفها بجانب أمريكا في حربها ضد الإرهاب، أبدت قلقاً وتساؤلات بشأن جدوى بعض الخطوات التي بدت أمريكا عازمة عليها في إطار إجراءاتها الانتقامية، كشن حرب على أفغانستان للقبض على بن لادن "حياً أو ميتاً". ولقد كان الرئيس الفرنسي جاك شيراك أكثر وضوحاً في هذا الجانب، حين قال أن وقوف فرنسا بجانب أمريكا في حربها ضد الإرهاب لا يعني أنها تقدم لأمريكا شيكاً على بياض، وإنما لابد أن تقنع أمريكا جماعة الحلفاء بجدوى أي خطوة تعتزمها في هذا الشأن. وجرت تساؤلات عديدة عن جدوى شن حرب للقبض على بن لادن في أحراش أفغانستان، التي دوخت الاتحاد السوفيتي، وعجَّلت بنهايته.
8- هنالك الآن ما يدعم الاعتقاد بأن أمريكا أصبحت أكثر استعداداً للاستئناس بوجهات نظر حلفائها الغربيين. ففي حين بدأت أمريكا تحركاتها العسكرية بوتيرة توحي بأنها ستضرب أفغانستان بعد أيام قلائل من الواقعة، عادت لتقول أن حربها ضد الإرهاب ستكون طويلة، وغير تقليدية، وأن عملياتها في أفغانستان لن تكون ضربة خاطفة. كما شرعت تحرِّك الشعب الأفغاني لمواجهة حكومته، وشرعت أيضاً في محاولة تجهيز بديل معقول لنظام طالبان، وبدت فعلاً وكأنها تخوض هذه الحرب بطريقة تختلف عن الطريقة الأمريكية التقليدية، حتى أن الملا محمد عمر، زعيم طالبان، أعلن أن شبح الضربة الأمريكية قد تلاشى، وأوقف حالة الاستنفار التي كانت قد أعلنتها طالبان وحشدت بها ثلاثمائة ألف مقاتل، حسب بعض التقارير. ويبدو أن أمريكا شرعت تتدارس الموقف مع حلفائها بتأنٍ ساقها لعدم الممانعة من ملأ الوقت بجهود سلمية، فوافقت على مساعي القس الأمريكي جيسي جاكسون السلمية مع طالبان، كما انتظرت جهود "رجال الدين" الباكستانيين لإقناع طالبان بتسليم بن لادن.
9- هذا العدول الأمريكي عن الخطوة الأساسية، وهي الضرب الفوري، لا يدعم فقط القول بأن أمريكا أخذت تعطي اعتباراً أكبر لآراء حلفائها، وإنما يدعم أيضاً القول بأن أمريكا أخذت تتخلص من غضبها وانفعالها، لتتعامل مع الحدث بذهن صاف. وكل هذا يعني أن هناك فرصة أكبر الآن لتسمع أمريكا وجهات نظر أخرى، من حلفائها، ومن غيرهم، لا سيما وأن الأمر متشابك، ويرتبط بأناس تفصلهم عن أمريكا، وحلفائها الغربيين، هوة نفسية، واجتماعية، وفكرية، عميقة. وهذا يعني أن يدلي كل صاحب رأي برأيه، في الأطر المتاحة، عسى أن تسهم الآراء العديدة (وليس بالضرورة المختلفة) في إضاءة رقعة أوسع من مسرح الأحداث.
10- ومما يؤكد أهمية إبداء الآراء أن إبطاء أمريكا من خطواتها لا يحمل دلالة واحدة هي النية في التعامل مع الحدث بصورة موضوعية بعيدة عن الانفعال، وإنما هو يحمل دلالة ثانية هي أشد إيلاماً من التعامل مع الحدث بانفعال لا حكمة فيه. إذ ربما كان هنالك ما يشير إلى بروز اتجاه لاستغلال هذا الحدث لتحقيق مكاسب اقتصادية، تحت غطاء كثيف من التضليل، ومن المتاجرة بالحدث، حتى لكأن بعضنا قد شرع يأكل في لحم ضحايا الواقعة المؤسفة قبل أن يدفنوا على النحو اللائق بهم. كل هذا يوجب العمل على وضع الواقعة في إطارها الصحيح، وقراءة دلالاتها، عسى أن يعمل التنفيذيون للاهتداء إلى أصل الداء، واجتثاثه، بدل التعامل مع الواقعة بصورة سطحية. ومن أجل وضع الواقعة في إطارها الصحيح، لابد من تركيز بعض الأمور في الأذهان :-
1) أول هذه الأمور هو أن هذه الواقعة لم تنشأ من فراغ، وأنها ليست حدثاً معزولاً، أو شاذاً ؛ وإنما هي، على سوئها وفداحتها، حلقة صغيرة في سلسلة العنف المتصلة التي طبعت علاقات المجموعات البشرية ببعضها حتى يوم الناس هذا. وهي ليست سوى نتاج طبيعي لممارسات طويلة من القهر، وإضاعة فرص التوعية، والظلم، والعنف الذي يمارسه الكبار على الصغار. فحتى مجتمعنا الحاضر، الذي أصبح مجتمعاً كوكبياً، لا يزال يقيم علائقه وفق قانون الغاب، الذي يعطي القوي حقاً لمجرد أنه قوي، ويسلب الضعيف حقه لمجرد أنه ضعيف. ورغم أن أمريكا قد شرعت منذ انهيار الاتحاد السوفيتي تتحدث عن النظام الدولي الجديد، إلا أنها لم تعمل إلا على ترسيخ النظام الدولي القديم، القائم أصلاً على قانون الغاب، وهي حتى اليوم لا تسعى إلا لتحقيق أكبر مصالح مادية ممكنة ولاستحواذ أكبر موارد ممكنة فيما وراء البحار، مستفيدة من مزية تفردها بالقوة والمنعة، بعد انهيار منافسها العنيد. فليس هناك من نظام دولي جديد، حتى الآن، وإنما هو النظام القديم. فالنظام الدولي الجديد يقوم على قانون الإنسانية، حيث الحق هو القوة، بعد أن كانت القوة هي الحق في فترة قانون الغاب- فترة النظام الدولي القديم. هذه هي سمة النظام الدولي الجديد، وهو نظام لم يدخل حيز الوجود بعد. وليس هناك من واجب على كل الساسة، وكل الأفراد، من كل الشعوب، هو أعظم من العمل على إدخال المجتمع البشري برمته مرحلة قانون الإنسانية- مرحلة النظام الدولي الجديد بحق. وواقعة التفجيرات الأخيرة يمكن أن تعين الذكاء البشري الحاضر على الإصرار على دخول مرحلة قانون الإنسانية، حيث يستغني الضعفاء والأقوياء، معاً، عن العنف، لعدم الحاجة إليه، حيث يحال حسم الحقوق إلى القانون الدولي العادل، مثلما تحال نزاعات الأفراد إلى القانون العادل في إطار الدولة الواحدة. ومن أجل ذلك، فإن التعامل الجاد مع هذه الواقعة يجب أن لا يقف عند حدود ملاحقة المسئولين المباشرين عنها، ومعاقبتهم، وإنما يجب أن يتعدى ذلك لفحص أصل المشكلة، والعمل على علاجها.
2) ثاني هذه الأمور هو أن ما يسمى اليوم بالإرهاب، إنما هو، في أكثر الأحيان، حيلة الضعيف مع القوي في عالم يحكمه قانون الغاب. فالمجموعات القوية الآن تباشر الحرب الإعلامية، والدبلوماسية، والاقتصادية، بل والعسكرية، لتحقيق مصالحها بالقوة الغاشمة.. هذا في حين أن المجموعات الضعيفة لا تجد حيلة سوى القيام بأعمال العنف المحدودة، التي يباشرها بعض الأفراد والمنظمات الصغيرة، يستهدفون بها، في غالب الأحيان، الأبرياء، لعدم قدرتهم على مواجهة آلة حرب الأقوياء. ويتم استهداف الأبرياء حيناً بدافع الانتقام من مجتمعات الأقوياء، وحيناً آخر بدافع لفت أنظار المجتمع الدولي للمظالم التي ترزح تحتها المجموعات الضعيفة تحت سطوة المجموعات القوية، وبالدافعين في أغلب الأحوال. ولذلك فإن التعامل مع عمليات العنف بطريقة الانتقام والضربة المضادة، دون بحث الدوافع، والوصول لجذور العنف، إنما هو محض تكريس لقانون الغاب، وسيكون له أسوأ العواقب. فالاتجاه الجاد يوجب القضاء على أمرين في ذات الوقت: أحدهما شبح الاستغلال والهيمنة والحرب التي تباشرها المجموعات القوية على المجموعات الضعيفة، وثانيهما شبح الإرهاب والعنف المنظم الذي تباشره المجموعات الضعيفة على المجموعات القوية. فإن الأقوياء إن لم يفعلوا ذلك، كانوا من المطففين، "الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون". فلابد إذن من إقامة الوزن بالقسط.
3) ثالث هذه الأمور هو أننا جميعاً، أفراداً، وجماعات وحكومات، مسئولون عن ما وقع. فالمسئولية لا تقتصر على المنظمات التي خططت للعملية، ولا على الدول التي رعت تلك المنظمات، ولا على الأفراد الذين نفذوها، ولا على الأجهزة الأمنية الأمريكية المقامة أصلاً لاستشعار مثل هذه الهجمات والاحتراز منها (بسبب أي تقصير ربما وقع في الاحتراز من الهجمة أو تقليل ضحاياها). إن حصر المسئولية في هذه الأطر الضيقة، يعني محاولة علاج المشكلة بوسائل عسكرية وأمنية محضة. وهذا تناول قاصر، سيكون له أسوأ العواقب على السلام العالمي. إن هذه الواقعة هي مسئولية كل فرد بشري على وجه الأرض، على تفاوت بين الناس في المسئولية. وسأتعرض لاحقاً لأهم وجوه هذه المسئولية. وإنما يكفي هنا أن أقول أن اشتراك الكافة في المسئولية، يعني أن أفضل طريق لمعالجة الأزمة هو أن يرجع كل طرف إلى نفسه، وكل فرد إلى نفسه، ليفحص مسئوليته، ويرى ماذا عليه أن يفعل للإسهام في اقتلاع جذور العنف، بين الأفراد، والجماعات، والدول.. ثم يلتقي الأطراف ليصبوا مجهوداتهم في مجرى واحد. هذا سيكون أفضل بكثير من ما نراه الآن من ازورار كل طرف عن فحص مسئوليته والإقرار بها، والاتجاه، بدلاً من ذلك، إلى إلقاء المسئولية بكاملها على الطرف الآخر. فهذا الاتجاه الخاطئ، والخطير، يعني أن لا طرف سينهي مساهمته في دورة الإرهاب والعنف. كما هو يعني أن المواجهة المستقبلية قد بدأت منذ الآن.
4) رابع هذه الأمور هو أن الزعماء التقليديين بكافة أنماطهم، ومؤسسات صناعة القرار السياسي التقليدية، في كافة المعسكرات، قد تحاول، لاعتبارات شتى، صرف الناس عن مراجعة الفهوم القديمة، والسياسات القديمة، التي لا تزال مستحكمة. ومن أجل ذلك، يجب أن يحرص الأفراد العاديين، رجالاً ونساء، من الشعوب كافة، على فحص ما يدور، وعلى مراقبة ما يقال، وما يفعل، رقابة لصيقة، لأن الأفراد العاديين هم الذين يدفعون الثمن دائماً. فمركز التجارة الدولي لم يمت فيه وزراء، ولا ساسة، ولا أصحاب نفوذ ؛ وإنما مات، في الغالب، رجل الشارع العادي المغمور، وامرأة الشارع العادية المغمورة، ممن لا يعرفهم إلا ذووهم، ودوائر ضيقة من أناس عاديين مغمورين حولهم. ولتبيين ذلك، تكفي الإشارة إلى أن حصيلة المفقودين المضافين إلى قائمة الضحايا قد ارتفعت قبل يوم الثامن والعشرين من سبتمبر إلى حوالي سبعة آلاف شخص، ولكنها عادت يوم الثامن والعشرين إلى ما يزيد قليلاً عن الخمسة آلاف شخص، بعد أن تبين أن قرابة ألفين من الذين يعملون في مركز التجارة الدولي هم في إجازات خارج أمريكا، وليسو تحت الأنقاض. فإذا كان قرابة ألفين من شاكلة من قتلوا في مركز التجارة الدولي هم ممن لا يعرف الناس مكانهم، إلى أن يعودوا بأنفسهم، فبوسعنا أن نتصور بساطة وعادية أكثر أولئك الضحايا المساكين، وكيف انهم لا ناقة لهم ولا جمل في صراع المصالح المرير، هذا الدائر في الساحة الدولية. مثل هذا النوع من البسطاء، العاديين، هو الذي يروح ضحية في كل مكان. ففي العراق لم يمت صدام حسين، ولا أي من أفراد عصابته، وإنما ظل يموت البسطاء العاديون، بالقنابل، وبالسرطان، وبنقص الدواء، ونقص الغذاء. وهكذا، ففي العالم الديموقراطي يموت الناس العاديون، وفي العالم المكبوت يموت الناس العاديون. وهذا يعني أنهم، حيث كانوا، هم أصحاب الوجعة الحقيقية مما يدور.. وأنهم، حيث كانوا، هم أصحاب المصلحة الحقيقية في إدارة الأمور على نحو مختلف.
5) خامس هذه الأمور هو أن أي اتجاه لحصر دوافع هذه العملية (هذه الواقعة) في الهوس الديني فقط، هو اتجاه خاطيء. وبذات القدر، فإن أي اتجاه لحصر دوافع هذه العملية في خطأ سياسة أمريكا الخارجية في منطقة الشرق الأوسط وغيرها، هو أيضاً اتجاه خاطيء. هذان العاملان مسئولان، معاً، عن هذه الواقعة. أما مسئولية سياسة أمريكا الخارجية، فظاهر ويتحدث عنه كثير من الناس الآن. وأما مسئولية الهوس الديني عن الواقعة، فتتجلى في أن جماعات الهوس الديني تستهدف أمريكا أصلاً، لمجرد أنها دولة غير إسلامية. وتسمية الخميني لها بالشيطان الأكبر تكاد تكون لا صلة لها بمظالم سياستها الخارجية، وإنما لأنها أكبر غير المسلمين. وبوسعنا أن نرى أن جماعة الإخوان المسلمين، في السودان على أيسر تقدير، كانت منذ زمن طويل، سابق لانهيار الاتحاد السوفيتي، تنشد شعراً يرد فيه:-
أمريكا، روسيا قد دنا عذابها علـيَّ إن لاقيتها ضرابها
وبيت الشعر بهذا النحو إنما هو تصحيف لشعر الصحابي عبد الله بن أبي رواحة يوم موقعة مؤتة، بين المسلمين والروم، حيث قال من بين أبيات أخرى:-
والروم روم قد دنا عذابها علـيَّ إن لاقيتها ضرابها
والإخوان المسلمون إنما كانوا آنئذ يشيرون باسم روسيا إلى الاتحاد السوفيتي، الذي كان صديق العرب المسلمين في إطار مشكلة الشرق الأوسط. ولكن جماعات الهوس كانت تتربص به العذاب لسبب آخر غير سياسته الخارجية، وهو كفره. وهو ذات السبب الذي كانوا، وما زالوا، من أجله يتربصون بأمريكا العذاب. ومن عجبٍ أن أمريكا كانت غافلة عن ذلك، فتعهدت تلك الجماعات المتخلفة في كافة أصقاع العالم الإسلامي، لتعينها في حربها الباردة ضد الشيوعية، وهي لا تدري أي ضبع أدخلت في بيتها. واستهداف هذه الجماعات المهووسة لغير المسلمين، مسألة عتيدة في الفهم الديني السلفي الذي تقوم عليه هذه الجماعات، وتسعى لتطبيقه في الواقع العملي. هذه الجماعات تعتقد أن حربها على غير المسلمين يجب أن لا تتوقف إلا من أجل زيادة الاستعداد لها. وهم كثيراً ما يقرؤن الاية الكريمة:- "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم". وقد سبق للرئيس السوداني عمر البشير أن قرأ هذه الآية الكريمة في خطاب جماهيري مذاع ومتلفز، وقال أننا مطالبون بإرهاب الكافرين. هذه الجماعات ليس لديها لغير المسلمين إلا الحرب، وإنما يختلف شكل الحرب باختلاف قدرة الخصم. فحين يكون الخصم ضعيفاً، كشأن غير المسلمين في السودان، تأخذ الحرب طابعاً علنياً شاملاً، يُقْتَل فيه الناس بمئات الألوف. أما حين يكون الخصم متطوراً ومدججاً بالسلاح، كأمريكا، فإن الحرب تأخذ شكل عمليات العنف، مثل هذه العملية.
6) سادس هذه الأمور هو أن أمريكا، والدول الغربية عموماً، بدأت تعاني من الهوس الديني الإسلامي بعد وقت طويل من معاناة العالم الإسلامي منه. بل أن الهوس الديني قد ارتخص أرواح الناس في العالم الإسلامي في وقت كانت أمريكا، على وجه التحديد، تسانده، وتدعمه، كحليف استراتيجي في حربها الباردة. ومعلوم إن بن لادن وطالبان، الذين تحِّملهم أمريكا الآن مسئولية هذه الواقعة، هم، إلى حد ما، صناعة أمريكية.
11- قلت آنفاً أن أمريكا، والدول الغربية عموماً، بدأت تعاني من الهوس الديني الإسلامي بعد وقت طويل من معاناة العالم الإسلامي منه. كما قلت إن الهوس الديني قد ارتخص أرواح الناس في العالم الإسلامي في وقت كانت أمريكا، على وجه التحديد، تسانده، وتدعمه، كحليف استراتيجي. والأمثلة على هذا عديدة. فعندنا نحن في السودان، قام الرئيس الأسبق جعفر نميري، بعد تحالفه مع تنظيم الإخوان المسلمين بقيادة حسن الترابي، باغتيال الأستاذ محمود محمد طه علناً في ساحة عامة بتهمة الردة عن الإسلام. وقد رأت أمريكا يومئذ أن لا تتدخل لإيقاف ذلك العمل المشين، رغم كل نفوذها لدى دوائر صناعة القرار السوداني يومئذ. ولقد قال وزير الخارجية البريطاني بعد الاغتيال أنه لا يعرف الأستاذ محمود، ولا أفكاره، لكن قتله بهذه الصورة لمجرد تعبيره السلمي عن آرائه إنما هو عمل يحط من قدر أي إنسان على وجه الأرض. لكن أمريكا كانت يومئذ مشغولة أكثر باستثمارات شركاتها في البترول السوداني، وغيره من الموارد المعدنية، وغير المعدنية، فاجترحت ما يمكن أن يوصف بأنه موافقة على ذلك العمل المشين، حين اتفقت مع نميري أن يعدم الأستاذ محمود لوحده، ولا يعدم تلاميذه، المتهمون معه. ويمكن للمرء أن يرى بذلك أن أمريكا، إن كانت تهتم بحقوق الإنسان الأمريكي، فإنها لا تقيم أي قيمة، ولا وزن، ولا حق، للإنسان غير الأمريكي. كما لا يخفى أيضا،ً أن أمريكا كانت يومئذ ترضِي جماعات الهوس الديني، وبخاصة جماعات الإخوان المسلمين، وتعطيها ما تريد، بعد أن اتخذتها حليفاً استراتيجياً لمواجهة الخطر الشيوعي في العالم الإسلامي، ليس بالفكر، وإنما بإثارة العواطف الدينية الساذجة الناضبة، وبالبلطجة التي تمارسها بالعصي والسيخ في الجامعات والمعاهد والمنتديات العامة، وبالإرهاب الفكري، والجسدي، بكل صنوفهما، وبتصفية الخصوم. ويكفي لتبيين خطل الموقف الأمريكي أن الرئيس السوداني الأسبق، النميري، قد زار أمريكا بعد حوالي شهر من فعلته الشنعاء تلك، وحظي بترحيب الرئيس الأمريكي رونالد ريقان في البيت الأبيض. ولقد ظلت كثير من الأنظمة العربية والإسلامية، في منطقة الشرق الأوسط، وغيرها من الأنظمة القمعية في مناطق أخرى من العالم، تنكِّل بشعوبها، وتعرقل تطورها لعقود طويلة، وهي تنعم بمساندة أمريكا، التي اعتبرتها أنظمة حليفة لها. وأمريكا بذلك تعتبر، لدى الدقة، شريكة في كل الفظائع التي ارتكبتها هذه الأنظمة. هذه الأنظمة المتخلفة، وهذه المساندة الأمريكية الجائرة، هما الوالدين الشرعيين للمسخ الذي انطلق الآن يهدد تلك الأنظمة، ويهدد أمريكا نفسها. وبوسعنا أن نرى أن تلك الأنظمة التي كانت توصف حتى قبل حوالي عقدين من الزمان بأنها أنظمة متخلفة، باتت الآن توصف بالأنظمة المعتدلة. وما ذاك إلا لأن العلاقة المشؤومة بين تلك الأنظمة وأمريكا، قد أنجبت هذا الجهل المستشري، وهذا الهوس المستطير.
12- الإشارة الفائتة إلى ضلوع أمريكا في كثير من صور خرق حقوق الإنسان حول العالم، بمساندتها أنظمة قمعية، يجب أن لا تفهم بأنها صورة من الشماتة. فهي، لاعتبارات عديدة، أبعد ما تكون عن ذلك. هذه الإشارة، ببساطة، ترمي إلى التنبيه لحقيقة بديهية، هي أن إيثار المصلحة على المبدأ يجلب دائماً عواقب وخيمة. فأمريكا قد شاءت يومئذ أن تؤثِر مصالحها على قيم مبدئية، كحقوق الإنسان.. كما شاءت أن لا تولي الإنسان غير الأمريكي بعض كرامته الإنسانية التي يستحقها.. وهاهي الآن تجني ما بذرت. وقديماً قال السيد المسيح عليه السلام:- "من أخذ بالسيف، بالسيف يؤخذ"، وقال النبي محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام : "كما تدين تدان". ومن أجل ذلك، على أمريكا أن تكتسب حكمة من التجربة الماضية، التي آثرت فيها المصلحة على المبدأ، فعادت بالوبال على شعوب أخرى قبل أن تعود بالوبال عليها هي نفسها، داخل أرضها. والحكمة التي ينبغي أن تكتسبها هي أن تحترم حقوق الإنسان في كل مكان، حتى يحترم حقَ مواطنيها كلُ الناس من كل مكان. وآية اكتسابها الحكمة، هي أن تلتزم المبدأ، والقيمة، منذ الآن، وقبل فوات الأوان، فلا تنساق وراء من يحاولون "استثمار" هذه الواقعة المؤسفة للإمعان في السير في الطريق القديم، لكسب مصالح وقتية ضيقة، تزيد من عمق الأزمة القائمة أصلاً، وتجرنا إلى فصول أكثر مأساوية من هذه الرواية الحزينة. فهناك الآن من يحاول أن يصرف نظر الأمريكيين عن البحث عن نصيبهم من مسئولية ما جرى، ويصور لهم أن ما جرى ليس سوى هجمة من عالَم همجي يجب أن يناله الانتقام، وأنه ليس هنالك أمر مطلوب سوى الردع العسكري، والتدابير الاستخباراتية، والمضي قدماً لاستحواذ أكبر قدر ممكن من موارد العالم الاقتصادية، وإحكام السيطرة على أكثر شعوب العالم بالعصا الغليظة، وباستغلال الحاجة المادية للشعوب، وبالتواطؤ مع أنظمة محلية متخلفة وفاسدة، ومع كيانات أقليمية تتقاسم المصالح المادية مع أمريكا. وسأتعرض لمثل هذه المحاولات بعد قليل.
13- لقد تابعْتُ في محطة التليفزيون البريطانية (بي بي سي) استطلاعاً مع مديرة روضة أطفال أمريكية صباح الثالث عشر من سبتمبر، قالت فيه أنهم في رياض الأطفال والمدارس الأمريكية، باتوا بحاجة ماسة إلى طمأنة الأطفال، وإلى الإجابة على سؤال ملح ومتواتر من جانبهم، إذ يتساءلون: "لماذا أمريكا؟"، "لماذا نحن؟"، ماذا فعلت أمريكا لهؤلاء؟". هذا سؤال بسيط، وبديهي، وعميق. وقد جرى على ألسنة الأطفال الأبرياء، بدون تعمُّل أو تعمُّق، وإنما هي الفطرة. هذا السؤال يجب أن يسأله كل الشعب الأمريكي لنفسه، ولصانعي قراراته السياسية، وبصورة خاصة السياسة الخارجية، والسياسة الاقتصادية. وعلى الشعوب الغربية الأخرى أن تسأل نفسها وحكوماتها أيضاً. وأي محاولة لتفادي هذا السؤال اليوم، لن تقود إلا لتراكم مزيد من الأسباب والأحقاد التي كان لها دور في وقوع هذه الكارثة. ومن المؤكد أن التراكم الإضافي سيجعل المستقبل أشد قتاماً، وأحداثه أشد فظاعة.
14- مثلما يجب أن تسوق هذه الواقعة الشعب الأمريكي، والحكومة الأمريكية، للوقوف على مقدار مسئوليتهم عن ما جرى، فإنها يجب أن تسوق جهات عديدة أخرى إلى معرفة مقدار مسئوليتها، وإلى مواجهة نفسها بعدد من الأسئلة، التي قد تكون صعبة. فالجهات الآتية يجب أن تواجه نفسها بالأسئلة التالية:-
· أعضاء منظمات الهوس الديني يجب أن يسألوا أنفسهم : أليس من الممكن تحقيق غاياتنا بوسائل لا تزهق الأرواح على هذا النحو، أو على أي نحو آخر اقل بشاعة؟ وهل الجهاد الأصغر هو كلمة الله لنا اليوم؟ وهل تستحق البشرية المعاصرة أن نواجهها بالجهاد الأصغر كما واجه أسلافنا بشرية الأمس بالجهاد الأصغر؟ أم أن رفع لواء الجهاد الأصغر اليوم هو مفارقة دينية وأخلاقية قبل أن تكون مفارقة حضارية؟
· المسلمون العاديون يجب أن يسألوا أنفسهم : هل لدينا فهم للإسلام أفضل من الفهم الذي تقوم عليه جماعات الهوس الديني، أم أننا نستوي مع جماعات الهوس الديني في الجهل بالدين في حين تتفوق جماعات الهوس الديني علينا بأنها نشطة وتطبِّـق قناعاتها؟ وما هي مسئوليتنا تجاه تخليص أعضاء جماعات الهوس الديني من شرور أنفسهم وتخليص العالم من سيئات أعمالهم؟
· جماعات العنف السياسي بكافة صوره ومرتكزاته الأيديولوجية والدينية، يجب أن تسأل نفسها أيضاً: هل من الممكن تغيير أساليبنا لتكون أساليب سلمية وناجعة؟
· الحكومات، وبصورة خاصة حكومات الدول الكبرى، التي تنفق على وسائل الحرب أضعاف ما تنفق على مرافق التعمير، يجب أن تقف لتتساءل : هل هناك من جدوى لمواصلة إقامة العلائق الدولية وفق قانون الغاب، الذي يعطي القوي ما ليس حقه، ويسلب الضعيف حقه، خصوصاً في ضوء تطور، وسهولة، وسرعة انتشار، وامتلاك، وسائل، وأسلحة، الدمار الحديثة؟ أليس من الممكن تطوير أجهزة الأمم المتحدة لتكون أكثر قدرة على حسم الخلافات والنزاعات وفق قانون دولي عادل، بدل الدبلوماسية وصراع القوى والحرب؟
· الأفراد ومنظمات المجتمع المدني داخل الدول الديموقراطية (الغربية) التي حققت حظوظاً كبيرة من الحقوق المدنية والسياسية وحقوق الإنسان يجب أن يسألوا أنفسهم : هل يصح لنا إغفال ما تجترحه حكوماتنا من انتهاكات لحقوق الإنسان في الدول النامية حتى لكأننا نوافقها الظن بأن إنسان الدول النامية ليس بإنسان؟
15- هذه هي الأسئلة التي يحتاج كل فريق أن يوجهها إلى نفسه بشجاعة، وأن يجيب عليها بوضوح، وبأمانة. فإذا تم ذلك، فإن كافة الأطراف يمكن أن تلتقي لتنسق مجهوداتها لإنهاء أسباب العنف الدائر على وجه الأرض. أما ما يجري الآن من عمل غير مسئول، يلقي فيه كل طرف بالمسئولية كاملةً على الطرف الآخر، فيعني أننا نسير في الطريق القديم، ويعني أن المشكلة ستظل قائمة منغير حل، وأن مرارات جديدة ستضاف عليها، لنستعد لمرحلة جديدة من العنف المتبادل في وقت لم تعد أسلحة الدمار تسمح بمزيد من المواجهات والصدامات. ولربما يحسن هنا أن ألقي ضوءاً على مواقف الجهات المختلفة في مواجهة مسئولياتها، والأسئلة الحائرة المتعلقة بها.
16- ليس هناك ما يشير إلى أن جماعات الهوس الديني طرحت على نفسها أي من التساؤلات التي يجب أن تطرحها على نفسها. ونظراً لأن هذه الجماعات هي أصلاً ضعيفة الفكر، وأفرادها يعيشون خارج وقتهم، فلا يكاد يرجى منهم مراجعة مفاهيمهم أو أساليبهم بسبب أثرها الفادح على الآخرين. فهم لا يشعرون بمقدار ما يلحقونه بالآخرين من أذى، ولا يهتمون لذلك، بل قد يفخرون به. لكن هذه الجماعات تفهم بصورة مناسبة إن وقعت عليها هي آثار فعلتها. ولذلك فمما لا ريب فيه أن الإجراءات الأمنية التي شرعت فيها أمريكا والدول الغربية، والمتمثلة في معاقبة الدول التي تدعم هذه الجماعات، وملاحقة قيادات هذه الجماعات في تلك الدول، وملاحقة عناصر هذه الجماعات، وحرمانها من الملاذات الآمنة، خصوصاً في أمريكا وأوروبا، وتجفيف مواردها المالية - كل ذلك- قد أشعر هذه الجماعات، بعد فوات الأوان، بأنها حين حسبت القوة التدميرية لطائرات البوينج، فات عليها أن تحسب أثر مثل هذه العملية عليهم، وعلى فرص وجود عناصرهم في أوروبا وأمريكا، تحت ستار اللجوء السياسي والتدابير الإنسانية الحديثة، التي يتربصون بها، والتي استغلوها، بلا حياء، أبشع استغلال.
17- بخصوص المسلمين العاديين، فبالمثل ليس هنالك ما يشير إلى أن أفراداً أو جماعات منهم قد اتجهوا لمواجهة الأسئلة التي تخصهم في هذا الصدد. وباستطلاع بسيط لمنابر الحوار بالإنترنت، يمكن للمرء أن يلاحظ أن الاتجاهات الغالبة في حوارات المسلمين تتمثل في الآتي:-
· الناشطون المقيمون داخل العالم الإسلامي مهتمون بتأليب الشعوب الإسلامية ضد الحملة الأمريكية المرتقبة، وأحياناً يعلنون عن فتح باب التجنيد لمؤازرة طالبان. وكذلك هم يحرضون الشعوب الإسلامية ضد اتجاه بعض الحكومات العربية والإسلامية لمساندة أمريكا وحلفائها في ضرب أفغانستان أو غيرها من الدول الإسلامية. وبعض هؤلاء يجهر بتبرير عملية التدمير بنيويورك وواشنطن، بحجة أن الغربيين لم يترددوا في قتل الأطفال والنساء في العراق وفلسطين وغيرهما. وبعضهم يدين هذه العملية، فقط لأنها نالت من مسلمين ونساء وأطفال.
· المقيمون بالدول الغربية مهتمون غالباً بحماية أنفسهم من الهجمات الانتقامية التي باتوا يتعرضون لها من المتطرفين الغربيين. وهؤلاء يحرصون على التأكيد بأن الإسلام ضد العنف تماماً، وبالتالي يتجهون إلى إدانة عملية التدمير بنيويورك وواشنطن باعتبارها عملية عنف، بصرف النظر عن أنها نالت من مسلمين ونساء وأطفال. ويتحدث أكثر هؤلاء بجهل تام عن الإسلام، ويحاول بعضهم تهدئة خواطر المحاورين الغربيين، بإبداء ضروب ساذجة من الاستبشار بنتائج الضربات الأمريكية المرتقبة، وبالدعاء بالنصر لأمريكا. ورغم أن المرء يقدِّر دوافع أمثال هؤلاء، ويشعر نحوهم بالرثاء، إلا أن المرء يخالجه شعور قوي بأنهم لو كانوا في باكستان، لكانوا في قلب المظاهرات التي تتوعد أمريكا إن هي ضربت أفغانستان.
· أكثر الذين يدينون عملية التفجير بحجة أنهم يرفضون العنف، يتفادون السؤال: كيف ترفضون العنف في حين أن الشريعة الإسلامية تأمر بجهاد المشركين وأهل الكتاب؟ وهم إنما يتفادون السؤال لأنهم، في قرارة أنفسهم، يدركون ذلك، ولكن القول بذلك في الوقت الحاضر له تكلفة أدبية وسياسية باهظة. أما الذين لا يتفادون هذا السؤال، فيقولون أن حروب الإسلام كانت دفاعية فقط. وجهل هؤلاء بالإسلام، وبالثقافة الدينية الموروثة، ظاهر جلي.
· الذين يدينون عملية التفجير لأنها نالت من مسلمين ونساء وأطفال، يتفادون مناقشة أن الشريعة الإسلامية تأمر بجهاد المشركين وأهل الكتاب، وأنها قسَّمت الأرض إلى دار إسلام ودار حرب، وأوجبت على المسلمين عدم العيش في دار الحرب، وإلا أصبح دمهم هدرا. كما يتفادون الرد على القول بأن طبيعة الأسلحة المعاصرة، وطبيعة عملية نيويورك، تجعل من غير الممكن التمييز بين من يجوز قتله جهاداً، ومن لا يجوز. ومثل هذه النقاط تساق لتوضِّح للمسلمين السلفيين أن الشريعة الإسلامية الموروثة لا تكفي كأساس لإدانة هذه العملية، وأن حججهم هذه ضد العملية هي حجج داحضة بمقاييس الشريعة الإسلامية، ومن الأفضل لهم تأسيس إدانتهم للعملية على أساس إسلامي أحسن من الشريعة. ومن الواضح أن المسلمين المعاصرين لم يدركوا حتى الآن أن طبيعة الأسلحة الحديثة نفسها توجب إعادة النظر في مشروعية الجهاد في الوقت الحاضر. فطبيعة الأسلحة الحديثة، تجعل من غير الممكن الانطباق على ضوابط الجهاد التي تنهى عن قتل غير المحاربين، كالنساء والأطفال، والرهبان، والأجراء، ومن هم في حكمهم. فالمقاتل بالمدفع والطائرة وغيرهما من وسائل الحرب الحديثة، لا يمكنه أن يميِّز بين المحارب وغير المحارب، مثلما كان ممكناً لصاحب السيف والرمح أن يميِّز. لكن ليس هناك أي تدبُّر من جانب المسلمين المعاصرين، لإدراك موقوتية شريعة الجهاد الأصغر. وما يسوقونه الآن من منابرهم المختلفة من إدانة لهذه العملية، إنما هو لعدم رغبتهم في ربط هذه العملية المؤسفة بالجهاد الإسلامي، لأن تكلفتها الأخلاقية والسياسية باهظة، كما سلف القول.
· الاتجاه الغالب بين المسلمين هو نقد السياسة الخارجية الأمريكية الخاصة بمشكلة الشرق الأوسط باعتبارها هي وحدها المسئولة عن ما وقع، دون التعرض لمسئولية العالم العربي والإسلامي، التاريخية، عن استمرار هذه المشكلة دون حل. فهم لا يذكرون مثلاً أن العرب قد أخطأوا حين رفضوا مشروع التقسيم الذي أقرَّته الأمم المتحدة سنة 1947 وقبلت به إسرائيل، وأنهم ظلوا إلى وقت قريب يقولون أن صراعهم مع إسرائيل هو صراع وجود وليس صراع حدود، وأن زعيماً كعبد الناصر ظل يعلن أن هدفه هو رمي إسرائيل في البحر.
· يلاحظ أن أكثر الدول الإسلامية والعربية ترددت أو أحجمت عن إعلان مساندتها لأمريكا في حربها ضد الإرهاب. فقد ظل موقف السعودية، على سبيل المثال، مرتبكاً لأيام. أما الرئيس المصري حسني مبارك فقد حاول تفادي الحرج بقوله أن أمريكا لم تقدم أدلة على تورط أفغانستان أو بن لادن. وإذا تذكرنا أن الرئيس المصري قد اتهم الحكومة السودانية بمحاولة اغتياله في أديس أبابا سنة 1995 ، بمجرد هبوطه من الطائرة بالقاهرة، وقبل أن تبدأ إجراءات التحقيق بأثيوبيا، لأدركنا أن الإحجام الحالي سببه الخوف من القلاقل التي يمكن أن يحدثها المهووسون الدينيون في مصر. ومعلوم أن الجماعات الإسلامية المتطرفة تمسك بيدها أكثر النقابات، والمرافق، وتستطيع أن تثير قلاقل واسعة على طول البلاد. وينطبق ذلك على أكثر الدول الإسلامية. إن الدول الإسلامية لم تتردد في الوقوف مع أمريكا والتحالف الغربي لإخراج العراق من الكويت، وذلك لأن الكويت المعتدى عليها دولة إسلامية. والقاعدة الشرعية في هذا الجانب يحددها قوله تعالى (وإن طائفتان من المؤمنين بغت إحداهما على الأخرى، فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله). لكن المعتدى عليه اليوم، وهو أمريكا، ليس مسلماً. ومن أجل ذلك فإن الدول الإسلامية اليوم تخشى أن تقوم جماعات الهوس الديني بإثارة شعوبها السلفية عليها، إن هي ساندت أمريكا في حملتها ضد أفغانستان. فالمنطق السلفي يقول لهم إنكم إن لم تقوموا بواجبكم في ضرب أمريكا، فليس أقل من أن تمتنعوا عن مساندة أمريكا التي تنوي الآن ضرب أفغانستان انتقاماً.
· إن هذه الواقعة قد وضعت الفهم السلفي للإسلام تحت دائرة الضوء. وإذا لاحظنا حرص الدول الإسلامية على تبرئة الإسلام من العنف، على لسان رجال الدين الرسميين، لأدركنا أن كثيراً من المسلمين المعاصرين يشعرون بأزمة عميقة في الفهم السلفي للإسلام، ويدركون أن بعض صور الشريعة الإسلامية (كالجهاد الأصغر) لا تصلح اليوم، ولكنهم لم يهتدوا إلى فهم من الإسلام يحل لهم هذه المعضلة العويصة. ومثلما سلطت هذه الواقعة الضوء على أزمة الفهم السلفي للإسلام، فإنها سلطت الضوء على تخلف الفلسفة البراجماتية الأمريكية، وبالخصوص تطبيقاتها في السياسة الخارجية، عن مقتضيات تحقيق السلام في هذه الفترة الحرجة من تطور الحضارة الإنسانية. إن هذه الواقعة تبين أن الفهوم القديمة والفلسفات القديمة قد وصلت بالبشرية إلى نهاية الطريق المسدود، وليس فيها ما يمكن أن يعين البشرية على خدمة هذه المرحلة من تاريخها، وأن على البشرية أن تبحث عن فهم جديد قمين بتحقيق السلام على الأرض. ومع أن رسالة هذه الواقعة واضحة في هذا الشأن، إلا أن المعالجات السياسية الحاضرة لهذه الأزمة ستشغل الناس عن صب اهتمامهم على جذور أزمة الفكر التي يرزح تحتها المعسكران.
18- بخصوص حركات الإصلاح السياسي وحركات التحرر، فليس لدى أدنى فكرة عن أن أي حركة إصلاح سياسي أو حركة تحرير قد قادتها هذه الأحداث لإعادة النظر في وسائل العنف. ويلاحظ أنه برغم أن هناك تجارب قريبة تؤيد إمكانية تحقيق الأهداف السياسية بالوسائل السلمية، كمحو النظام العنصري في جنوب أفريقيا، في حين فشلت الوسائل العسكرية كما في حالة القضية الفلسطينية ، فإن هناك تجارب أخرى تؤيد القول بأن الوسائل العسكرية أثبتت فعاليتها في حالات أخرى. لكن من المؤكد أن الوسائل العسكرية حتى في حالة فعاليتها، لم تفلح إلا في جلب الأطراف إلى مائدة المفاوضات.
19- بخصوص الحكومات، فليس هناك ما يشير إلى أن الحكومات قد مدَّت بصرها إلى الأمام لمراجعة سياسة قانون الغاب. بل إن رجلاً كهنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي اللامع الأسبق، لم يتردد في تذكير الرسميين الأمريكيين بأن هذا الهجوم يجب أن لا يصرفهم عن المضي قدماً في إقامة منظومة الدفاع الصاروخي، وساق لهم مثلاً بأن المرء يجب أن لا يرفض المناعة من الشلل لأنها لا توفر له مناعة من الأنفلونزا.
20- بخصوص حَمْل الشعوب الغربية حكوماتها على احترام حقوق إنسان العالم الثالث، لابد من الإشارة إلى حركات الاحتجاج على النهج الذي تريد الدول القوية أن تتم به العولمة. فقد احتج المستبصرون من الغربيين على ذلك النهج في سياتل وفي إيطاليا وغير ذلك من البلدان التي انعقدت بها مؤتمرات للعولمة أو لمجموعة الكبار. بيد أن تلك الاحتجاجات ظلت عملاً موسمياً، كما لم تجد سبيلها بقوة لتكون موضوعاً من مواضيع السياسة الداخلية، والمعارك الانتخابية. وهي ما لم تدخل هذا الحيز، ستظل موضوعات بعيدة عن إحساس السياسيين وصناع القرار من الرأسماليين الكبار. مثل هذه الحركات هي المنتظرة لوقف الاتجاه الرامي لوضع ثروات الأرض في أيدي القلة.. وهي المنتظرة، فوق ذلك، لخلق حالة من الحب والسلام الحقيقي بين الشعوب، بها يصبح كل فرد في هذا الكوكب مواطناً عالمياَ يعيش في مجتمع كوكبي. أن هنالك الكثير مما يمكن أن يقال عن الظلم المرتكب في حق شعوب العالم الثالث. فشعوب العالم الثالث هي الآن ضحية النفايات النووية والكيماوية التي تدفن في أراضيها بغير علمها، وبعد رشوة حكامها الفاسدين في أكثر الأحوال. وشعوب العالم الثالث هي الآن ضحية نهب ثرواتها نهباً مقنناً وغير مقنن. ويمكن أن نلاحظ أن العالم المتقدم قد فتح أسواقه لناهبي الألماس والذهب وغيرهما من الثروات المهربة من العالم الثالث، تصلها بأبخس الأثمان.. كما فتح مصارفه لأرصدة أولئك اللصوص والحكام الفاسدين، تتكدس فيها بالمليارات دون أن يسألهم أحد عن مصدر تلك المليارات.. لكن حين أرتعب الغرب من تجارة المخدرات، سنَّ من قوانين مكافحة غسيل الأموال ما يوجب على المصارف التبليغ عن من يودع حفنة دولارات لا تزيد عن خمسة آلاف. والحق أن النهب من العالم الثالث قد تعدى الثروات الطبيعية، وشمل حتى الآثار؛ حتى لكأنما هم ينهبون ماضي الشعوب الضعيفة ومستقبلها، على السواء. إن كل ذلك يضع المواطن العادي في العالم الغربي أمام مسئولية تاريخية غير مسبوقة. فهو إما أن يلجم حكامه، ورأسمالييه، عن ما يرتكبون بحق الشعوب الضعيفة، وإما أن يعلم أنه بتقصيره عن ذلك، يفتح الباب على مصراعيه لفتن لا تصيبن الذين ظلموا خاصة.
21- أما بخصوص الشعب الأمريكي، فقد أشرت إلى أن أطفال أمريكا قد طرحوا السؤال البسيط والعميق على الكبار. لا أدري ماذا كانت إجابة الكبار للصغار. كما لم أقف على انشغال للرسميين الأمريكيين بهذا السؤال الجوهري. والمرء قد يقبل القول بأنه ليس من الحكمة أن تعلن الحكومة الأمريكية الآن بأنها منشغلة بهذا السؤال، أو أنها ستراجع سياساتها التي ربما ساهمت في وقوع مثل هذه الواقعة، لأن ذلك قد يشعر المهووسين برضوخ خصمهم، وبجدوى أساليبهم، مما يغريهم بمواصلتها. بيد أن إحجام المهووسين والمجتمعات الإسلامية عن الاعتراف بنصيبهم من المسئولية، يجب أن لا يسوق الأمريكيين للإنصراف عن استقصاء نصيبهم من المسئولية، والاعتراف به. فأمريكا هي الطرف الأقوى بحسابات القوة العسكرية والاقتصادية والحضارية السائدة. ولذلك فهي يجب أن تسير أمام الضعفاء والصغار والمتأخرين نحو تحقيق القيمة، لا خلفهم، ولا معهم.
22- قلت آنفاً (في الفقرة "10" أعلاه) أن بعض الزعماء والساسة التقليديين قد يسعى إلى صرف أنظار الشعوب عن الوجهة الصحيحة لعلاج هذه الأزمة. وأخشى أن يكون ذلك قد وقع بالفعل. فمثلما انصرف كثير من "رجال الدين" المسلمين إلى التعلل بانتهاكات أمريكا لحقوق بعض الشعوب العربية والإسلامية كمسوغ للعملية المؤسفة الأخيرة، يبدو أن هنالك وسط الساسة وقادة الرأي الأمريكيين المرموقين، من يسعى لصرف الأمريكيين عن الوجهة التي بها يتم الحل الجذري لحالة العنف التي تسود حياة المجتمعات والدول. فهاهو وزير الخارجية الأسبق، هنري كيسنجر، قد أطل على الشعب الأمريكي ليدفعه في الطريق الخاطئ. فقد حاول جاهداً أن يلقي في روع الشعب الأمريكي أن أمريكا إنما تواجه حرباً مع جزء من العالم يلجأ إلى الإرهاب، في إشارة واضحة إلى العالم الإسلامي. كما حاول أن يثير في الأمريكيين رغبة الثأر التي تلغي العقول، قائلاً لهم أن أمريكا يجب أن تنتصر، ومذكراً إياهم بالهجوم على قواتهم ببيرل هاربر خلال الحرب العالمية الثانية، وردهم عليه. أسمعوه ماذا قال في مقالته في صحيفة لوس أنجلوس تايم (حسب ما أوردته مترجما صحيفة الشرق الوسط بتاريخ 16/9/2001) :-
(أما الوضع الحالي فيتطلب طريقة فهم ومعالجة جديدة. وقد حذَّر الرئيس جورج دبليو بوش، على نحو يتسم بالحكمة، من أن الهجمات على نيويورك وواشنطن بلغت مستوى إعلان حرب. وفي الحرب لا يكفي للمرء أن يعاني ويتحمل، بل من الضروري أن يحقق نصراً. فالهجمات على نيويورك وواشنطن تمثل تحدياً كبيراً للمجتمع المدني الأمريكي، وللأمن الأمريكي، يتجاوز الهجوم الغادر على بيرل هاربر، ذلك أن الهدف لم يكن القدرة العسكرية للولايات المتحدة، وإنما معنويات وطريقة حياة السكان المدنيين. فالضحايا الأبرياء من الرجال والنساء كانوا على نطاق فاق، بالتأكيد، الذين سقطوا في بيرل هاربر. وقبل كل شيء توفر الكارثة قناعة بأن بعض افتراضات العالم المعولم التي تؤكد قيم التوافق والانسجام والمزايا النسبية لا تنطبق على ذلك الجزء من العالم الذي يلجأ إلى الإرهاب. ويبدو أن ذلك الجزء مدفوع بالكراهية العميقة للقيم الغربية بحيث أن ممثليه مستعدون لمواجهة الموت وإنزال المعاناة الهائلة بالأبرياء، والتهديد بتدمير مجتمعاتنا لمصلحة ما يعبر عنه باعتباره "صدام الحضارات"). (الخطوط من وضعي)
23- غير خاف بالطبع أن السيد كيسنجر، لاعتبارات تخصه، يحاول أن يصور المعركة باعتبارها معركة بين أمريكا والغرب من جهة، والعالم الإسلامي من جهة أخرى. وكذلك غير خاف أن السيد كيسنجر يحاول أن يرد الأمر إلى ما يسميه بكراهية المسلمين للقيم الغربية. فهل يريد أن يقول وزير الخارجية الأسبق أن الساحة الدولية يحكمها الحب والكراهية للقيم؟ ثم إذا كانت كراهية القيم الغربية هي التي تدفع إلى العنف والحرب، فلماذا كانت الحرب العالمية مثلاً؟ ألم تكن حرباً بين الدول الغربية فيما بينها بسبب صراعها على المصالح؟ ثم ألم يكن حادث تفجير أوكلاهوما الذي لا تزال أمريكا تكابد أحداثه بفعل مهووسين غربيين مسيحيين؟ إن المرء لا يكون قد اشتط إن قال للسيد كيسنجر أن قوله هذا لا يشرِّفه، ولا ينطلي على أحد. أعتقد أن الشعب الأمريكي ربما كان ينتظر من رجل كالسيد كيسنجر أن يلقي له ضوءاً ساطعاً على اسباب هذه الكارثة، لا أن يقدِّم له مثل هذه النصيحة المؤسفة. لقد حاول السيد كيسنجر جاهداً، بكل أسف، أن يصرف الشعب الأمريكي عن أي تعمق في أسباب المواجهة الدائرة أصلاً بين المتطرفين الإسلاميين وأمريكا، فحاول تصوير الأمر كله باعتباره معركة حربية فقط، لا تستوجب سوى الترتيبات العسكرية والاستخباراتية. وهو في بقية مقاله يبدو أكثر وضوحاً في هذا الشأن، حتى أن المرء ليحسبه عسكرياً متقاعداً، لا أكاديمياً مرموقاً، ودبلوماسياً عريقاً. أسمعه وهو يقول في مقاله المشار إليه:-
(وهكذا فإن التحدي يتمثل في الكيفية التي يمكن بها تحويل الأهداف المشتركة إلى سياسة عملية. وبقدر تعلق الأمر بالولايات المتحدة لابد أن تكون هناك إعادة نظر أساسية شاملة في النهج والتنظيم الاستخباراتي. فإلى أي مدى شجع الاعتقاد بوجود فترة من الهدوء النسبي على التراخي النسبي بشأن التوقعات والإجراءات المضادة المحتملة؟ وإلى أي مدى لعبت المحدوديات في الوسائل والموارد دوراً؟ وهل هناك حاجة إلى تنظيم جديد للقيام بالإجراءات المضادة؟ ومن ناحية أخرى فإن الضربات الانتقامية للمصادر المعروفة لهذا الهجوم ضرورية. ولا يمكن لمراقب خارجي أن يقدم إسهاماً كبيراً لمثل هذا الجهد باستثناء الإشارة إلى أنه من المحتمل أن تؤدي أنصاف الإجراءات إلى ضرر أكثر من النفع. غير أن المهمة الأكثر شأناً تتمثل في التحرك إلى ما هو أبعد من الانتقام نحو اسئصال جذور الإرهاب. فالحرب التي أعلن الرئيس قرارها يجب أن تحقق النصر الحاسم، لا أن تدخل في طور الهجمات المتبادلة. ولهذا من الضروري التحرك إلى ما هو أبعد من النموذج القائم للانتقام والمقاضاة الجنائية، ونقل الصراع إلى مصدر المشكلة. ويتعين وضع المنظمات الإرهابية في موقف دفاعي، وتحطيم شبكاتها، وإنهاء مصادر تمويلها، وقبل كل شيء وضع قواعدها تحت ضغوط صارمة وحرمانها من الملاذات الآمنة ..). انتهى
24- أعتقد أن مثل هذه الأصوات ستعلو، لتشتيت تركيز الشعب الأمريكي لكي لا يعرف الأسباب الحقيقية التي جعلته هدفاً لهجمات جماعات العنف المنظم، حتى لا يطالب حكوماته بمراجعة سياستها الخارجية والاقتصادية التي أوقرت صدور كثير من أبناء الشعوب ضد أمريكا. ووضعية السيد كيسنجر، كوزير سابق بارز ومرموق للخارجية الأمريكية ساهم بقسط وافر في وضع أسس هذه السياسة، ربما كانت لوحدها حافزاً كافياً له لمحاولة إلهاء الأمريكيين عن إعادة النظر في صحة هذه السياسة الخارجية، وفحص مدى مسئوليتها عن ما وقع مؤخراً. لكن من الخير للأمريكيين أن يراجعوا سياستهم الآن، ليجنبوا العالم أجمع الانجراف في دوامة العنف المستطير. ومن الخير لأمثال السيد كيسنجر أن يعرف الشعب الأمريكي الحقيقة الآن، ليصحح مساره. فذلك أفضل لهم من أن يكتشف الشعب الأمريكي الحقيقة لاحقاً بعد مزيد من الخوض في مستنقع الآلام الآسن هذا. فالشعب الأمريكي إن غفر لهم يومئذ رسمهم سياسة خارجية خاطئة في الماضي، لن يغفر لهم تضليلهم إياه اليوم، لمواصلة السير في تلك السياسة، التي لا تخدم المواطن الأمريكي البسيط في شيء، ولا تجر عليه إلا الويلات بما تدفع العالم أجمع إلى شفير الهاوية.
25- قلت آنفاً أن هنالك خشية من بروز اتجاهات لاستغلال هذا الحدث لتحقيق مكاسب اقتصادية تحت غطاء كثيف من التضليل. وربما كانت التبدلات المفاجئة التي طرأت على العلاقة بين أمريكا والنظام السوداني هي أوضح مؤشر. فرغم أن أمريكا سبق أن وضعت السودان على قائمة الدول التي ترعى الإرهاب لأسباب منها رعاية النظام السوداني لأسامة بن لادن وغيره ممن يسمون "بالأفغان العرب"، ورغم أنها فرضت عليه مقاطعة اقتصادية منذ عام 1997، ورغم أنها تبنت خطوات مضادة له في إطار منظمات الأمم المتحدة، ورغم انها لاحقت النظام السوداني مراراً عن طريق مبعوثين خاصين لتقصي أوضاع حقوق الإنسان وغيرها وآخرهم عيَّـنته قبل أقل من شهر، ورغم أنها كانت قد أعدَّت مشروع قانون تدعم به المعارضة السودانية، ورغم أنها أبدت اهتماماً ملحوظاً في الماضي القريب بالأوضاع المأساوية في جنوب السودان، والتي راح ضحيتها حوالي مليونين من المواطنين وعانى آخرون أحط أنواع الإهانة، المتمثلة في الاسترقاق- رغم كل ذلك، إلا أن أمريكا وغيرها من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن مكَّنت النظام السوداني يوم الثامن والعشرين من سبتمبر الجاري من استصدار قرار من مجلس الأمن يلغي قرار المقاطعة الدبلوماسية الذي أصدره مجلس الأمن خلال عام 1996. ولقد سبقت قرار مجلس الأمن الأخير تقارير شتى تحدثت عن صفقة بين النظام السوداني وأمريكا. ولعل أهم ما في الصفقة بالنسبة إلى أمريكا (حسب تلك التقارير والشائعات)، هو موافقة الحكومة السودانية على إخراج الشركة الصينية من مائدة البترول السوداني، بصورة أو أخرى، لتحل محلها شركة أمريكية. بيد أن أكثر ما يدعو للأسى هو أن أمريكا، في إطار تقاسم المصالح هذا، تراجعت عن إجازة مشروع القانون الذي يدعم المعارضة السودانية الرامية لإنهاء الوضع غير الإنساني الذي فرضه النظام الحالي على المواطنين. كل هذا يشير إلى أن أمريكا قد تكون معنية في الأساس باستثمار الموقف المأساوي والإنساني، الناشيء عن واقعة تفجيرات نيويورك وواشنطن، لتحقيق مكاسب مادية للشركات الكبرى التي تحتكر صناعة القرار الأمريكي. ومما يدعو للأسى أيضاً أن أمريكا في الوقت الذي كانت تثير فيه دخاناً كثيفاً حول الرق الذي يمارسه النظام السوداني ضد المواطنين السودانيين في جنوب السودان، لم تكن تهدف إلا للضغط على النظام السوداني إعلامياً ودبلوماسياً لإضعاف موقفه التفاوضي لتتمكن من تحقيق كل المصالح التي تبتغيها في السودان. وحينها يمكنها أن تضع يدها على يد النظام الذي قهر شعبه، وجوَّعه، وأظمأه، واسترق بعضه، وترك الباقي فريسة للجهل، والمرض، والفاقة. وكانت هي نفسها تقول ذلك إلى يوم قريب. ومن عجب أن الإدارة الأمريكية حاولت أن تبرر وضع يدها على النظام السوداني بأن قالت أنه متعاون في محاربة الإرهاب. ألم تكن لإسامة بن لادن استثمارات بمئات الملايين في السودان إلى مابعد واقعة نيويورك. أليس من الممكن أن تكون ارباح هذه الاستثمارات هي التي مولت عملية نيويورك؟ أم يعلن النظام السوداني يوم قال أنه طرد بن لادن من السودان أنه قطع أي صلة له ببن لادن و بالإرهاب والإرهابيين؟ إن الصفقة التي تمت بين الإدارة الأمريكية والنظام السوداني تبين أن الإدارة الأمريكية مثلما تاجرت بقضية المواطنين السودانيين الذين يتعرضون للموت والاسترقاق، تاجرت أيضاً بضحايا واقعة التفجيرات الأخيرة.
26- يلاحظ أيضاً أن أمريكا شرعت في منح بعض الدول، كباكستان، منحاً مادية تحت ما يسمى بقانون المساعدات الخارجية. وقد وصفت بعض قنوات الأخبار هذه المنح بأنها مكافأة لتلك الدول لمساندتها أمريكا في حملتها ضد الإرهاب. إن شاء الأمريكيون الحق، فهذه المنح والمساعدات ليست سوى رشاوى. فالدول يجب أن تحدد موقفها من الإرهاب على أساس مبدئي، وليس على أساس ما تجنيه من منفعة مادية، أو ما تجره على نفسها من عصا أمريكية غليظة. إن القانون الأمريكي الداخلي يعاقب على الرشوة. ولكن القانون الأمريكي الذي تتعامل به الدولة الأمريكية مع الدول الأخرى، لا يعاقب على الرشوة، بل يختار لها إسماً شيقاً وإنسانياً: "المساعدات الخارجية". إن هذا يعكس أن أمريكا لا تهتم بحقوق الإنسان، ولا كرامته، عندما تتعلق تلك الحقوق وتلك الكرامة بإنسان غير أمريكي. أليس على الأمريكيين أن ينتبهوا لهذا؟ بلى، وإن ما يصيب الأمريكيين من جماعات العنف، داخل وخارج أمريكا، إنما بسبب قعود المواطنين الأمريكيين العاديين عن مراقبة سياسات حكوماتهم الخارجية.
27- لقد عرَّف الرئيس الأمريكي الأسبق أبراهام لنكولن الديموقراطية بأنها "حكم الشعب بواسطة الشعب، لمصلحة الشعب". وهذا هو التعريف الشائع للديموقراطية حتى اليوم. ومع أن الديموقراطية الأمريكية هي ديموقراطية أقوى دولة في العالم، ومن أفضل الديموقراطيات في العالم، إلا أنها متهمة من قبل بعض المواطنين الأمريكيين بأنها معيبة، لأنها ليست لصالح الشعب، وإنما لصالح الشركات الكبرى التي تأتي بممثليها لمراكز صناعة القرار. وخلال احتفالات اليوم الوطني في يوليو من العام الجاري، قامت جماعات ناشطة بتغيير العلم الأمريكي باستبدال النجوم التي ترمز للولايات بالعلامات التجارية الخاصة بالشركات الكبرى التي تحتكر صناعة القرار الأمريكي. إن هذا الاتجاه فيه بريق أمل بإصلاح الديموقراطية الأمريكية. وهو اتجاه يجب أن تعمل هذه الواقعة على تقويته. فهذه الواقعة أكدت أن عيب الديموقراطية الأمريكية يقع فوق رؤوس المواطنين الأمريكيين البسطاء. إن العصر الحاضر هو عصر رجل الشارع العادي، وامرأة الشارع العادية. ولذلك، إن هم لم ينهضوا لمراقبة حكامهم فيما يعملون باسمهم، فإنهم سيدفعون ثمن أخطاء حكامهم. إن المواطن الصالح في الوقت الحاضر هو المواطن الذي يراقب ويحاسب حكومته. وإذا فشل المواطنون في النهوض إلى ذلك المستوى، فإن الله سيسوق لهم من الأحداث المريرة ، ما ينبههم، ويعينهم على النضج، ليكونوا في ذلك المستوى. وأعتقد أته يحسن بالشعب الأمريكي أن يفهم حادثة التفجيرات الأخيرة في هذا المستوى، فيرتفع بديموقراطيته عتبة جديدة في سلَّم كمالها.
28- إن على أمريكا أن تعيد النظر في مساندتها غير المشروطة لإسرائيل، ولو اقتضى ذلك تعديل أي اتفاقيات ثنائية بينهما. إن مساندة أمريكا لإسرائيل خلال الحرب الباردة يمكن أن تكون مفهومة ومبررة. لكن كان يجب على أمريكا أن تضبط سياستها بعد نهاية الحرب الباردة، لاسيما وأن كثير من الدول العربية ظلت تربطها بأمريكا علاقات وطيدة، ولديها معها مصالح مشتركة. كما أن الفلسطينيين قد ارتضوا باولايات المتحدة وسيطاً للسلام، وذلك يكفي لحمل أمريكا على لعب دور وسيط نزيه. لقد تابعت قبل شهور قلائل رفض اسرائيل لجنة تحقيق دولية لتحقق في اسباب انفجار العنف بين الفلسطينيين والإسرائيليين بصورة أوقفت مفاوضات السلام، وإصرارها على لجنة تحقيق أمريكية. كما تابعت رفض اسرائيل لمراقبين دوليين للسلام، وإصرارها على مراقبين أمريكيين. وقد قام في بالي في الحالتين أن أحداً لم ينل من الدبلوماسية الأمريكية ومن الشرف المهني الأمريكي مثل ما نال ذلك الموقف الإسرائيلي. فإسرائيل بذلك، لم تطعن في شرف اللجان الدولية التي تمثل المجتمع الدولي، وإنما طعنت في شرف الأمريكيين. ومن أعجب الأمر، أن أمريكا لم تحتج (على الأقل علناً) على هذا الموقف الإسرائيلي الصارخ. إن مساندة أمريكا غير المحدودة لإسرائيل قد ساقها لإخضاع الأنظمة العربية الموالية لها حتى أصبح شائعاً عن الدول العربية أنها لا تستطيع أن تعقد لقاء قمة لمدارسة مشكلة الشرق الأوسط إلا بعد أن تحصل على ضوء أخضر من أمريكا. هذا الخضوع المذل قد بلغ من السوء حداً ساق به مواطنين عرب خليجيين إلى التمرد والتطرف، رغم أن الخليجيين اشتهروا عموماً بهدوء البال، وهدوء الطبع. ويبدو أن هذا الخنوع الطويل قد ساعد على إنجاب أجيال من المتطرفين، بها استحقت الأنظمة الإسلامية التي كانت إلى وقت قريب تسمى بالأنظمة الرجعية أو المتخلفة، تسمية لطيفة : الأنظمة المعتدلة. إن المرء ليخشى أن يكون التطرف الذي ولَّدته هذه الظروف الخاطئة كالنار تحت الرماد، لم يرى الناس منه حتى الآن إلا بعض الشرر.
29- وبنفس القدر فإن على الفلسطينيين أن يسيروا قدماً بما أسموه ثورة الحجارة. إن على الفلسطينيين أن يلاحظوا أنهم لم يحققوا أي مكسب، ولا أي تعاطف دولي ذي شأن، بالثورة المسلحة. ولكنهم حققوا مكاسب جمة، وتعاطفاً دولياً واسعاً، بثورة الحجارة. كما عليهم أن يلاحظوا أن شعب جنوب أفريقيا حقق مقاصده كلها بالمقاومة السلمية التي نفذها على نحو تصح تسميته بالثورة الراقصة. إن تحول الفلسطينيين من الثورة المسلحة إلى ثورة الحجارة قد كان خطوة جبارة. ولكنهم بقوا مع حجارتهم فترة طويلة، بل هم كادوا أن ينقلبوا عنها إلى البندقية مرة أخرى. إن من الأفضل للفلسطينيين أن ينتقلوا من ثورة الحجارة إلى المقاومة السلمية. فإن هم فعلوا ذلك، وكانت مطالبهم عادلة، ظفروا بتعاطف العالم أجمع، ومساندة العالم أجمع، ولن تقوى إسرائيل يومئذ على الوقوف في وجه مطالبهم وحقوقهم.
30- إن اسم "الإرهاب" اسم غير موفق. فمن الخير أن تعرف جماعات الهوس التي ترتكب العنف أنها لا تسترهب الآخرين. إن تسمية الإرهاب تغري المهووسين بمواصلة عنفهم، لأن التسمية توحي بأن الآخريف يهابونهم. إنهم بحاجة لأن يعلموا أن الآخرين لا يهابون العنف ولا الموت. وهذا يتطلب جهداً من الناس، به يكونون على ثقة مما عندهم.
31- إن هذه الواقعة، بوسائلها غير المسبوقة، وبعدد ضحاياها الهائل، تؤكد أنه حتى أساليب السلم وطرق العيش الحديثة- دع عنك أسلحة الحرب الحديثة- قادرة على إحداث دمار هائل، يفوق قدرة أسلحة الدمار التي كانت متوفرة في يد البشرية قبل عقود قلائل. فالحياة الحديثة، بتركيزها الناس في المدن بمعدلات تتصاعد باستمرار، وبوسائل ووسائط خدماتها العديدة التي أصبح لا غنى عنها والتي يمكن تحويلها بيسر إلى وسائل خطرة، أصبحت توفر أهدافاً سهلة لعمليات تخريب وتقتيل واسعة.
32- ماذا يعني هذا؟ هذا يعني أنه ليس بمقدور البشرية الاستمرار في طريق تغليب المصالح، وصراع القوى، والعنف، والحرب. هذا يعني أنَّ على البشرية منذ اليوم أن تقلع عن نهجها الحالي الذي يؤسس العلائق الدولية على قانون الغاب، حيث القوة هي الحق، لتؤسس علائقها على قانون الإنسانية، حيث الحق هو القوة. هذا يعني أن على البشرية أن تطور أساس العلاقات الدولية من الصراع، إلى التعاون، ومن الحرب الإعلامية، والدبلوماسية، والاقتصادية، والعسكرية، إلى القانون الدولي العادل، الذي يكفل للقوي وللضعيف، على السواء، حقهما، فيغنيهما بذلك عن الحرب، وعن ما يسمى بالإرهاب، مثلما يغني حكم القانون الأفراد داخل كل دولة من اللجوء إلى العنف لحسم نزاعاتهم.
33- الجميع الآن يقولون أن العالم أصبح قرية صغيرة، بسبب تطور وسائل النقل ووسائل الإتصال الحديثة، التي قطعت شوطاً بعيداً في إلغاء الزمان والمكان. ومع ذلك، فلا يزال الفكر الاجتماعي، والسياسي، على نطاق العالم، متخلفاً تخلفاً مزرياً عن مقتضيات هذه البيئة الكوكبية الجديدة. وإنما يجب أن نستبصر، جميعاً، من هذه الحادثة المؤسفة، فنرى هذا الخُلْف الكبير بين التقدم التكنولوجي من ناحية، والفكر الاجتماعي والسياسي من ناحية أخرى. كما علينا أن نستبصر من هذه الحادثة المؤسفة، فنرى أن البيئة القديمة إذا احتملت الحرب، فإن البيئة الكوكبية الجديدة لا تحتمل الحرب. كما علينا أن نستبصر من هذه الحادثة المؤسفة، فنرى أنه لا يمكن الاحتراز من عمليات العنف، والدمار. فها هي أمريكا، رغم كل المنعة، ورغم كل الاحتياطات الأمنية، قد أُتِيَتْ من حيث لم تحتسب. من كان يظن أن وسيلة سلمية هي أرقى وسائل التنقل والتواصل الإنساني في الأرض يمكن أن تحوَّل بسرعة إلى أداة تدميرية بهذه القسوة؟ ومن قال أن مسلسل العنف هذا إذا اتصل ستكون وسائله المستقبلية هي أيضاً الطائرات المدنية؟ إن العقل البشري لن تستعصي عليه الوسائل. فمثلما استخدم بعضهم قارباً مطاطياً رياضياً لينال من المدمرة الأمريكية العملاقة في ميناء عدن قبل شهور، ومثلما استخدم هؤلاء الطائرات المدنية في هذه الحادثة المؤسفة، يمكن أن يستخم آخرون وسائل لم تخطر على البال. ومن ثم، فإن الإجراءات والضوابط الأمنية التي فرضتها سلطات الطيران المدني في أكثر من أجزاء العالم بعد هذه الحادثة، والتي بلغت حداً جعل من العسير على الرجال المسافرين أخذ شفرات الحلاقة، بل جعل من غير الممكن للنساء المسافرات أخذ بعض أدوات الزينة، هي إجراءات وضوابط، رغم أهميتها، لا قيمة لها في الاحتراز مما يمكن أن تتفتق عنه عقول المهووسين، وجماعات العنف من وسائل جديدة. إن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية مهما كانت قوية ومؤهلة، ستظل في غالب أحوالها تسير خلف جماعات الهوس والعنف والجريمة، التي أصبحت تجدد وسائلها كل يوم جديد.
34- إن هذا يعني أن خير طريقة لوقف العنف، هي تجفيف منابعة. ومع أن هذه العبارة صحيحة، إلا أنها قد تفهم على نحو قاصر، وخاطيء. وهي ربما كانت تقال الآن في الغرب عموماً، وفي أمريكا خصوصاً، ولا يراد منها إلا ضرب معسكرات جماعات معينة حددتها أجهزة الاستخبارات، وملاحقة أفراد سمتهم تلك الأجهزة، وربما تغيير أنظمة سياسية ترعى الإرهاب. هذه خطوات يجب أن تتم، ولكنها مع ذلك ليست كفيلة بتجفيف منابع الإرهاب، أو استئصاله كما يرد التعبير أحياناً. فهذه الخطوات قد تقضي على مهووسين ومرتكبي عنف محددين أنفقت أجهزة الاستخبارات أعواماً في رصدهم. لكن طالما بقيت الظروف الموضوعية التي تولد العنف والمهووسين قائمة، فستنشأ عناصر جديدة، تتخذ أساليب جديدة، وستحتاج أجهزة الاستخبارات إلى وقت طويل لحصرها، وتعقبها. فإذا رأينا أن العناصر المتهمة حالياً قد شرعت في التدرب على الحرب الكيمائية، ورأينا أن تصنيع وامتلاك الأسلحة الكيمائية والجرثومية لم يعد صعباً، لأدركنا ضرورة التحرك السريع لتجفيف منابع الإرهاب، بفكر ثاقب لا يقف عند حدود الجهود الاستخباراتية والعسكرية، كما نلمح في الساحة الدولية الآن. إن مما يؤلم المرء اليوم هو أنه بالرغم من أن المجتمع البشري اصبح مجتمعاً كوكبياً، إلا أن السياسيين في كل مكان لا يزالون يديرون الأمور بعقليات زعماء القبائل، وملوك المدن، ورؤساء الدول القومية. إن تصفية الإرهاب تحتاج إلى فكر سياسي جديد، وإلى خلق جديد، فهل نحن مستعدون؟
.. .. .. .
طه أبو قرجة
أول أكتوبر 2001

Post: #978
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 07-01-2008, 04:59 AM
Parent: #1


سلام علي طه ابوقرجة في الخالدين
عبد الله عثمان/واشنطون
[email protected]

بسم الله الرحمن الرحيم
انتقل الي الرحاب العليا صباح اليوم بالبحرين الأستاذ طه اسماعيل ابوقرجة المحامي- الا رحم الله الفقيد الذي كان مثالا للمثقف المتجرد الملتزم بقضايا شعبه ووطنه ودينه.
نشأ الراحل المقيم في أسرة أنصارية عريقة هي أسرة الأمير أبوقرجة، ولكنه لم يركن للجاه الموروث فأخذ يتلمس الطرق البكر التي لم تطرق، شأنه شأن المفكرين الأحرار، فقادته نفسه التواقة الي منابع الفكر والحرية الي رحاب الأستاذ محمود محمد طه فأنخرط فيها غير مبال بكل ما قد يجره عليه ذلك الطريق، وقد أصبح كل همه هو ما قال عنه الأستاذ محمود محمد طه (غايتان شريفتان وقفنا ، نحن الجمهوريين ، حياتنا ، حرصا عليهما ، و صونا لهما ، وهما الإسلام و السودان .. فقدمنا الإسلام في المستوى العلمي الذي يظفر بحل مشكلات الحياة المعاصرة ، و سعينا لنرعى ما حفظ الله تعالى على هذا الشعب ، من كرايم الأخلاق ، و أصايل الطباع ، ما يجعله وعاء صالحا يحمل الإسلام إلي كافة البشرية المعاصرة ، التي لا مفازة لها ، و لا عزة ، إلا في هذا الدين العظيم ..).
أضحي الأستاذ طه عاملا كل وقته للدعوة للأسس التي قامت عليها الفكرة الجمهورية وهي تتمحور أولا وأخيرا حول الإسلام والسودان ، كما جاء في لائحة الحزب الجمهوري في كتاب (أسس دستور السودان) وهي كما يلي
أ) قيام حكومة سودانية جمهورية ديمقراطية حرة مع المحافظة عل السودان بكامل حدوده الجغرافية القائمة الآن.
ب) الوحدة القومية
ج) ترقية الفرد و العناية بشأن العامل و الفلاح .
د) محاربة الجهل .
هـ) الدعاية للسودان.
و) توطيد العلاقات مع البلاد العربية و المجاورة
ظل الفقيد يجوب أصقاع السودان داعيا ومبشرا بالثورة الثقافية التي مفتاحها (طريق محمد) كما بينه الأستاذ محمود في عديد مؤلفاته، وظل كذلك منافحا بقلمه وفكره ، ولعل الكثيرين يذكرون أنه كان أحد الفاعلين في بلورة رأي عام قوي بجامعة الخرطوم إبان سطوة تنظيم الإتجاه الإسلامي، فقد كا الأستاذ طه من أبرز مهندسي الإتحاد النسبي، وقد كان لمشاركته ومشاركة إخوانه الجمهوريين القدح المعلي في كسر هيبة الأخوان المسلمين وفضحهم أمام الطلاب.
كان ذلك ولا يزال هو ديدن الأستاذ ولعل مقالته التي نشرت بمنبر سودانايل عن ضرورة خلق رأي عام سوداني في نقاشه لما سمي بحصر الكفاءات السودانية بالخارج لا تزال منشورة في هذا المنبر.
شارك الفقيد بنشاط جم في هذا المنحي وقد كتب في الفترة الأخيرة عن "بيعة السقاي" وعن الأزمة في جنوب السودان وعن أحداث العراق وكان في كل أولئك ملتزما بخط المثقف الثوري الملتزم بقضايا شعبه ووطنه ودينه حتي توقف قلبه الكبير عن الخفقان ووري الثري بمملكة البحرين.
الا رحم الله الأستاذ طه أبوقرجة بقدر ما أسدي لشعبه ووطنه ودينه، وجعل البركة في أهله ومحبيه ومعارفه، إنه أكرم مسئول وأسرع مجيب.



http://www.sudaneseonline.com/sudanile8.html
_________________

Post: #979
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 07-04-2008, 04:10 AM
Parent: #978




اتفاق التراضي الوطني

حواشٍ على متون

د. أحمد إبراهيم أبوشوك
[email protected]

شَهِد شهر مايو 2008م حدثين سياسيين مهمين في تاريخ السودان المعاصر، كان لهما وقعٌ صاخبٌ على المشهد السياسي، حيث ارتبط أحدهما بالهجوم المسلح الذي شنته حركة العدل والمساواة على العاصمة القومية، أمدرمان، بُغية إرسال إشارة إلى حكومة الخرطوم لتعيد النظر في ترتيب أولويات الحوار السياسي بشأن أزمة دارفور، وتجلى الآخر في الاتفاق الذي أبرمه حزب الأمة القومي مع حزب المؤتمر الوطني تحت مظلة "التراضي الوطني"، تعللاً بتنقية المناخ السياسي من شوائب الشمولية، وإعداد الشارع السوداني لخوض غمار المعركة الانتخابية القادمة. ونودّ في هذه الحواشي أن نلقي ضوءاً ساطعاً على حيثيات "اتفاق التراضي الوطني" الذي جرت مراسيم توقيعه بمنـزل السيِّد الصادق المهدي بحي الملازمين في 20 مايو 2008م، ونصحب ذلك بمواقف الرأي والرأي الآخر من تلك الحيثيات، ثم نأتي ببعض الملاحظات التحليلية على متون أطروحة التراضي، والمواقف المثمنة لها والقادحة فيها، علنا بذلك نسهم في تقويم موقف الطرفين، واندياح دائرة الحوار البناء على موائد السياسة السودانية وصُحفها السيَّارة التي تضج من آلام مخاض عسير لميلاد نظام ديمقراطي محفوف بالمخاطر.



حيثيات وثيقة التراضي الوطني

تتبلور وثيقة التراضي الوطني في سبع قضايا رئيسة، تشمل الثوابت الوطنية والدينية والحكم الراشد، وبناء الثقة وتهيئة المناخ السياسي لإحداث تدافع ديمقراطي، وحل قضية دارفور في إطار قومي خالٍ من أي ارتباطات أجنبية، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وكفالة الحريات العامة وتعديل القوانين المعارضة للدستور الانتقالي لعام 2005م، والاعتراف باتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) ومكاسبها للجنوب، ثم إخضاع بعض بنودها للنقاش وتحويلها إلى اتفاق قومي، وتثقيف الاتفاق بين الحزبين تثقيفاً قومياً يؤسس لقيام تراضي سوداني شامل. وضَّح السيِّد الصادق المهدي الظروف التي أفضت إلى التوقيع على وثيقة التراضي في خطاب جماهيري بمنطقة "ود النَيَّل" بولاية سنَّار، في 26 مايو 2008م، حيث قال: "إن حزبه تبنى محاولات كثيرة، وصارع بقوة إلى أن حصل على التجاوب الحالي"، لا بحثاً عن السُلطة، لكن سعياً إلى تراضٍ سوداني يسهم في تحديد مسارات الحكم وتقويم آلياته في السودان. (المصدر: الأحداث، 27 مايو 2007م). ويرى مناصرو التراضي في حزب الأمة أن الدعوة إلى "الجهاد المدني" قد حققت طرفاً من غاياتها المنشودة، علماً بأن الإنقاذ بدأت إقصائية، ثم اعترفت بالرأي الآخر، والآن انصاعت لمبدأ الحوار في نسق قومي يهدف إلى تحقيق الحرية، والديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، وهذا يعنى ضمناً الاعتراف بفشل النظام الشمولي كمنهج للحكم. ويثمِّن السيِّد الصادق المهدي هذا الموقف بقوله: "فكرة الانتفاضة التي عملناها مع نظامي عبُّود والنميري في الظروف الراهنة ستدخل السودان في تعقيدات خطيرة جداً، فالقوات المسلحة ما عادت هي القوات المسلحة الوحيدة في الساحة، فهناك أكثر من مائة تشكيل عسكري، فإذا ما أدت الانتفاضة كما تفعل دائما لخلق إضراب عام وفراغ سياسي كانت تملؤه القوات المسلحة، صار واضحاً بالنسبة لنا أن خلق الفراغ ستملؤه عشرات القوى المسلحة ذات الأجندة الضيقة والتحالفات الأجنبية. ولا أظن أن هناك وطنياً يفوت عليه مضرَّة هذا. لهذا فأنا أعتقد أن أفضل طريقة للتغيير صارت هي الانتفاضة الانتخابية. ولدينا مصلحة في أن يتمَّ التغيير عبر الانتخابات" (حوار مع صباح أحمد، آخر لحظة، 31/5/2008م). ومن وقائع هذا الحوار وأدبيات المنابر الإعلامية الأخرى لحزب الأمة يبدو أن قضية "الانتفاضة الانتخابية" هي بيت القصيد الذي ارتكن إليه اتفاق التراضي والوطني حسب رؤية حزب الأمة القومي، ولا شك أن للمؤتمر الوطني أجندة أخرى في هذا السياق. وسأعود لقضية الانتفاضة الانتخابية في محور آخر، نسبقه بطرح سؤال المحوري عن الجديد في اتفاق التراضي الوطني، وموقف الرأي الآخر منه تثميناً وتجريحاً.




ما الجديد في اتفاق التراضي الوطني؟

طرح عدد من المادحين والقادحين في وثيقة التراضي الوطني هذا السؤال: ما الجديد في اتفاق التراضي الوطني؟ . فالأستاذ الدكتور الطيب زين العابدين يرى أن الاتفاق لم يأت بجديد في إطار الثوابت الوطنية التي تضمنها الدستور الانتقالي والاتفاقيات السابقة، بل أنه قدم بعض الحواشي وعرض مجموعة من المسائل الإجرائية، ويأتي في مقدمتها قضية الالتزام بقطعيات الشريعة واحترام العهود والمواثيق، وقومية الإعلام، والدعوة إلى تنفيذ توصيات هيئة الحسبة والمظالم، وتكوين لجنة لمراجعة أسماء الشوارع والمنشآت لتعميم الرمزية القومية، والتعاون بين حزب الأمة القومي والمؤتمر الوطني في تكوين بناء القطاعات الفئوية والطلابية والنقابية والمفوضيات.

وينظر الدكتور عمر القراي إلى الجديد في اتفاق التراضي من منظور خلاف أيديولوجي قديم بين الإخوان الجمهوريين والسيِّد الصادق المهدي، حيث يصف الفقرات الواردة تحت الثوابت الدينية، التي تنادي بحرية العقيدة والضمير، والالتزام بقطعيات الشريعة، والتسامح في الاختلافات الاجتهادية بأنها منطلقات متناقضة مع ذاتها، "ولا يمكن أن تقوم في أي مجتمع في وقت واحد. وذلك لأن قطعيات الشريعة، لا يمكن أن توافق على حرية العقيدة. ولو كانت الشريعة الإسلامية توافق على أن يعتقد كل شخص ما يشاء، لما قام الجهاد، وأُحكِمَ السيف في رقاب المشركين حتى يسلموا، وفي رقاب أهل الكتاب حتى يعطوا الجزيّة عن يد وهم صاغرون." وبهذه الكيفية الأصولية يرى الدكتور القراي أن موضوع الثوابت الدينية عمل قادح في شرعية القيم السياسية التي أرستها اتفاقية السلام الشامل، ولا يقدم أنموذجاً للتراضي الوطني، "يشمل كل السودانيين مسلمين وغير مسلمين"، بل هو خطوة نحن ديمقراطية تعاقدية، "يمكن أن يتم فيها تزييف كل القيم الديمقراطية، باتفاق الأطراف على هذا التزييف. وإذا قدر للاتفاق أن يسير مداه، وتوحَّد الحزبان في الانتخابات، فإن مادة الدعاية الانتخابية، ستكون إعادة مسرحية الدستور الإسلامي، وستوظف المساجد، وتؤلف الفتاوى، بأنه لا يجوز للمسلم، أن يعطي صوته لغير المسلم، كدعاية ضد الحركة الشعبية (قراءة في اتفاق التراضي الوطني، سودانايل يونيو 2008م). وحاول القراي أيضاً أن يربط هذا الانحراف السياسي من وجهة نظره بانحراف مادي آخر يتمثل في تنفيذ توصيات هيئة الحسبة والمظالم، التي تهدف من وجهة نظره إلى "دفع تعويضات آل المهدي" التي باع من أجلها السيِّد الصادق مبادئي الحزب." لا جدال أن الدكتور القراي له الحق في أن يختلف مع السيِّد الصادق المهدي أيديولوجياً، وأن يجرح في شرعية بنود اتفاق التراضي لأنها شأن عام، لكن تفسيره لتنفيذ توصيات هيئة الحسبة والمظالم بتعويضات آل المهدي فيه شطط، لأن الاتفاق لم يصرح بهذا الأمر. نعم أن الدكتور الطيب زين العابدين قد وصف بند الحسبة والمظالم بالغموض، واجتهد في شرحه بأنه "دعوة لإعادة المفصولين سياسياً"، وعلق السيِّد الصادق المهدي على هذا البند في إطار سؤال طرحته عليه الصحافية صباح أحمد بأن الدعوة إلى رفع المظالم تعني "إطلاق سراح المعتقلين، وإلغاء المصادرات، ورد حقوق المشردين من الخدمة النظامية والمدنية". ولا أدري من أين أتى الدكتور القراي بقضية تعويضات آل المهدي في هذا السياق العام، هل اجتهد في تفسير عبارة "إلغاء المصادرات وأضاف إليها تلك الحاشية؟ أم استنبط ذلك من وقائع الحوار الذي دار خلف الكواليس بين طرفي الاتفاق، ولم تحمله إلينا بنود الاتفاق نصّاً؟ القضية محل نظر!

ويأتي موقف حركة القوى الجديدة الديمقراطية (حق) متسقاً مع موقف الدكتور عمر القراي وأكثر تشدداً، لأن "حق" تنظر إلى قضية الثوابت الدينية وقطعيات الشريعة بأنها أداة لنسف الدعوة بقومية الاتفاق ووطنيته، وأنها خطوة "لقيام دولة دينية لا يمكن لها على الإطلاق أن تكون دولة ديمقراطية، بل لا يمكن لها أن تكون إلا طغياناً منفلتاً، ودكتاتورية شمولية إقصائية حتى النخاع، وشراً مطلقاً حتى النهاية، لأن الذين يقيمونها لا يحسبون أنفسهم بشراً، وإنما تجسيداً للإرادة الإلهية. إن الاتفاق ما هو إلا محاولة بائسة لإعادة الحياة للمشروع الحضاري الساقط، والذي تخلى عنه حتى أهله ذاتهم." وبذلك يخلص نشطاء حق إلى أن الاتفاق يهدف في المقام الأول إلى إلغاء نيفاشا، لأن السيِّد الصادق المهدي من وجهة نظرهم ينظر إلى نيفاشا بأنها "مؤامرة إقصائية" ضد القوى السياسية الفاعلة في الشأن السودان، وينسجم هذا المسعى من وجهة نظرهم مع رغبة المؤتمر الوطني في التحلل من التزاماته الناشئة عن نيفاشا واستحقاقاتها. وفي ظل هذا التراضي الثنائي وبُعده القومي المزعوم يستطيع الطرفان إلغاء مواثيق نيفاشا، والعودة إلى أدبيات السودان القديم وإرثها السياسي الذي تجاوزه الزمن (سودانيزأولاين، 26/5/2008).



موقف نشطاء حزب الأمة من التراضي الوطني

يبدو أن موقف نشطاء حزب الأمة منقسم حول توقيع هذا الاتفاق، فيوجد معسكر المؤيدين الذين ينطلقون من فرضيَّة مفادها أن الحوار مع الآخر هو نهج الحزب الثابت، وأن القرار السياسي يتغير حسب تَغيرُ الظروف السياسية المحيطة بالواقع المعيش، وأن اتفاق التراضي جاء في ظروف تغيير سياسي، تتجسد في انتقال حكومة الإنقاذ من مربع الإقصاء إلى مربع سماع الرأي الآخر، ثم أخيراً إلى مربع الحوار البنَّاء الذي يهدف إلى تحقيق ثلة من الثوابت التي نضال حزب الأمة القومي وجاهد من أجلها جهاداً مدنياً في الثمانية عشر عاماً الماضية، ومن الشخصيات البارزة في هذا المعسكر الدكتور عبد النبي علي أحمد، والدكتور إبراهيم الأمين، واللواء معاش فضل الله برمة ناصر، والأستاذة رباح الصادق. ويقف في المعسكر المعارض مجموعة من النشطاء، الذين ليست لديهم معرفة تامة ببواطن الأمور، وبما يدور خلف كواليس الحزب، فهم يصفون اتفاق التراضي بأنه قفزة في الظلام، تمت دون علم قواعد الحزب، وأنه يصب في وعاء تمديد عمر حكومة الإنقاذ، ولا يقدم إطاراً قومياً يجُبَ ما جاء في الاتفاقيات السابقة، بل يظل ثنائياً في طرحه، وأم الأثافي أنه يطعن في رصيد الحزب القائم الجهاد المدني والمسلح منذ أن بزغ فجر الإنقاذ، وزد على ذلك أنه اتفاق مُهِّر مع جهة ليست محل ثقة، "وقد أثبتت تقلبات الأيام وحال السياسة السودانية أن المؤتمر الوطني لم يف بوعد واحد قطعه مع الآخرين، أو ينفذ اتفاقاً أبرمه لحل مشكل البلد"، ويسخرون من حيثيات التراضي الوطني والمؤيدين لها، ويصفونهم بقولهم: "تبررون"، أي تبررون لما لا يمكن تبريره (لنا مهدي عبد الله، تبررون، سودانايل، 30/5/2008م). ويقف في هذا المعسكر الصحافية لنا مهدي عبد الله، والأستاذ أبو هريرة زين العابدين، والأستاذ خالد عويس. إلا أن الأستاذة رباح الصادق تصف أنصار هذا المعسكر بقولها: "واختلط لدى قواعده [أي الحزب] الوهم بالحقيقة، خاصة وهناك أفواه أدخلت شفاهها، بعضها في الداخل وبعضها الخارج، وبعضها عن جهل، وبعضها عن غرض تستغل تأخر أو محدودية حركة الجهات المسؤولة داخل الحزب لتنوير الأعضاء، وهذا باب كبير للبلبلة ندعو الله أن يتداركه الأحباب." (صحيفة أجراس الحرية، يونيو 2008م). ونلحظ أيضاً أن هناك خلط في أذهان بعض المعارضين عندما يثمنون الاتفاق من الناحية التكتيكية، ويقدحون في شرعيته من الناحية الاستراتيجية، علماً بأن التكتيك يجب أن يكون تمهيداً لترسيخ القيم الاستراتيجية، وأن الخطأ الناشئ فيه يترتب عليه خطأ في الاستراتيجية نفسها، لذا فعليهم أما أن يؤيدوا الاتفاق ويمضوا في ركب الأولين، أما أن يرفضوه جملة وتفصيلاً، ويسجلوا بذلك موقفاً معارضاً للاتفاق، دون أن يؤثروا خيار "مسك العصا من الوسط".



هل التراضي الوطني سفينة نوح أم التايتنك؟

كما يرى الصحافي ضياء الدين الدين بلال إن السيِّد الصادق المهدي مُبدع في اختيار العبارات والتشبيهات التي تختزل المواقف في قوالب مختصرة وجاذبة، والتي تعكس أيضاً مهاراته اللغوية في اختيار الألفاظ المناسبة وإنزالها على مقاماتها المطلوبة، وإجراء الاشتقاقات اللفظية المثيرة للإعجاب والجدل في آن واحد. ولا شك أن هذه الاشتقاقات والعبارات الرمزية الجاذبة جعلت مواقف السيِّد الصادق السياسية بموجبها وسالبها منحوتةً في مخلية العقل السوداني، ونذكر منها اصطلاح "يهتدون" عندما خرج من السودان وناصب نظام الإنقاذ العداء، و"تفلحون" عندما عاد من مهجره السياسي وآثر الحوار مع الإنقاذ ورموزها في الداخل، وقوله بعد اتفاق جيبوتي عام 1999م "ذهبنا لاصطياد أرنب واصطدنا فيلاً". وبعد توقيع اتفاق التراضي الوطني خرج أمام الأنصار على الساحة السياسية بعبارة الشهيرة التي تشبه الاتفاق بـ "سفينة نوح"، وبهذه الرمزية المختزلة وإيحاءات سفينة نوح المثقلة مفهوم الأنا والآخر أثار السيِّد الصادق جدلاً كثيفاً حول الغايات التي ينشدها اتفاق التراضي الوطني، لأن الوصف حسب رأي الأستاذ ضياء الدين بلال فيه "احتكار للحقيقة المطلقة، لا يتوافق مع نسبيات الواقع السوداني الملتبس."

ولا شك أن إيحاءات الأنا والآخر المتدثرة بعباءة الحق والباطل قد أفرزت تداعيات سالبة، واجتهادات متعددة، بعضها يصب في خانة التأييد للاتفاق، وبعضها يرفض حيثياته جملة وتفصيلاً. بدليل أن الأستاذ علي أحمد السيِّد، القيادي في الحزب الاتحادي الديمقراطي جناح الميرغني، يرى: "أن وصف الصادق لاتفاقه بأنه مشابه لسفينة نوح لا يدل على أثر مصالحة وطنية، لأن سفينة نوح كانت للمؤمنين في مقابل الرافضين لركوب السفينة، باعتبارهم كفاراً، وهي مقابلة لا تقود لمصالحة أو تراضي إطلاقاً" (الأحداث: 27/5/2008م). وفي ضوء هذه التوطئة يذهب الأستاذ علي أحمد السيِّد إلى القول بأن المصالحة الوطنية جهد يجب أن تقوم به حكومة الوحدة الوطنية مجتمعة، حسب ما هو منصوص عليه في اتفاقية السلام الشامل والدستور، وأن الانفراد الحزبي بمثل هذا الجهد يضعف هذا المسعى، ويخرجه من حيزه الوطني الرحب إلى إطار الثنائيات الضيق الذي لا يفي باستحقاقات الوطن والمواطن، والمواثيق التي تعاهد عليها طرفا نيفاشا.

وتدفع أيضاً إيحاءات الأنا والآخر الأستاذ كمال الجزولي ليتساءل في ذكاء عن ابن نوح الذي آثر عصمة الجبل دون الصعود على متن السفينة الناجية، ويجيب الدكتور القراي عن تساؤله بقول: "إن موقف السيِّد الصادق المهدي، وقد خالف إجماع الشعب السوداني، بما فيه الشرفاء من أبناء حزب الأمة وكيان الأنصار، يشبه موقف ابن نوح، الذي خالف أباه والعقلاء من قومه، واتبع الغاوين فغمره الطوفان، وحين يقع الندم، ويدرك السيِّد الصادق الغرق، يلتمس له هذا الشعب المغفرة" (سودانايل، يونيو 2008م). وهنا تكمن إشكالية التشبيه، لأن الساخطين على حزب الأمة القومي حاولوا أن يفسروه حسب ما يتفق مع توجهاتهم الأيديولوجية، ويكرسوا بذلك للقيم الإقصائية في إطار مفهوم الأنا والآخر. لأن تشبيه السيِّد الصادق المهدي بابن نوح يقلل أيضاً من فرص التواصل السياسي الايجابي بين القوى السياسية في السودان، ويضع العراقيل إمام أي تراضي وطني يمكن أن يتواضع عليه أهل السودان ليخرجوا البلاد والعباد من نفق الصراع السياسي المظلم.

وفي مقابل تشاؤم الساخطين من التشبيه هناك تفاؤل في معسكر الراضين عن الاتفاق، ويمثل هؤلاء موقف الدكتور عبد الرحيم عمر محيي الدين، القيادي في المؤتمر الوطني، الذي يرى أن التراضي الوطني خطوة إيجابية تجاه "تصحيح أخطاء الماضي القاتلة" التي ارتكبها السيِّد الصادق المهدي "في محاربة الإسلاميين"، ويمضي ويقول "نحن أبناء الأنصار وأعضاء الحركة الإسلامية نضع أسلحتنا في كنانة الإمام، ونقول له الآن قد بدأت المسيرة التي سيسجلها لك التاريخ بمداد من نور في سجل الخالدين. إنها سفينة نوح التي سنسعى نحن في المؤتمر الوطني أن نوفر لها المراسي، والوقود، والزاد، وأن نزودها بالجدية والعزيمة، وعلى إخوتنا في قيادة المؤتمر أن يصدقوا هذه المرة مع حفيد المهدي قبل أن يدركهم الطوفان، وأن يترفعوا عن صغائر الدنيا، ومناصبها، ومغانمها من أجل سودان مسلم، وقوي، وموحد لا مجال فيه لمخالب القطط الأجنبية" (آخر لخطة، 5 يونيو 2008م).

فلا غرو أن تفسير المتن بهذه الكيفية القادحة والمادحة دون الوقوف على حواشيه اللاحقة فيه إشكال رمزي جارح في مواقف الذين يقفون على ضفة النهر الأخرى، ويعتقدون أن اتفاق نيفاشا ومعارضة الإنقاذ سينجيانهما من الغرق، وفيه أيضاً تجسيد لجدلية التدافع بين الحق والباطل الذي تزخر به أدبيات التراث الإسلامي. إلا أن السيِّد الصادق نفسه يرى أن تفسير خصومه السياسيين فيه خطأ وإجحاف لفهم التشبيه المجازي، لأنهم فسروا عبارة "سفينة نوح" على طريقة "لا تقربوا الصلاة" دون إيراد علة السُكر القائم عليها الحكم، بذلك يرى أن مفهوم سفينة نوح المقصود به التراضي السوداني في جوهره العام، وليس اتفاق الأمة والوطني، لان الاتفاق محطة في الطريق إلى تلك الغاية المنشودة، وجزء من التراضي الوطني الشامل، وإذا لم يكن الأمر كذلك فلا داعي للدعوة إلى مؤتمر جامع (الشرق الأوسط، 5/6/2008م).

ويندرج تحت هذه الحاشية موقف الدكتور إبراهيم الأمين الذي يرى أن السودان أمام خيارين لا ثالث لهما: أحدهما خيار توحيد القوى السياسية في السودان حول مشروع يشكل نموذجاً للدولة القومية، والممثلة لكل مكونات المجتمع السوداني، وهنا يأتي اصطلاح سفينة نوح والناجين من الغرق، والخيار الثاني هو خيار الغرق الذي يجعل السودان ساحة للصراعات الداخلية والاستقطاب الإقليمي والدولي (الأحداث: 25 مايو 2008م). إلا أن الدكتور إبراهيم الأمين لم يفصح صراحة عن ماهية المشروع القومي الذي ينشده والذي يمكن أن تتوحد حوله القوى السياسية. هل يعني اتفاق التراضي الوطني في إطاره الثنائي الناشد للقومية، أم يدعو أصحاب العقل الاستراتيجي في السودان إلى البحث عن مشروع آخر في الأفق؟ لست أدري!

وفي نسق أكثر رحابةً من رؤية الدكتور إبراهيم الأمين ترى الأستاذة رباح الصادق أن "التراضي الوطني كفكرة مجردة (وليس الاتفاق بين الأمة والوطني) هو عصا موسى التي تلقف ما يأفكه الاستقطاب، وهو سفينة نوح التي تنقذ بلداننا من طوفان المواجهة والتمزق والدمار"، وسفينة نوح من وجهة نظرها هي "الروح الوطنية المخلصة التي تنتظم جميع الأحزاب"، وتتجاوز الأحزاب بها هنَّات الخصام السياسي إلى تشمير ساعد الجد لإنقاذ البلاد والعباد، دون تقسيم القوى السياسية إلى معسكر ناجين ومعسكر مُغرقين. وبهذه الكيفية تحاول الأستاذة رباح الصادق أن تأتي بحاشية مفيدة، تفرغ رمزية سفينة نوح من معناها التقليدي التقابلي، وتأتي باصطلاح تصالحي معاصر يتجسد في فكرة التراضي الوطني في معناها المطلق الذي لا يرتكن إلى إقصاء أحد، بل يسعى إلى وحدة الصف السياسي حول القضايا المصيرية، وبذلك يستطيع السودان أن يخطو إلى الأمام بعيداً عن أدبيات الشقاق والنفاق، وإيماءات معسكري الأنا والآخر المثقلة بجدلية الحق والباطل.



هل التراضي الوطني خطوة نحو الانتخابات القادمة؟

عرض مراسل صحيفة الشرق الأوسط الصحافي عيدروس عبد العزيز على السيِّد الصادق المهدي سؤالاً في هذا السياق مفاده أن "البعض يقول أن حزب الأمة يريد أن يمتطي جواد المؤتمر الوطني للاستفادة من إمكانياته لخوض الانتخابات، وأن المؤتمر الوطني يريد الاستفادة من جماهير الأمة في مواجهة تكتلات أخرى قد تطرأ؟" فرد عليه السيِّد الصادق المهدي بقوله: "لن نمتطي جوادهم ولن يمتطوا جوادنا، هناك جوادان، بدليل أننا نتحدث بلغتين في كثير من الموضوعات، مثل قضية العدل والمساواة وتشاد، ونحن حزبان مختلفان، وإن اتفقنا على أجندة واحدة."

ويبدو أن ما جاء في الاتفاق حول قضية "التعاون بين الحزبين في بناء القطاعات الفئوية والطلابية والنقابية والمفوضيات"، قد أثار حفيظة التنظيمات السياسية المعارضة للتوجهات الإسلامية للحزبين، ودفعها لتقديم بعض الاجهادات التفسيرية الطاعنة في قومية التراضي الوطني، وعدم شرعيته كوعاء للتفاوض القومي الشامل. وترى حركة حق في الاتفاق تكريس لاصطفاف سياسي يقوم "على أيديولوجية الإسلام السياسي، ومفاهيم السودان القديم، وسيكون العمود الفقري لتحالف انتخابي مرتقب، ويدل على ذلك التوسع والاستطراد في تناول قانون الانتخابات ودعوة منسوبي الحزبين للتعاون" (سوانيزأولاين: 26/5/2008م).

ويصف أحد ناشطي حزب الأمة في المهجر، الأستاذ أبو هريرة زين العابدين، قضية التعاون مع الحزب الوطني بأنها "الكارثة بعينها"، ولا يدري كيف سيحقق حزب الأمة هذا المسعى، هل بتشكل جهاز أمن يقوم بإجبار القطاعات الجماهيرية الرافضة للتعاون على الانصياع لتوجهات القيادة العليا في الحزب، أم يستورد الحزب جماهير جديدة لتقوم بالتطبيع الناعم مع المؤتمر الوطني الذي ذاقت جماهير الأمة العتيقة على يديه الأمرين. ومجمل قوله أن تنفيذ هذا البند دونه خرت القتاد. (سودانايل، يونيو 2008م).

ويرى بعض الناشطين في معسكر المؤتمر الوطني خلاف ذلك، لأن التعاون بين الحزبين من وجهة نظرهم سيفسح المجال لتجاوز الخصومة السياسية بين الأنصار والحركة الإسلامية، تلك الخصومة غير المبررة، التي لا تستند إلى "أسس فكرية، وإنما تؤججها الغيرة والتنافس حول مناصب الدنيا. فكل واحد من طرفي الاتفاق يحتاج بشدة للآخر. فالمؤتمر الوطني قادم على انتخابات غير مضمونة النتائج، وعلى مستوى حزب الأمة فإن السيِّد الصادق لا زال يرقد على عسل نتائج 1986م، ويظن أن الولاء لا يزال ثابتاً له، وكأنه لم يستصحب نفور وابتعاد أقرب الناس إليه، أمثال مبارك، والصادق الهادي، ومسار، والزهاوي، ونجيب، وغيرهم من الزعامات والبيوتات، علاوة على اشتعال دارفور، وظهور قوى جديدة في غرب السودان لها طموحاتها وارتباطها المحلية والإقليمية والدولية". ومن هنا يأتي تصور الدكتور عبد الرحيم عمر بأن التراضي الوطني سيمكِّن الحزبين من مراجعة مشروع الإسلام الحضاري، وتنقيحه ليكون ترياقاً ضد أي مخطط يهدف إلى تفكيك السودان عبر زرع مخالب قط أمريكية بين جنابته، لذلك يسارع حفيد المهدي ليأخذ سيف الإمام بحقه، ويستعد لمنازلة المشاركين في المخطط الأمريكي الصهيوني." (عبد الرحيم عمر، آخر لحظة، 5/6/2008م).

لا جدال أن مثل هذه الرؤية الحالمة بانصهار الحزبين تخلق تشوشاً لمشروع السيِّد الصادق المهدي، الذي يريد أن ينطلق به من ضيق الثنائية الحزبية إلى رحاب القومية الشامل، وذلك عندما تناقش مفردات التراضي الوطني في مؤتمر جامع، يعقد الأمل عليه ليكون مخرج صدق من الأزمة السياسية الراهنة. ولكن يبدو أن بعض أنصار المؤتمر الوطني يفكرون في إطار حزبي ضيق لا يسمح لهذا المشروع بأن تنداح دائرته لتشمل الجميع، بل لا يزالوا يفكرون في إطار سفينة نوح ومفهومها التقليدي القائم على أدبيات المعسكرين المتخاصمين، وبذلك تصبح حواشي أمام الأنصار وأنصاره المؤيدين لاتفاق التراضي الوطني محل شك في نظر الخصوم، الذين يقدحون في الشرعية الثنائية القائم عليها الاتفاق، وفي عُرف بعض ناشطي حزب الأمة القومي الذين يروون في التعاون السياسي مع حزب المؤتمر الوطني حشف وسوء كيل لجهاد حزبهم المرير ضد حكومة الإنقاذ ورموزها السياسيين.



إشكالية الثنائية وجدلية الإجماع الوطني

يصف السيِّد الصادق المهدي اتفاق التراضي بأنه خطوة تجاه الإجماع الوطني، يمكن أن "يهجم" الأمة والمؤتمر الوطني به على بقية القوى السياسية، ويحصلان على مباركتها. إلا أن الأستاذ كمال الجزولي يقف عند مصطلح "الهجوم" بهذا الاتفاق على القوى السياسيَّة الأخرى، ويهجم بطرح عشرين سؤالاً على السيِّد الصادق المهدي تصب في إطار القيمة والدلالة الحقيقتين لاتفاق التراضي. فلاشك أن مصطلح الهجوم مصطلح فريد، كما يرى الأستاذ الجزولي، ويبدو أن السيِّد الصادق استمده من تراث جده الإمام المهدي، الذي بيَّن في منشوراته التي بعثها إلى أهل السودان أن المهدية "هجمت" عليه، وبفعل هذا الهجوم يؤكد لهم أن فكرة المهدية كانت أمراً تكليفياً مرتبط بوحي الرسالة المحمدية، ولم تكن من بنات أفكاره كما يزعم "علماء السوء"، وهنا لا نود القول أن التراضي كان أمراً تكليفياً عال المقام، لكن يظل مصطلح الهجوم مصطلحاً فريداً في قاموس السياسة السودانية.

وفي نفس الاتجاه الذي ذهب إليه الأستاذ الجزولي في إطار بعض الأسئلة القادحة في ماهية التراضي الثنائية التي لا تسمو إلى قامة الوطن الجامع، يصف الدكتور إبراهيم الكرسني الوثيقة بأنها "وثيقة لقيادات مأزومة" ولا يمكن تحويلها إلى إجماع وطني، لأنه لا يعقل "أن تعمل قوتين سياسيتين منفردتين لفترة ستة إلى سبعة أشهر متصلة، وبمعزل تام عن بقية القوى السياسية، لصياغة وثيقة سياسية بكل تفاصيلها، ومن ثم يعرضانها على تلك القوى في "مؤتمر جامع" لمناقشتها وإقرارها!! هل هنالك استغفال لبقية القوى السياسية أكثر من ذلك؟ بل هل هنالك استهبال لتلك القوى أكثر من هذا؟ ألا يقدم مثل هذا الموقف في حد ذاته تفسيراً موضوعياً لغياب تلك القوى عن هذا اللقاء" (التراضي الوطني: وثيقة لقيادات مأزومة، سودانايل، 21 مايو 2008م).

ويصب في الاتجاه ذاته موقف حركة القوى الجديد الديمقراطية (حق)، التي تطرح حزمة من الأسئلة القادحة في قومية الاتفاق ووطنيته: "إذا كان الصادق المهدي صادقاً حقاً في الوصول لتراض وطني، فلماذا لم يطوَّر حواره مع حلفائه من الأحزاب للوصول لتصور متشرك أولاً، ثم الذهاب معاً لمفاوضة المؤتمر؟ أولم يكن ذلك أكثر قومية وثنائية؟ أو ليس هو ابسط ما يقتضيه المنطق السليم؟" (سودانيزأولاين، 26/5/2008).

وفي بيان الحزب الشيوعي السوداني المؤرخ في 24 مايو 2008م وصفت سكرتارية اللجنة المركزية للحزب اتفاق التراضي الوطني بأنه في "جوهره اتفاق ثنائي بين حزبي الأمة القومي والمؤتمر الوطني"، وأنه لم يأت بجديد، بل يصب في وعاء الاتفاقيات الثنائية، ويبدو أن طرفيه يخططان لخطوة أبعد من ذلك، تشبه "التحالف الاستراتيجي" لخوض الانتخابات القادمة. وبهذه الكيفية يسقط الحزب الشيوعي السوداني قناع القومية عن الاتفاق، ويحصره في إطار الاتفاقيات الثنائية، ويصف خواتيمه بالتحالف الاستراتيجي الذي يتعارض في كلياته مع طرح الحزب الشيوعي السوداني.

وتنصَّل أيضاً المؤتمر الشعبي عن مواقفه الداعمة للاتفاق، لأن حزب الأمة من وجهة نظره قد تعامل بسلبية مع الأحزاب السياسية عندما وقع وثيقة التراضي منفرداً دون استصحاب ملحوظات القوى السياسية الأخرى، وفي هذا السياق يقول الدكتور بشير آدم رحمة، الأمين السياسي للمؤتمر الشعبي: "عندما دعانا الصادق لتقديم ملاحظاتنا ذهب إليه نقد، والترابي، وعلي محمود، وقدموا إليه ملاحظات مكتوبة حول مجمل الاتفاق، لكننا عندما طالعنا الوثيقة في صورتها النهائية لم نجد أي من ملحوظتنا أو ملحوظات الأحزاب الأخرى مدرجة في الوثيقة. وبهذه الكيفية تبرأ المؤتمر الشعبي من مباركته السابقة للاتفاق قبل وتوقيعه، بل ذهب أنصاره في اتجاه معاكس لأدبيات الاتفاق، لأنهم شرعوا في إجراء اتصالات سياسية مع القوى الأخرى، يحسبونها "أفضل حالاً من جهد الأمة والوطني، لأنه تشمل أحزاباً سياسية، شرقاً وغرباً وجنوباً، وشخصيات مجتمعية، وتكنوقراط، وغيرهم من أجل إضاءة نفق الوطن المظلم الآن" (عمار عوض، التراضي الوطني هل يبدأ بأزمة، الأحداث، 27 مايو 2008م). وسواء أثمرت هذه الاتصالات أم لم تثمر، فنجدها تقلل من شأن الاجتماع الوطني حول اتفاق التراضي، وتفسح المجال لمزيد من المناورات السياسية، التي لا تصب في صالح الإجماع القومي الذي ينشده حزب الأمة.

ومن خلال هذه المواقف الناقدة لثنائية اتفاق التراضي الوطني يبدو أن إمكانية تحويله إلى اتفاق قومي شامل تتواضع عليه كل القوى السياسية ليس بالأمر السهل، لأن القوى السياسية الرافضة تعللت بعدم مشاركتها في صياغة الاتفاق، وعدم مباركتها لمراسيم توقيعه، فلا جدال أن مثل هذا الشعور بالتجاهل والتهميش يفضي إلى تقليص فرص التوافق السياسي حول وثيقة التراضي، بل أن بعض إيماءات الاتفاق القادحة في اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا) تجعل الحركة الشعبية أكثر تتشككاً في نوايا شريكها في الحكم، وتتطير بأن الاتفاق موجَّه بشكل خاص ضدها وبشكل عام ضد الجنوب. فإذا ظل موقف الأحزاب السياسية بهذه الصورة القاتمة والرؤية الضبابية فإن اتفاق التراضي بين الأمة والمؤتمر الوطني سيسهم في إنتاج أزمة أخرى، ويفضي أيضاً إلى تعقيد المشهد السياسي أكثر مما كان عليه، بدلاً من أن يكون مخرجاً لحل الأزمات التي يعاني منها السودان. وعند هذا المنعطف يضحى موقف السيِّد الصادق المهدي موقفاً حرجاً، لا يحسد عليه بين المعارضين والمؤيدين، الذين فشلوا في أن يجتمعوا على كلمة سواء.






خاتمـة

تدور كل التحفظات التي أثارها المؤيدون والمعارضون لاتفاق التراضي الوطني حول مصداقية حكومة الإنقاذ في الوفاء بالوعود التي قطعتها مع حزب الأمة القومي وغيره من الأحزاب الأخرى، لأن الإنقاذ في عُرفهم حكومة قد أدمنت نقض العهود والمواثيق مع الآخرين، ومواقفها في هذا الشأن ليست مجرد حالة مزاجية طارئة يمكن تبديلها بالمواعظ السياسية والأخلاقية مهما كانت وجاهتها وأهميتها، بل هي مواقف تنطلق من نهجها الإقصائي المتجذِّر في تصورها الشمولي للأشياء، ونظرتها الحزبية المرتبطة بأدبيات "التمكين والتمتين"، علماً بأن وجودها في السُلطة قد تدثر بامتيازات كثيرة لا يمكن التنـزال عنها بسهولة. وهنا مربط الفرس، الذي تخشاه الأحزاب السياسية التي طرحت على حزب الأمة حزمةً من الأسئلة المرتبطة بضمانات تنفيذ اتفاق التراضي الوطني، وطبيعة القيد الزمني المرتبط بإجراءات التنفيذ، وتفعيل الاتفاق على صعيد الواقع. وأما الفريق الآخر من المعارضين فيتوجس أن يكون التراضي الوطني مدعاة لقيام تحالف استراتيجي بين الأمة والوطني، يصب في خانة المشروع الحضاري الإسلامي، الذي يمكِّن لأدبيات "السودان القديم" حسب زعمهم، ويسحب البساط من تحت قيم "السودان الجديد" التي أرستها اتفاقية السلام الشامل (نيفاشا)، وبذلك يجمعون على أن مثل هذه الخطوة ستكون خصماً على فاتورة الوحدة الوطنية، والديمقراطية التي ينتظر أن تكون خطوة تجاه تأسيس نظام حكم يتواضع عليه الناس جميعاً.

لا جدال أن هذه المواقف تضع حزب الأمة في موضع حرج لا يغار عليه، وتطرح أسئلة محورية تحتاج إلى إجابات شافية. هل سيواصل حزب الأمة في تنفيذ اتفاقه الثنائي مع حزب المؤتمر الحاكم إذا لم يتحقق الاجتماع الوطني المرجو؟ وإذا آثر المواصلة، هل سيحتج الحزب بأن الاتفاق سيبقى، لأنه حلقة مهمة لتضييق الخناق على الشموليين في الحزب الحاكم؟ وهل بموجب ذلك يسهم الحزب في إنجاز عملية انتقال السودان من ضيق الشمولية إلى رحاب الديمقراطية وفق منظومة "الانتفاضة الانتخابية" التي يدعو إليها السيِّد الصادق المهدي؟ فالإجابات عن هذه الأسئلة شأن يهم حزب الأمة وقيادته السياسية، وأن الأيام كفيلة بالإفصاح عنها، لكن إذا لم يتحقق لحزب الأمة الإجماع الوطني الذي ينشده حول التراضي الوطني، ولم يف المؤتمر الوطني بتنفيذ بنود الاتفاق كما يروق لجماهير الأنصار وحزب الأمة، فهل سيركز السيِّد الصادق المهدي جهوده في تفاعيل "الانتفاضة الانتخابية"؟ والتفعيل يعني الاهتمام بالبُعد الساكن للعملية الانتخابية، والقائم على تشكيل المفوضية القومية للانتخابات، تشكيلاً يبعدها عن تأثير الأجهزة التنفيذية ويضمن حياديتها، ويوطِّن لها أيضاً في إطار قانوني انتخابي ورقابة محايدة، تكون غايتهما تحقيق الحرية والنـزاهة المنشودتين لإحداث التحول الديمقراطي الذي يحلم به أهل السودان. ومن ثم يجب على الأحزاب السياسية أن تتحرك بحكمة وعقلانية من منعرج التركيز على نقد سلبيات التراضي الوطني تجاه إنجاز أولويات المرحلة المقبلة، والمتمثلة في حل أزمة دارفور، وتنفيذ استحقاقات الاتفاقيات المبرمة، وتفعيل آليات "الانتفاضة الانتخابية".


تم النشر بصحيفة الأحداث وسودانايل ومنابر أخرى

Post: #980
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 07-04-2008, 10:33 PM
Parent: #1




المرأة بين الشريعة التقدمية والحداثة الرجعية (2-2)
د. عبد الله علي إبراهيم [email protected]

هذا هو الجزء الثاني من الفصل الثالث من كتابي "الشريعة والحداثة" الصادر عن دار الأمين بالقاهرة في يناير الماضي. والكتاب قائم علي فرضية أن الإستعمار الأنجليزي حال بين الشريعة والخوض في ابتلاء الحداثة التي جاء بها على فوهات المدافع . فقد بلغنا الاستعمار الإنجليزي بعد طول مكث في الهند كان قرر خلالها أن الشريعة الإسلامية وكافة أعراف النحل الهندية قاصرة عن التحديث أو مصادمة له. وبناء عليه يريد البحث أن يحدس بما كان سيقع لنـا من قانون في الســودان لو وثق الاســتعمار بأن الشــريعة أهـل للحــداثة بما انطوت عليه من إرث قانوني صالح ، ولو أنه اطمأن إلى أن بعض تشريعاتها المثيرة لاعتراض المحدثين مما ربما تكفلت الشريعة نفسها ، سماحة منها ، بتعطيلها أو تأويلها من خلال خطابها وجدلها الخاصين. وقلنا أنه لو لقيت الشريعة هذا المضمار الطليق نسبيًا للاجتهاد في خاصة قومها وشرعهم ، تَبْتلى الحداثة وتُبْتَلى بها، لما انتهت إلى هذا التقليد القانوني الخلافي الذي نراه اليوم يصطرع حوله أهل الحداثة والتقليد وغيرهما اصطراعًا مخلاً.

وتناولنا في الجزء الأول من الفصل كيف عالج القضاة الشرعيون، الذين هم نتاج الحداثة الإستعمارية، جانبين من شرعهما فيهما صدام مبين لمقتضي الحداثة وهما الرق وبيت الطاعة. وقد قلنا أن القضاة المذكورين حققا في هذه المعالجة إصلاحاً مناسباً برغم إستضعافهم في بئية قضائية قصرت الشريعة علي الأحوال الشخصية وأخضعت المحاكم الشرعية للمحاكم المدنية وفق شروط خدمة مسئية. وفي هذا الجزء الخير من الفصل نبين كيف ان الأنجليز فوجئوا بأن الشريعة أرحم بالنساء من العرف "القبلي" لما مالوا اليه وهجروا الشريعة خلال فترة مراهقتهم الإدارية لتمكين الإدارة الأهلية في آخر العشرينات وأوائل الثلاثينات. وأستخدمنا مفهوم "الخيبة أو الإستسلام الإستعماري" الذي جاء به الدكتور محمود محمداني لنصف كيف ارتد اللأنجليز عن حداثتهم وناصروا ذكور السودانيين حين مكنوا للعرف دون الشريعة. كما عرضنا لأوجه الإجتهاد الذكي الذي خاضه قضاة الشرع ليخلصوا الي قانون تقدمي للأحوال الشخصية اشادت به الدكتورة كارولين فلوهر-لوبان من موقع تقدمي في كتابها "القانون الأسلامي" الصادر في 1987 . كا اشادت به السيدة جيهان السادات حين سعت الي تحديث قانون الأحوال الشخصية في مصر. وسنري ان القضاة تخيروا حتي من فقه الشيعة ليقعوا علي العدالة والإنصاف. وقد تكلف هؤلاء القضاة هذه التقدمية في شروط مهنية غاية في التضييق من جهة الإنجليز وورثتهم السودانيين في القضائية المدنية.

الأعراف الجائرة والشريعة السمحاء
أتينا في الفصل الثاني من كتابن "الشريعة والحداثة" على قناعة الإنجليز أن العرف هو أدنى لحياة أهل القبائل السودانية من الشريعة . و هي قناعة تأذى منها المجتمع الريفي . فقد ترتب عليها نشوء حلف سياسي بين رجال البطراكية الأبوية العائلية السودانية ورجال الإدارية الإنجليزية . فتفويض الإنجليز للبطراكية الرجالية ، ممثلة في الإدارة الأهلية ومحاكمها ، النظر في قضايا النساء ضد ذكور البطراكية ، كان بمثابة تنصل منهم عن النساء اللائي زعموا أنهم ما جاءوا من أقاصى الأرض إلا لتحريرهن ، ضمن طوائف أخرى ، من استبداد الرجل الشرقي . وقد سبق الحديث لنا عن هذا الحلف حين عرضنا لجرجرة الإنجليز أرجلهم دون إنفاذ إلغاء الرق لخشيتهم غضبة هذه البطراكية إذا أوذيت فيما ملكت إيمانها . وهذا تنصل وصفه الدكتور محمود محمداني بأنه " استسلام استعماري " كف به المستعمرون يدهم عن إنجاز مهمتهم التهذيبية المعلنة . وقد احتاج الإنجليز لهذا الميثاق مع الرجال المستعمرين لأنهم كانوا خاضوا حربًا صعبة ضد نظام المهدية في السودان ، ولم تذعن لهم البلاد بعد مما أخافهم من التورط في مشروعات حداثية غير مأمونة العواقب .

بوضع نساء قبائل الريف تحت رحمة الأعراف يكون الإنجليز قد أخضعوهن لقانون أقل شفقة بهن من الشريعة . ومعلوم أن البطراكية ذات مروءة مشهودة في صون بيضات خدرها ، النساء ، بمظاهرتهن على الأزواج والقيام بأمرهن وأطفالهن متى تقاعس الزوج أو هجر . غير أن هذه البطراكية لن تأذن لهن بحسم خلافاتهن الأسرية ، سواء مع بطراكياتهن أو بطراكية الزوج ، خارج منطوق العوائد التي راكمتها وتمتلك وحدها حق تفسيرها . والعادة والشريعة كثيرًا ما افترقتا بشأن حقوق النساء وغالبًا ما كانت الشريعة هي القانون الذكي المنصف للمرأة . فالمرأة محرومة من الإرث ، الذي هو حق لها في الشريعة ، بين جماعات مسلمة كثيرة في السودان باعتبار أنها تستظل بضمان البطراكية الاجتماعي . فإذا أردت المرأة هذا الضمان كفت عن طلب الإرث تحمله إلى زوج غير مأمون العواقب . وقد بلغت هذه العقيدة البطراكية مبلغًا شائعًا حتى أن أحد الرجال قد استغرب لحكم القاضي الشرعي بإرث لأخته قائلاً أن هذا ليس من الإسلام في شيء وإنما هو إسلام بدع جاءت به الخرطوم . وقد جرى تنبيه الإدارة البريطانية لجمال الشريعة وبؤس الأعراف حيال فقه المرأة منذ 1927 حين بدأ التفكير والإعداد للإدارة الأهلية . وقد جاءت مقالة للسيد محمد أحمد أبو رنات ، الرئيس الأسبق للقضاة ، بحشد من الأعراف القبلية التي تفارق الشرع وتفتئت على النساء . فبين الجماعات السودانية من تقسم الإرث بواسطة مجلس عائلي لا تُراعى فيه الأنصبة الشرعية الإسلامية المعروفة للأبناء والبنات .

كانت المحكمة الشرعية رائدة في حفظ حقوق النساء من إفتئات البطراكية . ولم يتخلف عن هذه الريادة حتى أولئك العلماء الشرعيين المحليين الذين عينتهم الحكومة في المحاكم القبلية الأهلية تسويغًا لخطتها في التخلص من المحاكم الشرعية في الريف القبلي . و هي الخطة التي رأينا القضاة يناصبونها العداء لمنحها زعماء القبائل سلطة شرعية لم يتأهلوا لها . فقد ردت المحكمة الشرعية الإرث لإمرتين حرمتهما منه أعراف البطراكية في القضية المعروفة بورثة أحمد خضر نقد ضد ورثة نعيمة الخضر . كما حكم عالم شرعي عضو في محكمة للإدارة الأهلية ضد ممارسة لأهله لا تعترف للمرأة بحق في المال متى ما تزوجت وكان مالها مما يقتسمه أخوتها . وكانت النساء يحملن مظالمهن من العرف إلى المحاكم الشرعية أو إلى العلماء المحليين في المحاكم الشرعية . وقد حكم أحد هؤلاء العلماء ببطلان عادة حرمان المطلقة من ورثة زوجها متى مات ولم تكتمل عدتها . كما حكمت محكمة شرعية لامرأة استظلمت من عادة قبلية في المهور . فالزوجة في هذه الجماعة السودانية تعطى بعض البقر كجزء من مهرها . ولن تملك الزوجة هذه البقرات إلا إذا ولدت لبعلها . فإذا لم تلد ظلت تتمتع بلبن البقرات ووبرها من غير امتلاك لها . وتقدمت زوجة لم تلد لزوجها للمحكمة الشرعية تحتج على هذه العادة . ونظرت المحكمة في الأمر واستحسنت العادة بعد أن أبطلت اشتراط الولادة تمليك الزوجة ما هو حق لها .

ولم تكن البطراكية في الريف وغير الريف لتأذن حتى بنفاذ بعض التشريعات التقدمية للمحكمة الشرعية . فقد قضى المنشور الشرعي رقم 54 لعام 1960 أن يتأكد المأذون من أن الفتاة التي جاء لعقد زوجها راضية عن هذه الترتيب . غير أن المأذون كان سيأتي إلى فضاء عقد الزواج الذي تسيطر عليه البطراكية . ولن يجد المأذون في نفسه الشجاعة ليسأل ذكور العائلة أن يلقى فتاتهم فيستوضحها جلية الأمر . وحتى على افتراض لقائه بها ، وهو أمر بعيد ، فإنه سيجد العروس غير راغبة في الإفصاح بذات خيارها لثقل فعل ذلك تحت سمع البطراكية الصماء وبصرها. ومع أننا لم نبلغ من تقدمية التشريع رقم 54 (1960) شيئًا مذكورًا إلا أن أثره التحرري في قول ،الدكتورة دينا شيخ الدين ، قد مس النساء حتى في القرى النائية . وأهم من ذلك كله أنه قد أخاف العائلة البطراكية من أن تستهتر برغائب نسائهن بحملهن حملاً إلى الزواج بمن لا رغبة لهن فيه . فالأب ورهطه ، في قول دينا عثمان شيخ الدين، سيعملون حسابهم جيدًا لتفادي حرج أن تشق عليهم فتاتهم عصا الطاعة بالظهور في محكمة تعترض على زواج رتبوه .

كانت نساء الريف سباقات إلى اكتشاف عدل الشريعة وظلم العادة . فقد سعت إلى التماس عدل الشريعة نساء كثيرات قبل تقنين الإدارة البريطانية للإدارة الأهلية في العشرينات . وقد أحصى أبو رنات أن القاضي الشرعي بين المسيرية الحُمُر في كردفان نظر في 18% من النزاعات الأسرية في وقت باكر هو عام 1918 . وقد حملت النساء ظلامتهن حتى إلى المفتشين الإنجليز في أماكن لم تطأها بعد المحاكم الشرعية . وقد تخطين بذلك نظم أجاويد القبيلة والبطراكية المؤسسية وغير المؤسسية . فقد استغرب ريجنالد ديفز ، مفتش المركز البريطاني ذو الخبرات المميزة في الإدارة الأهلية التي صبها في كتاب عنوانه على ظهر جمل ، لدعوة أحد سادة القوم في قبيلته له أن ينظر في بعض النزاعات الأسرية بين أهله ونسائهم . وواضح من هذا أن النساء المتظلمات من عرف العشيرة قد أردن لنزاعتهن الأسرية أن تُنظر في غير محكمة العشيرة وعرفها . وأعترف هذا السيد في قومه للمستر ديفز أنه محتار في الذي التبس بنسائهم قائلاً : "تريد نساء هذه الأيام أن يتقدمن الرجال في المشي". وقد أخذت قوة عارضة هؤلاء النساء ديفز نفسه أخذًا فقال : " ليس على وجوه النساء اللاتي جئن للطلاق من أزواجهن مسحة من استذلال أو انخذال " .

وكان صراع الشريعة والعادة مما أدركته النساء ونفذ إلى وعيهن بالعدل وألهم طلبهن له . وكاد حكمٌ في نزاع أسري ما أن يتسبب في تعكير صفو الأمن، لأن مفتش المركز قد أخذ برأي مجلس قبلي مهملا لحكم سبق أن صدر عن قاض شرعي في هذا الشأن الأسري . ولم تتأخر النساء عن نداء التقاضي أمام المحكمة الشرعية . فالإحصاءات أوضحت أن نصيب المحكمة الشرعية من القضايا الأسرية كان ضعفي نصيب المحكمة الأهلية . وقد حدث هذا حتى حين ضيقت الحكومة على المحاكم الشرعية فألغت بعضها وضيقت اختصاص الذي تبقى منها بين القبائل لتشجيع نمو المحاكم الأهلية وازدهارها. وقد أذهل هذا النشاط القضائي للمحكمة الشرعية الإنجليز عن الحق . فقد أقر إداري إنجليزي أن الحَمَر ، في كردفان ، يمانعون في أخذ قضاياهم إلى محاكمهم الأهلية . وراح يبرر " تمرد " الحَمَر على محكمتهم الأهلية بقول زائف مثل قوله أنه لا مشاحة أن الحمر يريدون لمحكمتهم الأهلية أن تنظر قضاياهم إلا أنهم لا يمكنهم مع ذلك إغفال وجود محكمة شرعية . وأضاف أن الحَمَر ربما لم يعرفوا أيضًا أن محكمتهم الأهلية مختصة في النظر في النزاعات العائلية . وهذا تزيين وعقلنة زائفة للأمر . فكيف حدث أن الحَمَر لم يعلموا أن محكمتهم الأهلية ذات اختصاص في النزاعات الأسرية في حين كان وجود هذا الاختصاص ، كإرث قبلي ، هو الذي روج له الإنجليز لكي يلغوا محاكم الشريعة من الريف حتى يردوه إلى أهله . لقد تفادى هذا الإداري الإنجليزي أن يحمل ملحوظته محملها المنطقي . وهو أن الحمر ونساءهم بخاصة هم خصوم أذكياء وسيختارون من بين المحاكم والقوانين تلك التي ستحكم لهم لا عليهم . فهؤلاء المتنازعون الأذكياء أحرص على النصر في القضية منهم على الحفاظ على تقاليد حمر المزعومة .

لم يسمِ الرجال السودانيون القاضي الشرعي بـ " قاضي النسوان " اعتباطًا . فقد رأوا أن محكمته وشرعه أعدل بالنساء من أعراف العشيرة . وقد سمعنا بعضهم يصف المحكمة الشرعية بالخروج من الدين جملة واحدة ، أي الدين الذي يفارق الشرع ويواطيء أغراض البطراكية . وقد بلغ غضب هذه البطراكية على المحكمة الشرعية حدًا أن جماعة ما طردت أحد القضاة الشرعيين من بلدهم . وقد جاء خبر هذا العنف بحق قضاة الشرع في كتاب ترمنقهام المعنون الإسلام في السودان . والتفسير الذي ساد قبلاً في تفسير هذه الحادثة نظر إلى أطروحة ترمنقهام نفسه التي قالت بأن الذي يسود في ريف السودان هو الإسلام الشعبي الذي هو شيء غير الإسلام الأرثوذكسي ، أي الشرعاني ، الذي هو مدار المحاكم الشرعية . وهذا تفسير يرد عنف الرجال بحق القاضي الشرعي إلى الشذوذ الفكري للمحكمة الشرعية وقاضيها في أرض القبائل التي تعتنق الإسلام الشعبي . وسيبرز قصور هذا التفسير إذا بدأنا باعتبار مصالح البطراكية التي رأينا كيف أصابها الحرج مع نسائها ، اللائي خرجن من أطر ومقتضى الأعراف ، وسعين إلى العدل من المحكمة الشرعية . فقد تكبد القاضي الشرعي ما تكبد من عنف وإزراء لا لشذوذ ثقافي بل لأنه جاء إلى ساحة نزاع ثقافية واجتماعية بين البطراكية و " بروليتاريتها " من النساء وغير النساء . وكان من سوء حظ القاضي المزجور أنه جاء إليها بقانون التزم جانب هذه البروليتاريا .

كيف جعلوا من حديث الحداثة حديث خرافة

لم يكشف القضاة الشرعيون عن قدرة حسنة للاستجابة في أحكامهم للتغير الاجتماعي والأسري فحسب ، بل إنهم وظفوا بسخاء مصادر شرعية دقيقة في فقههم لامتلاك ناصية ذلك التغيير . فقد وظفوا آلة التخيير ، وهو اختيار القاضي للرأي الذي يناسب ظرفه وحكمه من جملة الآراء التي جاءت في الشأن نفسه في مختلف المذاهب الشرعية . وهذه طائفة من الأمثلة على ذلك . فقد أعطى المنشور الشرعي رقم 17 (1915) المرأة حق الطلاق أمام المحكمة . وكان هذا حدثًا لأنه ترخيص غير مسبوق في العالم الإسلامي . فبمقتضى هذا المنشور يمكن للزوجة طلب الطلاق من زوجها خشية منها أن تنزلق في الرزيلة متى ما هجرها زوجها لعام أو أكثر . ويمكن للزوجة أيضًا أن تطلب الطلاق للضرر الذي اقتصر أساسًا على الأذى الجسدي . وقد توسع الشارع في عام 1970 في فهم الأذى ليشمل المعنوي أيضًا . وكما هو متوقع فقد اشتجر الخلاف مجددًا بين المحكمة الشرعية والمدنية حول طبيعة الأدلة التي تقيم بها الزوجة حجة الضرر . ومن المفهوم ، في سياق ما عرفنا من تباغض المحكمتين ، أن ترفض المحكمة الشرعية طوائف الأدلة التي تثبت أمام المحكمة المدنية . غير أنهم عادوا للإقرار بشرعية تلك الأدلة ولكن بعد مضي نصف قرن بحاله . فصدر المنشور الشرعي رقم 59 (1973) الذي قضى بأن تأخذ المحكمة الشرعية بدليل المحكمة المدنية بشأن الضرر .

وقد مالت السلطات الشرعية إلى الأخذ بالتخيير كلما غشيت المجتمع روح ليبرالية وأُذِن بإنصاف المرأة . فقد استقى المنشور الشرعي رقم 17 من المذهب المالكي - الذي عليه معظم أهل السودان- وليس من المذهب الحنفي الذي هو عقيدة الدولة ومحاكمها الشرعية . وعلى خلاف المذهب الحنفي ، فإن المذهب المالكي يأخذ في الحسبان سوء معاملة الزوجة كسبب للطلاق . وبالمثل فقد تخير القضاة الشرعيون رأى المالكية في مسألة حضانة الأطفال ورعايتهم . فالمالكية ، خلافًا للحنفية ، يأذنون للأم بحضانة أطفالها حتى يبلغ الولد سن البلوغ إلا إذا اقتضى حسن تنشئة الولد غير ذلك . كما تخير القضاة الشرعيون المذهب المالكي في نظرهم لمسألة الكفاءة ( و هي تناسب مقام الرجل والمرأة المقدمين على الزواج ) . ومرة أخرى فالمذهب المالكي ، خلافًا للمذهب الحنفي الرسمي ، لا يتطلب في الكفاءة المساوة في العنصر أو العرق والطبقة . وهو مطلب يستبعد الزواج إلا بين أهل المقام الواحد مما يكرس التراتب الاجتماعي والإثني ويخلده . في حين لا تشترط المالكية في الكفاءة إلا حسن إسلام العريس والعروس .

وقد امتحنت بعض القضايا المستحدثة في عقد السبعينات المحكمة الشرعية في مسألة الكفاءة . فقد اشتكى شاب أسرة ما حرمته من الاقتران بابنتها لأن أصله في الرق . وكانت محكمة صغرى قد حكمت لصالح الأسرة ناظرة إلى آراء الحنفية التي هي قوام التشريع الرسمي للمحاكم . ولما نظرت المحكمة الشرعية العليا في القضية حكمت لصالح الشاب ناظرة إلى آراء المالكية الذين مذهبهم مذهب سائر السودانيين كما تقدم . وهذا حكم فذ اعتنى بالعصر أبلغ عناية ، واستصحب مرونة التشريع وفسحة المذاهب في هذه العناية بغير أن يرتج عليه أو يتخبط .

أما في جهة الزواج فلم يجد القضاة حرجًا مع مذهبهم الحنفي الرسمي لسماحته في مسألة موافقة المرأة على زوجها . وهكذا وجد القضاة فيه سككًا سالكة استصبحوا فيها شريعتهم في زمان اشتدت فيه النزعة الديمقراطية في الأسرة بفضل نشر وتنامي المراكز الحضرية واشباهها . وفي شأن عقود الزواج بدأت المحكمة الشرعية بفقه الحنفية الذي يقضي بأن بوسع المرأة أن تعقد لزواجها بنفسها . غير أنها انتكست عن هذا المبدأ الحنفي الحق في عام 1933 في ظروف وملابسات غير واضحة لنا حتى الآن . واستبدلت المبدأ الحنفي بالرأي المالكي الذي يعطي ولي أمر الزوجة القول الفصل في عقد زواجها . غير أن المحاكم الشرعية عادت في 1960 إلى المبدأ الحنفي المهجور الذي أعطى المرأة حق الموافقة على زواجها ممن تقدم لها . وهذه العودة على بدء كانت محاولة مخلصة من المحكمة الشرعية للاستجابة لمطالب الحركة المرأة الجديدة بقيادة الاتحاد النسائي ذى النفوذ الواسع بإعطاء المرأة حق الموافقة أو غيرها لمن يتقدم لزواجها لوقف الزيجات المفروضة على النساء التي أدت إلى انتحار بنات لم يقبلن بما قبلت به أسرهن .

لقد بذل القضاة الشرعيون قصارى رأيهم مستصحبين التخيير لملاقاة الحداثة والتكيف معها . وقادهم سخاؤهم - وهم من أهل السنة بمنزلة - إلى تبني رأي من فقه الشيعة عن الطلاق لطمأنة المرأة إلى حياتها مع الزوج وإسلامها . وقد جرى تضمين هذا الرأي الشيعي في المنشور 41 (1939) الذي قضى ألا يقبل القاضي الشرعي كسبب للطلاق حلفًا أو قسمًا تفوه به الزوج مثل قوله للآخر لو لم تفعل كذا لطلقت زوجتي . وهكذا أخلى هذا التشريع الرجال من سلطة وامتياز وهراء . كما نص نفس المنشور على بطلان الطلاق البائن إثر قول الزوج للمرأة أنها طالق ثلاثًا . واعتبرت المحكمة مثل هذا القول ، عددًا ، طلاقًا واحدًا . وهذا تفريغ آخر للرجال من سلطة في القول متبوعة بالفعل . وقد استصحب القضاة الشرعيون آلة التلفيق الشرعية أيضًا لملاقاة الحداثة وتوطينها إسلاميًا . والتلفيق هـو تكييف حكم ما بشأن أمر ما بالجمع بين مفردات أراء المدارس والفقهاء . وقد استخدم القضاء الشرعي هذه الآلة لاستحداث تشريعات منصفة للنساء في السودان .

ومما يؤسف له في رأى فلوهر - لوبان ، أن الشريعة على سماحة منشوراتها وأحكامها الشرعية ، لقيت التغيير الاجتماعي مستجيبة لضواغطه متثاقلة نوعًا ما ولم تلقه مبادئه ، متنبئة به ، وسباقة إليه . وبمعنى آخر فإن التشريعات لم تصدر عن قضاة اعتقدوا في ابتلاء الحداثة واستبقوه راصدين مشمرين . واستعجبت دينا عثمان لماذا لم تصدر عن المحكمة الشرعية مبادرة مهنية غراء خالصة لله في إصلاح قوانين الأسرة مما جرها إلى مجرد التكييف الوقتي الثقيل على النفس مع مستحدثات التغيير الاجتماعي . وقد جاءت دينا شيخ الدين في تعليل تثاقل أهل الشرع بقول ثاقب . فقد قالت إن الذي حرم القضاة الشرعيين من هذه المبادرة هو أن طاقاتهم للإبداع قد استهلكها شعورهم بعدم الطمأنينة لشرعهم وحتى دينهم في ظل المستعمر الإنجليزي . كما لم يغير استقلال البلاد من ذلك شيئًا ذا خطر . فقد أهدر هؤلاء القضاة وقتًا ثمينًا في صراع لا يني طلبًا للمساواة بزملائهم القضاة المدنيين . وعليه فقد كانوا أما غير راغبين أو غير قادرين على الدعوة لإصلاح الشريعة حين لقوا الحداثة متواصين بحفظ بقية الدين لا بإنزاله بمقتضى الحادثات واستباقًا لها . وقد خلصت دينا بنباهة إلى أن إصلاح قوانين الأسرة رهين بخلق بيئة فكرية ومهنية مُثْلى تمكن القضاة من المبادرة بالإصلاح مستعينين بتجربتهم الفريدة الطويلة في قضايا الأسرة .

ولم تتوفر للقضاة هذه البيئة لا في عهد الاستعمار ولا العهد الوطني . فبرغم ما قاله السكرتير القضائي عن القضاة في عام 1932 من أن القضاة جماعة راشدة ذكية من الرجال إذا أحسنا إليهم فإنه نادرًا ما حظي هؤلاء القضاة بهذه المعاملة . وقد رأينا كيف أنهم أسفروا في أمر الرق وبيت الطاعة عن واسع حيلة في أخذ الحادثات وشرعهم بقوة . و هي حيلة أهدرها الإنجليز الذين اختاروا في كل الأحوال أن يتطفلوا على ذلك الخطاب وأن يرتابوا في تلك الحيلة . ولم يمنع ذلك القضاة من إصدار تشريعات وأحكام أنصفت المرأة وكشفت عن مصادر باطنة للشريعة في الإحسان والعدل . وقد لقيت مساهمتهم هذه تقريظ فلوهر- لوبان التي قالت في استحسانها : " لم أكتشف خلال مباحثي عن قانون الأحوال الشخصية الشرعي الفكرَ المستنير والتقدمي الذي جاء به إلى الوجود فحسب، بل التطبيق الإنساني لذلك القانون في المحاكم التي زرتها " .

والحق أنه لم تقم بين الطبقة الفقهية السودانية على هذا العهد والحداثة عازلات من أصل مهني أو تربوي تقطع طريق هذه الطبقة إلى التقدم . فلم يرث السودان طبقة علماء لها التمكين والقوة وضالعة في المحافظة . وقد خلا السودان من هذه الطبقة المستأصلة لأسباب . فقد نظمت الإدارة البريطانية حملة دقيقة ضد الإسلام الجهادي المهدوي ورموزه ووسائطه،فكسدت بذلك طبقة علماء المهدية . وفاقم من هذا بالطبع نكسة العلماء أنفسهم وخيبتهم في المهدية التي أساءت إلى جمعهم . ولذا كان من تبقى من العلماء بعد غزو الإنجليز للسودان قد أعيته التجربة الإسلامية المهدية أعياءًا وأراد بعده التوفر على حياة هادئة من العلم والتعلم والانقطاع للعبادة . وقد وجد هذا المزاج الإصلاحي فيهم مضمار ممارسة وإشباع في محاكم الشرع وقسم القضاة الشرعيين بكلية غردون والمعهد العلمي .

ولم توقر الإدارة الاستعمارية ميل هؤلاء العلماء للهدأة السياسية . فقد استقطبت الحكومة نفرًا صالحًا منهم في هيئة المشائخ الدينية التي تأسست في 1904 وفي أعقاب غزو السودان. ومن المحزن أن الإنجليز لم يحسنوا إلى هذه الفئة التي قبلت بهم لا حبًا فيهم وإنما رضوخًا للنازلات . ونصح الشيخ بابكر بدرى الإنجليز ألا يطمعوا في حب السودانيين من جهة عدل حكومة الاستعمار لأن السودانيين فضلوهم لتعقلهم في تدبير الحكم واستباب الأمن وهو الذي قصرت المهدية عن فعله . وقال لهم إنهم متى طلبوا الميزة لعدلهم فالأولى بهم أن يتركوا البلاد لأنه ليس بوسع مسلم أن يرهن العدل بغير الإسلام . وقد انحدرت هيئة المشائخ هذه بسمعتها إلى الحد الذي وصفها أهل الوطنية السودانية بـ " أعوان الاستعمار " لما رأوا أنه ما صدر من جمعهم إلا ما يسوغ للإنجليز إرادتهم السياسية من جهة الشرع . وهذه عاهة أصل في الاستعمار و هي أنه عاجز عن التعامل مع جماعة وطنية باحترام وكفاءة وندية . فما تهيأ لجماعة سياسية لها عزيمة ورؤية أن بوسعها التحالف مع الاستعمار بقبول ورضى لصالح مشترك حتى تجد الاستعمار قد أحال هذه الجماعة إلى رسم مجرد وزجها في ضلالاته السياسية كلها . ولم تدم هذه الهيئة فقد عطلتها الإدارة الاستعمارية على عجل حين سنح لها أن تستميل مشائخ الدنيا والدين في الحضر والأرياف في العشرينات وما بعدها . وبقيت الهيئة تلعب دور " قس بري " في قول مدير المخابرات . ولم يرحمهم هذا المدير الجاحد بقوله إننا لم نرد لهم أصلاً أن يلعبوا دورًا أميز من دور أولئك القسس .( وقس بري انجليزي غير مذهبه وقناعاته غير مرة وكيفها لتتوافق مع كل ملك جديد يعلو العرش. فتارة هو بروتستانتي وتارة أخرى كاثوليكي وهكذا).

لم يكن قضاة الشريعة في السودان منبتي الصلة عن وارد الحداثة . فهم من خريجي كلية غردون الذين أُشربوا فيها المعاني المحدثة من موقع الشوكة حتى قبل هؤلاء القضاة أن يرفعوا كل منشور شرعي صادر منهم ليجيزه السكرتير القضائي للحاكم العام كما اقتضى القانون الساري . فقد علموا علم اليقين أن الإنجليز هم أولو الأمر والتعقيب حتى بشأن الشريعة التي تنازلت عن حقولها جميعًا واقتصرت على مسائل الأسرة المسلمة . وسبق لنا القول في الفصل السابق أن لورد كرومر ، مندوب بريطانيا السامي في مصر قد وجه الإداريين الإنجليز في السودان ألا يحملوا كلمته للأعيان السودانيين ، عام غزو السودان 1898 ، بحقهم في ممارسة دينهم بحرية محمل تقييد أيدي إدارتهم من التدخل في أمر الرق . وقد كان كرومر يعتقد أن أيام الشريعة معدودة على كل حال .

ولم يكن القضاة ولا محاكمهم بمنأى عن الحداثة فهما متورطان فيها ومبتلايان بها . كان القضاة الشرعيون من خريجي كلية غردون ، إذا تحرينا الدقة ، ثمرة من ثمرات الحداثة . وقد زينت لهم خدمتهم بالحكومة ، والمشي في مناكب سلطاتها وسلطانها ، والأكل من شعاب رواتبها ومخصصاتها ، طيب حياة الحداثة . وسنجد في سير هؤلاء القضاة ما يشي بأنهم الهجين الثقافي الذي يعتقد المنظرون المحدثون للإمبريالية أنه يتولد عن الاستعمار . فيروى عن الشيخ مصطفي المراغي ، قاضي قضاة السودان فيما بين 1908 - 1915 أنه كان ضالعًا في الحياة الحديثة يأكل بالشوكة والسكين . وقد نقل تلاميذه في الكلية عنه تعلقه بذيول الحداثة فكانوا يلعبون البولو والتنس وكرة القدم . وكانت في هؤلاء القضاة معابثة برقائق الحداثة . فقد تأثر إداري بريطاني بلطف قاض شرعي ما حين بعث له بتحية في مناسبة عيد الميلاد حملت تحايا سانتا كلوز . كما أثنى ديفز على قاض آخر كان يعلمه العربية ويختار جياد الأغاني والأشعار في تدريسه لا نصوص القرآن والحديث .

ونختم بالقول أن القضاة الشرعيين انتهوا إلى آبدة من عصور خلت عنوة واقتدارا بفضل حلف مكتوب وغير مكتوب قوامه الاستعمار والقضاة المدنيين والذكور المسلمين في السودان . وقد سبق الاستعمار إلى التنبيه إلى ضرورة الإحسان إليهم ولكن هيهات . فقد سأل السكرتير القضائي مستر جيلان ، مدير كردفان والخصم الأشد للمحاكم الشرعية ، أن يتلطف مع القضاة ، وأن لا يهشهم عن مسار الدولة الرئيسي مردفًا " أنه من غير المرغوب أن نجعل من قسمهم الشرعي قسمًا مفارقًا وناشزًا عن المشروع الكلي للحكومة " . وظل هذا الإقصاء الزائف المغرض عن المشروع الحداثي ، الحكومي ، سمة في حياة القضاة الشرعيين وشرطًا لها . فلم تحسن الحكومة الإنجليزية تأليفهم أو حتى مصانعتهم لخلق أعوان من بين أهل المستعمرة ييسرون لها أمر إدارة بلد هم عنه غرباء . وظل القضاة الشرعيون حتى إلى وقت قريب جدًا موضوع هزء مهني وسياسي . فقد ساء منصور خالد- كما مر- أن يراهم يدعون للدستور الإسلامي بعد ثورة 1964 ، وكره منهم هذا التطفل السياسي ، وقال يذكرهم بمنشئهم الإنجليزي في قانون الأحوال الشخصية للمسلمين كقضاة " أنكحة وميراث " لا سبب لهم في الخوض في أمهات الأمور مثل الدستور . وقد أضطر قاض شرعي في بور سودان عام 1977 إلى رفع شكوى ضد المرحوم الأستاذ محمود محمد طه لأنه قد وصفهم في إحدى ملصقات معرض لجماعته من الجمهوريين بأنهم " أذل من أن يؤتمنوا على الأحوال الشخصية لأنها أخص وأدق القوانين ، لارتباطها بحياة الأزواج والزوجات والأطفال ، في كلمة واحدة : العرض " . ووجدنا صدى لهذا الإزراء بعلماء الشرع في دهاليز الخلاف في دولة الإنقاذ بين الرئيس البشير والشيخ حسن الترابي . وكانت هيئة العلماء قد مالت إلى كفة البشير دون الترابي . وقد وصف السيد يسن عمر - الذي شايع الترابي - وصف هؤلاء العلماء ، عقابًا لهم على هنتهم السياسية هذه ، بأنهم قضاة أنكحة وميراث يقصرون بهما عن الحكم في أمهات أمر السياسة .

وكانت المحكمة الشرعية ، التي اختصت بمسائل الأسرة المسلمة وصحبتها و هي تتجرع غصص الحداثة الاستعمارية ، أوثق معرفة بدخائل الحداثة من المحكمة المدنية . وقالت لي مولانا نجوى كمال فريد في هذا المعنى إن المحكمة المدنية تؤجر لك المنزل بعقد إيجار وثيق غير أنها لا تدخل البيت كما تفعل المحكمة الشرعية التي ترعى عقود سكون الناس إلى بعضهم البعض . وإنه من الغلو تصوير أمر المحاكم المدنية والشرعية كمعارضة بين الحداثة والتقدمية من جهة والتقليد والرجعية من جهة أخرى . فلم تكن المحاكم المدنية هي ملاذ النساء ولا ساحة إنصافهن في كل آنٍ وحين . فقد تجاهلت هذه المحاكم مطالب النساء في زيادة استقطاع النفقة من مرتب الآباء . والتزمت بلائحة الإجراءات المدنية لعام 1974 و 1983 التي لم تسمح باستقطاع أكثر من 25% من مرتب المستخدمين لأي غرض من الأغراض . واعترفت فاطمة أحمد إبراهيم ، زعيمة الاتحاد النسائي السوداني ، أن الحيلة قد أعيت الحركة النسـائية في تعـديل هذا القانون الوضعي كما لم تعيها و هي تطالب بتعديل في شريعة السماء . وقد وقف السيد بابكر عوض الله ، رئيس القضاء في الستينات ورئيس الوزراء ووزير العدل في نظام نميري الباكر ، ضد مطالب الاتحاد النسائي في زيادة النفقة المستقطعة من المستخدمين زيادة ينظر فيها القاضي إلى حال الأطفال وحاجتهم في كل حالة . وقالت فاطمة أنه قد تم الاتفاق على حل وسط أوقف الاستقطاع عند الـ 50% من المرتب . ولا أدري إن كان هذا القرار قد توطن في القانون أو قد جرى تنفيذه أبدًا . وكانت المحكمة الشرعية ،من الجهة الأخرى ، أحنى بشأن النفقة . فقد أعطت لائحة التنفيذات ، المستمدة من لائحة المحاكم الشرعية لعام 1967 ، القاضي الشرعي حق خصم نفقة الأطفال من المستخدمين بما يفوق ما تسمح به القوانين المالية السائدة مع حفظ الحق للمتضرر أن يستأنف للمحكمة الشرعية العليا . وكانت منظمة النساء التقدمية ، الاتحاد النسائي ، تدعو إلى مثل هذا الخصم . ولم أجد في أدبها مع ذلك تنويهًا بهذا الحليف المهجور .

ولم تقف سعة قضاة الشرع للحداثة عند حد إصلاح تشريعهم في ظرف قاهر فحسب، بل قبلوا حتى بحتمية الاشتراكية واستعدوا لها بفقه الإسلام . وجاء هذا الاعتراف في مذكرة بعث بها قاضي القضاة ،مدثر الحجاز ، إلى لجنة الدستور في عام 1956 تستحثها أن تتبنى الدستور الإسلامي دستورًا للبلاد . وقد زين القاضي الأمر بحجج كثيرة ، من ذلك فتواه أن الإسلام لا يمانع في فوائد الأرباح لطغيان المال في النظام الاقتصادي الحديث . وقد استند في فتواه على التفريق بين أرباح عصرنا وبين الربا الجاهلي الذي حرمه الإسلام . ونبه اللجنة إلى سبق مصر في هذا المضمار حين قبلت بالفوائد متى كانت ملطفة مأذونة . وهنا المربط الاشتراكي لفرس القاضي . فقد قال إن قبولنا بالفائدة هو قبول بنازلة ينحني لها المسلمون حتى حلول الاشتراكية بين ظهرانينا . فحين ننتقل من الرأسمالية إلى الاشتراكية ، وهو يوم يراه القاضي قريب ولا محالة منه ، سيكون رأس المال بيد الدولة وليس الأفراد مما قد يبطل الحاجة إلى الفوائد . وبهذا يسلم المال من الربا كما أراد الإسلام تمامًا بتحريم الربا . وهذه لغة القاضي وليست ترجمة عنه .

ولم يجد القسم الشرعي حرجًا في تعيين النساء به منذ بداية السبعينات حتى جاء إسلاميون محدثون على عهد دولتهم الراهنة فحالوا دون النساء والقضاء ومراتب أخرى في الدولة . وقد غلب إسلاميو أيامنا هذه اعتبارات الحكم على اعتبارات الشرع . وكان للمرحوم مولانا الشيخ الجزولي ، قاضي القضاة قبل دمج القضائية في 1972 ، ومولانا نجوى كمال فريد ، أول قاضية شرعية ، الفضل في هذا الحدث الجاسر . فقد تخرجت نجوى من مدرسة اليونتى ، التي هي في الغالب مدرسة للجاليات الأجنبية في الخرطوم ، وكانت مغرمة بعلم النفس . وفاتحت معلمها في الأمر فقال لها أنك لن تحصلي على هذا العلم في جامعة الخرطوم لأنها لم تأذن به بعد . ونصحها أن تلتحق بقسم الشريعة الذي علومه هي الأدنى لعلم النفس لاشتغالها بفقه الأسرة التي مدارها النفس . وفعلت . وكانت أول طالبة بقسم الشريعة الرجالي حتى أخمص رجليه . فطلابه كانوا وحدهم يلبسون الجلابية البلدية في قلعة الحداثة الاستعمارية . ولقيت نجوى من هزء جماعة القلعة المحدثة هذه صنوفًا كثيرة . فمن تشنيعهم عليها قولهم أن المولانات سيعينونها مأذونًا . وقالت إن تعيينها بالقسم الشرعي تم في أول إبريل من السنة فأذاع الهزاء أن ذلك كذبة أبريل . وكان مولانا الجزولي مدرسًا لها بالجامعة وعطف عليها وخصها بعنايته وزكى لها التعيين بقسمه الشرعي في القضائية عملاً بفقه الحنفية الذي يولي المرأة القضاء في غير الحدود والقصاص . ولم يأذن لها بمباشرة النظر في القضايا خشية من ردة الفعل على هذا الأمر الذي لا عهد للناس به من قبل . وأوكل لها البحث في فقه القضايا المعروضة والتوصية بشأنها . ثم توالى وفود البنات على قسم الشريعة والتعيين في القسم الشرعي . وتولين النظر في القضايا وأصبحت أسماؤهن تحت إعلانات المحاكم على الصحف مشهدًا يوميًا عاديًا . وربما كانت ملابسة تعيين النساء في القسم الشرعي هي ما يعنيه أولئك الذين يقولون أن الطعن في الشريعة كخصيم لدود للحداثة هو محض سوء ظن لم يصدق في الواقع متى تيسر للقضاة بيئة من حسن النية تصرفوا فيها بلا جبر . فقد جاءتهم نجوى من حيث لم يحتسبوا تريد أن تقرأ النفس البشرية على ضوء فقههم . ولم يأنس القضاة الرغبة في ضمها إليهم فحسب بل وجدوا في فقههم بابًا تدخل منه راضية مرضية . وكان الأمر من اليسر واللطف بحيث لم يدر بالخلد أن كانت هناك أبدًا واقعة نزال بين الحداثة والتقليد .

Post: #981
Title: Re: الأستاذ محمود محمد طه: عم يتسآءلون؟؟!!
Author: عبدالله عثمان
Date: 07-04-2008, 10:35 PM
Parent: #980


فقه العاصمة: حمام السجوف وعصافير الربي (2002)

د. عبد الله علي إبراهيم
[email protected]

قال مغني الربوع الأمريكي:

لقد جعلني هواك رجلاً وسيماً.

وكثيراً ما هجس لي لماذا أصبحنا نحن السودانيين الشماليين علي هذا القبح في مسيرة عشقنا المعلن للجنوب. لماذا لم يدلف بنا هذا الهوي الي يسار يأخذ بشغاف قلوب غمار الناس من كل فج وطائفة وجنس يهدي الي الإلفة في الوطن. لأنه حتي شمالي الحركة الشعبية من اليساريين ومن لف لفهم، في مصطلح ضياء الدين البلال، لم يعلموا من مسألة الجنوب الا ما يسد رمقهم للفتنة بين الأقوام والتأليب وسفك الدماء. وقد تنصلوا عن هذا العلم حين جعلوا نسكهم ومحياهم للزعيم قرنق دون شاغل الجنوب نفسه الذي سبق ميلاد قرنق وسيبقي حتي يأذن الله. ولم يجعلنا التعلق بالجنوب مسلمين أقوياء تتسامي فيه عبادتنا فوق الهرج. ليس فينا بعد دستور مدينة المصطفي صلي الله عليه وسلم الذي منونا به حسماً للخلاف في البلد وقد طالت دولة الأسلاميين وتطاولت. وهو الدستور الذي نفذ الي دوحة أمنه الشاعر محمد المكي ابراهيم بقوله:

مدينتك الهدي والنور

وتسبيح الملائك في ذؤابات النخيل

وفي الحصي المنثور

مدينتك الحقيقة والسلام

علي السجوف حمامة وعلي الربي عصفور

مدينتك الحديقة أقرب الدنيا

الي باب السماء وسقفها المعمور

وبدلاً من أن ينثر لنا الاسلاميون حصي السلم أرونا عجبا. فقد تراخي اجتهادهم وقل تناصرهم وتفرقوا شيعاً تربط واحدتها للأخري تحول دونها وصفو الكوثر المحمدي في إلفة الشعوب والقبائل. فلما استثني قانون الشيخ حسن الترابي الجنائي لعام 1988 علي علاته الجنوب من حد الشريعة خرج له الاخوان المسلمون يعاتبونه بالسيوف. وهذا من قبيل عتاب الجمهوريين لشريعة الرئيس نميري التي سهت عن تضمين حد الرجم في 1983 . وقد رأينا سوءة أخري لحرب طوائف الاسلاميين حين انشقوا الي قصر ومنشية وكيف كادت المنشية للقصر بتوقيع ميثاق جنيف مع الحركة الشعبية دعت فيه الي عقد اجتماعي جديد في السودان "لايسمح بالتمييز بين المواطنين علي أساس الدين أو اللغة أو العرق او النوع أو الاقليم." وعلي بهاء العبارة فانها تنضح بمكر المعارضة للحكومة التي لم تبارحها المنشية الا بقليل قبل توقيع الميثاق. فلم تكن العبارة اجتهاداً في الاسلام وانما حرب به أو بأسمه. ولايستغرب والحال كذا أن لا نكسب بتعاطي أمر الجنوب معرفة أذكي به يصفو بها اسلامنا ويذكو. ولما لم يكن الأمر لله كان للسلطان والله غالب.

وقد ارتعت لما استمعت اليه في العام الماضي من حوار مرموق للأستاذ عبد الحي يوسف يدعو الي فقه أهل الذمة آية وشكلة بما في ذلك فرض الجزية عليهم. وقلت له أن اول عهدي بدعوته هذه كان في منابر جامعة الخرطوم في الستينات والحركة الاسلامية غضة العود لم ترتكب بعد السياسة العملية التي ألانت قناتها هوناً ما. وقد رايت في دعوة عبدالحي الي الشباب، الذي تتشكل حساسيته الاسلامية منذ عقد واكثر من السنين في ردة الفعل علي ما يراه خطلاً في عقيدة وممارسات دولة الانقاذ الاسلامية، تجديداً للدين بالنكوص الي البراءة الأولي والنصوص البكر بدلاً من الأعتبار بفقه من سبقوهم من رهطهم الي ابتلاء مسألة التآخي في السودان. ومن قبيل هذا التشدد الغر في فقه اهل الجزية الفتوي التي ذاعت عند حلول عيد الفطر الماضي ونهي فيها علماء بذاتهم عن تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد الذي كان وشيكاً. وهذه هي بعض الاقوال والمناهج التي باعدت بين الاسلاميين والوسامة بشأن الجنوب وهبطت بهم من مقام زعمهم انهم أهل حل وعقد لمسألة التآخي السوداني بسنة دولة المدينة الي خانة اصبحوا بها جزءاً أصيلاً في المشكلة. فلقد تقطعت أنفاسهم وازبدوا دون غرس مدينة مصطفوية أخري للهدي والنور.

مما يؤرق جداً خلو طرف الدولة والأسلاميين من فقه وسيم للعاصمة في سياق المفاوضات المصيرية في ميشاكوس سوي الاصرار أن المدينة لن تحكم بغير الشريعة. وما أعرف جماعة سياسية استعدت لسياسة مبتكرة للمدينة، التي تغيرت ديموغرافيتها وتنوعت ثقافتها بليل، اذا جاز التعبير، مثل الحركة الاسلامية. فقد تعاقدت في منتصف الثمانينات مع الدكتور ت. عبده ملقم سيمون، الامريكي الافريقي المسلم واستاذ علم النفس لينصحها لوجه الله لبناء خطتها السياسية والدعوية حيال تفشي قري الكرتون في الخرطوم بجمهورها "الافريقي" الذي قلعته عن دياره الحروب والمجاعات والجفاف واللجوء. ولم تكمل الحركة جميلها الذكي هذا. فقد اشتكي سيمون أن قادة الحركة ضاقوا بصراحته وانتهوا، بدبلوماسية شمالية لطيفة، الي اهماله بغير جفاء أو غضاضة. واستفاد سيمون من السانحة كتاباً حسناً نشرته له دار جامعة شيكاغو للنشر عام 1994 اسمه: في أي صورة ركب: الاسلام السياسي وطرائق المدن. وقد نبه الكتاب الي التحدي الوجودي العقدي الذي تأتي به مدن العاصمة "الكرتونية" الهجينة الي ساحة السياسة والتشريع في السودان. وقد وصفها بأنها مواقع ل"الانبعاج" الثقافي تندلق الثقافات في بعضها البعض بدلاً من أن تأوي واحدتها الي الاخري تأتلف وتتناغم. ووصف سيمون هذه المدن، التي يبلغ سكان بعضها مثل النصر (مايو سابقاً) في امدرمان 750 الف نسمة، بأنها كرنفال للعلمانية. فالدعوة بالصفاء أو الثابت الثقافي من قبل أي طائفة من سكان هذه المدن الهجين هي مجرد دعوي قل أن تتجاوز الزعم الي ماهو أكثر من ذلك. وكنت التمست من الحركة الاسلامية أن تعيد النظر في جفائها لنصح سيمون وأن تكلف من يعرب كتابه تعريباً سائغاً ينتفع به كادر الاسلاميين الذي يلقون مسألة فقه العاصمة بغير علم.

وكان اعجبني من الجهة الأخري اشتغال عالم وحركي اسلامي في مقام الدكتور حسن مكي بأمر هذه الهجنة. فقد رسم من احصائيات السكان لعام 1997 صورة لعاصمة لم تعد مدينة "عربية" كما كانت في 1956 بل "أفريقية". فقد كان عدد الجنوبيين بالمدينة 183 ألف نسمة في 1956 في حين تجاوز عددهم في 1997 المليون نسمة من جملة سكان المدينة الذين هم 3512000 نسمة. ومن حيث النسب المئوية فسكان العاصمة من ذوي الاصول في غرب السودان بلغت 35%، وبلغت نسبة الجنوبيين 30%، ونسبة الكردفانيين 10% بينما بلغت جماعات الجزيرة والوسط النيلي وماجاورها 25%. وسمي حسن مكي هذه الوفود "الافريقية" بالجمهرة المستضعفة التي إن لم تنعتق في معاشها ومعادها بالاسلام انعتقت بغيره من عقائد الدهرية والعرقية. وأمل حسن مكي أن يهدي المشروع الاسلامي هذه الجمهرة الي معاني الوطنية والآخاء والندية. غير انه صدره لم ينشرح بالجهد المبذول نحو هذه الغاية.

وحين ضاع علي الاسلاميين خيط العلم بهجنة العاصمة اصبحت سياساتهم بشأنها خبط عشواء. وقد استثني المهندس بانقا، وزير الهندسة والاسكان السابق بولاية الخرطوم، الذي اشاد الخصوم برقة منهجه وعاطفيته علي مستضعفي المدن الهجينة قبل الاصدقاء. فقد جعل الاسلاميون من وفود الجنوبيين الذين اقتلعتهم الحرب الي العاصمة حجة علي فساد مايشاع عن جور دولة الانقاذ والشماليين واضطهادها للجنوبيين. وفي حجتهم هذه حق كثير. فقد قرأت مؤخراً كلمة مسوؤلة محايدة عما جري لمن لجأ من الجنوبيين الي مدن تحت سيطرة الحركة الشعبية وتوابعها. فقد أساء الدكتور مشار لجماعة من شعب الأدوك الذين لجأوا الي الناصر هرباً من أثيوبيا بعد سقوط نظام مقستو هايل مريام. كما غصب قرنق علي الجندية من عرفوا ب"اطفال التيه" من اليتامي الذين أغراهم بتلقي العلم في مدارس خاصة بالحركة.

كان اول من نبه الي القيمة السياسية والآجتماعية لاطمئينان الجنوبيين المقتلعين لعاصمة الوطن ولياذهم بها هو المرحوم مبارك قسم الله حين رأي كيف تشوش الأسلاميون والعاصميون القدامي من هذا الوفود. وهو تشوش غلب عندهم احترازات الأمن لحماية العرض والمال. وقد حما مبارك من غرائز الخوف الأصنج هذا أنه كان من أهل الدعوة الي كنف الاسلام الوهيط ومن بناة مدنه المفتوحة الي "باب السماء وسقفها المعمور." ومع استخدامنا المفرط لحجة وفود الجنوبيين الي العاصمة لدحض أفتراءات عنا الا أننا لم نرتب علي ذلك وجداناً يتخطي الفرح بقدومهم الي تأمينهم بحسن الجوار وتوفير أسباب العدل والعيش الكريم لهم ماوسعنا. فقد كتبت مرة بعد مرة عن ثشوش العاصمة القديمة من العاصمة الجديدة متي ما بدر من افراد من الأخيرة ما أقلق المضاجع وأثار الخواطر. فسرعان ماننسي ميثاقنا مع العاصمة الجديدة التي نفاخر بقدومها الينا دون الآخرين ويركبنا هاجس "حزام الجنوبيين" ونغلظ ونتداعي الي أجهزة الأمن. وهكذا نفارق الوسامة لأننا هبطنا بثقة الجنوبيين فينا الي درك جعلها مجرد دليل إثبات للعالمين علي إنسايتنا.

وبدا لي انه لا الاسلاميين ولاقادة الرأي استعدوا بفقه أو رأي في التشريع لعاصمة اطرد تفاقمها السكاني وتنوعت عقائد الناس فيها وتباينت توقعاتهم بشأن العدل فيها. فقد كانت اول ردة فعل لاتفاق مشاكوس من قبل هيئة علماء السودان هي الحاحهم علي الوجوب الشرعي لتطبيق الشريعة في العاصمة لأن أمر الشريعة امر دين وعقيدة للمسلمين. واعتصام العلماء بهذه العقيدة يضعف من قولهم في نفس بيانهم الأول بعد الاتفاق أن الاسلام يراعي حقوق الآخرين لأنه دين الحق والعدل والاحسان. فقد صح أن يسأل المرء هنا لماذا لايرينا العلماء في هذا المنعطف الحرج في الوطن كيف يحسن الاسلام ويعدل ويحق حق هذه الجماعة الكبيرة من الجنوبيين (التي تشكل نسبة 40% من كل سكان الجنوب في قول وزير الصحة) وغيرهم في العاصمة من هم علي غير عقيدة الاسلام. لقد اعتصم العلماء بسداد العقيدة واستنكفوا استنباط فقه يمكننا من ملاقاة ابتلاء خلطة الشعوب والقبائل وهجنتها. وهذا قصور بين عن إعادة انتاج معاصرة للمدينة المصطفوية التي هي ادني الي باب السماء وسقفها المعمور.

وخطة بعض قادة الرأي العام عندنا ليست بعيدة عن خطة العلماء في التعامي عن حقائق العاصمة السكانية والاستغراق في ما عدا ذلك. فقد اقترح كثير منهم أن تكون العاصمة غير الخرطوم حين بلغهم تجديد الحركة الشعبية لمطلب أن يكون التشريع في العاصمة علمانياً. وقد تباروا في عزل المدن التي يمكن أن تحل محل الخرطوم بعد حذفها كعاصمة. وليس هذا تفكيرا في الأمر الشاغل واجتهاداً بل تهرباً منه بحثاً عن كبش فداء من المدن غير الأثيرة ليذبح علي أعتاب العلمانية حرصاً علي اتفاق مشاكوس. والبلاء بلاقوه بالكرامة. وقد استغربت لماذا لم يخطر لأهل الرأي هؤلاء تغيير العاصمة الا الآن بينما هو أمر تناولته الاقلام بأسباب لا علاقة لها بالتشريع للعاصمة. فقد كنت قرأت للدكتور عمر محمد علي يوماً ما يقترح نقل العاصمة الي قرية نادي في دار شعب الرباطاب مثلاً. وجاء بأسباب فيها نظر الي الأقتصاد والأدارة وقد طال بي وباقتراحه الزمن. إن اقتراح نقل العاصمة ما يزال فكرة طيبة غير اني اخشي انه، في سياقه الحالي، قد يكون مجلبة للظنون في جديتنا في الشمال في حفظ العهود ودفع الثمن الباهظ للسلم الذي تفلت منا. ولله در زهير ابن ابي سلمي الذي لم يتلجج في نصح أهله بحقن دمائهم الجاهلية ودماؤنا مسلمة والحمد لله:

هي الحرب ما علمتم وذقتم وماهو عنها بالحديث المرجم

انني أفهم بغير مواربة لماذا نلقي في الشمال بالحيرة والتشدد والصهينة احتمال أن يجري الحكم في الخرطوم علي غير الشريعة. أفهم هذا وأنا الذي دعوت وماازال ادعو الي فصل الدين عن الدولة. فالخرطوم ربما كانت أقرب المدن عندنا الي منزلة العتبات المقدسة عند الشيعة. فهي بقعة المهدي التي قدل في عرصاتها المغني رقيق الحاشية خليل فرح "حافي حالق" في الطريق الشاقيه الترام:

في يمين النيل حيث سابق كنا فوق اعراف السوابق

في الضريح الفاح طيبو عابق السلام يا المهدي الامام

وإرث الخرطوم الاسلامي تالد أيضاً يحمله سكان لم ينقطعوا عنه أو ينفصلوا. ويكفي للشهادة علي ذلك سور تلك المصلحة علي شارع النيل التي ضمت ضريح ولي ما بأمر الأنجليز. وقد لايقبل أكثرنا أن تكون الخرطوم علمانية لمجرد أن صادفت وكانت عاصمة السودان. وربما كانت السرعة التي خلع بها بعضنا شارات السياسة والادارة عنها والقي بها الي مدن أقل روحانية ليسلم للمدينة طابعها الديني هي ردة فعل أولي دالة علي عقيدتنا في الخرطوم كعتبة مقدسة. ولكنني وددت لو كنا أكثر شفافية في عرض هذا الهاجس الروحي علي الجنوبيين ومفاوضيهم بدلاً من التمترس وراء العبارة العقدية الصماء أو الالتفاف حول المسألة بتقديم كبش مدينة اخري تفدي الخرطوم. فاللجنوبيون روحانيات ومقدسات جمة من أنفاس وجد أنبياء النوير و عوالم الدينكا العقدية التي فصلها الانثربولجي الانجليزي لينهاردت في كتاب قديم ومن هدي المسيح عليه السلام في الصفح والغفران. وهي روحانيات لم يزدها وجع حرب الحكومة وحروب متعلميهم الا ملكة في الاصغاء والانفعال و البشارة. وهذه أريحية ان لقيناها بنبل أشد بلغنا بر الأمان ان شاء الله.

ولم يخل تاريخ الخرطوم الاسلامي العميق من قولة الحق بشأن "الأفريقيين." فقد نذكر كلمة الشيخ خوجلي ابو الجاز، ولي توتي المشهور، الذي ضاق يوماً بخصومة أهله الأزلية حول ملكية الأرض فوقف فيهم مؤنباً ومذكراً قائلاً لهم أن هذه الآرض هي ارض النوبة وقد اغتصبتموها منهم. وهذا شيخ أراد الخير لأهله بنزع الشح والغل عن نفوسهم. فبينما يريد لنا شيوخنا وأهل الرأي مدن الشقاق والخسران أراد ابو الجاز لأهله ان يأووا الي المدينة المصطفوية التي يجري رونق الوسامة علي سيماء اهلها:

مدينتك الحقيقة والسلام

علي السجوف حمامة وعلي الربي عصفور

لقد نفذ محمد المكي ابراهيم الي جوهر الطلاقة في المدينة التي تخيلها ولم شعثها الصادق الأمين الذي سألنا أن لا نقهر اليتامي الذين هو منهم . . . وكل المستضعفين.