ديمقراطية السودان القادمة تحتاج لضمانات أخلاقية شطب التجربة القديمة من الذاكرة : د.كرار التهامي

ديمقراطية السودان القادمة تحتاج لضمانات أخلاقية شطب التجربة القديمة من الذاكرة : د.كرار التهامي


10-12-2005, 07:39 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=80&msg=1129099187&rn=0


Post: #1
Title: ديمقراطية السودان القادمة تحتاج لضمانات أخلاقية شطب التجربة القديمة من الذاكرة : د.كرار التهامي
Author: ghariba
Date: 10-12-2005, 07:39 AM

ديمقراطية السودان القادمة تحتاج لضمانات أخلاقية

شطب التجربة القديمة من الذاكرة والإنطلاق نحو تجربة جديدة

د. كرار التهامى

لا يوجد نظام اجتماعي ولا سياسي مبرأ من العيب كما لا يوجد نظام معياري لإدارة المجتمع والسياسة، والفرق بين هذا النظام أو ذاك هو القيمة الكمية التي ترجح كفة أيهم، فالنظام التعددي الليبرالي هو الذي مكن الحضارة الغربية من اجتياز الحاجز الأخير في السباق الأممي تاركة الحضارات الأخرى تلهث خلفها خائرة عاجزة عن اللحاق بها، كما أن النظام الشمولي الذي اقتسم السلطة في هذا الكون مع النظام الليبرالي لم يكن سيئاً بشكل مطلق، فلقد كان أساساً لاستقرار هذا العالم وتوازنه بعد الحرب الكونية وبعد أن بدأت الامبريالية تتمدد دون هوادة في مشارق الأرض ومغاربها وكان يقف - أي النظام الشمولي - وراء النهضة العلمية الباهرة التي حققها الاتحاد السوفيتي وقدرته الفذة في اجهاد الغرب في مضمار السباق العلمي والذي دشن مرحلة الحرب الباردة. وكلمة شمولية - لا كما يفهما العوام - تعني الفهم الشامل لقضايا الحياة والسياسة والثقافة والمجتمع والاقتصاد برؤية موحدة للكون والإنسان، رؤية لا تنفصم ولا تتجزأ، والأنظمة التي اعتنقت هذه المفاهيم عبرت عنها لسوء الحظ من خلال شكل سياسي صارم وجامد فهي لم تمارس ليونة وهلامية ومرونة الأنظمة التعددية التي تعرف كيف تلتف على مزاج الناس كما تلتف الأغصان المرنة وتنحني أمام العواصف، أما الأنظمة الشمولية فهي كالأغصان اليابسة تصطدم بالواقع السياسي وتدق عنقها على ما فيها من مزايا تستعصي على الحصر وتصعب على القراءة السطحية تلك القراءة التي يرى أصحابها الوجود السياسي منقسماً على أنظمة حكم ديمقراطية تتداول بها السلطة مجموعات وأحزاب، وأنظمة حكم ديكتاتورية يحكمها نظام واحد شمولي .. هذا الاختزال لما هو كائن جعل تلك الأنظمة المسماه ديمقراطية لمجرد تداول السلطة أنظمة ضعيفة وتمارس قدراً من الاستبداد الكامن من خلال التداول الشكلي للحكم بين مجموعات لا تتمتع بالحد الأدنى من الديمقراطية في بنيانها السياسي أو تطورها التاريخي، فالوجوه نفس الوجوه، والتغيير مستحيل والإصلاح منبوذ. وبقدر ما يتمتع الحاكم الديكتاتور بحاشية وصحابة مخلصين من النخبة الانتهازية والنفعيين يتمتع كذلك الحاكم (الديمقراطي) بحاشية أكثر ضلالاً ونخبة أكثر امتثالاً وصحابة موغلين في التبعية ومغالين، إذن الفرق في المقدار والشكل بين الاستبداد الحديث والاستبداد التقليدي، الأول يركب على حمار الجندية والثاني يركب حمار العصمة والطائفية والمثقف هنا وهناك هو الذي يهش على هذا الحمار بعصاة ثقافته التبريرية للراكب والمركوب.

التجربة السودانية مشت في هذا الدرب المتعرج بين راكب وراكب، قدمت الأنظمة العسكرية التنمية وسلبت الروح وقدمت الأنظمة المدنية الديمقراطية النسبية وسلبت التنمية وبمجرد الوصول إلى الطريق المسدود يتبادلان المركب ويبحران في المجهول، هذه الدائرة المفرغة أصابت التطور السياسي بالدوار والإنكسار وأصابته تشوهات خلقية لايمكن رأبها.

لهذه الأسباب عجزت الأمة السودانية طوال نصف قرن من كتابة دستور كما عجزت من تطوير تجربتها والاستمرار بها صعداً - النموذج الصيني - والتجربة الحزبية على وجه الخصوص وعلى طريقتها القديمة لم تكن تملك مقومات الاستمرار لذلك فإن العساكر الذين انقضوا على السلطة في هذا العهد أو العهود السابقة لم يكونوا يبذلون جهداً كبيراً ليصلوا إلى القصر، كانت قصص الإنقلابات العسكرية في كل مرة تدعو إلى الضحك والسخرية من الأنظمة المدنية الهشة وقياداتها النائمة في عسل الإرث الاجتماعي والعائلي والتي لم تكن في مرات كثيرة بعيدة عن المشروع الإنقلابي الذي يطيح بتجربتها بالإيحاء أو المشاركة أو التشجيع أو غض الطرف نكاية في الطرف الآخر أو خوفاً من تطور سياسي يعصف بها .. لكن مايمكن قوله أن هذه الأنظمة الحزبية ذهبت وتهشمت لأنها لم تكن تملك مقومات البقاء والاستمرار بدءاً من مكوناتها الداخلية إنتهاءاً بالمناخ العام غير الملائم لغرس نبتة الديمقراطية، والعمل الحزبي الرصين، فوقود الوعي السياسي العام لم يكن كافٍ لإدارة ماكينة الديمقراطية والقدرة على حمايتها كانت مجرد وهم وحداء شعراء، والأحزاب التي نهضت عليها كانت عاجزة عن إلهام الجماهير وتحريكها في الإتجاه الصحيح نفس الجماهير التي تهتف في مرات كثيرة عندما يوشك السقف على الإنهيار (العذاب ولا الأحزاب) لإنقطاع الصلة العاطفية والعقلية مع الأحزاب والبيوتات التي تأويها، لذلك لم يكن الإنقلاب العسكري في السودان مخاطرة بل كان نزهة وصيد سهل لمن يستطيع القيام مبكراً وإرتداء بزته العسكرية قبل الآخر... والنظام العسكري لا يدوم طويلاً لأن الناس تمله وتمل أن ترى صورة الحاكم وتسمع صوته لتزدرده أو تتغرغره حبة مع الفطور وحبة مع الغدا وحبة قبل النوم هذا هو الذي يؤدي إلى التقيؤ السياسي وهي نفس الحالة التي يسببها الحاكم المدني عندما يبدأ في الدوران حول نفسه ويفقد البوصلة ويدمن الحديث والتنظير حتى يدوخ المجتمع ويفقد أعصابه.

المرحلة الحالية تبدو مهيأة أكثر من ذي قبل صحيح أنها توجد بها ثقوب كثقوب (الجبنة السويسرية) على حسب تعبير السيد الصادق المهدي لكن إذا لم تستثمر القوى السياسية مزايا هذه المرحلة وبدلاً من ذلك تسعى للإنقلاب عليها مدنياً أو عسكرياً فإنه من الصعب تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي في السودان لأنه لن يكون هنالك ظرف أفضل من هذا الظرف لوضع قواعد متينة لديمقراطية وتعددية سياسية ذكية، صحيح أن التجربة الحالية أفرزها إنقلاب عسكري لكن التجربة تمدنت بسرعة وخرجت من نفق الحزب الواحد إلى نظام دستوري قيد الصياغة، صحيح أن التجربة جيشت الناس لحرب ضروس لكن الحرب إنتهت بسلام مشهود سيمهد لديمقراطية مطمئنة لا تحاصرها الحراب والحروب في الغابات أو في السافنا الفقيرة ... صحيح أن هنالك تظلمات وثورات جهوية مسلحة لكن الديمقراطيات المعاصرة في إرقى بلاد العالم تواجه معظمها أحداث وحركات عسكرية ومطالب جهوية رغم تطور التجربة السياسية والاقتصادية .. صحيح أن التجربة الحالية بدأها فصيل فكري واحد، راهن على قدرته في الإختراق والوصول إلى أهدافه مواربة أو بشكل مباشر لكنها الآن مفتوحة والرهان الآن على استقطاب الأغلبية في حراك ديمقراطي سلس .. صحيح أن هنالك مطالب عادلة بالمزيد من المساواة والمزيد من الديمقراطية لكن روما لم تبنى في يوم واحد وإختصار كل هذا الحراك في خطوة واحدة سيجعل عاليها سافلها ومحاولة ابتلاع الإصلاح كله في جرعة واحدة يغص به الوطن.

إن ما تحتاجه الديمقراطية القادمة ليس المزيد من الثرثرة والمطالب وتأجيج الصراعات المطلبية والجهوية في وجه التجربة وتأسيس التحالفات على هم الصراع مع الحكام ووضع العصى في دولاب التطور السياسي ... والديمقراطية القادمة لا تحتاج إلى ضمانة من الأمم المتحدة ولا المجتمع الدولي فهؤلاء آخر من يفزعون ديمقراطية آيلة للسقوط وآخر من ينقذ مجتمع يتداعى وينهار من الداخل ... الديمقراطية القادمة تحتاج لضمانات أخلاقية من المعارضين والحاكمين لمراعاة أصول اللعبة في سياقها الجديد والكف عن التهييج أو التقييد الذي يمكن أن يقوم به الطرفان والقبول بمحصلة التجربة إلى هذا الحد وشطب التجربة القديمة من الذاكرة والإنطلاق إلى تجربة جديدة تكون فيها الأطراف المشاركة أكثر قدرة على السماح وأكثر قدرة على التنازل ومسح الكراهية من الصدور.


Post: #2
Title: Re: ديمقراطية السودان القادمة تحتاج لضمانات أخلاقية شطب التجربة القديمة من الذاكرة : د.كرار الت
Author: tmbis
Date: 10-13-2005, 03:58 AM
Parent: #1

فوق

Post: #3
Title: Re: ديمقراطية السودان القادمة تحتاج لضمانات أخلاقية شطب التجربة القديمة من الذاكرة : د.كرار الت
Author: ابو جهينة
Date: 10-13-2005, 05:05 AM
Parent: #2

أبو أحمد
سلامات و رمضان كريم

التحية لدكتور كرار التهامي

Quote: التجربة السودانية مشت في هذا الدرب المتعرج بين راكب وراكب، قدمت الأنظمة العسكرية التنمية وسلبت الروح وقدمت الأنظمة المدنية الديمقراطية النسبية وسلبت التنمية وبمجرد الوصول إلى الطريق المسدود يتبادلان المركب ويبحران في المجهول، هذه الدائرة المفرغة أصابت التطور السياسي بالدوار والإنكسار وأصابته تشوهات خلقية لايمكن رأبها.


لمس موضع الجرح تماما.
تسلموا

Post: #4
Title: Re: ديمقراطية السودان القادمة تحتاج لضمانات أخلاقية شطب التجربة القديمة من الذاكرة : د.كرار الت
Author: mahmed alhassan
Date: 10-13-2005, 05:53 AM
Parent: #3

الاخ/غريبة

تحية عبرك لدكتور/ التهامي ونأمل منه تشريف يوم الافطار السنوي بورداب الرياض

Post: #5
Title: Re: ديمقراطية السودان القادمة تحتاج لضمانات أخلاقية شطب التجربة القديمة من الذاكرة : د.كرار الت
Author: ghariba
Date: 10-13-2005, 06:29 AM
Parent: #1

اخي محمد حسن

حسب المحادثة الهاتفية التي تمت مساء امس مع الدكتور
وعدني بالحضور وسامر عليه العصر لتأكيد الحضور


صلاح غريبة الرياض