في بيتنا إنفصاليون الرأى العام : حسن ساتي

في بيتنا إنفصاليون الرأى العام : حسن ساتي


08-07-2005, 09:00 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=80&msg=1123401628&rn=0


Post: #1
Title: في بيتنا إنفصاليون الرأى العام : حسن ساتي
Author: jini
Date: 08-07-2005, 09:00 AM

Quote:


استوقفني طرح غريب، كان من الطبيعي أن تفرد له منابر إعلامية عالمية مساحات، لا لجودة في بنيته، ولا لتماسك في بنائه، ولا لمنطق يحتويه، ولا لمواكبة ومقاربة يمكن أن يلامس بهما الفكر السياسي المعاصر، فكر العولمة الذي لا يزال يتشكل. ولكن ماذا نفعل مع بعض طواحين إعلام هذا الزمان، يستهويها الغريب فيفتح بعضها له النوافذ، ويشرع بعضها الآخر له الأبواب، في عصر وكما قال فيه صحافي أميركي ، أصبحت فيه القنوات الفضائية والإعلام الأميركي مثل طيور الشحرور الجالسة على أسلاك الهاتف ، تطير كلها حين يطير واحد منها فقط ، فتجاريه .

الفكر الغريب صادر من بيننا في الخرطوم، تفاعل مع أحداث الاثنين الدامي وما تلاها، فراح يروج لطرح مغزاه أن يتبنى الشمال كما الجنوب فكرة الانفصال، ويبني في سياق هش كما بيوت العنكبوت، وهي أوهى البيوت على الإطلاق كما حسم أمرها القرآن الكريم، يبني المقارنات بين سقوط طائرتي المشير الزبير محمد صالح واللواء إبراهيم شمس الدين بالجنوب، وبين سقوط مروحية جون قرنق، بمنطق هو المنطق القديم الذي انتقده أرسطو في " الأورغانون " واصفا إياه بأنه يستصحب ما أطلق عليه " المصادرة على المطلوب "، وتلك مسألة يطول شرحها، ويريد هذا المنطق بهذه المقاربة المريبة أن يقول لنا أن أهل الشمال لم يعتدوا على الجنوبيين في أي مكان حين فقدوا رمزين سياسيين، في حين استباح الجنوبيون الخرطوم مع حالة مروحية قرنق .

منطق غريب هذا الذي يريد أن يقفز الى تحديد مصير الوطن بحاله بحالات عابرة، ومنطق أعرج هذا الذي يتغافل عن الفوارق في اختزان المرارات بين الشمال والجنوب، ففي أجساد أولئك السمر في الخرطوم أو مدن الشمال مرارات، واحتقان، ساهمت في تفجيرهما ملابسات الرحيل المفاجئ، ولكن غرابة ذلك المنطق تكمن أيضا في محاولات التسويق في هذا الظرف العصيب لهكذا بضاعة، لا أراها إلا بائرة بين أهل الشمال تحديدا، تصوروا منطقا يتجاهل احتشاد ما يقترب من ستة ملايين نسمة لاستقبال جون قرنق، لا لشخصه، وإنما تلبية لمخزون وتوق مركوزين في الوجدان نحو العدالة والتسامح والسلام ، بل لعقلانية التاريخ ، وكلها قيم كانت لها الغلبة بين الناس الى زمان قريب ، وكان لها تيار عام وجامح، عصف به ما عصف من تبدل الأحوال وغارات الزمان في أي مكان على منظومة القيم الخيرة، فهذا زمان السيولة السياسية العالية والعولمة.

نسي هذا المنطق مدلولات الأحداث ولم يكلف نفسه عناء الوقوف عند فلسفة التاريخ ، وللعلم فهذا علم حي ويدرس الى اليوم ، وفيه إجتهادات لفلاسفة وفيه عقول لا تزال تجتهد لتبصير الانسانية باجتهادات تعين على فهم ما يحدث الآن في عصر هذه العولمة .

فلسفة التاريخ تلك في جماعها تدعونا إلى ضرورة التمييز بين التاريخ الظاهري أو السطحي للأحداث والتاريخ العميق، فظاهرياً يبدو كل شيء جنونياً أو فوضى عارمة، أو نوعاً من العبث واللامعقول ، ولكن فيلسوفا في قامة هيغل يقول لنا : ما من شيء عظيم يتحقق في التاريخ، إلا من خلال الصراعات الدموية والأهواء البشرية المتناقضة والهائجة، انه لوهم ساذج ومغفل ان نعتقد بأن البشر يصلون للصحيح بدون المرور على الخطأ، أو للحق بدون المرور بمرحلة الباطل، أو الى النور بدون الخبط في الظلمات. ليقل لنا أخيرا : التاريخ عقلاني برغم انه يبدو لنا فوضوياً مليئاً بالحروب والمجازر والظلم والقهر ، وبرغم كل المظاهر السطحية الخادعة التي تقول لنا عكس ذلك .

في ما حدث في الخرطوم ياسادتي خير يلبي جدلية التاريخ ومناهجه في الوصول الى بر الأمان ، بالإستبصار طبعا ، وليس بحرق المراحل بتلك الصورة التي يحاول أن يسوق لها إنفصاليون في بيتنا ، برغم أن في وجودهم أيضا تلبية لعقلانية التاريخ ... الى الغد

للاتصال بالمجلة السودانية
أرسل ايميل الى العنوان [email protected]